
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الباب الرابع
في اللواحق
والكلام يقع في
هذا الباب في مقاصد الأول ـ في القضاء وهو إما أن يكون عن الإنسان نفسه أو عن غيره
من الأموات ، فهنا مطلبان (الأول) ـ في قضاء الإنسان عن نفسه ما فاته وفيه مسائل :
الأولى ـ الظاهر
انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في عدم قضاء ما فات بصغر أو جنون أو
حيض أو نفاس أو كفر أصلي.
ويدل على
الأولين مضافا الى الإجماع حديث رفع القلم عن الصبي والمجنون كما ذكره بعض الأصحاب. إلا ان فيه ان غاية ما يدل عليه
سقوط الأداء ، ويمكن إتمام الاستدلال به بأنه لما دل على سقوط الأداء ـ ومن الظاهر
عدم ترتب القضاء على مجرد فوات الأداء بل لا بد له من أمر جديد على الأشهر الأظهر
ـ فلا قضاء حينئذ لعدم الدليل عليه. وقيد شيخنا الشهيد الثاني في الروض الثاني بما
إذا لم يكن سبب الجنون من فعله وإلا وجب عليه القضاء كالسكران. انتهى. وعلى الثالث
__________________
والرابع ما تقدم في كتاب الطهارة.
وعلى الخامس
مضافا الى الإجماع المذكور قوله سبحانه «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ... الآية» والخبر وهو قوله صلىاللهعليهوآله «الإسلام يجب ـ أو يهدم ـ ما قبله».
وتقييد الكفر
بالأصلي كما ذكرنا وقع في عبائر أصحابنا أيضا للاحتراز عن العارض كالمرتد وسيأتي
حكمه ان شاء الله تعالى في المقام.
إنما الخلاف في
المغمى عليه إذا استوعب الإغماء جميع وقت الصلاة فقد اختلفت فيه كلمة الأصحاب
الظاهر اختلاف الأخبار في هذا الباب ، فالمشهور انه لا يجب القضاء عليه ، وعن بعض
الأصحاب انه يقضى آخر أيام إفاقته إن أفاق نهارا أو آخر ليلته إن أفاق ليلا ، وقال
الصدوق في المقنع : اعلم ان المغمى عليه يقضى جميع ما فاته من الصلوات ،
وروى ليس على المغمى عليه ان يقضى إلا صلاة اليوم الذي أفاق فيه والليلة التي أفاق
فيها ، وروى انه يقضى صلاة ثلاثة أيام ، وروى انه يقضى الصلاة التي أفاق في وقتها.
وهو كما ترى ظاهر في اختياره قضاء جميع ما فاته. والعجب منه (قدسسره) انه بعد أن اختار وجوب القضاء عليه لجميع ما فاته أسند
الأقوال الباقية إلى الرواية ولم يتعرض الى سقوط القضاء بالكلية مع انه المشهور
وهو الذي تظافرت به الأخبار كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.
والأظهر هو
القول المشهور ، ويدل عليه من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن أيوب بن نوح قال : «كتبت الى ابى الحسن الثالث عليهالسلام اسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضى ما فاته من
الصلاة أم لا؟ فكتب لا يقضى الصوم ولا يقضي الصلاة».
وعن الحلبي في
الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن المريض
__________________
هل يقضى الصلاة إذا أغمي عليه؟ قال لا إلا الصلاة التي أفاق فيها».
وعن حفص في
الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «يقضى الصلاة التي أفاق فيها».
وعن على بن
مهزيار في الصحيح قال : «سألته عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضى ما
فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب لا يقضى الصوم ولا يقضي الصلاة». ورواه في الفقيه في
الصحيح عن على بن مهزيار ايضا وزاد فيه «وكل ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر».
وعن ابى بصير
في الموثق أو الصحيح أو الضعيف ـ بالنظر الى الخلاف في أبي بصير ـ عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن المريض يغمى عليه ثم يفيق كيف يقضى
صلاته؟ قال يقضى الصلاة التي أدرك وقتها».
وعن أبي أيوب
عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن رجل أغمي عليه أياما لم يصل ثم أفاق أيصلى
ما فاته؟ قال لا شيء عليه».
وعن معمر بن
عمر في الحسن اليه وهو مجهول قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن المريض يقضي الصلاة إذا أغمي عليه؟ قال لا».
وفي الصحيح الى
على بن محمد بن سليمان وهو مجهول قال : «كتبت الى الفقيه ابى الحسن العسكري عليهالسلام اسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضى ما فاته من
الصلاة أم لا؟ فكتب لا يقضى الصوم ولا يقضي الصلاة».
وما رواه
الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن عن حفص بن البختري عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سمعته يقول في المغمى عليه قال ما غلب الله عليه
فالله أولى بالعذر».
وما رواه الشيخ
عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليهالسلام «في الرجل يغمى عليه الأيام؟ قال لا يعيد شيئا من صلاته».
__________________
وعن عبد الله
بن سنان في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «كل ما غلب الله عليه فليس على صاحبه شيء».
وعن العلاء بن
الفضيل قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يغمى عليه يوما الى الليل ثم يفيق قال ان أفاق
قبل غروب الشمس فعليه قضاء يومه هذا ، فإن أغمي عليه أياما ذوات عدد فليس عليه ان
يقضى إلا آخر أيامه إن أفاق قبل غروب الشمس وإلا فليس عليه قضاء».
وعن ابى بصير
في الموثق أو الصحيح أو الضعيف ـ كما تقدم ـ عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يغمى عليه نهارا ثم يفيق قبل
غروب الشمس؟ قال يصلى الظهر والعصر ، ومن الليل إذا أفاق قبل الصبح قضى صلاة الليل».
وعن عبد الله
بن محمد الحجال في الصحيح قال «كتبت اليه جعلت فداك روى عن ابى عبد الله عليهالسلام في المريض يغمى عليه أياما فقال بعضهم يقضى صلاة يومه
الذي أفاق فيه ، وقال بعضهم يقضى صلاة ثلاثة أيام ويدع ما سوى ذلك ، وقال بعضهم
انه لا قضاء عليه؟ فكتب يقضى صلاة اليوم الذي يفيق فيه».
وروى الصدوق «قدسسره» في كتاب العيون والعلل في الصحيح عن الفضل ابن شاذان
عن الرضا عليهالسلام في حديث قال : «وكذلك كل ما غلب الله عليه مثل المغمى
عليه يغمى عليه في يوم وليلة فلا يجب عليه قضاء الصلوات كما قال الصادق عليهالسلام كل ما غلب الله على العبد فهو أعذر له».
وروى في كتاب
قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن المريض يغمى عليه أياما ثم يفيق ما
عليه من قضاء ما ترك من الصلاة؟ قال يقضى صلاة ذلك اليوم».
__________________
وقال الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي «قال العالم عليهالسلام ليس على المريض ان يقضى الصلاة إذا أغمي عليه إلا
الصلاة التي أفاق في وقتها».
وروى الصدوق في
كتاب الخصال بسنده عن موسى بن بكر قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام الرجل يغمى عليه اليوم واليومين والثلاثة والأربعة
وأكثر من ذلك كم يقضى من صلاته؟ فقال ألا أخبرك بما يجمع لك هذا وأشباهه : كل ما
غلب الله عزوجل عليه من أمر فالله أعذر لعبده». وزاد فيه غيره «ان أبا عبد الله عليهالسلام قال وهذا من الأبواب التي يفتح كل باب منها الف باب».
وروى في بصائر
الدرجات عن احمد بن محمد مثله .
هذا ما وقفت
عليه من الأخبار الدالة على القول المشهور وهي كما ترى مع كثرتها فيه واضحة
الظهور.
وأما روايات
المسألة الباقية فمنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن المغمى عليه يوما الى الليل قال يقضى
صلاة يوم».
وعن سماعة في
الموثق قال : «سألته عن المريض يغمى عليه قال : إذا جاز عليه
ثلاثة أيام فليس عليه قضاء وان أغمي عليه ثلاثة أيام فعليه قضاء الصلاة فيهن».
__________________
وعن حفص بن
البختري في الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «المغمى عليه يقضى صلاة ثلاثة أيام».
وعن حفص في
الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «يقضى المغمى عليه ما فاته».
وعن حفص في الصحيح
عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «يقضى صلاة يوم».
وعن ابى بصير قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام رجل أغمي عليه شهرا أيقضى شيئا من صلاته؟ قال يقضى منها
ثلاثة أيام».
وعن ابى كهمس قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام وسئل عن المغمى عليه أيقضى ما ترك من الصلاة؟ فقال أما
انا وولدي وأهلي فنفعل ذلك».
وفي الحسن أو
الصحيح عن إبراهيم بن هاشم عن غير واحد عن منصور بن حازم عن ابى عبد الله عليهالسلام «انه سأله عن المغمى عليه شهرا أو أربعين ليلة قال فقال ان شئت أخبرتك بما
آمر به نفسي وولدي ان تقضى كل ما فاتك».
وفي الصحيح عن
عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «كل شيء تركته من صلاتك لمرض أغمي عليك فيه
فاقضه إذا أفقت».
وفي الحسن عن
محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يغمى عليه ثم يفيق قال يقضى ما
فاته يؤذن في الأولى ويقيم في البقية».
وفي الصحيح عن
منصور بن حازم عن ابى عبد الله عليهالسلام «في المغمى عليه قال يقضى كل ما فاته».
وعن رفاعة في
الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن المغمى عليه شهرا ما يقضى من الصلاة؟
قال يقضيها كلها ، ان أمر الصلاة شديد».
وروى في الذكرى
عن إسماعيل بن جابر قال : «سقطت عن بعيري
__________________
فانقلبت على أم رأسي فمكثت سبع عشرة ليلة مغمى على فسألته عن ذلك فقال اقض
مع كل صلاة صلاة». ونقل في الذكرى عن ابن إدريس انه قال : «وروى انه يقضى صلاة شهر» أقول
: وهذه الرواية لم تصل إلينا.
وكيف كان
فالظاهر ـ كما ذكره الشيخ وقبله الصدوق في الفقيه وهو المشهور ـ هو حمل هذه
الأخبار على الاستحباب كما يشير اليه خبر ابى كهمس ورواية منصور بن حازم الأولى
وان تفاوتت مراتبه بالجميع أو الشهر أو الثلاثة أو اليوم الواحد فهي مترتبة في
الفضل والاستحباب.
قال في الفقيه واما الأخبار التي رويت في المغمى عليه ـ انه يقضى جميع
ما فاته وما روى انه يقضى صلاة شهر وما روى انه يقضى صلاة ثلاثة أيام ـ فهي صحيحة ولكنها
على الاستحباب لا على الإيجاب والأصل انه لا قضاء عليه. انتهى.
والعجب ان هذا
كلامه في الفقيه مع انه كما تقدم من عبارة المقنع اختار وجوب قضاء جميع ما فاته ،
وهذا من نوادر الاتفاق له في اختلاف الفتوى في مسألة واحدة وان كان ذلك كثيرا في
كلام المجتهدين من أصحابنا (رضوان الله عليهم)
تنبيهات
الأول ـ قد صرح
غير واحد من أصحابنا (رضوان الله عليهم) بأنه لا يلحق بالكافر الأصلي من حكم بكفره
من منتحلي الإسلام ولا غيرهم من المخالفين ، فان الحكم في هؤلاء جميعا هو انهم بعد
الاستبصار والرجوع الى الدين الحق يجب عليهم قضاء ما فاتهم لو أخلوا بشيء من
واجباته اما ما كان صحيحا في مذهبهم فلا اعادة عليهم فيه.
اما الأول
فلعموم الأدلة الدالة على وجوب قضاء الفائت الشامل لمحل البحث ، وخروج الكافر الأصلي بدليل مختص به
فيبقى ما عداه داخلا تحت العموم.
__________________
واما الثاني
فللأخبار المستفيضة الدالة على ذلك ، ومنها ما رواه ثقة الإسلام والشيخ عنه في
الصحيح أو الحسن عن زرارة وبكير والفضيل ومحمد بن مسلم وبريد العجلي عن ابى جعفر
وابى عبد الله (عليهماالسلام) «انهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء : الحرورية والمرجئة
والعثمانية والقدرية ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه أيعيد كل صلاة صلاها أو
صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك؟ قال ليس عليه إعادة شيء من ذلك
غير الزكاة لا بد أن يؤديها لأنه وضع الزكاة في غير موضعها وانما موضعها أهل
الولاية».
ومنها ـ ما
رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن ابن أذينة قال : «كتب الى أبو عبد الله عليهالسلام ان كل عمل عمله الناصب في حال ضلاله أو حال نصبه ثم من
الله عليه وعرفه هذا الأمر فإنه يؤجر عليه ويكتب له إلا الزكاة فإنه يعيدها لانه
وضعها في غير موضعها وانما موضعها أهل الولاية ، وأما الصلاة والصوم فليس عليه
قضاؤهما».
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن بريد بن معاوية العجلي عن ابى عبد الله عليهالسلام في حديث قال فيه «وكل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته
ثم من الله عليه وعرفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة. الى ان قال : وأما
الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء».
ومنها ـ ما
رواه الكشي بسنده عن عمار الساباطي قال : «قال سليمان بن خالد لأبي عبد الله عليهالسلام وانا جالس انى منذ عرفت هذا الأمر أصلي في كل يوم
صلاتين اقضى ما فاتنى قبل معرفتي قال لا تفعل فان الحال التي كنت عليها أعظم من
ترك ما تركت من الصلاة».
أقول : ظاهر
هذا الخبر عدم وجوب قضاء ما تركه حال ضلاله ، وهو
__________________
خلاف ما صرح به الأصحاب من وجوب قضاء ما تركه كما عرفت.
وشيخنا الشهيد
في الذكرى قد نقل هذا الخبر من كتاب الرحمة عن عمار كما ذكرناه ثم قال : وهذا
الحديث مع ندوره وضعف سنده لا ينهض مخصصا للعموم مع قبوله التأويل بأن يكون سليمان
يقضى صلاته التي صلاها وسماها فائتة بحسب معتقده الآن ، لأنه اعتقد انه بحكم من لم
يصل لمخالفتها في بعض الأمور ، فيكون معنى قول الامام عليهالسلام «من ترك.» ما تركت من شرائطها وأفعالها ، وحينئذ لا دلالة فيه على عدم قضاء
الفائتة حقيقة في الحال الاولى. انتهى.
واستشكل
العلامة في التذكرة سقوط القضاء عن من صلى منهم أو صام لاختلال الشرائط والأركان.
والظاهر بعده لدلالة الأخبار الصحيحة كما ترى على خلافه ، والمستفاد من هذه
الأخبار ترتب الثواب على تلك الأعمال بعد الدخول في الإيمان وان كانت باطلة واقعا
تفضلا منه سبحانه لرجوعه الى المذهب الحق ، وبطلانها سابقا لا ينافي ترتب الثواب
عليها أخيرا لأن الثواب هنا انما هو تفضلى لا استحقاقي لتبعيته للصحة والحال انها
غير صحيحة كما عرفت.
قيل : وصحيحة
الفضلاء المتقدمة تدل على عدم الفرق في الحكم المذكور بين من يحكم بإسلامه من فرق
المخالفين ومن يحكم بكفره من أهل القبلة ، لأن من جملة من ذكر فيها صريحا الحرورية
وهم كفار لأنهم خوارج.
أقول : هذا
الخبر وأمثاله إنما خرج بناء على كفر المخالفين وانه لا فرق بينهم وبين الخوارج
كما هو مذهب متقدمي الأصحاب وبه استفاضت الأخبار كما قدمناه ذكره في كتاب الطهارة
، والحكم بإسلام المخالفين انما وقع في كلام جملة من المتأخرين غفلة عن التعمق في
الأخبار والنظر فيها بعين الفكر والاعتبار ، وسيأتي مزيد تحقيق للمسألة ان شاء
الله تعالى في كتاب الحج.
الثاني ـ قد
صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو حصل الإغماء بفعل المكلف كشرب المسكر وشرب
المرقد وجب القضاء ، أسنده في الذكرى الى
الأصحاب ، واستدل عليه بأنه مسبب عن فعله. قال في المدارك : والاعتماد في
ذلك على النصوص المتضمنة لوجوب قضاء الفوائت المتناولة بعمومها لهذه الصورة.
وقال الفاضل
الخراساني في الذخيرة : واعلم ان ظاهر الأدلة عدم الفرق بين أن يكون الإغماء من
غير فعله أم لا ، وذكر الشهيد انه لو أغمي عليه بفعله وجب عليه القضاء وأسنده إلى
الأصحاب والحجة عليه غير واضحة. انتهى. وظاهره المخالفة في الحكم المذكور وستعرف
ما فيه ان شاء الله تعالى.
قالوا : ولو أكل
غذاء لم يعلم بكونه مقتضيا للإغماء فاتفق انه آل إلى الإغماء لم يجب عليه قضاء ما
يفوته من الصلاة في حال الإغماء.
قال في المدارك
: والوجه فيه إطلاق النصوص المتضمنة لسقوط القضاء عن المغمى عليه ثم قال : ولو علم بكون الغذاء موجبا للإغماء قيل وجب
القضاء كتناول المسكر ، ولو شربت المرأة دواء للحيض أو لسقوط الولد فتصير نفساء لم
يجب عليها القضاء للعموم وبه قطع الشهيدان ، وفرقا بين ذلك وبين تناول الغذاء
المقتضى للإغماء بأن سقوط القضاء عنهما عزيمة لا رخصة وتخفيف بخلاف المغمى عليه.
وفي هذا الفرق نظر. انتهى.
أقول وبالله
سبحانه الثقة : لا ريب انه في جميع هذه الفروض المذكورة قد تعارض فيها إطلاق
الأخبار الدالة على سقوط القضاء عن المغمى عليه بناء على الأشهر الأظهر وإطلاق
الأخبار الدالة على وجوب القضاء على من فاتته صلاة فتقييد أحد الإطلاقين بالآخر
يحتاج الى مرجح ، إلا ان الظاهر من اخبار الإغماء ـ بالنظر الى ما دل عليه جملة
منها من أن سقوط القضاء عن المغمى عليه انما هو من حيث ابتلاء الله سبحانه له بذلك
المرض فهو سبحانه أعذر لعبده ، كما في صحيحة حفص بن البختري من قوله «ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر». وفي
حسنة عبد الله
__________________
ابن المغيرة «كل ما غلب الله عليه فليس على صاحبه شيء». ونحوه في صحيحة
على بن مهزيار برواية الفقيه ورواية موسى بن بكر الصريحة في أن هذا أحد القواعد
الكلية والأبواب التي ينفتح منها الف باب ـ هو أنها أخص من اخبار القضاء ، وحينئذ
فيجب تقييد إطلاق أخبار القضاء بها في هذا المقام في جميع ما ذكروه من الأفراد
التي تعارض فيها الإطلاقان المذكوران ، فان الجميع ظاهر كما ترى في أن سقوط القضاء
عن المغمى عليه انما هو من حيث كون الإغماء من قبله سبحانه وفعله بعبده ، وحينئذ
فإلحاق الإغماء الحاصل من قبل المكلف به وان كان عن جهل ليس بجيد بل حكمه حكم ما
لو تعمد ذلك من وجوب القضاء.
ومن هذا
التعليل الذي قد عرفت انه من القواعد الكلية والضوابط الإلهية يفهم ايضا وجوب
القضاء على الحائض والنفساء إذا كان عروض ذلك من قبلهما بشرب الدواء وان كان ظاهر
الأصحاب خلافه عملا بإطلاق أخبار الحيض كما ذكره السيد المذكور.
هذا ، مع انهم
صرحوا في غير مقام بأن الأحكام المودعة في الأخبار انما تنصرف وتحمل على الأفراد
الشائعة المتكررة فإنها هي التي يتبادر إليها الإطلاق دون الفروض النادرة الوقوع.
وبذلك يظهر لك ما في كلام الفاضل الخراساني المتقدم في المسألة الأولى وكلام السيد
في الثانية جريا على كلام الأصحاب في الباب.
واستثنى جماعة
من متأخري الأصحاب من الموجب للقضاء السكر الذي يكون الشارب غير عالم به أو أكره
عليه أو اضطر إليه لحاجة. وفيه ما عرفت من ان مدار الحكم في سقوط القضاء عن المغمى
عليه هو كون الإغماء من قبله سبحانه ، فكل ما كان كذلك فإنه لا قضاء وما لم يكن
كذلك فالواجب القضاء عملا بإطلاق أخبار وجوب القضاء لعدم المخصص لها ، مؤيدا ذلك
بما ذكرناه من عدم انصراف إطلاق الحكم بسقوط القضاء عن المغمى عليه الى هذه
الأفراد النادرة الوقوع. والله العالم.
الثالث ـ قال
في الذكرى ـ بعد أن ذكر ان مما يوجب القضاء النوم المستوعب
وشرب المرقد ـ ما لفظه : ولو كان النوم على خلاف العادة فالظاهر التحاقه
بالإغماء وقد نبه عليه في المبسوط. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان الأخبار الواردة بوجوب قضاء النائم لما نام عنه شاملة بإطلاقها لهذا الفرد
المذكور فلا أعرف لاستثنائه دليلا معتمدا.
ومن الأخبار
المشار إليها ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن رجل صلى ركعتين بغير طهور أو نسي صلاة
لم يصلها أو نام عنها؟ قال يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار».
وفي الصحيح عن
عبد الله بن مسكان رفعه الى ابى عبد الله عليهالسلام قال : «من نام قبل ان يصلى العتمة فلم يستيقظ حتى يمضى
نصف الليل فليقض صلاته وليستغفر الله». الى غير ذلك من الأخبار.
ويدل على ذلك
إطلاق الأخبار الدالة على ان من فاتته فريضة بنوم أو غيره فإنه يجب عليه قضاؤها
وهي كثيرة :
ومنها ـ صحيحة
حماد بن عثمان «انه سأل أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل فاته شيء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس أو
عند غروبها؟ قال فليصل حين يذكر».
وصحيحة معاوية
بن عمار قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول خمس صلوات لا تترك على حال. الى ان قال في تعداد
الخمس المذكورة : وإذا نسيت فصل إذا ذكرت».
وصحيحة زرارة
أو حسنته الطويلة الواردة في ترتب الفوائت وغيرها من الأخبار الكثيرة.
__________________
ومن هنا صرح
الأصحاب (رضوان الله عليهم) بوجوب قضاء كل ما فاته عمدا أو سهوا بنوم أو سكر أو
شرب مرقد أورده عن الإسلام إلا ما استثنى مما تقدم ذكره. والله العالم.
المسألة
الثانية ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن من ترك الصلاة مستحلا
تركها فان كان ممن ولد على فطرة الإسلام فإنه يقتل من غير استتابة. لأنه مرتد
لإنكاره ما علم ثبوته من الدين ضرورة ، ومن حكم المرتد الفطري القتل وان تاب ، إلا
ان الاخبار ـ كما تقدم جملة منها في المقدمة الاولى من مقدمات هذا الكتاب ـ دلت
على الكفر مطلقا من غير قيد الاستحلال ، وقد مر تحقيق الكلام في ذلك في الموضع
المشار اليه وبينا انه لا مانع من حمل الكفر فيها على المعنى
الحقيقي.
قالوا : وفي
حكم استحلال الصلاة استحلال شرط مجمع عليه كالطهارة أو جزء كالركوع دون المختلف
فيه كتعين الفاتحة ووجوب الطمأنينة ، وكأنهم بنوا ذلك على الفرق بين ضروري الدين
وضروري المذهب وإلا فتعين الفاتحة ووجوب الطمأنينة لا خلاف فيه عندنا وانما الخلاف
فيهما بين العامة والخاصة. والفرق المذكور لا يخلو عندي من اشكال لعدم ظهور الدليل
عليه.
وكيف كان فهذا
الحكم مختص بالرجل دون المرأة فإنها لا تقتل بل تستتاب فإن أبت فإنها تحبس وتضرب
أوقات الصلاة حتى تتوب أو تموت.
وان كان التارك
مستحلا مليا بان كان كافرا ثم أسلم استتيب أولا فإن امتنع قتل.
وان لم يكن
مستحلا عزر فان عاد عزر فان عاد ثالثة قتل على قول وقيل انما يقتل في الرابعة ،
والخلاف هنا مبنى على الخلاف في أصحاب الكبائر هل يقتلون في الثالثة أو الرابعة؟
ولتحقيق المسألة محل آخر.
__________________
ولا خلاف في ان
المرتد فطريا كان أو مليا إذا رجع الى الإسلام فإنه يقضى زمان ردته ، والمستند فيه
عموم الأخبار الدالة على وجوب قضاء الفوائت خرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي.
وهذا الحكم
واضح في المرتد الملي والمرأة مطلقا ملية أو فطرية فإنه لا اشكال ولا خلاف في قبول
توبتهما متى تابا.
وانما الخلاف
والإشكال في الرجل المرتد إذا كان فطريا هل تقبل توبته أم لا؟ ففيه أقوال ثلاثة : (الأول)
ـ وهو المشهور على ما صرح به شيخنا الشهيد الثاني في كتاب الميراث من المسالك ـ عدم
قبولها مطلقا ، قال في الموضع المذكور من الكتاب المشار اليه : واما عدم قبولها
مطلقا فالمشهور ذلك عملا بإطلاق الاخبار والحق قبولها في ما بينه وبين الله تعالى حذرا من
التكليف بما لا يطاق. انتهى. وبذلك يظهر ما في كلام بعض مشايخنا المعاصرين حيث
ادعى ان المشهور هو قبولها باطنا وعدم قبولها ظاهرا (الثاني) قبولها مطلقا باطنا
وظاهرا وهو منقول عن ابن الجنيد (الثالث) قبولها باطنا وعدم قبولها ظاهرا وهو
اختيار شيخنا الشهيد الثاني كما سمعت من كلامه وعليه جملة من المتأخرين وهو الظاهر
عندي ، وبه يجمع بين أدلة المسألة ويزول عنها الاختلاف ، وحينئذ فتجري عليه
الأحكام التي أوجبتها الردة من القتل وبينونة الزوجة وقسمة أمواله على الورثة وتصح
عباداته في ما بينه وبين الله سبحانه وتقبل منه لو اتفق ذلك قبل القتل وبعد
التوبة.
حجة القول
المشهور ظواهر الاخبار مثل قول ابى جعفر عليهالسلام في حسنة محمد بن مسلم «وقد سأل عن المرتد فقال من رغب
عن الإسلام وكفر بما انزل على محمد صلىاللهعليهوآله بعد إسلامه فلا توبة له وقد وجب قتله وبانت منه امرأته
ويقسم ما ترك على ولده».
__________________
وقول ابى عبد
الله عليهالسلام في موثقة عمار الساباطي «كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام وجحد محمدا صلىاللهعليهوآله نبوته وكذبه فإن دمه مباح لكل من سمع ذلك منه وامرأته
عدة بائنة منه يوم ارتد فلا تقربه ويقسم ماله على ورثته ، وتعتد امرأته المتوفى
عنها زوجها ، وعلى الامام ان يقتله ولا يستتيبه».
ونحوهما غيرهما
من الاخبار ، وظاهرهما عدم القبول مطلقا لإجرائه مجرى الميت في الأحكام المذكورة.
حجة القول
بالقبول باطنا وعدمه ظاهرا كما هو المختار الجمع بين الاخبار المذكورة وبين ما دل
على قبول التوبة من الآيات القرآنية والاخبار النبوية.
ومن الآيات
قوله عزوجل «وَمَنْ يَفْعَلْ
ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ
فِيهِ مُهاناً إِلّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ
يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ»
وقوله سبحانه «فَمَنْ تابَ مِنْ
بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ» ومفهوم قوله عزوجل «وَمَنْ يَرْتَدِدْ
مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ»
.
ومن الأخبار حسنة
محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «من كان مؤمنا فعمل خيرا في إيمانه ثم أصابته
فتنة فكفر ثم تاب بعد كفره كتب له وحسب كل شيء كان عمله في إيمانه ولا يبطله
الكفر إذا تاب بعد كفره». الى غير ذلك من الآيات والروايات.
وكذا ما دل على
توجه خطاب التكليف اليه من عموم أدلة التكاليف لكل بالغ عاقل مسلم فيلزم صحة
عباداته وقبولها منه المستلزم لقبول التوبة باطنا وإلا لزم
__________________
التكليف بما لا يطاق ، كما يشير اليه كلام شيخنا الشهيد الثاني المتقدم ،
وهو منفي عقلا ونقلا.
وحينئذ فلو لم
يطلع عليه أحد أو لم يقدر على قتله أو تأخر بوجه وقد حصلت منه التوبة فإنه تقبل
توبته في ما بينه وبين الله عزوجل وتصح عباداته ومعاملاته ويطهر بدنه ويدفن في مقابر
المسلمين ، لقوله عزوجل زيادة على ما تقدم «إِلَّا الَّذِينَ
تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ» ولا ينافيه اجراء تلك الأحكام التي اشتملت عليها
الأخبار المتقدمة ، فإن هذا أمر آخر وراء قبول التوبة باطنا.
وأما ما نقل عن
ابن الجنيد وهو القول الثالث فلعل وجهه العمل بما دل على قبول التوبة من الآيات
والروايات ، إلا ان فيه طرحا للأخبار المتقدمة والجمع بين الدليلين متى أمكن أولى
من طرح أحدهما.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان كلام شيخنا الشهيد الثاني (قدسسره) في المسالك في هذه المسألة لا يخلو من اضطراب ، فإنه
قال في كتاب الميراث ما قدمنا ذكره مما يدل على ان المختار عنده هو قبول التوبة
باطنا لا ظاهرا وان المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو عدم القبول مطلقا.
وقال في كتاب
القضاء : ثم ان قبلت توبته كالمرأة والملي قضى وان لم تقبل ظاهرا كالفطرى على
المشهور فإن أمهل بما يمكنه القضاء قبل قتله قضى وإلا بقي في ذمته ، والأقوى قبول
توبته مطلقا. انتهى.
وهذا الكلام
كما ترى ظاهر في اختياره قبول التوبة ظاهرا وباطنا كما هو المنقول عن ابن الجنيد
وهو خلاف ما صرح به في كتاب الميراث ، وظاهره ان القبول ظاهرا وعدمه محل خلاف
والمشهور هو عدم القبول مع انه ادعى الإجماع في مبحث الارتداد من كتاب الحدود على
عدم قبول توبته ظاهرا وقوى قبولها
__________________
باطنا كما حكيناه عنه في كتاب الميراث ، ففي الأول نسب عدم القبول ظاهرا
الى المشهور مؤذنا بالخلاف فيه ، وفي الثاني ادعى الإجماع المؤذن بعدم الخلاف.
ويمكن الجواب
عن هذا بحمل الإجماع على الشهرة وان عبر بلفظ الإجماع لما ذكره الشهيد في الذكرى
من انهم كثيرا ما يريدون به الشهرة دفعا للتناقض الواقع في كلامهم في دعوى الإجماع
على حكم ودعوى الإجماع على خلافه من ذلك المدعى أو غيره ، وانما الإشكال في
اختياره القول بالقبول باطنا لا ظاهرا كما في كتاب الميراث مع اختياره القبول
ظاهرا وباطنا كما في كتاب القضاء. والله العالم.
المسألة
الثالثة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة
على أقوال ثلاثة ، وقد تقدم تحقيق هذه المسألة مستوفى بحمد الله سبحانه في مبحث
الأوقات فلا حاجة الى الإعادة.
المسألة
الرابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو نسي تعيين الصلاة
الفائتة بأن كانت واحدة مثلا ولا يعلم ايها من الخمس فإنه يصلى ثلاثا ينوي بها
المغرب وأربعا مرددة بين الظهر والعصر والعشاء واثنتين ينوي بهما الصبح ، ذهب اليه
الشيخان وابنا بابويه وابن الجنيد وأكثر المتأخرين ، ونقل الشيخ في الخلاف الإجماع
عليه ونقل عن ابى الصلاح وابن حمزة وجوب الخمس.
ويدل على
المشهور ما رواه الشيخ بإسنادين أحدهما من الصحاح والآخر من الحسان عن على بن
أسباط عن غير واحد من أصحابنا عن ابى عبد الله عليهالسلام قال «من نسي من صلاة يومه واحدة ولم يدر أي صلاة هي صلى
ركعتين وثلاثا وأربعا».
وما رواه أحمد
بن ابى عبد الله البرقي في كتاب المحاسن عن على بن مهزيار عن الحسين رفعه قال : «سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن رجل نسي صلاة من الصلوات الخمس لا يدرى أيتها هي قال
يصلى ثلاثة وأربعة وركعتين ، فان كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلى أربعا
، وان كانت المغرب أو الغداة فقد صلى».
__________________
احتج الفاضلان
المذكوران بعموم ما دل على وجوب قضاء الفوائت ولا يعلم إلا بالإتيان بالخمس كملا.
واحتج في
المدارك على القول المشهور بما لا يخلو عند التأمل الصادق من القصور ، قال بعد ذكر
القول المشهور أو لا ثم القول الثاني : والمعتمد الأول ، لنا ان الواجب عليه صلاة
واحدة لكن لما كانت غير متعينة والزيادة والنقيصة في الصلاة مبطلة وجب عليه
الإتيان بالثلاث لدخول الواجب في أحدها يقينا والأصل براءة الذمة من الزائد ،
ويؤيده رواية على بن أسباط. ثم ساق الرواية إلى قوله «أربعا».
أقول : لا يخفى
انه لما كانت الرواية المذكورة باصطلاحه ضعيفة السند لفق هذا الدليل وجعله المعتمد
وجعل الرواية مؤيدة له. وفيه ان دليله لا يفي بالمطلوب ولا يقوم حجة على الخصم ،
لان مطرح النزاع في هذه المسألة هو انه هل يكتفى بالرباعية المرددة بين الثلاث
الفرائض المذكورة أم يجب الإتيان بكل فريضة منها على حدة حتى يستوفى الخمس؟ فالخصم
يوجب الثاني وهو الحق بناء على طرح الرواية من البين لما ذكره ذلك الخصم من
التعليل ، وجوابه عنه بالمنع لحصوله بالثلاث المرددة مردود بان العبادات توقيفية
من الشارع كما وكيفا وأداء وقضاء ووجوبا وندبا لا مسرح لأمثال هذه التخريجات الغثة
فيها ، ولم يثبت من الشارع الاكتفاء بذلك بناء على طرح النص المذكور ، ويقين براءة
الذمة لا يحصل إلا بالإتيان بالثلاث المذكورة على حدة. ويؤيده ان الأصل عدم
التداخل ، والقول بالتداخل والاكتفاء بالواحدة من غير دليل شرعي مردود. وبالجملة
فإن دليله المذكور لا يخرج عن المصادرة لأن الخصم يمنع الاكتفاء بالأربع المرددة
ويوجب الإتيان بالخمس وهو يحتج بالاكتفاء بها وهو عين الدعوى ، ومن ثم ان صاحب
الذخيرة مع اقتفائه له في أكثر الأحكام عدل عنه في هذا المقام ولفق للاستدلال
بالخبر وجوها ذكرها لجبر ضعفه ، والكل حاصل عن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح
الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح كما نبهت عليه في غير مقام.
فروع
الأول ـ لو
كانت الفائتة في الصورة المذكورة في السفر صلى ثنائية مطلقة إطلاقا رباعيا ومغربا
، وخالف ابن إدريس هنا مع موافقته ثمة نظرا الى اختصاص النص بالأول فالتعدية قياس
، وزعما منه حصول الإجماع ثمة دون ما هنا.
وأنت خبير بان
ظاهر خبر المحاسن وقوله عليهالسلام فيه «فان كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلى
أربعا» هو الإشارة الى ان الغرض من التشريك والعلة فيه هو حصول الفريضة الفائتة في
ضمن هذه الكيفية. ولا تفاوت فيه بين اشتراك هذا العدد بين ثلاث فرائض أو أربع ،
وورود الثلاث في الخبرين المذكورين انما هو باعتبار صلاة الحضر التي هي الغالبة
المتكررة ، فذكر هذا التفصيل فيها بالثلاث والأربع والثنتين انما خرج مخرج
التمثيل.
الثاني ـ لو
قلنا بالترديد كما هو المشهور وقلنا بوجوب الجهر والإخفات فهل الحكم في هذه
الفريضة المترددة الجهر أو الإخفات؟ إشكال ، والظاهر من كلام جملة من الأصحاب هنا
التخيير ، ولا يخلو من قرب وإلا لزم الترجيح من غير مرجح.
الثالث ـ لو
تعددت الفائتة المجهولة قضى كما تقدم مكررا. فلو كان العدد معلوما كأن نسي فريضتين
مجهولتين مثلا صلى ثلاثا ثلاثا ان كانتا من صلاة الحضر وان كانتا من السفر اثنتين
اثنتين ، وعلى هذا النحو لو نسي ثلاث فرائض مجهولات ، وأما لو لم يكن العدد معلوما
قضى على الوجه المذكور حتى يغلب على ظنه الوفاء.
الرابع ـ لو
فاتته فريضة معينة مرات لا يعلم عددها قالوا يكرر حتى يغلب على ظنه الوفاء ، قال
في المدارك : وهو مقطوع به في كلام الأصحاب ولم نقف فيه على نص بالخصوص.
وبنحو ذلك صرح
جده (قدسسره) في الروض ثم قال : والظاهر من الجماعة ايضا انه لا نص
عليه. ثم قال نعم ورد ذلك في قضاء النوافل الموقتة فروى
مرازم قال : «سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله عليهالسلام ان على نوافل كثيرة فقال اقضها. فقلت لا أحصيها؟ قال
توخ». والتوخي التحري وهو طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظن ، قاله الجوهري.
وروى عبد الله بن سنان عنه عليهالسلام «في رجل فاته من النوافل ما لا يدرى ما هو من كثيرته كيف يصنع؟ قال يصلى
حتى لا يدرى كم صلى من كثرته فيكون قد قضى بقدر ما عليه». قال في الذكرى : وبهذين
الحديثين احتج الشيخ على أن من عليه فرائض لا يعلم كميتها يقضى حتى يغلب على ظنه
الوفاء من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى. وفيه نظر لان كون النوافل أدنى مرتبة
يوجب سهولة الخطب فيها والاكتفاء بالأمر الأسهل فلا يلزم منه تعدية الحكم الى ما هو
أقوى وهو الفرائض كما لا يخفى ، بل الأمر في ذلك بالعكس فان الاكتفاء بالظن في
الفرائض الواجبة الموجبة لشغل الذمة يقتضي الاكتفاء به في النوافل التي ليست بهذه
المثابة بالأولى. انتهى.
قال في المدارك
: ويمكن الجواب عنه بان الشيخ (قدسسره) انما استدل بالرواية على وجوب القضاء الى أن يغلب على
الظن الوفاء لا على الاكتفاء بالظن فإنه يكفي في عدم اعتبار ما زاد عليه عدم تحقق
الفوات. نعم يرد على هذا الاستدلال ان قضاء النوافل على هذا الوجه انما هو على وجه
الاستحباب فلا يلزم منه وجوب قضاء الفريضة كذلك. انتهى.
والتحقيق أن يقال
انه لما كانت المسألة غير منصوصة فالواجب فيها العمل بالاحتياط كما أشرنا إليه في
غير موضع مما تقدم ، ووجهه انه لا ريب ان الذمة مشغولة بالفريضة بيقين ولا تبرأ
إلا بيقين الأداء من جميع ذلك ، وحيث كانت الفريضة في هذه الصورة المفروضة غير
معلومة المقدار لكثرتها فيقين البراءة لا يحصل إلا بالقضاء بما يقابل الكثرة
الفائتة ، فإن كان الفائت قد بلغ في الكثرة إلى حد لا يدرى ما قدره فينبغي أن يكون
القضاء كذلك ، وورد ذلك في النافلة مع
__________________
انها مستحبة ، وانما الغرض الحث على الإتيان بالمستحبات على وجه يحصل به
يقين القيام بالوظائف الشرعية والسنة المحمدية صلىاللهعليهوآله فكيف بالفرائض الواجبة الموجبة لشغل الذمة ، فإن تحصيل
يقين البراءة فيها أهم وطلب الوجه الموجب للخروج عن المؤاخذة فيها أعظم وأتم.
وبالجملة فكلام الشيخ (رضوان الله عليه) لا يخلو من قوة وأبواب المناقشات واسعة
المجال لا يسلم من تطرقها مقال.
ونقل عن
العلامة (قدسسره) في التذكرة الاكتفاء بقضاء ما تيقن فواته خاصة ، قال
في المدارك : وهو متجه لأصالة البراءة من التكليف بالقضاء مع عدم تيقن الفوات ، ولان
الظاهر من حال المسلم انه لا يترك الصلاة ، ويؤيده حسنة زرارة والفضيل عن ابى جعفر
عليهالسلام قال : «متى استيقنت أو شككت في وقت صلاة انك لم تصلها
صليتها ، وان شككت بعد ما خرج وقت الفوات فقد دخل حائل فلا اعادة عليك من شك حتى
تستيقن ، وان استيقنت فعليك أن تصليها في أي حال كنت». انتهى. وهو جيد من حيث
الاعتبار إلا ان التحقيق ما قدمنا ذكره
المسألة
الخامسة ـ لا خلاف بين علماء الفريقين في ترتب الحواضر بعضها على بعض ، وأما
الفوائت فالمشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) وجوب الترتيب بينهما إذا علمه بل
نقل الفاضلان في المعتبر والمنتهى الإجماع عليه ، وحكى الشهيد في الذكرى عن بعض
الأصحاب ممن صنف في المضايقة والمواسعة القول بالاستحباب
استدلال
الأولون بقوله صلىاللهعليهوآله «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته». والتقريب فيه انه يجب الترتيب في
الأداء فكذا في القضاء.
وما رواه الشيخ
عن زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام في الصحيح قال : «إذا
__________________
نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولاهن فأذن
لها وأقم ثم صلها ثم صل ما بعدها بإقامة لكل صلاة».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل صلى الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ثم
ذكر بعد ذلك؟ قال يتطهر ويؤذن وقيم في أولاهن ثم يصلى ويقيم بعد ذلك في كل صلاة
فيصلي بغير أذان حتى يقضى صلاته».
وأجاب في
الذخيرة عن الخبر الأول بعدم صحة الرواية وانها غير ثابتة قال والظاهر انها من
طريق العامة ، سلمنا لكن اقتضاء التشبيه المماثلة من جميع الجهات بحيث يشمل هذه
الأوصاف الاعتبارية غير واضح. ثم أورد على صحيح زرارة بان الأمر في أخبارنا غير
واضح الدلالة على الوجوب ، الى أن قال : وللتوقف في هذه المسألة طريق وطريق
الاحتياط رعاية الترتيب.
أقول : أما ما
ذكره في رد الخبر الأول فجيد. وأما ما ذكره في رد الخبر الثاني فقد عرفت ما فيه في
غير موضع مما تقدم. وبالجملة فإن الحكم مما لا اشكال فيه.
واما القول
الذي حكاه في الذكرى عن بعض الأصحاب فلم نقف له على دليل. إلا انه قال في الذكرى
ان قائله حمل الأخبار وكلام الأصحاب على الاستحباب ، ثم قال وهو حمل بعيد مردود
بما اشتهر بين الجماعة. ثم قال (فان قيل) هي عبادات مستقلة والترتيب فيها من توابع
الوقت وضروراته فلا يعتبر في القضاء كالصيام (قلنا) قياس في معارضة النص ، ومعارض
بأنها صلوات وجبت مرتبة فلتقض مرتبة كالأداء. والأول من تعليله جيد. والثاني مبنى
على الحديث النبوي المتقدم وقد عرفت ما فيه.
وبالجملة فإن
الحكم مما لا إشكال فيه مع العلم بالترتيب وانما الإشكال والخلاف مع جهله والأظهر
سقوطه وبه قطع العلامة في التحرير وولده في الشرح ، واليه ذهب جمع من المتأخرين :
منهم ـ الشهيدان وهو ظاهر العلامة في القواعد.
__________________
والوجه فيه ان
الروايات المتضمنة لوجوب الترتيب لا تتناول الجاهل نصا ولا ظاهرا فيكون منفيا
بالأصل. واستدل عليه في الذكرى بامتناع التكليف بالمحال واستلزام التكرار المحصل
له الحرج المنفي .
وقيل بوجوب
الترتيب لإمكان الامتثال بالتكرار المحصل له ، وبه صرح العلامة في الإرشاد ، وعلى
هذا فيجب على من فاته الظهر والعصر من يومين وجهل السابق أن يصلى ظهرا بين عصرين
أو عصرا بين ظهرين ليحصل الترتيب بينهما على تقدير سبق كل منهما. ولو جامعهما مغرب
من ثالث صلى الثلاث قبل المغرب وبعدها. ولو كان معها عشاء صلى السبع قبلها وبعدها.
ولو انضم إليها صبح صلى الخمس عشرة قبلها وبعدها.
والضابط
تكريرها على وجه يحصل الترتيب على جميع الاحتمالات وهي اثنان في الأول وستة في
الثاني وأربعة وعشرون في الثالث ومائة وعشرون في الرابع حاصلة من ضرب ما اجتمع
سابقا من الاحتمالات في عدد الفرائض المطلوبة ، ففي الصورة الأولى من الاحتمالات
وهي اثنان ثلاث فرائض ، وفي الصورة الثانية من الاحتمالات وهي ستة سبع فرائض ، وفي
الصورة الثالثة منها وهي أربعة وعشرون احتمالا خمس عشرة فريضة ، وفي الرابعة وهي
مائة وعشرون احتمالا احدى وثلاثون فريضة ، وعلى هذا القياس.
ويمكن حصول
الترتيب بوجه أخصر وأسهل وهو ان يصلى الفوائت المذكورة بأي ترتيب أراد ويكررها
كذلك ناقصة عن عدد ما فاته من الصلاة بواحدة ثم يختم بما بدأ به ، فيصلي في الفرض
الأول الظهر والعصر ثم الظهر أو بالعكس ، وفي الثاني الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم
يكرر مرة أخرى ثم يصلى الظهر ، وفي هذين لا فرق بين الضابطين من حيث العدد ، وفي
الثالث يصلى الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء ثم يكررها مرتين ثم يصلى الظهر
فيحصل الترتيب بثلاث عشرة فريضة ،
__________________
ومقتضى الضابطة السابقة حصول الترتيب بخمس عشرة فريضة. وعلى هذا القياس في
غيرها من الصور.
هذا كله في
ترتيب فوائت اليومية بعضها على بعض ، وأما الترتيب بين فوائت غير اليومية ـ مثل
صلاة الآيات المتعددة الأسباب بحيث يقدم ما تقدم سببه وهكذا وكذا الترتيب بينها
وبين اليومية بأن يكون عليه فوائت من اليومية وفوائت من غيرها ـ ففي وجوب الترتيب
في هاتين الصورتين وعدمه اشكال ، حيث لا نص في هذا المقام ، والاحتياط يقتضي
الترتيب.
قال في الذكرى
: قال بعض المتأخرين بسقوط الترتيب بين اليومية والفوائت الأخر وكذا بين تلك
الفوائت اقتصارا بالوجوب على محل الوفاق ، وبعض مشايخ الوزير السعيد مؤيد الدين
ابن العلقمي (طاب ثراهما) أوجب الترتيب في الموضعين نظرا الى عموم «فليقضها كما
فاتته» . وجعله الفاضل في التذكرة احتمالا ، ولا بأس به. انتهى.
أقول : قد عرفت
ما في هذا الحديث الذي استند اليه هذا القائل ، مع انه على تقدير صحة الخبر
المذكور لا يخلو الاستدلال من المناقشة أيضا.
المسألة
السادسة ـ الاعتبار في القصر والتمام وكذا في الجهر والإخفات بحال الفوات. أما الأول
فقال في المدارك : انه مذهب العلماء كافة إلا من شذ. والظاهر انه أشار به الى ما
نقله في الذكرى عن المزني من علماء العامة من القصر اعتبارا بحالة الفعل كالمريض
إذا قضى فإنه يعتبر حاله والمتيمم كذلك قال : ورد بسبق
__________________
الإجماع. والمريض والمتيمم عاجزان عن القيام واستعمال الماء ، ولا تكليف مع
العجز ولهذا لو شرع في الصلاة قائما ثم مرض قعد. الى آخر كلامه زيد في إكرامه.
واستدل الأصحاب
على الحكم المذكور بقوله صلىاللهعليهوآله «فليقضها كما فاتته». وقد تقدم ان الخبر المذكور لم يثبت
من طرقنا.
والمروي من
طرقنا مما يدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن عن زرارة قال : «قلت له رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في
الحضر؟ فقال يقضى ما فاته كما فاته : ان كانت صلاة السفر أداها في الحضر مثلها وان
كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته».
وعن زرارة عن
ابى جعفر عليهالسلام قال : «إذا نسي الرجل صلاة أو صلاها بغير طهور وهو مقيم
أو مسافر فذكرها فليقض الذي وجب عليه لا يزيد على ذلك ولا ينقص ، ومن نسي أربعا
فليقض أربعا حين يذكرها مسافرا كان أو مقيما ، ومن نسي ركعتين صلى ركعتين إذا ذكر
مسافرا كان أو مقيما».
ولو حصل الفوات
في أماكن التخيير فهل يستحب التخيير في القضاء مطلقا أو بشرط ان يوقعه في تلك
الأماكن أو يتعين القصر؟ احتمالات أحوطها الأخير. وأما الثاني وهو ان يقضى الجهرية
والإخفاتية كما كانت تؤدى ليلا كان
__________________
أو نهارا فقد نقل الشيخ فيه الإجماع ، ويدل عليه عموم قوله في الخبر الأول «يقضى
ما فاته كما فاته» وان كان مورد الخبر العدد الذي هو أحد أفراد هذه القضية الكلية.
بقي الكلام هنا
في موضعين : أحدهما ـ بالنسبة إلى الكيفية التي هي عبارة عن هيئة الصلاة التي تؤدي
عليها ، والظاهر ان الاعتبار فيها بحال الفعل لا حال الفوات كصلاة الصحيح وصلاة
المريض ، فيقضى الصحيح فائتة المرض بالكيفية التي يصليها صحيحا ويقضى المريض فائتة
الصحة على الكيفية التي هو عليها جالسا أو قائما أو نحو ذلك ويجب عليه بل ولا يجوز
له التأخير الى ان يصح ويأتي بصلاة الصحيح.
وثانيهما ـ لو
قضى الرجل عن المرأة أو بالعكس مع وجوب الجهر على الرجل والإخفات على المرأة في
القراءة أو جميع أفعال الصلاة بناء على تحريم إسماعها الأجنبي صوتها ، وهكذا
بالنسبة إلى سنن صلاة المرأة وما يخصها في القيام والعقود ونحوهما ، فهل الاعتبار
بالقاضي أو المقضي عنه؟ الظاهر الأول فيقضى الرجل صلاة المرأة كما يقضى عن نفسه ،
عملا بعموم الخطاب المتعلق به من وجوب الجهر عليه في موضعه والتكاليف الموظفة في
قيامه وقعوده وأفعال صلاته أعم من أن يكون ذلك عن نفسه أو غيره ، فإن الأخبار
الدالة على أحكام صلاة الرجل لا تخصيص فيها بما أوقعه عن نفسه بل هي أعم من ذلك
كما لا يخفى وكذا المرأة تقضى صلاة الرجل مثل صلاتها عن نفسها بالتقريب المذكور. والله
العالم.
المسألة
السابعة ـ يستحب قضاء النوافل الموقتة إجماعا نصا وفتوى والأخبار بذلك متظافرة :
ومنها ـ ما
رواه ثقة الإسلام عن عبد الله بن سنان قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدرى ما هو من كثرته
كيف يصنع؟ قال فليصل حتى لا يدرى كم صلى من كثرته فيكون قد قضى بقدر علمه. قلت
فإنه لا يقدر
__________________
على القضاء من كثرة شغله؟ فقال ان كان شغله في طلب معيشة لا بد منها أو
حاجة لأخ مؤمن فلا شيء عليه ، وان كان شغله لدنيا تشاغل بها عن الصلاة فعليه
القضاء وإلا لقي الله تعالى مستخفا متهاونا مضيعا لسنة رسول الله صلىاللهعليهوآله الحديث.». ويأتي تمامه ان شاء الله تعالى.
وما رواه في
الكافي والتهذيب في الحسن عن مرازم قال : «سأل إسماعيل ابن جابر أبا عبد الله عليهالسلام فقال أصلحك الله ان على نوافل كثيرة فكيف اصنع؟ فقال
اقضها. فقال له انها أكثر من ذلك؟ قال اقضها قلت لا أحصيها؟ قال توخ. قال مرازم
وكنت مرضت أربعة أشهر لم أتنفل فيها فقلت أصلحك الله وجعلت فداك انى مرضت أربعة
أشهر لم أصل فيها نافلة؟ قال ليس عليك قضاء ان المريض ليس كالصحيح كل ما غلب الله
عليه فالله أولى بالعذر فيه».
وقوله عليهالسلام في هذا الخبر «ليس عليك قضاء» محمول على نفى تأكد
الاستحباب لحسنة محمد بن مسلم قال : «قلت له رجل مرض فترك النافلة؟ فقال يا محمد ليست
بفريضة إن قضاها فهو خير يفعله وان لم يفعل فلا شيء عليه».
ثم انه مع عدم
القدرة على القضاء يتصدق لما رواه عبد الله بن سنان في تتمة الخبر المتقدم «قلت
فإنه لا يقدر على القضاء فهل يجزئ ان يتصدق؟ فسكت مليا ثم قال فليتصدق بصدقة. قلت
فما يتصدق؟ قال بقدر طوله وادنى ذلك مد لكل مسكين مكان كل صلاة. قلت وكم الصلاة
التي يجب فيها مد لكل مسكين؟ فقال لكل ركعتين من صلاة الليل مد ولكل ركعتين من
صلاة النهار مد. فقلت لا يقدر؟ فقال مد اذن لكل اربع ركعات. فقلت لا يقدر؟ فقال مد
لكل صلاة الليل ومد لصلاة النهار ، والصلاة أفضل والصلاة أفضل والصلاة أفضل»
والأصحاب (رضوان الله عليهم) قد ذكروا هنا انه ان عجز يتصدق عن كل ركعتين بمد فإن
عجز فعن كل يوم بمد استحبابا. ولا يخفى
__________________
ما فيه من عدم الانطباق على ما تضمنه الخبر. والله العالم.
المسألة
الثامنة ـ قال في الذكرى : قد اشتهر بين متأخري الأصحاب قولا وفعلا الاحتياط بقضاء
صلاة يتخيل اشتمالها على خلل بل جميع العبادات الموهوم فيها ذلك ، وربما تداركوا
ما لا يدخل الوهم في صحته وبطلانه في الحياة وبالوصية بعد الوفاة ، ولم نظفر بنص
في ذلك بالخصوص ، وللبحث فيه مجال إذ يمكن ان يقال بشرعيته لوجوه : منها ـ قوله
تعالى «فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ»
و «اتَّقُوا اللهَ حَقَّ
تُقاتِهِ» «وَجاهِدُوا فِي اللهِ
حَقَّ جِهادِهِ» «وَالَّذِينَ جاهَدُوا
فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا»
«وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ
وَجِلَةٌ» وقول النبي صلىاللهعليهوآله «دع ما يريبك الى ما لا يريبك». و «انما الأعمال بالنيات» . و «من اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه» . وقوله صلىاللهعليهوآله للمتيمم لما أعاد صلاته لوجود الماء في الوقت «لك الأجر
مرتين». وللذي لم يعد «أصبت السنة»
__________________
وقول الصادق عليهالسلام في الخبر السالف «انظروا الى عبدي يقضى ما لم افترض عليه». وقول العبد الصالح عليهالسلام في مكاتبة عبد الله بن وضاح «أرى لك ان تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك». وربما يخيل المنع
لوجوه : منها قوله تعالى «يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ
الْيُسْرَ» «يُرِيدُ اللهُ أَنْ
يُخَفِّفَ عَنْكُمْ» «وَما جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»
وفتح باب الاحتياط يؤدي اليه ، وقول النبي صلىاللهعليهوآله «بعثت بالحنيفية السمحة». وروى حمزة بن حمران عن ابى عبد الله عليهالسلام «ما أعاد الصلاة فقيه ، يحتال فيها ويدبرها حتى لا يعيدها». والأقرب الأول
لعموم قوله تعالى «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا
صَلّى» وقول النبي صلىاللهعليهوآله «الصلاة خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر». ولان الاحتياط المشروع
في الصلاة من هذا القبيل ، فان غايته التجويز ، ولهذا قال أبو عبد الله عليهالسلام «وان كان صلى أربعا كانت هاتان نافلة». ولأن إجماع شيعة عصرنا وما راهقه
عليه ، فإنهم لا يزالون يوصون بقضاء العبادات مع فعلهم إياها ويعيدون كثيرا منها
أداء وقضاء والنهى عن إعادة الصلاة انما هو في الشك الذي يمكن فيه البناء. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان أكثر ما أطال به (قدسسره) من الأدلة سيما في المقام الأول والثاني تطويل بغير
طائل ، والحق في المقام انه مع تطرق احتمال النقص ـ كما في أكثر الناس حيث يأتون
بالعبادات مع الجهل بالمسائل الشرعية وعدم صحة
__________________
القراءة وعدم التورع من النجاسات والشبهات وعدم المحافظة على أفعالها ونحو
ذلك ـ فإنه لا ريب ان القضاء حسن بل أحسن عملا باخبار الاحتياط في الدين ، واما مع
يقين الصحة ويقين البراءة فإشكال يأتي التنبيه عليه ان شاء الله تعالى في المطلب
الآتي
المسألة
التاسعة ـ من فاته الفرض المختلف باعتبار أول الوقت وآخره كمن دخل عليه الوقت وهو
حاضر ثم سافر قبل الصلاة وبالعكس هل يقضى لو فاتته والحال هذه باعتبار وقت الوجوب
وهو الأول أو وقت الفوات وهو الثاني؟ قولان والأشهر الأظهر الثاني وهو الاعتبار
بحال الفوات فيبني على وجوب الأداء في المسألة ، فإن كان الواجب فيه التمام مطلقا
كما هو أحد الأقوال وجب القضاء تماما وان كان القصر مطلقا وجب القضاء كذلك وان كان
التفصيل فكذلك ، وبالجملة فالمراعى ما وجب عليه أداؤها من قصر أو تمام ، فمعنى حال
الفوات يعنى الحالة التي فاتت عليها الفريضة ووجب أداؤها عليها. وقيل ان الاعتبار
بحال الوجوب ونقل عن السيد المرتضى وابن الجنيد.
ويدل على
المشهور قوله عليهالسلام في حسنة زرارة «يقضي ما فاته كما فاته». ولا يتحقق الفوات إلا عند خروج الوقت.
واستدل على
القول الآخر برواية زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام «انه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة وهو في السفر فأخر الصلاة حتى قدم فهو يريد
ان يصليها إذا قدم إلى أهله فنسي حين قدم إلى أهله أن يصليها حتى ذهب وقتها؟ قال
يصليها ركعتين صلاة المسافر لان الوقت دخل وهو مسافر كان ينبغي أن يصليها عند ذلك».
وردها
المتأخرون بضعف الاسناد ، وأجاب عنها في المعتبر باحتمال أن يكون دخل مع ضيق الوقت
عن أداء الصلاة أربعا فيقضي على وقت إمكان الأداء.
أقول : ويمكن
أن يقال لعل هذا الخبر انما خرج بناء على ان فرض هذا الداخل الصلاة أداء بالقصر
كما هو أحد الأقوال في المسألة ، وحينئذ فالقضاء تابع لذلك فيكون
__________________
الخبر موافقا لما هو المشهور من الاعتبار بحال الفوات ، وليس في التعليل
المذكور في الرواية منافاة لما ذكرنا ، إذ غاية ما يدل عليه ان استقرار الركعتين
في ذمته باعتبار دخول الوقت في السفر وهو مما لا إشكال فيه. وكيف كان فالاحتياط
مما لا ينبغي تركه. والله العالم.
المطلب الثاني
ـ في القضاء عن الأموات ، وحيث ان هنا جملة من الاخبار المتعلقة بقضاء الصلاة عن
الأموات ذكرها السيد الزاهد العابد رضى الدين أبو القاسم على بن طاوس الحسيني (عطر
الله مرقده) في كتاب غياث سلطان الورى لسكان الثرى وقصد بها بيان قضاء الصلاة عن
الأموات ، وقد نقلها جملة من أصحابنا : منهم ـ شيخنا الشهيد في الذكرى وشيخنا
المجلسي في البحار وغيرهما فأحببنا أولا إيرادها ثم إردافها ان شاء الله تعالى
بالأبحاث الشافية المتعلقة بالمقام والتحقيقات الوافية الداخلة في سلك هذا النظام
:
فنقول : الأول
ـ ما رواه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه «ان الصادق عليهالسلام سأله عمر بن يزيد أيصلى عن الميت؟ قال نعم حتى انه
ليكون في ضيق فيوسع عليه ذلك الضيق ثم يؤتى فيقال له خفف عنك هذا الضيق بصلاة فلان
أخيك عنك».
الثاني ـ ما
رواه على بن جعفر في مسائله عن أخيه موسى بن جعفر عليهالسلام قال : «حدثني أخي موسى بن جعفر عليهالسلام قال سألت أبي جعفر بن محمد عليهالسلام عن الرجل هل يصلح له أن يصلى أو يصوم عن بعض موتاه؟ قال
نعم فيصلي ما أحب ويجعل تلك للميت فهو للميت إذا جعل ذلك له». قيل ولفظ «ما أحب»
للعموم وجعلها نفسها للميت دون ثوابها ينفي أن يكون هدية صلاة مندوبة.
الثالث ـ من
مسائله أيضا عن أخيه موسى عليهالسلام «وسأله عن الرجل هل يصلح أن يصلى ويصوم عن بعض أهله بعد موته؟ قال نعم يصلى
ما أحب ويجعل ذلك
__________________
للميت فهو للميت إذا جعله له».
الرابع ـ ما
رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي بإسناده الى محمد بن عمر بن يزيد قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام يصلى عن الميت؟ قال نعم حتى انه ليكون في ضيق فيوسع
عليه ذلك ثم يؤتى فيقال له خفف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك».
الخامس ـ ما
رواه الشيخ بإسناده إلى عمار الساباطي من كتاب أصله المروي عن الصادق عليهالسلام «وعن الرجل يكون عليه صلاة أو يكون عليه صوم هل يجوز له ان يقضيه رجل غير
عارف؟ قال لا يقضيه إلا رجل مسلم عارف».
السادس ـ ما
رواه الشيخ بإسناده الى محمد بن ابى عمير عن رجاله عن الصادق عليهالسلام «في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال يقضيه أولى الناس به».
السابع ـ ما
رواه الشيخ محمد بن يعقوب الكليني بإسناده الى محمد بن ابى عمير عن حفص بن البختري
عن ابى عبد الله عليهالسلام «في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال يقضى عنه أولى الناس به».
الثامن ـ هذا
الحديث بعينه عن حفص بطريق آخر الى كتابه الذي هو من الأصول .
التاسع ـ ما
روى في أصل هشام بن سالم من رجال الصادق والكاظم (عليهماالسلام) ويروى عنه ابن ابى عمير ، قال هشام في كتابه : وعنه عليهالسلام قال : «قلت يصل الى الميت الدعاء والصدقة والصلاة ونحو
هذا؟ قال نعم «قلت ويعلم من صنع ذلك به؟ قال نعم» ثم قال يكون مسخوطا عليه فيرضى
عنه». وظاهره انه من الصلاة الواجبة التي تركها لأنها سبب للسخط.
العاشر ـ ما
رواه على بن أبي حمزة في أصله وهو من رجال الصادق والكاظم
__________________
عليهماالسلام) قال : «وسألته عن الرجل يحج ويعتمر ويصلى ويصوم ويتصدق
عن والديه وذوي قرابته؟ قال لا بأس به يؤجر في ما يصنع وله أجر آخر بصلته قرابته.
قلت وان كان لا يرى ما أرى وهو ناصب؟ قال يخفف عنه بعض ما هو فيه». أقول : وهذا
ايضا مما ذكره ابن بابويه في كتابه .
الحادي عشر ـ ما
رواه الحسين بن الحسن العلوي الكوكبي في كتاب المنسك بإسناده الى على بن أبي حمزة قال : «قلت لأبي إبراهيم عليهالسلام أحج وأصلي وأتصدق عن الأحياء والأموات من قرابتي
وأصحابي؟ قال نعم تصدق عنه وصل عنه ولك أجر آخر بصلتك إياه». قال ابن طاوس (قدسسره) يحمل في الحي على ما يصح فيه النيابة من الصلوات ويبقى
الميت على عمومه.
الثاني عشر ـ ما
رواه الحسن بن محبوب في كتاب المشيخة عن الصادق عليهالسلام انه قال : «يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج
والصدقة والبر والدعاء ، قال ويكتب أجره للذي يفعله وللميت». وهذا الحسن بن محبوب
يروى عن ستين رجلا من رجال ابى عبد الله عليهالسلام وروى عن الرضا عليهالسلام وقد دعا له الرضا واثنى عليه فقال في ما كتبه عليهالسلام «ان الله قد أيدك بحكمة وأنطقها على لسانك قد أحسنت وأصبت أصاب الله بك
الرشاد ويسرك للخير ووفقك لطاعته».
الثالث عشر ـ ما
رواه ابن ابى عمير بطريق آخر عن الامام عليهالسلام «يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء ، قال
ويكتب أجره للذي يفعله وللميت».
الرابع عشر ـ ما
رواه إسحاق بن عمار قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام
__________________
يقول : يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء
، قال ويكتب أجره للذي يفعله وللميت».
الخامس عشر ـ روى
ابن بابويه عن الصادق عليهالسلام «يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والعتق».
السادس عشر ـ ما
رواه عمر بن محمد بن يزيد قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام ان الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة وكل عمل صالح
ينفع الميت حتى ان الميت ليكون في ضيق فيوسع عليه ويقال ان هذا بعمل ابنك فلان
وبعمل أخيك فلان ، أخوه في الدين». قال السيد (رحمهالله) «أخوه في الدين» إيضاح لكل ما يدخل تحت عمومه من
الابتداء بالصلاة عن الميت أو بالإجارات.
السابع عشر ـ ما
رواه على بن يقطين ـ وكان عظيم القدر عند ابى الحسن موسى عليهالسلام له كتاب المسائل ـ عنه عليهالسلام قال : «وعن الرجل يتصدق عن الميت ويصوم ويعتق ويصلى؟
قال كل ذلك حسن يدخل منفعته على الميت».
الثامن عشر ـ ما
رواه على بن إسماعيل الميثمي في أصل كتابه قال حدثني كردين قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام الصدقة والحج والصوم يلحق الميت؟ قال نعم. قال فقال هذا
القاضي خلفي وهو لا يرى ذلك. قال قلت وما أنا وذا فوالله لو أمرتني أن أضرب عنقه
لضربت عنقه. قال فضحك. قال : وسألت أبا الحسن عليهالسلام عن الصلاة على الميت أتلحق به. قال نعم. قال : وسألت
أبا عبد الله عليهالسلام قلت انى لم أتصدق بصدقة منذ ماتت أمي إلا عنها؟ قال
نعم. قلت افترى غير ذلك؟ قال نعم نصف عنك ونصف عنها. قلت أيلحق بها؟ قال نعم». قال
السيد : قوله «الصلاة
__________________
على الميت» أي التي كانت على الميت أيام حياته. ولو كانت ندبا كان الذي
يلحقه ثوابها دون الصلاة نفسها.
التاسع عشر ـ ما
رواه حماد بن عثمان في كتابه قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام ان الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة وكل عمل صالح
ينفع الميت حتى ان الميت ليكون في ضيق فيوسع عليه ويقال هذا بعمل ابنك فلان أو
بعمل أخيك فلان ، أخوه في الدين».
العشرون ـ ما
رواه عبد الله بن جندب قال : «كتبت الى ابى الحسن عليهالسلام اسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله من الصلاة والبر
والخير أثلاثا ثلثا له وثلثين لأبويه أو يفردهما من أعماله بشيء مما يتطوع به وان
كان أحدهما حيا والآخر ميتا؟ فكتب الى : أما الميت فحسن جائز وأما الحي فلا إلا
البر والصلة». قال السيد : لا يراد بهذه الصلاة المندوبة لأن الظاهر جوازها عن
الأحياء في الزيارات والحج وغيرهما.
الحادي
والعشرون ـ ما رواه محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري انه كتب الى الكاظم مثله وأجابه بمثله.
الثاني
والعشرون ـ ما رواه ابان بن عثمان عن على بن مسمع قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام ان أمي هلكت ولم أتصدق بصدقة. كما تقدم الى قوله أفيلحق
ذلك بها؟ قال عليهالسلام نعم. قلت والحج؟ قال نعم. قلت والصلاة؟ قال نعم. قال ثم
سألت أبا الحسن عليهالسلام بعد ذلك ايضا عن الصوم فقال نعم».
الثالث
والعشرون ـ ما رواه الكليني بإسناده الى محمد بن مروان قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام ما يمنع الرجل منكم أن يبر والدية حيين وميتين يصلى
عنهما ويتصدق عنهما ويحج عنهما ويصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك
فيزيده الله ببره وصلته خيرا كثيرا».
__________________
الرابع
والعشرون ـ عن عبد الله بن سنان عن الصادق عليهالسلام قال : «الصلاة التي دخل وقتها قبل أن يموت الميت يقضى
عنه أولى الناس به».
ثم ذكر (قدسسره) عشرة أحاديث تدل بطريق العموم قال :
الأول ـ ما
رواه عبد الله بن ابى يعفور عن الصادق عليهالسلام قال : «يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن».
الثاني ـ ما
رواه صفوان بن يحيى ـ وكان من خواص الرضا والجواد (عليهماالسلام) وروى عن أربعين رجلا من أصحاب الصادق عليهالسلام قال «يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن».
الثالث ـ ما
رواه محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن».
الرابع ـ ما
رواه العلاء بن رزين في كتابه ـ وهو أحد رجال الصادق (عليهالسلام) ـ قال : «يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله
الحسن».
الخامس ـ ما
رواه البزنطي ـ وكان من رجال الرضا (عليهالسلام) ـ قال «يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق وفعله الحسن».
السادس ـ ما
ذكره صاحب الفاخر مما أجمع عليه وصح من قول الأئمة (عليهمالسلام) قال : «ويقضى عن الميت أعماله الحسنة كلها».
السابع ـ ما
رواه ابن بابويه عن الصادق عليهالسلام قال : «من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا أضعف الله
له اجره ونفع الله به الميت».
الثامن ـ ما
رواه عمر بن يزيد قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام من عمل من المؤمنين عن ميت عملا صالحا أضعف الله اجره
وينعم بذلك الميت».
التاسع ـ ما
رواه العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله (عليه
__________________
السلام) قال : «يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن».
العاشر ـ ما
رواه حماد بن عثمان في كتابه قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) من عمل من المؤمنين عن ميت عملا صالحا أضعف الله اجره
وينعم بذلك الميت».
قال الشهيد :
وروى يونس عن العلاء عن عبد الله بن ابى يعفور عن الصادق عليهالسلام قال : «يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق والفعل الحسن».
ومما يصلح هنا ما
أورده في التهذيب بإسناده عن عمر بن يزيد قال : «كان أبو عبد الله عليهالسلام يصلى عن ولده في كل ليلة ركعتين وعن والديه في كل يوم
ركعتين. قلت جعلت فداك كيف صار للولد الليل؟ قال لان الفراش للولد. قال : وكان
يقرأ فيهما القدر والكوثر». قال : «فان هذا الحديث يدل على وقوع الصلاة عن الميت
من غير الولد كالأب ، وهو حجة على من ينفى الوقوع أصلا أو ينفيه إلا من الولد.
قال في الذخيرة
: قلت يفهم من هذا الكلام وقوع الخلاف في وقوع الصلاة عن الميت ثم في عدم اختصاصه
بقضاء الولد عن الوالد ، وسيجيء ما يدل على اتفاق الإمامية على وقوع الصلاة عن
الميت وعدم اختصاصه بالولد نقلا عن كلام الشهيد. ولعل الخلاف الذي يفهم ههنا مخصوص
بالعامة أو مستند الى بعض الأصحاب المعاصرين للشهيد أو السيد أو غيرهم ممن لا يرون
مخالفته قادحة في الإجماع.
ثم ذكر السيد (قدسسره) ان الصلاة دين وكل دين يقضى عن الميت ، أما ان الصلاة
تسمى دينا ففيه أربعة أحاديث :
الأول ـ ما
رواه حماد عن ابى عبد الله عليهالسلام في اخباره عن لقمان عليهالسلام
__________________
«وإذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشيء صلها واسترح منها فإنها دين».
الثاني ـ ما
ذكره ابن بابويه في باب آداب المسافر «إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشيء صلها واسترح منها فإنها دين».
الثالث ـ ما
رواه ابن بابويه في كتاب معاني الأخبار بإسناده الى محمد بن الحنفية في حديث
الأذان لما اسرى بالنبي صلىاللهعليهوآله «٢» الى قوله : «ثم قال حي على الصلاة قال الله جل جلاله فرضتها على عبادي
وجعلتها لي دينا». إذا روى بفتح الدال
الرابع ـ ما
رواه حريز بن عبد الله عن زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «قلت له رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف ان
يدركه الصبح ولم يصل صلاة ليلته تلك؟ قال يؤخر القضاء ويصلى صلاة ليلته تلك».
وأما قضاء
الدين عن الميت فلقضية الخثعمية لما سألت رسول الله صلىاللهعليهوآله.
__________________
فقالت يا رسول الله صلىاللهعليهوآله ان أبى أدركته فريضة الحج شيخا زمنا لا يستطيع أن يحج
ان حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال لها أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه
ذلك؟ قالت نعم. قال فدين الله أحق بالقضاء.
قال السيد :
ويدل على أن القضاء عن الميت أمر مشروع تعاقد صفوان ابن يحيى وعبد الله بن جندب
وعلى بن النعمان في بيت الله الحرام ان من مات منهم يصلى من بقي صلاته ويصوم عنه
ويحج عنه ما دام حيا ، فمات صاحباه وبقي صفوان فكان يفي لهما بذلك فيصلي كل يوم
وليلة خمسين ومائة ركعة وهؤلاء من أعيان مشايخ الأصحاب والرواة عن الأئمة (عليهمالسلام).
قال السيد :
انك إذا اعتبرت كثيرا من الأحكام الشرعية وجدت الأخبار فيها مختلفة حتى صنفت
لأجلها كتب ولم تستوعب الخلاف ، والصلاة عن الأموات قد ورد فيها مجموع أخبار ولم
نجد خبرا واحدا يخالفها ، ومن المعلوم ان هذا المهم في الدين لا يخلو عن شرع بقضاء
أو ترك فإذا وجد المقتضى ولم يوجد المانع علم موافقة ذلك للحكمة الإلهية. انتهى
كلامه زيد في الخلد إكرامه ومقامه.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان تحقيق الكلام في هذا المقام وتفصيل ما اشتمل عليه جملة هذه الاخبار
الواردة عنهم (عليهمالسلام) والإحاطة بما فيها من نقض وإبرام يقتضي بسطها في مسائل
:
الأولى ـ المستفاد
من هذه الأخبار وكذا من كلام علمائنا الأبرار من غير خلاف يعرف جواز الصلاة عن
الميت بان يصلى نيابة عنه كما انه يجوز أن يحج نيابة عنه أو انه يصلى لنفسه ثم
يجعل ثوابها وأجرها له.
__________________
هذا بالنسبة
إلى الصلوات المستحبة وأكثر الأخبار المتقدمة إنما خرجت هذا المخرج ، وأما الواجبة
فإنه يجوز ايضا أن يصليها نيابة عنه وان لم يكن ولده ولا وليه ، إلا أن الفاضل
الخراساني في الذخيرة قال ان الفتوى بذلك لم يكن مشهورا في كتب القدماء وانما
اشتهر بين أصحابنا المتأخرين ، والمشهور في كتب السابقين قضاء الولي عن الميت حسب.
انتهى. وهو جيد.
بقي الإشكال
هنا في انه هل ينحسب جواز القضاء في الواجبة الى ما لو لم تكن ذمة الميت مشغولة
بالعبادة كالصلاة اليومية بأن يصليها عنه وان علم فراغ ذمته منها أم لا؟ ظاهر
الجماعة ذلك ، وعليه جرى من عاصرناه من مشايخنا في بلادنا البحرين حتى ان الرجل
منهم يوصى بعقار يصرف حاصله في العبادة والصلاة اليومية عنه الى يوم القيامة ،
وشاهدنا جملة من العلماء يعملون بتلك العبادات من غير توقف ولا تناكر ، والظاهر ان
عمدة ما استدلوا به على ذلك حكاية صفوان بن يحيى المتقدمة.
ولم اطلع على
من توقف في هذا الحكم وناقش فيه إلا الفاضل المولى محمد باقر الخراساني في الذخيرة
فإنه قال ـ بعد ذكره هذا الفرع المذكور وتقديم جملة الأخبار التي قدمناها ـ ما
صورته : وفيه اشكال نظرا الى ان شرعية العبادات تحتاج الى توقيف الشرع وليس ههنا
أمر دال على ذلك بحيث ينسد به باب التوقف والإشكال ، فإن الأخبار المذكورة غير
واضحة الدلالة على العموم ، ولو سلم لا يبعد أن يكون المراد بالصلاة فيها الصلاة
المشروعة بالنسبة إلى المكلف بناء على أن لفظة الصلاة موضوعة للصحيحة الشرعية لا
طبيعة الأركان مطلقا ، وإذا كان الأمر كذلك كان محصل النص أن كل صلاة يصح شرعا أن يفعله
المكلف فله أن يجعله للميت فلا يستفاد منه الجواز. وأما قضية صفوان فقد ذكرها
النجاشي بلفظ «روى» والشيخ أطلق ذكرها ولم يذكر لها سندا وطريقا ، والمسامحة في
نقل أمثال هذه الحكايات التي لم يكن الغرض الأصلي من إيرادها تأسيس حكم شرعي شائع
غالب ،
فبهذا الاعتبار يحصل نوع شك في صحة الاستناد الى الأمر المذكور فيحصل الشك
في المسألة حتى يفتح الله ويسهل طريق معرفتها. انتهى. وهو جيد ، والى ذلك ايضا
يميل كلام شيخنا المجلسي (قدسسره) في كتاب البحار.
والظاهر عندي
هو العدم وان كان ظاهر كلاميهما (طاب ثراهما) انما هو التوقف والاستشكال لعدم
وقوفهم على دليل صريح في ثبوت هذا الحكم وعدمه في هذا المجال ، مع انه قد روى
الشيخ في الموثق عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في شوال
فأوصتني أن أقضي عنها؟ قال هل برئت من مرضها؟ قلت لا ماتت فيه. قال لا يقضى عنها
فان الله لم يجعله عليها. قلت فإني اشتهى أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك؟ قال فكيف
تقضى شيئا لم يجعله الله عليها».
(فان قيل) ان
مورد الرواية مخصوص بالصوم فلا يتعدى الى غيره إلا بدليل (قلنا) موضع الاستدلال في
الخبر انما هو قوله عليهالسلام في الجواب بعد نهيه عن القضاء في الصورة المذكورة
المؤذن بالتحريم وتعليله التحريم بان الله لم يجعله عليها المؤذن بأن القضاء كائنا
ما كان انما يكون لما ثبت في الذمة واشتغلت به وكان مخاطبا به من قبله سبحانه ، ثم
تأكيد ذلك بعد مراجعة السائل بالاستفهام الإنكاري بقوله (عليهالسلام) «فكيف تقضى شيئا لم يجعله الله عليها».
وبالجملة فإن
هذا الخبر كما ترى ظاهر الدلالة واضح المقالة في ان القضاء عن الغير لا يشرع إلا
مع استقرار الأداء في ذمته ، مضافا الى ما عرفت في كلام الفاضل المتقدم من أن
العبادات مبنية على التوقيف ثبوتا وعدما والثابت هنا بموجب هذا الخبر انما هو
العدم. ولم أقف على من تنبه للاستدلال بالخبر المذكور في هذا المقام مع انه كما
ترى واضح الدلالة في ما ادعيناه ، ولا معارض له في البين إلا حكاية صفوان المذكورة
، ومن الظاهر قصورها عن المعارضة من جهات عديدة. والله العالم.
__________________
المسألة
الثانية ـ قد تقدم ان الأشهر الأظهر وجوب الترتيب على القاضي عن نفسه مع العلم
بالترتيب ، أما لو كان القضاء عن الغير فهل يجب ذلك بمعنى انه لا يصح أن يقضى عن
الميت اثنان أو ثلاثة مثلا دفعة واحدة بل لا بد أن يكون أحدهم بعد الآخر أو أن
يكون القاضي عنه متحدا؟ ظاهر الأصحاب الأول كما في قضاء الإنسان عن نفسه.
وقد وقفت في
هذا المقام على كلام جيد للسيد الفاضل المحقق السيد نعمة الله الجزائري (نور الله
تعالى تربته) يتضمن القول بعدم الوجوب في شرحه على التهذيب ، حيث قال بعد ذكر
المسألة : الذي أفتى به أكثر مشايخنا المعاصرين هو وجوب الترتيب ، ولهذا أمروا
بتوزيع الأوقات وتقسيمها بين المستأجرين حتى لا يصلى اثنان عن الميت في وقت واحد ،
والذي لا يزال يختلج بخاطري من البحث عن حقيقة الأخبار هو القول الثاني ، وذلك ان
اخبار هذا الباب من قوله عليهالسلام : «من فاتته فريضة». ومن هذا الخبر الذي نحن بصدد
الكلام فيه هو قضاء المكلف ما في ذمته ، وذلك انه يجب عليه تفريغ الذمة من ما تعلق
بها أو لا فأولا شيئا بعد شيء لعدم إمكان المبادرة إلى تفريغها من تلك الواجبات
كلها دفعة واحدة وإذا لم يمكن هذا وجب ذلك ، بخلاف الميت فإنه إذا مات لم تبق له
ذمة كذمة الحي ولهذا بطلت الأحكام المنوطة بها كأجل الدين وأكثر الإجارات وأحكام
الفلس ونحوها ، وحينئذ فقد بقي مشغولا بما فاته من الواجبات ، والمبادرة إلى رفعها
ورفع عذابها عنه مهما أمكن هو الأولى ، لأنه كما ورد في الأخبار يضيق عليه من
جهتها فإذا قضيت عنه أسرعت اليه ملائكة الرحمة ووسعوا عليه من جهة قضاء العبادة
عنه ، فإذا أمكن رفعها عنه دفعة واحدة أو ما هو قريب منها كان هو الأحسن. الى ان
قال : على ان الأخبار التي استدلوا بها على القضاء عن الميت عامة شاملة لموضع
النزاع. وبالجملة فالقول بعدم الترتيب هنا لعله الأولى ، وقد استدل لهذا القول من
بعض
__________________
المعاصرين إلا انه لم يذكر هذا الكلام بل جعل عدم الدليل دليلا على العدم.
انتهى كلام السيد المزبور وهو جيد وجيه.
ويكفينا في
القول بذلك ما نقله عن بعض معاصريه من عدم وجود الدليل في الصورة المذكورة على
وجوب الترتيب ، إذ لا تكليف إلا بعد البيان ولا مؤاخذة إلا بعد اقامة البرهان ،
فان ما ورد من الأخبار الدالة على وجوب الترتيب مورده قضاء الإنسان عن نفسه كما عرفت ، وما ذكره (قدسسره) علاوة ظاهر الوجاهة ، وعلى هذا جرى من عاصرناه من
مشايخنا في بلاد البحرين. والله العالم.
المسألة
الثالثة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما أعلم في جواز
الاستئجار للصلاة والصوم عن الميت ، إلا ان بعض متأخري المتأخرين ممن سيأتي نقل
كلامه ناقش في ذلك ، والظاهر ضعفه كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.
قال السيد
الزاهد العابد المجاهد رضى الدين بن طاوس (عطر الله مرقده) في كتاب غياث سلطان
الورى لسكان الثرى : وقد حكى ابن حمزة في كتابه في قضاء الصلاة عن الشيخ ابى جعفر
محمد بن الحسين الشوهاني انه كان يجوز الاستئجار عن الميت ، واستدل ابن زهرة على
وجوب قضاء الولي الصلاة بالإجماع على انها تجري مجرى الصوم والحج. وقد سبقه ابن
الجنيد بهذا الكلام حيث قال : والعليل إذا وجبت عليه الصلاة وأخرها عن وقتها الى
ان فاتت قضاها عنه وليه كما يقضى حجة الإسلام والصيام. قال وكذلك روى أبو يحيى عن
إبراهيم بن هشام عن ابى عبد الله عليهالسلام فقد سويا بين الصلاة وبين الحج ، ولا ريب في جواز
__________________
الاستئجار على الحج.
وقال شيخنا
الشهيد في الذكرى بعد نقل هذا الكلام : الاستئجار على فعل الصلاة الواجبة بعد
الوفاة مبنى على مقدمتين (إحداهما) جواز الصلاة عن الميت وهذه اجماعية والأخبار
الصحيحة ناطقة بها كما تلوناه. و (الثانية) ان كلما جازت الصلاة عن الميت جاز
الاستئجار عنه ، وهذه المقدمة داخلة في عموم الاستئجار على الأعمال المباحة التي
يمكن أن تقع للمستأجر ، ولا يخالف فيها أحد من الإمامية بل ولا من غيرهم ، لان
المخالف من العامة إنما منع لزعمه انه لا يمكن وقوعها للمستأجر عنه أما من يقول بإمكان وقوعها له وهم جميع الإمامية فلا
يمكنه القول بمنع الاستئجار إلا ان يخرق الإجماع في إحدى المقدمتين ، على ان هذا
النوع قد انعقد عليه الإجماع من الإمامية الخلف والسلف من عهد المصنف وما قبله الى
زماننا هذا ، وقد تقرر أن إجماعهم حجة قطعية (فإن قلت) فهلا اشتهر الاستئجار على
ذلك والعمل به عن النبي صلىاللهعليهوآله والأئمة (عليهمالسلام) كما اشتهر الاستئجار على الحج حتى علم من المذهب ضرورة
(قلت) ليس كل واقع يجب اشتهاره ولا كل مشهور يجب الجزم بصحته فرب مشهور لا أصل له
ورب متأصل لم يشتهر ، إما لعدم الحاجة إليه في بعض الأحيان أو لندور وقوعه ،
والأمر في الصلاة كذلك فان
__________________
سلف الشيعة كانوا على ملازمة الفريضة والنافلة على حد لا يقع من أحد منهم
إخلال بها إلا لعذر يعتد به كمرض موت أو غيره ، وإذا اتفق فوات فريضة بادروا الى
فعلها لأن أكثر قدمائهم على المضايقة المحصنة فلم يفتقروا الى هذه المسألة واكتفوا
بذكر قضاء الولي لما فات الميت من ذلك على طريق الندور ، ويعرف هذه الدعاوي من
طالع كتب الحديث والفقه وسيرة السلف معرفة لا يرتاب فيها ، فخلف من بعدهم قوم تطرق
إليهم التقصير واستولى عليهم فتور الهمم حتى آل الحال إلى انه لا يوجد من يقوم
بكمال السنن إلا أو حديهم ولا يبادر بقضاء الفائت إلا أقلهم ، فاحتاجوا الى
استدراك ذلك بعد الموت لظنهم عجز الولي عن القيام به ، فوجب رد ذلك الى الأصول
المقررة والقواعد الممهدة وفي ما ذكرناه كفاية. انتهى. وهو جيد متين.
واعترضه المولى
محمد باقر الخراساني في الذخيرة ـ بعد أن ذكر سابقا ما قدمنا نقله عنه آنفا من أن
الفتوى بذلك لم تكن مشهورة في كتب القدماء ـ فقال بعد نقل هذا الكلام : قلت ملخص
ما ذكره الشهيد ان الحكم بجواز الاستئجار للميت مبنى على الإجماع على ان كل أمر
مباح يمكن أن يقع للمستأجر يجوز الاستئجار فيه ، وقد نبهت مرارا بأن إثبات الإجماع
في زمن الغيبة في غاية الإشكال خصوصا في مثل هذه المسألة التي لم تشتهر في سالف
الأعصار وقد خلت منها مصنفات القدماء والعظماء. ثم ان قوله (قدسسره) «على ان هذا النوع قد انعقد عليه الإجماع. الى آخره»
يدل على انه زعم انعقاد الإجماع عليه في زمان السيد وما قاربه ، ولا يخفى ان دعوى
انعقاد الإجماع بالمعنى المعروف بين الشيعة في مثل تلك الأزمان بين التعسف واضح
الجزاف. ثم ما ذكره في تعليل عدم اشتهار هذا الحكم بين السلف لا يخلو عن تكلف ،
فان ما ذكره من ملازمة الشيعة على مداومة الصلوات وحفظ حدودها والاستباق والمسارعة
إلى قضاء فوائتها على تقدير تمامه انما يجرى في العلماء وأهل التقوى منهم لاعوامهم
وأدانيهم وعموم السفلة والجهلة منهم ، ويكفى ذلك داعيا للافتقار الى هذه المسألة
والفتوى بها واشتهار العمل بها لو كان لها أصل. وبالجملة للنظر
في هذه المسألة وجه فتدبر. انتهى.
أقول : لا يخفى
ما فيه على الفطن النبيه فإنه عنده ظاهر البطلان غنى عند التأمل عن البيان :
(أما أولا)
فلان قوله «قلت ملخص ما ذكره الشهيد. الى قوله الفقهاء والعظماء» مردود (أولا) بأن
هذا الإجماع الذي ادعاه الشهيد وادعى به صحة الاستئجار في كل الأعمال المباحة التي
يمكن أن تقع للمستأجر عنه ، ان كان المناقشة فيه انما هو بالنسبة إلى الصلاة
والصوم فهذا مما لا معنى له عند المحصل لانه متى سلم تلك القاعدة الكلية فعليه في
استثناء ما ذكره الدليل ، وان كان بالنسبة إلى أصل الكلية فالواجب عليه طلب الدليل
في كل فرد فرد من افراد الإجارات وان لا تجوز الإجارة في عمل من الأعمال ولا فعل
من الأفعال إلا بنص خاص بذلك الجزئي يدل على جواز الإجارة فيه بخصوصه وإلا فلا ولا
أراه يلتزمه ، بل لو انفتح هذا الباب لأدى إلى اطراده في جميع أبواب المعاملات من
البيوع والمصالحات والسلم والمساقاة ونحو ذلك ، فيشترط في كل فرد فرد مما يجرى فيه
أحد هذه العقود ورود نص فيه وإلا فلا يجوز أن يدخله البيع ونحوه من تلك المعاملات
، إذ العلة واحدة في الجميع والمناقشة تجري في الكل ، مع انه لا يرتاب هو ولا غيره
في أن المدار في جميع المعاملات انما هو على ما يدخل به ذلك الفرد الذي يراد اجراء
تلك المعاملة عليه في جملة أفرادها الشائعة وينتظم به في جملة جزئياتها الذائعة
إلا أن يقوم على المنع دليل من خارج ، وهذه قاعدة كلية في جميع المعاملات ، فان
سلمها وقال بها لزمه اجراء ذلك في محل البحث فإنه أحد أفرادها إلا ان يأتي بدليل
على إخراجه ، وان منعها ـ ولا أراه يتجشمه ـ فهو محجوج بما ذكرناه وانى له
بالمخرج.
و (ثانيا) ـ ان
الشهيد (قدسسره) لم يستند هنا الى مجرد الإجماع وانما استند أولا إلى
عموم ما دل على الإجارة في الأعمال المباحة ثم أردفه باتفاق الإمامية لأنه قال :
وهذه المقدمة داخلة في عموم الاستئجار على الأعمال المباحة أي عموم
أدلة الاستئجار بمعنى أن دليلها عموم الأدلة الدالة على الاستئجار على
الأعمال المباحة ، ثم قال ولا يخالف فيها أحد من الإمامية. الى آخره ، فاستند أولا
إلى عموم الأدلة ، وثانيا إلى الإجماع ، وهذا هو الواقع والجاري في جميع المعاملات
، فان هذه القواعد كما انها متفق عليها بين الأصحاب منصوصة في جميع أبواب
المعاملات من اجارة وغيرها ، فالمدعى لإخراج فرد من افراد بعض تلك القواعد عليه
اقامة الدليل.
ومن الأخبار
الدالة على هذه القاعدة بالنسبة إلى الإجارة ما رواه الحسن بن شعبة في كتاب تحف
العقول عن الصادق عليهالسلام في وجوه المعايش قال : واما تفسير الإجارات فإجارة
الإنسان نفسه أو ما يملك أو يلي أمره من قرابته أو دابته أو ثوبه بوجه الحلال من
جهات الإجارات أن يؤجر نفسه أو داره أو أرضه أو شيئا يملكه في ما ينتفع به من وجوه
المنافع ، أو العمل بنفسه وولده ومملوكه أو أجيره من غير أن يكون وكيلا للوالي.
الى أن قال : وكل من آجر نفسه أو آجر ما يملكه أو يلي أمره من كافر أو مؤمن أو ملك
أو سوقه على ما فسرناه مما تجوز الإجارة فيه فحلال محلل فعله وكسبه. انتهى.
قال بعض
المحدثين من أفاضل متأخري المتأخرين بعد نقل هذا الخبر : أقول فيه دلالة على جواز
إجارة الإنسان من يلي أمره من قرابته وان يؤجر نفسه للعبادات. الى أن قال : وبالجملة
المستفاد منها جواز أن يستأجر لكل عمل وان يؤجر نفسه من كل أحد لكل عمل إلا ما
أخرجه الدليل. انتهى.
وأما قوله ـ ثم
ان قوله على ان هذا النوع. الى آخره ـ فهو في محله إلا انه لا يضر بما قلناه فان
المطلوب يتم بما قدمناه وأحكمناه.
و (اما ثانيا)
فلان قوله ـ ثم ما ذكره في تعليل عدم اشتهار هذا الحكم. الى آخره ـ سقيم عليل لا
يبرد الغليل وكلام شيخنا (قدسسره) هنا حق لا ريب
__________________
فيه وصدق لا شبهة تعتريه ، فان ما ذكره (قدسسره) من الاستئجار على الصلاة والوصية بها انما يترتب على
ترك العلماء وأهل التقوى العارفين بوجوب قضائها الخائفين من تبعاتها وجزأيها لو
كانوا يتركونها فإنهم يوصون بها ، ولكن لما كانوا يحافظون عليها في حال الحياة
تمام المحافظة أداء وقضاء واجبا وسنة لم يقع ذلك ولم يشتهر ، فاما اعتراضه بالجهلة
والسفلة الذين لا يبالون بالصلاة صحيحة كانت أو باطلة في حياتهم أو بعد موتهم فغير
وارد ، لأنهم لما ذكرنا يتركونها ويتهاونون بها ويموتون على ذلك من غير فحص ولا
وصية بقضائها لجهلهم وقلة مبالاتهم بالدين فكيف يكون ذلك حينئذ داعيا الى الافتقار
الى هذه المسألة والفتوى بها واشتهار العمل بها ، على ان مساق كلام شيخنا المشار
اليه انما هو بالنسبة إلى شهرة الاستئجار على الصلاة وانه لم لا اشتهر كاشتهار
الاستئجار على الحج لا بالنسبة إلى الفتوى بهذه المسألة ، ويزيدك تأكيدا لما ذكرنا
ثمة كلام شيخنا المذكور وقوله «فخلف من بعدهم قوم تطرق إليهم التقصير. الى آخره»
مما يدل على ان اشتهار الوصية بالصلاة والاستئجار عليها في الوقت الأخير انما كان
لتهاون العلماء والعارفين بما يعرفون وجوبه عليهم وفتورهم عن القيام بالواجبات
فضلا عن السنن الموظفة في ذلك المقام ، فالكلام أولا وآخرا انما ترتب على العلماء
والعارفين لا ما توهمه من ضم السفلة والجاهلين.
وبالجملة
فكلامه (قدسسره) ليس بموجه يعتمد عليه وكلام شيخنا المذكور أولى وأحرى
بالرجوع اليه.
ثم ان ممن ناقش
في هذه المسألة وان كان من جهة أخرى المحدث الكاشاني (طاب ثراه) في كتاب المفاتيح
، حيث قال ـ في آخر الخاتمة التي في الجنائز من الكتاب المذكور بعد أن ذكر انه يصل
الى الميت ثواب الصلاة والصوم والصدقة والحج ـ ما صورته : وأما العبادات الواجبة
عليه التي فاتته فما شاب منها المال كالحج يجوز
الاستئجار له كما يجوز التبرع به عنه بالنص والإجماع ، واما البدني المحض كالصلاة والصيام ففي
النصوص «يقضيها عنه أولى الناس به». وظاهرها التعيين عليه ، والأظهر جواز التبرع
بهما عنه من غيره ايضا ، وهل يجوز الاستئجار لهما؟ المشهور نعم ، وفيه تردد لفقد
النص فيه وعدم حجية القياس حتى يقاس على الحج أو على التبرع ، وعدم ثبوت الإجماع
بسيطا ولا مركبا إذ لم يثبت ان كان من قال بجواز العبادة للغير قال بجواز
الاستئجار لها ، وكيف كان فلا يجب القيام بالعبادات البدنية المحضة له بتبرع ولا
استئجار إلا مع الوصية. إلى آخر كلامه.
وقال في كتاب
المعايش والمكاسب بعد كلام في المقام : والذي يظهر لي ان ما يعتبر فيه نية التقرب
لا يجوز أخذ الأجرة عليه مطلقا لمنافاته الإخلاص فإن النية كما مضى ما يبعث على
الفعل دون ما يخطر بالبال ، نعم يجوز فيه الأخذ ان اعطى على وجه الاسترضاء أو
الهدية أو الارتزاق من بيت المال ونحو ذلك من غير تشارط ، وأما ما لا يعتبر فيه
ذلك بل يكون الغرض منه صدور الفعل على أى وجه اتفق فيجوز أخذ الأجرة عليه مع عدم
الشرط في ما له صورة العبادة. وأما جواز الاستئجار للحج مع كونه من القسم الأول
فلأنه انما يجب بعد الاستئجار وفيه تغليب لجهة المالية ، فإنه انما يأخذ المال
ليصرفه في الطريق حتى يتمكن من الحج ولا فرق في صرف المال في الطريق بان يصدر من
صاحب المال أو نائبه ، ثم ان النائب إذا وصل الى مكة وتمكن من الحج امكنه التقرب
به كما لو لم يكن أخذ أجرة فهو كالمتطوع أو نقول ان ذلك ايضا على سبيل الاسترضاء
للتبرع. أما الصلاة والصوم فلم يثبت جواز الاستئجار لهما. انتهى.
وفيه نظر من
وجوه : الأول ـ ان ما ذكره في الكلام الأول من التردد في جواز الاستئجار لفقد النص
مردود (أولا) ـ بما عرفت آنفا من أن فقد النص في خصوص
__________________
الاستئجار للصلاة والصيام لا يصلح للمانعية ، ومن ذا الذي اشترط وجود النص
في خصوص كل عمل وفعل يراد الاستئجار عليه حتى يشترط هنا ، والنصوص العامة كافية
كما في غير الإجارة من المعاملات.
وثانيا ـ انه قد
روى الصدوق (قدسسره) في الفقيه عن عبد الله بن جبلة عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليهالسلام «في رجل يجعل عليه صياما في نذر فلا يقوى؟ قال يعطى من يصوم عنه كل يوم
مدين». وهي صريحة في المطلوب والمراد عارية عن وصمة الإيراد.
وثالثا ـ النقض
بالحج ايضا كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى.
الثاني ـ ما
ذكره في كلامه الثاني ـ بقوله : والذي يظهر لي ان ما يعتبر فيه نية التقرب لا يجوز
أخذ الأجرة عليه. الى آخره ـ فان فيه (أولا) ـ ما ذكرناه في الوجه الأول من ورود
النص في الصوم وكذا في الحج ، وما اعتذر به في الحج فسيأتي بيان بطلانه.
وثانيا ـ انه
متى كان العلة في عدم جواز الاستئجار ذلك فإنه لا يجوز وان أوصى الميت بذلك ، لان
الاستئجار متى كان باطلا لبطلان العبادة والأجير لا يستحق لذلك اجرة فالوصية غير
مشروعة فتكون باطلة ، مع انه قد استثنى الوصية كما عرفت ، هذا خلف.
وثالثا ـ ان
لقائل أن يقول ان الفعل المستأجر عليه هو الصلاة المتقرب بها الى الله سبحانه
فإنها هي المستقرة في ذمة المستأجر عنه ، فالأجرة في مقابلة المجموع لا الصلاة
خاصة ليحصل منافاة الأجرة للقربة ، والفرق لطيف يحتاج الى مزيد تأمل ، وتوضيحه ان
النية مشتملة على قيود منها كون الفعل خالصا لله سبحانه ومنها كونه أداء أو قضاء
عن نفسه أو غيره تبرعا أو بأجرة ، وكل من هذه القيود الأخيرة غير مناف لقيد
الإخلاص ، والأجرة في ما نحن فيه انما وقعت أولا
__________________
وبالذات بإزاء القصد الثاني أعني النيابة عن زيد مثلا ، بمعنى انه استؤجر
على النيابة عن زيد في الإتيان بهذه الفريضة للتقرب بها وقيد القربة على حاله وفي
محله لا تعلق للأجرة به إلا من حيث كونه قيدا للفعل المستأجر عليه ، نعم لو اشترط
في النيابة عن الغير التقرب زيادة على التقرب المشروط في صحة العبادة اتجه منافاة
الأجرة لذلك إلا انه ليس بشرط إجماعا ، وبالجملة فإن أصل الصلاة مقصود بها وجهه
سبحانه ولكن الحامل عليها والباعث عليها مع التقرب هو هذا المبلغ الذي قرر له
ولذلك نظائر في الشرع توجب رفع الاستبعاد مثل الصلاة لأجل الاستسقاء وصلاة
الاستخارة وصلاة الحاجة وصلاة طلب الولد وطلب الرزق ونحو. ذلك مما كان الباعث عليه
أحد هذه الأغراض فإن أصل الصلاة مقصود بها وجهه سبحانه ومتقرب بها اليه جل شأنه
ولكن الحامل عليها هو أحد هذه الأمور المذكورة ونحوها بمعنى انه يأتي بالصلاة الخالصة
لوجه الله سبحانه لأجل هذا الغرض الحامل له عليها.
(فان قيل) ان
هذا مما قام الدليل على صحته وورود الخبر به (قلنا) ان الخصم انما تمسك بأن الصلاة
بالأجرة مناف للقربة والإخلاص بها لله سبحانه حيث ان الحامل عليها انما هو الأجرة
دون قصد وجهه سبحانه ، وبمقتضى تعليله المذكور لا يصح شيء من هذه الصلوات بالكلية
فإن الباعث عليها أمور أخر كما عرفت ، مع ان الشرع قد ورد بصحتها وليس الوجه في
ذلك إلا ما قلناه من أن هذه الأسباب انما هي أسباب حاملة على الإتيان بالصلاة
الخالصة له سبحانه ، ومثله يجري في مسألة الإجارة فلا فرق حينئذ.
وبالجملة فإن
ورود النص بالصحة في هذه المواضع دليل واضح في بطلان ما توهمه ي أمر الاستئجار على
الصلاة ، وحينئذ فكما يصح أن يكون الحامل على العبادة أحد هذه الأمور يجوز ان يكون
الحامل أخذ الأجرة والانتفاع بها.
الثالث ـ ما
ذكره ـ بقوله : وأما جواز الاستئجار على الحج مع كونه من القسم الأول. الى آخره ـ فان
فيه (أولا) ـ انه من الجائز الواقع ان يكون الاستئجار
من الميقات أو من مكة وهو مما لا يجرى فيه هذا التخرص الذي ذكره والتمحل
الذي اعتبره ، فلا يكون ما ذكره كليا مع ان ظاهر النصوص كلية الحكم وهو كاف للخصم
في التعلق به فإنه لا ينكر صحته.
وثانيا ـ انه
يمكن أيضا إجراء ما فرضه في الحج في الصلاة بأن يقبض الأجير الأجرة ويتصرف فيها
بعد الاستئجار ولا يأتي بالصلاة إلا بعد نفاد الأجرة إذ الإجارة لا تقتضي الفورية
كما هو الأظهر الأشهر ، وحينئذ فيمكنه التقرب بها كما لو لم يكن أخذ أجرة فهو
كالمتطوع.
وثالثا ـ ان
قوله ـ أو نقول ان ذلك على سبيل الاسترضاء للتبرع ـ مناف لفرض المسألة أولا ، فإن
المفروض الاستئجار للحج كما صرح به في كلامه فكيف يجعله تبرعا وان المدفوع من
الأجرة على سبيل الاسترضاء. والفرق بين الأمرين أوضح واضح.
وبالجملة فإنه
لو جاز بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التخريجات البعيدة والتمحلات الغير
السديدة لا تسع المجال وانفتح باب القيل والقال ، ولم يبلغ المجتهدون الذين قد
أكثر من التشنيع عليهم في رسائله ومصنفاته الى مثل هذه التخريجات الواهية الباردة
والتخرصات البعيدة الشاردة. والله العالم.
المسألة
الرابعة ـ لا يخفى على من تتبع كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب ما
وقع لهم من الاختلاف في القاضي والمقضي والمقضي عنه.
أما الأول فقد
صرح الأكثر بأنه الولد الأكبر ، قال في الذكرى بعد نقل ذلك عنهم : وكأنهم جعلوه
بإزاء حبوته لأنهم قرنوا بينها وبينه والأخبار خالية عن التخصيص كما أطلقه ابن
الجنيد وابن زهرة ، ولم نجد في اخبار الحبوة ذكر الصلاة نعم ذكرها المصنفون ولا
بأس به اقتصارا على المتيقن وان كان القول بعموم كل ولى ذكر أولى حسبما تضمنته
الروايات. انتهى.
أقول : قال ابن
الجنيد : والعليل إذا أوجبت عليه صلاة فأخرها عن وقتها
الى ان مات قضاها عنه وليه كما يقضى عنه حجة الإسلام والصيام ببدنه ، فان
جعل بدل كل ركعتين مدا أجزأه فان لم يقدر فلكل أربع فان لم يقدر فمد لصلاة النهار
ومد لصلاة الليل ، والصلاة أفضل. وعن المرتضى نحو ذلك. وظاهرهما مع التخيير بين
القضاء والتصدق التخصيص بما فات عن العليل في مرض موته.
وقال ابن زهرة
: ومن مات وعليه صلاة وجب على وليه قضاؤها ، وان تصدق عن كل ركعتين بمد أجزأه. إلى
آخر ما ذكره ابن الجنيد. واحتج بالإجماع وطريق الاحتياط ، وظاهره التخيير بين
القضاء والصدقة مع عموم الفائت دون التخصيص بفائت مرض الموت.
والجميع متفقون
على الولي بقول مطلق. وقال ابن إدريس بوجوب القضاء على وليه الأكبر من الذكران ما
وجب على العليل فأخره عن أوقاته حتى مات ولا يقضى عنه إلا الصلاة الفائتة في حال
مرض بموته فحسب ، وتبعه في ذلك سبطه نجيب الدين يحيى بن سعيد والشهيد في اللمعة.
وهو صريح في التخصيص بالفائت في مرض الموت وان القاضي هو الولي وهو الأكبر من
الذكران.
واما الثاني
فظاهر الشيخين وابن ابى عقيل وابن البراج وابن حمزة والعلامة في أكثر كتبه انه
جميع ما فات الميت وهو ظاهر كلام ابن زهرة المتقدم ، وظاهر ما قدمنا نقله عن ابن
الجنيد والمرتضى وابن إدريس ويحيى بن سعيد والشهيد في اللمعة هو التخصيص بما فات
في مرض الموت ، وقال المحقق في كتابيه بقول الشيخين ، وقال في المسائل البغدادية
المنسوبة إلى سؤال جمال الدين بن حاتم المشغري (قدسسره) : الذي ظهر لي ان الولد يلزمه قضاء ما فات الميت من
صيام وصلاة لعذر كالمرض والسفر والحيض لا ما تركه الميت عمدا مع قدرته عليه. قال
في الذكرى بعد نقل ذلك عنه : وقد كان شيخنا عميد الدين (قدسسره) ينصر هذا القول ولا بأس به ، فان الروايات تحمل على
الغالب من الترك وهو انما يكون على هذا الوجه أما تعمد ترك الصلاة فإنه نادر ، نعم
قد يتفق فعلها لا على الوجه المبرئ للذمة
والظاهر انه ملحق بالتعمد للتفريط. انتهى.
وأما الثالث
فظاهرهم انه الرجل ، قال في الذكرى : لذكرهم إياه في معرض الحبوة. وظاهر عبارة
المحقق الشمول للمرأة.
والتحقيق عندي
في هذا المقام أما بالنسبة إلى الأول فهو ولى الميت وهو أولى الناس بميراثه كما
صرح به ابن الجنيد ومن معه ممن قدمنا ذكره ، وبذلك صرح الصدوقان ايضا.
وعليه تدل
صحيحة حفص بن البختري وهي السابعة من الروايات المتقدمة ومثلها الرواية السادسة
والرواية الرابعة والعشرون .
ونحوها أيضا مرسلة
حماد بن عثمان عن من ذكره عن ابى عبد الله عليهالسلام «في الرجل يموت وعليه دين من شهر رمضان من يقضى عنه؟ قال أولى الناس به قلت
فان كان أولى الناس به امرأة؟ قال لا إلا الرجال». وبذلك يظهر لك ما في كلام جمهور
الأصحاب من التخصيص بالولد فإنه خال عن المستند.
ويختص القضاء
بالرجال دون النساء كما تضمنه خبر حفص ومرسلة حماد وبأكبر الرجال لو تعددوا لصحيحة الصفار عن ابى محمد
الحسن عليهالسلام «انه كتب اليه رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان هل
يجوز لهما ان يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآخر؟ فوقع عليهالسلام يقضى عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء إنشاء الله». قال
في الفقيه : وهذا التوقيع عندي مع توقيعاته الى الصفار بخطه عليهالسلام.
واما بالنسبة
الى الثاني فهو كل ما فات الميت لعذر كان أم لا لعذر في مرض الموت أو غيره لا طلاق
الأخبار المذكورة من الخبر السادس والسابع ، ولا ينافي ذلك الخبر الرابع والعشرون
إذ لا دلالة فيه على نفى ما عدا ما ذكر فيه بل غايته أن
__________________
يكون بالنسبة الى ذلك مطلقا وإطلاقه محمول على ما دل عليه الخبران
المذكوران من جميع ما فات الميت.
وقال في الذكرى
: ورواية عبد الله بن سنان وردت بطريقين وليس فيها نفى لما عداها ، إلا أن يقال
قضية الأصل تقتضي عدم القضاء إلا ما وقع الاتفاق عليه ، أو أن المتعمد مؤاخذ بذنبه
فلا يناسب مؤاخذة الولي به لقوله تعالى «وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرى» انتهى.
وفيه ان قضية
الأصل يجب الخروج عنها بالدليل وهو خبر حفص ومرسلة ابن ابى عمير فإنهما ظاهران في
العموم. وأما التعليل بالمؤاخذة بالذنب فعليل سيما في مقابلة النص ، والآية
المذكورة لو عمل على ظاهرها لوجب المنع ايضا من تحمل الولي ما فات الميت لعذر وهو
لا يقول به.
وأما بالنسبة
الى الثالث فإشكال ينشأ من ورود بعض الأخبار بلفظ الرجل وبعض بلفظ الميت ، والظاهر
حمل ذكر الرجل على مجرد التمثيل لاشتراكهما في الأحكام غالبا فيرجح القول بالعموم
، ويؤيده ان التخصيص بالرجل في الروايات انما وقع في الأسئلة فلا يقتضي تقييد
المطلق الواقع في الروايات الأخر ، ويؤكده ايضا انه الأحوط.
ثم انه على
تقدير تفسير الولي بالولد الأكبر كما هو الأشهر ينحصر المقضي عنه في الأب سيما على
القول بكون المقضي عنه الرجل وكأنهم جعلوه في مقابلة الحبوة كما تقدم في كلام
شيخنا الشهيد ، أو مع الأم بناء على العموم في المقضي عنه ولا يتعدى الى غيرهما.
ولكن تفسير الولي بذلك كما عرفت عار عن الدليل بل الدليل على خلافه واضح السبيل.
وسيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الصيام مزيد بحث في هذا المقام محيط بأطراف
الكلام بإبرام النقض ونقض الإبرام.
__________________
فوائد
الأولى ـ قد
تقدم في كلام ابن الجنيد والمرتضى وابن زهرة التخيير بين الصلاة والصدقة ولم نظفر
له بمستند ، والذي ورد من الصدقة انما هو بالنسبة إلى النوافل كما تقدم ، قال في
المختلف بعد نقل التخيير عن ابن الجنيد والمرتضى : وباقي المشهورين من الأصحاب لم
يذكروا الصدقة في الفرائض ، ثم قال : لنا انه واجب عليه فلا تجزئ عنه الصدقة
كالميت. ثم ذكر بأنهم احتجوا بأنه واجب عليه على سبيل البدل فأجزأت الصدقة عنه
كالصوم. ثم أجاب بأنه لولا النص لما صرنا إليه في الصوم. انتهى. وقال في الذكرى :
واما الصدقة عن الصلاة فلم نرها في غير النافلة.
الثانية ـ هل
يشترط كمال الولي حال الوفاة؟ قرب الشهيد في الذكرى ذلك ، قال لرفع القلم عن الصبي
والمجنون ثم قال : ويمكن إلحاق الأمر به عند البلوغ بناء على انه
يحبى وانها تلازم القضاء. أما السفيه وفاسد الرأي فعند الشيخ لا يحبى فيمكن انتفاء
القضاء عنه ، ووجوبه أقرب أخذا بالعموم. والشيخ نجم الدين لم يثبت عنده منع السفيه
والفاسد الرأي من الحبوة ، فهو أولى بالحكم بوجوب القضاء عليهما. انتهى.
أقول : مبنى
هذا الكلام والبحث في هذا المقام على كون الولي الذي يجب قضاؤه عن الميت هو الولد
كما هو المشهور ، وقد عرفت ما فيه من القصور وان الولي في هذا الباب الذي يتعلق به
الخطاب انما هو الأولى بالميراث ، ومنه يعلم سقوط هذا الكلام والدوران مدار الحبوة
وعدمها الذي فرعوا عليه الكلام في السفيه وفاسد الرأي. بقي الكلام على ما اخترناه
من معنى الولي لو اتفق عدم بلوغه وقت الوفاة ، وفيه اشكال لعدم النص الواضح في
البين وقيام الاحتمال من الجانبين.
الثالثة ـ لو
قلنا بعدم قضاء الولي ما تركه الميت عمدا أو كان الميت لا ولى له فإن أوصى الميت
بفعلها من ماله وجب إنفاذه ، وان أخل بذلك فظاهر المتأخرين من
__________________
الأصحاب عدم وجوب الإخراج من ماله ، وعلله في الذكرى قال لعدم تعلق الفرض
بغير البدن خالفناه مع وصية الميت لانعقاد الإجماع عليه بقي ما عداه على أصله.
انتهى
ونقل عن بعض
الأصحاب القول بوجوب إخراجها كالحج وصب الأخبار التي لا ولى فيها عليه ، واحتج
ايضا بخبر زرارة الطويل الوارد في الزكاة قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام ان أباك قال لي من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها؟ قال
صدق ابى عليه أن يؤدى ما وجب عليه وما لم يجب عليه فلا شيء عليه فيه. ثم قال أرأيت
لو أن رجلا أغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته أكان عليه وقد مات أن يؤديها؟ قلت
لا إلا أن يكون أفاق من يومه». قال : وظاهره انه يؤديها بعد موته وهو انما يكون
بوليه أو ماله فحيث لا ولى يحمل على المال وهو شامل لحالة الإيصاء وعدمه. انتهى.
وظاهر الشهيد
في الذكرى الميل الى ذلك أو التوقف في ما هنالك ، حيث انه نقل فيه القول
والاستدلال المذكورين ولم يقدح فيه بشيء ، ويعضده انه قال بعد ذكر المسألة
المذكورة : لو أوصى بفعلها من ماله فان قلنا بوجوبه لولا الإيصاء كان من الأصل
كسائر الواجبات وان قلنا بعدمه فهو تبرع يخرج من الثلث إلا ان يجيزه الوارث.
انتهى.
أقول : لا يخفى
ان ظاهر كلمة الأصحاب عدا من نقل عنه الخلاف هنا هو الاتفاق على ان الصلاة والصوم
ونحوهما من الواجبات البدنية لا يجب إخراجها مع عدم الوصية ومع الوصية فمخرجها
الثلث كسائر الوصايا ، بخلاف الواجبات المالية كالزكاة ونحوها ، والحج وان كان
مشوبا إلا انه غلب فيه الجهة المالية ، وسيأتي مزيد تحقيق لذلك ان شاء الله تعالى
في كتاب الحج.
وكيف كان فان
ما استند اليه ذلك البعض المنقول عنه القول بوجوب إخراج الصلاة والصوم عن الميت
وان لم يوص به لا يخلو من المناقشة وان جمد عليه من
__________________
نقل كلامه في المقام كشيخنا الشهيد في الذكرى والفاضل الخراساني في الذخيرة
، وذلك اما بالنسبة الى الأخبار الغير المشتملة على ذكر الولي فقد عرفت في ما تقدم
ان المتبادر من سياق تلك الأخبار انما هو الصلوات المستحبة لا الواجبة ، ومع تسليم
شمول الواجبة فإنا نقول ان غاية تلك الأخبار أن تكون مطلقة بالنسبة إلى القاضي.
والقاعدة تقتضي حمل إطلاقها على ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من اناطة القضاء
بالولي. وكذا الكلام في رواية زرارة المذكورة.
ومن الأخبار
الدالة على اناطة القضاء بالولي زيادة على ما تقدم موثقة ابن بكير عن بعض أصحابنا
عن ابى عبد الله عليهالسلام «في الرجل يموت في شهر رمضان؟ قال ليس على وليه ان يقضى عنه. الى ان قال :
فان مرض فلم يصم شهر رمضان ثم صح بعد ذلك فلم يقضه ثم مرض فمات فعلى وليه ان يقضى
عنه لأنه قد صح فلم يقض ووجب عليه».
وقال الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه «وإذا مات الرجل وعليه من صوم شهر رمضان فعلى وليه أن يقضى عنه. الى ان قال
: وإذا كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضى عنه ، فان لم يكن له ولى
من الرجال قضى عنه وليه من النساء». وبهذه العبارة ما ذكرناه منها وما لم نذكره
عبر في الفقيه.
وبالجملة فإنك
إذا ضمت هذه الأخبار بعضها الى بعض وحملت مطلقها على مقيدها ظهر لك انه لا مستند
لهذا القول المذكور من الأخبار وان قياس الصلاة والصوم على الحج في التعلق بالمال
بعد تعذر البدن قياس مع الفارق ، وذلك فان الحج بدني مشوب بالمال فمن ثم دلت
الأخبار بعد تعذر الإتيان به بالبدن على التعلق بالمال ، فوجب إخراجه بعد الموت من
ماله بل في حال الحياة مع المرض المانع من المباشرة كما سيأتي ان شاء الله تعالى
في كتاب الحج ، وأما الصوم والصلاة فإنهما
__________________
بدنيان محضان لا تعلق لهما بالمال في حال الحياة فمع تعذر الإتيان بهما
والموت بعد استقرارهما في الذمة يتعلق الخطاب بالولي ، ومع عدم الولي فلا دليل يدل
على تعلقهما بالمال كما ادعاه القائل المذكور بل يسقط حكمهما كما هو ظاهر الأدلة
المتقدمة الدالة على انه مع فقد الولي من الرجال فلا يتعلق القضاء بالولي من
النساء ، ولو كان القضاء يرجع الى المال في الصورة المذكورة لا شير إليه في بعض
تلك الأخبار بان يقال بل يجب القضاء عنه من ماله. وبالجملة فعندي ان ما تكلفه هذا
الفاضل المذكور من القول واستدل عليه بما ذكر فهو غير خال من القصور. والله
العالم.
الرابعة ـ لو
أوصى الميت بقضائها عنه بأجرة من ماله وأسندها الى أحد أوليائه أو الى أجنبي فهل
تسقط عن الولي؟ وجهان واستقرب في الذكرى السقوط لوجوب العمل بما رسمه الموصى. وهو
غير بعيد ، ويؤيده ان المتبادر من الأخبار الدالة على اناطة ذلك بالولي انما هو مع
عدم وصية الميت بذلك على وجه من الوجوه ، وحينئذ فلا منافاة في هذه الصورة لما دلت
عليه الأخبار ، ويؤيد ما ذكرناه ما صرح به السيد ابن طاوس (قدسسره) في رسالته التي قدمناه نقل هذه الأخبار المتقدمة منها
، حيث قال ما صورته : لو أوصى الميت بالصلاة عنه وجب العمل بوصيته لعموم «فَمَنْ بَدَّلَهُ
بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ»
ولانه لو أوصى ليهودي أو نصراني لوجب إنفاذ وصيته فكيف الصلاة المشروعة.
ثم أورد بعض الأخبار الدالة على ذلك.
الخامسة ـ قال
في الذكرى : لا يشترط خلو ذمة الولي من صلاة واجبة لتغاير السبب فيلزمان معا ،
والأقرب الترتيب بينهما عملا بظاهر الأخبار وفحاويها ، نعم لو فاتته صلاة بعد
التحمل أمكن القول بوجوب تقديمها لان زمان قضائها مستثنى كزمان أدائها ، ويمكن
تقديم المتحمل لسبق سببه. انتهى.
أقول : أما
الحكم الأول فجيد ، وأما الثاني وهو وجوب الترتيب بين ما في ذمته وبين ما تحمله عن
الميت فلا أعرف له دليلا معتمدا بل ظواهر الأخبار وإطلاقها
__________________
انما يقتضي عدم وجوب الترتيب ، فإن إطلاقها دال على وجوب قضاء ما لزمه من
نفسه وما لزمه من غيره وأما انه يرتب بينهما فلا يفهم ذلك منها بوجه. وأما الثالث
فالظاهر التخيير لعدم الدليل على رجحان واحد من الاحتمالين المذكورين في كلامه.
السادسة ـ قال
في الذكرى : لو مات هذا الولي فالأقرب أن وليه لا يتحملها لقضية الأصل والاقتصار
على المتيقن سواء تركها عمدا أو لعذر. انتهى.
أقول : من
المحتمل قريبا القول بوجوب التحمل لظاهر الأخبار المتقدمة ، فإن قوله في صحيحة حفص
«في الرجل يموت
وعليه صلاة أو صيام؟ قال يقضى عنه أولى الناس به». شامل لما لو كانت تلك الصلاة
التي في ذمته وعليه من فوائت صلاته ومما لزمه تحمله عن غيره ، ونحوها مرسلة ابن
ابى عمير ونحوها الروايات الدالة على الصوم ، فان الجميع ظاهر في
العموم لصدق كونه عليه.
السابعة ـ قال
في الذكرى : الأقرب انه ليس له الاستئجار لمخاطبته بها والصلاة لا تقبل التحمل عن
الحي. ويمكن الجواز لما يأتي ان شاء الله تعالى في الصوم ولان الفرض فعلها عن
الميت. فان قلنا بجوازه وتبرع بها متبرع أجزأت أيضا. انتهى أقول : قد تقدم في
الرواية الحادية عشرة ما يدل على جواز الحج والصلاة والصدقة عن الأحياء والأموات
من القرابة والأصحاب ، والسيد ابن طاوس (قدسسره) تأوله في الحي بما يصح فيه النيابة من الصلوات ،
والظاهر ان مراده مثل ركعتي الطواف نيابة وصلاة الزيارة نيابة دون ما عدا ذلك ،
وهو ظاهر كلمة الأصحاب في هذا الباب.
ويعضده ما في
الحديث العشرين حيث «سأله السائل عن الرجل يريد ان يجعل اعماله من الصلاة والبر
والخير أثلاثا له ولأبويه وكان أحدهما حيا والآخر
__________________
ميتا؟ فكتب اليه : أما الميت فحسن جائز وأما الحي فلا إلا البر والصلة» وهو
ظاهر بل صريح في عدم جواز الصلاة عن الحي وجوبا أو استحبابا ، لأنه إنما رخص له في
الحي بالبر والصلة دون الصلاة التي هي مذكورة معهما في السؤال ، ومن ذلك يظهر ان
الأقرب عدم صحة الاستئجار من الولي.
وأما ما علل به
إمكان الجواز ـ من حصول ذلك في الصوم وكون الفرض فعلها عن الميت ـ ففيه ما ذكره
السيد السند (قدسسره) في المدارك في مسألة الصوم بعد أن نقل عن جده انه لو
تبرع بعض بالقضاء سقط عن الولي ، وان وجه السقوط حصول المقتضى وهو براءة الذمة ،
حيث قال : ويتوجه عليه ان الوجوب تعلق بالولي وسقوطه بفعل غيره يحتاج الى دليل ،
ومن ثم ذهب ابن إدريس والعلامة في المنتهى الى عدم الاجتزاء بفعل المتبرع وان وقع
باذن من تعلق به الوجوب لأصالة عدم سقوط الفرض عن المكلف بفعل غيره. وقوته ظاهرة.
انتهى وهو جيد. والله العالم بحقائق أحكامه و
أولياؤه
القائمون بمعالم حلاله وحرامه.
المقصد الثاني في صلاة الجماعة
وفضلها عظيم
وثوابها جسيم وقد ورد فيها عنهم (عليهمالسلام) من ضروب التأكيدات ما كاد يلحقها بالواجبات :
روى الشيخ عن
عبد الله بن ابى يعفور عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «هم رسول الله صلىاللهعليهوآله بإحراق قوم في منازلهم كانوا يصلون في منازلهم ولا
يصلون الجماعة ، فأتاه رجل أعمى فقال يا رسول الله صلىاللهعليهوآله انى ضرير البصر وربما اسمع النداء ولا أجد من يقودني
إلى الجماعة والصلاة معك؟ فقال له النبي صلىاللهعليهوآله شد من منزلك الى المسجد حبلا واحضر الجماعة».
وعن عبد الله
بن سنان في الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سمعته
__________________
يقول : ان أناسا كانوا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ابطأوا عن الصلاة في المسجد فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد ان نأمر بحطب فيوضع
على أبوابهم فتوقد عليهم نار فتحرق عليهم بيوتهم».
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لقوم : لتحضرن المسجد أو لأحرقن عليكم منازلكم».
وروى الشيخ
بسند معتبر عن عبد الله بن ابى يعفور عن ابى عبد الله عليهالسلام في حديث العدالة الطويل المتقدم في باب صلاة الجمعة قال عليهالسلام : «والساتر لجميع عيوبه ـ حتى يحرم على المسلمين تفتيش
ما وراء ذلك من عثراته وغيبته ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس ـ التعاهد
للصلوات الخمس إذا واظب عليهم وحافظ على مواقيتهن بحضور جماعة المسلمين وان لا
يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا من علة ، وذلك ان الصلاة ستر وكفارة للذنوب ولولا
ذلك لم يكن لأحد أن يشهد على أحد بالصلاح. لان من لم يصل فلا صلاح له بين المسلمين
لان الحكم جرى فيه من الله ورسوله صلىاللهعليهوآله بالحرق في جوف بيته ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لا صلاة لمن لا يصلى في المسجد مع المسلمين إلا من علة. وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله لا غيبة إلا لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا ، ومن رغب
عن جماعة المسلمين وجبت على المسلمين غيبته وسقطت بينهم عدالته ووجب هجرانه ، وإذا
رفع الى امام المسلمين أنذره وحذره فان حضر جماعة المسلمين وإلا أحرق عليه بيته.».
وعن عبد الله
بن سنان في الصحيح قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام الصلاة في جماعة تفضل على صلاة الفذ بأربع وعشرين درجة».
أقول : الفذ بالفاء والذال المعجمة : الفرد.
__________________
وعن زرارة في
الحسن قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام ما يروى الناس ان الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل
وحده بخمس وعشرين صلاة؟ فقال صدقوا. فقلت الرجلان يكونان جماعة؟ فقال نعم ويقوم
الرجل عن يمين الامام».
وفي كتاب
المجالس عن النبي صلىاللهعليهوآله «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة».
وقال الصدوق :
قال ابى (قدسسره) في رسالته الى صلاة الرجل في جماعة تفضل على صلاة الرجل وحده بخمس
وعشرين درجة في الجنة.
وقال عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي «وصلاة واحدة في جماعة بخمس وعشرين صلاة من غير جماعة ، وترفع له في الجنة
خمس وعشرون درجة».
وروى في كتاب المجالس
في خبر الأعمش قال : «قال الصادق عليهالسلام فضل الجماعة على الفرد بأربع وعشرين». ونحوه في كتاب
العيون في ما كتبه الرضا عليهالسلام للمأمون.
أقول : ما دل
من هذه الأخبار على أربع وعشرين درجة فالمراد به بيان الفضل الذي به يحصل الزيادة
وما دل على خمس وعشرين فالمراد به التفضل مع إضافة الأصل.
وعن محمد بن
عمارة قال : «أرسلت الى ابى الحسن الرضا عليهالسلام أسأله عن الرجل يصلى المكتوبة وحده في مسجد الكوفة أفضل
أو صلاته في جماعة؟ فقال
__________________
الصلاة في جماعة أفضل».
قيل : ويستفاد
من هذه الرواية ان الصلاة في جماعة أفضل من ألف صلاة ، لأن الصلاة في مسجد الكوفة
أفضل من ألف صلاة على ما دل عليه بعض الروايات.
أقول : ما ذكره
جيد إلا انه قد روى ابن قولويه في كتاب كامل الزيارات قال حدثني أبو عبد الرحمن
محمد بن احمد بن الحسين العسكري عن الحسن بن على بن مهزيار عن أبيه عن الحسن بن
سعيد عن محمد بن سنان قال : «سمعت الرضا عليهالسلام يقول : الصلاة في مسجد الكوفة فردا أفضل من سبعين صلاة
في غيره جماعة». وهو كما ترى ظاهر المنافاة للخبر الأول ، ولا يحضرني الآن وجه جمع
بينهما.
وروى الشيخ في
الصحيح أو الحسن عن زرارة والفضيل قالا : «قلنا له الصلاة في جماعة فريضة هي؟ فقال الصلاة
فريضة وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها ولكنها سنة من تركها رغبة عنها وعن
جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له».
وروى الكليني
والشيخ عنه بإسنادين أحدهما من الصحاح أو الحسان عن زرارة قال : «كنت جالسا عند ابى جعفر عليهالسلام ذات يوم إذ جاءه رجل فدخل عليه فقال له جعلت فداك انى
رجل جار مسجد لقومي فإذا انا لم أصل معهم ووقعوا في وقالوا هو كذا وكذا؟ فقال اما
لئن قلت ذلك لقد قال أمير المؤمنين عليهالسلام من سمع النداء فلم يجبه من غير علة فلا صلاة له. فخرج
الرجل فقال له لا تدع الصلاة معهم وخلف كل امام. فلما خرج قلت له جعلت فداك كبر
على قولك لهذا الرجل حين استفتاك فان لم يكونوا مؤمنين؟ قال فضحك عليهالسلام فقال ما أراك بعد إلا ههنا يا زرارة فأي علة تريد من
أنه لا يؤتم به؟ ثم قال يا زرارة أما تراني قلت صلوا في
__________________
مساجدكم وصلوا مع أئمتكم». قال في الوافي في ذيل هذا الخبر : لعله عليهالسلام اتقى الرجل أن يروى ذلك عنه عليهالسلام وصرح بالحق مع زرارة.
وروى الصدوق في
المجالس وفي ثواب الأعمال والبرقي في المحاسن بأسانيدهم عن ميمون القداح عن الصادق
عن آبائه (عليهمالسلام) قال : «اشترط رسول الله صلىاللهعليهوآله على جيران المسجد شهود الصلاة وقال لينتهين أقوام لا
يشهدون الصلاة أو لآمرن مؤذنا يؤذن ثم يقيم ثم آمر رجلا من أهل بيتي وهو على عليهالسلام فليحرقن على أقوام بيوتهم بحزم الحطب لأنهم لا يأتون
الصلاة».
وروى الشيخ (قدسسره) في كتاب المجالس بسنده عن زريق الخلقاني قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول رفع الى أمير المؤمنين عليهالسلام بالكوفة ان قوما من جيران المسجد لا يشهدون الصلاة
جماعة في المسجد فقال عليهالسلام ليحضرن معنا صلاتنا جماعة أو ليتحولن عنا ولا يجاورونا
ولا نجاورهم».
وبهذا الاسناد
عن زريق عن ابى عبد الله عليهالسلام «ان أمير المؤمنين عليهالسلام بلغه ان قوما لا يحضرون الصلاة في المسجد فحطب عليهالسلام فقال ان قوما لا يحضرون الصلاة معنا في مساجدنا فلا
يؤاكلونا ولا يشاربونا ولا يشاورونا ولا يناكحونا ولا يأخذوا من فيئنا شيئا أو
يحضروا معنا صلاتنا جماعة ، وانى لا وشك ان آمر لهم بنار تشعل في دورهم فأحرقها
عليهم أو ينتهون ، قال فامتنع المسلمون من مؤاكلتهم ومشاربتهم ومناكحتهم حتى حضروا
الجماعة مع المسلمين».
وروى شيخنا
الشهيد الثاني (عطر الله مرقده) في شرح الإرشاد عن كتاب الامام والمأموم للشيخ ابى
محمد جعفر بن أحمد القمي بإسناده المتصل الى ابى سعيد الخدري قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله أتاني جبرئيل مع سبعين الف ملك بعد صلاة الظهر فقال يا
محمد صلىاللهعليهوآله ان ربك يقرئك السلام
__________________
واهدى إليك هديتين لم يهدهما إلى نبي قبلك. قلت وما تلك الهديتان؟ قال
الوتر ثلاث ركعات والصلوات الخمس في جماعة. قلت يا جبرئيل وما لا متى في الجماعة؟ قال
يا محمد إذا كانا اثنين كتب الله لكل واحد بكل ركعة مائة وخمسين صلاة ، وإذا كانوا
ثلاثة كتب الله لكل واحد بكل ركعة ستمائة صلاة ، وإذا كانوا أربعة كتب الله لكل
واحد بكل ركعة ألفا ومائتي صلاة ، وإذا كانوا خمسة كتب الله لكل واحد بكل ركعة
ألفين وأربعمائة صلاة ، وإذا كانوا ستة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة أربعة
آلاف وثمانمائة صلاة ، وإذا كانوا سبعة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة آلاف
وستمائة صلاة ، وإذا كانوا ثمانية كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة عشر ألفا
ومائتي صلاة ، وإذا كانوا تسعة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة ستة وثلاثين ألفا
وأربعمائة صلاة ، وإذا كانوا عشرة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة سبعين ألفا
وألفين وثمانمائة صلاة ، فإذا زادوا على العشرة فلو صارت بحار السماوات والأرض
كلها مدادا والأشجار أقلاما والثقلان مع الملائكة كتابا لم يقدروا أن يكتبوا ثواب
ركعة واحدة ، يا محمد صلىاللهعليهوآله تكبيرة يدركها المؤمن مع الامام خير له من ستين ألف حجة
وعمرة وخير من الدنيا وما فيها سبعين ألف مرة ، وركعة يصليها المؤمن مع الامام خير
من مائة ألف دينار يتصدق بها على المساكين ، وسجدة يسجدها المؤمن مع الإمام في
جماعة خير له من عتق مائة رقبة».
وروى في جامع
الأخبار عن أبي سلمة عن ابى سعيد الخدري مثله الى قوله : «يا محمد صلىاللهعليهوآله تكبيرة يدركها المؤمن خير له من سبعين حجة وألف عمرة
سوى الفريضة» يا محمد صلىاللهعليهوآله ركعة يصليها المؤمن مع الامام خير له من ان يتصدق بمائة
ألف دينار على المساكين ، وسجدة يسجدها خير له من عبادة سنة ، وركعة يركعها المؤمن
مع الامام خير له من مائة رقبة يعتقها في سبيل الله ، يا محمد
__________________
صلىاللهعليهوآله من أحب الجماعة أحبه الله والملائكة أجمعون».
قال شيخنا
المجلسي في البحار ذيل هذا الخبر : بناء أكثر المثوبات وزيادتها في زيادة الاعداد
على التضعيف إلا الأول والثامن والتاسع فإن التسعة على هذا الحساب ينبغي أن يكون
ثوابها ثمانية وثلاثين ألفا وأربعمائة والعشرة سبعين ألفا وستة آلاف وثمانمائة ،
ولعله من الرواة أو النساخ. انتهى.
وقال شيخنا
الشهيد الثاني في كتاب الروضة : الجماعة مستحبة في الفريضة متأكدة في اليومية حتى
ان الصلاة الواحدة منها تعدل خمسا أو سبعا وعشرين مع غير العالم ومعه ألفا ، ولو
وقعت في المسجد تضاعف بمضروب عدده في عددها : ففي الجامع مع غير العالم ألفان
وسبعمائة ومعه مائة ألف. قال وروى ان ذلك مع اتحاد المأموم فلو تعدد تضاعف في كل
واحد بقدر المجموع .
وروى الشهيد في
النقلية عن الصادق عليهالسلام «الصلاة خلف العالم بألف ركعة وخلف القرشي بمائة وخلف العربي خمسون وخلف
المولى خمس وعشرون».
قال الشهيد
الثاني في شرحها : المراد بالقرشي المنسوب الى النضر بن كنانة جد النبي صلىاللهعليهوآله والسادات الاشراف أجل هذه الطائفة ، والعربي المنسوب
الى العرب يقابل العجم وهو المنسوب الى غير العرب مطلقا ، والمولى يطلق على معان
كثيرة والمراد هنا غير العربي بقرينة ما قبله ، وكثيرا ما يطلقون المولى على غير
العربي وان كان حر الأصل. انتهى.
وروى زيد
النرسي في كتابه عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «ان قوما جلسوا عن حضور الجماعة فهم رسول الله صلىاللهعليهوآله ان يشعل النار في دورهم حتى خرجوا
__________________
وحضروا الجماعة مع المسلمين».
قال شيخنا
المجلسي المتقدم ذكره (طيب الله مرقده) في الكتاب المذكور ذيل هذا الخبر : ظاهر
هذا الخبر وأمثاله وجوب الجماعة في اليومية ولم ينقل عن أحد من علمائنا القول به ،
وخالف فيه أكثر العامة فقال بعضهم فرض على الكفاية في الصلوات الخمس ، وقال
آخرون انها فرض على الأعيان. وقال بعضهم انها شرط في الصلاة تبطل بفواتها ، ولذا
أول أصحابنا هذه الأخبار فحملوها تارة على الجماعة الواجبة واخرى على ما إذا تركها
استخفافا. وربما يقال العقوبة الدنيوية لا تنافي الاستحباب كالقتل على ترك الأذان
، ولا يخفى ضعفه إذ لا معنى للعقوبة على ما لا يلزم فعله ولا يستحق تاركه الذم
واللوم كما فسر أكثرهم الواجب به. والقول بأنه كان واجبا في صدر الإسلام فنسخ أو
كان مع حضور إمام الأصل واجبا فمع ان أكثر الأخبار لا تساعدهما لم أر قائلا به
ايضا. وبالجملة فالاحتياط يقتضي عدم الترك إلا لعذر وان كان بعض الأخبار يدل على
الاستحباب ، وكفى بفضلها ان الشيطان لا يمنع من شيء من الطاعات منعها ، وطرق لهم
في ذلك شبهات من جهة العدالة ونحوها إذ لا يمكنهم إنكارها ونفيها رأسا لأن فضلها
من ضروريات الدين ، أعاذنا الله وإخواننا المؤمنين من وساوس الشياطين. انتهى.
أقول : لا يخفى
على من أحاط خبرا بالأخبار الواردة عنهم (عليهمالسلام) في أمثال هذا المضمار انهم كثيرا ما يبالغون في الحث
على المندوبات بما يكاد يلحقها بالواجبات والزجر عن المكروهات بما يكاد يدخلها في
حين المحرمات تأديبا لرعيتهم لئلا يتهاونوا ويتكاسلوا عن القيام بالمستحبات
ويتهاونوا بالانهماك في المكروهات ، وقد تقدم التصريح باستحبابها في صحيح زرارة
والفضيل أو حسنهما
__________________
وبه يندفع توهم الوجوب من هذه الأخبار ونحوها. ومن المحتمل قريبا حمل هذه
الأخبار ونحوها مما ورد دالا على ترتب العذاب على ترك المستحبات على ما إذا كان
الترك على جهة الاستخفاف وعدم المبالاة بكمالات الشرع ، وقد تقدم تحقيق القول في
ذلك في المقدمة الثانية من مقدمات هذا الكتاب.
ومما يؤيد ذلك
زيادة على ما قدمناه في الموضع المذكور ما رواه في الكافي في الحسن عن ميسر عن أبيه عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله خمسة لعنتهم وكل نبي مجاب : الزائد في كتاب الله
والتارك لسنتي والمكذب بقدر الله والمستحل من عترتي ما حرم الله والمستأثر بالفيء
المستحل له».
والتقريب فيه
انه عد التارك لسنته في عداد هؤلاء الذين لا إشكال في كفرهم وجعله ملعونا مثلهم ،
ولا ريب ان الجماعة أفضل سننه صلوات الله عليه وآله ولا بد من حمل الترك فيه على
كونه استخفافا وتهاونا ، وقد ورد اللعن زجرا في مواضع مثل من سافر وحده أو بات في
بيت وحده أو نام على سطح غير محجر ونحو ذلك ، والوجه فيه ما عرفت.
__________________
تتمة مهمة
قد استفاضت
الأخبار بأنه يستحب حضور جماعة المخالفين استحبابا مؤكدا وها انا مورد في هذا
المقام جملة من الأخبار الواردة عنهم (عليهمالسلام) في ذلك وفي ما يتعلق بالصلاة معهم من الأحكام مذيلا
لها ان شاء الله تعالى بما يكشف عنها نقاب الإبهام مستمدا منه سبحانه التوفيق
لبلوغ المرام فأقول :
الأول ـ ما
رواه الصدوق (قدسسره) في الفقيه في الصحيح عن زيد الشحام عن الصادق عليهالسلام قال «يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم صلوا في مساجدهم
وعودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم ، وان استطعتم ان تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا
، فإنكم إذا فعلتم ذلك قالوا هؤلاء الجعفرية رحم الله جعفرا ما كان أحسن ما يؤدب
أصحابه وإذا تركتم ذلك قالوا هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ما كان اسوأ ما يؤدب
أصحابه».
الثاني ـ ما
رواه الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عمار قال : «قال لي أبو عبد الله عليهالسلام يا إسحاق أتصلى معهم في المسجد؟ قلت نعم. قال صل معهم
فإن المصلي معهم في الصف الأول كالشاهر سيفه في سبيل الله». قال في الوافي : إنما
قيد بالصف الأول لأنه أدخل في معرفتهم بإتيانه المسجد وأدل على كونه منهم ، وانما
شبهه بشاهر سيفه في سبيل الله لدفعه شر العدو.
الثالث ـ ما
رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول
الله صلىاللهعليهوآله في الصف الأول».
الرابع ـ ما
رواه في الفقيه مرسلا قال : «قال الصادق عليهالسلام إذا صليت
__________________
معهم غفر لك بعدد من خالفك».
الخامس ـ ما
رواه فيه عن عمر بن يزيد عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «ما منكم أحد يصلى صلاة فريضة في وقتها ثم يصلى
معهم صلاة تقية وهو متوضئ إلا كتب الله له بها خمسا وعشرين درجة فارغبوا في ذلك.
قال وقال له رجل أصلي في أهلي ثم اخرج الى المسجد فيقدموننى؟ فقال تقدم لا
عليك وصل بهم».
السادس ـ ما
رواه فيه ايضا عن عبد الله بن سنان عنه عليهالسلام انه قال : «ما من عبد يصلى في الوقت ويفرغ ثم يأتيهم
ويصلى معهم وهو على وضوء إلا كتب الله له خمسا وعشرين درجة. قال وقال له ايضا ان على بابي مسجدا يكون فيه قوم مخالفون
معاندون وهم يمسون في الصلاة فأنا أصلي العصر ثم اخرج فأصلي معهم؟ فقال أما ترضى
أن تحسب لك بأربع وعشرين صلاة؟».
السابع ـ ما
رواه المشايخ الثلاثة عن الحسين بن عبد الله الأرجاني عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «من صلى في منزله ثم اتى مسجدا من مساجدهم فصلى
معهم خرج بحسناتهم».
الثامن ـ ما
رواه الشيخ في التهذيب عن نشيط بن صالح عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له الرجل منا يصلى صلاته في جوف بيته مغلقا
عليه بابه ثم يخرج فيصلي مع جيرته تكون صلاته تلك وحده في بيته جماعة؟ فقال الذي
يصلى في بيته يضاعف الله له ضعفي أجر الجماعة تكون له خمسون درجة والذي يصلى مع
جيرته يكتب الله له أجر من صلى خلف رسول الله صلىاللهعليهوآله ويدخل معهم في صلاتهم فيخلف عليهم ذنوبه ويخرج بحسناتهم».
__________________
التاسع ـ ما
رواه الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام انى أدخل المسجد وأجد الإمام قد ركع وقد ركع القوم فلا
يمكنني أن أؤذن وأقيم وأكبر؟ فقال لي فإذا كان ذلك فادخل معهم في الركعة واعتد بها
فإنها من أفضل ركعاتك. قال إسحاق فلما سمعت أذان المغرب وانا على بابي قاعد. قلت
للغلام انظر أقيمت الصلاة؟ فجاءني فقال نعم. فقمت مبادرا فدخلت المسجد فوجدت الناس
قد ركعوا فركعت مع أول صف أدركت واعتددت بها ثم صليت بعد الانصراف أربع ركعات ثم
انصرفت فإذا خمسة أو ستة من جيراني قد قاموا الى من المخزوميين والأمويين فاقعدوني
ثم قالوا يا أبا هاشم جزاك الله عن نفسك خيرا فقد والله رأينا خلاف ما ظننا بك وما
قيل فيك. فقلت وأي شيء ذلك؟ قالوا اتبعناك حين قمت إلى الصلاة ونحن نرى انك لا
تقتدى بالصلاة معنا وقد وجدناك قد اعتددت بالصلاة معنا وصليت بصلاتنا فرضي الله
عنك وجزاك خيرا. قال قلت لهم سبحان الله المثلي يقال هذا؟ قال فعلمت ان أبا عبد
الله عليهالسلام لم يأمرني إلا وهو يخاف على هذا وشبهه».
العاشر ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن على بن سعيد البصري وهو مجهول قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام انى نازل في بني عدي ومؤذنهم وامامهم وجميع أهل المسجد
عثمانية يتبرأون منكم ومن شيعتكم وأنا نازل فيهم فما ترى في الصلاة حلف الامام؟
قال صل خلفه. قال وقال واحتسب بما تسمع ولو قدمت البصرة لقد سألك الفضيل بن يسار
وأخبرته بما أفتيتك فتأخذ بقول الفضيل وتدع قولي. قال على فقدمت البصرة وأخبرته
فضيلا بما قال فقال هو أعلم بما قال لكني قد سمعته وسمعت أباه يقولان لا تعتد
بالصلاة خلف الناصب واقرأ لنفسك كأنك وحدك. قال فأخذت بقول الفضيل وتركت قول ابى
عبد الله عليهالسلام».
__________________
الحادي عشر ـ ما
رواه عن عبيد بن زرارة عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «قلت انى ادخل المسجد وقد صليت فأصلي معهم فلا
احتسب بتلك الصلاة؟ قال لا بأس وأما أنا فأصلي معهم وأريهم أني أسجد وما أسجد».
الثاني عشر ـ ما
رواه عن ناصح المؤذن قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام انى أصلي في البيت واخرج إليهم؟ قال اجعلها نافلة ولا
تكبر معهم فتدخل معهم في الصلاة فإن مفتاح الصلاة التكبير».
الثالث عشر ـ ما
رواه عن ابى الربيع عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهماالسلام) في حديث «انه سئل عن الامام ان لم أكن أثق به أصلي خلفه
وأقرأ؟ قال لا صل قبله أو بعده. قيل له أفأصلي خلفه واجعلها تطوعا؟ قال فقال لو
قبل التطوع لقبلت الفريضة ولكن اجعلها سبحة».
الرابع عشر ـ ما
رواه في الصحيح ورواه الكليني أيضا عن يعقوب بن يقطين قال : «قلت لأبي الحسن عليهالسلام جعلت فداك تحضر صلاة الظهر فلا نقدر أن تنزل في الوقت
حتى ينزلوا وننزل معهم فنصلي ثم يقومون فيسرعون فنقوم ونصلي العصر ونريهم كأنا
نركع ثم ينزلون العصر فيقدمونا فنصلي بهم؟ قال صل بهم لا صلى الله عليهم».
الخامس عشر ـ ما
رواه في الكافي في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا صليت خلف امام لا تقتدى به فاقرأ خلفه سمعت
قراءته أو لم تسمع».
__________________
السادس عشر ـ ما
رواه في التهذيب في الصحيح عن على بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الرجل يصلى خلف من لا يقتدى بصلاته والامام يجهر
بالقراءة؟ قال اقرأ لنفسك وان لم تسمع نفسك فلا بأس».
السابع عشر ـ ما
رواه عن أبي حمزة عن من ذكره عن ابى عبد الله عليهالسلام ورواه في الفقيه مرسلا عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «يجزئك إذا كنت معهم مثل حديث النفس».
الثامن عشر ـ ما
رواه عن معاوية بن وهب في الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يؤم القوم وأنت لا ترضى به في
صلاة يجهر فيها بالقراءة فقال إذا سمعت كتاب الله يتلى فأنصت له. قلت فإنه يشهد
على بالشرك؟ قال ان عصى الله فأطع الله. فرددت عليه فأبى أن يرخص لي ، قال قلت له
أصلي اذن في بيتي ثم أخرج اليه؟ فقال أنت وذاك ، وقال ان عليا عليهالسلام كان في صلاة الصبح فقرأ ابن الكوا وهو خلفه «وَلَقَدْ أُوحِيَ
إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ
عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ»
فأنصت على عليهالسلام تعظيما للقرآن حتى فرغ من الآية ثم عاد في قراءته ثم
أعاد ابن الكوا الآية فأنصت على عليهالسلام ثم قرأ فأعاد ابن الكوا فأنصت على عليهالسلام ثم قال «فَاصْبِرْ إِنَّ
وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ»
ثم أتم السورة ثم ركع».
التاسع عشر ـ ما
رواه عن ابن بكير عن أبيه في الموثق أو الحسن عليهالسلام قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الناصب يؤمنا ما تقول في الصلاة معه؟ فقال
__________________
إذا جهر فأنصت للقرآن واسمع ثم اركع واسجد أنت لنفسك».
العشرون ـ ما
رواه عن زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «لا بأس أن تصلى خلف الناصب ولا تقرأ خلفه في ما
يجهر فيه فان قراءته تجزئك إذا سمعتها».
الحادي
والعشرون ـ ما رواه في الفقيه مرسلا عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «اذن خلف من قرأت خلفه».
الثاني
والعشرون ـ ما رواه في التهذيب عن احمد بن محمد بن ابى نصر عن ابى الحسن الرضا عليهالسلام قال : «قلت له انى ادخل مع هؤلاء في صلاة المغرب
فيعجلوني الى ما ان أؤذن وأقيم ولا اقرأ إلا الحمد حتى يركع أيجزئنى ذلك؟ قال نعم
تجزئك الحمد وحدها».
الثالث
والعشرون ـ ما رواه عن احمد بن عائذ قال : «قلت لأبي الحسن عليهالسلام انى أدخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجلوني الى ما ان
أؤذن وأقيم فلا أقرأ شيئا حتى إذا ركعوا واركع معهم أيجزئنى ذلك؟ قال نعم».
الرابع
والعشرون ـ ما رواه عن ابن أسباط عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله وابى جعفر (عليهماالسلام «في الرجل يكون خلف الامام لا يقتدى به فيسبقه الإمام بالقراءة؟ قال إذا
كان قد قرأ أم الكتاب أجزأه يقطع ويركع».
الخامس
والعشرون ـ ما رواه عن ابى بصير في الصحيح قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام من لا اقتدى به في الصلاة؟ قال افرغ قبل أن يفرغ فإنك
في حصار فان فرغ قبلك فاقطع القراءة واركع معه».
السادس
والعشرون ـ ما رواه عن محمد بن عذافر عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن دخولي مع من اقرأ خلفه في الركعة
الثانية فيركع عند فراغي
__________________
من قراءة أم الكتاب فقال تقرأ في الأخراوين كي تكون قد قرأت في ركعتين».
السابع
والعشرون ـ ما رواه في الكافي في الحسن عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن الصلاة خلف المخالفين فقال ما هم عندي إلا بمنزلة
الجدر».
الثامن
والعشرون ـ ما رواه عبد الله بن جعفر في كتاب قرب الاسناد عن الحسين بن علوان عن
جعفر عن أبيه (عليهماالسلام قال : «كان الحسن والحسين عليهماالسلام يقرءان خلف الامام».
التاسع
والعشرون ـ ما رواه في الكافي عن حمران بن أعين قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام جعلت فداك انا نصلي مع هؤلاء يوم الجمعة وهم يصلون في
الوقت فكيف نصنع؟ فقال صلوا معهم. فخرج حمران إلى زرارة فقال له قد أمرنا أن نصلي
معهم بصلاتهم فقال زرارة ما يكون هذا إلا بتأويل فقال له حمران قم حتى تسمع منه
قال فدخلنا عليه فقال له زرارة جعلت فداك ان حمران زعم أنك أمرتنا أن نصلي معهم
فأنكرت ذلك؟ فقال لنا كان على بن الحسين عليهالسلام يصلى معهم الركعتين فإذا فرغوا قام فأضاف إليهما ركعتين».
الثلاثون ـ ما
رواه في التهذيب في الحسن عن حمران في حديث قال : «فقال أبو عبد الله في كتاب على عليهالسلام إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم ولا تقومن من مقعدك
حتى تصلى ركعتين أخريين. الحديث».
الحادي
والثلاثون ـ ما رواه في التهذيب عن ابى بكر الحضرمي قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام كيف تصنع يوم الجمعة؟ قال كيف تصنع أنت؟ قلت أصلي في
منزلي ثم أخرج فأصلي معهم قال كذلك أصنع أنا».
الثاني
والثلاثون ـ ما رواه عن زرارة في الصحيح أو الحسن قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام ان أناسا رووا عن أمير المؤمنين عليهالسلام انه صلى اربع ركعات
__________________
بعد الجمعة لم يفصل بينهن بتسليم؟ فقال يا زرارة ان أمير المؤمنين عليهالسلام صلى خلف امام فاسق فلما سلم وانصرف قام أمير المؤمنين عليهالسلام فصلى اربع ركعات لم يفصل بينهن بتسليم فقال رجل الى
جنبه يا أبا الحسن عليهالسلام صليت أربع ركعات لم تفصل بينهن بتسليم؟ فقال انها أربع
ركعات مشتبهات فسكت فوالله ما عقل ما قال له».
الثالث
والثلاثون ـ ما رواه في كتاب المحاسن عن عبد الله بن حبيب بن جندب قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام انى أصلي المغرب مع هؤلاء وأعيدها فأخاف أن يتفقدوني؟
قال إذا صليت الثالثة فمكن في الأرض إليك ثم انهض وتشهد وأنت قائم ثم اركع واسجد
فإنهم يحسبون أنها نافلة».
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان الكلام في هذه الأخبار يقع في مواضع : (الأول) ان المستفاد من جملة هذه
الأخبار الدالة على الحث والتأكيد على الصلاة معهم وما ذكر فيها من الثواب الجزيل
هو استحباب الصلاة أو وجوبها معهم على أحد وجهين : (أحدهما) ان يصلى في منزله
لنفسه ثم يخرج إلى الصلاة معهم كما دل عليه جملة من هذه الأخبار ، والظاهر انه
الأفضل والأولى لما فيه من الإتيان بالصلاة المستجمعة لشرائط الصحة والكمال ، حيث
ان الغالب مع الصلاة معهم لزوم ترك بعض الواجبات أو المستحبات كما صرح به جملة من
الأخبار المذكورة.
و (ثانيهما) ان
يصلى معهم ابتداء صلاة منفردة يؤذن ويقيم ويقرأ لنفسه مع الإمكان. والظاهر انه إلى
القسمين المذكورين أشار في الحديث الثامن.
ثم انه هل
يشترط بالنسبة إلى القسم الثاني عدم وجود المندوحة عن الصلاة معهم أم لا؟ قولان
والى الأول مال في المدارك وبالثاني صرح الشهيدان في الروض والبيان ، وللمحقق
الشيخ على (قدسسره) تفصيل في المقام قد سبق ذكره مع نقل الخلاف في المسألة
في باب الوضوء من كتاب الطهارة في مسألة المسح على الرجلين
قال في المدارك
: وهل يشترط في التقية عدم المندوحة؟ قيل لا لا طلاق
__________________
النصل وقيل نعم لانتفاء الضرورة مع وجودها فيزول المقتضى وهو أقرب. انتهى
والظاهر بعده
لما عرفت من هذه الأخبار ولا سيما الخبر الأول من الحث على الأمر بمخالطتهم
ومعاشرتهم وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم وان استطاعوا أن يكونوا أئمة لهم ومؤذنين
فعلوا ، والغرض من ذلك كله هو تأليف القلوب واجتماعها لدفع الضرر والطعن على
المذهب وأهله كما سمعت من الحديث التاسع ، وأمر الصادق عليهالسلام بالدخول في تلك الركعة التي قد فاتته القراءة فيها فضلا
عن الأذان والإقامة فإنها أفضل ركعاته ، وما قاله أولئك المخالفون لإسحاق لما رأوه
قد اقتدى بهم مع ان الامام عليهالسلام لم يأمره بشرط المندوحة أو عدمها ولم يأمره بالإعادة
بعد ذلك وان كان في الوقت. وبه يظهر ضعف ما فرعوه على الخلاف المتقدم من الإعادة
في الوقت وعدمه متى زال موجب التقية كما قدمنا ذكره في الموضع المشار اليه آنفا.
وبالجملة فإن
المستفاد من الأخبار على وجه لا يقبل الإنكار عند من تأمل فيها بعين التحقيق
والاعتبار انه يجوز الدخول معهم ابتداء وان يصلى معهم صلاة منفردة ويتابع في
الركوع والسجود سواء كان له مندوحة عن الدخول أو لم تكن وانه يغتفر له ما يلزم
فواته من الواجبات إذا لم يمكن الإتيان بها كما تضمنه خبر إسحاق وهو التاسع ، وكذا
الخبر الثالث والعشرون من فوات القراءة ، وخبر ابى بصير وهو الخامس والعشرون من
قطع القراءة ، وفي خبر آخر لأبي بصير ايضا اشتمل على التشهد قائما لمن اضطره
الإمام إلى القيام قبل تشهده ونحو ذلك ، كل ذلك لتحصيل المحافظة على تأليف القلوب
ودفع الطعن على المذهب وامامه وشيعته كما دل عليه الخبر الأول.
ونحوه ما رواه
في المقنع ونقله في كتاب مشكاة الأنوار عن كتاب المحاسن عن عمر بن ابان قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول يا معشر
__________________
الشيعة انكم قد نسبتم إلينا كونوا لنا زينا ولا تكونوا شينا كونوا مثل
أصحاب على عليهالسلام في الناس ان كان الرجل منهم ليكون في القبيلة فيكون
امامهم ومؤذنهم وصاحب أماناتهم وودائعهم ، عودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم وصلوا في
مساجدهم ولا يسبقوكم الى خير فأنتم والله أحق منهم به».
وعن عبد الله
بن بكير قال : «دخلت على ابى عبد الله عليهالسلام ومعى رجلان فقال أحدهما لأبي عبد الله عليهالسلام آتى الجمعة؟ فقال أبو عبد الله عليهالسلام ائت الجمعة والجماعة واحضر الجنازة وعد المريض واقض
الحقوق ثم قال أتخافون ان نضلكم لا والله لا نضلكم ابدا».
الثاني ـ المفهوم
من أكثر الأخبار الدالة على الصلاة أولا لنفسه ثم الخروج والصلاة معهم مأموما أو
إماما لهم هو ان تلك الصلاة الثانية تقع نافلة ، وقد دل الخبر الخامس والسادس
والسابع على مقدار ثواب تلك الصلاة المعادة معهم ، وكذا الحديث الثامن على أحد
الاحتمالين وقد تقدمت الإشارة إلى الاحتمال الآخر وقد دل الحديث الخامس على اشتراط
الوضوء فيها إشارة إلى أنها صلاة حقيقية وان كانت نفلا ، وكذا الحديث السادس أيضا.
إلا ان ظاهر
الخبر الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر انه لا ينويها صلاة ولا يكبر فيها
تكبيرة الإحرام وانما يأتي بالأذكار من قراءة وذكر ركوع وسجود وقيام وقعود ونحو
ذلك. وهو غريب لم أقف على من نبه عليه ولا من تنبه اليه.
أما الأول منها
فإنه تضمن في حكايته عليهالسلام عن نفسه في الصلاة معهم انه يريهم انه يسجد وهو لا يسجد
وعليه يحمل كلام السائل وقوله «فلا احتسب بتلك الصلاة» يعني لا احتسبها صلاة بل
مجرد اذكار آتى بها وان احتمل على بعد أن يكون مراده انى لا احتسبها من الصلاة
الواجبة على إلا ان جواب الامام
__________________
واخباره له عن نفسه بالأول أنسب.
وأما الثاني
فإنه عليهالسلام قال له : «اجعلها نافلة ولا تكبر معهم فتدخل معهم في
الصلاة.» وظاهره الإتيان بمجرد الأذكار والمتابعة وهو المراد بالنافلة.
وأما الثالث
فإنه أصرح الجميع حيث قال له السائل : «أصلي خلفه واجعلها تطوعا» فأجابه بأنه «لو قبل
التطوع لقبلت الفريضة ولكن اجعلها سبحة» يعنى تسبيحا وتنزيها واذكارا من غير نية
صلاة وهو المراد بالنافلة في سابقة.
وبالجملة فإن
هذه الأخبار ظاهرة في أن الصلاة معهم انما هي عبارة عن المتابعة في القيام والقعود
والأذكار من غير ان ينويها صلاة ، بل ظاهر قوله في الثاني «ولا تكبر معهم» أى لا
تفتتح الصلاة بالتكبير فإن الذي يأتي به انما هو مجرد اذكار وليس بصلاة ، وكذا
نهيه في الخبر الثالث عن الصلاة معهم وانما يصلى قبلهم أو بعدهم مع استفاضة
الأخبار بالصلاة معهم.
ولا يحضرني
الآن وجه جواب عنها إلا ان يكون هذا قسما ثالثا في الصلاة معهم مضافا الى القسمين
المتقدمين في الموضع الأول. وتأويل هذه الأخبار بما ترجع به الى الأخبار الكثيرة
المذكورة يحتاج الى مزيد تعسف وتكلف وربما لا يجري في بعضها بالكلية. والله
العالم.
الثالث ـ قد
اختلفت الأخبار المتقدمة في القراءة خلف المخالف فجملة منها دلت على الأمر بذلك
وان سمع قراءته وعليه عمل الأصحاب (رضوان الله عليهم) وهو الأوفق بالقواعد الشرعية
والضوابط المرعية ، لأنه منفرد يجب عليه الإتيان بما يجب على المنفرد من قراءة
وغيرها ، وجملة منها دلت على المنع من القراءة خلفه إذا سمعه والاجتزاء بقراءته ،
والظاهر حملها على شدة التقية بحيث لا يتمكن من القراءة ولو خفيا مثل حديث النفس ،
وعلى ذلك حمل الشيخ الأخبار المذكورة. ويحتمل حمل هذه الأخبار على خصوص السائلين
لما يعلمونه صلوات الله عليهم) من لحوق الضرر لهم بترك ذلك كما في أمر إسحاق بن
عمار بما أمره به عليهالسلام
في الحديث التاسع لعلمه بما يبتلى به من تلك القضية ، ونحوه خبر على بن
يقطين وخبر داود بن زربي في الأمر بالوضوء ثلاثا لعلمه (عليهالسلام) بما يجرى عليهما مما هو مذكور في خبريهما. وبالجملة
فإن العمل على الأخبار الأولى كما عليه كافة الأصحاب ، ويؤيده قوله (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي بعد النهى عن القراءة خلف من يقتدى به «وإذا كان لا
يقتدى به فاقرأ خلفه سمعت أم لم تسمع».
الرابع ـ قد
عرفت ان الواجب على هذا المصلى معهم تقية القراءة لانتفاء القدوة وكونه منفردا وهو
مما لا خلاف فيه بين الأصحاب لما ذكرناه ، وقد عرفت الوجه في ما دل على خلاف ذلك
من عدم القراءة خلفه في الجهرية.
ولا خلاف أيضا
في سقوط الجهر في الجهرية وان قلنا بوجوبه للتقية ، وعليه يدل ايضا الخبر السادس
عشر والسابع عشر.
وتجزئه الحمد
وحدها مع تعذر السورة بلا خلاف ولا إشكال ، وعليه يدل الخبر الثاني والعشرون
والرابع والعشرون.
وانما الخلاف
لو ركع الامام قبل إتمامه الفاتحة ، فقيل انه يقرا في ركوعه وقيل انه تسقط القراءة
للضرورة وبه قطع الشيخ في التهذيب ، قال ان الإنسان إذا لم يلحق القراءة معهم جاز
له ترك القراءة والاعتداد بتلك الصلاة بعد أن يكون قد أدرك الركوع. ثم استدل
بالخبر التاسع.
وقال في
المدارك بعد نقل ذلك عن الشيخ : وهذه الرواية وان كانت واضحة المتن لكنها قاصرة من
حيث السند ، والمسألة محل إشكال ولا ريب ان الإعادة مع عدم التمكن من قراءة
الفاتحة طريق الاحتياط. انتهى.
أقول : ويدل على
ما قاله الشيخ ايضا الخبر الثالث والعشرون والخامس والعشرون ، وهو صحيح إذ ليس فيه
من ربما يتوقف فيه إلا أبو بصير وهو هنا ليث المرادي بقرينة رواية عبد الله بن
مسكان عنه ، فما ذكره من الاستشكال
__________________
في المدارك ليس في محله. وأما القول بأنه يقرأ حال ركوعه فلم أقف على
مستنده بل صريح هذه الأخبار انما هو المضي والمتابعة للإمام واغتفار ترك القراءة
في هذا المقام.
الخامس ـ ما
اشتمل عليه الحديث الثالث والثلاثون من التشهد حال القيام إذا ألجأته التقية الى
ذلك قد ورد مثله في خبر لأبي بصير إلا انه لا يحضرني الآن مكانه وبه صرح الصدوق ،
قال في المنتهى : قال ابن بابويه وان لم يتمكن من التشهد جالسا قام مع الامام
وتشهد قائما.
أقول : وبذلك
صرح الرضا (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي في ما لو دخل في صلاة المخالف بعد ان صلى بعض صلاته. وسيأتي
الكلام في المسألة ان شاء الله تعالى في المطلب الثالث في الأحكام.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان البحث في هذا المقصد يقع في مطالب ثلاثة الأول في الجماعة وفيه مسائل :
المسألة الأولى
ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان الجماعة لا تجب أصالة إلا في
الجمعة والعيدين مع اجتماع الشرائط المتقدمة فيهما ، وتجب بالعارض كالنذر وشبهيه ،
وفي جاهل القراءة مع ضيق الوقت عن التعلم وإمكان الائتمام ، وما عدا ذلك فهي
مستحبة ، وقد عرفت تأكد استحبابها في اليومية.
والمشهور بين
الأصحاب بل ادعى في المنتهى عليه الإجماع هو استحبابها في جميع الفرائض ، قال في
المنتهى : وهو مذهب علمائنا أجمع. وتنظر فيه بعض فضلاء متأخري المتأخرين ، قال :
وفي استفادة هذا التعميم من الأخبار نظر. وهو في محله والأحوط الوقوف في ذلك على
موارد النصوص.
قالوا : ولا
تجوز الجماعة في شيء من النوافل عدا الاستسقاء والعيدين مع اختلال الشرائط. أقول
: أما استحبابها في الاستسقاء فقد تقدم الكلام فيه في صلاة
__________________
الاستسقاء ، واما العيدان فقد تقدم ايضا تحقيق القول في ذلك في صلاة العيد
وان الأمر ليس كما ادعوه (رضوان الله عليهم).
وأما عدم
الجواز في غير هذين الموضعين من النوافل فقال في المنتهى انه مذهب علمائنا أجمع ،
واستدل بما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن الصادقين (عليهماالسلام) «ان رسول الله صلىاللهعليهوآله قال ان الصلاة بالليل في شهر رمضان النافلة في جماعة
بدعة». وعن إسحاق بن عمار عن ابى الحسن عليهالسلام وسماعة بن مهران عن ابى عبد الله عليهالسلام «ان النبي صلىاللهعليهوآله قال في نافلة شهر رمضان ايها الناس ان هذه الصلاة نافلة
ولن يجتمع للنافلة فليصل كل رجل منكم وحده وليقل ما علمه الله من كتابه واعلموا ان
لا جماعة في نافلة».
واعترضه في
المدارك بان في هذا الاستدلال نظرا لقصور الرواية الأولى عن افادة العموم وضعف سند
الثانية باشتماله على محمد بن سليمان الديلمي وغيره ، قال وربما ظهر من كلام
المصنف في ما سيأتي ان في المسألة قولا بجواز الاقتداء في النافلة مطلقا. ثم نقل
عن الذكرى ما يقرب من ذلك ثم قال وهذا الكلام يؤذن بأن المنع ليس إجماعيا وقد ورد
بالجواز روايات : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله
عن ابى عبد الله عليهالسلام انه قال له : «صل بأهلك في رمضان الفريضة والنافلة فإني
افعله». وفي الصحيح عن هشام بن سالم «انه سأل أبا عبد الله عليهالسلام عن المرأة تؤم النساء فقال تؤمهن في النافلة فأما في
المكتوبة فلا». ونحوه روى ايضا في الصحيح عن الحلبي وسليمان بن خالد عن ابى عبد
الله عليهالسلام ومن هنا يظهر ان ما ذهب اليه بعض الأصحاب من استحباب
الجماعة في صلاة الغدير جيد وان لم يرد فيها نص على الخصوص. انتهى.
__________________
أقول : لا يخفى
ما فيه على الفطن النبيه المطلع على ما ورد عنهم عليهالسلام في هذه المسألة من الأخبار والمتأمل فيها بعين الفكر
والاعتبار :
اما أولا ـ فلعدم
انحصار ما دل على تحريم الجماعة في النافلة في هذه الروايات التي استدل بها
العلامة (قدسسره) ليتم له بالطعن فيها القول بالجواز.
ومما يدل على
ذلك زيادة على الأخبار المذكورة ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن بإبراهيم
بن هاشم عن سليم بن قيس قال : «خطب أمير المؤمنين عليهالسلام فحمد الله واثنى عليه ثم صلى على النبي صلىاللهعليهوآله ثم قال ألا إن أخوف ما أخاف عليكم خلتان اتباع الهوى
وطول الأمل. وساق الخطبة الى ان قال عليهالسلام وأمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة
وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادي بعض أهل عسكري ممن يقاتل معى يا أهل
الإسلام غيرت سنة عمر. الى آخرها».
وما رواه ابن
إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب ابى القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن ابى جعفر
وابى عبد الله عليهماالسلام قالا «لما كان أمير المؤمنين عليهالسلام بالكوفة أتاه الناس فقالوا له اجعل لنا اماما يؤمنا في
رمضان فقال لهم لا ونهاهم ان يجتمعوا فيه فلما أمسوا جعلوا يقولون ابكوا رمضان وا
رمضاناه ، فاتى الحارث الأعور في أناس فقال يا أمير المؤمنين ضج الناس وكرهوا قولك
فقال عند ذلك دعوهم وما يريدون ليصل بهم من شاءوا ثم قال (وَمَنْ). (يَتَّبِعْ غَيْرَ
سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ
مَصِيراً» . ورواه العياشي في تفسيره عن حريز عن بعض أصحابنا عن
أحدهما عليهماالسلام .
وما رواه الحسن
بن على بن شعبة في كتاب تحف العقول عن الرضا عليهالسلام قال : «ولا يجوز التراويح في جماعة».
__________________
وأنت خبير بأنه
بعد ورود هذه الأخبار كملا ما ذكرناه وما ذكره العلامة (قدسسره) لا مجال للمناقشة في الحكم المذكور سيما مع ما سيظهر
لك ان شاء الله تعالى في رواياته من الخلل والقصور.
واما ثانيا ـ فلان
صحيحة الفضلاء الثلاثة وان كان موردها انما هو النهى عن الاجتماع في صلاة الليل في
شهر رمضان كما قدمنا بيانه في بحث نافلة شهر رمضان إلا ان النهى انما وقع من حيث
تحريم الاجتماع في النافلة لا من حيث خصوصية شهر رمضان أو خصوصية الليل كما أفصحت
به الروايات الأخر من قوله عليهالسلام في صحيحة سليم بن قيس «وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل
بدعة». وقولهما عليهماالسلام في حديثي سماعة وإسحاق «ان هذه الصلاة نافلة ولن يجتمع
للنافلة». وقوله عليهالسلام «واعلموا ان لا جماعة في نافلة». ومن ذلك يعلم ان إجمال هذا الخبر يحمل على
غيره من الأخبار المتقدمة المفصلة حمل المطلق على المقيد والمجمل على المبين
وأما ثالثا ـ فان
ما ذكره من الروايات الدالة على الجواز ـ من صحيحتي عبد الرحمن وهشام ـ ففيه أولا
ـ انه قد اعترض صحيحة الفضلاء بأنها قاصرة عن افادة العموم إشارة الى ان موردها
انما هو النهى عن الجماعة في النافلة في الليل في شهر رمضان فلا تدل على عموم
تحريم النافلة مطلقا كما هو محل البحث ، وهذا بعينه وأرد عليه في الصحيحتين
المذكورتين ، فإن الأولى موردها ايضا شهر رمضان والثانية موردها النساء خاصة فلا
دلالة فيها على عموم الجواز ، فكيف يدعى بعد ذكرهما العموم ويقول : ومن هنا يظهر
ان ما ذهب اليه بعض الأصحاب من استحباب الجماعة في صلاة الغدير جيد وان لم يرد
فيها نص والحال ان دليله كما عرفت أخص من المدعى ما هذا إلا عجب عجيب من هذا المحقق
الأريب.
وثانيا ـ ان
ظاهر صحيحة عبد الرحمن هو أن هذه النافلة المذكورة في الخبر انما
__________________
هي نافلة شهر رمضان وإلا لما كان لذكر شهر رمضان معنى في المقام ، وقد عرفت
استفاضة الأخبار بتحريم الجماعة فيها ، وحينئذ فالواجب حمل هذا الخبر على التقية وبذلك يسقط الاستناد إليه بالكلية.
وأما صحيحة
هشام فسيأتيك الجواب عنها واضحا مشروحا ان شاء الله تعالى في المطلب الثاني في شرط
ذكورية الامام.
وأما رابعا ـ فان
ما ذكره ـ من انه يفهم من كلام المصنف والشهيد في الذكرى احتمال وجود المخالف في
المسألة ليتم له القول بجواز الجماعة في النافلة ومخالفة الأصحاب في ما ظاهرهم
الاتفاق عليه تحاشيا عن مخالفة الإجماع ـ فلا يخفى ما فيه وكم قد خالف الأصحاب في
ما ظاهرهم الاتفاق عليه وان تحاشا عن ذلك في مواضع أخر كما في هذا الموضع ، مع انه
قد ذكر في صدر كتابه في مقام طعنه على إجماعاتهم انه قد صنف رسالة في الطعن على
هذا الإجماع وانه مما لا يعول عليه في مقام التحقيق ولا يرجع اليه.
هذا. ومما
استثنى من تحريم الجماعة في النافلة صلاة الغدير عند ابى الصلاح كما أشار إليه في
المدارك واليه ذهب الشهيد في اللمعة والمحقق الشيخ على على ما نقل عنه ورجحه شيخنا
أبو الحسن في رسالته في الصلاة ، ونقل عن ابى الصلاح انه نسبه الى الرواية وهو
ظاهر كلامه في الكافي. إلا ان الخروج عن ظواهر الأخبار الدالة على التحريم بمثل
ذلك لا يخلو عن مجازفة فالتحريم أقوى.
ومما استثنى
ايضا إعادة المنفرد صلاته جماعة إماما كان أو مأموما كما سيأتي بيان ذلك في محله.
المسألة
الثانية ـ من شرائط الجماعة وترتب ثوابها وأحكامها العدد وأقله اثنان في غير
الجمعة والعيدين يقوم المأموم عن يمين الامام وان كان امرأة فخلفه ، فههنا أحكام
ثلاثة :
__________________
أما الحكم
الأول أعني كون أقل الجماعة اثنين فيدل عليه صحيحة زرارة قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام الرجلان يكونان جماعة؟ قال نعم ويقوم الرجل عن يمين
الامام».
وصحيحة محمد بن
مسلم عن أحدهما عليهماالسلام قال : «الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه».
قال في المدارك
: ويدل عليه رواية الحسن الصيقل عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن أقل ما تكون الجماعة قال رجل وامرأة ،
وإذا لم يحضر المسجد أحد فالمؤمن وحده جماعة». ومعنى كون المؤمن وحده جماعة انه
إذا طلب الجماعة فلم يجدها تكون صلاته على الانفراد مساوية لصلاة الجماعة في
الثواب تفضلا من الله تعالى ومعاملة له بمقتضى نيته. انتهى.
أقول : رواية
الصيقل المذكورة قد رواها الشيخ في التهذيب بما نقله الى قوله «رجل وامرأة» ورواها الصدوق في
الفقيه هكذا : وسأل الحسن الصيقل أبا عبد الله عليهالسلام عن أقل ما تكون الجماعة قال رجل وامرأة ، وإذا لم يحضر
المسجد أحد فالمؤمن وحده جماعة لأنه متى اذن واقام صلى خلفه صفان من الملائكة ومتى
أقام ولم يؤذن صلى خلفه صف واحد. انتهى.
وأنت خبير بان
الظاهر ان ما زاد على رواية التهذيب فهو من كلام الصدوق الذي يداخل به الأخبار
فيقع بسببه الالتباس باحتمال كونه منها ، وفي التعليل الذي ذكره إيناس بما قلنا ،
وظاهر صاحب المدارك ان قوله : «وإذا لم يحضر المسجد أحد. إلخ» من الرواية ،
والظاهر انه ليس كذلك بل انما هو من كلام الصدوق لما
__________________
ذكرناه من نقل الشيخ الرواية عارية عن ذلك وإيناس التعليل بما هنالك.
وروى الشيخ في
التهذيب عن أبي البختري عن جعفر عليهالسلام «أن عليا عليهالسلام قال : الصبي عن يمين الرجل إذا ضبط الصف جماعة ،
والمريض القاعد عن يمين الصبي جماعة».
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله الاثنان جماعة. قال وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله المؤمن وحده حجة والمؤمن وحده جماعة».
وروى في الكافي
والشيخ في التهذيب في الصحيح عن محمد بن يوسف عن أبيه وهو مجهول قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول ان الجهني اتى النبي صلىاللهعليهوآله فقال يا رسول الله انى أكون في البادية ومعي أهلي وولدي
وغلمتي فأؤذن وأقيم وأصلي بهم أفجماعة نحن؟ فقال نعم. الى أن قال فإن ولدي يتفرقون
في الماشية فأبقى أنا وأهلي فأؤذن وأقيم وأصلي بها أفجماعة نحن؟ فقال نعم. فقال يا
رسول الله صلىاللهعليهوآله ان المرأة تذهب في مصلحتها فأبقى أنا وحدي فأؤذن وأقيم أفجماعة
أنا؟ فقال نعم المؤمن وحده جماعة». والظاهر في تعليل كونه وحده جماعة هو ما ذكره
في الفقيه مما قدمنا نقله عنه. وأما ما علله به في المدارك فالظاهر بعده وان أمكن
احتماله.
وأما الحكم
الثاني أعني قيام المأموم إذا كان واحدا عن يمين الامام فهو مما لا خلاف في رجحانه
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم وان كان المأموم أكثر من واحد وقفوا خلف الامام.
واستندوا في
هذا التفصيل الى ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام قال : «الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه فان
كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه».
وبالجملة فإنه
لا خلاف في أفضلية قيام الرجل وحده عن يمين الإمام إنما
__________________
الخلاف في وجوبه واستحبابه والمشهور ان ذلك على جهة الفضل والاستحباب ، قال
في المنتهى : وهذا الموقف سنة فلو خالف بان وقف الواحد على يسار الإمام أو خلفه لم
تبطل صلاته عند علمائنا أجمع. ونقل في المختلف عن ابن الجنيد القول بالبطلان مع
المخالفة ، قال في المدارك وهو ضعيف.
أقول : لا أعرف
لما ذكره الأصحاب من الاستحباب هنا مستندا سوى الإجماع الذي ادعاه في المنتهى ،
ولا اعرف لحكم السيد بضعف قول ابن الجنيد وجها مع عدم الدليل على خلافه وقيام
الأدلة وتكاثرها على ما نقلوه عنه ، وهم انما استندوا في هذا التفصيل إلى صحيحة
محمد بن مسلم المتقدمة بأنه ان كان واحدا قام عن يمين الامام وان كانوا أكثر قاموا
خلفه ، وهي ان لم تدل على ما ذهب اليه ابن الجنيد كما هو الظاهر منها فلا تدل على
خلافه ، وبالجملة فإنها أعم من ذلك فلا دلالة فيها على كون ذلك على جهة الاستحباب
بوجه ، وجميع ما حضرني من روايات هذه المسألة على كثرتها وتعددها لا إشارة في شيء
منها فضلا عن الدلالة إلى الاستحباب بل المتبادر من سياقها واتفاقها على الحكم
المذكور انما هو الوجوب ، لان العبادات كمية وكيفية صحة وبطلانا مبنية على التوقيف
فما ثبت عن صاحب الشرع وجب الحكم بصحته وما لم يثبت عنه فلا مساغ للحكم بصحته
بمجرد التخرص والظن ، والذي ثبت عنه كما ستقف عليه ان شاء الله تعالى انما هو ما
ذكرناه.
وها أنا أسوق
لك ما وقفت عليه من اخبار المسألة ، فمنها صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وصحيحة
زرارة المتقدمة في صدر المسألة ورواية أبي البختري المتقدمة أيضا.
ومنها ـ ما
رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد قال : «ذكر الحسين ـ يعنى ابن سعيد ـ انه أمر من يسأله
عن رجل صلى الى جانب رجل فقام عن يساره وهو لا يعلم ثم علم وهو في صلاته كيف يصنع؟
قال
__________________
يحوله عن يمينه».
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن إبراهيم بن ميمون عن ابى عبد الله عليهالسلام «في الرجل يؤم النساء ليس معهن رجل في الفريضة؟ قال نعم وان كان معه صبي
فليقم الى جانبه».
وما رواه في
الفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليهالسلام «انه سئل عن الرجل يؤم الرجلين؟ قال يتقدمهما ولا يقوم بينهما. وعن الرجلين
يصليان جماعة؟ قال نعم يجعله عن يمينه».
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن الحسين بن يسار المدائني «أنه سمع من يسأل الرضا عليهالسلام عن رجل صلى الى جانب رجل فقام عن يساره وهو لا يعلم كيف
يصنع ثم علم وهو في الصلاة؟ قال يحوله عن يمينه».
وما رواه في
كتاب العلل بسنده فيه عن احمد بن رباط عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له لأي علة إذا صلى اثنان صار التابع عن
يمين المتبوع؟ قال لأنه امامه وطاعة للمتبوع وان الله جعل أصحاب اليمين المطيعين ،
فلهذه العلة يقوم عن يمين الامام دون يساره».
وما رواه في كتاب
قرب الاسناد عن الحسين بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن على عليهمالسلام «انه كان يقول المرأة خلف الرجل صف ولا يكون الرجل خلف الرجل صفا انما يكون
الرجل الى جنب الرجل عن يمينه».
وما رواه فيه
ايضا عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على عليهمالسلام قال : «رجلان صف فإذا كانوا ثلاثة تقدم الامام».
وروى الصدوق في
كتاب المجالس في الصحيح الى محمد بن عمر
__________________
الجرجاني قال : «قال الصادق عليهالسلام أول جماعة كانت ان رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يصلى وأمير المؤمنين على بن ابى طالب عليهالسلام معه إذ مر أبو طالب وجعفر معه فقال يا بنى صل جناح ابن
عمك فلما أحس رسول الله صلىاللهعليهوآله تقدمهما وانصرف أبو طالب مسرورا. الحديث».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي «يؤم الرجلين أحدهما صاحبه يكون عن يمينه فإذا كانوا أكثر من ذلك قاموا
خلفه».
أقول : هذا ما
حضرني من اخبار المسألة المذكورة وهي كما ترى متطابقة الدلالة متعاضدة المقالة على
ان الحكم في الاثنين هو قيام المأموم عن يمين الامام والحكم في الأكثر التأخر ،
وقد عرفت ان العبادات مبنية على التوقيف عن صاحب الشريعة ، وهذا هو الذي وورد به
الشرع عنهم عليهمالسلام في كيفية الائتمام في هذه الصورة سيما مع اشتمالها على
الأوامر التي هي حقيقة في الوجوب ، والخروج عن ذلك خروج عن المشروع عين ما سيأتي
ان شاء الله تعالى في استدلالهم في مسألة عدم جواز تقدم المأموم على الامام ، حيث
قالوا ثمة : لأن المنقول من فعل النبي صلىاللهعليهوآله والأئمة عليهمالسلام إما تقدم الإمام أو تساوى الموقفين فيكون الإتيان
بخلافه خروجا عن المشروع. انتهى. وهذا بعينه آت في ما نحن فيه فان المنقول عنهم عليهمالسلام كما عرفت من هذه الأخبار هو وقوف الواحد عن يمين الامام
وتأخر الأكثر ، والخروج عنه من غير دليل ولا نص خروج عن المشروع. نعم لو كان هنا
دليل معارض لهذه الأخبار لتم لهم حملها على الاستحباب جمعا بين الدليلين كما هي
قاعدتهم المطردة إلا ان الأمر ليس كذلك.
وغاية ما استدل
به العلامة في المختلف للقول المشهور ما رواه أبو الصباح في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يقوم في الصف وحده فقال
__________________
لا بأس إنما يبدو واحد بعد واحد». ثم نقل الاحتجاج لابن الجنيد برواية
زرارة المتقدمة وهي صحيحته المتقدمة في صدر المسألة ، قال والأمر للوجوب. ثم قال
والجواب المنع من كونه للوجوب. انتهى.
وأنت خبير بما
في كلامه من الوهن والضعف الظاهر الذي لا يخفى على الخبير الماهر ، اما الخبر الذي
استدل به فان الظاهر منه انما هو قيام المأموم وحده في صف مع امتلاء الصفوف وعدم
وجود مكان له فيها فإنه يقوم وحده كما ورد في صحيحة سعيد الأعرج قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يدخل المسجد ليصلي مع الامام فيجد الصف
متضايقا بأهله فيقوم وحده حتى يفرغ الامام من الصلاة أيجوز ذلك له؟ قال نعم لا بأس».
وفي موثقة أخرى لسعيد الأعرج أيضا قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصف مقاما أيقوم وحده
حتى يفرغ من صلاته؟ قال نعم لا بأس يقوم بحذاء الامام». وما ذكرناه في معنى الخبر
المذكور ان لم يكن متعينا لما ذكرنا من الأخبار فلا أقل أن يكون مساويا لما ذكره
في الاحتمال وهو كاف في إبطال الاستدلال. واما جوابه عن صحيح زرارة بعد اعترافه
بان الأمر فيه للوجوب بمنع ذلك فهو تحكم محض كما لا يخفى.
وبالجملة
فالقول المذكور في غاية القوة لما عرفت ، ولا أعرف لهم وجها في رد هذه الأخبار إلا
قصور النظر عن تتبعها والاطلاع عليها والجمود على ظواهر المشهورات المزخرفة
بالإجماعات.
قال في الذكرى
: وتنعقد الجماعة بالصبي المميز لان ابن عباس ائتم بالنبي صلىاللهعليهوآله وكان إذ ذاك غير بالغ .
__________________
أقول : الأظهر
الاستدلال على ذلك بخبر أبي البختري وإبراهيم بن ميمون المتقدمين ، وأما الخبر
الذي أشار إليه فالظاهر انه من طريق القوم.
وتنعقد بالمرأة
خلف الرجل كما دل عليه خبر كتاب قرب الاسناد المتقدم وغيره
ثم انه لا يخفى
ان ظاهر الأخبار المتقدمة الدالة على انهما إذا كان اثنين يقوم المأموم عن يمين
الامام هو مساواة المأموم للإمام في الموقف ، ونقل في المختلف عن ابن إدريس انه لا
بد من تقدم الامام عليه بقليل. ثم أجاب عنه بأنه ممنوع لأن الأصل براءة الذمة منه.
ثم أورد صحيحة محمد بن مسلم وحسنة زرارة المتقدمتين الدالتين على أنه يقوم عن يمين
الامام. ثم استدل بأنه لو كان كذلك بطلت صلاة الاثنين إذا قال كل واحد منهما كنت
اماما ، قال لأنهما إن أخلا بالتقدم المذكور مع وجوبه بطلت صلاتهما ، ويستحيل ان
يأتيا به معا ، وان تقدم أحدهما فهو الامام ، لكن التالي باطل إجماعا فكذا المقدم.
انتهى.
وظاهر الشهيد (قدسسره) في الذكرى موافقة ابن إدريس هنا حيث قال في بيان سنة
الموقف : أحدها ـ أن يقتدى الرجل بالرجل فيستحب قيامه عن يمينه ويتقدم الامام
بيسير. انتهى. ولا ريب في ضعفه لما عرفت.
وأما الحكم
الثالث وهو تأخر المرأة خلفه فهو مبنى على ما هو المختار من عدم جواز محاذاة
المرأة للرجل في الموقف كما تقدم تحقيقه في مبحث المكان من مقدمات الكتاب ، واما
من قال بجواز المحاذاة فالحكم هنا عنده على الاستحباب.
والذي يدل على
تأخرها روايات : منها ـ ما رواه الشيخ عن ابى العباس قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يؤم المرأة في بيته؟ قال نعم تقوم وراءه».
وعن عبد الله
بن بكير عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله عليهالسلام «في الرجل يؤم المرأة؟ قال نعم تكون خلفه. وعن المرأة تؤم النساء؟ قال نعم
تقوم وسطا
__________________
بينهن ولا تتقدمهن».
ويستحب لها مع
التأخر أن تقوم عن يمين الإمام إذا كانت واحدة لما رواه الصدوق في الصحيح عن هشام
بن سالم عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «الرجل إذا أم المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها
مع ركبتيه».
وما رواه الشيخ
عن الفضيل بن يسار قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام أصلي المكتوبة بأم على؟ قال نعم تكون عن يمينك يكون
سجودها بحذاء قدميك».
ولو كان
المأموم رجلا وامرأة قام الرجل عن يمين الامام والمرأة خلفه لما رواه عن القاسم بن
الوليد قال : «سألته عن الرجل يصلى مع الرجل الواحد معهما
النساء؟ قال يقوم الرجل الى جنب الرجل ويتخلفن النساء خلفهما». والله العالم.
المسألة
الثالثة ـ من الشرائط أيضا عند الأصحاب (رضوان الله عليهم المشاهدة بمعنى أن لا
يكون ثمة بين الامام والمأموم أو بين المأمومين بعض مع بعض حائل يمنع المشاهدة ،
قال في المدارك : هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب.
والأصل فيه ما
رواه الشيخ في الحسن والصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «ان صلى قوم وبينهم وبين الامام ما لا يتخطى فليس
ذلك الامام لهم بإمام ، وأى صف كان أهله يصلون بصلاة امام وبينهم وبين الصف الذي
يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة ، وان كان بينهم سترة أو جدار
__________________
فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب. قال : وهذه المقاصير لم تكن في
زمن أحد من الناس وإنما أحدثها الجبارون وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها
صلاة. قال : وقال أبو جعفر عليهالسلام ينبغي أن تكون الصفوف تامة متواصلة بعضها الى بعض لا
يكون بين الصفين ما لا يتخطى يكون قدر ذلك مسقط جسد الإنسان إذا سجد. قال وقال :
أيما امرأة صلت خلف امام وبينها وبينه ما لا يتخطى فليس لها تلك بصلاة. قال قلت :
فان جاء انسان يريد أن يصلى كيف يصنع وهي إلى جانب الرجل؟ قال : يدخل بينها وبين
الرجل وتنحدر هي شيئا».
وتحقيق الكلام
في هذا المقام ان يقال قد عرفت انه لا يجوز الحيلولة بين الامام والمأمومين ولا
بين المأمومين بعضهم مع بعض بما يمنع المشاهدة من الحائل فلو لم يمنع المشاهدة
كالحائل القصير المانع حالة الجلوس خاصة والشباك والمانع من الاستطراق دون
المشاهدة فلا بأس بالصلاة والحال هذه ، وبذلك صرح معظم الأصحاب ومنهم الشيخ في
المبسوط على ما نقله في الذخيرة ، وخالف في الخلاف فقال من صلى وراء الشبابيك لا
تصح صلاته مقتديا بصلاة الإمام الذي يصلى داخلها. واستدل بصحيحة زرارة ، قال في
المدارك : وكأن موضع الدلالة فيها النهى عن الصلاة خلف المقاصير فان الغالب فيها
أن تكون مشبكة. وأجاب عنه في المختلف بجواز أن تكون المقاصير المشار إليها فيها
غير مخرمة. الى أن قال : ولا ريب ان الاحتياط يقتضي المصير الى ما ذكره الشيخ.
انتهى.
أقول : ما ذكره
(قدسسره) ـ من أن موضع الدلالة في ما استدل به الشيخ من الرواية
النهي عن الصلاة خلف المقاصير فان الغالب فيها أن تكون مشبكة ـ لا يخلو من بعد ،
فإنه لا يخفى أن ظاهر قوله عليهالسلام : «وهذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس» انما وقع
تفريعا على قوله : «وان كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة» فإنه لما حكم عليهالسلام ببطلان الصلاة والحال هذه وكانت تلك
المقاصير حائلة وساترة مع كون الناس يصلون خلفها استدرك عليهالسلام وبين أن هذه المقاصير التي يصلى خلفها الناس الآن لم
تكن في الصدر الأول من زمنه صلىاللهعليهوآله ولا ما قاربه وانما هي شيء محدث ، ولا يجوز الصلاة
خلفها لحصول الستر والحيلولة بها. هذا هو ظاهر سياق الخبر المذكور وهو الذي فهمه
الأصحاب منه كما نقله عن المحقق ومثله العلامة وغيرهما. فقوله (قدسسره) ان الغالب في تلك المقاصير ان تكون مشبكة مع كونه مجرد
دعوى مخالف لظاهر النص ، ومن اين علم ان تلك المقاصير التي كانت في زمانهم عليهمالسلام كانت مشبكة لو ثبت كونها في زمانه كذلك.
وبالجملة فإن
استدلال الشيخ بالخبر المذكور على ما ادعاه ليس له وجه ان ثبت ما نقلوه عنه من انه
استدل بخبر زرارة ، ومن المحتمل قريبا عندي ان هذا الاستدلال انما هو من كلام
الأصحاب وان أسندوه اليه ظنا منهم استناده في ذلك الى الخبر المذكور كما وقع في
المختلف في استدلاله للأقوال التي ينقلها فيه وان أسند ذلك الى صاحب القول ، كما
لا يخفى على من تأمل ذلك بعين التحقيق.
هذا. ولا يخفى
ان صاحب الذخيرة نقل ان الشيخ في المبسوط وافق المشهور في جواز الصلاة خلف
الشبابيك وانما خالفهم في الخلاف ، والمفهوم من كلام الذكرى ان خلافه انما هو في
المبسوط حيث قال : ولو كانت المقصورة مخرمة صحت كالشبابيك ، ويظهر من المبسوط
وكلام ابى الصلاح عدم الجواز مع حيلولة الشباك لرواية زرارة مع اعتراف الشيخ بجواز
الحيلولة بالمقصورة المخرمة ولا فرق بينهما. انتهى.
أقول : لا يخفى
على من لاحظ عبارة المبسوط في هذا المقام انها غير خالية من التدافع والتناقض في
هذه الأحكام ومنه وقع الاشتباه في ما نقل عنه من هذا الكلام ، حيث قال : الحائط
وما يجرى مجراه مما يمنع من مشاهدة الصفوف يمنع من صحة الصلاة والاقتداء بالإمام ،
وكذلك الشبابيك والمقاصير تمنع من الاقتداء
بإمام الصلاة إلا إذا كانت مخرمة لا تمنع من مشاهدة الصفوف. انتهى.
ووجه الإشكال
فيها انه لا ريب ان الشبابيك لا تمنع المشاهدة مع انه عدها في ما يمنع من صحة
الصلاة والاقتداء بالإمام وجوز في المقاصير المخرمة ، ولا ريب أن المقصورة المخرمة
والشباك بمعنى واحد ولهذا أورد عليه في الذكرى ما ذكره ، وصاحب الذخيرة نظر الى
آخر العبارة وغفل عن ذكره الشبابيك وانها تمنع.
ثم انه لا يخفى
عليك ان ظاهر الشهيد في الذكرى كما قدمناه في عبارته ان الشيخ في المبسوط استند في
عدم الجواز مع حيلولة الشباك إلى رواية زرارة مع ان عبارة المبسوط كما حكيناها
خالية من ذلك ، وهو دليل على ما قدمناه من أن نسبة الاستدلال بالرواية إلى الشيخ
انما هو من الأصحاب تكلفا لتحصيل الدليل له ، وبذلك يسقط ما ذكره في المدارك من
تحمل توجيه الاستدلال له بالخبر المذكور ، ونحوه في الذخيرة حيث حذا حذوه في
المقام كما هو الغالب عليه في أكثر الأحكام.
تنبيهات
الأول ـ لو وقف
بحذاء باب المسجد وهو مفتوح بحيث يشاهد الواقف حذاء الباب الإمام أو المأمومين
الذين في المسجد صحت صلاة المحاذي للباب لمشاهدته لمن في المسجد وصلاة من على
يمينه ويساره من الصف لمشاهدتهم ذلك الواقف حذاء الباب ، وقد صرح بذلك الشيخ (قدسسره) وجملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في المنتهى حيث قال
: لو وقف المأموم خارج المسجد بحذاء الباب وهو مفتوح يشاهد المأمومين في المسجد
صحت صلاته ، ولو صلى قوم عن يمينه وشماله صحت صلاتهم لأنهم يرون من يرى الامام.
ولو وقف بين يدي هذا الصف صف آخر عن يمين الباب أو يساره لا يشاهدون من في المسجد
لم تصح صلاتهم. انتهى. وبنحو ذلك صرح في المدارك ايضا.
وتوقف في
الذخيرة في الحكم الأول فقال ـ بعد نقل ما ذكره في المنتهى عن جماعة من الأصحاب ـ ما
لفظة : والحكم الثاني صحيح وأما الحكم الأولى فقد ذكره
غير واحد من الأصحاب كالشيخ ومن تبعه ، وهو متجه ان ثبت الإجماع على ان
مشاهدة بعض المأمومين تكفي مطلقا وإلا كان في الحكم المذكور اشكال نظرا الى قوله عليهالسلام «إلا من كان بحيال الباب» فان ظاهره قصر الصحة على صلاة من كان بحيال
الباب. وجعل بعضهم هذا الحصر إضافيا بالنسبة إلى الصف الذي يتقدمه عن يمين الباب
ويساره. وفيه عدول عن الظاهر يحتاج الى دليل. انتهى.
أقول : الظاهر
أن منشأ الشبهة الحاصلة له هو تخصيص المشاهدة التي هي شرط في صحة القدوة بمشاهدة
الإنسان من يكون قدامه دون من على يمينه ويساره والذي على الباب من المأمومين
يشاهد الإمام أو المأمومين الذين في المسجد فتصح صلاته وأما من على يمينه ويساره
فإنهم لا يشاهدون قادمهم إلا جدار المسجد فتبطل صلاتهم لفوات شرط المشاهدة ،
ومشاهدة من على جنبه غير كافية عنده. واللازم من هذا أنه لو استطال الصف الأول على
وجه لا يرى من في طرفيه الإمام فإنه يلزم بطلان صلاتهم ، حيث انهم لا يشاهدون
الامام ومشاهدة من على الجنب يمينا ويسارا غير كافية ، ولا أظن هذا القائل يلتزمه.
ونحو ذلك لو استطال الصف الثاني أو الثالث زيادة على الصفوف المتقدمة وكان الذي
يلي قبلة هذه الزيادة جدارا لا أحدا من المأمومين فإنه يلزم بطلان صلاة هذه
الزيادة لعدم وجود المأمومين قدامهم وعدم الاكتفاء بمشاهدة من على الجنب. والظاهر
من قوله عليهالسلام «إلا من كان بحيال الباب» يعنى من الصفوف لا من المأمومين لأن عبارة الخبر
هنا كلها منصبة على الصفوف ، حيث قال «وأى صف كان أهله يصلون بصلاة امام وبينهم
وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة وان كان بينهم ستر أو
جدار فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب» وهذا الكلام كما ترى مشتمل على
شرطين : (أحدهما) ـ أن لا يكون بين الصفوف من البعد ما لا يتخطى. و (الثاني) أن لا
يكون بينهم ستر ولا جدار كالصف الذي يقوم عن يمين الباب
__________________
ويساره ، فإنه لا ريب في بطلان صلاتهم لعدم المشاهدة ، ثم استثنى الصف الذي
يقوم بحيال الباب لحصول الشرط المذكور فيه بمشاهدة من على الباب لمن في المسجد
ومشاهدة من على يمين ذلك الرجل ويساره له وهكذا.
وبالجملة
فاللازم مما ذكره في هذه الصورة هو بطلان الصلاة في الصورتين المذكورتين اللتين
فرضناهما ولا أظنه يلتزمه. ونحوهما ايضا وقوف بعض المأمومين خلف الأساطين بحيث ان
الأسطوانة في قبلته فهو لا يرى من قدامه من المأمومين وانما يرى من على يمينه
ويساره ، واللازم بمقتضى ما ذهب اليه بطلان صلاته مع ان صحيح الحلبي دل على انه لا بأس بالصفوف بين الأساطين.
وبالجملة فما
ذكره (قدسسره) انما هو من قبيل الأوهام البعيدة والتشكيكات الغير
السديدة. والله العالم.
الثاني ـ الأشهر
الأظهر عدم اشتراط هذا الشرط في حق المرأة فيجوز لها الاقتداء مع الحائل ، ويدل
على ذلك ـ مضافا الى الأصل والعمومات وعدم ظهور تناول الصحيحة المتقدمة التي هي
الأصل في هذا الحكم لهذه الصورة ـ ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يصلى بالقوم وخلفه دار فيها نساء هل يجوز لهن
أن يصلين خلفه؟ قال نعم ان كان الإمام أسفل منهن. قلت فان بينهن وبينه حائطا أو
طريقا؟ قال لا بأس».
وقال ابن إدريس
في سرائره : وقد وردت رخصة للنساء أن يصلين وبينهن وبين الإمام حائط والأول أظهر
وأصح. ومراده بالأول مساواة النساء للرجال في هذا الشرط ، وهو جيد على أصله الغير
الأصيل.
الثالث ـ لو لم
يشاهد بعض المأمومين الامام وشاهد من يشاهده ولو بوسائط عديدة كفى في صحة القدوة
وإلا بطلت صلاة الصفوف الأخيرة مع كثرة الصفوف حيث انهم لا يشاهدون الامام وهو
معلوم البطلان ، قال في المنتهى : ولا نعرف
__________________
فيه خلافا ، والخبر إنما دل على بطلان القدوة بالحائل والساتر من جدار
ونحوه لا بحيلولة المأمومين بعضهم ببعض. وبالجملة فالأصل وعموم الأدلة يقتضي صحة
القدوة في الصورة المذكورة مضافا الى دعوى الاتفاق على ذلك.
الرابع ـ نقل
عن ابى الصلاح وابن زهرة المنع من حيلولة النهر بين الامام والمأموم ، قال في
المدارك فإن أرادا به ما لا يمكن تخطيه من ذلك كان جيدا لإطلاق صحيحة زرارة
المتقدمة ، وان لم يعتبرا فيه هذا القيد طولبا بالدليل على الإطلاق. وقال في
الذكرى : ومنع أبو الصلاح وابن زهرة من حيلولة النهر لرواية زرارة السالفة وقد
بينا حملها على الاستحباب.
أقول : سيأتي
ان مذهب هذين الفاضلين هو تفسير البعد الموجب لبطلان القدوة بما لا يتخطى وهو الذي
دل عليه الخبر المشار اليه ، وسيأتي في معنى الخبر المذكور انه لا بد من تواصل
الصفوف بعضها مع بعض وهكذا مع الإمام ، بان لا يزيد ما بين موقف الصف الثاني إلى
الصف الذي قدامه على مسقط جسد الإنسان حال سجوده وان هذا هو الحد الذي يتخطى عادة
وما زاد عليه فهو مما لا يتخطى ، ولا ريب ان النهر إذا فصل بين الصفوف أو بين
الامام والصف فقد حصلت الزيادة في المسافة المعتبرة وانتهت الى ما لا يتخطى.
وبذلك يظهر ان
كلامهما هنا يرجع الى ما ذكروه ثمة كما قدمنا نقله عنهما ، وهو جيد عند من عمل
بالخبر المذكور كما يشير اليه كلام صاحب المدارك دون من يتأوله كما يشير اليه كلام
صاحب الذكرى.
الخامس ـ تجوز الصلاة
بين الأساطين مع المشاهدة واتصال الصفوف لقوله عليهالسلام في صحيحة الحلبي «لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا». وقال في كتاب الفقه الرضوي : نقلا عن العالم عليهالسلام قال :
«وقال لا أرى
بالصفوف بين الأساطين بأسا». وهو يشتمل ما لو كانت الأساطين
__________________
معترضة بين الصف الواحد أو بين الصفين. وفيه دلالة على أنه لا يضر الوقوف
خلف الأسطوانة وان كان مانعا من رؤية الإمام إذا رأى المأمومين الذين يرون الإمام
أو من يراه.
وبما ذكرنا صرح
في الذكرى فقال : يجوز الصلاة بين الأساطين مع المشاهدة واتصال الصفوف لقوله (عليهالسلام) : «لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا»
وبذلك يظهر ما
في كلام العلامة (أجزل الله إكرامه) في المنتهى حيث قال : ويكره للمأمومين الوقوف
بين الأساطين لأنها تقطع صفوفهم ، وبه قال ابن مسعود والنخعي وحذيفة وابن عباس ،
ولم يكره مالك وأصحاب الرأي لعدم الدلالة على المنع. والجواب ما رواه الجمهور عن
معاوية بن قرة عن أبيه قال : «كنا ننهى ان نصف بين الأساطين على عهد رسول الله
صلىاللهعليهوآله ونطرد عنها طردا». ولما ذكرناه من قطعها للصف. انتهى.
وظاهره انه لا مستند له في ما ذكره إلا هذه الرواية العامية وهذا التعليل العليل
وغفل عن ملاحظة النص الواضح في نفى البأس عن ذلك.
السادس ـ قال
في الذكرى : لو صلى في داره خلف امام المسجد وهو يشاهد الصفوف صحت قدوته وأطلق
الشيخ ذلك ، والأولى تقييده بعدم البعد المفرط ، قال ولو كان باب الدار بحذاء باب
المسجد أو باب المسجد عن يمينه أو عن يساره واتصلت الصفوف من المسجد الى داره صحت
صلاتهم ، وان كان قدام هذا الصف في داره صف لم تصح صلاة من كان قدامه ، ومن صلى
خلفهم صحت صلاتهم سواء كان على الأرض أو في غرفة منها لأنهم يشاهدون الصف المتصل
بالإمام والصف الذي قدامه لا يشاهدون الصف المتصل بالإمام ، وقد روى «ان أنسا كان يصلى في بيت حميد بن عبد الرحمن بن عوف بصلاة الامام وبينه
وبين
__________________
المسجد طريق» وفيه أيضا دلالة على أن الشارع ليس بحائل (فإن قلت) قد روى عن
النبي صلىاللهعليهوآله «من كان بينه وبين الإمام حائل فليس مع الامام». قلت يحمل على البعد المفرط
أو على الكراهة. انتهى ما ذكره في الذكرى.
أقول : هذا
الكلام من أوله الى آخره مبنى على ما تقدم نقله عنهم من تفسير البعد الموجب لبطلان
القدوة بما قدمنا نقله عن الشيخ في الخلاف والمبسوط وما ذكره الأكثر من الإحالة
إلى العرف ، وقد عرفت ما في الجميع وان الاعتماد في ذلك انما هو على الخبر الصحيح
الصريح الدال على التقدير بما لا يتخطى عادة المفسر في الخبر المذكور بما زاد على
مسقط جسد الإنسان حال السجود. واما ما استند اليه في عدم كون الشارع حائلا من
الخبر العامي فضعفه أظهر من أن يبين ، وتأويله الخبر المروي عنه صلىاللهعليهوآله بما ذكره موقوف على وجود المعارض وليس في المقام ما يعارضه
بل الموجود فيها ما يعضده ويقويه وهو صحيحة زرارة المتقدمة.
وبالجملة فإن
كلماتهم في هذا المقام لكون البناء على غير أساس وثيق القوام مختلة النظام عديمة
الانتظام.
المسألة
الرابعة ـ قال في المدارك : أجمع علماؤنا وأكثر العامة على انه يشترط في الجماعة
عدم التباعد بين الامام والمأموم إلا مع اتصال الصفوف ، وانما الخلاف في حده فذهب
الأكثر الى ان المرجع فيه الى العادة ، وقال في الخلاف حده مع عدم اتصال الصفوف ما
يمنع من مشاهدته والاقتداء بأفعاله ، ويظهر منه في المبسوط جواز البعد بثلاثمائة
ذراع. انتهى.
__________________
أقول : فيه (أولا)
ـ ان الظاهر من كلام العامة ـ على ما نقله بعض محققي متأخري المتأخرين ـ خلاف ما
ذكره (قدسسره) فإنه نقل ان مذهب الشافعية الفرق في ذلك بين المساجد
وغيرها ، قال البغوي في التهذيب : فان تباعدت الصفوف أو بعد الصف الأول عن الامام
نظر ان كانوا جميعا في مسجد واحد صحت صلاتهم مع الامام ، وان بعدوا واختلف بهم
البناء أو كان بين الامام والمأموم حائل. الى ان قال : وان كانوا في غير المسجد
فان كان بين المأموم والامام أو بينه وبين الصف الآخر ثلاثمائة ذراع أو أقل صحت.
انتهى. وهو صريح في عدم اعتبار الصفوف كما زعمه (قدسسره). وقال في شرح المنهاج : واشترطوا ان يجمع الامام
والمأموم المسجد وان بعدت المسافة وحالت الأبنية نافذة أغلق أبوابها أم لا ، وقيل
لا تصح في الإغلاق. وهو كما ترى ظاهر في انهم لم يشترطوا في المساجد غير ذلك من
قرب المسافة أو وجود الصفوف فضلا عن اتصالها لكن لا بد أن يعلم بانتقالات الامام
إما برؤية شخصه أو يسمعه أو يبلغه غيره. ومذهب مالك على ما ذكره العثماني في كتابه
انه إذا صلى في داره بصلاة الامام وهو في المسجد وكان يسمع التكبير صح الاقتداء
إلا في الجمعة فإنها لا تصح إلا في الجامع أو في رحابه إذا كان متصلا به ، وقال
أبو حنيفة يصح الاقتداء في الجمعة وغيرها ، وقال عطاء الاعتبار العلم بصلاة الإمام
دون المشاهدة وعدم الحائل وحكى ذلك عن النخعي والحسن البصري انتهى. ومقتضاه ان أبا حنيفة قائل
__________________
بقول مالك حتى في الجمعة ، وبذلك يظهر ان ما نسبه الى أكثر العامة من
موافقة الأصحاب في ما ذكره ليس في محله وكان ينبغي أن يقول : أجمع أصحابنا خلافا
لأكثر العامة بل جميعهم. على ان ما ادعاه من إجماع أصحابنا على ما ذكره يرده ظاهر
كلام العلامة في المختلف من قوله : والمشهور المنع من التباعد الكثير ، ويستند في
ذلك الى العرف.
و (ثانيا) ان
ما نسبه الى الشيخ في المبسوط من انه يظهر منه جواز البعد بثلاثمائة ذراع ليس في
محله ، وهذه عبارته قال في المبسوط : وحد البعد ما جرت العادة بتسميته بعدا ، وحد
قوم ذلك بثلاثمائة ذراع وقالوا على هذا ان وقف وبينه وبين الإمام ثلاثمائة ذراع ثم
وقف آخر وبينه وبين هذا المأموم ثلاثمائة ذراع ثم على هذا الحساب والتقدير بالغا
ما بلغوا صحت صلاتهم. قالوا وكذلك إذا اتصلت الصفوف في المسجد ثم اتصلت بالأسواق
والدروب والدور بعد أن يشاهد بعضهم بعضا ويرى الأولون الإمام صحت صلاة الكل. وهذا
قريب على مذهبنا ايضا. قال العلامة (قدسسره) ومراده بالقوم هنا بعض الجمهور لانه لا قول لعلمائنا
في ذلك. انتهى. وهو جيد. وقد عرفت قول بعض الجمهور بذلك من ما نقلناه.
وقال في الذكرى
بعد نقل ذلك عنه : يمكن أن يشير الى جميع ما تقدم فيكون رضى بالثلاثمائة ، ويمكن
أن يشير بالقرب الى الفرض الأخير خاصة فلا يكون راجعا الى التقدير بثلاثمائة ذراع
وهو الأنسب بقوله : وحد البعد ما جرت العادة بتسميته بعدا. وقال أبو الصلاح وابن
زهرة لا يجوز أن يكون بين الصفين من المسافة ما لا يتخطى.
والى هذا القول
مال جملة من أفاضل متأخري المتأخرين ، وهو الحق الحقيق بالاتباع لقوله عليهالسلام في صحيحة زرارة المتقدمة «ان صلى قوم وبينهم وبين الامام ما لا يتخطى فليس ذلك الامام لهم بإمام ،
وأى صف كان أهله يصلون بصلاة إمام
__________________
وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة».
وأجاب عنها في
المعتبر بان اشتراط ذلك مستبعد فيحمل على الأفضل. وأجاب عنها في المختلف باحتمال
أن يكون المراد ما لا يتخطى من الحائل لا من المسافة. ورد بالتصريح في الرواية بعد
ذلك بذكر الحائل ، مع ان اللازم من حمله على الحائل المنع من الصلاة خلف الشبابيك
والحائل القصير الذي يمنع من الاستطراق دون المشاهدة وهو لا يقول به.
أقول : ويؤيد
الرواية المذكورة ما رواه في كتاب دعائم الإسلام عن ابى جعفر محمد بن على عليهماالسلام) انه قال : ينبغي للصفوف أن تكون تامة متصلة ويكون بين
كل صفين قدر مسقط جسد الإنسان إذا سجد ، وأى صف كان أهله يصلون بصلاة الامام
وبينهم وبين الصف الذي تقدمهم أزيد من ذلك فليس تلك الصلاة لهم بصلاة. انتهى.
ثم ان العجب
منهم (نور الله مراقدهم) في هذا المقام في ارتكاب هذه التأويلات البعيدة والتمحلات
الشديدة من غير موجب لذلك ، فان ما ذهبوا اليه من الحوالة على العادة لا دليل عليه
غير مجرد تخرصهم وظنهم ، مع ما عرفت في غير مقام من ما تقدم ما في حوالة الأحكام
الشرعية على العرف الذي لا انضباط له بالكلية ، وهل هو إلا رد إلى جهالة لما يعلم
من اختلاف الأقطار والبلدان في هذا العرف فان لكل قطر عرفا على حدة ، ثم انه من
الذي يدعى الوقوف والاطلاع على العرف العام لجميع الناس في جميع الأقطار والأمصار
حتى يرتب عليه حكما شرعيا أو أنه يجب الوقوف في الحكم حتى يحصل تتبع العرف أو أنه
يكتفى بعرف كل بلد وإقليم على حدة ، ما هذه إلا تخرصات ظنية ومجازفات وهمية في
أحكامه سبحانه المبنية على القطع واليقين والعلم «أَتَقُولُونَ عَلَى
اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ»
مع ان
__________________
الخبر المذكور صحيح صريح خال من المعارض دال على الحكم المذكور بأظهر تأكيد
لقوله عليهالسلام زيادة على ما قدمنا ذكره «ينبغي أن تكون الصفوف تامة
متواصلة بعضها الى بعض لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى». و «ينبغي» هنا بمعنى
الوجوب كما استفاض في الأخبار ، وعليه صدر الكلام الى أن قال عليهالسلام أيضا في الخبر «أيما امرأة صلت خلف امام وبينها وبينه
ما لا يتخطى فليس لها تلك بصلاة» وهل وقع في حكم من الأحكام ما وقع في هذا الحكم
من المبالغة بهذا التأكيد التام؟ ما هذا إلا عجب عجيب من هؤلاء الأعلام تجاوز الله
عنا وعنهم في دار المقام.
وبالجملة
فالظاهر عندي من النص المذكور هو وجوب مراعاة هذا المقدار بين الامام والمأمومين
وكذا ما بين المأمومين بعضهم مع بعض ، وظاهر الخبر المذكور انه لا ينبغي أن يكون
بين الصفين زيادة على مسقط جسد الإنسان حال السجود بمعنى أنه يكون سجوده متصلا
بعقب رجلي المتقدم فتكون مسافة البعد من موقف المصلى لا من موضع سجوده ، وقوله عليهالسلام : «يكون قدر ذلك مسقط جسد الإنسان» أي قدر المسافة التي
يحصل بها تواصل الصفوف بعضها الى بعض هذا المقدار. وما ذكرناه ظاهر من عبارة الخبر
المنقول من كتاب الدعائم أتم الظهور.
فرعان
الأول ـ قال في
المدارك : واعلم انه ينبغي للبعيد من الصفوف أن لا يحرم بالصلاة حتى يحرم قبله من
المتقدم من يزول معه التباعد. انتهى. وهو جيد لأنه مع إحرام البعيد بهذا المقدار
قبل إحرام من يزول به البعد يصدق وجود ما لا يتخطى فان وجود المأمومين قبل الدخول
في الصلاة في حكم العدم وحينئذ تبطل القدوة. واحتمال انهم آن وجودهم مريدين الصلاة
وان لم يحرموا في حكم من أحرم معارض بجواز انصرافهم وتركهم الاقتداء أو عروض مانع
منه. إلا ان اعتبار هذا الشرط في غاية الإشكال الآن في حق المأمومين الذين هم في
الأغلب
__________________
الأكثر من الجهال ولكن جهلهم ليس عذرا شرعيا يوجب الخروج عن العمل بأحكام
الملك المتعال.
الثاني ـ لو
حصل البعد المذكور بخروج الصفوف المتخللة بين الامام والمأمومين من الصلاة عن
الاقتداء لانتهاء صلاتهم أو نية الانفراد ، فهل تنفسخ القدوة لحصول البعد حينئذ أم
لا؟ وعلى تقدير الانفساخ هل تعود القدوة بالانتقال الى محل القرب الذي به يزول
البعد بناء على جواز تجديد المؤتم بإمام آخر إذا انتهت صلاة الإمام الأول أم لا؟
ولعل الأظهر ان اشتراط عدم البعد انما هو في ابتداء الصلاة خاصة دون استدامتها ،
كما تقدم نظيره في صلاة الجمعة والعيد من أن اشتراط الجماعة والعدد المشروط فيهما
إنما هو في الابتداء فلو انفض العدد بعد الدخول في الصلاة وجب الإتمام جمعة ولو لم
يبق إلا الإمام خاصة.
المسألة
الخامسة ـ من الشرائط أيضا في صحة الجماعة عدم علو الامام بما يعتد به من الابنية
ونحوها بل إما أن يكون مساويا للمأموم أو أخفض منه ، ولا بأس بذلك في المأموم
ويستثني من ذلك العلو في الأرض المنبسطة لو قام الإمام في المكان الأعلى منها.
والأصل في هذه
الأحكام ما رواه ثقة الإسلام والصدوق والشيخ في الموثق عن عمار عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يصلى بقوم وهم في موضع أسفل من
موضعه الذي يصلى فيه؟ فقال ان كان الامام على شبه الدكان أو على موضع أرفع من
موضعهم لم تجز صلاتهم ، وان كان أرفع منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقل إذا كان
الارتفاع ببطن مسيل ، فان كان أرضا مبسوطة وكان في
__________________
موضع منها ارتفاع فقام الإمام في الموضع المرتفع وقام من خلفه أسفل منه
والأرض مبسوطة إلا انهم في موضع منحدر فلا بأس به. وسئل فإن قام الإمام أسفل من
موضع من يصلى خلفه؟ قال لا بأس. قال وان كان رجل فوق بيت أو غير ذلك دكانا كان أو
غيره وكان الامام يصلى على الأرض أسفل منه جاز للرجل أن يصلى خلفه ويقتدى بصلاته
وان كان أرفع منه بشيء كثير».
قوله : «إذا
كان الارتفاع ببطن مسيل» في الكافي ، وفي غيره «إذا كان الارتفاع بقدر شبر» وطعن السيد السند في المدارك في هذه الرواية
بأنها ضعيفة السند متهافتة المتن قاصرة الدلالة فلا يسوغ التعويل عليها في إثبات
حكم مخالف للأصل ، قال ومن ثم تردد فيه المصنف (رحمة الله عليه) وذهب الشيخ في
الخلاف إلى كراهة كون الإمام أعلى من المأموم بما يعتد به كالأبنية وهو متجه.
انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول : ومما ورد
في المسألة أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان ـ وهو ممن أجمعت العصابة على
تصحيح ما يصح عنه ـ عن محمد بن عبد الله وهو مجهول عن الرضا عليهالسلام قال : «سألته عن الامام يصلى في موضع والذين خلفه يصلون
في موضع أسفل منه أو يصلى في موضع والذين خلفه في موضع أرفع منه؟ فقال يكون مكانهم
مستويا».
وما رواه على
بن جعفر (رضى الله عنه) في كتاب المسائل عن أخيه موسى ابن جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل هل يحل له أن يصلى خلف الامام
فوق دكان؟ قال إذا كان مع القوم في الصف فلا بأس».
أقول : قضية
الجمع بين هذه الأخبار هو المنع من علو الامام كما دلت عليه الموثقة المذكورة ، إذ
لا معارض لها في البين وطرحها من غير معارض مشكل وجواز علو المأموم كما دل عليه
خبر على بن جعفر ، والظاهر انه مما لا خلاف فيه كما يظهر من المنتهى حيث انه أسنده
إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وأفضلية
__________________
المساواة بحمل خبر محمد بن عبد الله المذكور على ذلك جمعا بين الأخبار
المذكورة.
وحمل العلامة
في المختلف كلام الشيخ في الخلاف على أنه انما قصد به التحريم وهو غير بعيد. إلا
ان ظاهر كلام المحقق في المعتبر ان الشيخ في الخلاف انما استند في ما ذكره من
الكراهة إلى رواية سهل قال : «رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله على المنبر فكبر وكبر الناس وراءه ثم ركع وهو على
المنبر ثم رجع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ ثم أقبل على
الناس فقال أيها الناس فعلت كذا لتأتموا ولتعلموا صلاتي». ثم أجاب في المعتبر بمنع
الرواية (أولا) وبالحمل على علو لا يعتد به كالمرقاة السفلى (ثانيا) وبجواز كونه
من خواصه صلىاللهعليهوآله (ثالثا) وزاد العلامة فقال : ولانه لم يتم الصلاة على المنبر فان سجوده
وجلوسه انما كان على الأرض بخلاف ما وقع فيه الخلاف ، أو لأنه صلىاللهعليهوآله علمهم الصلاة ولم يعتدوا بها. انتهى.
أقول : ربما
أشعر تكلف هذه الأجوبة عن الخبر المذكور بثبوته عندهم إلا ان يحمل على التنزل بعد
تسليم صحته وهو الأقرب ، فإن الظاهر ان الخبر المذكور ليس من طرقنا ولا من
أخبارنا. وكيف كان فالظاهر ان الشيخ إنما ذهب الى الكراهة جمعا بين ما دل عليه هذا
الخبر من الجواز كما يعطيه استدلاله به وما دلت عليه موثقة عمار من المنع فجعل وجه
الجمع بينهما حمل خبر عمار على الكراهة ، ومنه يظهر بعد ما ذكره العلامة في
المختلف من حمل الكراهة في عبارته على التحريم.
ثم انه في
المختلف نقل عن ابن الجنيد أنه قال لا يكون الإمام أعلى في مقامه بحيث لا يرى
المأموم فعله إلا أن يكون المأمومون أضراء ، فإن فرض البصراء الاقتداء بالنظر وفرض
الأضراء الاقتداء بالسماع إذا صح لهم التوجه. ثم استدل للقول المشهور بالموثقة
المتقدمة ثم قال وهو شامل للبصراء والأضراء.
هذا. وقد استدل
في الذكرى للقول المشهور زيادة على الموثقة المذكورة
__________________
بما روى «ان عمارا (رضى الله عنه) تقدم للصلاة على دكان والناس أسفل منه فقدم حذيفة
(رضى الله عنه) فأخذ بيده حتى أنزله فلما فرغ من صلاته قال له حذيفة ألم تسمع رسول
الله صلىاللهعليهوآله يقول إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من
مقامهم؟ قال عمار فلذلك اتبعتك حين أخذت على يدي». قال وروى ايضا «ان حذيفة أم الناس بالمدائن على دكان فأخذ عبد الله بن مسعود بقميصه فجذبه
فلما فرغ من صلاته قال ألم تعلم انهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال بلى ذكرت حين جذبتني».
والظاهر ان هذين الخبرين من روايات العامة أو من الأصول التي وصلت اليه ولم تصل
إلينا.
فروع
الأول ـ اختلف
الأصحاب (رضى الله عنهم) في مقدار العلو المانع من صحة القدوة فقيل انه القدر
المعتد به وانه لا تقدير له إلا بالعرف ، وهو قول الأكثر ومنهم الشهيد في الذكرى
والعلامة في بعض كتبه ، وقيل قدر شبر ، وقيل ما لا يتخطى وبه صرح العلامة في
التذكرة ، قال لو كان العلو يسيرا جاز إجماعا وهل يتقدر بشبر أو بما لا يتخطى؟
الأقرب الثاني. والظاهر انه بنى في ذلك على صحيحة زرارة المتقدمة.
قال في الذكرى
: لا تقدير للعلو إلا بالعرف وفي رواية عمار «ولو كان أرفع منهم بقدر إصبع إلى شبر فان كان أرضا مبسوطة وكان في موضع
فيه ارتفاع فقام الإمام في المرتفع وقام من خلفه أسفل منه إلا انه في موضع منحدر
فلا بأس». وهي تدل بمفهومها على ان الزائد على شبر ممنوع وأما الشبر فيبني على
دخول الغاية في المغني وعدمه. انتهى.
__________________
أقول : وهذا
الموضع من ما طعن به على الرواية بأنها متهافتة فإنه لا يخفى ما في عبارة الخبر من
القصور عن تأدية هذا المعنى الذي ذكره هنا.
الثاني ـ لو
وقف الامام على الموضع الأعلى بما يعتد به صحت صلاته وبطلت صلاة المأموم لأنه منهي
عن الاقتداء به في هذه الحال ، وأما الامام فلا وجه لبطلان صلاته ، والنهى عن
قيامه في الموضع المذكور انما هو لأجل صحة صلاة المأموم لا لأجل صحة صلاته. ونقل
عن بعض العامة القول ببطلان صلاة الإمام أيضا لأنه منهي عن القيام على مكان أعلى
من مكان المأمومين وفيه ما عرفت.
الثالث ـ قال
في المدارك : لو صلى الامام على سطح والمأموم على آخر وبينهما طريق صح مع عدم
التباعد وعلو سطح الامام. انتهى.
أقول : قد عرفت
من ما قدمنا ان المستفاد من خبر زرارة وكذا من خبر كتاب الدعائم انه لا بد من
اتصال الصفوف بالإمام والصفوف بعضها ببعض بحيث لا يكون بينهم أزيد من مسقط جسد
الإنسان حال سجوده ، وحينئذ فالطريق التي بين السطحين متضمنة لزيادة المسافة على
القدر المذكور ، وبه يظهر الإشكال في الحكم بالصحة في الصورة المفروضة إلا أن
تعتبر مسافة التقدير بما لا يتخطى من موضع سجود المأموم ، والظاهر أنه ليس كذلك بل
المسافة إنما هي من موقفه الى موقف من قدامه فإنه هو الذي به يحصل تواصل الصفوف
المأمور به في الخبر ، ورواية كتاب الدعائم كما تقدم صريحة في ما ذكرناه.
وظاهر الأصحاب
ان هذا الحكم اعنى تواصل الصفوف على الوجه المذكور
__________________
انما هو على سبيل الاستحباب ، قال في الذكرى : يستحب تقارب الصفوف فلا يزيد
ما بينها على مسقط الجسد إذا سجد ، رواه زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام وقدر ايضا بمريض عنز ذكره في المبسوط. انتهى.
أقول : لا ريب
ان تصريحهم بالاستحباب هنا مبنى على حملهم الخبر في ما يدل عليه من النهى عن البعد
بما لا يتخطى على الاستحباب كما تقدم ذكره واعتمادهم في تقدير البعد على ما تقدم
نقله عنهم من الأقوال ، وأما من يجعل البعد الموجب لبطلان القدوة هو ما دل عليه
الخبر فلا إشكال عنده في صحة ما ذكرنا ، وبه يظهر ما في كلام صاحب المدارك حيث انه
ممن يقول بما دل عليه الخبر المذكور ظاهرا وان كان كلامه غير صريح في ذلك مع قوله
هنا بصحة الصلاة على السطحين اللذين بينهما طريق فاصلة ، فان القول بالصحة هنا لا
يجامع ما دل عليه الخبر كما أوضحناه وانما يتم بناء على القول المشهور من تحديد
البعد بما تقدم نقله عنهم. والله العالم.
المسألة
السادسة ـ من الشرائط في صحة القدوة أن لا يتقدم المأموم في الموقف على الامام
بمعنى أن يكون أقرب الى القبلة من الامام ، قال في المدارك : هذا قول علمائنا أجمع
ووافقنا عليه أكثر العامة ثم احتج عليه بان المنقول من فعل النبي صلىاللهعليهوآله والأئمة عليهمالسلام إما تقدم الإمام أو تساوى الموقفين فيكون الإتيان بخلافه
خروجا عن المشروع ، ولأن المأموم مع التقدم يحتاج الى استعلام حال الامام
بالالتفات الى ما وراءه وذلك مبطل. انتهى.
__________________
والتعليل الأول
جيد لأن مرجعه الى أن العبادات توقيفية فيرجع في كيفيتها صحة وبطلانا الى ما ثبت
من الشارع فما ثبت التعبد به حكم بصحته وإلا فلا ، إلا انه ينقض عليهم بما قدمنا
ذكره في مسألة صلاة المأموم الواحد مع الامام حيث جعلوا موقفه على يمينه من المستحبات
وجوزوا كونه خلفه وعن يساره ، والأخبار الواردة في المسألة كلها متفقة على كون
المأموم المتحد موقفه عن يمين الامام والأكثر خلفه ، وقضية التعليل المذكور في هذه
المسألة جار في تلك المسألة كما عرفت فكيف عدلوا عنه ثمة من غير دليل؟
وكيف كان فظاهر
كلامهم انهم لم يقفوا على دليل من الأخبار زائدا على ما ذكروه هنا من هذا الدليل
المؤيد باتفاقهم.
ويمكن أن يستدل
على ذلك بصحيحة محمد بن عبد الله الحميري المروية في التهذيب قال : «كتبت الى الفقيه عليهالسلام اسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة عليهمالسلام هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند
قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن
يتقدم القبر ويصلى ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : أما السجود
على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة بل يضع خده الأيمن على القبر ،
وأما الصلاة فإنها خلفه يجعله الامام ولا يجوز أن يصلى بين يديه لأن الإمام لا
يتقدم ويصلى عن يمينه وشماله».
والتقريب فيها
انه عليهالسلام جعل القبر الشريف بمنزلة إمام الجماعة في الأحكام
المذكورة فكما لا يجوز التقدم على الإمام في الجماعة لا يجوز التقدم في الصلاة على
القبر الشريف ، وكما يجوز التأخر والمساواة هناك فإنهما يجوزان هنا.
وقد سبقنا الى
فهم هذا المعنى من الخبر شيخنا البهائي عطر الله مرقده) في كتاب الحبل المتين حيث
قال ما صورته : هذا الخبر يدل على عدم جواز وضع
__________________
الجبهة على قبر الامام عليهالسلام. الى أن قال : وعلى عدم جواز التقدم على الضريح المقدس
حال الصلاة ، لأن قوله عليهالسلام «يجعله الامام» صريح في جعل القبر بمنزلة الإمام في الصلاة ، فكما أنه لا
يجوز للمأموم أن يتقدم على الإمام بأن يكون موقفه أقرب الى القبلة من موقف الامام
بل يجب أن يتأخر عنه أو يساويه في الموقف يمينا أو شمالا فكذا هنا ، وهذا هو
المراد هنا بقوله عليهالسلام «لا يجوز أن يصلى بين يديه لأن الإمام لا يتقدم ويصلى عن يمينه وشماله»
والحاصل ان المستفاد من الحديث ان كل ما ثبت للمأموم من وجوب التأخر عن الإمام أو
المساواة أو تحريم التقدم عليه فهو ثابت للمصلي بالنسبة إلى الضريح المقدس من غير
فرق فينبغي لمن صلى عند رأس الإمام أو عند رجليه أن يلاحظ ذلك. انتهى المقصود نقله
من كلامه (أفاض الله تعالى عليه رواشح إكرامه) وهو جيد رشيق كما لا يخفى على ذوي
التحقيق ، ومنه يظهر الدليل على الحكم المذكور وان غفل عنه الجمهور.
بقي الكلام هنا
في مواضع (الأول) ـ ان ظاهر كلام أكثر الأصحاب (رضوان الله عليهم أنه يجوز
المساواة مع تعدد المأمومين ، بل نقل عن العلامة في التذكرة دعوى الإجماع على ذلك
وان الممنوع منه انما هو التقدم على الامام ، ونقل عن ابن إدريس هنا انه اعتبر
تأخر المأموم ولم يكتف بالتساوي ، قال في المدارك : وهو مدفوع بالأصل السالم من
المعارض وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام قال : «الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه فان
كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه». ونحوه روى زرارة قال : دلت الروايتان على استحباب وقوف المأموم الواحد
عن يمين الإمام أو وجوبه ولو وجب التأخر لذكره إذ المقام مقام البيان. انتهى.
أقول : قد تقدم
في المسألة الثانية النقل عن ابن إدريس في صورة اتحاد
__________________
المأموم أنه أوجب أيضا تقدم الامام بقليل ، وظاهر النقل عنه في هذه المسألة
أنه مع التعدد أيضا أوجب تقدم الامام.
والتحقيق في
المقام بالنظر الى ما يفهم من أخبارهم عليهمالسلام التي عليها المدار في النقض والإبرام ان ما ذكره ابن
إدريس في هذه المسألة جيد دون ما ذكره في المسألة المتقدمة ، لما عرفت في المسألة
المتقدمة من تكاثر الأخبار واستفاضتها بأنه متى كان المأموم متحدا فموقفه عن يمين
الامام والمتبادر منه المحاذاة وان كانوا أكثر فموقفهم خلفه ، وقد عرفت من ما
قدمنا في المسألة المذكورة تطابق الأخبار على ذلك ، وحينئذ فحكمهم بالاستحباب في
كل من الموقفين ـ مع دلالة ظواهر الأخبار على الوجوب من غير معارض سوى مجرد الشهرة
بينهم ـ تحكم محض ، وبه يظهر قوة ما ذكره ابن إدريس هنا. وما استدل به عليه في
المدارك من الأخبار الدالة على صورة وحدة المأموم ليس في محله إذ هو أخص من المدعى
، فان المدعى أنه هل تجوز المساواة تعدد المأموم أو اتحد أم لا؟ والبحث هنا انما
هو في هذه المسألة والروايات إنما دلت على جواز المساواة مع الاتحاد كما قدمناه في
تلك المسألة. وأما ما يدل على الجواز مع التعدد فلم يرد في شيء من الأخبار بل
الوارد فيها إنما هو وجوب التأخر خلف الامام كما تقدم ، فكلام ابن إدريس في صورة
تعدد المأموم حق لا ريب فيه.
وبالجملة
فالمستفاد من الأخبار كما عرفت هو كون المأموم متى كان رجلا واحدا فموقفه على يمين
الامام ومتعددا خلفه ، وما ذكروه من جواز خلاف ذلك فلم نقف فيه على دليل ، ومقتضى
دليلهم الذي قدمنا ذكره في صدر هذه المسألة كما أشرنا إليه هو عدم الجواز كما لا
يخفى.
الثاني ـ قال
في المدارك : وقد نص الأصحاب على أن المعتبر التساوي بالأعقاب فلو تساوى العقبان
لم يضر تقدم أصابع رجل المأموم أو رأسه ، ولو تقدم بعقبة على الامام لم ينفعه
تأخره عنه بأصابعه أو رأسه ، واستقرب العلامة في
النهاية اعتبار التقدم بالعقب والأصابع معا ، وصرح بأنه لا يقدح في التساوي
تقدم رأس المأموم في حالتي الركوع والسجود ومقاديم الركبتين أو الاعجاز في حال
التشهد. والنص خال من ذلك كله. ولو قيل ان المرجع في التقدم المبطل الى العرف كان
وجيها قويا. انتهى.
أقول : روى في
كتاب دعائم الإسلام عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : «سووا صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم ولا تخالفوا
بينها فتختلفوا ويتخللكم الشيطان. الحديث». وهو ظاهر في ان التساوي في الموقف يحصل
بتحاذي المناكب فإذا وقع المنكب بحذاء المنكب فقد حصل التساوي في الموقف ولهذا رتب
اعتدال الصفوف واستقامتها على ذلك ، وعلى هذا فلا يحتاج الى ما تكلفوه هنا من ما
لم يقم عليه دليل في المقام.
واما ما اختاره
من الحوالة على العرف فقد عرفت في غير مقام من ما تقدم ولا سيما ما تقدم قريبا ما
في حوالة الأحكام الشرعية على العرف من المجازفة بل الاختلال مضافا الى عدم وجود
الدليل عليه من الآل عليهم صلوات ذي الجلال.
واما ما ذكره
من عدم ورود نص في هذا المقام فهو وان كان كذلك إلا ان المستفاد من النصوص التي
قدمناها في المقدمة السادسة في المكان في مسألة محاذاة الرجل للمرأة جوازا ومنعا
ما به يعلم التساوي والتقدم ، فان المستفاد من تلك الأخبار كما قدمنا تحقيقه في
تلك المسألة المذكورة هو تحريم محاذاة المرأة للرجل حال الصلاة وانه لا بد من تقدم
الرجل عليها ، وانه يحصل التقدم بنحو شبر كما في صحيحة معاوية بن وهب عن ابى عبد
الله عليهالسلام «انه سأله عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد فقال إذا كان بينهما قدر
شبر صلت بحذائه وحدها وهو وحده لا بأس». والمراد تقدم الرجل بالشبر ، وفي بعض
الأخبار «بقدر عظم الذراع» .
__________________
وفي بعض «قدر ما يتخطى» وفي موثقة عبد الله بن بكير قال : «إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس». بمعنى ان
موضع سجودها يحاذي ركبتيه ، وفي صحيحة لزرارة «لا تصلى المرأة بحيال الرجل إلا ان يكون قدامها ولو بصدره». وهذه الرواية
قريبة من ما ذكره الأصحاب من بناء ذلك على التقدم بالأعقاب ، فإنه متى تقدم الرجل
بعقبة لزم تقدم صدره إلى القبلة على صدر من يحاذيه ممن كان متأخرا عنه بالمقدار
المذكور.
وبالجملة
فالمفهوم من هذه الروايات انه متى حصل تقدم الرجل بأحد هذه المقادير زالت المحاذاة
وهي وان كانت متفاوتة لكن التفاوت يسير ، وأقل مراتبها التقدم بالصدر وبعده بالشبر
، وفي معناه سجودها مع ركوعه ثم عظم الذراع ثم بما يتخطى الذي قد عرفت آنفا انه
عبارة عن مسقط جسد الإنسان حال السجود. والله العالم
الثالث ـ اختلف
الأصحاب (رضوان الله عليهم في جواز استدارة المأمومين حول الكعبة في المسجد الحرام
، فقل عن ابن الجنيد القول بجواز ذلك بشرط أن لا يكون المأموم أقرب الى الكعبة من
الامام ، وبه قطع الشهيد في الذكرى محتجا بالإجماع عليه عملا في كل الأعصار
السالفة ، ونقل عن العلامة في جملة من كتبه منع ذلك ، وأوجب وقوف المأموم في
الناحية التي فيها الامام بحيث يكون خلفه أو الى جانبه كما في غير المسجد ، واحتج
عليه في المنتهى بان موقف المأموم خلف الإمام أو الى جانبه وهو انما يحصل في جهة
واحدة فصلاة من غايرها باطلة ، وبان المأموم مع الاستدارة إذا لم يكن واقفا في جهة
الإمام يكون واقفا بين يديه فتبطل صلاته.
__________________
أقول : لم أقف
في هذا المقام على نص عنهم عليهمالسلام وطريق الاحتياط في ما ذهب إليه العلامة (أجزل الله
تعالى إكرامه) والله العالم.
المسألة
السابعة ـ من الشرائط في صحة القدوة نية الائتمام بإمام معين ، فلو نوى كل منهما
الإمامة صحت صلاتهما معا ، بخلاف ما لو نوى كل منهما الائتمام بالآخر فإنه يجب
الحكم ببطلان صلاتهما معا ، وكذا في ما لو شكا في ما أضمراه من الإمامة والائتمام.
وتفصيل هذا
الإجمال يحتاج إلى بسطه في مقامات ثلاثة (الأول) في وجوب نية الائتمام بإمام معين ،
أما وجوب نية الائتمام فلأنه بدون ذلك يكون منفردا يجب عليه ما يجب على المنفرد ،
وهو من ما لا خلاف فيه حتى قال في المنتهى انه قول كل من يحفظ عنه العلم. وأما قصد
تعيين الامام فالظاهر ايضا انه من ما لا خلاف فيه.
واستدلوا على
ذلك بعدم الدليل على سقوط القراءة بدون ذلك فتكون العمومات الدالة على وجوب
القراءة باقية على عمومها بالنسبة اليه. ولا يخفى ما فيه إلا ان الحكم لما كان من
ما ظاهرهم الاتفاق عليه مع معلومية ذلك من حال السلف من أصحابنا (رضوان الله عليهم
مضافا الى توقف يقين البراءة عليه ورجوع الاحتياط اليه فيجب العمل به.
وتعيين الامام
كما يكون باسمه وصفته يكون أيضا بالإشارة إليه بهذا الحاضر إذا علم استجماعه
لشرائط الإمامة.
ولو اقتدى
بالحاضر على انه زيد فبان انه عمرو مثلا ففي ترجيح الإشارة على الاسم فيصح
الاقتداء أو العكس فيبطل نظر ، بمعنى انه لاحظ في حال النية هذا الحاضر مع كونه
زيدا فبالنظر الى قيد الحضور وظهور كونه عمرا يصح من حيث أنه هو الحاضر وبالنظر
الى نية كونه زيدا مع ظهور انه ليس هو يبطل ، والحق ان منشأ النظر والتوقف انما هو
من حيث عدم النص والدليل في المسألة ، قال في الذكرى : ونظيره أن يقول المطلق
لزوجة اسمها عمرة «هذه زينب طالق» أو يشير البائع إلى
حمار فيقول «بعتك هذا الفرس».
وهل يشترط في
الإمام نية الإمامة؟ ظاهر الأصحاب العدم ، بل قال العلامة لو صلى بنية الانفراد مع
علمه بان من خلفه يأتم به صح عند علمائنا ، لأن أفعال الإمام مساوية لأفعال
المنفرد في الكيفية والأحكام فلا وجه لاعتبار تمييز أحدهما عن الآخر. وهو جيد.
وظاهرهم ـ بل
صرح به جملة منهم ـ ان الثواب لا يترتب على صلاة الإمام إلا مع النية ، ولو تحققت
القدوة به وهو لا يعلم حتى فرغ من الصلاة فهل يكون الحكم فيه كالحكم في من نوى
الانفراد فلا يترتب عليه الثواب أو حكم من نوى الجماعة فيترتب؟ إشكال إلا انه لا
يبعد من سعة كرمه سبحانه وفضله وإحسانه جل شأنه امداده بالثواب وإدخاله في سعة تلك
الأبواب.
وفي وجوب نية
الإمامة في الجماعة الواجبة احتمالات ، استظهر جملة من أصحابنا العدم ، إذ المعتبر
فيها تحقق القدوة في نفس الأمر وهي حاصلة ، وجزم الشهيدان بالوجوب لوجوب نية
الواجب. وفيه بحث تقدم في باب الوضوء من كتاب الطهارة في بحث النية.
المقام الثاني
ـ في ما لو صلى اثنان فقال كل منهما كنت الإمام فإنه يحكم بصحة صلاتهما ، ولو قال
كل منهما كنت مأموما بطلت صلاة كل منهما.
والوجه في
الأول ان كلا منهما اتى بجميع الأفعال الواجبة من قراءة وغيرها ولم يخل بشيء من
الواجبات فلا وجه لبطلان صلاته ، ونية الإمامة لا منافاة فيها لصحة صلاة المنفرد
فلا تؤثر بطلانا. وفي الثاني انه أخل كل منهما بالقراءة الواجبة فتبطل صلاته.
والأصل في ذلك
مضافا الى ما ذكرناه من ما هو واضح الدلالة على الحكم المذكور ما رواه الشيخ عن
السكوني عن ابى عبد الله عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام عن
على صلوات الله عليه) «انه قال في رجلين اختلفا فقال أحدهما كنت امامك وقال الآخر انا كنت إمامك
ان صلاتهما تامة. قال قلت : فان قال كل واحد منهما كنت أئتم بك؟ فقال صلاتهما
فاسدة وليستأنفا». ورواه الصدوق في الفقيه عن على عليهالسلام مرسلا .
ونقل عن المحقق
الشيخ على (قدسسره) انه استشكل في البطلان في الصورة الثانية ، قال لان
اخبار كل منهما بالائتمام بالآخر يتضمن الإقرار على الغير فلا يقبل كما لو أخبر
الإمام بعد الصلاة بفسادها بغير ذلك. وأجيب عنه بأنه غير مسموع في مقابلة النص
الدال على البطلان.
قال في المدارك
: وهو جيد لو كانت الرواية صالحة لا ثبات هذا الحكم لكنها ضعيفة جدا. أقول : لا
ريب انها وان كانت ضعيفة بهذا الاصطلاح المحدث إلا ان ضعفها مجبور بعمل الأصحاب
بها ، إذ لا مخالف في الحكم المذكور ، وهو (قدسسره) قد جرى على هذه القاعدة في غير موضع من كتابه وان خالف
نفسه في مواضع أخر كما هنا. وبالجملة فإن الخبر معمول عليه بالاصطلاحين فالخروج عن
ما دل عليه بهذه التخريجات اجتهاد محض في مقابلة النص.
واما ما ذكره
في المدارك ـ حيث قال : ويمكن أن يقال ان من شرائط الائتمام أن يظن المأموم قيام
الإمام بوظائف الصلاة التي من جملتها القراءة وسبقه بتكبيرة الإحرام ، فإن دخل كل
منهما في الصلاة على هذا الوجه كان دخولهما مشروعا واتجه عدم قبول اخبار كل منهما
بما ينافي ذلك كما في صورة الإخبار بالحدث ، وان انتفى ذلك تعين الحكم بالبطلان
وان لم يحصل الإخبار ، وعلى هذا الوجه يمكن تنزيل
__________________
الرواية وكلام الأصحاب. انتهى ـ
ففيه ان ما
ذكره الشيخ على (قدسسره) لا يخرج عن ما ذكره من الدخول على الوجه الشرعي ، إلا
ان ما ذكره من اتجاه عدم قبول اخبار كل منهما بما ينافي ذلك ممنوع بالخبر المذكور.
وقياسه على صورة الاخبار بالحدث قياس مع الفارق ، إذ من الجائز خروج هذا الجزئي
بهذا الخبر من تلك القاعدة ، وكم وقع أمثال ذلك في القواعد الشرعية والضوابط
المرعية من انه ترد اخبار بقاعدة كلية ويرد في بعض الأخبار في بعض جزئياتها ما
يوجب التخصيص والاستثناء مع اتفاقهم على ذلك من غير تناكر ، فما لمانع أن يكون ما
نحن فيه من قبيل ذلك؟ وقد اتفقت الروايات وكلمة الأصحاب على ان كل شيء على أصل
الطهارة حتى تعلم النجاسة وعلى عدم نقض اليقين بالشك ، مع انهم قد خرجوا عن هاتين
القاعدتين في مواضع : منها البلل المشتبه بعد البول قبل الاستبراء فقد حكموا
بنجاسته ونقضه الطهارة وهو خروج عن القاعدتين المذكورتين ، ونحوه البلل المشتبه
بعد الجنابة وقبل البول من الحكم بنجاسته ونقضه للطهارة ، وأمثال ذلك مما يقف عليه
المتتبع. وبالجملة فالعمل على القول المشهور وعدم الالتفات الى هذه التخريجات
والاستبعادات في مقابلة النصوص.
قال في المدارك
: ولا يخفى ان وقوع الاختلاف على هذا الوجه نادر جدا فإنه لا يكاد يتحقق إلا في
حال التقية والائتمام بثالث ظاهرا.
المقام الثالث
ـ في ما لو شكا في ما أضمراه من الإمامة أو الائتمام ، وقد صرح جملة من الأصحاب (رضوان
الله عليهم) بأنه لا تصح صلاتهما في هذه الحال ، قالوا : لأن الشك ان كان في أثناء
الصلاة لم يمكنهما المضي على الائتمام وهو ظاهر ، ولا على الانفراد أو الإمامة
لجواز أن يكون كل واحد منهما قد نوى الائتمام بصاحبه فتبطل النية من رأسها ويمتنع
العدول لبطلان النية ، وان كان بعد الفراغ لم يحصل منهما اليقين بالإتيان بأفعال
الصلاة.
وفصل العلامة
في التذكرة فقطع بالبطلان ان عرض الشك في أثناء الصلاة
لأنه لا يمكنهما المضي في الصلاة على الانفراد ولا على الاجتماع ، وتردد في
ما إذا شكا بعد الفراغ من انه شك بعد الانتقال ، ومن عدم اليقين بالإتيان بأفعال
الصلاة.
وفصل الشهيد في
الذكرى تفصيلا آخر فقال : يمكن أن يقال ان كان الشك في الأثناء وهو في محل القراءة
لم يمض ما فيه إخلال بالصحة نوى الانفراد وصحت الصلاة ، لأنه ان كان نوى الإمامة
فهي نية الانفراد وان كان نوى الائتمام فالعدول عنه جائز ، وان كان بعد مضى محل
القراءة فإن علم انه قرأ بنية الوجوب أو علم القراءة ولم يعلم بنية الندب انفرد
ايضا لحصول الواجب عليه ، وان علم ترك القراءة أو القراءة بنية الندب أمكن البطلان
للإخلال بالواجب.
واعترضه في
المدارك بأنه يشكل بما ذكرناه من جواز أن يكون كل منهما قد نوى الائتمام بصاحبه
فتبطل الصلاة ويمتنع العدول. انتهى.
أقول : والحق
في المقام ان المسألة المذكورة لما كانت عارية عن النصوص عنهم (عليهمالسلام) فالواجب الوقوف فيها على ساحل الاحتياط كما أشرنا إليه
في جملة من المواضع وعدم الالتفات الى هذه التخريجات والاحتمالات سيما مع ما هي
عليه من التدافع. والله العالم.
المسألة
الثامنة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في القراءة خلف الامام على أقوال
منتشرة وآراء متعددة حتى قال شيخنا الشهيد الثاني (قدسسره) في الروض انه لم يقف في الفقه على خلاف في مسألة يبلغ
ما وقع في هذه المسألة ، وها نحن ننقل أولا ما وصل إلينا من أقوالهم (رضوان الله
عليهم) ثم نردفها بما وصل إلينا من الأخبار في المقام مذيلين لها بما يرتفع به ان
شاء الله تعالى عنها غشاوة الإبهام من التحقيق الذي لا يخفى على ذوي الأفهام ،
فنقول مستمدين منه عزوجل التوفيق لأصالة الصواب والعصمة من زلل أقدام الأقلام في
هذا الباب وفي كل باب :
قال الصدوق (قدسسره) في المقنع : واعلم ان على القوم في الركعتين الأولتين
أن يستمعوا الى قراءة الامام ، وإذا كان في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة
سبحوا ، وعليهم في الركعتين الأخراوين أن يسبحوا.
وقال المرتضى (رضى
الله عنه) لا يقرأ المأموم خلف الموثوق به في الأولتين في جميع الصلوات من ذوات
الجهر والإخفات إلا أن تكون صلاة جهر لم يسمع فيها المأموم قراءة الإمام فيقرأ كل
واحد لنفسه ، وهذا أشهر الروايات ، وروى أنه لا يقرأ في ما جهر فيه الامام وتلزمه
القراءة في ما يخافت فيه الامام ، وروى انه بالخيار في ما يخافت فيه. وأما
الأخيرتان فالأولى أن يقرأ المأموم أو يسبح فيهما ، وروى انه ليس عليه ذلك.
وقال الشيخ في
النهاية : إذا تقدم من هو بشرائط الإمامة فلا تقرأن خلفه جهرية أو إخفاتية بل تسبح
مع نفسك وتحمد الله ، وان كانت جهرية فأنصت للقراءة ، فإن خفي عليك قراءة الامام
وقرأت لنفسك ، وان سمعت مثل الهمهمة من قراءة الإمام جاز لك ان لا تقرأ وأنت مخير
في القراءة ، ويستحب أن تقرأ الحمد وحدها في ما لا يجهر الإمام بالقراءة فيها وان
لم تقرأها فليس عليك شيء.
وقال ابن
البراج : ومتى أم من يصح تقدمه بغيره في صلاة جهر وقرأ فلا يقرأ المأموم بل يسمع
قراءته ، وان كان لا يسمع قراءته كان مخيرا بين القراءة وتركها ، وان كانت صلاة
إخفات استحب للمأموم أن يقرأ فاتحة الكتاب وحدها ويجوز أن يسبح الله ويحمده.
وقال أبو
الصلاح : ولا يقرأ خلفه في الأولتين من كل صلاة ولا في الغداة إلا أن يكون بحيث لا
يسمع قراءته ولا صوته في ما يجهر فيه فيقرأ ، وهو في الأخيرتين من الرباعيات
وثالثة المغرب بالخيار بين قراءة الحمد والتسبيح ، والقراءة أفضل.
وقال ابن حمزة
: فالواجب أربعة أشياء. وعد منها الإنصات لقراءته ، ثم قال : وإذا اقتدى بالإمام
لم يقرأ في الأولتين ، فإن جهر الامام وسمع أنصت وان خفي عليه قرأ وان سمع مثل
الهمهمة فهو مخير ، وان خافت الامام سبح في نفسه ، وفي الأخيرتين ان قرأ كان أفضل
وان لم يقرأ جاز وان سبح كان أفضل من السكوت
وقال سلار في
قسم المندوب : ولا يقرأ المأموم خلف الامام ، وروى ان ترك القراءة في صلاة الجهر
خلف الامام واجب فان ثبت وإلا ثبت الأول.
وقال ابن زهرة
: ويلزم المؤتم أن يقتدى بالإمام عزما وفعلا فلا يقرأ في الأولتين من كل صلاة ولا
في الغداة إلا ان تكون صلاة جهر وهو لا يسمع قراءة الامام ، واما الآخرتان وثالثة
المغرب فحكمه فيها حكم المنفرد.
قال في الذكرى
: وهذه العبارة وعبارة أبي الصلاح تعطى وجوب القراءة أو التسبيح على المؤتم في
الأخيرتين وكأنهما أخذاه من كلام المرتضى.
وقال ابن إدريس
: اختلفت الرواية في القراءة خلف الامام الموثوق به ، فروى انه لا قراءة على
المأموم في الأولتين في جميع الركعات والصلوات سواء كانت جهرية أو إخفاتية في أظهر
الروايات ، والذي تقتضيه أصول المذهب ان الامام ضامن للقراءة بلا خلاف ، وروى انه
لا قراءة على المأموم في الأولتين في جميع الصلوات الجهرية والإخفاتية إلا ان تكون
صلاة جهر لم يسمع فيها المأموم قراءة الإمام فيقرأ لنفسه ، وروى انه ينصت في ما
جهر فيه الإمام بالقراءة ولا يقرأ هو شيئا ويلزمه القراءة في ما خافت فيه ، وروى
انه بالخيار في ما خافت فيه الإمام فأما الركعتان الأخيرتان فقد روى انه لا قراءة
فيهما ولا تسبيح ، وروى انه يقرأ فيهما أو يسبح ، والأول أظهر.
وقال المحقق :
وتكره القراءة خلف الإمام في الإخفاتية على الأشهر وفي الجهر لو سمع ولو همهمة ولو
لم يسمع قرأ ، وقال : تسقط القراءة عن المأموم وعليه اتفاق العلماء. ونقل عن
الشيخين انهما قالا : لا يجوز أن يقرأ المأموم في الجهرية إذا سمع قراءة الامام
ولو همهمة. كذا في المعتبر وقال في الشرائع نحوه.
وقال ابن عمه
نجيب الدين يحيى بن سعيد : ولا يقرأ المأموم في صلاة جهر بل يصغى لها فان لم يسمع
وسمع كالهمهمة أجزأه وجاز أن يقرأ ، وان كان في صلاة إخفات سبح مع نفسه وحمد الله.
وندب الى قراءة الحمد في ما لا يجهر فيه.
وقال العلامة
في المختلف بعد ذكر جملة من روايات المسألة : والأقرب في الجمع بين الأخبار
استحباب القراءة في الجهرية إذا لم يسمع ولا همهمة لا الوجوب وتحريم القراءة فيها
مع السماع لقراءة الامام ، والتخيير بين القراءة والتسبيح في الأخيرتين من
الإخفاتية.
وقال في
التذكرة : لا يجب على المأموم القراءة سواء كانت الصلاة جهرية أو إخفاتية وسواء
سمع قراءة الإمام أم لا ، ولا يستحب في الجهرية مع السماع عند علمائنا أجمع. ثم
نقل عن الشيخين انه لا يجوز القراءة في الجهرية مع السماع ولو همهمة. ثم قال
ويحتمل الكراهة ، قال ولو لم يسمع القراءة في الجهرية ولو همهمة فالأفضل القراءة ،
ونقل عن الشيخ استحباب قراءة الحمد خاصة في صلاة السر أقول : والذي ظهر لي من الأخبار
هو تحريم القراءة خلف الإمام في الأولتين جهرية كانت الصلاة أو إخفاتية ، إلا إذا
كانت صلاة جهرية ولم يسمع المأموم قراءة الامام ولو همهمة فإنه يستحب له القراءة
في هذه الحال. وأما في الأخيرتين فقد تقدم تحقيق الكلام فيهما في الفصل الثامن من
الباب الثاني في الصلوات اليومية وما يلحق بها ، وأوضحنا ان الحكم فيهما أفضلية
التسبيح وانه لا فرق بين المأموم ولا غيره من المنفرد.
والذي وصل الى
من اخبار المسألة المذكورة هنا عدة روايات (الأولى) ما رواه الصدوق في الصحيح عن
الحلبي ـ ورواه الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن عن الحلبي أيضا ـ عن ابى عبد
الله عليهالسلام انه قال : «إذا صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه
سمعت قراءته أو لم تسمع إلا ان تكون صلاة يجهر فيها بالقراءة ولم تسمع فاقرأ».
وهذه الرواية
كما ترى واضحة الدلالة في ما اخترناه صريحة المقالة في ما ادعيناه فإن النهي الذي
هو حقيقة في التحريم قد وقع عن القراءة خلف من يأتم به مطلقا
__________________
في جهرية أو إخفاتية ولم يستثن منه إلا الجهرية التي لم يسمع فيها فإنه
امره بالقراءة والأمر هنا محمول على الاستحباب كما يأتي بيانه ان شاء الله تعالى.
الثانية ـ ما
رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الصلاة خلف الامام اقرأ خلفه؟ فقال أما الصلاة التي
لا يجهر فيها بالقراءة فإن ذلك جعل اليه فلا تقرأ خلفه ، وأما الصلاة التي يجهر
فيها فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه فان سمعت فأنصت وان لم تسمع فاقرأ».
والتقريب في
هذا الخبر كما في سابقه فإنه دال على تحريم القراءة خلفه في الإخفاتية والجهرية
إلا في صورة عدم سماع قراءته في الجهرية فإنه يقرأ استحبابا كما يأتي ان شاء الله
تعالى بيانه.
الثالثة ـ ما
رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم عن زرارة ومحمد ابن مسلم قالا : «قال أبو جعفر عليهالسلام كان أمير المؤمنين عليهالسلام يقول من قرأ خلف إمام يأتم به فمات بعثت على غير الفطرة».
وهو صريح الدلالة على تحريم القراءة مطلقا إلا انه مخصوص بما عرفت من الأخبار
الدالة على الاستحباب مع عدم السماع في الجهرية.
الرابعة ـ ما
رواه الصدوق عن زرارة في الصحيح عن ابى جعفر عليهالسلام انه قال : «وان كنت خلف امام فلا تقرأن شيئا في
الأولتين وأنصت لقراءته ، ولا تقرأن شيئا في الأخيرتين فإن الله عزوجل يقول للمؤمنين «وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ
ـ يعني في
الفريضة خلف الامام ـ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» والأخيرتان تبع للأولتين».
ومورد هذا
الخبر الصلاة الجهرية لتعليل التحريم في الأولتين بوجوب
__________________
الإنصات لقراءة الامام ، وهو ظاهر في مرجوحية القراءة في الأخيرتين مطلقا
خلافا لجمهور الأصحاب كما تقدم تحقيقه.
الخامسة ـ ما
رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أحدهما عليهماالسلام قال : «إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت وسبح في نفسك».
أقول : دل هذا
الخبر على وجوب الإنصات في الصلاة الجهرية ، والأمر بالتسبيح سرا وإخفاتا محمول
على الاستحباب ، وبذلك صرح أيضا جملة من الأصحاب.
السادسة ـ ما
رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن قتيبة عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا كنت خلف إمام ترتضي به في صلاة يجهر فيها
بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك وان كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ».
والتقريب فيه
انه دل على المنع من القراءة مع سماع الهمهمة في الجهرية ، وفيه رد على الشيخ في
المبسوط حيث قال : لو سمع مثل الهمهمة جاز له أن يقرأ. وقال في المنتهى : ولعله
استند الى ما رواه في الحسن عن الحلبي. ثم نقل الرواية الأولى ثم قال : وسماع
الهمهمة ليس سماعا للقراءة فربما كان الوجه في ما ذكره هذا الحديث. انتهى. ولم
يتعرض للجواب عن ذلك ، وقد عرفت ان الخبر المذكور صريح في الرد لما ذكره ، وقضية
الجمع بينه وبين حسنة الحلبي المذكورة هو حمل قوله في الحسنة المذكورة «ولم يسمع»
على ما هو أعم من سماع القراءة نفسها أو سماع الصوت وان لم يسمع الحروف مفصلة.
ويؤيد ذلك موثقة سماعة الآتية في المقام ان شاء الله تعالى. ونظير صحيحة قتيبة
المذكورة في ما ذكرناه في الرد على الشيخ ما ذكره الصدوق في الفقيه حيث قال : وفي رواية عبيد بن زرارة «ان سمع الهمهمة فلا
يقرأ».
السابعة ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن على بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن الأول عليهالسلام عن الرجل يصلى خلف امام يقتدى به في صلاة يجهر فيها
__________________
بالقراءة فلا يسمع القراءة؟ قال لا بأس ان صمت وان قرأ».
أقول : ومن هذا
الخبر يعلم ما قدمنا ذكره من حمل الأمر بالقراءة في صورة عدم السماع في الجهرية
ولو همهمة على الاستحباب لتخييره هنا بين الصمت والقراءة
الثامنة ـ ما
رواه الشيخ في الموثق عن يونس بن يعقوب قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الصلاة خلف من ارتضى به اقرأ خلفه؟ قال من رضيت به
فلا تقرأ خلفه».
والتقريب فيه
ظاهر للنهى الدال على التحريم الشامل للجهرية والإخفاتية. نعم يجب ان يستثني منه
صورة عدم السماع في الجهرية بالنصوص المتقدمة.
التاسعة ـ ما
رواه عن سليمان بن خالد قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام أيقرأ الرجل في الأولى والعصر خلف الامام وهو لا يعلم انه يقرأ؟ فقال لا
ينبغي له أن يقرأ يكله الى الامام».
أقول : قوله «وهو
لا يعلم انه يقرأ» ليس المراد به الشك في قراءة الامام وعدمها لأن فيه طعنا على
الإمام بالإخلال بالواجب فلا يجوز الاقتداء به حينئذ ، وانما المراد بهذا الكلام
الكناية عن عدم سماع قراءته ، فكأنه قال وهو لا يسمع انه يقرأ. وكأنه ظن انه انما
يترك القراءة في ما إذا جهر الامام لوجوب الإنصات وأما مع الإخفات وعدم السماع
فإنه يجوز القراءة. وقوله عليهالسلام «لا ينبغي» المراد به التحريم كما استفاض مثله في الأخبار بقرينة باقي
أخبار المسألة الصريحة في النهي عن القراءة الذي مفاده التحريم. والمراد من إيكال
ذلك الى الامام هو الإشارة الى ما ورد في بعض الأخبار من أن الامام ضامن للقراءة .
العاشرة ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ
__________________
وكان الرجل مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأولتين. وقال يجزئك
التسبيح في الأخيرتين. فقلت أى شيء تقول أنت؟ قال اقرأ فاتحة الكتاب».
أقول : دل
الخبر المذكور على النهى عن القراءة خلف الإمام في الأولتين من الإخفاتية وهو بعض
المدعى. وأما معنى باقي الخبر فقد تقدم القول فيه في الفصل الثامن في ما يعمل في
الأخيرتين من الباب الثاني.
الحادية عشرة ـ
ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن امام لا بأس به في جميع أموره عارف غير انه يسمع
أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما اقرأ خلفه؟ قال لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقا
قاطعا».
والتقريب فيه
النهى عن القراءة خلف الإمام المرضي مطلقا في جهرية أو إخفاتية. وقد تقدم الكلام
على هذا الحديث في ما دل عليه من جواز امامة من يسمع أبويه الكلام الغليظ في بحث
العدالة من الفصل الأول في صلاة الجمعة من هذا الباب.
الثانية عشرة ـ
ما رواه أيضا في الموثق عن سماعة قال : «سألته عن الرجل يؤم الناس فيسمعون صوته ولا
يفقهون ما يقول؟ فقال إذا سمع صوته فهو يجزئه وإذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه».
دل الخبر
المذكور على انه يكتفى في تحريم القراءة بمجرد سماع صوت الامام وهو المشار اليه
بالهمهمة في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم واما قراءته مع عدم السماع فقد تقدم
الكلام فيه.
الثالثة عشرة ـ
ما رواه الصدوق والشيخ عن بكر بن محمد الأزدي في الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «انى اكره للمؤمن أن يصلى خلف الإمام في صلاة
__________________
لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه حمار. قال قلت جعلت فداك فيصنع ما ذا؟
قال يسبح». واستحباب التسبيح في هذا المقام قد صرح به الأصحاب أيضا استنادا الى
الخبر المذكور.
ويدل عليه ايضا
وان لم يذكره أحد منهم ما رواه على بن جعفر (رضى الله عنه) في كتابه عن أخيه موسى
بن جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يكون خلف الإمام يقتدي به في
الظهر والعصر يقرأ خلفه؟ قال لا ولكن يسبح ويحمد ربه ويصلى على النبي صلىاللهعليهوآله وعلى أهل بيته».
الرابعة عشرة ـ
ما رواه الشيخ عن إبراهيم المرافقي وابى أحمد عمرو بن الربيع البصري عن جعفر بن
محمد عليهماالسلام «انه سئل عن القراءة خلف الامام فقال إذا كنت خلف امام تتولاه وتثق به فإنه
يجزيك قراءته وان أحببت أن تقرأ فاقرأ في ما يخافت فيه فإذا جهر فأنصت قال الله
تعالى (وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ)» .
أقول : الظاهر
ان هذا الخبر هو مستند الشيخ في ما تقدم نقله عنه من كتاب النهاية من قوله :
ويستحب ان يقرأ الحمد وحدها في ما لا يجهر الإمام بالقراءة فيها. إلا انه معارض
بما هو أصح منه سندا وأكثر عددا ومنها الأخبار العامة كالخبر الثالث والثامن
والحادي عشر وخصوص الخبر الثاني وقد تضمن النهي الذي هو حقيقة في التحريم ، والخبر
التاسع وقد عرفت ان «لا ينبغي» محمولة على التحريم بقرينة الأخبار الباقية ،
والخبر العاشر وقد تضمن النهي أيضا ، والخبر الثالث عشر وقد تضمن ان المستحب في
هذه الصورة انما هو التسبيح دون القراءة وعاضدها في ذلك على وجه أبلغ خبر على بن
جعفر حيث نهى عن القراءة وأمر بالتسبيح والتحميد والصلاة على النبي صلىاللهعليهوآله وبالجملة فإن الخبر المذكور لما عرفت غير
__________________
معمول عليه عند النظر في الأخبار بعين التحقيق فهو مردود إلى قائله عليهالسلام إذ لا يحضرني الآن وجه يمكن حمله عليه.
الخامسة عشرة ـ
ما رواه الشيخ ايضا عن سالم ابى خديجة عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا كنت امام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين
الأولتين وعلى الذين خلفك أن يقولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر وهم قيام ، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك ان يقرأوا فاتحة
الكتاب وعلى الامام التسبيح مثل ما يسبح القوم في الركعتين الأخيرتين».
أقول : يمكن
حمل الخبر المذكور على ما هو أعم من الجهرية والإخفاتية ، فان استحباب التسبيح
للمأموم في حال قراءة الامام وان كان أكثر الأخبار على كونه في الصلاة الإخفاتية
وكذا كلام الأصحاب إلا انه قد تقدم في الخبر الرابع ما يؤذن بذلك في الجهرية أيضا
وبه صرح جملة من الأصحاب ، ويمكن تخصيصه بالإخفاتية لا ظهرية الحكم المذكور فيها.
وكيف كان
فالمراد بقوله «فإذا كان في الركعتين الأخيرتين. إلخ» انه إذا كان الائتمام وقع في
الركعتين الأخيرتين بمعنى ان المأموم لم يدخل مع الإمام إلا في الركعتين الأخيرتين
فعلى من خلفه من المأمومين ان يقرأوا ، لما سيأتي ان شاء الله تعالى في المسألة
المذكورة من ان حكم المسبوق بالركعتين الأولتين هو وجوب القراءة عليه في أولتيه
اللتين هما أخيرتا الامام وعلى الامام التسبيح فيهما من حيث انهما اخيرتاه وحكم
الأخيرتين التسبيح كما يسبح الناس في الركعتين الأخيرتين ، لأن التسبيح وظيفتهما
مطلقا إماما أو مأموما أو منفردا على جهة الأفضلية كما هو أحد الأقوال في المسألة
أو التعيين كما صار اليه بعض أفاضل المتأخرين ، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في
الفصل الثامن في ما يعمل في الأخيرتين من الباب الثاني في الصلوات اليومية .
__________________
السادسة عشرة ـ
ما رواه الشيخ عن الحسين بن بشير عن ابى عبد الله عليهالسلام «انه سأله رجل عن القراءة خلف الامام فقال لا ان الامام ضامن للقراءة وليس
يضمن الإمام صلاة الذين خلفه وإنما يضمن القراءة».
أقول : قد دل
الخبر المذكور على النهى عن القراءة خلف الامام مطلقا في جهرية أو إخفاتية معللا
ذلك بان الامام ضامن للقراءة ، وفيه رد ايضا لما دل عليه خبر المرافقي والبصري من
استحباب القراءة خلف الإمام في الإخفاتية حسبما دلت عليه الأخبار المتقدمة عموما
وخصوصا.
السابعة عشرة ـ
ما رواه الشيخ عن عبد الرحيم القصير قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول إذا كان الرجل تعرفه يؤم الناس فقرأ القرآن فلا
تقرأ واعتد بقراءته».
والتقريب فيه
ما تقدم ، ويجب تقييد إطلاقه بما إذا لم يسمع المأموم في الصلاة الجهرية القراءة
ولو همهمة فإنه لو قرأ لا بأس للأخبار المتقدمة.
الثامنة عشرة ـ
ما ذكره الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه حيث قال : نقلا عن العالم عليهالسلام وقال : «إذا صليت خلف امام تقتدى به فلا تقرأ خلفه سمعت
قراءته أم لم تسمع إلا أن تكون صلاة يجهر فيها فلم تسمع فاقرأ». أقول : وهذا الخبر
طبق ما ادعيناه ووفق ما اخترناه. هذا ما حضرني من اخبار المسألة.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انى لا أعرف لما ذهب اليه المحقق وغيره من القول بكراهة القراءة مطلقا وجها
يعتمد عليه ولا دليلا يرجع اليه ، وغاية ما استدل به في المعتبر على ذلك هو تعليل
الجهر بالإنصات في الرواية الثانية حيث انه بعد أن
__________________
نقل عن الشيخ تحريم القراءة في الجهرية إذا سمع قراءة الامام ولو همهمة قال
: ولعله استند إلى رواية يونس بن يعقوب ثم أورد بعده الخبر الأول ثم قال : والأولى
أن يكون النهى على الكراهة لرواية عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى عبد الله عليهالسلام : إنما أمر بالجهر لينصت من خلفه. الى آخر ما في
الرواية الثانية ، فانظر الى هذا الدليل العليل إذ لا ريب في أن ظاهر النهي في
الخبرين اللذين نقلهما أولا هو التحريم لأنه المعنى الحقيقي للنهى كما هو الأشهر
الأظهر ، والخروج عنه الى الحمل على الكراهة مجاز يحتاج إلى قرينة ظاهرة ، ودعوى
إيذان التعليل بالإنصات بالاستحباب ممنوعة ، فإن علل الشرع ليست من قبيل العلل
الحقيقية وانما هي معرفات والتعليل هنا إنما وقع بيانا للحكمة وإلا فالعلة
الحقيقية إنما هي أمر الشارع فيتحقق الوجوب ونهيه فيتحقق التحريم. هذا مع قطع
النظر عن ملاحظة ما ذكرنا من الأخبار الظاهرة العلية المنار الساطعة الأنوار في
الدلالة على ما هو المختار.
وقال في الروض
ـ بعد أن نقل عن المصنف كراهة القراءة خلف الإمام المرضي إلا إذا لم يسمع ولو
همهمة ـ ما صورته : أما كراهة القراءة خلفه فلقوله تعالى «وَإِذا قُرِئَ
الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا»
وقول النبي صلىاللهعليهوآله «انما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا». وقول الصادق
عليهالسلام : «من ارتضيت قراءته فلا تقرأ خلفه». وحمل الأمر على
الندب والنهى على الكراهة
__________________
جمعا بينهما وبين ما دل على عدم التحريم كصحيحة على بن يقطين عن الكاظم عليهالسلام «في الرجل يصلى خلف من يقتدى به ويجهر بالقراءة فلا يسمع القراءة؟ فقال لا
بأس ان صمت وان قرأ». انتهى.
أقول : لا يخفى
ما في هذا الاستدلال من الاختلال الذي لا يخفى على سائر الناظرين في هذا المقال
فضلا عن ذوي الكمال ، وذلك فإن الآية المذكورة والخبر العامي الذي بعدها صريحان في
وجوب الإنصات في الجهرية ، والخبر الذي نقله عن الصادق عليهالسلام صريح في النهي الذي مفاده التحريم عن القراءة خلف من
ارتضى قراءته جهرية كانت الصلاة أو إخفاتية. وخبر على بن يقطين إنما دل على
التخيير بين السكوت والقراءة في صورة ما لو كانت الصلاة جهرية ولم يسمع المأموم
القراءة وهو أخص من المدعى ، وأنت خبير بان محل الخلاف والإشكال إنما هو في ما عدا
هذه الصورة ، وحينئذ فأين الدليل على الكراهة في صورة سماع القراءة ولو همهمة في
الجهرية وكذا في الصلاة الإخفاتية كما يدعونه؟
ثم انظر الى
اقتصاره (رضى الله عنه) على ما نقله من هذه الرواية العامية وهذا الخبر المجمل
الذي بعدها وروايات المسألة كما نقلناها مستفيضة عديدة ولم يرجعوا إليها ولم
يتأملوا فيها ، ومن هنا يعلم ان منشأ هذا الاختلاف وكثرة هذا الخلاف انما هو من
حيث عدم تتبع الأخبار والتأمل فيها بعين الفكر والاعتبار وإلا فمن أعطى التأمل
فيها حقه فإنه لا يخفى عليه صحة ما ذكرناه ووضوح ما أوضحناه
وأعجب من ذلك
انهم أدخلوا حكم الأخيرتين للمأموم في هذا الاختلاف ونظموه في سلك هذا الخلاف ،
وقد أوضحنا ما فيه في الفصل الثامن من فصول الباب الثاني في الصلوات اليومية وما يلحق بها
فليرجع اليه من أحب تحقيق الحال وإزاحة الاشكال. والله العالم.
__________________
فروع
الأول ـ لو كان
الامام ممن لا يقتدى به وجبت القراءة على المأموم لأنه منفرد وحكم المنفرد ذلك ،
وقد تقدم تحقيق الكلام في هذه المسألة في التتمة المذكورة في أول هذا المقصد.
الثاني ـ قد
ذكر جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم انه يستحب للمأموم التسبيح حال قراءة الإمام
في الإخفاتية وهو جيد ، ويدل عليه الخبر الثالث عشر وصحيح على بن جعفر المذكور في
ذيله.
ولا يبعد القول
باستحباب التسبيح ايضا ولو كانت الصلاة جهرية وأنصت لقراءة الإمام إذا أمكن الجميع
بينهما كما يشير اليه الخبر الخامس.
وربما قيل بأنه
ينافي ظاهر الآية من وجوب الإنصات فينبغي حمل الخبر المذكور على التسبيح والذكر
القلبي كما يشير اليه قوله «في نفسك».
وفيه ان الظاهر
انه لا منافاة بين الإنصات الذي هو عبارة عن الاستماع وبين الذكر والتسبيح إذا كان
خفيا لا يظهر ولا يسمع ، إلا ان يقال ان الإنصات عبارة عن السكوت فما لم يحصل
السكوت لا يتحقق الإنصات ، وفيه ما فيه ، مع انه يمكن إطلاق السكوت العرفي على هذه
الصورة التي يكون التسبيح ونحوه فيها خفيا لا يسمع
ويؤيده انه لم يعهد
التكليف بالأذكار من التسبيح ونحوه في القلب خاصة وانما هذا اللفظ خرج مخرج
المبالغة في الإخفات ، كما عبر في بعض الأخبار عن القراءة الإخفاتية بتحريك اللسان
في لهواته وعبر عنه تارة بالصمت وفي مرسلة ابن
أبي حمزة عن ابى عبد الله عليهالسلام «يجزئك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس».
الثالث ـ متى
قلنا بتحريم القراءة على المأموم فهل يستحب له الاستعاذة ودعاء الاستفتاح أم لا؟
الظاهر بالنسبة إلى الاستعاذة العدم لأنها من مستحبات القراءة
__________________
فلا وجه لها هنا. واما دعاء الاستفتاح وهو دعاء التوجه فالظاهر استحبابه
إلا أن يكون وقت قراءة الامام ويشغله ذلك عن السماع.
قال في الذكرى
: وهل يستحب له دعاء الاستفتاح اعنى دعاء التوجه؟ الوجه ذلك للعموم ، نعم لو كان
يشغله الاستفتاح عن السماع أمكن استحباب تركه ، وقطع العلامة بأنه لا يستفتح إذا
اشتغل به.
الرابع ـ لو
قرأ المأموم في الموضع الذي سوغنا له القراءة فيه وفرغ قبل الامام استحب له أن
يبقى آية ليقرأها عند فراغ الامام ويركع بعدها.
ويدل عليه ما
رواه في الكافي عن زرارة في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الإمام أكون معه فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ؟ قال
فأمسك آية ومجد الله وأثن عليه فإذا فرغ فاقرأ الآية واركع».
قال في الذكرى
: وفيه دليل على استحباب التسبيح والتحميد في الأثناء ودليل على جواز القراءة خلف
الإمام.
أقول : قد عرفت
من الأخبار المتقدمة وهي مجموع أخبار المسألة انه لا يجوز القراءة للمأموم إلا في
صورة واحدة وهي في ما إذا كانت الصلاة جهرية ولم يسمع المأموم ولا همهمة فإنه
يستحب له القراءة ، وهذا الحديث وان كان مطلقا إلا انه يجب حمله على ما علم من
خارج من جواز القراءة للمأموم وهو إما في الصورة المذكورة أو في صورة الصلاة خلف
المخالف ، فيكون المراد بالإمام هنا وان أطلق هو الإمام الذي يجب القراءة خلفه ،
ولهذا ان المحدث الكاشاني نظم هذا الخبر في اخبار الصلاة خلف من لا يقتدى به ، كما
رواه في الكافي والتهذيب عن إسحاق بن عمار في الموثق عن من سأل أبا عبد الله عليهالسلام قال «أصلي خلف من لا اقتدى به
__________________
فإذا فرغت من قراءتي ولم يفرغ هو؟ قال فسبح حتى يفرغ». وما رواه الشيخ في
الموثق عن عمر بن أبي شعبة عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ من
قراءته؟ قال فأتم السورة ومجد الله وأثن عليه حتى يفرغ». وهذا الحديث مطلق مثل
موثقة زرارة المذكورة ، وبالجملة فالظاهر ان هذه الأخبار الثلاثة إنما خرجت
بالنسبة إلى الصلاة خلف المخالفين لأنه هو الغالب المتكرر يومئذ وان دخل في إطلاق
الخبرين المذكورين الصلاة خلف من يقتدى به في الصورة المذكورة. والله العالم.
المسألة
التاسعة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم في وجوب متابعة
المأموم للإمام في الأفعال حتى قال في المعتبر : وعليه اتفاق العلماء ولقوله صلىاللهعليهوآله «إنما جعل الإمام ليؤتم به». وقال في المنتهى : متابعة الإمام واجبة وهو
قول أهل العلم قال صلىاللهعليهوآله «انما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا». وظاهر
كلامهما (طاب ثراهما) انه لا دليل لهم على هذا الحكم بعد دعوى الإجماع إلا هذا
الخبر ، والظاهر انه عامي فإنا لم نقف عليه بعد التتبع في أخبارنا ، والى ذلك أيضا
أشار في الذخيرة.
وفسرت المتابعة
في كلامهم بأنها عبارة عن عدم تقدم المأموم على الامام وعلى هذا فتصدق مع المساواة
، ولم نجد لهم على هذا التفسير دليلا مع ان المتبادر من اللغة والعرف ان المتابعة
انما هي التأخر. والتمسك بأصالة عدم الوجوب وصدق الجماعة عند المقارنة ضعيف لا
يصلح لتأسيس حكم شرعي. إلا ان ظاهر كلام الصدوق المنقول هنا يقتضي الصحة في صورة
المساواة ، حيث قال : ان من المأمومين من لا صلاة له وهو الذي يسبق الإمام في
ركوعه وسجوده ورفعه ، ومنهم من له صلاة واحدة وهو المقارن له في ذلك ، ومنهم من له
اربع وعشرون ركعة وهو الذي
__________________
يتبع الإمام في كل شيء ويركع بعده ويسجد بعده ويرفع منهما بعده. وحيث كان
من أرباب النصوص فالظاهر انه لا يقوله إلا مع وصول نص اليه بذلك.
هذا بالنسبة
إلى الأفعال واما الأقوال فاما في تكبيرة الإحرام فتجب المتابعة فيها إجماعا فلو
تقدم المأموم بها لم تنعقد صلاته ، ولا ريب في الصحة مع تأخره بها عن الامام ،
وانما الإشكال والخلاف في المقارنة فقيل بالمنع وبه صرح في المدارك والذخيرة ،
وعلله في الذخيرة بالشك في تحقق الجماعة والائتمام حينئذ فلا يحصل اليقين بالبراءة
من التكليف الثابت ، قال واستدل عليه ايضا بقول النبي صلىاللهعليهوآله «إذا كبر فكبروا» فان الفاء ظاهرة في التعقيب.
وأنت خبير بما
في الدليل الثاني من الوهن ، وأما الأول فمرجعه الى ان العبادات صحة وبطلانا مبنية
على التوقيف ولم يثبت من صاحب الشريعة انعقاد الصلاة جماعة في صورة المقارنة. وهو
جيد.
إلا انه روى
الحميري في كتاب قرب الاسناد بسنده عن على بن جعفر عن أخيه عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يصلى إله أن يكبر قبل الامام؟ قال
لا يكبر إلا مع الإمام فإن كبر قبله أعاد التكبير». فان ظاهرها جواز المقارنة ،
وقواه شيخنا المجلسي (قدسسره) في كتاب البحار للخبر المذكور.
ويخطر بالبال
العليل ان الظاهر ان معنى الخبر ليس على ما فهمه شيخنا المشار اليه ، والذي يظهر
من قوله «لا يكبر إلا مع الامام» ان المراد به انما هو أنه لا يدخل في الصلاة إلا
حين يدخل الإمام في الصلاة أولا ، فالمعية ليس المراد بها المعية مع تكبير الامام
كما ربما يتوهم بل المعية مع الامام وحصول الإمامة لأنه لو سبق الامام بالتكبير لم
تكن هناك امامة ، وقوله عليهالسلام «فان كبر قبله أعاد» لا يدل على انه لو كبر مقارنا له صح ، فان تخصيص هذين
الفردين بالذكر انما هو من حيث كونهما الشائع
__________________
المتكرر ، فإن المقارنة أمر نادر والمتكرر إما التقدم أو التأخر فلا جل ذلك
بين الكلام فيهما في الخبر.
وبالجملة
فالمسألة لا تخلو من اشتباه واشكال والاحتياط عندنا في أمثال ذلك واجب على كل حال.
وأما في غير
تكبيرة الإحرام من الأقوال فقولان : الوجوب واختاره الشهيد في جملة من كتبه ،
والعدم واختاره العلامة وجملة ممن تأخر عنه والظاهر انه المشهور ، واختاره صاحب
المدارك واحتج على ذلك بأصالة البراءة من هذا التكليف ، ولانه لو وجبت المتابعة
فيها لوجب على الامام ان يجهر بها ليتمكن المأموم من متابعته ، قال والثاني منفي
بالإجماع فالمقدم مثله. وتكليف المأموم بتأخير الذكر الى أن يعلم وقوعه من الامام
بعيد جدا بل ربما كان مفوتا للقدوة. انتهى. وهو جيد.
وكيف كان
فينبغي أن يعلم ان وجوب اشتراط المتابعة في الأفعال لا بمعنى أنه تبطل القدوة مع
التقدم مطلقا بل الظاهر اختصاص البطلان بما إذا مضى في صلاته كذلك ، فلو تقدم
ركوعا أو سجودا أو رفعا منهما فالمشهور استمراره أى بقاؤه على حاله حتى يلحقه
الامام ، وعن الشيخ في المبسوط القول بالبطلان حيث قال : من فارق الامام لغير عذر
بطلت صلاته.
وتفصيل الكلام
في المقام على ما يستفاد من اخبارهم عليهمالسلام هو أن يقال : لا ريب ان المشهور في كلام الأصحاب (رضوان
الله عليهم هو أنه لو تقدم المأموم في الركوع أو السجود أو الرفع منهما ، فان كان
عامدا استمر بمعنى انه لا يرجع وان كان ساهيا يرجع.
ومستندهم في
ذلك الجميع بين رواية غياث الآتية الدالة على عدم الرجوع بحملها على العامد وبين
الروايات الكثيرة الدالة على الرجوع بحملها على الساهي تبعا للشيخ (قدسسره) في ما ذكره من ذلك. ورد بعدم اشعار شيء من روايات
المسألة بهذا التفصيل وإمكان حمل ما دل على الرجوع على الاستحباب.
وظاهر كلام
الأصحاب في وجه هذا الحمل هو أنه مع الرجوع حال رفع رأسه عامدا يلزم زيادة الركن
عمدا واما مع السهو فاللازم زيادته سهوا وهو مغتفر.
وفيه انهم قد
صرحوا بأن زيادة الركن مبطلة عمدا وسهوا فلا وجه لهذا التفصيل حينئذ والواجب أولا
نقل ما وقفنا عليه من أخبار المسألة ثم الكلام فيها بما وفق الله سبحانه لفهمه
منها مستمدين منه تعالى الهداية إلى الصواب في هذا الباب وفي جميع الأبواب فنقول :
من الأخبار
المذكورة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن المغيرة ـ وهو ممن أجمعت العصابة
على تصحيح ما يصح عنه ـ عن غياث بن إبراهيم الثقة البتري قال : «سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الامام أيعود فيركع
إذا أبطأ الامام ويرفع رأسه معه؟ قال لا».
وما رواه الشيخ
في الموثق عن الحسن بن على بن فضال قال : «كتبت الى ابى الحسن الرضا عليهالسلام في الرجل كان خلف إمام يأتم به فركع قبل أن يركع الامام
وهو يظن ان الامام قد ركع فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثم أعاد الركوع مع الامام أيفسد
ذلك صلاته أم تجوز له الركعة؟ فكتب يتم صلاته ولا يفسد ما صنع صلاته».
وعن محمد بن
على بن فضال عن ابى الحسن عليهالسلام قال : قال : ««قلت له اسجد مع الامام وارفع رأسي قبله
أعيد؟ قال أعد واسجد».
وعن على بن
يقطين قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الرجل يركع مع الإمام يقتدي به ثم يرفع رأسه قبل
الامام؟ قال يعيد ركوعه معه». ورواه في الفقيه عن محمد بن سهل الأشعري عن أبيه عن
ابى الحسن الرضا عليهالسلام مثله .
__________________
وما رواه الشيخ
في التهذيب في الصحيح عن ربعي والفضيل ـ ورواه في الفقيه عن الفضيل بن يسار ـ عن
ابى عبد الله عليهالسلام قالا : «سألناه عن رجل صلى مع إمام يأتم به فرفع رأسه
من السجود قبل ان يرفع الإمام رأسه من السجود؟ قال فليسجد».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى الحسن عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يصلى مع امام يقتدى به فركع
الامام وسها الرجل وهو خلفه لم يركع حتى رفع الإمام رأسه وانحط للسجود أيركع ثم
يلحق بالإمام والقوم في سجودهم أو كيف يصنع؟ قال يركع ثم ينحط ويتم صلاته معهم ولا
شيء عليه».
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان أخبار المسألة المذكورة لا تساعد على ما ذكروه من الكلام المنقول عنهم
آنفا على إطلاقه ، وينبغي تفصيل ما يستفاد منها في صور :
الأولى ـ صورة
تقدم المأموم في الرفع من الركوع وكذا من السجود ، والحكم فيه أنه يرجع وجوبا أو
استحبابا عامدا كان أو ناسيا ، والوجه في ذلك دلالة صحيحة على بن يقطين وصحيحة
ربعي والفضيل ورواية سهل وموثقة محمد بن على بن فضال على الرجوع ، وموردها الرفع
من الركوع في بعض ومن السجود في بعض ، وظاهرها العموم لحالتي العمد والنسيان ،
وموثقة غياث الدالة على عدم الرجوع وموردها مورد تلك الأخبار وهي مطلقة ايضا شاملة
للعمد والنسيان ، والشيخ ومن تبعه كما هو المشهور بين الأصحاب وان جمعوا بينها
وبين تلك الأخبار بحملها على العامد وحمل تلك الأخبار على الناسي إلا انه كما عرفت
تحكم محض ، والأظهر أما طرحها لضعفها عن معارضة تلك الأخبار أو حملها على الجواز
وحمل تلك الأخبار على الاستحباب ، ومن ثم حصل الترديد في العبارة المتقدمة بقولنا
وجوبا أو استحبابا.
__________________
الثانية ـ صورة
تقدم المأموم في الهوى للركوع والسجود ، والأظهر التفصيل بين العمد وعدمه ، فان
تقدمه عمدا فالأحوط الإعادة للصلاة بعد إتمامها كما ذكره الأصحاب (رضوان الله
عليهم فانا لم نقف في النصوص على ما يدل على ما ذكره الأصحاب من ما قدمنا نقله
عنهم من جعل الحكم هنا كالرفع ، ومورد الروايات التي ذكرناها في الصورة الأولى
انما هو الرفع وهو غير الهوي البتة. وجملة من الأصحاب قد فصلوا في هذه الصورة بأنه
ان كان تعمد المأموم الركوع حال قراءة الإمام فالظاهر بطلان الصلاة لوجوب الوقوف
عليه والطمأنينة في تلك الحال ، وان كان بعد القراءة فنقلوا عن الشيخ في المبسوط بطلان
الصلاة حيث ذهب الى ان من فارق الامام لغير عذر بطلت صلاته كما قدمنا نقله عنه.
ومال جملة منهم الى العدم وان لزم الإثم خاصة. ورجح بعض أفاضل متأخري المتأخرين
البطلان من حيث ان الفعل وقع منهيا عنه فيكون فاسدا غير مبرئ للذمة ، والرجوع اليه
ثانيا يستلزم زيادة الركن والواجب عمدا وهو مبطل للصلاة. والتعليل المذكور وان كان
لا يخلو من المناقشة إلا أن الأحوط ما ذكره لما قدمناه.
الثالثة ـ صورة
تقدم المأموم سهوا أو ظنا منه بهوى الامام فيرجع في صورة الهوي للركوع لموثقة
الحسن بن على بن فضال المذكورة ، وموردها الركوع والأصحاب عمموا الحكم في السجود
ايضا ، وكأنهم بنوا على عدم ظهور الخصوصية بالركوع فعدوا الحكم الى السجود من باب
تنقيح المناط القطعي كما هو المعمول عليه في جملة من الأحكام ، وهو غير بعيد إلا
ان الأحوط قصر الحكم على مورد الرواية والاحتياط في الهوى للسجود بالإعادة بعد
الإتمام كما ذكروه. ومورد الرواية أيضا وان كان الظن إلا أن النسيان ايضا يرجع
اليه لاشتراك الجميع في عدم التعمد وحصول العذر ، ولهذا لم يفرق الأصحاب بينهما
هنا وفي أكثر الأحكام.
قال في المدارك
: وأما الرجوع مع النسيان فيدل عليه ما رواه الشيخ عن سعد عن ابى جعفر عن الحسن بن
على بن فضال. ثم ساق الرواية حسبما قدمناه ،
ثم قال : وهذه الرواية لا تقصر عن الصحيح إذ ليس في رجالها من قد يتوقف في
شأنه إلا الحسن بن على بن فضال ، وقد قال الشيخ انه كان جليل القدر عظيم المنزلة
زاهدا ورعا ثقة في رواياته وكان خصيصا بالرضا عليهالسلام واثنى عليه النجاشي وقال انه كان فطحيا ثم رجع الى الحق
(رضى الله عنه) انتهى.
أقول : لا يخفى
ما في تستره بما ذكره عن الخروج من قاعدة اصطلاحه من الوهن الناشئ عن ضيق الخناق
في العمل بهذا الاصطلاح كما قدمنا الإشارة إليه في غير موضع ، وقد تقدم له في غير
موضع ايضا رد اخبار إبراهيم بن هاشم التي هي في أعلى مراتب الحسن عند أصحاب هذا
الاصطلاح بل عدها في الصحيح جملة منهم. وقد وقع له في كتاب الحج اضطراب في حديث
على بن الحسن بن فضال فما بين ان يرده ويطعن عليه إذا لم يوافق اختياره وما بين أن
يقبله إذا وافق مراده ، ويتستر بمثل هذا الكلام الذي ذكره علماء الرجال في حقه
ومدحه والثناء عليه ، وكذا وقع له في مسمع بن عبد الملك ما بين أن يعد حديثه في
الصحيح تارة وفي الحسن اخرى ويرده ثالثا ويرميه بالضعف ، ومجمل الكلام انه ان كان
التوثيق موجبا للعمل بالخبر فإنه يجب العمل بالأخبار الموثقة حيثما كانت وفي أي
حكم وردت ولا معنى لردها من هذه الجهة ، وإلا فلا معنى لهذا الكلام المنحل الزمام
وأمثاله من ما جرى له في غير مقام. وهذا المدح لا يختص بهذا الرجل بل قد ذكر علماء
الرجال في أمثاله من الواقفية والفطحية أمثال هذا الكلام كما لا يخفى على من لاحظ
كتب الرجال مع انه يرد أحاديثهم غالبا. ونقل رجوعه إلى الحق سيما عند الموت كما هو
المروي لا يفيد فائدة. والله العالم.
فروع
الأول ـ لو كان
الامام ممن لا يقتدى به فرفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود قبله عامدا أو
ناسيا استمر على حاله حتى يلحقه الامام ولا يعود اليه كما
ذكرنا في الصورة الأولى ، لأنه منفرد فيقع رفعه في موضعه ويلزم من رجوعه
زيادة ركن في صلاته.
الثاني ـ لو
ترك المأموم الرجوع بناء على القول بوجوبه عليه إما في صورة النسيان كما هو
المشهور أو مطلقا كما هو أحد الاحتمالين في القول الآخر فهل تبطل صلاته أم لا؟
وجهان : أحدهما ـ نعم لان المتعبد به والمأمور به الرجوع ولم يأت به متعمدا فيبقى
تحت عهدة الخطاب. وثانيهما ـ لا لأن الرجوع لقضاء حق المتابعة لا لكونه جزء من
الصلاة ، ولأنه بترك رجوعه يصير في حكم المتعمد الذي عليه الإثم لا غير. والمسألة
خالية من النص والاحتياط لا يخفى.
الثالث ـ قال
في المنتهى : لو تقدم على الامام بركنين كما لو ركع قبل امامه ثم نهض قبله لم تبطل
صلاته ولا ائتمامه بل الحكم ما قدمناه ، وقال الشافعي لو تقدم بركنين بطلت صلاته انتهى.
أقول : قد عرفت
ان تقدم المأموم في الركوع والسجود عمدا غير منصوص وقد عرفت وجه الإشكال في
المسألة ، ولكنه (قدسسره) بناء على ما هو المشهور عندهم من اجراء التقدم في
الركوع مجرى الرفع منه وكذا في السجود جعل الحكم في ما لو تقدم بركنين مثل الحكم
في ما لو تقدم بركن. وفيه انه مع تسليم وجود الدليل في تلك المسألة والدلالة على
جواز التقدم بركن فإلحاق الركنين به قياس مع الفارق.
الرابع ـ هل
تبطل المتابعة وتنفسخ القدوة بالتأخر عن الامام بقدر ركن أم لا؟ ظاهر الشهيد في
الذكرى في باب الجماعة العدم ، قال (قدسسره) : لو سبق الامام بعد انعقاد صلاته أتى بما وجب عليه
والتحق بالإمام سواء فعل ذلك عمدا أو سهوا أو لعذر ، وقد مر مثله في الجمعة ، ولا
يتحقق فوات القدوة بفوات ركن ولا أكثر عندنا ، وفي التذكرة توقف في بطلان القدوة
بالتأخر بركن ، والمروي
__________________
بقاء القدوة ، رواه عبد الرحمن عن ابى الحسن عليهالسلام في من لم يركع ساهيا. ثم ذكر مضمون الخبر الذي قدمناه.
انتهى.
أقول : لا يخفى
ان الدليل أخص من المدعى فلا ينهض حجة على العموم ، وكذا ما أشار إليه انه مر مثله
في الجمعة ، فإنه إشارة إلى صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى الحسن عليهالسلام «في رجل صلى في جماعة يوم الجمعة فلما ركع الإمام ألجأه الناس الى جدار أو
أسطوانة فلم يقدر على أن يركع ولا ان يسجد حتى رفع القوم رؤوسهم أيركع ثم يسجد ثم
يقوم في الصف؟ قال لا بأس». وموردها كما ترى حال الضرورة والعذر كالرواية المذكورة
، وقد تقدم منه (قدسسره) في باب صلاة الآيات ما يناقض هذا الكلام كما قدمنا
ذكره ثمة وحققنا المقام بما يرفع عنه غشاوة الإبهام.
والظاهر عندي
من تتبع النصوص في جملة من الموارد هو القول بوجوب المتابعة وعدم التخلف من الامام
بركن :
ففي صحيحة معاوية
بن وهب عن ابى عبد الله عليهالسلام «في الرجل يدرك آخر صلاته الامام وهي أول صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ
فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال نعم».
وفي صحيحة زرارة
في المسبوق ايضا وستأتي بكمالها ان شاء الله تعالى في المسألة المذكورة
، قال فيها : «قرأ في كل ركعة من ما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب
__________________
وسورة فان لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب. الحديث».
والتقريب فيهما
ان الظاهر من قوله في الأولة «فلا يمهله حتى يقرأ» ومن قوله في الثانية «فان لم
يدرك السورة» انما هو باعتبار خوف فوت الركوع مع الامام بمعنى انه لو اشتغل
بالقراءة تامة فاته الركوع مع الامام ، ولو جاز التخلف عنه ولو بركن كما يدعونه لم
يكن لهذا الكلام معنى ، لانه يتم القراءة كملا وان لم يلحقه في الركوع لحقه في
السجود أو بعد السجود كما يدعونه من عدم فوات القدوة بالإخلال بالمتابعة في ركنين.
ونحو هاتين
الروايتين ايضا قوله عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي : «فإن سبقك الإمام بركعة أو ركعتين فاقرأ في الركعتين
الأولتين من صلاتك الحمد وسورة فان لم تلحق السورة أجزأك الحمد».
وفي كتاب دعائم
الإسلام عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : «إذا سبق أحدكم الإمام بشيء من الصلاة فليجعل ما
يدرك مع الإمام أول صلاته وليقرأ في ما بينه وبين نفسه ان أمهله الامام.».
وروى فيه ايضا
عن ابى جعفر محمد بن على عليهماالسلام قال : «إذا أدركت الامام وقد صلى ركعتين فاجعل ما أدركت معه أول صلاتك
فاقرأ لنفسك فاتحة الكتاب وسورة أن أمهلك الإمام أو ما أدركت أن تقرأ». والتقريب
فيها ما عرفت. والله العالم.
المسألة
العاشرة ـ من الشرائط في الجماعة توافق نظم الصلاتين في الأفعال لا في عدد الركعات
ومرجعه الى اتحاد النوع ، أى أن تكون صلاة الامام والمأموم من نوع واحد ، فلو
اختلفا نوعا كاليومية وصلاة الآيات أو العيدين أو بالعكس لم يجز الاقتداء. وأما
اختلاف الصنف كالمفترض بالمتنفل وبالعكس والمقصر بالمتم
__________________
وبالعكس فلا مانع منه. ولا يشترط الاتحاد في عدد الركعات على الأشهر الأظهر
وخلاف الصدوق (قدسسره) كما سيأتي نقله ان شاء الله تعالى في المقام شاذ.
وتفصيل هذه
الجملة يقع في مواضع (الأول) ـ احتج شيخنا الشهيد في الذكرى على عدم جواز الاقتداء
في اليومية بصلاة الكسوف وبالعكس ونحوه في العيدين بقوله صلىاللهعليهوآله «إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به. الخبر». قال وهو غير حاصل مع الاختلاف.
أقول : قد عرفت
آنفا ان هذا الخبر ليس من طريقنا وإنما هو من طريق العامة وان استسلقوه (رضوان الله
عليهم في أمثال هذه المقامات سيما مع عدم الدليل من أخبار أهل البيت عليهمالسلام.
والأظهر في
الاستدلال على منع ذلك بان العبادة مبنية على التوقيف من صاحب الشريعة كيفية وكمية
وصحة وبطلانا وفرادى وجماعة ونحو ذلك ، ولم يثبت عنهم عليهمالسلام فتوى ولا فعلا صحة الاقتداء في موضع البحث فيجب الحكم
بالمنع حتى يقوم الدليل عليه.
الثاني ـ المعروف
من مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم جواز اقتداء المفترض بمثله في فروض الصلاة
اليومية وان اختلف العدد والكمية ، بل قال في المنتهى انه قول علمائنا أجمع.
ونقل عن الصدوق
انه قال : لا بأس أن يصلى الرجل الظهر خلف من يصلى العصر ولا يصلى العصر خلف من
يصلى الظهر إلا ان يتوهمها العصر فيصلي معه العصر ثم يعلم انها كانت الظهر فتجزئ
عنه.
قال في الذكرى
بعد نقل ذلك عنه : ولا أعلم مأخذه إلا أن يكون نظر الى ان العصر لا تصح إلا بعد
الظهر فإذا صلاها خلف من يصلى الظهر فكأنه قد صلى العصر مع الظهر مع انها بعدها.
وهو خيال ضعيف لان عصر المصلي مترتبة على ظهر نفسه لا على
__________________
ظهر امامه. انتهى. وهو جيد.
إلا انه من
المحتمل قريبا عدم ثبوت النقل المذكور عنه فانى لم أقف عليه في كتاب الفقيه ، وقد
عرفت من ما ذكرنا في باب السهو والشك عدم صحة جملة من الأقوال المنقولة عنه في ذلك
الباب وأوضحنا ذلك بإيضاح لا يزاحمه الشك والارتياب
ويؤيده أيضا ما
ذكره في الذخيرة قال : وحكى عنه الشارح الفاضل اشتراط اتحاد الكمية مع انه صرح في
الفقيه بجواز اقتداء المسافر بالحاضر وبالعكس. انتهى
وما ذكره أيضا
في الذخيرة ـ من انه صرح في الفقيه بجواز اقتداء المسافر بالحاضر وبالعكس ـ لم أقف
عليه في الكتاب المذكور بهذا النقل ، وانما روى فيه حديث داود بن الحصين المشتمل على جواز ذلك على كراهية ، فلعله أراد ما
ذكرناه حيث ان ما يرويه من الأخبار ينسب مذهبا اليه.
قال في المدارك
: وربما استدل له بصحيحة على بن جعفر «انه سأل أخاه موسى بن جعفر عليهالسلام عن امام كان في الظهر فقامت امرأة بحياله تصلى معه وهي
تحسب انها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت
صلت الظهر؟ قال لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة صلاتها». وهو غير جيد ، لان
مدلول الرواية مناف لما ذكره الصدوق. الى آخر ما ذكره.
أقول : قد
قدمنا في المقدمة السادسة في المكان من مقدمات هذا الكتاب ان الحكم بإعادة المرأة صلاتها انما هو لمحاذاة المرأة
للإمام وتقدمها على الرجال مع تحريم ذلك كما أوضحناه ثمة ، لا لما ذكره في المدارك
من حمل الإعادة على الاستحباب حيث انه يختار القول بكراهة المحاذاة دون التحريم ،
وقد سبق البحث معه في ذلك في الموضع المشار اليه. وأما قوله ان مدلول الرواية مناف
لما ذكره الصدوق فالوجه فيه ان الصدوق قد صرح بالصحة متى ظن المأموم ان تلك الصلاة
صلاة العصر والحال ان الخبر صرح بأن المرأة ظنت كذلك ، فمقتضى كلام الصدوق هو
الصحة في هذه الصورة لا البطلان
__________________
كما صرحت به الرواية. وبالجملة فإن بطلان صلاة المرأة إنما استند الى ما
ذكرناه.
وكيف كان
فالعمل على القول المشهور لعموم أدلة الجماعة ، ويدل على جواز صلاة الظهر خلف من
يصلى العصر ما رواه الشيخ عن حماد بن عثمان في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل امام قوم يصلى العصر وهي لهم الظهر؟ قال أجزأت
عنه وأجزأت عنهم».
وروى الشيخ في
الصحيح عن سليم الفراء قال : «سألته عن الرجل يكون مؤذن قوم وامامهم يكون في
طريق مكة أو غير ذلك فيصلي بهم العصر في وقتها فيدخل الرجل الذي لا يعرف فيرى انها
الأولى أفتجزؤه انها العصر قال لا».
أقول : الظاهر
ان المعنى في هذه الرواية ان الرجل نوى الظهر والحال ان الامام يصلى العصر في
وقتها يعنى وقت الفضيلة لها فهل صلاته تكون صحيحة أو انه باعتبار كون الوقت وقتا
للعصر تجزئه عن العصر وان لم ينوها؟ فأجاب عليهالسلام بأنها لا تجزئ عن العصر لعدم نيتها. ومجرد كون الوقت
للعصر لا يمنع من وقوع الظهر فيه
وعن ابى بصير
في الموثق قال : «سألته عن رجل صلى مع قوم وهو يرى انها الاولى
وكانت العصر؟ قال فليجعلها الأولى وليصل العصر». ورواه الكليني عن احمد بن محمد
مثله ثم قال : وفي حديث آخر «فان علم انهم في صلاة العصر ولم يكن صلى الاولى
فلا يدخل معهم».
أقول : حمل في
الوسائل هذه الرواية المرسلة على التقية واحتمل حملها على الدخول بنية العصر.
والأول أظهر.
ويدل على
اقتداء المسافر بالحاضر وبالعكس وان كان على كراهية ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح
أو الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله عليهالسلام «في المسافر يصلى خلف المقيم؟ قال يصلى ركعتين ويمضى حيث شاء». ورواه الشيخ
في التهذيب في
__________________
الصحيح عن حماد قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المسافر. الحديث».
وما رواه في
التهذيب عن محمد بن على «انه سأل أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل المسافر إذا دخل في الصلاة مع المقيمين؟ قال
فليصل صلاته ثم يسلم وليجعل الأخيرتين سبحة».
وما رواه الشيخ
في التهذيب في الموثق عن ابى العباس الفضل بن عبد الملك ـ ورواه في الفقيه عن
الفضل بن عبد الملك ـ عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «لا يؤم الحضري المسافر ولا المسافر الحضري ، فإن
ابتلى بشيء من ذلك فأم قوما حاضرين فإذا أتم الركعتين سلم ثم أخذ بيد بعضهم فقدمه
فأمهم ، وإذا صلى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته ركعتين ويسلم ، وان صلى معهم
الظهر فليجعل الأولتين الظهر والأخيرتين العصر». ورواه في الفقيه عن داود بن
الحصين عنه عليهالسلام مثله الى قوله «ويسلم».
وروى في الفقيه
عن العلاء عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «إذا صلى المسافر خلف قوم حضور. الحديث بتمامه».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن النعمان الأحول عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرين في صلاتهم فان
كانت الأولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأولتين وان كانت العصر فليجعل الأولتين
نافلة والأخيرتين فريضة».
قال في التهذيب
: وفقه هذا الحديث انه انما قال : «ان كانت الظهر فليجعل الفريضة في الركعتين
الأولتين» لأنه متى فعل ذلك جاز له أن يجعل الركعتين الأخيرتين
__________________
صلاة العصر وإذا كان صلاة العصر انما يجعل الركعتين الأخيرتين صلاته لأنه
تكره الصلاة بعد صلاة العصر إلا على جهة القضاء.
وروى الشيخ عن
ابى بصير في الصحيح قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام) لا يصلى المسافر مع المقيم فان صلى فلينصرف في
الركعتين».
وقال في الفقيه
وقد روى «انه ان خاف على نفسه من أجل من يصلى معه صلى الركعتين الأخيرتين
وجعلهما تطوعا». أقول : والوجه فيه ان المخالفين يتمون في السفر.
وعندي في
المقام اشكال لم أر من نبه عليه ولا من تنبه اليه ، وهو ان ظاهر جملة من هذه
الأخبار ـ وبه صرح هنا جملة من علمائنا الأبرار ـ جواز الائتمام في النافلة هنا
لقوله عليهالسلام) في رواية محمد بن على «وليجعل الأخيرتين سبحة» وفي
رواية محمد بن النعمان «فليجعل الأولتين نافلة والأخيرتين فريضة» وقد عرفت دلالة
كلام الشيخ على ما تضمنه الخبر المذكور مع ان الأظهر الأشهر كما تقدم تحقيقه انه
لا يجوز الجماعة في النافلة إلا ما استثنى ولم يعدوا هذا الموضع من جملة ما خصوه
بالاستثناء.
الثالث ـ قال
شيخنا الشهيد الثاني في الروض في ما لو صلى المسافر الصلاة الرباعية مع الحاضر انه
يسلم إذا فرغ من أفعاله الموافقة لصلاة الإمام قبل الامام ، ولو تشهد معه ثم
انتظره الى أن يكمل صلاته ويسلم معه كان أفضل. ولو انعكس الفرض تخير الحاضر عند
انتهاء الفعل المشترك بين المفارقة في الحال والصبر حتى يسلم الامام فيقوم إلى
الإتمام وهو أفضل. والأفضل للإمام أن ينتظر بالسلام فراغ المأموم ليسلم به فان علم
المأموم بذلك قام بعد تشهد الامام. انتهى. ونحوه صرح الشهيد في الذكرى ايضا. وما
ذكره (طاب ثراه) من الأفضلية في هذه
__________________
المواضع لم أقف فيه على دليل.
الرابع ـ المشهور
عدم وجوب بقاء الامام المسافر في مجلسه الى أن يتم المأموم المقيم خلافا للمرتضى
وظاهر ابن الجنيد.
قال المرتضى (رضى
الله عنه) في الجمل على ما نقله في المختلف : لو دخل المقيم في صلاة مسافر وجب
عليه أن لا ينتقل من الصلاة بعد سلامه إلا بعد ان يتم المقيم صلاته. واقتصر في
المختلف على نقل خلاف المرتضى. واما ما نسبناه الى ظاهر ابن الجنيد فقد نقله شيخنا
الشهيد الثاني في الروض.
ثم انه في
المختلف اختار الاستحباب ونقله عن الشيخ وابن إدريس ، واحتج بأنه قد صلى فرضه فلا
يجب عليه انتظار المأموم كالمأموم المسبوق.
أقول : يمكن أن
يكون دليلهما ما رواه في الكافي عن ابى بصير في الموثق أو الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «أيما رجل أم قوما فعليه أن يقعد بعد التسليم ولا
يخرج من ذلك الموضع حتى يتم الذين خلفه الذين سبقوا صلاتهم ، ذلك على كل امام واجب
إذا علم ان فيهم مسبوقا ، فان علم ان ليس فيهم مسبوق بالصلاة فليذهب حيث شاء».
إلا ان مورد
الرواية كما ترى انما هو المسبوق وقد ورد ما يدل على جواز القيام بالنسبة اليه
وعدم الانتظار كما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يصلى بقوم فيدخل قوم في صلاته بعد ما قد صلى
ركعة أو أكثر من ذلك فإذا فرغ من صلاته وسلم أيجوز له وهو إمام أن يقوم من موضعه
قبل أن يفرغ من دخل في صلاته؟ قال نعم».
وقال في الروض
على اثر الكلام المتقدم نقله عنه هنا ونقل خلاف المرتضى وابن الجنيد : وما ذكرناه
من التفصيل آت في الصلاتين المختلفتين عددا وصلاة المسبوق وان لم يختلفا سفرا
وحضرا ، فإذا اقتدى مصلى الصبح بالظهر فحكمه حكم
__________________
اقتداء المسافر بالحاضر ، ومثله اقتداء مصلى المغرب بالعشاء فإنه يجلس بعد
الثالثة للتشهد والتسليم والأفضل له انتظاره به كما مر. وربما قيل بالمنع هنا
لإحداثه تشهدا مانعا من الاقتداء بخلاف مصلى الصبح مع الظهر والمسافر مع الحاضر
فإنه يتشهد مع الامام. ويضعف بان ذلك ليس مانعا من الاقتداء ومن ثم يتأخر المأموم
المسبوق للتشهد مع بقاء القدوة. انتهى.
الخامس ـ المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم كراهة ائتمام الحاضر بالمسافر وكذا بالعكس ، ذكره
المفيد والمرتضى والشيخ في الخلاف وأبو الصلاح وابن إدريس والمحقق في المعتبر
والعلامة ، ونقل في المختلف عن الشيخ على بن بابويه انه قال : لا يجوز امامة المتم
للمقصر وبالعكس. وقال ابنه في المقنع : لا يجوز أن يصلى المسافر خلف المقيم. وجملة
من الأصحاب كالشيخ في المبسوط والنهاية والجمل لم يعدوا في قسم المكروه ائتمام
المسافر بالحاضر ، وكذا المحقق في الشرائع حيث اقتصر في عده المكروهات على ائتمام
الحاضر بالمسافر ، وهو ظاهر سلار ايضا كما نقله في المختلف ، وظاهره في المختلف
الميل الى عدم الكراهية في الصورة المذكورة.
وأنت خبير بأنه
قد تقدم في موثقة الفضل بن عبد الملك المنع من امامة الحضري بالمسافر وبالعكس ،
وأكثر الروايات المتقدمة كصحيحة حماد بن عثمان وصحيحة محمد بن مسلم وصحيحة محمد بن
النعمان الأحول دلت على جواز ائتمام المسافر بالحاضر من غير كراهة وكذا رواية محمد
بن على ، إلا ان غاية ما تدل عليه هو الجواز وان لم يتعرض فيها لذكر الكراهة ، وهو
لا ينافي ما دل على الكراهة كالموثقة المذكورة ومثلها صحيحة أبي بصير ، فإنها دلت
على انه لا يصلى المسافر مع المقيم.
وصاحب المختلف
حيث اختار الجواز بلا كراهة رد موثقة الفضل بن عبد الملك بان في طريقها داود بن
الحصين وهو واقفي.
وصاحب المدارك
حيث اختار الكراهة اعتذر عن الموثقة المذكورة حيث
ان مذهبه كما عرفت نظم الموثق في قسم الضعيف فقال : وهذه الرواية معتبرة
الإسناد إذ ليس في طريقها مطعون فيه سوى داود بن الحصين ، وقد وثقه النجاشي وقال
انه كان يصحب أبا العباس الفضل بن عبد الملك وان له كتابا يرويه عدة من أصحابنا.
لكن قال الشيخ وابن عقدة انه كان واقفيا. ولا يبعد ان يكون الأصل في هذا الطعن من
الشيخ كلام ابن عقدة وهو غير ملتفت اليه لنص الشيخ والنجاشي على أنه كان زيديا
جاروديا وانه مات على ذلك. انتهى.
أقول : انظر ما
يتستر به (قدسسره) في الخروج عن اصطلاحه من هذا الكلام الضعيف والعذر
السخيف (أما أولا) فإن ما ذكره من كون الشيخ إنما أخذ الطعن من ابن عقدة وتبعه فيه
من غير أن يثبت عنده مع كونه مجرد تخرص غير مسموع ، إذ هو موجب للطعن في الشيخ (قدسسره) والقدح فيه من جهة أنه يقدح في الرواة وينسبهم الى
خلاف المذهب الحق من غير أن يكون ذلك معلوما عنده ولا ثابتا لديه بل بمجرد التقليد
لغيره وان كان ممن لا يعتمد عليه ، وهو مما لا ينبغي ظنه بالشيخ ولا نسبته اليه.
و (أما ثانيا)
فلانا ان لم نقل بترجيح الجرح على التعديل لما ذكروه من اطلاع الجارح على ما لم
يطلع عليه المعدل حيث ان بناء العدالة على الظاهر فلا أقل من الجمع بينهما بان يعد
الحديث في الموثق الذي هو من قسم الضعيف عنده ، ولهذا ان العلامة في الخلاصة بعد
نقل القولين المذكورين قال : والأقوى عندي التوقف في روايته. والمشهور بين أصحاب
هذا الاصطلاح هو عد حديثه في الموثق.
وبالجملة فقد
عرفت في غير موضع انه (قدسسره) لا رابطة له يرجع إليها ولا ضابطة يعتمد عليها بل
كلامه يختلف باختلاف اختياراته وإراداته وان ناقض بعضه بعضا.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان ما نقلوه هنا عن الشيخ على بن بابويه من العبارة المتقدمة مجملة غير
منسوبة إلى رسالته ولا غيرها ، وصورة عبارته في الرسالة لم ينقلها
أحد في المقام ، وأنت قد عرفت من ما قدمناه في غير مقام ان أكثر عباراته في
الرسالة إنما هو من كتاب الفقه الرضوي ، ومضمون هذه العبارة وان كان موجودا في
الكتاب المذكور إلا ان بعدها ما يدل على انه ليس المراد بها ما يظهر منها من
التحريم بل المراد بعدم الجواز تأكد الكراهة كما دلت عليه موثقة الفضل بن عبد
الملك.
حيث قال عليهالسلام : واعلم ان المقصر لا يجوز له أن يصلى خلف المتم ولا
يصلى المتم خلف المقصر ، وان ابتليت مع قوم لا تجد بدا من أن تصلى معهم فصل معهم
ركعتين وسلم وامض لحاجتك لو تشاء. الى أن قال : وان كنت متما صليت خلف المقصر فصل
معه ركعتين فإذا سلم فقم وأتمم صلاتك. انتهى.
وهو كما ترى
طبق ما ذكر في موثقة الفضل المذكورة ، فإن صدر الكلام دال على التحريم إلا ان آخره
من ما يكشف عن كون ذلك على جهة الكراهة المؤكدة.
ويمكن أن يكون
ما نقلوه عن الشيخ على بن بابويه بناء على ما ذكرنا من أخذه غالبا من كتاب الفقه
أخذوه من صدر العبارة من غير التفات الى آخرها فصار قولا مخالفا لما عليه الأصحاب
في المسألة.
السادس ـ قد
عرفت جواز اقتداء المفترض بمثله وان اختلف الفرضان عددا وكمية ، وأما اقتداء
المتنفل بالمفترض فكاقتداء الصبي بالبالغ ومعيد صلاته جماعة بعد أن صلاها فرادى
بمن لم يصل ، واقتداء المفترض بالمتنفل كمبتدئ الصلاة مع امام صلى منفردا وأراد
الإعادة جماعة وفي الاقتداء بالصبي المميز على مذهب الشيخ وفي صلاة بطن النخل من
صلوات الخوف كما سيأتي ذكره في محله ان شاء الله تعالى واقتداء المتنفل بالمتنفل
كما في المعادة منهما معا عند بعض ، وفيه كلام يأتي ذكره ان شاء الله تعالى عند
ذكر المسألة ، وكما في جماعة الصبيان والعيد المندوبة عند الأصحاب ، وفيه كلام قد
تقدم ذكره في باب صلاة العيد ، والاستسقاء والغدير على قول تقدم ذكره.
__________________
قال في الذكرى
: الظاهر ان هذه الفروض إنما تتأتى في صورة الإعادة فلو صلى مفترض خلف متنفل نافلة
مبتدأة أو قضاء لنافلة أو صلى متنفل بالراتبة خلف المفترض أو متنفل براتبة أو
غيرها من النوافل فظاهر المتأخرين المنع. انتهى
أقول : وبهذه
العبارة تعلق في المدارك في ما قدمنا نقله عنه في المسألة الأولى في عدم ثبوت
الإجماع على تحريم الجماعة في النافلة.
وأنت خبير بما
قدمناه في المسألة المذكورة من الأدلة الدالة على القول المشهور ومنه يظهر لك ضعف
هذا الكلام وانه لا اعتماد عليه ولا ركون إليه في هذا المقام لما صرحت به اخبارهم عليهمالسلام من التحريم الظاهر لذوي الأفهام ولكنهم (رضوان الله
عليهم لقصور تتبعهم للاخبار يقعون في مثل هذه الأوهام.
فروع
الأول ـ قال
العلامة في المنتهى : لو كان الامام حاضرا والمأموم مسافرا استحب للإمام ان يومئ
برأسه إلى التسليم ليسلم المأموم ثم يقوم الامام فيتم صلاته ويجوز للمأموم أن يصلى
معه فريضة أخرى لحديث الفضل.
الثاني ـ قال
فيه ايضا : لو كان الامام مسافرا سلم ولا يتبعه المأموم فيه فإذا سلم قام المأموم
فأتم صلاته. ويستحب للإمام أن يقدم من يتم الصلاة بهم وان لم يفعل قدم المأمومون.
وهل يجوز أن يصلى الإمام فريضة أخرى وينوي المأموم الائتمام به في التتمة التي
بقيت عليه؟ الذي يلوح من كلام الشيخ في الخلاف الجواز.
الثالث ـ هل
يكره ائتمام المسافر بالمقيم وعكسه عند تساوى الفرضين أو تختص الكراهة بصورة
الاختلاف؟ الذي صرح به المحقق في المعتبر الثاني نظرا الى انتفاء المفارقة
المقتضية للكراهة. وهو غير بعيد. والله العالم.
المسألة
الحادية عشرة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم بأن للجماعة آدابا ومستحبات
بعضها يتعلق بالصلاة وبعضها يتعلق بالإمام وبعضها يتعلق بالمأموم ، ونحن نذكر في
هذه المسألة ما يجرى منها على البال ويمر بالخيال من ما نص عليه كلامهم
وجرت به أقلامهم في هذا المجال فنقول :
منها ـ انه
يستحب للمأموم الواحد إذا كان رجلا أو صبيا الوقوف عن يمين الامام
والأكثر خلفه ،
وكذا المرأة وان كانت واحدة تقوم خلفه ، وقد تقدم الكلام في ذلك وحققنا ثمة ما هو
الحق الثابت عندنا من الأخبار في المسألة الثانية.
ومنها ـ انه
يستحب ان يقف العراة المؤتمون بالعاري في صف واحد وان يبرز الامام بركبتيه ، وكذا
النساء المؤتمون بالمرأة إلا انها لا تبرز عنهم بل يكون الجميع في صف واحد.
ويدل على الأول
ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة ، قال يتقدمهم
الامام بركبتيه ويصلى بهم جلوسا وهو جالس».
والمشهور بين
الأصحاب (رضوان الله عليهم تعين الجلوس عليهم جميعا مطلقا ، وقيل بوجوب القيام مع
أمن المطلع واختاره شيخنا الشهيد الثاني ،
والأكثر على
انه يجب على الجميع الإيماء ، وادعى عليه ابن إدريس الإجماع ، وهو الأظهر لإطلاق
الأمر بذلك في جملة من الأخبار الصحيحة الصريحة.
وقال الشيخ في
النهاية : يومئ الامام ويركع من خلفه ويسجد ، ويشهد له ما رواه في الموثق عن إسحاق
بن عمار قال : «قلت لأبي الحسن عليهالسلام قوم قطع عليهم الطريق فأخذت ثيابهم فبقوا عراة وحضرت الصلاة
كيف يصنعون؟ فقال يتقدمهم امامهم فيجلس ويجلسون خلفه فيومى إيماء بالركوع والسجود
وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم».
وتحقيق هذه
المسألة وما ورد فيها من الأخبار والخلاف والأبحاث المتعلقة بها قد مر مستوفى في
المقدمة الخامسة في الساتر من مقدمات هذا الكتاب فمن
__________________
أراد الوقوف على ذلك فليرجع الى الموضع المذكور ولا يحتاج إلى إعادته.
واما ما يدل
على الثاني فجملة من الأخبار : منها ـ موثقة عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن
ابى عبد الله عليهالسلام «انه سئل عن المرأة تؤم النساء قال نعم تقوم وسطا بينهن ولا تتقدمهن».
وصحيحة هشام بن
سالم «انه سأل أبا
عبد الله عليهالسلام عن المرأة هل تؤم النساء؟ قال تؤمهن في النافلة فأما في
المكتوبة فلا ولا تتقدمهن ولكن تقوم وسطهن».
وصحيحة سليمان
بن خالد قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المرأة تؤم النساء؟ قال إذا كن جميعا أمتهن في
النافلة فأما المكتوبة فلا ولا نتقدمهن».
وصحيحة زرارة
عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «قلت له المرأة تؤم النساء؟ قال لا إلا على الميت
إذا لم يكن أحد أولى منها تقوم وسطهن معهن في الصف فتكبر ويكبرن».
ورواية الحلبي
عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «تؤم المرأة النساء في الصلاة وتقوم وسطا منهن
ويقمن عن يمينها وشمالها تؤمهن في النافلة ولا تؤمهن في المكتوبة».
واما الكلام والخلاف
في جواز إمامتها مطلقا أولا مطلقا أو التفصيل فسيأتي تحقيق البحث فيه ان شاء الله
تعالى قريبا في اشتراط ذكورية الامام.
ومنها ـ انه
يستحب اختصاص أهل الفضل بالصف الأول ، قيل : والمراد بهم من له مزية وكمال في علم
أو عمل أو عقل. وقد نقل الاتفاق على أصل الحكم المذكور.
ويدل عليه من
الأخبار وكذا على أفضلية الصف الأول وان أفضله ما قرب من الامام ما رواه المشايخ
الثلاثة عطر الله مراقدهم عن جابر عن ابى جعفر
__________________
عليهالسلام قال : «ليكن الذين يلون الإمام أولى الأحلام منكم
والنهى فان نسي الإمام أو تعايا قوموه ، وأفضل الصفوف أولها وأفضل أولها ما دنا من
الامام. الحديث ،.
وقال الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه «وليكن من يلي الإمام منكم اولى الأحلام والنهى فان نسي الإمام أو تعايا
يقومه ، وأفضل الصفوف أولها وأفضل أولها ما قرب من الامام».
أقول :
والأحلام جمع حلم بالكسر وهو العقل ومنه قوله عزوجل «أَمْ تَأْمُرُهُمْ
أَحْلامُهُمْ» والنهى بالضم جميع نهية بالضم ايضا كمدية ومدى : العقل
ايضا وتعايا أى لم يهتد لوجه مراده أو عجز عنه ولم يطق أحكامه.
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «وقال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام ان الصلاة في الصف الأول كالجهاد في سبيل الله عزوجل».
وميمنة الصف
أفضل لما رواه في الكافي عن على بن محمد عن سهيل بن زياد بإسناده قال قال : «فضل ميامن الصفوف على مياسرها كفضل الجماعة
على صلاة الفرد».
قال في الذكرى
: وليكن يمين الصف لا فاضل الصف الأول لما روى ان الرحمة تنتقل من الامام إليهم ثم الى يسار الصف ثم
إلى الباقي ، والأفضل للأفضل.
فرعان
الأول ـ لو
اقتدى بالإمام أصناف كالأحرار والعبيد والرجال والنساء والخناثى والصبيان قال
الشيخ يقف الأحرار من كل صنف أمام العبيد من ذلك الصنف
__________________
والرجال أمام الصبيان والصبيان أمام الخناثى والخناثى أمام النساء.
وقال ابن
الجنيد : يقوم الرجال أولا ثم الخصيان ثم الخناثى ثم الصبيان ثم النساء ويقدم الأحرار
على العبيد والإماء والاشراف على غيرهم والعلماء من الاشراف على من لا علم له ،
والأحق بقرب الامام من تصح منه النيابة عند احتياج الامام إليها.
قال في الذكرى
: والخلاف بينه وبين الشيخ في تقديم الصبيان على الخناثى فالشيخ نظر الى تحقق
الذكورية في الصبيان ونظر ابن الجنيد الى تحقق الوجوب في الخناثى دون الصبيان وهو
حسن واختاره ابن إدريس والفاضل. انتهى.
أقول : الظاهر
انهم بنوا في هذا الترتيب المذكور على مجرد الاعتبار لعدم وجود ما يدل عليه من
الأخبار كما يشير اليه كلام الشهيد في وجه اختلاف الشيخ وابن الجنيد.
الثاني ـ قد
صرح جملة : منهم ـ العلامة والشهيدان (رضى الله عنهم بأن الأفضل وقوف الإمام في
وسط الصف ، قال في المنتهى : ويستحب أن يقف الإمام في مقابلة وسط الصف لتتساوى
نسبة المأمومين إليه فيمكنهم المتابعة ، وقد روى الجمهور عن النبي صلىاللهعليهوآله انه قال : «وسطوا الامام وسدوا الخلل».
أقول : روى ثقة
الإسلام في الكافي عن على بن إبراهيم رفعه قال : «رأيت أبا عبد الله عليهالسلام يصلى بقوم وهو الى زاوية من بيته بقرب الحائط وكلهم عن
يمينه وليس على يساره أحد».
وهذا الخبر كما
ترى ظاهر في خلاف ما ذكروه ، ويؤيده أن أفضلية اليمين تقتضي استحباب توسيعها. ولا
معارض للخبر المذكور إلا ما ينقلونه من هذا الخبر العامي.
وأما ما ذكره
في الذكرى في سنة الموقف في الجماعة ـ حيث قال : وخامسها
__________________
ان يقتدى الرجال بالرجل ، والأفضل صلاتهم خلفه بأجمعهم وهو منصوص عنهم عليهمالسلام وكونه في وسط الصف فلو صلى لا في وسطه جاز ، وقد روى من
فعل بعضهم عليهمالسلام ولعله للضرورة لأن الإمام لا يترك الأفضل ـ
فهو جيد لو ثبت
دليل أفضلية ما ذكروه وإلا فارتكاب التأويل في الخبر من غير معارض عقلي أو نقلي
غير معقول ولا مقبول ، وهم لم يذكروا دليلا على ما ادعوه ولو اعتباريا سوى ما عرفت
من الرواية العامية.
ومنها ـ استحباب
إعادة المصلي منفردا صلاته جماعة إماما كان أو مأموما ولا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم بل ادعى عليه الإجماع جمع منهم
وعليه يدل جملة
من الأخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : «كتبت الى ابى الحسن عليهالسلام انى أحضر المساجد مع جيرتي وغيرهم فيأمرونى بالصلاة بهم
وقد صليت قبل أن آتيهم فربما صلى خلفي من يقتدى بصلاتي والمستضعف والجاهل واكره أن
أتقدم وقد صليت لحال من يصلى بصلاتي ممن سميت لك فأمرني في ذلك بأمرك انتهى اليه
وأعمل به ان شاء الله تعالى؟ فكتب صل بهم».
وعن الحلبي في
الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا صليت صلاة وأنت في المسجد وأقيمت الصلاة فإن
شئت فاخرج وان شئت فصل معهم واجعلها تسبيحا».
ومنها ـ ما
رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن حفص بن البختري عن ابى عبد الله عليهالسلام «في الرجل يصلى الصلاة وحده ثم يجد جماعة؟ قال يصلى معهم
__________________
ويجعلها الفريضة». ورواه في الفقيه عن هشام بن سالم عنه عليهالسلام مثله وزاد في آخره «ان شاء».
قيل : المعنى
انه يجعلها تلك الفريضة التي صلاها وحده فان اعادة تلك الفريضة مستحبة ، أو المراد
أن يجعل هذه الفريضة المطلوبة منه وما صلاها أو لا نافلة ، قال : وفي التهذيب حمله
على محامل بعيدة من غير ضرورة.
وقال في الفقيه
وروى انه يحسب له أفضلهما وأتمهما.
وروى في الكافي
عن ابى بصير قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام أصلي ثم أدخل المسجد فتقام الصلاة وقد صليت؟ فقال صل
معهم يختار الله أحبهما اليه».
وروى في
التهذيب عن عمار الساباطي قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يصلى الفريضة ثم يجد قوما يصلون جماعة أيجوز
له أن يعيد الصلاة معهم؟
قال نعم وهو
أفضل. قلت فان لم يفعل؟ قال ليس به بأس». وقال في كتاب الفقه الرضوي نقلا عن العالم عليهالسلام «إذا صليت صلاتك وأنت في مسجد وأقيمت الصلاة فإن شئت فصل وان شئت فاخرج. ثم
قال لا تخرج بعد ما أقيمت صل معهم تطوعا واجعلها تسبيحا».
والكلام هنا
يقع في مواضع الأول ـ لا خلاف ولا إشكال في صحة الإعادة ومشروعيتها لمن صلى الفرض
أولا منفردا وانما الإشكال والخلاف في ما لو صلاة جماعة فهل يستحب الإعادة جماعة
مرة أخرى؟ الأشهر الأظهر العدم ، وحكم الشهيد في الذكرى باستحباب الإعادة للمنفرد
والجامع لعموم الأدلة ، قال في المدارك : وهو غير واضح لأن أكثر الروايات مخصوصة
بمن صلى وحده وما ليس بمقيد بذلك فلا عموم فيه ، ومن هنا يعلم ان الأظهر عدم تراسل
الاستحباب ، وجوزه الشهيدان. انتهى.
__________________
وقال شيخنا
الشهيد الثاني في الروض بعد قول المصنف «واعادة المنفرد مع الجماعة» : ولو صلى
أولا جماعة ففي استحباب الإعادة جماعة قولان أصحهما الجواز لعموم الأدلة خصوصا مع
اشتمال الجماعة الثانية على مرجح ، وهل يسترسل الاستحباب؟ منعه المصنف في التذكرة
وجوزه في الذكرى ، وعموم الأدلة يدل عليه. انتهى.
وظاهر الفاضل
الخراساني في الذخيرة الميل الى ما ذكره الشهيدان حيث نفى البعد عن قولهما مستندا
الى عدم الاستفصال في صحيحة محمد بن إسماعيل ، ثم قال : والأحوط الأول لعدم ما يدل
عليه صريحا وتوقف الصلاة على توقيف الشارعو قد روى عنه صلىاللهعليهوآله لا تصل صلاة في يوم مرتين. انتهى.
أقول : الظاهر
المتبادر من صحيحة محمد بن إسماعيل المذكورة ان صلاته أولا انما كانت فرادى حيث
انه أخبر عن نفسه بأنه يأتي المساجد وقد صلى ، فإن قرينة الحال تدل على أنه صلى في
بيته قبل مجيء المساجد ، والحمل على كونه صلى في بيته جماعة بعيد عن رسم العادة
سيما ان المساجد التي اتى إليها من ما تقام فيها الجماعة من غير تقية كما هو
المفروض ، وبه يظهر سقوط ما ذكره الفاضل المذكور. وكذلك ظاهر صحيحة الحلبي وقوله
فيها «إذا صليت صلاة وأنت في المسجد وأقيمت الصلاة». فإن ظاهرها انه صلى فرادى
واتفقت الجماعة بعد صلاته كذلك ، والحمل على كونه صلى جماعة وبعد فراغه أقيمت
جماعة أخرى في غاية البعد عن رسم العادة وما هو المتكرر المعروف سيما على القول
بتحريم الجماعة ثانية أو كراهتها كما هو المشهور. وبالجملة فإن الأحكام في الأخبار
انما تنصرف الى الافراد المتكررة المتعارفة. وأما صحيحة حفص أو حسنته فهي صريحة في
كونه صلى وحده ، ومثلها صحيحة هشام بن سالم المروية في الفقيه. واما رواية أبي
بصير فالتقريب فيها ما تقدم في صحيحة محمد بن إسماعيل ونحوها رواية عمار. وأما
رواية كتاب الفقه الرضوي فالتقريب فيها ما تقدم في صحيحة الحلبي مع احتمال حملها
على كون الصلاة أخيرا مع جماعة المخالفين كما قدمنا ذكره سابقا على هذا المقام.
__________________
ويمكن ان يقال
ايضا ان هذه الأخبار ما بين مطلق ومقيد والقاعدة تقتضي حمل مطلقها على مقيدها ،
وبذلك يظهر ان الأظهر هو القول المشهور من الاختصاص بالمنفرد ، ويؤيده ان العبادات
مبنية على التوقيف ولم يثبت يقينا الإعادة بعد الصلاة جماعة. ومنه يظهر بطلان
التراسل كما ذهبوا اليه تفريعا على ما اختاروه من استحباب اعادة الجامع.
الثاني ـ قال
في المدارك : لو صلى اثنان فرادى ففي استحباب إعادة الصلاة لهما جماعة إذا لم يكن
معهما مفترض وجهان ، من ان أقصى ما يستفاد من الروايات مشروعية الإعادة إذا اقتدى
بمفترض أو اقتدى به مفترض ، ومن عموم الترغيب في الجماعة. انتهى.
ولا يخفى ضعف
ثاني الوجهين المذكورين ، فان استحباب الجماعة لا يقتضي استحباب إيقاعها كيف اتفقت
بل على الوجه الذي وردت به النصوص ، والكيفية التي ثبتت عنهم عليهمالسلام استحباب الصلاة بقول مطلق ، مع انه لا بد من تقييدها
بما ثبت مشروعيته من الكيفية والكمية ونحوها. وبالجملة فالأظهر هو ما يستفاد من
الوجه الأول وهو المستفاد من روايات المسألة.
الثالث ـ قال
شيخنا الشهيد الثاني في الروض : واولى الصلاتين أو الصلوات هي فرضه فينوي بالباقي
الندب لامتثاله المأمور به على وجهه فيخرج من العهدة ، ولو نوى الفرض في الجميع
جاز لرواية هشام بن سالم. ثم نقل الرواية ، ثم قال ولما روى «ان الله تعالى يختار أحبهما اليه» وروى «أفضلهما وأتمهما». ونقل في
المدارك الوجه الثاني عن الشهيد في الذكرى والدروس للرواية المذكورة ، ورده بأنه
بعيد جدا والرواية لا تدل عليه بوجه.
أقول : قد تقدم
ان الرواية محتملة لأن يكون المعنى في قوله : «يصلى معهم ويجعلها الفريضة» انه
يجعل الصلاة المعادة جماعة هي الفريضة التي صلاها أولا
__________________
لا صلاة غيرها من الفرائض والصلوات وهو وجه وجيه ، والحمل على المعنى الذي
فهموه من الخبر وان كان محتملا إلا ان صيرورة الفريضة بعد إتمامها نافلة والنافلة
فريضة غير معهود ، فإثباته بمجرد هذا الخبر لا يخلو من الإشكال سيما مع قيام ما
ذكرناه من الاحتمال ، وعليه حمل صاحب المدارك الخبر المذكور. ورواية «ان الله
يختار أحبهما إليه» لا تقتضي نية وجوب كل منهما واتصافها بأنها فرض ، بل المعنى
انه لما شرع عز شأنه) الإعادة وأمر بها استحبابا فله سبحانه الاختيار في ما يختاره
منهما فيختار ما هو أحب إليه. هذا غاية ما يدل عليه الخبر المذكور وهو لا يقتضي ما
ادعاه. والله العالم.
ومنها ـ القرب
من الامام لما تقدم من رواية جابر ورواية كتاب الفقه الرضوي ، وقد عده الشهيد في
النفلية من مستحبات الجماعة. وذكر أفضلية القرب في الخبرين المذكورين من الصف
الأول يقتضي أفضلية الأقربية مطلقا.
ومنها ـ اقامة
الصفوف واعتدالها ويستحب استحبابا مؤكدا وكذا سد الفرج الواقعة في الصفوف.
روى الصدوق في
الفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليهالسلام في حديث قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله أقيموا صفوفكم فإني أراكم من خلفي كما أراكم من قدامي
ومن بين يدي ولا تخالفوا فيخالف الله بين قلوبكم».
وروى في
التهذيب عنه عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام قال : «قال
__________________
رسول الله صلىاللهعليهوآله سووا بين صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم لا يستحوذ عليكم
الشيطان».
وروى في كتاب
ثواب الأعمال في الموثق عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله يا أيها الناس أقيموا صفوفكم وامسحوا بمناكبكم لئلا
يكون بينكم خلل ولا تخالفوا فيخالف الله بين قلوبكم ، ألا وانى أراكم من خلفي».
وروى في كتاب
البصائر في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام الرجل يكون في المسجد فتكون الصفوف مختلفة فيها الناس
فأميل اليه مشيا حتى أقيمه؟ قال نعم لا بأس به ان رسول الله صلىاللهعليهوآله قال يا أيها الناس إني أراكم من خلفي كما أراكم من بين
يدي لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم».
ومن الكتاب
المذكور عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «قلت له انا نصلي في مسجد لنا فربما كان الصف
امامى وفيه انقطاع فامشى اليه بجانبي حتى أقيمه؟ قال نعم ان رسول الله صلىاللهعليهوآله قال أراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي ، لتقيمن
صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم».
ومن الكتاب
المذكور عن عبد الله الحلبي في الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «ان رسول الله صلىاللهعليهوآله قال أقيموا صفوفكم فإني أراكم من خلفي كما أراكم من بين
يدي ، ولا تختلفوا فيخالف الله بين قلوبكم».
ومن الكتاب
المذكور عن ابى عتاب زياد مولى آل دغش عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سمعته يقول أقيموا صفوفكم إذا رأيتم خللا ، ولا
عليك أن تأخذ ورائك إذا وجدت ضيقا في الصفوف فتتم الصف الذي خلفك أو تمشي منحرفا
فتتم الصف الذي قدامك فهو خير. ثم قال ان رسول الله صلىاللهعليهوآله قال أقيموا صفوفكم فانى انظر إليكم من خلفي لتقيمن
صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم».
__________________
ومنه ايضا عن
هارون بن حمزة الغنوي عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «ان رسول الله صلىاللهعليهوآله قال أقيموا صفوفكم فانى انظر إليكم من خلفي لتقيمن
صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم».
وروى في كتاب
دعائم الإسلام عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : «سووا صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم ولا تخالفوا
بينها فتختلفوا ويتخللكم الشيطان تخلل أولاد الحذف». قال : والحذف ضرب من الغنم
الصغار السود واحدتها حذفة فشبه رسول الله صلىاللهعليهوآله تخلل الشيطان الصفوف إذا وجد فيها خللا بتخلل أولاد تلك
الغنم بين كبارها. انتهى.
أقول : وروى
العامة في صحاحهم «كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يسوى صفوفنا كما يسوى القداح. وقال أقيموا صفوفكم فإني
أراكم من وراء ظهري. وقال سووا صفوفكم فان تسوية الصفوف من تمام الصلاة. وكان يمسح
مناكبهم في الصلاة ويقول استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم».
قال في النهاية
: فيه «سووا صفوفكم ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم» أي إذا تقدم بعضهم على بعض في
الصفوف تأثرت قلوبهم ونشأ بينهم الخلف. ومنه الحديث الآخر «لتسون صفوفكم أو
ليخالفن الله بين وجوهكم» يريد ان كلا منهم بصرف وجهه عن الآخر يوقع بينهم التباغض
، فان إقبال الوجه على الوجه من أثر المودة والألفة. وقيل المراد تحويلها الى
الإدبار. وقيل تغيير صورها الى صور اخرى.
وأنت خبير بان
ظاهر الخبر الأول من أخبار البصائر جواز المشي حال الصلاة لأجل اقامة الصف إذا
رآهم مختلفين في الوقوف تقدما وتأخرا ، وينبغي
__________________
ان يقيد بغير وقت القراءة لما تقدم في الباب الثاني في أفعال الصلاة من
وجوب الطمأنينة على المأموم حال القراءة وان تحمل عنه الإمام القراءة.
وظاهر الخبر
الثاني من الأخبار المذكورة ان من اقامة الصفوف إتمام الصف لو كان ناقصا ، وقوله «فامشى
اليه بجانبي» يدل على ان النقصان في جانب اليمين أو اليسار من موقف المصلى وإلا فلو
كان محاذيا له في الموقف لم يحتج إلى المشي اليه على جانب. ونحو هذا الخبر خبر ابى
عتاب.
وقال في الذكرى
: لو وجد فرجة في الصف فله السعي إليها وان كانت في غير الصف الأخير ، ولا كراهة
هنا في اختراق الصفوف لأنهم قصروا حيث تركوا تلك الفرجة ، نعم لو أمكن الوصول بغير
اختراقهم كان أولى.
أقول : وإطلاق
الخبرين المذكورين يدل على ما ذكروه لان الصف الواقع إمام أو خلف في الخبرين أعم
من أن يكون بغير فاصلة أو بفاصلة صف آخر.
وأظهر من ذلك ما
رواه على بن جعفر في كتابه عن أخيه عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يكون في صلاته في الصف هل يصلح
له ان يتقدم الى الثاني أو الثالث أو يتأخر وراءه في جانب الصف الآخر؟ قال : إذا
رأى خللا فلا بأس به».
وظاهر الحديث
المرسل في التهذيب وحديث كتاب ثواب الأعمال وخبر كتاب الدعائم ان اقامة الصفوف
واستواءها بالمحاذاة بين المناكب من المأمومين. ومنه يعلم تحديد المساواة في
الموقف بين الامام والمأموم مع اتحاد المأموم والتقدم مع التعدد. وقد تقدم في كلام
الأصحاب تحديد ذلك بالأعقاب أو مع رؤوس الأصابع ، وقد عرفت انه لا مستند له.
ومنها ـ تقارب
الصفوف بعضها من بعض ، قال في الذكرى : يستحب تقارب الصفوف فلا يزيد ما بينها على
مسقط الجسد إذا سجد ، رواه زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام وقدر ايضا بمريض عنز ذكره في المبسوط.
__________________
أقول : قد
قدمنا ان ظاهر الخبر المذكور وكذا غيره من ما ورد بهذا المضمون ان التقدير بهذا
المقدار على جهة الوجوب والشرطية لصحة القدوة فلو زاد على ذلك بطلت القدوة ، لأن
الرواية قد اشتملت على النهى عن التباعد بين الامام والمأموم وبين المأمومين بعضهم
مع بعض بما لا يتخطى ، وان نهاية ما يتخطى الذي يجوز التباعد به قدر مسقط جسد
الإنسان حال السجود. والأصحاب لما حملوا الرواية في ما اشتملت عليه من تحديد البعد
على الاستحباب ـ حيث انهم فسروه بما يرجع الى العرف والعادة ـ فرعوا عليه ما ذكروه
هنا من الاستحباب ، ومن عمل بظاهر الخبر المذكور كما أوضحناه آنفا فإنه يصير هذا
الحد بين الصفوف نهاية الجواز فلو زاد على ذلك بطلت القدوة.
ومنها ـ انه
يستحب تسبيح المأموم إذا فرغ من قراءته قبل الإمام في موضع يجوز له القراءة فيه
كما في الجهرية إذا لم يسمع ولا همهمة فإنه متى قرأ وفرغ قبل الإمام فإنه يستحب له
ان يسبح حتى يفرغ الامام ، وله ايضا ان يمسك آية حتى إذا فرغ الإمام قرأها وركع
بعدها :
روى الشيخ في
الموثق عن عمر بن أبي شعبة عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ من
قراءته؟ قال فأتم السورة ومجد الله واثن عليه حتى يفرغ».
وعن زرارة في
الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الإمام أكون معه فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ؟ قال
فأمسك آية ومجد الله واثن عليه فإذا فرغ فاقرأ الآية واركع».
وقد ورد نحو
ذلك في الصلاة خلف المخالفين إذا فرغ المأموم من قراءته قبل الإمام فإنه يتخير بين الأمرين المذكورين :
روى الكليني في
الكافي في الموثق عن إسحاق بن عمار عن من سأل أبا عبد الله
__________________
عليهالسلام قال : «أصلي خلف من لا اقتدى به فإذا فرغت من قراءتي
ولم يفرغ هو؟ قال فسبح حتى يفرغ».
وروى البرقي في
كتاب المحاسن عن صفوان الجمال قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام ان عندنا مصلى لا نصلي فيه وأهله نصاب وامامهم مخالف
فائتم به؟ قال لا. قلت ان قرأ اقرأ خلفه؟ قال نعم. قلت فان نفدت السورة قبل أن
يركع؟ قال سبح وكبر انما هو بمنزلة القنوت وكبر وهلل».
أقول : وبذلك
صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم قال في المنتهى : لو فرغ المأموم من القراءة قبل
الامام استحب له ان يسبح الى ان يفرغ الامام ويركع معه ، ويستحب له أن يبقى آية
فإذا ركع الإمام قرأها وركع معه.
وقال في الذكرى
: لو قرأ ففرغ قبله استحب أن يبقى آية ليقرأها عند فراغ الامام ليركع عن قراءة. ثم
ذكر رواية زرارة وقال : فيه دليل على استحباب التسبيح والتحميد في الأثناء ودليل
على جواز القراءة خلف الامام. ثم قال وكذا يستحب إبقاء آية لو قرأ خلف من لا يقتدى
به. انتهى. والظاهر انه لم يقف على رواية التحميد والتسبيح في الصورتين
المذكورتين.
ومن ما يدل على
التخيير بين الأمرين المذكورين في الصلاة خلف المخالف قوله عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي بعد ذكر الصلاة خلف المخالف تقية : واذن لنفسك وأقم
واقرأ فيها لأنه غير مؤتمن به. فإذا فرغت قبله من القراءة أبق آية منها حتى تقرأ
وقت ركوعه وإلا فسبح الى أن يركع. انتهى.
وكذا يستحب
للمأموم في الصلاة الإخفاتية والجهرية ، وقد تقدم ذكر ذلك والدليل عليه في المسألة
الثامنة.
ومنها ـ ان
الأفضل للإمام ان يصلى بصلاة أضعف من خلفه والأخبار به مستفيضة
__________________
ومنها ـ ما
رواه الشيخ والصدوق عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «ينبغي للإمام أن تكون صلاته على صلاة أضعف من
خلفه».
وما رواه الشيخ
في التهذيب مسندا عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن على عليهمالسلام ـ ورواه الصدوق مرسلا عن على عليهالسلام ـ قال «آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي صلىاللهعليهوآله انه قال يا على إذا صليت فصل صلاة أضعف من خلفك. الحديث».
وما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «صلى رسول الله صلىاللهعليهوآله الظهر والعصر فخفف الصلاة في الركعتين الأخيرتين فلما
انصرف قال له الناس يا رسول الله صلىاللهعليهوآله أحدث في الصلاة شيء؟ قال وما ذاك؟ قالوا خففت في
الركعتين الأخيرتين. فقال لهم أما سمعتم صراخ الصبي؟». ورواه في كتاب عدة الداعي ثم قال : وفي حديث آخر «خشيت ان يشتغل به خاطر أبيه».
وقال في كتاب
الفقيه : كان معاذ يؤم في مسجد على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ويطيل القراءة وانه مر به رجل فافتتح سورة طويلة فقرأ
الرجل لنفسه وصلى ثم ركب راحلته فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوآله فبعث الى معاذ فقال يا معاذ إياك أن تكون فتانا عليك
بالشمس وضحاها وذواتها.
وفي كتاب نهج
البلاغة في عهده عليهالسلام للأشتر (رضى الله عنه) «إذا قمت في صلاتك للناس فلا
تكونن منفرا ولا مضيعا فان في الناس من به العلة وله الحاجة وقد سألت رسول الله صلىاللهعليهوآله حين وجهنى الى اليمين كيف أصلي بهم؟ فقال صلى بهم كصلاة
أضعفهم وكن بالمؤمنين رحيما».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي : إذا صليت فخفف بهم الصلاة وإذا كنت
__________________
وحدك فثقل فإنها العبادة.
وقال في الذكرى
: يستحب للإمام تخفيف الصلاة والاقتصار على السور القصار والتسبيح في الركوع
والسجود ثلاثا لا أزيد. ثم نقل رواية إسحاق بن عمار المتقدمة. ثم قال : ولو أحس
بشغل لبعض المأمومين استحب التخفيف أزيد من ذلك. ثم نقل صحيحة عبد الله بن سنان في
بكاء الصبي.
وبالجملة
فالحكم المذكور اتفاقي نصا وفتوى ، واستثنى بعض الأصحاب من ذلك ما إذا علم منهم حب
التطويل ولا بأس به ، لأن الظاهر من الأخبار هو مراعاة حالهم في الاستعجال
لأغراضهم وحوائجهم وأمراضهم فإذا أحبوا ذلك فلا منافاة فيه لما دلت عليه النصوص
المذكورة.
ومنها ـ ان
الأفضل للإمام أن لا يقوم من مقامه بعد التسليم حتى يتم من خلفه صلاته ، وقد تقدم
الكلام في ذلك في المسألة العاشرة.
ومن الأخبار
الواردة في المسألة زيادة على ما قدمناه ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن
عبد الخالق قال : «سمعته يقول لا ينبغي للإمام ان يقوم إذا صلى حتى
يقضى كل من خلفه ما قد فاته من الصلاة».
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «لا ينبغي للإمام أن ينتقل إذا سلم حتى يتم من
خلفه الصلاة. الحديث».
وما رواه في
الفقيه عن حفص بن البختري في الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «ينبغي للإمام ان يجلس حتى يتم من خلفه صلاتهم».
وما رواه في
التهذيب في الموثق عن سماعة قال : «ينبغي للإمام ان يلبث قبل أن يكلم أحدا حتى يرى
ان من خلفه قد أتموا الصلاة ثم ينصرف هو».
وعن ابى بكر
الحضرمي قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام إذا صليت بقوم
__________________
فاقعد بعد ما تسليم هنيهة».
وقد تقدم ثمة نقل موثقة عمار الدالة على جواز قيامه من موضعه
وانصرافه قبل أن يتم من خلفه.
ومن اخبار
المسألة قوله عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي نقلا عن العالم عليهالسلام قال : «لا ينبغي للإمام ان ينتقل من صلاته إذا سلم حتى
يتم من خلفه الصلاة».
أقول : ربما
أشعر ظاهر هذا الخبر وظاهر موثق سماعة وكذا ظاهر صحيحة الحلبي أو حسنته بأنه يستحب
له البقاء بعد التسليم على هيئة الصلاة فلا يتكلم ولا يلتفت حتى يتم من خلفه ،
والذي ذكره الأصحاب انما هو ان لا يقوم من محله وما أشعرت به هذه الأخبار أخص من
ذلك.
ومنها ـ ان
الأفضل له ان يسمع من خلفه كل ما يقول من الأذكار ولا سيما التشهد ولمن خلفه أن لا
يسمعوه شيئا.
ويدل عليه ما
رواه الشيخ في التهذيب عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل ما يقول ولا
ينبغي لمن خلفه ان يسمعه شيئا من ما يقول».
وربما سبق الى
بعض الافهام الفاسدة والأوهام الشاردة من هذا الخبر وجوب الجهر في الأخيرتين على
الامام بتقريب ان لفظ «ينبغي» في الأخبار قد تكاثر وروده بمعنى الوجوب و «لا ينبغي»
بمعنى التحريم.
وفيه انه لا
ريب ان الأمر كذلك إلا انه قد ورد فيها ايضا بمعنى الاستحباب والكراهة كما هو ظاهر
الاستعمال العرفي ، ونحن قد حققنا في غير موضع من ما تقدم ان هذين اللفظين في
الأخبار من الألفاظ المتشابهة وانه لا يحمل على أحد المعنيين
__________________
في الأخبار إلا بقرينة تؤذن بذلك.
(فان قلت) ان
مقتضى كون اللفظ كما ذكرتم ـ مع تصريحكم بان الحكم في المتشابه هو الاحتياط وجوبا
ـ ترجيح الجهر في الأخيرتين احتياطا وجوبا كما تختارونه واستحبابا كما هو المشهور
لدخول هذا الجزئي تحت عموم الخبر ، وكذا الكلام بالنسبة إلى المأموم.
فالجواب انه لا
ريب في صحة ما ذكرت لو خلينا وظاهر الخبر المذكور» إلا انه لما كان أصحابنا (رضوان
الله عليهم سلفا وخلفا على الإخفات في هذه المسألة وحمل الخبر المذكور في جميع ما
اشتمل عليه من الأحكام على الاستحباب بالنسبة الى الامام والكراهة بالنسبة إلى
المأموم ـ فإنهم ما بين مصرح بما ذكرنا وما بين من لم يظهر منه خلاف ذلك ـ فالواجب
تقييد الخبر المذكور بما ذكروه وعدم الخروج عن ما اعتمدوه ، وكم في الأخبار من ما
هو من هذا القبيل من ما اشتمل على هذا اللفظ مع حمله على الاستحباب بين كافة
الأصحاب جيلا بعد جيل ، أو لفظ «لا ينبغي» مع حمله على الكراهة اتفاقا أو مع خلاف
نادر قليل كما لا يخفى على المتتبع من ذوي التحصيل.
ولا يخفى على
المتتبع ايضا ورود ما هو أصرح من هذا الخبر في الوجوب في جملة من الأحكام مع
اتفاقهم على العدول عنه من غير خلاف يعرف أو خلاف شاذ في المقام ، وكثير من
مستحبات الصلاة من هذا القبيل كالتكبير للركوع والسجود ونحوهما من ما قد وردت
الأوامر به من غير معارض ومقتضى الأمر الوجوب والاستغفار في الأخيرتين بعد التسبيح
فان مقتضى الأمر الوجوب مع الفتوى منهم من غير خلاف يعرف أو خلاف شاذ على
الاستحباب ، والتورك في الصلاة كذلك وليس للأمر به معارض إلا إطلاق بعض الأخبار
التي يمكن حمل إطلاقها على الأخبار المقيدة مع انه لا خلاف في الاستحباب ، وأمثال
ذلك كثير يقف عليها المتتبع ، ولا سيما ما اشتمل عليه حديث حماد بن عيسى الوارد في
تعليم
الصادق عليهالسلام له الصلاة ، ونحوه صحيحة زرارة ، وما ذكره عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي المتقدم جميع ذلك في صدر الباب
الثاني في الصلوات اليومية فإن جميع ما اشتملت عليه الأخبار المشار إليها من
الأوامر والنواهي لا معارض لها يوجب إخراجها عن حقيقة الأمر والنهى.
فالواجب على
هذا القائل هنا بمجرد ورود لفظ مشتبه محتمل للوجوب أن يقول بالوجوب والتحريم في
جميع تلك المستحبات والمكروهات باتفاق العلماء ، وهذا عين السفسطة ، وما ذاك إلا
من حيث تقييد تلك الأخبار بعمل الأصحاب على ذلك الحكم واتفاقهم عليه.
ولا يخفى على
المنصف المتدرب في الفن ان اتفاق الأصحاب على الحكم متقدميهم ومتأخريهم من ما يثمر
العلم أو الظن المتاخم له بان ذلك هو مذهب الأئمة صلوات الله عليهم فان مذهب كل
امام من أئمة الهدى أو أئمة الضلال انما يعلم بنقل شيعته واتباعه. واما الأخبار
فليست كذلك فان فيها ما خرج على خلاف المذهب وفيها المجمل والمتشابه ونحو ذلك من الوجوه
المانعة من الجزم بكون ما اشتملت عليه مذهبا ، وقد وردت عندنا جملة من الأخبار
الصحاح الصراح في جملة من الأحكام لم يلتفت إليها أصحابنا ولم يعملوا بها واطرحوها
كاخبار عدم وجوب الغسل على المرأة بالاحتلام واخبار السنة والسنتين في الرضاع المحرم ونحو ذلك من ما يقف عليه المتتبع البصير ولا ينبئك مثل
خبير.
وحينئذ فإذا
جاز الخروج عن مقتضى الأوامر الظاهرة في الوجوب باتفاق الأصحاب على خلاف ذلك فكيف
بلفظ محتمل كما هو محل البحث ، ومن ذا الذي يروم الجزم بوجوب جهر الامام بجميع ما
يأتي به من الأذكار وتحريم الجهر على المأموم في جميع ذلك بهذا الخبر المجمل مع
مخالفة كافة العلماء له قديما وحديثا وطرحه
__________________
بينهم بهذا المعنى الذي توهموه وحملهم له على ما ذكروه (رضوان الله عليهم
من المعنى الذي قدمناه عنهم. هذا مع ما أخذ على المفتي في الأخبار من القول بالعلم
واليقين والنهى عن الظن والتخمين.
وما توهمه بعض
من لم يعض على العلم بضرس قاطع ولم يعط التأمل حقه في جميع المواضع من التفرد
بالعمل بالأخبار من غير ملاحظة كلام الأصحاب فهو جهل محض لما أوضحناه وان صار في
هذه الأيام من صار الى ما ذكرناه إلا انه كما عرفت واضح الفساد ناشىء من العصبية
واللداد.
ومن ما يوضح لك
صحة ما ذكرناه ما اشتهر بينهم الآن من انه ينبغي لطالب العلم ان لا يشتغل إلا بكتب
الأخبار وان كان أميا لم يقرأ شيئا من العلوم بالكلية وصارت كتب الفقهاء بينهم
مهجورة مطرحة ، وهذه حماقة ظاهرة فإنه لا يخفى على المنصف العارف بالقواعد الشرعية
والضوابط المرعية ان هذه المرتبة وهي الاشتغال بالأخبار واستنباط ما فيها من
الأحكام والأسرار ليست بسهلة التناول لكل من ورامها من الناس وان زعم ذلك من تلبس
الآن بهذا اللباس وانما هي مرتبة الفقيه الجامع الشرائط ، وهي مرتبة لم يصلها
العلماء إلا بعد أن تشيب نواصيهم في تحصيل العلوم والاطلاع على كل معلوم منها
ومفهوم وأحكام قواعدها وتحصيل ضوابطها ، ومع هذا فهم فيها بين قائم وطائح وغريق
وسابح ، واين لهؤلاء الجهال من نيل هذه المرتبة العزيزة المنال بمجرد عقولهم
الناقصة العيار وتوهماتهم الموجبة للعثار ، نعوذ بالله سبحانه من زيغ الافهام وزلل
الاقدام والخروج عن النهج القويم والميل عن الصراط المستقيم وأما ما يدل على تأكد
الإسماع في التشهد
فرواية أبي
بصير قال : «صليت خلف ابى عبد الله عليهالسلام فلما كان في آخر تشهده رفع صوته حتى أسمعنا فلما انصرف
قلت كذا ينبغي للإمام ان يسمع تشهده من خلفه؟ قال نعم».
وما رواه الشيخ
والصدوق في الصحيح عن حفص بن البختري عن ابى عبد الله
__________________
عليهالسلام قال : «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه التشهد ولا
يسمعونه هم شيئا». قال في الفقيه : يعنى الشهادتين. قال : ويسمعهم ايضا السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين.
ومنها ـ انه
يستحب للإمام إذا أحس بداخل حال ركوعه أن يطيل بقدري ركوعه انتظار للداخلين ثم
يرفع.
ويدل على ذلك ما
رواه الشيخ عن جابر الجعفي قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام انى لؤم قوما فاركع فيدخل الناس وأنا راكع فكم انتظر؟
فقال ما أعجب ما تسأل عنه يا جابر انتظر مثلي ركوعك فان انقطعوا وإلا فارفع رأسك».
وروى في الكافي
عن مروك بن عبيد عن بعض أصحابه عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «قلت له انى إمام مسجد الحي فاركع بهم وأسمع
خفقان نعالهم وأنا راكع؟ قال اصبر ركوعك ومثل ركوعك فان انقطعوا وإلا فانتصب قائما».
ومنها ـ أن
يقول المأموم عند فراغ الامام من الفاتحة : الحمد لله رب العالمين. قال العلامة في
المنتهى : ذكر ابن بابويه في كتابه انه يستحب للمأمومين إذا فرغ الامام من قراءة
الحمد أن يقولوا : الحمد لله رب العالمين. ورواه الحسين بن سعيد في كتابه أيضا . انتهى.
أقول : ويدل
عليه ايضا ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن جميل عن
__________________
ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها
فقل أنت : الحمد لله رب العالمين. ولا تقل آمين». ونحوه روى عن جميل في كتاب مجمع
البيان للطبرسي .
ومنها ـ قيام
المأمومين إلى الصلاة عند قول المقيم «قد قامت الصلاة» على المشهور ، واستدل عليه
بان هذا اللفظ اخبار عن الإقامة فيجب المبادرة للتصديق. ولا يخفى ما فيه من الوهن
فهو بالإعراض عنه حقيق.
والأظهر
الاستناد في ذلك الى ما رواه الشيخ والصدوق عن الحناط قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام إذا قال المؤذن «قد قامت الصلاة» أيقوم القوم على
أرجلهم أو يجلسون حتى يجيء إمامهم؟ قال لا بل يقومون على أرجلهم فإن جاء امامهم
وإلا فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم».
وما رواه الشيخ
عن معاوية بن شريح قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام قال إذا قال المؤذن «قد قامت الصلاة» ينبغي لمن في
المسجد أن يقوموا على أرجلهم ويقدموا بعضهم ولا ينتظروا الامام. قال قلت وان كان
الامام هو المؤذن؟ قال وان كان فلا ينتظرونه ويقدموا بعضهم».
أقول : والواجب
على ذلك القائل المتقدم ذكره بما قدمنا نقله عنه هو القول بوجوب القيام في هذه
الصورة ، لورود الخبر المذكور من غير معارض بل تأكده بالخبر المتقدم ، والقول به
سفسطة ظاهرة.
وقال الشيخ في
المبسوط والخلاف وقت القيام إلى الصلاة عند فراغ المؤذن من كمال الأذان. ولم نقف
على دليله.
وحكى العلامة
في المختلف عن بعض علمائنا قولا بان وقت القيام إلى الصلاة
__________________
عند قوله «حي على الصلاة» لأنه دعاء إليها فاستحب القيام عنده.
وأجيب عنه
بالمعارضة بالأذان فإن هذا اللفظ موجود فيه ولا يستحب القيام عنده. وبان هذا اللفظ
دعاء إلى الإقبال إلى الصلاة و «قد قامت» صيغة اخبار بمعنى الأمر فالقيام عنده
أولى.
وقد مضى بعض
المستحبات في الأبحاث السابقة وسيأتي أيضا في المطلب الآتي بعض ذلك من ما سنشير
اليه ان شاء الله تعالى.
المسألة
الثانية عشرة ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم جملة من المكروهات في الجماعة
أيضا :
منها ـ ان يقف
المأموم وحده في الصف إلا أن تمتلئ الصفوف فلا يجد موضعا يدخل فيه فإنه يقف وحده
في صف بغير كراهة ، والحكم المذكور مجمع عليه كما نقله في المدارك وقبله العلامة ،
ونقل عن ابن الجنيد انه منع من ذلك ، قال على ما نقل عنه في الذكرى : ان امكنه
الدخول في الصف من غير أذية غيره لم يجز قيامه وحده.
ويدل على الحكم
الأول ما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام قال : «قال أمير المؤمنين عليهالسلام قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لا تكونن في العيكل. قلت وما العيكل؟ قال أن تصلى خلف
الصفوف وحدك ، فان لم يمكن الدخول في الصف قام حذاء الإمام أجزأه فإن هو عاند الصف
فسد عليه صلاته».
وروى في كتاب
دعائم الإسلام عن على عليهالسلام قال : «قال لي رسول الله صلىاللهعليهوآله يا على لا تقومن في العيكل. قلت وما العيكل يا رسول
الله صلىاللهعليهوآله؟ قال ان تصلى خلف الصفوف وحدك».
ثم قال في
الكتاب المذكور : يعنى ـ والله العالم ـ إذا كان ذلك وهو
__________________
يجد موضعا في الصفوف فاما إذا لم يجد فلا شيء عليه ان يصلى خلف الصفوف
وحده ، لأنا روينا عن ابى عبد الله جعفر بن محمد عليهماالسلام «انه سئل عن رجل دخل مع قوم في جماعة فقام وحده ليس معه في الصف غيره والصف
الذي بين يديه متضايق؟ قال إذا كان كذلك وصلى وحده فهو معهم. وقال : قم في الصف ما
استطعت فإذا ضاق المكان فتقدم أو تأخر فلا بأس». وعن على عليهالسلام انه قال : «إذا جاء الرجل ولم يستطع أن يدخل الصف فليقم
حذاء الإمام فإن ذلك يجزئه ولا يعاند الصف». انتهى.
قال شيخنا
المجلسي (قدسسره) في كتاب البحار : أقول لم أر «العيكل» بهذا المعنى في
كتب اللغة ، قال في القاموس : اعتكل اعتزل وكمنبر مخيط الراعي. وفي بعض النسخ
بالثاء المثلثة وهو ايضا كذلك ليس له معنى مناسب ، ولا يبعد ان يكون الفسكل بالفاء
والسين المهملة وهو بالضم والكسر الفرس الذي يجيء في الحلبة آخر الخيل ، ورجل
فسكل كزبرج رذل ، وكزنبور وبرذون متأخر تابع ، ذكره الفيروزآبادي. وقال في النهاية
: فيه «ان أسماء بنت عميس قالت لعلى عليهالسلام ان ثلاثة أنت آخرهم لأخيار. فقال على عليهالسلام لأولادها فسكلتني أمكم» أى أخرتنى وجعلتني كالفسكل وهو
الفرس الذي يجيء في آخر خيل السباق ، وكانت قد تزوجت قبله بجعفر ثم بأبي بكر.
انتهى كلام شيخنا المشار اليه.
وقال في كتاب
مجمع البحرين بعد أن نقل الحديث بهذا اللفظ قال : وفي نسخة «الفسكل» ثم فسره بما
ذكره في النهاية ، وفيه تأييد لما ذكره شيخنا المشار اليه من التحريف في هذه
اللفظة.
ومن الأخبار
الدالة على الحكم المذكور ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضيل بن يسار عن ابى
عبد الله عليهالسلام قال : «اتموا الصفوف إذا وجدتم خللا
__________________
ولا يضرك أن تتأخر إذا وجدت ضيقا في الصف وتمشي منحرفا حتى تتم الصف».
كذا استدل به
بعضهم وفي الدلالة غموض ، فان مورد الخبر انما هو سد الخلل والفرج التي تكون في
الصف خصوصا في ما إذا كان مكانه ضيقا.
وأما ما يدل
على الحكم الثاني فمنه ـ ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن سعيد الأعرج قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصف مقاما أيقوم وحده
حتى يفرغ من صلاته؟ قال نعم لا بأس يقوم بحذاء الامام».
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن سعيد الأعرج قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يدخل المسجد ليصلي مع الامام فيجد الصف
متضايقا بأهله فيقوم وحده حتى يفرغ الامام من الصلاة أيجوز ذلك له؟ فقال نعم لا
بأس به».
وعن ابى الصباح
قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يقوم في الصف وحده؟ فقال لا بأس إنما يبدو
واحد بعد واحد».
وما رواه في
الفقيه قال : «سأل موسى بن بكر أبا الحسن عليهالسلام عن الرجل يقوم. الحديث» إلا انه قال : «انما يبدو الصف
واحدا بعد واحد».
واما ما تقدم
نقله عن ابن الجنيد من منع ذلك فقيل انه احتج برواية السكوني المذكورة ، وبما روى
من طريق العامة «ان النبي صلىاللهعليهوآله أبصر رجلا خلف الصفوف وحده فأمره أن يعيد الصلاة». وأجيب
عن دليليه بعد التنزل عن ضعف السند بأنهما محمولان على الكراهة جمعا بين الأدلة.
بقي هنا شيء
لم أر من نبه عليه ولا تنبيه له وهو انه لا يخفى ان الظاهر من قوله عليهالسلام في جملة من هذه الأخبار «يقوم بحذاء الامام» حال امتلاء
الصفوف
__________________
هو انه يقوم وحده في الصف الأخير الذي ليس فيه إلا هو ويكون موقفه محاذيا
لموقف الامام. وهذا المعنى قد سمعته من بعض مشايخنا في صغر سني وأظنه الوالد
الماجد العلامة (أجزل الله تعالى إكرامه).
وهذا هو
المفهوم من رواية سعيد الأعرج المذكورة ، لأن السائل سأله «أيقوم وحده» يعنى خارجا
عن الصفوف فيقف في صف وحده فقال : «نعم لا بأس يقوم بحذاء الإمام» فإن قوله عليهالسلام «نعم» صريح في موافقة السائل في وقوفه وحده ظهر الصفوف لكن أمره ان يكون
محاذيا للإمام من خلفه.
ونحو هذه
الرواية قول الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه «فان دخلت المسجد ووجدت الصف الأول تاما فلا بأس أن تقف في الصف الثاني
وحدك أو حيث شئت ، وأفضل ذلك قرب الإمام». فإن المراد انه يكون محاذيا للإمام في
موقفه من خلفه ومسامتا له فإنه أقرب المواقف اليه. وعلى هذا ينبغي أن يحمل إطلاق
رواية السكوني.
إلا ان الصدوق
عطر الله مرقده) في الفقيه قال : وسألت محمد بن الحسن عن موقف من يدخل بعد من دخل
ووقف عن يمين الامام لتضايق الصفوف فقال لا أدرى. وذكر انه لا يعرف في ذلك أثرا في
الحديث. انتهى.
وربما أشعر
ظاهر هذا الكلام بحمل قولهم عليهمالسلام في تلك الأخبار «قام بحذاء الإمام» أو «يقوم بحذاء
الامام» على القيام بجنبه كما في اتحاد المأموم دون ما قلناه.
ولعل الأقرب
حمل كلامه على امتلاء الصفوف على وجه لا يوجد في ذلك المكان موقف للمصلي ، ويؤيده
قول محمد بن الحسن «انه لا يعرف في ذلك أثرا في الحديث» ولو حمل على ما ذكرناه من
وجود مكان في الصف الأخير فإن الأخبار
__________________
دلت على انه يقوم في ذلك الصف كما يدل عليه قوله في رواية أبي الصباح
المتقدمة «إنما يبدو واحد بعد واحد» وفي رواية الفقيه «انما يبدو الصف واحدا بعد
واحد»
إلا انا لم نقف
على ما يدل على القيام بجنب الامام حال تضايق الصفوف كما ذكره ، وليس في الأخبار
الواردة في المقام سوى هذا اللفظ اعنى قوله : «يقوم بحذاء الامام» والظاهر انه فهم
منه هذا المعنى الذي ذكره ، وهو وان أوهمه ظاهر اللفظ في بادئ النظر إلا ان الظاهر
منه انما هو ما ذكرناه ، وهو الذي فهمه الأصحاب أيضا حيث انهم صرحوا بأنه يكره
للمأموم القيام وحده في صف إلا ان لا يجد موضعا في الصفوف فيجوز قيامه وحده من غير
كراهة.
لكن ظاهر كلامه
في المنتهى الموافقة لما ذكره الصدوق ، حيث قال : لو دخل المسجد ولم يجد مدخلا في
الصف وقف وحده عن يمين الإمام مؤتما لرواية سعيد الأعرج وبه قال الشافعي في أحد القولين . الى آخره. وهو كما ترى ظاهر في انه فهم من المحاذاة في
الرواية المذكورة ونحوها انما هو القيام بجنب الامام.
وظني بعده لما
عرفت من ما شرحناه ، ويؤيد ذلك الأخبار الدالة على انه متى كان المأموم أكثر من
واحد فان حكمهم التأخر والقيام بحذاء الامام مخصوص بالمأموم المنفرد. إلا انه لا
يخلو من شوب المناقشة بتخصيص هذه الصورة لعموم الحكم المذكور.
وبالجملة
فالحكم لا يخلو من شوب الإشكال لما عرفت من الإبهام في ذلك اللفظ والإجمال وان كان
الأقرب ما ذكرناه كما شرحناه. والله العالم.
ومنها ـ التنفل
بعد قوله «قد قامت الصلاة» على المشهور ونقل عن الشيخ
__________________
في النهاية وابن حمزة أنهما منعا ذلك ، قال في الذكرى : وقد يحمل على ما لو
كانت الجماعة واجبة وكان ذلك يؤدى الى فواتها.
والأظهر الأول لما
رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن عمر بن يزيد «أنه سأل أبا عبد الله عليهالسلام عن الرواية التي يروون انه لا ينبغي أن يتطوع في وقت
فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال إذا أخذ المقيم في الإقامة. فقال له ان الناس يختلفون
في الإقامة؟ قال المقيم الذي تصلى معه».
وأنت خبير بان
ظاهر الخبر ان الوقت المذكور لكراهة النافلة هو شروع المقيم في الإقامة التي هي
عبارة عن الفصول السبعة عشرة ، وعبارات الأصحاب تضمنت التحديد بقول «قد قامت
الصلاة» ولا يخفى ما بينهما من المغايرة.
ثم ان ظاهر
الخبر وكلام الأصحاب ان الكراهة إنما هي في ابتداء النافلة متى دخل الوقت المذكور
أما لو دخل وهو مشتغل بها فالظاهر انه يتمها بغير كراهة في ذلك.
وروى الحميري
في كتاب قرب الاسناد عن محمد بن عيسى والحسن بن ظريف وعلى بن إسماعيل كلهم عن حماد
بن عيسى قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول قال ابى خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله لصلاة الصبح وبلال يقيم وإذا عبد الله بن القشب يصلى
ركعتي الفجر فقال له النبي صلىاللهعليهوآله يا ابن القشب أتصلى الصبح أربعا؟ قال ذلك له مرتين أو
ثلاثا».
وروى فيه عن
عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام قال : «سألته عن رجل ترك ركعتي الفجر حتى دخل المسجد
والامام قد قام في صلاته كيف يصنع؟ قال يدخل في صلاة القوم ويدع الركعتين فإذا
ارتفع النهار قضاهما».
__________________
قال شيخنا
المجلسي عطر الله مرقده) في كتاب البحار : الخبر ان يدلان على المنع من التنفل بعد
الشروع في الإقامة وبعد إتمامها.
أقول : من
المحتمل قريبا عندي ان المنع من ذلك انما هو من حيث أن وقت صلاة ركعتي الفجر ـ كما
قدمنا تحقيقه في موضعه من الأوقات ـ إنما هو قبل الفجر الثاني وانه لا يجوز
تأخيرهما الى بعد الفجر لغير تقية وان كان خلاف المشهور بين أصحابنا كما أثبتنا
ذلك بالأخبار المتقدمة ثمة ، ولعله الى ذلك يشير قوله صلىاللهعليهوآله في الخبر الأول «أتصلى الصبح أربعا؟» بمعنى ان الوقت في
النافلة قد خرج واختص بالفريضة وهي ركعتان فصلاتها فيه موجب لكون الفريضة في هذا
الوقت أربعا.
ومنها ـ أن يخص
نفسه بالدعاء لما رواه الشيخ في التهذيب مسندا والصدوق في الفقيه مرسلا «ان رسول الله صلىاللهعليهوآله قال من صلى بقوم فاختص نفسه بالدعاء دونهم فقد خانهم».
والظاهر تخصيص
الحكم المذكور بالدعاء الذي يخترعه الامام من نفسه أما لو أراد الدعاء ببعض
الأدعية المروية عنهم عليهمالسلام فالظاهر الإتيان به على الكيفية الواردة تحصيلا لفضيلة
الإتيان به على الوجه المنقول. والله العالم.
المطلب الثاني في الامام
وفيه مسائل :
الأولى ـ يشترط
فيه البلوغ والعقل والايمان وطهارة المولد والذكورة ان أم مثله والسلامة من الجذام
والبرص والحد الشرعي والعدالة ، وهذه الشروط قد تقدم البحث عنها وما يتعلق بها من
الخلاف وذكر الأدلة وتحقيق الحال بما يزيل عنها نقاب الإشكال في الفصل الأول في
صلاة الجمعة من الباب الثالث فلا حاجة الى الإعادة هنا.
__________________
وانما يبقى
الكلام هنا في إمامة المرأة ، وقد عرفت اشتراط الذكورة في الإمام إذا أم ذكرانا أو
ذكرانا واناثا ، وهو مما لا خلاف فيه وانما الخلاف في إمامة المرأة بمثلها في
الفريضة ، اما النافلة التي تجوز الجماعة فيها فالظاهر منهم الاتفاق على جواز
إمامتها وانما محل الخلاف الفرائض ، فالمشهور هو الجواز بل قال في التذكرة انه قول
علمائنا أجمع ، وذهب السيد المرتضى الى المنع وهو المنقول عن الجعفي وابن الجنيد ،
ونفى عنه البأس في المختلف واليه مال في المدارك.
ومنشأ الخلاف
المذكور اختلاف الأخبار في المقام ، فالواجب أولا نقل الأخبار المشار إليها ثم
الكلام في المسألة بما وفق الله سبحانه لفهمه منها :
فمنها ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه عليهالسلام قال : «سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها
بالقراءة والتكبير؟ قال قدر ما تسمع».
وعن سماعة بن
مهران في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المرأة تؤم النساء؟ فقال لا بأس به». وعن عبد الله
بن بكير في الموثق ـ وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ـ عن بعض أصحابنا
عن ابى عبد الله عليهالسلام «انه سئل عن المرأة تؤم النساء؟ قال نعم تقوم وسطا بينهن ولا تتقدمهن».
وعن على بن يقطين
بإسناد فيه محمد بن عيسى اليقطيني ـ وفيه كلام ـ عن ابى الحسن الماضي عليهالسلام قال : «سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها
بالقراءة والتكبير؟ فقال بقدر ما تسمع».
وروى في كتاب
قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام قال : «سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها
بالقراءة؟ قال قدر ما تسمع. قال : وسألته عن النساء هل عليهن الجهر بالقراءة
__________________
في الفريضة؟ قال لا إلا أن تكون امرأة تؤم النساء فتجهر بقدر ما تسمع
قراءتها».
وهذه الأخبار
كلها دالة على الجواز وظاهرها ان ذلك في الفريضة.
ومنها ـ ما
رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن هشام بن سالم «انه سأل أبا عبد الله عليهالسلام عن المرأة هل تؤم النساء؟ قال تؤمهن في النافلة فأما في
المكتوبة فلا ولا تتقدمهن ولكن تقوم وسطهن».
وما رواه ثقة
الإسلام والشيخ عن سليمان بن خالد في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المرأة تؤم النساء؟ فقال إذا كن جميعا أمتهن في
النافلة فأما المكتوبة فلا ولا تتقدمهن ولكن تقوم وسطا منهن».
وما رواه
الصدوق عن زرارة في الصحيح عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «قلت له المرأة تؤم النساء؟ قال لا إلا على الميت
إذا لم يكن أحد أولى منها تقوم وسطهن معهن في الصف فتكبر ويكبرن».
وما رواه الشيخ
عن الحلبي في القوى عن ابى عبد الله عليهالسلام قال «تؤم المرأة النساء في الصلاة وتقوم وسطا منهن
ويقمن عن يمينها وشمالها ، تؤمهن في النافلة ولا تؤمهن في المكتوبة».
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان المحقق في المعتبر قد أجاب عن روايتي سليمان بن خالد والحلبي بأنهما
نادرتان لا عمل عليهما. واعتراضه في المدارك بأنه غير جيد لوجود القائل بمضمونهما
وموافقتهما لصحيحة هشام المتقدمة مع أن الصدوق أوردها في كتابه ، ومقتضى كلامه في
أول كتابه الإفتاء بمضمونها. والشهيد في الذكرى جمع بين الروايات بحمل اخبار المنع
على نفى الاستحباب المؤكد لا مطلق الاستحباب. ولا يخفى ما فيه من البعد. وقال
الفاضل الخراساني في الذخيرة : والأقرب في الجمع بين الأخبار أن يقال إمامتهن في
الفرائض جائزة ولكن الأفضل تركها. وصاحب المدارك حيث كان يدور مدار الأسانيد
ويتهافت عليها
__________________
جمد على الروايات الأخيرة وطعن في روايتي سماعة وابن بكير بضعف السند
واختار ما ذهب اليه المرتضى وابن الجنيد من جواز إمامتهن في النوافل دون الفرائض
ثم قال : ويشهد لهذا القول ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام. ثم أورد الرواية المتقدمة الدالة على ان المرأة لا تؤم
إلا على الميت
أقول : والذي
يخطر بالبال العليل ان ما اشتملت عليه الروايات الأخيرة من التفصيل بين النافلة
والمكتوبة فيجوز في الأولى دون الثانية فالمراد بالنافلة والمكتوبة انما هو
الجماعة المستحبة والجماعة الواجبة فيكون كل من النافلة والمكتوبة صفة للجماعة لا
للصلاة كما فهموه ، وحينئذ فالمراد بالجماعة النافلة اى المستحبة كالصلاة اليومية
لاستحباب الجماعة فيها ، والمراد بالجماعة الواجبة كالجمعة والعيدين فإنه لا يجوز
إمامة المرأة فيها اتفاقا نصا وفتوى ، وعلى هذا تجتمع الأخبار وتكون الأخبار الأخيرة
راجعة إلى الأخبار الأولة الدالة على القول المشهور. والاستدلال بهذه الأخبار على
ما ادعوه مبنى على جعل كل من النافلة والمكتوبة صفة للصلاة وهو غير متعين بل كما
يجوز الحمل على ذلك يجوز الحمل على جعلها صفة للجماعة أى الجماعة المستحبة
والجماعة الواجبة. ولا ينافي ذلك إطلاق المكتوبة فان المكتوبة بمعنى المفروضة
الواجبة كما في قوله عزوجل «كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيامُ» أى فرض ، وقوله : «كُتِبَ عَلَيْكُمْ
إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ»
أى فرض ، وقوله «إِنَّ الصَّلاةَ
كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً»
فان الكتاب هنا مصدر بمعنى المفعول أى مكتوبا يعنى مفروضا. وبالجملة فإن
المكتوبة بمعنى المفروضة وهي كما يمكن جعلها صفة للصلاة يمكن أن تكون صفة للجماعة.
والذي يرجح ما
قلناه من الحمل المذكور وجوه : (أحدها) ـ ان فيه جمعا بين أخبار المسألة لاتفاقها
واجتماعها على ما قلناه من جواز إمامة المرأة في الصلاة اليومية
__________________
والجمع بين الأخبار على وجه لا يطرح منها شيء أولى من اطراح بعضها كما هو
اللازم من ما ذهب اليه المانع من جواز إمامتها في اليومية. ولا ينافي ما قلناه من
الأخبار المتقدمة إلا صحيحة زرارة وسيأتي ان شاء الله تعالى وجه الجواب عنها.
و (ثانيها) ـ انه
قد روى الصدوق في الفقيه قال : قال الحسن بن زياد الصيقل «سئل أبو عبد الله عليهالسلام كيف تصلى النساء على الجنائز إذا لم يكن معهن رجل؟ قال
يقمن جميعا في صف واحد ولا تتقدمهن امرأة. قيل ففي صلاة مكتوبة أيؤم بعضهن بعضا؟
قال نعم». وهو كما ترى صريح في إمامتهن في الصلاة اليومية ، والرواية كما ترى من
مرويات الفقيه التي اعترف كما تقدم في كلامه انها تكون من ما يفتي به ويعمل عليه ويعضد هذه الرواية صحيحة على بن جعفر المتقدمة ورواية
على بن يقطين. وهو قد اعترف بذلك في صحيحة على بن جعفر حيث انه ـ بعد أن طعن في
روايتي سماعة وعبد الله بن بكير ـ قال : نعم يمكن الاستدلال عليه بما رواه الشيخ
في الصحيح عن على بن جعفر. ثم ساق الخبر كما قدمناه. ولا يخفى انه مع العمل بهذه
الأخبار الأخيرة بناء على حمل المكتوبة فيها على الصلاة المكتوبة كما يدعونه فان
اللازم طرح تلك الأخبار الدالة على الجواز رأسا مع ما عرفت من كثرتها وصحة بعضها
واعتضادها بالشهرة بين الأصحاب بل دعوى الإجماع ، والجمع بين الخبرين مهما أمكن
أولى من طرح أحدهما رأسا.
وثالثها ـ ان
المستفاد من الأخبار ـ كما قدمنا تحقيقه في المسألة الأولى من المطلب الأول ـ هو
تحريم الجماعة في النافلة مطلقا إلا ما استثنى كما عليه اتفاق الأصحاب (رضوان الله
عليهم وان كان ظاهر كلام السيد المذكور ثمة اختيار الجواز إلا انا قد أوضحنا
بطلانه وهدمنا بنيانه ، وحينئذ فمتى حملت هذه الأخبار على ما يدعونه من جواز إمامة
المرأة في النافلة دون الفريضة لزم مخالفتها لتلك الأخبار الكثيرة
__________________
المعتضدة باتفاق الأصحاب الدالة على تحريم الجماعة في النافلة ومخالفتها
لهذه الأخبار الدالة هنا على جواز إمامة المرأة في اليومية ، مع ما عرفت من شهرة
القول بها بين الأصحاب بل ادعى عليه الإجماع ، ومتى حملنا هذه الاخبار على المعنى
الذي ذكرناه فلا تعارض ولا إشكال في البين وبه يزول التنافر والاختلاف من الجانبين
وتكون هذه الأخبار الثلاثة التي أوردها موافقة للمشهور في المسألتين ، وعلى تقدير
ما ذكره تكون معارضة كما عرفت باخبار الطرفين مع كون عمل الأصحاب كما عرفت انما هو
على تلك الأخبار في الموضعين. ومن أجل ذلك نسب في المعتبر روايتي سليمان بن خالد
والحلبي إلى الشذوذ والندرة كما عرفت ، وبمثله صرح العلامة في المنتهى ايضا. وهو
جيد إلا ان ما حملناها عليه أجود لأن فيه أعمالا للدليلين بحسب الإمكان من غير طرح
شيء في البين.
ورابعها ـ انه
متى حملت النافلة هنا على صلاة النافلة كما يدعونه فلا يخلو إما أن يراد بها
النافلة التي استثنيت من تحريم الجماعة في النافلة وهو صلاة الاستسقاء والعيدين
كما زعموه وانه يجوز إمامة المرأة في هاتين الصلاتين كما يفهم من كلام شيخنا
الشهيد الثاني في الروض من الاتفاق عليه ، أو يراد بها مطلق النافلة راتبة أو غير
راتبة كما يفهم من صاحب المدارك الميل اليه. والأول أبعد بعيد من اخبار الصلاتين
المذكورتين ، مضافا الى ما عرفت من عدم ثبوت ذلك في صلاة العيدين. والثاني من ما
يلزم منه تفضيل النساء على الرجال حيث انه يسوغ لهن من الإمامة في الجماعة ما لا
يجوز مثله للرجال مع ان المعهود من الشرع خلافه لنقصانهن في جميع الموارد.
وكيف كان كما
قيل في أرخاه العنان فإنه وان لم يكن ما ذكرناه في هذه الأخبار من المعنى المذكور
متعينا أو مترجحا لما أوضحناه فلا أقل من أن يكون مساويا لما ذكروه وهو كاف في دفع
الاستدلال.
واما صحيحة
زرارة التي نقلها عن الفقيه فالأظهر حملها على التقية وكذا كل ما دل على المنع من
امامة المرأة ، لأن جل العامة على المنع من إمامتها لكن كراهة
عند بعض وتحريما عند آخرين في الفريضة دون النافلة كما هو قول المرتضى ،
والقول بالجواز في الفريضة كما هو المشهور عندنا قول الشافعي خاصة واحمد في إحدى
الروايتين كما نقله في المنتهى ، واما القول بالكراهة فنقله عن عائشة وأم سلمة
وعطاء والثوري والأوزاعي وإسحاق وابى ثور واحمد في الرواية الأخرى وابى حنيفة
ومالك ، قال وحكى عن نافع وعمر بن عبد العزيز ، واما القول بالتفصيل كما ذهب اليه
المرتضى (قدسسره) فنقله عن الشعبي والنخعي وقتادة ومن ذلك يظهر لك ان جل العامة على القول بالمنع من
إمامتها وان كان كراهة عند بعض وتحريما عند آخرين ، وهو وجه وجيه في الجمع بين
أخبار المسألة.
وأنت إذا تأملت
بعين الحق والإنصاف وجدت انه لا سبب للاضطراب في هذه الأخبار ونحوها والاختلاف إلا
التقية التي عمت بها البلية وصارت أعظم سبب في الاختلاف في الأحكام الشرعية ،
وشهرة الحكم في الصدر الأول بالجواز من أظهر المرجحات لكون ذلك مذهبهم (صلوات الله
عليهم) كما تقدمت الإشارة إليه في غير موضع. والله العالم.
__________________
المسألة
الثانية ـ من الشرائط في الإمامة الذكورة والقيام والقراءة والإتقان ان أم مثله ،
وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع :
الأول ـ انه لا
يؤم القاعد القائم وانما يؤم مثله ، وهو قول علمائنا أجمع على ما حكاه العلامة في
التذكرة.
وعليه يدل ما
رواه الصدوق في الفقيه مرسلا قال : «قال أبو جعفر عليهالسلام ان رسول الله صلىاللهعليهوآله صلى بأصحابه جالسا فلما فرغ قال : لا يؤمن أحدكم بعدي
جالسا. قال وقال : الصادق عليهالسلام كان النبي صلىاللهعليهوآله وقع عن فرس فشج شقه الأيمن فصلى بهم جالسا في غرفة أم
إبراهيم».
ومن غفلات صاحب
الوسائل انه تفرد بالقول بالكراهة : فقال في كتاب الوسائل : باب كراهة إمامة
الجالس القيام وجواز العكس ثم أورد الرواية الأولى ، مع إجماع الأصحاب كما عرفت
على التحريم وصراحة الخبر المذكور في ذلك من غير معارض يوجب تأويله.
واستدل جملة من
الأصحاب على الحكم المذكور بما رواه الشيخ عن السكوني عن ابى عبد الله عن أبيه عليهماالسلام قال : «قال أمير المؤمنين عليهالسلام لا يؤم المقيد المطلقين ولا صاحب الفالج الأصحاء».
قالوا : وكذا
الكلام في جميع المراتب لا يؤم الناقص الكامل فلا يجوز اقتداء الجالس بالمضطجع.
والاستدلال
بهذه الرواية بناء على ما ذيلوها به مبنى على كون العلة في منعه صلىاللهعليهوآله من امامة الجالس القائم انما هو من حيث نقصان صلاة
الجالس عن صلاة القائم ولا يخفى ان هذه العلة إنما هي مستنبطة إذ لا إشعار في النص
بها وإلا لاقتضى ذلك عدم جواز امامة المتيمم بالمتوضئ والمسافر بالحاضر.
والظاهر انه
الى ما ذكرناه يشير كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد نقل
__________________
ما نقلناه عنهم بقوله : هكذا اشتهر بين الأصحاب.
وبالجملة فإن
الدليل على الحكم المذكور انما هو الرواية الاولى ، واما إمامة الناقص الكامل بقول
مطلق جوازا وتحريما فلم أقف فيه على نص. وأما بالنسبة إلى جزئيات هذه الكلية فهو
يدور مدار النصوص وجودا وعدما جوازا وتحريما.
قالوا : وأطلق
الشيخ في الخلاف جواز إمامة العاري بالمكتسي. وقال العلامة في التذكرة : ان اقتدى
بالعاري مكتس عاجز عن الركوع والسجود جاز لمساواته له في الأفعال. قال في المدارك
: وهو يتم إذا قلنا ان المانع من الاقتداء بالعاري عجزه عن الأركان واما إذا علل
بنقصه من حيث الستر فلا. انتهى. وفيه إشارة الى ما قدمناه ذكره عنهم.
والحق في
المسألة المذكورة أن المأموم في هذه الصورة ان كان فرضه شرعا الصلاة جالسا كامامه
فلا بأس بائتمامه ، لان فرض الامام وفرضه الجلوس فيدخلان تحت الأخبار الدالة على
جواز امامة الجالس بالجالس من ذوي الاعذار. ولا يضر هنا نقص صلاة الإمام من حيث
كونه عاريا والمأموم مكتس إذ لا دليل على هذه العلة كما عرفت ، وان كان فرضه
الإتيان بالأركان من قيام وقعود وركوع وسجود فالظاهر المنع لخبر الرسول صلىاللهعليهوآله.
الثاني ـ المشهور
انه لا يجوز امامة اللاحن في قراءته ولا المبدل حرفا بغيره بالمتقن سواء كان اللحن
مغيرا للمعنى كضم تاء «أنعمت» أم لا كفتح دال «الحمد» تمكن من الإصلاح أو لم يتمكن
، وأطلق الشيخ كراهة إمامة من يلحق في قراءته ، قال في المبسوط يكره امامة من يلحن
في قراءته سواء كان في الحمد أو غيرها أحال المعنى أو لم يحل إذا لم يحسن إصلاح
لسانه ، فان كان يحسن وتعمد اللحن فإنه تبطل صلاته وصلاة من خلفه إذا علموا بذلك.
وظاهر ابن إدريس اختصاص المنع بما يحيل المعنى حيث قال : لا يجوز امامة اللحنة
الذي يغير بلحنه معاني القرآن.
وقال العلامة
في المختلف : الوجه عندي انه لا يصح أن يكون إماما ، اما إذا
تعمد فلأن صلاته باطلة لأنه لم يقرأ القرآن كما انزل ، وأما إذا لم يتمكن
فلأنه بالنسبة إلى الأعراب كالأخرس فكما لا تصح إمامة الأخرس لا تصح امامة من لا
يتمكن من الإعراب. ثم قال : احتج بان صلاته صحيحة فجاز أن يكون اماما. والجواب
المنع من الملازمة كالأخرس. انتهى. وعلى هذا جرى كلام الأكثر كما عرفت.
وكذا الكلام بالنسبة
إلى المبدل حرفا بغيره كالألثغ بالثاء المثلثة وهو الذي يبدل حرفا بغيره ، وربما
خص بمن يبدل الراء لاما ، والأرت وهو الذي يجعل اللام تاء ، وفي حكمه الأليغ
بالياء المثناة التحتانية وهو الذي لا يبين الكلام ولا يأتي بالحروف على الصحة ،
وكذا التمتام والفأفاء وهو من لا يحسن تأدية التاء والفاء إلا بترديدهما مرتين
فصاعدا ، وقيل من لا يحسن تأدية التاء والفاء أو يبدلهما بغيرهما.
وهؤلاء كلهم ما
عدا التمتام والفأفاء لا تصح إمامتهم عند الأصحاب إلا بأمثالهم أما الفردان
المذكوران فقد صرح غير واحد منهم بجواز إمامتهما مطلقا ، قالوا لان هذه الزيادة
الحاصلة من الترديد زيادة غير مخرجة عن صحة القراءة وكرهه بعض الأصحاب ، قال
المحقق في المعتبر : اما التمتام والفأفاء فالائتمام بهما جائز لأنه يكرر الحرف
ولا يسقطه. ومقتضى كلامه ان التمتام هو الذي لا يتيسر له النطق بالتاء إلا بعد ترديدها
مرتين فصاعدا. وبهذا التفسير والحكم صرح العلامة في التذكرة والمنتهى لكنه حكم في
التذكرة بكر لعة إمامته لمكان هذه الزيادة. وقال في المنتهى : ولو كان له لثغة
خفيفة تمنع من تخليص الحرف ولكن لا يبدله بغيره أمكن أن يقال بجواز إمامته
بالقارئ. ونحوه قال في التذكرة ولكنه جزم بالجواز. وقال في الذكرى : اما من به
لثغة تمنع من تخليص الحرف ولا تبلغ به تبديله بغيره فجائز إمامته للقارئ وان كان
القارئ أفضل لأن ذلك يعد قرآنا. قال في المدارك : ويشكل بان من لم يخلص الحرف لم
يكن آتيا بالقراءة على الوجه المعتبر فلا تكون
قراءته كافية عن قراءة المأموم كالمبدل.
قيل : وهل يجب
على اللاحن والمبدل للحرف بغيره مع العجز عن الإصلاح الائتمام بالمتقن ان تمكن منه؟
وجهان من توقف الواجب على ذلك فيكون واجبا ، ومن أصالة البراءة ، وإطلاق قوله عليهالسلام في صحيحة زرارة والفضيل «وليس الاجتماع بمفروض في
الصلوات كلها».
والمسألة بجميع
شقوقها لا تخلو من توقف وتأمل لعدم النصوص الواضحة في المقام.
الثالث ـ انه
لا خلاف في انه لا يجوز أن تؤم المرأة الرجل ، نقل ذلك غير واحد من الأصحاب ،
واستدلوا عليه بما روى عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : «لا تؤم المرأة رجلا». وعنه صلىاللهعليهوآله قال : «أخروهن من حيث أخرهن الله». قالوا ويؤيده ان
المرأة مأمورة بالستر والحياء والإمامة للرجال تقتضي خلافه.
وأنت خبير بما
في هذا الاستدلال ، اما الخبران فالظاهر انهما ليسا من طريقنا إذ لم أقف عليهما في
أخبارنا. وأما التعليل الأخير فعليل.
والأظهر في
الاستدلال على ذلك انما هو ما قدمناه في المقدمة السادسة في المكان من الأخبار
الدالة على عدم جواز محاذاة المرأة للرجل ولا تقدمها عليه ، مضافا الى أن العبادات
مبنية على التوقيف ولم يرد عن صاحب الشريعة فعل ذلك
__________________
ولا الأمر به. ولكن لما كان المشهور بين متأخري أصحابنا هو كراهة المحاذاة
والتقدم دون التحريم التجأوا الى الاستدلال هنا بهذه الأدلة المذكورة.
ثم انه كما لا
يجوز أن تؤم الرجل لا يجوز أن تؤم الخنثى ايضا لاحتمال الذكورية ولا خنثى بمثله
لاحتمال الأنوثية في الامام والذكورية في المأموم فلا تحصل المماثلة.
ونقل في الذكرى
عن ابن حمزة انه جوز ذلك لتكافؤ الاحتمالين فيهما والأصل الصحة. قال : وجوابه ان
من صور الإمكان تخالفهما في الذكورة والأنوثة كما قلناه والأصل وجوب القراءة على
المصلى إلا بعد العلم بالسقط.
هذا. وروى في
كتاب دعائم الإسلام عن على عليهالسلام قال : «لا تؤم المرأة الرجال ولا تؤم الخنثى الرجال ولا
الأخرس المتكلمين ولا المسافر المقيمين». وروى في موضع آخر عنه عليهالسلام ايضا قال : «لا تؤم المرأة الرجال وتصلى بالنساء ولا تتقدمهن
، تقوم وسطا منهن ويصلين بصلاتها». والله العالم.
المسألة
الثالثة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم بان صاحب الامارة والمسجد والمنزل أحق
وأولى بالإمامة في هذه الموارد الثلاثة ، والمراد بصاحب الامارة من كانت امارته
شرعية بمعنى انه منصوب من قبل المعصوم عليهالسلام فإنهم عليهمالسلام في وقت تمكنهم وسلطتهم كانوا يعينون أمراء للبلدان
للأمر والنهى والحكم بين الرعية والجمعة والجماعة ونحو ذلك. والمراد بصاحب المسجد
يعني الإمام الراتب فيه ، وصاحب المنزل ساكنه وان لم يكن ملكا له. قالوا : وكذا
الهاشمي أولى من غيره ممن لم يكن كذلك. وصرح بعضهم بأن إمام الأصل مع حضوره أولى
من الجميع.
وتفصيل هذه
الجملة يقع في مواضع (أحدها) ـ ما ذكروه ـ من أولوية هؤلاء الثلاثة الأول على
غيرهم عدا الإمام الأعظم وان كان ذلك الغير أفضل منهم ـ
__________________
من ما لا خلاف فيه عندهم ، وقد صرح بذلك العلامة في جملة من كتبه ، وقال في
المنتهى انه لا يعرف فيه خلافا.
واستدلوا عليه
بالنسبة الى صاحب الامارة والمنزل بما سيأتي ان شاء الله تعالى في رواية ابى عبيدة
من قوله عليهالسلام : «ولا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله ولا صاحب سلطان في
سلطانه».
وأما بالنسبة
الى امام المسجد الراتب فعللوه بان المسجد يجرى مجرى منزله ، ولان تقدم غير الراتب
عليه يورث وحشة وتنافرا فيكون مرجوحا.
أقول : والأظهر
الاستدلال عليه بما ذكره الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي ، والظاهر انه هو المستند لما صرح
به المتقدمون من هذا الحكم كما عرفت في غير موضع إلا انه لما لم يصل ذلك الى
المتأخرين عللوه بما عرفت.
حيث قال عليهالسلام في موضع من الكتاب «ان رسول الله صلىاللهعليهوآله قال صاحب الفراش أحق بفراشه وصاحب المسجد أحق بمسجده»
وقال في باب صلاة الجماعة «اعلم ان أولى الناس بالتقدم في الجماعة أقرؤهم. الى أن
قال : وصاحب المسجد أولى بمسجده».
وقال في كتاب
دعائم الإسلام «وعن رسول الله صلىاللهعليهوآله انه قال : يؤمكم أكثركم نورا ـ والنور القرآن ـ وكل أهل
مسجد أحق بالصلاة في مسجدهم إلا أن يكون أمير حضر فإنه أحق بالإمامة من أهل المسجد».
وعن جعفر بن محمد عليهماالسلام انه قال : «يؤم القوم أقدمهم هجرة. الى أن قال : وصاحب
المسجد أحق بمسجده».
ولو اجتمع صاحب
الامارة مع صاحب الراتبة أو صاحب المنزل فقد قطع
__________________
الشهيد الثاني بكونه أولى منهما ، ولا يخلو من توقف.
بقي الإشكال في
انه قد تقدم في روايتي معاوية بن شريح والحناط المتقدمتين في آخر المسألة الحادية
عشرة من مسائل المطلب الأول «انه إذا قال المؤذن «قد قامت الصلاة» يقوم القوم على
أرجلهم ويقدموا بعضهم ولا ينتظروا الامام حتى يجيء» ومن الظاهر أن ذلك هو في
المسجد وحينئذ فلو كان امام المسجد أحق لم يسارعوا الى تقديم غيره. اللهم إلا ان
يقال ان أحقيته انما هي مع الحضور لا مع الغيبة. وفيه ما لا يخفى فان حقه لا يفوت
بمثل هذه المسارعة.
ويؤيد ما قلناه
ما صرح به شيخنا الشهيد في الذكرى حيث قال : ولو تأخر الإمام الراتب استحب مراسلته
ليحضر أو يستنيب ، ولو بعد منزله وخافوا فوت وقت الفضيلة قدموا من يختارونه. الى
أن قال : ولو حضر بعد صلاتهم استحب إعادتها معه لما فيه من اتفاق القلوب مع تحصيل
الاجتماع مرتين. انتهى. وبنحو ذلك صرح غيره ايضا.
وما ذكره أخيرا
من استحباب الإعادة معه بعد حضوره مبنى على ما قدمناه نقله عنه من استحباب ترامى
الجماعة. وفيه ما مر.
على ان الخبرين
المذكورين غير خاليين ايضا من الإشكال وان لم يتنبه له أحد من علمائنا الأبدال ،
وذلك فان الظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب ان الأذان والإقامة في الجماعة انما هما
من وظائف صلاة الامام ومتعلقاتها ولا تعلق لصلاة المأمومين بشيء منهما ، غاية
الأمر انه قد يقوم بهما الامام كلا أو بعضا وقد يقوم بهما بعض المأمومين كلا أو
بعضها ، وحينئذ فما لم يكن الامام حاضرا فلمن يؤذن هذا المؤذن ويقيم المقيم.
وأشكل من ذلك
أن في رواية معاوية بن شريح بعد ذكر ما تقدم «قلت فان كان الامام هو المؤذن؟ قال
وان كان فلا ينتظرونه ويقدموا بعضهم» وكيف
__________________
يستقيم هذا وهو الذي قد أذن وأقام وعند قوله : «قد قامت الصلاة» قام الناس
على أرجلهم فأين ذهب بعد ذلك حتى ينتظرونه أو لا ينتظرونه.
وبالجملة فجميع
ما ذكرنا من وجوه هذه الإشكالات ظاهر لا ريب فيه ، والاعتماد على هذين الخبرين بعد
ما عرفت من ثبوت حقيقة الإمام الراتب بالأخبار المتقدمة مضافا الى اتفاق الأصحاب
مشكل غاية الإشكال. والله العالم.
وثانيها ـ ان
ما ذكره بعضهم من أنه مع حضور إمام الأصل فإنه أولى بالإمامة من ما لا ريب فيه ولا
شبهة تعتريه ، لانه صاحب الرئاسة العامة وهو ولي الأمور الأولى بالناس من أنفسهم.
ولو منعه مانع فاستتاب فلا ريب أن نائبه هو الأولى لترجحه بتعيين الامام له فإنه
لا يستنيب إلا الراجح أو المساوي ، ومع رجحانه فالأمر ظاهر ومع التساوي فالمرجح له
التعيين ، فعلى الأول فيه مرجحان وعلى الثاني مرجح واحد.
وثالثها ـ لو
أذن أحد الثلاثة المتقدم ذكرهم لغيره كان هو الأولى ، قال في المنتهى : لو اذن
المستحق من هؤلاء في التقدم لغيره جاز وكان أولى من غيره إذا اجتمع الشرائط ، ولا
نعرف فيه خلافا لأنه حق له فله نقله الى من شاء.
قال في الذخيرة
: وقد جزم الشهيدان بانتفاء كراهة تقدم الغير معللا بأن أولويتهم ليست مستندة الى
فضيلة ذاتية بل إلى سياسة أدبية. واستشكل ذلك بأنه اجتهاد في مقابلة النص.
أقول : من
المحتمل قريبا ان الأولوية التي دل عليها النص المشار اليه انما هي عبارة عن
أحقيته بالصلاة والتقدم من غيره بالنسبة إلى نفسه فلو أراد غيره التقدم عليه كان
على خلاف ما ورد به النص لا ان ذلك بالنسبة إلى نائبه ، والظاهر ان بناء كلام
الشهيدين على هذا وبه يعلم سقوط ما اعترض به عليهما من انه اجتهاد في مقابل النص ،
إذ لا دلالة في النص على أزيد من ما ذكرناه.
قال في الذكرى
: وهل الأفضل لهم الإذن للأكمل منهم أو الأفضل لهم
مباشرة الإمامة؟ لم أقف فيه على نص ، وظاهر الأدلة يدل على ان الأفضل لهم
المباشرة ، فحينئذ لو أذنوا فالأفضل للمأذون له رد الاذن ليستقر الحق على أصله.
انتهى.
أقول : ما ذكره
(قدسسره) من ان ظاهر الأدلة يدل على ان الأفضل لهم المباشرة دون
الاذن لا يخلو من شوب النظر ، فان الخطاب هنا انما توجه الى من عداهم بأن الأولى
أن لا يتقدموهم في هذه المواضع الثلاثة ويراعوا حقهم فيها ويحترموهم ويوقروهم ،
وهذا لا ينافي أفضلية إذنهم لمن كان أعلم وافقه وأفضل واتقى وأورع عملا بالآيات
والأحاديث الآتية الدالة على أولوية صاحب هذه الصفات وحينئذ فالأفضل للناس هو
إرجاع أمر الإمامة لهم ، وبهذا يحصل امتثال ما دل عليه الخبر المشار إليه فإن
تعظيمهم واحترامهم يحصل بمجرد هذا. والأفضل لهم ان يأذنوا لمن كان بالصفات
المذكورة عملا بالآيات والأخبار المشار إليها فلا منافاة.
ورابعها ـ قال
الشيخ في المبسوط : إذا حضر رجل من بنى هاشم كان أولى بالتقديم إذا كان ممن يحسن
القرآن.
وقال في الذكرى
بعد نقل ذلك عنه : والظاهر انه أراد به على غير الأمير وصاحب المنزل والمسجد مع
انه جعل الأشرف بعد الأفقه الذي هو بعد الاقرأ والظاهر انه الأشرف نسبا ، وتبعه
ابن البراج في تقديم الهاشمي وقال بعده : ولا يتقدمن أحد على أميره ولا على من هو
في منزله أو مسجده ، وجعل أبو الصلاح بعد الأفقه القرشي ، وابن زهرة جعل الهاشمي
بعد الأفقه ، وفي النهاية لم يذكر الشرف وكذا المرتضى وابن الجنيد وعلى بن بابويه
وابنه وسلار وابن إدريس والشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد وابن عمه في المعتبر ،
وذكر ذلك في الشرائع وأطلق وكذا الفاضل في المختلف وقال انه المشهور يعنى تقديم
الهاشمي ، ونحن لم نره مذكورا في الأخبار إلا ما روى مرسلا أو مسندا بطريق غير
معلوم من قول النبي صلىاللهعليهوآله «قدموا قريشا
__________________
ولا تقدموها». وهو على تقدير تسليمه غير صريح في المدعى ، نعم هو مشهور في
التقديم في صلاة الجنازة كما سبق من غير رواية تدل عليه. نعم فيه إكرام لرسول الله
صلىاللهعليهوآله إذ تقديمه لأجله نوع إكرام ، وإكرام رسول الله صلىاللهعليهوآله وتبجيله من ما لا خفاء في أولويته. انتهى كلامه في
الذكرى.
وما ذكره من
عدم الوقوف على نص في الهاشمي في هذا المقام جيد واما في صلاة الجنازة فقد قدمنا وجود النص بذلك في كتاب الفقه الرضوي وأوضحنا ان كلام على
بن بابويه الذي تبعه الأصحاب في المقام مأخوذ من عبارة الكتاب المذكور. والله
العالم.
المسألة
الرابعة ـ قد ذكر جملة من الأصحاب : منهم ـ السيد السند في المدارك انه إذا تشاح
الأئمة في الإمامة فاما أن يكره المأمومون إمامة بعضهم واما أن يختاروا امامة واحد
بأسرهم واما أن يختلفوا في الاختيار :
فان كرهه
جميعهم لم يؤمهم لقوله عليهالسلام «ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة أحدهم من تقدم قوما وهم له كارهون». وان
اختار الجميع واحدا فهو أولى لما فيه من اجتماع القلوب وحصول الإقبال بالمطلوب.
وان اختلفوا
فقد أطلق الأكثر المصير الى الترجيح بالمرجحات الآتية ، وقال في التذكرة : انه
يقدم اختيار الأكثر فإن تساووا طلب الترجيح. قال في الذكرى : وفي ذلك تصريح بان
ليس للمأمومين أن يقتسموا الأئمة ويصلى كل قوم خلف من يختارونه لما فيه من
الاختلاف المثير للإحن. هكذا ذكروا (رضوان الله عليهم.)
واستندوا في
الترجيح في مقام الاختلاف الى ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن ابى عبيدة قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن القوم من أصحابنا يجتمعون
__________________
فتحضر الصلاة فيقول بعضهم لبعض تقدم يا فلان؟ فقال ان رسول الله صلىاللهعليهوآله قال يتقدم القوم أقرأهم للقرآن فان كانوا في القراءة
سواء فأقدمهم هجرة فان كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا فان كانوا في السن سواء
فليؤمهم أعلمهم بالسنة وأفقههم في الدين. ولا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله ولا
صاحب سلطان في سلطانه».
أقول : وعندي
في ما ذكروه (رضوان الله عليهم من التفصيل في هذا المقام نظر لا يخفى على من تأمل
من ذوي الأفهام ، فإن ما ذكروه من هذا التفصيل ـ باتفاق المأمومين واختلافهم وانه
مع تشاح الأئمة في الإمامة يؤخذ باتفاق المأمومين ونحو ذلك من ما هو مذكور ـ لا
أعرف له وجها ولا عليه دليلا إلا مجرد اعتبارات تخريجية لا تصلح مستندا للأحكام
الشرعية ، والنص المذكور الذي هو المستند في هذا المقام قد دل على ان الأحق بهذا
المقام والأولى بأن يكون الامام هو من كان أقرأ. إلى آخر ما تضمنه الخبر من
المراتب ، ولا تعلق لذلك باتفاق المأمومين ولا باختلافهم ولا رضاهم ولا كراهتهم
ولا تشاح الأئمة ولا عدمه ، فلو فرض وجود أئمة متعددين وحصول المشاحة بينهم فلا
وجه للترجيح بينهم بالاتفاق على من لم يكن على الصفة المذكورة في الخبر لان فيه
ردا للنص المذكور. وأولى بالعدم الترجيح باختيار الأكثر. ولا معنى لتشاح الأئمة مع
كون النبي صلىاللهعليهوآله قد قرر لهم ودلهم على ان صاحب هذا المقام هو من كان
متصفا بتلك الصفة ، بل الأولى لهم ان كانوا على الطريقة القويمة ومن العاملين
بالسنة المستقيمة هو تقديم من كان كذلك عملا بما رسمه لهم ، وإلا فقد خالفوا
الوظائف الشرعية ورجع تشاحهم الى التكالب على الرئاسة الدنيوية إلا ان يدعى كل
واحد منهم انه المتصف بذلك دون غيره وهو خارج عن ما نحن فيه. واما مسألة كراهة
المأمومين الإمام فلا تعلق لها بهذا المقام. وبالجملة فكلامهم هنا لا أعرف له مزيد
فائدة.
بقي الكلام هنا
في مواضع (الأول) ـ في ما دل عليه الخبر المذكور من هذه المراتب المذكورة.
والذي وقفت
عليه زيادة على الخبر المذكور ما صرح به الرضا عليهالسلام
في كتاب الفقه
حيث قال : وان اولى الناس بالتقديم في الجماعة أقرأهم للقرآن
وان كانوا في القرآن سواء فافقههم وان كانوا في الفقه سواء فاقربهم هجرة وان كانوا
في الهجرة سواء فأسنهم فإن كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها. وصاحب المسجد أولى
بمسجده. انتهى.
وروى في كتاب
دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عليهماالسلام قال : «يؤم القوم أقدمهم هجرة فان استووا فاقرأهم فان
استووا فأفقههم فإن استووا فأكبرهم سنا».
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم هو تقديم الاقرأ على الأفقه كما
دلت عليه هذه الأخبار ، وذهب جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في المختلف الى
العكس ، وعليه جملة من أفاضل متأخري المتأخرين كالسيد السند في المدارك والفاضل
الخراساني في الذخيرة والمحدث الكاشاني والمحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي
وغيرهم ، وهو الحق الحقيق بالإتباع وان كان قليل الاتباع للأدلة العقلية والنقلية
كتابا وسنة كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.
قال في المختلف
: لنا ـ ان الأفقه أشرف واعلم بأركان الصلاة وإمكان تدارك السهو ومراتبه وكيفية
الصلاة فيكون أولى بالتقديم ، قال الله تعالى «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي
الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ»
.
وما رواه
العرزمي عن أبيه رفع الحديث إلى النبي صلىاللهعليهوآله قال : «من أم قوما وفيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم
إلى سفال الى يوم القيامة».
__________________
ولانه يستحب
تقديم أهل الفضل واولى النهي في الصفوف بقرب الامام لينبهوه على الغلط والسهو
ولمزية شرفهم على غيرهم. ثم نقل رواية جابر بذلك عن الباقر عليهالسلام ثم نقل رواية ابى عبيدة وتأولها بتأويل لا يخلو من البعد.
أقول : ومن ما
يدل على ما اخترناه ما لا خلاف فيه بين الإمامية من قبح تقديم المفضول على الفاضل.
ونقل في الذكرى
عن ابن ابى عقيل انه قال : ولا يؤم المفضول الفاضل ولا الأعرابي المهاجر ولا
الجاهل العالم. ثم قال في الذكرى : وقول ابن ابى عقيل بمنع امامة المفضول بالفاضل
ومنع امامة الجاهل بالعالم ان أراد به الكراهة فحسن وان أراد به التحريم أمكن
استناده الى أن ذلك يقبح عقلا ، وهو الذي اعتمد عليه محقق الأصوليين في الإمامة
الكبرى ، ولقول الله تعالى «أَفَمَنْ يَهْدِي
إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلّا أَنْ يُهْدى
فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»
وللخبرين المتقدمين في كلام ابن بابويه. انتهى. وظاهره احتمال التحريم في
المسألة احتمالا قويا لمطابقة الدليل العقلي للدليل النقلي كتابا وسنة.
وتقريب
الاستدلال بالآية المذكورة انها خرجت مخرج الإنكار على من يحكم بخلاف ذلك الذي هو
مقتضى بديهة العقول السليمة كما يشير اليه قوله تعالى : «فَما لَكُمْ كَيْفَ
تَحْكُمُونَ» .
واما الأخبار
الواردة بذلك فمنها ما رواه في الفقيه مرسلا قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله امام القوم وافدهم فقدموا أفضلكم». قال : «وقال على عليهالسلام ان
__________________
سركم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم».
ورواه في كتاب
العلل مسندا عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله ان سركم. الحديث مثله.
وروى في الفقيه
ومثله الشيخ في كتاب الاخبار مرسلا في الأول ومسندا في الثاني قال : قال النبي صلىاللهعليهوآله من أم قوما وفيهم من هو أعلم منه. الحديث. كما تقدم في
كلام صاحب المختلف.
وروى في كتاب
قرب الاسناد في الموثق عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهمالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : «ان أئمتكم وفدكم الى الله فانظروا من توفدون في
دينكم وصلاتكم».
وفي حسنة زرارة
عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «قلت أصلي خلف الأعمى؟ قال نعم إذا كان له من
يسدده وكان أفضلهم». وفيها أيضا «الصلاة خلف العبد؟ قال لا بأس به إذا كان فقيها ولم يكن هناك أفقه منه».
وفي موثقة
سماعة قال : «سألته عن المملوك يؤم الناس؟ فقال لا إلا ان يكون هو أفقههم
وأعلمهم».
وروى الشهيد في
الذكرى عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : «من صلى خلف عالم
__________________
فكأنما صلى خلف رسول الله صلىاللهعليهوآله».
وروى الصدوق في
كتاب إكمال الدين بسنده فيه عن ابى الحسن الليثي عن الصادق عن آبائه عليهمالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : «ان أئمتكم قادتكم الى الله فانظروا بمن تقتدون
في دينكم وصلاتكم».
وتؤيده الأخبار
العامة مثل قوله صلىاللهعليهوآله : «ان العلماء ورثة الأنبياء». وقوله صلىاللهعليهوآله «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل». وما دل من الاخبار على فضل العلماء على
من سواهم وقوله عزوجل «إِنَّ اللهَ
اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ»
واحتجاج الله عزوجل على الملائكة في تفضيله آدم وجعله خليفة بكونه أعلم
منهم وأمثال ذلك كما لا يخفى على الناقد البصير ولا ينبئك مثل خيبر.
وظاهر إيراد
الصدوق هذه الأخبار التي قدمنا نقلها عنه في باب الجماعة هو القول بمضمونها بمقتضى
قاعدته في صدر كتابه حيث انه لم ينقل رواية ابى عبيدة المذكورة ، إلا انه نقل عن
أبيه في رسالته اليه قبل إيراد هذه الأخبار انه قال : اعلم يا بنى ان أولى الناس
بالتقدم في جماعة أقرؤهم للقرآن فان كانوا في القراءة سواء فأفقههم فإن كانوا في
الفقه سواء فأقدمهم هجرة فان كانوا في الهجرة سواء فأسنهم فإن كانوا في السن سواء
فأصبحهم وجها. وصاحب المسجد أولى بمسجده. انتهى. وهذه عين عبارة كتاب الفقه التي
قدمناها.
والذي يقرب
عندي ان هذه الأخبار الدالة على تقديم الاقرأ إنما خرجت
__________________
مخرج التقية فإنه قول جمهور العامة وبه تكاثرت أخبارهم.
ومنها ـ ما
رووه عن النبي صلىاللهعليهوآله «يؤمكم اقرأكم لكتاب الله». وفي خبر آخر «يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله فان كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة
فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فان كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا».
وما رووه عن
عمرو بن أبي سلمة قال كنت غلاما حافظا قد حفظت
__________________
قرآنا كثيرا فانطلق ابى وافدا الى رسول الله صلىاللهعليهوآله في نفر من قومه فقال النبي صلىاللهعليهوآله «يؤمكم اقرأكم لكتاب الله» فقدموني فكنت أصلي بهم وانا ابن سبع سنين أو
ثمان».
وربما أجيب عن
خبر ابى عبيدة بأن المراد بالأقرإ فيه الأفقه ، لأن المتعارف كان في زمانه صلىاللهعليهوآله انهم إذا تعلموا القرآن تعلموا أحكامه ، قال ابن مسعود «كنا لا نتجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها ونهيها» وإطلاق القارئ على العالم
بأحكام الشريعة غير عزيز في الصدر الأول.
واعترض عليه
بان جعل الأعلم مرتبة بعد الاقرأ صريح في انفكاك القراءة عن العلم بالسنة ، وتعلم
أحكام القرآن غير كاف في الفقه إذ معظمه يثبت بالسنة ، وبان فيه عدولا عن ظاهر
اللفظ. وهو جيد.
وظني ان الوجه
في الجواب عن الخبر المذكور وأمثاله انما هو ما ذكرته من الحمل على التقية فإنها
هي السبب التام في اختلاف الأحكام الشرعية وان كانت هذه القاعدة غير معمول عليها
بين أصحابنا (رضوان الله عليهم كما قدمنا ذكره في غير مقام
الثاني ـ قد
خسر جماعة من الأصحاب الاقرأ بمعنى الأجود قراءة وإتقانا للحروف وأشد إخراجا لها
من مخارجها. وزاد بعضهم على الأمور المذكورة الأعرف بالأصول والقواعد المقررة بين
القراء. وقيل ان المراد أكثر قرآنا. ونسبه في البيان إلى الرواية.
أقول : ولعله
أشار بذلك الى ما روى من «ان الأعمى يؤم القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قراءة».
وفي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام «أنه
__________________
سئل عن العبد يؤم القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قرآنا؟ قال لا بأس».
ثم انه على
تقدير هذا المعنى فهل المراد يعني أكثرهم قراءة للقرآن ـ وتؤيده الرواية الأولى من
هاتين الروايتين ـ أو أكثرهم حفظا للقرآن وتؤيده رواية عمرو بن أبي سلمة العامية؟
وقيل الأجود بحسب طلاقة اللسان وحسن الصوت وجودة المنطق.
الثالث ـ جعل
الشيخ الأفقه بعد الاقرأ وقبل غيره وهو اختيار ابن بابويه في رسالته كما تقدم ،
وذهب بعضهم الى تقديم الاقرأ ثم الأقدم هجرة ثم الأسن ثم الأفقه كما هو مورد رواية
ابى عبيدة ، وبعضهم الى تقديم الأقدم هجرة بعد الاقرأ ثم الأفقه ، وقدم الشيخ في
المبسوط بعد الأفقه الأشرف ثم الأقدم هجرة ثم الأسن ، وقدم السيد المرتضى الأسن
بعد الأفقه ولم يذكر الهجرة.
ولا اعرف لهم
في هذا الاختلاف وجها يرجع اليه ولا مستندا يعتمد عليه إلا أن يكون مجرد اعتبارات
يعتبرها كل منهم في ما ذهب اليه كما هو شأنهم في كثير من الأحكام ، وإلا فليس في
المسألة من الأخبار المتداولة في كلامهم والمتناقلة على رؤوس أقلامهم إلا خبر ابى
عبيدة ، نعم خبر كتاب الفقه الذي جرى عليه على بن الحسين بن بابويه قد اشتمل على
تقديم الاقرأ أولا ثم الأفقه ثم الأقرب هجرة ثم الأسن ثم الأصبح وجها.
وكيف كان فقد
عرفت كلامهم في معنى الاقرأ ، وأما الهجرة فالمراد بها السبق من دار الحرب الى دار
الإسلام ، وقال العلامة في التذكرة المراد سبق الإسلام أو من كان أسبق هجرة من دار
الحرب الى دار الإسلام أو يكون من أولاد من تقدمت هجرته. ونقل في الذكرى عن الشيخ
نجيب الدين يحيى بن سعيد ان المراد التقدم في العلم قبل الآخر. وقال في الذكرى :
وربما جعلت الهجرة في زماننا سكنى الأمصار لأنها تقابل البادية مسكن الأعراب لأن
أهل الأمصار أقرب الى تحصيل شرائط الإمامة والكمال فيها. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان المراد من خبر ابى عبيدة انما هو المعنى الأول وهو
الأسبق هجرة من دار الحرب الى دار الإسلام فإن هذا هو معنى الهجرة في وقته صلىاللهعليهوآله والخبر مروي عنه صلىاللهعليهوآله.
بقي الكلام في
الترجيح بهذه المرتبة في ما عدا زمانه صلىاللهعليهوآله والأظهر انه لا يمكن الترجيح بها بل يجب اطراحها من
البين لعدم دليل على شيء من هذه المعاني التي ذكروها ، وبناء الأحكام الشرعية على
مثل هذه التخريجات والتقريبات لا يخلو من مجازفة.
نعم روى الصدوق
(قدسسره) في كتاب معاني الأخبار مرسلا عن الصادق عليهالسلام قال : «من ولد في الإسلام فهو عربي ومن دخل فيه بعد ما
كبر فهو مهاجر ومن سبى وعتق فهو مولى». وفيه اشعار بالمعنى الأول الذي ذكره في
التذكرة فيمكن حينئذ الترجيح بهذه المرتبة باعتبار هذا المعنى.
واما الأسن
فالمتبادر منه الأكبر بحسب السن ، وفي الذكرى وغيره ان المراد علو السن في الإسلام
، وكذا نقل عن الشيخ في المبسوط ، وهو اعتبار حسن إلا انه خلاف المتبادر من ظاهر
اللفظ.
وأما الأصبح
وجها فذكره الصدوقان والشيخان وجماعة ، وقال المرتضى وابن إدريس : وقد روى إذا تساووا فأصبحهم وجها. وقال المحقق في المعتبر : لا
أرى لهذا أثرا في الأولوية ولا وجها في شرف الرجال. وعلله في المختلف بان في حسن
الوجه دلالة على عناية الله به.
__________________
أقول : قد عرفت
ان كتاب الفقه الرضوي صرح بذلك ، والصدوقان إنما أخذا هذا الحكم من الكتاب لأن
عبارة على بن الحسين المتقدمة في الرسالة عين عبارة الكتاب من أولها إلى آخرها
ومنها هذا الموضع ، وهذا من جملة المواضع التي قدمنا الإشارة إليها بأنه كثيرا ما
يذكر القدماء حكما من الأحكام الشرعية ولا يصل دليله إلى المتأخرين فيعترضونهم
بعدم الدليل وهو في هذا الكتاب ، وما نحن فيه من هذا الباب.
والظاهر انه
الى هذا الخبر أشار الصدوق في كتاب العلل حيث قال ـ بعد نقل خبر ابى عبيدة فيه المتضمن لأنه إذا كانوا في السن سواء فليؤمهم أعلمهم
بالسنة ـ وفي حديث آخر : وان كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها. انتهى.
والظاهر ايضا
انه الى هذه الرواية المرسلة هنا في العلل أشار المرتضى وابن إدريس في ما قدمنا
نقله عنهما وقولهما : وقد روى إذا تساووا فأصبحهم وجها.
ومن ما يعضد ما
ذكره العلامة في المختلف من أن في حسن الوجه دلالة على عناية الله تعالى بذلك
الشخص ما في حديث إبراهيم أبي إسحاق الليثي الوارد في طينة المؤمن وطينة الناصب
المروي في العلل وغيره حيث قال عليهالسلام بعد ذكر الطينتين وهما الطيبة والخبيثة المذكورتان في
صدر الخبر : ثم عمد إلى بقية ذلك الطين فمزجه بطينتكم ولو ترك طينتهم على حالها لم
تمزج بطينتكم ما عملوا ابدا عملا صالحا ولا أدوا أمانة الى أحد ولا شهدوا الشهادتين
ولا صاموا ولا صلوا ولا زكوا ولا حجوا ولا شبهوكم في الصور ايضا ، يا إبراهيم ليس
شيء أعظم على المؤمن من أن يرى صورة حسنة في عدو من أعداء الله عزوجل والمؤمن لا يعلم ان تلك الصورة من طين المؤمن ومزاجه.
انتهى.
__________________
ويشير الى ذليك
ما ورد من «ان النبي صلىاللهعليهوآله طلب من الله سبحانه ان ينزل عليه جبرئيل متى أرسل إليه
في صورة دحية الكلبي وكان من أجمل الناس صورة». وبذلك يظهر لك ما في كلام المحقق
من الغفلة.
ثم انه لا يخفى
أن التقديم في هذه المراتب تقديم فضل واستحباب لا حتم وإيجاب كما صرح به غير واحد
: منهم ـ العلامة في التذكرة ، قال : وهذا كله تقديم استحباب لا تقديم اشتراط
وإيجاب فلو قدم المفضول جاز ولا نعلم فيه خلافا. انتهى
المسألة
الخامسة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم في الاستنابة في
الأثناء لو عرض للإمام عارض يمنع من إتمام الصلاة فإنه يستنيب من يتم بهم الصلاة
وإلا استناب المأمومون ، وكذا يستنيب لو كان مقصرا والمأموم متما.
والذي وقفت
عليه من الاخبار في المقام عدة أخبار : الأول ـ ما رواه المشايخ الثلاثة عطر الله
مراقدهم في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليهالسلام «في رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم مات؟ قال يقدمون رجلا آخر ويعتدون.
__________________
بالركعة ويطرحون الميت خلفهم ويغتسل من مسه».
الثاني ـ ما
رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يأتي المسجد وهم في الصلاة وقد سبقه الإمام
بركعة أو أكثر فيعتل الإمام فيأخذ بيده ويكون أدنى القوم اليه فيقدمه؟ فقال يتم
صلاة القوم ثم يجلس حتى إذا فرغوا من التشهد أومأ إليهم بيده عن اليمين والشمال
وكان الذي أومأ إليهم بيده التسليم وانقضاء صلاتهم وأتم هو ما كان فاته أو بقي
عليه».
الثالث ـ ما
رواه في الفقيه مرسلا قال : «قال أمير المؤمنين عليهالسلام ما كان من امام تقدم في الصلاة وهو جنب ناسيا وأحدث
حدثا أو رعافا أو أذى في بطنه فليجعل ثوبه على أنفه ثم لينصرف وليأخذ بيد رجل
فليصل مكانه ثم ليتوضأ وليتم ما سبقه به من الصلاة ، فإن كان جنبا فليغتسل وليصل
الصلاة كلها».
الرابع ـ ما
رواه في الكافي والتهذيب عن سلمة أبي حفص عن ابى عبد الله عليهالسلام «ان عليا عليهالسلام كان يقول لا يقطع الصلاة الرعاف ولا القيء ولا الدم
فمن وجد أذى فليأخذ بيد رجل من القوم من الصف فليقدمه يعني إذا كان اماما».
الخامس ـ ما
رواه في التهذيب عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام قال : «سألته عن رجل أم قوما فاصابه رعاف بعد ما صلى
ركعة أو ركعتين فقدم رجلا ممن قد فاته ركعة أو ركعتان : قال يتم بهم الصلاة ثم
يقدم رجلا فيسلم بهم ويقوم هو فيتم بقية صلاته».
السادس ـ ما
رواه في التهذيب عن معاوية بن شريح قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول إذا أحدث الامام وهو في الصلاة لم ينبغ أن يقدم
إلا من شهد الإقامة».
__________________
السابع ـ ما
رواه عن سليمان بن خالد في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يؤم القوم فيحدث ويقدم رجلا قد سبق بركعة كيف
يصنع؟ فقال لا يقدم رجلا قد سبق بركعة ولكن يأخذ بيد غيره فيقدمه».
الثامن ـ ما
رواه في الفقيه عن معاوية بن ميسرة عن الصادق عليهالسلام انه قال : «لا ينبغي للإمام إذا أحدث أن يقدم إلا من
أدرك الإقامة. فإن قدم مسبوقا بركعة فان عبد الله بن سنان روى عنه عليهالسلام انه قال إذا أتم صلاته بهم فليومئ إليهم يمينا وشمالا
فلينصرفوا ثم ليكمل هو ما فاته من صلاته».
التاسع ـ ما
رواه في الفقيه ايضا عن جميل بن دراج في الصحيح عنه عليهالسلام «في رجل أم قوما على غير وضوء فانصرف وقدم رجلا ولم يدر المقدم ما صلى
الامام قبله؟ قال يذكره من خلفه».
العاشر ـ ما
رواه في الكافي والتهذيب عن زرارة قال : «سألت أحدهما عليهماالسلام عن إمام أم قوما فذكر انه لم يكن على وضوء فانصرف وأخذ
بيد رجل وادخله وقدمه ولم يعلم الذي قدم ما صلى القوم؟ قال يصلى بهم فإن أخطأ سبح
القوم به وبنى على صلاة الذي كان قبله».
الحادي عشر ـ ما
رواه في الكافي والفقيه عن زرارة في الصحيح قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام رجل دخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة فأحدث
امامهم فأخذ بيد ذلك الرجل فقدمه فصلى بهم أتجزئهم صلاتهم بصلاته وهو لا ينويها
صلاة؟ فقال لا ينبغي للرجل ان يدخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة بل ينبغي
له أن ينويها صلاة فإن كان قد صلى فان له صلاة أخرى وإلا فلا يدخل
__________________
معهم ، قد تجزئ عن القوم صلاتهم وان لم ينوها».
الثاني عشر ـ ما
رواه في التهذيب في الصحيح قال : «سأل على بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عليهالسلام عن إمام أحدث فانصرف ولم يقدم أحدا ما حال القوم؟ قال
لا صلاة لهم إلا بإمام فليتقدم بعضهم فليتم بهم ما بقي منها وقد تمت صلاتهم».
الثالث عشر ـ ما
رواه في الصحيح عن زرارة عن أحدهما (عليهماالسلام قال : «سألته عن رجل صلى بقوم ركعتين ثم أخبرهم انه ليس
على وضوء؟ قال يتم القوم صلاتهم فإنه ليس على الامام ضمان».
الرابع عشر ـ ما
رواه في الفقيه والتهذيب في الموثق عن ابى العباس البقباق عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «لا يؤم الحضري المسافر ولا المسافر الحضري فإذا
ابتلى بشيء من ذلك فأم قوما حاضرين فإذا أتم الركعتين سلم ثم أخذ بيد بعضهم فقدمه
فأمهم. الحديث».
الخامس عشر ـ ما
رواه في كتاب الاحتجاج من سؤالات الحميري للناحية المقدسة قال : «كتب الحميري إلى القائم عليهالسلام انه روى عن العالم عليهالسلام انه سئل عن امام قوم صلى بهم بعض صلاتهم وحدثت حادثة
كيف يعمل من خلفه؟ فقال عليهالسلام يؤخر ويتقدم بعضهم ويتم صلاتهم ويغتسل من مسه؟ التوقيع
ليس على من نحاه إلا غسل اليد وإذا لم يحدث ما يقطع الصلاة تمم صلاته مع القوم.
الحديث».
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان الكلام في هذه الأخبار يقع في مواضع : (أحدها) ـ المفهوم من هذه الأخبار
ان مواضع الاستنابة من الامام أو المأمومين في صور : (الأولى) ـ موت الامام كما في
الخبر الأول والخبر الخامس عشر
__________________
(الثانية) ـ في صورة دخوله في الصلاة على غير طهارة نسيانا كما تضمنه الخبر
الثالث والتاسع والعاشر والثالث عشر (الثالثة) ـ في صورة ما لو أحدث الإمام في
الصلاة ، وعليه يدل الخبر الثاني والثالث والرابع بحمل الأذى فيه وهو الوجع في
البطن على ما لا يتحمل الصبر عليه أو الكناية عن خروج الحدث ، والسادس والسابع
والثامن والحادي عشر والثاني عشر. (الرابعة) ـ ما لو اصابه الرعاف ولم يمكن غسله
إلا بالمنافي ، وعليه يدل الخبر الخامس. (الخامسة) ـ في ما لو كان الامام مسافرا
كما يدل عليه الخبر الرابع عشر ، فهذه المواضع الخمسة مورد النصوص في الاستنابة.
والأصحاب قد
ذكروا الإغماء مضافا الى الموت ونقلوا الإجماع عليه ، قال في المدارك ـ بعد قول
المصنف : وإذا مات الإمام أو أغمي عليه استنيب من يتم بهم الصلاة ـ قد أجمع
الأصحاب على ان الامام إذا مات أو أغمي عليه يستحب للمأمومين استنابة من يتم بهم
الصلاة كما نقله جماعة : منهم ـ العلامة في التذكرة ، وتدل عليه روايات. ثم أورد
الخبر الأول خاصة ومورده كما عرفت انما هو الموت.
والظاهر انهم
بنوا على ان الإغماء في تلك الحال في حكم الموت ، بل ظاهر كلام جملة منهم عروض
المانع للإمام بقول مطلق. وهو جيد من حيث الاعتبار إلا انه بالنسبة الى عدم النص
عليه لا يخلو من شوب الإشكال.
وثانيها ـ قال
في المدارك بعد الاستدلال بالخبر الثاني عشر : ومقتضى الرواية وجوب الاستنابة إلا
ان العلامة (قدسسره) في التذكرة نقل إجماع علمائنا على انتفاء الوجوب ،
وعلى هذا فيمكن حمل الرواية على ان المنفي فيها الكمال والفضيلة لا الصحة.
والمسألة محل تردد. انتهى.
أقول : الظاهر
أنه غفل عن صحيحة زرارة وهي الخبر الثالث عشر فإنه ظاهر في جواز الانفراد مضافا
الى دعوى الإجماع في المقام ، وحينئذ فيجب حمل صحيحة على بن جعفر على تأكد
الاستحباب كما يقوله الأصحاب. وظاهر جملة من الأصحاب
أيضا عدم الوقوف على الصحيحة المذكورة كالعلامة في المنتهى والفاضل
الخراساني في الذخيرة ، فإنهم إنما استندوا ـ في تأويل صحيحة على بن جعفر بحملها
على الفضيلة والاستحباب ـ الى ما صرحوا به من جواز انفراد المأموم عن الامام مع وجوده
فمع عدمه أولى. وسيأتي ما في هذا الدليل عند ذكر المسألة المذكورة. والأظهر انما
هو الاستدلال بصحيحة زرارة المذكورة فإنها ظاهرة في جواز الإتمام منفردين.
وثالثها ـ قد
صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم بأنه يكره أن يستناب المسبوق سواء كانت الاستنابة
من الامام أو المأمومين ، ووجه الكراهة الجمع بين ما دل على الجواز كالخبر الثاني
وعجز الخبر الثامن ، وما دل على المنع كالخبر السادس والسابع وصدر الخبر الثامن.
وقد صرح
الأصحاب هنا بجواز استنابة من لم يكن من المأمومين ، قال العلامة في المنتهى : لو
استناب من جاء بعد حدث الامام فالوجه الجواز بناء على الأصل ولأنه جاز استنابة
التابع فغيره أولى. انتهى.
أقول : لا يخفى
ما في هذا التعليل العليل وكأنه غفلوا عن الأخبار الواردة من هذا القبيل وهي
الرواية التاسعة والعاشرة ، فإن ظاهر الخبرين المذكورين ما ذكرناه فان قوله «أخذ
بيد رجل وأدخله وقدمه» يدل على أنه ليس من المأمومين وانما أدخله الامام بعد
اعتلاله ولهذا انه لم يعلم ما صلى القوم ، وظاهره أنه يصلى من حيث قطع الامام كما
يدل عليه قوله في الخبر العاشر «وبنى على صلاة الذي كان قبله» وانه انما يصلى بهم
ذلك القدر الناقص خاصة. وهو حكم غريب لم يوجد له في الأحكام نظير ، فان هذه الصلاة
بالنسبة الى هذا الداخل انما هي عبارة عن مجرد الأذكار وان اشتملت على ركوع وسجود
وإلا فإنها ليست بصلاة حقيقية ، إذ المفهوم من الخبرين المذكورين أنه يدخل معهم من
حيث اعتل الامام ويخرج معهم من غير أن يزيد شيئا على صلاتهم وانما يؤمهم في ما بقي
عليهم كائنا ما كان ولو ركعة واحدة ، ومن هذا حصل الاستغراب. واحتمال حمل الخبرين
المذكورين على استنابة
بعض المأمومين من المسبوقين ـ كما يفهم من نظمهم هذين الخبرين أو أحدهما مع
أحاديث المسبوق كما جرى عليه في المدارك ومثله صاحب الوسائل ـ بعيد بل غير مستقيم
، لأن المسبوق الداخل في الصلاة قبل اعتلال الامام عالم بما صلوا وان دخوله في أي
ركعة لانه صلى بصلاتهم ومع عدم علمه فالواجب عليه الإتيان بالترتيب الواجب عليه
شرعا ، فلا معنى لقوله «فإن أخطأ سبح القوم به» ولا لقوله «بنى على صلاة الذي كان
قبله» ولا معنى ايضا لقوله «وأخذ بيد رجل وأدخله» فإن هذا كله إنما يبتنى على رجل
خارج من الصلاة لم يدخله الإمام إلا بعد اعتلاله وهو صريح عبارة العلامة المتقدمة
، فهو إنما يبتدئ الصلاة من حيث قطع الأول فلو فرضنا ان الأول انصرف عن ركعتين أتم
هذا الداخل بالمأمومين الركعتين الأخيرتين خاصة وهكذا. قال في المنتهى ايضا : لو
استخلف من لا يدرى كم صلى فالوجه انه يبنى على اليقين فان وافق الحق وإلا سبح
القوم به فيرجع إليهم. ثم نقل أقوالا عديدة من العامة ، ثم احتج برواية زرارة
المتقدمة. وبالجملة فالحكم المذكور في غاية الغرابة ولم أقف على من أفصح عن الكلام
فيه ولا تنبيه لما ذكرناه. والله العالم
ورابعها ـ الظاهر
أنه لا فرق بين اعتلال الامام وخروجه أن يقدم هو أو المأمومون من يتم بهم أو يتقدم
شخص من المأمومين ممن له أهلية الإمامة من غير استخلاف أو يأتم كل طائفة بإمام أو
يأتم بعض وينفرد بعض.
قال في المنتهى
: لو قدم بعض الطوائف اماما وصلى الآخرون منفردين جاز لأن لهم الانفراد مع وجود
الامام فمع العدم أولى.
أقول : فيه انه
مبنى على مسألة انفراد المأموم من غير عذر كما تقدمت الإشارة إليه في كلامه وسيأتي
ما فيه ان شاء الله تعالى.
والأظهر
الاستدلال على ذلك بما ذكرناه من صحيحة زرارة وهي الخبر الثالث عشر الظاهر في جواز
صلاتهم فرادى بعد اعتلال الامام مع الأخبار الدالة على جواز الاستنابة بل
استحبابها ، فإذا كان الأمران جائزين للجميع جاز ذلك
بالنسبة إلى البعض في جميع ما ذكرنا من الصور.
وخامسها ـ قد
دل الخبر الثاني الوارد في استنابة المسبوق وكذا عجز الخبر الثامن على انه بعد
تمام صلاة المأمومين يومئ إليهم بيده عن اليمين والشمال عوض التسليم بهم ثم يتم ما
فاته ، ودل الخبر الخامس على انه يقدم رجلا منهم يسلم بهم ثم يقوم هو ويتم ما بقي
عليه. والجمع بين الأخبار يقتضي التخيير بين الأمرين.
وقال العلامة
في المنتهى : ولو انتظروا حتى يفرغ ويسلم بهم لم استبعد جوازه وقد ثبت جواز ذلك في
صلاة الخوف. انتهى.
أقول : ثبوت
ذلك في صلاة الخوف لا يستلزم جوازه هنا سيما بعد ورود النص بالحكم في هذه الصلاة
بالخصوص كما عرفت. والله العالم.
وسادسها ـ ان
الخبر الرابع عشر قد دل على انه بعد تمام صلاة الإمام يقدم من يتم بالمأمومين
صلاتهم ، والظاهر أنه لا فرق بين أن يقدم الإمام أو يقدموا لأنفسهم من يختارونه من
المأمومين.
وهل يجرى هذا
الحكم في المسبوقين بان يأتم بعضهم ببعض بعد انقضاء صلاة الامام وقيامهم لما بقي
عليهم من الصلاة؟ اشكال ، قال في المدارك : ومتى اقتدى الحاضر بالمسافر في الصلاة
المقصورة وجب على المأموم إتمام صلاته بعد تسليم الامام منفردا أو مقتديا بمن
صاحبه في الاقتداء كما في صورة الاستخلاف مع عروض المبطل ، وربما ظهر من كلام
العلامة في التحرير التوقف في جواز الاقتداء على هذا الوجه ، حيث قال : ولو سبق
الامام اثنين ففي ائتمام أحدهما بصاحبه بعد تسليم الإمام إشكال. وكيف كان فالظاهر
مساواته لحالة الاستخلاف. انتهى.
أقول : ينبغي
أن يعلم ان هنا صورتين : (إحداهما) أن يقتدى جماعة من الحاضرين بمسافر ، ولا ريب
أنه متى أتم المسافر صلاته فإنه يجب على المأمومين الإتيان بما بقي من صلاتهم ،
وهل يجوز أن يأتم بعضهم ببعض في تلك البقية أم لا؟
و (الثانية) انه لو سبق الامام اثنين فصاعدا بمعنى انهم لم يدركوا الإمام
إلا بعد فوات ركعة أو ركعتين من صلاته فبعد تسليم الامام وقيامهم لما بقي عليهم هل
يأتم بعضهم ببعض أم لا؟ وهذه الصورة الثانية هي مراد العلامة من هذا الكلام
والصورة الأولى هي المفروضة في كلامه «قدسسره» وكلام السيد هنا لا يخلو من إجمال فيحتمل انه حمل كلام
العلامة هنا على ما فرضه أولا من صورة اقتداء الحاضرين بالمسافر كما يشير اليه
قوله بالتوقف في جواز الاقتداء على هذا الوجه يعنى الوجه المتقدم في كلامه أو ما
هو أعم من الصورتين المفروضتين وان كلام العلامة شامل لاقتداء الحاضرين بالمسافر.
وكيف كان
فالظاهر ان المسألتين متغايرتان والنص قد دل بالنسبة إلى ائتمام الحاضرين بالمسافر
انه بعد تمام صلاة الإمام يقدم بعض المأمومين ، فجواز الائتمام هنا من ما لا اشكال
فيه سواء قدمه الامام لما عرفت من الخبر الرابع عشر أو المأمومين لعين ما تقدم في
صورة موت الامام كالخبر الأول ، وفي صورة ما لو أحدث وانصرف ولم يقدم أحدا كما في
الخبر الثاني عشر ، فإن الإمامة لما كانت جائزة ومشروعة لا يفرق بين الآتي بها
والمتصدي لها من الامام أو المأمومين أو تقدم بعضهم واقتداء الباقي من غير تعيين
أحد ، أما بالنسبة إلى المسبوقين بعد إتمام الإمام صلاته فلم يرد هنا نص على
الاستخلاف من الامام أو المأمومين.
وقوله : «وكيف
كان فالظاهر مساواته لحال الاستخلاف» ان أراد به بالنسبة إلى ائتمام الحاضرين
بالمسافر فقد عرفت انه لا إشكال فيه ، وان أراد بالنسبة إلى الصورة الأخرى وهي
الظاهرة من كلام العلامة فلا أعرف لهذه الظاهرة وجها يعتمد عليه ، فان العبادات
عندنا مبنية على التوقيف كما وكيفا وفرادى وجماعة ، والنصوص الواردة بالاستخلاف
المستلزم لنقل النية من المأمومية إلى الإمامة ومن الائتمام بإمام الى الائتمام
بآخر مخصوصة بالصور الخمس التي قدمناها وليس هذا منها ، وإلحاق ما سوى ذلك به قياس
لا يوفق أصول المذهب وان
كان بعض الأصحاب قد عدوا ذلك الى صور خالية من النصوص ، والظاهر انه لما
ذكرناه استشكل العلامة في صورة المسبوقية وهو في محله.
وبالجملة فإن
العدول في الصلاة من نية إلى أخرى ـ مع ما يترتب على ذلك من تغاير الأحكام كما هو
المعلوم من أحكام الإمامة والمأمومية ـ أمر على خلاف الأصل المستفاد من قواعد
الشرع. فالواجب الاقتصار فيه على موارد الرخص ، وقد عرفت اختصاص ذلك بالصور الخمس
المتقدمة وإلا فههنا صور عديدة قد قدمنا الكلام فيها مستوفى في بحث نية الوضوء من
كتاب الطهارة :
منها ـ ان يعدل
من الائتمام بإمام في أثناء الصلاة الى الائتمام بآخر لو حضرت جماعة أخرى في ذلك
المكان ، وقد نقل القول بالجواز هنا عن العلامة في التذكرة وتبعه المحدث الكاشاني
في المفاتيح.
ومنها ـ ما لو
صلى مأموما ثم عدل في أثناء الصلاة إلى نية الإمامة ببعض المأمومين أو غيرهم بعد
نقل نيته الى الانفراد أو عدمه.
ومنها ـ أن
ينقل الامام نيته في الأثناء الى الائتمام ببعض المأمومين وذلك المأموم ينقل نيته
إلى الإمامة.
الى غير ذلك من
الصور التي يمكن فرضها ، وقد تقدم الكلام فيها ونحوها في الموضع المشار اليه ،
والأظهر الأشهر العدم لما عرفت من الخروج عن مواضع النصوص. والله العالم.
المسألة
السادسة ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) كراهة الإمامة في جملة من المواضع :
منها ـ المسبوق وقد تقدم الكلام فيه في سابق هذه المسألة.
ومنها ـ المجذوم
والأبرص والمحدود والأعرابي ، وقد تقدم الكلام في هؤلاء الأربعة في بحث صلاة
الجمعة.
ومنها ـ الأغلف
وقد أطلق جملة من الأصحاب كراهة إمامة الأغلف ، ومنع منه جماعة منهم كالشيخ
والمرتضى.
وقال في
المدارك ـ بعد أن ذكر المصنف الأغلف في من يكره إمامته ـ ما صورته : الحكم بكراهة
إمامة الأغلف مشكل على إطلاقه لان من أخل بالختان مع التمكن منه يكون فاسقا فلا
تصح إمامته ، وأطلق الأكثر المنع من إمامته وهو مشكل ايضا.
وقال المحقق في
المعتبر : والوجه ان المنع مشروط بالفسوق وهو التفريط في الاختتان مع التمكن لا مع
العجز ، وبالجملة ليس الغلفة مانعة باعتبارها ما لم ينضم إليها الفسوق بالإهمال
ونطالب المانعين بالعلة ، فإن احتجوا ـ بما رواه أبو الجوزاء عن الحسين بن علوان
عن عمرو بن خالد عن زيد بن على عن آبائه عن على (عليهمالسلام) قال : «الأغلف لا يؤم القوم وان كان أقرأهم لأنه ضيع من
السنة أعظمها ولا تقبل له شهادة ولا يصلى عليه إلا أن يكون منع ذلك خوفا على نفسه».
فالجواب من وجهين : (أحدهما) ـ الطعن في سند الرواية فإنهم بأجمعهم زيدية مجهولو
الحال و (الثاني) ـ أن نسلم الخبر ونقول بموجبه ، فإنه تضمن ما يدل على إهمال
الاختتان مع وجوبه فلا يكون المنع متعلقا على الغلفة ، فإن ادعى مدع الإجماع فذاك
يلزم من علمه ونحن لا نعلم ما ادعاه. انتهى. وهو جيد.
ثم ان الظاهر
انه مع قدرته على الاختتان والإخلال به لا يقتضي ذلك بطلان صلاته بل غايته الإثم
لعدم توجه النهي إلى شيء من العبادة وانما هو أمر خارج إلا عند من يقول باقتضاء
الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاص ، وهو قول مرغوب عنه لعدم الدليل عليه بل الدليل
على خلافه واضح السبيل. إلا ان شيخنا الشهيد الثاني في الروض صرح بأنه لا تصح
صلاته بدون الاختتان وان كان منفردا ، ولا اعرف له وجها ولا سيما ان مذهب في تلك
المسألة الأصولية هو عدم استلزام الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاص.
ومن ما يدل على
النهى عن امامة الأغلف زيادة على الخبر المذكور ما نقله
__________________
في البحار عن كتاب جعفر بن محمد بن شريح عن عبد الله بن طلحة
النهدي عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «لا يؤم الناس المحدود وولد الزنا والأغلف
والأعرابي والمجنون والأبرص والعبد».
وما رواه
الصدوق في الخصال بسنده فيه عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : «ستة لا ينبغي أن يؤموا الناس : ولد الزنا
والمرتد والأعرابي بعد الهجرة وشارب الخمر والمحدود والأغلف». ورواه جعفر بن محمد
بن قولويه في كتابه بإسناده إلى الأصبغ مثله .
وروى في المقنع
مرسلا قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام الأغلف لا يؤم القوم. الحديث. كما تقدم في حديث
الزيدية.
ومنها ـ امامة
من يكرهه المأمومون وقد ورد بذلك جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الصدوق في
الفقيه مرسلا قال : «قال النبي صلىاللهعليهوآله ثمانية لا يقبل الله لهم صلاة : العبد الآبق حتى يرجع
الى مولاه والناشر عن زوجها وهو عليها ساخط ومانع الزكاة وامام قوم صلى بهم وهم له
كارهون. الحديث».
وروى في الكتاب
المذكور بسنده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه (عليهمالسلام) في حديث المناهي قال : «ونهى أن يؤم الرجل قوما إلا
بإذنهم. وقال من أم قوما بإذنهم وهم به راضون فاقتصد بهم في حضوره وأحسن صلاته
بقيامه وقراءته وركوعه وسجوده وقعوده فله مثل أجر القوم ولا ينقص من أجرهم شيء».
__________________
وروى في كتاب
الخصال بسنده عن عبد الملك بن عمير عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : أربعة لا تقبل لهم صلاة : الإمام الجائر ، والرجل
يؤم القوم وهم له كارهون ، والعبد الآبق من مولاه من غير ضرورة ، والمرأة تخرج من
بيتها بغير إذن زوجها».
وروى الشيخ
بسنده عن زكريا صاحب السابري عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «ثلاثة في الجنة على المسك الأذفر : مؤذن أذن
احتسابا ، وامام أم قوما وهم به راضون ، ومملوك يطيع الله ويطيع مواليه».
وروى في
الأمالي بسنده فيه عن عبد الله بن ابى يعفور عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «ثلاثة لا تقبل لهم صلاة : عبد آبق من مواليه حتى
يرجع إليهم فيضع يده في أيديهم ، ورجل أم قوما وهم كارهون ، وامرأة باتت وزوجها
عليها ساخط». ورواه الكليني في كتاب النكاح .
وروى جملة من
الأصحاب عن على عليهالسلام انه قال لرجل أم قوما وهم له كارهون : «انك لخروط». قال
في الروض : انه بفتح الخاء المعجمة والراء المهملة والگواو والطاء المهملة وهو
الذي يتهور في الأمور ويركب رأس كل ما يريد بالجهل وقلة المعرفة بالأمور.
قال العلامة في
التذكرة : الأقرب انه ان كان ذا دين يكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته والإثم على
من كرهه وإلا كرهت. وظاهر هذا الكلام حمل الأخبار المذكورة على من لم يكن من أهل
الإمامة ويحمل الناس على الائتمام به ، وحينئذ فهذه الكراهة ترجع الى التحريم إلا
مع التقية.
وقال في
المنتهى : لا تكره امامة من يكرهه المأمون أو أكثرهم إذا كان
__________________
بشرائط الإمامة خلافا فالبعض الجمهور لنا قوله صلىاللهعليهوآله : «يؤمكم أقرأكم» وذلك عام ، ولا اعتبار بكراهة
المأمومين له إذ الإثم انما يتعلق بمن يكرهه لا به. انتهى. وهو جيد يرجع الى ما
تقدم.
أقول : ويمكن ـ
ولعله الأقرب ـ ان المراد بالأخبار المذكورة ان المأمومين ليس لهم مزيد اعتقاد فيه
ويرجحون غيره عليه ويريدون الائتمام بغيره وهو يحملهم مع ذلك على الائتمام به
ويمنعهم من غيره ، وحينئذ فالكراهة في محلها وان صحت الصلاة خلفه. والله العالم.
ومنها ـ المتيمم
بالمتوضئين ، والحكم بذلك مشهور بين الأصحاب بل قال العلامة في المنتهى : انا لا
نعرف فيه خلافا إلا ما حكى عن محمد بن الحسن الشيباني من المنع من ذلك .
واستدل الشيخ
على الحكم المذكور في كتابي الأخبار بما رواه عن عباد بن صهيب قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول «لا يصلى المتيمم بقوم متوضئين».
وعن السكوني عن
جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) قال : «لا يؤم صاحب التيمم المتوضئين ولا يؤم صاحب
الفالج الأصحاء».
وانما حملتا
على الكراهة لما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن جميل بن دراج «انه سأل أبا عبد الله عليهالسلام عن امام قوم أجنب وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل
ومعهم ماء يتوضأون به أيتوضأ بعضهم ويؤمهم؟ قال لا ولكن يتيمم الإمام
__________________
ويؤمهم فان الله (عزوجل) جعل الأرض طهورا كما جعل الماء طهورا».
وما رواه الشيخ
عن عبد الله بن بكير في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل أجنب ثم تيمم فأمنا ونحن طهور؟ فقال لا بأس به».
وعن عبد الله
بن المغيرة في الحسن عن عبد الله بن بكير عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له رجل أم قوما وهو جنب وقد تيمم وهم على
طهور : فقال لا بأس».
وعن أبي أسامة
عن ابى عبد الله عليهالسلام «في الرجل يجنب وليس معه ماء وهو امام القوم؟ قال يتيمم ويؤمهم».
والأقرب عندي
في الجمع بين هذه الأخبار حمل الأخبار الأولة على التقية لاتفاق المخالفين إلا
الشاذ النادر على الحكم المذكور كما عرفت من كلام العلامة وان وافقهم أصحابنا (رضوان
الله عليهم) في ذلك وجعلوه وجه جمع بين هذه الأخبار إلا أن الأخبار المجوزة لا
إشارة فيها الى ذلك فضلا عن التصريح به ، ويعضده ان رواة الخبرين الأولين من
العامة. والى ما ذكرناه من العمل بهذه الأخبار الأخيرة يميل كلام صاحب المدارك
بناء على قاعدته ، حيث نقل صحيحة جميل في المسألة ورد الخبرين الأولين بضعف
الاسناد ورجح العمل بالصحيحة المذكورة لضعف المعارض لها ولم ينقل شيئا من الروايات
التي أردفناها به. وبالجملة فالأظهر عندي ما ذكرته. والله العالم.
ومنها ـ العبد وقد
وقع الخلاف في إمامته ، فقال في المبسوط والنهاية : لا يجوز أن يؤم الأحرار ويجوز
أن يؤم مواليه إذا كان أقرأهم. وقال ابن بابويه في المقنع : ولا يؤم العبد إلا
أهله لرواية السكوني . وأطلق ابن حمزة ان العبد لا يؤم الحر ،
__________________
وجوز إمامته مطلقا ابن الجنيد وابن إدريس ، وأطلق الشيخ في الخلاف جواز
إمامته قال : وفي بعض رواياتنا لا يؤم إلا مولاه. وقال أبو الصلاح يكره.
ويدل على جواز
إمامته جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة
عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «قلت له الصلاة خلف العبد فقال لا بأس به إذا كان
فقيها ولم يكن هناك أفقه منه. الحديث».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) «انه سئل عن العبد يؤم القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قرآنا؟ قال لا بأس به».
ورواه أيضا في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليهالسلام وذكر مثله .
وعن سماعة في
الموثق قال : «سألته عن المملوك يؤم الناس فقال لا إلا أن يكون
هو أفقههم وأعلمهم».
وما رواه
الحميري في كتاب قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن
على (عليهمالسلام) قال : «لا بأس أن يؤم المملوك إذا كان قارئا».
وهذه الأخبار
كما ترى كلها ظاهرة في الجواز إذا كان من أهل الإمامة.
إلا انه روى
الشيخ عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن على (عليهمالسلام) قال «لا يؤم العبد إلا أهله».
وجمع الشيخ
بينه وبين الأخبار المتقدمة بحمل هذا الخبر على الاستحباب وتبعه في ذلك جملة من
الأصحاب كما هي قاعدتهم في سائر الأبواب.
وأنت خبير بان
ظاهر تلك الأخبار على تعددها مؤذن بجواز الإمامة متى كان قارئا أو فقيها من غير
إشعار بكراهة بالكلية ، وحملها على خلاف ظاهرها بمجرد هذا الخبر مع ضعفه وعدم
نهوضه بالمعارضة مشكل ، ولعل طرحه وإرجاعه إلى قائله هو الأولى ان لم يكن خرج مخرج
التقية. ومن ذلك يظهر لك
__________________
عدم المستند لما ذكروه من الأقوال المتقدمة فإن هذه أخبار المسألة التي
وصلت إلينا. والله العالم.
ومنها ـ المقيد
بالمطلقين وصاحب الفالج بالأصحاء ، والظاهر ان امامة المقيد بالمطلقين ترجع إلى
امامة القاعد بالقائمين ، وقد عرفت آنفا ان الحكم في ذلك هو التحريم ، وحينئذ فلا
وجه لعده هنا في المكروهات كما ذكره بعضهم إلا ان يكون المقيد يستطيع الصلاة قائما
وهو خلاف الظاهر وكذا صاحب الفالج ، وبالجملة فإنه متى استلزم نقصان صلاة الإمام
بترك شيء من واجباتها فظاهرهم المنع من الاقتداء كما صرحوا به في غير موضع وإلا
فالكراهة.
ومن الاخبار
الواردة هنا ما رواه في الكافي عن السكوني عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «قال أمير المؤمنين عليهالسلام لا يؤم المقيد المطلقين ولا صاحب الفالج الأصحاء ولا
صاحب التيمم المتوضئين. الحديث». ورواه الصدوق مرسلا .
وعن السكوني عن
جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) قال «لا يؤم صاحب الفالج الأصحاء».
وعن صاعد بن
مسلم عن الشعبي قال قال على عليهالسلام في حديث : «لا يؤم المقيد المطلقين».
قال شيخنا
المجلسي في البحار : وظاهر كلام بعض الأصحاب عدم جواز امامة المقيد المطلقين وصاحب
الفالج الأصحاء ، والمشهور الكراهة إلا مع عدم تمكنهما من الإتيان بأفعال الصلاة.
انتهى.
ومنها ـ امامة
المسافر بالحاضر وبالعكس ، وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة العاشرة من المطلب
المتقدم.
__________________
المطلب الثالث في الأحكام
وفيه مسائل الأولى
ـ الأشهر الأظهر أنه لو تبين بعد الصلاة ان الامام كافر أو فاسق أو على غير طهارة
لم تبطل صلاة من ائتم به ، ونقل عن المرتضى وابن الجنيد أنهما أوجبا الإعادة على
المأموم ، كذا نقله عنهما في المدارك ومثله الفاضل الخراساني في الذخيرة. وظاهره
يؤذن بأن المرتضى خالف في كل من المسائل الثلاث اعنى فسق الامام وكفره وحدثه ،
والظاهر انه ليس كذلك فان ظاهر العلامة في المنتهى والمختلف ان خلاف السيد انما هو
في مسألتي الكفر والفسق دون الحدث ، أما في المنتهى فإنه قال : لو صلى خلف من
ظاهره العدالة فبان فاسقا لم يعد وبه قال الشيخ وقال السيد المرتضى يعيد. ثم قال :
الثاني ـ لو صلى خلف جنب أو محدث عالما أعاد بغير خلاف ولو كان جاهلا لم يعد ، قال
السيد المرتضى يلزم الإمام الإعادة دون المأموم. قال : وقد روى ان المأمومين ان
علموا في الوقت لزمهم الإعادة. وأما مسألة الحدث فلم يتعرض لذكرها في الكتاب ، وهو
مؤذن بأنها ليست محل خلاف. وحكى الصدوق في الفقيه عن جماعة من مشايخه انه سمعهم
يقولون ليس عليهم إعادة شيء من ما جهر فيه وعليهم اعادة ما صلى بهم من ما لم يجهر
فيه ، قال : والحديث المفصل يحكم على المجمل.
ويدل على القول
المشهور جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه ثقة الإسلام والشيخ عن ابن ابى عمير في
الصحيح أو الحسن عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله عليهالسلام «في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمهم رجل فلما صاروا إلى
الكوفة علموا أنه يهودي؟ قال لا يعيدون».
وقال الصدوق في
الفقيه : وفي كتاب زياد بن مروان القندي وفي نوادر محمد
__________________
ابن ابى عمير ان الصادق عليهالسلام قال : «في رجل صلى بقوم من حين خرجوا من خراسان حتى
قدموا مكة فإذا هو يهودي أو نصراني؟ قال ليس عليهم اعادة».
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يؤم القوم وهو على غير طهر فلا
يعلم حتى تنقضي صلاته فقال يعيد ولا يعيد من خلفه وان أعلمهم انه على غير طهر».
وعن زرارة في
الصحيح عن ابى جعفر عليهالسلام قال : سألته عن قوم صلى بهم امامهم وهو غير طاهر أتجوز
صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال لا اعادة عليهم تمت صلاتهم وعليه هو الإعادة ، وليس عليه
ان يعلمهم هذا عنه موضوع».
وعن عبد الله
بن بكير في الموثق به قال : سأل حمزة بن حمران أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل أمنا في السفر وهو جنب وقد علم ونحن نعلم؟ قال
لا بأس».
وعن عبد الله
بن ابى يعفور بسند لا يبعد أن يكون موثقا قال : «سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) عن رجل أم قوما وهو على غير وضوء؟ فقال ليس عليهم
اعادة وعليه هو أن يعيد».
وعن الحلبي في
الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام انه قال : «في رجل يصلى بالقوم ثم يعلم انه صلى بهم الى
غير القبلة؟ قال ليس عليهم اعادة».
وما رواه
الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «من صلى بقوم وهو جنب أو على غير وضوء فعليه
الإعادة وليس عليهم أن يعيدوا ، وليس عليه أن يعلمهم ولو كان ذلك عليه لهلك. قال
قلت كيف كان يصنع بمن قد خرج الى خراسان وكيف كان يصنع بمن لا يعرف؟ قال هذا عنه
موضوع».
وبإسناده عن
جميل بن دراج عن زرارة عن أحدهما (عليهماالسلام)
__________________
قال : «سألته عن رجل صلى بقوم ركعتين ثم أخبرهم انه ليس على وضوء؟ قال يتم
القوم صلاتهم فإنه ليس على الامام ضمان».
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل أم قوما وهو على غير طهر فأعلمهم بعد ما صلوا؟
فقال يعيد هو ولا يعيدون».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن معاوية بن وهب قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام أيضمن الإمام صلاة الفريضة فإن هؤلاء يزعمون انه يضمن؟ فقال لا يضمن أي شيء
يضمن؟ إلا أن يصلى بهم جنبا أو على غير طهر».
وأما ما رواه
الشيخ عن عبد الرحمن العرزمي عن أبيه عن ابى عبد الله عليهالسلام ـ قال «صلى على عليهالسلام بالناس على غير طهر وكانت الظهر ثم دخل فخرج مناديه ان
أمير المؤمنين عليهالسلام صلى على غير طهر فأعيدوا وليبلغ الشاهد الغائب» ـ.
فأجاب عنه
الشيخ في التهذيبين بان هذا خبر شاذ مخالف للاخبار كلها وما هذا حكمه لا يجوز
العمل به ، على ان فيه ما يبطله وهو ان أمير المؤمنين عليهالسلام أدى فريضة على غير طهر ساهيا غير ذاكر ، وقد آمننا من
ذلك دلالة عصمته عليهالسلام انتهى. وهو جيد.
أقول : ومن
الأخبار الدالة على ما دل عليه هذا الخبر من وجوب الإعادة على المأمومين ما نقله
في كتاب البحار عن نوادر الراوندي بسنده فيه عن موسى بن إسماعيل عن
أبيه عن جده موسى بن جعفر عن آبائه عن على عليهمالسلام قال : «من صلى بالناس وهو جنب أعاد هو وأعاد الناس».
__________________
وما رواه في
كتاب دعائم الإسلام عن على (صلوات الله عليه) قال : «صلى عمر بالناس صلاة الفجر فلما قضى الصلاة أقبل
عليهم فقال يا أيها الناس ان عمر صلى بكم الغداة وهو جنب. فقال له الناس فما ذا
ترى؟ فقال على الإعادة ولا اعادة عليكم. فقال له على عليهالسلام بل عليك الإعادة وعليهم ان القوم بإمامهم يركعون
ويسجدون فإذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة المأمومين».
قال شيخنا في
البحار بعد نقل خبر الراوندي : وهذا الخبر يمكن حمله على علمهم بكونه جنبا أو على
الاستحباب أو على التقية لأنه مذهب الشعبي وابن سيرين وأصحاب الرأي من العامة وان كان أكثرهم معنا.
أقول : وأظهر
هذه الاحتمالات هو الثالث لان مذهب أبي حنيفة وأصحابه المعبر عنهم بأصحاب الرأي
كان له قوة في وقته فحمل ما وافقه على التقية غير بعيد ، والتقية هنا من الكاظم عليهالسلام في نقل ذلك ، وعلى ذلك يحمل ايضا حديث كتاب الدعائم.
وبالجملة فإنه لما ثبت اتفاق الطائفة على الحكم المذكور وتكاثر الأخبار الصريحة
الصحيحة به كما عرفت من ما تلوناه فلا مندوحة من تأويل هذين الخبرين الضعيفين أو
طرحهما بالكلية.
ونقل ان السيد
المرتضى احتج ـ على ما نقل عنه ـ بأنها صلاة تبين فسادها لاختلال بعض شرائطها فيجب
إعادتها ، وبأنها صلاة منهي عنها فتكون فاسدة.
وفيه (أولا) ـ ان
هذا الاحتجاج في مقابلة النصوص المتكاثرة كما عرفت غير مسموع. و (ثانيا) ـ ان تبين
الفساد مسلم بالنسبة الى الإمام أما بالنسبة إلى المأمومين فهو محل المنع ، لأنه
مأمورون بالاقتداء بمن ظاهره الاتصاف بشرط الإمامة أعم من أن يكون ذلك الظاهر
مطابقا للواقع أولا ، ومقتضى الأمر الاجزاء والإعادة تحتاج الى دليل. وكذا قوله «انها
صلاة منهي عنها» مسلم بالنسبة الى الامام وأما المأموم
__________________
فلا بل هي مأمور بها لما عرفت.
وأما ما نقله
الصدوق عن بعض مشايخه فلم يصل إلينا ما يدل على ما ذكروه من التفصيل ، والظاهر انه
لم يصل إليه أيضا وإلا لأفتى بما قالوه ولم يكتف بمجرد نقل ذلك عنهم.
هذا. ولو ظهر
ذلك في الأثناء فإنهم يعدلون الى الانفراد بناء على القول المشهور من عدم وجوب
الإعادة ، واما على القول بوجوب الإعادة فقيل بأنه يستأنف هنا. قيل ويحتمل
الاستئناف على القولين ان قلنا بتحريم المفارقة في أثناء الصلاة ، قال في الذكرى :
ولو صلى بهم بعض الصلاة ثم علموا حينئذ أتم القوم في رواية جميل وفي رواية حماد عن
الحلبي «يستقبلون صلاتهم».
أقول : الظاهر
هو القول بالعدول الى الانفراد لما عرفت من الأخبار المتكاثرة المتعاضدة الدلالة
على صحة الصلاة كملا بعد العلم فكذا بعضها بطريق أولى ، ولصحيحة زرارة المتقدمة
وهي الثانية من روايتيه المتقدمتين.
واما ما نقله
هنا في الذكرى من رواية حماد عن الحلبي الدالة على الاستقبال فلم أقف عليها في ما
حضرني من كتب الأخبار ولا سيما ما جمع الكتب الأربعة وغيرها من الوسائل والبحار.
والله العالم.
المسألة
الثانية ـ قد تقدم في باب صلاة الجمعة الكلام في ما به تدرك الركعة وتحتسب من
إدراك الإمام راكعا أو انه لا بد من إدراك تكبير الركوع ، وقد تقدم تحقيق القول في
ذلك ونقل الأخبار المتعلقة بالمسألة.
بقي الكلام هنا
بناء على القول المشهور ثمة من إدراك الركعة بالدخول معه حال ركوعه ، فلو دخل
المأموم وخاف بالالتحاق بالصف رفع الإمام رأسه من الركوع فإنه يكبر مكانه ويمشي في
ركوعه حتى يلتحق بالصف ، ولو سجد الإمام
__________________
قبل التحاقه جاز له السجود في موضعه ثم الالتحاق بالصف إذا قام ، قال في
المنتهى : ذهب إليه علماؤنا.
أقول : ويدل
على الحكم الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام انه سئل عن الرجل يدخل المسجد فيخاف ان تفوته الركعة؟
فقال يركع قبل أن يبلغ القوم ويمشى وهو راكع حتى يبلغهم».
قال الصدوق في
الفقيه : وروى انه يمشى في الصلاة يجر رجليه ولا يتخطى. وعلى
الثاني ما رواه عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله في الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا دخلت المسجد والامام راكع فظننت انك ان مشيت اليه رفع رأسه قبل
أن تدركه فكبر واركع فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك فإذا قام فالحق بالصف وان جلس
فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصف».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح قال : «رأيت أبا عبد الله عليهالسلام يوما وقد دخل المسجد الحرام لصلاة العصر فلما كان دون
الصفوف ركعوا فركع وحده وسجد السجدتين ثم قام فمضى حتى لحق الصفوف».
أقول : وفي ذكر
هذا الخبر في عداد أخبار هذه المسألة كما ذكره الأصحاب نظر لان الظاهر ان ائتمامه عليهالسلام انما كان بمخالف ، وقد عرفت أن الصلاة معهم انما هو على
جهة الانفراد ، فهو عليهالسلام كان منفردا والكلام في المأموم الحقيقي ، بقي جواز مشيه
عليهالسلام حال الصلاة حتى لحق بالصف وهو محمول على التقية .
__________________
أقول : ومن
اخبار المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «قلت له الرجل يتأخر وهو في الصلاة؟ قال لا. قلت
فيتقدم؟ قال نعم ماشيا إلى القبلة».
ورواه الكليني
مثله . وروى الشيخ عن إسحاق بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام ادخل المسجد وقد ركع الامام فاركع بركوعه وانا وحدي
واسجد فإذا رفعت رأسي أي شيء أصنع؟ فقال قم فاذهب إليهم فإن كانوا قياما فقم معهم
وان كانوا جلوسا فاجلس معهم». ورواه الصدوق بإسناده عن إسحاق بن عمار مثله .
وقيد شيخنا
الشهيد الثاني المشي حال الصلاة بغير حالة الذكر الواجب ، والظاهر ان منشأه
المحافظة على وجوب الطمأنينة في موضعها ، إلا ان ظاهر النصوص الإطلاق ولعله يخص
هذا الإطلاق بما دلت عليه أدلة وجوب الطمأنينة. والأقرب تخصيص أدلة وجوب الطمأنينة
بهذه الأخبار فإنها أظهر في الدلالة سيما مع عدم ما يدل على ما يدعونه من وجوب
الطمأنينة من النصوص.
وقال العلامة
في المنتهى : ولو فعل ذلك من غير ضرورة وخوف فوت فالظاهر الجواز خلافا لبعض العامة
لأن للمأموم أن يصلى في الصف منفردا وان يتقدم بين يديه وحينئذ يثبت
المطلوب. انتهى.
قال في الذخيرة
بعد نقله : ويدل عليه ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح قال : قلت له : الرجل يتأخر وهو في الصلاة. الخبر كما
ذكرناه. أقول : ان هنا مسألتين : إحداهما التقدم من صف الى آخر والتأخر أما لسد
__________________
خلل الصفوف أو لضيق مكان المصلى أو لإتمام الصف ، ومن الظاهر انه ليس هنا
ما يمنع من ذلك إلا من حيث الإخلال بالطمأنينة لو انتقل في وقت تجب فيه الطمأنينة
، فالأولى والأظهر هو جواز الانتقال كما دلت عليه الأخبار لكن في وقت لا يلزم
الإخلال بالطمأنينة التي هي أحد واجبات الصلاة وفيه جمع بين الأدلة
الثانية ـ ما
لو دخل المصلى المسجد وبينه وبين الصفوف مسافة تزيد على ما لا يتخطى الذي هو كما
عرفت من ما يبطل القدوة ، فإن الأخبار هنا دلت على انه متى خاف فوت الركعة برفع
الإمام رأسه قبل وصولة إلى الصفوف والالتحاق بها فإنه يكبر مكانه ويركع ، وتصير
هذه المسافة والبعد المبطلان للقدوة في غير هذه الصورة مغتفرين في هذه الصورة
بالنص لضرورة إدراك الركعة ، وقد رخص له في الخبر أن يمشى في حال ركوعه ويلتحق
بالصف ، وفيه دليل على اغتفار وجوب الطمأنينة وانها لا تبطل الصلاة بتركها في هذه
الصورة ، وهكذا لو سجد الامام قبل التحاقه فإنه يسجد معه ولو جلس للتشهد جلس ايضا
معه وان كانت تلك المسافة المبطلة في غير هذه الصورة موجودة لأنها صارت مغتفرة
بهذه النصوص.
وبذلك يظهر لك
ما في كلام المنتهى وان وافقه عليه في الذخيرة من عدم الاستقامة من انه لو فعل ذلك
من غير ضرورة وخوف فوت الركعة جاز قياسا على التقدم والتأخير في الصفوف وهي كما
عرفت مسألة أخرى ، وكيف يجوز ما ذكروه حال الاختيار والمفروض حصول البعد بين
المأموم والصفوف بالقدر الممنوع منه في غير هذه الصورة ، اللهم إلا ان يبنى كلامه
على عدم حصول البعد الموجب للإخلال بالقدوة الذي ناطوه بالعرف.
وبالجملة فإن
كلامه هنا على ما حققناه آنفا في مسألة البعد وتحديده غير وجيه ولا تام. وقياسه
مسألة تكبير الداخل للجماعة قبل الالتحاق بالصفوف على مسألة الانتقال من صف الى
آخر قياس مع الفارق كما عرفت. والله العالم.
المسألة
الثالثة ـ المعروف من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم انه لا يجوز
للمأموم مفارقة الإمام لغير عذر إلا أن ينوي الانفراد.
واستدل على
الأول وهو عدم جواز المفارقة لغير عذر بالتأسي وقوله صلىاللهعليهوآله : «انما جعل الإمام إماما ليؤتم به».
وفيه ما عرفت
مرارا من أن التأسي لا يكون دليلا في وجوب أو تحريم إلا مع معلومية وجهه وإلا فهو
أعم من ذلك والأمر هنا كذلك. وأما الحديث المذكور فقد تقدم الكلام في انه غير ثابت
من طرقنا بل الظاهر انه من روايات القوم كما صرح به بعض أصحابنا ، مع ما في دلالته
من المناقشة.
والاولى
الاستدلال على ذلك بما ذكره بعض محققي متأخري المتأخرين من أن الصلاة عبادة مترتبة
على التوقيف عن صاحب الشرع وليس هنا ما يدل على شرعيتها على هذا الوجه.
واما المفارقة
مع العذر فلا ريب في جوازها كما في المسبوق الذي يجلس للتشهد حال قيام الامام
ويتشهد ثم يلتحق به ، وكذا من تخلف عنه بركن أو أكثر لعذر من سهو أو ضيق مكان كما
تقدم ، فإنه يأتي بما سبقه به ويلتحق به ولا يضر تأخره عنه لمكان العذر.
وأما جواز
الانفراد بنيته قبل فراغ الامام فهو المشهور في كلامهم بل نقل العلامة في النهاية
الإجماع عليه. وقال الشيخ في المبسوط : من فارق الامام لغير عذر بطلت صلاته وان
فارقه لعذر وتمم صحت صلاته. وهو ظاهر في عدم جواز نية الانفراد.
واحتج الأولون
بوجوه : منها ـ ان النبي صلىاللهعليهوآله صلى بطائفة يوم ذات الرقاع ركعة ثم خرجت من صلاته وأتمت
منفردة ومنها ـ ان الجماعة ليست واجبة ابتداء فكذا استدامة.
ومنها ـ ان الغرض من الائتمام تحصيل الفضيلة فيكون
__________________
تركه لها مفوتا لها دون الصحة.
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يكون خلف امام فيطول في التشهد
فيأخذه البول أو يخاف على شيء أن يفوت أو يعرض له وجع كيف يصنع؟ قال : يسلم
وينصرف ويدع الامام».
ومنها ـ الأخبار
الدالة على جواز التسليم قبل الامام ، مضافا الى اتفاق الأصحاب على ذلك حتى من
القائلين بوجوب التسليم :
كما رواه الشيخ
في الصحيح عن ابى المعزا عن ابى عبد الله عليهالسلام «في الرجل يصلى خلف امام فيسلم قبل الامام؟ فقال ليس بذلك بأس».
وعن الحلبي في
الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام «في الرجل يكون خلف الامام فيطيل الامام التشهد؟ فقال يسلم من خلفه ويمضى
في حاجته ان أحب».
وأنت خبير بما
في هذه الوجوه من إمكان تطرق المناقشات إليها : أما الأول فهو ظاهر في أن المفارقة
انما كانت لعذر وقد عرفت انه ليس بمحل خلاف ولا اشكال. وأما الثاني فإنه لا يلزم
من عدم وجوب الجماعة ابتداء عدم وجوبها استدامة. وإلحاق أحدهما بالآخر قياس لا
يوافق أصول المذهب. واما الثالث فإن نية الائتمام كما تفيد الفضيلة كذا تفيد الصحة
على هذا الوجه ، ومن الجائز أن يكون ترك الائتمام ابتداء مفوتا للفضيلة وفي
الأثناء مفوتا للصحة ، وبالجملة فإنه مع الاستمرار على نية الائتمام مقطوع بالصحة
بلا إشكال ومع نية الانفراد وحصول المفارقة لا قطع على الصحة ، فإفادتها الصحة من
ما لا شك ولا إشكال فيه. واما الرابع فهو يرجع الى الأول لأن الرواية المذكورة
ظاهرة في العذر ، وقد عرفت انه من ما لا خلاف فيه ولا اشكال. واما الخامس فنقول
بموجبه ونمنع التعدي عن موضع النص وهو أخص من المدعى فلا يفيد دلالة على المطلوب.
__________________
وكيف كان
فالمسألة لا تخلو من الإشكال والاحتياط فيها واجب على كل حال ، وهو في ما ذهب اليه
الشيخ كما هو الأقرب في هذا المجال.
هذا كله في
الجماعة المستحبة أما الواجبة فلا يجوز الانفراد فيها قطعا من غير خلاف.
ثم انه على
تقدير القول المشهور من جواز نية الانفراد فقد فرعوا على ذلك فروعا عديدة :
منها ـ عدوله
بعد نية الانفراد الى الائتمام بإمام آخر في أثناء الصلاة ، وقد تقدم الكلام في
ذلك مستوفى في بحث نية الوضوء من كتاب الطهارة ومرة الإشارة إليه قريبا ايضا.
وينبغي أن يعلم
انه متى جوزنا للمأموم الانفراد فإنه يجب عليه إتمام صلاته منفردا ، فان حصلت
المفارقة قبل القراءة قرأ لنفسه وان كان بعد تمامها ركع لنفسه ومضى في صلاته ،
وانما الكلام في ما لو كان في أثنائها فالظاهر على تقدير القول المذكور انه يقرأ
من موضع القطع والمفارقة ، وأوجب الشهيد الثاني الابتداء من أول السورة التي حصل
القطع في أثنائها ، واستوجه الشهيد في الذكرى الاستئناف مطلقا لأنه في محل القراءة
وقد نوى الانفراد. والحكم محل إشكال إلا انك قد عرفت ان أصل القول المتفرع عليه
هذا الحكم خال من الاستدلال. والله العالم.
المسألة
الرابعة ـ إذا فاته مع الإمام شيء صلى ما يدركه وجعله أول صلاته وأتم ما بقي عليه
، وعليه الأصحاب كافة كما نقله الفاضلان في المعتبر والمنتهى.
ويدل على الحكم
المذكور جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد
الله عليهالسلام انه قال «إذا فاتك شيء مع الامام فاجعل أول صلاتك ما
استقبلت منها ولا تجعل أول صلاتك آخرها».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام قال :
__________________
«إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف امام يحتسب بالصلاة خلفه جعل أول
ما أدرك أول صلاته : ان أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته
ركعتان قرأ في كل ركعة من ما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب وسورة ، فان لم
يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب ، فإذا سلم الامام قام فصلى ركعتين لا يقرأ
فيهما ، لأن الصلاة انما يقرأ فيها في الأولتين في كل ركعة بأم الكتاب وسورة وفي
الأخيرتين لا يقرأ فيهما انما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ليس فيهما قراءة ، وان
أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام فإذا سلم الامام قام فقرأ بأم الكتاب وسورة ثم قعد
فتشهد ثم قام فصلى ركعتين ليس فيهما قراءة».
وفي الصحيح عن
عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الامام وهي
له الأولى كيف يصنع إذا جلس الامام؟ قال يتجافى ولا يتمكن من القعود فإذا كانت
الثالثة للإمام وهي له الثانية فليلبث قليلا إذا قام الامام بقدر ما يتشهد ثم يلحق
الامام. قال : وسألته عن الرجل الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع
بالقراءة؟ فقال اقرأ فيهما فإنهما لك الأولتان ولا تجعل أول صلاتك آخرها».
الى غير ذلك من
الأخبار الآتية ان شاء الله تعالى في المقام.
قال في المدارك
بعد إيراد صحيحتي زرارة وعبد الرحمن المذكورتين ما لفظه : ومقتضى الروايتين ان
المأموم يقرأ خلف الإمام إذا أدركه في الركعتين الأخيرتين وكلام أكثر الأصحاب خال
من التعرض لذلك ، وقال العلامة (قدسسره) في المنتهى : الأقرب عندي أن القراءة مستحبة ، ونقل عن
بعض فقهائنا الوجوب لئلا تخلو الصلاة عن قراءة إذ هو مخير في التسبيح في
الأخيرتين. وليس بشيء ، فإن احتج بحديث زرارة وعبد الرحمن حملنا الأمر فيهما على
الندب لما ثبت من عدم وجوب القراءة على المأموم. هذا كلامه (قدسسره) ولا يخلو من نظر لأن
__________________
ما تضمن سقوط القراءة بإطلاقه لا ينافي هذين الخبرين المفصلين لوجوب حمل
الإطلاق عليهما وان كان ما ذكره من الحمل لا يخلو من قرب ، لأن النهي في الرواية
الأولى عن القراءة في الأخيرتين للكراهة قطعا ، وكذا الأمر بالتجافي وعدم التمكن
من العقود في الرواية الثانية محمول على الاستحباب ، ومع اشتمال الرواية على
استعمال الأمر في الندب والنهى في الكراهة يضعف الاستدلال بما وقع فيها من الأوامر
على الوجوب أو النواهي على التحريم. مع ان مقتضى الرواية الأولى كون الأمر
بالقراءة في النفس وهو لا يدل صريحا على وجوب التلفظ بها. وكيف كان فالروايتان
قاصرتان عن إثبات الوجوب. انتهى.
وتبعه في هذه
المقالة جمع ممن تأخر عنه كما هي عادتهم غالبا ومنهم الفاضل الخراساني متمسكا زيادة
على ذلك بما صرح به في غير موضع من ما قدمنا نقله عنه من أن الأوامر والنواهي في
أخبارنا لا تدل على الوجوب والتحريم. وفيه ما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.
والتحقيق عندي
في المقام بما لم يسبق اليه سابق من علمائنا الأعلام (أعلى الله تعالى مقامهم في
دار المقام) هو أن يقال لا يخفى أن عبائر جملة من المتقدمين وجل المتأخرين في هذه
المسألة مجملة وان كان الظاهر منها بعد التأمل هو الوجوب ، حيث ان بعضهم صرح بأنه
يقرأ وبعضهم عبر بلفظ الرواية وهو انه يجعل ما أدرك مع الإمام أول صلاته ، ثم ربما
أردف ذلك بعضهم بذكر الصحيحتين المذكورتين.
ولم أقف على من
صرح بوجوب القراءة من المتقدمين إلا على كلام المرتضى (قدسسره) حيث نقل عنه في المختلف انه قال : لو فاتته ركعتان من
الظهر أو العصر أو العشاء وجب أن يقرأ في الأخيرتين بالفاتحة في نفسه فإذا سلم
الامام قام فصلى الركعتين الأخيرتين مسبحا فيهما. انتهى.
وهو إيضاح صريح
كلام الشيخ ابى الصلاح في كتابه الكافي حيث قال : وإذا سبق بركعة فاولته ثانية
الإمام فإذا نهض الإمام إلى الثالثة وهي له ثانية فليقرأ لنفسه
الحمد وسورة ، وإذا سبق بركعتين صارت أخيرتا الإمام له أولتين فليقرأ لنفسه
فيهما كقراءة المنفرد ويجلس بجلوسه ، وان سبقه بثلاث ركعات فرابعة الامام له اولة
فليقرأ لنفسه فيها. انتهى.
والظاهر ان أول
من صرح بالاستحباب في هذه المسألة هو العلامة في المنتهى والمختلف وتبعه المحقق
الأردبيلي في شرح الإرشاد والسيد في المدارك لما ذكره من الوجوه المذكورة في
كلامه.
وعندي في ما
ذكروه نظر وليكن محط الكلام وبيان ما فيه من النظر الظاهر لمن تدبر أخبار أهل
الذكر (عليهمالسلام) على كلام السيد المشار اليه حيث انه من ما استوفى
البحث في المقام بما فيه من نقض وإبرام :
فنقول : ان ما
ذكره منظور فيه من وجوه : الأول ـ ان ما ذكره ـ من انه باشتمال الرواية على بعض
الأوامر والنواهي المستحبة والمكروهة يلزم منه انسحاب الحكم إلى جملة ما فيها من
الأوامر والنواهي ـ فإنه ممنوع لما صرحوا به في الأصول من أن الأصل في الأمر
الوجوب وفي النهي التحريم ، وبه تمسك السيد المذكور في جملة من المواضع في كتابه ،
وقد عرفت من ما قدمناه في مقدمات الكتاب دلالة الآيات والروايات على ذلك ايضا ،
وحينئذ فالواجب الوقوف على ذلك حتى يقوم دليل على الخروج عنه والحمل على المعنى
المجازي ، وخروج بعض الأوامر والنواهي في تلك الرواية مخرج الاستحباب لدليل من
خارج يدل على ذلك لا يقتضي انسحابه في ما لا دليل عليه. وهذا بحمد الله سبحانه
ظاهر لمن نظر بعين الإنصاف وجنح اليه
الثاني ـ انه
لو سلم ذلك بالنسبة إلى صحيحة زرارة لو لم يكن لها معاضد يمنع ذلك لكنه غير مسلم
بالنسبة إلى صحيحة عبد الرحمن ، لأن الأمر بالقراءة فيها وقع معللا منهيا عن خلافه
وهو من ما يؤكد الوجوب كما لا يخفى. وأيضا فالأمر بالقراءة فيها واقع في سؤال
منفصل على حدة غير السؤال المشتمل على الأمر بالتجافي» ومن الجائز بل الواقع
اشتمال الرواية على اسئلة متعددة عن أحكام متباينة بل هو شائع
ذائع في الأخبار فالانسحاب فيها من ما لا وجه له بالكلية ، ويلزم على ما
ذكره انجرار هذا الحكم وانسحابه الى قوله : «فليلبث قليلا إذا قام الامام بقدر ما
يتشهد» فينبغي بمقتضى ما ذكره أن يحمل اللبث هنا الذي هو عبارة عن الجلوس للتشهد
في هذا المقام على الاستحباب مع ان هذه الرواية هي مستند الأصحاب في وجوب لتشهد
على المسبوق. على انه ما ذكره من كون الأمر بالتجافي وعدم التمكن محمولا على
الاستحباب محل كلام ، فان بعض الأصحاب ذهب الى وجوبه استنادا الى هذه الرواية والى
ما رواه في كتاب معاني الأخبار عن الصادق عليهالسلام قال : «إذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه فتجاف».
ونقل القول بالوجوب شيخنا الشهيد في الذكرى عن ابن بابويه.
الثالث ـ ان ما
طعن به على صحيحة زرارة ـ من كون الأمر بالقراءة فيها في النفس وهو لا يدل على
الوجوب ـ كلام ظاهري فإن هذه العبارة من ما شاع في الأخبار التعبير بها في مقام الكناية
عن الإخفات والمبالغة فيه ، حيث انه يكره للمأموم هنا أن يسمع الإمام شيئا من ما
يقوم كما دلت عليه الأخبار.
ومثل ذلك ما
ورد في الاقتداء بالمخالف مع وجوب القراءة خلفه اتفاقا من قوله عليهالسلام : «يجزئك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس».
وأبلغ منه ما
روى من التعبير عن الإخفات بالصمت الذي هو حقيقة عدم الكلام بالكلية كما في صحيحة
على بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الامام أيقرأ فيهما
بالحمد. الخبر». فان المراد بهما الركعتان من الصلاة الإخفاتية.
وفي صحيحة على
بن جعفر عن أخيه عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل
__________________
يصلح له ان يقرأ في صلاته ويحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع
نفسه؟ قال : لا بأس ان لا يحرك لسانه يتوهم توهما». وحمله الشيخ على الصلاة خلف من
لا يقتدى به.
وفي كتاب قرب
الاسناد عن أخيه عليهالسلام «انه سأله عن الرجل يقرأ في صلاته هل يجزئه أن لا يحرك لسانه وأن يتوهم توهما؟
قال لا بأس». هذا مع الاتفاق على وجوب القراءة.
وبالجملة فإن
باب المجاز واسع والتعبير بهذه العبارة عن المعنى الذي ذكرناه شائع ، وعليه يحمل
ما تقدم في عبارة السيد (قدسسره) وبذلك يظهر لك ان ما نسبه من القصور الى الروايتين لا
أثر له عند التأمل ولا عين.
الرابع ـ ان
الأخبار المتعلقة بهذه المسألة كلها متطابقة الدلالة متعاضدة المقالة على وجوب
القراءة في المقام ما بين صريح وظاهر لجملة ذوي الأفهام ، ومنها الصحيحتان
المتقدمتان فإنهما بما أوضحناه وكشفنا عنه نقاب الإبهام صريحتان واضحتان ، ومنها
ما تقدم في كلامه من صحيحة الحلبي.
وما رواه في
التهذيب عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن على (عليهمالسلام) قال : «يجعل الرجل ما أدرك مع الإمام أول صلاته. قال
جعفر عليهالسلام وليس نقول كما يقول الحمقى».
وعن احمد بن
النضر عن رجل عن ابى جعفر ـ ورواه في الفقيه مرسلا عنه ـ عليهالسلام قال : «قال لي أي شيء يقول هؤلاء في الرجل إذا فاتته
مع الامام ركعتان؟ قلت يقولون يقرأ في الركعتين بالحمد وسورة. فقال هذا يقلب صلاته
فيجعل أولها آخرها. قلت : فكيف يصنع؟ قال يقرأ فاتحة الكتاب في كل ركعة».
والتقريب في
هذه الروايات ومثله ما وقع في صحيحة عبد الرحمن من قوله
__________________
عليهالسلام «اقرأ فيهما فإنهما لك الأولتان ولا تجعل أول صلاتك آخرها». هو انه قد ذهب
بعض العامة ـ ونسبه في المعتبر الى ابى حنيفة واتباعه ـ الى أن ما يدركه المأموم
يجعله آخر صلاته إذا كان مسبوقا محتجا بقوله صلىاللهعليهوآله «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا» فان لفظ القضاء يدل على ان ما ينفرد به
المصلى بعد تسليم الامام هو ما فاته مع الامام وهو أول صلاته ، فعندهم انه يلزم في
ما أدركه ما يلزم في الأخيرتين من القراءة أو التسبيح أو السكوت وما انفرد به يثبت
فيه ما يثبت في الأولتين من الحمد والسورة ، وهذه الروايات قد وردت في مقام الرد
على هذا المذهب والنهى عنه وتضمنت ان ذلك قلب للصلاة كما صرحت به رواية أحمد بن
النضر وصحيحة الحلبي حيث قال : عليهالسلام «فاجعل أول صلاتك ما استقبلت منها ولا تجعل أول صلاتك آخرها». وحينئذ فعدم
القلب انما هو بإرجاع كل إلى مقره من جعل الحمد والسورة في أول ما يدركه المأموم
والتخيير المتقدم انما هو في ما ينفرد به. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة
عليه.
ومنها ـ ما
رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله البصري عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركت القراءة الأخيرة
قرأت في الثالثة من صلاته وهي ثنتان لك ، فان لم تدرك معه إلا ركعة واحدة قرأت
فيها وفي التي تليها. الحديث».
__________________
وعن عمار بن
موسى في الموثق عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يدرك الامام وهو يصلى اربع ركعات
وقد صلى الامام ركعتين؟ قال يفتتح الصلاة ويدخل معه ويقرأ خلفه في الركعتين».
وقال عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي «فإن سبقت بركعة أو ركعتين فاقرأ في الركعتين الأولتين من صلاتك بالحمد
وسورة فان لم تلحق السورة أجزأك الحمد».
وقال أيضا في
موضع آخر «وإذا فاتك مع الإمام الركعة الأولى التي فيها القراءة فأنصت للإمام في
الثانية التي أدركت ثم اقرأ أنت في الثالثة للإمام وهي لك ثنتان».
وروى في كتاب
دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين عليهالسلام انه قال : «إذا سبق أحدكم الإمام بشيء من الصلاة
فليجعل ما يدرك مع الإمام أول صلاته وليقرأ في ما بينه وبين نفسه ان أمهله الإمام
فان لم يمكنه قرأ في ما يقضى ، وإذا دخل مع الإمام في صلاة العشاء الآخرة وقد سبقه
بركعة وأدرك القراءة في الثانية فقام الإمام في الثالثة قرأ المسبوق في نفسه كما
كان يقرأ في الثانية واعتد بها لنفسه انها الثانية». وروى فيه عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) نحوه .
وروى فيه عن
ابى جعفر محمد بن على (عليهماالسلام) انه قال : «إذا أدركت الامام وقد صلى ركعتين فاجعل ما
أدركت معه أول صلاتك فاقرأ لنفسك بفاتحة الكتاب وسورة أن أمهلك الإمام أو ما أدركت
أن تقرأ واجعلها أول صلاتك».
فهذه جملة ما
وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ، وكلها كما قدمنا ذكره قد اشتملت على
الأمر بالقراءة ، وبه يظهر لك ما في كلام الجماعة المتقدمين من البناء في المسألة
على مجرد الظن والتخمين. والحق فيها بحمد الله سبحانه واضح
__________________
ومنارة لمن أعطى التأمل حقه لائح. والله العالم.
فروع
الأول ـ قد
عرفت من ما قدمنا من الأخبار وجوب القراءة على المسبوق في أولتيه ، فلو اتفق ان
الوقت ضاق عن القراءة كملا على وجه يدرك الإمام في الركوع فهل يقرأ وان فاته ادراك
الركوع فيقرأ ويلحقه في السجود أو يترك القراءة ويتابعه في الركوع؟ إشكال ينشأ من
وجوب القراءة كما عرفت ومن وجوب المتابعة وانفساخ القدوة بالإخلال بها في ركن كما
تقدم بيانه في فروع المسألة التاسعة من المطلب الأول ، وطريق الاحتياط في المقام
مطلوب فينبغي للمكلف قبل دخوله وتكبيره أن يتأمل وينظر فإن أمكنه الدخول والقراءة
ولو بالحمد وحدها قبل رفع الإمام رأسه من الركوع كبر ودخل معه وان عرف ضيق الوقت
عن ذلك صبر حتى يركع الامام فيدخل معه إذ لا قراءة في هذه الحال ، ومع فرض دخوله
واتفاق الأمر كما ذكرنا من الإشكال فالأولى له قطع القراءة ومتابعة الإمام في
الركوع قبل الرفع ثم الإعادة من رأس وان كان المفهوم من ظواهر جملة من الأخبار
تقديم المتابعة وقطع القراءة كما تقدم إيضاحه في الموضع المشار اليه إلا ان
الاحتياط بالإعادة من رأس أولى.
الثاني ـ المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان التخيير بين قراءة الحمد والتسبيح ثابت للمسبوق
في الركعتين الأخيرتين وان إختار الامام التسبيح في الركعتين الأخيرتين ولم يقرأ ،
ويظهر من المنتهى كون ذلك اتفاقيا حيث قال : الذي عليه علماؤنا انه يقرأ في
الركعتين اللتين فاتتاه بأم الكتاب خاصة أو يسبح لأنهما آخر صلاته.
ونقل عن بعض
الأصحاب القول بوجوب القراءة هنا في ركعة لئلا تخلو الصلاة عن قراءة ، والأظهر
الاستدلال على ذلك برواية أحمد بن النضر المتقدمة
__________________
حيث انه بعد أن منع من قراءة الحمد والسورة في الأخيرتين لاستلزامه قلب
الصلاة أمر بقراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة.
ومن ذلك ايضا ما
رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يدرك آخر صلاة الامام وهي أول صلاة الرجل فلا
يمهله حتى يقرأ فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال نعم». فان المراد من هذا الخبر
كما ذكره في الاستبصار انه يأتي بالقراءة في الأخيرتين التي هي أحد فردي التخيير
حيث انه فاتته القراءة في الأولتين ، والتعبير بالقضاء وقع مجازا أو بمعنى الفعل
كقوله عزوجل «فَإِذا قُضِيَتِ
الصَّلاةُ» .
وبذلك يظهر ان
ما استدل به للقول المشهور ـ من عموم أدلة التسبيح الشاملة لموضع البحث ـ مدخول
بأنه يمكن تخصيص العموم المذكور بهذه الرواية كما انه خصص أيضا بأخبار ناسي
القراءة في الأولتين وان عليه القراءة في الأخيرتين كما هو أحد القولين حسبما تقدم
تحقيق البحث في ذلك في الفصل الثامن من الباب الأول في الصلوات اليومية ، فإنا قد رجحنا ثمة وجوب القراءة
بالأخبار الدالة على ذلك وان كان خلاف المشهور فليرجع اليه من أحب تحقيق الحال.
الثالث ـ لو
دخل المأموم مع الإمام في الركعة الثانية وقنت الإمام فإنه يستحب للمأموم القنوت
معه وان لم يكن موضع قنوت بالنسبة اليه.
ويدل عليه ما
رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله في الموثق عن ابى عبد الله عليهالسلام «في الرجل يدخل في الركعة الأخيرة من الغداة مع الامام فقنت الإمام أيقنت
معه؟ فقال نعم».
وكذا ينبغي
المتابعة له في التشهد وان لم يكن موضع تشهد للمأموم ، ويدل عليه
__________________
ما رواه الشيخ في الموثق عن الحسين بن المختار وداود بن الحصين قال «سئل عن رجل فاتته ركعة من المغرب مع الامام وأدرك
الثنتين فهي الأولى له والثانية للقوم يتشهد فيها؟ قال نعم. قلت والثانية أيضا؟
قال نعم. قلت كلهن؟ قال نعم فإنما هو بركة».
وعن إسحاق بن
يزيد قال «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : جعلت فداك يسبقني الإمام بركعة فتكون لي واحدة وله
ثنتان أفأتشهد كلما قعدت؟ قال نعم فإنما التشهد بركة».
وبذلك يظهر ان
ما نقله في الذكرى عن ابى الصلاح ـ من انه يجلس مستوقرا ولا يتشهد ، قال : وتبعه
ابن زهرة وابن حمزة ـ غفلة عن ملاحظة هذه الأخبار وعدم الوقوف عليها.
قيل : ومنه
يعلم انه قد يوجد خمس تشهدات في الرباعية وأربعة في الثلاثية وثلاثة في الثنائية. والظاهر
انه سهو من القلم أو من القائل بل أربعة في الرباعية وثلاثة في الثلاثية واثنان في
الثنائية.
الرابع ـ قيل :
الأولى القيام إلى إدراك الفائت بعد تسليم الامام ويجوز قبله بعد التشهد على القول
باستحباب التسليم ، واما على القول بوجوبه فلا يبعد ايضا ذلك بل يجوز المفارقة بعد
رفع الرأس من السجدة أيضا قبل التشهد بناء على القول بعدم وجوب المتابعة في
الأقوال ، وعلى تقدير الجواز هل تجب نية الانفراد؟ فيه وجهان ولعل الأقرب العدم.
انتهى.
أقول : لا
يحضرني الآن خبر في هذه المسألة إلا ما سيأتي قريبا في موثقة عمار من قوله عليهالسلام «فإذا سلم الامام قام الرجل فأتم صلاته». وهي كما ترى ظاهرة في كون القيام
بعد التسليم ، وباب الاحتمال في المسألة واسع. والله العالم.
المسألة
الخامسة ـ لا يخفى ان للمأموم بالنظر الى دخوله مع الإمام في الصلاة
__________________
أحوالا أحدها ـ ان يدركه قبل الركوع ، ولا خلاف في إدراكه الركعة والاعتداد
بها ، وعليه تدل الأخبار الكثيرة كما تقدم في صلاة الجمعة.
الثانية ـ أن
يدركه حال الركوع والأشهر الأظهر إدراك الركعة والاعتداد بها ، وقد تقدم تحقيق
القول في ذلك في فصل صلاة الجمعة وفي المسألة الثانية من هذا المطلب ، فيكبر
تكبيرة للافتتاح واخرى للركوع وان خالف فوت الركوع أجزأته تكبيرة الافتتاح ، قال
في المنتهى : ولو خاف الفوات أجزأته تكبيرة الافتتاح عن تكبيرة الركوع إجماعا.
أقول : وقد
تقدم ما يدل على ذلك من الأخبار في الفصل الثاني في تكبيرة الإحرام من فصول الباب
الثاني في الصلوات اليومية وقد تقدم ما يتعلق من البحث بذلك
الثالثة ـ أن
يدركه بعد رفع رأسه من الركوع ، ولا خلاف في فوات الركعة بذلك وعدم احتسابها ،
وكذلك الظاهر انه لا خلاف أيضا في استحباب التكبير والدخول معه ومتابعة الإمام في
السجدتين ، وانما الخلاف في وجوب استئناف النية وتكبيرة الإحرام بعد القيام من
السجود أو الاعتداد بما فعله أولا ، فالشيخ على الثاني مستندا الى ان زيادة الركن
مغتفرة في متابعة الامام ، والأكثر على الأول لأن زيادة السجدتين تبطل الصلاة ،
ويظهر من العلامة في المختلف التوقف في هذا الحكم من أصله للنهى عن الدخول في
الركعة عند فوات تكبيرها.
الرابعة ـ ان
يدركه وقد سجد سجدة واحدة ، قالوا وحكمه كالسابق.
الخامسة ـ أن
يدركه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة ، وقد قطع المحقق وغيره بأنه يكبر ويجلس معه
ويتخير بين الإتيان بالتشهد وعدمه استنادا إلى رواية عمار الآتية ، وقال في الذكرى
: الحالة الخامسة ـ أن يدركه بعد السجود فيكبر ويجلس معه جلسة الاستراحة أو جلسة
التشهد الأول أو التشهد الأخير ، وتجزئ هذه التكبيرة قطعا فان كان قد بقي شيء من
صلاة الإمام بنى عليه وإلا نهض بعد تسليم الامام وأتم صلاته. ثم نقل روايتي عمار
المتقابلتين في الجلوس بعد التكبيرة وقد جمع بينهما بجواز الأمرين.
أقول : وتحقيق
الكلام في المقام بما لا يحوم حوله ان شاء الله تعالى نقض ولا إبرام ان المستفاد
من اخبار المسألة هو ثبوت التعبد بالدخول مع الإمام في هذه الصور الثلاث الأخيرة
وانما البحث والإشكال ومحل الخلاف في وجوب تجديد النية وتكبيرة الإحرام وعدمه.
وها انا أذكر
الأخبار التي وقفت عليها في هذه المسألة مذيلا لكل منها بما رزقني الله سبحانه
فهمه منها مستمدا منه تعالى الهداية والتوفيق الى الصواب والعصمة من زلل الإقدام
في هذه الأبواب :
فأقول : من
الأخبار المذكورة رواية المعلى بن خنيس عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته وقد رفع رأسه
فاسجد معه ولا تعتد بها».
وظاهرها كما
عرفت هو جواز الدخول واستحبابه وحصول فضيلة الجماعة بذلك لكنها مجملة بالنسبة الى
الاستئناف وعدمه بل ربما ظهر منها ان المراد انما هو مجرد المتابعة في السجود لا
انه ينوي ويكبر بحيث يدخل في الصلاة ، ولعل في قوله «ولا تعتد بها» ما يشير الى
ذلك بمعنى انك لا تعد ذلك دخولا في الصلاة وان احتمل ايضا أن يكون المعنى انك لا
تعتد بها بحيث تجعلها ركعة تامة بمجرد ادراك السجود ، وحينئذ فيحمل قوله «فأدركته»
يعنى كبرت معه ودخلت في الصلاة. وكيف كان فإنها بهذا الإجمال وتعدد الاحتمال تسقط
عن درجة الاستدلال ومنها ـ
موثقة عمار قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل أدرك الامام وهو جالس بعد الركعتين؟ قال يفتتح
الصلاة ولا يقعد مع الامام حتى يقوم».
وظاهر هذه
الرواية انه يكبر تكبيرة الإحرام المعبر عنه بالافتتاح ويدخل في الصلاة مع الامام
حال جلوسه في التشهد ولكن لا يجلس معه بعد التكبير والدخول بل يبقى قائما الى أن
يقوم الامام. وهذه الرواية خارجة عن محل البحث لان المفروض ان المأموم لم يأت بشيء
زائد من ركن أو واجب ومنشأ الإشكال
__________________
انما هو من ذلك ، وحينئذ فالرواية خارجة من البين لعدم الدلالة على شيء من
القولين
ومنها ـ رواية
معاوية بن شريح عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا جاء الرجل مبادرا والامام راكع أجزأته
تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع ، ومن أدرك الامام وهو ساجد كبر وسجد معه
ولم يعتد بها ، ومن أدرك الامام وهو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة ، ومن
أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة وليس عليه
أذان ولا اقامة ، ومن أدركه وقد سلم فعليه الأذان والإقامة».
أقول : يمكن أن
يستدل للشيخ بهذا الخبر بان يقال لا يخفى أن الظاهر من قوله «ومن أدركه» أي نوى
وكبر معه ودخل في الصلاة ، وقد دلت على ان من دخل معه وهو ساجد سجد معه ولم يعتد
بها واستمر معه في الصلاة ومن دخل معه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة فإنه يمضى
في صلاته بعد تسليم الامام ، ولو كان ما يدعونه من وجوب إعادة النية والتكبير حقا
لوجب ذكره في الكلام إذ المقام مقام البيان وليس فليس. وبعين ذلك يمكن أن يقال في
رواية المعلى المتقدمة فإنها دلت على الدخول معه بعد النية والتكبير المعبر عنهما
بقوله «فأدركته» لأن هذا هو ظاهر معنى هذا اللفظ كما عرفت ، ولم يتعرض في الخبر
لإعادة النية وتكبير الإحرام ومقام البيان يقتضيه لو كان واجبا. وبالجملة فإنه حيث
كان ظاهر اللفظ المذكور اعنى قوله «ومن أدركه» هو ما ذكرنا من الكناية عن الدخول
معه بعد النية وتكبير الإحرام فإنه لا مناص من صحة ما رتبناه عليه من توجيه
الاستدلال به للشيخ (قدسسره) ونحوه رواية المعلى بالتقريب المذكور ، ولا معنى لحمل
هذا اللفظ على معنى الوصول الى الامام في تلك الحال وان لم يكبر ويدخل معه لانه
معنى متهافت لا يقبله الذوق السليم ولا الفهم القويم. إلا ان الشيخ قد روى هذه
الرواية إلى قوله «أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة
والركوع». خاصة
__________________
وما نقلناه بهذه الكيفية انما هو من رواية صاحب الفقيه واحتمل في الوافي ان تكون هذه الزيادة من كلام صاحب الفقيه ، وحينئذ
فيسقط الاستدلال بما دلت عليه هذه الزيادة ، وصاحب الوسائل قد نقل الجميع بناء على انه من الرواية ولعله الأظهر.
ومنها ـ رواية
عبد الرحمن بن ابى عبد الله البصري عن ابى عبد الله عليهالسلام وفيها قال : «إذا وجدت الامام ساجدا فاثبت مكانك حتى
يرفع رأسه وان كان قاعدا قعدت وان كان قائما قمت».
أقول : ظاهر
هذه الرواية الدخول معه في الصلاة وانه متى كان الدخول وهو ساجد لم يتابعه في
السجود مع دلالة رواية المعلى المتقدمة على السجود معه متى دخل معه بعد رفع رأسه
من الركوع. ويشكل الجمع بينهما في ذلك إذ لا فرق بينهما إلا ان هذا الخبر دل على
دخوله حال السجود وخبر المعلى دل على دخوله قبل السجود ، وهذا الا يصلح للفرق
وجواز السجود في ما إذا دخل قبل وعدم الجواز في ما إذا دخل حال السجود. اللهم إلا
ان يقال ان رواية المعلى قد دلت على انه لا يعتد بذلك السجود وحينئذ يكون وجوده
كعدمه ، وظاهرها انه لا ضرورة في الإتيان به كما هو مذهب الشيخ ، وحينئذ يكون وجه
الجمع بينهما التخيير بين الإتيان بالسجود وعدمه.
ومنها ـ موثقة
عمار الساباطي عن ابى عبد الله عليهالسلام «في الرجل يدرك الامام وهو قاعد يتشهد وليس خلفه إلا رجل واحد عن يمينه؟
قال لا يتقدم الامام ولا يتأخر الرجل ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام فإذا سلم
الامام قام الرجل فأتم صلاته».
أقول : ظاهر
الخبر انه بدخوله في هذه الحال يدرك فضيلة الجماعة وان لم
__________________
يدرك من الصلاة شيئا ولم يكن حكمه حكم المأموم حقيقة ، ولهذا منع من تقدم
الامام وتأخر الرجل الذي الى جنبه لان هذا الداخل ليس مأموما حقيقيا يوجب تعدد
المصلى خلف الامام الموجب لتقدم الامام وتأخر المأمومين خلفه كما تقدم.
وكيف كان فظاهر
الخبر الدلالة على مذهب الشيخ ، لان قوله : «فإذا سلم الامام قام الرجل فأتم صلاته»
ظاهر في الدلالة على الاعتداد بالتكبير الأول وان كان قد زاد واجبا وهو التشهد ،
ومن ثم ان جمعا ممن خالف الشيخ في الصورة الثالثة والرابعة وافقه هنا كالمحقق
والعلامة وغيرهما للموثقة المذكورة كما قدمنا ذكره وصاحب المدارك انما طعن في
الرواية المذكورة من حيث السند دون الدلالة ، إلا انه لا يخفى ان موثقة عمار
المتقدمة دالة على النهى عن القعود مع الإمام في مثل هذه الصورة ، إلا ان يقال
بالفرق بين التشهد الأول والثاني فيقال بالمتابعة في الثاني كما دلت عليه هذه
الموثقة دون الأول كما دلت عليه الموثقة المتقدمة.
ومنها ـ ما
رواه الصدوق في الفقيه عن عبد الله بن المغيرة قال «كان منصور بن حازم يقول
إذا أتيت الامام وهو جالس قد صلى ركعتين فكبر ثم اجلس فإذا قمت فكبر». وهو ظاهر
الدلالة على القول المشهور.
والرواية وان
كانت غير مسندة الى إمام إلا ان الظاهر من حال القائل المذكور لكونه من أجل ثقات
الأصحاب انه لا يقوله إلا عن ثبت وسماع من الامام ويؤيده إيراد الصدوق لها في
كتابه.
وحينئذ فتبقى
المسألة في قالب الإشكال ، ولعل نهيه عليهالسلام في موثقة عمار الأولى عن الجلوس والتشهد مع الإمام في
هذه الصورة انما هو لأجل البقاء على التكبير الأول وعدم الاحتياج إلى إعادة
التكبير ثانيا كما في هذه الرواية ، على أن في الإبطال بالتشهد مع الإمام إشكالا
لدلالة الأخبار المتقدمة قريبا على استحباب
__________________
متابعة المأموم للإمام في التشهد وان لم يكن موضع تشهد للمأموم فليكن هنا
من قبيل ذلك.
وبالجملة فإن
هذه الأخبار قد تصادمت وتقابلت في هذه الزيادات التي بعد تكبير الإحرام نفيا
وإثباتا كالسجود الذي تقابلت فيه رواية المعلى إثباتا ورواية البصري نفيا ،
والتشهد الذي قد تقابلت فيه موثقة عمار الأولى نفيا وموثقته الثانية وكذا رواية
عبد الله بن المغيرة إثباتا ، وظاهر الروايات المثبتة في كل من الموضعين موافق
لكلام الشيخ وظاهر الروايات النافية في كليهما موافقة للمشهور وحمل أحد الطرفين
على الآخر وان أمكن كما أشرنا إليه آنفا إلا انه لا يخرج المسألة عن قالب الإشكال
ومجال الاحتمال ، والاحتياط عندي أن لا يدخل المأموم في حال من هذه الأحوال.
ومنها ـ صحيحة
محمد بن مسلم قال : «قلت له متى يكون يدرك الصلاة مع الامام؟ قال إذا
أدرك الامام وهو في السجدة الأخيرة من صلاته».
قال في المدارك
: ويستفاد من هذه الرواية عدم جواز الدخول مع الامام بعد رفع رأسه من السجدة
الأخيرة ، لأن الظاهر ان السؤال انما وقع عن غاية ما تدرك به الجماعة وقد ناطه عليهالسلام بإدراك السجدة الأخيرة ، وليس في الرواية دلالة على حكم
المتابعة إذا لحقه في السجود ، والظاهر ان الاقتصار على الجلوس أولى. انتهى
أقول : لا يخفى
ان هذه الدلالة إنما هي بالمفهوم الضعيف المعارض بمناطيق جملة من الأخبار ، إذ
غاية ما تدل عليه الرواية انه إذا أدرك الامام وهو في السجدة الأخيرة فقد أدرك
الصلاة معه ومفهومه عدم إدراك الصلاة بعد ذلك ، وقد عرفت دلالة موثقة عمار الثانية
على إدراك فضيلة الجماعة بالدخول معه في التشهد الأخير ، وأصرح منها رواية معاوية
بن شريح المتقدمة وقوله فيها «ومن أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في
التشهد فقد أدرك الجماعة» ونحو ذلك إطلاق
__________________
رواية عبد الرحمن بن ابى عبد الله البصري وحينئذ فوجه الجمع بين هذه الأخبار حمل الصحيحة
المذكورة على أعلى المرتبتين ، وذلك فإنه بعد فوات الدخول في الركعة الأخيرة لعدم
ادراك ركوعها فهنا مراتب في إدراك فضيلة الجماعة : أولها إدراكه قبل السجود ثانيها
إدراكه في السجدة الثانية ثالثها إدراكه في التشهد ، والصحيحة المذكورة لا دلالة
فيها على انحصار إدراك الفضيلة في هذه الحال دون ما بعدها إلا بالمفهوم وهو من ما
يجب إطراحه في مقابلة المنطوق. ولكن العذر له ظاهر حيث انه يدور مدار الأسانيد صحة
وضعفا ، وهذه الرواية صحيحة السند عنده وتلك الأخبار ضعيفة باصطلاحه ، فالغني
مناطيق تلك الأخبار في مقابلة هذا المفهوم الضعيف وهو تعسف محض. واما قوله ـ وليس
في الرواية دلالة على حكم المتابعة إذا لحقه في السجود. الى آخره ـ ففيه ان قضية
الدخول مع الإمام في الصلاة كيف كان وحيث كان هو المتابعة في جميع ما يأتي به في
ذلك المكان إلا ان يستثني من ذلك شيء بخصوصه ، ولا يحتاج بعد ذلك الى التصريح
بالمتابعة في كل فعل حتى انه يحتاج هنا الى ذلك ويكون عدم ذكر المتابعة في السجود
دليلا على عدمها. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لمن تأمل في أخبار الجماعة الواردة
في المسبوق وغيره أدرك ما يوجب انعقاد الجماعة أم لا كما لا يخفى. والله العالم.
المسألة
السادسة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو دخل الامام والمأموم
في النافلة قطعها وان كان في الفريضة أتمها نافلة ودخل مع الامام ، ولو كان إمام
الأصل قطع الفريضة ، ولو كان الامام مخالفا لم يقطع فرضه ولم ينقله الى النقل بل
يدخل معه.
وتوضيح هذه
الجملة يقع في مواضع الأول ـ لو كان في نافلة فدخل الامام قالوا فإنه يقطعها إن
خشي بإتمامها الفوات وإلا أتمها. قالوا وإنما يقطعها تحصيلا للعبادة التي هي أهم
في نظر الشارع فإن الجماعة في نظر الشارع أهم من النافلة ، وأما لو لم
__________________
يخش الفوات فإنه يتمها جمعا بين الوظيفتين وتحصيلا للفضيلتين. والظاهر ان
المراد بالفوات يعنى فوات الركعة ، واحتمال فوات الصلاة كما بعيد.
ولم أقف في هذا
المقام على نص إلا على ما ذكره الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه حيث قال : «وان كنت في صلاة نافلة وأقيمت الصلاة
فاقطعها وصل الفريضة مع الامام».
والأصحاب (رضوان
الله عليهم) لم ينقلوا مستندا لما ذكروه في هذا الموضع سوى ما عرفت من التعليل
الاعتباري الذي نقلناه عنهم.
ويمكن أيضا أن
يستدل على ذلك بما تقدم في المسألة الثانية عشرة من المطلب الأول من صحيحة عمر بن يزيد الدالة على السؤال عن الرواية
التي يروون انه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال إذا أخذ
المقيم في الإقامة. الحديث. والأصحاب قد استدلوا به على كراهة النافلة بعد قوله «قد
قامت الصلاة» ويمكن الاستدلال به هنا بتقريب ان الخبر قد دل على انه إذا أخذ
المقيم في الإقامة فلا ينبغي التطوع ، وهو أعم من أن يبتدئ بالتطوع بعد أخذ المقيم
في الإقامة أو يحصل الأخذ في الإقامة بعد دخوله في النافلة ، فالمراد من النهى عن
التطوع في هذا الوقت ابتداء واستدامة.
الثاني ـ ما لو
كان في فريضة فإنه ينقل نيته الى النفل ويتمها ركعتين على المشهور وكلام العلامة
في التذكرة يؤذن بدعوى الإجماع عليه.
ويدل عليه ما
رواه في الكافي عن سليمان بن خالد في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلى
إذ أذن المؤذن وأقام الصلاة؟ قال فليصل ركعتين ثم ليستأنف الصلاة مع الامام ولتكن
الركعتان تطوعا».
وعن سماعة في
الموثق قال : «سألته عن رجل كان يصلى فخرج الامام
__________________
وقد صلى الرجل ركعة من صلاة فريضة؟ فقال ان كان اماما عدلا فليصل اخرى
وينصرف ويجعلهما تطوعا وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو ، وان لم يكن امام عدل
فليبن على صلاته كما هو ويصلى ركعة أخرى معه يجلس قدر ما يقول : «أشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله صلىاللهعليهوآله ، ثم ليتم صلاته معه على ما استطاع ، فإن التقية واسعة
ليس شيء من التقية إلا وصاحبها مأجور عليها ان شاء الله تعالى».
وقال في كتاب الفقه
الرضوي «وان كنت في فريضتك وأقيمت الصلاة فلا تقطعها واجعلها نافلة وسلم في ركعتين
ثم صل مع الإمام إلا أن يكون الامام ممن لا يقتدى به فلا تقطع صلاتك ولا تجعلها
نافلة ولكن اخط الى الصف وصل معه ، وإذا صليت أربع ركعات وقام الإمام إلى رابعته
فقم معه وتشهد من قيام وسلم من قيام».
ونقل عن ابن
إدريس المنع من النقل لأنه في قوة الإبطال. ولا يخفى ما فيه بعد ما عرفت.
ونقل عن ظاهر
الشيخ في المبسوط انه جوز قطع الفريضة من غير احتياج الى النقل إذا خاف الفوت مع
النقل. وقواه الشهيد في الذكرى استدراكا لفضل الجماعة الذي هو أعظم من فضل الأذان
، ولان العدول الى النفل قطع للفريضة أو مستلزم لجوازه. واستحسنه جملة ممن تأخر
عنه : منهم ـ السيد في المدارك. وهو كذلك.
وهل المراد
بدخول الإمام في الصلاة الذي ينقل لأجله المأموم صلاته الى النفل هو الاشتغال بشيء
من واجباتها على ما قاله جماعة أو عند إقامة الصلاة كما ذكره آخرون؟ ظاهر الأخبار
الثاني.
ثم ان ظاهر
الأخبار المذكورة انه ينوي العدول عن الفريضة التي كان فيها
__________________
الى النفل ويضيف إليها ركعة أخرى لو كان قد صلى ركعة منها ولو كان قد صلى
ركعتين منها عدل بما صلاة إلى النفل وتشهد وسلم ، وانما الإشكال في ما لو صلى أزيد
من ركعتين حيث انه لا يفهم من النصوص المذكورة الحكم في ذلك إذ الظاهر منها إنما
هو ما عدا الصورة المفروضة ، وحينئذ فهل يستمر لتحريم قطع الفريضة وخروج هذه
الصورة عن مورد النصوص ، أو أنه يعدل الى النفل للاشتراك في العلة وهي تحصيل فضيلة
الجماعة ، أو يهدم الركعة ويسلم أو يقطعها استدراكا لفضيلة الجماعة وعدم دليل على
تحريم قطع الفريضة بحيث يشمل محل البحث؟ أوجه استقرب العلامة في التذكرة والنهاية
منها الأول والظاهر انه الأحوط.
الثالث ـ لو
كان الداخل إمام الأصل قالوا انه يقطع الفريضة ويدخل معه ، قاله الشيخ وتبعه جمع
من الأصحاب ، وعللوه بان له المزية الموجبة لشدة الاهتمام بمتابعته واللحوق به.
وتردد فيه الفاضلان من حيث كمال المزية كما ذكروا ، ومن عموم النهى عن قطع الصلاة.
وفي المختلف جزم بعدم قطع الصلاة لقوله تعالى : «وَلا تُبْطِلُوا
أَعْمالَكُمْ» وخبري سليمان بن خالد وسماعة المتقدمين والتحقيق ان الأخبار المتقدمة التي هي العمدة في هذه
المسألة عامة لإمام الأصل وغيره والفرق بمجرد هذا الاعتبار الذي ذكروه لا وجه له.
الرابع ـ ما لو
كان الداخل اماما مخالفا وهو في الفريضة فقد صرحوا بأنه لا ينقل الفريضة إلى النفل
ولا يقطعها بل يدخل معه ، والظاهر انه لا خلاف في ذلك انما الخلاف في ما لو ألجأه
الإمام إلى القيام في موضع التشهد فهل يتشهد جالسا ثم يقوم أو يقوم معه ويتشهد
قائما؟ ظاهر الشيخ وجماعة الأول وظاهر الشيخ على بن بابويه الثاني.
قال الشيخ (قدسسره) : لو كان الامام ممن لا يقتدى به وقد سبقه المأموم لم
يجز له قطع الفريضة بل يدخل معه في صلاته ويتم هو في نفسه فإذا فرغ سلم
__________________
وتابعه نفلا ، فان وافق حال تشهده حال قيام الأول فليقتصر في تشهده على
الشهادتين والصلاة على النبي وآله صلىاللهعليهوآله ويسلم إيماء ويقوم مع الامام. وعلى هذا تدل موثقة سماعة
المتقدمة.
وقال الشيخ على
بن بابويه : فإذا صليت أربع ركعات وقام الإمام إلى رابعته فقم معه وتشهد من قيام
وسلم من قيام. وعلى هذا القول يدل كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي ، بل الظاهر ان الشيخ المزبور
إنما أخذ عبارته من الكتاب المذكور كما لا يخفى على من تأمل العبارتين لتطابقهما
لفظا وكذلك ما قبل هذه العبارة ، فإن العلامة في المختلف في موضع آخر نقلها عن
الشيخ المذكور بعين عبارة الكتاب ، وهو من قبيل ما عرفت في غير موضع من ما تقدم
وستعرف أمثاله من أخذ الشيخ المزبور عبارات الكتاب المشار اليه والإفتاء بها.
وكيف كان فطريق
الجمع بين الكلامين ـ وهو يرجع الى الجمع بين الخبرين المذكورين ـ هو ما ذكره في
المختلف من انه ان تمكن المأموم من تخفيف الشهادتين والتسليم والإتيان بهما جالسا
وجب وإلا قام مع الامام وتشهد وسلم قائما لضرورة التقية فإنها تبيح ذلك وأمثاله.
والله العالم.
المسألة
السابعة ـ قال شيخنا العلامة أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني (طيب
الله مرقده) في رسالته التي في الصلاة : وفي جواز الاقتداء بمن علم نجاسة ثوبه أو
بدنه نظر. واستوجه المحقق الشيخ على المنع وبعض المتأخرين الجواز ولا يخلو من قوة.
انتهى. ولم ينبه على وجه القوة التي اختارها في حواشي رسالته كما جرى عليه غالبا
في حواشيه.
وقال تلميذه
المحدث الصالح شيخنا الشيخ عبد الله بن صالح (قدسسره) في شرحه على الرسالة المذكورة بعد قوله «نظر» وبيان
وجه النظر ما لفظه : ينشأ من أن الامام غافل فتكون صلاته صحيحة فيكون الاقتداء به
صحيحا ، ومن ان طهارة الثوب والبدن واجب في الصلاة مع العلم وصلاة المأموم متحدة
بصلاة الإمام
فتكون كأنها في ثوبه أو بدنه. ثم قال (قدسسره) بعد قول المصنف ـ واستوجه الشيخ على المنع ـ ما لفظه :
لما مر. ثم قال بعد قوله : «ولا يخلو من قوة» ما لفظه : لما مر وعدم صلاحية
المعارض للمعارضة وان كان الاحتياط لا يخفى. انتهى.
أقول : لا يخفى
ما في كلام شيخنا الشارح المذكور وما ذكره من التعليل العليل الظاهر القصور كما
سيظهر لك ان شاء الله تعالى غاية الظهور.
ومن ما يناسب
هذا المقام ويدخل في سلك هذا النظام ما وقفت عليه من مسألة مذيلة بالجواب لبعض
الأعلام حيث قال السائل ما هذه صورته : لو رأى المأموم في أثناء الصلاة في ثوب
الإمام نجاسة غير معفو عنها فهل يجوز له الاقتداء في تلك الحال أم لا؟ وهل يجب
عليه إعلامه أم لا؟ ولو لم يجز له الاقتداء فهل يبنى بعد نية الانفراد على ما مضى
أم يعيد من رأس؟ فكتب المسؤول ما صورته : الجواب الأولى عدم الائتمام ويجب الاعلام
ويجب الانفراد في الأثناء ويبنى على قراءة الإمام. انتهى.
أقول وبالله
سبحانه التوفيق لإدراك كل مأمول ونيل كل مسؤول : أما ما ذكره هذا المجيب من وجوب
الاعلام في هذه الصورة فقد صرح به العلامة (أجزل الله تعالى إكرامه) في أجوبة
مسائل السيد السعيد منها بن سنان المدني (طاب ثراه) مستندا الى كونه من باب الأمر
بالمعروف.
ولا يخفى ما
فيه (اما أولا) ـ فلان الأصل عدمه وأدلة الأمر بالمعروف لا تشمله لعدم توجه الخطاب
الى الجاهل والغافل والناسي كما ذكروه فلا معروف ولا منكر بالنسبة إليهما.
وثانيا ـ دلالة
الأخبار على خلافه فإن جملة ما وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بجزئيات هذه المسألة
ترد ما ذكروه وتبطل ما حروره :
ومنها ـ صحيحة
عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليهالسلام «ان الباقر عليهالسلام اغتسل وبقيت لمعة في جسده لم يصبها الماء فقيل له فقال
ما كان عليك لو سكت؟».
__________________
ورواية محمد بن
مسلم عن أحدهما عليهماالسلام قال : «سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما وهو يصلى؟
فقال لا يؤذنه حتى ينصرف». وهي صريحة في المطلوب خالية عن جهات العيوب.
ورواية عبد
الله بن بكير المروية في كتاب قرب الاسناد قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلى فيه وهو لا يصلى فيه؟ فقال
لا يعلمه.
قلت فإن أعلمه؟
قال يعيد».
والمستفاد من
هذه الأخبار كراهية الأخبار فضلا عن جوازه فكيف الوجوب وله مؤيدات كثيرة من
الأخبار.
إذا عرفت ذلك
فنقول بالنسبة إلى أصل المسألة وما وقع فيها من القولين بجواز الاقتداء والمنع ان
الظاهر ان القول بالمنع هنا مبنى على مسألة أخرى وهي ان من صلى في النجاسة جاهلا
بها فهل تكون صلاته والحال هذه صحيحة أم لا؟ المشهور الثاني وان كان غير معاقب ولا
مؤاخذ من حيث الجهل ، وهو يرجع الى أن تكون صحيحة ظاهرا باطلة واقعا ، والظاهر انه
على هذا القول يتجه المنع من الائتمام بمن كان بدنه أو ثوبه نجسا والانفراد في
الأثناء كما ذكره المجيب المتقدم لتبين بطلان الصلاة عند المأموم وان كانت صحيحة
ظاهرا عند الامام لمكان جهله ، وحينئذ فيتجه عدم جواز الاقتداء ووجوب الانفراد في
الأثناء.
إلا ان الظاهر
عندي في هذه المسألة إنما هو القول الأول (أما أولا) ـ فلما تقدم تحقيقه في كتاب
الطهارة من أن الحكم بالطهارة والنجاسة والحل والحرمة ونحوها ليس منوطا بالواقع
ونفس الأمر وانما ترتب على نظر المكلف وعلمه وعدم علمه ، فالطاهر شرعا هو ما لا
يعلم المكلف بملاقاة النجاسة له وان لاقته واقعا لا ما لم تلاقه النجاسة واقعا ،
ويقابله النجس وهو ما علم المكلف بملاقاة النجاسة له لا ما لاقته النجاسة وان لم
يعلم بها ، وحينئذ فإذا صلى
__________________
المكلف في ثوب لم يعلم ملاقاة النجاسة له ومثله في بدنه فقد امتثل ما أمره
الشارع به ويلزم منه كون صلاته صحيحة موجبة للثواب بغير شك ولا ارتياب.
و (اما ثانيا)
ـ فلما أسلفنا من الأخبار الدالة على المنع من الاخبار بالنجاسة وان كان في أثناء
الصلاة ، ولو كان الأمر كما يدعونه من كون وصف النجاسة والطهارة ونحوهما انما هو
باعتبار الواقع ونفس الأمر وان تلبس المصلي بالنجاسة جاهلا موجب لبطلان صلاته
واقعا فكيف يحسن من الامام عليهالسلام المنع من الإيذان بها والاخبار في الصلاة كما تضمنته
رواية محمد بن مسلم أو قبلها كما في رواية ابن بكير؟ وهل هو بناء على ما ذكروه إلا
من باب التقرير له على تلك الصلاة الباطلة والمعاونة على الباطل ، ولا ريب في
بطلانه.
و (اما ثالثا)
ـ فإنه يلزم على ما ذكروه عدم الجزم بصحة شيء من العبادات إلا نادرا لشيوع تطرق
النجاسات سيما من النساء والأطفال ومن لا يحترز عن النجاسة وسريان ذلك في عامة
الناس ، وقد اعترف بذلك شيخنا الشهيد الثاني في شرح الألفية وألزم به القول
المشهور.
وبما ذكرنا
يظهر لك ان الأظهر في أصل المسألة هو القول بجواز الاقتداء وان علم بالنجاسة في
بدن الإمام أو ثوبه وعدم وجوب الانفراد. ومن أراد تحقيق المسألة زيادة على ما
ذكرناه فليرجع الى كتابنا الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية. والله العالم.
المقصد الثالث في صلاة الخوف
وهي ثابتة
بالكتاب والسنة والإجماع من علمائنا كملا وجمهور الجمهور
__________________
قال عزوجل : «وَإِذا
كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ... الآية» .
وتحقيق الكلام
في هذا المقام يتوقف على بسطه في مسائل الأولى ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم في وجوب التقصير في صلاة الخوف إذا وقعت سفرا وانما الخلاف في ما إذا وقعت
حضرا ، فنقل عن الأكثر ومنهم ـ المرتضى والشيخ في الخلاف وابن الجنيد وابن ابى
عقيل وابن البراج وابن إدريس إنهم ذهبوا الى وجوب التقصير سفرا وحضرا جماعة وفرادى
، وقال الشيخ في المبسوط انها انما تقصر في الحضر بشرط الجماعة ونسبه الشهيد الى
ابن إدريس وظاهر جماعة من الأصحاب ، وحكى المحقق في المعتبر وقبله ابن إدريس في
السرائر قولا عن بعض الأصحاب بأنها إنما تقصر في السفر خاصة ، وحينئذ ففي المسألة
أقوال ثلاثة ، والسيد السند في المدارك قد نسب القول الأول الى ابن إدريس والشهيد
في الذكرى نسب اليه القول الثاني ، وظاهر الذي وقفت عليه في السرائر من عبارته في
هذه المسألة انما يدل على ما ذكره في المدارك ، حيث قال : واعلم ان الخوف إذا
انفرد عن السفر لزم فيه التقصير في الصلاة مثل ما يلزم في السفر إذا انفرد على
الصحيح من المذهب ، وقال بعض أصحابنا لا قصر إلا في حال السفر والأول عليه العمل. وظاهره
فيه الاقتصار على نقل القول الأول والثالث ، وأما الثاني فلم يتعرض له فنقل الشهيد
(قدسسره) ذلك عنه لا يخلو من غفلة. وصاحب الذخيرة قد نقل عنه
القولين تبعا للقولين وهو غير جيد لما عرفت من ظهور عبارته في ما ذكره في المدارك
، واحتمال كون ذلك في غير كتاب السرائر بعيد جدا.
واستدل على
القول المشهور بقوله عزوجل «وَإِذا ضَرَبْتُمْ
فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ
خِفْتُمْ» قيل : والتقريب فيها ان الظاهر انه ليس المراد بالضرب
سفر التقصر وإلا لم يكن في التقييد بالخوف فائدة.
وبقوله تعالى «وَإِذا كُنْتَ
فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ
__________________
وَلْيَأْخُذُوا
أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ
طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ»
وهي مطلقة في الاقتصار على الركعتين شاملة بإطلاقها للحضر والسفر
وما رواه ابن
بابويه في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «قلت له صلاة الخوف وصلاة السفر تقصران جميعا؟
قال نعم ، وصلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة السفر الذي لا خوف فيه».
وأورد على ذلك
، اما بالنسبة الى الآية الأولى فلان حمل الضرب في الأرض على غير سفر القصر عدول
عن الظاهر ، مع انه غير نافع فان مجرد الخوف كاف للقصر على قولهم من غير توقف على
الضرب في الأرض. والظاهر ان المراد بالضرب سفر القصر والتقييد بالخوف إما لوجود
الخوف في السفر حين نزول الآية أو يكون قد خرج مخرج الأعم الأغلب في أسفارهم فإنهم
كانوا يخافون الأعداء في عامتها ، وربما يدعى لزوم الخوف في السفر غالبا. وبالجملة
المفهوم انما يعتبر إذا لم يكن للتقييد فائدة أخرى وههنا ليس كذلك. ويؤيد ما
ذكرناه القراءة بترك «ان خفتم» وعلى قول من يقول ان التقصير في الخوف ليس كالتقصير
في السفر كما سيجيء فأثر التقييد واضح ، وكذا على القول بان المراد بالقصر في
الآية القصر من حدود الصلاة كما يصلى في شدة الخوف.
وأما الثانية
فإنها تتمة للآية السابقة ، والظاهر ان معناها «وإذا كنت يا محمد فيهم يعني في
أصحابك الضاربين في الأرض الخائفين عدوهم» كما قاله الطبرسي في مجمع البيان ، وهو
يقتضي اتصالها بما قبلها وسياقها مع شأن نزولها فلا عموم لها ، مع انه لا دلالة
لها على القصر فرادى.
واما الرواية
فيمكن المناقشة فيها بأنه يجوز أن يكون المراد بالتقصير القصر في حدود الصلاة لا
في ركعاتها كما قيل في الآية لكنه بعيد.
__________________
أقول : لا ريب
ان ما ذكره من المناقشة في الآيتين المذكورتين لا يخلو من وجه ، وأما المناقشة في
الرواية فهي ضعيفة واهية لما عرفت في غير مقام من ان الألفاظ إنما تحمل على ما هو
المتكرر الشائع من الأفراد دون الفروض النادرة الوقوع ، والتقصير في الصلاة عرفا
وشرعا انما يتبادر الى نقص الكمية ، وحينئذ فالاعتماد في الدلالة هنا على الرواية
المذكورة وإطلاقها شامل للحضر والسفر جماعة وفرادى.
واستدل في
الذكرى بعد هذه الرواية بما في حسن محمد بن عذافر عن الصادق عليهالسلام «إذا جالت الخيل تضطرب بالسيوف أجزأه تكبيرتان». قال : وهو ظاهر في
الانفراد لبعد الجماعة في هذه الحال.
وأما القول
بأنها لا تقصر إلا في السفر خاصة فلم أقف له على دليل إلا ما يدل عليه ظاهر كلام
الذكرى من الاقتصار على موضع الوفاق وأصالة إتمام الصلاة. ثم قال في الذكرى :
وجوابه انما يقتصر مع عدم الدليل وهو ظاهر الثبوت. انتهى.
وأما القول
بأنها تقصر في الحضر بشرط الجماعة فعلله في الذكرى بأن النبي صلىاللهعليهوآله انما قصرها في الجماعة. ثم أجاب عنه بأنه انما كان
لوقوع ذلك لا لكونه شرطا إذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور في كلام الأصحاب (رضوان
الله عليهم ان هذا القصر على حسب قصر المسافر من إرجاع الرباعية إلى ركعتين ، وقال
ابن الجنيد : فان كانت الحالة الثالثة وهي مصافة الحرب والموافقة والتعبئة والتهيؤ
للمناوشة من غير بداية صلى الإمام بالفرقة الأولى ركعة وسجد سجدتين ثم انصرفوا
وسلم القوم بعضهم على بعض في مصافهم ، وقد روى عن ابى جعفر محمد بن على عليهماالسلام ان رسول الله صلىاللهعليهوآله صلى كذلك بعسفان ،. وروى ذلك عن
__________________
حذيفة بن اليمان وجابر وابن عباس وغيرهم وقال بعض الرواة وكانت لرسول الله صلىاللهعليهوآله ركعتان ولكل طائفة ركعة ركعة.
وقال ابن
بابويه سمعت شيخنا محمد بن الحسن يقول : رويت انه سئل الصادق عليهالسلام عن قول الله عزوجل «وَإِذا ضَرَبْتُمْ
فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ
خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا»
فقال هذا تقصير ثان وهو أن يرد الرجل ركعتين إلى ركعة. انتهى.
أقول : لعل ما
أشار إليه من الرواية هو ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن ابى عبد الله عليهالسلام «في قول الله عزوجل (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ
كَفَرُوا)؟ قال في الركعتين تنقص منهما واحدة». ونقل عن ابن
الجنيد القول بذلك كما عرفت من عبارته المذكورة.
ويرد هذا القول
الأخبار المتكاثرة بكيفية صلاة الخوف كما سيأتي ذكرها ان شاء الله تعالى. والظاهر
حمل الرواية المذكورة على التقية .
قال في الذخيرة
بعد ذكر هذا القول : وهو المحكي عن جماعة من الصحابة والتابعين في تفسير القصر
المذكور في الآية.
وقال في الذكرى
: وقال ابن الجنيد بهذا المذهب وان النبي صلىاللهعليهوآله صلى كذلك بعسفان برواية الباقر عليهالسلام وجابر وابن عباس وحذيفة ، وقال بعض الرواة فكانت لرسول
الله صلىاللهعليهوآله ركعتان ولكل طائفة ركعة ركعة. ثم قال في الذكرى : وهذا
القول نادر والرواية وان كانت صحيحة إلا أنها معارضة بأشهر منها عملا ونقلا
،
__________________
ثم أورد بعض الأخبار الدالة على القول المشهور.
واحتمل في
الذخيرة حمل الرواية على انه لما كان كل طائفة انما تصلى مع الإمام ركعة فكأن
صلاته ردت إليها.
أقول : ومن
المحتمل قريبا تخصيص الرواية بحال الخوف من إتمام الركعتين بمعنى ان الحال أضيق
والخوف أشد من الحالة الموجبة للركعتين فيقتصر على الركعة ، فتكون هذه المرتبة أول
مراتب الانتقالات الآتية في هذه الصلاة. والأظهر هو الحمل على التقية .
المسألة
الثانية ـ من صلاة الخوف المذكورة في كلام الأصحاب صلاة ذات الرقاع ، والنظر في
شروطها وكيفيتها وأحكامها :
أما الشروط فهي
على ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم أربعة : أحدها ـ كون الخصم في غير جهة
القبلة بحيث لا يمكنهم مقابلته وهم يصلون إلا بالانحراف عن القبلة ، وعلى هذا لو
كان العدو في جهة القبلة وأمكن أن يصلوا جميعا ويحرس بعضهم بعضا صلوا صلاة عسفان
الآتية ان شاء الله تعالى.
وهذا الشرط هنا
بناء على المشهور ، قال في المدارك : وهو مقطوع به في كلام أكثر الأصحاب ،
واستدلوا عليه بان النبي صلىاللهعليهوآله إنما صلاها كذلك فيجب
__________________
متابعته. واستوجه العلامة في التذكرة عدم اعتباره لعدم المانع من فعلها
بدونه ، قال : وفعل النبي صلىاللهعليهوآله وقع اتفاقا لا لأنه كان شرطا. ورجحه الشهيدان.
وثانيها ـ أن
يكون الخصم ذا قوة يخاف هجومه على المسلمين فلو كان ضعيفا بحيث يؤمن منه الهجوم
انتفى الخوف المسوغ لهذه الصلاة.
وثالثها ـ أن
يكون في المسلمين كثرة تمكنهم الافتراق طائفتين تقاوم كل فرقة منهم العدو حال صلاة
الأخرى.
ورابعها ـ عدم
احتياجهم إلى زيادة على الفرقتين ، وهذا الاشتراط في الثنائية واضح لتعذر التوزيع
بدونه ، وأما في الثلاثية فهل يجوز توزيعهم ثلاث فرق وتخصيص كل ركعة بفرقة؟ قولان
واختار الشهيد الجواز ، وهو مبنى على جواز الانفراد اختيارا وإلا اتجه المنع.
وأما الكيفية
فهي ان يصلى الإمام بالطائفة الأولى ركعة والثانية تحرسهم واقفه بإزاء العدو ثم
يقوم الامام ومن خلفه الى الثانية ، فينفرد الجماعة الذين خلفه ويقرأون لأنفسهم
ويطول الإمام في قراءته بقدر ما يتم الطائفة الذين خلفه وينصرفون الى موقف أصحابهم
، وتجيء الطائفة الأخرى وتدخل مع الامام فيكبرون ثم يركع الامام بهم ويسجد ،
وتقوم الجماعة فتصلي ركعة أخرى ويطيل الامام تشهده ويتمون فيسلم بهم الامام.
ويتخير الإمام في الثلاثية بين ان يصلى بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين وبالعكس.
وأما الأحكام
فسيأتي ان شاء الله تعالى فيها الكلام.
والواجب أو لا
بسط ما وقفنا عليه من اخبار المسألة ثم الكلام بتوفيق الملك العلام في ما يدخل في
حين المقام.
فنقول : منها ـ
ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن الحلبي قال «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن صلاة الخوف؟ قال يقوم الامام وتجيء طائفة من
__________________
أصحابه فيقومون خلفه وطائفة بإزاء العدو فيصلي بهم الإمام ركعة ، ثم يقوم
ويقومون معه فيمثل قائما ويصلون هم الركعة الثانية ثم يسلم بعضهم على بعض ، ثم
ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم ويجيء الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلي بهم
الركعة الثانية ، ثم يجلس الامام فيقومون هم فيصلون ركعة أخرى ثم يسلم عليهم
فينصرفون بتسليمة. قال وفي المغرب مثل ذلك يقوم الامام وتجيء طائفة فيقومون خلفه
ثم يصلى بهم ركعة ، ثم يقوم ويقومون فيمثل الإمام قائما فيصلون ركعتين فيتشهدون
ويسلم بعضهم على بعض ، ثم ينصرفون فيقومون في موقف أصحابهم ويجيء الآخرون ويقومون
خلف الإمام فيصلي بهم ركعة يقرأ فيها ثم يجلس فيتشهد ثم يقوم ويقومون معه ويصلى
بهم ركعة أخرى ، ثم يجلس ويقومون هم فيتمون ركعة أخرى ثم يسلم عليهم».
ومنها ـ ما
رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «صلى النبي صلىاللهعليهوآله بأصحابه في غزاة ذات الرقاع ففرق أصحابه فرقتين فأقام
فرقة بإزاء العدو وفرقة خلفه فكبر وكبروا فقرأ وأنصتوا فركع وركعوا فسجد وسجدوا ،
ثم استمر رسول الله صلىاللهعليهوآله قائما فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلم بعضهم على بعض ثم
خرجوا إلى أصحابهم فقاموا بإزاء العدو ، وجاء أصحابهم فقاموا خلف رسول الله صلىاللهعليهوآله فكبر وكبروا وقرأ فأنصتوا وركع فركعوا وسجد وسجدوا ثم
جلس رسول الله صلىاللهعليهوآله فتشهد ثم سلم عليهم فقاموا ثم قضوا لأنفسهم ركعة ثم سلم
بعضهم على بعض ، وقد قال الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوآله (وَإِذا كُنْتَ
فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ). ثم ساق الآية في الفقيه الى قوله (كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً
مَوْقُوتاً)» ثم قال فهذه صلاة الخوف التي أمر الله عزوجل بها نبيه صلىاللهعليهوآله وقال من صلى المغرب في خوف بالقوم صلى بالطائفة الأولى
ركعة وبالطائفة الثانية ركعتين».
__________________
هذه صورة ما في
الفقيه وظاهر صاحب الوافي ان رواية عبد الرحمن الى قوله «ثم سلم بعضهم على بعض»
وان قوله «وقد قال الله لنبيه. الى آخره» إنما هو من كلام صاحب الفقيه ولهذا لم
ينقله ، وظاهر صاحب الوسائل انه من الرواية حيث انه نقله في جملتها. والكل محتمل.
وأما قوله «وقال من صلى المغرب. الى آخره» فالظاهر ان هذه رواية أخرى مرسلة. وصاحب
الكافي روى رواية عبد الرحمن المذكورة كما تقدم الى قوله «فقاموا
خلف رسول الله صلىاللهعليهوآله ثم قال : «فصلى بهم ركعة ثم تشهد وسلم عليهم فقاموا
وصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلم بعضهم على بعض».
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «صلاة الخوف المغرب يصلى بالأولين ركعة ويقضون
ركعتين ويصلى بالآخرين ركعتين ويقضون ركعة».
ومنها ـ ما
رواه في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام انه قال : «إذا كانت صلاة المغرب في الخوف فرقهم فرقتين
، فيصلي بفرقة ركعتين ثم جلس بهم ثم أشار إليهم بيده فقام كل انسان منهم فيصلي
ركعة ثم سلموا وقاموا مقام أصحابهم وجاءت الطائفة الأخرى فكبروا ودخلوا في الصلاة
وقام الامام فصلى بهم ركعة ثم سلم ثم قام كل رجل منهم فصلى ركعة فشفعها بالتي صلى
مع الامام ثم قام فصلى ركعة ليس فيها قراءة ، فتمت للإمام ثلاث ركعات وللأولين
ركعتان في جماعة وللآخرين وحدانا ، فصار للأولين التكبير وافتتاح الصلاة وللآخرين
التسليم». ورواه العياشي في تفسيره عن زرارة ومحمد بن مسلم عن ابى جعفر عليهالسلام مثله وبإسناده عن الحسين بن
__________________
سعيد عن محمد بن ابى عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم عن
ابى جعفر عليهالسلام مثل ذلك .
ومنها ـ ما
رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن
أخيه موسى بن جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن صلاة الخوف كيف هي؟ فقال يقوم الإمام
فيصلي ببعض أصحابه ركعة ويقوم في الثانية ويقوم أصحابه ويصلون الثانية ويخففون
وينصرفون ، ويأتي أصحابهم الباقون فيصلون معه الثانية فإذا قعد في التشهد قاموا
فصلوا الثانية لأنفسهم ثم يقعدون فيتشهدون معه ثم يسلم وينصرفون معه».
ومنها ـ ما
رواه في الكتاب المذكور عنه عن أخيه عليهالسلام قال : «سألته عن صلاة المغرب في الخوف؟ قال يقوم الامام
ببعض أصحابه فيصلي بهم ركعة ثم يقوم في الثانية ويقومون فيصلون لأنفسهم ركعتين
ويخففون وينصرفون ، ويأتي أصحابه الباقون فيصلون معه الثانية ثم يقوم إلى الثالثة
فيصلي بهم فتكون للإمام الثالثة وللقوم الثانية ثم يقعدون فيتشهد ويتشهدون معه ثم
يقوم أصحابه والامام قاعد فيصلون الثالثة ويتشهدون معه ثم يسلم ويسلمون». ورواه
على بن جعفر في كتابه وكذا الذي قبله .
ومنها ـ ما
رواه العياشي في تفسيره عن ابان بن تغلب عن جعفر بن محمد عليهماالسلام قال : «صلاة المغرب في الخوف ان يجعل أصحابه طائفتين
بإزاء العدو واحدة والأخرى خلفه فيصلي بهم ثم ينتصب قائما ويصلون هم تمام ركعتين
ثم يسلم بعضهم على بعض ، ثم تأتي الطائفة الأخرى خلفه فيصلي بهم ركعتين ويصلون هم
ركعة ، فيكون للأولين قراءة وللآخرين قراءة».
ومنها ـ ما
رواه فيه ايضا عن زرارة ومحمد بن مسلم عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «إذا حضرت الصلاة في الخوف فرقهم الامام فرقتين
فرقة مقبلة على عدوهم
__________________
وفرقة خلفه كما قال الله تعالى ، فيكبر بهم ثم يصلى بهم ركعة ثم يقوم بعد
ما يرفع رأسه من السجود فيمثل قائما ويقوم الذين صلوا خلفه ركعة فيصلي كل انسان
منهم لنفسه ركعة ثم يسلم بعضهم على بعض ، ثم يذهبون إلى أصحابهم فيقومون مقامهم
ويجيء الآخرون والامام قائم فيكبرون ويدخلون في الصلاة خلفه فيصلي بهم ركعة ثم
يسلم ، فيكون للأولين استفتاح الصلاة بالتكبير وللآخرين التسليم من الامام ، فإذا
سلم الامام قام كل انسان من الطائفة الأخيرة فيصلي لنفسه ركعة واحدة ، فتمت للإمام
ركعتان ولكل انسان من القوم ركعتان واحدة في جماعة والأخرى وحدانا. الحديث».
هذه جملة ما
وقفت عليه من الأخبار الواردة في المسألة.
والكلام يقع في
هذا المقام في مواضع الأول ـ في سبب التسمية بذات الرقاع كما اشتمل عليه صحيح عبد
الرحمن بن ابى عبد الله ، قال شيخنا الشهيد في الذكرى : اختلف في سبب التسمية بذلك
، فقيل لان القتال كان في سفح جبل فيه جدد حمر وصفر كالرقاع ، وقيل كانت الصحابة
حفاة فلفوا على أرجلهم الجلود والخرق لئلا تحترق. قال صاحب المعجم : وقيل سميت
برقاع كانت في ألويتهم ، وقيل الرقاع اسم شجرة كانت في موضع الغزوة ، قال وفسرها
مسلم في الصحيح بأن الصحابة نقبت أرجلهم من المشي فلفوا عليها الخرق ،
وهي على ثلاثة أميال من المدينة عند بئر أروما. هكذا نقله صاحب معجم البلدان
بالألف ، قال : وبين الهجرة وبين هذه الغزوة أربع سنين وثمانية أيام. وقيل مر بذلك
الموضع ثمانية حفاة فنقبت أرجلهم وتساقطت أظفارهم فكانوا يلفون عليها الخرق. انتهى
كلام شيخنا المشار اليه.
الثاني ـ قال
في الذكرى : يستحب تطويل الإمام القراءة في انتظار الثانية ، ولو انتظرهم بالقراءة
ليحضروها كان جائزا فحينئذ يشتغل بذكر الله تعالى الى حين حضورهم ، والأول أجود
لأن فيه تخفيفا للصلاة وقراءة كافية لاقتدائهم وان لم يحضروها كغيرهم من المؤتمين.
وإذا انتظرهم لفراغ ما بقي عليهم في تشهده طوله
__________________
بالأذكار والدعوات حتى يفرغوا ، ولو سكت أيضا فالأقرب جوازه. انتهى.
وهو جيد
بالنسبة إلى القراءة لإطلاق الأخبار المذكورة وشمولها لكل من الأمرين مع عدم حصول
ما ينافي صحة الصلاة في البين ، وأما بالنسبة إلى التشهد فان ظاهر صحيحة الحلبي
أنه يجلس الامام بعد إتمام صلاته الى أن يتم المأمون صلاتهم ثم يسلم عليهم وظاهرها
تأخير التسليم خاصة ، وهي وان كانت مطلقة بالنسبة إلى التشهد إلا أن صريح صحيحة
عبد الرحمن انه صلىاللهعليهوآله تشهد بعد تمام صلاته وسلم عليهم قبل تمام صلاتهم ثم
قاموا فأتموا ما بقي عليهم ، وكذا ظاهر صحيحة زرارة الثانية ان الامام سلم بعد
تمام صلاته ثم قام كل رجل منهم لإتمام صلاته ، وهو أيضا ظاهر صحيحة زرارة ومحمد بن
مسلم المنقولة من تفسير العياشي. نعم ظاهر رواية قرب الاسناد الأولى ربما يفيد ما
ذكره من تطويل الإمام في التشهد الى ان يدركوه فيه ، حيث قال فيها : «فإذا قعد في
التشهد قاموا فصلوا الثانية لأنفسهم ثم يقعدون فيتشهدون معه ثم يسلم وينصرفون معه»
وكذلك رواية قرب الاسناد الثانية التي في صلاة المغرب فان ظاهرها ذلك أيضا. ولعل
الوجه في الجمع بين الأخبار هنا التخيير بين ما دلت عليه من ما فصلناه وأوضحناه ،
إلا ان صحيحة الحلبي مجملة لا بد من حملها على بعض الروايات المفصلة.
وظاهر كلامه في
الذكرى هو تعين تأخير التشهد الى أن تفرغ الفرقة الثانية إما بان يطول فيه بحيث
يدركونه أو يسكت ، وبذلك صرح في المختلف نقلا عن الأصحاب فقال : المشهور ان الامام
إذا صلى بالثانية الركعة الباقية من الثنائية طول تشهده حتى تتم الثانية ويسلم
بهم. ثم نقل عن ابن الجنيد انه قال : إذا كان الامام قد سبقهم بالتسليم لم يبرح من
مكانه حتى يسلموا وانصرفوا أجمعين. وقال ابن إدريس في صفة صلاة الخوف بعد دخول
الفرقة الثانية وصلاتهم مع الإمام ركعة ثانية : فإذا جلس للتشهد قاموا فصلوا ركعة
أخرى وهو جالس ثم جلسوا معه فيسلم بهم ثم انصرفوا بتسليمة ، وقد روى انه إذا جلس
الإمام للثانية تشهد وسلم ثم قام من خلفه فصلوا
الركعة الأخرى فيصلون لأنفسهم. وما ذكرناه أولا هو الأظهر في المذهب
والصحيح من الأقوال. انتهى. وفيه ما عرفت من أن أكثر الأخبار وصحاحها دالة على
التسليم قبل إتمام الفرقة الثانية ، ولا دليل على ما ذهبوا اليه إلا ظاهر روايتي
قرب الاسناد. وكيف كان فالظاهر كما عرفت هو التخيير بين أن يسلم قبلهم أو ينتظرهم.
والله العالم.
الثالث ـ هل
يجب على الفرقة الأولى نية الانفراد عند مفارقة الإمام أم لا؟ وجهان اختار أولهما
الشهيد في الدروس والثاني في الذكرى.
احتج الأولون
بوجوب الانفراد ، ووجوب نية كل واجب ، وما تقدم من عدم جواز مفارقة المأموم الإمام
بدون نية الانفراد. وأورد على الأول منع وجوب نية كل واجب ، وعلى الوجهين معا
أنهما إنما يتمان مع إطلاق نية الاقتداء ، اما إذا تعلقت النية بالركعة الأولى
خاصة فلا. واحتج الآخرون بالأصل وانقضاء ما تعلق به نية الائتمام.
أقول :
والتحقيق بناء على ما عرفت من معنى النية كما حققناه في غير موضع من بحث نية
الوضوء ونية الصلاة ان هذا الكلام سؤالا وجوابا لا وجه له ولا أثر يتعلق به ، فان
من المعلوم ان هذا المصلى مع علمه بأحكام هذه الصلاة وكيفيتها انما تعلق قصد
ائتمامه بالركعة الأولى وهو في الثانية منفرد حكمه حكم المنفرد نوى الانفراد أم لم
ينوه ، كما لو أدرك مع الإمام ركعة ثم قام وأتم بعد فراغ الإمام ، فإن الائتمام
وأحكامه من وجوب المتابعة ونحوها إنما هو بالنسبة إلى تلك الركعة وإلا فحكمه في
الثانية حكم المنفرد وان كتب له ثواب الجماعة تفضلا من الله تعالى بل لو لم يدرك
ركعة. نعم يبقى الكلام في أن المأموم هنا هل يكتب له ثواب الجماعة كملا بمجرد هذه
الركعة أو إنما يكتب له بالنسبة الى هذه الركعة خاصة؟ فيه اشكال لعدم تصريح
الأخبار بشيء من ذلك ، وقد تقدم في اخبار المسبوق ما يدل على إدراك ثواب الجماعة
بإدراك الإمام في التشهد الأخير ، فلا يبعد من فضل الله سبحانه
حصول ثواب الجماعة بالمتابعة في هذه الركعة كما أنه يكتب ثواب الجماعة
للفرقة الأخيرة بدخولها مع الإمام في الركعة الثانية لدخولها في اخبار المسبوق
الذي قد عرفت انه يكتب له ثواب الجماعة بإدراك التشهد الأخير.
الرابع ـ قال
في الذكرى : ظاهر الأصحاب بقاء اقتداء الثانية في الركعة الثانية حكما وان استقلوا
بالقراءة والأفعال فيحصل لهم ثواب الائتمام ويرجعون الى الامام في السهو ، وحينئذ
لا ينوون الانفراد عند القيام إلى الثانية ، وابن حمزة في الواسطة والوسيلة حكم
بأن الثانية تنوي الانفراد في الركعة الثانية. وكأنه أخذه من كلام الشيخ في
المبسوط حيث قال : ومتى سهت الطائفة يعني الثانية. في ما تنفرد به فإذا سلم بهم
الامام سجدوا هم لسهوهم سجدتي السهو ، ومتى سهت في الركعة التي تصلى مع الامام لم
يلزمها حكم ذلك السهو ولا يجب عليها شيء ، فنفى الشيخ لازم الائتمام وهو وجوب
سجدتي السهو ونفى اللازم يستلزم نفى الملزوم. ويدل على المشهور انهم عدوا من جملة
مخالفة هذه الصلاة ائتمام القائم بالقاعد وانه في رواية زرارة الصحيحة ان الباقر عليهالسلام قال : «فصار للأولين التكبير وافتتاح الصلاة وللآخرين
التسليم». ولا يحصل لهم التسليم إلا ببقاء الائتمام. وللشيخ وابن حمزة ان يمنعا
كون ذلك مستلزما لبقاء الائتمام حقيقة وان كان مستلزما له في ثواب الائتمام وهما
يقولان به ، على ان التسليم في الرواية مصرح به ان الامام يوقعه من غير انتظارهم
كما يأتي وذلك مقتضى لانفرادهم حتما وانما قال : «للآخرين التسليم» لأنهم حضروه مع
الامام. انتهى.
أقول : والكلام
في هذه المسألة أيضا غير منقح ولا موجه بالنظر الى الأدلة الشرعية ، وذلك فان ما
نقله عن ظاهر الأصحاب ـ من بقاء اقتداء الثانية حكما وان استقلوا بالقراءة. الى
آخره ـ ان أريد بالنسبة إلى ترتب ثواب الجماعة فهو من ما لا إشكال فيه ، وقد عرفت
في ما قدمناه ان ثواب الجماعة يدرك في المسبوق
__________________
بإدراك الإمام في التشهد الأخير فكيف بمن أدرك ركعة تامة ، وان أريد غير
ذلك مثل ما نقله عن الشيخ من تحمل الامام السهو عن المأموم ونحو ذلك فهو من ما لا
دليل عليه وان كان في حال مصاحبة الإمام في الصلاة فضلا عن الانفراد ، فان الحق ان
لكل من الامام والمأموم حكم نفسه في السهو فلو حصل موجب السهو من المأموم حال
متابعة الإمام لم يتحمله عنه الامام كما هو الأظهر الأشهر. وأما بالنسبة إلى رجوع
الظان الى العالم وكذلك الشاك الى الظان ونحو ذلك من ما تقدم فهذا لا يتم هنا بعد
تمام صلاة الامام وقيام المأموم لما بقي عليه ، فان الأدلة الدالة على ذلك انما
قامت بالنسبة إلى المشتركين في الصلاة لا بعد إتمام الامام وانفراد المأموم.
وبالجملة فإن حكم المأموم في هذه الصورة حكم المسبوق الذي قد تقدمت صلاة امامه
وقام لإتمام ما بقي عليه فان أوجبوا فيه نية الانفراد فكذا هنا وإلا فلا ، وكل ما
يترتب من الأحكام في مسألة المسبوق فهو يجرى هنا ، وغاية ما تدل عليه الأخبار في
مسألة المسبوق هو حصول ثواب الجماعة له وان انفرد في بقية صلاته سواء أدرك ركعة أو
أقل كما تقدم ، وكل ما يثبت للمسبوق من الأحكام فهو ثابت هنا لأنه أحد أفراده.
وأما ما ذكره من الأدلة للقول المشهور فهي مدخولة سخيفة كما أشار إليه (قدسسره).
وبالجملة فإنه
لا دليل في كل من المسألتين على أزيد من ترتب الثواب خاصة ، فإن أريد ببقاء
الاقتداء ذلك فهو مسلم وان أريد غيره فهو ممنوع.
وأما ما ذكره
ابن حمزة من نية الانفراد فقد تقدم ما فيه ، فإنه بعد تمام صلاة الامام وقيام
المأموم الى ما بقي عليه منفرد نوى الانفراد أو لم ينوه.
وما نقله عن
الشيخ من التفريع ضعيف فإنه لم يقم لنا دليل على تحمل الامام سهو المأموم حال
مصاحبته حتى يفرع ذلك على حال انفراده وبقاء الاقتداء حكما ، والظاهر انه لا خلاف
عندنا في انه لو سها المسبوق في ما بقي عليه من صلاته بعد إتمام الإمام فإنه يجب
عليه الإتيان بموجب السهو وان قلنا بتحمل الامام ذلك في حال
مصاحبته ، والحكم هنا كذلك فان هذا أحد أفراد المسبوق. والله العالم.
الخامس ـ قد
اختلفت الروايات في الائتمام في صلاة المغرب ففي بعضها كصحيحة الحلبي «يصلى بهم
الإمام ركعة وينفردون بركعتين ويصلى بالثانية ركعتين وينفردون بركعة». ونحوها
مرسلة الفقيه المتقدمة وصحيحة زرارة الأولى وصحيحة على بن جعفر ، وفي بعضها بالعكس
بان يصلى بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة كصحيحة زرارة الثانية بطرقها العديدة.
والظاهر ان وجه
الجمع بينها هو التخيير بين الأمرين كما هو ظاهر جملة من الأصحاب أيضا ، لكن
اختلفوا في الأفضل منهما فقيل ان الأول أفضل لكونه مرويا عن على عليهالسلام فيترجح للتأسي به ، ولانه يستلزم فوز الفرقة الثانية
بالقراءة والزيادة ليوازي فضيلة تكبيرة الافتتاح والتقدم ، ولتقارب الفرقتين في
إدراك الأركان. ونسب هذا القول إلى الأكثر واختاره العلامة في التذكرة. وقيل ان
الثاني أفضل لئلا تكلف الثانية زيادة جلوس في التشهد وهي مبنية على التخفيف.
أقول : القدر
المعلوم من الأخبار من حيث ضرورة الجمع بينها التخيير بين الأمرين المذكورين ،
وأما الحكم بالأفضلية فلا يظهر من شيء منها ، والركون الى هذه التعليلات العلية
مجازفة.
وأما كلمات
الأصحاب في هذا المقام فقال الشيخ في المبسوط صلاة المغرب مخيرة بين أن يصلى
بالطائفة الأولى ركعة واحدة والأخرى ثنتين وبين أن يصلى بالأولى ثنتين وبالأخرى
واحدة كل ذلك جائز. ولم يرجح أحدهما على الآخر. وكذا في الجمل ، وفي النهاية ذكر
الأول ولم يتعرض للثاني. وقال في الخلاف : الأفضل أن يصلى بالأولى ركعة وبالثانية
ركعتين ، فان صلى بالأولى ثنتين وبالأخرى ركعة واحدة كان أيضا جائزا. وفي الاقتصاد
قال والأول أحوط. وأشار به الى الذي جعله في الخلاف الأفضل. والمفيد لم يذكر
الثاني في المغرب ولا السيد المرتضى. وقال على بن بابويه : وان كانت المغرب فصلى
بالأولى ركعة وبالثانية
ركعتين. وكذا قال ابنه في كتاب من لا يحضره الفقيه وسلار وابن البراج. وقال
ابن ابى عقيل : ويصلى الإمام في المغرب خاصة بالطائفة الأولى ركعة وبالطائفة
الأخرى ركعتين حتى يكون لكلتا الطائفتين قراءة ، بذلك تواترت الأخبار عنهم عليهمالسلام وقال ابن الجنيد : فان صلى بهم المغرب فالذي اختاره ان
يصلى بالطائفة الأولى ركعة واحدة فإذا قام إلى الثانية أتم من معه بركعتين
أخراوين. وقال أبو الصلاح : يصلى بالأولى ركعة أو ثنتين وبالثانية ما بقي. كذا
نقله عنهم العلامة في المختلف. ثم انه (قدسسره) اختار التخيير للأخبار التي ذكرناها والظاهر ان عبارتي
ابني بابويه مأخوذتان من كتاب الفقه الرضوي حيث قال عليهالسلام «وان كانت صلاة المغرب فصل بالطائفة الأولى ركعة وبالطائفة الثانية ركعتين».
فاختصراها بحذف لفظ الطائفة. وكيف كان فقد عرفت ما هو الظاهر من الأخبار في هذا
المكان. والله العالم.
السادس ـ قال
المرتضى وابن الجنيد : إذا صلى بالأولى في المغرب ركعة وأتموا ثم قام الإمام إلى
ثالثته وهي الثانية للفرقة الثانية سبح هو وقرأت الطائفة الثانية وقال ابن إدريس
بعد نقل ذلك عن المرتضى : والصحيح عند أصحابنا المصنفين والإجماع حاصل عليه انه لا
قراءة عليهم.
أقول : والكلام
في هذه المسألة مبنى على ما تقدم في بحث صلاة الجماعة من وجوب القراءة على المسبوق
في أخيرتي الامام وأولتي المأموم وعدمه ، وقد تقدم تحقيق القول في المسألة وان
القراءة واجبة على المأموم في الصورة المذكورة كما دلت عليه الأخبار المتكاثرة وان
ذهب العلامة في المنتهى وتبعه في المدارك الى الاستحباب وبه يظهر ان كلام ابن
إدريس ليس بشيء يعتمد عليه وان الصحيح انما هو المجمع عليه في الأخبار لا في كلام
الأصحاب مع خلوه من الدليل بل قيام الدليل على خلافه كما عرفت ، على ان ما ادعاه
من الإجماع ممنوع كما تقدم تحقيقه في المسألة بل
__________________
ظاهر كلام جل الأصحاب انما هو الوجوب وان عبروا عنه بعبارة مجملة وان لم
يفصح بذلك إلا المرتضى (رضى الله عنه) وابن الجنيد.
السابع ـ قد
صرح المحقق في الشرائع بأن هذه الصلاة تخالف صلاة الجماعة في ثلاثة أشياء : انفراد
المؤتم وتوقع الإمام للمأموم حتى يتم وامامة القاعد بالقائم واعترضه في المدارك ،
اما بالنسبة إلى الأول فقال : انه لا يخفى ان انفراد المؤتم إنما تحصل به المخالفة
على قول الشيخ من المنع من المفارقة في حال الاختيار ، اما ان سوغناها مطلقا كما
هو المشهور فلا تتحقق المخالفة بذلك لصلاة المختار ، اللهم إلا أن يقال بوجوب
الانفراد هنا فتحصل المخالفة بذلك. انتهى. وهو جيد.
وأما بالنسبة
الى الثاني فقال فيه على أثر الكلام الأول : وكذا الكلام في توقع الإمام المؤتم حتى
يتم فإنه جائز مع الاختيار ، مع انه غير لازم في هذه الصلاة كما دلت عليه صحيحة
عبد الرحمن المتقدمة حيث وقع التصريح فيها بان الامام يتشهد ويسلم على الفرقة
الثانية ثم يقومون بعد ذلك ويتمون صلاتهم. انتهى.
أقول : لا يخفى
انه يمكن تطرق المناقشة الى هذا الكلام ، فان ما ذكره من جواز انتظار الإمام
المأموم حتى يتم مع الاختيار لا أعرف عليه دليلا ، فان ذلك لا محل له إلا في مسألة
المسبوق ، واخبار المسبوق على تعددها دالة على ان الامام متى تمت صلاته سلم ولم
ينتظر بسلامه إتمام المأمومين. نعم دلت على ان الأفضل له أن لا يفارق مصلاه حتى
يتم المسبوق صلاته. واما قوله : «على انه غير لازم في هذه الصلاة كما دلت عليه
صحيحة عبد الرحمن» فان ظاهرها انه وان لم يكن لازما إلا انه جائز ، وهو الظاهر لما
عرفت من ما تقدم في الموضع الثاني من دلالة ظاهر روايتي قرب الاسناد على ما ذكره
الأصحاب وان الظاهر هو القول بالتخيير جمعا بين الأخبار ، وهذا يكفي في الفرق متى
قلنا بعدم جواز توقع الإمام للمأموم حتى يتم في مسألة المسبوق لعدم الدليل عليه
كما عرفت ، وهنا يجوز ذلك لما ذكرنا وهو ظاهر في الفرق وبالجملة فإن كلامه هنا لا
يخلو من تأمل لما عرفت.
والظاهر انهم
لو ذكروا في هذا المقام في وجه الفرق ـ تمثل الإمام قائما بعد صلاة ركعة بالطائفة
الأولى وإتمامها الصلاة ثم المضي إلى موقف أصحابها وإتيان الطائفة الثانية ودخولهم
معه ـ لكان أظهر في الفرق ، فإنه لم يعهد في صلاة الجماعة مثله سيما على القول
بسكوت الامام عن القراءة حتى تأتي الطائفة الثانية وتدخل معه كما تقدم في كلام
الذكرى.
واما بالنسبة
الى الثالث فإنه قال : واما إمامة القاعد بالقائم فإنما تتحقق إذا قلنا ببقاء
اقتداء الفرقة الثانية في الركعة الثانية حكما وان استقلوا بالقراءة والأفعال كما
صرح به العلامة في المختلف محتجا بقوله عليهالسلام في صحيحة زرارة «فصار للأولين التكبير وافتتاح الصلاة
وللآخرين التسليم» قال ومع الانفراد لا يحصل لهم ذلك.
وهو احتجاج
ضعيف للتصريح في تلك الرواية بعينها بان الامام يوقع السلام وبعد فراغه من التشهد
من غير انتظارهم ، وعلى هذا فيكون معنى قوله عليهالسلام «وللآخرين التسليم» انهم حضروه مع الامام. والأصح انفراد الفرقة الثانية
عند مفارقة الإمام كالأولى كما هو ظاهر الشيخ في المبسوط وصريح ابن حمزة في
الوسيلة لقوله عليهالسلام في صحيحة عبد الرحمن المتقدمة «ثم تشهد وسلم عليهم
فقاموا فصلوا لأنفسهم ركعة وسلم بعضهم على بعض» ولأنه لا معنى للقدوة مع الاستقلال
بالقراءة والأفعال إلا حصول ثواب الائتمام وسقوط السهو عنهم في الركعة الثانية ان
قلنا بسقوطه عن المأموم ، وليس في الأدلة النقلية ما يدل عليه فكان منفيا بالأصل.
انتهى كلامه (زيد مقامه) وهو جيد. وانما نقلناه بطوله لتأييده لما قدمنا ذكره في
الموضع الرابع.
الثامن ـ في
جملة من الفروع : الأول ـ نقل عن الشيخ وأكثر الأصحاب انهم صرحوا بوجوب أخذ السلاح
في الصلاة استنادا الى قوله عزوجل «وَلْيَأْخُذُوا
حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ»
والأمر المطلق للوجوب. وعن ابن الجنيد انه يستحب
__________________
أخذ السلاح حملا للأمر على الإرشاد لما في أخذ السلاح من الاستظهار في
التحفظ من العدو. أقول : وما ذكره ابن الجنيد غير بعيد والظاهر انه لذلك تردد
المحقق في النافع والمعتبر. ونقل عن ابن إدريس انه أوجب أخذ السلاح على الطائفتين
، ولا بأس به لما فيه من زيادة الاحتراس والمحافظة ، إلا ان الحكم بالوجوب لا يخلو
من اشكال إلا أن تلجئ الضرورة اليه.
الثاني ـ قال
الشيخ في المبسوط : يكره أن يكون السلاح ثقيلا لا يتمكن معه من الصلاة والركوع
والسجود كالجوشن الثقيل والمغفر السابغ لأنه يمنع من السجود على الجبهة. وقال في
المختلف بعد نقل ذلك عنه : والأقرب أن نقول ان احتاج الى أخذه وجب ولم يكن مكروها
وان لم يحتج اليه حرم أخذه لأنه يمنعه من استيفاء الأفعال الواجبة. انتهى. وهو
جيد. ويمكن على بعد حمل الكراهة في كلامه على التحريم.
الثالث ـ لا
تمنع النجاسة على السلاح من أخذه في الصلاة لما تقدم في مقدمة اللباس من ثبوت
العفو عن نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه منفردا وعدم قيام الدليل على طهارة المحمول ،
ولو تعدت النجاسة الى الثوب وجب تطهيره إن أمكن.
الرابع ـ لو
ترك أخذ السلاح في مقام وجوبه لم تبطل صلاته لأن أخذه ليس شرطا في الصلاة ولا جزء
منها وانما هو واجب منفصل عنها. ولو منع من كمال الأفعال كزيادة الانحناء في
الركوع كره أخذه.
الخامس ـ قال
في الذكرى : يجوز في أثناء الصلاة الضربة والضربتان والطعنة والطعنتان والثلاث مع
تباعدها اختيارا واضطرارا لأنها ليست فعلا كثيرا ولو احتاج الى الكثير فاتى به لم
تبطل وتكون كصلاة الماشي. وكذا يجوز له إمساك عنان فرسه وجذبه اليه كثيرا وقليلا
لأنه في محل الحاجة. انتهى.
السادس ـ قال
في الذكرى : لا فرق في جواز القصر مع الخوف بين الرجال والنساء لحصول المقتضي في
الجميع ، وابن الجنيد قال يقصرها كل من يحمل السلاح
من الرجال حرا كان أو عبدا دون النساء في الحرب. ولعله لعدم مخاطبتهن
بالقتال والخوف انما يندفع غالبا بالرجال فلا أثر فيه للنساء قصرن أم اتممن.
انتهى. ولا يخلو من تردد واشكال لعدم النص الواضح في هذا المجال.
السابع ـ قال
في الكتاب المذكور ايضا : لو عرض الخوف في أثناء صلاة الا من أتمها ركعتين ، ولو
عجز عن الركوع والسجود أتمها بالإيماء لمكان الضرورة ووجود المقتضى ، ولو أمن في
أثناء صلاة الخوف أتمها عددا ان كان حاضرا وكيفية سواء كان حاضرا أو مسافرا ، ولا
فرق بين أن يكون قد استدبر أو لم يستدبر. وقال الشيخ في المبسوط : لو صلى ركعة مع
شدة الخوف ثم أمن نزل وصلى بقية صلاته على الأرض ، وان صلى على الأرض آمنا ركعة
فلحقه شدة الخوف كبر وصلى بقية صلاته إيماء ما لم يستدبر القبلة في الحالين فان
استدبرها بطلت صلاته ، والأقرب الصحة مع الحاجة الى الاستدبار لانه موضع ضرورة
والشروط معتبرة مع الاختيار. انتهى.
المسألة
الثالثة ـ من صلاة الخوف المذكورة في كلام الأصحاب صلاة بطن النخل ، قالوا ورد ان
النبي صلىاللهعليهوآله صلاها بأصحابه قال في المبسوط : روى ذلك الحسن عن أبي بكرة عن فعل
النبي صلىاللهعليهوآله وصفتها أن يصلى الإمام بالفرقة الأولى مجموع الصلاة
والأخرى تحرسهم ثم يسلم بهم ثم يمضون الى موقف أصحابهم ، ثم يصلى بالطائفة الأخرى
نفلا له وفرضا لهم. قال في المبسوط : وهذا يدل على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل.
وشرطها كون العدو فيه قوة يخاف هجومه
__________________
وإمكان افتراق المسلمين فرقتين لا أزيد ، وكونه في خلاف جهة القبلة.
قال في الذكرى
: ويتخير بين هذه الصلاة وذات الرقاع ، وترجح هذه إذا كان في المسلمين قوة ممانعة
بحيث لا تبالي الفرقة الحارسة بطول لبث المصلية ، ويختار ذات الرقاع إذا كان الأمر
بالعكس.
ومنها ـ صلاة
عسفان وقد نقلها الشيخ في المبسوط بهذه العبارة ، قال : ومتى كان العدو في جهة
القبلة ويكونون في مستوي الأرض لا يسترهم شيء ولا يمكنهم أمر يخافون منه ويكون في
المسلمين كثرة لا تلزمهم صلاة الخوف ولا صلاة مرشدة الخوف ، وان صلوا كما صلى
النبي صلىاللهعليهوآله بعسفان جاز ، فإنه قام مستقبل القبلة والمشركون أمامه
فصف خلف رسول الله صلىاللهعليهوآله صف وصف بعد ذلك الصف صف آخر فركع رسول الله صلىاللهعليهوآله وركعوا جميعا ثم سجد صلىاللهعليهوآله وسجد الصف الذين يلونه وقام الآخرون يحرسونه فلما سجد
الأولون السجدتين وقاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم ، ثم تأخر الصف الذين
يلونه الى مقام الآخرين وتقدم الصف الآخر الى مقام الصف الأول ثم ركع رسول الله صلىاللهعليهوآله وركعوا جميعا في حالة واحدة ثم سجد وسجد الصف الذي يليه
وقام الآخرون يحرسونه فلما جلس رسول الله صلىاللهعليهوآله والصف الذي يليه سجد الآخرون ثم جلسوا جميعا وسلم بهم
جميعا. وصلى صلىاللهعليهوآله بهم ايضا هذه الصلاة يوم بنى سليم .
أقول قال في
المنتهى : روى أبو عياش الزرقي قال : كنا مع النبي صلىاللهعليهوآله بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلينا الظهر فقال
المشركون لقد أصبنا غرة لو حملنا عليهم في الصلاة فنزلت آية القصر بين الظهر
والعصر ، فلما حضرت صلاة العصر قام رسول الله صلىاللهعليهوآله مستقبل القبلة والمشركون امامه فصف خلف رسول الله صلىاللهعليهوآله. ثم ساق الحديث كما تقدم في عبارة المبسوط.
__________________
ثم قال في
المنتهى : وروى جابر بن عبد الله «ان النبي صلىاللهعليهوآله صلى الظهر ببطن النخل : جعل أصحابه طائفتين فصلى
بالأولى ركعتين ثم سلم فصلى بالأخرى ركعتين». قال الشيخ : ولو صلى كما صلى بعسفان
جاز.
ثم قال في
المنتهى تبعا للمحقق في المعتبر : ونحن نتوقف في هذا لعدم ثبوت النقل عندنا عن أهل
البيت عليهمالسلام بذلك. انتهى. وهو جيد متين.
وأما ما ذكره
في الذكرى ـ جوابا عما ذكراه هنا حيث قال : قلت هذه صلاة مشهورة في النقل فهي
كسائر المشهورات الثابتة وان لم تنقل بأسانيد صحيحة ، وقد ذكرها الشيخ مرسلا لها
غير مسند ولا محيل على سند فلو لم تصح عنده لم يتعرض لها حتى ينبه على ضعفها فلا
تقصر فتواه عن روايته ، ثم ليس فيها مخالفة لأفعال الصلاة غير التقدم والتأخر
والتخلف بركن ، وكل ذلك غير قادح في صحة الصلاة اختيارا فكيف عند الضرورة. انتهى.
فهو كلام مزيف
سخيف ، فان فيه (أولا) ان ما ذكره يرجع الى تقليد الشيخ في الفتوى بصحة هذه الصلاة
وان لم يقفوا له على دليل ، مع انا نراهم لا يقفون على هذه القاعدة في مقام وجود
الأدلة للشيخ على فتاويه وإلا لما اتسع الخلاف وانتشرت الأقوال في الأحكام الشرعية
على ما هي عليه الآن ، إذ لا حكم إلا وقد تعددت فيه أقوالهم واختلفت فيه آراؤهم
ولم يقفوا فيه على فتاوى الشيخ ونحوه من عظماء متقدميهم.
وثانيا ـ ما هو
معلوم من طريقة الشيخ وتساهله في الفتاوى ودعوى الإجماعات والاحتجاج بالأخبار
العامية ، وهذا ظاهر للمطلع على كتبه (قدسسره) والمتدبر لاقواله.
وثالثا ـ ان ما
ذكره من عدم قدح التأخر بركن في القدوة ممنوع ، وقد تقدم الكلام في المسألة مستوفى
وقد بينا تناقض كلامه (قدسسره) فيها.
__________________
ورابعا ـ ان
بلوغ التساهل في العبادات المبنية على التوقيف الى هذا الحد لا يخلو من تشريع وقول
على الله سبحانه بغير علم «وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً»
«أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا
تَعْلَمُونَ» ونحوهما من الآيات المعتضدة بالروايات المستفيضة الدالة
على النهى عن القول بما لم يثبت عنهم عليهمالسلام والأمر بالوقوف والتثبت والرد إليهم في ما اشتبه منها وبالجملة فان الحق هنا ما ذكره الفاضلان المذكوران.
والله العالم.
المسألة
الرابعة ـ في صلاة شدة الخوف بمعنى انه ينتهى الحال إلى المسايفة والمعانقة ،
والضابط أن لا يتمكنوا من الصلاة على الوجه المتقدم ، فإنهم يصلون فرادى كيفما
أمكنهم وقوفا أو ركبانا أو مشاة ، ويركعون ويسجدون مع الإمكان وإلا فبالإيماء ،
ويستقبلون القبلة مع الإمكان في جميع الصلاة أو بعضها ولو بتكبيرة الإحرام ان أمكن
وإلا سقط ايضا. وهذه الأحكام كلها مجمع عليها بينهم.
ويدل عليه جملة
من الأخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم عن ابى
جعفر عليهالسلام قال : «في صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة وتلاحم
القتال فإنه يصلى كل انسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه فإذا كانت المسايفة
والمعانقة وتلاحم القتال فإن أمير المؤمنين عليهالسلام ليلة صفين وهي ليلة الهرير لم يكن صلى بهم الظهر والعصر
والمغرب والعشاء عند وقت كل صلاة إلا بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء
، فكانت تلك صلاتهم ولم يأمرهم بإعادة الصلاة».
وعن عبيد الله
بن على الحلبي في الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «صلاة الزحف على الظهر إيماء برأسك وتكبير ،
والمسايفة تكبير مع إيماء ،
__________________
والمطاردة إيماء يصلى كل رجل على حياله».
وعن زرارة في
الصحيح قال : «قال أبو جعفر عليهالسلام الذي يخاف اللصوص والسبع يصلى صلاة الموافقة إيماء على
دابته. قال قلت أرأيت ان لم يكن المواقف على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟
قال يتيمم من لبد سرجه أو من معرفة دابته فان فيها غبارا ، ويصلى ويجعل السجود
أخفض من الركوع ، ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت دابته غير أنه يستقبل
القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه».
وعن عبد الرحمن
بن ابى عبد الله في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزوجل «فَإِنْ خِفْتُمْ
فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً»
كيف يصلى؟ وما يقول؟ ان خاف من سبع أو لص كيف يصلى؟ قال يكبر ويومئ برأسه
إيماء».
وعن ابى بصير
في الموثق أو الصحيح قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول إذا التقوا فاقتتلوا فإنما الصلاة حينئذ بالتكبير
وإذا كانوا وقوفا فالصلاة إيماء».
ثم انه مع تعذر
الإيماء كما تقدم فإنه ينتقل الفرض الى التسبيح بان يقول عوض كل ركعة «سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» وذلك يجزئ عن جميع الأفعال والأذكار كما
صرح به الأصحاب ومنهم الفاضلان في المعتبر والمنتهى والظاهر انه مجمع عليه بينهم
كما جزم به في المدارك.
قال في الذكرى
: ومع تعذر الإيماء يجزئ عن كل ركعة «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر» فعن جميع الصلوات تسبيحتان وعن المغرب ثلاثا.
وقال في
المنتهى : لو لم يتمكن من الإيماء حال المسايفة جعل عوض كل ركعة تكبيرة ، وصورتها «سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» وذلك يجزئ عن القراءة والركوع
والسجود لما تقدم في حديث زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم.
__________________
أقول : ويدل
على الحكم المذكور ما تقدم في صحيحة الفضلاء من صلاة أمير المؤمنين عليهالسلام ليلة الهرير ، ونحوها رواية أبي بصير المتقدمة.
ويدل على ذلك
ايضا ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن الصادق عليهالسلام «في صلاة الزحف؟ قال تكبير وتهليل يقول الله عزوجل (فَإِنْ خِفْتُمْ
فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً)» .
ثم قال وفي كتاب عبد
الله بن المغيرة ان الصادق عليهالسلام قال : «أقل ما يجزئ في حد المسايفة من التكبير تكبيرتان
لكل صلاة إلا المغرب فان لها ثلاثا». وهذه الرواية قد نقلها الشيخ عن عبد الله بن
المغيرة في الصحيح عن بعض أصحابنا عن الصادق عليهالسلام .
وما رواه الشيخ
عن محمد بن عذافر عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا جالت الخيل تضطرب بالسيوف أجزأته تكبيرتان ،
فهذا تقصير آخر». وقال عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي : وان كنت في حرب هي لله رضى وحضرت الصلاة فصل على ما
أمكنك على ظهر دابتك وإلا تومئ إيماء أو تكبر وتهلل. وروى انه فات الناس مع على عليهالسلام يوم صفين صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فأمر على عليهالسلام فكبروا وهللوا وسبحوا ، ثم قرأ هذه الآية «فَإِنْ خِفْتُمْ
فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً»
فأمرهم على عليهالسلام فصنعوا ذلك رجالا وركبانا. انتهى.
بقي الكلام هنا
في أشياء الأول ـ ان المذكور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم ان التسبيح الذي
ينتقل إليه في هذه المرتبة يجب أن يكون بهذه الكيفية التي تقدم نقلها عن المنتهى
والذكرى ، والأخبار التي قدمناها ونحوها من اخبار المسألة لا تساعد على ذلك ، فإن
أوضحها في هذا الحكم صحيحة الفضلاء وظاهرها الاكتفاء بهذه الأذكار كيف اتفق.
__________________
وقال في الذكرى
: وتجب الصيغة المشار إليها أولا في التسبيح للإجماع على اجزائها ، وظاهر الرواية
انه يتخير في الترتيب كيف شاء ، والأجود الأول لتحصيل يقين البراءة. انتهى. ولا
ريب ان ما ذكره طريق الاحتياط.
ويمكن تأييد ما
ذكرناه بالأخبار الواردة في تسبيح الأخيرتين ، فإنها من قبيل صحيحة الفضلاء
المذكورة ونحوها في عدم الترتيب مع اتفاق الأصحاب على هذه الكيفية المشهورة.
الثاني ـ الأحوط
أن يضاف الى التسبيح المذكور الدعاء كما دلت عليه الصحيحة المشار إليها.
الثالث ـ انه
قد صرح جمع من المتأخرين : منهم ـ الشهيد في الذكرى والعلامة وغيرهما بأنه لا بد
في التسبيحات من النية وتكبيرة الإحرام والتشهد والتسليم وظواهر أخبار المسألة
قاصرة عن افادته ، نعم النية التي قد عرفت انها من الأمور الجبلية لا يمكن تخلفها
ليحتاج الى اعتبار إيجابها. وما استندوا إليه في هذا المقام ـ من عموم الأخبار
الواردة بهذه الأشياء ـ ففيه ان ما نحن فيه خاص ولا ريب في تقديمه على العام
وتخصيص العام به. وبما ذكرناه صرح في المدارك ، قال : وعندي في وجوب ما عدا النية
إشكال لعدم استفادته من الروايات بل ربما كانت ظاهرة في خلافه. انتهى. وهو جيد.
الرابع ـ المشهور
انه إذا صلى مومئا فأمن أتم صلاته بالركوع والسجود في ما بقي منها ولا يجب عليه
الاستئناف مطلقا. وقال الشيخ بذلك بشرط عدم الاستدبار في ما صلاه أولا. ورد بصدق
الامتثال في ما اتى به فلا تتعقبه إعادة لأن ما اتى به من الاستدبار مأمور به في
تلك الحال وامتثال الأمر يقتضي الإجزاء.
الخامس ـ قالوا
: لو رأى سوادا فظنه عدوا فقصر وصلى مومئا ثم انكشف بطلان خياله لم يعد. وكذا لو
أقبل العدو فصلى مومئا لشدة خوفه ثم ظهران
هناك حائلا يمنع العدو. قالوا : والوجه في ذلك ان الصلاة في الحال المذكور
مأمور بها شرعا فتكون مجزئة ، نعم لو استند الخوف الى التقصير في الاطلاع وعدم
التأمل أو غلبة الوهم من غير تحقيق فالظاهر وجوب الإعادة ، وبه قطع في الذكرى
للتفريط. وهو جيد. والله العالم.
المسألة
الخامسة ـ المشهور في كلام جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم ان الخوف بأي نحو
كان من عدو أو لص أو سبع أو غرق موجب لهذه الصلاة كمية وكيفية.
قال الشهيد في
الذكرى : لا فرق في لباب الخوف بين الخوف من عدو أو لص أو سبع فيجوز قصر الكمية
والكيفية عند وجود سبب الخوف كائنا ما كان.
وقال المحقق في
المعتبر : كل أسباب الخوف يجوز معها القصر والانتقال إلى الإيماء مع الضيق
والاقتصار على التسبيح ان خشي مع الإيماء وان كان الخوف من لص أو سبع أو غرق ،
وعلى ذلك فتوى علمائنا. ثم استدل بقوله تعالى «وَإِذا ضَرَبْتُمْ
فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ
خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا»
قال : وهو دال بمنطوقه على خوف العدو وبفحواه على ما عداه من المخوفات. ثم
قال : ومن طريق الأصحاب ما رواه. ثم نقل صحيحة عبد الرحمن ابن ابى عبد الله
المتقدمة ثم صحيحة زرارة المتقدمة أيضا الواردة في اللصوص والسبع
أقول : ومن
قبيل هاتين الروايتين اللتين ذكرهما ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن على بن
جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يلقى السبع وقد حضرت الصلاة ولا
يستطيع المشي مخافة السبع ، فان قام يصلى خاف في ركوعه وسجوده السبع والسبع امامه
على غير القبلة ، فإن توجه إلى القبلة خاف ان يثب عليه الأسد فكيف يصنع؟ قال فقال
يستقبل الأسد ويصلى ويومئ برأسه
__________________
إيماء وهو قائم وان كان الأسد على غير القبلة».
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن إسحاق بن عمار عن من حدثه عن ابى عبد الله عليهالسلام «في الذي يخاف السبع أو يخاف عدوا يثب عليه أو يخاف اللصوص يصلى ـ على
دابته إيماء ـ الفريضة».
وما رواه في
الفقيه عن زرارة في الصحيح قال : «الذي يخاف اللصوص يصلى إيماء على دابته».
وعن عبد الرحمن
بن ابى عبد الله عن الصادق عليهالسلام في حديث قال : «ومن تعرض له سبع وخاف فوت الصلاة استقبل
القبلة وصلى صلاته بالإيماء فإن خشي السبع وتعرض له فليدر معه كيف دار وليصل
بالإيماء».
قال في المدارك
ـ بعد نقل ما قدمناه عن المعتبر من كلامه وما استدل به من الآية والروايتين ثم
صحيحة على بن جعفر ـ ما لفظه : وهذه الروايات انما تدل على مساواة صلاة خائف الأسد
لخائف العدو في الكيفية أما قصر العدد فلا دلالة لها عليه بوجه ، وما ادعاه من
دلالة الآية الشريفة عليه بالفحوى غير واضح ، ومن ثم تردد في ذلك في المنتهى وحكى
عن بعض علمائنا قولا بان التقصير في عدد الركعات انما يكون في صلاة الخوف من العدو
وخاصة ، والمصير اليه متعين الى أن يقوم على قصر العدد دليل يعتد به. انتهى. وهو
جيد فإن غاية ما تدل عليه أخبار المسألة ما ذكره من قصر الكيفية دون الكمية.
ثم ان ظاهر هذه
الأخبار ان الصلاة هنا تقصر في الكيفية وتصلى بالإيماء مع عدم إمكان الركوع
والسجود وهي صلاة الخوف ، وظاهر بعض الأخبار ايضا انه مع تعذر الإيماء ينتقل إلى
صلاة شدة الخوف وهي التسبيحات كما رواه في الفقيه قال : «وقد رخص في صلاة الخوف من السبع إذا خشيه الرجل
على نفسه ان
__________________
يكبر ولا يومي» رواه محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام). ولفظ الرواية وان كان بالتكبير إلا ان الظاهر كما
فهمه الأصحاب (رضوان الله عليهم) من روايات هذا المقام هو التسبيح كما تقدم مثله
في اخبار صلاة شدة الخوف من رواية أبي بصير وصحيحة محمد بن عذافر المصرحة بأن هذا
تقصير آخر ورواية عبد الله بن المغيرة المتقدم ذلك كله ، وبه عبر في المنتهى في
عبارته المتقدمة في سابق هذه المسألة من قوله : «جعل عوض كل ركعة تكبيرة وصورتها :
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر».
وظاهر رواية
عبد الرحمن بن ابى عبد الله المذكورة هنا هو تأخير الصلاة الى آخر وقتها رجاء
لزوال العذر.
وبه صرح الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي حيث قال : «إذا كنت راكبا وحضرت الصلاة وتخاف أن تنزل
من لص أو سبع أو غير ذلك فلتكن صلاتك على ظهر دابتك ، وتستقبل القبلة وتومئ إيماء
إن أمكنك الوقوف وإلا استقبل القبلة بالافتتاح ثم امض في طريقك الذي تريد حيث
توجهت بك راحلتك مشرقا ومغربا ، وتومئ للركوع ، والسجود اخفض من الركوع ، وليس لك
أن تفعل ذلك إلا في آخر الوقت».
وقال في آخر
الباب ايضا : وإذا تعرض لك سبع وخفت أن تفوت الصلاة فاستقبل القبلة
وصل صلاتك بالإيماء فإن خشيت السبع يعرض لك فدر معه كيفما دار وصل بالإيماء كيفما
يمكنك. انتهى.
ولم أقف على من
تعرض هنا لذلك من الأصحاب ، وهو مؤيد لما سلف نقله عن المرتضى (رضى الله عنه) من
وجوب التأخير إلى آخر الوقت على ذوي الأعذار. والله العالم.
المسألة
السادسة ـ قد صرح جملة من الأصحاب ـ بل الظاهر انه لا خلاف فيه ـ
__________________
بان الموتحل والغريق يصليان بحسب الإمكان فيقصران في الكيفية ، وأما الكمية
فلا تقصر إلا في سفر أو خوف.
اما الأول فعلل
بان ما لا يتعكن منه ليس بواجب ، قال في الذخيرة بعد نقل ذلك : والمستفاد من ذلك
عدم وجوب استيفاء الأفعال ، واما وجوب الإيماء بدله فيحتاج الى دليل آخر وكأنه
إجماعي ، والتوصل الى اليقين بالبراءة من التكليف الثابت انما يصحل به. انتهى.
أقول : حاصل
كلامه ان مقتضى التعليل المذكور سقوط ما لم يمكن الإتيان به من أفعال الصلاة ،
واما انه ينتقل من ذلك الفعل الى بدل آخر فلا دلالة للتعليل عليه إلا من حيث توقف
يقين البراءة على ذلك.
وفيه انه لما
كان المعهود من الشرع في غير موضع هو أنه مع تعذر الأفعال المعهودة في الصلاة
ينتقل منها إلى أشياء جعلها الشارع بدلا عنها مع تعذرها فالواجب هنا الجري على ذلك
، وتوضيحه ان الصلاة المأمور بها شرعا تقع على أنحاء عديدة ومراتب متفاوتة باعتبار
حال المكلف قوة وضعفا ، فكل ما أمكن منها في هذه المراتب أصالة أو بدلا وجب
الإتيان به وما لم يمكن يسقط ، ومن جملة ذلك الركوع والسجود فإنه مع تعذره ينتقل
منه الى الإيماء والقيام ينتقل منه الى القعود ثم الى الاضطجاع على ما تقدم تفصيله
في محله ، وهكذا «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ
بَصِيرَةٌ» .
واما الثاني
فعلل بان مقتضى الأصل وجوب الإتمام قام الدليل على وجوب التقصير في الكمية حال
السفر والخوف فوجب استثناؤه وبقي ما بقي ومنه محل البحث إلا ان شيخنا الشهيد في
الذكرى قال بعد ذكر الحكم المذكور : نعم لو خاف من إتمام الصلاة استيلاء الغرق
عليه ورجا عند قصر العدد سلامته وضاق الوقت فالظاهر انه يقصر العدد أيضا.
__________________
واستحسنه
الشهيد الثاني في الروض حيث قال بعد نقله : وهو حسن حيث انه يجوز له الترك فقصر
العدد أولى ، لكن في سقوط القضاء بذلك نظر لعدم النص على جواز القصر هنا ، ووجه
السقوط حصول الخوف في الجملة كما مر ، والحاصل ان علية مطلق الخوف توجب تطرق القصر
الى كل خائف ووجهه غير واضح إذ لا دليل عليه والوقوف مع النصوص عليه بالقصر أوضح.
انتهى.
قال في المدارك
: وما ذكره (قدسسره) من وجوب القضاء بعيد لانه لا يلائم ما استحسنه من جواز
قصر العدد ، إذ مقتضاه وجوب الإتيان بالصلاة المقصورة وإذا وجب الأداء سقط القضاء
، ومع ذلك فما استدل به على جواز القصر ضعيف جدا إذ لا يلزم من جواز ترك الصلاة
للعجز جواز قصرها على هذا الوجه. وبالجملة فاللازم من ما اعترف به من انتفاء دليل
القصر مساواة حكم التمكن من الركعتين لحكم التمكن من الركعة الواحدة خاصة في عدم وجوب
الإتيان بها منفردة. انتهى. ونسج على منواله صاحب الذخيرة أيضا كما هي قاعدته
غالبا.
أقول : ما ذكره
شيخنا الشهيد الثاني (قدسسره) هنا لا يخلو من قرب وان اعترضوا عليه بما ذكروه ، فان
مرجع كلامه إلى الأخذ بالاحتياط في المسألة حيث انها غير منصوصة والأدلة فيها من
الطرفين متدافعة ، لاحتمال دخولها تحت مسألة الخوف فيكون الحكم فيها هو التقصير
واحتمال قصر التقصير في صلاة الخوف على موارد النصوص وليس هذه منها فيجب القضاء
تماما بعد زوال العذر. ولا ريب ان هذا هو الأحوط في المقام.
والظاهر انه
لما ذكره في الذكرى عد المحقق في المعتبر الغرق في مسألة الخوف من السبع واللص
التي حكموا فيها بوجوب التقصير كمية وكيفية كما تقدم في عبارته ثم عده في مسألة
الموتحل التي قد صرح فيها بعدم قصر الكمية وإلا لزم التدافع بين كلاميه. والله
العالم بحقائق أحكامه ونوابه القائمون بمعالم حلاله وحرامه.
المقصد الرابع في صلاة المسافر
لا خلاف نصا
وفتوى في سقوط أخيرتي الرباعية في السفر الجامع للشرائط الآتية ، وكذا لا خلاف في
سقوط نافلتها إلا الوتيرة فان المشهور سقوطها والأظهر العدم ، وقد تقدم تحقيق
الكلام في ذلك في مقدمات هذا الكتاب.
روى الصدوق (عطر
الله مرقده) في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم انهما قالا : «قلنا لأبي جعفر عليهالسلام ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي وكم هي؟ فقال ان
الله عزوجل يقول «وَإِذا ضَرَبْتُمْ
فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ»
فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر. قالا قلنا إنما قال
الله عزوجل (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُناحٌ)» ولم يقل «افعلوا» فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في
الحضر؟ فقال عليهالسلام أو ليس قد قال الله عزوجل «إِنَّ الصَّفا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا
جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما»
ألا ترون أن الطواف بهما واجب مفروض لان الله عزوجل ذكره في كتابه وصنعه نبيه صلىاللهعليهوآله؟ وكذلك التقصير شيء صنعه النبي صلىاللهعليهوآله وذكره الله في كتابه. قالا قلنا فمن صلى في السفر أربعا
أيعيد أم لا؟ قال ان كان قد قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا أعاد وان
لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه. والصلاة كلها في السفر الفريضة
ركعتان كل صلاة إلا المغرب فإنها ثلاث ليس فيها تقصير تركها رسول الله صلىاللهعليهوآله في السفر والحضر ثلاث ركعات. وقد سافر رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى ذي خشب وهي مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان
أربعة وعشرون ميلا فقصر وأفطر فصارت سنة. وقد سمى رسول الله صلىاللهعليهوآله قوما صاموا حين أفطر «العصاة» قال فهم العصاة إلى يوم
القيامة وانا لنعرف أبناءهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا».
__________________
وروى الصدوق في
كتاب الخصال بسنده عن الأعمش عن الصادق عليهالسلام في حديث قال : «ومن لم يقصر في السفر لم تجز صلاته لانه
قد زاد في فرض الله عزوجل».
وروى في كتاب
ثواب الأعمال بسنده فيه عن على بن ابى طالب عليهالسلام قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله خياركم الذين إذا سافروا قصروا وأفطروا».
ومنه في الصحيح
عن محمد بن أحمد الأشعري رفعه الى ابى عبد الله عليهالسلام قال : «من صلى في سفره أربع ركعات متعمدا فأنا الى الله
عزوجل منه بريء». وفي المقنع مرسلا مثله ومثل الخبر السابق .
وروى ثقة
الإسلام عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما
شيء إلا المغرب فان بعدها أربع ركعات. الحديث».
وعن سماعة في
الموثق قال : «سألته عن الصلاة في السفر قال ركعتان ليس قبلهما
ولا بعدهما شيء إلا انه ينبغي للمسافر أن يصلى بعد المغرب أربع ركعات. الخبر».
وروى الشيخ في
الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن الصلاة تطوعا في السفر قال لا تصل قبل
الركعتين ولا بعدهما شيئا نهارا».
وعن حذيفة بن
منصور في الصحيح عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهماالسلام) انهما قالا : «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا
بعدهما شيء».
__________________
وعن أبي يحيى
الحناط قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن صلاة النافلة بالنهار في السفر قال يا بنى لو صلحت
النافلة في السفر تمت الفريضة».
وأما ما ورد في
شواذ الأخبار ـ من قضاء صلاة النهار في السفر بالليل ـ فحمله الشيخ
على محامل بعيدة والأقرب خروجه مخرج التقية .
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان البحث في هذا المقصد يقع في مطلبين الأول ـ في شروط هذه الصلاة وهي على
ما صرح به الأصحاب ستة إلا انها في التحقيق ـ وبه نطقت النصوص ـ سبعة.
الأول ـ اعتبار
المسافة والكلام هنا يقع في مقامين الأول : أجمع العلماء من الخاصة والعامة على ان
المسافة شرط في التقصير وانما الخلاف في قدرها ، فذهب علماؤنا أجمع (رضوان الله
عليهم) الى ان القصر انما يجب في مسيرة يوم تام بريدين ثمانية فراسخ أربعة وعشرون
ميلا ، حكى إجماعهم على ذلك المحقق في المعتبر وغيره في غيره.
ويدل عليه من
الأخبار صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة وما رواه
__________________
الشيخ في الصحيح عن أبي أيوب عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن التقصير فقال في بريدين أو بياض يوم».
وعن على بن
يقطين في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام الأول عن الرجل يخرج في سفره وهو مسيرة يوم قال يجب
عليه التقصير إذا كان مسيرة يوم وان كان يدور في عمله».
وعن ابى بصير
في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام في كم يقصر الرجل؟ قال في بياض يوم أو بريدين».
وعن عبد الله
بن يحيى الكاهلي في الحسن قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول في التقصير في الصلاة قال بريد في بريد أربعة
وعشرون ميلا».
وعن سماعة في
الموثق قال : «سألته عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟ قال في
مسيرة يوم وذلك بريدان وهما ثمانية فراسخ. الحديث».
وعن عيص بن
القاسم في الحسن أو الموثق عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «في التقصير حده أربعة وعشرون ميلا».
وروى الصدوق
بسند معتبر عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليهالسلام قال «وانما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك
ولا أكثر لأن ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة والقوافل والأثقال فوجب التقصير في
مسيرة يوم. قال : ولو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة ألف سنة وذلك لأن كل
يوم يكون بعد هذا اليوم فإنما هو نظير هذا اليوم فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب
في نظيره».
وأما ما رواه
الصدوق في الصحيح عن زكريا بن آدم ـ «انه سأل أبا الحسن الرضا عليهالسلام عن التقصير في كم يقصر الرجل إذا كان في ضياع أهل بيته
وامره جائز فيها يسير في الضياع يومين وليلتين وثلاثة أيام ولياليهن؟ فكتب :
التقصير في مسيرة يوم وليلة».
وما رواه الشيخ
في التهذيب في الصحيح عن احمد بن محمد بن ابى نصر عن
__________________
ابى الحسن الرضا عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يريد السفر في كم يقصر؟ قال في ثلاثة
برد».
وعن ابى بصير
عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «لا بأس للمسافر ان يتم في السفر مسيرة يومين». ـ
فالظاهر حملها
على التقية كما أجاب به الشيخ عن الخبرين الأخيرين حيث قال انهما غير معمول عليهما
لموافقتهما العامة. وهكذا ينبغي أن يقال في الخبر الأول.
ولا بأس
بالإشارة هنا إلى أقوال العامة في اعتبار المسافة وعدمها وقدرها كما ذكره بعض
مشايخنا المحدثين من متأخري المتأخرين.
فنقول : اعلم
ان بعضا منهم لم يشترط مسافة مخصوصة بل ذهب الى انه متى صدق عليه اسم المسافر فله
القصر ، ونقل ذلك عن داود ومحمد بن لحسن. والمشهور اعتبار المسافة لكن اختلفوا في
قدرها فنقلوا عن دحية الكلبي انها فرسخ ، ونقل عن بعض قدمائهم انها روحة أي ثمانية
فراسخ ، وعن آخر انها يوم وليلة ، وعن بعض مسيرة ثلاثة أيام ، ونسب هذا الى ابى
حنيفة وجماعة وستأتي هذه الأقوال الثلاثة في مرسلة محمد بن يحيى
الخزاز ، ومن هنا يعلم ان ما دل عليه صحيح زكريا بن آدم المذكور من التقدير بيوم
وليلة موافق لبعض أقوالهم كما عرفت. وعن جمع منهم أنها ثلاثة برد يعني اثنى عشر
فرسخا ومنه يعلم ان ما تضمنه صحيح البزنطي من تفسيرها بذلك فإنه موافق لهذا
القول. وعن جملة منهم الشافعي ومالك كونها مسيرة يومين عبارة عن ستة عشر فرسخا ومنه يعلم ان ما اشتملت عليه رواية أبي بصير من تحديدها
بيومين فإنها خرجت مخرج هذا القول.
إذا عرفت ذلك
فتحقيق الكلام في هذا المقام يتوقف على بسطه في موارد : أولها ـ قد عرفت ان
المسافة الموجبة للتقصير ثمانية فراسخ ، والفرسخ عندهم ثلاثة
__________________
أميال والميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد الذي طوله أربعة وعشرون إصبعا
والإصبع سبع شعيرات عرضا وقيل ست والشعيرة سبع شعرات من شعر البرذون.
اما ان الفرسخ
ثلاثة أميال فهو اتفاقي بينهم وعليه تدل الأخبار ، واما ان الميل أربعة آلاف ذراع
فهو المشهور في كلامهم من غير خلاف يعرف.
قالوا : وفي
كلام أهل اللغة دلالة عليه حيث قال في القاموس : الميل قدر مد البصر ومنار يبنى
للمسافر أو مسافة من الأرض متراخية بلا حد أو مائة ألف إصبع إلا أربعة آلاف إصبع
أو ثلاثة أو أربعة آلاف ذراع بحسب اختلافهم في الفرسخ هل هو تسعة آلاف بذراع
القدماء أو اثنا عشر ألفا بذراع المحدثين. انتهى.
وقال احمد بن
محمد الفيومي في كتاب المصباح المنير : الميل بالكسر في كلام العرب مقدار مد البصر
من الأرض قاله الأزهري ، والميل عند القدماء من أهل الهيئة ثلاثة آلاف ذراع وعند
المحدثين أربعة آلاف ذراع ، والخلاف لفظي فإنهم اتفقوا على ان مقداره ست وتسعون
ألف إصبع ، والإصبع سبع شعيرات بطن كل واحدة إلى ظهر الأخرى» ولكن القدماء
يقولون الذراع اثنتان وثلاثون إصبعا والمحدثون يقولون اربع وعشرون إصبعا ، فإذا
قسم الميل على رأى القدماء كل ذراع اثنين وثلاثين كان المتحصل ثلاثة آلاف ذراع ،
وان قسم على رأى المحدثين أربعا وعشرين كان المتحصل أربعة آلاف ذراع ، والفرسخ عند
الكل ثلاثة أميال. انتهى.
أقول : ومن هذا
الكلام يمكن أن يستنبط وجه جمع بين التقدير المشهور بالأربعة آلاف ذراع وبين ما
يأتي في رواية الكليني من ثلاثة آلاف وخمسمائة بأن يكون الاختلاف مبنيا على اختلاف
الأذرع.
وقال السيد
السند في المدارك : أما الميل فلم نقف في تقديره على رواية من طرق الأصحاب سوى ما
رواه ابن بابويه مرسلا عن الصادق عليهالسلام انه ألف وخمسمائة ذراع. وهو متروك. انتهى. والظاهر انه
من هنا قال المحقق في الشرائع
__________________
أربعة آلاف ذراع بذراع اليد الذي طوله أربعة وعشرون إصبعا تعويلا على
المشهور بين الناس ، أو مد البصر من الأرض.
أقول : روى ثقة
الإسلام في الكافي في الصحيح عن ابن ابى عمير عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سئل عن حد الأميال التي يجب فيها التقصير فقال
أبو عبد الله عليهالسلام ان رسول الله صلىاللهعليهوآله جعل حد الأميال من ظل عير الى ظل وعير ، وهما جبلان
بالمدينة ، فإذا طلعت الشمس وقع ظل عير الى ظل وعير وهو الميل الذي وضع رسول الله صلىاللهعليهوآله عليه التقصير».
وروى في الكتاب
المذكور ايضا عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن يحيى الخزاز عن بعض
أصحابنا عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «بينا نحن جلوس وابى عند وال لبني أمية على
المدينة إذ جاء ابى فجلس فقال كنت عند هذا قبيل فسألهم عن التقصير فقال قائل منهم
في ثلاث وقال قائل منهم في يوم وليلة وقال قائل منهم روحة فسألني فقلت له ان رسول
الله صلىاللهعليهوآله لما نزل عليه جبرئيل بالتقصير قال له النبي صلىاللهعليهوآله في كم ذاك؟ قال في بريد. قال وأي شيء البريد؟ قال ما
بين ظل عير إلى فيء وعير. قال ثم عبرنا زمانا ثم رأى بنو أمية يعملون اعلاما على
الطريق وأنهم ذكروا ما تكلم به أبو جعفر عليهالسلام فذرعوا ما بين ظل عير إلى فيء وعير ثم جزاؤه على اثنى
عشر ميلا فكانت ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع كل ميل فوضعوا الأعلام ، فلما ظهر بنو
هاشم غيروا أمر بنى أمية غيرة لان الحديث هاشمي فوضعوا الى جنب كل علم علما».
وهذا الخبر كما
ترى واضح الدلالة على ان الميل شرعا عبارة عن ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع ، والعجب
من غفلة السيد (قدسسره) عنه.
قال المحدث
الكاشاني في الوافي بعد نقل هذا الخبر أو لا ثم نقل حديث الفقيه ثانيا ما صورته :
تقدير الميل في هذا الحديث بألف وخمسمائة ذراع ينافي
__________________
تقديره في الحديث السابق بثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع مع ان القصة واحدة فقد
تطرق السهو الى أحد الحديثين ، والظاهر ان السهو في الثاني لأن الأول أقرب الى ما
هو المشهور في تقديره بين الأصحاب وهو الأربعة آلاف ذراع والى ما قدره به أهل
اللغة. إلى آخر كلامه زيد في إكرامه.
أقول : والخبر
المذكور في الفقيه بهذه الصورة «قال الصادق عليهالسلام ان رسول الله صلىاللهعليهوآله لما نزل عليه جبرئيل بالتقصير قال له النبي صلىاللهعليهوآله في كم ذلك؟ فقال في بريد. قال وكم البريد؟ قال ما بين
ظل عير إلى فيء وعير. فذرعته بنو أمية ثم جزاؤه على اثنى عشر ميلا فكان كل ميل
ألفا وخمسمائة ذراع وهو أربعة فراسخ».
ثم انه من ما
يؤيد ما ذكره في الوافي من تطرق السهو الى حديث الفقيه ما هو محسوس من البعد ما بين
ظل الجبلين ، فإنه أزيد من فرسخ ونصف بكثير ، على انه لا بعد في مثل هذا السقوط
فقد تقدم التنبيه على أمثال ذلك في كثير من المواضع.
وأما تقدير
الإصبع بسبع شعيرات والشعيرة بسبع شعرات فهو مأخوذ من كلام بعض أهل اللغة. إلا ان
الظاهر ان أمثال هذه الأمور في الشرع تقريبية لا تتوقف على هذه التدقيقات فان
الذراع معروف بين عامة الناس ، نعم لا بد من البناء على مستوي الخلقة كما جروا
عليه في غير موضع من الأحكام إذ هو الفرد الذي يحمل عليه الإطلاق.
وثانيها ـ المستفاد
من الأخبار المتقدمة ان المسافة تعلم بأمرين (أحدهما) مسير يوم ، و (ثانيهما)
الأذرع.
والمراد باليوم
على ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) يوم الصوم ، ويدل عليه ما تقدم في صحيحة
أبي أيوب من قوله عليهالسلام «في بريدين أو بياض يوم» ونحوه قوله في صحيحة أبي بصير أيضا «في بياض يوم
أو بريدين»
والمراد بالسير
فيه ما هو المتعارف الغالب من سير الإبل القطار وسير عامة
__________________
الناس فإنه الذي يحمل عليه الإطلاق مضافا الى ما صرحت به الأخبار :
ومنها ـ ما
تقدم في رواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليهالسلام من قوله «لأن ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة والقوافل
والأثقال».
ومنها ـ قول
الصادق عليهالسلام في حسنة الكاهلي المتقدمة زيادة على ما قدمناه منها «ثم قال ابن ابى كان يقول ان
التقصير لم يوضع على البغلة السفواء والدابة الناجية وانما وضع على سير القطار». أقول
: قال الجوهري يقال بغلة سفواء بالسين المهملة خفيفة سريعة وقال أيضا : الناجية
الناقة السريعة ينجو من ركبها.
وفي رواية عبد
الرحمن بن الحجاج قال : «قلت له كم ادنى ما تقصر فيه الصلاة؟ فقال جرت
السنة ببياض يوم. فقلت له ان بياض يوم يختلف فيسير الرجل خمسة عشر فرسخا في يوم
ويسير الآخر أربعة فراسخ في يوم؟ فقال انه ليس الى ذلك ينظر اما رأيت سير هذه
الأثقال بين مكة والمدينة؟ ثم أومأ بيده أربعة وعشرين ميلا يكون ثمانية فراسخ».
وبما دلت عليه
هذه الاخبار قد صرح أيضا أصحابنا (رضوان الله عليهم من غير خلاف يعرف.
واعتبر
الشهيدان اعتدال الوقت والسير والمكان ، قال في المدارك : وهو جيد بالنسبة إلى
الوقت والسير ، اما المكان فيحتمل قويا عدم اعتبار ذلك فيه لإطلاق النص وان اختلفت
كمية المسافة في السهولة والحزونة. انتهى.
أقول : ما ذكره
من الاحتمال لإطلاق النص مع اعترافه باختلاف كمية المسافة في السهولة والحزونة
يجري في الوقت أيضا ، فإن النصوص مطلقة شاملة بإطلاقها لجميع الأوقات ، فقصير
النهار وطويله من ما تختلف به الكمية أيضا ، فلا وجه لتسليمه لهما ذلك في الوقت
ومناقشته في المكان. وبالجملة فإن غاية ما يستفاد من النصوص هو اعتدال السير كما
عرفت وما عداه فلا ، فان حمل إطلاق النصوص على الحد الأوسط
__________________
بين طرفي الزيادة والنقصان والإفراط والتفريط ليكون ضابطا كليا لا يختلف
بالزيادة والنقصان ففي الجميع وإلا فلا معنى لتسليم ذلك في فرد والمناقشة في
الآخر. والى ما ذكرنا يشير كلام جده في الروض حيث قال : ولما كان ذلك يختلف
باختلاف الأرض والأزمنة والسير حمل على الوسط في الثلاثة. انتهى. وهو جيد
وثالثها ـ لا
خلاف ولا إشكال في الاكتفاء بالسير كما تكاثرت به الأخبار ، وكذا لا إشكال في ما
لو اعتبرت المسافة بالتقدير فوافق السير.
إنما الإشكال
في ما لو اختلفا فهل يتخير في العمل على أيهما كان ولزوم القصر ببلوغ المسافة
بأحدهما أو انه يقدم السير لأنه أضبط أو يقدم التقدير؟ احتمالات استظهر أولها في
المدارك ، والظاهر ان وجهه ورود النصوص بكل منهما.
واحتمل في
الروض تقديم السيرة ، قال : لأن دلالة النص عليه أقوى إذ ليس لاعتبارها بالأذرع
على الوجه المذكور نص صريح بل ربما اختلفت فيه الأخبار وكلام الأصحاب ، وقد صنف
السيد السعيد جمال الدين احمد بن طاوس كتابا مفردا في تقدير الفراسخ وحاصله لا
يوافق المشهور ، ولأن الأصل الذي اعتمد عليه المصنف وجماعة في تقدير الفرسخ يرجع
الى اليوم ، لأنه استدل عليه في التذكرة بأن المسافة تعتبر بمسير اليوم للإبل
السير العام وهو يناسب ذلك. انتهى. ويظهر من الذكرى تقديم التقدير ولعله لانه
تحقيق والآخر تقريب.
أقول : لا ريب
ان الاعتبار بكل منهما جيد بالنظر الى دلالة النصوص المتقدمة عليهما ، إلا ان
الإشكال في التقدير من حيث الاختلاف في تفسير الفرسخ كما عرفت من اضطراب كلامهم في
الميل ، والرجوع الى الاحتياط بالجمع بين القصر والإتمام في موضع الاشتباه طريق
السلامة. والله العالم.
ورابعها ـ قد
صرح غير واحد من الأصحاب رضوان الله عليهم ان مبدأ التقدير من آخر خطة البلد في
المعتدل وآخر محلته في المتسع. ولم أقف له على دليل. وقيل مبدأ التقدير مبدأ سيره
بقصد السفر.
وخامسها ـ قال
في الذكرى : لو قصد مسافة في زمان يخرج به عن اسم المسافر كالسنة فالأقرب عدم
القصر لزوال التسمية. ومن هذا الباب لو قارب المسافر بلده فتعمد ترك الدخول اليه
للترخص ولبث في قرى تقاربه مدة يخرج بها عن اسم المسافر. ولم أقف في هذين الموضعين
على كلام لأصحاب وظاهر النظر يقتضي عدم الترخص.
قال في المدارك
بعد نقل ذلك : هذا كلامه (قدسسره) ويمكن المناقشة في عدم الترخص في الصورة الثانية بأن
السفر بعد استمراره الى انتهاء المسافة فإنما ينقطع بأحد القواطع المقررة من نية
الإقامة أو التردد ثلاثين يوما أو الوصول الى الوطن وبدونه يجب البقاء على حكم
القصر. أما ما ذكروه من عدم الترخص في الصورة الأولى فجيد لان التقصير انما يثبت
في السفر الجامع لشرائط القصر فمتى انتفى السفر أو أحد شرائطه قبل انتهاء المسافة
انتفى التقصير. انتهى.
أقول : حاصل
كلام السيد (قدسسره) يرجع الى منع دخول هذه الصورة المفروضة في كلامه تحت
القاعدة التي قدمها في صدر الكلام ، حيث انه سلم له ما ذكره في تلك القاعدة وناقش
في الصورة المذكورة بزعم انها ليست من قبيل ما ذكره أولا ، لحصول الاستمرار على
قصد السفر الى انتهاء المسافة في هذه الصورة فلا ينقطع إلا بأحد القواطع المقررة
بخلاف ما قدمه من القاعدة للخروج عن اسم المسافر بهذا القصد الذي قصده.
وأنت خبير بأنه
يمكن الجواب بان ما ذكره ـ من أن السفر بعد استمراره الى انتهاء المسافة فإنما
ينقطع بأحد القواطع المذكورة ـ جيد بالنسبة إلى السفر المتعارف المتكرر ، أما
بالنسبة الى هذا الفرد النادر ـ وهو انه بعد قربه من البلد ترك الدخول فيه لقصد
بقائه على التقصير وبقي مترددا في تلك القرى على وجه يخرج به عن كونه مسافرا ـ فان
دخوله تحت حكم المسافر الذي ذكره بعيد ، فإنه وان وجب عليه التقصير في مدة سفره
إلا انه بعد أن قصد هذا القصد الآخر بتأخره عن الدخول
وتردده في تلك القرى على وجه يخرج عن كونه مسافرا فلا يبعد أن يكون حكمه
حينئذ هو التمام كما ذكره شيخنا المذكور ويكون هذا من قبيل القواطع الثلاثة
المذكورة ، ولا فرق بين هذا الفرد المذكور وبين ما ذكره أولا إلا باعتبار ان الأول
قصد التطويل في المسافة بزمان يخرج به عن اسم المسافر في أول الأمر وهذا انما تجدد
له هذا القصد بعد أن حصلت المسافة ووجب التقصير عليه مدة سفره ، فالواجب على الأول
التمام من أول الأمر لأن قصده الذي قصده من أول الأمر موجب لخروجه عن اسم المسافر
فلا يكون حكمه التقصير ، والواجب على الثاني هو التقصير مدة سفره وأما بعد تجدد
هذا القصد الأخير على الوجه المذكور فإنه لخروجه به عن اسم المسافر يزول عنه حكم
التقصير ويجب عليه الإتمام. والظاهر ان بناء كلام شيخنا المذكور (قدسسره) على ما ذكرناه وإلا فهو لا يخفى عليه ان السفر بعد
ثبوته لا ينقطع إلا بأحد القواطع الثلاثة المذكورة ، ولكن هذا قد خرج عن كونه
مسافرا بما قصده وفعله فلا يدخل تحت المسافر المتصف بالسفر المعروف المتكرر الذي
وردت فيه الأخبار بأنه لا ينقطع سفره إلا بأحد القواطع. والله العالم.
وسادسها ـ قال
في المنتهى : لو كان مسافرا في البحر كان حكمه حكم المسافر في البر من اعتبار
المسافة سواء قطعها في زمان طويل أو قصير ، لا نعرف فيه خلافا. انتهى.
وهو كذلك لأن
وجوب التقصير ترتب على قصد المسافة التي قد ورد اعتبارها بالتقدير المتقدم ذكره
وهي ثمانية فراسخ ، وحينئذ فمتى قصد هذه المسافة في بر أو بحر فلا فرق بين ان
يقطعها في ساعة أو يوم أو أكثر ما لم يتطاول الزمان على الوجه المتقدم في سابق هذا
المورد. ومثل السفر في البحر السفر في البر من البريد الحثيث كما هو معمول الآن في
بلاد العجم بحيث يقطع مسير اليوم في ربع نهار أو أقل
وسابعها ـ قال
في المدارك : انما يجب التقصير مع العلم ببلوغ المسافة بالاعتبار
أو الشياع أو شهادة العدلين ومع انتفاء الأمرين يجب الإتمام. وفي وجوب
الاعتبار مع الشك إشكال منشأه أصالة البراءة وتوقف الواجب عليه. ولو سافر مع الجهل
ببلوغ المسافة ثم ظهر ان المقصد مسافة وجب التقصير حينئذ وان قصر الباقي عن مسافة
، ولا يجب عليه اعادة ما صلاة تماما قبل ذلك لأنها صلاته المأمور بها فكانت مجزئة.
انتهى.
أقول : أما ما
ذكره ـ من توقف وجوب التقصير على العلم ببلوغ المسافة بأحد الوجهين ومع عدمه يجب
الإتمام ـ فهو من ما لا ريب فيه ولا إشكال ، لأن العلم ببلوغ المسافة شرط في وجوب
التقصير كما عرفت والمشروط عدم عند عدم شرطه. والحكم المذكور مقطوع به في كلام
الأصحاب.
وبذلك يظهر ان
ما أطال به في الذخيرة ـ من الاستدلال على ذلك بما ذكره ثم المناقشة في ذلك ـ من
ما لا طائل تحته ، على انها لا تقصر عن التأييد لما ذكرناه ، ومنها قول ابى جعفر عليهالسلام في صحيح زرارة «لا تنقض اليقين بالشك ابدا». بناء على ان الحكم الثابت أصالة هو الإتمام
والقصر مشكوك فيه مع الجهل ببلوغ المسافة أو الشك فيها للشك في سببه وهو واضح. وما
ذكره ـ من ان الاستدلال بالخبر المذكور لا يصفو عن المنازعة ـ لا أعرف له وجها بعد
ما عرفت.
وأما ما ذكره
في المدارك ـ من الإشكال في وجوب الاعتبار مع الشك ـ فهو في محله.
وأما ما ذكره ـ
من انه لو سافر مع الجهل ببلوغ المسافة ثم ظهر ان المقصد مسافة فإنه يجب التقصير
حينئذ وان قصر الباقي عن مسافة ـ فهو عندي محل اشكال وان كان قد تقدمه في ذلك
الشهيد في الذكرى ، لان من جملة الشروط ـ كما سيأتي ان شاء الله تعالى ـ قصد
المسافة وهو السفر الشرعي وهذا في حال خروجه والحال هذه لم يحصل له هذا القصد ،
ولهذا ان فرضه التمام وقد صلى تماما بناء على ذلك فهو
__________________
حاضر غير مسافر ، وقصد السفر بعد ظهور كون المقصد مسافة مع نقصان الباقي عن
المسافة غير مجد ولا مسوغ للقصر لعدم المسافة في الباقي ، والبناء على ما مضى مع
عدم نية قصد المسافة فيه مشكل كما عرفت. وما نحن فيه في الحقيقة مثل طالب الآبق
والحاجة الذي سار مسافة أو أقل من غير قصد المسافة ثم ظهر له ان حاجته في مكان يقصر
عن المسافة الشرعية ، فإنه لا ريب ولا إشكال في انه يتم في سفره المذكور بعد خروجه
وبعد ظهور كون حاجته في محل كذا من ما يقصر عن المسافة ، ولا يضم ما تقدم الى هذه
المسافة الباقية ويجب عليه التقصير حينئذ بل الواجب عليه هو الإتمام. نعم متى أراد
الرجوع فان الواجب عليه التقصير ان بلغ المسافة وهو شيء آخر. وبالجملة فإن ما
ذكره هنا غير خال عندي من الاشكال.
ثم ان ظاهره في
الذخيرة المناقشة في شهادة العدلين في هذا المقام مدعيا انه لا يعلم نصا يدل على
ان شهادة العدلين متبعة كلية.
وفيه انه وان
كان ما ذكره ـ من عدم وجود نص دال على وجوب العمل بشهادة العدلين في كل أمر ـ كذلك
إلا ان جملة من النصوص المعتبرة كما قدمناه في باب التطهير من النجاسات من كتاب
الطهارة قد دلت على العمل بخبر العدل الواحد بل انه مفيد للعلم وان لم يسم ذلك
شهادة ، وحينئذ لا ريب في قبول خبر العدلين هنا ولا اشكال
وثامنها ـ قال
في الذكرى : لو كان لبلد طريقان أحدهما خاصة مسافة فسلك الأقرب أتم وان سلك الأبعد
لعلة غير الترخص قصر ، وان كان للترخص لا غير فالأقرب التقصير للإباحة ، وقال ابن
البراج يتم لأنه كاللاهي بصيده. ولو رجع قاصد الأقرب بالأبعد قصر في رجوعه لا غير.
ولو رجع قاصد الأبعد بالأقرب قصر في ذهابه وإيابه. انتهى.
أقول : الظاهر
ضعف ما ذكره ابن البراج لأن السفر بقصد الترخص غير محرم بل هو مباح ، وقياسه على
اللاهي بصيده قياس مع الفارق مع ان القياس غير صحيح في مذهبنا ، وحينئذ فيجب عليه
التقصير.
واما ما ذكره
في الذكرى ـ من ان قاصد الأقرب متى رجع بالأبعد فإنه يتم في ذهابه ويقصر في رجوعه
خاصة ـ فهو مبنى على ما هو المشهور بينهم من عدم ضم الذهاب إلى الإياب إلا في قصد
الأربعة. وفيه ما سيأتي ان شاء الله تعالى في موضعه من أنه لا دليل عليه غير مجرد
الشهرة بينهم.
وتاسعها ـ قال
في الذخيرة : لو تردد يوما في ثلاثة فراسخ ذاهبا وجائيا ، فإن بلغ في الرجوع الى
موضع سماع الأذان ومشاهدة الجدران فالظاهر انه لا خلاف في عدم القصر ، وان لم يبلغ
فالمقطوع به في كلام أكثر الأصحاب انه لم يجز القصر وخالف فيه المصنف في التحرير ،
واستدل على الأول بوجهين : (أحدهما) ان من هذا شأنه ينقطع سفره بالرجوع وان كان في
رجوعه لم ينته الى الحد المذكور وإلا لزم القصر لو تردد في ثمانية فراسخ خمس مرات وبان مقتضى الأصل لزوم الإتمام خرج منه قاصد الثمانية
والأربعة التي لا تكون ملفقة من الذهاب والإياب لأنه المتبادر من اللفظ فيبقى
الباقي على الأصل. وللتأمل في الوجهين طريق. انتهى.
أقول : الظاهر
ان ما ذكره من هذا التفصيل والاستدلال في المقام وما وقع له فيه من النقض والإبرام
من متفرداته (قدسسره) وتخريجاته ، ومقتضى ما صرح به الأصحاب هنا كالعلامة في
المنتهى والشهيد في الذكرى هو ان التردد في ثلاثة فراسخ ذاهبا وجائيا غير موجب
للقصر ثلاث مرات وأزيد بلغ محل الترخص أم لم يبلغ لعدم صدق المسافر عليه ، وهو
التحقيق في المقام الذي لا يعتريه نقض ولا إبرام ، لأن وجوب التقصير تابع لصدق
السفر مع استكمال شروطه. ومثل هذا لا يسمى مسافرا عرفا ولا شرعا.
قال في المنتهى
: لو كانت المسافة ثلاثة فراسخ وتردد فيها ثلاث مرات لم
__________________
يقصر ، لأنه بالعود انقطع سفره ، ولعدم الدليل على القصر مع وجود المقتضى
لشغل الذمة.
وقال في الذكرى
: ولو كان القصد زيادة على الأربعة فكالأربعة ، ولو نقص كالثلاثة يتردد فيها ثلاث
مرات لم يترخص لخروجه عن اسم المسافر وإلا لزم تقصير المتردد في أقل من ميل وهو
باطل. انتهى.
والجميع كما
ترى ظاهر في ما قلناه واضح في ما نقلناه ، وبه يظهر ان ما ذكره مجرد توهم وخيال
ضعيف ، فان ظهور عدم صدق المسافر على مثل هذا لا يمكن إنكاره عرفا ولا شرعا. والله
العالم.
وعاشرها ـ لو
تعارضت البينتان في المسافة بالنفي والإثبات ، قال في الذكرى : الأقرب العمل ببينة
الإثبات لأن شهادة النفي غير مسموعة. وقال في المعتبر : أخذ بالمثبتة وقصر.
قال في المدارك
بعد ذكر كلام المعتبر : وهو جيد مع إطلاق البينتين أما لو كان النفي متضمنا
للإثبات كدعوى الاعتبار وتبين القصور فالمتجه تقديم بينة النفي لاعتضادها بأصالة
التمام.
أقول : لا يخفى
ما في الاعتضاد هنا بأصالة التمام من الإشكال لقيام البينة المثبتة للمسافة التي
بالنظر إليها يجب التقصير شرعا والخروج عن هذا الأصل. والحق ان المسألة لا تخلو من
الإشكال إلا أن يقال بالرجوع الى الترجيح بين البينتين قال في الذكرى : ولا يكفي
إخبار الواحد بها ، ويحتمل الاكتفاء به إذا كان عدلا جعلا لذلك من باب الرواية لا
من باب الشهادة.
أقول : ما ذكره
من الاحتمال جيد لما أشرنا إليه قريبا من دلالة الأخبار على قبول قول الثقة وانه
مفيد للعلم الشرعي.
ثم قال في
الذكرى : فعلى هذا لو سافر اثنان أحدهما يعتقد المسافة والآخر لا يعتقدها فالظاهر
ان لكل منهما أن يقتدى بالآخر لصحة صلاته بالنسبة إليه.
وقال في
المدارك بعد ذكر التعارض بين البينتين : ويتعلق بكل من البينتين حكم ما يعتقده
فيقصر المثبت ويتم النافي ، وفي جواز اقتداء أحدهما بالآخر وجهان من حكم كل منهما
بخطإ الآخر ، ومن ان كلا من الصلاتين محكوم بصحتها شرعا لإتيان كل منهما بما هو
فرضه فينتفى المانع من الاقتداء ، ورجح الشهيدان الجواز وهو حسن لكنهما منعا من
الاقتداء مع المخالفة في الفروع ، والفرق بين المسألتين مشكل. انتهى.
أقول : قد
قدمنا في بحث القبلة من التحقيق في هذا المقام ما يندفع به هذا الإشكال الذي ذكره (قدسسره) ومرجعه الى الفرق بين الأحكام الشرعية وموضوعاتها
فيمتنع الاقتداء على الأول دون الثاني.
وأقول هنا :
انه لا يخفى ان ما ذكروه من جواز الاقتداء في الصورة المذكورة ان أريد به الاقتداء
في مجموع الصلاة ـ بحيث ان من فرضه منهما التمام يصلى قصرا وبالعكس كما هو الظاهر
من كلامهم ، وقوله في الذكرى لأنها صحيحة بالنسبة اليه. وقوله في المدارك ان كلا
من الصلاتين محكوم بصحتها شرعا. الى آخره ـ فالظاهر عدمه لأنها وان صحت من هذه
الجهة التي ذكرها إلا ان هذا مكلف شرعا بالعمل بعلمه وما أدى اليه اعتقاده ، فلو
تابع الإمام في صلاته قصرا أو تماما والحال ان اعتقاده خلاف اعتقاد الامام فقد
خالف ما هو تكليفه شرعا ومأمور به من جهته سبحانه فكيف يجزئ عنه ، وان أريد به
الاقتداء في ما يتفق معه فيه كاقتداء المسافر بالحاضر وبالعكس فالظاهر انه لا بأس
به لما ذكروه من التعليل ، ولان هذا من باب موضوعات الأحكام الشرعية التي قد أشرنا
إلى انه يجوز الاقتداء فيها مع الاختلاف من حيث ان صلاته صحيحة شرعية ، ونحن انما
منعنا من الاقتداء في الفرض الأول من حيث مخالفته لما هو مكلف به شرعا لا من حيث
حكمنا ببطلان صلاة الامام ، والفرق بحمد الله سبحانه ظاهر. فاشرب بكأس هذا التحقيق
الذي هو بان يكتب بالنور على وجنات الحور جدير وحقيق ، ولا تكاد تجد مثل
هذه التحقيقات في غير كتبنا وزبرنا. ولله سبحانه الحمد والمنة والله الهادي
لمن يشاء.
المقام الثاني
ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو كانت المسافة أربعة فراسخ فصاعدا الى
ما دون الثمانية على أقوال :
أحدها ـ وهو
المشهور سيما بين المتأخرين وبه صرح المرتضى وابن إدريس ـ انه يجب التقصير إذا
أراد الرجوع ليومه والمنع من التقصير ان لم يرد الرجوع ليومه
وثانيها ـ ما
ذهب اليه الصدوق (قدسسره) في الفقيه قال : إذا كان سفره أربعة فراسخ وأراد
الرجوع من يومه فالتقصير عليه واجب وان كان سفره أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع من
يومه فهو بالخيار ان شاء أتم وان شاء قصر. ونحوه قال الشيخ المفيد ، ونقله الأصحاب
عن والد الصدوق ايضا وسلار ، وبه صرح الشيخ في النهاية إلا انه منع من التقصير في
الصوم ، فصار هذا قولا ثالثا.
وما ذهبوا اليه
ظاهر في وجوب التقصير مع الرجوع ليومه كما هو المشهور والتخيير في ما لم يرد
الرجوع ليومه خلافا للمشهور حيث أوجبوا التمام هنا حتما ، فهذا القول يوافق
المشهور من جهة ويخالفه من اخرى.
وينبغي أن يعلم
ان مرادهم بقولهم في صورة التخيير «ومن لم يرد الرجوع من يومه» انه أعم من أن لم
يرد الرجوع بالكلية فالنفي متوجه الى القيد والمقيد ، أو أراد الرجوع ولكن في غير
ذلك اليوم فالنفي متوجه الى القيد خاصة. وما ربما يتوهم من التخصيص بالصورة
الثانية غلط محض كما لا يخفى على المتأمل.
وثالثها ـ ما
ذهب إليه في النهاية من ما قدمنا الإشارة اليه.
ورابعها ـ ما
نقله شيخنا الشهيد في الذكرى عن الشيخ في التهذيب والمبسوط وابن بابويه في كتابه
الكبير وقواه من التخيير في قصد الأربعة بشرط الرجوع ليومه قال في الذكرى : واعلم
ان الشيخ في التهذيب ذهب الى التخيير لو قصد أربعة فراسخ وأراد الرجوع ليومه ،
وكذا في المبسوط وذكره ابن بابويه في كتابه الكبير ، وهو قوي لكثرة الأخبار
الصحيحة بالتحديد بأربعة فراسخ فلا أقل من الجواز.
أقول : عبارة
الشيخ في التهذيب هكذا : ان المسافر إذا أراد الرجوع من يومه فقد وجب عليه التقصير
في أربعة فراسخ. ثم قال : ان الذي نقوله في ذلك انه انما يجب التقصير إذا كان
مقدار المسافة ثمانية فراسخ وإذا كان أربعة فراسخ كان بالخيار في ذلك ان شاء أتم
وان شاء قصر.
وأنت خبير بان
ظاهر هذه العبارة العدول عن القول الأول الموافق للمشهور الى ان مجرد قصد الأربعة
موجب للتخيير أراد الرجوع ليومه أم لا ، وحينئذ فما نقله عنه هنا من قوله بالتخيير
بشرط الرجوع ليومه ان أراد من حيث عموم كلامه وشموله لهذا الفرد فهو مسلم إلا انه
بعيد عن ظاهر عبارته ، وان أراد تخصيص عبارته بما ذكره فهو خلاف ظاهر كلام الشيخ
كما عرفت.
واما عبارته في
المبسوط فهي أيضا لا تساعد ما ادعاه حيث ان عبارة المبسوط هكذا : حد المسافة التي
يجب فيها التقصير ثمانية فراسخ أربعة وعشرون ميلا ، فان كانت أربعة فراسخ وأراد
الرجوع من يومه وجب ايضا التقصير وان لم يرد الرجوع من يومه كان مخيرا بين التقصير
والإتمام. وهذه العبارة كما ترى صريحة الانطباق على ما قدمنا نقله عن الصدوق
والشيخ المفيد وهو القول الثاني لا في ما ذكره وادعاه.
والعجب أن
الأصحاب لم يتنبهوا لموافقة الشيخ للصدوق في هذا الكتاب بل خصوا ذلك بالنهاية مع
منعه فيها التقصير في الصوم ، وهذه العبارة ظاهرة في الانطباق على ذلك القول من
جميع جهاته. وأعجب من ذلك نقل شيخنا المشار اليه عن المبسوط ما ادعاه والحال ان
العبارة كما ترى ، ولعل النقل عن ابن بابويه في كتابه الكبير من هذا القبيل.
وكيف كان فهو
قول مرغوب عنه كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.
وخامسها ـ ما
ذهب اليه ابن ابى عقيل (قدسسره) حيث قال : كل سفر كان مبلغه بريدين وهو ثمانية فراسخ
أو بريدا ذاهبا وبريدا جائيا وهو أربعة فراسخ في يوم واحد أو ما دون عشرة أيام
فعلى من سافر عند آل الرسول صلىاللهعليهوآله أن يصلى
صلاة السفر ركعتين. والى هذا القول مال جملة من أفاضل متأخري المتأخرين وهو
الظاهر عندي من الأخبار كما سيسفر عنه ان شاء الله تعالى صبح التحقيق أى اسفار
إلا ان عبارة
الشيخ ابن ابى عقيل لا تخلو عن مسامحة أو غفلة ، وذلك فان الحق في هذا المقام أن
يقال انه لا ريب أن المسافة الموجبة للتقصير انما هي ثمانية فراسخ لكنها أعم من أن
تكون ممتدة في الذهاب خاصة أو ملفقة من الذهاب والإياب ، وحينئذ فمن قصد أربعة
فراسخ مريدا للرجوع من غير ان يقطع سفره بإقامة العشرة ولا بالمرور على منزل يقطع
سفره ولا مضى ثلاثين يوما مترددا فإنه يجب عليه التقصير ويصدق عليه ان مسافة سفره
ثمانية فراسخ لان السفر لا خصوصية له بالذهاب خاصة. ونظيره من قصد ثمانية فراسخ
وهي المسافة المتفق على وجوب التقصير فيها ثم اتفق جلوسه على رأس أربعة فراسخ
أياما لبعض المطالب والأغراض ، فان جلوسه تلك المدة ما لم ينقطع سفره بأحد القواطع
المذكورة لا يخرجه عن كونه مسافرا ولا كون سفره ثمانية فراسخ. وحينئذ فإن كان ما
ذكره ابن ابى عقيل في هذه العبارة من قوله : «أو ما دون عشرة أيام» إنما وقع على
وجه التمثيل إشارة إلى انه يقصر ما لم ينقطع سفره بأحد القواطع التي من جملتها
العشرة أيام فهو يرجع الى ما ذكرناه ونسبته الى آل الرسول صلىاللهعليهوآله في محله ، لانه الظاهر من أخبارهم كما سيظهر لك ان شاء
الله تعالى ، وإلا كان هذا قولا آخر ولا وجه لنسبته إليهم صلوات الله عليهم)
باعتبار التخصيص بالعشرة ، إذ يمكن ان يرجع بعد عشرين يوما ولم ينقطع سفره بإقامة
العشرة في موضع.
وسادسها ـ ما
ذهب اليه السيد السند (قدسسره) في المدارك من القول بالتخيير بمجرد قصد الأربعة أراد
الرجوع أو لم يرد ، ونقله عن الشيخ في التهذيب وجده.
قال (قدسسره) بعد البحث في المسألة : وجمع الشيخ في كتابي الأخبار
بين هذه الروايات بوجه آخر وهو تنزيل أخبار الثمانية على الوجوب واخبار
الأربعة على الجواز ، وحكاه بعض مشايخنا المعاصرين عن جدي (قدسسره) في الفتاوى ، ومال إليه في روض الجنان حتى انه استوجه
كون القصر أفضل من الإتمام. ولا ريب في قوة هذا القول. ولا ينافي ما ذكرناه من
التخيير رواية معاوية بن عمار المتضمنة لنهي أهل مكة عن الإتمام بعرفات لأنا نجيب عنها بالحمل على الكراهة أو على ان النهى عن
الإتمام على وجه اللزوم. انتهى.
وسابعها ـ ما
ذهب اليه بعض فضلاء متأخري المتأخرين من وجوب التقصير مع قصد الأربعة مطلقا ونسبه
مذهبا لثقة الإسلام الكليني في الكافي حكى ذلك بعض مشايخنا المحققين من متأخري
المتأخرين ، حيث قال بعد الكلام في المسألة وذكر أخبار الثمانية : ثم اختلفوا في
نصف ذلك أي أربعة فراسخ على أقوال شتى ، فمنهم من ظاهر كلامه كالكليني ان الأربعة
هي المسافة حيث لم يذكر ما سوى أحاديث الأربعة حتى ان بعض مشايخنا كان يدعى له هذا
القول ويقويه استنادا الى عدم وجدان قائل بها من المخالفين وجعل وجه الجمع بين هذه الأخبار واخبار الثمانية بأن
المراد بهذه الأخبار أقل ما يتحقق به تحتم القصر وانه مستلزم للتحتم بالزائد أيضا
كما هو ظاهر ، فيكون حينئذ تخصيص التعبير بالثمانية في اخبارها لأجل بعض المصالح
كمراعاة التقية. انتهى كلام شيخنا المشار اليه. ثم انه (قدسسره) رجح كون اعتقاد الكليني التخيير في قصد الأربعة مطلقا.
أقول : لا يخفى
ان حمل أخبار الأربعة على الوجوب ـ كما ذكره البعض المشار اليه وانه أقل ما يجب
فيه التقصير ـ يدفعه ما اشتملت عليه جملة من أخبار الثمانية الفراسخ والبريدين من
أنها أقل مسافة القصر وانه لا يقصر في ما دونها وان المناط
__________________
في ذلك بياض يوم أو سير الإبل ونحو ذلك من ما اشتملت عليه الأخبار كما لا
يخفى على من راجعها.
إذا عرفت ذلك
فالكلام هنا يقع في موضعين الأول ـ في نقل أخبار المسألة كملا فنقول :
اعلم ان
الأخبار المتعلقة بهذه المسألة على ثلاثة أقسام : الأول ـ ما اشتمل على تحديد
المسافة بما علم مخالفته لمذهب الإمامية وهو موافقته لمذهب العامة كالأخبار الدالة
على التحديد بفرسخ أو ثلاثة أبرد أو يوم وليلة ونحو ذلك ، وقد تقدم شطر منها في
صدر المسألة الأولى ، وقد أوضحنا ثمة خروجها مخرج التقية فلا حاجة الى ارتكاب التأويل فيها
ولا نكلف الجواب عنها بعد ظهور ما قلناه فيها.
الثاني ـ الأخبار
المشتملة على ما عليه اتفاق الإمامية من ثمانية فراسخ أو بريدين أو بياض يوم ، وقد
مر منها صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم في صدر المقصد وتقدم في صدر المقام الأول صحيحة
أبي أيوب وفيها بريدين أو بياض يوم وصحيحة على بن يقطين وفيها مسيرة يوم ، وصحيحة
أبي بصير وفيها بياض يوم أو بريدين وحسنة الكاهلي وفيها بريد في بريد أربعة وعشرون
ميلا ، وموثقة سماعة وفيها مسيرة يوم وذلك بريدان وهما ثمانية فراسخ ، وموثقة عيص
بن القاسم أو حسنته وفيها حده أربعة وعشرون ميلا ، ورواية الفضل بن شاذان وفيها
ثمانية فراسخ مسير يوم ، ومنها رواية صفوان الآتية ان شاء الله تعالى في الموضع الثاني ، ومنها موثقة عبد الرحمن بن الحجاج
المتقدمة في المورد الثاني من موارد المقام المتقدم ، الى غير ذلك من الأخبار التي
لا ضرورة في التطويل بها مع الاتفاق على العمل بمضمونها.
الثالث ـ الأخبار
المشتملة على التقصير في أربعة فراسخ أو بريد أو نحو ذلك التي هي محل الإشكال في
المقام ومنفصل سهام النقض والإبرام.
وهذه الأخبار
ايضا على ثلاثة أقسام : أحدها ـ ما ورد في التحديد
__________________
بالأربعة على الإطلاق من غير تقييد بالذهاب والإياب وغير ذلك بحيث يتبادر
من ظواهرها التعارض بين إطلاقها وإطلاق أخبار الثمانية :
ومنها ـ مرسلة
محمد بن يحيى الخزاز المتقدمة في صدر المسألة الأولى ومرسلة ابن ابى عمير المتقدمة
ثمة أيضا.
وصحيحة زرارة
عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «التقصير في بريد والبريد أربعة فراسخ».
وصحيحة زيد
الشحام قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول يقصر الرجل الصلاة في مسيرة اثنى عشر ميلا».
وصحيحة إسماعيل
بن الفضل قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن التقصير فقال في أربعة فراسخ».
ورواية أبي
الجارود قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام في كم التقصير؟ فقال في بريد».
وموثقة ابن
بكير قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن القادسية اخرج إليها أتم أم أقصر؟ قال وكم هي؟ قلت
هي التي رأيت. قال قصر».
أقول : قال في
المغرب ، القادسية موضع بينه وبين الكوفة خمسة عشر ميلا كذا نقله عنه في كتاب
البحار ، ثم قال : وهي تدل على وجوب التقصير في أربعة فراسخ لعدم القول بالفصل.
انتهى.
ومنها صحيحة
أبي أيوب قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام ادنى ما يقصر فيه المسافر؟ فقال بريد».
وثانيها ـ ما
ورد بالتحديد بأربعة فراسخ مع التقييد بان ذلك حيث يضم الإياب إلى الذهاب بحيث ان
يحصل منهما جميعا ثمانية فراسخ :
ومنها ـ صحيحة
معاوية بن وهب قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام أدنى
__________________
ما يقصر فيه المسافر؟ قال بريد ذاهبا وبريد جائيا».
ومنها ـ صحيحة
زرارة المروية في الفقيه قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن التقصير فقال بريد ذاهبا وبريد جائيا ، وكان رسول
الله صلىاللهعليهوآله إذا أتى ذبابا قصر وذباب على بريد ، وانما فعل ذلك لأنه
إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ».
وموثقة محمد بن
مسلم عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن التقصير فقال في بريد. قال قلت بريد؟
قال انه إذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه».
ورواية سليمان
بن حفص المروزي قال : «قال الفقيه عليهالسلام التقصير في الصلاة بريدان أو بريد ذاهبا وجائيا. الحديث».
ورواية الفضل
بن شاذان المروية في كتاب العلل والعيون عن الرضا عليهالسلام قال : «انما وجبت الجمعة على من يكون على رأس فرسخين لا
أكثر من ذلك لأن ما تقصر فيه الصلاة بريدان ذاهبا أو بريد ذاهبا وبريد جائيا
والبريد أربعة فراسخ ، فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد الذي يجب فيه
التقصير ، وذلك انه يجيء فرسخين ويذهب فرسخين فذلك أربعة فراسخ وهو نصف طريق
المسافر».
وروى الحسن بن
على بن شعبة في كتاب تحف العقول عن الرضا عليهالسلام في كتابه إلى المأمون قال : «والتقصير في أربعة فراسخ بريد ذاهبا وبريد جائيا
اثنى عشر ميلا ، وإذا قصرت أفطرت».
وثالثها ـ ما
ورد كذلك بحيث يدل على ان ذلك على سبيل الحتم وانه مراعى باعتبار ضم الإياب إلى الذهاب
بحيث يكون الجميع ثمانية فراسخ ، وانه لا حاجة الى أن يكون الذهاب والإياب في يوم
واحد :
ومنها ـ صحيحة
معاوية بن وهب المروية في كتب المشايخ الثلاثة بالأسانيد الصحيحة «انه قال لأبي عبد الله عليهالسلام ان أهل مكة يتمون الصلاة بعرفات؟
__________________
فقال ويلهم أو ويحهم وأى سفر أشد منه لا تتم». وفي بعض النسخ «لا تتموا».
وصحيحته الأخرى
عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «أهل مكة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم أتموا
وإذا لم يدخلوا منازلهم قصروا».
وصحيحة الحلبي
أو حسنته عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «ان أهل مكة إذا خرجوا حجاجا قصروا وإذا زاروا
ورجعوا الى منازلهم أتموا».
وموثقة معاوية
بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام في كم أقصر الصلاة؟ فقال في بريد ألا ترى ان أهل مكة
إذا خرجوا الى عرفة كان عليهم التقصير».
ورواية إسحاق
بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام في كم التقصير؟ فقال في بريد ويحهم كأنهم لم يحجوا مع
رسول الله صلىاللهعليهوآله فقصروا».
وقال شيخنا المفيد
(عطر الله مرقده) في المقنعة قال الصادق عليهالسلام «ويل لهؤلاء القوم الذي يتمون بعرفات أما يخافون الله؟ فقيل له وهو سفر؟
فقال وأى سفر أشد منه».
أقول : وذكر
أهل مكة وان لم يقع في الكلام إلا ان الظاهر بمعونة ما ذكرنا من الأخبار هو كونهم
المرادين بهذا الكلام وان خفي علينا الآن قرينة المقام.
وصحيحة زرارة
عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام
الصلاة وهو بمنزلة أهل مكة فإذا خرج الى عرفات وجب عليه التقصير فإذا زار البيت
أتم الصلاة وعليه إتمام الصلاة إذا رجع الى من حتى ينفر».
وموثقة إسحاق
بن عمار قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن أهل مكة إذا
__________________
زاروا عليهم إتمام الصلاة؟ قال نعم ، والمقيم بمكة إلى شهر بمنزلتهم». ولعل
المراد بقوله عليهالسلام : «والمقيم بمكة. الى آخره» يعنى المتردد فإنه بعد مضى
الشهر يلزمه الإتمام.
ومنها أيضا
صحيحة أبي ولاد الآتية ان شاء الله تعالى في الموضع الثاني .
أقول : هذا ما
حضرني من اخبار المسألة المذكورة كملا ، وأصحابنا (رضوان الله عليهم) لما رأوا ما
هي عليه من الاختلاف اختلفت كلمتهم في التفصي عن وجه الجمع بينها لتحصيل الاجتماع
بينها والائتلاف.
فذهب البعض
منهم ـ وهو المشهور بين المتأخرين منهم كما تقدمت الإشارة إليه بعد إبقاء أخبار
الثمانية على إطلاقها وشمولها للذهاب فقط أو مع الإياب ـ إلى حمل أخبار الأربعة
على ما إذا أراد المسافر الرجوع ليومه حملا لأخبار القسم الأول منها على أخبار
القسم الثاني.
وهو جيد لكن لا
دلالة في شيء من اخبار القسم الثاني على التقييد بالرجوع ليومه ، فمن اين لهم
دليل هذا التقييد؟ ومحل البحث معهم هنا ، وإلا فإنه لا ريب بمقتضى القاعدة المتفق
عليها من حمل المطلق على المقيد في صحة ما ذكروه من تقييد إطلاق أخبار القسم الأول
باخبار القسم الثاني ، إلا ان غاية ما تدل عليه الأخبار المذكورة هي اعتبار ضم
الإياب إلى الذهاب مطلقا أعم من ان يكون في يوم أو أكثر ويدفع ما ذكروه من هذا
التقييد صريحا أخبار القسم الثالث وهي اخبار أهل مكة المستفيضة الصحيحة الصريحة في
تحتم القصر عليهم مع معلومية كون الرجوع ليس في يومه.
وغاية ما تعلق
به بعضهم لإثبات هذه الدعوى هو قوله عليهالسلام في موثقة محمد ابن مسلم المتقدمة في اخبار القسم الثاني
من أخبار الأربعة «إذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه».
وفيه أولا ـ انه
معارض بما هو أكثر عددا وأصح سندا وأصرح دلالة وهي
__________________
اخبار القسم الثالث من أخبار الأربعة ، فإنها صريحة الدلالة ناطقة المقالة
في تحتم التقصير ووجوبه بقصد الأربعة مع عدم الرجوع في يومه.
واما ثانيا ـ فلان
هذه العبارة إنما خرجت مخرج التجوز في دفع الاستبعاد الذي توهمه السائل ، حيث انه
لما كان المعهود عنده والشائع هو التقصير في مسيرة يوم بريدين تعجب من إفتاء
الإمام عليهالسلام بالبريد الواحد فأجاب عليهالسلام بان هذا المسافر إلى مسافة البريد متى رجع حصل من ذهابه
وإيابه قدر مسير يوم ، فلا دلالة على الرجوع من يومه حتى انه لا يتحتم القصر إلا
بذلك ، والغرض انما هو بيان ان مسافة الأربعة إنما اعتبرت من حيث الذهاب والإياب
فهي في حكم اليوم والثمانية الفراسخ والبريدين التي اتفقت الأخبار على وجوب
التقصير فيها ، كما يشير اليه قوله عليهالسلام في صحيحة زرارة وصحيحة معاوية بن وهب «بريد ذاهبا وبريد
جائيا» وقوله عليهالسلام في صحيحة زرارة حكاية عن رسول الله صلىاللهعليهوآله «وانما فعل ذلك لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ».
وبالجملة فإن
الرواية المذكورة لا ظهور لها فضلا عن الصراحة في ما ادعوه ، ولا بد من حملها على
ما ذكرناه لتنتظم به مع اخبار القسم الثالث التي قد عرفت أنها أرجح منها عددا
وسندا ودلالة.
قال في المدارك
: وأما رواية محمد بن مسلم فإنها وان كانت مشعرة بذلك إلا انها غير صريحة فيه ، بل
ربما لاح منها ان التعليل ـ بكونه إذا ذهب بريدا ورجع بريدا شغل يومه ـ انما وقع
على سبيل التقريب إلى الأفهام كما يشعر به إطلاق التقصير في البريد أولا. انتهى.
واما ما ذهب
اليه الصدوقان والشيخ المفيد ومن تبعهم من القول الثاني من الأقوال المتقدمة
فالكلام معهم بالنسبة الى ما ذهبوا اليه من تخصيص وجوب التقصير بالرجوع ليومه ،
وقد عرفت من ما دفعنا به القول الأول انه لا دليل عليه بل الأدلة الصحيحة الصريحة
ترده. وكذلك بالنسبة الى ما ذهبوا اليه من التخيير
مع عدم الرجوع ليومه ، وكأنهم جعلوا ذلك وجه جمع بين أخبار الأربعة المقيدة
كما تقدم واخبار عرفات حذرا من ما يلزم القول المشهور من طرحها رأسا.
وفيه انه لا
إشعار في شيء من اخبار عرفات بما ذهبوا اليه من التخيير بل هي في رده أظهر ظاهر
كما لا يخفى على البصير الخبير. وتوجيه ذلك بحمل النهى على الكراهة أو عن الإتمام
على وجه اللزوم ـ كما ذهب إليه في المدارك وقبله جده في كتاب روض الجنان مع بعده
عن مضامينها كما عرفت ـ يتوقف على وجود المعارض المحوج الى هذه التكلفات البعيدة
والتمحلات الشديدة الناشئة من عدم فهمهم المراد من هذه الأخبار.
وتقريب
الاستدلال بالأخبار المشار إليها انه لا يخفى ان جملة منها قد تضمنت النهى عن
الإتمام الذي هو حقيقة في التحريم ، وجملة تضمنت الأمر بالتقصير الذي هو حقيقة في
الوجوب مؤكدا ذلك بقوله «واى سفر أشد منه» والدعاء ب «ويلهم أو ويحهم» والتوبيخ
لهم بأنهم كأنهم لم يحجوا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله المشعر بكونه صلىاللهعليهوآله مدة كونه في مكة متى حج فإنه يقصر الموجب لوجوب التأسي
، فأي دلالة أظهر من هذه الدلالات وأي مبالغة وتأكيد أبلغ من هذه التأكيدات ، مع
انهم يكتفون في سائر الأحكام في الحكم بالوجوب والتحريم بمجرد خبر واحد يدل على
ذلك ، فكيف بهذه الأخبار الصحيحة الصريحة العديدة المشتملة على ما ذكرنا من وجوه
المبالغات والتأكيدات ، ويقابلونها بمجرد هذه التخريجات والتمحلات والتكلفات من
غير معارض يقتضيه سوى عدم إعطائهم التأمل حقه في فهم المراد من الأخبار كما سنظهره
لك ان شاء الله تعالى أي إظهار.
وبذلك يظهر لك
ما في كلام الشيخ في أحد قوليه وصاحب المدارك ومن تبعهما من حمل أخبار الأربعة على
الجواز مطلقا أو مع التقييد بعدم الرجوع ليومه كما هو القول الآخر للشيخ وهو الذي
نقله عنه في الذكرى.
بقي هنا شيء
يجب التنبيه عليه وهو ان ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله
عليهم ان الوجه في ما ذهب اليه الصدوقان من القول الثاني من الأقوال
المتقدمة في صدر المسألة هو الجمع بين أخبار المسألة كالأقوال الباقية ، والظاهر
ان الحال ليس كذلك فان هذا القول المذكور قد صرح به الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي ومن الظاهر بناء على ما عرفت في
غير موضع من ما تقدم وسيأتي ان شاء الله تعالى أمثاله ان مستندهما في هذا القول
انما هو الكتاب المذكور ، حيث قال عليهالسلام في الكتاب المشار إليه : فإن كان سفرك بريدا واحدا وأردت أن ترجع من يومك قصرت
لان ذهابك ومجيئك بريدان. ثم قال بعد هذا الكلام بأسطر : وان سافرت الى موضع مقدار
أربعة فراسخ ولم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار فإن شئت أتممت وان شئت قصرت. انتهى.
وهو صريح في القول المذكور إلا ان الظاهر انه لا يبلغ قوة في معارضة ما ذكرنا من
الأخبار الصحيحة الصريحة المتعددة المذكورة في القسم الثالث وكذا الأخبار الآتية
في المقام الثاني من ما تدل على القول المختار في المسألة ، فإن الجميع متى ضم
بعضه الى بعض صريح الدلالة واضح المقالة في أن قاصد الأربعة مع ارادة الرجوع يجب
عليه التقصير ما لم ينقطع سفره بأحد القواطع الثلاثة المعلومة ولا تخصيص للوجوب
بالرجوع ليومه ولا مجال للتخيير بوجه ، فالواجب رد هذا الكلام إلى قائله حسبما
أمروا به صلوات الله عليهم في أمثال هذا المقام.
واما ما تقدم
نقله عن بعض الأصحاب ـ من الميل الى حمل أخبار الأربعة على أقل ما يجب فيه التقصير
مدعيا انه مذهب الشيخ الكليني عطر الله مرقده) حيث انه اقتصر على نقل أخبار
الأربعة خاصة ـ
ففيه أولا ـ انه
لا يخفى ان ما استند اليه من الأخبار المطلقة انما يتم لو لم يكن في الباب إلا هي
واما مع وجود الأخبار المقيدة كاخبار القسم الثاني من اخبار الأربعة فإن مقتضى
القاعدة حمل المطلق من الأخبار على المقيد ، وبه يزول الاستناد إلى إطلاق الأخبار
المذكورة ، فإنها متى قيدت بالذهاب والإياب رجعت
__________________
الى اخبار الثمانية كما تقدم توضيحه.
وثانيا ـ ما
قدمنا الإشارة إليه من دلالة جملة من تلك الاخبار على ان مسافة الثمانية وبياض يوم
أو بريدين أقل ما يجب فيه التقصير ، فمن ذلك ما تقدم في صدر المقام الأول من قوله عليهالسلام في موثقة العيص بن القاسم أو حسنته «حده أربعة وعشرون
ميلا». وقوله عليهالسلام في رواية الفضل بن شاذان المتقدمة ثمة أيضا «إنما وجب
القصر في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك ولا أكثر لأن ثمانية فراسخ مسيرة يوم. الحديث».
ومن ذلك رواية عبد الرحمن بن الحجاج قال : «قلت له كم ادنى ما يقصر فيه الصلاة؟
قال جرت السنة ببياض يوم. الحديث». وقد تقدم في المورد الثاني من موارد المقام
الأول ، وصحيحة معاوية بن وهب المتقدمة في القسم الثاني من أقسام أخبار الأربعة
قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام أدنى ما يقصر فيه المسافر؟ قال بريد ذاهبا وبريد جائيا».
ونحو ذلك ما سيأتي ان شاء الله تعالى في رواية إسحاق بن عمار ، وهذه الأخبار كلها
كما ترى صريحة في ان أقل مسافة التقصير ثمانية فراسخ وهو بياض يوم. وأما ما يدل
على ذلك باعتبار الإشعار وظاهر السياق فكثير من اخبار المسألة.
وبالجملة
فالظاهر ان هذا القول من هذا الفاضل المشار اليه انما وقع غفلة عن التدبر في
الأخبار والوقوف على ظاهر تلك الأخبار. والله العالم.
الموضع الثاني
ـ في بيان ما هو المختار من الأقوال المتقدمة وذكر الدليل عليه زيادة على ما ذكرنا
من بطلان أدلة ما سواه ، وقد عرفت في ما أشرنا إليه سابقا في نقل الأقوال المتقدمة
ان المفهوم من أخبارهم عليهمالسلام ـ وهو الذي عليه تجتمع في هذا المقام من غير أن تعتريه
شائبة النقض والإبرام ـ هو أن المسافة الشرعية الموجبة للقصر التي لا يجب في أقل
منها هي ثمانية فراسخ إلا انها أعم من أن تكون في الذهاب خاصة أو ملفقة من الذهاب
والإياب ، وعلى الأول دلت أخبار القسم الثاني من أقسام أخبار المسألة ، وعلى
الثاني دلت أخبار القسم الثاني
من أخبار الأربعة ، فإنها ظاهرة الدلالة في أن قاصد الأربعة مع إرادته
الرجوع يجب عليه التقصير كقاصد الثمانية الممتدة في انه سفر شرعي لا ينقطع إلا
بأحد القواطع الآتية ان شاء الله تعالى ، ويؤكدها أخبار القسم الثالث من أخبار
الأربعة وهي أخبار عرفات.
ومن الأخبار
الدالة على ذلك زيادة على ما عرفت مرسلة صفوان قال : «سألت الرضا عليهالسلام عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل فلم
يزل يتبعه حتى بلغ النهروان وهي أربعة فراسخ من بغداد أيفطر إذا أراد الرجوع ويقصر؟
قال لا يقصر ولا يفطر لأنه خرج من منزله وليس يريد السفر ثمانية فراسخ انما خرج
يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق فتمادى به السير الى الموضع الذي بلغه ، ولو انه
خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا وجائيا لكان عليه ان ينوي من الليل سفرا
والإفطار. الحديث».
وهو كما ترى
ظاهر في أن قصد الأربعة على وجه الرجوع قصد للثمانية موجب للتقصير ، والرجوع فيه
كما ترى مطلق كسائر أخبار القسم الثاني من أقسام أخبار الأربعة ، وهو ظاهر في وجوب
التقصير عليه في الصورة المذكورة لا مجال لاحتمال التخيير فيه بوجه.
ومنها ـ ما
رواه الصدوق (قدسسره) في كتاب العلل عن إسحاق بن عمار قال : «سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام عن قوم خرجوا في سفر لهم فلما انتهوا الى الموضع الذي
يجب عليهم فيه التقصير قصروا فلما ان صاروا على رأس فرسخين أو ثلاثة أو أربعة
فراسخ تخلف عنهم رجل لا يستقيم لهم السفر إلا بمجيئه إليهم فأقاموا على ذلك أياما
لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون هل ينبغي لهم ان يتموا الصلاة أو يقيموا
على تقصيرهم؟ فقال ان كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم أقاموا
أم انصرفوا ، وان كانوا ساروا أقل
__________________
من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة ما أقاموا فإذا مضوا فليقصروا. ثم قال عليهالسلام هل تدري كيف صار هكذا؟ قلت لا أدرى. قال لأن التقصير في
بريدين ولا يكون التقصير في أقل من ذلك ، فلما كانوا قد ساروا بريدا وأرادوا أن
ينصرفوا بريدا كانوا قد ساروا سفر التقصير ، وان كانوا قد ساروا أقل من ذلك لم يكن
لهم إلا إتمام الصلاة. قلت أليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم
الذي خرجوا منه؟ قال بلى انما قصروا في ذلك الموضع لأنهم لم يشكوا في مسيرهم وان
السير سيجد بهم في السفر فلما جاءت العلة في مقامهم دون البريد صاروا هكذا». ورواه
البرقي في المحاسن مثله ورواه في الكافي إلى قوله : «فإذا مضوا فليقصروا». وأما قوله عليهالسلام «هل تدري. الى آخره» فلم ينقله.
أقول :
والتقريب في هذا الخبر يتوقف على بيان مسألة أخرى وهي ان من شروط وجوب القصر كما
سيأتي ذكره ان شاء الله تعالى استمرار قصد المسافة وعدم العدول عنه الى ان تحصل
المسافة ، فلو قصد المسافة وسافر ثم رجع عن عزمه أو تردد قبل بلوغ المسافة وجب
عليه الإتمام لاختلال الشرط المذكور ، أما لو كان بعد بلوغ المسافة فإنه يستمر على
التقصير حينئذ على كل حال بلا خلاف ولا اشكال ، وهذا الخبر من أدلة هذه المسألة ،
وحيث كانت الأربعة مع ارادة الرجوع في حكم الثمانية الممتدة كما ذكرناه فرق عليهالسلام بين ما إذا حصل التردد بعد بلوغ أربعة فراسخ وبين ما
إذا حصل قبل ذلك ، فأوجب عليه البقاء على التقصير في الأول لأن المسافة قد حصلت ،
ثم بين عليهالسلام ذلك في التعليل بأنه بعد بلوغ الأربعة وان ترددوا إلا
ان قصد المسافة وهو البريدان حاصل اما بالمضي على قصدهم الأول ان جاءت الرفقة أو
بالرجوع الى البلد الذي هو بريد آخر فتصير المسافة بريدين ملفقة من الذهاب والإياب
، بخلاف ما إذا كانوا على أقل من أربعة فإنه على تقدير الرجوع لم تحصل مسافة
التقصير وهي البريدان التي هي أقل ما يقصر فيه ، والخبر
__________________
كما ترى ظاهر الدلالة في المطلوب والمراد عار عن وصمة النقض والإيراد ، وهو
ظاهر في رد القول المشهور أتم الظهور حيث ان الرجوع المعتبر انضمامه الى الذهاب
غير حاصل في اليوم كما ادعوه ، وظاهر أيضا في رد قول من ادعى التخيير في مجرد قصد
الأربعة ، حيث انه عليهالسلام جعل التقصير في البريدين لا أقل من ذلك وان القصر متحتم
على هؤلاء ولازم بعد قطع الأربعة من حيث حصول مسافة الثمانية بانضمام الرجوع لو لم
يسافروا فأي مجال للتخيير في المقام.
ومنها ـ صحيحة
أبي ولاد الآتية ان شاء الله تعالى قريبا في الشرط الثالث
وبالجملة
فالمسألة بما شرحناه وأوضحناه واضحة الظهور كالنور على الطور لا يعتريها فتور ولا
قصور. ومنه يظهر ان خلاف من خالف في هذه المسألة انما نشأ من عدم إعطاء التأمل حقه
في الأخبار والتتبع لها وإمعان النظر فيها بعين الاعتبار كما لا يخفى على من لاحظ
أحوالهم (رضوان الله عليهم في كثير من المواضع ، ومنشأ جميع ذلك الاستعجال في
التصنيف والاقتصار على ما حضر بين أيديهم من نقل من تقدم لمن تأخر في الكتب
الاستدلالية. والله العالم.
الثاني ـ من
الشروط المتقدمة قصد المسافة ، ويتفرع على ذلك سقوط القصر عنه مهما لم يقصد
المسافة ولو تمادى به السير الى أن يحصل له مسافات عديدة فضلا عن مسافة واحدة ،
وهو من ما لا خلاف فيه بينهم (رضوان الله عليهم كما نقله غير واحد : منهم ـ السيد
السند في المدارك.
وتدل عليه
رواية صفوان في المتقدمة قريبا. إلا انه قد وقع لصاحب المدارك في هذا المقام ما ان
ينسب فيه الى سهو القلم أولى من أن ينسب إلى زلة القدم ، حيث قال في الاستدلال على
هذا الشرط بعد الاستدلال بوجه اعتباري : وما رواه الشيخ عن صفوان قال : «سألت الرضا عليهالسلام عن رجل خرج من بغداد يريد
__________________
أن يلحق رجلا على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان؟ فقال لا يقصر
ولا يفطر لأنه خرج من منزله وليس يريد السفر ثمانية فراسخ إنما خرج يريد أن يلحق
صاحبه في بعض الطريق فتمادى به السير الى الموضع الذي بلغه». هذه صورة الرواية
التي نقلها.
وأنت خبير بأن
الرواية كما قدمناها سابقا ظاهرة الدلالة في إبطال ما ذهب اليه من التخيير بقصد
الأربعة أتم الظهور ، وهو هنا قد أسقط منها موضع الدلالة على ذلك فأسقط قوله بعد
ذكر النهروان «وهي أربعة فراسخ من بغداد أيفطر إذا أراد الرجوع ويقصر؟» وهو عجيب
من مثله (قدسسره) إلا أن يكون قدسها في نقل الرواية أو نقلها من نسخة
غير معتمدة ، وإلا فإسقاط هذه العبارة من البين مع ذكره ما قبلها وما بعدها من ما
يوجب سوء ظن به (قدسسره) والرواية بتمامها قد تقدمت.
وكيف كان فوجه
ما قلناه ان كلامه المتقدم الذي قدمنا نقله عنه في جملة أقوال المسألة ظاهر في
حمله أخبار الثمانية على الوجوب واخبار الأربعة على الجواز الذي هو عبارة عن
التخيير بين القصر والإتمام رجع أم لم يرجع ، وهذا الخبر كما قدمنا لك نقله بتمامه
صريح في كون المسافة المفروضة هنا أربعة فراسخ ، وقد صرح عليهالسلام بأنه لو خرج من منزله يريد النهروان التي هي أربعة
فراسخ ذاهبا وجائيا يعنى تعلق القصد بالذهاب والإياب لوجب عليه التقصير ، حيث انه
قصد المسافة وهي ثمانية فراسخ وان كانت ملفقة ، ولا ريب ان الشرط المذكور شرط في
وجوب التقصير وتحتمه ، فإذا كان الدليل على هذا الشرط انما هو هذه الرواية التي
موردها قصد الأربعة خاصة فقد ثبت وجوب التقصير حتما بقصد الأربعة مع ارادة الرجوع
وبطل ما اختاره من الجواز ، وكان الأليق بمذهبه ان يستدل برواية تدل على هذا الشرط
في مسافة الثمانية الممتدة في الذهاب لينجو من هذا الإشكال وينقطع عنه لسان المقال
وانى له به وليس في الأخبار إلا ما هو من قبيل هذه الرواية.
ثم انه لا يخفى
ان ما أوردناه على صاحب المدارك هنا لازم لكل من قال بالجواز في قصد الأربعة من
الصدوق والشيخ وغيرهما كما لا يخفى ، وحينئذ فالمراد بالمسافة المشروطة بهذا الشرط
هي مسافة الثمانية التي هي أعم من الممتدة ذهابا والملفقة من الذهاب والإياب. هذا
على ما اخترناه واما على المشهور ففي مسافة الأربعة يجب التقييد بالرجوع ليومه ،
وحينئذ فلو تمادى به السير الى أن حصل حد المسافة فإنه لا خلاف في وجوب التقصير
عليه في الرجوع لحصول القصد إلى المسافة بنية الرجوع الى محله.
وهل يضم الى
الرجوع ما بقي من الذهاب من ما هو أقل من المسافة لو كان أم لا؟ احتمالات ثلاثة : (أحدها)
ـ عدم الضم فلا يقصر حينئذ إلا عند الشروع في الرجوع دون هذه البقية وان تمادى به
السير في الذهاب لعدم ضم الذهاب إلى الإياب كما هو المشهور. و (ثانيها) ـ ضمه اليه
بشرط أن يبلغ الإياب وحده حد المسافة ، كما إذا ذهب ثمانية فراسخ بغير قصد ثم عزم
على ذهاب فرسخين آخرين مثلا والرجوع الى وطنه. و (ثالثها) ـ الضم ايضا مهما بلغ
مجموع الذهاب المقصود والإياب مسافة وان لم يبلغ الإياب وحده مسافة ، كما إذا ذهب
مثلا ستة فراسخ بغير قصد ثم قصد فرسخا والرجوع الى أهله.
والمعروف ممن
ذكر هذه المسألة هو الأول ومستندهم ما أشرنا إليه أولا من ضم الذهاب إلى الإياب ،
ولكن لم نعثر لهم على دليل عليه من النصوص ، وادعى بعضهم الإجماع عليه ولم اعرف
لهم حجة سواء. واستثنوا من ذلك قصد الأربعة مع ارادة الرجوع ليومه حيث انه هو
المشهور بينهم ، ولكن الروايات دالة على الضم وان لم يرجع ليومه ولا سيما اخبار
عرفات.
قال بعض
مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين : وكأنه مأخوذ من كتب العامة غفلة عن تحقيق
الحال ، فان جلهم يشترطون في مطلق القصر كون
الذهاب وحده مسافة مقصودة وان الإياب لا يحتسب من الذهاب . ثم انه رجح (قدسسره) الاحتمال الثاني بل الثالث.
أقول : والذي
وقفت عليه من الأخبار من ما يناسب هذا المقام ما تقدم في الشرط الأول من أخبار
القسم الثاني والقسم الثالث من أقسام أخبار الأربعة ، فإنها صريحة في ضم الذهاب
إلى الإياب.
وخصوص ما رواه
عمار في الموثق عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ
أو ستة فراسخ فيأتي قرية فينزل فيها ثم يخرج منها فيسير خمسة فراسخ أخرى أو ستة لا
يجوز ذلك ثم ينزل في ذلك المنزل؟ قال لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته
ثمانية فراسخ فليتم الصلاة».
قال في الوافي
: حمله في التهذيبين على من خرج من بيته من غير نية السفر فتمادى به السير الى أن
صار مسافرا من غير نية ، وانما الاعتبار في التقصير بقصد المسافة لا بقطعها ،
واستدل عليه بالخبر الآتي وأصاب ، وانما لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو
قريته ثمانية فراسخ لأنه في ذهابه أو لا ليس بمسافر لخلوه عن قصد المسافة المعتبرة
وانما يصير مسافرا بنية الإياب إذا بلغ إيابه المسافة المعتبرة فإذا بلغها صار في
ذهابه ايضا مسافرا لانضمام ما يقطعه حينئذ إلى مسافة الإياب المنوي المعتبرة. وأما
قوله عليهالسلام «فليتم الصلاة» يعني في مسيره الأول والثاني حتى يبلغ ثمانية فراسخ فإذا
بلغها قصر ، والذي يبين ما قلناه ويوضحه خبر الفطحية الآتي. انتهى.
وظاهر هذا
الكلام يرجع الى اختيار الاحتمال الثاني من الاحتمالات الثلاثة المتقدمة ، حيث انه
اعتبر بلوغ المسافة ثم ضم ما زاد من الذهاب إلى الإياب
__________________
فأوجب القصر في ما بقي من الذهاب. وأشار بالخبر الآتي الذي استدل به الشيخ
الى خبر صفوان المتقدم وأشار بخبر الفطحية الآتي الى
ما رواه عمار
في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يخرج في حاجته وهو لا يريد السفر فيمضي في ذلك
يتمادى به المضي حتى يمضى به ثمانية فراسخ كيف يصنع في صلاته؟ قال يقصر ولا يتم
الصلاة حتى يرجع الى منزله».
قال في الوافي
ذيل هذا الخبر ايضا : وذلك لانه صار حينئذ مسافرا ناويا لقطع المسافة المعتبرة في
التقصير وان لم يكن قصد من الأول ذلك. كذا في التهذيب. انتهى والظاهر ان وجه
الاستدلال بهذا الخبر على ما ذكره هو حكمه عليهالسلام بالتقصير بعد حصول ثمانية فراسخ أعم من أن يكون ضم
إليها شيئا من الذهاب أو رجع بعد تمام الثمانية ، وظاهره في التهذيب ذلك أيضا
لإطلاق كلامه كإطلاق الرواية.
والوجه فيه ما
ذكره سابقا من حصول القصد إلى الإياب الذي قد صار مسافة فيضم إليها ما بقي من
الذهاب ، وعلى هذا فيدل الخبر المذكور على ضم الذهاب إلى الإياب خلافا لما هو
المشهور بينهم من عدم ضم أحدهما إلى الآخر إلا في الصورة المتقدمة.
وأما خبر عمار
الأول فما ذكره فيه من التأويل الراجع الى ما دل عليه هذا الخبر لا يخلو من إشكال
، لأن ما ذكره مبنى على ان المعنى في جوابه عليهالسلام ان هذا الذي قطع المسافة على هذا الوجه لا يكون مسافرا
حتى يمضى له من خروجه من منزله أو قريته ثمانية فراسخ ، فإذا مضت له ثمانية فراسخ
كان مسافرا لحصول المسافة المقصودة من الإياب ويضم إليها ما بقي من الذهاب ان كان ،
وعلى هذا قوله عليهالسلام «فليتم الصلاة» يعني قبل بلوغ الثمانية. ومن المحتمل ان مراده عليهالسلام بهذه العبارة أعني قوله «لا يكون مسافرا حتى يسير. الى
آخره» انما هو أن ما اتى به من السفر من قرية إلى قرية على الوجه المذكور ليس بسفر
شرعي يوجب التقصير
__________________
وانما يكون مسافرا حتى يقصد من منزله أو قريته ثمانية فراسخ ، وحيث انه لم
يقصد حال خروجه من منزله ذلك فهو ليس بمسافر فليتم الصلاة في هذا السفر الذي على
هذه الكيفية بلغ ثمانية فراسخ أو أزيد. إلا انه بالنظر الى ما دل عليه الخبر
الثاني من حكمه عليهالسلام بالتقصير بعد الثمانية التي هي أعم من حصول الذهاب
بعدها وعدمه يرجح ما ذكره (قدسسره) فيحمل إطلاق ذلك الخبر على هذا. والله العالم.
الثالث من
الشروط المتقدمة استمرار القصد المذكور يعنى أن يكون قصد المسافة مستمرا إلى
انتهائها وتمامها ، فلو عدل قبل بلوغ ذلك أو تردد في السفر كمنتظر الرفقة ونحوه
وجب عليه الإتمام وان سار مسافة أو أزيد بهذه الكيفية إلا إذا قصد العود في ما
يصير به مجموع الذهاب والإياب مسافة فإنه يقصر.
ويدل على ذلك
ما تقدم قريبا من رواية إسحاق بن عمار بالتقريب المذكور ذيلها ، وموردها المتردد.
ويدل عليه ايضا
ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابى ولاد قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام انى كنت خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة وهو
من الكوفة على نحو من عشرين فرسخا في الماء فسرت يومي ذلك أقصر الصلاة ثم بدا لي
في الليل الرجوع الى الكوفة فلم أدر أصلي في رجوعي بتقصير أم بتمام فكيف كان ينبغي
أن أصنع؟ فقال ان كنت سرت في يومك الذي خرجت فيه بريدا فكان عليك حين رجعت ان تصلى
بالتقصير لأنك كنت مسافرا الى ان تصير الى منزلك. قال : وان كنت لم تسر في يومك الذي
خرجت فيه بريدا فان عليك ان تقضى كل صلاة صليتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من
قبل ان تريم من مكانك ذلك ، لأنك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير حتى رجعت
فوجب عليك قضاء ما قصرت ، وعليك إذا رجعت أن تتم الصلاة حتى تصير الى منزلك». ومورد
هذه الرواية الرجوع عن النية السابقة.
__________________
والعجب من جملة
من الأصحاب ومنهم صاحب المدارك حيث انهم ذكروا هذا الشرط ولم يوردوا عليه دليلا
حتى قال الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد نقل ذلك عن الأصحاب : وحجتهم عندي غير
واضحة. مع ان صحيحة أبي ولاد المذكورة ورواية إسحاق بن عمار المتقدمة أظهر ظاهر في
الدلالة على ذلك.
وفيهما دلالة
واضحة على بطلان قول من قال بالجواز في قصد الأربعة كصاحب المدارك ومن سبقه
بالتقريب الذي ذكرناه في معنى رواية صفوان في ذكر الشرط الثاني.
ونزيده بيانا
بالنسبة الى هذا الشرط ايضا فنقول انك قد عرفت من كلامه سابقا ان التقصير الواجب
المشروط بهذه الشروط الستة التي ذكرها الأصحاب ومنها هذا الشرط اعنى استمرار القصد
انما هو في قصد الثمانية الفراسخ دون الأربعة لجواز الإتمام عندهم فيها ، وحينئذ
فمقتضى كلامه انه لو قصد الثمانية ثم رجع عن قصده أو تردد قبل بلوغها وان كان ما
اتى به أربعة فراسخ فما زاد ما لم تبلغ الثمانية فان الواجب عليه الإتمام ، مع ان
الخبرين المذكورين اللذين هما مستند هذا الشرط ظاهر ان بل صريحان في انه متى حصل
العدول عن المسافة التي توجه إليها القصد الأول بعد حصول الأربعة إلى الرجوع الى
بلده فالواجب عليه التقصير الى أن يصير الى بلده ، ومبناهما على ان المسافة تحصل
بالثمانية الملفقة ، فهما صريحان في رد هذا القول لاتفاقهم على كون استمرار القصد
شرطا في الوجوب مع ان هذه أدلة استمرار الشرط. إلا ان العذر لهم واضح من حيث عدم
التدبر في الروايات والاطلاع عليها ، ولكنه عذر غير مسموع ولا يسمن ولا يغني من
جوع.
فروع
الأول ـ لو صلى
بعد سفره قبل الرجوع عن نيته أو التردد فيها قصرا فهل تجب عليه الإعادة متى رجع أو
تردد أم لا؟ المشهور الثاني لأنه صلى صلاة مأمورا بها شرعا وقضية امتثال الأمر
الإجزاء.
ويدل عليه
زيادة على ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يخرج في سفر يريده فدخل عليه الوقت وقد خرج من
القرية على فرسخين فصلوا وانصرفوا فانصرف بعضهم في حاجة له فلم يقض له الخروج ما
يصنع في الصلاة التي كان صلاها ركعتين؟ قال تمت صلاته ولا يعيد». قال في الوافي في
ذيل هذا الخبر : يشبه أن يكون قد سقط لفظ «مع القوم» بعد «يخرج» كما هو في الفقيه .
وذهب الشيخ في
الاستبصار إلى انه يعيد مع بقاء الوقت ، واستدل عليه بما رواه عن
سليمان بن حفص المروزي قال : «قال الفقيه عليهالسلام التقصير في الصلاة بريدان أو بريد ذاهبا وبريد جائيا.
الى أن قال : وان كان قصر ثم رجع عن نيته أعاد الصلاة». وحمل صحيحة زرارة على ما
إذا لم يرجع عن نيته بل يكون عازما عليها ليوافق خبره الذي استدل به. كذا نقله عنه
في الوافي ثم رده بالبعد ، والمنقول عنه انما هو حمل الخبر المذكور على خروج الوقت
جمعا بينه وبين رواية المروزي بحملها على بقاء الوقت. وهذا هو المناسب لمذهبه في
المسألة فإنه جعل ذلك وجه جمع بين خبريها المذكورين.
قال في المدارك
بعد نقل رواية المروزي : وهي ضعيفة بجهالة الراوي ولو صحت لوجب حملها على
الاستحباب.
أقول : ويعضد
هذه الرواية صحيحة أبي ولاد المتقدمة ، والعجب منه (قدسسره) حيث لم يقف عليها في المقام مع تضمنها لجملة من هذه
الأحكام.
وقد نقلها بعض
من تأخر عنه من مشايخنا المحققين وحملها على الاستحباب ايضا ، ولا يخفى ما فيه لما
اشتملت عليه الرواية من الصراحة في الحكم المذكور
__________________
كقوله عليهالسلام «فان عليك ان تقضى كل صلاة صليتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل ان
تريم ـ أى تبرح ـ من مكانك». فإن التأكيد في القضاء فورا بتقديمه على اليومية ـ كما
ينادى به ظاهر الخبر ، وهو الذي اخترناه في مسألة القضاء كما تقدم من وجوب الفورية
به ، مفرعا عليه الوجوب بقوله «وجب عليك» ـ لا يلائم الاستحباب وظاهرها ان صحة الصلاة
قصرا قبل بلوغ المسافة وقبل الرجوع عن القصد كأنها مراعاة بعدم الرجوع الى ان يبلغ
المسافة.
وربما حملت على
ان المقضي هو ما صلاة قصرا في حال الرجوع فقط بقرينة ان السؤال فيها عن حال الرجوع
كما أشار إليه الوالد (عطر الله مرقده) في بعض حواشيه.
وفيه ان الظاهر
من الخبر ان ذلك حكم كلي بالنسبة إلى الرجوع عن القصد قبل بلوغ البريد وبعده ولا
اختصاص له بالسؤال. ويؤيده ما ذكره في المنتقى من أن قوله عليهالسلام «من قبل ان تريم» ان معناه من قبل أن تنثني عن السفر من المكان الذي بدا
فيه الرجوع.
وكيف كان
فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال والاحتياط فيها لازم على كل حال وان كان ما دلت
عليه صحيحة زرارة هو الأوفق بمقتضى القواعد الشرعية ، إلا ان هذه الرواية مع ما هي
عليه من الصحة والصراحة منافية لذلك ، ولا يحضرني الآن لها محمل تحمل عليه ، وبعض
مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين احتمل حمل هذه الرواية ورواية المروزي على
التقية والله العالم.
الثاني ـ قد
عرفت انه متى تردد عزمه قبل بلوغ المسافة فإنه يجب عليه التمام لاختلال شرط
التقصير وهو استمرار القصد الى بلوغ المسافة ، أما لو كان ذلك
__________________
بعد بلوغ المسافة لم يؤثر في الترخص بل الواجب هو القصر لحصول الشرط ، فلو
تمادى في سفره مترددا والحال هذه ومضى عليه ثلاثون يوما فهل يكون بمثابة من تردد
وهو مقيم في المصر؟ قال في الذكرى : فيه نظر من وجود حقيقة السفر فلا يضر التردد
ومن اختلال القصد. انتهى. وبالأول صرح الشيخ في النهاية كما سيأتي ذكره ان شاء
الله تعالى في عبارته ، وهو مشكل لأن مورد النص التردد في المصر بان يقول أسافر
اليوم أو غدا حتى يمضى له ثلاثون يوما ، وإلحاق التردد في هذه الصورة بين السفر
وعدمه لا يخلو من إشكال كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى
الثالث ـ قال
في المنتهى : ولو خرج من بلده ان وجد رفقة سافر وإلا رجع أتم ما لم يسر ثمانية
فراسخ. وقال الشيخ في النهاية إذا خرج قوم الى السفر وساروا أربعة فراسخ وقصروا من
الصلاة ثم أقاموا ينتظرون رفقة لهم في السفر فعليهم التقصير الى أن يتيسر لهم
العزم على المقام فيرجعون الى التمام ما لم يتجاوزا ثلاثين يوما ، وان كان مسيرهم
أقل من أربعة فراسخ وجب عليهم الإتمام الى ان يسيروا فإذا ساروا رجعوا الى
التقصير. والتحقيق ما قلناه نحن أولا. انتهى كلامه في المنتهى
وأنت خبير بما
فيه من النظر الظاهر لكل ناظر فان مقتضى كلامه (قدسسره) أو لا انما هو من خرج من بلده معلقا سفره على وجود
الرفقة ، وهذا غير قاصد للسفر جزما وحكمه هو الإتمام وان قطع مسافات عديدة بهذه
الكيفية ، لاختلال شرط وجوب التقصير وهو القصد إلى المسافة. وقوله انه يتم ما لم
يسر ثمانية فراسخ لا اعرف له وجها. ومقتضى كلام الشيخ في النهاية انما هو من سافر
قاصدا للمسافة جازما بالسفر ثم عرض له بعد ذلك انتظار الرفقة ، وهذا متفرع على شرط
استمرار القصد كما تقدم. وما ذكره الشيخ من التقصير هنا جيد كما تقدم في رواية
إسحاق بن عمار من قوله عليهالسلام «ان كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أم انصرفوا
، وان كانوا ساروا أقل من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة ما أقاموا فإذا مضوا
فليقصروا». ثم ذكر عليهالسلام العلة في ذلك على
رواية كتاب العلل والمحاسن.
وبالجملة فإن
موضوع كلامه غير موضوع كلام الشيخ ، ولعل ذلك لغلط في نسخة الكتاب أو لسوء فهمي في
الباب ، ولا يبعد ان يكون مراد العلامة ـ وان قصرت عنه العبارة المذكورة لغلط فيها
ونحوه ـ انه متى حصل له التردد بانتظار الرفقة قبل بلوغ ثمانية فراسخ بمعنى انه
خرج ناويا للسفر قاصدا للمسافة ولكن عرض له ما يوجب عدم استمرار القصد من انتظار
الرفقة ، فإن كان هذا العارض عرض قبل بلوغ نهاية المسافة التي هي عندهم بناء على
المشهور ثمانية فراسخ فان الواجب الإتمام لزوال الشرط المذكور قبل بلوغ المسافة ،
وان كان بعد حصول الثمانية التي هي المسافة فالواجب البقاء على التقصير إلا ان
ينقطع بأحد القواطع الشرعية. وهو جيد بناء على ما هو المشهور من تخصيص المسافة
بالثمانية ، وأما على ما اخترناه ـ من ان الأربعة أيضا باعتبار انضمام الإياب إلى
الذهاب مسافة شرعية ، وهو مورد الأخبار المتقدمة وعليه بناء كلام الشيخ (قدسسره) هنا إلا انه مخالف لمذهبه في أصل المسألة كما تقدم من
قوله بالجواز في الأربعة ـ فهو محل النظر لما عرفت من أخبار الشرطين المذكورين
اعنى شرط القصد وشرط استمراره ، فان موردهما انما هو أخبار الأربعة الفراسخ كما
تقدم ، وهو دليل ظاهر في كونها مسافة القصر حقيقة وان القصر واجب فيها حتما لوجود
شرطي الوجوب. ولكنه (قدسسره) لعدم إمعان النظر في اخبار المسألة بنى على ما هو
المشهور من تخصيص المسافة بالثمانية وعدم حصولها بالأربعة الراجعة باعتبار الذهاب
والإياب إلى الثمانية. والله العالم.
الرابع ـ لا
يخفى ان انتظار الرفقة إنما يكون موجبا للعدول الى التمام إذا كان قبل بلوغ
المسافة إذا علق سفره على ذلك ، وإلا فلو كان عازما على السفر وان لم يأتوا فمجرد
انتظارهم لا يكون موجبا لعدوله عما هو عليه من وجوب التقصير لأنه جازم بالسفر وشرط
استمرار القصد موجود إلا أن يحصل شيء من القواطع الآتية
ثم انه لو رجع
عن التردد الموجب للتمام الى العزم على السفر فالواجب
التقصير ان كان الباقي مسافة ذهابا وإيابا.
واستقرب الشهيد
في البيان ضم ما مضى من المسافة ، واستظهره بعض مشايخنا المحققين من متأخري
المتأخرين استنادا الى قوله عليهالسلام في آخر رواية إسحاق ابن عمار المتقدمة «فإذا مضوا
فليقصروا».
أقول : يمكن
المناقشة في دلالة العبارة المذكورة بناء على ان المتبادر كما هو الغالب المتكرر
في الأسفار هو حصول المسافة بعد موضع التردد ، والإطلاق في الأخبار كما عرفت في
غير مقام من ما تقدم انما ينصرف الى ما هو المتكرر الغالب المتكثر الوقوع دون
الفروض النادرة.
الخامس ـ قال
في المنتهى : لو اخرج مكرها إلى المسافة كالأسير قصر لانه مسافر سفرا بعيدا غير
محرم فأبيح له التقصير كالمختار والمرأة مع الزوج والعبد مع السيد إذا عزما على
الرجوع مع زوال اليد عنهما ، خلافا للشافعي قال لانه غير ناو للسفر ولا جازم به
فان نيته انه متى خلى رجع والجواب النقض بالعبد والمرأة. انتهى.
وظاهر كلامه (قدسسره) عدم الخلاف في المسألة إلا من العامة مع انه قال في
النهاية : لو عزم العبد على الرجوع متى أعتقه مولاه والزوجة متى طلقها أو على
الرجوع وان كان على سبيل التحريم كالإباق والنشوز لم يترخصوا لعدم القصد. انتهى.
وظاهره كما ترى
المنافاة لما اختاره في المنتهى والموافقة لما نقله عن الشافعي في الأسير لأنه لا
فرق بين الأسير ولا غيره من هؤلاء المعدودين.
وقال الشهيد في
الذكرى : ولو جوز العبد العتق أو الزوجة الطلاق وعزما على الرجوع متى حصل فلا
يترخص ، قاله الفاضل وهو قريب ان حصلت امارة لذلك وإلا
__________________
فالظاهر البناء على بقاء الاستيلاء وعدم رفعه بالاحتمال البعيد. انتهى. وهو
مؤذن بالتفصيل.
وقال في
الذخيرة : والعبد والزوجة والخادم والأسير تابعون يقصرون ان علموا جزم المتبوع ،
وقد صرح جماعة من الأصحاب بأنهم يقصرون وان قصدوا الرجوع عند زوال اليد عنهم.
والمسألة
لخلوها عن النص محل إشكال إلا ان يقصدوا المسافة ويريدوا السفر ولو تبعا. وما ذكره
في المنتهى ـ في تعليل وجوب التقصير على الأسير لو اخرج مكرها من أنه مسافر سفرا
بعيدا غير محرم ـ لا يخفى ما فيه ، فان من الشروط كما عرفت قصد المسافة وهذا غير
قاصد كما اعترف به في النهاية. وما ذكره في الذكرى لا يخلو من قرب ، والاحتياط في
المسألة عندي لازم لاشتباه الحكم وعدم وجود النص الرافع للإشكال. والله العالم.
الرابع من
الشروط المتقدمة أن لا ينقطع سفره بأحد القواطع الثلاثة التي هي إقامة عشرة أيام
والمرور بوطنه أو ملك له استوطنه ستة أشهر ومضى ثلاثين يوما مترددا ، والأصحاب (رضوان
الله عليهم) لم يذكروا في هذا الشرط إلا نية الإقامة والوطن أو الملك وأما مضى
ثلاثين يوما مترددا فإنما ذكروه في الأحكام ، وهو ان وصل بلدا ونوى اقامة العشرة
وجب عليه التمام ولو لم ينو العشرة بحيث انه يقول اليوم أخرج أو غدا فإنه يجب عليه
التقصير الى أن تمضى ثلاثون يوما ، وهذا مدلول الأخبار كما سيأتي ان شاء الله
تعالى عند ذكر المسألة. وبه يظهر لك صحة ما ذكرنا آنفا من الإشكال في ما ذكره
الأصحاب من انه لو تردد في طريقة في السفر الى مضى ثلاثين يوما وجب عليه التمام ،
مع ان مورد النصوص وظاهر كلامهم في هذا المقام ان ذلك ليس من القواطع مطلقا وإلا
لعدوه في هذا الشرط مع انهم لم يذكروه كما لا يخفى على من راجع كلامهم وانما ذكروه
في تلك المسألة المخصوصة ، هذا مع دلالة النصوص ايضا على التخصيص بالإقامة في
البلد كما
سيظهر لك ان شاء الله تعالى ، إلا انه لما كان من جملة القواطع في الجملة
ولو بخصوص ما ذكرناه حسن عده في هذا المكان كما ذكره أيضا في المفاتيح.
وكيف كان
فالكلام هنا يقع في مقامات ثلاثة الأول ـ في نية الإقامة عشرا وانقطاع السفر بها ،
إلا ان انقطاع السفر بها يكون على وجهين (أحدهما) ـ ان يقصد المسافة ويسافر ثم
تعرض له نية الإقامة عشرة فإنه يجب عليه التمام ، وعلى هذا يكون الشرط المذكور
شرطا في استمرار القصد بمعنى انه يشترط في استمرار قصد المسافة ان لا يقطعه بنية
إقامة عشرة. وهذا هو مدلول الأخبار الآتية. و (ثانيهما) ـ أن ينوي مسافة لا يعزم
على إقامة العشرة في أثنائها فلو نوى مسافة ثمانية فراسخ مثلا لكن في عزمه إقامة
عشرة في أثنائها فإن هذا لا يجوز له التقصير بل فرضه التمام من وقت خروجه لانه
بنية إقامة العشرة في الأثناء لم يحصل له قصد المسافة ، وعلى هذا فالشرط المذكور
شرط في وجوب التقصير ، والحجة في وجوب الإتمام هنا عدم تحقق قصد المسافة كما عرفت
، واما في الأول فالأخبار. وقد صرح غير واحد من الأصحاب بأنه لا فرق في نية المقام
الموجبة لقطع السفر بين كون ذلك في بلد أو قرية أو بادية ولا بين العازم على
استمرار السفر بعد المقام وغيره.
ومن أخبار المسألة
المشار إليها ما رواه في الكافي والتهذيب عن زرارة في الصحيح عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «قلت له أرأيت من قدم بلدة الى متى ينبغي له أن
يكون مقصرا ومتى ينبغي له أن يتم؟ قال إذا دخلت أرضا فأيقنت ان لك بها مقاما عشرة
أيام فأتم الصلاة ، فان لم تدر ما مقامك بها تقول غدا أخرج أو بعد غد فقصر ما بينك
وبين أن يمضي شهر فإذا تم لك شهر فأتم الصلاة وان أردت أن تخرج من ساعتك».
وعن أبي أيوب
الخزاز في الصحيح أو الحسن قال : «سأل محمد بن مسلم
__________________
أبا عبد الله عليهالسلام وأنا أسمع عن المسافر ان حدث نفسه بإقامة عشرة أيام؟
قال فليتم الصلاة ، وان لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلاثين يوما ثم ليتم
وان كان أقام يوما أو صلاة واحدة. فقال له محمد بلغني انك قلت خمسا؟ قال قد قلت
ذاك. قال الخزاز فقلت انا : جعلت فداك يكون أقل من خمس؟ قال لا».
وعن منصور بن
حازم في الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سمعته يقول إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة
أيام فأتم الصلاة ، فإن تركه رجل جاهلا فليس عليه اعادة».
وما رواه في
الفقيه في الصحيح عن معاوية بن وهب عن ابى عبد الله عليهالسلام انه قال : «إذا دخلت بلدا وأنت تريد المقام عشرة أيام
فأتم الصلاة حين تقدم وان أردت المقام دون العشرة فقصر ، وان أقمت تقول غدا أخرج
وبعد غد ولم تجمع على عشرة فقصر ما بينك وبين شهر فإذا تم الشهر فأتم الصلاة. قال
قلت ان دخلت بلدا أول يوم من شهر رمضان ولست أريد أن أقيم عشرا؟ قال : قصر وأفطر.
قلت : فان مكثت كذلك أقول غدا أو بعد غد فأفطر الشهر كله واقصر؟ قال نعم هذا واحد
إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سألته عن المسافر يقدم الأرض فقال ان حدثته نفسه
أن يقيم عشرا فليتم وان قال اليوم أخرج أو غدا أخرج ولا يدرى فليقصر بينه وبين شهر
فان مضى شهر فليتم ، ولا يتم في أقل من عشرة إلا بمكة والمدينة ، وان أقام بمكة
والمدينة خمسا فليتم».
وما رواه في
الفقيه في الصحيح عن ابى ولاد الحناط قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام انى كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيام
فأتم الصلاة ثم بدا لي بعد أن لا أقيم بها فما ترى لي أتم أم أقصر؟ فقال ان كنت
دخلت
__________________
المدينة وصليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها ،
وان كنت حين دخلتها على نيتك المقام ولم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا
لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار ان شئت فانو المقام عشرا وأتم وان لم تنو
المقام عشرا فقصر ما بينك وبين شهر فإذا مضى لك شهر فأتم الصلاة».
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يدركه شهر رمضان في السفر فيقيم
الأيام في المكان عليه صوم؟ قال لا حتى يجمع على مقام عشرة أيام وإذا أجمع على
مقام عشرة أيام صام وأتم الصلاة. قال : وسألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر
رمضان وهو مسافر يقضي إذا أقام الأيام في المكان؟ قال لا حتى يجمع على مقام عشرة
أيام».
وما رواه
المشايخ الثلاثة في الصحيح عن على بن يقطين عن ابى الحسن عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يخرج في السفر ثم يبدو له في
الإقامة وهو في الصلاة قال يتم إذا بدت له الإقامة».
وروى الشيخ في
التهذيب عن محمد بن سهل عن أبيه قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الرجل يخرج في سفر ثم تبدو له الإقامة وهو في صلاته أيتم
أم يقصر؟ قال يتم إذا بدت له الإقامة».
إذا عرفت ذلك
فالكلام يقع هنا في مواضع الأول ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم)
اشتراط التوالي في هذه العشرة بمعنى انه لا يخرج من ذلك المحل الى محل الترخص ،
واما الخروج الى ما دون ذلك فالظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في جوازه ، فان
المستفاد من الأخبار وكلام علمائنا الأبرار على وجه لا يدخله الشك والإنكار إلا
ممن لم يعض على المسألة بضرس قاطع ولم يعط التأمل حقه في هذه المواضع ان الحدود
الشرعية لكل بلد عبارة عن منتهى
__________________
سماع أذانها ورؤية من وراء جدرانها وهو الذي يحصل به الترخص من جميع
أطرافها. وما اشتهر في هذه الأوقات المتأخرة والأزمنة المتغيرة ـ من أن من أقام في
بلد أو قرية مثلا فلا يجوز له الخروج من سورها المحيط بها أو عن حدود بنيانها
ودورها ـ فهو ناشىء عن الغفلة وعدم إعطاء النظر حقه من التأمل في الأخبار وكلام
الأصحاب كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى من ما نذكره في الباب.
ثم ان الأصحاب (رضوان
الله عليهم) استدلوا على اشتراط التوالي في العشرة بان ذلك هو المتبادر من الأخبار
:
قال السيد
السند (طيب الله مرقده) في المدارك : وهل يشترط في العشرة التوالي بحيث لا يخرج
بينها الى محل الترخص أم لا؟ الأظهر اشتراطه لانه المتبادر من النص وبه قطع الشهيد
في البيان وجدي (قدسسره) في جملة من كتبه ، وقال في بعض فوائده بعد أن صرح باعتبار
ذلك : وما يوجد في بعض القيود ـ من ان الخروج الى خارج الحدود مع العود الى موضع
الإقامة ليومه أو لليلته لا يؤثر في نية الإقامة وان لم ينو إقامة عشرة أيام
مستأنفة ـ لا حقيقة له ولم نقف عليه مسندا الى أحد من المعتبرين الذين تعتبر
فتواهم ، فيجب الحكم بإطراحه حتى لو كان ذلك في نيته من أول الإقامة بحيث صاحبت
هذه النية نية إقامة العشرة لم يعتد بنية الإقامة وكان باقيا على القصر لعدم الجزم
بإقامة العشرة المتوالية فإن الخروج الى ما يوجب الخفاء يقطعها ونيته في ابتدائها
يبطلها. انتهى كلامه (قدسسره) وهو جيد. لكن ينبغي الرجوع في صدق الإقامة إلى العرف
فلا يقدح فيها الخروج الى بعض البساتين أو المزارع المتصلة بالبلد مع صدق الإقامة
فيها عرفا. انتهى كلام السيد المشار إليه
أقول : ما نقله
عنه من هذا الكلام الذي نسبه الى فوائده قد صرح به في رسالته التي في هذه المسألة
المسمى بنتائج الأفكار ، وهو ظاهر في بطلان ما توهمه من قدمنا النقل عنه من القول
ببطلان الإقامة بالخروج الى خارج سور البلد ونحوه.
وقال المحقق
الأردبيلي (نور الله مرقده) في شرح الإرشاد : وهل يشترط
في نية الإقامة في بلد ان يكون بحيث لا يخرج الى محل الترخص أو يكفي عدم
السفر إلى مسافة أو يحال الى العرف بحيث يقال انه مقيم في هذا البلد فلا يضره
السير في البساتين والأسواق البعيدة عن منزله وغير ذلك؟ قد صرح الشهيد في البيان
بالأول. الى ان قال : الظاهر من الأخبار هو الإطلاق من غير قيد ، ولو كان مثل ذلك
شرطا لكان الأولى بيانه في الأخبار وإلا يلزم التأخير والإغراء بالجهل ، فيمكن
تنزيله على العرف بمعنى انه جعل نفسه في هذه العشرة من المقيمين في البلد بمعنى ان
هذا موضعه ومكانه ومحله مثل أهله فلا يضره السير في الجملة إلى البساتين والتردد
في البلد وحواليه ما لم يصل الى موضع بعيد بحيث يقال انه ليس من المقيمين في البلد
، وكذا لو تردد كثيرا أو دائما في المواضع البعيدة في الجملة. ولا يبعد عدم ضرر
الخروج الى محل الترخص أحيانا لغرض من الأغراض مع كون المسكن والمنزل في موضع معين
لصدق إقامة العشرة عرفا المذكورة في الروايات. انتهى. وهو جيد.
وظاهر كلامه
كما ترى ينجر الى جواز الخروج الى موضع الترخص أحيانا لعدم منافاته لصدق الإقامة
عرفا ، واليه يرجع ما قدمنا نقله عن السيد السند من قوله بعد نقل كلام جده «لكن
ينبغي الرجوع. الى آخره».
وقال شيخنا
المجلسي (عطر الله مرقده) بعد نقل كلام شيخنا الشهيد الثاني المتقدم : والظاهر ان
عدم التوالي في أكثر الأحيان يقدح في صدق المعنى المذكور عرفا ولا يقدح فيه أحيانا
، كما إذا خرج يوما أو بعض يوم الى بعض البساتين والمزارع المتقاربة وان كان في حد
الخفاء ولا بأس به. والمسألة مشكلة وهي من مواضع الاحتياط. انتهى.
واما القول
الذي أشار إليه المحقق المذكور ـ بقوله «أو يكفي عدم السفر إلى مسافة ، وهو الذي
أشار إليه شيخنا الشهيد الثاني في ما قدمنا من نقل سبطه عنه بقوله «وما يوجد في
بعض القيود من أن الخروج الى خارج الحدود مع العود. الى آخره» ـ فهو منقول عن فخر
المحققين ابن شيخنا العلامة ، قال في رسالته
نتائج الأفكار : وفي بعض الحواشي المنسوبة الى الامام فخر الدين بن المطهر (قدسسره) عدم قطع نية الخروج الى القرى المتقاربة والمزارع
الخارجة عن الحدود لنية الإقامة بل يبقى على التمام سواء قارنت النية الأولى أم
تأخرت وسواء نوى بعد الخروج إقامة عشرة مستأنفة أم لا. انتهى.
أقول : وبذلك
ظهر ان في المسألة أقوالا ثلاثة (أحدها) ـ وهو الذي صرح به الشهيدان والظاهر انه
المشهور ـ جواز التردد في حدود البلد وأطرافها ما لم يصل الى محل الترخص.
و (ثانيها) ـ الرجوع
في ذلك الى العرف كما سمعت من كلام المولى الأردبيلي وتلميذه السيد السند وشيخنا
المجلسي (قدس الله أسرارهم) والظاهر انه الأقرب.
و (ثالثها) ـ القول
بالبقاء على التمام ما لم يقصد المسافة وان تردد حيث شاء وأراد كما هو المنقول عن
فخر المحققين.
وربما كان
مستنده صحيحة أبي ولاد المتقدمة الدالة على انه متى نوى الإقامة فصلى فريضة
بالتمام وجب عليه التمام الى أن يقصد المسافة.
إلا ان فيه ان
الأمر وان كان كذلك لكن الكلام في بقاء الإقامة ، فإن مقتضى الخبر المذكور ترتب
استصحاب التمام الى أن يقصد المسافة على الإقامة مع صلاة فريضة فلا بد من ثبوت
الإقامة وبقائها ليجب استصحاب التمام ، والخصم يدعى ان الإقامة في صورة التردد على
ما زاد على محل الترخص قد زالت ، فان مقتضى الأخبار الدالة على ترتب التمام على
نية الإقامة في البلد هو انه لا يخرج من حدودها لما أشرنا إليه في أول الكلام من
أن حدود البلد مواضع الترخص من جميع نواحيها فمعنى الإقامة بها يعنى عدم الخروج من
حدودها ، فوجوب التمام عليه مترتب على عدم خروجه فمتى خرج زالت الإقامة وزال ما
يترتب عليها من وجوب الإتمام ، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه.
بقي الكلام في
تحديد الخروج الموجب لزوال الإقامة هل هو كما ذكره الشهيدان
ومن تبعهما أو ما ذكره المحقق الأردبيلي ومن تبعه؟ وهذا بحث آخر خارج عن ما
نحن فيه مع انا قد أشرنا الى أن الأقرب هو ما ذكره المحقق الأردبيلي (قدسسره) ومن اقتفاه. والله العالم.
الثاني ـ لا
خلاف ولا إشكال في أن بعض اليوم لا يحسب بيوم كامل ولو كان النقصان يسيرا ، إنما
الإشكال والخلاف في أنه هل يضم بعض يوم الدخول الى ما يتمه من آخر العدد فيحصل
التلفيق في اليوم العاشر كأن ينوي الإقامة وقت الزوال فيشترط الى ما ينتهى إلى
زوال اليوم الحادي عشر أم لا بد من عشرة كاملة غير يومي الدخول والخروج في الصورة
المفروضة؟ وجهان بل قولان صرح بأولهما الشهيد في الذكرى ، قال : الأقرب انه لا
يشترط عشرة أيام غير يوم الدخول والخروج لصدق العدد حينئذ. وبذلك صرح الشهيد
الثاني في الروض واستظهره شيخنا المجلسي في البحار. وبالثاني صرح السيد السند في
المدارك ، قال : وفي الاجتزاء باليوم الملفق من يومي الدخول والخروج وجهان أظهرهما
العدم لأن نصفي اليومين لا يسمى يوما فلا يتحقق إقامة العشرة التامة بذلك ، وقد
اعترف الأصحاب بعدم الاكتفاء بالتلفيق في أيام الاعتكاف وأيام العدة والحكم في
الجميع واحد. انتهى. واستشكل العلامة في النهاية والتذكرة احتسابهما من العدد من
حيث انهما من نهاية السفر وبدايته لاشتغاله في الأول بأسباب الإقامة وفي الأخير
بالسفر ومن صدق الإقامة في اليومين. ثم احتمل التلفيق.
أقول :
والمسألة لعدم النص القاطع لمادة القيل والقال وتطرق الاحتمال لا تخلو من الإشكال.
وقال بعض
مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين : ثم هل يعد من العشرة يوما الدخول والخروج؟
وهل يعتبر تلفيق بعض يوم ببعض من يوم آخر أم لا؟ والذي يظهر من إطلاق الأخبار ـ وعدم
ورود تحديد في هذا الأمر مع عموم بلواه وكثرة وروده في الروايات ـ ان المرجع في
ذلك الى العرف كما انه كذلك في سائر
الأمور الغير المحدودة في الشرع ، ومن المعلوم ان في العرف لا ينظر الى نقص
بعض شيء من الليل أو النهار كساعة وساعتين مثلا في احتسابه من التمام فلا يلزم
القول بالتلفيق وإخراج يومي الدخول والخروج من العدد كلية. نعم لو فرض
دخوله عند الزوال مثلا وكذا الخروج بعده بقليل فظاهر العرف عدم عده تاما. ومن ما
يؤيد جميع ما ذكرناه قوله عليهالسلام في ما مر من صحيحة زرارة «من قدم قبل التروية بعشرة
أيام وجب عليه إتمام الصلاة». لظهور ان الحاج يخرج في ذلك اليوم من الزوال. انتهى.
أقول : قد عرفت
في ما قدمنا في غير موضع من الكتاب ما في حوالة الأحكام الشرعية على العرف ، على
ان ما ذكره هنا من نسبة هذه الأمور إلى العرف انما هو باعتبار ما تخلية وإلا فمن
أين له الوقوف على استعلام عرف عامة الأقطار والأمصار واستعلام ما ذكره من هذه
الخيالات؟ وبدون ذلك لا يجدى الاستناد الى العرف ، على ان قصارى كلامه بالنسبة إلى
اليوم الناقص هل يحسب من العدد أم لا؟ فإنه فصل فيه بين النقصان اليسير والكثير ،
وأما التلفيق الذي هو محل البحث مع انه قد صرح به في صدر عبارته فلا دلالة لكلامه
عليه. وأما الرواية التي أوردها فهي بالدلالة على خلاف ما يدعيه أظهر ، فإن الظاهر
منها ان العشرة قد حصلت وكملت قبل يوم التروية فوجوب إتمام الصلاة عليه لحصول
العشرة الكاملة ويوم التروية خارج عنها ، فاستناده الى أن الحاج يخرج في ذلك اليوم
من الزوال لا يجدى نفعا في المقام لظهور أنه زائد على العشرة وليس بداخل فيها ،
فان قوله عليهالسلام «من قدم قبل التروية بعشرة أيام» أظهر ظاهر في خروجه عن العشرة كما لا
يخفى.
وبالجملة
فالمسألة لما كانت عارية من النص كثرت فيها الخيالات وتطرقت إليها الاحتمالات
كغيرها من المسائل العارية عن النصوص والاحتياط فيها من ما لا ينبغي تركه. والله
العالم.
__________________
الثالث ـ المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا ينقطع السفر بنية أقل من عشرة بل الواجب هو
التقصير ، وظاهر المنتهى دعوى الإجماع عليه حيث قال انه قول علمائنا. ويدل عليه
صريحا ما تقدم في صحيحة معاوية بن وهب من قوله عليهالسلام : «وان أردت المقام دون العشرة فقصر ما بينك وبين شهر.
الحديث».
ونقل عن ابن
الجنيد انه اكتفى بإقامة خمسة. أقول : ظاهر عبارته المنقولة في المقام انحصار ذلك
في الخمسة ، حيث قال في كتاب المختصر الأحمدي : لو نوى المسافر عند دخوله البلد أو
بعده مقام خمسة أيام فصاعدا أتم. ولم يتعرض لذكر العشرة بوجه.
قال شيخنا
الشهيد في الذكرى : اجتزأ ابن الجنيد وحده في إتمام المسافر بنية مقام خمسة أيام
وهو مروي في الحسن عن الصادق عليهالسلام بطريق أبي أيوب وسؤال محمد بن مسلم ، وحمله الشيخ على
الإقامة بأحد الحرمين أو على استحباب الإتمام. وفيهما نظر لان الحرمين عنده لا
يشترط فيهما خمسة ولا غيرها ان كان أقل من خمس فلا إتمام ، واما الاستحباب فالقصر
عنده عزيمة فكيف يصير رخصة هنا. انتهى.
واعترضه المحقق
الشيخ حسن (قدسسره) في المنتقى فقال : وغير خاف ان مرجع الاستحباب في مثله
الى التخيير مع رجحان الفرد المحكوم باستحبابه ، فمناقشة الشهيد في الذكرى للشيخ
في هذا الحمل ـ بان القصر عنده عزيمة فكيف يصير رخصة هنا ـ ليس لها محصل وفيها سد
لباب التخيير بين الإتمام والقصر ، والأدلة قائمة على ثبوته في مواضع فلا وجه لافراد
هذا الموضع منها بالمناقشة ، ولو لا قصور الخبر من جهة السند عن مقاومة ما دل على
اعتبار إقامة العشرة لما كان عن القول بالتخيير في الخمسة معدل وان كان خلاف
المعروف بين المتأخرين. انتهى.
__________________
وقال السيد
السند (طاب ثراه) في المدارك ـ بعد نقل قول ابن الجنيد والاستدلال له بحسنة أبي
أيوب المتقدمة التي أشار إليها في الذكرى ـ ما لفظه : وهي غير دالة على الاكتفاء
بنية إقامة الخمسة صريحا لاحتمال عود الإشارة إلى الكلام السابق وهو الإتمام مع
إقامة العشرة. وأجاب عنها الشيخ في التهذيب بالحمل على من كان بمكة أو المدينة وهو
حمل بعيد. وكيف كان فهذه الرواية لا تبلغ حجة في معارضة الإجماع والأخبار الكثيرة.
انتهى.
أقول وبالله
التوفيق لإدراك المأمول : ان ما ذكروه من استبعاد حمل الشيخ حسنة أبي أيوب على مكة
والمدينة غير موجه ، فان الشيخ قد استدل على ذلك بصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في
عداد الروايات المذكورة في صدر المقام ، وأنت خبير بأنه بعد ورود الخبر الصحيح كما
ترى بذلك فحمل إطلاق الخبر المذكور عليه غير بعيد ولا مستنكر من قواعدهم في حمل
المطلق على المقيد ، فاستبعادهم ذلك ليس في محله.
نعم يبقى
الكلام في تخصيص هذا الحكم بهذين البلدين وهو كلام آخر. مع ان الوجه فيه ما رواه
الصدوق (عطر الله مرقده) في كتاب العلل في الصحيح عن معاوية بن وهب قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام مكة والمدينة كسائر البلدان؟ قال نعم. قلت روى عنك بعض
أصحابنا انك قلت لهم أتموا بالمدينة لخمس؟ فقال ان أصحابكم هؤلاء كانوا يقدمون
فيخرجون من المسجد عند الصلاة فكرهت ذلك لهم فلذا قلته». ومن ذلك يظهر لك ان الأمر
بالإتمام بإقامة الخمسة في هذه الأخبار انما خرج مخرج التقية ويخص ذلك بالبلدين
المذكورين لما ذكره من العلة فتكون إقامة الخمسة انما هي لذلك لا مطلقا بحيث تشمل
جميع البلدان وجميع الأحوال ، وعلى هذا فلا منافاة في هذه الأخبار لما اتفقت عليه
الأخبار وكلمة الأصحاب عدا ابن الجنيد من تخصيص الإتمام بإقامة العشرة في جميع
البلدان وجملة الأحوال.
واما ما ذكره
شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) ـ من حمل حسنة أبي أيوب
__________________
على التقية بغير المعنى الذي ذكرناه ، قال لأن الشافعي وجماعة منهم قائلون
بإقامة الأربعة ولا يحسبون يوم الدخول ويوم الخروج فتحصل خمسة ملفقة وسياق الخبر ايضا يدل عليه كما لا يخفى على الخبير.
انتهى ـ
فظني بعده لأن
الأخبار المتعلقة بهذا الحكم متى ضم بعضها الى بعض فإنها واضحة الدلالة طافحة
المقالة في ما ذكرناه من اختصاص الحكم بالبلدين المذكورين ، وان الوجه في التقية
هو ما علل به في صحيحة معاوية بن وهب المذكورة ، على ان ما ذكره متوقف على ثبوت
التلفيق وقد عرفت من ما تقدم انه محل اشكال.
وأما ما ذكره
الشيخ ايضا ـ من الحمل على الاستحباب وان جنح إليه جملة ممن تأخر عنه من الأصحاب ـ
فقد عرفت من ما قدمناه في غير موضع انه مع كونه لا مستند له من سنة ولا كتاب مدفوع
بان الاستحباب حكم شرعي كالوجوب والتحريم يتوقف على الدليل الواضح ، ومجرد اختلاف
الأخبار لا يستلزم ذلك لجواز أن يكون لذلك وجه آخر من تقية ونحوها.
وممن ناقش
الشيخ في هذا الحمل زيادة على ما ذكره في الذكرى العلامة في المختلف حيث قال ـ بعد
أن نقل عن الشيخ حمل حسنة أبي أيوب على الاستحباب أو لا ثم على مكة والمدينة ثانيا
ـ ما صورته : والحمل الأول ليس بجيد لأن فرضه التقصير.
وأما ما اعترض
به في المنتقى على الشهيد ـ كما قدمنا نقله من المناقشة وقوله : «ان في ذلك سدا
لباب التخيير. الى آخره» فالظاهر انه ليس في محله ، وذلك فان الظاهر ان مراد
الشهيد وكذا العلامة كما سمعت من كلامه في المختلف انما هو ان الشارع قد أوجب على
المسافر المستكمل للشروط المعتبرة القصر عزيمة ، وهذا المسافر الناوي خمسة من جملة
ذلك فيكون القصر عليه عزيمة ، واستثناؤه من الضابط المذكور يحتاج الى دليل واضح ،
ومجرد دلالة هذا الخبر على انقطاع السفر بإقامة خمسة
__________________
لا يصلح لان يكون مستندا للاستحباب الموجب للتخيير كما يدعيه المحقق
المذكور ، لعدم انحصار الحمل في ذلك بل يجوز أن يحمل على وجوه أخر من تقية والحمل
على خصوص مكة والمدينة كما هو أحد احتمالي الشيخ ايضا ، وحينئذ فكيف يجوز الخروج
عن ما هو واجب عزيمة بالأخبار الصحيحة الصريحة المتفق على العمل بها بما هذا سبيله؟
ولا ريب ان الاستدلال على هذا الوجه الذي ذكرناه من ما لا تعتريه شائبة الاختلال
ولا يدخله الإشكال. وبه يظهر لك ضعف ما أورده المحقق المذكور على شيخنا الشهيد (عطر
الله مرقديهما) وما فيه من القصور.
ثم ان قوله في
المنتهى في آخر عبارته «وان كان خلاف المعروف بين المتأخرين» لا يخلو من نظر
لإيذانه بان المتقدمين أو أكثرهم على القول بالتخيير مع انه ليس كذلك لما تقدم من
كلام المنتهى المؤذن بالإجماع على وجوب التقصير متى قصرت المدة عن عشرة أيام ، ولم
يذهب الى اعتبار الخمسة أحد من المتقدمين غير ابن الجنيد حيث أنه جعلها موجبة
للإتمام ، والأصحاب سلفا وخلفا على التخصيص بالعشرة ولم ينقل عن أحد اعتبار الخمسة
تعيينا أو تخييرا ، غاية الأمر ان الشيخ في مقام الجميع بين الأخبار في كتابه جمع
هنا بهذا الجمع في أحد احتماليه ، وهو لا يستلزم أن يكون مذهبا له سيما مع ذكره
على جهة الاحتمال وذكر غيره معه ، على انه لو اعتبرت وجوه الجمع التي يذكرها في
كتابيه مذاهب له لم تنحصر مذاهبه في عد ولم تقف على حد.
واما ما ذكره
في المدارك من احتمال عود الإشارة إلى الكلام السابق فبعيد جدا كما ينادى به آخر
الرواية وهو قوله : «فقلت انا : جعلت فداك يكون أقل من خمسة. الى آخره ، فإنه لولا
معلومية حكم الإتمام بالخمسة عند السامع لما حسن هذا السؤال والمراجعة. وأما
استبعاده لحمل الشيخ على مكة والمدينة فهو ناشىء عن غفلته عن الرواية الواردة
بذلك كما ذكرناه ، وأكثر القصور في كلامهم ناشىء عن عدم إعطاء الفحص حقه في تتبع
الأدلة والاطلاع عليها فهو معذور من جهة وغير
معذور من اخرى سامحنا الله وإياهم بلطفه وكرمه.
ثم ان ما ذكره
في المدارك وكذا في المنتقى ـ من قصور الرواية من حيث السند مع ان حسنها انما هو
بإبراهيم بن هاشم الذي قد عد حديثه في الصحيح جملة من أصحاب هذا الاصطلاح وتلقاه
بالقبول جملة علمائنا الفحول ، وبذلك صرح هذان الفاضلان أيضا في غير مقام ـ من ما
لا يخفى ما فيه من المجازفة. والله العالم.
الرابع ـ قال
في المدارك : إذا سبقت نية المقام ببلد عشرة أيام على الوصول إليه ففي انقطاع
السفر بما ينقطع بالوصول الى بلده من مشاهدة الجدران وسماع الأذان وجهان ، أظهرهما
البقاء على التقصير الى ان يصل البلد وينوي المقام فيها ، لأنه الآن مسافر فيتعلق
به حكمه الى أن يحصل ما يقتضي الإتمام. ولو خرج من موضع الإقامة إلى مسافة ففي
ترخصه بمجرد الخروج أو بخفاء الجدران أو الأذان الوجهان ، والمتجه هنا اعتبار
الوصول الى محل الترخص ، لان محمد بن مسلم سأل الصادق عليهالسلام فقال له : «رجل يريد السفر فيخرج متى يقصر؟ فقال إذا
توارى من البيوت». وهو يتناول من خرج من موضع الإقامة كما يتناول من خرج من بلده.
انتهى.
أقول : لا يخفى
ان المفهوم من أخبار تحديد محل الترخص بسماع الأذان وعدمه والخفاء عن من وراء
البيوت وعدمه ـ وكذا ما صرح به الأصحاب كما تقدم من أن ناوي الإقامة في بلد لا
يضره التردد في نواحيها ما لم يبلغ محل الترخص ـ هو أن حدود البلد شرعا من جميع
نواحيها هي هذه المواضع المذكورة ، وان المتوطن في البلد لو أراد السفر منها وجب
عليه الإتمام إلى الحد المذكور الذي هو عبارة عن الخفاء في الأمرين المذكورين ،
وكذا لو رجع من سفره فإنه يجب عليه التقصير الى الحد المذكور الذي هو عبارة عن
سماع الأذان ورؤية من خلف الجدران ، وما ذاك جميعه إلا من حيث انتهاء حدود البلد
شرعا الى ذلك الموضع كما عرفت ،
__________________
وقضية ذلك ان المقيم بها كالمتوطن فيها. إلا انهم اختلفوا هنا في الداخل
إليها من غير أهلها لو قصد نية الإقامة بها قبل الوصول إليها فهل يصير حكمه حكم
صاحب البلد فيتم متى سمع الأذان أو رأى من عند جدران البلد أو لا حتى يدخل البلد
وينوي الإقامة بها؟ ظاهر جماعة : منهم ـ السيد السند وقبله جده في الروض الثاني ،
وبالأول صرح المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، وهو الأظهر لما قدمناه في صدر
الكلام.
واما ما ذكره
السيد هنا من الاحتجاج على ما ذهب اليه فيمكن تطرق الاعتراض عليه (اما أولا) ـ فلان
ما علل به أظهرية ما اختاره من قوله «انه الآن مسافر» ممنوع فان الخصم يدعى انه
حيث دخل في حدود البلد مع نية الإقامة التي حصلت منه قبل الدخول حاضر ، ولا خلاف
عندهم في اعتبار هذه الحدود في حال الخروج فكذا في حال الدخول ، فاستدلاله بما
ذكره لا يخرج عن المصادرة.
واما ما ذكره
جده (قدسسره) في الروض ـ من أنه من ما يضعف كونها بحكم بلده من كل
وجه انه لو رجع فيها عن نية الإقامة قبل الصلاة تماما أو ما في حكمها يرجع الى
التقصير وان أقام فيها أياما وساوت غيرها من مواضع القرية ـ ففيه ما ذكره المحقق
الأردبيلي عطر الله مرقده) حيث قال : ان حكم موضع الإقامة حكم البلد وينتهى السفر
هنا كما ينتهي في البلد بالوصول الى محل الترخص ويحصل بالخروج عنه من غير فرق وهو
ظاهر ، وعدم كون حكمه حكم البلد باعتبار أنه لو رجع عن نية الإقامة قبل الصلاة
تماما يرجع الى القصر ليس من ما يضعف ذلك كما قاله الشارح ، لأن المماثلة إنما
حصلت بالنية فمعنى كون حكمه حكم البلد باعتبار انه لو رجع كان حكمه حكم البلد ما دام متصفا بذلك الوصف وهو ظاهر. انتهى. وهو جيد وجيه
كما لا يخفى على الفطن النبيه.
و (اما ثانيا)
ـ فان ما حكم به ـ من اتجاه اعتبار الوصول الى محل الترخص في ترخصه للخروج دون
مجرد الخروج من البلد لرواية محمد بن مسلم باعتبار شمولها
__________________
للمقيم كصاحب البلد ـ فهو آت في ما نحن فيه وجار في ما ندعيه ، فإن صحيحة
عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليهالسلام ـ قال : «إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فأتم
وإذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصر ، وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك». ـ
شاملة بإطلاقها لهذين الفردين في حالتي كل من الدخول والخروج ، فان قوله عليهالسلام : «وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك» شامل لمن قدم بنية
الإقامة وانه متى سمع الأذان وجب عليه التمام.
وتوضيحه ان
السيد قد صرح في رواية محمد بن مسلم بشمولها للقاطن والغريب المقيم بالنسبة إلى
خفاء الجدران لو أراد الخروج ، ويلزمه مثل ذلك في صدر صحيحة عبد الله بن سنان
بالنسبة إلى الأذان البتة ، والمخاطب في عجزها هو المخاطب في صدرها فإذا فرض الحكم
في صدرها بشمول الفردين فيجب ان يكون في عجزها كذلك. ولا يتوهم من قوله «وإذا قدمت
من سفرك» الاختصاص بكون القادم من أهل البلد دون القادم الغريب الذي يريد الإقامة
فيها ، لأن إطلاق القدوم بالنسبة إلى الغريب القادم أراد الإقامة أم لا ليس بممتنع
لغة ولا عرفا ، بل قد ورد هذا اللفظ كذلك في صحيحة زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام من قوله : «أرأيت من قدم بلدة الى متى ينبغي له أن يكون
مقصرا؟. الحديث». وحينئذ فكما ان رواية محمد بن مسلم التي أوردها دلت على مشاركة
المقيم لصاحب البلد في وجوب الإتمام الى حال الخروج الى الحد المذكور ثم التقصير ،
كذلك صحيحة عبد الله بن سنان دلت على اشتراكهما في الحالين بالتقريب المتقدم. ومثل
ذلك صحيحة حماد بن عثمان المروية في كتاب المحاسن عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا سمع الأذان أتم المسافر». فإنها شاملة
بإطلاقها لكل قادم من سفره الى بلد سواء كانت بلده أو بلدا عزم الإقامة فيها قبل
وصولها.
ولو قيل : ان
وجه الفرق بين حالة الدخول والخروج ظاهر من حيث صدق
__________________
الإقامة عليه في الثاني دون الأول ، فإنه في حال الدخول مسافر الى ان يدخل
البلد كما ذكر سابقا.
قلنا : قد تقدم
في أول البحث ان حدود البلد من محل الترخص كما أوضحناه من الأخبار وكلام الأصحاب
ولا يختص بالوصول الى البيوت. وايضا فمتى سلم صدق صدر صحيحة ابن سنان الواردة في
الأذان على الفردين باعتبار الخروج حسبما اعترف به في رواية محمد بن مسلم بالنسبة
إلى الجدران لزم ذلك في عجزها ، لقوله عليهالسلام : «وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك» وحاصل معنى الخبر حينئذ
انه عليهالسلام قال : إذا كنت في الموضع الذي تسمع الأذان في خروجك من
البلد مقيما كنت فيها أو من أهل البلد فأتم وإذا كنت لا تسمع فقصر ، وإذا قدمت من
سفرك فمثل ذلك من أهل البلد كنت أو ناويا الإقامة بها. فكأنه قال هذا الحكم لا فرق
فيه بين الدخول والخروج للداخل والخارج. نعم يخرج منه الداخل الغير القاصد للإقامة
بالبلد حال دخوله لأنه مسافر وان تجدد له القصد بعد دخوله ويبقى ما عداه داخلا تحت
إطلاق الخبر. والله العالم.
الخامس ـ قال
في المنتهى : لو عزم على إقامة طويلة في رستاق ينتقل فيه من قرية إلى قرية ولم
يعزم على الإقامة في واحدة منها المدة التي يبطل حكم السفر فيها لم يبطل حكم سفره
، لانه لم ينو الإقامة في بلد بعينه فكان كالمنتقل في سفره من منزل الى منزل. قال
في المدارك بعد نقل ذلك : وهو حسن.
أقول : ظاهره
انه ما لم يقصد نية الإقامة في موضع من تلك القرى فإنه يبقى على القصر وان زاد
مقامه في قرية منها على ثلاثين يوما ، لانه رتب البقاء على السفر واستصحابه على
عدم نية الإقامة ، مع انه قد تقدم تصريح جملة من الأصحاب ـ منهم الشيخ في ما قدمنا
من عبارته في النهاية في فروع الشرط الثالث ـ بأنه بمضي ثلاثين يوما على المسافر
إذا توقف في الطريق بعد قطع أربعة فراسخ ينتقل حكمه الى التمام ، ومقتضى ذلك انه
هنا كذلك. إلا انا قد قدمنا ان ظاهر الأخبار وكلام
جملة من الأصحاب كما نبهنا عليه في الشرط الرابع هو اختصاص ذلك بالإقامة في
البلد ، بمعنى انه إذا دخل بلدا ولم ينو الإقامة بها بل قال اليوم أخرج أو غدا
ونحو ذلك فان الواجب عليه استصحاب التقصير الى مضى ثلاثين يوما ، وهذا هو الذي دلت
عليه الأخبار المتقدمة ثمة. وأما إثبات هذا الحكم في مجرد السفر كما تقدم فرضه في
كلام الشيخ فلا أعرف له دليلا واضحا.
فان قيل : ان
هذا منقوض عليكم بنية الإقامة عشرة أيام التي هي أحد القواطع في سفر كان أو بلد ،
كما تقدم تصريح الأصحاب بأنه لا فرق في قطعها السفر بين كونها في بلد أو فلاة من
الأرض أو نحو ذلك ، مع ان الأخبار التي استندتم إليها في تخصيص الثلاثين بالبلد هي
بعينها اخبار الإقامة عشرا وقد اشتملت على الحكمين فيلزم بمقتضى ما ذكرتم انه لا
ينقطع سفره بإقامة العشرة إلا في البلد دون الطريق.
قلنا : ليس
الأمر كما ظننت فان من جملة الأخبار المتقدمة في الشرط الرابع ما هو ظاهر في قطع
نية الإقامة للسفر ولو كان في الطريق مثل صحيحة على بن جعفر وصحيحة على بن يقطين
ورواية محمد بن سهل عن أبيه فإن إطلاقها شامل للبلد والطريق ، بل الظاهر منها سيما
صحيحة على بن يقطين ورواية محمد بن سهل عن أبيه إنما هو الإقامة في السفر ، حيث
قال في صحيحة على بن يقطين «سألته عن الرجل يخرج في السفر ثم يبدو له في الإقامة
وهو في الصلاة أيتم أو يقصر؟ قال يتم» ونحوها الرواية المذكورة ، فإن المتبادر منها كون ذلك
في الطريق حيث انه لا اشعار فيهما بالبلد بوجه وان صدق عنوان السفر على من كان في
البلد ولم ينو الإقامة.
ثم انه لو فرض
قصد الإقامة في إحدى قرى هذا الرستاق ترتب عليه في خروجه ما تقدم في الموضع الأول
من الخلاف في الخروج الى محل الترخص وما دونه وما زاد عليه.
السادس ـ قال
في المدارك : قد عرفت ان نية الإقامة تقطع السفر المتقدم
__________________
وعلى هذا فيفتقر المكلف في عوده الى التقصير بعد الصلاة على التمام الى قصد
مسافة جديدة يشرع فيها القصر ، ولو رجع الى موضع الإقامة بعد إنشاء السفر والوصول
الى محل الترخص لطلب حاجة أو أخذ شيء لم يتم فيه مع عدم عدوله عن السفر بخلاف ما
لو رجع الى بلده لذلك ، ولو بدا له العدول عن السفر أتم في الموضعين. انتهى. وهو
جيد.
إلا انه بقي
هنا شيء لم ينبهوا عليه ولم يتنبهوا اليه وهو غير خال من الإشكال ، وذلك فإنهم قد
ذكروا كما نبه عليه هنا انه بنية الإقامة والصلاة تماما فإنه ينقطع السفر ويجب
البقاء على التمام حتى يعزم المسافة ، وظاهرهم الاتفاق عليه وعليه دلت صحيحة أبي
ولاد الآتية ان شاء الله تعالى قريبا مع انهم قد صرحوا كما تقدم في كلام السيد السند نقلا عن
جده (قدس الله روحيهما) باشتراط التوالي في العشرة بمعنى انه لو خرج في ضمنها الى
ما دون المسافة ولو الى محل الترخص قطع إقامته ، ومقتضى بطلان الإقامة بطلان
الصلاة تماما والرجوع الى التقصير وان كان قد صلى تماما بتلك النية أولا ، مع ان
صحيحة أبي ولاد المعتضدة باتفاق الأصحاب دلت على وجوب البقاء على التمام بعد نية
الإقامة والصلاة تماما الى أن يقصد المسافة والمدافعة بين الحكمين ظاهرة ، لأن
مقتضى الحكم الأول هو وجوب الإتمام بعد النية والصلاة تماما الى أن يقصد المسافة
وهو أعم من أن يخرج في ضمن العشرة أو لا يخرج ، ومقتضى الحكم الثاني الحكم ببطلان
الإقامة بالخروج صلى أو لم يصل
ويمكن أن يقال
في الجواب بتقييد الإطلاق الأول بالحكم الثاني بمعنى انه يشترط في وجوب الإتمام
ودوامه شروط ثلاثة : نية الإقامة والصلاة تماما وعدم الخروج من موضع الإقامة على
الوجه المذكور في كلامهم. ويحتمل ايضا أن يسند وجوب الاستمرار على التمام إلى
الصلاة لا إلى النية ، بمعنى أن يقال ان نية الإقامة قد انتقضت وبطلت في الصورة
المذكورة بالخروج عن موضع الإقامة ، ووجوب البقاء على التمام انما هو بسبب الصلاة
تماما بعد تلك النية ، فعلى هذا تصير الصلاة بعد تلك
__________________
النية شرطا في دوام التمام. وهذا الوجه الثاني رأيته في كلام والدي (قدسسره) مجيبا به عن الإشكال المذكور حيث انه (طاب ثراه) تنبه
له وأورد هذا الكلام جوابا عنه وهو جيد. إلا ان الذي يظهر من الخلاف في المسألة ـ وان
من جملة الأقوال فيها هو البقاء على التمام حتى يقصد المسافة ، وهو الذي رده شيخنا
الشهيد الثاني في ما تقدم من كلامه وأنكر نسبته الى أحد المحققين المعتمدين ـ هو
أن مراد القائل بانقطاع نية الإقامة إنما هو وجوب الرجوع الى التقصير ، وإلا لما
كان هذا القول مغايرا لما ذكره شيخنا المشار اليه ولما بالغ في رده هذه المبالغة
المذكورة كما لا يخفى. والله العالم.
المقام الثاني
ـ في الملك أو المنزل الذي ينقطع به السفر ، وقد وقع الخلاف هنا في ما ينقطع به
السفر من مجرد الملك أو خصوص المنزل ، فالمشهور بين المتأخرين الاكتفاء بمجرد الملك
ولو نخلة واحدة بشرط الاستيطان في تلك البلدة ستة أشهر ، وذهب آخرون الى اشتراط
المنزل.
قال الشيخ في
النهاية : ومن خرج الى ضيعة وكان له فيها موضع ينزله ويستوطنه وجب عليه التمام وان
لم يكن له فيها مسكن فإنه يجب عليه التقصير. وهو ظاهر في اعتبار المنزل ، وأما بالنسبة
إلى الاستيطان فهو مطلق.
وقال ابن
البراج في كتاب الكامل : من كانت له قرية فيها موضع يستوطنه وينزل فيه وخرج إليها
وكانت عدة فراسخ سفره على ما قدمناه فعليه التمام ، وان لم يكن له فيها مسكن ينزل
به ولا يستوطنه كان له التقصير. وهي كعبارة النهاية.
وقال أبو
الصلاح : وان دخل مصرا له فيه وطن فنزل فيه فعليه التمام ولو صلاة واحدة.
وهذه العبارات
كلها مشتركة في التقييد بالمنزل خاصة وعدم تقييد الاستيطان بالستة الأشهر بل هي
مطلقة في ذلك.
وقال الشيخ في
المبسوط : إذا سافر فمر في طريقه بضيعة أو على مال له أو كانت
له أصهار أو زوجة فنزل عليهم ولم ينو المقام عشرة أيام قصر ، وقد روى ان
عليه التمام ، وقد بينا الجمع بينهما وهو ان ما روى انه ان كان منزله أو ضيعته من
ما قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا أتم وان لم يكن استوطن ذلك قصر.
هذه جملة من
عبائر المتقدمين وأما كلام العلامة والمحقق ومن تأخر عنهما فهو على ما حكيناه من
الاكتفاء بمجرد الملك بشرط الاستيطان ستة أشهر.
ومنشأ هذا
الاختلاف اختلاف الأخبار الواردة في المسألة فالواجب أولا ذكر الاخبار مذيلة بما
يظهر منها ثم عطف الكلام على كلام الأصحاب في المقام :
فأقول وبالله
سبحانه الثقة لبلوغ المأمول : الأول ـ من الأخبار المذكورة صحيحة إسماعيل بن الفضل
قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل سافر من أرض إلى أرض وانما ينزل قراه وضيعته قال
إذا نزلت قراك وضيعتك فأتم الصلاة وإذا كنت في غير أرضك فقصر».
أقول : ظاهر
الخبر كما ترى انه يتم بمجرد الوصول إلى الأملاك المذكورة سواء كان له فيها منزل
أو لم يكن استوطنها سابقا أم لم يستوطن قصد الإقامة أم لم يقصد.
الثاني ـ رواية
البزنطي قال : «سألت الرضا عليهالسلام عن الرجل يخرج الى ضيعته ويقيم اليوم واليومين والثلاثة
أيقصر أو يتم؟ قال يتم الصلاة كلما اتى ضيعة من ضياعه». والتقريب فيها ما تقدم وهي
أظهر في عدم اعتبار نية الإقامة.
وروى هذه
الرواية في كتاب قرب الاسناد عن احمد بن محمد بن عيسى عن احمد ابن محمد بن ابى نصر
قال : «سألت الرضا عليهالسلام عن الرجل يخرج إلى الضيعة فيقيم اليوم واليومين والثلاثة
يتم أم يقصر؟ قال يتم فيها». وهي صحيحة السند كما ترى.
الثالث ـ صحيحة
عبد الرحمن بن الحجاج قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام
__________________
الرجل يكون له الضياع بعضها قريب من بعض يخرج فيقيم فيها يتم أو يقصر؟ قال
يتم».
أقول : هكذا
لفظ الخبر في الكافي وأما في الفقيه والتهذيب فإنه قال : «يطوف» بدل «يقيم» وهو أوضح ، وعلى تقدير
نسخة «يقيم» يحتمل اقامة اليوم واليومين والثلاثة كما في الخبر السابق ويحتمل
إقامة العشرة لكن في مجموع الضياع حتى ينطبق على السؤال ، وبه يرجع الى الأخبار
المتقدمة.
الرابع ـ موثقة
عمار بن موسى عن ابى عبد الله عليهالسلام «في الرجل يخرج في سفر فيمر بقرية له أو دار فينزل فيها؟ قال يتم الصلاة
ولو لم يكن له إلا نخلة واحدة ولا يقصر وليصم إذا حضره الصوم وهو فيها». وهو ظاهر
الدلالة في المعنى المتقدم.
الخامس ـ صحيحة
عمران بن محمد قال : «قلت لأبي جعفر الثاني عليهالسلام جعلت فداك ان لي ضيعة على خمسة عشر ميلا خمسة فراسخ
ربما خرجت إليها فأقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام فأتم الصلاة أم
أقصر؟ فقال قصر في الطريق وأتم في الضيعة».
أقول : لا يخفى
ان هذه الأخبار كلها قد اشتركت في الاكتفاء في الإتمام بمجرد الملك ولا سيما موثقة
عمار.
والعجب هنا من
صاحب المدارك (قدسسره) وما وقع له من المجازفة في هذا المقام كما هي عادته في
كثير من الأحكام ، حيث قال ـ بعد قول المصنف : والوطن الذي يتم فيه هو كل موضع له
فيه ملك قد استوطنه ستة أشهر ـ ما لفظه : إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الملك
بين المنزل وغيره ، وبهذا التعميم جزم العلامة ومن تأخر عنه حتى صرحوا بالاكتفاء
في ذلك بالشجرة الواحدة ، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ في الموثق عن عمار. ثم ساق
الرواية المذكورة. ثم قال : وهذه الرواية ضعيفة السند باشتمالها على جماعة من
الفطحية ، والأصح اعتبار المنزل خاصة كما هو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية. الى
آخره.
__________________
فان فيه من
المجازفة في المقام التي لا تليق من مثله من الاعلام ما لا يخفى على ذوي الأفهام ،
وذلك فان الناظر في كلامه القاصر عن تتبع الأخبار لحسن الظن به يظن انه لا مستند
لهذا القول إلا هذه الرواية مع ان الروايات كما رأيت به متكاثرة والأخبار به
متظافرة فيها الصحيح باصطلاحه وغيره ، ولا ريب ان الواجب في مقام التحقيق هو
استقصاء أدلة القول والجواب عنها متى اختار خلافه ولكن هذه عادته (قدسسره) في غير موضع كما تقدمت الإشارة إليه.
ثم انه لا يخفى
ان هذه الأخبار قد اشتركت في كون التمام بمجرد الوصول إلى الأملاك المذكورة من غير
تقييد بشيء من نية إقامة أو استيطان ستة أشهر سابقا كما هو ظاهر سياقها. نعم في
حديث عمران بن محمد اشكال من وجه آخر حيث ان ظاهره وجوب التقصير في خمسة فراسخ مع
العلم بانقطاع السفر على رأسها ، فإن السفر قد انقطع بالوصول إلى الضيعة التي
قصدها لإيجابه عليهالسلام الإتمام فيها ، وربما كان فيه دلالة على مذهب من قال
بالتخيير في أربعة فراسخ. إلا انك قد عرفت انه قول مرغوب عنه لدلالة الروايات
الصحيحة الصريحة على ضعفه ، والخبر المذكور مشكل لا يحضرني الآن وجه الجواب عنه.
وأما ما ذكره
المحدث الكاشاني في الوافي من حمله على غير التخيير ـ حيث انه حمل الأخبار الدالة
على الإتمام بمجرد وصول الملك على التخيير وجعل هذا جوابا عن الإشكال المذكور ـ فلا
يخفى ما فيه ، لان التخيير الذي احتمله في تلك الأخبار انما هو في الملك بعد تحقق
السفر سابقا ، لأن الأخبار اختلفت في حكم الوصول الى الملك بعد تحقق السفر وانه هل
يكون قاطعا للسفر أم لا؟ والإشكال هنا انما هو في حكمه عليهالسلام بالتقصير في الطريق مع انقطاع السفر بالوصول الى الملك
، وهو هنا ليس بمسافر السفر الموجب للتقصير إلا على قول من يقول بالتخيير في مجرد
قصد الأربعة وهو لا يقول به ، وحمله على ما لا يقول به غير جيد كما هو ظاهر.
وبالجملة
فإن كلامه هنا لا يخلو عن نوع غفلة.
السادس ـ رواية
موسى بن حمزة بن بزيع قال : «قلت لأبي الحسن عليهالسلام جعلت فداك ان لي ضيعة دون بغداد فاخرج من الكوفة أريد
بغداد فأقيم في تلك الضيعة أقصر أم أتم؟ قال ان لم تنو المقام عشرا فقصر».
السابع ـ رواية
عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «من اتى ضيعته ثم لم يرد المقام عشرة أيام قصر
وان أراد المقام عشرة أيام أتم الصلاة».
أقول : وهاتان
الروايتان كما ترى صريحتان في انه لا يجوز الإتمام في الضيعة والملك بمجرد الوصول
بل لا بد من قصد إقامة عشرة أيام وبدون ذلك فان الواجب التقصير.
الثامن ـ صحيحة
على بن يقطين قال : «قلت لأبي الحسن الأول عليهالسلام الرجل يتخذ المنزل فيمر به أيتم أم يقصر؟ فقال كل منزل
لا تستوطنه فليس لك بمنزل وليس لك أن تتم فيه».
التاسع ـ صحيحة
الحلبي عن ابى عبد الله عليهالسلام «في الرجل يسافر فيمر بالمنزل له في الطريق يتم الصلاة أم يقصر؟ قال يقصر
انما هو المنزل الذي توطنه».
العاشر ـ صحيحة
سعد بن ابى خلف قال : «سأل على بن يقطين أبا الحسن الأول عليهالسلام عن الدار تكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمر بها؟ قال ان
كان من ما قد سكنه أتم فيه الصلاة وان كان من ما لم يسكنه فليقصر».
الحادي عشر ـ صحيحة
على بن يقطين قال : «قلت لأبي الحسن الأول عليهالسلام ان لي ضياعا ومنازل بين القرية والقرية الفرسخان
والثلاثة؟ فقال كل منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير».
أقول : قد
اتفقت هذه الأخبار الأربعة على ان مجرد وجود المنزل غير
__________________
كاف في الإتمام عند المرور به ما لم يستوطنه ، وإطلاقها شامل لما لو كان
الاستيطان ستة أشهر أو أقل أو أزيد.
الثاني عشر ـ صحيحة
أخرى لعلي بن يقطين ايضا قال : «سألت أبا الحسن الأول عليهالسلام عن رجل يمر ببعض الأمصار وله بالمصر دار وليس المصر
وطنه أيتم صلاته أم يقصر؟ قال يقصر الصلاة ، والضياع مثل ذلك إذا مر بها».
أقول : ينبغي
حمل الدار هنا على ما لم يحصل فيه الاستيطان. وفي الخبر أيضا دلالة على ان مجرد
المرور بالضياع لا يوجب التمام ولا يقطع السفر ، وهو خلاف ما دلت عليه الأخبار
الأولة. ويمكن جعله من قبيل الخبرين المتقدمين الدالين على انه لا يقصر في الملك
إلا بنية الإقامة عشرا فيه وإلا فالحكم التقصير ، وبعين ما يقال فيهما يقال فيه.
الثالث عشر ـ صحيحة
محمد بن إسماعيل بن بزيع عن ابى الحسن الرضا عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يقصر في ضيعته؟ قال لا بأس ما لم
ينو مقام عشرة أيام إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه. فقلت ما الاستيطان؟ فقال ان
يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر فإذا كان كذلك يتم فيها ميت دخلها».
وصدر هذه
الصحيحة موافق لما دلت عليه الرواية السادسة والسابعة من وجوب التقصير في الضيعة
ما لم ينو مقام عشرة أيام ، وعليه يحمل إطلاق صحيحة على بن يقطين الأخيرة كما
أشرنا إليه ذيلها. والجميع كما ترى ظاهر المنافاة لما دلت عليه الأخبار الأولة من
وجوب الإتمام بمجرد وصول الملك ، ودلت هذه الصحيحة ايضا على انه لا بد في المنزل
القاطع للسفر من الاستيطان كما دلت عليه الرواية الثامنة والتاسعة والعاشرة
والحادية عشرة ، إلا ان تلك الروايات مطلقة في الاستيطان وهذه قد عينته وقيدته
بستة أشهر فصاعدا فلا يكفى ما دونها ، وبها قيد الأصحاب إطلاق الروايات المشار
إليها.
__________________
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم هو تقييد أخبار الملك واخبار المنزل
بالاستيطان ستة أشهر في وجوب الإتمام بالوصول إليهما وانقطاع السفر بهما ، والذي
ظهر لي من الأخبار بعد التأمل فيها بعين الفكر والاعتبار هو اختصاص الاستيطان
بالمنزل دون مجرد الملك ، وذلك فإن أخبار الضياع والاملاك إنما اختلفت في أنه هل
يجب الإتمام بمجرد الوصول إليها كما دل عليه الخبر الأول والثاني والثالث والرابع
والخامس لو أنه لا بد من مقام عشرة فيها وبدونه يجب التقصير كما دل عليه الخبر
السادس والسابع وصدر الخبر الثالث عشر؟ وأما الاستيطان فإنما ورد في أخبار المنازل
خاصة كما عرفت من روايات على بن يقطين وصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع ، وليس فيها
ما ربما يوهم انسحابه الى الملك إلا الرواية العاشرة ، حيث اشتمل السؤال فيها على
الدار والضيعة وأجيب بأنه ان كان من ما قد سكنه أتم فيه الصلاة. ويمكن الجواب بصرف
ذلك الى الدار بخصوصها كما هو منطوق ما ذكرناه من أخبار المنزل ولا سيما الرواية
الثالثة عشرة فإنها كالصريحة في ما ذكرناه من التفصيل ، إذ ظاهرها كما ترى بالنسبة
إلى الضياع انه يقصر فيها ما لم يقم عشرة أيام وبالنسبة إلى المنازل انه يقصر فيها
ايضا ما لم يستوطنها على الوجه المذكور فيها ، ولو كان قيد الاستيطان معتبرا في
الضياع كما يدعونه لعطفه على إقامة العشرة ولم يخصه بالمنازل. ويؤيده ان المقام
مقام البيان فلو كان الحكم كذلك لأشار إليه في الخبر أو غيره. ويؤيده ان المقام
مقام البيان فلو كان الحكم كذلك لا شار إليه في الخبر أو غيره. ويؤكده أيضا النظر
الى العرف فان الاستيطان مثل المدة المذكورة انما يكون في المنازل والدور. وأما ما
ذكره الأصحاب من الاكتفاء بالاستيطان في بلد الملك وان كان في غير منزله فهو
كالأصل الذي فرعوه عليه حيث عرفت انه لا مستند له فكذا ما يرجع اليه. وبالجملة
فصحيحة ابن بزيع المذكورة ظاهرة الدلالة في ما ذكرناه حيث خص الضياع بوجوب التقصير
ما لم ينو مقام عشرة أيام والمنزل بوجوب التقصير ما لم يحصل الاستيطان.
وظاهر شيخنا
الصدوق (عطر الله مرقده) في الفقيه الإفتاء بالصحيحة
المذكورة حيث قال بعد ذكر صحيحة إسماعيل بن الفضل وهي الأولى من الأخبار
المتقدمة : يعني بذلك إذا أراد المقام في قراه وأرضه عشرة أيام ومن لم يرد المقام
بها عشرة أيام قصر إلا أن يكون له بها منزل يكون فيه في السنة ستة أشهر فإن كان
كذلك أتم متى دخلها ، وتصديق ذلك ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع. وساق الخبر.
وأنت خبير بان
ما ذكره من تقييد الخبر المذكور بما دل عليه صدر صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع
ونحوها روايتا موسى وعبد الله بن سنان وان أمكن في هذا الخبر الذي نقله ونحوه من
الأخبار المطلقة إلا انه لا يمكن في مثل الخبر الثاني الدال على الإقامة اليوم
واليومين والثلاثة والخبر الخامس الدال على الإقامة ثلاثة أو خمسة أو سبعة وظاهر
الخبر الثالث بالتقريب الذي ذكرناه في ذيله ، والتقييد بالمنزل ايضا لا تقبله تلك
الأخبار سيما مع اعتبار الاستيطان المدة المذكورة وخصوصا موثقة عمار الدالة على
الاكتفاء بالنخلة ، واللازم من تقييد تلك الأخبار المطلقة بما ذكره من الصحيحة
المذكورة ونحوها وان بعد هو طرح تلك الأخبار المشتملة على الأيام المعدودة فيها
لعدم قبولها التقييد ، وحينئذ فما ذكره غير حاسم لمادة الإشكال ولا ساد لباب
المقال.
وجملة من متأخري
المتأخرين كالمحدث الكاشاني في الوافي جمعوا بهذه الصحيحة أعني صحيحة ابن بزيع بين
الأخبار بحمل مطلقها على مقيدها بأحد القيدين أعني إقامة العشرة أو الاستيطان ،
ونقله في الوافي عن الشيخ في التهذيبين والصدوق في الفقيه.
وفيه ان
القيدين اللذين اشتملت عليهما الصحيحة المذكورة انما هما إقامة العشرة أو المنزل
الذي يستوطنه بمعنى انه لا يتم في الملك إلا بعد نية إقامة عشرة أو يكون له ثمة
منزل يستوطنه لا مجرد الاستيطان وان كان من غير منزل ، وهذا هو المعنى الذي صرح به
في الفقيه كما سمعت من عبارته. وبالجملة فإن قيد إقامة العشرة وان أمكن
في بعض الأخبار إلا انه لا يمكن في بعض آخر كما عرفت ، وقيد الاستيطان
مورده في الأخبار انما هو المنزل كما عرفت ايضا.
فما ذكره كل
منهم (رضوان الله عليهم زاعما انه وجه جمع بين الأخبار ناقص العيار بين الانكسار ،
والصحيحة المذكورة لا تنطبق على هذا الوجه ولا تساعده كما عرفت لأنها صريحة في كون
الإتمام في الملك والضيعة لا يكون إلا بإقامة عشرة أيام أو وجود المنزل المستوطن
تلك المدة ، وظاهرها ان وجود الملك وعدمه على حد سواء لان هذين القاطعين حيثما
حصلا انقطع بهما السفر.
واحتمل المحدث
المذكور في الوافي وغيره في غيره حمل ما دل على الإتمام في غير صورتي الإقامة
والاستيطان على التخيير.
وفيه ما لا
يخفى فإن الأخبار المذكورة ظاهرة بل صريحة في وجوب الإتمام وجوبا حتميا متعينا ولا
قرينة في شيء منها تؤنس بهذا الحمل بالكلية ، ووجود المناقض والمعارض لا يستدعي
ذلك ولا يكون قرينة على ارتكاب التجوز في تلك الألفاظ بإخراجها عن ظواهرها
وحقائقها ، إذ يمكن أن يكون التأويل في جانب المعارض لها أو حملها على محمل آخر.
وعندي ان أحد
طرفي هذه الأخبار المتعارضة في المقام انما خرج مخرج التقية التي هي الأصل في
اختلاف الأخبار في كل حكم وقضية ولكن أشكل تميزها ومعرفتها في أي طرف فحصل
الالتباس ، وقد دلت الأخبار على انهم عليهمالسلام كانوا يلقون الاختلاف في الأحكام تقية وان لم يكن ثمة
قائل بها من أولئك الأنعام كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب .
وبالجملة
فالمسألة في غاية الإشكال وللتوقف فيها مجال واى مجال فالواجب الاحتياط في ما عدا
المنزل المستوطن المدة المذكورة اما بإقامة العشرة أو الجمع بين الفرضين.
__________________
ثم انه بعد
وصول الكلام الى هذا المقام وفق الله للوقوف على كلام بعض مشايخنا الكرام من
متأخري المتأخرين الاعلام يؤذن بحمل الأخبار المطلقة في وجوب الإتمام بمجرد وصول
الملك على التقية ، قال لأن عامة العامة على ما نقل عنهم ذهبوا الى ان المسافر إذا
ورد في أثناء سفره منزلا له أتم فيه سواء استوطنه أم لا حتى قال بعضهم بالإتمام في
منازل أهله وعشيرته ولم يظهر من أحد منهم القول باشتراط دوام الاستيطان .
أقول : ومن
الأخبار التي يجب حملها على التقية بناء على ما ذكره شيخنا المشار إليه صحيحة
البقباق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المسافر ينزل على بعض أهله يوما أو ليلة أو ثلاثا
قال ما أحب ان يقصر الصلاة».
وقد حملها
الشيخ على الاستحباب الذي مرجعه الى التخيير بين القصر والإتمام وحملها بعض على
الاستيطان بشرائطه أو على انه يستحب أن يقيم عشرا. والظاهر بعد الجميع بل الأظهر
هو الحمل على التقية لما عرفت ، وعلى ذلك تحمل جملة تلك الأخبار المتقدمة الدالة
على وجوب الإتمام بمجرد وصول الملك ، وتعضده الأخبار الدالة على انه لا يجوز
الإتمام فيها إلا مع نية إقامة العشرة وإلا فالواجب التقصير ، لأنك قد عرفت ان
تقييدها بهذه الأخبار كما ذكره الصدوق وان أمكن في بعض إلا انه لا يمكن في بعض آخر
كالأخبار الدالة على وجوب الإتمام مع الجلوس فيها يوما أو يومين أو ثلاثة ، وحينئذ
فلم يبق إلا حملها جميعا على التقية التي هي في اختلاف الأخبار أصل كل بلية ، وهو
محمل جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه
__________________
ربه يزول الاختلاف بين هذه الأخبار.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه قال في المدارك في هذا المقام ـ بعد أن نقل عن الأصحاب الاستدلال على
قطع السفر بالملك بموثقة عمار ثم ردها بضعف السند كما قدمنا نقله عنه ـ ما صورته :
والأصح اعتبار المنزل خاصة لإناطة الحكم به في الاخبار الصحيحة ، ويدل عليه صريحا
ما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع. ثم ساق الرواية
الثالثة عشرة من الأخبار المتقدمة ، ثم قال وبهذه الرواية احتج الأصحاب على انه
يعتبر في الملك أن يكون قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا ، وهي غير دالة على ما ذكروه
بل المتبادر منها اعتبار إقامة ستة أشهر في كل سنة. وبهذا المعنى صرح ابن بابويه
في من لا يحضره الفقيه فقال بعد أن أورد قوله عليهالسلام في صحيحة إسماعيل بن الفضل. الى آخر ما قدمنا نقله عن
ابن بابويه. ثم قال : والمسألة قوية الاشكال ، وكيف كان فالظاهر اعتبار دوام
الاستيطان كما يعتبر دوام الملك لقوله عليهالسلام في صحيحة على بن يقطين «كل منزل من منازلك لا تستوطنه. الى
آخره» انتهى ملخصا.
أقول : فيه
أولا ـ زيادة على ما قدمنا من اقتصاره في نقل دليل القول المشهور على موثقة عمار
مع وجود الروايات الصحيحة الصريحة غيرها كما عرفت ـ ان وجه الإشكال في قوله : «والمسألة
قوية الإشكال» إنما هو من حيث استدلال الأصحاب بهذه الرواية على الاستيطان ستة
أشهر في الجملة والرواية تدل على دوام الاستيطان في كل سنة ، فالإشكال حينئذ عنده
من حيث ان القول بما عليه الأصحاب خروج عن ما دل عليه النص والقول بما دل عليه
النص خروج عن ما عليه الأصحاب. وأنت خبير بان هذا الإشكال سخيف ضعيف والإشكال
الحقيقي انما هو من حيث ان الاستيطان في الرواية انما وقع قيدا للمنزل كما عرفت ،
غاية الأمر انه متى كان المنزل المستوطن في الضيعة وجب الإتمام من حيث المنزل ،
وقد عرفت من روايات على بن يقطين المتعددة تقييد المنزل بالاستيطان في وجوب
الإتمام وان
كان وحده ، والقيد المعتبر في الملك بناء على الروايات الثلاث الأخيرة إنما
هو نية الإقامة ، فاستدلالهم بالرواية المذكورة ليس في محله. وأيضا فإنه صرح في
صدر كلامه بأن الأصح اعتبار المنزل خاصة دون مجرد الملك واستدل عليه بهذه الرواية
، وحينئذ فاعتبار الاستيطان إنما هو في المنزل الذي اختاره كما هو ظاهر الرواية ،
وحق العبارة بناء على ما ذكرناه انه لما نقل عن الأصحاب انهم احتجوا بهذه الرواية
على انه يعتبر في الملك الاستيطان ستة أشهر ان يرده بان اعتبار الاستيطان في
الرواية انما هو بالنسبة إلى المنزل خاصة لا الملك ، مع ان المتبادر منها اعتبار
الاستيطان ستة أشهر في كل سنة وهم قد اكتفوا بالستة ولو في سنة واحدة. هكذا كان حق
العبارة بمقتضى ما اختاره في المقام.
وثانيا ـ ان
قوله : «وكيف كان فالظاهر اعتبار دوام الاستيطان. الى آخره» بعد قوله : «والمسألة
قوية الإشكال» من ما لا يخلو من التدافع ، لأن قوة الإشكال عنده كما عرفت من حيث
الاختلاف بين كلام الأصحاب في ما اكتفوا به من الاستيطان ستة أشهر ولو في سنة وبين
الرواية في ما دلت عليه من دوام الاستيطان ، وهو مؤذن بتوقفه في المسألة من حيث
عدم إمكان مخالفة الأصحاب وعدم إمكان مخالفة الرواية فوقع في الاشكال لذلك ،
ومقتضى قوله : «وكيف كان. الى آخره» ترجيح العمل بما دلت عليه الرواية من دوام
الاستيطان كما أيده بذكر صحيحة على بن يقطين وكلام الشيخ وابن البراج.
وبالجملة فإن
الظاهر من كلامه في هذا المقام ان الخلاف هنا بين الأصحاب وقع في موضعين : (أحدهما)
ان ـ الوطن الذي ينقطع به السفر هل هو مجرد الملك الذي استوطنه كما هو المشهور أو
خصوص المنزل المستوطن؟ وهو في هذا الموضع قد حكم بأن الأصح هو القول الثاني مستندا
إلى الصحيحة المذكورة. و (ثانيهما) ـ انه هل يكفي اقامة الستة ولو مرة واحدة في
سنة كما هو المشهور أم لا بد من تجدد الإقامة في كل سنة كما هو ظاهر الصدوق والشيخ
في النهاية وابن البراج؟ وهو قد
اختار هنا القول الثاني لقوله «والظاهر اعتبار دوام الاستيطان».
وحينئذ فقد
تلخص ان مذهبه في المسألة هو القول بخصوص المنزل مع اعتبار دوام الاستيطان كل سنة
، وعلى هذا فأي إشكال هنا عنده وما وجه هذا الاشكال فضلا عن قوته حتى انه يقول «والمسألة
قوية الإشكال» وبالجملة فالظاهر ان كلامه هنا لا يخلو من مسامحة ناشئة عن
الاستعجال. والله العالم.
تنبيه
قد ذكر الأصحاب
(رضوان الله عليهم في هذا المقام جملة من الفروع والأحكام من ما يتم بها الكلام لا
بد من نقلها وذكرها لما فيها من الإيضاح للمسألة ورفع غشاوة الإبهام :
فمنها ـ ان
المستفاد من كلام الأكثر هو الاكتفاء بمقام الستة الأشهر ولو دفعة في سنة واحدة
فيتم متى وصل بعدها ولو فريضة واحدة ، وظاهر الصدوق ـ واليه مال في المدارك كما
تقدم ذكره ـ اعتبار الستة في كل سنة ، والمفهوم من كلام الفاضل الخراساني وبعض من
تأخر عنه اناطة حصول الاستيطان بالعرف من غير تقييد بمدة :
قال في الذخيرة
: والظاهر ان الوصول الى بلد له فيه منزل استوطنه بحيث يصدق الاستيطان عرفا كاف في
الإتمام. انتهى. ونحوه في الكفاية.
وقال بعض من
تأخر عنه من مشايخنا المحققين بعد نقل صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع : وخلاصة
معناه ان الإتمام بالضياع وما بحكمها إنما هو في ما يكون محلا لسكناه بحيث يعد
عرفا من أوطانه ويصدق عليه عادة انه موضع استيطانه من غير أن يعرضه الترك لذلك في
ما بعد بمرتبة تخرجه عن عداد الأوطان وصدق الاستيطان أى بحيث لا يقال انه كان وطنه
سابقا فتركه ، فإن هذا الاستيطان يتحقق بان يكون له فيه محل نزول وان لم يكن ملكا
له يسكنه دائما ستة أشهر مهما ارتحل منتقلا اليه. انتهى.
أقول : قد عرفت
أنه لا يخفى ما في احالة الأحكام الشرعية على العرف من الإشكال ، فإنا لا نجد لهذا
العرف معنى إلا باعتبار ما يتصوره مدعيه في كل مقام ويزعم أن كافة الناس على ما
ارتسم في خاطره فيحمل عليه الأحكام ، وإلا فتتبع الأقطار والأمصار ومعرفة ما عليه
عرف الناس وعادتهم في تلك الأمور التي علقوها على العرف أمر متعذر البتة ، هذا مع
ما علم يقينا من اختلاف العادات والعرف باختلاف الأقاليم والبلدان. وبالجملة فإناطة
الأحكام الشرعية بالعرف مع ما عرفت من كونه لا دليل عليه لا يخلو من الإشكال ،
والمفهوم من أخبارهم (عليهمالسلام) انه مع ورود لفظ مجمل في أخبارهم فإنه يجب الفحص عن
معناه المراد به عنهم ومع تعذر الوقوف على ذلك فالواجب الأخذ بالاحتياط والوقوف
على سواء ذلك الصراط.
ويمكن هنا أن
يقال ان لفظ الاستيطان وان كان مجملا في أكثر الأخبار إلا ان صحيحة ابن بزيع قد
صرحت بان المراد به إقامة ستة أشهر ، والمجمل يحمل على المفصل والمطلق على المقيد
فلا اشكال.
وأما ما يفهم
من كلام الصدوق ومن تبعه في هذا المقام ـ من وجوب الستة في كل سنة استنادا إلى
إفادة المضارع التجدد ـ ففيه ان الظاهر بمعونة الأخبار الكثيرة الدالة على مطلق
الاستيطان انما هو أن المراد بذلك انه لا يكفي في صدق الاستيطان المرة والمرتان بل
لا بد من تجدده واستمراره على وجه لا يتركه تركا يخرج به عن الاسم المذكور ، وأقل
ما يحصل به ذلك من المراتب اقامة الستة مرة واحدة حيث انه لم يعين في تلك الأخبار
الكثيرة مدة للتحديد بل جعل المناط هو التحديد الذي يكون سببا لعدم زوال اسم
الاستيطان ، وفي الصحيحة المذكورة أوضحه وعينه بكون أقل ذلك مدة الستة الأشهر.
وبذلك يظهر أنه لا دلالة في الرواية على ما توهموه من اعتبار إقامة الستة في كل
سنة. والله العالم.
ومنها ـ انه لا
يشترط في الستة الأشهر التوالي بل يكفى ولو كانت متفرقة. وهو جيد ، وذلك فان الحكم
بالتمام في الأخبار المتقدمة علق على مطلق الاستيطان
المدة المذكورة وهو أعم من أن يكون مع التوالي أو التفريق.
ومنها ـ انه
يشترط أن تكون الصلاة في الستة المذكورة بنية الإقامة لأنه المتبادر من قوله عليهالسلام في صحيحة ابن بزيع «منزل يقيم فيه ستة أشهر» وكذا من
لفظ الاستيطان والسكنى كما في الأخبار الأخر ، وحينئذ فلا يكفي الإتمام المترتب
على كثرة السفر ولا على المعصية بالسفر ولا بعد التردد ثلاثين يوما ولا لشرف
البقعة. نعم لا تضر مجامعتها له وان تعددت الأسباب.
ومنها ـ اشتراط
الملك في المنزل وغيره كما هو ظاهر كلامهم وبه صرح الشهيدان قال في الذكرى :
ويشترط ملك الرقبة فلا تكفي الإجارة والتملك بالوصية. ونحوه في الروض ايضا.
وظاهر بعض
متأخري المتأخرين المناقشة في الشرط المذكور ، قال في الذخيرة : واشترط الشهيد ملك
الرقبة فلا تجزئ الإجارة. وفيه تأمل.
أقول : لا يخفى
ان المفهوم من الاخبار المتقدمة بالنسبة إلى الضياع والقرى ونحوها هو اشتراط الملك
بغير اشكال وانما محل الإشكال في المنزل ، والمفهوم لغة وعرفا انه عبارة عن موضع
النزول ، قال في القاموس : النزول الحلول ونزل به حل فيه والمنزل موضع النزول.
ومثله في كتاب المصباح المنير. ولا ريب ان ذلك أعم من أن يكون ملكا أو مستأجرا أو
معارا أو نحو ذلك ، والاستناد الى اللام في المقام باعتبار حملها على التملك لا
وجه له لاحتمال حملها على الاختصاص ، بل صرح في الروض في مسألة اتخاذ البلد دار
اقامة على الدوام بان اللام كما تدل على الملك تدل على الاختصاص بل هي فيه أظهر ،
وقال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين : الحق ان الأصل في اللام الاختصاص
ومجيئها للتمليك انما هو لأجل كونه من افراد الاختصاص. وبالجملة فإن ما ذكروه في
المقام لا يخلو من الاشكال لعدم الدليل الواضح عليه بل ظاهر كلام أهل اللغة كما
عرفت خلافه.
ومنها ـ كون
الاستيطان بعد تحقق الملك بناء على القول المشهور من اشتراط
ملك الرقبة أو بعد تحقق أحد الأسباب المبيحة للنزول بناء على القول الآخر ،
فلو تقدم الاستيطان أو بعضه على ذلك لم يعتد به ، والوجه في ما ذكرنا ان الحكم في
الأخبار ترتب على الاستيطان في المنزل الذي له ملكا كان أو عارية أو نحو ذلك وهو
ظاهر في أن الاستيطان قبل وجود المنزل المتصف بأحد الوجوه المذكورة من الملكية
ونحوها لا يدخل تحت مضمون هذه العبارة.
ومنها ـ دوام
الملك فلو خرج عنه لم يترتب عليه الحكم المذكور ، قال في الذكرى : ويشترط ايضا
دوام الملك فلو خرج عن ملكه زال الحكم ، لأن الصحابة لما دخلوا مكة قصروا فيها
لخروج أملاكهم .
أقول : هذا
الشرط جيد بالنسبة إلى الملك بناء على ما قدمنا نقله عنهم من اشتراط ملك الرقبة ،
واما بناء على القول الآخر فإنه لا بد ايضا من دوام نسبة المنزل إليه بأحد الأسباب
المتقدمة ، فلو استأجره أو استعاره مدة ثم انقضت المدة وخرج عن النسبة اليه والتعلق
به فالظاهر ايضا زوال الحكم المترتب على وجود المنزل الداخل تحت تصرفه ، فان ظاهر
الأخبار اعتبار دوام السبب المذكور في دوام ما يترتب عليه
ومنها ـ انه لا
يشترط السكنى في الملك بل يكفى السكنى في البلد أو القرية حيث كان ولا يشترط كونه
له صلاحية السكنى.
قال في الروض :
ولا يشترط كون السكنى في الملك ولا كونه له صلاحية السكنى لحديث النخلة فيكفي سكنى بلد لا يخرج عن حدوده الشرعية وهي حد
الخفاء. انتهى.
أقول : أما عدم
اشتراط كون السكنى في الملك فإن أريد به بالنسبة إلى مثل الضياع والنخيل فهو من ما
لا ريب في صحته ، لان هذه الأشياء ليست محلا للسكنى عرفا فيكفي الجلوس في البلد.
إلا انك قد عرفت سابقا انه لا دليل على ما اعتبروه من اشتراط مجرد الملك بالسكنى
بل السكنى في الأخبار انما ترتب على
__________________
المنزل ، وان أريد به بالنسبة إلى المنازل فهو محل إشكال ، لأن الروايات
دلت على انه إذا كان له منزل يستوطنه وهي ظاهرة بل صريحة في كون الاستيطان في نفس
المنزل ، والحمل على تقدير مضاف أى يستوطن بلده بعيد غاية البعد ، فما ذكروه (عطر
الله مراقدهم) هنا لا يخلو من وصمة الإشكال.
ومنها ـ انه قد
صرح غير واحد منهم (رضوان الله عليهم) بأنه لو اتخذ بلدا دار اقامة على الدوام فان
حكمه حكم الملك :
قال في المدارك
: والحق العلامة ومن تأخر عنه بالملك اتخاذ البلد دار اقامة على الدوام ولا بأس به
الخروج المسافر بالوصول إليها عن كونه مسافرا عرفا. قال في الذكرى : وهل يشترط هنا
الاستيطان الستة الأشهر؟ الأقرب ذلك ليتحقق الاستيطان الشرعي مضافا الى العرف. وهو
غير بعيد لأن الاستيطان على هذا الوجه إذا كان معتبرا مع وجود الملك فمع عدمه
أولى. انتهى.
أقول : لا يخفى
ما وقع للأصحاب (رضوان الله عليهم) قديما وحديثا من الغفلة في هذه المسألة ، وذلك
فان ظاهرهم الاتفاق على انحصار قواطع السفر في ثلاثة : (أحدها) إقامة العشرة. و (ثانيها)
مضى ثلاثين يوما مترددا. و (ثالثها) وصول بلد له فيها ملك أو منزل قد استوطنه على
الخلاف المتقدم ، وظاهرهم دخول بلدته التي تولد فيها ونشأ من زمن أبيه وأجداده في
القاطع الثالث ، والحق العلامة ومن تبعه بالملك كما هو القول المشهور اتخاذ البلد
دار اقامه على الدوام ، ورجحه السيد السند كما ذكره. ثم ان من تأخر عن العلامة
اختلفوا في انه هل يشترط اعتبار الستة الأشهر المعتبر في الملك في هذا البلد؟ ظاهر
الذكرى ذلك ورجحه السيد المذكور لما ذكره ، وبمثل ذلك صرح جده في الروض وغيره ،
وظاهر الشهيد في البيان التوقف في ذلك حيث قال : والمقيم ببلدة اتخذها وطنا على
الدوام يلحق بالملك على الظاهر وفي اشتراط الإقامة ستة أشهر أو العشرة الأيام
إشكال. انتهى. وبالجملة فالمشهور هو الأول.
وأنت خبير بأنه
لا يخفى على من لاحظ الأخبار بعين التأمل والتدبر والاعتبار ان المفهوم منها على
وجه لا يعتريه الشك ولا الإنكار ان القواطع الثلاثة التي أحدها بلد الملك أو
المنزل المشترط فيه الاستيطان انما هي في ما إذا خرج الإنسان من بلده مسافرا سفرا
يجب فيه التقصير فإنه يستصحب التقصير في سفره الى أن ينقطع إما بإقامة عشرة أيام
في بعض المواضع أو مضى ثلاثين يوما مترددا أو يمر في سفره ذلك على ملك له من ضياع
أو منزل على الوجه المتقدم في المسألة فإنه ينقطع سفره بأي هذه حصل ويرجع الى
التمام ، ثم بعد المفارقة يرجع الى التقصير في سفره كما كان أو لا حتى يرجع الى
بلده التي خرج منها فيجب عليه الإتمام بالوصول إليها ، إلا ان الاخبار هنا قد
اختلفت في انه هل يتم إذا رجع الى بلده بعد تجاوزه محل الترخص داخلا أو لا يتم حتى
يدخل منزله وأهله؟ وحينئذ فتلك القواطع الثلاثة إنما هي خارج البلد المذكور ،
وانقطاع السفر بالرجوع الى بلده التي خرج منها ليس له مدخل في تلك القواطع بوجه ،
وقد تقدمت لك الأخبار المتعلقة بهذا القاطع الثالث الذي هو الملك أو المنزل صريحة
في ما قلناه وواضحة في ما ادعيناه فإنها تضمنت انه يمر به في سفره ، ومنه يعلم ان
ذلك انما هو في مدة السفر وضمنه كما ذكرناه ، وعباراتها في هذا المعنى صريح وظاهر
مثل قولهم «سافر من أرض إلى أرض وإنما ينزل قراه وضيعته» وقولهم «يتخذ المنزل فيمر
به» ونحو ذلك من ما تقدم ، وكله صريح أو ظاهر في كون تلك الاملاك والضياع والمنازل
إنما هي في الطريق والسفر ، وأما بلد الإقامة فلا مدخل لها في هذه الأخبار بوجه
وإنما لها أخبار على حدة ، ومحل الخلاف الذي وقع بينهم من الاكتفاء بالملك مطلقا
أو لا بد من المنزل واعتبار الاستيطان مطلقا أو مقيدا ونحو ذلك كله إنما نشأ من
هذه الأخبار التي ذكرناها المتضمنة لكون ذلك في السفر.
واما أخبار بلد
الاستيطان الدالة على انقطاع السفر بالوصول إليها فهي هذه التي نتلوها عليك :
فمنها موثقة إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليهالسلام قال :
__________________
«سألته عن الرجل يكون مسافرا ثم يقدم فيدخل بيوت الكوفة أيتم الصلاة أم
يكون مقصرا حتى يدخل أهله؟ قال بل يكون مقصرا حتى يدخل أهله».
وصحيحة العيص
بن القاسم عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «لا يزال المسافر مقصرا حتى يدخل بيته».
وروى الصدوق في
الفقيه مرسلا قال : وروى عن ابى عبد الله عليهالسلام انه قال «إذا خرجت من منزلك فقصر الى أن تعود اليه».
وموثقة ابن
بكير قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يكون بالبصرة وهو من أهل الكوفة له بها دار
ومنزل فيمر بالكوفة وانما هو مجتاز لا يريد المقام إلا بقدر ما يتجهز يوما أو
يومين؟ قال يقيم في جانب المصر ويقصر. قلت : فان دخل اهله؟ قال عليه التمام».
وروى هذه
الرواية الحميري في كتاب قرب الاسناد عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب
عن على بن رئاب «أنه سمع بعض الواردين يسأل أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يكون بالبصرة وهو من أهل الكوفة وله بالكوفة
دار وعيال فيخرج فيمر بالكوفة ويريد مكة ليتجهز منها وليس من رأيه أن يقيم أكثر من
يوم أو يومين؟ قال يقيم في جانب الكوفة ويقصر حتى يفرغ من جهازه وان هو دخل منزله
فليتم الصلاة».
وأنت خبير بان
سند الرواية المذكورة صحيح فبملاحظة موافقتها مع الموثقة المذكورة يجعلها في حكم
الصحيح ايضا.
وصحيحة معاوية
بن عمار عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «ان أهل مكة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم
أتموا وإذا لم يدخلوا منازلهم قصروا».
وصحيحة الحلبي
عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «ان أهل مكة إذا خرجوا
__________________
حجاجا قصروا وإذا زاروا ورجعوا الى منازلهم أتموا».
وصحيحة عبد
الله بن سنان عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن التقصير قال : إذا كنت في الموضع الذي
تسمع فيه الأذان فأتم وإذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصر ، وإذا
قدمت من سفرك فمثل ذلك». وليس في بعض نسخ الحديث أول الحديث الى قوله «فأتم».
هذه جملة ما
حضرني من أخبار المسافر إذا رجع الى بلده ، وقد دلت كلها ما عدا الأخير على ان
سفره انما ينقطع بدخول بيته كما هو أحد القولين في المسألة وأظهرهما ، وصحيحة ابن
سنان قد دلت على الانقطاع بتجاوز محل الترخص داخلا كما هو أشهرهما ، ولا تعرض في
شيء منها بوجه من الوجوه لشيء من تلك الشروط التي وقع فيها الخلاف ولا دلالة
فيها على اشتراط منزل ولا ملك ، والإضافة في. هذه الأخبار في قوله «بيته أو منزله»
أعم من التمليك والاختصاص ، ولا تعرض فيها لاستيطان ستة أشهر ولا عدمه ، وهؤلاء
الذين اشتملت هذه الأخبار على السؤال عن أحكامهم وبيان تقصيرهم وإتمامهم لا تخصيص
في أحد منهم بكونه ممن قد اتخذها وطنا من زمن آبائه وأجداده أو توطنها أخيرا ، نعم
لا بد من صدق كونها بلده عرفا كما تشير اليه اخبار أهل مكة ، ومن ذلك يظهر أن
قواطع السفر أربعة بزيادة ما ذكرناه على الثلاثة المتقدمة.
هذا. وأما ما
ذكروه من حكم من اتخذ بلدا دار اقامة على الدوام فالأظهر عندي التفصيل فيه بأنه ان
كان قد صدق عليه عرفا كونه من أهل البلد المذكور فحكمه ما ذكرناه ودلت عليه هذه
الأخبار كأهل البلد القاطنين بها ، وان كان قبل ذلك كأن يكون ذلك في أول أمره بأن
نوى الجلوس فيها على الدوام ولكنه بعد لم يدخل تحت اسم أهلها ولم يصدق عليه انه
منها فالأظهر فيه الرجوع الى قواعد السفر المنصوصة عن أهل البيت (عليهمالسلام) من بقاء حكم السفر عليه حتى ينقطع
__________________
سفره بأحد القواطع الشرعية. وما ذكروه من التخريجات المتقدم ذكرها لا أعرف
عليها دليلا ولا إليها سبيلا. وقوله في المدارك : «الخروج المسافر بالوصول إليها
عن كونه مسافرا عرفا» ليس بشيء في مقابلة النصوص الصحيحة الصريحة الدالة على وجوب
التقصير على المسافر إلا أن ينقطع سفره بأحد القواطع الشرعية ، وحيث لم يحصل هنا
شيء منها فالواجب بمقتضى تلك النصوص استصحاب التقصير كما صرحوا به في من أقام مدة
في رستاق ، ومجرد نية الإقامة دواما في البلد لا دليل على تأثيرها في قطع حكم
السفر ، والإلحاق بالملك مجرد قياس لا يوافق أصول المذهب. وبالجملة فإن التحقيق
عندي في المسألة ما ذكرته. والله العالم بحقائق أحكامه ونوابه القائمون بمعالم
حلاله وحرامه.
المقام الثالث
ـ في مضى ثلاثين يوما مترددا ولا خلاف بينهم في وجوب الإتمام عليه بعد المدة
المذكورة ، وقد مضت الأخبار الدالة عليه في صدر المقام الأول ، إلا ان في بعضها
التحديد بثلاثين يوما وفي بعضها بالشهر ، ويظهر الفرق في ما إذا كان مبدأ التردد
أول الشهر الهلالي فإنه يكتفى به وان ظهر نقصانه عن الثلاثين بناء على رواية الشهر
، والظاهر انه كذلك ايضا بمقتضى كلام الأصحاب ويشكل حينئذ باعتبار رواية الثلاثين
إلا ان تحمل على غير الصورة المذكورة من حصول التردد في أثناء الشهر كما هو
الأغلب.
ونقل عن
العلامة في التذكرة انه اعتبر الثلاثين ولم يعتبر الشهر الهلالي ، قال : لان لفظ
الشهر كالمجمل ولفظ الثلاثين كالمبين. قال في المدارك : ولا بأس به. وقال في
الذخيرة : وفي كونهما كالمجمل والمبين تأمل بل الظاهر كون الشهر حقيقة في المعنى
المشترك بين المعنيين ، وحينئذ فالمتجه أن يقال يحمل على الثلاثين كما يحمل المطلق
على المقيد والعام على الخاص. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان مرجع الكلامين الى البناء على الثلاثين وتقييد الشهر بذلك وهو الأظهر وان كان
ما ذكرناه أو لا في الجمع بين الأخبار لا يخلو من قرب. والله العالم
الخامس من
الشروط المتقدمة ان يكون السفر سائغا واجبا كان كالحج أو مستحبا كالزيارة أو مباحا
كالتجارة فلا يترخص العاصي بسفره ، وهذا الشرط مجمع عليه بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) كما نقله المحقق في المعتبر والعلامة في جملة من كتبه.
ويدل عليه جملة
من الأخبار : منها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن عمار بن مروان عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سمعته يقول من سافر قصر وأفطر إلا ان يكون رجلا
سفره الى صيد أو في معصية الله تعالى أو رسولا لمن يعصى الله عزوجل أو في طلب شحناء أو سعاية ضرر على قوم مسلمين».
وما رواه الشيخ
عن عبيد بن زرارة في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يخرج الى الصيد أيقصر أو يتم؟ قال يتم لانه
ليس بمسير حق».
وعن ابى سعيد
الخراساني قال : «دخل رجلان على ابى الحسن الرضا عليهالسلام فسألاه عن التقصير فقال لأحدهما : وجب عليك التقصير
لأنك قصدتني. وقال للآخر : وجب عليك التمام لأنك قصدت السلطان».
وعن إسماعيل بن
ابى زياد عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) قال : «سبعة لا يقصرون الصلاة : الجابي الذي يدور في
جبايته والأمير الذي يدور في امارته والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق الى سوق
والراعي والبدوي الذي يطلب مواضع القطر ومنبت الشجر والرجل الذي يطلب الصيد يريد
به لهو الدنيا والمحارب الذي يقطع السبيل».
وإتمام
الأخيرين لعدم اباحة السفر وأما ما عداهما فيمكن أن يكون لكون السفر عملهم ،
ويحتمل في الأولين أن يكونا من قبيل الأخيرين أيضا.
__________________
وعن ابن بكير قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يتصيد اليوم واليومين والثلاثة أيقصر الصلاة؟
قال لا إلا أن يشيع الرجل أخاه في الدين فان التصيد مسير باطل لا تقصر الصلاة فيه.
وقال يقصر إذا شيع أخاه».
وعن عمران بن
محمد بن عمران القمي في الصحيح عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له الرجل يخرج الى الصيد مسيرة يوم أو يومين
يقصر أو يتم؟ قال ان خرج لقوته وقوت عياله فليفطر ويقصر وان خرج لطلب الفضول فلا
ولا كرامة».
وعن زرارة في
الصحيح عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «سألته عن من يخرج من اهله بالصقور والبزاة
والكلاب يتنزه الليلة والليلتين والثلاثة هل يقصر من صلاته أم لا يقصر؟ قال انما
خرج في لهو لا يقصر. قلت : الرجل يشيع أخاه اليوم واليومين في شهر رمضان؟ قال يفطر
ويقصر فان ذلك حق عليه».
وعن حماد بن
عثمان عن ابى عبد الله عليهالسلام «في قول الله عزوجل (فَمَنِ اضْطُرَّ
غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) قال : الباغي باغي الصيد والعادي السارق ليس لهما ان
يأكلا الميتة إذا اضطرا إليها هي حرام عليهما كما هي على المسلمين وليس لهما ان
يقصرا في الصلاة».
هذا ما حضرني
من الأخبار المتعلقة بالمسألة ، وتحقيق الكلام في المقام ان يقال : ظاهر الأصحاب ـ
واليه يشير بعض الاخبار المذكورة كصحيحة عمار بن مروان وموثقة عبيد بن زرارة ـ ان
السفر المحرم الموجب للإتمام أعم من ان يكون محرما في حد ذاته أو باعتبار غايته
المترتبة عليه ، ومن الأول الفار من الزحف والهارب
__________________
من غريمه مع قدرته على الوفاء. وعدوا من ذلك تارك الجمعة بعد وجوبها عليه ،
ومنه ايضا الآبق عن مولاه والمرأة الناشزة والسالك طريقا يغلب على ظنه فيه العطب
وان كانت الغاية حسنة كأن يكون السفر للحج والزيارات مثلا ، وعد منه كل سفر استلزم
ترك واجب وسيأتي ما فيه. ومن الثاني المسافر لقطع الطريق أو لقتل رجل مسلم أو لا
ضرار بقوم مسلمين أو نحو ذلك ، وقد عد في المدارك ومثله صاحب الذخيرة الآبق
والناشز في القسم الثاني.
قال في المدارك
: وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في السفر المحرم بين من كان غاية
سفره معصية كقاصد قطع الطريق بسفره وكالعبد والمرأة القاصدين بسفرهما النشوز
والإباق أو كان نفس سفره معصية كالفار من الزحف والهارب من غريمه مع قدرته على
وفاء الحق.
أقول : فيه انه
لا يخفى ان معنى السفر الذي غايته معصية ان يكون هناك أمر ان ثابتان في الوجود
الخارجي أحدهما مقدم على الآخر والآخر مترتب عليه ، فان الغاية متأخرة في الوجود
عن ذي الغاية ، مثلا من سافر لقتل رجل في بلد فان السفر يحصل أو لا ثم تلك الغاية
المترتبة عليه فالسفر من حيث هو لا يلحقه تحريم وإنما يلحقه التحريم باعتبار ترتب
تلك الغاية عليه ، وبهذا يظهر ان سفر المرأة القاصدة به النشوز ليس كذلك لان سفرها
بهذا العنوان محرم من أصله ، والنشوز لا يصلح هنا لان يكون من الغايات المترتبة
على السفر بعد وقوعه كما في سائر الأسفار التي غايتها محرمة بل هو حاصل من أول
خروجها عن طاعة الزوج ، غاية الأمر ان السفر لما كان من حيث هو أعم قيد بهذا القيد
، والمراد حينئذ ان من جملة السفر المحرم في حد ذاته سفر المرأة إذا كانت قاصدة به
النشوز فان مجرد سفرها ليس بمحرم. وبذلك يظهر ان هذين الفردين انما هما من القسم
الأول كما ذكرناه.
وقال شيخنا
الشهيد الثاني في الروض : وإدخال هذه الأفراد يقتضي المنع
من ترخص كل تارك للواجب بسفره لاشتراكهما في العلة الموجبة لعدم الترخص ،
إذ الغاية مباحة فإنه المفروض وإنما عرض العصيان بسبب ترك الواجب ، فلا فرق حينئذ
بين استلزام سفر التجارة ترك صلاة الجمعة ونحوها وبين استلزامه ترك غيرها كتعلم
العلم الواجب عينا أو كفاية بل الأمر في هذا الوجوب أقوى ، وهذا يقتضي عدم الترخص
الا لا وحدي الناس ، لكن الموجود من النصوص في ذلك لا يدل على إدخال هذا القسم ولا
على مطلق العاصي وانما دل على السفر الذي غايته المعصية
وقال سبطه
السيد السند بعد نقله : ويشكل بأن رواية عمار بن مروان التي هي الأصل في هذا الباب
تتناول مطلق العاصي بسفره ، وكذا التعليل المستفاد من رواية عبيد بن زرارة ،
والإجماع المنقول من جماعة. لكن لا يخفى ان تارك الواجب كالتعلم ونحوه انما يكون
عاصيا بنفس الترك لا بالسفر إلا إذا كان مضادا للواجب وقلنا باقتضاء الأمر بالشيء
النهي عن ضده الخاص ، والظاهر عدم الاقتضاء كما هو اختياره (قدسسره) مع ان التضاد بين التعلم والسفر غير متحقق في أكثر
الأوقات ، فما ذكره (قدسسره) حينئذ من ان إدخال هذا القسم يقتضي عدم الترخص إلا لا
وحدي الناس غير جيد. انتهى.
أقول : التحقيق
في هذا المقام ان يقال : لا يخفى ان المفهوم من الأخبار المتقدمة ـ وهو صريح
روايتي أبي سعيد الخراساني وعمران بن محمد القمي ـ ان المدار في حرمة السفر
وإباحته إنما هو على القصد والنية ، ويعضده الأخبار المستفيضة الدالة على ان
الأعمال بالنيات . لا محض استلزام السفر لأمر محرم كترك واجب مثلا مطلقا
وان لم يخطر بباله فضلا عن قصده. ومنه يظهر ان عدهم سفر تارك الجمعة من قبيل السفر
المحرم ليس في محله بناء على ما ذكروه في تلك المسألة من حيث انه مستلزم لتفويت
الواجب ، فإنه إنما يتم بناء على ثبوت تلك المقدمة الأصولية من ان الأمر بالشيء
يستلزم النهى عن ضده الخاص. نعم يأتي بناء على ما قدمناه من النصوص
__________________
في تلك المسألة صحة عده هنا حيث انها دالة على النهى عن السفر. وبالجملة
فإن المفهوم من الأخبار المتقدمة كما عرفت هو دوران التحريم مدار النية والقصد
بذلك السفر ، فان قصد به أمرا محرما كالفرار من الزحف والهرب من غريمه مع إمكان
الوفاء أو النشوز والإباق أو قصد غاية محرمة مترتبة عليه كالأمثلة المتقدمة ثبت
التحريم ووجب الإتمام ، وأما لو استلزم ترك واجب ولم يخطر بباله أو خطر بباله ولكن
لم يتعلق به القصد فإنه لا يتعلق به التحريم ، نعم لو كان هو المقصود من السفر
وتعلقت به النية وقد ثبت تحريمه في حد ذاته أو باعتبار غايته فلا إشكال في ما ذكروه
من وجوب الإتمام. وبذلك يظهر ما في كلام شيخنا المتقدم ذكره من عدم ورود ما ذكره
وانه لا حاجة في التفصي عنه الى ما ذكره سبطه السيد السند.
ويؤيد ما قلناه
ما صرحوا به في هذا المقام من أن المعصية في السفر مانعة ابتداء واستدامة ، فلو
قصد المعصية ابتداء أتم ولو رجع عنها في أثناء السفر اعتبرت المسافة حينئذ فإن بلغ
الباقي مسافة قصر وإلا أتم.
وظاهرهم
الاتفاق هنا على الحكم المذكور حيث ان ذلك ثابت في إنشاء كل سفر وهذا من جملة ذلك
، فإنه بعد الرجوع عن المعصية قاصد لإنشاء السفر فلا بد فيه من المسافة.
واما لو كان
سفره مباحا ثم قصد المعصية في الأثناء انقطع ترخصه ووجب عليه التمام ما دام على
ذلك القصد ، فلو رجع عن ذلك القصد الى قصده الأول أو غيره من القصود المباحة رجع
الى التقصير.
وهل يعتبر هنا
في رجوعه الى التقصير كون الباقي مسافة؟ قيل نعم وبه قطع العلامة في القواعد
لبطلان المسافة الأولى بقصد المعصية فافتقر في رجوعه الى التقصير الى قصد مسافة
جديدة. وقيل لا وهو ظاهر المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى وبه قطع في الذكرى
، واستدل عليه بان المانع من التقصير انما كان هي المعصية وقد زالت. قال في
المدارك : وهو جيد وفي بعض الأخبار دلالة عليه.
أقول : الظاهر
انه أشار بالخبر المذكور الى ما رواه الشيخ عن بعض أهل العسكر قال : «خرج عن ابى الحسن عليهالسلام ان صاحب الصيد يقصر ما دام على الجادة فإذا عدل عن
الجادة أتم فإذا رجع إليها قصر».
وقال في الفقيه
: ولو ان مسافرا ممن يجب عليه التقصير مال عن طريقه الى صيد لوجب عليه التمام لطلب
الصيد ، فان رجع من صيده الى الطريق فعليه في رجوعه التقصير.
والظاهر ان
كلامه هذا وقع تفسيرا للخبر المذكور ، وظاهره حمل الجادة على المعنى المعروف ،
وكأنه حمل صاحب الصيد في الخبر على من لم يرد الصيد ابتداء وإنما خرج مسافرا ثم
بدا له التصيد فعدل عن طريقه واحتمل بعض الأفاضل حمل الجادة في الخبر على الحق
بمعنى الجادة الشرعية والموافقة لأمر الشارع فإنه يقصر ما دام كذلك وان عدل عن ذلك
أتم.
ووجه الاستدلال
بالرواية المذكورة هو الأمر بالتقصير بعد الرجوع الى الجادة وهو أعم من أن يكون
الباقي مسافة أو أقل بحيث يحصل منه ومن ما تقدم المسافة.
ويمكن
الاستدلال ايضا على القول الثاني زيادة على الرواية المذكورة بصحيحة أبي ولاد
المتقدمة في الشرط الثالث حيث انه عليهالسلام أمره بالتقصير بعد رجوعه عن السفر متى كان سار في يومه
ذلك بريدا نظرا الى ضم البريد الماضي الى البريد الحاصل في الرجوع وتلفيق المسافة
منهما ، وبه يظهر قوة القول المشهور.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه بقي من اخبار المسألة خبر ان لا يخلو ظاهرهما من الإشكال : أحدهما ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يتصيد فقال ان كان يدور حوله فلا يقصر وان كان
يجاوز الوقت فليقصر». ورواه في الفقيه عن العيص بن القاسم عنه عليهالسلام مثله .
__________________
وحمله الشيخ
على ما إذا قصد بالصيد القوت. أقول : وينبغي حمل قوله : «ان كان يدور حوله» بناء
على ما ذكره على انه يدور حول مكانه الذي هو فيه من بلد ونحوها بمعنى انه لا يبلغ
محل الترخص فإنه لا يقصر وان تجاوز الوقت يعنى حد الترخص فليقصر. وهو ظاهر.
وثانيهما ـ ما
رواه عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليهالسلام
ورواه في
الفقيه عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «ليس على صاحب الصيد تقصير ثلاثة أيام وإذا جاوز
الثلاثة لزمه».
والشيخ في
التهذيب حمله على الصيد للقوت ايضا ، والصدوق حمله على صيد اللهو والفضول دون
القوت.
ويمكن توجيه ما
ذكره الشيخ بأنه في ضمن الثلاثة لا يبلغ مسافة التقصير لأنه يتأنى في طلب الصيد
يمينا وشمالا لعدم الصيد وقصد تحصيله ، فإن المسافة وان حصلت بعد الثلاثة إلا انها
غير مقصودة من أول الأمر فلا يجب عليه التقصير تلك المدة ، وبعد الثلاثة فالغالب
انه يرجع الى بلده ، وحينئذ يكون قاصدا للمسافة فيجب عليه التقصير لذلك.
ويمكن توجيه ما
ذكره الصدوق بأنه في ضمن الثلاثة كان صيده غير مشروع فلا يقصر ، وأما بعد الثلاثة
فالغالب انه يرجع الى بلده كما ذكرنا أولا ويكون سفره مشروعا يجب فيه التقصير.
واحتمل في
الوافي حمل هذا الخبر على التقية أيضا ولعله الأقرب.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه قد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في سفر صيد التجارة ، فالمشهور بين
المتأخرين كونه سفرا شرعيا مباحا بل ربما يكون مستحبا فيجب فيه التقصير في الصلاة
وإفطار الصوم كغيره من الأسفار المباحة ، والمشهور في كلام المتقدمين التفصيل بين
الصوم فيقصر فيه والصلاة فيتم فيها.
__________________
قال في المدارك بعد أن ذكر انه يجب التقصير إذا كان الصيد لقوته وقوت عياله
: والأصح إلحاق صيد التجارة به كما اختاره المرتضى وجماعة للإباحة بل قد يكون
راجحا ايضا. والقول بان من هذا شأنه يقصر صومه ويتم صلاته للشيخ في النهاية
والمبسوط واتباعه ، قال في المعتبر : ونحن نطالبه بدلالة الفرق ونقول ان كان مباحا
قصر فيهما وان لم يكن أتم فيهما. وهو جيد. ويدل على ما اخترناه من التسوية بين قصر
الصوم والصلاة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت». انتهى.
أقول : لا يخفى
ان العلامة في المختلف قد نقل هذا القول عن جملة من أجلاء أصحابنا المتقدمين (رضوان
الله عليهم) : منهم ـ الشيخ في النهاية والمبسوط والشيخ المفيد والشيخ على بن
الحسين بن بابويه وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس ، قال وقال ابن إدريس : روى
أصحابنا بأجمعهم انه يتم الصلاة ويفطر الصوم ، وكل سفر أوجب التقصير في الصوم وجب
تقصير الصلاة فيه إلا هذه المسألة فحسب للإجماع عليه. ونقل في المختلف عن المبسوط
انه قال : وان كان للتجارة دون الحاجة فروى أصحابنا انه يتم الصلاة ويفطر الصوم.
ثم نقل في المختلف عن السيد المرتضى قال وأوجب المرتضى وابن ابى عقيل وسلار
التقصير على من كان سفره طاعة أو مباحا ولم يفصلوا بين الصيد وغيره. انتهى.
وظاهر كلام ابن
إدريس ان القول بذلك كان مشهورا بين المتقدمين ان لم يكن مجمعا عليه كما ادعاه ،
وان انفكاك حكم الصلاة هنا عن الصوم مستثنى من القاعدة المتفق عليها نصا وفتوى ،
وهي ان من أفطر قصر ومن قصر أفطر.
وظاهر كلام
المختلف ان السيد المرتضى وابن ابى عقيل وسلار لم يتعرضوا إلى مسألة الصيد للتجارة
بخصوصها وإنما ذكروا وجوب التقصير على من كان سفره طاعة أو مباحا كما هو أصل
المسألة التي هي من شروط التقصير.
__________________
وبذلك يظهر ان
قول السيد السند (قدسسره) هنا ـ والأصح إلحاق الصيد للتجارة بالصيد لقوت عياله
كما اختاره المرتضى وجماعة ـ ليس من ما ينبغي لأن ظاهر هذه العبارة يعطي أن
المرتضى واتباعه نصوا على ان صيد التجارة كالصيد لقوت عياله وليس الأمر كذلك كما
عرفت.
ثم انه لا يخفى
ان ما ذكره أولئك الأجلاء من الخبر الدال على الفرق هنا بين الصوم والصلاة لم نقف
عليه إلا في كتاب الفقه الرضوي ، حيث قال عليهالسلام في باب صلاة السفر : «وإذا كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة
والتقصير في الصوم».
ويمكن أن يكون
الجماعة قد تلقوا هذا الحكم من كلام الشيخ على بن الحسين ابن بابويه كما هي عادتهم
في جملة من المواضع ، والشيخ المذكور كما عرفت من ما قدمناه في غير مقام انما أخذه
من هذا الكتاب. واحتمال الوقوف على خبر بذلك غيره ايضا ممكن إلا انك قد عرفت في
غير موضع اختصاص هذا الكتاب بجملة من مستندات الأحكام التي قال بها المتقدمون ولم
تصل إلى المتأخرين ، والظاهر ان هذا منها.
إلا انه عليهالسلام في كتاب الصوم من الكتاب المذكور قال ما هذه صورته : «وصاحب الصيد إذا كان صيده بطرا
فعليه التمام في الصلاة والصوم ، وان كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة
والصوم وروى ان عليه الإفطار في الصوم ، وان كان صيده من ما يعود على عياله فعليه
التقصير في الصلاة والصوم. الى آخره».
وبه يعظم
الإشكال ويصير من الداء العضال فإنه يؤذن بكون صيد التجارة غير مشروع ، وربما يشير
الى ذلك قوله عليهالسلام في مرسلة عمران بن محمد بن عمران القمي المتقدمة في
روايات المقام الثاني من الشرط الرابع «ان خرج لقوت عياله فليفطر وليقصر وان خرج لطلب الفضول فلا ولا كرامة». فإن
هذا الكلام يؤذن
__________________
بكون صيد التجارة من الفضول وانه غير مشروع.
هذا. وفي كتاب
زيد النرسي عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سأله بعض أصحابنا عن طلب الصيد وقال له انى رجل
ألهو بطلب الصيد وضرب الصوالج وألهو بلعب الشطرنج؟ قال فقال أبو عبد الله عليهالسلام أما الصيد فإنه مبتغي باطل وإنما أحل الله الصيد لمن
اضطر الى الصيد فليس المضطر الى طلبه سعيه فيه باطلا ، ويجب عليه التقصير في الصلاة
والصوم جميعا إذا كان مضطرا إلى أكله ، فإن كان ممن يطلبه للتجارة وليست له حرفة
إلا من طلب الصيد فإنه سعيه حق وعليه التمام في الصلاة والصيام لان ذلك تجارته ،
فهو بمنزلة صاحب الدور الذي يدور في الأسواق في طلب التجارة أو كالمكاري والملاح».
ويمكن أن يستنبط
من هذا الخبر أن الصيد للتجارة إذا لم يكن على هذا الوجه فهو سفر شرعي يوجب
التقصير ، وذلك لانه عليهالسلام انما أوجب التمام هنا من حيث كونه صار عملا له كالتاجر
الذي يدور في الأسواق للتجارة والمكاري ونحوهما من الأسفار المباحة لا من حيث كون
سفره معصية ، وحينئذ فمع انتفاء كونه عملا له يكون مشروعا موجبا للتقصير ، وعلى
هذا ينبغي أن يحمل قوله في صدر الخبر «ان الصيد مبتغي باطل» على صيد اللهو الذي
أخبر به السائل عن نفسه ، إلا ان قوله عليهالسلام «إنما أحل الله الصيد لمن اضطر الى الصيد فليس المضطر الى طلبه سعيه فيه باطلا»
لا يخلو من منافرة لما ذكره في صيد التجارة.
وبالجملة
فالمسألة لما عرفت غير خالية من الإشكال والداء العضال ، وقوة القول المشهور بين
المتأخرين ظاهرة فان سفر التجارة في صيد كان أو غيره من الأسفار المباحة الموجبة
لوجوب التقصير والموجب للإتمام انما هو سفر المعصية. إلا ان ذهاب جملة من فضلاء
الأصحاب الى هذا القول ـ مع نقلهم لورود الأخبار به مضافا الى ما سمعت من كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي في الموضعين المتقدمين ـ
__________________
من ما أوجب الإشكال ، والاحتياط من ما لا ينبغي تركه على كل حال. والله
العالم
السادس من
الشروط المتقدمة ان لا يكون السفر عمله فان من كان السفر عمله يتم في سفره وحضره
بلا خلاف يعتد به كالمكاري والجمال والملاح والبريد والاشتقان والراعي والبدوي
والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق الى سوق كما تضمنته الأخبار الصحيحة ، وما وقع
في أكثر عبائر الأصحاب ـ من التعبير هنا بكثير السفر أو من كان سفره أكثر من حضره
سواء كان من هؤلاء المعدودين أو لا فجعلوا مناط الإتمام سفر الرجل من أهله مرتين
أو ثلاثا على الخلاف في ما به تحصل الكثرة من غير إقامة عشرة ـ ليس من ما ينبغي ان
يصغى اليه لعدم الدليل عليه ، بل الظاهر من الأخبار كما سنتلوها عليك ان شاء الله
تعالى على وجه لا يعتريه الإنكار هو كون ذلك عملا له ، فلا بد من صدق الاسم بأحد
العنوانات المتقدمة ونحوها.
ومن الأخبار
المشار إليها ما تقدم من رواية إسماعيل بن ابى زياد في صدر الشرط الخامس.
ومنها ـ ما
رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «ليس على الملاحين في سفينتهم تقصير ولا على
المكاري والجمال».
وعن هشام بن
الحكم بإسنادين أحدهما من الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «المكاري والجمال الذي يختلف وليس له مقام يتم
الصلاة ويصوم شهر رمضان».
وعن زرارة
بأسانيد ثلاثة فيها الصحيح والحسن ، ورواه الشيخ والصدوق في الصحيح قال : «قال أبو جعفر عليهالسلام أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر كانوا أو حضر :
المكاري والكرى والراعي والاشتقان لأنه عملهم».
قال في الوافي
: الكرى كغني : الكثير المشي ، وكأنه أريد به الذي يكري نفسه للمشي ، وأما
الاشتقان فقيل هو أمين البيادر ، وقال في الفقيه هو البريد.
__________________
أقول : ما فسر
به الكرى من أنه الكثير المشي لم نجده في شيء من كتب اللغة المشهورة والذي ذكره غيره من الأصحاب في معنى هذه اللفظة هو ان
المراد بها المكترى ـ فعيل بمعنى مفتعل ـ نظرا الى ما يقتضيه ظاهر العطف من
التغاير وأصالة عدم الترادف ، ولما نقل ايضا من استعماله في كلا المعنيين ، قال
ابن إدريس في سرائره : الكرى من الأضداد ونقل عن ابن الأنباري في كتاب الأضداد انه
يكون بمعنى المكاري ويكون بمعنى المكترى. انتهى.
ويستفاد من
الخبر المذكور ان وجوب الإتمام على هؤلاء من حيث انه عملهم وفيه دلالة على ان كل
من كان السفر عمله فإنه يجب عليه الإتمام.
وعن محمد بن
جزك في الصحيح قال : «كتبت الى ابى الحسن الثالث عليهالسلام ان لي جمالا ولي قواما عليها ولست أخرج فيها إلا في
طريق مكة لرغبتي في الحج أو في الندرة الى بعض المواضع فما يجب على إذا أنا خرجت
معهم ان أعمل أيجب على التقصير في الصلاة والصيام في السفر أو التمام؟ فوقع عليهالسلام : إذا كنت لا تلزمها ولا تخرج معها في كل سفر إلا الى
مكة فعليك تقصير وإفطار».
وعن إسحاق بن
عمار قال : «سألته عن الملاحين والأعراب هل عليهم تقصير؟ قال لا بيوتهم معهم».
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن سليمان بن جعفر الجعفري عن من ذكره عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «الاعراب لا يقصرون وذلك ان منازلهم معهم».
وما رواه في
التهذيب عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن ابى عبد الله (عليهماالسلام) قال : «أصحاب السفن يتمون الصلاة في سفنهم».
__________________
وما رواه في
الخصال في الصحيح عن ابن ابى عمير يرفعه الى ابى عبد الله عليهالسلام قال : «خمسة يتمون في سفر كانوا أو في حضر : المكاري
والكرى والاشتقان وهو البريد والراعي والملاح لانه عملهم».
والظاهر ان هذا
الخبر مستند الصدوق في ما فسر به الاشتقان من انه البريد كما تقدم نقله عنه ،
والمذكور في اللغة وكلام الأصحاب إنما هو أمين البيادر يذهب من بيدر الى آخر ولا
يقيم في مكان ، وقالوا وهو معرب دشتبان أى أمين البيادر.
وأما ما رواه
الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) ـ قال : «المكاري والجمال إذا جد بهما السير فليقصرا».
وعن الفضل بن
عبد الملك في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المكارين الذين يختلفون فقال إذا جدوا السير
فليقصروا» ـ.
فقد اختلف كلام
الأصحاب في المعنى المراد منهما ، فقال الشيخ في التهذيب : الوجه في هذين الخبرين
ما ذكره محمد بن يعقوب الكليني قال هذا محمول على من يجعل المنزلين منزلا فيقصر في
الطريق ويتم في المنزل ، والذي يكشف عن ذلك ما رواه سعد بن عبد الله عن أحمد عن
عمران بن محمد عن بعض أصحابنا يرفعه الى ابى عبد الله عليهالسلام قال : «المكاري والجمال إذا جد بهما السير فليقصرا في
ما بين المنزلين ويتما في المنزل».
قال في المدارك
: وهذه الرواية مع ضعف سندها غير دالة على ما اعتبراه. وهو جيد لكن لا من حيث ضعف
السند بل من حيث انهما فسرا جد السير بان يجعلا المنزلين منزلا والرواية لا دلالة
لها على ذلك بل هي مجملة مثل الروايتين المتقدمتين ، نعم قد دلت بالنسبة الى من جد
به السير على حكم آخر غير الروايتين المتقدمتين ، إذ مقتضى الروايتين الأولتين ان
حكمه التقصير مطلقا ومقتضى هذه
__________________
الرواية التقصير في الطريق والإتمام في المنزل.
ومثل الروايتين
الأولتين ما رواه على بن جعفر في كتابه عن أخيه عليهالسلام قال : «سألته عن المكارين الذين يختلفون الى النيل هل
عليهم إتمام الصلاة؟ قال إذا كان مختلفهم فليصوموا وليتموا الصلاة إلا ان يجد بهم
السير فليقصروا وليفطروا».
ولا يحضرني وجه
جمع بين هذه الأخبار الثلاثة ومرسلة عمران المذكورة.
وقال الشهيد في
الذكرى في معنى الخبرين الأولين ـ ومثلهما كما عرفت رواية على بن جعفر ـ ان المراد
ما إذا أنشأ المكاري والجمال سفرا غير صنعتهما أى يكون سيرهما متصلا كالحج
والأسفار التي لا يصدق عليها صنعته. واستقر به السيد السند (قدسسره) في المدارك ، وقال لا يبعد استفادته من تعليل الإتمام
الذي مر في صحيحة زرارة من قوله عليهالسلام «لأنه عملهم» واحتمل في الذكرى أن يكون المراد ان المكارين يتمون ما داموا
يترددون في أقل من المسافة أو في مسافة غير مقصودة وأما إذا قصدوا مسافة قصروا.
قال : ولكن هذا لا يختص المكاري والجمال به بل كل مسافر. وأنت خبير بما فيه من
البعد.
وقال العلامة
في المختلف : الأقرب عندي حمل الحديثين على انهما إذا أقاما عشرة أيام قصرا. قال
في المدارك : ولا يخفى بعد ما قربه. وهو كذلك.
وحملهما شيخنا
الشهيد الثاني في الروض على ما إذا قصد المكاري والجمال المسافة قبل تحقق الكثرة.
وهو في البعد كسابقيه بل أبعد.
والأقرب عندي
ما ذكره جملة من أفاضل متأخري المتأخرين ـ أولهم على الظاهر السيد السند في
المدارك والمحقق الشيخ حسن في المنتقى والمحدث الكاشاني وغيرهم ـ من ان المراد به
ما إذا زاد السير على ما هو المتعارف بحيث يشتمل على مشقة شديدة والقول بوجوب
التقصير عليه لهذه المشقة الشديدة. قال في المنتقى : والمتجه هو الوقوف مع ظاهر
اللفظ وهو زيادة السير عن القدر المعتاد في أسفارهما
__________________
غالبا والحكمة في هذا التخفيف واضحة. وعلى هذا فيجب تخصيص اخبار المكارين
ونحوهم الدالة على ان فرضهم الإتمام بهذه الأخبار لما ذكر من العلة المذكورة.
وأما ما رواه
الشيخ عن إسحاق بن عمار في الموثق على المشهور والصحيح على الأظهر عندي عن أبي
إبراهيم عليهالسلام ـ قال : «سألته عن المكارين الذين يكرون الدواب وقلت
يختلفون كل أيام كلما جاءهم شيء اختلفوا ، فقال عليهم التقصير إذا سافروا».
وما رواه أيضا
في الموثق أو الصحيح على الأظهر عن إسحاق بن عمار قال : «سألت أبا إبراهيم عليهالسلام عن الذين يكرون الدواب يختلفون كل الأيام أعليهم
التقصير إذا كانوا في سفر؟ قال نعم» ـ.
فهو محمول على
من أنشأ سفرا غير السفر الذي هو عادته وهو ما يختلفون كل الأيام ، كالمكاري مثلا
لو سافر للحج أو الى أحد البلدان في أمر غير ما هو الذي يتكرر فيه دائما. وقد
حملهما الشيخ على محمل بعيد سحيق غير جدير بالذكر ولا حقيق وكيف كان فتحقيق الكلام
في المقام يقع في مواضع
الأول ـ المستفاد
من ما قدمناه من الأخبار هو ان المدار في الإتمام على صدق أحد تلك الأمور المعدودة
أو صدق كون السفر عادته.
قالوا :
والمرجع في ذلك الى العرف لأنه المحكم في مثله. وبه قطع العلامة في جملة من كتبه
والشهيد في الذكرى ، إلا انه قال ان ذلك انما يحصل غالبا بالسفرة الثالثة التي لم
يتخلل قبلها اقامة تلك العشرة. واعتبر ابن إدريس في تحقق الكثرة ثلاث دفعات ، ثم
قال ان صاحب الصنعة من المكارين والملاحين يجب عليهم الإتمام بنفس خروجهم الى
السفر لان صنعتهم تقوم مقام تكرر من لا صنعة له ممن سفره أكثر من حضره. واستقرب
العلامة في المختلف الإتمام في ذي الصنعة وغيره ممن جعل السفر عادته بالدفعة
الثانية.
__________________
ولم نقف لهذه
الأقوال على مستند أزيد من ادعاء كل منهم العرف على ما ذكره والواجب بالنظر الى
الأخبار مراعاة صدق الاسم وكون السفر عمله ، فإنه هو المستفاد منها ولا دلالة لها
على ما ذكروه من اعتبار الكثرة فضلا عن صدقها بالمرتين أو الثلاث. والله العالم.
الثاني ـ اعلم
ان المفهوم من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان الضابط في حصول الكثرة
التي يترتب عليها وجوب الإتمام هو أن يسافر ثلاث مرات بحيث ينقطع سفره بعد الأولى
والثانية إما بالوصول الى بلده أو الى موضع يعزم فيه الإقامة ثم يتجدد له بعد
الصلاة تماما عزم السفر ، ولا يفصل بين هذه الدفعات الثلاث بإقامة عشرة في بلده
مطلقا وفي غير بلده مع نية الإقامة ، فإنه يجب عليه التمام في الدفعة الثالثة
ويبقى الحكم مستمرا الى أن يقيم عشرة على أحد الوجهين المتقدمين.
والذي نص عليه
الشيخ وجملة ممن تبعه في قطع التمام في الأثناء أو بعد تمام الثلاث انما هو إقامة
العشرة في بلده ، وألحق المحقق في النافع والعلامة ومن تبعهما إقامة العشرة
المنوية في غير بلده فلو أقام في غير بلده عشرة ثم أنشأ سفرا قصر فيه ، قال في
المدارك ان ظاهر الأصحاب الاتفاق على ان اقامة العشرة الأيام في البلد قاطعة لكثرة
السفر وموجبة للقصر. وألحق المحقق في النافع والعلامة ومن تأخر عنهما بإقامة
العشرة في بلده نية إقامتها في غير بلده ايضا ، فلو نواها في غير بلده وأتم فريضة
ثم سافر قصر أيضا وان لم يتم الإقامة. كذا يفهم من صاحب المدارك ومن تأخر عنه ،
إلا ان الظاهر من عبارات غيره ممن تقدمه انما هو أن يقيم عشرة كاملة بالنية لا
مجرد النية والصلاة تماما وان لم يتم الإقامة كما هو ظاهر كلام من تأخر عنه ،
والظاهر ان هذا هو الذي يستفاد من الرواية الآتية أيضا.
وألحق الشهيد
في الدروس ومن تبعه العشرة الحاصلة بعد التردد ثلاثين يوما أى مضى أربعين يوما في
غير بلده مترددا أو عازما على السفر ، لتصريحهم بكون
ما بعد الثلاثين المذكورة في حكم إقامة العشرة المنوية في وجوب الإتمام
وانقطاع السفر ، وعلى هذا فإذا بطل إتمام كثير السفر بها يتوجه القول بلزوم
البطلان بهذا أيضا ، حتى ان بعضهم قال بكون محض مضى الثلاثين مترددا كذلك بناء على
كون نفس هذا المضي بمنزلة نية إقامة العشرة. إلا ان الظاهر من الرواية إنما هو
الأول.
ثم ان الشيخ
واتباعه صرحوا أيضا بأنه لو أقام خمسة في بلده قصر نهارا صلاته دون صومه وأتم
ليلا.
وتوقف في هذا
الحكم من أصله جملة من أفاضل متأخري المتأخرين : أو لهم في ما أعلم السيد السند في
المدارك وتبعه الفاضل الخراساني والمحدث الكاشاني.
واستند الأصحاب
في ما ذكروه من أصل الحكم وهو انقطاع إتمام كثير السفر بإقامة عشرة في بلده بما
رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «المكاري ان لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام أو
أقل قصر في سفره بالنهار وأتم بالليل وعليه صوم شهر رمضان ، وان كان له مقام في
البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام وأكثر قصر في سفره وأفطر».
وأنت خبير بان
هذه الرواية مع ضعف سندها ـ المانع من قيامها بمعارضة الأخبار المتكاثرة الصحيحة
الصريحة في وجوب الإتمام ، واشتمالها على ما لا يقول به أحد من الأصحاب من وجوب
التقصير بإقامة أقل من خمسة الصادق على اليوم أو اليومين ـ فهي غير دالة على ما يدعونه
(أما أو لا) ـ
فلان موردها
المكاري ولهذا احتمل المحقق في المعتبر اختصاص الحكم بالمكاري ، ونقله في الشرائع
قولا وهو مجهول القائل ، وقال بعض شراح النافع اعتذارا عن ما ذكره في الشرائع حيث
لم ينقله غيره : ولعل المصنف سمعه من معاصر له في غير كتاب مصنف.
__________________
و (أما ثانيا)
ـ فإنها إنما تضمنت إقامة العشرة في البلد الذي يذهب اليه والمدعى إقامة العشرة في
بلده.
و (أما ثالثا)
ـ فان ظاهر الخبر المذكورة انه إذا كان له إرادة الإقامة في البلد الذي يذهب اليه
قصر في سفره اليه ، واللازم من ذلك التقصير قبل الإقامة بل بمجرد العزم عليها ،
وجميع ذلك خارج عن ما يقولون به.
والصدوق في
الفقيه روى هذه الرواية في الصحيح بنحو آخر قال : «المكاري إذا
لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام أو أقل قصر في سفره بالنهار وأتم صلاة الليل
وعليه صوم شهر رمضان ، فان كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر
وينصرف إلى منزله ويكون له مقام عشرة أيام أو أكثر قصر في سفره وأفطر».
ومقتضى هذه
الرواية زيادة على ما تقدم اعتبار إقامة العشرة في منزله مضافة إلى العشرة التي في
بلد الإقامة. والظاهر الخبر ترتب القصر على الإقامتين ولا قائل به بل هو أشد
إشكالا.
ومن ما ورد في
المسألة أيضا رواية يونس عن بعض رجاله عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن حد المكاري الذي يصوم ويتم قال أيما
مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقل من عشرة أيام وجب عليه الصيام
والتمام ابدا وان كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام
فعليه التقصير والإفطار».
وهذه الرواية
مع ضعف سندها وان كانت عارية عن الإشكالات المتقدمة إلا انها تضمنت الرجوع الى
التقصير بالإقامة في غير بلده ايضا ، وقد عرفت من كلامهم ـ كما هو المشهور بين
المتقدمين ـ التخصيص ببلده.
وبالجملة فإن
الأخبار الصحاح قد استفاضت بوجوب الإتمام على المكاري
__________________
ونحوه من تلك الأفراد المعدودة في الأخبار ، ومقتضاها ثبوت الحكم واستمراره
ما دام الاسم باقيا والعادة جارية ، والخروج عنها بهذين الخبرين مع ما عرفت من
الإشكالات المتقدمة فيهما مشكل ، وبمجرد دعوى اتفاق الأصحاب مع خلوه من الدليل
أشكل. نعم لو كان هذان الخبران موافقين لكلام الأصحاب ومعتضدين باتفاقهم ومجتمعين
على أمر واحد لقوي الاعتماد عليهما في تخصيص تلك الأخبار المشار إليها إلا ان
الأمر كما عرفت ليس كذلك.
وأما ما ذكره
في الذخيرة ـ من ان العمل بصحيحة ابن سنان على رواية الصدوق غير بعيد ، قال :
واستوجه ذلك بعض أفاضل المتأخرين ولم يعتبر مخالفة المشهور وقال ان اعتبار مثل هذه
الشهرة لا وجه له. انتهى ـ
فظني بعده ولكن
قاعدة أصحاب هذا الاصطلاح المحدث هو التهافت على صحة السند وان كان متن الرواية
مخالفا لمقتضى القواعد الشرعية والأصول المرعية وهو لا يخلو من المجازفة ، وكيف
يمكن العمل بالخبر المذكور وقد تضمن زيادة على ما قدمناه انه متى أقام خمسة أو أقل
قصر في سفره بالنهار وصام شهر رمضان مع ان مقتضى الأخبار المعتمدة ان التقصير
ملازم للإفطار متى قصر أفطر ومتى أفطر قصر وأشكل من ذلك لزوم هذا الحكم في من أقام أقل من خمسة
كما هو صريح الرواية الصادق على اقامة يوم وانه يقصر في سفره ويصوم ، وهل يلتزم
عارف بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية ذلك؟ فكيف يمكن العمل بالخبر بمجرد صحة
سنده مع اشتماله على هذه الأحكام الخارجة عن مقتضى الأصول والقواعد.
وأما ما ذكره
الفاضل المتقدم ـ من ان إيراد الصدوق لها في كتابه مع قرب العهد بما قرره في أوله
يقتضي عمله بها وكونها من الأخبار المعمول عليها بين القدماء ـ فهو مجرد تطويل لا
يرجع الى طائل ، فإن من تتبع اخبار الفقيه حق التتبع ورأى ما فيه من الأخبار
الشاذة النادرة المخالفة لما عليه الأصحاب قديما وحديثا لا يخفى عليه ضعف قوله :
ان مجرد نقل الخبر في الكتاب المذكور يقتضي كونه
__________________
معمولا عليه بين القدماء.
نعم ربما يمكن
التمسك برواية يونس لسلامتها من هذه الإشكالات إلا ان تخصيص تلك الأخبار الصحيحة
الصريحة المستفيضة والخروج عن مقتضاها بهذه الرواية الضعيفة مشكل.
ومن ما يؤيد
الإشكال أيضا عدم دلالة شيء من الروايات المذكورة على تعيين وقت الرجوع الى
التمام بعد التقصير بالإقامة ، واختلاف الأصحاب في كونه بعد الثانية أو الثالثة.
ومن ما ذكرنا
يظهر لك انه لا دليل على ما ذهب اليه الشهيد في الدروس ومن تبعه من إلحاق العشرة
الحاصلة بعد التردد ثلاثين يوما ، فإنه لا إشارة إليها في ما ذكرنا من نصوص
المسألة فضلا عن التصريح بها.
الثالث ـ ما
تقدم نقله عن الشيخ واتباعه ـ من أن من أقام في بلده خمسة أيام قصر نهارا صلاته
دون صومه وأتم ليلا ـ فقد استندوا فيه الى ما تقدم من رواية عبد الله بن سنان ،
والمشهور بين الأصحاب سيما المتأخرين وجوب الإتمام في الصورة المذكورة ، وصرح به
ابن إدريس ومن تأخر عنه تمسكا بإطلاق الروايات المتضمنة لأن كثير السفر يجب عليه
الإتمام ، قالوا خرج عنه من أقام عشرة بالنص والإجماع فبقي الباقي. وفيه ان هذا
الكلام يرجع في الحقيقة إلى الاعتماد هنا على دعوى الإجماع خاصة وانه هو السبب في
الاستثناء ، لان النص الذي ادعوه ليس إلا هذه الرواية فإن صلحت للاستثناء ففي
الموضعين وإلا فلا فيهما ، فلا وجه للاستناد إليها في أحدهما دون الآخر. وكيف كان
فقد عرفت معارضة هذه الرواية في هذا الحكم بالأخبار الصحيحة الصريحة في ملازمة
التقصير للإفطار مضافا الى ما اشتملت عليه من التقصير في أقل من الخمسة
أيضا ، وبه يظهر ضعف القول المذكور.
وكيف كان فملخص
الكلام في المسألة ان ما عدا المكاري يجب عليه البقاء على
__________________
التمام كما اقتضته الروايات المستفيضة المتقدمة ، ولا معارض لها إذ مورد
هذه الأخبار إنما هو المكاري ، واما المكاري الذي هو محل الإشكال واختلاف الروايات
في هذا المجال فان الواجب عليه الاحتياط بعد إقامة العشرة في منزله أو بلد الإقامة
بالجمع بين القصر والإتمام إلى ثلاث سفرات. والله العالم.
الرابع ـ انه
بعد وصول القلم في الجري في هذا الميدان الى هذا المكان وقفت على كلام لبعض
مشايخنا الأعيان يتضمن الانتصار للقول المشهور بين الأصحاب في شرح له على المفاتيح
قد ارتكب فيه من التكلفات البعيدة والتعسفات الغير السديدة ما لا يخفى على الناطر
الماهر والخبير الباهر ، ولا بأس بإيراد ملخص كلامه وما اشتمل عليه من نقضه
وإبرامه ليظهر لك صحة ما ذكرناه وقوة ما ادعيناه :
قال (قدسسره) ـ بعد ذكر كلام المصنف والبحث في المسألة على ما ذكره
المصنف ـ ما ملخصه : إذا تبين هذا فاعلم ان أكثر كلام المصنف ههنا مبنى على متابعة
صاحب المدارك ، فإنه ذكر ما ذكر ههنا واستشكل في المسألة وصار هذا سبب توقف غير
واحد ممن تأخر عنه مع نقلهم جميعا كون المسألة مقطوعا بها عند الأصحاب ، والحق
بحسب نظري القاصر ان هؤلاء لم يتفطنوا لما فهمه الأصحاب وان ما فهمه الأصحاب هو
الصواب ، فاستمع لما نتلو عليك ثم تدبر : اعلم ان الصدوق في الفقيه روى بسند صحيح.
ثم نقل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدم نقلها عن الفقيه ثم قال : ورواه الشيخ مرة من كتاب سعد بن عبد الله عن
عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليهالسلام مثله إلا انه أسقط قوله : «وينصرف إلى منزله ويكون له
مقام عشرة أيام أو أكثر» ومرة أخرى من كتاب محمد بن احمد بن يحيى بالسند بعينه لكن
برواية يونس عن بعض رجاله عن ابى عبد الله عليهالسلام هكذا. ثم ساق مرسلة يونس كما قدمناه ثم قال : ولا يخفى ان بعد ملاحظة هذه الثلاثة سندا
ومتنا لا يبقى شك في أنها مضمون حديث واحد وقع فيه بعض اختلاف في العبارة كما
__________________
هو دأب الرواة في نقل الروايات ، ومروي بسندين أحدهما ما لا كلام في صحته
وهو ما في الفقيه. ثم أطال في الاعتذار عن ضعف طريق رواية الشيخ عن عبد الله بن
سنان وضعف مرسلة يونس ، الى أن قال : فظهر ان تضعيف السند في غاية الضعف ، ثم انه
ظاهر أيضا ان اختلاف بعض العبارات بل عدم استقامة مضمون بعضها ظاهرا غير موجب
للطرح رأسا ، بل مهما أمكن التوجيه لا بد منه وإلا يؤخذ بما هو المشترك بين الجميع
والمضبوط المتضح ، ولا يخفى ان مضمون الأخير لا عيب فيه ولا شبهة تعتريه سوى عدم
التصريح بلزوم كون إقامة العشرة في غير منزله مع النية وظاهر ان مبنى هذا على
اشتهاره وظهوره ، نعم لما كان الواجب تحقق الإقامة عشرا بالتمام كما هو المشهور
عبر هنا بالعبارة التي تدل عليه كما هو ظاهر. ثم ان الحق ان هذا المضمون هو
المشترك بين الجميع أيضا ، إلا ان الظاهر من عبارة الفقيه ان الواو في قوله : «وينصرف»
بمعنى «أو» بل لا بد أن تحمل كذلك ، أو نقول بسقوط الألف من قلم النساخ والمراد «أو
ينصرف» حتى يستقيم المعنى ويوافق كل مع الآخر ، وأما إسقاط قوله : «وينصرف» في
الوسطاني فربما يكون ممن لم يتفطن لحقيقة الحال فظن أنه زائد ، مع انه على تقدير
فرض عدم كونه من أصل الحديث غير مضر ضرورة إمكان استنباط ما هو مضمونه من قوله عليهالسلام : «وان كان له مقام. الى آخره» بل من حكم الخمسة أيضا
فافهم. واما الإشكال بما اشتمل عليه الأولان من حكم الخمسة فمع عدم وجوده في
الأخير وعدم تنافي تركه العمل بما سواه يمكن توجيهه بان المراد بالتقصير في النهار
ترك النوافل أي إذا لم يقم العشرة تماما فمن حيث نفيه من وجوب الإتمام عليه ليس
يلزم عليه نوافل النهار بل يكتفى حينئذ بنوافل الليل كما يشعر به التعبير في
الفقيه بلفظ صلاة الليل ، فلا ينافي الحكم بإتمام الفريضة كما يؤيده الأمر بالصوم
ايضا وما في ابتداء الخبر الأخير ، ويحتمل حمل الخمسة على التقية ايضا على انه قد مر انه عمل به بعض الأصحاب أيضا ، وبالجملة
بعد تبيان ما ذكرناه من حال السند اى مانع من
__________________
العمل بمضمون الخبر الأخير لا سيما مع اعتضاده بعمل الأصحاب لما مر من كون
الحكم مقطوعا به عندهم ، بل مع وجود شواهد متينة ومؤيدات قوية كصحيحة هشام التي
مرت في الشرط الرابع من مفتاح شروط القصر وكرواية السندي التي مثلها وحديث إسحاق بن عمار وغيرهما من ما فيه الأشعار ولو على سبيل الإجمال بأن
المقام للمكاري يقطع حكم الإقامة وان الإتمام على هؤلاء ليس على سبيل الإطلاق ،
فقد ظهر من هذا كله سقوط ما مر من دعوى المصنف متروكية مضمون صحيحة الفقيه ومن
ادعائه معارضة الصحاح الواردة في إتمام المكاري من حيث كونها دالة على الإتمام على
سبيل الإطلاق من غير ذكر ما يدل على الاشتراط المذكور ، مع عدم قابلية مستند
الاشتراط للمعارضة بزعمه ووجه السقوط واضح من ما بيناه.
انتهى كلامه (زيد
مقامه) وفيه أولا ـ ان ما ادعاه ـ من كون رواية يونس مع روايتي الصدوق والشيخ
رواية واحدة وحديثا واحدا وقع فيه بعض اختلاف في العبارة ـ بعيد غاية البعد كما لا
يخفى على الناقد البصير ولا ينبئك مثل خبير ، إذ لا يخفى المغايرة سندا ومتنا وبه
يثبت التغاير بين الأخبار المذكورة والتعدد وان حصل الاشتراك في مادة من حيث
المعنى ، والموجب للاتحاد هو الاتفاق سندا ومتنا في اللفظ كما لا يخفى ، وغرضه من
هذه الدعوى سريان الصحة الى ما تضمنته رواية يونس من حيث صحة سند رواية الفقيه كما
يشير اليه قوله أخيرا «وبالجملة بعد تبيان ما ذكرناه من حال السند أى مانع من
العمل بمضمون الخبر الأخير» وأشار بالخبر الأخير إلى رواية يونس وببيان حال السند
الى ما قدمه من صحة سند رواية الفقيه ، وهو من التعسف والتكلف بمكان غير خفي على
المتأمل.
وثانيا ـ ان ما
ذكره ـ من حمل الواو في صحيحة الفقيه في قوله «وينصرف» على انها بمعنى «أو» أو
سقوط الألف من قلم النساخ ـ وان سقط به مع بعده وتكلفه
__________________
الاشكال الناشئ من ترتب القصر على الإقامتين كما تقدم إلا ان الاشكال
الثالث من الإشكالات الموردة على رواية الشيخ باق بحاله ، فإن ظاهر العبارة
المذكورة ومقتضاها هو ترتب القصر على ارادة المقام في البلد الذي يذهب اليه أو
إرادة الإقامة في منزله لا على حصول المقام وتمامه بالفعل والمراد بالاستدلال انما
هو الثاني لا الأول ، فما تدل عليه الرواية غير مراد بالاتفاق وما هو المراد لا
دلالة لها عليه ولكن هذا من ما لم يتفطن (قدسسره) اليه.
وثالثا ـ ان ما
ذكره ـ في الاعتذار عن سقوط قوله «وينصرف. الى آخره» الذي في صحيحة الفقيه من
رواية الشيخ حيث انه موضع الاستدلال وبتركه حصل الاختلال ـ فهو ايضا من التكلفات
البعيدة والتمحلات الشديدة ، ولو قامت هذه التكلفات في الروايات انسدت أبواب
الاستدلالات ، إذ للخصم أن يقدر ما يريد وما يوافق غرضه ويدعى أمثال هذه الدعاوي
في دليل خصمه فيقلب عليه دليله فيدعى نقصان ما يحتاج اليه وزيادة ما يضره ويرد
عليه ونحو ذلك كما لا يخفى على المصنف ، ومن ذلك ايضا قوله : «ضرورة إمكان استنباط
ما هو مضمونه من قوله وان كان له مقام. الى آخره» مشيرا به كما ذكره في حاشية
الكتاب الى ان قوله في الخبر «وان كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام»
شامل بإطلاقه للبلد الذي هو وطنه وغيره ، فان فيه انه لا يخفى على العارف بأساليب
الكلام ان المتبادر من هذه العبارة والمنساق منها إنما هو بلد الإقامة الخارجة عن
وطنه والعبارة المطابقة إذا أريد ذلك انما يقال «يرجع اليه» لا «يذهب» وهذا ظاهر
لمن نظر بعين الإنصاف وجانب التعصب والاعتساف.
ورابعا ـ ان ما
ذكره ـ من الجواب عن الإشكال بما اشتمل عليه الخبران من حكم الخمسة من توجيهه بان
المراد بالتقصير في النهار يعنى ترك النوافل النهارية وان كان يتم الفريضة ـ فهو
مثل تأويلاته المتقدمة التي قد عرفت بما ذكرنا انها متزعزعة منهدمة ، ومن الذي
يعجزه مثل هذه التأويلات الغثة الباردة والتحملات
السخيفة الشارة التي قد عرفت انه لو انفتح في أمثالها الباب لانسد باب
الاستدلال وعلا الباطل الصواب.
وبالجملة فإن
ما أطال به هذا الفاضل (قدسسره) حجة للقول المشهور ظاهر القصور واضح الفطور وان كان
بزعمه انه كالنور على الطور في الظهور ، نعم ربما لاح من صحيحة هشام المشار إليها
في كلامه وقوله عليهالسلام فيها «المكاري والجمال الذي يختلف وليس له مقام يتم
الصلاة ويصوم شهر رمضان». ما ذكره إلا انها ليست ظاهرة في ذلك بل ربما كان الظاهر
منها انما هو بيان ان هؤلاء الذين عادتهم الاختلاف كلما عرض لهم من يكتري دوابهم
ليس لهم تأخر عن ذلك ولا توقف عنه ـ كما يشير اليه قوله في رواية إسحاق بن عمار
المتقدمة «كلما جاءهم شيء اختلفوا» ـ يجب عليهم إتمام الصلاة والصوم وان أقاموا
عشرة أو أزيد مع عدم وجود من يكتري دوابهم. ولا يخفى على الناظر في ما هو العادة
الجارية الآن ان المكاري كثيرا ما يتوقف في وطنه أو البلد الذي يذهب إليه عشرة ،
وبذلك صرح شيخنا المجلسي في البحار ايضا فقال : وقل مكار لا يقيم في بلده أو البلد
الذي يذهب إليه عشرة أيام. انتهى. وهو جيد وبه يعظم الاشكال. وكيف كان فالاحتياط
في أمثال هذه المواضع طريق السلامة. والله العالم.
السابع ـ من
الشروط المتقدمة ان يتوارى عن البيوت ـ بمعنى انه لا يراه أحد ممن كان عند البيوت
التي هي آخر خطة البلد ـ أو يخفى عليه أذان البلد ، والمراد كفاية أحدهما في ترخص
القصر والانتقال من الإتمام إلى التقصير.
والأصل في هذين
الشرطين ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام رجل يريد السفر متى يقصر؟ قال إذا توارى من البيوت».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن عبد الله بن سنان عنه عليهالسلام قال : «سألته
__________________
عن التقصير قال إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فأتم وإذا كنت في
الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصر ، وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك».
وما رواه
البرقي في المحاسن في الصحيح عن حماد بن عثمان عن رجل عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا سمع الأذان أتم المسافر».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي «وان كان أكثر من بريد فالتقصير واجب إذا غاب عنك أذان مصرك ، وان كنت في
شهر رمضان فخرجت من منزلك قبل طلوع الفجر الى السفر أفطرت إذا غاب عنك أذان مصرك».
وقد تقدم في رواية إسحاق بن عمار المنقولة من كتاب العلل في المقام
الثاني في بيان ما هو المختار من الأقوال في مسافة الأربعة الفراسخ قوله فيها «أليس
قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الذي خرجوا منه. الى آخره» من ما
يؤذن بكون خفاء الأذان موجبا للترخص.
وما ذكرناه من
التخيير في الترخص بين الأمرين المذكورين هو أحد الأقوال في المسألة جمعا بين
اخبارها المذكورة ، وهو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) سيما المتقدمين
إلا انهم عبروا هنا بخفاء جدران البلد بمعنى انه لا يجب عليه التقصير حتى يتوارى
عنه جدران البلد الذي خرج منه أو يخفى عليه أذانها. وقيل بخفائهما معا ونقل عن
المرتضى والشيخ في الخلاف ونسبه شيخنا الشهيد الثاني إلى المشهور بين المتأخرين.
وقال على بن بابويه : إذا خرجت من منزلك فقصر الى أن تعود اليه. واعتبر الشيخ
المفيد وسلار الأذان خاصة. وقال ابن إدريس الاعتماد عندي على الأذان المتوسط دون
الجدران. وعن الصدوق في المقنع انه اعتبر خفاء الحيطان.
أقول : لا يخفى
ان الظاهر من صحيحة محمد بن مسلم المذكورة وقوله فيها : «إذا توارى من البيوت»
انما هو بمعنى إذا بعد المسافر بالضرب في الأرض على وجه
__________________
لا يراه أهل البيوت ، والمراد بالتواري عن البيوت أى من أهل البيوت بتقدير
مضاف كما في قوله عزوجل «وَسْئَلِ
الْقَرْيَةَ ...» أى أهل القرية. هذا هو ظاهر اللفظ بغير اشكال وبه يقرب
مقتضى هذا الخبر ونحوه من خبر خفاء الأذان فإن توارى المسافر عن أهل البلد وخفاء
الأذان متقاربان ولا يضر التفاوت اليسر ، فان مدار أمثال هذه الأمور في الشرع على
التقريب كما هو كذلك عرفا وتبادرا. وأما ما ذكره الأصحاب ـ من حمل الخبر على خفاء
البيوت عن المسافر حملا لقوله «إذا توارى من البيوت» على معنى توارى البيوت عنه ـ فمع
كونه خلاف ظاهر اللفظ المذكور لا يخفى ما فيه من التفاوت الفاحش بين العلامتين
المذكورتين ، فإنه بعد أن يخفى عليه سماع الأذان لا يخفى عليه جدران البلد إلا بعد
مسافة زائدة كما هو ظاهر لمن تأمل.
والسبب في
اختلاف الأقوال هنا هو اختلاف الأفهام في الجمع بين أخبار المسألة ، فبعضهم جمع
بالتخيير كما ذكرناه إلا انه بناء على القول المشهور لا يخلو من اشكال كما عرفت ،
وبعض كالمرتضى والشيخ في الخلاف ومن تبعهما جمعوا بين الخبرين بتقييد كل منهما
بالآخر ، فيلزم ارتكاب التخصيص في كل منهما ، وهو بعيد جدا بقرينة الاكتفاء
بأحدهما في كل من الخبرين فهو في قوة تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وأما من ذهب
الى الاعتماد على الأذان المتوسط دون التواري فلعله لتعدد رواياته وكونه أضبط
لاعتباره الأذان المتوسط مع اختلاف البيوت والجدران في سرعة الخفاء وعدمها بحيث
يرى بعضها من أزيد من فرسخ ، وللتفاوت الفاحش بين خفاء الأذان والجدران كما أشرنا
إليه آنفا. والحق هو ما ذكرناه من التخيير بناء على المعنى الذي فهمناه من الخبر.
وأما ما نقل عن
الشيخ على بن بابويه فقيل ان وجهه الاعتماد على ما رواه
__________________
ابنه الصدوق في الفقيه مرسلا حيث قال : وقد روى عن الصادق عليهالسلام انه قال : «إذا خرجت من منزلك فقصر الى ان تعود اليه». قال
في الذخيرة : ولو صحت كان الجمع بالتخيير قبل الوصول الى حد الخفاء متجها لكن
صحتها غير معلوم. انتهى.
أقول : ومثل
هذه الرواية ما رواه الشيخ في الموثق عن على بن يقطين عن ابى الحسن عليهالسلام «في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟ قال إذا حدث نفسه في الليل
بالسفر أفطر إذا خرج من منزله. الخبر».
ويمكن أن يكون
مثلهما ايضا ما رواه في المحاسن في الصحيح عن حماد بن عثمان عن رجل عن ابى عبد
الله عليهالسلام «في الرجل يخرج مسافرا؟ قال يقصر إذا خرج من البيوت». بحمل البيوت على بيت
المسافر ، مع إمكان حملها على بيوت البلد ، والمراد من الخروج منها التواري
المعتبر في الترخص جمعا بينها وبين روايات المسألة ولعله الأقرب.
هذا. ولا يخفى
عليك ان ما صرح به الشيخ المشار اليه هنا عن ما ذكره في كتاب الفقه الرضوي حيث قال
عليهالسلام : «وان خرجت من منزلك فقصر الى أن تعود اليه». ومنه
يعلم ان مستنده إنما هو الكتاب المذكور على الطريقة التي عرفتها في غير مقام من ما
تقدم وسيأتي ان شاء الله تعالى.
وبذلك يظهر لك
قوة ما ذهب اليه الشيخ المذكور لدلالة هذه الروايات المذكورة عليه ، ولا وجه للجمع
بينها وبين ما دل من الأخبار المتقدمة على اناطة التقصير بمحل الترخص إلا ما ذكره
في الذخيرة من التخيير قبل وصول حد الخفاء إلا انه يخدشه لفظ الضرب في آية السفر
لترتب التقصير فيها على الضرب في
__________________
الأرض الذي هو عبارة عن السير فيها ، وحينئذ فيكون ما دلت عليه هذه الأخبار
مخالفا لظاهر الآية ، واخبار الترخص بوصول حد الخفاء منطبقة عليها وموافقة لها
فترجح بذلك على هذه الأخبار ، ولا يبعد حمل هذه الأخبار على التقية كما احتمله بعض
أصحابنا أيضا ولعله الأرجح وان لم يعلم القائل منهم بذلك وكيف كان فالقول المعتمد في المسألة ما قدمنا ذكره
أولا. والله العالم.
تنبيهات
الأول ـ قال في
المدارك : وذكر الشارح ان المعتبر في رؤية الجدار صورته لا شبحه ومقتضى الرواية
اعتبار التواري من البيوت ، والظاهر ان معناه وجود الحائل بينه وبينها وان كان
قليلا وانه لا يضر رؤيتها بعد ذلك لصدق التواري أولا وذكر الشهيدان ان البلد لو
كانت في علو مفرط أو وهدة اعتبر فيها الاستواء تقديرا ويحتمل قويا الاكتفاء
بالتواري في المنخفض كيف كان لا طلاق الخبر. انتهى. هكذا في بعض نسخ الكتاب وفي
بعضها : ومقتضى الرواية التواري من البيوت والظاهر ان معناه استتاره عنها بحيث لا
يرى لمن كان في البلد وذكر الشهيدان. الى آخر ما تقدم.
والظاهر ان
النسخة الأولى هي القديمة التي خرجت عنه أولا والثانية تضمنت العدول عن ما ذكره
أولا ، وقد وقع له مثل ذلك في مواضع من شرحه هذا كما في مسألة القراءة في صلاة
الجمعة ، إلا ان قوله بعد ذكر ما نقله عن الشهيدين في العلو
__________________
المفرط والوهدة : «ويحتمل قويا الاكتفاء بالتواري في المنخفض» انما ينطبق
على النسخة الأولى التي عدل عنها وهو قد أصلح هذا الموضع وغفل عن ذلك ، وبيان ذلك
ان الظاهر ان ما اشتملت عليه هذه النسخة الأخيرة يرجع الى ما اخترناه في معنى
الرواية وان المراد منها خفاء المسافر عن أهل البلد لا خفاء البلد عن المسافر ،
وحينئذ فقوله بعد نقله عن الشهيدين اعتبار الاستواء في البلد بان لا تكون في علو
مفرط ولا وهدة : «ويحتمل قويا. الى آخره» إنما يتجه على النسخة القديمة ، اللهم
إلا أن يريد بعبارته الأخيرة وقوله : «استتاره عنها بحيث لا يرى لمن كان في البلد»
هو الاستتار كيف اتفق ولو بوجود الحائل ، إلا انه لا يظهر حينئذ لهذا العدول عن
العبارة الأولى الى هذه العبارة وجه لرجوع هذه العبارة بهذا المعنى إلى العبارة
الأولى كما لا يخفى.
وكيف كان فإنه
ينبغي أن يعلم ان المراد من قوله عليهالسلام : «إذا توارى» إنما هو التواري والخفاء بالضرب في الأرض
والسير فيها والبعد عن البلد كما دلت عليه الآية الشريفة لا التواري كيف اتفق كما
توهمه ، فان قوله عزوجل «وَإِذا ضَرَبْتُمْ
فِي الْأَرْضِ» الذي هو شرط التقصير إنما يتحقق بالسير فيها والبعد عن
البلد ، وهي وان كانت مجملة في قدر البعد إلا ان النصوص الواردة في تحديد محل
الترخص قد أوضحت إجمال الآية وان المراد الضرب الى هذا المقدار الذي دلت عليه
النصوص المشار إليها ، وهذا هو المعنى الذي فهمه الأصحاب (رضوان الله عليهم) من
الخبر المذكور ، ولم يذهب الى هذا الوهم الذي توهمه أحد سواه (قدسسره) ومن الظاهر انهم (عليهمالسلام) أرادوا بهذه الأخبار وضع قاعدة كلية وبيان ضابطة جلية
يترتب عليها حكم التقصير والتمام ذهابا وهو إما خفاء المسافر عن أهل البلد أو خفاء
الأذان عليه ، وأما وجود الحائل الذي قد يكون وقد لا يكون وقد يبعد وقد يقرب مع
عدم الدليل عليه فلا يصلح لأن يكون ضابطا كليا ولا قانونا جليا. وبالجملة فإن ما
ذكره (قدسسره) لا يخلو من مجازفة أو غفلة. والله العالم.
الثاني ـ قد
صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا عبرة بأعلام البلد كالمنارة
والقلاع والقباب ، قالوا : ولا عبرة بسماع الأذان المفرط في العلو كما انه لا عبرة
بخفاء الأذان المفرط في الانخفاض. أقول : والجميع من ما لا بأس به حملا للروايات
المتقدمة على ما هو الغالب المعروف.
ثم انهم صرحوا
أيضا بان ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من خفاء البيوت وخفاء الأذان المراد به
بيوت البلد وأذانه بالنسبة إلى القرية والبلد الصغيرة أو المتوسطة ، وأما لو كان
البلد كبيرة متسعة ـ قالوا وهي التي اتسعت خطتها بحيث تخرج عن العادة ـ فإنهم
جعلوا لكل محلة منها حكم نفسها بالنسبة إلى تقدير مسافة الترخص التي هي عبارة عن
خفاء الأذان والجدران عند السفر منها ، فقالوا ان الاعتبار في خفاء الأذان
والجدران الموجب للتقصير مبدأه من آخر خطة البلد إلا ان تكون متسعة على الوجه
المذكور فالمعتبر جدران آخر المحلة ، وكذا أذان مسجد المحلة.
ولم نظفر لهم
في هذا الفرق والتفصيل ولا في اعتبار المحلة بدليل يعتمد عليه ولم يصرح أحد منهم
بالدليل على ذلك وكأنه أمر مسلم بينهم ، بل ربما دلت ظواهر الأخبار المتقدمة على
رده نظرا إلى إطلاقها أو عمومها.
ويعضد ذلك أيضا
موثقة غياث بن إبراهيم عن الصادق عن أبيه الباقر (عليهماالسلام) «انه كان يقصر الصلاة حين يخرج من الكوفة في أول صلاة تحضره».
والتقريب فيها
انه لا ريب ان الكوفة كانت من البلدان العظام المتسعة والخبر دل على انه إنما يقصر
الصلاة بعد الخروج منها ، والخروج منها وان كان بحسب ما يتراءى في بادئ النظر
مجملا إلا أنك بمعونة ما عرفت سابقا من أن حدود البلد عبارة عن ما ينتهى إلى محل
الترخص فالمراد بالخروج منها حينئذ هو الوصول الى ذلك المكان ، ولو كان الحكم كما
ذكروه من الاعتبار بالمحلة في البلد المتسعة والحال ان هذه البلد كذلك
__________________
لما أخر التقصير الى الخروج منها ولما علق الحكم بها بل ينبغي ان يعلقه
بالمحلة.
وروى البرقي في
المحاسن في الصحيح عن حماد بن عثمان عن رجل عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «المسافر يقصر حتى يدخل المصر».
والتقريب فيه
كما تقدم من أن المراد بدخول المصر الوصول إلى أول حدوده وهو تجاوز محل الترخص
داخلا ، فإنه لما كانت حدود البلد منتهية إلى المكان المشار اليه فبدخولها يصدق
دخول المصر كما هو ظاهر ، ومن الظاهر ان لفظ المصر انما يطلق على البلدان المتسعة
دون القرى والبلدان الصغار ، ولذا قالوا للكوفة والبصرة المصرين كما وقع في
الأخبار وكلام أهل اللغة ، وكثيرا ما تراهم في كلامهم سيما في باب صلاة الجمعة
يقابلون بين الأمصار والقرى ، ولو كان الأمر كما يدعونه من الاعتبار بالمحلة في
البلد المتسعة لم يجعل هنا غاية التقصير ما ذكرناه بل غايته باعتبار المحلة وسماع
أذانها أو رؤية جدرانها.
على ان اللازم
من ما ذكروه هنا انه لو عزم على الإقامة في البلد المتسعة فالواجب مراعاة المحلة ،
بمعنى ان ما صرحوا به في حكم من أقام عشرة في بلد خاصة ـ من انه لا يجوز له تجاوز
محل الترخص منها وانه متى نوى ذلك في أصل نية الإقامة بطلت نيته ـ يجري في المحلة
، فعلى هذا لا يجوز له الخروج إلى سائر المحاليل الخارجة عن هذا المقدار بالنسبة
إلى محلته ، وهو مع كونه لم يصرحوا به في تلك المسألة موجب للحرج في منع المسافر
المقيم من التردد في البلد لقضاء حوائجه ومطالبه كما هو الغالب الذي عليه كافة
الناس ، مع انه لم يظهر له أثر ولا خبر في الأخبار سيما مع عموم البلوى به مضافا
الى أصالة براءة الذمة منه.
وبالجملة فإن
ما صرحوا به هنا من هذا التفصيل لا يخلو من الاشكال كما عرفت. والله العالم.
الثالث ـ قد
عرفت الكلام في حد الترخص حال الذهاب وما فيه من الخلاف
__________________
بين الأصحاب وما هو المختار في الباب ، وقد اختلفوا أيضا في حكم الإياب
فظاهر القولين المشهورين المتقدمين ـ من اعتبار التخيير بين خفاء الأذان وخفاء
الجدران كما هو المشهور بين المتقدمين أو اعتبارهما معا كما هو المشهور بين
المتأخرين ـ هو كون ذلك في الذهاب والإياب ، إلا ان المرتضى الذي هو أحد القائلين
بالقول المشهور بين المتأخرين ذهب هنا الى ما ذهب اليه الشيخ على بن بابويه وابن
الجنيد من القول بالتقصير الى المنزل ، وقد عرفت الاختلاف في الذهاب بين مذهب
المرتضى والشيخ المذكور.
وذهب المحقق في
الشرائع إلى موافقة المتقدمين في الذهاب وهو الاكتفاء بأحد الأمرين وخالفهم في
الإياب فذهب الى وجوب التقصير حتى يسمع الأذان واختاره في المدارك عملا بصحيحة ابن
سنان .
قال في المدارك
بعد نقل عبارة المحقق في ذلك : ما اختاره المصنف (قدسسره) في حكم العود أظهر الأقوال في المسألة لقوله عليهالسلام في رواية ابن سنان المتقدمة «وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك». وانما لم يكتف المصنف هنا بأحد الأمرين كما
اعتبره في الذهاب لانتفاء الدليل هنا على اعتبار رؤية الجدران.
والأظهر عندي
بالنسبة إلى الذهاب ما تقدم من التخيير عملا بالروايتين المتقدمتين وجمعا بينهما
بذلك ، وأما في الإياب فهو ما ذهب اليه الشيخ على بن بابويه ومن تبعه.
لنا على الأول
ما عرفت وعلى الثاني الأخبار المتكاثرة التي قدمناها في التنبيه الذي في آخر
المقام الثاني من مقامات الشرط الرابع فإنها صحيحة متكاثرة متعاضدة الدلالة على ما قلناه.
والأصحاب (رضوان
الله عليهم) لم يذكروا ما قدمنا ذكره كملا وإنما أوردوا بعض ذلك وأجابوا عن ما
نقلوه منها.
__________________
فمن ذلك ما
أجاب به في الروض حيث قال بعد تصريحه باختيار ما ذهب اليه المصنف من اعتبارهما معا
ذهابا وإيابا كما قدمنا نقله عنهم : وخالف هنا جماعة حيث جعلوا نهاية التقصير دخول
المنزل استنادا الى اخبار تدل على استمرار التقصير الى دخول المنزل ، ولا صراحة
فيها بالمدعى فان ما دون الخفاء في حكم المنزل. انتهى.
وهو راجع الى
ما أجاب به العلامة في المختلف ايضا حيث قال بعد أن أورد صحيحة العيص وموثقة إسحاق
بن عمار : المراد بهما الوصول الى موضع يسمع الأذان ويرى الجدران فان من وصل الى
هذا الموضع يخرج عن حكم المسافر فيكون بمنزلة من يصل الى منزله. انتهى.
وفيه ان جملة
من اخبار المسألة التي قدمناها قد صرحت بوجوب التقصير بعد دخول البلد وقصرت
الإتمام على المنزل :
مثل قوله عليهالسلام في موثقة إسحاق بن عمار التي ذكرها «الرجل يكون مسافرا ثم يقدم فيدخل بيوت
الكوفة أيتم الصلاة أم يكون مقصرا حتى يدخل أهله؟ قال بل يكون مقصرا حتى يدخل أهله».
وفي صحيحة
معاوية بن عمار قال عليهالسلام «ان أهل مكة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم أتموا وإذا لم يدخلوا منازلهم
قصروا». ونحوها صحيحة الحلبي .
والجميع كما
ترى صريح في وجوب التقصير في البلد ما لم يدخل منزله فكيف يتم ما ذكروه من التأويل
المذكور.
وصاحب المدارك
ومثله الفاضل الخراساني التجأوا في الجمع بين هذه الاخبار وبين عجز صحيحة ابن سنان
الى القول بالتخيير بمعنى انه بعد وصوله الى محل الترخص من سماع الأذان الذي هو
مورد الرواية المذكورة فإنه يتخير بين القصر
__________________
والإتمام الى أن يدخل منزله.
وفيه ان ظواهر
الأخبار المذكورة ظاهرة بل صريحة في وجوب التقصير ما لم يدخل منزله ولا سيما موثقة
ابن بكير المتقدمة ثمة ، والأظهر أن يقال ان غاية ما تدل عليه صحيحة ابن سنان
المذكورة بمنطوقها هو وجوب التقصير في الرجوع الى أن يسمع الأذان ، ومفهومه انه
متى سمع الأذان أتم ، والمعارضة إنما حصلت بهذا المفهوم ، ولا ريب في ضعف معارضة
المفهوم للمنطوق سيما إذا تعدد هذا المنطوق في روايات عديدة صريحة صحيحة ، فيمكن
اطراحها والقول بان الغرض من الرواية إنما تعلق بالمنطوق دون المفهوم وان المراد
ان المسافر يقصر الى هذه الغاية وان قصر بعدها ايضا. هذا على تقدير رواية الصحيحة
المذكورة بحذف صدرها كما تقدمت الإشارة اليه ، وأما مع ثبوته فإنها وان دلت على ما
ذكروه لكن لا يبقى وثوق به بعد معارضة الصحاح المذكورة. وربما حمل عجزها المذكور
على التقية لأن مذهب أكثر العامة كما ذهب إليه جملة من أصحابنا هو أن المسافر لا
يزال مقصرا الى أن يصل الى الموضع الذي ابتدأ فيه بالقصر فيتم بعده إلا ان بعضهم ايضا احتمل حمل هذه الأخبار على التقية
كما يظهر من صاحب الوسائل ، والظاهر ان الأمر بالعكس انسب لما ذكرناه. وكيف كان
فالأظهر
__________________
عندي من الأخبار هو ما عرفت.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه قد ظهر من ذكر هذه الشروط السبعة المذكورة هنا ضابطتان كليتان ، وهو انه
متى كملت هذه الشروط فلا يجوز الإتمام بحال إلا في مواضع قد دلت النصوص وكلام
الأصحاب على استثنائها ، ومنها ـ جاهل الحكم مع استكماله الشرائط الموجبة للقصر
على الأشهر الأظهر ، ومنها ـ الناسي وقد خرج الوقت. ومنها ـ من كان في أحد المواطن
الأربعة. والضابطة الثانية ان كل من لم يستكمل هذه الشروط فالواجب عليه التمام إلا
في مواضع مستثناة ايضا ، ومنها ـ من قصر جهلا مع فقد الشرائط على الأظهر ، ومنها ـ
من جد به السير ومن أقام عشرة من المكارين ، فان مقتضى القاعدة المذكورة وجوب
الإتمام عليهم لاختلال بعض الشروط وهو عدم كون السفر عمله إلا ان النصوص وردت
بالتقصير لهم. وجميع هذه المسائل قد مضى بعضها وسيأتي ان شاء الله تعالى تحقيق
القول في ما لم يتقدم له ذكر. والله العالم بحقائق أحكامه.
المطلب الثاني في الأحكام
والبحث يقع فيه
في مسائل الأولى ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه لو نوى اقامة
عشرة أيام فصاعدا في موضع ثم بدا له الرجوع عن الإقامة فإنه يقصر إلا أن يكون قد
صلى فريضة بتمام فإنه يجب عليه الإتمام حينئذ حتى يخرج من موضع الإقامة ويقصد
المسافة ، قال في المدارك : هذا الحكم ثابت بإجماعنا.
والأصل في
الحكم المذكور ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابى ولاد الحناط قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام انى كنت نويت حين دخلت المدينة ان أقيم بها عشرة أيام
فأتم الصلاة ثم بدا لي بعد أن لا أقيم بها فما ترى لي أتم أم قصر؟ فقال
__________________
ان كنت دخلت المدينة وصليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتى
تخرج منها ، وان كنت حين دخلتها على نيتك التمام ولم تصل فيها صلاة فريضة بتمام
حتى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار ان شئت فانو المقام عشرا وأتم
وان لم تنو المقام عشرا فقصر ما بينك وبين شهر فإذا مضى لك شهر فأتم الصلاة.
ولا ينافي ذلك ما
رواه الشيخ والصدوق عن حمزة بن عبد الله الجعفري قال : «لما نفرت من منى نويت المقام بمكة فأتممت الصلاة
حتى جاءني خبر من المنزل فلم أجد بدا من المصير الى المنزل ولم أدر أتم أم أقصر
وأبو الحسن عليهالسلام يومئذ بمكة فأتيته وقصصت عليه القصة فقال ارجع الى
التقصير».
فان الوجه فيه
ان المراد بالجواب انما هو الأمر بالتقصير بعد السفر والخروج فهو كناية عن الأمر
له بالسفر بمعنى سافر وقصر ، إذ الظاهر ان مراد السائل انما هو الاستفهام عن من
نوى الإقامة هل يجوز له ابطالها والخروج والقصر فيه أم لا بد من الإتمام ولو في
الطريق الى أن يتم أيام الإقامة؟ كما يتوهمه كثير ممن لم يقف على حكم المسألة
فأجابه عليهالسلام بالأول وحينئذ فلا اشكال.
وتحقيق الكلام
في المقام يتوقف على بسطه في مواضع : الأول ـ الظاهر من إطلاق قوله في صحيحة أبي
ولاد المذكورة «حتى بدا لك أن لا تقيم» انه بمجرد العدول عن نية الإقامة قبل
الصلاة على التمام سواء كان بقصد المسافة أو التردد في الإقامة وعدمها يلزم الرجوع
الى التقصير ما لم ينو إقامة عشرة غير الأولى ، وهذا هو المعروف من مذهب الأصحاب
لا نعلم فيه خلافا.
لكن يظهر من
كلام الشهيد الثاني (قدسسره) وجود الخلاف في ذلك وان مجرد العدول عن النية السابقة
قبل الصلاة لا يقتضي التقصير ما لم يقصد مسافة ، لأنه قال : ويحتمل اشتراط المسافة
بعد ذلك لا طلاق النص والفتوى ان نية الإقامة تقطع السفر فيبطل حكم ما سبق كما لو
وصل الى وطنه ، وبما قلناه
__________________
افتى الشهيد في البيان. انتهى. وهو كما ترى صريح في ما قلناه.
ورواية أبي
ولاد المذكورة مطلقة كما ترى في العدول عن نية الإقامة ، وحملها على قصد المسافة ـ
بسبب احتمال ارادة الخروج إلى الكوفة لأن الراوي كوفي كما ذكره (قدسسره) في شرح الإرشاد ـ بعيد جدا فالمقام لا يخلو عن اشكال.
كذا أفاده والدى (عطر الله مرقده) في حواشيه على كتاب الاستبصار وهو جيد وجيه.
والظاهر ان ما
احتمله شيخنا الشهيد الثاني من اشتراط المسافة بعيد وفيه تقييد للنص المذكور من
غير دليل ، وتخيل ان السائل كوفي فيحتمل حمل الخبر على إرادته الخروج إلى الكوفة
خيال بعيد ، ولو بنيت الأحكام الشرعية على مثل هذه الخيالات البعيدة والاحتمالات
السخيفة لا تسع المجال وكثر القيل والقال وبطل الاستدلال إذ لا قول إلا وهو قابل
للاحتمال وان بعد كما لا يخفى على ذوي الكمال. والاحتجاج بإطلاق النص والفتوى بأن
نية الإقامة تقطع السفر مسلم مع بقائها واستصحابها ، وهذا هو الذي دل عليه النص
والفتوى وبه يبطل حكم ما سبق كما ذكره ، وأما مع العدول عن النية كما هو المفروض
فان هذه الدعوى ممنوعة كما لا يخفى على المتأمل المنصف.
قال شيخنا
المجلسي (قدسسره) في كتاب البحار بعد إيراد عبارة الفقه الرضوي التي هي
في معنى الرواية المذكورة ما لفظه : وظاهر الأصحاب انه لا يشترط في الرجوع الى
التقصير في صورة العدول عن نية الإقامة من غير صلاة كون الباقي مسافة ، وقواه
الشهيد الثاني (قدسسره) واحتمل الاشتراط ، وإطلاق هذه الرواية وغيرها يؤيد
المشهور. انتهى.
وبما ذكرناه في
المقام يظهر ضعف ما جنح إليه في الذخيرة في هذه المسألة من الميل الى هذا
الاحتمال.
الثاني ـ لا
إشكال في الانقطاع بالصلاة المقصورة إذا صلاها تماما بعد نية الإقامة أما لو صلى
غيرها من ما لم يكن مقصورا كالصبح والمغرب بعد النية فهل
يكفي في الانقطاع ووجوب استصحاب التمام الى أن يقصد المسافة؟ إشكال ولم أقف
على مصرح بذلك من الأصحاب (رضوان الله عليهم) نفيا وإثباتا ، والرواية لا تخلو من
الإجمال لأن قوله «بتمام» في الموضعين محتمل لان يكون المراد «صليت فريضة مقصورة
بتمام» وحينئذ فلا يثبت الحكم بغير المقصورة إذا أتمها ، ويحتمل أن يكون المعنى
صليت فريضة بعد قصد التمام في المقصورات ، والظاهر بعده إذ لو كان مجرد صلاة
الفريضة مقصورة أو غير مقصورة كافيا بنية التمام لم يكن للإتيان بهذا القيد وجه
يعتد به ، لأن نية الإقامة قد حصلت بالاستقلال ومن شأنها الانتقال من حكم المسافر
الى حكم الحاضر بالنسبة إلى الصلاة والصوم والشرط معها صلاة فريضة ، فلو لم يعتبر
في تلك الفريضة أن تكون من الفرائض المقصورات التي هي عبارة عن ركعتين بأن يأتي
بها أربعا كما هو ظاهر العبارة بل يكفى مثل الصبح والمغرب لم يكن لضم هذا القيد في
الكلام وجه بل يكفى أن يقول «صليت صلاة فريضة» بقول مطلق ، لا سيما مع الاتفاق على
انه لا يشترط قصد القصر والإتمام ولا نيتهما في الإتيان بكل من المقصورة والتامة.
ويعضد ما قلناه انه قد وقع ما يقرب من هذه العبارة مرادا بها ما قلناه في صحيحة
أبي ولاد المتقدمة في الشرط الثالث من شروط التقصير حيث قال عليهالسلام : «فان عليك أن تقضى كل صلاة صليتها في يومك ذلك
بالتقصير بتمام. الخبر».
وبالجملة
فالظاهر عندي قصر الحكم على الصلاة المقصورة وان يأتي بها تماما دون غيرها من ما
لم يدخله التقصير. والله العالم.
الثالث ـ قد
اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في إلحاق الصوم الواجب بالصلاة الفريضة في هذا
المقام ، فقيل بالإلحاق بمجرد الشروع في الصوم الواجب المشروط بالحضر. وهو اختيار
العلامة في جملة من كتبه لوجود أثر النية.
وقيل بذلك ايضا
لكن يجب تقييده بما إذا زالت الشمس قبل الرجوع عن نية الإقامة ، وهو اختيار شيخنا
الشهيد الثاني في الروض.
وقيل بعدم
الإلحاق وقصر الحكم على الصلاة ، وهو اختيار جمع من الأصحاب : منهم ـ الشهيد
والمحقق الشيخ على والسيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة.
وهو الظاهر لان
الحكم في النص وقع معلقا على الصلاة وتعديته الى غيرها يحتاج الى دليل شرعي وإلا
كان قياسا محضا وهو لا يوافق أصول المذهب. ومقتضى النص المذكور رجوع التقصير بعد
العدول عن نية الإقامة التي لم يصل بها أعم من أن يكون صام بتلك النية أو لم يصم
زالت الشمس أم لم تزل فيكون الحكم ثابتا في جميع الصور المذكورة.
احتج شيخنا
الشهيد الثاني في الروض بأنه لو فرض ان هذا الصائم سافر بعد الزوال فلا يخلو إما
ان يجب عليه الإفطار أو إتمام الصوم ، لا سبيل إلى الأول للأخبار الصحيحة الشاملة
بإطلاقها أو عمومها لهذا الفرد الدالة على وجوب المضي على الصوم :
كصحيحة الحلبي
عن ابى عبد الله عليهالسلام «انه سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم؟ قال ان خرج قبل
أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم وان خرج بعد الزوال فليتم يومه».
وصحيحة محمد بن
مسلم عنه عليهالسلام «إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم». وغيرهما.
فيتعين الثاني
وحينئذ فلا يخلو إما أن يحكم بانقطاع نية الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال وقبل
الخروج أولا ، لا سبيل إلى الأول لاستلزامه وقوع الصوم الواجب سفرا بغير نية
الإقامة وهو غير جائز إجماعا إلا ما استثنى من الصوم المنذور على وجه وما ماثله
وليس هذا منه ، فيثبت الآخر وهو عدم انقطاع نية الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال
سواء سافر حينئذ بالفعل أم لم يسافر ، إذ لا
__________________
مدخل للسفر في صحة الصوم وتحقق الإقامة بل حقه أن يحقق عدمها وقد عرفت عدم
تأثيره فيها فإذا لم يسافر بقي على التمام الى أن يخرج إلى المسافة وهو المطلوب. انتهى
ملخصا.
وفيه ما ذكره
سبطه السيد السند (قدسسره) في المدارك حيث قال بعد نقل ذلك عنه : ولقائل أن يقول
لا نسلم وجوب إتمام الصوم والحال هذه ، وما أشار إليه (قدسسره) من الروايات المتضمنة لوجوب المضي في الصوم غير صريحة
في ذلك بل ولا ظاهرة ، إذ المتبادر منها تعلق الحكم بمن سافر من موضع يلزم فيه
الإتمام وهو غير متحقق هنا فإنه نفس النزاع ، سلمنا وجوب الإتمام لكن لا نسلم
اقتضاء ذلك لعدم انقطاع نية الإقامة بالرجوع عنها في هذه الحالة ، واستلزام ذلك
لوقوع الصوم الواجب سفرا لا محذور فيه لوقوع بعضه في حال الإقامة ، ولأنه لا دليل
على امتناع ذلك (فان قلت) انه يلزم من وجوب إتمام الصوم إتمام الصلاة لعكس نقيض قوله
عليهالسلام : «إذا قصرت أفطرت». (قلت) هذا بعد تسليم عمومه مخصوص
بمنطوق الرواية المتقدمة المتضمنة للعود الى القصر مع الرجوع عن نية الإقامة قبل
إتمام الفريضة. انتهى.
أقول : الظاهر
ان الجواب الحق هو ما ذكره أولا من منع وجوب إتمام الصوم والحال هذه لما ذكره ،
حيث ان المتبادر من الأخبار المشار إليها الخروج من بلد يجب عليه الإتمام فيها
وفرضه فيها التمام كبلد وطنه أو بلد إقامته ثم أنشأ سفرا منها ، لأن هذا هو الفرد
الغالب المتكثر الذي ينصرف إليه الإطلاق ، وقد عرفت في غير موضع من ما تقدم ان
إطلاق الأخبار إنما يحمل على الأفراد الشائعة المتكثرة الغالبة فإنها هي التي
يتبادر إليها الإطلاق ، وما نحن فيه ليس من هذا القبيل فلا يدخل تحت الإطلاق ، مع
انه محل البحث والنزاع وأول المسألة لأنه بنية الإقامة ورجوعه عنها قبل الصلاة
تماما لا يمكن الجزم بكونه مقيما فيدخل تحت إطلاق الخبر ، وبمجرد سفره على هذه
الحال لا يمكن الجزم بدخوله تحت إطلاق
__________________
الأخبار المشار إليها.
وبالجملة فإن
ما ذكره (قدسسره) هنا جيد. واما ما ذكره بعد تسليم وجوب الإتمام ومنع
اقتضاء ذلك لعدم انقطاع نية الإقامة بالرجوع عنها في هذه الحالة ـ من أن استلزام
ذلك لوقوع الصوم الواجب سفرا لا محذور فيه لوقوع بعضه حال الإقامة ـ فالظاهر أنه
لا يخلو من خدش وان تبعه عليه في الذخيرة ، فإن الأخبار الدالة على تحريم الصوم في
السفر شاملة بإطلاقها وعمومها لما وقع بعضه في حال الإقامة أم لم يقع ، فقوله «انه
لا دليل على امتناع ذلك» ممنوع فإن الأخبار عامة شاملة لما ذكره ودلالتها على ذلك
بعمومها وإطلاقها واضحة فلا معنى لمنعه الدليل على امتناع ذلك ، ويخرج ما ذكره ـ من
عكس النقيض في قوله عليهالسلام : «إذا قصرت أفطرت» بمعنى ان عدم جواز الإفطار يقتضي
عدم جواز التقصير ـ شاهدا. وما تكلفه من الجواب عنه لا يخلو من غموض كما لا يخفى
على من راجع كلام صاحب الذخيرة في هذا المقام.
الرابع ـ المفهوم
من الخبر المتقدم ان وجوب الإتمام واستصحابه معلق بعد نية الإقامة على أمور ثلاثة
:
أحدها ـ الصلاة
فلو لم يكن صلى ثم رجع عن نية الإقامة عاد الى التقصير سواء كان قد دخل وقت الصلاة
أم لم يدخل خرج وقتها ولم يصل عمدا أو سهوا أم لا ، لان مناط الحكم الصلاة تماما
ولم يحصل ، ونقل عن العلامة في التذكرة انه قطع بكون الترك كالصلاة نظرا الى
استقرارها في الذمة وتبعه المحقق الشيخ على واستشكل العلامة في النهاية الحكم وكذا
الشهيد في الذكرى. ولو كان ترك الصلاة لعذر مسقط للقضاء كالجنون والإغماء فلا
إشكال ولا خلاف في كونه كمن لم يصل.
وثانيها ـ كون
الصلاة فريضة فلو رجع عن نية الإقامة بعد صلاة نافلة فإن كانت من النوافل المشروعة
في السفر كنافلة المغرب فلا خلاف في عدم تأثيرها وإلا فقولان أظهرهما عدم التأثير
أيضا لما عرفت من تعليق الحكم على الفريضة ، وهو
مختار جماعة من الأصحاب ومنهم الشهيد في الذكرى ، ونقل عن العلامة في
النهاية انه ذهب الى الاجتزاء بها ، واليه يميل كلام الشهيد الثاني في الروض حيث
قال بعد نقل القول الأول عن الذكرى : ويحتمل قويا الاجتزاء بها لأنها من آثار
الإقامة ، وما تقدم من الدليل على الاكتفاء بالصوم آت هنا وهو مختار المصنف في
النهاية. انتهى. وفيه ما عرفت في إلحاقه الصوم وهو قياس على قياس غير خال من ظلمة
الالتباس.
وثالثها ـ كون
الصلاة تماما فلا تأثير الصلاة لقصر ، وهل يشترط كون التمام بنية الإقامة أم يكفي
مطلق التمام ولو سهوا؟ فيه وجهان ، يحتمل الأول لأن ذلك هو أكثر أفراد الإقامة بل
هو مقتضى ظاهر الرواية لأن السؤال فيها وقع عن من نوى الإقامة عشرا ، ويحتمل
الثاني عملا بإطلاق التمام. والأقرب الأول.
قالوا : وتظهر
الفائدة في مواضع : منها ـ ما لو صلى فرضا تماما ناسيا قبل نية الإقامة سواء خرج
الوقت أم لا.
أقول : الظاهر
ان الصلاة على هذه الكيفية لا تأثير لها إذا المفهوم من النص المتقدم هو نية
الإقامة أو لا ثم الصلاة تماما بعد النية كما يشير اليه قوله عليهالسلام : «ان شئت فانو المقام عشرا وأتم وان لم تنو المقام
عشرا فقصر». حيث رتب الصلاة على النية أولا.
قالوا : ومنها
ـ ما لو صلى تماما في أماكن التخيير بعد النية لشرف البقعة ، اما لو نوى التمام
لأجل الإقامة فلا إشكال في التأثير ، ولو ذهل عن الوجه ففي اعتبارها وجهان ، من
إطلاق الرواية حيث علق الحكم فيها على صلاة الفريضة تماما مع ان الإقامة كانت
بالمدينة فقد حصل الشرط. ومن ان التمام كان سائغا له بحكم البقعة فلم يؤثر.
أقول : لا يخفى
ان النص كما عرفت قد دل على نية الإقامة عشرا ثم الصلاة
__________________
تماما بتلك النية وهو أعم من أن يكون في مواضع التخيير أو غيرها ، وحينئذ
فلا يجزئ مجرد الإتمام لشرف البقعة ، وكون الخبر هنا مورده المدينة وهي من المواضع
المذكورة لا وجه له ، إذ الظاهر ان كلامه عليهالسلام بمنزلة القاعدة الكلية في هذا المقام لا اختصاص له ببلد
دون بلد وهو قد علق الحكم فيه على نية الإقامة ورتب الصلاة عليها. وبذلك يظهر انه
لو أتم جاهلا الوجه فإنه لا عبرة بإتمامه ما لم تحصل نية الإقامة وقصدها ثم الصلاة
بتلك النية والقصد كما هو مؤدى الخبر وكلام الأصحاب في الباب.
قالوا : ومنها
ـ ما لو نوى الإقامة عشرا في أثناء الصلاة قصرا فأتمها ثم رجع عن الإقامة بعد
الفراغ فإنه يحتمل حينئذ الاجتزاء بهذه الصلاة لصدق التمام بعد النية ، ولأن
الزيادة إنما حصلت بسببها فكانت من آثارها كما مر ، وعدمه لان ظاهر الرواية كون
جميع الصلاة تماما بعد النية وقبل الرجوع عنها ولم يحصل.
أقول : ظاهر
جمع من الأصحاب هنا : منهم ـ الشيخ الشهيد في الذكرى وشيخنا الشهيد الثاني في
الروض وشيخنا المجلسي في البحار هو اختيار الوجه الأول ، وهو الأقرب لصدق الصلاة
تماما والمؤثر في الحقيقة ليس إلا العدد الزائد عن الركعتين وقد حصل هنا.
وأما ما تعلقوا
به للوجه الآخر ـ من ان ظاهر الرواية كون جميع الصلاة تماما بعد النية ـ ففيه انه
وان كان كذلك بالنسبة الى هذه الرواية إلا انه قد ورد ايضا ما يدل على وجوب
الإتمام بالنية في أثناء الصلاة :
كما في صحيحة
على بن يقطين عن ابى الحسن عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل يخرج في السفر ثم يبدو له في
الإقامة وهو في الصلاة؟ قال يتم إذا بدت له الإقامة».
ورواية محمد بن
سهل عن أبيه قال «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الرجل
__________________
يخرج في سفر ثم تبدو له الإقامة وهو في صلاته أيتم أم يقصر؟ قال يتم إذا
بدت له الإقامة».
وحينئذ فلا فرق
في استصحاب التمام ووجوب البقاء عليه بعد النية والصلاة تماما بين أن تكون النية
متقدمة على الصلاة أو في أثنائها كما دل عليه الخبران المذكوران
الخامس ـ المفهوم
من الخبر المذكوران المعتبر في قطع السفر واستصحاب التمام إتمام الصلاة بعد نية
الإقامة ، فلو شرع في الصلاة بنية الإقامة ثم رجع عن الإقامة في أثنائها لم يكف
ذلك في قطع السفر والخروج عن ما هو عليه وان كان بعد ركوع الثالثة.
وبه صرح في
المنتهى حيث قال : لو نوى المقام ثم قام فصلى ثم تغيرت نيته الى السفر في الأثناء
قيل يتم والوجه عندي انه يقصر لان الشرط وهو الصلاة على التمام لم يحصل. وقال
الشيخ في المبسوط لو نوى المقام عشرا ودخل في الصلاة بنية التمام ثم عن له الخروج
لم يجز له القصر الى ان يخرج مسافرا ، ونحوه ابن الجنيد حيث قال : لو كان مسافرا
قد دخل في الصلاة بنية القصر ثم نوى الإقامة أتم على ما كان صلاه ، وان كان مقيما
فدخل في صلاته بنية الإتمام ثم نوى السفر قبل الفراغ منها لم يكن له القصر. وقال
ابن البراج : لو بدا له في المقام وقد صلى منها ركعة أو ركعتين وجب التمام لانه
دخلها بنية مقيم. وصريح كلام هؤلاء هو وجوب الإتمام وان لم يتم الصلاة بل وان لم
يتجاوز فرض القصر.
وفصل العلامة
في التذكرة والمختلف بأنه ان كان قد تجاوز في صلاته فرض القصر بان صلى ثلاث ركعات
تعين الإتمام وإلا جاز له القصر ، قال في الذكرى : وفصل الفاضل بتجاوز محل القصر
فلا يرجع وبعدم تجاوزه فيرجع ، لانه مع التجاوز يلزم من الرجوع إبطال العمل المنهي
عنه ومع عدم التجاوز صدق انه لم يصل بتمام. انتهى.
وتردد المحقق
في المسألة نظرا الى افتتاح الصلاة وقد ورد في الخبر انها على ما افتتحت عليه ، والى عدم الإتيان بالشرط
حقيقة.
وقال في
الذخيرة : وحكى عن المصنف وغيره الاكتفاء بها إذا كان الرجوع بعد ركوع الثالثة
وانهم اختلفوا إذا كان الرجوع بعد القيام إلى الثالثة. انتهى.
أقول : الظاهر
من كلام من ذهب الى التفصيل ان الحد الذي به يتجاوز محل التقصير هو ركوع الثالثة
كما قدمنا نقله عن العلامة في المختلف والتذكرة ، وذلك لان ما قبل الركوع من
الواجبات لا يكون موجبا للتجاوز لإمكان جعله من قبيل زيادة الواجب سهوا وانما
الاعتبار بالركن المبطل فعله عمدا وسهوا ، فما ذكره في الذخيرة من الحكاية
المذكورة لم أقف عليه ولا أعرف له وجها.
ثم أقول وبالله
التوفيق : انه لا يخفى أن مقتضى الخبر المذكور كما اعترفوا به ان الشرط في وجوب
الإتمام والاستمرار عليه هو الإتيان بعد نية الإقامة بالصلاة التامة كاملة وأن
تكون نية الإقامة مستمرة الى أن يفرغ منها ، فلو رجع عن نية الإقامة في أثنائها في
أي جزء منها تجاوز محل القصر أو لم يتجاوز فالواجب عليه بمقتضى اختلاف الشرط
المذكور هو التقصير. والاعتماد في وجوب الإتمام بمجرد الدخول في الصلاة على خبر «الصلاة
على ما افتتحت عليه» لا يخلو من مجازفة لعدم ثبوت الخبر من طريقنا ، ومع تسليمه
فتناوله لموضع النزاع وعمومه له ممنوع لدلالة الصحيحة المذكورة على وجوب التقصير
في الصورة المذكورة ، إذ مقتضاها ذلك حيث دلت على ان الشرط في وجوب التمام
واستصحابه حصول صلاة كاملة بالتمام ولم تحصل وبفوات الشرط يفوت المشروط فيتعين
القصر ، وحينئذ فمع
__________________
ثبوت الخبر المذكور يجب تخصيصه بما ذكرنا وتستثنى هذه الصورة من عمومه بذلك
كما خرجوا عن عمومه في مواضع لا تحصى من الأحكام.
بقي الكلام في
ما إذا حصل الرجوع بعد تجاوز محل القصر بان صلى ثلاث ركعات ، والظاهر هنا الإعادة
لوقوع الزيادة المبطلة.
وأما ما احتج
به القائل بالتفصيل كما ذكره في الذكرى من لزوم إبطال العمل المنهي عنه فعليل ،
لعدم دليل لهم على هذه الدعوى سوى ما ذكروه من ظاهر الآية الذي قد قدح فيه غير واحد منهم. ومع تسليمه فانا نقول
ان مقتضى ما قررنا من الدليل هو الحكم بالإبطال ، لأن الواجب في حال الرجوع عن نية
الإقامة قبل الإتمام بمقتضى الخبر المذكور هو البقاء على التقصير لعدم حصول شرط
الإتمام وحينئذ فلا يكون من قبيل ما ذكروه ، فان المتبادر من النهى عن إبطال العمل
إنما هو إبطاله من غير سبب شرعي يقتضي الابطال ، وما نحن فيه ليس كذلك كما عرفت
حيث ان مقتضى الدليل هنا إبطاله لا ان المكلف يبطله من غير سبب يقتضي الإبطال كما
هو ظاهر دليلهم. والله العالم.
المسألة
الثانية ـ لو أتم مع استكمال الشروط المتقدمة فلا يخلو إما أن يكون عامدا أو جاهلا
أو ناسيا ، وكذا لو كان فرضه التمام فقصر.
فههنا مقامات
أربعة الأول ـ أن يتم عالما عامدا ولا خلاف في وجوب الإعادة عليه وقتا وخارجا.
وعليه تدل صحيحة
زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة في صدر المقصد لقوله عليهالسلام فيها بعد ان سأله الراويان المذكوران فقالا «قلنا فمن
صلى في السفر أربعا أيعيد أم لا؟ قال ان كان قد قرئت عليه آية التقصير وفسرت له
فصلى أربعا أعاد وان لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه».
__________________
ويعضدها صحيحة
ليث المرادي عن الصادق عليهالسلام قال : «إذا سافر الرجل في شهر رمضان أفطر وان صامه
بجهالة لم يقضه».
واستدل عليه في
المدارك ايضا بما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي قال «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام صليت الظهر أربع ركعات وأنا في سفر؟ قال أعد».
وعندي في
الاستدلال على هذا الحكم بهذه الرواية إشكال فإن صدور الإتمام عالما عامدا من مثل
الحلبي الذي هو من الثقات الأجلاء المشهورين غير متصور ولا جائز ، ثم مع فرض ذلك
عنه عمدا كيف يسأل عنه؟ وقرينة السؤال مؤذنة بكون الترك إنما كان نسيانا أو جهلا
والثاني أيضا بعيد بالنسبة اليه ، وبه يظهر ان الأظهر حمل الخبر على النسيان وإلا
فمتى كان عالما بالوجوب وتعمد الإخلال بذلك فأي معنى لهذا السؤال؟ وبالجملة فإن
قدر الرجل المذكور أجل من أن يترك الواجب عليه عامدا عالما وإلا لأخل بعدالته
واحتاج الى معلومية توبته فكيف يعدون حديثه في الصحيح من غير خلاف؟ فالأظهر كما
عرفت حمل الرواية وان كانت مجملة على كون الإتمام وقع منه نسيانا.
بقي الكلام في
دلالة الخبر على الإعادة مطلقا على هذا التقدير وهو مذهب الشيخ كما سيأتي ذكره ان
شاء الله تعالى في المسألة ويأتي الكلام ان شاء الله تعالى في الجميع بين أخبارها.
قال شيخنا
الشهيد الثاني (قدسسره) في الروض ـ بعد الاستدلال على بطلان الصلاة مع العمد
بصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم ـ ما صورته : ويعلم من هذا ان الخروج من الصلاة عند من
لا يوجب التسليم لا يتحقق بمجرد الفراغ من التشهد بل لا بد معه من نية الخروج أو
فعل ما به يحصل كالتسليم وإلا لصحت الصلاة هنا عند من لا يوجب التسليم لوقوع
الزيادة خارج الصلاة ، وقد تقدم في باب التسليم
__________________
الإشارة الى ذلك. انتهى.
أقول : الظاهر
من هذا الكلام ان الغرض منه الجواب عن اشكال يرد في هذا المقام على القول بندب
التسليم وهو ان الرواية الصحيحة قد دلت على بطلان صلاة من حكمه الركعتان قصرا لو صلاها
أربعا متعمدا ، وهذا على تقدير القول بوجوب التسليم ظاهر لانه قد زاد في الصلاة
ركعتين حيث انه انما يخرج من الصلاة بالتسليم ، وأما على القول بكونه مندوبا أو
واجبا خارجا كما هو أحد الأقوال في المسألة أيضا فإن اللازم هنا صحة الصلاة لأن
الصلاة قد تمت بالتشهد على الركعتين فهاتان الركعتان الأخيرتان وقعتا خارج الصلاة
والصلاة صحيحة مع ان النص واتفاق الأصحاب على البطلان.
وحاصل جواب
شيخنا المشار اليه ان القائل بندب التسليم إنما تتم الصلاة عنده بنية الخروج أو
بالتسليم وان كان مستحبا أو بفعل المنافي ، وعلى هذا فتكون الركعتان الواقعتان
بقصد التمام قد وقعتا قبل تمام الصلاة فتبطل الصلاة حينئذ لذلك.
وفيه انه وان
ذكروا ذلك تفصيا عن هذا الإشكال إلا ان ما ذكروه لا دليل عليه. وأيضا فإنه لا يحسم
مادة الإشكال بالنسبة إلى القول بكونه واجبا خارجا وان كان لم يتعرض اليه.
وأجيب أيضا عن
الإشكال المذكور بان المبطل هنا قصد عدم الخروج فلا يلزم وجوب قصد الخروج أو
الإتيان بالمخرج.
والتحقيق في
الجواب انما هو التفصيل في المقام بأنه ان كانت صلاة الأربع الركعات هنا وقعت بقصد
ارادة التمام من أول الأمر فالصلاة باطلة ، وهذا هو الذي دلت عليه الرواية ووقع
الاتفاق عليه لحصول المخالفة ، لأن الشارع انما أوجب عليه ركعتين وهو قد قصد الى
مخالفته بقصده الأربع من أول الأمر ، وان كان انما قصد الصلاة ركعتين كما هو
المأمور به شرعا لكن حصلت الزيادة بعد الفراغ من الصلاة الواجبة فلا بطلان هنا إلا
على تقدير القول بوجوب التسليم
__________________
واما على تقدير القول باستحبابه أو كونه واجبا خارجا فلا ، ومدعى البطلان
عليه الدليل وليس فليس.
المقام الثاني
ـ أن يتم جاهلا والأشهر الأظهر الصحة كما دلت عليه صحيحة زرارة ومحمد ابن مسلم
المتقدمة لقوله عليهالسلام «وان لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه».
ونقل عن ابن
الجنيد وابى الصلاح أنهما أوجبا الإعادة في الوقت ، وعن ظاهر ابن ابى عقيل الإعادة
مطلقا ، وهما ضعيفان مردودان بالخبر المذكور.
وربما احتج
للقول بالإعادة في الوقت بصحيحة العيص عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن رجل صلى وهو مسافر فأتم الصلاة؟ قال ان
كان في وقت فليعد وان كان الوقت قد مضى فلا».
وفيه انها
محمولة على الناسي جمعا بين الأخبار ، فإنها وان دلت بإطلاقها على العامد والجاهل
والناسي إلا انه قد قام الدليل في الأولين على خلاف ما دلت عليه فوجب تخصيصها
بالناسي لعدم المعارض.
وحكى الشهيد في
الذكرى ان السيد الرضي سأل أخاه المرتضى (رضى الله عنهما) عن هذه المسألة فقال :
الإجماع منعقد على ان من صلى صلاة لا يعلم أحكامها فهي غير مجزئة والجهل بأعداد
الركعات جهل بأحكامها فلا تكون مجزئة؟ وأجاب المرتضى (رضى الله عنه) بجواز تغير
الحكم الشرعي بسبب الجهل وان كان الجاهل غير معذور.
أقول : قد
اختلف كلام جملة من الأصحاب في توجيه كلام السيد (رضى الله عنه) فقال في الروض :
وحاصل الجواب يرجع الى النص الدال على عذره والقول به متعين. انتهى.
وقيل ان الظاهر
من كلام السيد (قدسسره) ان مراده ان الأحكام الشرعية تختلف باختلاف الأشخاص
والأحوال فيجوز أن يكون حكم الجاهل
__________________
بالقصر وجوب الإتمام عليه وان كان مقصرا غير معذور بترك التعلم ، وحينئذ
فهو آت بالمأمور به في تلك الحال فيكون مجزئا.
وقيل انه يمكن
أن يكون مقصوده (قدسسره) انه قد يختلف الحكم من الشارع بالنسبة إلى الجاهل
المطلق والى الجاهل العالم في الجملة كمن عرف أن للصلاة أحكاما تجب معرفتها ولم
يعرفها فتصح تلك الصلاة من الأول منهما دون الثاني وان دعوى الإجماع على الطلاق
غير واضح.
وقال في
المدارك : وكأن المراد انه يجوز اختلاف الحكم الشرعي بسبب الجهل فيكون الجاهل
مكلفا بالتمام والعالم مكلفا بالقصر ، واختلاف الحكم هنا على هذا الوجه لا يقتضي
عذر الجاهل. انتهى. والظاهر أنه يرجع الى القول الثاني من الأقوال المنقولة.
أقول : قد نقل
العلامة في كتاب المختلف عن السيد (رضى الله عنه) في أجوبة المسائل الرسية الجواب
عن هذه المسألة بوجه أوضح من ما أجاب به أخاه (قدس الله روحيهما) حيث قال له
السائل : ما الوجه في ما تفتي به الطائفة من سقوط فرض القضاء عن من صلى من
المقصرين صلاة متمم بعد خروج الوقت إذا كان جاهلا بالحكم في ذلك مع علمنا بان
الجهل بأعداد الركعات لا يصح معه العلم بتفصيل أحكامها ووجوهها ، إذ من البعيد أن
يعلم بالتفصيل من جهل الجملة التي هي الأصل ، وللإجماع على ان من صلى صلاة لا يعلم
أحكامها فهي غير مجزئة وما لا يجزئ من الصلاة يجب قضاؤه ، فكيف تجوز الفتيا بسقوط
القضاء عن من صلى صلاة لا تجزئه؟ فأجاب بأن الجهل وان لم يعذر صاحبه وهو مذموم جاز
أن يتغير معه الحكم الشرعي ويكون حكم العالم بخلاف حكم الجاهل. انتهى.
وأنت خبير بان
ما أوضحه هنا من الجواب وهو الذي عليه المعمول كاشف عن نقاب الإجمال في الجواب
الأول ويرجع الى الاحتمال الثاني من الاحتمالات الثلاثة المتقدمة ، ومنه يظهر
حينئذ ان مذهب السيد (قدسسره) ان تكليف
الجاهل من حيث هو جاهل في جميع الموارد ليس كتكليف العالم وان الحكم مع
الجهل ليس كالحكم مع العلم ، وفيه حينئذ رد للإجماع المدعى في المقام. وهو مطابق
لما حققناه في المسألة كما تقدم في المقدمة الخامسة من مقدمات الكتاب. ولا خصوصية
له بالصورة المذكورة كما فهمه شيخنا الشهيد الثاني في ما قدمنا نقله عنه من كلامه
في الروض ليوافق ما ذهب اليه هو وغيره في المسألة من عدم معذورية الجاهل إلا في
هذا الموضع ومسألة الجهر والإخفات.
ثم ان ما ذكره
العلامة (قدسسره) في المختلف بعد ذكر ما قدمنا نقله عنه ـ من أن كلام
السيد (رضى الله عنه) يدل بمفهومه على الإعادة في الوقت من حيث ان سؤال السائل
تضمن تخصيص سقوط فرض القضاء بخروج الوقت ، وهو يدل بمفهومه على الإعادة في الوقت
والسيد (قدسسره) لم ينكره ـ فظني انه بعيد إذ الظاهر ان مطمح نظر السيد
(رحمهالله) انما هو الى الجواب عن أصل الإشكال من غير نظر الى
الخصوصية المذكورة وصحة ما ذكره السائل أو بطلانه.
وقال في
المدارك في هذا المقام : وهل المراد بالجاهل الجاهل بوجوب القصر من أصله أو مطلق
الجاهل ليندرج فيه الجاهل ببعض أحكام السفر كمن لا يعلم انقطاع كثرة السفر بإقامة
العشرة؟ فيه وجهان منشأهما اختصاص النص المتضمن لعدم الإعادة بالأول ، والاشتراك في العذر المسوغ لذلك وهو الجهل.
انتهى.
أقول : ظاهر
كلامه (قدسسره) التوقف هنا ومثله نقل عن العلامة في النهاية. وأنت
خبير بأنه لا يخفى ما فيه على الفطن النبيه ، وذلك لأن المشهور في كلام الأصحاب من
غير أن يداخله الشك والارتياب هو أن الجاهل بالأحكام الشرعية عندهم غير معذور إلا
في مسألتي الجهر والإخفات والجهل بوجوب القصر كما هو مورد الصحيحة المتقدمة فإنها
هي مستندهم في الاستثناء من القاعدة المذكورة ، وأما ما عدا هذين الفردين من مطلق
الجاهل بأحكام القصر فهو عندهم غير معذور لدخوله
__________________
في مطلق الجاهل الذي اتفقوا على عدم معذوريته. وتعليله ـ احتمال مطلق
الجاهل بالقصر بالاشتراك في العذر المسوغ لذلك وهو الجهل ـ آت في الجهل بالأحكام
الشرعية مطلقا من أحكام السفر وغيره صلاة كانت أو غيرها وهم لا يقولون به. وبالجملة
فإن مرادهم بالجاهل هنا إنما هو الفرد الأول من غير اشكال ولا يصح ان يحمل كلامهم
على الفرد الثاني.
وكأن منشأ هذا
التردد هو ان المسألة التي استثنوها من قاعدة عدم معذورية الجاهل هل هي عبارة عن
الجاهل بوجوب القصر من أصله أو مطلق الجاهل بالقصر في كل موضع يجب فيه القصر ككثير
السفر متى أقام عشرة ونحوه؟
وفيه ان الظاهر
من كلامهم إنما هو الأول الذي هو مورد النص كما لا يخفى ، وأما الجاهل في غير هذه
الصورة من صور التمام فيرجع الى معذورية جاهل الحكم وعدمها والمشهور العدم ،
وبالمعذورية هنا صرح المحقق الأردبيلي (قدسسره) في شرح الإرشاد. والله العالم.
المقام الثالث
ـ أن يتم ناسيا والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب الإعادة في الوقت
خاصة ، ونقل عن الشيخ على بن بابويه والشيخ في المبسوط انه يعيد مطلقا ، وعن
الصدوق في المقنع انه يعيد ان ذكر في يومه وان مضى اليوم فلا اعادة.
واستدل من قال
بالقول المشهور برواية أبي بصير عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن الرجل ينسى فيصلي في السفر اربع ركعات؟
قال ان ذكر في ذلك اليوم فليعد وان لم يذكر حتى يمضى ذلك اليوم فلا اعادة عليه».
واعترض في
المدارك على الاستدلال بهذه الرواية بعد الطعن في السند بأنها مجملة المتن ، لان
اليوم ان كان المراد به بياض النهار كان حكم العشاء غير مذكور في الرواية ، وان
كان المراد به بياض النهار والليلة المستقبلة كان ما تضمنه مخالفا للمشهور
__________________
وأجاب في
الذخيرة بأن المراد باليوم بياض النهار وان حكم العشاء غير مستفاد من الرواية ،
إنما المستفاد منها حكم الظهرين وينسحب الحكم في العشاء بمعونة دعوى عدم القائل
بالفصل ، لكن في إثباته إشكال. انتهى.
أقول : ويحتمل
ان اليوم وان لم يدخل تحته إلا الظهر ان إلا انه خرج مخرج التمثيل وجعل كناية عن
خروج الوقت. والأقرب عندي ان التعبير باليوم في الرواية المذكورة إنما خرج مخرج
التجوز عبارة عن الوقت. فكأنه قال ان ذكر في ذلك الوقت فليعد وان لم يذكر حتى يمضى
ذلك الوقت فلا اعادة. وبه تنطبق الرواية المذكورة على المدعى ، وشيوع التجوز في
أمثال ذلك أظهر من أن ينكر. وبه يظهر ان ما ذكره في المقنع راجع الى ما ذكرناه ،
وما أطالوا به من الاعتراضات في المقام لا طائل تحته بعد ما عرفت.
ويدل على القول
المذكور أيضا صحيحة العيص المتقدمة والتقريب فيها ما عرفت من انها وان كانت أعم من أن يكون
الإتمام عمدا أو جهلا أو نسيانا إلا انك قد عرفت خروج العامد بوجوب الإعادة عليه
مطلقا فلا يدخل تحت هذا التفصيل ، وخروج الجاهل بقيام الأدلة على عدم وجوب الإعادة
عليه مطلقا ، فيتحتم حملها على الناسي البتة. ومع الإغماض عن ذلك يكفي في الاستدلال
بها هنا مجرد دخول الناسي تحت العموم فتكون دالة عليه بطريق العموم ، وبالتقريب
الأول تكون دلالتها بطريق الخصوص.
وقال عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي «وان كنت صليت في السفر صلاة تامة فذكرتها وأنت في وقتها فعليك الإعادة ،
وان ذكرتها بعد خروج الوقت فلا شيء عليك ، وان أتممتها بجهالة فليس عليك في ما
مضى شيء ولا اعادة عليك إلا ان تكون قد سمعت بالحديث».
والتقريب في
هذا الكلام هو ظهور تخصيص التفصيل ـ وان كانت العبارة
__________________
مجملة ـ بصورة النسيان ، لأنه ذكر بعد ذلك حكم الجاهل والعامد وانه لا
اعادة على الأول بل على الثاني.
وهذه الأخبار
إذا ضمت بعضها الى بعض لا يبقى مجال للشك في الحكم المذكور.
وأما ما نقل عن
الشيخ على بن بابويه والشيخ في المبسوط فلم نقف له على مستند ، قيل : ولعل
مستندهما القطع بتحقق الزيادة مع قصور كل من روايتي العيص وابى بصير المذكورتين
بالطعن الذي تقدم ذكره. وفيه ان هذا الطعن الذي قد عرفت الجواب عنه إنما يجرى على
مذاق المتأخرين سيما صحيحة العيص ، فان دلالتها على حكم الناسي وانه كما تضمنته من
ما لا إشكال فيه إنما الكلام في حملها عليه خاصة وعدم احتمال غيره كما وجهناه
وبيناه وبه تكون مختصة به ، أو شمولها لغيره فعلى كل تقدير فهي دالة عليه.
قال في الذكرى
: ويتخرج على القول بان من زاد خامسة في الصلاة وكان قد قعد مقدار التشهد تسلم له
الصلاة صحة الصلاة هنا لأن التشهد حائل بين ذلك وبين الزيادة.
واستحسنه
الشهيد الثاني في روض الجنان وقال : انه كان ينبغي لمثبت تلك المسألة القول بها
هنا ولا يمكن التخلص من ذلك إلا بأحد أمور : إما إلغاء ذلك الحكم كما ذهب إليه
أكثر الأصحاب ، أو القول باختصاصه بالزيادة على الرابعة كما هو مورد النص فلا
يتعدى الى الثلاثية والثنائية فلا تتحقق المعارضة هنا ، أو اختصاصه بزيادة ركعة لا
غير كما ورد به النص هناك ولا يتعدى الى الزائد كما عداه بعض الأصحاب ، أو القول
بان ذلك في غير المسافر جمعا بين الأخبار لكن يبقى فيه سؤال الفرق مع اتحاد المحل.
انتهى.
وقال في
المدارك بعد نقل كلام جده المذكور : وأقول انه لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما
قررناه في تلك المسألة ضعف هذه الطرق كلها وانها غير مخلصة من هذا الإشكال ، والذي
يقتضيه النظر ان النسيان والزيادة ان حصلا بعد الفراغ من
التشهد كانت هذه المسألة جزئية من جزئيات من زاد في صلاته ركعة فصاعدا بعد
التشهد نسيانا ، وقد بينا ان الأصح ان ذلك غير مبطل للصلاة مطلقا لاستحباب التسليم
، وان حصل النسيان قبل ذلك بحيث أوقع الصلاة أو بعضها على وجه التمام اتجه القول
بالإعادة في الوقت دون خارجه كما اختاره الأكثر لما تقدم. انتهى.
أقول وبالله
التوفيق : انه لا يخفى عليك ان مبنى هذه المسألة التي نحن فيها ـ وتقسيمها إلى
الأقسام الثلاثة من كون الصلاة تماما التي أوقعها المسافر إما عن عمد فتبطل أو جهل
فتصح أو نسيان فالتفصيل المتقدم ـ إنما هو على كون المصلى قد قصد من أول الدخول في
الصلاة الى الإتمام ، ولهذا حكم بالإبطال مع العمد للوجه الذي بيناه سابقا وجعلناه
وجه الفرق بينه وبين ما إذا قصد الزيادة بعد الدخول في الصلاة بنية القصر ثم زاد
بعد تمام صلاته المقصورة فحكمنا بصحة الصلاة لذلك وحكم بالصحة مع الجهل للمعذورية
، وحينئذ فما ذكره الشهيد (قدسسره) من التخريج ـ ووافقه عليه في الروض وزعم انه لا مخرج
منه إلا بإحدى تلك الوجوه ـ لا أعرف له وجها للفرق بين هذه المسألة التي نحن فيها
وبين تلك المسألة ، فإن مبنى تلك المسألة على ان المصلى إنما دخل في الصلاة قاصدا
إلى الإتيان بما هو المفروض عليه شرعا من الأربع كما هو مورد نص تلك المسألة أو
أقل كما هو قول من ألحق بالرباعية غيرها ، غاية الأمر أنه بعد أن أكمل ما هو
الواجب عليه عرض له السهو فزاد ركعة ، وقد عرفت الخلاف ثمة بأن هذه الزيادة بعد
الجلوس بمقدار التشهد ولما يتشهد أو بعد التشهد بالفعل كما اخترناه وحققناه ثمة ،
فالفرق بين المسألتين ظاهر بالنظر الى مبدإ الدخول في الصلاة كما عرفت ، والنسيان
الذي بنى عليه التفصيل في هذه المسألة ووردت به الأخبار إنما هو من أول الدخول في
الصلاة بأن نسي أن فرضه القصر وصلى تماما بزعم ان فرضه التمام نسيانا ، والنسيان
الذي في تلك المسألة انما هو بعد الإتيان بما هو فرضه شرعا وأصل القصد انما توجه
الى فرض مشروع إلا انه عرض له النسيان بعد تمامه فزاد تلك الركعة فالنسيان انما
تعلق بتلك الركعة المزادة ، ووجه الفرق ظاهر بين بحمد الله سبحانه ، فيتعين
الوقوف في كل مسألة منهما على ما حكم به فيها وعدم تداخل المسألتين ولا إلحاق
إحداهما بالأخرى ، فتخريج هذه المسألة على تلك وإلحاقها بها ـ حتى انه يتجه على من
قال بالصحة في تلك المسألة القول بها هنا كما يشير اليه كلام الشهيدين (روح الله
روحيهما) هنا ـ لا وجه له كما عرفت. هذا هو التحقيق عندي في المقام والله سبحانه
وأولياؤه العالمون بحقائق الأحكام.
المقام الرابع
ـ لو قصر من فرضه التمام فان كان عالما عامدا فلا ريب في وجوب الإعادة ، ولو كان
جاهلا فالمشهور وجوب الإعادة لعدم تحقق الامتثال وعدم معذورية الجاهل عندهم إلا في
الموضعين المشهورين.
وقد وقع الخلاف
في صورة ما لو قصر بعد نية الإقامة الموجبة للتمام جاهلا فظاهر المشهور وجوب
الإعادة كما هو في غير هذه الصورة من صور الجهل ، ونقل عن الشيخ نجيب الدين في
الجامع العدم.
ويدل عليه ما
رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيام فأتم
الصلاة فإن تركه رجل جاهل فليس عليه اعادة».
والقول بها
متجه لعدم المعارض بل وجود المؤيد لها من الأخبار الدالة على معذورية الجاهل في
مواضع عديدة تقدم تفصيلها في مقدمات الكتاب.
بل يمكن القول
بمعذورية الجاهل في هذا المقام مطلقا كما اختاره بعض مشايخنا المحققين من متأخري
المتأخرين حيث قال في شرح له على كتاب المفاتيح : ثم ان الظاهر من الأخبار كون
الجاهل معذورا في هذا المقام مطلقا أعني في جميع ما يتعلق بالقصر والإتمام في
السفر حتى القصر في مواضع التمام والتمام في بعض مواضع القصر وان كان عالما بأصل
القصر كما هو مفاد ظاهر عبارة المصنف وفتوى نجيب الدين
__________________
في جامعه ، خلافا للمشهور فإنهم خصوا الحكم بالجاهل بوجوب التقصير من أصله.
ثم أطال الكلام في ذلك الى أن قال : فمن الأخبار ما رواه الشيخ بسند صحيح والصدوق
في الفقيه بأسانيد صحاح كلها عن محمد بن إسحاق الثقة عن ابى الحسن عليهالسلام قال : «سألته عن امرأة كانت معنا في السفر وكانت تصلى
المغرب ركعتين ذاهبة وجائية؟ قال ليس عليها قضاء. أو ليس عليها اعادة». على اختلاف
الروايات. ثم أورد رواية منصور بن حازم المنقولة ثم أيد ذلك بإطلاق صحيحتي عيص
وليث المرادي عن الصادق عليهالسلام قال : «إذا سافر الرجل في شهر رمضان أفطر وان صامه
بجهالة لم يقضه». ثم قال : هذا مع عدم وجود المعارض الصريح من الأخبار بالكلية ،
فلا حاجة الى ارتكاب تكلف حمل صحيحة محمد بن إسحاق على الشذوذ كما فعل الشيخ مع
اعتماد الصدوق عليها ، وكذا ارتكاب حملها على الاستفهام الإنكاري أو على كون
المراد نافلة المغرب وأمثال ذلك من الخيالات الضعيفة. انتهى. وهو جيد لكن الظاهر
الرجوع الى التفصيل الذي قدمناه في المقدمة التي في معذورية الجاهل من مقدمات
الكتاب.
وبالجملة فإن
الجاهل في الصورة التي هي مورد صحيحة منصور المذكورة من ما لا شك في الحكم
بمعذوريته للرواية المذكورة.
وأما الناسي
للإقامة فقيل بإلحاقه بالجاهل لها وانه لا اعادة عليه وهو خروج عن موضع النص
المذكور ، والظاهر هو وجوب الإعادة.
ويدل عليه ما
ذكره الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي حيث قال : «وان قصرت في قريتك ناسيا ثم ذكرت وأنت في
وقتها أو غير وقتها فعليك قضاء ما فاتك منها».
__________________
وفيه دلالة على
ان التقصير نسيانا في موضع يجب الإتمام فيه موجب للإعادة وقتا وخارجا كما هو ظاهر
فتوى الأصحاب. والله العالم.
المسألة
الثالثة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكم صلاة المسافر في المواضع
الأربعة المشهورة ، فالمشهور التخيير بين القصر والإتمام مع أفضلية الإتمام ، ولم
ينقل الخلاف هنا إلا عن الصدوق والمرتضى وابن الجنيد ، اما الصدوق فإنه ذهب كما هو
مذهب المخالفين إلى مساواة هذه المواضع الأربعة لغيرها من البلدان التي يتحقق
السفر إليها في وجوب التقصير ما لم ينقطع سفره بأحد القواطع المتقدمة إلا انه جعل
الأفضل له نية المقام فيها والصلاة تماما ، وسيأتي نقل كلامه في ذلك ان شاء الله
تعالى. وأما المرتضى وابن الجنيد فظاهر كلاميهما المنع من التقصير في هذه المواضع
الأربعة وألحقا بها في ذلك ايضا المشاهد المشرفة والضرائح المنورة. والظاهر عندي
من الأقوال هو ما عليه الأكثر من علمائنا الإبدال كما استفاضت به اخبار الآل عليهم
صلوات ذي الجلال.
وها أنا أذكر
ما وصل الى من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة من ما في الكتب المشهورة وغيرها
مذيلا لها بما يكشف عن معانيها نقاب الإبهام ويجلو عن مضامينها غشاوة الإبهام لما
ذهب إليه أولئك الأعلام بتحقيق شاف لم يسبق اليه سابق وبيان وأف للنصوص المعصومية
مطابق وموافق فأقول وبالله سبحانه التوفيق والإعانة لإدراك المأمول :
الأول ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عيسى وكذا رواه الصدوق عنه في الخصال وابن قولويه في
المزار بالإسناد المذكور قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن : حرم الله
وحرم رسول الله صلىاللهعليهوآله وحرم أمير المؤمنين عليهالسلام وحرم الحسين بن على عليهالسلام».
الثاني ـ ما
رواه في الصحيح عن مسمع عن أبي إبراهيم عليهالسلام قال : «كان
__________________
أبى يرى لهذين الحرمين ما لا يراه لغيرهما ويقول ان الإتمام فيهما من الأمر
المذخور».
الثالث ـ عن
معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «ان من الأمر المذخور الإتمام في الحرمين».
الرابع ـ ما
رواه في الفقيه عن الصادق عليهالسلام مرسلا قال : «من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن :
مكة والمدينة ومسجد الكوفة وحائر الحسين عليهالسلام». وروى هذه الرواية ابن قولويه في كتاب كامل الزيارات
بسند صحيح عن حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله عليهالسلام .
أقول : أنت
خبير بما في هذه الاخبار من وضوح الدلالة على القول المشهور وهو المؤيد المنصور ،
والتقريب فيها أن كون الإتمام فيها من الأمر المذخور ومن مخزون علم الله إنما يتجه
على القول المذكور من أفضلية التمام بمجرد الوصول إليها من غير توقف على نية
الإقامة ، ولو خص ذلك بما كان عن نية الإقامة لم تتجه المزية لهذه المواضع على
غيرها حتى يدعى انه من مخزون علم الله وانه من الأمر المذخور ، فان المسافر حيثما
أقام وجب عليه التمام فالإتمام دائر مدار الإقامة في هذه أو غيرها ، ومن الظاهر ان
هذه المزية إنما تتوجه على ترتب الإتمام على مجرد وصولها ودخولها لمزيد مشرفها.
وفي الأخبار
المذكورة إشارة إلى حمل ما خالف هذه الأخبار على التقية أو الاتقاء ، وان الإتمام
في هذه المواضع من الأسرار المختصة بأهل البيت (عليهمالسلام) وشيعتهم التابعين لهم والناسجين على منوالهم ، وهو خاص
بهم لم يوفق له سواهم من أعدائهم المخالفين ، وانه من ما ادخره الله تعالى لهم
وصار مخزونا عن غيرهم حيث لم يوفقوا له ولم يطلعهم الله تعالى عليه كما ورد نظيره
في الصلاة بعد العصر .
وبالجملة فإنها
في الدلالة على المراد من ما لا يعتريها وصمة الإيراد ، وبه يظهر
__________________
لك ما في كلام الصدوق في الفقيه ونحوه في كتاب الخصال من تقييد هذه الأخبار
بالإقامة عشرة ، وكأنه زعم بذلك الجمع بين أخبار المسألة ، وسيأتي بعد تمام نقل
الأخبار ان شاء الله تعالى التعرض لكلامه وبيان ما في نقضه وإبرامه.
الخامس ـ صحيحة
على بن مهزيار قال : «كتبت الى ابى جعفر الثاني عليهالسلام ان الرواية قد اختلفت عن آبائك (عليهمالسلام) في الإتمام والتقصير في الحرمين ، فمنها أن يتم الصلاة
ولو صلاة واحدة ، ومنها أن يقصر ما لم ينو مقام عشرة أيام ، ولم أزل على الإتمام
فيهما الى أن صدرنا في حجنا في عامنا هذا فان فقهاء أصحابنا أشاروا على بالتقصير
إذا كنت لا انوى مقام عشرة أيام فصرت الى التقصير ، وقد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك؟
فكتب الى بخطه عليهالسلام : قد علمت يرحمك الله فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما
فأنا أحب لك إذا دخلتهما أن لا تقصير وتكثر فيهما الصلاة. فقلت له بعد ذلك بسنتين
مشافهة : انى كتبت إليك بكذا وأجبتني بكذا؟ فقال نعم. فقلت فأي شيء تعني بالحرمين؟
فقال مكة والمدينة».
السادس ـ رواية
عثمان بن عيسى قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن إتمام الصلاة والصيام في الحرمين؟ فقال أتمها ولو
صلاة واحدة».
السابع ـ صحيحة
عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن التمام بمكة والمدينة؟ قال أتم وان لم تصل فيهما إلا
صلاة واحدة».
الثامن ـ رواية
فائد الحناط المروية في كتاب كامل الزيارات لابن قولويه عن ابى الحسن الماضي عليهالسلام قال : «سألته عن الصلاة في الحرمين؟ قال أتم ولو مررت
به مارا».
أقول : وهذه
الأخبار كما ترى ناصة على الإتمام في الحرمين من حيث خصوصية المكان ، ولا مجال
فيها لاحتمال التقييد بنية الإقامة بوجه كما يدعيه الصدوق (قدسسره) ومن قال بمقالته.
__________________
والمفهوم من
صحيحة على بن مهزيار المذكورة ان الخلاف في هذه المسألة كان في ذلك الوقت ايضا ،
بل ظاهرها ان التقصير ربما كان أشهر يومئذ حيث نقل عن فقهاء أصحابنا يومئذ انهم
أمروه بالتقصير ما لم ينو مقام عشرة أيام.
ويؤيده ما رواه
جعفر بن محمد بن قولويه في كتاب كامل الزيارات عن أبيه عن سعد بن عبد الله قال : «سألت أيوب بن نوح عن
تقصير الصلاة في هذه المشاهد : مكة والمدينة والكوفة وقبر الحسين عليهالسلام الأربعة والذي روى فيها؟ فقال انا اقصر وكان صفوان يقصر
وابن ابى عمير وجميع أصحابنا يقصرون».
وأجاب شيخنا
المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار عن خبر أيوب ابن نوح المذكور بأنه لا
ينافي التخيير فإنهم اختاروا هذا الفرد. وعندي في هذا الجواب نظر لانه وان سلم انه
لا ينافي التخيير كما ذكره لكنه ينافي أفضلية الإتمام التي دلت عليها أخبار التمام
ورغبت فيها وحثت عليها وصرحت بأنه من المذخور والمخزون في علم الله سبحانه ، ومن
البعيد كل البعيد أن يرغب عنه هؤلاء الأفاضل مع ثبوت هذه الفضيلة بل جميع أصحابنا
كما نقله أيوب بن نوح.
والذي يظهر لي
ان هذا الخبر ونحوه من الأخبار الآتية الدالة على التقصير في هذه الأماكن إنما
خرجت ناصة على تحتم التقصير وتعينه مع عدم نية الإقامة وانه لا يسوغ الإتمام إلا
بنية الإقامة ، فما أجاب به أصحاب القول المشهور عن اخبار القصر ـ من انها لا
تنافي بينها وبين أخبار التمام بحملها على اختيار أحد الفردين كما ذكره شيخنا
المشار اليه هنا ـ ليس في محله.
ويرشدك الى ذلك
حكاية على بن مهزيار فإنها تعطى ان الاختلاف واقع في تلك الأيام وان اختلاف
الرواية عنهم (عليهمالسلام) إنما هو في تعين القصر وتحتمه في هذه المواضع كغيرها
من سائر البلدان ، إذ لو كان التخيير ثابتا يومئذ مع أرجحية التمام كما هو القول
المشهور لما أشار عليه فقهاء أصحابنا يومئذ بالتقصير مع عدم نية الإقامة بل لا أقل
ان يقولوا له أنت مخير ولما ضاق ذرعا بذلك
__________________
لأنه إذا كان الحكم بالتخيير متفقا عليه عندهم ومعلوما لديهم والأخبار
عندهم مجتمعة عليه وان لم تثبت أفضلية التمام فما وجه ضيقه بذلك وكتابته اليه عليهالسلام؟ بل الحق الصريح الذي لا يحتاج الى تكلف ولا تصحيح هو
ما ذكرناه من أن روايات التقصير انما خرجت ناصة على تعين القصر إلا مع نية الإقامة
وهو الذي فهمه منها أصحابنا في ذلك الوقت ولذا عكفوا على التقصير ، وهو السبب الذي
ضاق به على بن مهزيار حيث أنه قد روى له سابقا قبل حجته المشار إليها من الأخبار
ما يدل على أفضلية التمام وقد كان يتم لذلك حتى صدر في حجه ذلك ، فأشار عليه
الأصحاب بالتقصير الموجب لبطلان ما عمل عليه سابقا فضاق بذلك صدرا من حيث رغبته في
الإتمام لتحصيل تلك الفضيلة التي وردت في أخبار الإتمام وهؤلاء منعوه من ذلك
وافهموه انه غير مشروع إلا مع نية الإقامة فكتب لهذه الحيرة الى الامام عليهالسلام.
وحينئذ فمع
تعارض الأخبار على هذا الوجه وعدم إمكان ما ذكروه من الجمع في المقام فلا بد من
النظر في ما يترجح به أخبار الطرفين ليصير العمل عليه في البين ، وحينئذ فلقائل أن
يقول ان صحيحة على بن مهزيار المذكورة قد اشتملت على سؤاله عليهالسلام عن ذينك القولين وعرض اخبار الطرفين وهو عليهالسلام قد أمر مع ذلك بالتمام فلا مندوحة عن الحكم بمقتضاها
والعمل بفتواها. نعم يبقى الكلام في وجه تحمل عليه أخبار القصر وأظهر الوجوه فيها
الحمل على التقية كما تقدمت الإشارة إليه ذيل الأخبار الأربعة المتقدمة في صدر
البحث لاختصاص الإتمام في هذه البقاع بمذهب الإمامية ، وسيأتي مزيد بسط الكلام في
المقام بعد ذكر الأخبار المشار إليها ان شاء الله تعالى.
التاسع ـ صحيحة
مسمع عن ابى عبد الله عليهالسلام قال قال لي : «إذا دخلت مكة فأتم يوم تدخل».
العاشر ـ رواية
عمر بن رياح قال : «قلت لأبي الحسن عليهالسلام أقدم مكة
__________________
أتم أو أقصر؟ قال أتم. قلت وأمر على المدينة فأتم الصلاة أو أقصر؟ قال أتم».
أقول : وهذان
الخبران ظاهر الدلالة على الإتمام أيضا بمجرد الوصول كما يشير اليه قوله في
الرواية الأولى «إذا دخلت مكة فأتم» ومن الظاهر ان الدخول للحج وهو أعم من أن يكون
يوم الخروج منها للحج أو قبله بما لا يسع مقام عشرة أو يسع ، ويشير إليه في
الرواية الثانية «أمر على المدينة» بل ربما يدعى كونه كالصريح في عدم الإقامة ، إذ
المراد بالمرور هو اتخاذها طريقا من غير توقف ولا اقامة فيها ونحوها في ذلك رواية
فائد الحناط المتقدمة.
الحادي عشر ـ صحيحة
عبد الرحمن بن الحجاج قال : «قلت لأبي الحسن عليهالسلام ان هشاما روى عنك انك أمرته بالتمام في الحرمين وذلك من
أجل الناس؟ قال لا كنت أنا ومن مضى من آبائي إذا وردنا مكة أتممنا الصلاة واستترنا
من الناس».
أقول : هذا
الخبر لا يخلو من الإجمال الموجب لتعدد الاحتمال ، وأظهر ما ينبغي أن يحمل عليه هو
أنه لما كان مذهب أهل البيت (عليهمالسلام) واتباعهم من تحتم القصر في السفر ما لم ينو مقام عشرة
أيام معلوما عند عامة أهل زمانهم فكانوا إذا رأوا أحدا منهم يتم في الحرمين بدون
الإقامة سيما مكة التي إنما يحصل القدوم فيها قبل التروية بقليل كانوا إذا أرادوا
التمام لتحصيل شرف البقعة استتروا خوفا من التشنيع عليهم بالإتمام الذي هو خلاف
مذهبهم لعدم علمهم بأفضلية الإتمام لشرف هذه البقاع ، حيث انهم حجب عنهم كما تقدمت
الإشارة إليه في الأخبار الأربعة الأولة ، فلا جل دفع هذه المفسدة كانوا يستترون
بذلك.
الثاني عشر ـ رواية
إبراهيم بن شيبة قال : «كتبت الى ابى جعفر عليهالسلام اسأله عن إتمام الصلاة في الحرمين فكتب الى كان رسول
الله صلىاللهعليهوآله يحب إكثار الصلاة في الحرمين فأكثر فيهما وأتم».
الثالث عشر ـ رواية
على بن يقطين قال : «سألت أبا إبراهيم عليهالسلام عن التقصير بمكة فقال أتم وليس بواجب إلا انى أحب لك
مثل الذي أحب لنفسي».
__________________
الرابع عشر ـ رواية
سماعة بن مهران رواها شيخنا المجلسي في كتاب البحار نقلا من كتاب عبد الله بن يحيى الكاهلي عن العبد الصالح
عليهالسلام قال قال لي «أتم الصلاة في الحرمين مكة والمدينة».
الخامس عشر ـ رواية
عمرو بن مرزوق قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الصلاة في الحرمين وعند قبر الحسين عليهالسلام قال أتم الصلاة فيها».
أقول : التقريب
في هذه الروايات وأمثالها انه من الظاهر البين الظهور ان وجوب القصر على المسافر
مع عدم نية الإقامة ووجوب الإتمام عليه مع نيتها كان أمرا معلوما عند أصحاب الأئمة
(عليهمالسلام) في تلك الأزمان ، بل ربما يدعى انه من ضروريات الدين
بين أولئك الأعيان ، وان ذلك حكم عام في جميع البلدان لا اختصاص له بمكان دون مكان
، وهو صريح الأدلة الواردة بذلك كما لا يخفى على ذوي الأفهام والأذهان ، وحينئذ
فلو كان الإتمام في هذه الاخبار مقيدا بإقامة العشرة كما يدعيه الصدوق ومن قال
بمقالته لكان لا وجه لتكرار هذه الأسئلة في هذه الأخبار العديدة عن الإتمام أو
التقصير في هذه المواضع المخصوصة ولا سيما الحرمين لزيادة التردد لهما على غيرهما
لوضوح أمر المسألة كما ذكرنا ، فالحق ان هذه الأسئلة ما خرجت من هؤلاء السائلين في
خصوصية هذه المواضع إلا من حيث انهم سمعوا ان لها خصوصية زائدة على غيرها وحكما
مختصا بها دون ما سواها وهو رجحان الإتمام فيها وان لم يكن بنية الإقامة خلاف ما
يعهدونه من مسألة القصر ، والأئمة (صلوات الله عليهم) قد أجابوا عن هذه الأسئلة
تارة بالأمر بالإتمام وتارة بالتخيير وتارة بالتقصير ، وبذلك ارداد الإشكال الموجب
لكثرة السؤال والسعى في تحقيق الحال وكشف ذلك الداء العضال ، وينبهك على ذلك صحيحة
على بن مهزيار المتقدمة ورواية على بن حديد الآتية ان شاء الله تعالى.
__________________
السادس عشر ـ رواية
عمران بن حمران قال : «قلت لأبي الحسن عليهالسلام أقصر في المسجد الحرام أو أتم؟ قال ان قصرت فذاك وان
أتممت فهو خير وزيادة الخير خير».
السابع عشر ـ رواية
الحسين بن المختار عن أبي إبراهيم عليهالسلام قال : «قلت له انا إذا دخلنا مكة والمدينة نتم أو نقصر؟
قال ان قصرت فذاك وان أتممت فهو خير تزداد».
الثامن عشر ـ صحيحة
على بن يقطين عن ابى الحسن عليهالسلام «في الصلاة بمكة؟ قال من شاء أتم ومن شاء قصر».
والتقريب في
هذه الأخبار ما تقدم في سابقها إلا انه قد وقع الجواب هنا بالتخيير مع أفضلية
الإتمام كما عليه جل علمائنا الاعلام ، وهذه الأخبار هي مستندهم في ذلك.
فان قيل : ان
هذه الأخبار انما دلت على التخيير في الحرمين وأما حرم الحسين عليهالسلام والكوفة فلا دلالة فيها عليهما.
قلنا : لا ريب
في صحة ما ذكرت إلا ان الظاهر ان مستند التخيير في هذين الموضعين انما هو الجمع
بين ما دل على الإتمام وبين ما دل على التقصير من الأخبار الآتية ان شاء الله
تعالى في الملحقات ، لان اخبار التمام ظاهرها تعين الإتمام ووجوبه وتلك الاخبار
صريحة في جواز التقصير فلا بد في الجمع بينها من حمل اخبار التمام على التخيير مع
أفضليته جمعا بين الجميع.
التاسع عشر ـ رواية
أبي بصير عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سمعته يقول تتم الصلاة في أربعة مواطن : في
المسجد الحرام ومسجد الرسول صلىاللهعليهوآله ومسجد الكوفة وحرم الحسين عليهالسلام».
العشرون ـ رواية
عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر عن ابى عبد الله عليهالسلام قال :
«تتم الصلاة في
أربعة مواطن : المسجد الحرام ومسجد الرسول صلىاللهعليهوآله ومسجد
__________________
الكوفة وحرم الحسين عليهالسلام.
الحادي
والعشرون ـ رواية إبراهيم بن ابى البلاد عن رجل من أصحابنا يقال له حسين عن ابى
عبد الله عليهالسلام قال : «تتم الصلاة في ثلاثة مواطن : في المسجد الحرام
ومسجد الرسول الله صلىاللهعليهوآله وعند قبر الحسين عليهالسلام».
الثاني
والعشرون ـ رواية زياد القندي قال «قال أبو الحسن عليهالسلام يا زياد أحب لك ما أحب لنفسي واكره لك ما أكره لنفسي
أتم الصلاة في الحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين عليهالسلام». والتقريب في هذه الأخبار ما تقدم.
الثالث
والعشرون ـ رواية أبي شبل قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام أزور قبر الحسين عليهالسلام؟ قال نعم زر الطيب وأتم الصلاة فيه. قلت فان بعض
أصحابنا يرون التقصير فيه؟ قال انما يفعل ذلك الضعفة».
أقول : قال
شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار : اما قوله «انما يفعل ذلك الضعفة»
فيحتمل ان يكون المراد به الضعفة في الدين الجاهلين بالأحكام أو من له ضعف لا
يمكنه الإتمام أو يشق عليه فيختار الأسهل وان كان مرجوحا ، والوجه الأخير يؤيد ما
اخترناه وهو أظهر ، والأول لا ينافيه إذ يمكن ان يكون الضعف في الدين باعتبار
اختيار المرجوح. انتهى.
أقول : وعلى كل
من هذه الاحتمالات لا سيما الأول فهو مناف لما تقدم نقله من كتاب كامل الزيارات عن
أيوب بن نوح من اختياره مع من نقل عنه ثمة التقصير ، وكذا ما تضمنته صحيحة على بن
مهزيار من أمر فقهاء أصحابنا يومئذ على بن مهزيار بذلك ، وكأن شيخنا المشار اليه
غفل عن ذلك وما في توجيهه المذكور لهذا الخبر من الإشكال في المقام بمخالفة أولئك
الأعلام الذين لا يمكن نسبة هذه الوجوه إليهم كما لا يخفى على ذوي الأفهام ، اللهم
إلا ان يحمل الخبر المذكور على من علم بالحكم في هذه المسألة وان الأفضل التمام ثم
مع هذا يصلى قصرا فإنه
__________________
لا يكون إلا عن أحد الوجهين المذكورين ، واما أولئك الأجلاء فإنه بسبب ورود
اخبار التقصير عليهم وترجحها لديهم لم يحصل لهم العلم بالحكم المذكور ، ومن ثم ذهب
الصدوق (قدسسره) في المسألة إلى وجوب التقصير ايضا.
الرابع
والعشرون ـ صحيحة معاوية بن وهب قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن التقصير في الحرمين والتمام؟ قال لا تتم حتى تجمع
على مقام عشرة أيام. فقلت ان أصحابنا رووا عنك انك أمرتهم بالتمام؟ فقال ان أصحابك
كانوا يدخلون المسجد فيصلون ويأخذون نعالهم ويخرجون والناس يستقبلونهم يدخلون
المسجد للصلاة فأمرتهم بالتمام».
الخامس
والعشرون ـ رواية محمد بن إبراهيم الحضيني قال : «استأمرت أبا جعفر عليهالسلام في الإتمام والتقصير قال إذا دخلت الحرمين فانو عشرة
أيام وأتم الصلاة. فقلت له انى أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة؟ قال
انو مقام عشرة أيام وأتم الصلاة».
أقول : لا يخلو
ظاهر هذا الخبر من الإشكال حيث ان ظاهره الإتمام بمجرد نية العشرة وان علم انه لا
يقيم العشرة.
وأجيب عنه
بالتزام ذلك وانه من خصائص هذا المكان كما ذكره الشيخ ومن تبعه. وبعده ظاهر.
والأظهر عندي
في الجواب هو انه لما كان الاختلاف في التقصير في هذا المكان يومئذ موجودا كما
حققناه آنفا استأمره السائل في ذلك وسأله عن الحكم المذكور فأمره بالإتمام بعد نية
الإقامة فرجع السائل وأخبره وانه ربما قدم في مدة لا يمكن فيها الإقامة لضيق الوقت
عن الحج ، ويظهر من مراجعته ان مراده ان يرخص له في التمام من غير نية إقامة كما
وقع في حديث على بن حديد الآتي من قوله «وكان محبتي أن يأمرني بالإتمام». فأجابه عليهالسلام بأن الإتمام لا يكون إلا بعد نية الإقامة
__________________
وحاصله بيان تعليق الإتمام على نية الإقامة لا ان مراده عليهالسلام الأمر بالإقامة والإتمام على تلك الحال كما فهموه.
وبالجملة فهذه العبارة مثل قوله عليهالسلام في حديث على بن حديد «لا يكون الإتمام إلا أن تجمع على
إقامة عشرة أيام» إلا ان هذه مجملة في ذلك وحملها على ما ذكرناه لا بعد فيه.
السادس
والعشرون ـ صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : «سألت الرضا عليهالسلام عن الصلاة بمكة والمدينة بتقصير أو إتمام؟ فقال قصر ما
لم تعزم على مقام عشرة».
السابع
والعشرون ـ رواية على بن حديد قال : «سألت الرضا عليهالسلام فقلت ان أصحابنا اختلفوا في الحرمين فبعضهم يقصر وبعضهم
يتم وانا ممن يتم ، على رواية قد رواها أصحابنا في التمام؟ وذكرت عبد الله بن جندب
وانه كان يتم قال رحم الله ابن جندب. ثم قال لي لا يكون الإتمام إلا ان تجمع على
إقامة عشرة أيام وصل النوافل ما شئت. قال ابن حديد وكان محبتي أن يأمرني بالإتمام».
الثامن
والعشرون ـ صحيحة معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل قدم مكة فأقام على إحرامه؟ قال فليقصر الصلاة ما
دام محرما».
التاسع
والعشرون ـ صحيحة معاوية بن وهب المروية في كتاب العلل قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام مكة والمدينة كسائر البلدان؟ قال نعم. قلت روى عنك بعض
أصحابنا انك قلت لهم أتموا بالمدينة لخمس؟ فقال ان أصحابكم هؤلاء كانوا يقدمون
فيخرجون من المسجد عند الصلاة فكرهت ذلك لهم فلهذا قلته».
الثلاثون ـ رواية
عمار بن موسى المروية في كتاب كامل الزيارات لابن قولويه قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الصلاة في الحائر قال ليس الصلاة إلا الفرض بالتقصير
ولا تصل النوافل».
__________________
أقول : هذا ما
وقفت عليه من اخبار المسألة ، وأنت خبير بان هذه الأخبار السبعة الأخيرة من الأدلة
الدالة على ما ذهب اليه الصدوق ومن قال بمقالته.
قال (قدسسره) في كتاب الفقيه بعد ذكر الرواية الرابعة ما هذا لفظه :
قال مصنف هذا الكتاب (رحمهالله) يعنى بذلك أن يعزم على مقام عشرة أيام في هذه المواطن
حتى يتم ، وتصديق ذلك ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع. ثم ساق الرواية وهي
الخامسة والعشرون .
وقال في كتاب
الخصال بعد نقل صحيحة حماد بن عيسى وهي الأولى ما لفظه : يعنى أن ينوي الإنسان في
حرمهم (عليهمالسلام) مقام عشرة أيام ويتم ولا ينوي دون مقام عشرة أيام
فيقصر ، وليس ما يقوله غير أهل الاستبصار بشيء انه يتم في هذه المواضع على كل
حال. انتهى.
أقول : قد عرفت
من ما حققناه سابقا ان اخبار التقصير انما خرجت ناصة على التقصير كما ذهب اليه (قدسسره) وتأويل الأصحاب لها بما قدمنا نقله عنهم بعيد غاية
البعد عن مضامين أكثرها وقرائن أحوالها بل غير مستقيم كما لا يخفى على من أعطى
التأمل حقه في ما قدمناه.
وانما يبقى
الكلام معه في تأويل اخبار التمام بما ذكره ، وفيه أولا ـ انه لا يخفى ان الأخبار
التي استند إليها في وجوب التقصير موردها انما هو الحرمان خاصة فالمعارضة إنما
وقعت في اخبار الحرمين ومدعاه وجوب التقصير في المواضع الأربعة مع ان اخبار التمام
التي وردت في الحرمين الآخرين لا معارض لها ، ولم نقف في الأخبار على خبر ناص على
التقصير فيهما إلا على خبر عمار وهو الثلاثون من الأخبار المتقدمة بالنسبة إلى الحائر
الحسيني ، وهو ـ مع انحصار دلالته في الحائر مع بقاء اخبار الكوفة بلا معارض
بالكلية ، واشتماله على خلاف ما صرح به الأصحاب واستفاضت به الأخبار كما سيأتي ان
شاء الله تعالى من المنع من صلاة
__________________
النوافل ـ مردود بضعفه وندوره وعدم قيامه بمعارضة تلك الأخبار الصحيحة
الصريحة في الإتمام في الحائر الشريف ، مضافا الى ما عرفته في روايات عمار من
تفرده بالغرائب في اخباره والشواذ كما طعن عليه في الوافي في غير موضع بذلك.
وكيف كان
فالكوفة كما عرفت لا معارض لاخبار التمام فيها بالكلية فبأي جهة يخرج عن أخبار
التمام فيها ، فان استند الى اخبار القصر المطلقة فهو مردود بان مقتضى القاعدة
تقييد إطلاقها بهذه الأخبار فلا يتم الاستناد إليها كما لا يخفى على ذوي الأفكار.
وثانيا ـ ان
تأويله هذا وان أمكن في بعض الأخبار المجملة كالخبرين المذكورين في كلامه إلا انه
لا يتم في جملة منها كاخبار «يتم ولو صلاة واحدة» وقوله في آخر «ولو مررت به مارا» ونحوهما من ما قدمنا بيانه وشددنا أركانه. وحينئذ فما
ذكره (قدسسره) لا يصلح لأن يكون حاسما لمادة الإشكال في جميع أخبار
المسألة.
وثالثا ـ ما
تقدم من التقريب ذيل الرواية الثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة
عشرة.
وبالجملة فان
الحق الذي لا شك فيه ولا مرية تعتريه ان هذه الأخبار الواردة في هذه المسألة
متصادمة لا يمكن حمل بعضها على بعض لا بما ذكره (قدسسره) من تأويل روايات التمام بنية إقامة العشرة ولا ما ذكره
الأصحاب من تأويل روايات القصر بكونه أحد فردي المخير.
وتوضيحه زيادة
على ما تقدم ان المفهوم من صحيحة على بن مهزيار ورواية على بن حديد ان المراد من
القصر في ما ورد به من الأخبار انما هو ما كان عزيمة كسائر المواضع إلا مع نية
الإقامة ، وان المراد من الإتمام في ما ورد به من الاخبار انما هو ما لم يكن عن
نية إقامة ، إذ لو كان المراد من اخبار القصر انما هو ما تأولوها به من الحمل على
اختيار أحد فردي الواجب المخير ـ وان التخيير حكم مشهور في تلك
__________________
المواضع كما يقولون به ومن اخبار التمام التقييد بنية الإقامة كما يقول
الصدوق مع ان ذلك حكم عام في جميع الأماكن ـ لكان لا معنى للخلاف بين أصحابنا
الذين في وقتهم (عليهمالسلام) حتى ان بعضهم يختار القصر وينهى عن التمام وبعضها
بالعكس ، ولما ضاق على بن مهزيار بذلك ولما قال على بن حديد «وكان محبتي أن يأمرني
بالإتمام» أما على الأول فلأنه مخير واختيار أحد فردي الواجب المخير لا يوجب
اختلافا ولا ينسب صاحبه إلى المخالفة ، مع ان الإتمام أفضل وأرجح فكيف يعدل عنه
الى المفضول والمرجوح؟ وأما على الثاني فلان الإتمام بنية الإقامة لا ينافي القصر
مع عدم النية المذكورة حتى ينسب من يختار أحدهما الى مخالفة من يختار الآخر ،
ولكان لا معنى لقول على بن حديد «وكان محبتي أن يأمرني بالإتمام» كما لا يخفى على
ذوي البصائر والافهام.
وحينئذ فلا بد
من النظر في المرجحات لأخبار أحد الطرفين ليكون العمل عليه في البين ، والظاهر ان
الترجيح في أخبار الإتمام لوجوده :
الأول ـ صحيحة
على بن مهزيار بالتقريب الذي تقدم في ذيلها وهو عرض الاختلاف يومئذ على الامام عليهالسلام وامره بالإتمام.
فإن قيل : ان
رواية على بن حديد قد تضمنت ايضا عرض القولين على الرضا عليهالسلام ومع ذلك منع من الإتمام إلا مع إقامة عشرة أيام.
قلت : يمكن
الجواب عن ذلك بعد الإغماض عن عدم معارضة رواية على بن حديد لصحيحة على بن مهزيار
من حيث السند بان يقال انه قد ورد عنهم (عليهمالسلام) انه إذا أتى حديث عن أولهم وحديث عن آخرهم أو عن واحد
منهم ثم اتى عنه بعد ذلك ما ينافيه انه يؤخذ بالأخير في الموضعين :
روى ذلك ثقة
الإسلام في الكافي عن المعلى بن خنيس قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام إذا جاء حديث عن أولكم وحديث عن آخركم بأيهما تأخذ؟
فقال
__________________
خذوا به حتى يبلغكم عن الحي فإن بلغكم عن الحي فخذوا بقوله».
وروى في حديث
آخر عنه عليهالسلام «انه قال لبعض أصحابه : أرأيتك لو حدثتك بحديث العام ثم جئتني من قابل
فحدثتك بخلافه بأيهما كنت تأخذ؟ قال قلت كنت آخذ بالأخير. فقال لي رحمك الله».
ويؤيد ذلك ترحم
الرضا عليهالسلام على عبد الله بن جندب في رواية على بن حديد بعد أن نقل
عنه انه يتم ، وفيه أشعار بكونه على الحق في ذلك وان الأمر بالتقصير هنا انما هو
المصلحة.
الثاني ـ ان
اخبار القصر في هذه المواضع أقرب الى موافقة العامة واخبار التخيير لا توافقهم ،
وذلك لان التخيير هنا من خواص مذهب الشيعة إذ العامة بين معين للقصر مطلقا وبين
مخير مطلقا مع أفضلية التقصير مع كون المعلوم عندهم من مذهب الشيعة هو وجوب القصر
عزيمة على المسافر ، وحينئذ فكل ما ورد من ما يدل على تحتم القصر وعدم جواز
التخيير في هذه الأماكن يتعين حمله على التقية لما تقرر عنهم عليهمالسلام من القواعد التي من جملتها عرض الأخبار في مقام
الاختلاف على مذهب العامة والأخذ بخلافه وروايات التمام في هذه المواضع مخالفة لمذهب العامة
فيتحتم الأخذ بها.
الثالث ـ انه
مع العمل باخبار التمام كما اخترناه واختاره جمهور أصحابنا يمكن حمل أخبار التقصير
على التقية كما ذكرنا ، ولو عملنا على أخبار القصر لزم طرح أخبار التمام رأسا مع
استفاضتها وكثرتها وصحة أكثرها وصراحتها وذلك لعدم قبولها لما ذكره الصدوق من
الحمل المتقدم نقله كما أوضحناه ، وفي طرحها ـ مع ما عرفت مضافا الى قول الطائفة
بها سلفا وخلفا إلا الشاذ النادر ـ من الشناعة ما لا يخفى.
__________________
فان قيل : انه
يمكن حمل أخبار الإتمام على التقية لقول العامة بالإتمام كما تقدم قلنا : فيه انه
وان قال العامة بالإتمام في مطلق السفر في الجملة وان كان مرجوحا إلا انه لا يتمشى
في أخبار هذه الأماكن :
أما أولا ـ فلتصريح
جملة منها بأن العلة في الإتمام إنما هو تحصيل الثواب بكثرة الصلاة في هذه الأماكن
وانه من المخزون والمذخور ونحو ذلك من ما يدل على ان العلة في الإتمام إنما هو شرف
هذه البقاع ، ولو كانت العلة في الإتمام إنما هي التقية لما كان لخروج هذا الكلام
وجه بالكلية.
وأما ثانيا ـ فلما
عرفت آنفا من أن كثرة الأسئلة عن هذه البقاع بأنه هل يصلى فيها تماما أو قصرا ـ مع
معلومية وجوب القصر على المسافر ووجوب التمام على ناوي الإقامة ووجوب العمل
بالتقية كيف اقتضته ، بل ربما صارت هذه المسائل من ضروريات مذهب أهل البيت عليهمالسلام ـ من ما لا وجه له ، وأى وجه اشكال وخفاء فيه حتى تكثر
فيه السؤالات عنه؟ وأي خصوصية لتعلق هذه الأسئلة بهذه الأماكن وهي كغيرها من ما
يجب على المسافر فيه التقصير والإتمام على ناوي الإقامة والعمل بما اقتضته التقية.
وبذلك يظهر ان الأمر بالتمام إنما وقع من حيث شرف هذه البقاع.
وأما ثالثا ـ فلما
عرفت في صحيحة على بن مهزيار من عمله على التمام مدة مديدة لما روى له فيه ثم
عدوله الى التقصير لما أفتوه به ووقوعه بسبب ذلك في الضيق والحيرة حتى كتب الى
الامام عليهالسلام ، وأي حيرة وضيق في الإتمام إذا نوى الإقامة أو اقتضته
التقية؟ بل صريح اشارة الفقهاء عليه بالتقصير يومئذ ان إتمامه لم يكن عن نية إقامة
ولا تقية كما لا يخفى على أدنى ذي فهم. ونحو ذلك ما تضمنته رواية على بن حديد.
وبالجملة
فالحاذق البصير بل من له أدنى روية وفكر يسير لا يخفى عليه ان العلة في الإتمام في
هذه الأخبار إنما هو شرف البقعة والوصول الى محل الزلفى والرفعة.
فإن قيل :
المفهوم من صحيحة معاوية بن وهب وهي الرابعة والعشرون ان
الأمر بالإتمام إنما وقع تقية وكذلك صحيحته الأخيرة وهي التاسعة والعشرون.
قلت : لا يخفى
ان هاتين الروايتين من جملة الروايات الدالة على وجوب التقصير حتما كما في سائر
المواضع ، وقد تقدم البحث فيهما في المقام الأول من الشرط الرابع من شروط التقصير .
وبيانه زيادة
على ما تقدم انه لما أجابه الامام عليهالسلام في الصحيحة الأولى بأنه لا يتم في الحرمين حتى يجمع على
مقام عشرة أيام اعترضه السائل بأن أصحابنا قد رووا عنك انك أمرتهم بالتمام في ذينك
الموضعين وان لم يقيموا عشرة أجاب عليهالسلام بأني لم آمرهم بالتمام في هذه الصورة من حيث شرف البقعة
الموجب للتمام في جملة الأيام وانما أمرتهم بذلك لمصلحة أخرى وهو دفع الضرر عنهم
بما كانوا يفعلونه يومئذ ، حيث انهم مع عدم إقامة العشرة كانوا يقصرون فيخرجون من
المسجد والناس يستقبلونهم داخلين للصلاة وهذا من ما يوجب الضرر عليهم فأمرتهم
بالإتمام وان لم يقيموا عشرة لدفع ذلك عنهم. ومنه يعلم ان الإتمام هنا غير الإتمام
المدعى في أصل المسألة لأن هذا خاص بهؤلاء المذكورين لهذه العلة وذلك الإتمام الذي
في أصل المسألة عام.
قال الشيخ (رحمهالله) بعد نقل الخبر الأول من هذين الخبرين وكلام في البين
ما لفظه : ويكون قوله عليهالسلام لمن كان يخرج عند الصلاة من المسجد ولا يصلى مع الناس
أمرا على الوجوب ولا يجوز تركه لمن كان هذا سبيله لان فيه دفعا للتقية وإغراء
بالنفس وتشنيعا على المذهب. انتهى. ومرجعه الى ان الإتمام المأمور به في أصل
المسألة تخييري وانه أفضل الفردين وهذا الإتمام المذكور في هذين الخبرين حتمي لا
يجوز تركه لما ذكره (قدسسره).
فان قلت : ان
حمل الإتمام على التقية في هذين الخبرين ينافي ما ذكرتم من حمل التقصير على التقية
ومن جملة ما دل على ذلك صدر الخبرين المذكورين.
__________________
قلت : لا مانع
من أن تكون العلة في التقصير في هذه المواضع هو التقية وانه قد يتبدل الحكم بوجود
عارض وأمر آخر كما في هاتين الروايتين من الخروج من المسجد على هذه الحال ، وحينئذ
فيكون الإتمام هنا مخصوصا بهؤلاء الذين كانوا يفعلون ذلك ، ومن الظاهر ان التقية
هنا أشد لان خروجهم عند دخول المخالفين ربما كان موجبا لهم الخروج عن الدين في
اعتقاد أولئك المعاندين فلذا أمرهم عليهالسلام بالإتمام الذي هو أقل مفسدة ، ولا يخفى ان اجوبتهم عليهمالسلام تدور مدار المصالح التي تقتضيها الحال ، فلا إشكال في
هذا المجال كما لا يخفى على ذوي الكمال.
ثم ان من جملة
من رجح ما رجحناه واختار ما اخترناه من حمل اخبار القصر في هذه المسألة على التقية
جملة من مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين : منهم ـ شيخنا المجلسي في البحار
ونقله فيه ايضا عن الفاضل العلامة المحقق المولى عبد الله الشوشتري ، واختاره ايضا
المحدث الكاشاني في الوافي والشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في الوسائل ، ولكن
أحدا منهم لم يعط المسألة حقها من التحقيق كما أوضحناه بحمد الله سبحانه مانح
التوفيق ، ولا تجد لأمثال هذه التحقيقات ذكرا في غير كتبنا وزبرنا ، ولله سبحانه
الحمد والمنة بذلك. والله العالم بحقائق أحكامه ونوابه القائمون بمعالم حلاله
وحرامه.
تنبيهات
الأول ـ في
تحقيق المكان الذي يستحب فيه الإتمام من هذه المواضع الأربعة والكلام هنا يقع في
مواضع ثلاثة :
الأول ـ في
الحرمين الشريفين ، وقد اختلف كلام الأصحاب هنا في انه البلد في كل منهما أو
المسجد كذلك أو الحرم؟ المشهور الأول ، وذهب ابن إدريس الى الثاني فحص الحكم
بالمسجدين وهو مختار العلامة في المختلف والشهيدين في اللمعة وشرحها والروض ،
وظاهر كلام الشيخ في التهذيب الثالث حيث قال : ويستحب إتمام الصلاة في الحرمين فان
فيه فضلا كثيرا. ثم قال ومن حصل بعرفات فلا يجوز
له الإتمام على حال. انتهى. وبه يظهر ما في كلام بعض مشايخنا المعاصرين من
إنكار القول بذلك حيث قال : ولم نظفر على قائل مصرح بالشمول لجميع حرم الله ورسوله
صلىاللهعليهوآله فضلا عن غيرهما. والظاهر انه نشأ من غفلة عن ملاحظة
العبارة المذكورة.
ومن الظاهر ان
الأصل في الخلاف المذكور اختلاف الأخبار الواردة في المقام ، فإن جملة من الأخبار
المتقدمة منها ما تضمن التعبير عن ذلك بالحرمين كالرواية الأولى والثانية والثالثة
والخامسة والسادسة والثامنة والحادية عشرة والثانية عشرة والرابعة عشرة والثانية والعشرين والصحيح منها أربع روايات ، ومنها ما
تضمن التعبير بمكة والمدينة كالرواية الرابعة والسابعة والتاسعة والعاشرة والثالثة
عشرة والسابعة عشرة والصحيح منها ثلاث روايات ، ومنها ما تضمن التعبير
بالمسجدين كالرواية السادسة عشرة والتاسعة عشرة والعشرين وكلها ضعيفة السند وحينئذ فإن عملنا باخبار الحرمين ـ وهي
أكثر الأخبار كما عرفت وهو ظاهر التهذيب في ما قدمنا من عبارته ـ كان محل الإتمام
فيهما أعم من البلدين.
وظاهر الأصحاب
انهم حملوا الحرمين في تلك الأخبار على البلدين وهو غير بعيد ، ويؤيده ما ورد عن
الصادق عليهالسلام انه قال : «مكة حرم الله وحرم رسوله صلىاللهعليهوآله وحرم أمير المؤمنين على بن ابى طالب عليهالسلام والمدينة حرم الله وحرم رسوله صلىاللهعليهوآله وحرم على بن ابى طالب عليهالسلام والكوفة حرم الله وحرم رسوله صلىاللهعليهوآله وحرم على بن ابى طالب عليهالسلام.
وما رواه الشيخ
في الأمالي بسند موثق عن عاصم بن عبد الواحد وهو مهمل قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : مكة حرم الله والمدينة حرم محمد
__________________
صلىاللهعليهوآله والكوفة حرم على بن ابى طالب عليهالسلام ان عليا حرم من الكوفة ما حرم إبراهيم من مكة وما حرم
محمد صلىاللهعليهوآله من المدينة».
ويعضد ذلك ايضا
قوله في آخر صحيحة على بن مهزيار وهي الرواية الخامسة «أي شيء تعني بالحرمين؟
فقال مكة والمدينة».
وقد أفصح عليهالسلام هنا بذلك ، وبه يظهر قوة القول المشهور وانه المؤيد
المنصور وقوفا في ما خالف أخبار القصر العامة على القدر المتيقن من هذه الأخبار.
وأما القول
بالاقتصار على المسجدين كما ذهب اليه جمع ممن قدمنا ذكره وغيرهم فعللوه بكون الحكم
على خلاف الأصل والخروج عن العهدة بالقصر حاصل إجماعا ، إذ غاية الحكم بالإتمام
التخيير فالقصر في البلدين مجزئ إجماعا على التقديرين بخلاف الإتمام.
قال العلامة في
المختلف بعد اختيار قول ابن إدريس : لنا ـ ان الأصل وجوب القصر فيصار الى خلافه في
موضع الوفاق.
أقول : فيه مع
الإغماض عن المناقشة في بعض هذه المقدمات انه ان كان التخصيص بالمسجدين على جهة
الأولوية والاحتياط فلا بأس ، وان كان على جهة الترجيح والاختيار والحكم بعدم
اجزاء ما خرج عنهما كما هو صريح كلام ابن إدريس فإن اللازم اطراح تلك الأخبار
الجمعة المتكاثرة مع كثرتها وصحة جملة منها وصراحتها والاعتماد عليها في أصل
المسألة وضعف سند ما دل على اعتبار المسجدين باصطلاحهم كما قدمنا ذكره ، مع ان
قاعدتهم سيما شيخنا الشهيد الثاني ومن يحذو حذوه رد الأخبار الموثقة فضلا عن
الضعيفة.
وأما ما أجاب
به العلامة في المختلف ـ حيث قال بعد ذكر ما قدمنا نقله عنه : احتجوا بما تقدم من
الروايات الدالة على الإتمام في الحرمين ، والجواب بالحمل على نفس المسجدين جمعا
بين الأدلة ـ
ففيه أولا ـ مع
الإغماض عن المناقشة بعد هذا الإطلاق ان المخالفة غير
منحصرة في أخبار الحرمين بل مثلها في أخبار البلدين بلفظ مكة والمدينة ،
وإطلاق هذين اللفظين على المسجدين أبعد.
وثانيا ـ ان
صحيحة على بن مهزيار تضمنت سؤال الإمام عليهالسلام عن الحرمين الذين أمر بالإتمام فيهما فأجاب بمكة
والمدينة ولو كان ما يدعونه حقا لأجاب عليهالسلام بالمسجدين دون البلدين.
وبالجملة
فالظاهر ان التخصيص بالمسجدين في تلك الروايات انما خرجت لمزيد الشرف وان الغالب
والمتعارف هو الصلاة في المسجد.
ومن ما يؤيد
الحمل على البلد زيادة على ما تقدم لكن بالنسبة إلى مكة ما ورد في بعض الأخبار
الاعتكاف من أن البلد كلها في حكم المسجد :
مثل ما في
صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليهالسلام قال : «المعتكف بمكة يصلى في أي بيوتها شاء سواء عليه
في المسجد صلى أو في بيوتها».
وفي بعضها «ولا يصلى المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه إلا بمكة فإنه يعتكف
بمكة حيث شاء لأنها كلها حرم الله».
ثم انه على
تقدير قصر الحكم على المسجد فهل المعتبر في المسجد الحرام المسجد القديم الذي كان
في زمن النبي صلىاللهعليهوآله أو هذا المسجد الموجود الآن؟ اشكال قد تقدم بيانه في
مسألة كراهة النوم في المسجد في المقدمة السادسة في المكان .
وأما مسجد
الرسول صلىاللهعليهوآله فالظاهر اختصاص الحكم بما كان في زمنه صلىاللهعليهوآله دون ما زيد فيه لأن الحكم بالتمام هنا وقع على خلاف
الأصل فيقتصر فيه على القدر المتيقن.
ويعضد ذلك
إضافته إليه صلىاللهعليهوآله في الاخبار فيخص بما كان في زمانه إذ
__________________
لا يضاف اليه ما فعله غيره بعده خصوصا ما أحدثه الثاني من غصب بعض الدور
وجعلها في المسجد كما صرحت به الأخبار .
وقد ورد في
تحديده من الأخبار صحيحة محمد بن مسلم قال : «سألته عن حد مسجد الرسول الله صلىاللهعليهوآله قال الأسطوانة التي عند رأس القبر إلى الأسطوانتين من وراء
المنبر عن يمين القبلة ، وكان من وراء المنبر طريق تمر فيه الشاة ويمر فيه الرجل
منحرفا ، وكان ساحة المسجد من البلاط الى الصحن». ونحوها صحيحة أبي بصير المرادي .
وثانيها ـ في
الكوفة وقد اختلف أيضا في محل الإتمام هنا هل هو مختص بالمسجد أو يعم البلد؟ فنقل
جمع من متأخري أصحابنا (رضوان الله عليهم) عن الشيخ (قدسسره) انه قال : إذا ثبت الحكم في الحرمين من غير اختصاص
بالمسجد يكون الحكم كذلك في الكوفة لعدم القائل بالفصل. ونقل الشهيد في الدروس عن
المحقق انه حكم في كتاب له في السفر بالتخيير في البلدان الأربعة حتى الحائر ،
ورجح المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد عموم الإتمام في الكوفة ، وصرح جمع من
المتأخرين باختصاص الحكم بالمسجد ، قال في المعتبر : ينبغي تنزيل حرم أمير
المؤمنين عليهالسلام على مسجد الكوفة خاصة أخذا بالمتيقن. انتهى.
وظاهر الشيخ في
المبسوط تعدية الحكم إلى الغري أيضا حيث قال : ويستحب الإتمام في أربعة مواطن في
السفر : بمكة والمدينة ومسجد الكوفة والحائر على ساكنه أفضل التحية والسلام وقد
روى الإتمام في حرم الله وحرم الرسول صلىاللهعليهوآله وحرم أمير المؤمنين وحرم الحسين عليهماالسلام فعلى هذه الرواية يجوز
__________________
الإتمام خارج مسجد الكوفة وبالنجف. انتهى.
وقال شيخنا
المجلسي (عطر الله مرقده) بعد نقل ذلك عنه : وكأنه نظر الى ان حرم أمير المؤمنين عليهالسلام ما صار محترما بسببه واحترام الغري به أكثر من غيره.
ولا يخلو من وجه ويومئ اليه بعض الأخبار ، ثم قال (قدسسره) والأحوط في غير المسجد القصر. انتهى.
فاما الأخبار
الواردة هنا فان بعضها تضمن التعبير بحرم أمير المؤمنين عليهالسلام وهي الرواية الأولى وبعضا تضمن التعبير بالكوفة وهي
الرواية الثانية والعشرون وبعضا بالمسجد وهي الرواية الرابعة والتاسعة عشرة
والعشرون.
وقد طعن بعض
المتأخرين في الرواية الواردة بحرم أمير المؤمنين عليهالسلام بان فيها إجمالا لعدم معلومية الحرم ثمة ، ثم نقل عن
المعتبر كما أسلفنا تنزيله على المسجد.
وأنت خبير من
ما أسلفنا من الروايتين الدالتين على أن الكوفة حرم أمير المؤمنين عليهالسلام ونحوهما غيرهما انه لا مجال للطعن بهذا الإجمال لتفسير
الحرم في تلك الأخبار بالكوفة.
وحينئذ فيمكن
القول بان موضع الإتمام هو البلد وتحمل رواية الحرم على ذلك ، وتحمل رواية المسجد
على ما ذكرنا سابقا من حيث مزيد الشرف واعتياد العبادة فيه. ويحتمل التخصيص
بالمسجد لكثرة الروايات الواردة به وتخصيص الحرم به كما ذكره في المعتبر. ولعل
الأول أقرب وان كان الثاني أحوط.
ثم انه على
تقدير الصلاة في المسجد خصوصا أو احتياطا فهل يختص الحكم بالموجود الآن أو المسجد
القديم لما دلت عليه جملة من الأخبار من حصول التغيير فيه عن ما كان عليه سابقا؟
اشكال.
ومن الأخبار
الدالة على ما قلناه من نقصان هذا المسجد عن المسجد القديم ما رواه العياشي في
تفسيره عن المفضل بن عمر قال «كنت مع ابى عبد الله عليهالسلام
__________________
بالكوفة أيام قدم على ابى العباس فلما انتهينا إلى الكناسة نظر عن يساره ثم
قال يا مفضل ههنا صلب عمى زيد (رحمهالله) ثم مضى حتى أتى طاق الرواسين وهو آخر السراجين فنزل
فقال لي انزل فإن هذا الموضع كان مسجد الكوفة الأول الذي خطه آدم عليهالسلام وانا أكره أن أدخله راكبا. فقلت له فمن غيره عن خطته؟
فقال أما أول ذلك فالطوفان في زمن نوح عليهالسلام ثم غيره أصحاب كسرى والنعمان بن المنذر ثم غيره زياد بن
ابى سفيان. فقلت له جعلت فداك وكانت الكوفة ومسجدها في زمن نوح؟ فقال نعم يا مفضل.
الحديث».
وما رواه في
الكافي بسنده فيه عن أمير المؤمنين عليهالسلام وانه كان يقوم على باب المسجد ثم يرمى بسهم فيقع في موضع التمارين فيقول
ذلك من المسجد وكان يقول قد نقص من أساس المسجد مثل ما نقص في تربيعه».
وما رواه شيخنا
المجلسي (رحمهالله) في كتاب البحار نقلا من كتاب المزار الكبير بسنده فيه الى على عليهالسلام في حديث يتضمن فضل مسجد الكوفة قال في آخره «ولقد نقص
منه اثنا عشر الف ذراع».
وما رواه في
الكتاب المذكور ايضا عن حذيفة في حديث قال فيه «ولقد نقص من ذرعه من الأساس
الأول اثنا عشر الف ذراع ، وان البركة منه على اثنى عشر ميلا من أى الجواب جئته».
وما رواه في
الكافي عن وهيب بن حفص عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «ان القائم إذا قام رد البيت الحرام إلى أساسه
ومسجد الرسول صلىاللهعليهوآله إلى أساسه ومسجد الكوفة إلى أساسه. وقال أبو بصير الى
موضع التمارين من المسجد».
وحينئذ فعلى
تقدير القول بالاقتصار على المسجد هل يكون الحكم في ما خرج عن المسجد الآن من ما
علم دخوله في هذه الحدود المذكورة في هذه الروايات
__________________
حكم هذا المسجد؟ اشكال من دلالة هذه الأخبار على كونه من المسجد ، ومن
احتمال بناء حمل اللفظ الوارد عنهم (عليهمالسلام) على المعهود المعروف يومئذ بين كافة الناس ، ولو أريد
ما زاد على ذلك لكان ينبغي بيان الحال حذرا من الإجمال الحاصل من تأخير البيان.
ويؤيد ذلك جعل
البيوت في زمانه عليهالسلام بجنب المسجد الموجود الآن كما هو الموجود الآن من آثار
بيت أمير المؤمنين عليهالسلام ومن الظاهر ايضا بيوت الناس في ذلك الوقت والأسواق
ونحوها فإنها كلها واقعة في تلك الحدود المستلزم البتة لوقوع النكاح فيها والبول
والتغوط وازالة النجاسات ونحو ذلك من ما يجب اجتنابه في المساجد.
ولم أقف لأحد
من أصحابنا (رضوان الله عليهم على كلام للتفصي عن هذا الإشكال ، وقد نقل لي بعض من
أثق به من الاخوان حين تشرفت في الأعوام السابقة بذلك المكان ان بعض العلماء
المعاصرين المجاورين في النجف الأشرف كان يمنع من ضرب الخلاء في تلك الصحراء من ما
يدخل في تلك الحدود ، وحكى لي بعض الاخوان أيضا عن بعض علماء ذلك الزمان تخصيص
النقصان من المسجد بالجهة التي فيها باب الفيل دون سائر الجهات ، قال وهو الذي يلي
موضع التمارين.
وكيف كان
فالأحوط الاقتصار على هذا المسجد الموجود الآن. وقد تقدم الكلام في هذا المقام
أيضا في التذنيب الملحق بالختام الذي في المساجد من آخر المقدمة السادسة في المكان
والله سبحانه العالم.
وثالثها ـ في
الحائر المقدس على مشرفه أفضل التحية والسلام وقد اختلف ايضا فيه كلام أصحابنا (رضوان
الله عليهم وقد تقدم النقل عن المحقق في كتابه المشار اليه آنفا انه جعل البلد
محلا للتمام ، والمشهور بين أصحابنا الاختصاص بالحائر وأما الروايات الواردة هنا.
فمنها ما هو بلفظ الحائر وهي الرواية الرابعة.
__________________
ومنها ما هو بلفظ الحرم وهي الرواية الأولى والتاسعة عشرة والعشرون. ومنها
ما هو بلفظ «عند القبر» وهي الرواية الحادية والعشرون والثانية والعشرون والثالثة
والعشرون.
ونقل عن المحقق
في الكتاب المشار اليه آنفا انه استند في ما ذهب اليه هنا من الإتمام في مجموع
البلد الى الأخبار الواردة بلفظ حرم الحسين عليهالسلام قال : وقدر بخمسة فراسخ وأربعة فراسخ والكل حرم وان
تفاوتت في الفضيلة. انتهى.
ونفى عنه البعد
شيخنا المجلسي (رحمهالله) في البحار ثم نقل شطرا من الأخبار الواردة في تقدير الحرم وفي
بعضها فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر وفي بعض آخر خمسة فراسخ من أربعة جوانبه ،
ونقل في جلد المزار من البحار رواية تتضمن انه فرسخ من كل جانب ، ولكن الكل مشترك في
ضعف السند. ثم انه (قدسسره) قال : والأحوط إيقاع الصلاة في الحائر وإذا أوقعها في
غيره فيختار القصر.
أقول : والأقرب
عندي هو القول المشهور وحمل الحرم في تلك الروايات على الحائر باعتبار انه أخص
أفراد الحرم وأشرفها ، وتؤيده الروايات الدالة على انه عند القبر ، فإن إطلاق
العندية على البلد لا يخلو من البعد وأما على الحائر فهو قريب وان كان المتبادر من
ذلك هو ما كان تحت القبة الشريفة خاصة إلا أن إدخال الحائر تحت هذا اللفظ في مقام
الجمع بين الأخبار غير بعيد ولا مستنكر مثل إدخال البلد ويؤيده
ما ورد في بعض
الأخبار عن ابى عبد الله عليهالسلام انه قال «قبر الحسين عليهالسلام عشرون ذراعا في عشرين ذراعا مكسرا روضة من رياض الجنة
منه معراج الملائكة إلى السماء. الحديث».
وأظهر في ذلك
تأييدا ان وجوب القصر ثابت على المسافر بيقين ولا يرتفع إلا بدليل ثابت مثله ،
وذلك في المشهد الشريف وهو الحائر المقدس ثابت بما ذكرنا
__________________
من الأدلة لاجتماع صدق الألفاظ الثلاثة عليه ، وأما في غيره من أماكن البلد
فلا لان المناط حينئذ إنما هو محض احتمال كون المراد بالحرم هنا مطلق حرمه عليهالسلام واحتمال حمل الحائر على ما وراء سور المشهد واحتمال
التجوز في «عنده» بما يشمل البلد ، وكل هذه الاحتمالات ولا سيما الأخير في غاية
البعد والخروج عن الظاهر المتبادر ، فالخروج عن يقين وجوب القصر بهذه الاحتمالات
لا يخلو من مجازفة ظاهرة
وأما تحديد
الحائر الشريف فقال ابن إدريس انه ما دار سور المشهد والمسجد عليه دون ما دار سور
البلد عليه ، لان ذلك هو الحائر حقيقة لأن الحائر في لسان العرب الموضع المطئن
الذي يحار فيه الماء ، وقد ذكر شيخنا الشهيد ان في هذا الموضع حار الماء لما أمر
المتوكل (لعنه الله) بإطلاقه على قبر الحسين عليهالسلام ليعفيه فكان لا يبلغه. انتهى.
وقال شيخنا
المجلسي (قدسسره) في كتاب البحار بعد نقل كلام ابن إدريس المذكور :
وأقول ذهب بعضهم الى ان الحائر مجموع الصحن المقدس وبعضهم إلى أنه القبة السامية
وبعضهم إلى أنه الروضة المقدسة وما أحاط بها من العمارات المقدسة من الرواق
والمقتل والخزانة وغيرها ، والأظهر عندي انه مجموع الصحن القديم لا ما تجدد منه في
الدولة الصفوية (شيد الله اركانهم والذي ظهر لي من القرائن وسمعته من مشايخ تلك
البلاد الشريفة انه لم يتغير الصحن من جهة القبلة ولا من جهة اليمين ولا من جهة
الشمال بل إنما زيد من خلاف جهة القبلة ، وكل ما انخفض من الصحن وما دخل فيه من
العمارات فهو الصحن القديم وما ارتفع منه فهو خارج عنه ، ولعلهم انما تركوه كذلك
ليتمايز القديم من الجديد. والتعليل المنقول عن ابن إدريس (قدسسره) ينطبق على هذا وفي شموله لحجرات الصحن من الجهات
الثلاثة إشكال. انتهى كلام شيخنا المذكور.
أقول : وقد
أخبرني من أثق به من علماء تلك البلد وسكنة ذلك المكان منذ مدة من الزمان لما
تشرفت بتقبيل تلك الأعتاب وفاوضته في كلام شيخنا المذكور
ونقله التغيير في الصحن في دبر القبلة فقال ان سبب ذلك ان هذا المسجد
الجامع الموجود الآن في ظهر القبة السامية لم يكن قبل وانما أحدث في ما يقرب من
مائتي سنة ولما أحدثوه أخروا جدار الصحن من تلك الجهة لتتسع مثل باقي جهاته.
ثم ان ما
اختاره شيخنا المتقدم ذكره ـ من تحديد الحائر الشريف وانه عبارة عن الصحن لا خصوص
القبة السامية أو هي وما اتصل بها من العمارات ـ يدل عليه بعض اخبار الزيارات كما
في رواية صفوان الطويلة ونحوها من الأخبار الدالة على سعة ما بين دخول الحائر
ووصول القبر بحيث يزيد على الروضة والعمارات المتصلة بها.
التنبيه الثاني
ـ قد تقدم النقل عن المرتضى وابن الجنيد (رضى الله عنهما) انهما ذهبا الى وجوب
التمام في هذه المواضع الأربعة وألحقا بها المشاهد المشرفة. هكذا نقله الأصحاب
عنهما.
والذي وقفت
عليه من كلاميهما ما نقله عنهما في المختلف ، فنقل عن السيد في الجمل انه قال : لا
يقصر في مكة ومسجد النبي صلىاللهعليهوآله ومشاهد الأئمة القائمين مقامه عليهمالسلام. ونقل عن ابن الجنيد انه قال : والمسجد الحرام لا يقصر
فيه أحد لأن الله جعله سواء (الْعاكِفُ فِيهِ
وَالْبادِ) .
وهاتان العبارتان
قاصرتان عن افادة ما نقل عنهما سيما عبارة ابن الجنيد المختصة بالمسجد الحرام ،
اللهمّ إلا أن يكون قد وقفوا لهما على كلام غير هذا ، مع ان المحقق في المعتبر
والعلامة في المختلف نقلا عن السيد القول بالقول المشهور ، ويمكن حمل النهي في
كلاميهما هنا على النهى عن تحتمه ردا على مثل الصدوق القائل بتحتم القصر ، فإنهم
كثيرا ما يجرون في التعبير على وفق ألفاظ النصوص وان كانوا يفهمون ان المراد بها
خلاف ظاهرها كما هو في كلام الشيخ والصدوق شائع وكيف كان فهو على ظاهره مطروح غير
معمول عليه. واما تعدية الحكم إلى سائر
__________________
المشاهد المشرفة فقال في الذكرى : انا لم نقف لهما على مأخذ في ذلك والقياس
عندنا باطل
الثالث ـ ظاهر
أصحابنا (رضوان الله عليهم من غير خلاف يعرف ان التخيير في هذه المواضع مخصوص بالصلاة
دون الصوم لخلو الأخبار الواردة في المسألة من التعرض له ، بل اشعار بعض الروايات
المتقدمة وهي الرواية السادسة بالعدم ، حيث سئل فيها عن إتمام الصلاة والصيام في
الحرمين فأجاب عليهالسلام عن الصلاة خاصة واضرب عن الصيام والظاهر انه لعدم جريان
الحكم فيه. وما ربما يوجد في بعض النسخ بلفظ ضمير التثنية فالظاهر انه غلط من
النساخ بل الأظهر ما في أكثر النسخ المعتمدة بضمير الافراد الراجع إلى الصلاة خاصة
كما يؤيده قوله عليهالسلام : «ولو صلاة واحدة».
ومن أظهر ما
يدل على ذلك صحيحة أحمد بن محمد بن ابى نصر البزنطي قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الصيام بمكة والمدينة ونحن في سفر فقال أفريضة؟ فقلت
لا ولكنه تطوع كما يتطوع بالصلاة. قال فقال تقول اليوم وغدا؟ فقلت نعم. فقال لا
تصم». والتقريب فيها ان المنع عن التطوع مستلزم للمنع عن الواجب بطريق أولى.
وما ربما يتوهم
من جواز ذلك ـ استنادا إلى صحيحة معاوية بن وهب عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «قلت دخلت بلدا أول يوم من شهر رمضان ولست أريد
أن أقيم عشرا؟ قال قصر وأفطر. قلت فانى مكثت كذلك أقول غدا أو بعد غد فأفطر الشهر
كله واقصر؟ قال نعم هما واحد إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت». وبهذا المضمون
روايات أخر تقتضي جواز الصيام مع الإتمام ـ فقد أجاب عنه شيخنا المجلسي في البحار
بأنه يمكن أن يكون المراد به القصر على الحتم كما هو الغالب. انتهى. وهو جيد لما
عرفت في غير مقام من ما تقدم ان
__________________
الأحكام المودعة في الأخبار انما تبنى على الافراد المتكررة المتكثرة فإنها
هي التي ينصرف إليها الإطلاق وتتبادر الى الفهم.
ويحتمل ايضا
تخصيص الخبر المذكور بغير ما نحن فيه كما وقع تخصيصه في مواضع أخر أيضا : منها ـ ما
سيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الصيام في من سافر بعد الظهر بدون تبيت النية على
الخلاف الآتي ان شاء الله تعالى ، وحينئذ فلا بد من حمله على ان ذلك من حيث اقتضاء
السفر فلا ينافيه ما لو حصل أحيانا التخلف لعارض ومن جهة أخرى كما نحن فيه ، إذ
خروج القصر عن كونه عزيمة في هذه المواطن إنما هو من جهة خصوصية فيها اقتضت ذلك
بالأدلة القاطعة. هذا مع ان ما نحن فيه دائر بين كونه الصيام أفضل من الإفطار وبين
كونه حراما بخلاف الإفطار فإنه دائر بين كونه واجبا حتميا أو تخييريا ، ومقتضى
القواعد العقلية والنقلية في ما إذا دار الفعل بين الاستحباب والتحريم هو ترك ذلك
الفعل ، وأما الإفطار هنا فهو موجب للخروج عن العهدة على كل من التقديرين. والله
العالم.
الرابع ـ قد
صرح جملة من الأصحاب ـ منهم الشهيد في الذكرى والمحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد
والفاضل الخراساني في الذخيرة وشيخنا المجلسي في البحار والمحدث الكاشاني في
المفاتيح ـ بجواز فعل النافلة الساقطة في السفر في هذه الأماكن سواء اختار القصر
أو الإتمام للتحريض والترغيب في كثرة الصلاة فيها كما تقدم في الرواية الخامسة
والرواية الثانية عشرة.
ومن ما يدل على
ذلك مع اختيار القصر جملة من الأخبار رواها ابن قولويه في كتاب كامل الزيارات :
منها ـ ما رواه بسنده عن على بن أبي حمزة قال : «سألت العبد الصالح عليهالسلام عن زيارة قبر الحسين عليهالسلام فقال ما أحب لك تركه. فقلت وما ترى في الصلاة عنده وأنا
مقصر؟ قال صل في المسجد الحرام ما شئت تطوعا وفي مسجد الرسول الله صلىاللهعليهوآله ما شئت تطوعا وعند قبر الحسين عليهالسلام فإني أحب ذلك. قال
__________________
وسألته عن الصلاة بالنهار عند قبر الحسين عليهالسلام ومشاهد النبي صلىاللهعليهوآله والحرمين تطوعا ونحن نقصر؟ فقال نعم ما قدرت عليه».
وما رواه في
الكتاب المذكور بسنده عن ابن ابى عمير عن ابى الحسن عليهالسلام قال : «سألته عن التطوع عند قبر الحسين عليهالسلام وبمكة والمدينة وأنا مقصر؟ قال تطوع عنده وأنت مقصر ما
شئت وفي المسجد الحرام وفي مسجد الرسول صلىاللهعليهوآله وفي مشاهد النبي صلىاللهعليهوآله فإنه خير».
وما رواه عن
إسحاق بن عمار قال : «قلت لأبي الحسن عليهالسلام أتنفل في الحرمين وعند قبر الحسين عليهالسلام وانا أقصر؟ قال نعم ما قدرت عليه».
وجه الدلالة
انه إذا جاز التنفل مع القصر فمع الإتمام أولى. أقول : لقائل أن يقول انه لا ريب
في صراحة الأخبار الدالة على سقوط النافلة الراتبة النهارية في السفر وهو حكم
اتفاقي نصا وفتوى ، وهذه الأخبار غاية ما تدل عليه الحث على التطوع وكثرة الصلاة ،
وهو وان كان أعم من الراتبة وغيرها لكن عارضها في الراتبة ما عرفت فيجب قصرها على
غير الراتبة.
وبالجملة فإن
الأحوط ترك الراتبة النهارية مع اختيار القصر لعدم صراحة هذه الأخبار مع غض الطرف
عن النظر في أسانيدها في جوازها على التعيين وعدم تبادرها من حاق ألفاظها على
اليقين. ودخولها في مطلق التطوع معارض بما دل على سقوطها على الخصوص والتعيين مع
قصر فرائضها ووجوب تقديم الخاص في العمل.
نعم مع اختيار
الإتمام الظاهر انه لا إشكال في جواز الإتيان بها ، ويشير الى ذلك رواية أبي يحيى
الحناط قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن صلاة النافلة بالنهار في السفر؟ فقال يا بنى لو صلحت
النافلة في السفر تمت الفريضة».
__________________
وربما أيد
الحمل هنا على غير الراتبة عد مشاهد النبي صلىاللهعليهوآله من تلك المواضع في استحباب كثرة التطوع في حال السفر مع
الصلاة قصرا مع انها ليست داخلة في شيء من المواضع الأربعة.
وبالجملة فدليل
سقوطها مع التقصير صحيح صريح متفق عليه فلا يخرج عن مقتضاه إلا بدليل مثله ، سيما
انا لم نعثر على مصرح بهذا الحكم من المتقدمين.
إلا انه يمكن
أن يقال ايضا ان سقوط الراتبة المذكورة انما ثبت مع تعين التقصير وتحتمه وحينئذ
فمع عدمه تبقى أدلتها الدالة على استحبابها مطلقا وتوظيفها سالمة من المعارض ،
وحينئذ فيمكن القول بجوازها اعتمادا على تلك الأدلة دون هذه ، والاحتياط لا يخفى.
والله العالم.
الخامس ـ قد
صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ المحقق في المعتبر وغيره بأنه لا يعتبر في الصلاة
الواقعة في هذه الأماكن التعرض لنية القصر والإتمام ، واستحسنه جماعة ممن تأخر عنه
: منهم ـ السيد السند في المدارك وشيخنا المجلسي في البحار وغيرهما في غيرهما ،
والمفهوم من كلام شيخنا الشهيد في الدروس والبيان وجوب التعرض لذلك في النية ، لكن
صرح في البيان بأنه لا يخرج بذلك عن التخيير والمشهور خلافه.
والظاهر ان
مرادهم بالتعرض لنية القصر والإتمام أخذ ذلك في قيود النية المشهور تصويرها في
كتبهم بقول المصلى مثلا «أصلي فرض كذا. الى آخره» التي هي عبارة عن الكلام النفسي
والتصوير الفكري ، وإلا فلا ريب انه لا بد من اعتبار ذلك بل لا يمكن بدونه لضرورة
عدم انفكاك أفعال العقلاء عند توجه النفس إلى شيء منها عن القيود المميزة ، ولهذا
قيل لو كلفنا الله العمل بغير نية لكان تكليفا بما لا يطاق ، وهذه هي النية
الحقيقية كما تقدم تحقيقه في غير مقام من مباحث النية.
والظاهر ان
مرادهم ايضا بعدم تعيين أحدهما بالنسبة إليه انه لو نوى الإتمام
مثلا جاز له الرجوع الى القصر ما لم يتجاوز محل العدول ولا يتعين عليه
المضي على الإتمام ، وكذا لو نوى القصر جاز له العدول الى التمام ما لم يسلم على
الركعتين مستصحبا للنية الأولى ، وإلا فلو كان المراد الإتيان بأيهما كيف اتفق كما
يفهم من ظاهر العبارة لأشكل ذلك في ما لو دخل بنية الإتمام ثم سلم على الركعتين
ساهيا أو دخل بنية القصر ثم صلى الركعتين الأخيرتين ساهيا ، فان الحكم بالصحة بناء
على انه مخير في الإتيان بهما وقد أتى بأحدهما مشكل ، لأن الظاهر ان المكلف وان
كان مخيرا بين الفردين إلا انه باختياره أحدهما وقصده الامتثال به من غير عدول عنه
في محل العدول يتعين في حقه وتترتب عليه أحكامه من الابطال بزيادة ما تكون زيادته
مبطلة ونقصان ما نقصانه مبطل ، وإلا لزم الحكم بالصحة بناء على استحباب التسليم في
ما لو صلى بنية التمام ثلاث ركعات ثم سلم على الثالثة ساهيا ، فإنه قد أوجد الصلاة
المقصورة في ضمن هذه الثلاث ركعات وان كانت غير مقصودة فتكون مجزئة ، بل ولو سلم
عامدا أو أحدث والحال هذه بعد إتمام الركعتين الأخيرتين أو فعل ما يبطلهما بعد ذلك
فإنه تكون صلاته صحيحة باعتبار اشتمالها على الصلاة المقصورة في الجملة ، والحكم
بالصحة في أمثال ذلك خارج عن مقتضى القواعد والأصول المقررة.
وبذلك يظهر لك
ما في كلام المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد حيث قال : الظاهر انه لو نوى القصر ثم
تممها نسيانا أو عمدا مع النقل تصح الصلاة وبالعكس. انتهى.
والظاهر ان
مراده بالعكس ما لو نوى التمام ثم سلم على الركعتين الأولتين ساهيا أو أحدث بعد
التشهد أو فعل غيره من المبطلات فإنه تكون صلاته صحيحة. ومرجع كلامه الى اجزاء
الإتيان بأحد الفردين واقعا وان لم يكن مقصودا ولا مرادا له حال دخوله في الصلاة
الى الفراغ منها ، وبطلانه أظهر من ان يذكر فان العبادات تابعة للقصود والنيات
ولكل من إفرادها أحكام خاصة مبنية على ذلك كما لا يخفى
على من تأمل القواعد المستفادة من الأخبار وكلام الأصحاب في هذا الباب.
والله العالم
السادس ـ قد
أورد بعض الأصحاب إشكالا في هذا المقام وما شاكله من كل موضع حكم فيه بالتخيير بين
واجبين مع أرجحية أحدهما ، كالحكم بالتخيير بين التسبيح والفاتحة في الأخيرتين مع
الحكم بأفضلية التسبيح ، والتخيير بين الظهر والجمعة مع أفضلية الجمعة ، والحكم
بالتخيير في الاستنجاء بين الماء والأحجار مع عدم التعدي وأفضلية الماء ونحو ذلك ،
وقد تقدم الكلام في بيان الاشكال المذكور والجواب عنه والبحث في ذلك في الفصل
الثامن في حكم الأخيرتين من الباب الثاني وفي بحث النية في الوضوء من كتاب الطهارة وغيرهما
فليرجع اليه من أحب الوقوف عليه.
السابع ـ قد
صرح جملة من متأخري المتأخرين : منهم ـ المحقق الأردبيلي والفاضل الخراساني وشيخنا
المجلسي بأن الظاهر بقاء التخيير في فوائت هذه الأمكنة فيتخير في قضائها بين
الإتمام والقصر وان وقع القضاء في خارجها لعموم «من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته»
. ثم احتملوا تعين القصر احتمالا وجعله بعضهم أحوط اما لو أراد ان يقضى
فيها ما فات في خارجها فظاهرهم عدم التخيير للخبر المذكور.
الثامن ـ قال
في المنتهى : من عليه صلاة فائتة هل يستحب له الإتمام في هذه المواطن؟ الأقرب نعم
عملا بالعموم ، وكان والدى (قدسسره) يمنع من ذلك لقوله صلىاللهعليهوآله «لا صلاة لمن عليه صلاة». ولان من عليه فريضة لا يجوز له فعل النافلة.
انتهى.
وقد نقل هذا
القول عن والد العلامة جماعة وردوه بالضعف ، وهو كذلك بناء على ما هو المشهور بين
المتأخرين من جواز المواسعة في القضاء ، وأما على
__________________
كلام جمهور المتقدمين من القول بالمضايقة كما تقدم تحقيقه في محله فإنه لا
يشرع له الإتيان بالحاضرة مطلقا إلا في آخر وقتها في أي مكان كان.
وكيف كان فهذا
القول لا يظهر له وجه على كل من القولين ، فان ظاهره جواز الصلاة قصرا وانما منع
من الركعتين الأخيرتين حيث انهما نافلة ومستحبة وهي غير مشروعة لمن عليه فريضة
واجبة. وفيه ان عموم الأخبار الدالة على التخيير دال على الصحة في ما نحن فيه ، مع
انا نمنع ما ذكره من الاستحباب بل هاتان الركعتان باختيار الإتمام يكون من قبيل
الواجب. وبالجملة فالظاهر ان كلامه لا وجه له يعتمد عليه.
التاسع ـ لو
ضاق الوقت إلا عن أربع ركعات فقيل بوجوب القصر لتقع الصلاتان في الوقت ، واستظهره
السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة ، وقيل يجوز الإتيان بالعصر
تماما في الوقت لاختصاصها بمقدار الأربع ركعات من آخر الوقت وقضاء الظهر. والظاهر
ضعفه فان اختصاص هذا المقدار بها إنما يتم لو كانت يتعين الإتيان بها أربعا وليس
كذلك. وقيل يجوز الإتمام في العصر لعموم «من أدرك» يعنى انه يصلى الظهر قصرا أولا ثم يصلى العصر تماما وان
وقع بعضها خارج الوقت لعموم الخبر المذكور. وضعفه في المدارك بأنه وان تحقق بذلك
إدراك الصلاة إلا انه لا يجوز تعمده اختيارا لاقتضائه تأخير الصلاة عن وقتها
المعين لها شرعا. انتهى. والله العالم.
المسألة
الرابعة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو دخل عليه الوقت في الحضر ثم
سافر قبل الصلاة حتى تجاوز محل الترخص ، فقيل بوجوب الإتمام عليه مطلقا اعتبارا
بحال الوجوب ، ونقل ذلك عن جمع من الأصحاب : منهم ـ ابن ابى عقيل والصدوق في
المقنع واختاره العلامة في جملة من كتبه وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، ونقل
في الروض ان القول بالإتمام في هذه المسألة
__________________
والمسألة الآتية هو المشهور بين المتأخرين ، ثم نقل بقية الأقوال التي في
المسألتين معا وقال بعد ذلك : والمسألة من أشكل الأبواب. وظاهره التوقف في الحكم
هنا. وقيل بوجوب التقصير اعتبارا بحال الأداء ونقل عن الشيخ المفيد وابن إدريس
والسيد المرتضى في المصباح والشيخ على بن الحسين بن بابويه وجمع من الأصحاب : منهم
ـ المحقق وهو اختيار جمع من أفاضل متأخري المتأخرين ، وقيل بالتفصيل بين سعة الوقت
وعدمها فان وسع التمام وجب وإلا صلى قصرا ، ونسب هذا القول الى الشيخ في النهاية
وموضع من المبسوط وهو اختيار الصدوق في الفقيه ، وقيل بالتخيير ونقل عن الشيخ في
الخلاف. هذا ما وقفت عليه من الأقوال في المسألة.
والأصل في
اختلاف هذه الأقوال اختلاف أخبار المسألة واختلاف الأفهام في المقام ، وها أنا
أسوق لك ما وصل الى من روايات المسألة مذيلا لكل منها بما يتعلق به من البحث
والكلام لينجلى بذلك عنها غشاوة الإبهام فأقول :
الأول ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة وهو في
الطريق قال يصلى ركعتين ، وان خرج الى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا».
أقول : وهذا
الخبر أقوى ما استدل به العلامة في المختلف على القول الأول إلا انه قابل للتأويل
كما ذكره جملة من المتأخرين من إمكان حمل قوله : «الرجل يدخل من سفره» على معنى
انه يريد الدخول وحينئذ فصلاة الركعتين انما هي في السفر ، وقوله : «وان خرج الى
سفره» اى أراد الخروج الى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا يعني في الحضر. وهو
قريب لان مثل هذا التجوز شائع في الآيات والأخبار ومنه قوله عزوجل «إِذا قُمْتُمْ إِلَى
الصَّلاةِ» وقوله : «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ...» ونحو ذلك.
__________________
الثاني ـ رواية
بشير النبال قال : «خرجت مع ابى عبد الله عليهالسلام حتى أتينا الشجرة فقال لي أبو عبد الله عليهالسلام يا نبال قلت لبيك قال انه لم يجب على أحد من أهل هذا
العسكر ان يصلى أربعا غيري وغيرك ، وذلك انه قد دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج».
أقول : وهذه
الرواية ظاهرة الدلالة على القول الأول ، وردها المتأخرون بضعف السند وعدم قوة
معارضتها لما يأتي من الأخبار الدالة على التقصير في الصورة المذكورة. وما ذكره في
الوسائل من حملها على انهما صليا في المدينة بعيد جدا كما لا يخفى.
الثالث ـ صحيحة
إسماعيل بن جابر قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام يدخل على وقت الصلاة وانا في السفر فلا أصلي حتى أدخل
أهلي؟ قال صل وأتم الصلاة قلت فدخل على وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر فلا
أصلي حتى أخرج؟ فقال فصل وقصر ، فان لم تفعل فقد خالفت والله رسول الله صلىاللهعليهوآله».
أقول : وهذه
الرواية صحيحة ظاهرة الدلالة على القول الثاني وهو وجوب التقصير والاعتبار بحال
الأداء في الموضعين مؤكدا ذلك بالقسم على ان خلاف ذلك بأي نوع كان خلاف ما أمر به
رسول الله صلىاللهعليهوآله ومن ثم قال في المعتبر : وهذه الرواية أشهر وأظهر في
العمل.
الرابع ـ صحيحة
محمد بن مسلم قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام. الى أن قال قلت الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول الشمس؟
فقال إذا خرجت فصل ركعتين». والتقريب فيها كما في سابقتها.
وأيد هذا القول
زيادة على دلالة هاتين الصحيحتين انه في هذا الوقت مسافر فيتناوله ما دل بعمومه أو
إطلاقه على وجوب التقصير على المسافر ، ويزيده تأييدا أيضا الأخبار الدالة على
وجوب التقصير على المسافر إذا بلغ محل الترخص ، فان
__________________
إطلاقها شامل لما نحن فيه.
إلا ان هنا
شيئا قل من تنبيه له وهو ان من قال بوجوب الإتمام في هذه المسألة يشترط مضى وقت
الصلاة كاملة الشرائط في الحضر ليحصل استقرارها في الذمة فيجب الإتيان بها عليه
تماما. وظاهرهم ان محل الخلاف في المسألة مقصور موقوف على هذه الصورة فلو سافر قبل
مضى الوقت المشار اليه لم يكن من محل الخلاف في شيء بل الواجب هو التقصير ، ولهذا
ان بعض الأصحاب احتمل في صحيحتي محمد بن إسماعيل ومحمد بن مسلم المذكورتين حمل
الأمر بالتقصير على الخروج من البلد بعد دخول الوقت وقبل مضى الوقت المشار اليه
وجعل هذا وجه جمع بين اخبار القولين المذكورين ، وبه يشكل استدلال القائلين بالقول
الثاني بهاتين الروايتين.
الخامس ـ رواية
الوشاء قال : «سمعت الرضا عليهالسلام يقول إذا زالت الشمس وأنت في المصر وأنت تريد السفر
فأتم فإذا خرجت بعد الزوال قصر العصر».
أقول : هذا
الخبر يحتمل حمله على أن يكون الإتمام فيه بعد الخروج فيكون من أدلة القول الأول ،
ويحتمل أن يكون الإتمام في المصر فلا دلالة فيه. وأما تقصير العصر فهو في السفر
البتة لكن إن كان مع صلاة الظهر في المصر فيمكن ان يستدل به ايضا للقول الثاني وهو
الاعتبار بحال الأداء وان كان مع صلاة الظهر في السفر فيشكل ذلك كما لا يخفى ،
ولعل الأمر بتقصير العصر هنا من ما يعين الحمل على الاحتمال الثاني. وكيف كان
فالظاهر انه لا يمكن الاستناد الى هذا الخبر في شيء من أقوال المسألة لما عرفت من
تشابهه وإجماله.
السادس ـ موثقة
عمار الساباطي عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «سئل عن الرجل إذا زالت الشمس وهو في منزله ثم
يخرج في سفر؟ قال يبدأ بالزوال فيصليها ثم يصلى الأولى بتقصير ركعتين لأنه خرج من
منزله قبل أن تحضر الأولى. وسئل
__________________
فان خرج بعد ما حضرت الأولى؟ قال يصلى الأولى أربع ركعات ثم يصلى بعد
النوافل ثماني ركعات لأنه خرج من منزله بعد ما حضرت الأولى ، فإذا حضرت العصر صلى
العصر بتقصير وهي ركعتان لانه خرج في السفر قبل أن تحضر العصر».
أقول : ظاهر
هذا الخبر انه مع الخروج بعد مضى وقت النافلة خاصة وهو الذراع يبدأ بالنافلة لدخول
وقتها في الحضر ويصلى الظهر بتقصير لعدم دخول وقتها ثمة وانما دخل بعد السفر ،
وظاهره ان الوقت الموجب للإتيان بها في السفر تماما انما هو وقت الفضيلة فإذا مضى
عليه وقت الفضيلة في الحضر حتى سافر صلى تماما دون وقت النافلة ، والمفهوم من كلام
الأصحاب في هذا المقام كما تقدمت الإشارة اليه ان الوقت المذكور انما هو من الزوال
، بمعنى انه لو زالت الشمس ومضى وقت الصلاة بشروطها بحيث استقرت في الذمة ثم سافر
فهل يصلى في السفر تماما أو قصرا؟ القولان المتقدمان ، وأما استحباب النافلة في
السفر بعد مضى وقتها في الحضر فقد ذكره الأصحاب أيضا لكن الظاهر ان المراد مضى وقت
النافلة والفريضة معا.
ثم ان ظاهر
قوله : «وسئل فإن خرج بعد ما حضرت الاولى. الى آخره» انه متى خرج بعد مضى وقت
النافلة والفريضة معا انه يبدأ بالفريضة أولا فيصليها تماما حيث ان وقتها دخل عليه
في الحضر ، والأمر بإتمام الفريضة هنا دال على القول الأول وهو اعتبار حال الوجوب
فتكون الرواية المذكورة من أدلته. إلا أن الأمر بتأخير النافلة هنا عن الفريضة لا
أعرف له وجها وجيها ولعله من التهافت الذي يقع في روايات عمار.
واحتمل في
الذخيرة الجمع بين روايات القصر والإتمام بهذه الموثقة حيث قال : ويمكن الجمع بوجه
آخر وهو أن يقال إذا خرج بعد دخول وقت الفضيلة يتم وان كان بعد دخول وقت الإجزاء
يقصر وعلى هذا تحمل صحيحة إسماعيل ، فالمراد بالوقت في أحد الخبرين وقت الفضيلة
وفي الآخر وقت الإجزاء ، ويشهد لهذا التأويل موثقة
عمار المذكورة ، لكني لا أعرف أحدا من الأصحاب ذكر هذا التفضيل والمسألة
عندي محل اشكال. انتهى.
أقول : بل ظاهر
كلامهم كما قدمنا الإشارة اليه انما هو خلافه ، حيث انهم جعلوا محل الخلاف في
القولين المذكورين انما هو مضى ما يسع الفريضة بشروطها من الزوال في الحضر فإذا
مضى هذا الوقت وسافر ولم يصل فهل يصلى في السفر تماما أو قصرا؟ لان المدار على
استقرار الفريضة في الذمة في الحضر وعدمه ، ولا ريب انه بمضي قدر الأربع الركعات
بشروطها من الزوال يستقر الفرض في الذمة اتفاقا سواء كان ممن يصلى النافلة أم لا.
وبالجملة فإن
الاعتماد على هذه الرواية ـ مع ما عرفت من التهافت فيها كما أوضحناه لا يخلو من
الإشكال.
السابع ـ ما
نقله ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب جميل عن زرارة عن أحدهما عليهماالسلام) انه قال : «في رجل مسافر نسي الظهر والعصر في السفر حتى
دخل أهله؟ قال يصلى أربع ركعات. وقال لمن نسي الظهر والعصر وهو مقيم حتى يخرج؟ قال
يصلى اربع ركعات في سفره. وقال إذا دخل على الرجل وقت الصلاة وهو مقيم ثم سافر صلى
تلك الصلاة التي دخل وقتها عليه وهو مقيم أربع ركعات في سفره».
أقول : وهذا
الخبر صحيح السند وظاهره الإتمام في الدخول والخروج إلا انه لا يخلو من نوع إجمال
، وتفصيل ما اشتمل عليه أن يقال انه قد اشتمل على صور ثلاث : (إحداها) ـ قوله «في
رجل مسافر. إلخ» وهو محتمل لأنه قد نسي الظهر والعصر حتى خرج وقتهما وانه يصلى في
أهله أربع ركعات قضاء وعلى هذا يكون خارجا عن ما نحن فيه ، ويحتمل ولعله الأقرب
أنه نسيهما في السفر مع بقاء الوقت الى دخول أهله وانه يصلى أربعا ، وفيه دلالة
على ما يأتي في المسألة
__________________
الآتية من القول باعتبار الأداء كما دل عليه صدر صحيحة إسماعيل بن جابر
المتقدمة. (الثانية) ـ قوله «وقال لمن نسي الظهر والعصر. وفيه الاحتمالان
المتقدمان ، على تقدير الثاني منهما وهو أن تكون صلاته الأربع في السفر أداء يكون
الخبر دالا على القول الأول في هذه المسألة وهو الاعتبار بحال الوجوب (الثالثة) ـ قوله
«وقال إذا دخل على الرجل. إلخ» والأقرب أنه تعميم بعد تخصيص أو ان الأول على
القضاء كما عرفت وهذا على الأداء ، وعلى أيهما كان ففي هذه الصورة دلالة على القول
المذكور وهو الاعتبار بحال الوجوب فيكون الخبر المذكور من أدلته.
الثامن ـ ما
نقله شيخنا المجلسي في كتاب البحار من كتاب محمد بن المثنى الحضرمي انه روى فيه عن جعفر بن
محمد بن شريح عن ذريح المحاربي قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام إذا خرج الرجل مسافرا وقد دخل وقت الصلاة كم يصلى؟ قال
أربعا. قال قلت فان دخل وقت الصلاة وهو في السفر؟ قال يصلى ركعتين قبل أن يدخل
أهله وان دخل المصر فليصل أربعا».
أقول : وصدر
هذا الخبر ايضا يدل على القول الأول بظاهره وان احتمل تأويله بما تقدم في الخبر
الأول من حمل الخروج على ارادة الخروج فتكون صلاة الأربع في البلد.
التاسع ـ ما
ذكره عليهالسلام في كتاب الفقه الرضوي حيث قال : وان خرجت من منزلك وقد دخل عليك وقت الصلاة
ولم تصل حتى خرجت فعليك التقصير ، وان دخل عليك وقت الصلاة وأنت في السفر ولم تصل
حتى تدخل أهلك فعليك التمام.
وظاهر هذه
الرواية يساوق صحيحة إسماعيل بن جابر في الدلالة على الاعتبار بحال الأداء في
الموضعين المذكورين ، إلا انها ايضا قابلة للاحتمال الذي قدمناه في الصحيحة المشار
إليها بأن دخل وقت الصلاة قبل مضى وقت يسع الإتيان بها بشرائطها
__________________
هذا ما حضرني
من الروايات المتعلقة بكل من القولين وأما باقي أخبار المسألة فتأتي في مطاوي
البحث في هذه المسألة وفي المسألة الآتية ان شاء الله تعالى.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان هذه الأخبار التي تلوناها انما تصادمت في القول الأول والثاني ، وقد عرفت
ما في ترجيح أحد القولين على الآخر من الاشكال لتطرق البحث الى كل من روايات
الطرفين والاحتمال ، وبه يشكل الترجيح في هذا المجال فالاحتياط فيها لازم عندي على
كل حال.
وأما القول
الثالث فالظاهر ان مستنده الجمع بين الأخبار كما ذكره الشيخ في كتابي الأخبار ،
حيث جمع بينها بحمل ما دل على التمام على سعة الوقت والقصر على ضيقه.
واستدل على هذا
الجمع بما رواه عن إسحاق بن عمار في الموثق قال : «سمعت أبا الحسن عليهالسلام يقول في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة فقال ان كان
لا يخاف فوت الوقت فليتم وان كان يخاف خروج الوقت فليقصر».
وفيه أولا ـ ان
الجمع بين الأخبار لا ينحصر في ما ذكره لجوازه بوجوه أخر كما تقدم نقل بعضها.
وثانيا ـ ما
ذكره السيد السند في المدارك حيث قال ـ بعد نقل ما قدمناه عن الشيخ من الجمع
المذكور واستدلاله عليه بالخبر المشار اليه ـ ما لفظه : وهذه الرواية مع ضعف سندها
انما تدل على التفصيل في صورة القدوم من السفر في أثناء الوقت لا في صورة الخروج
الى السفر.
وثالثا ـ ما
سيأتي ان شاء الله تعالى في المسألة الآتية في معنى الموثقة المذكورة وانها ليست
على ما فهمه منها وان لم يهتد اليه (قدسسره) في هذا المقام.
وأما القول
الرابع فالظاهر ايضا ان مستنده هو الجمع بين الاخبار ، ويرد عليه ما تقدم من عدم
انحصار الجمع في الوجه المذكور.
وما استند اليه
في هذا الجمع من صحيحة منصور بن حازم قال : «سمعت
__________________
أبا عبد الله عليهالسلام يقول إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل
أهله فسار حتى يدخل أهله فإن شاء قصر وان شاء أتم والإتمام أحب الى».
وفيه أولا ـ ان
مورد الرواية انما هو الدخول من السفر فليست من محل البحث في شيء.
وثانيا ـ احتمال
أن يكون المراد منها انه ان شاء صلى في السفر قصرا وان شاء صبر حتى يدخل أهله
ويصلى تماما وهو الأفضل ، وحينئذ ففيها دلالة على ترجيح التأخير إلى دخول المنزل
والصلاة تماما.
وثالثا ـ ما
ذكره بعض مشايخنا من احتمال الحمل على التقية. لأنه مذهب بعض العامة .
ورابعا ـ عدم
قبول بعض الاخبار لهذا الحمل مثل صحيحة إسماعيل بن جابر المشتملة على الحلف بأنه
ان لم يفعل ما تضمنته فقد خالف رسول الله صلىاللهعليهوآله وقوله عليهالسلام في رواية النبال «لم يجب» المشعر بوجوب ذلك عليهما ،
والمتبادر من الوجوب هو الحتمي كما لا يخفى.
وبذلك يظهر لك
بقاء المسألة في قالب الاشكال الموجب للاحتياط على كل حال. والله العالم.
المسألة
الخامسة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو دخل عليه الوقت في السفر ولم
يصل حتى دخل بلده أو بيته ، فالمشهور بين المتأخرين انه
__________________
يتم في بلده أو منزله اعتبارا بحال الأداء ، وقال في المختلف ذهب اليه
المفيد (قدسسره) بناء على أصله من ان الاعتبار بحال الأداء لا حال
الوجوب ، وهو قول الشيخ على بن بابويه بناء على هذا الأصل وكذا ابن إدريس. انتهى.
أقول : وهو الظاهر هنا من الأخبار على وجه لا يعتريه الشك والإنكار. وقيل بالتفصيل
فيتم مع السعة هنا من الأخبار على وجه لا يعتريه الشك والإنكار. وقيل بالتفصيل
فيتم مع السعة ويقصر مع الضيق وهو مذهب الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار ، وقيل
بالتخيير ونقل عن الشيخ ايضا وابن الجنيد ، وحكى الشهيدان قولا بالتقصير مطلقا.
والذي يدل على
القول الأول وهو الذي عليه المعمول صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة وهي صريحة غير قابلة للتأويل بوجه.
وصحيحة العيص
بن القاسم قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثم يدخل بيته
قبل أن يصليها؟ قال يصليها أربعا وقال لا يزال يقصر حتى يدخل بيته». وهي صريحة
كذلك.
ويدل عليه ايضا
ما قدمناه في المسألة السابقة من عبارة كتاب الفقه الرضوي أيضا وما سيأتي من صحيحة
محمد بن مسلم.
واستدل على
القول الثاني بموثقة عمار المتقدمة والسيد السند في المدارك في المسألة السابقة انما أجاب
عنها بضعف السند وعدم دلالتها على ما ادعاه الشيخ في تلك المسألة. وظاهر كلامه انه
لو صح سندها لتم الاستدلال بها هنا.
وأنت خبير بان
الطعن بضعف السند لا يقوم حجة على الشيخ ونحوه من المتقدمين ممن لا أثر لهذا
الاصطلاح عندهم كما قدمناه في غير موضع ، والأظهر في الجواب عنها إنما هو ما قدمنا
الإشارة إليه من ان المعنى في الموثقة المذكورة ليس ما ذكره بل الظاهر ان المراد
منها انما هو أن من دخل عليه وقت الصلاة وقت قدومه من السفر فان كان لا يخاف فوت
الوقت بوصوله إلى منزله تركها حتى يدخل وصلاها تماما في بلده أو منزله ، وان كان
يخاف فوته بذلك صلى قصرا في السفر قبل دخوله.
__________________
ومن ما هو ظاهر
في هذا المعنى صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام) «في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة؟ فقال ان كان لا يخاف أن
يخرج الوقت فليدخل وليتم وان كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصل وليقصر». وهذه
الرواية كما ترى ظاهرة في ما اخترناه كما تقدمت الإشارة اليه.
ولعل من ذهب
الى التقصير هنا نظر الى أن الصلاة قد استقرت في الذمة بهذه الكيفية حال دخول
الوقت في السفر. وفيه بعد ما عرفت من النصوص الدالة على التمام انه اجتهاد محض في
مقابلة النص ، على انه لو فرض دليل يدل على هذا التعليل العليل لأمكن الجواب بأنه
وان استقر وجوب القصر في تلك الحال لكن يجوز أن يكون ذلك مراعى بالوصول وعدمه جمعا
بين الدليلين.
ومن ما ذكرنا
من التحقيق في المقام ظهر قوة ما اخترناه من القول الأول وان ما عداه من هذه
الأقوال لا معتمد عليه ولا معول.
وكيف كان فقد
تلخص من الكلام في هاتين المسألتين وهو من دخل عليه الوقت حاضرا ثم سافر وبالعكس
ان أقوال الأصحاب فيهما خمسة : (أحدها) ـ الاعتبار بحال الأداء في الموضعين فيتم
في هذه المسألة ويقصر في المسألة الأولى ، وهو أقوى الأقوال في هذه المسألة وكذا
في المسألة الاولى لو سلمت صحيحة إسماعيل بن جابر وما في معناها من ذلك الاحتمال ،
ومن ثم اختاره جملة من المحققين في الموضعين حيث لم يخطر لهم هذا الاحتمال بالبال.
و (ثانيها) ـ القول بالتخيير في الموضعين. و (ثالثها) ـ القول بالتفصيل بالسعة
والضيق كذلك. و (رابعها) ـ الاعتبار بحال الوجوب في المسألة الأولى وبحال الأداء
في هذه المسألة فيتم في الموضعين وهو مذهب العلامة. و (خامسها) ـ عكسه فيقصر في
المسألتين. ويأتي بناء على ما ذكرناه ـ من الإشكال في الأولى والتوقف وهو ظاهر
الفاضل الخراساني في الذخيرة أيضا مع
__________________
الجزم في هذه المسألة بما قدمنا ذكره ـ قول سادس.
وأما لو فاتت
الفريضة على احدى هاتين الصورتين فهل يقضى باعتبار حال الوجوب أو حال الأداء؟ فقد
تقدم البحث فيه في المقصد الأول في القضاء من مقاصد هذا الباب.
المسألة
السادسة ـ لو نوى الإقامة في موضع وصلى تماما ثم خرج الى ما دون المسافة مع ارادة
الرجوع الى موضع الإقامة ، وهذه المسألة من مشكلات المسائل وأمهات المقاصد لتعدد
الأقوال فيها والاحتمالات وتصادم التأويلات والتخريجات مع خلو المسألة من الروايات
حتى ان شيخنا الشهيد الثاني صنف فيها رسالة مستقلة ونحن نتكلم فيها ههنا بما
يقتضيه الحال من التفصيل دون الإجمال.
فنقول : اعلم
ان هذه المسألة وما وقع فيها من الأبحاث والشقوق والاحتمالات لم تقع في كلام أحد
من المتقدمين وانما وقع البحث فيها بالنحو الذي ذكرناه من المتأخرين ، نعم ذكرها
الشيخ في المبسوط في فرض مخصوص على سبيل التفريع على مسألة من أقام في بلد وصلى
فيه تماما فإنه يجب عليه التمام فيه حتى يقصد المسافة ، وهذه المسألة متفق عليها
نصا وفتوى ، ومن عادته كما أشار إليه في خطبة الكتاب المذكور التفريع على النصوص
لتكثير الفروع الشرعية لتنبيه المخالفين على ان إبطال القياس لا يوجب قلة فروعنا
كما زعموه وشنعوا بذلك على الشيعة
وهو (قدسسره) قد فرضها في الخروج من مكة الى عرفة فقال : إذا خرج
حاجا إلى مكة وبينه وبينها مسافة تقصر فيها الصلاة ونوى أن يقيم بها عشرا قصر في
الطريق فإذا وصل إليها أتم ، وان خرج الى عرفة يريد قضاء نسكه لا يريد المقام عشرة
أيام إذا رجع الى مكة كان عليه القصر لانه قد نقض مقامه بسفر بينه وبين بلده يقصر
في مثله ، وان كان يريد إذا قضى نسكه مقام عشرة أيام بمكة أتم بمنى وعرفة ومكة حتى
يخرج من مكة مسافرا فيقصر. هذه عبارته وهي أول ما ذكر في هذه المسألة ثم تبعه
المتأخرون في ذلك وعمموا العبارة وأكثروا فيها الشقوق
والتفريعات. وخالفه جماعة في وجوب القصر بالذهاب الى عرفات في الصورة
المفروضة وهو عدم الإقامة بعد العود الى محل الإقامة كما سيأتي بيانه ان شاء الله
تعالى
وبذلك يظهر ان
المسألة بجميع ما فيها من التفاريع والشقوق والأحكام الآتية إنما استخرجها
المجتهدون بأنظارهم وكل أفتى بما وصل اليه علمه وفهمه ، وهي خالية من النص كما
عرفت ومن أجل ذلك فللبحث في تفاصيلها مجال ، والجزم بالفتوى في بعض شقوقها غير خلى
من شوب الإشكال.
وتفصيل الحال
بما يتضح به هذا الإجمال ان يقال ان الخارج من موضع الإقامة بعد نية الإقامة
والصلاة تماما سواء كان في ضمن العشرة أو بعد تمامها لا يخلو أمره من أن يكون
مريدا للعود الى موضع الإقامة أم لا ، وعلى الأول فاما أن يكون بعد عوده قاصدا
المقام عشرة أيام أم لا ، وعلى الثاني من الثاني فاما أن يكون قاصدا للمفارقة أو ذاهلا
أو مترددا ، وحينئذ فههنا صور خمس :
الأولى ـ ان
يعزم على المفارقة وعدم العود الى موضع الإقامة ، وظاهر الأصحاب المتعرضين للبحث
في هذه المسألة الاتفاق على التقصير وانما اختلفوا في انه يقصر بمجرد الخروج من
البلد وان لم يتجاوز محل الترخص لصدق السفر عليه والضرب في الأرض واختصاص توقفه
على مجاوزة محل الترخص بموضع الوفاق وهو بلد المسافر أو يتوقف على محل الترخص
ومجاوزة الحدود لصيرورة موضع الإقامة بالنسبة إليه بعد الإقامة والصلاة تماما في
حكم البلد ، وكلامهم كما ترى هنا على إطلاقه غير واضح لدلالة صحيحة أبي ولاد على انه متى نوى الإقامة وصلى تماما فإنه لا يقصر حتى
يقصد المسافة ، والمفروض في المسألة ان المقصود أقل من المسافة فوجوب التقصير لا
وجه له وهو أظهر من أن يحتاج الى مزيد بيان.
وألحق بعض
الأصحاب بهذه الصورة ما لو تردد الخارج على الوجه المذكور في العود وعدمه ، وما لو
ذهل عن القصد إلى المفارقة أو العود بنية إقامة عشرة أو لا معها ، وهو في الإشكال
مثل سابقه لعدم تحقق القصد إلى المسافة في الجميع
__________________
الذي هو شرط العود الى القصر.
الثانية ـ أن
يعزم على العود الى موضع إقامته والإقامة عشرة مستأنفة ، وهذا من ما لا خلاف ولا
إشكال في كونه يتم ذاهبا وآبيا وفي موضع قصده ، ووجهه ان فرضه التمام سابقا ولم
يحصل له ما يوجب الخروج عنه فيجب استصحابه والعمل عليه الى أن يتحقق المخرج.
الثالثة ـ أن
يعزم على العود بدون إقامة عشرة بل إما مع اقامة ما دونها أو بدون إقامة بالمرة.
وقد عرفت من ما
تقدم من كلام الشيخ وجوب القصر في خروجه من موضع الإقامة ويستمر عليه في ذهابه وفي
مقصده وعوده ومحل إقامته وبه قال العلامة وجماعة ، وقد تقدم تعليل الشيخ لذلك.
وعلله جماعة
بأنه قد خرج من محل الإقامة وليس في نيته إقامة أخرى فيعود اليه حكم السفر. وهذا
الاستدلال كما ترى يقتضي ضم الرجوع الى ما مضى من الذهاب ويأتي فيه القولان
المتقدمات في التقصير بمجرد الخروج من البلد أو اشتراط محل الترخص.
وذهب الشيخ
وجملة من المتأخرين ـ كالمحقق الشيخ على والشهيد والظاهر أنه المشهور وبه صرح جملة
من متأخري المتأخرين ايضا ـ الى وجوب التمام في الذهاب والمقصد والقصر في الرجوع.
واحتجوا على
الأول بأنه إنما يخرج عن حكم الإقامة ووجوب التمام بالقصد إلى المسافة وهي منتفية
في الذهاب ، لان المفروض الخروج الى ما دون المسافة. وعلى الثاني بأنه حال رجوعه
قاصد المسافة حيث انه قاصد الى بلده في الجملة إما الآن أو بعد مروره وتوقفه في
بلد إقامته أياما دون العشرة والبلد الذي كان مقيما فيه ساوى غيره بالنسبة اليه.
وأنت خبير بأن
وجوب الإتمام في الذهاب كما أدعوه مبنى على عدم ضم
الذهاب إلى الإياب ، وإلا فهذا التعليل آت في الذهاب أيضا لزوال حكم
الإقامة ببلوغ محل الترخص وتحقق قصد المسافة على الوجه السابق ، وحينئذ فإن ثبت ما
ادعوه من الإجماع على عدم جواز ضم أحدهما إلى الآخر إلا في قصد الأربعة مع الرجوع
ليومه أو لليلته وإلا فالقول الأول أظهر.
ثم أنت خبير
بما في ثبوت الأحكام الشرعية بمثل هذه الإجماعات من الإشكال وان كان ما ذكروه من
الأمثلة لهذه المسألة لا يخلو من تأييد إلا أنه لا يقطع مادة الإشكال ، ولهذا إن
الفاضل الخراساني صاحب الذخيرة والكفاية رجح وجوب القصر بالخروج عن محل الإقامة
كما هو قول العلامة والشيخ.
وقد اضطرب كلام
شيخنا الشهيد (قدسسره) في هذه الصورة في ما إذا عزم على العود الى موضع
الإقامة كما من غير قصد إقامة جديدة ، فقطع في البيان بعوده الى التقصير بالخروج
كما كمذهب الشيخ في المبسوط والعلامة ، وذهب في الدروس الى القصر في العود كما
نقلناه عنه ، إلا أن عبارته فيه لا تخلو من إشكال ، حيث قال في الصورة المذكورة :
إن فيه وجهين أقربهما القصر في الذهاب ومقتضى ذلك التمام بالوصول الى المقصد.
وظاهره وجوب القصر في المقصد وإن أقام أياما إذ لا يدخل ذلك في الذهاب الذي أوجب
فيه التمام ، وهذا يخالف ما ذكره أصحاب هذا القول فإنهم يخصون القصر بوقت الرجوع
وأما موضع القصد فإنه تابع للذهاب في وجوب الإتمام فيه.
هذا ، ولا يخفى
عليك ما في كلامهم في هذه الصورة أيضا من أنه لا يخلو من نوع إجمال حيث رتبوا
القصر على عدم قصد الإقامة بقول مطلق ، وينبغي تقييده أيضا بما إذا كان من مبدأ
عوده الى منتهى المقصد مسافة لأن وجوب القصر معلق على قصد المسافة.
وقيده شيخنا
الشهيد الثاني في رسالته أيضا بما إذا كان بلد الإقامة التي يرجع إليها في سمعت
منتهى القصد فالعود إليها مستلزم لقصد ذلك المقصد ، أما لو كان
مخالفا له فالمتجه التمام بناء على أن المسافة المعتبرة في القصر لا تكون
ملفقة من الذهاب والإياب إلا في قصد الأربعة كما تقدم. وفيه ما عرفت آنفا.
والمشهور في
كلام الأصحاب الذين وقفت على كلامهم في هذه الصورة هو ما قدمناه أو لا من القولين.
ويظهر من
العلامة (قدسسره) في أجوبة مسائل السيد السعيد مهنا بن سنان المدني
اختيار قول ثالث وهو وجوب الإتمام في الذهاب والإياب والمقصد وبلد الإقامة بعد
الرجوع إليها حتى يخرج منها قاصدا للسفر ويصل الى محل الترخص فيجب عليه القصر
حينئذ تنزيلا لبلد إقامته منزلة بلد الوطن ، فيصير اعتبار قصد المسافة إنما هو من
بلد الإقامة لا ما قبله من الذهاب أو الرجوع. وهو من حيث الاعتبار لا يخلو من وجه.
الرابعة ـ أن
يعزم على العود ويتردد في إقامة العشرة وعدمها ، وقد ذكر المحقق الشيخ على أن فيه
وجهين : أحدهما ـ الإتمام مطلقا لانتفاء المقتضى للتقصير وهو عزم المسافة ، قال
وأصححهما الإتمام في الذهاب والتقصير في العود ، لأن حكم الإقامة يزول بمفارقة
البلد وإنما يعود إليها بإقامة أخرى ولم تحصل لمنافاته التردد. انتهى.
وفيه أن النص
الصحيح في المسألة دل على أنه بنية الإقامة في بلد والصلاة تماما يجب استصحاب
التمام حتى يقصد المسافة وهذا متردد ليس قاصدا للمسافة.
وما علل به
التقصير في العود من أن حكم بلد الإقامة يزول بالمفارقة وارد عليه في صورة الذهاب
الذي أوجب فيه التمام فينبغي أن يجب القصر بناء على هذا التعليل.
ولا يمكن
الجواب هنا بما تقدم من أن الذهاب لا يضم إلى الإياب في حصول المسافة ، لأن وجوبه
هنا لم يعلل بقصد المسافة إذ لا قصد للمسافة في الصورة المذكورة وإنما علل بمفارقة
بلد الإقامة ومفارقة البلد حاصلة على كلتا الحالتين ، وهو إنما صار الى التمام في
الذهاب من حيث استصحاب حكم الإقامة السابقة الموجبة للتمام
حتى يحصل المقتضى للقصر وهذا بعينه آت في حال العود.
وبالجملة فكلامه
(قدسسره) لا أعرف له وجه استقامة يدفع عنه تطرق الإيراد ، وظاهر
كلامه جعل هذه الصورة من قبيل الصورة الثالثة في مجيء الوجهين المتقدمين ، والفرق
ظاهر فان قصد المسافة في تلك الصورة ظاهر كما عرفت دون هذه ، والأنسب بالقواعد في
هذه الصورة هو الوجه الأول الذي ذكره وهو الإتمام مطلقا عملا بظاهر النص المشار
اليه. والله العالم.
الخامسة ـ الصورة
بحالها وان يكون ذاهلا عن الإقامة وعدمها بحيث يكون عادم القصد إلى شيء من الأمور
المتقدمة ، وحكمها ما ذكرنا في سابقتها من الإتمام مطلقا ، أو ما لو كان في أول
خروجه عزم على وجه من الوجوه وإنما حصل له الذهول أخيرا عمل على ذلك العزم
المتقدم.
وحيث قد اتضح
لك ما في المسألة من الشقوق والخلاف وتعليل كل منهم ما ذهب اليه بما ظهر من الدليل
لديه مع ما عرفت من خلو المسألة من النصوص على العموم والخصوص فالواجب الرجوع الى
الاحتياط في ما بعد تطبيقه على النص المشار إليه أعني صحيحة أبي ولاد من المواضع التي أشرنا إليها. والله العالم.
فائدة
يستحب جبر
المقصورات بالتسبيحات الأربع المشهورة في دبرها لما رواه سليمان بن حفص المروزي قال : «قال الفقيه العسكري عليهالسلام يجب على المسافر أن يقول في دبر كل صلاة يقصر فيها :
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر (ثلاثين مرة) لتمام الصلاة». ولفظ
الوجوب في الخبر محتمل للمبالغة في الاستحباب أو المعنى اللغوي.
اللهمّ أجر
تقصيرنا بعفوك وإحسانك وعاملنا بجودك ورضوانك. هذا آخر
__________________
الكلام في هذا المجلد وهو المجلد الرابع من كتاب الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة وهو
آخر كتاب الصلاة ، ويتلوه ان شاء الله تعالى المجلد الخامس في كتاب الزكاة والصوم
بتوفيق الله سبحانه وتعالى وإعانته ، والحمد لله سبحانه على توفيقه للإتمام والفوز
بسعادة الاختتام ، وصلى الله على محمد وآله بدور التمام ومصابيح الظلام.
وكتب مؤلفه
الحقير الجاني بيمناه الدائرة أعطاه الله كتابه بها في الآخرة الفقير الى ربه
الكريم يوسف بن احمد بن إبراهيم البحراني عفى الله تعالى عنه وعن والدية في الأرض
المقدسة كربلاء المعلى بجواز سيد الشهداء صلىاللهعليهوآله بتأريخ اليوم السادس والعشرين من شهر ربيع المولود من
سنة ١١٨١ حامدا مصليا مستغفرا
__________________
فهرس الجزء الحادي
عشر
من كتاب الحدائق
الناظرة
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
مبحث القضاء
|
٢
|
لو فاتت الفريضة المعينة مرات مجهولة
|
٢٠
|
عدم قضاء مافات بصغر أو جنون أو حيض أو
نفاس أو كفرا صلى
|
٢
|
هل يجب الترتيب بين الفوات
|
٢٢
|
هل يقضى المغمى عليه اذا استوعب
اغماؤه؟
|
٣
|
الاعتبار في القصر والتمام بحال الفوت
|
٢٥
|
هل يقضى المسلم المحكوم بكفره
والمخالف اذا استبصر؟
|
٨
|
الاعتبار في الجهر والاخفاء بحال
الفوت
|
٢٦
|
هل يقضى من حصل الاغماء بفعله؟
|
١٠
|
الاعتبار في هيئة الصلاة بحال الاداء
|
٢٧
|
هل يقضى النائم على خلاف العادة؟
|
١٢
|
قضاء الرجل عن المرأة وبالعكس
|
٢٧
|
تارك الصلاة مستحلا وغير مستحل
|
١٤
|
قضاء النوافل الموقتة
|
٢٧
|
هل تقبل توبة المرتد الفطرى؟
|
١٥
|
التصدق مع عدم القدرة في العبادات
مطلقاً؟
|
٢٨
|
هل يجب تقديم الفائتة على الحاضرة؟
|
١٨
|
هل يحسن الاحتياط في العبادات مطلقا؟
|
٢٩
|
من نسى الفائتة من الخمس في الحضر
|
١٨
|
قضاء الفرض المختلف باعتبار أول الوقت
وآخره
|
٣١
|
من نسى الفائتة من الخمس في السفر
|
٢٠
|
أخبار العبادة عن الاموات
|
٣٢
|
حكم الفريضة المترددة من حيث الجهر
والاخفات
|
٢٠
|
الصلاة دين وكل دين يقضى عن الميت
|
٣٨
|
لو تعددت الفائتة المجهولة
|
٢٠
|
مشروعية النيابة عن الميت واهداء
الثواب له
|
٤٠
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
هل يشرع قضاء ما لم تشتغل ذمة الميت
به؟
|
٤١
|
اولا صلاة حقيقية؟
|
٨٠
|
هل يجب الترتيب في القضاء عن الميت؟
|
٤٣
|
القراءة خلف المخالف
|
٨١
|
الاستئجار للصلاة والصوم عن الميت
|
٤٤
|
لو ركع الامام المخالف قبل اتمام
المأموم الفاتحة
|
٨٢
|
القاضى والمقضى والمقضى عنه
|
٥٣
|
موارد وجوب الجماعة واستحبابها
وحرمتها
|
٨٣
|
هل يتخير بين الصلاة والصدقة عن الميت؟
|
٥٧
|
حرمة الجماعة في النافلة
|
٨٤
|
هل يشترط كمال الولى حال الوفاة؟
|
٥٧
|
مناقشة صاحب المدارك في المقام
|
٨٤
|
لو لم يجب القضاء على الولى أو لم يكن
للميت ولى.
|
٥٧
|
الايراد على صاحب المدارك
|
٨٥
|
هل يسقط القضاء عن الولى لو اوصى
الميت بقضاء غير عنه باجرة؟
|
٦٠
|
يعتبر في الجماعة العدد واقله اثنان
|
٨٧
|
الترتيب بين فوائت الولى والميت
|
٦٠
|
قيام المأموم الواحد عن يمين الامام
واجب أو مستحب؟
|
٨٩
|
اذا مات الولى فهل يجب القضاء على
وليه؟
|
٦١
|
تأخر المرأة خلف الرجل في الجماعة
|
٩٤
|
هل للولى الاستئجار؟
|
٦١
|
يعتبر في الجماعة عدم الحائل المانع
من المشاهدة
|
٩٥
|
الاخبار في فضل الجماعة
|
٦٢
|
حكم المصلى بحذاء الباب ومن يشاهده من
المصلين
|
٩٨
|
توجيه ما ظاهره وجوب الجماعة
|
٦٩
|
جواز الحائل للمرأة
|
١٠٠
|
الاخبار في حضور جماعة المخالفين
|
٧١
|
كفاية مشاهدة من يشاهد الامام
|
١٠٠
|
كيفية الصلاة مع المخالفين
|
٧٨
|
حيلولة النهر بين الامام والمأموم
|
١٠١
|
هل يعتبر في الصلاة مع المخالفين عدم
المندوحة؟
|
٧٨
|
الصلاة بين الاساطين
|
١٠١
|
هل الصلاة معهم بعد الصلاة لنفسه
|
|
لو صلى في داره خلف امام المسجد وهو
يشاهد الصفوف
|
١٠٢
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
يعتبر في الجماعة عدم التباعد
|
١٠٣
|
لو اقتدى بزيد فبان انه عمرو
|
١١٩
|
حد التباعد المعتبر عدمه في الجماعة
|
١٠٣
|
لو قال كل من المصليين كنت الامام أو
قال كنت مأموماً
|
١٢٠
|
لا يحرم البعيد من الصفوف حتى يحرم من
يزول به التباعد
|
١٠٧
|
لو شك المصليان في ما أضمراه من
الامامة والائتمام
|
١٢٢
|
لو خرج الصف المتوسط بين الامام
والمأموم عن الاقتداء
|
١٠٨
|
الاقوال في القراءة خلف الامام
|
١٢٣
|
يعتبر في الجماعة عدم علو الامام بما
يعتد به
|
١٠٨
|
الاخبار في القراءة خلف الامام
|
١٢٦
|
مقدار العلو المانع من القدوة
|
١١١
|
القول بكراهة القراءة خلف الامام
|
١٣٣
|
لو كان الامام أعلى صحت صلاته
|
١١٢
|
القراءة خلف من لا يقتدى به
|
١٣٦
|
لو صلى الامام على سطح والمأموم على
آخر
|
١١٢
|
التسبيح حال قراءة الامام
|
١٣٦
|
يعتبر في الجماعة أن لا يتقدم المأموم
في الموقف على الامام
|
١١٣
|
الجمع بين استحباب التسبيح ووجوب
الإنصات
|
١٣٦
|
هل يجوز تساوى موقف الامام والمأموم؟
|
١١٥
|
هل يستحب الاستعاذة ودعاء الاستفتاح
على القول بحرمة القراءة على المأموم؟
|
١٣٦
|
ما يعتبر به التساوى بين الامام
والمأموم
|
١١٦
|
توجيه دلالة موثق زرارة على القراءة
خلف الامام
|
١٣٧
|
هل يجوز استدارة المأمومين حول الكعبة؟
|
١١٨
|
متابعة المأموم للامام في الأفعال
|
١٣٨
|
يعتبر في الجماعة نية الائتمام بامام
معين
|
١١٩
|
معنى المتابعة في الافعال
|
١٣٨
|
|
|
هل يجوز مقارنة المأموم للامام في
تكبيرة الإحرام؟
|
١٣٩
|
|
|
المتابعة في الأقوال
|
١٤٠
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
تقدم المأموم في الافعال عمدا
"أو سهوا"
|
١٤٠
|
هل يكره اقتداء الحاضر بالمسافر
وبالعكس؟
|
١٥٤
|
الاخبار في تقدم المأموم في الافعال
|
١٤١
|
اقتداء المتنفل بالمفترض وبالعكس
وبالمتنفل
|
١٥٦
|
التقدم في الرفع من الركوع أو السجود
|
١٤٢
|
فروع في إئتمام المسافر بالحاضر
وبالعكس
|
١٥٧
|
التقدم في الهوى الركوع او السجود
|
١٤٣
|
آداب الجماعة
|
١٥٧
|
كلام صاحب المدارك ونقده
|
١٤٣
|
اين يقف المأموم؟
|
١٥٨
|
رفع المأموم قبل من لا يقتدى به
|
١٤٤
|
كيفية صلاة العراة
|
١٥٨
|
لو ترك المأموم الرجوع على القول
بوجوبه
|
١٤٥
|
كيفية إئتمام النساء بالمرأة
|
١٥٩
|
لو تقدم المأموم على الامام بركنين
|
١٤٥
|
أهل الفضل في الصف الاول
|
١٥٩
|
هل تبطل القدوة بالتأخر بقدر ركن؟
|
١٤٥
|
ميمنة الصف أفضل
|
١٦٠
|
يعتبر في الجماعة توافق نظم الصلاتين
في الافعال
|
١٤٧
|
لو اقتدى بالامام أصناف
|
١٦٠
|
الاقتداء في اليومية بصلاة الكسوف
والعيدين وبالعكس
|
١٤٨
|
هل الافضل وقوف الامام في وسط الصف؟
|
١٦١
|
اقتداء المفترض بمثله في فروض الصلاة
اليومية
|
١٤٨
|
يستحب اعادة المنفرد صلاته جماعة
|
١٦٢
|
اقتداء المسافر بالحاضر وبالعكس؟
|
١٥٠
|
هل يستحب الاعادة جماعة لمن صلى جماعة؟
|
١٦٣
|
متى يسلم المسافر في مجلسه إلى أن يتم
المقيم؟
|
١٥٣
|
هل يستحب الاعادة جماعة مع غير
المفترض
|
١٦٥
|
|
|
أى الصلاتين هى الفرض؟
|
١٦٥
|
|
|
استحباب القرب من الامام
|
١٦٦
|
|
|
اقامة الصفوف وسد الفرج
|
١٦٦
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
استحباب تقارب الصفوف
|
١٦٩
|
شروط امام الجماعة
|
١٨٦
|
تسبيح المأموم اذا فرغ من قراءته قبل
الامام
|
١٧٠
|
امامة المرأة بمثلها في الفريضة
|
١٨٧
|
الامام يصلى بصلاة أضعف المأمومين
|
١٧١
|
لا يؤم القاعد القائم
|
١٩٣
|
الامام لا يقوم من مقامه حتى يتم من
خلفه
|
١٧٣
|
امامة الناقص للكامل
|
١٩٣
|
الامام يسمع المأموم وهو لا يسمعه
|
١٧٤
|
امامة العارى بالمكتسى
|
١٩٤
|
لا يجب الجهر على الامام في الاخيرتين
للتسالم على الاستحباب
|
١٧٤
|
امامة اللاحن ونحوه بالمتقن
|
١٩٤
|
اتفاق الاصحاب على الحكم يعلم منه أو
يظن انه مذهب الائمة (ع)
|
١٧٦
|
امامة المبدل حرفا بغيره
|
١٩٥
|
نقد التفرد بالعمل بالاخبار
|
١٧٧
|
امامة التمتام والفأفاء.
|
١٩٥
|
تأكد اسماع الامام التشهد
|
١٧٧
|
هل يجب على اللاحن ونحوه الائتمام
بالمتقن؟
|
١٩٦
|
تطويل الامام ركوعه انتظاراً
|
١٧٨
|
لا تؤم المرأة الرجل
|
١٩٦
|
ما يقول المأموم عند انتهاء الامام من
الفاتحة؟
|
١٧٨
|
امامة الخنثى للرجل والخنثى
|
١٩٧
|
متى يقوم المأمومون إلى الصلاة؟
|
١٧٩
|
صاحب الامارة والمسجد والمنزل أحق
بالامامة
|
١٩٧
|
مكروهات الجماعة
|
١٨٠
|
لو اجتمع صاحب الامامة مع صاحب
الراتبة أو المنزل
|
١٩٨
|
وقوف المأموم وحده في الصف
|
١٨٠
|
لو تأخر الامام الراتب
|
١٩٩
|
معنى القيام بحذاء الامام
|
١٨٢
|
الاشكال في روايتى معاوية والحناط
|
١٩٩
|
التنفل بعد قوله "قد قامت
الصلاة"
|
١٨٤
|
امام الاصل احق بالامامة
|
٢٠٠
|
تخصيص الامام نفسه بالدعاء
|
١٨٦
|
لو أذن أحد الثلاثة لغيره
|
٢٠٠
|
|
|
هل الافضل للثلاثة الاذن للاكمل أو
المباشرة؟
|
٢٠٠
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
هل يقدم الهاشمى في الامامة؟
|
٢٠١
|
هل تكره امامة الاغلف أو تحرم؟
|
٢٢٢
|
من يؤم القوم عند التشاح؟
|
٢٠٢
|
امامة من يكرهه المأمومون
|
٢٢٤
|
الايراد على الاصحاب في جعل المرجحات
في مورد التشاح
|
٢٠٣
|
امامة المتيمم بالمتوضئين
|
٢٢٦
|
هل يقدم الأقرأ على الأفقه أو الأفقه
عليه؟
|
٢٠٤
|
امامة العبد
|
٢٢٧
|
الاستدلال لتقدم الأفقه
|
٢٠٤
|
امامة المقيد بالمطلقين وصاحب الفالج
بالأصحاء
|
٢٢٩
|
تفسير الأقرأ
|
٢٠٩
|
امامة المسافر بالحاضر وبالعكس
|
٢٢٩
|
الاختلاف في ترتيب المرجحات
|
٢١٠
|
ظهور كفر الامام أو فسقه أو حدثه بعد
الصلاة
|
٢٣٠
|
معنى الهجرة
|
٢١٠
|
لوخاف المأموم عند دخوله رفع الامام
رأسه
|
٢٣٤
|
الترجيح بالهجرة والسن
|
٢١١
|
هل يجوز المأموم الانفراد لغير عذر؟
|
٢٣٧
|
الترجيح بصباحة الوجه
|
٢١١
|
اذا فات المأموم شئ مع الامام جعل ما
يدركه اول صلاته
|
٢٤٠
|
اخبار الاستنابة لو عرض للامام عارض
|
٢١٣
|
هل يقرأ المأموم اذا أدرك الامام في
الأخيرتين؟
|
٢٤١
|
مواضع الاستنابة
|
٢١٦
|
لو لم يمهل الامام المسبوق للقراءة
|
٢٤٨
|
هل تجب الاستنابة في موردها؟
|
٢١٧
|
وظيفة المسبوق في اخيرتيه.
|
٢٤٨
|
استنابة المسبوق
|
٢١٨
|
متابعة المسبوق للامام في القنوت
والتشهد
|
٢٤٩
|
استنابة من لم يكن من المأمومين
|
٢١٨
|
متى يتم المأموم صلاته؟
|
٢٥٠
|
بعض الفروع المتعلقة بالمقام
|
٢١٩
|
احوال المأموم في دخوله مع الامام
|
٢٥٠
|
لا فرق بين تقديم الامام والمأمومين
|
٢٢٠
|
|
|
تقديم المسبوقين بعضهم بعد انقضاء
صلاة الامام
|
٢٢٠
|
|
|
من تكره امامته
|
٢٢٢
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
هل يجب الاستئناف لو دخل مع الامام
بعد الركوع؟
|
٢٥٢
|
هل يبقى اقتداء الفرقة الثانية في
الركعة الثانية حكما؟
|
٢٧٧
|
لو دخل الامام والمأموم في النافلة
|
٢٥٧
|
نصيب كل من الفرقتين من صلاة المغرب
في الخوف
|
٢٧٩
|
لو دخل الامام والمأموم في الفريضة
|
٢٥٨
|
هل تقرأ الطائفة الثانية في ثالثة
الامام؟
|
٢٨٠
|
لو دخل الامام الاصل والمأموم في
الفريضة
|
٢٦٠
|
هل تخالف صلاة الخوف صلاة الجماعة؟
|
٢٨١
|
لو دخل الامام المخالف والمأموم في
الفريضة
|
٢٦٠
|
جملة من الفروع في صلاة الخوف
|
٢٨٢
|
هل يجوز الاقتداء بمن يعلم نجاسة ثوبه
أو بدنه؟
|
٢٦١
|
صلاة بطن النخل
|
٢٨٤
|
صلاة الخوف
|
٢٦٤
|
صلاة بطن النخل
|
٢٨٥
|
هل يجب القصر في صلاة الخوف في الحضر؟
|
٢٦٥
|
هل تشرع صلاة عسفان؟
|
٢٨٦
|
تحديد القصر في صلاة الخوف
|
٢٦٧
|
صلاة شدة الخوف
|
٢٨٧
|
شروط صلاة ذات الرقاع
|
٢٦٩
|
فروع في صلاة شدة الخوف
|
٢٨٩
|
كيفية صلاة ذات الرقاع
|
٢٧٠
|
هل يفرق بين اسباب الخوف في ايجاب قصر
الكمية والكيفية؟
|
٢٩١
|
وجه التسمية بذات الرقاع
|
٢٧٤
|
صلاة الموتحل والغريق
|
٢٩٣
|
انتظار الامام الفرقة الثانية
بالقراءة أو تطويلها
|
٢٧٤
|
صلاة المسافر ـ السفر يوجب القصر
|
٢٩٦
|
هل ينتظر الامام فراغ الفرقة الثانية
بالتشهد أو بالسلام؟
|
٢٧٥
|
المسافة التى توجب القصر
|
٢٩٨
|
هل يجب على الفرقة الاولى نية الانفراد
عند مفارقة الامام؟
|
٢٧٦
|
تحديد الفراسخ الثمانية الموجبة للقصر
|
٣٠٠
|
|
|
ما تعلم به المسافة الموجبة للقصر
|
٣٠٣
|
|
|
لو اختلف السير والتقدير
|
٣٠٥
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
مبدأ التقدير
|
٣٠٥
|
الاستدلال للمختار وهو ان المسافة
ثمانية امتدادية أو ملفقة
|
٣٢٥
|
لو قصد المسافة في زمان يخرج به عن
اسم المسافر
|
٣٠٦
|
يشترط في القصر قصد المسافة
|
٣٢٨
|
اعتبار المسافة إلى سفر البحر
|
٣٠٧
|
الايراد على صاحب المدارك في المقام
|
٣٢٨
|
انما يجب القصر عند ثبوت المسافة
|
٣٠٧
|
الايراد على صاحب المدارك في المقام
|
٣٣٠
|
هل يجب الاعتبار مع الشك في بلوغ المسافة؟
|
٣٠٨
|
الايراد على صاحب المدارك في المقام
|
٣٣٣
|
لو كان البلد طريقان أحد هما مسافة
|
٣٠٩
|
هل يعيد المسافر ما صلاة قصراً اذا
رجع عن نيته أو تردد؟
|
٣٣٤
|
لو تردد يوما في ثلاثة فراسخ
|
٣١٠
|
التردد بعد بلوغ المسافة
|
٣٣٦
|
لو تعارضت البينتان في المسافة
|
٣١١
|
من علق سفره ابتداء أو في الاثناء على
الرفقة
|
٣٣٧
|
هل يكفى اخبار الواحد بالمسافة؟
|
٣١١
|
انتظار الرفقة لايوجب العدول عن القصر
|
٣٣٨
|
هل يجوز اقتداء مثبت المسافة بالنافى
لها وبالعكس؟
|
٣١٢
|
هل يقصر المكره على سير المسافة؟
|
٣٣٩
|
الاقوال في ما اذا كانت المسافة أربعة
فراسخ فصاعداً دون الثمانية
|
٣١٣
|
يشترط في القصر ان لا ينقطع السفر
باحد القواطع
|
٣٤٠
|
الاخبار في ما اذا كانت المسافة أربعة
فراسخ فصاعداً
|
٣١٧
|
انقطاع السفر بنية اقامة عشرة ايام
|
٣٤١
|
دليل اعتبار الرجوع ليومه في التقصير
في الاربعة ونقده
|
٣٢١
|
هل يشترط التوالى في عشرة الاقامة؟
|
٣٤٣
|
النظر في دليل التفصيل بين الرجوع
ليومه وعدمه بالوجوب والتخيير
|
٣٢٢
|
هل يكفى التلفيق في عشرة الاقامة؟
|
٣٤٧
|
نقد دليل القول بان الاربعة أقل ما
يجب فيه التقصير
|
٣٢٤
|
القول بكفاية اقامة خمسة أيام في
الاتمام
|
٣٤٩
|
|
|
توجيه الرواية الدالة على ذلك
|
٣٤٩
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
ما هو المعتبر في ترخص المقيم دخولا
وخروجا
|
٣٥٣
|
لايشترط السكنى في الملك
|
٣٧٤
|
الناوى للاقامة في اماكن متعددة
|
٣٥٦
|
هل يترتب حكم الملك على الوطن المتخذ؟
|
٣٧٥
|
رجوع المقيم بعد انشاء السفر
|
٣٥٧
|
وجوب الاتمام على المسافر بعد مضى
ثلاثين يوما متردداً
|
٣٧٩
|
الاشكال في المقام وجوابه
|
٣٥٨
|
يشترط في القصر أن يكون السفر سائغاً
|
٣٨٠
|
هل القاطع للسفر مجرد الملك أو خصوص
المنزل؟
|
٣٥٩
|
لا فرق في الاتمام بالسفر المحرم بين
حرمته بنفسه وبغايته
|
٣٨١
|
اخبار السفر إلى القرية أو الضيعة أو
المنزل أو المرور بها
|
٣٦٠
|
المدار في حرمة السفر واباحته القصد
والنية
|
٣٨٣
|
مورد اعتبار الاستيطان ستة أشهر في
قاطعية السفر
|
٣٦٥
|
المعصية في السفر مانعة ابتداء
واستدامة
|
٣٨٤
|
كلام لبعض الاعلام في المقام
|
٣٦٨
|
هل يعتبر في تقصير العاصى برجوعه عن
قصده كون الباقى مسافة؟
|
٣٨٤
|
كلام صاحب المدارك في المقام ونقده
|
٣٦٩
|
حكم المتصيد في حديث ابن سنان
|
٣٨٥
|
هل تكفى اقامة الأشهر الستة دفعة أو
لابد منها كل ستة؟
|
٣٧١
|
حكم المتصيد في حديث ابى بصير
|
٣٨٦
|
لايعتبر في اقامة الأشهر الستة
التوالى
|
٣٧٢
|
السفر لصيد التجارة
|
٣٨٦
|
اعتبار الاتمام بنية الاقامة في
الأشهر الستة
|
٣٧٣
|
يشترط في القصر ان لا يكون السفر عملا
للمسافر
|
٣٩٠
|
هل يعتبر الملك في المنزل وغيره؟
|
٣٧٣
|
ما يناط به الإتمام في يكون السفر
عملا له
|
٣٩٤
|
المعتبر الاستيطان بعد الملك
|
٣٧٣
|
الضابط في كثرة السفر
|
٣٩٥
|
اشتراط دوام الملك
|
٣٧٤
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
من اقام في بلده خمسة ايام بين سفرتيه
|
٣٩٩
|
هل يشترط في البقاء على التمام بعد
العدول كون الاتمام بنية الاقامة؟
|
٤٢٢
|
كلام لبعض الاعيان ينتصر به للمشهور
|
٤٠٠
|
الاتمام في اماكن التخيير
|
٤٢٢
|
نقد الكلام المذكور
|
٤٠٢
|
لو نوى الاقامة في الصلاة قصراً
فاتمها ثم رجع
|
٤٢٣
|
يشترط في القصر التوارى عن البيوت أو
خفاء الاذان
|
٤٠٤
|
هل يعتبر في البقاء على التمام
الاتمام بعد نية الاقامة؟
|
٤٢٤
|
الاقوال في حد الترخص
|
٤٠٥
|
من أتم في مورد القصر عالما
"عامدا"
|
٤٢٦
|
سبب الاختلاف في حد الترخص
|
٤٠٦
|
من أتم في مورد القصر جاهلا
|
٤٢٩
|
تحقيق حد الترخص من جهة البيوت
|
٤٠٨
|
من أتم من مورد القصر ناسياً
|
٤٣٢
|
هل يفرق بين البلدان الصغار والكبار
في حد الترخص؟
|
٤١٠
|
من قصر في مورد التمام
|
٤٣٦
|
حد الترخص في الاياب
|
٤١٢
|
صلاة المسافر في المواضع الاربعة
|
٤٣٨
|
العدول عن نية الاقامة
|
٤١٥
|
الاخبار في صلاة المسافر في المواضع
الاربعة وتحقيق مفادها
|
٤٣٨
|
هل يرجع إلى التقصير بمجرد العدول
أويتوقف على قصد المسافة؟
|
٤١٦
|
دليل الصدوق لوجوب التقصير في المواضع
الاربعة ومناقشته
|
٤٤٩
|
هل يتم ناوى الاقامة بعد العدول لو
صلى الصبح أو المغرب؟
|
٤١٧
|
تصادم الاخبار الواردة في المسألة
|
٤٥٠
|
هل يتم ناوى الاقامة بعد العدول لو
صام الصوم الواجب؟
|
٤١٨
|
ترجيح اخبار التمام على القصر
|
٤٥١
|
ما يناط به وجوب الاتمام بعد العدول
|
٤٢١
|
موضع استحباب الاتمام من الحرمين
الشريفين
|
٤٥٥
|
|
|
موضع استحباب الاتمام من الكوفة
|
٤٥٩
|
|
|
هل يستحب الاتمام في خصوص الحائر أو
في جميع البلد؟
|
٤٦٢
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
تحديد الحائر الشريف
|
٤٦٤
|
قبل الصلاة
|
٤٧٢
|
ما نقل عن المرتضى وابن الجنيد من
وجوب الاتمام في المواضع الاربعة
|
٤٦٥
|
لو وصل البلد قبل الصلاة بعد دخول
الوقت في السفر
|
٤٨٠
|
التخيير في المواضع الاربعة لا يجرى
في الصوم
|
٤٦٦
|
اقوال الاصحاب في هاتين المسألتين
|
٤٨٢
|
حكم النافلة الساقطة في السفر في
الاماكن الاربعة
|
٤٦٧
|
لو نوى الاقامة وأتم ثم خرج إلى ما
دون المسافة
|
٤٨٣
|
نية القصر والاتمام في الصلاة في
الاماكن الاربعة
|
٤٦٩
|
لو خرج بعد نية الاقامة والاتمام
قاصداً عدم العود
|
٤٨٤
|
الاشكال في التخيير بين واجبين مع
أرجحية أحد هما وجوابه
|
٤٧١
|
العزم على العود مع البقاء عشرة
|
٤٨٥
|
حكم فوائت الامكنة الاربعة
|
٤٧١
|
العزم على العود بدون البقاء عشرة
|
٤٨٥
|
هل يتم من عليه فائتة في الاماكن
الاربعة؟
|
٤٧١
|
العزم على العود مع التردد في اقامة
عشرة
|
٤٨٧
|
لو دخل الوقت في الحضر ثم سافر
|
|
العزم على العود مع الذهول عن الاقامة
|
٤٨٨
|
|
|
جبر المقصورات بالتسبيحات الاربع
|
٤٨٨
|
|