
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المطلب الثاني
في شروط وجوب
الجمعة وهي أمور : أحدها الامام ، وثانيها العدد ، وثالثها الخطبتان ، ورابعها
الجماعة ، وخامسها ان لا يكون هناك جمعة اخرى دون ثلاثة أميال ، وسادسها الوقت ،
فالكلام في هذا المطلب يقتضي بسطه في مقاصد :
(الأول) في
الإمام ويشترط فيه أمور (الأول) ـ البلوغ فلا تصح إمامة الصبي وان كان مميزا ،
وقال العلامة في المنتهى انه لا خلاف فيه ، مع ان المنقول عن الشيخ في الخلاف
والمبسوط جواز إمامة الصبي المراهق المميز العاقل في الفرائض وهو ظاهر في ثبوت
الخلاف في المسألة ، واما ما اوله به في المدارك من الحمل على غير الجمعة ـ حيث
قال : والظاهر ان مراده بالفرائض ما عدا الجمعة ـ فلا يظهر له وجه سيما مع دلالة
ظواهر جملة من الأخبار على ذلك :
ومنها ـ ما
رواه ثقة الإسلام في الكافي في الحسن أو الصحيح بإبراهيم بن هاشم عن عبد الله بن
المغيرة عن غياث بن إبراهيم البتري الثقة عن ابى عبد الله
(عليهالسلام) قال : «لا بأس بالغلام الذي لم يبلغ الحلم أن يؤم القوم
وان يؤذن».
وفي الموثق عن
سماعة بن مهران عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «تجوز صدقة الغلام وعتقه ويؤم الناس إذا كان له
عشر سنين».
وفي رواية طلحة
بن زيد عن جعفر عن أبيه عن على (عليهمالسلام) قال : «لا بأس ان يؤذن الغلام الذي لم يحتلم وان يؤم».
وهذه الأخبار
كما ترى ظاهرة الدلالة في ما نقل عن الشيخ وبها يترجح ما ذهب اليه.
قال في المدارك
بعد تأويله كلام الشيخ بما قدمنا نقله عنه : وكيف كان فالأصح اعتبار البلوغ مطلقا
لأصالة عدم سقوط التكليف بالقراءة بفعل الصبي ، ولان غير المكلف لا يؤمن من إخلاله
بواجب أو فعل محرم فلا يتحقق الامتثال ، ويؤيده رواية إسحاق بن عمار عن الصادق عن
أبيه عن آبائه عن على (عليهمالسلام) انه قال : «لا بأس ان يؤذن الغلام قبل أن يحتلم ولا يؤم
حتى يحتلم».
أقول : لا يخفى
ان ما ذكره من التعليلات لا وجه له في مقابلة ما نقلناه من الروايات وهل هو إلا من
قبيل الاجتهاد في مقابلة النص ، واما ما ذكره من الأصل فيجب الخروج عنه بالدليل
وقد عرفته. بقي الكلام في الخبر الذي نقله ويمكن حمله على غير المميز.
وظاهر المحقق
الأردبيلي (قدسسره) تقوية هذا القول لولا الإجماع المدعى من العلامة في
المنتهى ، قال : ولولا الإجماع المنقول في المنتهى لأمكن القول بصحة إمامة الصبي
المميز مع الاعتماد عليه لان عبادته شرعية ، وقد صرح به في المنتهى في كتاب الصوم
وغيره. انتهى.
أقول : قد عرفت
في المطلب المتقدم ما في هذه الإجماعات وانه ليس فيها إلا تكثير السواد وإضاعة
المداد ولا سيما في مقابلة الأخبار الظاهرة في المراد.
__________________
ثم ان في هذه
الرواية التي اعتمد عليها في المدارك زيادة مؤكدة لما اراده ولم ينقلها حيث قال
بعد قوله : «ولا يؤم حتى يحتلم» : «فإن أم جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه» ويمكن
حملها ايضا على تأكد الكراهة جمعا بين الأخبار كما هي قاعدتهم في هذا المضمار.
وبالجملة فالظاهر
عندي هو قوة ما ذهب اليه الشيخ وان كان الاحتياط في ما ذهبوا اليه. والله العالم.
الثاني ـ العقل
فلا تنعقد امامة المجنون قولا واحدا لعدم الاعتداد بفعله. بقي الكلام في ما لو كان
يعتريه الجنون أدوارا فهل تجوز إمامته في حال الإفاقة؟ الظاهر ذلك وهو المشهور وبه
صرح العلامة في باب الجماعة من التذكرة على ما نقل عنه إلا انه قطع في باب الجمعة
من التذكرة على ما حكى عنه بالمنع من إمامته مستندا إلى إمكان عروضه حال الصلاة له
، ولأنه لا يؤمن احتلامه في حينه بغير شعوره فقد روى ان المجنون يمني في حال جنونه
ولهذه العلة نقل عن العلامة في النهاية انه يستحب له الغسل بعد الإفاقة.
ولا يخفى ضعف ما استند اليه من التعليلين المذكورين
الثالث ـ
الايمان وهو عبارة عن الإقرار بالأصول الخمسة التي من جملتها إمامة الأئمة الاثني
عشر (عليهمالسلام) ولا خلاف بين الأصحاب في اشتراطه.
وعليه تدل
الأخبار المتظافرة ، ومنها ما رواه في الكافي عن زرارة بإسنادين أحدهما من الصحاح
أو الحسان بإبراهيم بن هاشم قال : «كنت جالسا عند أبى جعفر (عليهالسلام) ذات يوم إذ جاءه رجل فدخل عليه فقال له جعلت فداك انى
رجل
__________________
جار مسجد لقومي فإذا انا لم أصل معهم وقعوا في وقالوا هو هكذا وهكذا؟ فقال
اما لئن قلت ذاك لقد قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) : من سمع النداء فلم يجبه من غير علة فلا صلاة له.
فخرج الرجل فقال له لا تدع الصلاة معهم وخلف كل امام. فلما خرج قلت له جعلت فداك
كبر على قولك لهذا الرجل حين استفتاك فان لم يكونوا مؤمنين؟ قال فضحك (عليهالسلام) ثم قال ما أراك بعد إلا ههنا يا زرارة فأية علة تريد
أعظم من انه لا يؤتم به؟ ثم قال يا زرارة ا ما تراني قلت صلوا في مساجدكم وصلوا مع
أئمتكم؟».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن ابي عبد الله البرقي قال «كتبت إلى ابى جعفر (عليهالسلام) جعلت فداك أيجوز الصلاة خلف من وقف على أبيك وجدك (صلوات
الله عليهما)؟ فأجاب لا تصل وراءه».
وما رواه في
الفقيه والتهذيب في الصحيح عن إسماعيل الجعفي قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) رجل يحب أمير المؤمنين (عليهالسلام) ولا يتبرأ من عدوه ويقول هو أحب الى ممن خالفه؟ فقال
هذا مخلط وهو عدو فلا تصل خلفه ولا كرامة إلا ان تتقيه».
وما رواه في
التهذيب عن إبراهيم بن شيبة قال : «كتبت الى ابى جعفر (عليهالسلام) اسأله عن الصلاة خلف من يتولى أمير المؤمنين (عليهالسلام) وهو يرى المسح على الخفين أو خلف من يحرم المسح وهو
يمسح؟ فكتب ان جامعك وإياهم موضع فلم تجد بدا من الصلاة فأذن لنفسك وأقم فإن سبقك
إلى القراءة فسبح».
وما رواه
الكليني في الحسن عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن الصلاة خلف المخالفين؟ فقال ما هم عندي إلا بمنزلة
الجدر».
وعن ابى على بن
راشد قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) ان مواليك قد اختلفوا فأصلي خلفهم جميعا؟ فقال لا تصل
إلا خلف من تثق بدينه».
__________________
وما رواه الكشي
في كتاب الرجال عن يزيد بن حماد عن ابى الحسن (عليهالسلام) قال : «قلت له أصلي خلف من لا اعرف؟ فقال لا تصل إلا
خلف من تثق بدينه».
الى غير ذلك من
الأخبار الكثيرة مما يدل على بطلان عبادة المخالفين وعدم الاعتداد بالصلاة خلفهم.
الرابع ـ طهارة
المولد وهو ان لا يعلم كونه ابن زنا ، وهو مذهب الأصحاب من غير خلاف ينقل. ويدل
عليه
ما رواه في
الفقيه عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) مرسلا ورواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة عن
ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) لا يصلين أحدكم خلف المجذوم والأبرص والمجنون والمحدود
وولد الزنا والأعرابي لا يؤم المهاجرين».
وما رواه ثقة
الإسلام في الكافي عن ابى بصير ـ والظاهر انه ليث المرادي بقرينة رواية عبد الله
بن مسكان عنه ـ عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «خمسة لا يؤمون الناس على كل حال : المجذوم
والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابي».
وما رواه في
الفقيه عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) انه قال : «خمسة لا يؤمون الناس ولا يصلون بهم صلاة
فريضة في جماعة : الأبرص والمجذوم وولد الزنا والأعرابي حتى يهاجر والمحدود».
ولا عبرة بمن
تناله الألسن وكذا لا تقدح ولادة الشبهة ولا كونه مجهول الأب كما صرح به جملة من
الأصحاب ، لأصالة عدم المانع مع وجود المقتضى. وربما قيل بالكراهة لنفرة النفس من
من هذا شأنه الموجبة لعدم كمال الإقبال على العبادة ،
__________________
قال في الذكرى
: وفي كراهة الائتمام بهؤلاء قول لا بأس به لنقصهم وعدم كمال الانقياد الى
متابعتهم. انتهى.
الخامس ـ
الذكورة فلا تصح إمامة المرأة ولا الخنثى لعدم جواز إمامتهما للرجال كما سيأتي في
باب الجماعة ان شاء الله تعالى ، قال في التذكرة يشترط في إمامة الرجال الذكورة
عند علمائنا اجمع وبه قال عامة العلماء ولا ريب في اشتراطها بناء على ان الجمعة لا تنعقد
بالمرأة ولا بالخنثى.
السادس ـ السلامة
من البرص والجذام والحد الشرعي والاعرابية ، أما الأول والثاني فاختلف الأصحاب في
جواز إمامتهما ، فقال الشيخ في النهاية والخلاف بالمنع من ذلك مطلقا وهو اختيار
العلامة في المنتهى والسيد السند في المدارك ، وقال المرتضى في الانتصار وابن حمزة
بالكراهة ، وقال الشيخ في المبسوط وابن البراج وابن زهرة بالمنع من إمامتهما إلا
بمثلهما ، وقال ابن إدريس يكره إمامتهما في ما عدا الجمعة والعيد واما فيهما فلا
يجوز.
والذي وقفت
عليه من اخبار المسألة ما تقدم من صحيحتي زرارة وابى بصير ورواية محمد بن مسلم الدال
جميعه على النهى عن الصلاة خلفهما.
ومنها ـ ما
رواه الشيخ عن إبراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن (عليهالسلام) قال : «لا يصلى بالناس من في وجهه آثار».
وما رواه الشيخ
عن عبد الله بن يزيد قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المجذوم والأبرص يؤمان المسلمين؟ قال نعم. قلت هل
يبتلى الله بهما المؤمن؟ قال نعم
__________________
وهل كتب الله البلاء إلا على المؤمن».
وما رواه احمد
بن محمد بن خالد البرقي في كتاب المحاسن في الحسن عن الحسين بن ابى العلاء عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن المجذوم والأبرص منا أيؤمان المسلمين؟
قال نعم وهل
يبتلى الله بهذا إلا المؤمن وهل كتب الله البلاء إلا على المؤمنين». وروى الصدوق
في كتاب الخصال في الصحيح على الأظهر عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) قال : «ستة لا ينبغي ان يؤموا الناس : ولد الزنا
والمرتد والأعرابي بعد الهجرة وشارب الخمر والمحدود والأغلف». ولفظ «لا ينبغي» في
الخبر المذكور مراد به التحريم كما هو شائع في الأخبار.
وجملة من
المتأخرين جمعوا بين الأخبار بحمل الأخبار الأولة على الكراهة. والشيخ حمل رواية
عبد الله بن يزيد على الضرورة في الجماعة بان لا يوجد غيرهما أو يكونا إمامين
لأمثالهما. ولا يخلو من بعد.
وظاهر صاحب
المدارك بل صريحه العمل بالروايات الأولة حيث ان فيها الصحيح وهو يدور مداره غالبا
، وطعن في رواية عبد الله بن يزيد بضعف السند بجهالة الراوي ، ثم قال بعد كلام في
البين : نعم لو صح السند لأمكن حمل النهى الواقع في الأخبار المتقدمة على الكراهة
كما هو مذهب المرتضى (قدسسره).
وقال في الذكرى
بعد نقل الجمع بين الأخبار بحمل الأخبار الأولة على الكراهة : ويلزم منه استعمال
المشترك في معنييه لأن النهي في ولد الزنا والمجنون محمول على المنع من النقيض
قطعا فلو حمل على المنع لا من النقيض في غيرهما لزم المحذور. ويمكن ان يقال لا
مانع من استعمال المشترك في معنييه ، وان سلم فهو مجاز لا مانع من ارتكابه. انتهى.
أقول :
والمسألة عندي لا تخلو من شوب التوقف فإن الأخبار المتقدمة مع
__________________
صحة سند أكثرها صريحة في التحريم والحمل على الكراهة مجاز لا يصار اليه إلا
مع القرينة ولا قرينة فيها تؤذن بذلك ، ووجود المخالف ليس قرينة إذ يحتمل الحمل
على معنى آخر من تقية ونحوها. ويحتمل العكس ايضا. وبالجملة فإنه لا يحضرني الآن
مذهب المخالفين في هذه المسألة ولعل أخبار أحد الطرفين انما خرج مخرج التقية واما
القولان الآخران فلم نقف لهما على دليل. والله العالم.
واما الثالث
وهو المحدود فان كان قبل التوبة فلا إشكال في عدم جواز الائتمام به لفسقه ، وان
كان بعدها فقد حكم الأكثر بكراهة إمامته ، وعلله في المعتبر بنقص رتبته عن منصب
الإمامة وان زال فسقه بالتوبة. ونقل عن ابى الصلاح انه منع من امامة المحدود بعد
التوبة إلا بمثله. ورده الأكثر بأن المحدود ليس اسوأ حالا من الكافر وبالتوبة
واستجماع الشرائط تصح إمامته. أقول : ومما ردوا به كلام ابى الصالح يعلم الرد لما
ذكروه من الكراهة أيضا فإن الظاهر انهم لا يقولون بكراهة الائتمام بالكافر بعد
الإسلام إذا استجمع شرائط الإمامة فالمحدود بطريق اولى بمقتضى ما ذكروه. والظاهر
حمل الأخبار المتقدمة الدالة على النهى عن الائتمام به على ما قبل التوبة لظهور
الفسق المانع من ذلك.
واما الرابع
وهو الأعرابي فالمراد به الأعرابي بعد الهجرة كما أفصح به خبر الأصبغ بن نباتة
وخبر محمد بن مسلم وعليهما يحمل ما أطلق في غيرهما ، والوجه في المنع من إمامته
ظاهر لإخلاله بالواجب عليه وهو الهجرة وإصراره على الترك بغير عذر شرعي ، وسيأتي
ان شاء الله تعالى في جملة من الأخبار الدالة على عدد الكبائر ان من جملتها التعرب
بعد الهجرة إلا ان تحققه في مثل هذه الأزمنة غير معلوم.
والأصحاب في
هذه المسألة منهم من أطلق المنع كالشيخ وجماعة ومنهم من أطلق الكراهة.
__________________
وفصل في
المعتبر في ذلك بما يرجع الى الفرق بين من لا يعرف محاسن الإسلام ولا وصفها فالأمر
كما ذكروه من المنع وبين من وصل اليه ما يكفيه اعتماده ويدين به ولم يكن تلزمه
المهاجرة وجوبا جاز ان يؤم.
وفيه ان ما
ذكره لا اختصاص له بالأعرابي كما لا يخفى بل الأظهر كما عرفت انما هو ما قلناه
لأنه الذي دلت عليه الاخبار المذكورة.
نعم قد روى
الحميري في كتاب قرب الاسناد بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على (عليهالسلام) في حديث قال : «وكره ان يؤم الأعرابي لجفائه عن الوضوء
والصلاة».
وملخص الكلام
في ما يفهم من هذه الاخبار هو المنع والتحريم في من ترك الهجرة مع وجوبها عليه
والجواز على كراهة في من لم يكن كذلك مع عدم كماله في معرفة أحكام الطهارة والصلاة.
ويحتمل حمل أخبار المنع على ما إذا كان يؤم بالمهاجرين كما يستفاد من صحيح زرارة
المتقدم في اشتراط طهارة المولد.
السابع ـ
العدالة وهي مما طال فيها الكلام بين علمائنا الأعلام بإبرام النقض ونقض الإبرام
وصنفت فيها رسائل وتعارضت فيها الدلائل فلا جرم انا ارخينا للقلم عنانة في هذا
الميدان وأعطينا المسألة حقها من البيان بما لم يسبق اليه سابق من علمائنا الأعيان
:
والكلام فيها
يقع في مقامات
(الأول) ـ لا
خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في اشتراط عدالة إمام الجماعة مطلقا ونقل
إجماعهم على ذلك جمع كثير منهم ، بل نقل ذلك عن بعض المخالفين وهو أبو عبد الله
البصري محتجا بإجماع أهل البيت (عليهمالسلام) وان إجماعهم حجة.
__________________
واحتج الأصحاب
على ذلك بقوله عزوجل «وَلا تَرْكَنُوا
إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ»
والفاسق ظالم لقوله تعالى «وَمَنْ يَتَعَدَّ
حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ»
والائتمام ركون لان معنى الركون هو الميل القلبي.
أقول : لا يخفى
ان غاية ما يدل عليه هذا الدليل هو عدم جواز امامة الفاسق خاصة وهو أخص من المدعى
إذ المدعى اعتبار العدالة بأحد المعاني الآتية ان شاء الله تعالى المؤذن بعدم
ثبوتها لمجهول الحال أيضا والدليل المذكور لا يشمله.
والعمدة في
الاستدلال على ذلك انما هي الأخبار الواضحة المنار ، ومنها ما رواه الشيخ عن خلف
بن حماد عن رجل عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا تصل خلف الغالي وان كان يقول بقولك والمجهول
والمجاهر بالفسق وان كان مقتصدا».
ورواه الصدوق
في الفقيه مرسلا وفي أوله «ثلاثة لا يصلى خلفهم. الى آخر ما ذكر».
وما رواه الشيخ
في الصحيح الى سعد بن إسماعيل عن أبيه قال : «قلت للرضا (عليهالسلام) رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر أصلي خلفه؟ قال
لا». ومعنى «يقارف» اى يقارب ، قال في النهاية : قارف الذنب وغيره إذا داناه
ولاصقه وهو كناية عن فعل الذنوب.
وما رواه
الكليني والشيخ عن ابى على بن راشد قال : «قلت لأبي جعفر
__________________
(عليهالسلام) ان مواليك قد اختلفوا فأصلي خلفهم جميعا؟ فقال لا تصل
إلا خلف من تثق بدينه وأمانته».
وما رواه الشيخ
عن إبراهيم بن على المرافقي وابى أحمد عمرو بن الربيع البصري عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) «انه سئل عن القراءة خلف الامام فقال إذا كنت خلف الامام تولاه وتثق به
فإنه يجزيك قراءته ، وان أحببت أن تقرأ فاقرأ في ما يخافت فيه فإذا جهر فأنصت قال
الله تعالى «وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»
قال فقيل له فان لم أكن أثق به فأصلي خلفه واقرأ؟ قال لا صل قبله أو بعده.
الحديث».
وما رواه في
الفقيه عنه (صلىاللهعليهوآله) «امام القوم وافدهم فقدموا أفضلكم». قال وقال على (عليهالسلام) «ان سركم ان تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم».
وما رواه في
كتاب قرب الاسناد في الموثق عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهمالسلام) «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) قال ان أئمتكم وفدكم الى الله تعالى فانظروا من توفدون
في دينكم وصلاتكم».
وعن ابى ذر «ان امامك شفيعك الى الله عزوجل فلا تجعل شفيعك سفيها ولا فاسقا». الى غير ذلك من
الأخبار التي يقف عليها المتتبع.
(المقام الثاني)
ـ في بيان معنى العدالة وانها عبارة عما ذا ونقل أقوال جملة من علمائنا الأعلام
رفع الله تعالى أقدارهم في دار المقام :
فنقول : اعلم
ان العدالة لغة مأخوذة من العدل وهو القصد في الأمور ضد الجور» وقيل من العدالة
بمعنى الاستواء والاستقامة كما يقال «هذا عدل هذا» أي
__________________
مساو له ، واعتدل الشيئان اى تساويا ، وفي اصطلاح أرباب الحكمة وأهل
العرفان عبارة عن تعديل قوى النفس وتقويم أفعالها بحيث لا يغلب بعض على بعض. وتوضيح
ذلك ان للنفس الإنسانية قوة عاقلة هي مبدأ الفكر والتمييز والشوق الى النظر في
الحقائق والتأمل في الدقائق ، وقوة غضبية هي مبدأ الغضب والجرأة لدفع المضار
والاقدام على الأهوال والشوق الى التسلط على الرجال ، وقوة شهوية هي مبدأ طلب
الشهوة واللذات من المآكل والمشارب والمناكح وسائر الملاذ البدنية والشهوات الحسية
، وهذه القوى متباينة جدا فمتى غلب أحدها انقهرت الباقيات وربما أبطل بعضها فعل
بعض ، والفضيلة البشرية تعديل هذه القوي لأن لكل من هذه القوى طرفي إفراط وتفريط ،
فاما القوة العاقلة فالسفاهة والبلاهة والقوة الغضبية التهور والجبن والقوة
الشهوية الشره وخمود الشهوة ، فألقوه العاقلة تحصل من تعديلها فضيلة العلم والحكمة
والغضبية تحصل من تعديلها فضيلة الشجاعة والقوة الشهوية تحصل من تعديلها فضيلة
العفة ، وإذا حصلت هذه الفضائل الثلاث التي هي في حاق الاواساط وتعادلت حصل منها
فضيلة رابعة وملكة راسخة هي أم الفضائل وهي المعبر عنها بالعدالة ، فهي إذا ملكة
نفسانية تصدر عنها المساواة في الأمور الصادرة عن صاحبها ، وتحت كل واحدة من هذه
الفضائل الثلاث المتقدمة فضائل أخرى وكلها داخلة تحت العدالة فهي دائرة الكمال
وجماع الفضائل على الإجمال.
واما في اصطلاح
أهل الشرع الذي هو المقصود الذاتي بالبحث فأقوال : (الأول) ما هو المشهور بين
أصحابنا المتأخرين من انها ملكة نفسانية تبعث على ملازمة التقوى والمروة ،
واحترزوا بالملكة عما ليس كذلك من الأحوال المنتقلة بسرعة كحمرة الخجل وصفرة الوجل
بمعنى ان الاتصاف بالوصف المذكور لا بد ان يكون من الملكات الراسخة التي يعسر
زوالها.
واختلف كلامهم
في معنى التقوى ، فقيل هي اجتناب الكبائر والصغائر من المكلف العاقل ، ونسبه شيخنا
الشهيد الثاني إلى جماعة من أجلاء الأصحاب كالشيخ
المفيد والتقى ابى الصلاح الحلبي والقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
وابى عبد الله محمد بن منصور بن إدريس الحلي العجلي وابى الفضائل الطبرسي حاكيا ذلك عن
__________________
أصحابنا من غير
تفصيل. وقيل باجتناب الكبائر كلها وعدم الإصرار على الصغائر أو عدم كونها أغلب فلا
تقدح الصغيرة النادرة ، وألحقوا بها ما يؤول إليها بالعرض وان غايرها بالأصل كترك
المندوبات المؤدي إلى التهاون بالسنن في أظهر الوجهين ونسبه شيخنا البهائي في كتاب
الحبل المتين إلى الأصحاب.
وكذا اختلفت
أقوالهم في الكبائر وسيأتي الكلام فيها ان شاء الله تعالى في المقام الثالث مفصلا
مشروحا.
وفسروا المروة
باتباع محاسن العادات واجتناب مساويها وما تنفر عنه النفس من المباحات ويؤذن
بدناءة النفس وخستها كالأكل في الأسواق والمجامع والبول في الشوارع وقت سلوك الناس
وكشف الرأس في المجامع وتقبيل زوجته وأمته في المحاضر ولبس الفقيه لباس الجندي
والمضايقة في اليسير الذي لا يناسب حاله ونقل الماء والأطعمة بنفسه ممن ليس أهلا
لذلك إذا كان عن شح وظنة ونحو ذلك ،
__________________
ويختلف ذلك بحسب اختلاف الأشخاص والأعصار والأمصار والمقامات.
والحق ـ كما
ذكره جملة من أفاضل متأخري المتأخرين ـ انه لا دليل على اعتبار المروة في معنى
العدالة ، بل الظاهر ان تعريف العدالة بالملكة المذكورة لا مستند له من الأخبار
ايضا ولذا لم يذكره القدماء وانما وقع ذلك في كلام العلامة ومن تأخر عنه والظاهر
انه اقتفى في ذلك العامة حيث انهم عرفوها بذلك .
قال في الذخيرة
بعد ذكر التعريف المشار اليه : ولم أجد ذلك في كلام من تقدم على المصنف وليس في
الأخبار منه اثر ولا شاهد عليه في ما أعلم وكأنهم اقتفوا في ذلك أثر العامة حيث
يعتبرون ذلك في مفهوم العدالة ويوردونه في كتبهم. انتهى
أقول : وما
ذكروه في معنى المروة مع كونه لا دليل عليه من الأخبار يدفعه ما ورد عنه (صلىاللهعليهوآله) انه كان يركب الحمار العاري ويردف خلفه وانه كان يأكل
ماشيا إلى الصلاة بمجمع من الناس في المسجد وانه كان يحلب الشاة. ونحو ذلك.
ولا يخفى انه
قد ورد هنا جملة من الأخبار في معنى المروة وليس في شيء منها
__________________
ما ذكروه ، ومنها ما رواه الكليني في روضة الكافي بإسناده عن جويرية قال : «اشتددت خلف أمير المؤمنين (عليهالسلام) فقال لي يا جويرية انه لم يهلك هؤلاء الحمقى إلا بخفق
النعال خلفهم ما جاء بك؟ قلت جئت أسألك عن ثلاث : عن الشرف وعن المروة وعن العقل؟
قال : اما الشرف فمن شرفه السلطان واما المروة فإصلاح المعيشة واما العقل فمن اتقى
الله عقل».
وما روى عن
الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهمالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ستة من المروة ثلاثة منها في الحضر وثلاثة منها في السفر
، فأما التي في الحضر فتلاوة كتاب الله وعمارة مساجد الله واتخاذ الإخوان في الله
واما التي في السفر فبذل الزاد وحسن الخلق والمزاح في غير معاصي الله تعالى».
وما رواه
الصدوق في الفقيه في باب المروة في السفر عن الصادق (عليهالسلام) حيث قال فيه : «المروة والله ان يضع الرجل خوانه بفناء
داره ، والمروة مروتان مروة في الحضر ومروة في السفر ، فأما التي في الحضر فتلاوة
القرآن ولزوم المساجد والمشي مع الإخوان في الحوائج والنعمة ترى على الخادم انها
تسر الصديق وتكبت العدو ، واما التي في السفر فكثرة الزاد وطيبه وبذله لمن كان معك
وكتمانك على القوم أمرهم بعد مفارقتك إياهم وكثرة المزاح في غير ما يسخط الله».
ثم انه لا يخفى
انه قد ورد في بعض الاخبار ما يدل على اعتبار المروة في العدالة لكن لا بالمعنى
الذي ذكروه وهو ما روى عن ابى الحسن الرضا عن آبائه عن على (عليهمالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم
فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروته وظهرت عدالته ووجبت اخوته وحرمت غيبته». فإن المروة
هنا لم يعتبر فيها إلا الخصال الثلاث وهي واجبة بناء على وجوب الوفاء كما هو
الظاهر ، وهو اختيار شيخنا أبى الحسن
__________________
الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني ، وقد نقل انه كتب رسالة شريفة في وجوب
الوفاء بالوعد ولم أقف عليها. وما ذكره (قدسسره) هو ظاهر الآية الشريفة أعني قوله تعالى «يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ
أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ»
.
ونقل شيخنا
المشار إليه في رسالته الصلاتية عن بعض معاصريه ـ وكتب في الحاشية إنه المحقق المدقق
الشيخ احمد بن محمد بن يوسف البحراني ـ انه استدل على اعتبار المروة في معنى
العدالة بقول الكاظم (عليهالسلام) في حديث هشام بن الحكم المروي في الكافي «لا دين لمن لا مروة له ولا مروة لمن لا عقل له». واعترضه بأنه خفي عليه ان
استعمال المروة بالمعنى الذي ذكره الأصحاب غير معروف في كلامهم (عليهمالسلام) وحينئذ فالأظهر حملها على بعض المعاني المروية عنهم (عليهمالسلام) في تفسيرها. وهو جيد ، وأشار بالمعاني المروية عنهم (عليهمالسلام) الى ما قدمنا ذكره من الأخبار الواردة بتفسيرها. ثم
قال ، ويمكن حملها على كمال الإنسانية وهو فعل ما يليق وترك ما لا يليق.
أقول : ويؤيده
أن المروة لا تعتبر في أصل الدين إجماعا فلا بد ان يحمل نفى الدين عن من لا مروة
له على نفى الكمال فتحمل المروة على كمال الإنسانية كما فسرها به بعض شارحي
الكتاب.
(الثاني) ـ القول
بأنها عبارة عن مجرد الإسلام مع عدم ظهور الفسق ؛ ونقل هذا القول عن جماعة من
المتقدمين كابن الجنيد والشيخ في الخلاف والشيخ المفيد في كتاب الاشراف بل ادعى في
الخلاف الإجماع عليه ودلالة الأخبار ، وقال البحث عن عدالة الشهود ما كان في أيام النبي (صلىاللهعليهوآله) ولا أيام الصحابة
__________________
ولا أيام التابعين وانما هو شيء أحدثه شريك بن عبد الله القاضي ولو كان شرطا لما أجمع أهل الأمصار على تركه. انتهى.
أقول : وممن انتصر
لهذا القول وبلغ في ترجيحه الغاية الشهيد الثاني في المسالك وتبعه فيه جملة ممن
تأخر عنه سيما سبطه السيد السند في المدارك والمحدث الكاشاني والفاضل الخراساني
صاحب الذخيرة والكفاية.
أقول : وهذا
القول وما قبله وقعا على طرفي الإفراط والتفريط في المقام لأن العدالة بالمعنى
الأول لا تكاد توجد إلا في المعصوم أو من قرب من مرتبته كما لا يخفى على ذوي
الأفهام ، مع انه لا يمكن الاطلاع عليها إلا بعد مدة مديدة ومخالطة أكيدة وتعمق
شديد ولربما لا يتيسر ذلك وبه تنسد أبواب الأمور المشروطة بالعدالة مثل الجمعات
والجماعات والفتاوى والشهادات ، واما العدالة بالمعنى الثاني فقد انجر الأمر فيها
إلى إثباتها للمخالفين وأعداء الدين والنصاب الذين هم أشد نجاسة من الكلاب كما
وردت به الرواية عن أهل بيت النبوة الأطياب وسيظهر ذلك في ما يأتي قريبا ان شاء الله تعالى في
المقام.
وقال شيخنا المشار
إليه في كتاب المسالك : إذا شهد عند الحاكم شهود فان عرف فسقهم فلا خلاف في رد
شهادتهم من غير احتياج الى بحث وان عرف عدالتهم قبل شهادتهم ولا حاجة الى التعديل
وان لم يعرف حالهم في الفسق والعدالة فان لم يعرف إسلامهم وجب البحث ايضا وهذا كله
مما لا خلاف فيه ، وان عرف إسلامهم ولم يعرف شيئا آخر من جرح ولا تعديل فهذا مما
اختلف فيه الأصحاب والمشهور بينهم خصوصا المتأخرين منهم انه يجب البحث عن عدالتهم
ولا يجوز
__________________
الاعتماد على ظاهر الإسلام. ثم أورد الآية ورواية ابن ابى يعفور بطريق الشيخ في التهذيب دليلا لهم وطعن في دلالة الآية وسند الرواية ، ثم نقل
عن الشيخ في الخلاف وابن الجنيد والمفيد في كتاب الاشراف ظاهرا الاكتفاء بمجرد
الإسلام ثم قال : وباقي المتقدمين لم يصرحوا في عباراتهم بأحد الأمرين بل كلامهم
محتمل لهما ، ثم أورد جملة من الروايات الدالة بظاهرها على مجرد الاكتفاء بظاهر
الإسلام وسننقلها جميعا ان شاء الله تعالى في المقام ، ثم قال : وهذا القول امتن
دليلا وأكثر رواية وحال السلف يشهد به وبدونه لا تكاد تنتظم الأحكام للحكام خصوصا
في المدن الكبيرة والقاضي القادم إليها من بعد لكن المشهور الآن بل المذهب خلافه.
انتهى ملخصا.
أقول : فيه (أولا)
ـ ما أشرنا إليه آنفا من أنه قد انجر الأمر بناء على هذا القول من هذا القائل ومن
تبعه فيه الى الحكم بعدالة المخالفين والنصاب من ذوي الأذناب ؛ وهذا من البطلان
أظهر من ان يخفى على أحد من ذوي الإيمان فضلا عن العلماء الأعيان كما يأتي تحقيقه
ان شاء الله تعالى قريبا.
و (ثانيا) ـ دلالة
ظاهر الآية الشريفة على خلاف ما يدعيه اعنى قوله عزوجل «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ
عَدْلٍ مِنْكُمْ» فإنها صريحة الدلالة في اعتبار أمر آخر وراء الإسلام
لأن الخطاب فيها للمسلمين وضمير «مِنْكُمْ»
راجع إليهم فهي
دالة على إسلام الشاهدين فيكون قوله «ذَوَيْ عَدْلٍ»
دالا على
العدالة بعد حصول الإسلام فهي أمر زائد على مجرد الإسلام.
واما ما أجاب
به (قدسسره) في المسالك ـ وان اقتفاه فيه من تبعه في ذلك من أن
غاية ما تدل عليه الآية الاتصاف بأمر زائد على مجرد الإسلام فنحمله على عدم ظهور
الفسق ـ
ففيه انه لا
ريب ان المتبادر من لفظ العدالة لغة وعرفا وشرعا ـ كما سيظهر
__________________
لك ان شاء الله تعالى من الأخبار ـ عبارة عن أمر وجودي وصفة ثبوتية ولا
سيما صحيح ابن ابى يعفور فإنه ظاهر في ذلك غاية الظهور لا مجرد أمر عدمي ، فإذا
قيل «فلان عدل أو ذو عدالة» فإنما يراد به ان له أوصافا وجودية توجب صدق هذا
العنوان عليه وهو كونه معروفا بالصلاح والتقوى والعفاف ونحو ذلك.
ويؤيد ما
ذكرناه ما روى في تفسير الإمام العسكري (عليهالسلام) بسنده عن النبي (صلىاللهعليهوآله) قال في قوله تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا
شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) قال «ليكونا من المسلمين منكم فان الله تعالى انما شرف
المسلمين العدول بقبول شهاداتهم وجعل ذلك من الشرف العاجل لهم ومن ثواب دنياهم».
وعن أمير
المؤمنين (عليهالسلام) في قوله عزوجل (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ
مِنَ الشُّهَداءِ) قال : «ممن ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفته وتيقظه في
ما يشهد به وتحصيله وتمييزه فما كل صالح مميز ولا كل محصل مميز».
وبالجملة
فإطلاق العدالة على مجرد عدم ظهور الفسق أمر لا يفهم من حاق اللفظ ولا يتبادر الى
فهم فاهم بالكلية فالحمل عليه انما هو من قبيل المعميات والألغاز الذي هو بعيد
بمراحل عن الحقيقة بل المجاز ، ولو قامت هذه التأويلات السخيفة البعيدة في مقابلة
الظواهر المتبادرة إلى الأفهام لم يبق دليل على حكم من الأحكام من أصول وفروع إذ لا
لفظ إلا وهو قابل للاحتمال ولا قول إلا وللقائل فيه مجال ، فبما ذا يقيمون الحجج
على المخالفين في الإمامة بل منكري التوحيد والنبوة إذا قامت مثل هذه التأويلات
الغثة وعورض بها ما يتبادر من الأدلة؟
و (ثالثا) ان
ما طعن به على الرواية المذكورة بضعف السند مردود ـ بناء على صحة هذا الاصطلاح ـ بأنه
وان كان السند كذلك في التهذيب إلا ان الرواية المذكورة في الفقيه صحيحة وهي صريحة في رد ما ذهب اليه فتكون
__________________
من أقوى الحجج عليه.
و (رابعا) ان
ما نقله ـ من القول بالإسلام عن هؤلاء الثلاثة الذين ذكرهم وان ما عداهم من
المتقدمين لم يصرحوا في عباراتهم بأحد الأمرين ـ مردود بأن هؤلاء الثلاثة وان
صرحوا بما ذكره في هذه الكتب التي أشار إليها إلا انهم صرحوا في غيرها بخلافه وقد
تعارضت أقوالهم فتساقطت ، وإلا فإنه كما يتمسك هو بأقوالهم في هذه الكتب كذلك
يتمسك خصمه بأقوالهم التي بخلافها في غير هذه الكتب. ودعوى ان غيرهم لم يصرحوا
بأحد الأمرين مردود بما سيظهر لك ان شاء الله تعالى في البين.
وها نحن ننقل
جملة من عبائر من وصل إلينا كلامهم لتقف على حقيقة الحال وتكون ممن يعرف الرجال
بالحق لا الحق بالرجال.
فنقول : قال
الشيخ في النهاية : العدل الذي يجوز قبول شهادته للمسلمين وعليهم هو ان يكون ظاهره
ظاهر الإيمان ثم يعرف بالستر والصلاح والعفاف والكف عن البطن والفرج واليد واللسان
ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر والزنا والربا
وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك الساتر لجميع عيوبه ويكون متعاهدا
للصلوات الخمس مواظبا عليهن حافظا لمواقيتهن متوفرا على حضور جماعة المسلمين غير
متخلف عنهم إلا لمرض أو علة أو عذر.
وقال الشيخ
المفيد : العدل من كان معروفا بالدين والورع عن محارم الله تعالى.
وقال ابن
البراج : العدالة معتبرة في صحة الشهادة على المسلم وتثبت في الإنسان بشروط وهي
البلوغ وكمال العقل والحصول على ظاهر الإيمان والستر والعفاف واجتناب القبائح ونفى
التهمة والظنة والحسد والعداوة.
وقال أبو
الصلاح : العدالة شرط في قبول الشهادة على المسلم ويثبت حكمها بالبلوغ وكمال العقل
والايمان واجتناب القبائح اجمع وانتفاء الظنة بالعداوة والحسد والمنافسة وقال ابن
الجنيد : فإذا كان الشاهد حرا بالغا مؤمنا عاقلا بصيرا معروف النسب
مرضيا غير مشهور بكذب في شهادته ولا بارتكاب كبيرة ولا مقام على صغيرة حسن
التيقظ عالما بمعاني الأقوال عارفا بأحكام الشهادة غير معروف بحيف على معامل ولا
بتهاون بواجب من علم أو عمل ولا معروف بمباشرة أهل الباطل ولا الدخول في جملتهم
ولا بالحرص على الدنيا ولا بساقط المروة بريئا من أقوال أهل البدع التي توجب على
المؤمنين البراءة من أهلها فهو من أهل العدالة المقبولة شهادتهم.
وقال الشيخ في
المبسوط : العدالة في اللغة أن يكون الإنسان متعادل الأحوال متساويا ، وفي الشريعة
هو من كان عدلا في دينه عدلا في مروته عدلا في أحكامه ، فالعدل في الدين أن يكون
مسلما لا يعرف منه شيء من أسباب الفسق ، وفي المروة أن يكون مجتنبا للأمور التي
تسقط المروة مثل الأكل في الطرقات ومد الأرجل بين الناس ولبس الثياب المصبغة ،
والعدل في الأحكام أن يكون بالغا عاقلا ، فمن كان عدلا في جميع ذلك قبلت شهادته
ومن لم يكن عدلا لم تقبل شهادته.
نقل جميع هذه
الأقوال العلامة في المختلف ، قال : والتحقيق ان العدالة كيفية نفسانية راسخة تبعث
المتصف بها على ملازمة التقوى والمروة وتتحقق باجتناب الكبائر وعدم الإصرار على
الصغائر. انتهى.
وأنت خبير بان
هذه العبارات عدا عبارتي المبسوط والمختلف كلها ظاهرة الدلالة في القول الثالث
الذي سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى وهو المختار من بين هذه الأقوال ، وبه يظهر
لك صحة ما ذكرناه من تعارض أقوال هؤلاء الثلاثة الذين تقدم النقل عنهم وتصريح جملة
من غيرهم بما ذكرناه من العدالة التي هي أمر زائد على مجرد الإسلام.
و (خامسا) ان
ما استند اليه من الأخبار معارض بما هو أوضح وأصرح مع قبول ما ذكره للتأويل
والرجوع الى الروايات الدالة على ما ادعيناه كما سيأتي ذكر ذلك ان شاء الله تعالى
مشروحا مبرهنا.
(الثالث) من
الأقوال في المسألة انها عبارة عن حسن الظاهر وهو قول أكثر متأخري المتأخرين
مستندين فيه صحيح ابن ابى يعفور الآتي ان شاء
الله تعالى إلا انهم اكتفوا من حسن الظاهر بما هو القشر الظاهر ولم
يعطوا التأمل حقه في الرواية المذكورة وما تدل عليه مما سنكشف عنه نقاب الإبهام ان
شاء الله تعالى لكل ناظر.
وظاهر كلامهم
أن المراد بحسن الظاهر هو ان لا يظهر منه ما يوجب الفسق من ارتكاب الكبائر
والإصرار على الصغائر. وأنت خبير بان هذا المعنى لا يخرج عن القول الثاني فإن
القائلين بالإسلام اعتبروا عدم ظهور الفسق.
ومن العجب انهم
يستندون في هذا القول الى صحيح ابن ابى يعفور مع انه بالتعمق في معناه ـ كما
سنوضحه لك ان شاء الله تعالى ـ بعيد عن هذا المعنى الذي ذكروه بمراحل.
ومن هذه
الأقوال الثلاثة يظهر وجه الخلاف الذي ذكروه في أن الأصل في المسلم هل هو العدالة
أو الفسق أو التوقف؟ فذهب بعضهم الى ان الأصل فيه العدالة ، وهذا مما يتفرع على
تفسير العدالة بمجرد الإسلام كما هو القول الثاني ، ويعرف مستنده من الأخبار
الواردة في ذلك وقد عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى الجواب عنها ، وذهب آخرون الى
ان الأصل فيه الفسق استنادا الى ان الأصل التكليف واشتغال الذمة بالعبادات
والتكاليف ، والأصل عدم خروجه عن عهدتها حتى يعلم قيامه بها ، وهذا مناسب للقول
الأول لأن الأصل عدم حصول الملكة المذكورة حتى يحصل الاطلاع عليها ولكنه بمحل من
الضعف لدلالة الأخبار على حسن الظن بالمؤمن وحمل أفعاله على الصحة والمشروعية.
والتحقيق في
المسألة هو القول الثالث وهو التوقف حتى يعلم أحد الأمرين من عدالة أو فسق ، وهذا
هو الأنسب بالقول الثالث الذي اخترناه.
وكيف كان
فلنشتغل بنقل الأخبار الواردة في المقام ليظهر لك صحة ما ذكرناه من هذا الكلام
فنقول :
__________________
المقام الثالث
ـ في نقل الأخبار الواردة ، وها نحن ننقل ما وصل إلينا منها مبتدئين بما يدل على
ما اخترناه وينادى بما قلناه عاطفين الكلام على نقل الأخبار التي استند إليها
أولئك الأعلام مذيلين لها بما يقتضيه المقام من نقض وإبرام بتوفيق الملك العلام
وبركة أهل البيت (عليهمالسلام) :
فنقول : من
الأخبار الدالة على ما اخترناه صحيحة عبد الله بن ابى يعفور ، وهذه الرواية رواها
الصدوق في الصحيح والشيخ في التهذيب بطريق غير صحيح وفي المتن في الكتابين تفاوت بالزيادة والنقصان ونحن
ننقلها كما نقلها في الوافي عن الكتابين معلما لموضع الاختصاص بعلامة وموضع
الاشتراك بما يدل على ذلك :
فرويا بسنديهما
عن عبد الله بن ابى يعفور قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم
وعليهم؟ فقال ان تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان ، وتعرف
باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق
الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك ، والدلالة على ذلك كله ان يكون ساترا لجميع
عيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه ويجب عليهم
تزكيته وإظهار عدالته في الناس ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن
وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين وان لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا من
علة (فقيه) فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس فإذا سئل عنه في
قبيلته ومحلته قالوا ما رأينا منه إلا خيرا مواظبا على الصلاة متعاهدا لأوقاتها في
مصلاه فان ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين (ش) وذلك ان الصلاة ستر وكفارة للذنوب (فقيه) وليس يمكن
الشهادة على الرجل بأنه يصلى إذا كان لا يحضر مصلاه ويتعاهد جماعة المسلمين ،
وانما جعل الجماعة والاجتماع إلى الصلاة
__________________
لكي يعرف من يصلى ممن لا يصلى ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع (ش) ولولا
ذلك لم يكن لأحد أن يشهد على آخر بصلاح لان من لا يصلى لا صلاح له بين المسلمين (يب)
لان الحكم جرى من الله تعالى ورسوله (صلىاللهعليهوآله) بالحرق في جوف بيته (فقيه) فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) هم بان يحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة
المسلمين وقد كان فيهم من يصلى في بيته فلم يقبل منه ذلك وكيف تقبل شهادة أو عدالة
بين المسلمين ممن جرى الحكم من الله ومن رسوله (صلىاللهعليهوآله) فيه بالحرق في جوف بيته بالنار (ش) وقد كان (صلىاللهعليهوآله) يقول لا صلاة لمن لا يصلى في المسجد مع المسلمين إلا
من علة (يب) وقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا غيبة إلا لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا ، ومن
رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته وسقطت بينهم عدالته ووجب هجرانه
وإذا رفع الى امام المسلمين أنذره وحذره فان حضر جماعة المسلمين وإلا أحرق عليه
بيته ومن لزم جماعتهم حرمت عليهم غيبته وثبتت عدالته بينهم».
أقول : لا يخفى
ان هذه الرواية قد اشتملت على شيئين في حصول العدالة وانها عبارة عنهما (الأول) ـ انه
لا بد في ثبوتها من معرفته بالستر والعفاف وكف البطن والفرج. الى آخره ، والعطف
هنا من قبيل عطف الخاص على العام تفصيلا للإجمال في المقام ، ولا ريب ان اشتراط
معرفته بالكف عن هذه الأشياء يتوقف على نوع معاشرة واختبار مطلع على باطن الأحوال
، وذلك انك لا تقول «فلان معروف بالشجاعة» إلا بعد أن تعرف حاله في ميدان القتال
ومنازلة الابطال فإذا كان ممن يقتل الرجال ولا يولى الدبر في موضع النزال ويقاوم
الشجعان ويصادم الفرسان صح وصفه بالشجاعة وان تفاوتت إفرادها شدة وضعفا وهكذا لا
تقول «فلان معروف بالطب والحكمة في الأبدان» إلا إذا كان ممن علم تأثير أدويته
وجودة قريحته في شفاء المرضى والاطلاع على معرفة العلل والأدواء ونحو ذلك ، وحينئذ
فلا يقال فلان معروف بكف البطن والفرج واليد واللسان ونحو ذلك إلا بعد اختباره
بالمعاملات والمحاورات الجارية بين الناس كما لو وقع في
يده مال لغيره أمانة أو تجارة أو نحو ذلك ، أو جرى بينه وبين غيره خصومة أو
نزاع وان اعتدى عليه ، فان كان ممن لا يتعدى في ذلك الحدود الشرعية والنواميس
المرعية فهو هو وإلا فلا ، واما من لم يحصل الاطلاع على باطن أحواله بوجه وان رؤي
ملازما على الصلاة أو الدرس أو التدريس والإفتاء فضلا عن ان يكون من الغثاء فهو من
قبيل مجهول الحال لا يصدق عليه انه يعرف بذلك بل يحتمل أن يكون كذلك وان لا يكون ،
وكم قد رأينا في زماننا من هو ملازم للصلاة والدعاء وسائر العبادات بل التصدر
للتدريس والفتوى وامامة الجماعة حتى إذا صار بينه وبين أحد معاملة الدرهم والدينار
أو وقع في يده مال طفل أو مسجد أو وقف أو نحو ذلك انقلب الى حالة اخرى وصار همه
التوصل بالغلبة والاستيلاء بكل وجه ممكن وان تفاوتت في ذلك افراد الناس باعتبار
تفاوت المقامات ، ونحو ذلك فيما إذا اعتدى عليه معتد باللسان أو سلب المال فربما قابله
بأزيد مما اعتدى عليه وربما استنكف عن ذلك حياء من الناس في الظاهر ولكن يتربص به
الغوائل وينصب له شباك العداوة ولو انه قابل بالصفح والحلم والعفو لكان هو هو.
وبالجملة فإنه
إنما تعرف أحوال الناس وما هم عليه من هذه الأشياء المذكورة في الخبر وحسن وقبح
وعدالة وفسق بالابتلاء والامتحان في المعاملات والمحاورات والمخاصمات ، فيجب ان
ينظر حاله لو كان له على غيره مال في الاقتضاء ولو كان لغيره عليه مال في القضاء
وكيف حاله في الغضب ان اعتدى أحد عليه وما الذي يجري منه لو أساء أحد اليه ونحو
ذلك ، فان كان في جميع ذلك انما يقابل بالرضا والانقضاء وحسن المعاملة في القضاء
والاقتضاء والجري على قواعد الشريعة المحمدية ولا يستفزه الغضب في الخروج عن تلك
الطريقة العلية فهو هو وإلا فليس بذلك.
وهذا هو الذي
لحظه (عليهالسلام) في الخبر وبه تشهد رؤية العيان وعدول الوجدان ولا سيما
في هذا الزمان ، وهذا هو الذي يتبادر من العبارة المذكورة أعني قولنا ان العدالة
عبارة عن حسن الظاهر أى حسن ما يظهر منه بعد الابتلاء والامتحان
والاختبار بما ذكرنا ونحوه. واما مجرد رؤية الرجل على ظاهر الايمان عالما
فاضلا أو جاهلا خاملا وان لم يظهر منه ما يوجب الفسق فهو مجهول الحال ولم يظهر منه
ما يوجب وصفه بالعدالة المذكورة في هذا الخبر ، فان عدم ظهور ما يوجب الفسق لا يدل
على العدم والشرط كما عرفت من الرواية ظهور العدم لا عدم الظهور والفرق بين
المقامين واضح.
ومما يؤيد ما
ذكرناه من الفحص والمعاشرة قوله (عليهالسلام) «فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته. الى آخره» فإنه صريح
كما ترى في وجوب السؤال ، وتخصيص القبيلة والمحلة من حيث انهم أقرب الى الاطلاع
على أحواله بالمعاشرة والمخالطة كما لا يخفى.
(فان قيل) انه
يصدق على من لم يظهر منه ما يوجب الفسق انه معروف بالتقوى والعفاف (قلنا) هذا كلام
مجمل ، فإن أريد من لم يظهر منه في موضع تقضى العادة الجارية بين الناس بالإظهار
فهو عين ما نقوله فمرحبا بالوفاق ، فان من اعتدى عليه بيد أو لسان أو سلب مال وكف
لسانه ويده عن الاعتداء ولم يتجاوز الحدود الشرعية في الاقتضاء أو وقع في يده شيء
من الحطام الحرام فكف نفسه عنه فهذا هو الذي ندعيه ، واما من لم يكن كذلك بان لم
تصل يده الى شيء أو لم يحصل له من يعتدى عليه فلا يوصف بالكف لان الكف انما يقال
في موضع يقتضي البسط ألا ترى انه لا يقال للزاهد في الدنيا من حيث انها زاهدة فيه
انه زاهد حقيقة ويترتب عليه ما أعده الله للزاهدين وانما يقال لمن تمكن منها ووقعت
في يده فكف يده عنها ومنع نفسه من الدخول فيها والتعرض لها؟ ثم ألا ترى ان شر خلق
الله الكلاب والسباع وأنت إذا قابلتها باللطف والإكرام تكون معك في تمام الألفة
والصحبة وإذا قابلتها بالتعدي ترى ما يظهر منها من الشر والجرأة؟
(فإن قيل) ان
قوله (عليهالسلام) في الخبر «والدلالة على ذلك أن يكون ساترا لجميع عيوبه»
ظاهر في انه يكفى في الحكم بعدالته انه يظهر من حاله انه ساتر لعيوبه بمعنى انه لم
يظهر منه فسق كما أشار إليه في المدارك ، قال (قدسسره) في الكتاب
المذكور بعد ذكر الرواية : ويستفاد من هذه الرواية انه يقدح في العدالة فعل
الكبيرة التي أوعد الله عليها النار وانه يكفى في الحكم بها ان يظهر من حال المكلف
كونه ساترا لعيوبه ملازما لجماعة المسلمين. انتهى.
أقول : كما انه
يستفاد من الرواية قدح فعل الكبيرة في العدالة كذلك يستفاد منها قدح فعل الصغيرة
فلا وجه لتخصيص الكبيرة بالذكر بل ربما أوهم ان فعل الصغيرة غير مخل بالعدالة وهو
وان وافق مذهبه في اكتفائه في معنى العدالة بمجرد الإسلام إلا ان الخبر ظاهر في ما
قلناه من قدح فعل الصغيرة ، فإن قوله (عليهالسلام) «ان تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن. الى آخره» راجع
الى اجتناب الصغائر ثم عطف عليها اجتناب الكبائر ، وملخصه انه يجب ان يعرف بالتقوى
والعفاف عن كل صغيرة وكبيرة ، ولا يخفى انه لا يمكن ذلك إلا بالمعاشرة والاطلاع
على أحواله كما قدمنا ذكره.
واما ما ذكره ـ
بقوله «ويكفي في الحكم بها ان يظهر من حال المكلف كونه ساترا لعيوبه» إشارة الى ما
يدعونه من ان حسن الظاهر عبارة عن ان لا يظهر منه عيب للناس ولا فسق ـ فقد عرفت ما
فيه وانه كلام مجمل ولكنه ليس هو المراد هنا من كلامه وانما كلامه (عليهالسلام) هنا وقع من قبيل الإجمال بعد التفصيل ، فإنه بعد أن
فسر العدالة بأنها عبارة عن ان يعرف بكذا وكذا الراجع إلى انه لا بد من العلم
بتقواه وكفه عن هذه الأشياء أجمل ذلك فقال : ومجملة ان لا يقف أحد على عيب يذم به
بل يكون صلاحه وتقواه وما علم منه ساترا لعيوبه بغلبته عليها واضمحلالها به فلا
يجوز لهم بعد ذلك البحث والتفتيش عن انه هل له عثرات وعيوب أم لا؟
وأنت إذا أعطيت
التأمل حقه في معنى هذه الرواية كما شرحناه وأوضحناه وجدتها قريبة من القول
المشهور بين المتأخرين وانه لا فرق بينها وبين ما ذهبوا اليه إلا من حيث اعتبارهم
كون التقوى ملكة وقد عرفت انه لا دليل عليه وإلا فاشتراط العلم بالصلاح والتقوى
والعفاف وعدم الإخلال بالواجبات واجتناب
المحرمات مما لا شك فيه وهو الذي صرحت به أيضا عبائر المتقدمين التي قدمنا
نقلها الثاني ـ التعاهد للصلوات الخمس بالحضور مع جماعة المسلمين ، وهذا الشرط وان
لم يذكره أحد من الأصحاب بل ربما صرحوا بأن الإخلال بالمندوبات لا يقدح في وصف
العدالة واستثنى بعضهم ما إذا كان على وجه يؤذن بالتهاون وعدم المبالاة بكمالات
الشرع فجعله قادحا ، إلا ان هذا الخبر كما عرفت قد تضمن هذا الشرط على أبلغ وجه
واوكده فيجب القول به ويتعين العمل عليه ونحن تبع لأقوالهم (عليهمالسلام) لا لأقوال الفقهاء إلا ان تعتضد بأخبارهم في المقام.
وبذلك ايضا صرح شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني (نور الله
مرقده) في بعض أجوبته.
ثم ان الظاهر
انه (عليهالسلام) انما آثر الصلاة جماعة في كونها مظهرا للعدالة ودليلا
عليها من حيث استفاضة الأخبار بان الصلاة عمود الدين . وان بقبولها تقبل سائر الأعمال وان كانت باطلة وبردها
ترد سائر الأعمال وان كانت صحيحة وانها معيار الكفر والايمان وانها متى اتى بها في وقتها بحدودها كانت كفارة للذنوب
الواقعة في ذلك اليوم وانها كما قال عزوجل «تَنْهى عَنِ
الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ»
واعتبار حضور الجماعة فيها ليعلم الإتيان بها ويمكن الحكم على الآتي بها
بالعدالة كما صرح به في الخبر.
ومن الأخبار
الدالة على ما اخترناه زيادة على هذه الصحيحة الصريحة في المراد العارية عن وصمة
الاعتراض والإيراد ما ذكره الإمام العسكري (عليهالسلام)
__________________
في تفسيره في تفسير قوله تعالى «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ
مِنَ الشُّهَداءِ» قال : «يعنى ممن ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفته
وتيقظه في ما يشهد به وتحصيله وتمييزه فما كل صالح مميز ولا محصل ولا كل محصل مميز
صالح ، وان من عباد الله لمن هو أهل لصلاحه وعفته ولو شهد لم تقبل شهادته لقلة
تمييزه ، فإذا كان صالحا عفيفا مميزا محصلا مجانبا للعصبية والهوى والميل والتحامل
فذلك الرجل الفاضل. الحديث». وهو جار على ما تقدم في جملة من عبارات أصحابنا
المتقدمين التي قدمناها والخبر المذكور ظاهر الدلالة واضح المقالة في ما ادعيناه.
ويعضد ذلك جملة
من الأخبار وان لم تكن مثل هذين في الوضوح والظهور السالم من الإنكار :
منها ـ ما رواه
الشيخ الصدوق في الخصال عن الرضا عن آبائه عن على (عليهمالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم
فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروته وظهرت عدالته ووجبت اخوته وحرمت غيبته».
وما رواه فيه
ايضا بسنده عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال «ثلاث من كن فيه أوجبت له أربعا على الناس : من إذا
حدثهم لم يكذبهم وإذا وعدهم لم يخلفهم وإذا خالطهم لم يظلمهم ، وجب أن تظهر في
الناس عدالته وتظهر فيهم مروته وان تحرم عليهم غيبته وان تجب عليهم أخوته».
أقول : لا يخفى
عليك ما في دلالة هذين الخبرين على ما ادعيناه زيادة على الصحيحة المتقدمة من
اعتبار المعاشرة والمخالطة في معرفة العدالة لتصريحهما بأن العدالة تثبت بهذه
الأمور المعدودة فيهما ومن الظاهر ان هذه الأمور لا تحصل إلا
__________________
بالمخالطة والمعاشرة حسبما قدمنا تحقيقه ، وبالجملة فإنهما واضحان كالخبرين
السابقين في المراد عاريان عن وصمة الإيراد إلا عند من أعمى الله بصر بصيرته
بالعناد واللداد.
ومنها ـ ما
رواه أبو بصير في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا».
ومنها ـ رواية
العلاء بن سيابة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في المكاري والملاح والجمال؟ قال : وما بأس بهم تقبل شهادتهم إذا كانوا
صلحاء».
ورواية عمار بن
مروان «في الرجل يشهد
لابنه والابن لأبيه والرجل لامرأته؟ قال : لا بأس بذلك إذا كان خيرا».
ورواية سماعة قال : «سألته عن رجل مات وله بنون وبنات صغار وكبار من
غير وصية وله خدم ومماليك وعقد كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث؟ قال أن قام رجل
ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس».
والتقريب فيها
ـ كما ذكره الأصحاب ـ ان هذا من الأمور الحسبية الراجعة إلى الحاكم الشرعي أو عدول
المؤمنين وهو (عليهالسلام) قد ناط ذلك بالثقة خاصة لا من اتصف بمجرد الإسلام.
ورواية هشام بن
سالم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) في حديث في الوكالة قال (عليهالسلام) «والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة
يبلغه أو يشافه بالعزل عن الوكالة».
والتقريب بنحو
ما تقدم حيث ان الوكيل لا ينعزل عن الوكالة إلا بعد العلم بالعزل كما صرح به
الأصحاب (رضوان الله عليهم) وهو (عليهالسلام) قد جعل خبر الثقة قائما مقام المشافهة ، ولفظ الثقة
هنا يساوق لفظ العدل في الأخبار المتقدمة فهي بمعنى العدل.
__________________
وصحيحة محمد بن
مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل إذا علم
منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس».
ورواية محمد بن
مسلم قال : «قدم رجل الى أمير المؤمنين (عليهالسلام) بالكوفة فقال انى طلقت امرأتي بعد ما طهرت من محيضها
قبل ان أجامعها؟ فقال أمير المؤمنين (عليهالسلام) أشهدت رجلين ذوي عدل كما قال الله تعالى؟ فقال : لا.
فقال اذهب فإن طلاقك ليس بشيء».
ورواية جابر عن
ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «شهادة القابلة جائزة على انه استهل أو برز ميتا
إذا سئل عنها فعدلت».
الى غير ذلك من
الأخبار الدالة على اعتبار عدالة الشاهد كما لا يخفى على من راجعها من مظانها مثل
مسألة رؤية الهلال والطلاق والشهادات والدين ونحوها وان اختلفت في تأدية ذلك
إجمالا وتفصيلا ، فربما عبر في بعضها بالشاهدين بقول مطلق وربما عبر بالعدلين
وربما عبر بالأوصاف التي هي شرط في حصول العدالة إجمالا أو تفصيلا.
ولا ريب ان ضم
الأخبار بعضها الى بعض وحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها يقتضي ان
العدالة أمر زائد على مجرد الإسلام أو الايمان.
ولا يخفى ايضا
ان مقتضى العمل بتلك الأخبار التي استندوا في الاكتفاء بمجرد الإسلام إليها طرح
هذه الأخبار مع اعتضادها بالآية الشريفة حسبما قدمناه وعمل جملة من متقدمي الأصحاب
كما قدمنا من نقل عباراتهم ، على ان تلك الأخبار التي استندوا إليها غير واضحة
الدلالة كما سنكشف عنه ان شاء الله تعالى نقاب الإبهام في المقام بتوفيق الملك
العلام وبركة أهل الذكر (عليهمالسلام).
__________________
وها نحن نسوقها
لك على التفصيل مذيلين لها بما لا يخفى صحته وقوته على ذوي الفهم من ذوي التحصيل
فنقول :
(الاولى
والثانية) صحيحة حريز عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا فعدل منهم اثنان ولم يعدل الآخران؟
قال إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعا
وأقيم الحد على الذي شهدوا عليه ، انما عليهم ان يشهدوا بما أبصروا وعلموا وعلى
الوالي ان يجيز شهادتهم إلا ان يكونوا معروفين بالفسق».
وما رواه
الصدوق في كتاب المجالس بإسناده عن صالح بن علقمة عن أبيه قال : «قال الصادق جعفر بن محمد (عليهماالسلام) وقد قلت له يا ابن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أخبرني عن من تقبل شهادته ومن لا تقبل؟ فقال يا علقمة
كل من كان على فطرة الإسلام جازت شهادته. قال فقلت له تقبل شهادة المقترف للذنوب؟ فقال
يا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلا شهادة الأنبياء
والأوصياء لأنهم هم المعصومون دون سائر الخلق ، فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو
يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة والستر وشهادته مقبولة وان كان في نفسه
مذنبا. الحديث».
وهذان الخبران
أظهر ما استدل به للقول المذكور وأنت خبير بان الخبر الثاني ضعيف باصطلاحهم فلا
يصلح للاستدلال ولا يمكنهم الاحتجاج به إلا انه حيث كان الأمر عندنا خلاف ما
اصطلحوا عليه أوردناه دليلا لهم وتكلفنا الجواب عنه حسما لمادة الشبهة.
والجواب عنهما (أولا)
انهما لا يبلغان قوة في معارضة الأخبار التي قدمناها المترجحة بالآية المتقدمة ،
وقد ورد عنهم (عليهمالسلام) في القواعد المقررة والضوابط المعتبرة التي قرروها انه
مع اختلاف الأخبار يجب عرضها على كتاب
__________________
الله تعالى والأخذ بما وافقه ورمى ما خالفه ، ولا ريب ان الروايات المتقدمة
موافقة للآية في اشتراط العدالة التي هي أمر زائد على مجرد الإسلام كما تقدم
إيضاحه ، وهذان الخبران على خلاف ما دلت عليه الآية فيجب طرحهما وردهما إلى
قائلهما بمقتضى القاعدة المذكورة.
و (ثانيا) ـ بالحمل
على التقية التي هي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية ، ويعضده ما ذكره بعض أصحابنا
من أن بعض العامة يذهب الى ان الأصل في المسلم العدالة ويعضده ايضا ما ذكره الشيخ في الخلاف من ان البحث عن
عدالة الشهود ما كان في أيام النبي (صلىاللهعليهوآله) ولا أيام الصحابة ولا أيام التابعين وانما هو شيء
أحدثه شريك بن عبد الله القاضي ولو كان شرطا لما أجمع أهل الأمصار على تركه. فإنه دال
بأوضح دلالة على ان قضاة العامة من وقت الصحابة إلى وقت شريك المذكور كانوا على
الحكم بالعدالة بمجرد الإسلام ، ومن الظاهر ان القضاء والحكم بعد موت النبي (صلىاللهعليهوآله) إنما كان في أيديهم ومتى ثبت ذلك اتجه حمل ما دل من
__________________
أخبارنا على مجرد الاكتفاء بالإسلام على التقية. واما ما يوجد في كلام
متأخري علمائهم من تفسير العدالة بالملكة فلعله حدث أخيرا من زمن شريك ونحوه كما
حدث ذلك لمن تبعهم من متأخري أصحابنا (رضوان الله عليهم) مع عدم وجوده في كلام
متقدميهم.
و (ثالثا) انه
متى قيل بما دل عليه الخبران المذكوران ونحوهما من ان العدالة عبارة عن مجرد
الإسلام فاللازم من ذلك طرح تلك الأخبار الصحيحة الصريحة في أن العدالة عبارة عن
أمر زائد على مجرد الإسلام من التقوى والصلاح والعفاف ونحو ذلك من تلك الأوصاف
وكذا مخالفة الآية وهو مما يلتزمه محصل ، فالواجب حمل الخبرين المذكورين على ما
ذكرناه من التقية وإلا فطرحهما بموجب تلك القاعدة المتقدمة الواضحة.
و (رابعا) انه
يحتمل تقييد الخبرين المذكورين بما قدمنا من الأخبار وذلك فإن غاية هذين الخبرين
أن يكونا مطلقين بالنسبة إلى اشتراط العدالة وطريق الجمع في مثل هذا المقام حمل
المطلق على المقيد ، والى ذلك يشير كلام المحدث الكاشاني في الوافي حيث انه نقل في
أول الباب صحيحة ابن ابى يعفور المتقدمة ثم نقل بعدها رواية اللاعب بالحمام المتضمنة لنفي البأس
عن قبول شهادته إذا لم يعرف بفسق ثم نقل خبر حريز المذكور ومرسلة يونس الآتية ان شاء
الله تعالى ثم قال ما صورته : والجمع بين هذه الأخبار يقتضي تقييد مطلقها بمقيدها
اعنى تقييد ما سوى الأول بما في الأول من التعاهد للصلوات والمواظبة على الجماعات
إلا من علة وانه الميزان في معرفة العدالة. إلخ.
(الثالثة) مرسلة
يونس عن بعض رجاله عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «خمسة أشياء يجب على الناس ان يأخذوا فيها بظاهر
الحكم : الولايات والتناكح والمواريث والذبائح والشهادات ، فإذا كان ظاهره ظاهرا
مأمونا جازت شهادته ولا يسأل عن باطنه».
__________________
والجواب (أولا)
بضعف السند الذي به يضعف عن معارضة ما قدمنا من الآية والأخبار.
و (ثانيا) بان
قوله (عليهالسلام) في آخر الخبر «فإذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت
شهادته» بالدلالة على ما ندعيه أشبه ، ولعله استدراك منه (عليهالسلام) بالنسبة إلى الشهادة دون تلك الأشياء المعدودة ، وذلك
فإنه إنما يحكم على ظاهره بالمأمونية مع العلم بما يوجب ذلك من الصفات المتقدمة في
تلك الروايات المكنى بها عن العدالة وإلا فمجهول الحال الذي إنما رؤي حال الحضور
عند الحاكم الشرعي للشهادة مثلا كيف يوصف بكون ظاهره مأمونا وهو مجهول ، إذ مجرد
الإسلام لا يكفي في المأمونية لأن الظاهر الذي يوجب الحكم عليه بالمأمونية إنما هو
معرفته في عباداته ومعاملاته ونحو ذلك لا الظاهر الذي هو عبارة عن رؤية شخصه وكونه
مسلما.
ولو قيل : ان
المراد إنما هو ظاهر الإسلام لأن الأصل في المسلم الستر والعفاف (قلنا) هذا الأصل
ممنوع وضرورة العيان وعدول الوجدان في أبناء نوع الإنسان ولا سيما في هذه الأزمان
أعدل شاهد في البيان بل الأصل انما هو مجهولية الحال حتى يظهر أحد الأمرين من
العدالة والفسق.
و (ثالثا) ما
ذكره المحدث الكاشاني في معنى الخبر المذكور حيث قال في كتاب الوافي بعد نقله ما
صورته : بيان ـ يعنى ان المتولي لأمور غيره إذا ادعى نيابته مثلا أو وصايته
والمباشر لامرأة إذا ادعى زواجها والمتصرف في تركة الميت إذا ادعى نسبه وبائع
اللحم إذا ادعى تذكيته والشاهد على أمر إذا ادعى العلم به ولا معارض لأحد من هؤلاء
تقبل أقوالهم ولا يفتش عن صدقهم حتى يظهر خلافه بشرط ان يكون مأمونا بحسب الظاهر.
انتهى. وحاصله الرجوع الى قبول قول من ادعى شيئا ولا معارض له وهي مسألة أخرى
خارجة عن ما نحن فيه.
(الرابعة) موثقة
عبد الله بن ابى يعفور عن أخيه عبد الكريم عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «تقبل شهادة المرأة والنسوة إذا كن مستورات من
أهل البيوتات معروفات
__________________
بالستر والعفاف مطيعات للأزواج تاركات للبذاء والتبرج الى الرجال في
أنديتهم».
والجواب ان هذه
الرواية لما ندعيه أقرب وبما ذهبنا إليه انسب فإنه (عليهالسلام) قد شرط في صحة شهادتهن أمورا زائدة على الإسلام لا بد
ان يعرف اتصافهن بها وهي العفاف والتقوى وترك المعاصي والمحرمات التي ربما صدر
منهن في تلك المقامات
(الخامسة
والسادسة) رواية عبد الرحيم القصير قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول إذا كان الرجل لا تعرفه يؤم الناس فقرأ القرآن
فلا تقرأ خلفه واعتد بصلاته».
ومرسلة ابن ابى
عمير عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمهم رجل فلما صاروا إلى
الكوفة علموا أنه يهودي؟ قال لا يعيدون».
والجواب ان
هذين الخبرين معارضان عموما بما تقدم من صحيحة ابن ابى يعفور وغيرها الدالة على
اشتراط العدالة وموردها وان كان الشاهد إلا ان الظاهر كما صرح به جملة من الأصحاب
ان العدالة المعتبرة بأي معنى أخذت فإنه لا فرق فيها بين الشاهد والامام ونحوهما ،
وخصوصا بجملة من الأخبار : منها رواية ابى على بن راشد ورواية خلف بن حماد ورواية
إبراهيم بن على المرافقي وابى أحمد عمرو بن الربيع البصري ونحوها من الروايات
المتقدم جميع ذلك في المقام الأول.
وبالجملة فما
ذكرناه من الروايات عموما وخصوصا ان لم يكن أرجح ولا سيما مع اعتضادها بعمل
الطائفة المحقة سلفا وخلفا في الإمامة فلا أقل أن يكون معارضا لهما فلا يمكن
التعلق بهما ، وحملهما على التقية أقرب قريب لاتفاق العامة على جواز الصلاة خلف كل
بر وفاجر فكيف المجهول الحال.
__________________
وبهذين الخبرين مع رواية عمر بن يزيد
الآتية ان شاء الله تعالى استدل شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح
البحراني (قدسسره)
في أجوبة المسائل الشوشترية على ما اختاره من أن العدالة عبارة عن حسن الظاهر ،
وهو مؤذن بصحة ما قدمنا نقله عنهم من انهم انما جمدوا على القشر الظاهر من هذا
اللفظ ولم يعطوا التأمل حقه كما لا يخفى على الخبير الماهر ، وان قولهم بذلك يرجع
الى مذهب المفسرين للعدالة بمجرد الإسلام ، مع انهم زعموا كونه قولا ثالثا في المقام
والحال كما ترى مما هو ظاهر لذوي الأفهام ، على انه ايضا يمكن تأويل رواية عبد
الرحيم بأن صلاة الناس خلفه بمنزلة الشهادة على عدالته سيما إذا كان فيهم من يعتقد
عدالته وان كان ظاهر الأصحاب انه لا يجوز ذلك إلا بعد الفحص والسؤال وحمل مرسلة
ابن ابى عمير على ان ذلك اليهودي أظهر لهم الصلاح حتى حصل لهم الاعتقاد بعدالته.
(السابعة) رواية
عمر بن يزيد قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن امام لا بأس به في جميع أموره عارف غير انه يسمع
أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما اقرأ خلفه؟ قال لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقا قاطعا».
والجواب انه لا
ريب ان هذا الخبر بظاهره دال على عدم ثبوت العقوق بإسماع أبويه الكلام الغليظ الذي
يغيظهما ولا شك ولا إشكال في ثبوت العقوق بذلك لأن
__________________
الآية الشريفة دلت على تحريم التأفيف الذي هو كناية عن مجرد التضجر ، وفي
الخبر عنه (عليهالسلام) «لو علم الله شيئا هو أدنى من أف لنهى عنه» رواه في
الكافي . ورواه ايضا بطريق آخر وزاد فيه «وهو من ادنى العقوق ومن العقوق ان ينظر الرجل
الى والديه فيحد النظر إليهما». وروى فيه ايضا عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال «من نظر الى أبويه نظر ماقت وهما ظالمان له لم يقبل
الله له صلاة».
وحينئذ فيجب
الحكم بفسق الامام المذكور ، وسيأتي ان شاء الله تعالى عد العقوق في الكبائر بل هو
من أكبرها ، وبذلك يظهر ان الخبر المذكور على ظاهره لا يجوز الاعتماد عليه ولا
الاستناد في حكم شرعي اليه. ويمكن تأويله بأن يكون المراد بقوله (عليهالسلام) «ما لم يكن عاقا قاطعا» بمعنى مصرا على ذلك من غير
توبة إلى أبويه وان يسترضيهما ويصلحهما ويعتذر إليهما بحيث يرضيان عنه. وبالجملة
فإن الخبر المذكور لما عرفت مطرح ولا بأس بارتكاب التأويل فيه وان بعد تفاديا من
طرحه.
(الثامنة
والتاسعة) ما رواه الصدوق بإسناد ظاهره الصحة عن عبد الله بن المغيرة قال : «قلت للرضا (عليهالسلام) رجل طلق امرأته واشهد شاهدين ناصبيين؟ قال كل من ولد
على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته».
وحسنة البزنطي
عن ابى الحسن (عليهالسلام) انه قال له «جعلت فداك كيف طلاق السنة؟ فقال يطلقها إذا
طهرت من حيضها قبل ان يغشاها بشاهدين عدلين كما قال الله في كتابه فإن خالف ذلك رد
الى كتاب الله. فقلت فإن أشهد رجلين ناصبيين على الطلاق
__________________
أيكون طلاقا؟ فقال من ولد على الفطرة أجيزت شهادته على الطلاق بعد ان يعرف
منه خير».
قال في المسالك
بعد إيراد الخبر الثاني في كتاب الطلاق : وهذه الرواية واضحة الاسناد والدلالة على
الاكتفاء بشهادة المسلم في الطلاق. ولا يرد ان قوله «بعد ان يعرف منه خير» ينافي
ذلك لأن الخير قد يعرف من المؤمن وغيره وهو نكرة في سياق الإثبات لا يقتضي العموم
فلا ينافيه مع معرفة الخير منه بالذي أظهره من الشهادتين والصلاة والصيام وغيرهما
من أركان الإسلام ان يعلم منه ما يخالف الاعتقاد الصحيح لصدق معرفة الخير منه معه.
وفي الخبر ـ مع تصديره باشتراط شهادة العدلين ثم الاكتفاء بما ذكر ـ تنبيه على ان
العدالة هي الإسلام فإذا أضيف الى ذلك أن لا يظهر الفسق كان اولى. انتهى.
واقتفاه في هذه
المقالة سبطه السيد السند في شرح النافع فقال بعد نقل كلامه المذكور وذكر الرواية
الأولى ما صورته : وهو جيد والرواية الاولى مع صحة سندها دالة على ذلك أيضا فإن
الظاهر ان التعريف في قوله (عليهالسلام) فيها «وعرف بالصلاح في نفسه» للجنس لا للاستغراق ،
وهاتان الروايتان مع صحتهما سالمتان من المعارض فيتجه العمل بهما. انتهى.
واقتفاهما في
ذلك المحدث الكاشاني في المفاتيح والفاضل الخراساني كما هي عادتهما غالبا.
أقول : وهذا ما
أشرنا إليه آنفا من انه قد انجر الأمر من القول بمجرد الإسلام إلى الحكم بعدالة
النصاب وذوي الأذناب.
وكيف كان فهذا
الكلام باطل ومردود من وجوه (الأول) ما قدمنا بيانه من الآية والأخبار المتقدمة
الدالة على ان العدالة أمر زائد على مجرد الإسلام مع دلالة جملة منها على ان ذلك
عبارة عن التقوى والصلاح والعفاف ونحوها. وبذلك يظهر لك ما في قول سبطه السيد
السند انهما سالمتان من المعارض فيتجه العمل بهما.
(الثاني) انه
لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) من هؤلاء القائلين بهذا القول وغيرهم في
كفر الناصب ونجاسته وحل دمه وماله وان حكمه حكم الكافر الحربي ، وانما الخلاف في
المخالف الغير الناصب هل يحكم بإسلامه كما هو المشهور بين المتأخرين أم بكفره كما
هو المشهور بين المتقدمين؟ والروايتان قد اشتملتا على السؤال عن شهادة الناصبين
على الطلاق فكيف يتم الحكم بالإسلام ثم صحة الطلاق فرعا على ذلك مع الاتفاق نصا
وفتوى على الكفر كما عرفت؟ إلا ان يريدوا بالإسلام مجرد الانتحال للإسلام وحينئذ
فتدخل فيه الخوارج والمجسمة والمشبهة فتكون ظلمات بعضها فوق بعض.
ثم لو تنزلنا
عن ذلك وحملنا الناصب في الخبرين على المخالف كما ربما يدعيه الخصم حيث ان مذهبهم
الحكم بإسلام المخالفين فانا نقول ان قبول شهادة المخالف مخالف للأدلة الشرعية
كتابا وسنة الدالة على عدم قبول شهادة الفاسق والظالم واى فسق وظلم أظهر من الخروج من الإيمان والإصرار على
ذلك الاعتقاد الفاسد المترتب عليه ما لا يخفى من المفاسد.
واما ما أجاب
به المحدث الكاشاني في المفاتيح تبعا للمسالك ـ من ان الفسق انما يتحقق بفعل
المعصية مع اعتقاد كونها معصية لا مع اعتقاد كونها طاعة والظلم انما يتحقق بمعاندة
الحق مع العلم به ـ فهو مردود بأنه لو تم هذا الكلام المنحل الزمام المموه الفاسد
الناشئ من عدم إعطاء التأمل حقه في هذه المقاصد لاقتضى قيام العذر للمخالفين وعدم
استحقاق العذاب في الآخرة ولا أظن هؤلاء القائلين يلتزمونه ، وذلك فان المكلف إذا
بذل جده وجهده في طلب الحق وأتعب الفكر والنظر في ذلك واداه نظره الى ما كان باطلا
في الواقع لعروض الشبهة له فلا ريب في انه يكون
__________________
معذورا عقلا ونقلا لعدم تقصيره في السعي لطلب الحق وتحصيله الذي أمر به
وكذا يقوم العذر لمنكري النبوات وأهل الملل والأديان وهذا في البطلان أظهر من ان
يحتاج الى بيان. وبالجملة فإنه ان كان هذا الاعتقاد الذي جعله طاعة وعدم العلم
بالحق الذي ذكره انما نشأ عن بحث ونظر يقوم بهما العذر شرعا عند الله فلا مناص عن
ما ذكرناه وإلا فلا معنى لكلامه بالكلية كما هو الظاهر لكل ذي عقل وروية.
(الثالث) انه
قد استفاضت الروايات والاخبار عن الأئمة الأبرار (عليهمالسلام) ـ كما بسطنا عليه الكلام في كتاب الشهاب الثاقب في
بيان معنى الناصب ـ بكفر المخالفين ونصبهم وشركهم وان الكلب واليهودي خير منهم . وهذا مما لا يجامع الإسلام البتة فضلا عن العدالة ،
واستفاضت ايضا بأنهم ليسوا من الحنيفية على شيء . وانهم ليسوا إلا مثل الجدر المنصوبة . وانه لم يبق في يدهم إلا مجرد استقبال القبلة . واستفاضت بعرض الأخبار على مذهبهم والأخذ بخلافه واستفاضت ايضا ببطلان أعمالهم وأمثال ذلك مما يدل على خروجهم عن الملة المحمدية
والشريعة النبوية بالكلية والحكم بعدالتهم لا يجامع شيئا من ذلك كما لا يخفى.
(الرابع) انه
يلزم من ما ذكره ـ من ان الخير نكرة في سياق الإثبات فلا يعم وكذا قول سبطه : ان
التعريف في قوله (عليهالسلام) «وعرف بالصلاح في نفسه» للجنس لا للاستغراق ـ دخول أكثر
الفسقة والمردة في هذا التعريف إذ ما من فاسق في الغالب إلا وفيه صفة من صفات
الخير فإذا جاز اجتماع العدالة مع فساد العقيدة
__________________
جاز مع شرب الخمر والزنا واللواط ونحو ذلك بطريق أولى ، بل يدخل في ذلك
الخوارج والمرجئة وأمثالهما من الفرق التي لا خلاف في كفرها حيث ان الخير بهذا
المعنى حاصل فيهم فتثبت عدالتهم بذلك وان كانوا فاسدي العقيدة نعوذ بالله من زلل
الاقدام وطغيان الأقلام.
(الخامس) قوله «ان
الخير يعرف من المؤمن. إلى قوله لصدق معرفة الخير منه» فان فيه زيادة على ما تقدم
ان الأخبار الصحيحة الصريحة قد استفاضت ببطلان عبادة المخالفين لاشتراط صحة
العبادة بالإقرار بالولاية بل ورد عن الصادق (عليهالسلام) «سواء على الناصب صلى أم زنى». والمراد بالناصب هو مطلق المخالف كما حققناه
في كتاب الشهاب الثاقب وحينئذ فأي خيرية في أعمال من قام الدليل على بطلانها وانها
في حكم العدم ، وكونها في الظاهر بصورة العبادة لا يجدى نفعا لأن خيرية الخير
وشرية الشر انما هو باعتبار ما يترتب على كل منهما من النفع والضرر كما ينادى به الحديث
النبوي «لا خير بخير بعده النار ولا شر بشر بعده الجنة».
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان الذي ظهر لي في معنى الخبرين المذكورين أنهما إنما خرجا مخرج التقية ،
وتوضيح ذلك انه قد ظهر بما قدمناه من الوجوه ان المخالف ناصبيا كان بالمعنى الذي
يدعونه أو غيره لا خير فيه بوجه من الوجوه فخرج من البين بذلك ، ولو حمل الخير في
الخبر على مطلق الخير كما ادعاه في المسالك لجامع الفسق البتة إذ لا فاسق متى كان
مسلما إلا وفيه خير وهو باطل إجماعا نصا وفتوى لدلالة الآية والرواية على رد خبر الفاسق ، فلا بد من حمل الخير على أمر
__________________
زائد على مجرد الإسلام ، ووجه الإجمال في هذه العبارة في الخبرين انما هو
التقية التي هي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية ، وذلك ان السائل في الخبر الثاني
لما سأله عن كيفية طلاق السنة أجاب (عليهالسلام) بالحكم الشرعي الواضح وهو ان يطلقها إذا طهرت من حيضها
قبل ان يغشاها بشاهدين عدلين كما قال الله عزوجل في كتابه فإن خالف ذلك رد الى الكتاب بمعنى انه يبطل ما اتى به
من الطلاق لمخالفته الكتاب ، ولا ريب ان الطلاق بشهادة الناصب باطل بمقتضى هذا
التقرير عند كل ذي انس باخبار أهل البيت ومعرفة مذهبهم (عليهمالسلام) وما يعتقدونه في مخالفيهم من الكفر والشرك والعداوة
والنصب فيجب رد من أشهدهما على طلاق الى كتاب الله الدال على بطلان هذا الطلاق
لاشتراط عدالة الشاهد بنص الكتاب لكن لما سأل السائل بعد ذلك عن خصوص ذلك وكان
المقام لا يقتضي الإفصاح بالجواب ب «لا أو نعم» أجمل (عليهالسلام) في الجواب بما فيه إشارة إلى انه لا يجوز ذلك بعبارة
موهمة للجواز فقال (عليهالسلام) «كل من ولد على الفطرة الإسلامية وعرف فيه خير جازت
شهادته». وهذا في بادئ النظر يعطى ما توهمه هؤلاء من كون الناصب تجوز شهادته لانه
ولد على فطرة الإسلام وفيه خير إلا انه لما كان الناصب بمقتضى مذهبهم (عليهمالسلام) من أخبارهم وتتبع سيرهم لا خير فيه ولا صلاح بالكلية
لما أسلفنا ذكره وجب إخراجه في المقام وحمل العبارة المذكورة على من عداه. ومن ما
ذكرنا يعلم الكلام في الرواية الاولى. وبذلك يظهر لك زيادة على ما قدمناه ما في
كلام السيد السند وقوله ان الروايتين سالمتان من المعارض.
وبالجملة فان
الواجب في الاستدلال بالخبر في هذا الموضع وغيره النظر الى انطباق موضع الاستدلال
على مقتضى القواعد المعتبرة والقوانين المقررة في الأخبار فمتى كان الخبر مخالفا
لها وخارجا عنها وجب طرحه وامتنع الاستناد اليه وان كان صحيح السند صريح الدلالة
لاستفاضة أخبارهم (عليهمالسلام) بعرض
__________________
الأخبار على كتاب الله تعالى والسنة النبوية ولكن عادة أصحاب هذا الاصطلاح
ولا سيما السيد صاحب المدارك الدوران مدار صحة السند فمتى كان السند صحيحا لم ينظر
الى ما دل في متن الخبر من العلل كما قدمنا التنبيه عليه في غير موضع من ما تقدم. وبالجملة
فكلام هؤلاء الأعيان في هذا المكان أظهر في البطلان من أن يحتاج إلى زيادة على ما
ذكرنا من البيان. والله العالم.
(المقام الرابع)
في الكبائر وعددها وانها عبارة عما ذا وانه هل جميع الذنوب كبائر أو بعضها صغائر
وبعضها كبائر؟
والكلام هنا
يقع في موضعين (الأول) في الكبائر وعددها ، اعلم انه قد اختلفت كلمة العلماء في
تفسير الكبيرة على أقوال منتشرة ، فقال قوم هي كل ذنب توعد الله تعالى عليه
بالعقاب في الكتاب العزيز ، وقال آخرون هي كل ذنب رتب عليه الشارع حدا أو صرح
بالوعيد ، وقال طائفة هي كل معصية تؤذن بقلة اكتراث فاعلها بالدين ، وقال جماعة هي
كل ذنب علمت حرمته بدليل قاطع ، وقيل كل ما توعد عليه توعدا شديدا في الكتاب أو
السنة ، وقيل هي ما نهى الله عنه في سورة النساء من أولها إلى قوله تعالى «إِنْ تَجْتَنِبُوا
كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ ... الآية» وقال قوم انها سبع : الشرك بالله وقتل النفس التي حرم
الله وقذف المحصنة وأكل مال اليتيم والربا والفرار من الزحف وعقوق الوالدين ، وقيل
انها تسع بزيادة السحر والإلحاد في بيت الله أى الظلم فيه ، الى غير ذلك من
الأقوال الكثيرة المنسوبة إلى العامة .
والمختار من
هذه الأقوال الأول والظاهر انه المشهور بين أصحابنا بل قال
__________________
بعض أفاضل متأخري المتأخرين بعد نسبة هذا القول إلى الشهرة بينهم : ولم أجد
في كلامهم اختيار قول آخر.
ويدل على هذا
القول جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن الحسن
بن محبوب قال : «كتب معى بعض أصحابنا الى ابى الحسن (عليهالسلام) يسأله عن الكبائر كم هي وما هي؟ فكتب الكبائر من اجتنب
ما وعد الله عليه النار كفر عنه سيئاته إذا كان مؤمنا ، والسبع الموجبات : قتل
النفس الحرام وعقوق الوالدين وأكل الربا والتعرب بعد الهجرة وقذف المحصنة وأكل مال
اليتيم والفرار من الزحف».
قال بعض
مشايخنا المعاصرين قوله (عليهالسلام) : «والسبع الموجبات» معناه أنها أكبر الكبائر وأشدها
حتى انها أوجبت النار لفاعلها ، ومن المستبين ان الإيجاب والحتم أمر آخر فوق
الإيعاد لا يتطرق اليه الإخلاف بخلاف الوعيد المطلق فان اخلافه حسن كما تقرر في
الكلام ، فهذه السبع لعظمها كأنها أوجبت النار فلا ينافي ما تضمنه صدر الخبر من
تفسيرها بما وعد الله عليه النار.
ومنها ـ ما
رواه في الكتاب المذكور عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في قول الله عزوجل (إِنْ تَجْتَنِبُوا
كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ
مُدْخَلاً كَرِيماً)؟ قال : الكبائر التي أوجب الله عزوجل عليها النار». ومثله في تفسير العياشي عن كثير النواء
عن الباقر (عليهالسلام) .
وما رواه في
الفقيه عن عباد بن كثير النواء قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن الكبائر فقال كل ما أوعد الله عليه النار».
__________________
ومنها ـ صحيحة
ابن ابى يعفور المتقدمة وقوله (عليهالسلام) فيها «وتعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها
النار من شرب الخمر. الى آخر ما تقدم».
وروى الثقة
الجليل على بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن الكبائر التي قال الله عزوجل (إِنْ تَجْتَنِبُوا
كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ
مُدْخَلاً كَرِيماً)؟ قال التي أوجب عليها النار».
واما ما اشتمل
على الحصر في عدد معين ـ مثل ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول الكبائر سبع : قتل المؤمن متعمدا
وقذف المحصنة والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة وأكل مال اليتيم ظلما وأكل
الربا بعد البينة وكل ما أوجب الله تعالى عليه النار».
وعن عبيد بن
زرارة في الحسن قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الكبائر فقال هن في كتاب على (عليهالسلام) سبع : الكفر بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وأكل
الربا بعد البينة وأكل مال اليتيم ظلما والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة. قال
فقلت فهذا أكبر المعاصي؟ قال نعم. قلت فأكل درهم من مال اليتيم ظلما أكبر أم ترك
الصلاة؟ قال ترك الصلاة. قلت : فما عددت ترك الصلاة في الكبائر؟ فقال اى شيء أول
ما قلت لك؟ قال قلت الكفر. قال فان تارك الصلاة كافر يعنى من غير علة».
وعن مسعدة بن
صدقة قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول الكبائر القنوط من رحمة الله واليأس من روح الله
والأمن من مكر الله وقتل النفس التي حرم الله وعقوق الوالدين وأكل مال اليتيم ظلما
وأكل الربا بعد البينة والتعرب بعد الهجرة وقذف المحصنة والفرار من الزحف».
أقول : هذا
الخبر قد اشتمل على عشر من الكبائر واحتمل بعض المحدثين
__________________
ان عطف قوله : «اليأس» على القنوط عطف بيان ، قال : لعدم التغاير بينهما في
المعنى إذ لا فرق بينا بين اليأس والقنوط ولا بين الروح والرحمة. انتهى.
وعن ابى بصير
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول : الكبائر سبعة منها قتل النفس
متعمدا والشرك بالله العظيم وقذف المحصنة وأكل الربا بعد البينة والفرار من الزحف
والتعرب بعد الهجرة وعقوق الوالدين وأكل مال اليتيم ظلما قال : والتعرب والشرك
واحد».
أقول : قوله «والتعرب
والشرك واحد» لعله اعتذار عن ما يتراءى من المخالفة بين قوله «سبعة» والتفصيل
لكونها ثمانية ـ فيمكن دفع المنافاة بينه وبين ما تقدم بان مراتب الكبائر مختلفة
وان السبع المذكورة في هذه الأخبار أكبر من ما عداها ، ولا ينافي ذلك ان كل ما
أوعد الله عليه النار كبيرة. ويحتمل حمل هذه الأخبار الأخيرة على التمثيل لا الحصر
ويؤيده اختلافها في بعض الأفراد المعدودة فيها.
ويؤيد ما قلنا
من أن ذكر هذه السبع ونحوها انما هو من حيث كونها أكبر ما رواه في التهذيب عن ابى
الصامت عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «أكبر الكبائر سبع : الشرك بالله العظيم وقتل النفس
التي حرم الله تعالى إلا بالحق وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين وقذف المحصنات
والفرار من الزحف وإنكار ما انزل الله عزوجل».
هذا ، وقد روى
في الكافي والفقيه عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى قال : «حدثني أبو جعفر الثاني (عليهالسلام) قال سمعت ابى (عليهالسلام) يقول سمعت ابى موسى بن جعفر (عليهالسلام) يقول : دخل عمرو بن عبيد على ابى عبد الله (عليهالسلام) فلما سلم وجلس تلا هذه الآية «الذين يجتنبون كبائر
الإثم والفواحش» ثم أمسك فقال له أبو عبد الله (عليهالسلام) ما أسكتك؟ قال أحب ان أعرف الكبائر من كتاب الله تعالى
فقال نعم يا عمرو أكبر الكبائر الإشراك بالله يقول الله تعالى «مَنْ يُشْرِكْ
بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ
__________________
الْجَنَّةَ»
وبعده الإياس من روح الله لان الله تعالى يقول «لا يَيْأَسُ مِنْ
رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ»
ثم الأمن لمكر الله لان الله تعالى يقول «فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ
اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ»
ومنها عقوق الوالدين لان الله تعالى جعل العاق جبارا شقيا وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق لان الله تعالى
يقول «فَجَزاؤُهُ
جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ... الى آخر الآية» وقذف المحصنة لأن الله تعالى يقول «لُعِنُوا فِي
الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ»
وأكل مال اليتيم لان الله تعالى يقول «إِنَّما يَأْكُلُونَ
فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً»
والفرار من الزحف لان الله تعالى يقول «وَمَنْ يُوَلِّهِمْ
يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ
فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ»
وأكل الربا لان الله تعالى يقول «الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ
الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ»
والسحر لان الله تعالى يقول «وَلَقَدْ عَلِمُوا
لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ»
والزنا لان الله تعالى يقول «وَمَنْ يَفْعَلْ
ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ
فِيهِ مُهاناً» واليمين الغموس الفاجرة لأن الله تعالى يقول :
«الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ
وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ»
والغلول لان الله تعالى يقول «وَمَنْ يَغْلُلْ
يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ»
ومنع الزكاة المفروضة لأن الله تعالى يقول «فَتُكْوى بِها
جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ»
__________________
وشهادة الزور وكتمان الشهادة لأن الله يقول «وَمَنْ يَكْتُمْها
فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ»
وشرب الخمر لان الله تعالى نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان وترك الصلاة متعمدا أو شيئا مما فرض الله تعالى لأن
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال : «من ترك الصلاة متعمدا فقد بريء من ذمة الله
وذمة رسول الله (صلىاللهعليهوآله)» ونقض العهد وقطيعة الرحم لان الله تعالى يقول «أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ
وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ» قال فخرج عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول هلك من قال
برأيه ونازعكم في الفضل والعلم».
أقول : وهذه
الرواية قد اشتملت من عدد الكبائر على احدى وعشرين والكلام فيها ينبغي أن يكون على
نحو ما قدمناه من أن الكبائر كثيرة وإيثار هذه الاعداد بالذكر لكونها أكبر من
البواقي أو يحمل على ان وقوعها أكثر فوق الاهتمام بذكرها ليحترزوا عنها وان تفاوتت
هذه الأعداد أيضا في ذلك بالشدة والضعف ، مع ان في أكثرها إشارة إجمالية إلى غيرها
لاشتراكها في العلة وهي الوعيد. ومن ما يعضده ما نقله جملة من أصحابنا عن ابن عباس
ان الكبيرة ما نهى الله سبحانه عنه قيل ، هي سبع قال : هي إلى السبعين أقرب. وفي
رواية إلى السبعمائة.
(الموضع الثاني)
ـ قد اختلف أصحابنا (رضوان الله عليهم) في انه هل يكون كل معصية كبيرة وان إطلاق
الصغيرة على بعضها انما هو مجاز بالإضافة الى ما فوقها أو انها حقيقة في القسمين
فمنها ما يكون كبيرة ومنها ما يكون صغيرة؟ قولان ذهب الى الأول جمع من الأصحاب
ونقل عن الشيخ المفيد وابن البراج وابى الصلاح والشيخ في العدة والشيخ ابى على
الطبرسي وابن إدريس ، فكل ذنب عندهم كبيرة لاشتراكها في مخالفة أمر الله تعالى إلا
انه ربما أطلق الصغيرة على بعض الذنوب بالإضافة الى ما فوقه كالقبلة مثلا بالنسبة
إلى الزنا وان كانت كبيرة بالنسبة إلى مجرد النظر.
__________________
قال الشيخ أبو
على المذكور في تفسيره مجمع البيان بعد نقله هذا القول : والى هذا ذهب أصحابنا فإنهم قالوا
المعاصي كلها كبيرة لكن بعضها أكبر من بعض وليس في الذنوب صغيرة وانما يكون صغيرا
بالإضافة الى ما هو أكبر منه ويستحق العقاب عليه أكثر.
وظاهر عبارته ان
ذلك اتفاقي بين من تقدم عليه من أصحابنا وربما ظهر ذلك ايضا من كلام الشيخ في
العدة وابن إدريس.
قال شيخنا
البهائي (زاده الله بهاء وشرفا) في كتاب الأربعين بعد نقل ذلك عنه : لا يخفى ان
كلام الشيخ الطبرسي مشعر بان القول بان الذنوب كلها كبائر متفق عليه بين الإمامية
وكفى بالشيخ ناقلا :
«إذا قالت حذام فصدقوها
|
|
فان القول ما
قالت حذام»
|
قيل : ولهذا
القول شواهد في الأخبار مثل ما دل على ان كل معصية شديدة . وما دل على ان كل معصية قد توجب لصاحبها النار وما دل على التحذير من استحقار الذنب واستصغاره وأمثال ذلك.
ويؤيده ما رواه
الكليني عن عبد الله بن سنان بإسناد يحتمل الصحة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار».
وما رواه ابن
بابويه بإسناد ضعيف عن النبي (صلىاللهعليهوآله) قال : «لا تحتقروا شيئا من الشر وان صغر في أعينكم ولا
تستكثروا شيئا من الخير وان كثر في أعينكم فإنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة
مع الإصرار».
وجه التأييد ان
المراد بالإصرار الإقامة على الذنب لعدم التوبة والاستغفار كما قال جماعة من
المفسرين في قوله تعالى «وَلَمْ يُصِرُّوا
عَلى ما فَعَلُوا» .
__________________
أقول : يمكن
تطرق النظر الى ما ذكره بان يقال (أولا) ان ما ذكره من هذه الأدلة معارض بما سيأتي
ان شاء الله تعالى في أدلة القول الآخر مما هو أوضح دلالة.
و (ثانيا) انه
يمكن ان يقال ان احتقار الذنب واستصغاره أمر زائد على أصل الذنب فلعله بانضمام ذلك
الى أصل الذنب يكون كبيرة ، ويؤيده ما يظهر من كلام أهل اللغة ، قال الجوهري «أصررت
على الشيء أي أقمت ودمت» وقال ابن الأثير : «أصر على الشيء إصرارا إذا لزمه
وداومه وثبت عليه» وفي القاموس «أصر على الأمر لزمه» فان ظاهر هذا الكلام ان
الإصرار عبارة عن العزم على المعاودة والمداومة على ذلك الذنب.
وقال شيخنا
الشهيد في قواعده على ما نقله بعض الأصحاب بعد تقسيمه الإصرار إلى فعلى وحكمي :
الفعلي هو الدوام على نوع واحد من الصغائر بلا توبة أو الإكثار من جنسها بلا توبة
والحكمي هو العزم على تلك الصغيرة بعد الفراغ منها ، اما لو فعل الصغيرة ولم يخطر
بباله بعدها توبة ولا عزم على فعلها فالظاهر انه غير مصر. انتهى. وهو ظاهر فيما
قلناه وواضح في ما ادعيناه.
إلا انه قد روى
في الكافي عن جابر عن ابى جعفر (عليهالسلام) «في قول الله تعالى (وَلَمْ يُصِرُّوا
عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) قال الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث
نفسه بتوبة فذلك الإصرار».
فإن ظاهره ان
الإصرار يتحقق بالذنب مع عدم التوبة والاستغفار وهو ظاهر في ان من لا يخطر بباله
بعد الذنب توبة ولا عزم على فعلها يكون مصرا ، وحينئذ تكون كبيرة بمقتضى الأخبار
الدالة على انه لا صغيرة مع الإصرار ويكون دليلا ظاهرا لهذا القول.
__________________
وفيه انه وان
كان الأمر كذلك إلا انه مع ضعف سنده معارض بما سيأتي ان شاء الله تعالى من الأدلة
الدالة على القول الآخر الظاهرة في الرجحان عليه.
هذا ، ولهم في
تفسير الإصرار أقوال مختلفة ، فقيل انه عبارة عن الإكثار من الصغائر سواء كان من
نوع واحد أو من أنواع مختلفة ، وقيل انه عبارة عن المداومة على نوع واحد منها ،
ونقل بعضهم قولا بان المراد به عدم التوبة ، قال في البحار بعد نقله : وهو ضعيف
وقد تقدم في كلام شيخنا الشهيد في قواعده تقسيم الإصرار إلى فعلى وحكمي. إلى آخر
ما قدمناه من كلامه ، قال في البحار وارتضاه جماعة من المتأخرين. وأنت خبير بان
النصوص خالية من بيان خصوص ذلك صريحا إلا ما يفهم من رواية جابر وظاهر جملة من
الأصحاب الاعراض عن ما دلت عليه والميل الى ما اخترناه من المعنى المذكور المأخوذ
فيه العزم على العود.
قال بعض
المحققين من متأخري المتأخرين : وبالجملة ظاهر الجمع بين الروايات والأخبار
الواردة في هذا الباب ان العدل واقعا من يكون ارتكابه للمعاصي على سبيل الندرة
بحيث يكون عامة أو قامة متجانبا عنها بحيث ان صدر منه شيء تذكر واستغفر كما قال
سبحانه «وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً
أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ»
فحينئذ ان صدر منه صغيرة ولو غير مرة وغفل عن توبته لا يضره ذلك ولم يصر
بذلك مصرا. انتهى.
الثاني من القولين
المذكورين هو ان الذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر ، ونقل عن الشيخ في المبسوط وابن
حمزة والفاضلين وجمهور المتأخرين ، والظاهر انه الأقرب ويشهد له قوله تعالى «إِنْ تَجْتَنِبُوا
كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ»
فإنها ظاهرة في ان اجتناب الكبائر مكفر للصغائر. واما على مذهب من ذهب الى
ان الذنوب كلها كبائر فلا معنى للآية إذ ليس هنا ذنب غير الكبائر.
وأجيب عن ذلك
بان من عن له ذنبان أحدهما أكبر من الآخر ودعت نفسه
__________________
إليهما بحيث لا يتمالك فترك الأكبر وفعل الأصغر فإنه يكفر عنه الأصغر لما
استحقه من الثواب على ترك الأكبر كمن عن له التقبيل والنظر بشهوة فكف عن التقبيل
وارتكب النظر.
وهذا الجواب
ذكره في كنز العرفان وأورده البيضاوي في تفسيره ونقله شيخنا البهائي في كتاب الأربعين
وأمر بالتأمل فيه ، ثم انه بين وجه التأمل في حاشية الكتاب بما هو ظاهر في بطلان
هذا الجواب ، فحيث قال : انه يلزم منه ان من كف نفسه عن قتل شخص وقطع يده مثلا
يكون مرتكبا للصغيرة وتكون مكفرة عنه ، اللهمّ إلا ان يراد بالأصغر ما لا أصغر منه
وهو في هذا المثال أقل ما يصدق عليه الضرر لا قطع اليد. وفيه ما فيه فليتأمل.
انتهى. وهو جيد وجيه.
ويدل على ذلك
ايضا ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام) من اجتنب الكبائر كفر الله عنه جميع ذنوبه وذلك قول
الله عزوجل (إِنْ تَجْتَنِبُوا
كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ
مُدْخَلاً كَرِيماً)» .
ويشهد له ايضا
قوله تعالى «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ
الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ»
واللمم عبارة عن الصغائر أو نوع خاص منها :
ففي الكافي عن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «هو الذنب يلم به الرجل فيمكث ما شاء الله تعالى
ثم يلم به بعد».
وعنه (عليهالسلام) في تفسير الآية المذكورة قال : «الهنة بعد الهنة أي
الذنب بعد الذنب يلم به العبد».
قال في كتاب
مجمع البحرين ومطلع النيرين : قال ابن عرفة اللمم عند العرب ان يفعل الإنسان الشيء
في الحين لا يكون له عادة ، ويقال اللمم هو ما يلم به العبد من
__________________
ذنوب صغار بجهالة ثم يندم ويستغفر ويتوب فيغفر له ، وفي الحديث «اللمم ما بين الحدين حد الدنيا والآخرة». وفسر حد الدنيا بما فيه الحدود
كالسرقة والزنا والقذف وحد الآخرة بما فيه العذاب كالقتل وعقوق الوالدين وأكل الربا
، فأراد أن اللمم ما لم يوجب عليه حدا ولا عذابا ، قيل والاستثناء منقطع. ويجوز ان
يكون إلا اللمم صفة أى كبائر الإثم والفواحش غير اللمم. انتهى كلامه زيد إكرامه.
ويدل على هذا
القول ايضا ما ورد في جملة من الأخبار في ثواب بعض الأعمال أنه يكفر الذنوب ما عدا
الكبائر ، وتشهد له أيضا الأخبار الكثيرة الدالة على تفسير الكبائر وانها ما أوعد
الله عليها النار وتفصيلها وعدها في أشياء مخصوصة وما ورد عنه (صلىاللهعليهوآله) في حديث «انما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي». رواه
الصدوق في الفقيه مرسلا عنه (صلىاللهعليهوآله) الى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتگبع.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه متى زالت العدالة بارتكاب بعض الذنوب فإنه لا خلاف في انها تعود بالتوبة
وكذا من حد في معصية ثم تاب فإنه يرجع الى العدالة ونقل عن بعض الأصحاب دعوى
الإجماع على ذلك.
وانما الخلاف
في أن مجرد إظهار التوبة والندم هل يكفي في ذلك أم لا؟ فالمشهور على ما نقله بعض
الأصحاب انه لا يكفي في ذلك مجرد إظهار التوبة إذ لا يؤمن ان يكون له في الإظهار
غرض فاسد بل لا بد من الاختبار مدة يغلب معها الظن بأنه أصلح سريرته وانه صادق في
توبته ، وقيل انه يعتبر إصلاح العمل وانه يكفى في ذلك عمل صالح ولو ذكر أو تسبيح ،
وقيل انه يكفى في ذلك تكرير إظهار التوبة والندم ومجرد استمراره على التوبة.
وذهب الشيخ في
المبسوط الى الاكتفاء في قبول الشهادة بإظهار التوبة عقيب
__________________
قول الحاكم له «تب أقبل شهادتك» لصدق التوبة المقتضي لعود العدالة. ورد بأن
المقتضي لعود العدالة التوبة المعتبرة شرعا لا مطلق التوبة.
أقول : الظاهر
من الأخبار الواردة في المقام هو قوة ما ذكره الشيخ :
منها ـ ما رواه
الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المحدود ان تاب تقبل شهادته؟ فقال إذا تاب ـ وتوبته
أن يرجع من ما قال ويكذب نفسه عند الامام وعند المسلمين فإذا فعل ـ فان على الامام
ان يقبل شهادته بعد ذلك».
وعن ابى الصباح
الكناني بسند معتبر قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن القاذف بعد ما يقام عليه الحد ما توبته؟ قال يكذب
نفسه. قلت أرأيت ان أكذب نفسه وتاب أتقبل شهادته؟ قال نعم».
وما رواه الشيخ
عن ابى الصباح ايضا قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن القاذف إذا أكذب نفسه وتاب أتقبل شهادته؟ قال نعم».
وما رواه في
التهذيب والكافي عن يونس عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن الذي يقذف المحصنات تقبل شهادته بعد
الحد إذا تاب؟ قال نعم. قلت وما توبته؟ قال يجيء فيكذب نفسه عند الامام ويقول قد
افتريت على فلانة ويتوب من ما قال».
وبالجملة فإن
هذا القول هو الظاهر من هذه الأخبار كما ترى وان كان الاحتياط سيما بالنظر الى
أحوال أبناء الزمان هو القول المشهور. وقول ذلك القائل ـ في رد كلام الشيخ «ان
المقتضى لعود العدالة التوبة المعتبرة شرعا لا مجرد التوبة» مشيرا الى ان التوبة
المعتبرة شرعا هي ما ذكروه في القول المشهور من انه لا بد من الاختبار مدة ـ جيد
لو كان ما ذكروه مستندا الى دليل شرعي مع انا لم نقف في الأخبار على
__________________
ما يدل عليه بل الذي نقلناه من الأخبار بخلافه كما رأيت. والله العالم.
(المقام الخامس)
ـ اعلم انه قد صرح جملة من أصحابنا : منهم ـ شيخنا العلامة المجلسي في كتاب البحار
وشيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني وتلميذه المحدث الشيخ عبد
الله بن صالح البحراني بأن العدالة المشترطة في الإمامة والشهادة والقضاء والفتوى
أمر واحد بأي الأقوال الثلاثة المتقدمة فسرت كان جميع من ذكر مشتركين فيها ، وقد
جرينا على هذا القول سابقا في جملة من زبرنا ورسائلنا ، والذي ظهر لنا الآن بعد التأمل
في الأخبار بعين الفكر والاعتبار ان العدالة في الحاكم الشرعي من قاض ومفت أخص من
ما ذكر من معنى العدالة بأي المعاني المتقدمة اعتبرت لأنه نائب عن الامام (عليهالسلام) وجالس في مجلس النبوة والإمامة ومتصدر للقيام بتلك
الزعامة فلا بد فيه من مناسبة للمنوب عنه بما يستحق به النيابة وذلك بان يكون
متصفا بعلم الأخلاق الذي هو السبب الكلى المقرب من الملك الخلاق وهو تحلية النفس
بالفضائل وتخليتها من الرذائل وان كان هذا العلم الآن قد عفت مراسمه وانطمست في
هذه الأزمنة معالمه وانما المدار بين الناس الآن على العلم بهذه العلوم الرسمية
المجامعة للفسق في جل من تسمى بها.
ويكفيك في صحة
ما ذكرناه قول أمير المؤمنين (عليهالسلام) لشريح «يا شريح جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي».
ويدل على ما
ذكرناه جملة من الأخبار ، ومنها ما رواه الثقة الجليل أبو منصور احمد بن ابى طالب
الطبرسي في كتاب الاحتجاج بسنده الى الامام العسكري (عليهالسلام) ـ وهو موجود أيضا في تفسيره ـ عن الرضا (عليهالسلام) قال : «قال على بن الحسين (عليهالسلام) إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه وتماوت في منطقه
وتخاضع في حركاته فرويدا لا يغرنكم فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب المحارم
منها لضعف
__________________
نيته ومهانته وجبن قلبه فينصب الدين فخا له فهو لا يزال يختل الناس بظاهره
فان تمكن من حرام اقتحمه ، فإذا وجدتموه يعف عن الحرام فرويدا لا يغرنكم فان شهوات
الخلق مختلفة فما أكثر من ينبو عن المال الحرام وان كثر ويحمل نفسه على شوهاء
قبيحة فيأتي منها محرما ، فإذا وجدتموه يعف عن ذلك فرويدا لا يغرنكم حتى تنظروا ما
عقله فما أكثر من ترك ذلك اجمع ثم لا يرجع الى عقل متين فيكون ما يفسده بجهله أكثر
من ما يصلحه بعقله فإذا وجدتم عقله متينا فرويدا لا يغرنكم حتى تنظروا مع هواه
يكون على عقله أم يكون مع عقله على هواه وكيف محبته للرئاسات الباطلة وزهده فيها
فان في الناس من خسر الدنيا والآخرة يترك الدنيا للدنيا ويرى أن لذة الرئاسة
الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة فيترك ذلك أجمع طلبا للرئاسة
حتى «إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ
أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ»
فهو يخبط خبط عشواء يقوده أول باطل إلى أبعد غايات الخسارة ويمده ربه بعد
طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه فهو يحل ما حرم الله تعالى ويحرم ما أحل الله لا
يبالي بما فات من دينه إذا سلمت له رئاسته التي قد شقي من أجلها «فأولئك الذين غضب
الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذابا مهينا» ولكن الرجل كل الرجل نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعا
لأمر الله تعالى وقواه مبذولة في رضى الله يرى الذل مع الحق أقرب الى عز الأبد من
العز في الباطل ويعلم ان قليل ما يحتمله من ضرائها يؤديه إلى دوام النعيم في دار
لا تبيد ولا تنفد وان كثير ما يلحقه من سرائها ان اتبع هواه يؤديه إلى عذاب لا
انقطاع له ولا زوال ، فذلكم الرجل نعم الرجل فيه فتمسكوا وبسنته فاقتدوا والى ربكم
به فتوسلوا فإنه لا ترد له دعوة ولا تخيب له طلبة».
__________________
أقول : وقد
اضطرب في التفصي عن هذا الخبر شيخنا الشيخ سليمان وتلميذه المحدث المتقدم ذكرهما
بناء على ما قدمنا نقله عنهما من حكمهما باتحاد معنى العدالة في كل من اشترط
اتصافه بها ، فقال المحدث الصالح المذكور ـ في كتاب منية الممارسين في أجوبة الشيخ
ياسين بعد الكلام في العدالة وما به تتحقق ونقل هذا الخبر ـ ما صورته : انه محمول
على تعريف الامام والولي ومن يحذو حذوهما من خواص الصلحاء وخلص أهل الإيمان الذين
لا تسمح الأعصار منهم إلا بأفراد شاذة وآحاد نادرة ، ويرشد اليه قوله (عليهالسلام) : «فذلكم الرجل نعم الرجل فبه فتمسكوا وبسنته فاقتدوا»
بل لا يبعد أن يكون مراده الإمام خاصة ، ويرشد اليه قوله في آخر الحديث «فإنه لا
ترد له دعوة ولا تخيب له طلبة» ويكون غرضه الرد على الزيدية ومن حذا حذوهم من
القائلين بالاكتفاء في الإمام بظهور الصلاح والورع ، كيف وما ذكر لا يتحقق إلا في
الأولياء الكمل فلو اعتبر ذلك لعظم الخطب واختل النظام وانسد باب القضاء والفتيا
والتقليد والشهادات والجمعة والجماعات والطلاق وغير ذلك. هكذا حققه شيخنا في
الكتاب المذكور وهو متين جدا. أقول : أشار بذلك الى ما نقله في أثناء كلامه
المتقدم في المسألة عن شيخه المذكور في كتابه العشرة الكاملة.
ثم قال (قدسسره) وأقول : ان سياق الحديث دال بجملته على ان المراد
تصعيب أمر الإمامة وتشديد أمرها وقرينة الرئاسة عليه شهادة كما لا يخفى ، وإلا فلا
يستقيم حمله على غيره أصلا قطعا لما تقدم في رواية ابن ابى يعفور من المعارضة الصريحة من قوله (عليهالسلام) «حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته
وعيوبه ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس». وما تقدم في رواية علقمة
وغيرها مما هو صريح في المعارضة واضح في المناقضة ، ولا يجوز التعارض في كلامهم (عليهمالسلام) ولا التناقض ، مع ان هذه الرواية شاذة فالترجيح للأكثر
__________________
المشهور بين الأصحاب المتلقاة بينهم بالقبول المعتمد عليها في الفتوى ، وقد
أجمعوا على ترك العمل بظاهر هذه الرواية ، وقد قال الصادق (عليهالسلام) «خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ الذي ليس بمشهور فان المجمع عليه لا
ريب فيه». والله الهادي. انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول : لا ريب
ان الذي أوجب لهما (نور الله مرقديهما) ارتكاب هذه التأويلات البعيدة والتمحلات
السخيفة الغير السديدة انما هو صعوبة المخرج من هذه الشروط المذكورة التي اشتمل
عليها الخبر وعدم سهولة القيام بها كما أمر سيما مع قولهم بعموم ذلك في إمام
الجماعة والشاهد ، وإلا فمع تخصيص الخبر بالنائب عنهم (عليهمالسلام) في القضاء والفتوى لا استبعاد فيه عند من تأمل في غيره
من الأخبار المؤيدة له كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى. وصعوبة الأمر بالنسبة إلى
القضاء والفتوى اللذين هما من خواص النائب عنهم (عليهمالسلام) لا يوجب طعنا في الخبر فإنه انما نشأ من المكلفين
بإخلالهم بما أخذ عليهم في الجلوس في هذا المجلس الشريف والمحل المنيف فإنه مقام
خطير ومنصب كبير كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى وأكد الشبهة المذكورة ما اشتهر
بين الناس في أكثر الأعصار والأمصار من ان النائب عنهم (عليهمالسلام) هو كل من كانت له اليد الطولى والمرتبة العليا في هذه
العلوم الرسمية وان لم يتصف بشيء من علم الأخلاق سيما ان هذا العلم اندرست مراسمه
وانطمست معالمه كما أشرنا إليه آنفا.
والذي يدل على
ما قلناه من خروج هذا الخبر بالنسبة إلى النائب عنهم (عليهمالسلام) (أولا) ما ذكره الإمام العسكري (صلوات الله عليه) في
التفسير المتقدم ذكره من الكلام قبل هذا الخبر ثم صب عليه هذا الخبر وصاحب
الاحتجاج إنما أخذه من الكتاب المذكور :
__________________
قال (عليهالسلام) : «حدثني ابى عن جدي عن أبيه عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس
ولكن يقبضه بقبض العلماء فإذا لم ينزل عالم الى عالم يصرف عنه طلاب حطام الدنيا
وحرامها ويمنعون الحق أهله ويجعلونه لغير أهله واتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا
فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا. وقال أمير المؤمنين (عليهالسلام) يا معشر شيعتنا المنتحلين لمودتنا إياكم وأصحاب الرأي
فإنهم أعداء السنن تفلتت منهم الأحاديث ان يحفظوها وأعيتهم السنة ان يعوها فاتخذوا
عباد الله خولا وماله دولا فذلت لهم الرقاب وأطاعهم الخلق أشباه الكلاب ونازعوا
الحق اهله وتمثلوا بالأئمة الصادقين (عليهمالسلام) وهم من الكفار الملاعين فسئلوا فأنفوا ان يعترفوا
بأنهم لا يعلمون فعارضوا الدين بآرائهم فضلوا وأضلوا ، اما لو كان الدين بالقياس
لكان باطن الرجلين اولى بالمسح من ظاهرهما. وقال الرضا (عليهالسلام) قال على بن الحسين (عليهماالسلام) : إذا رأيتم الرجل. الحديث الى آخره».
وهو كما ترى
واضح في ما ادعيناه ، وسياق كلامه (عليهالسلام) وان كان بالنسبة إلى علماء العامة إلا انه شامل لمن
حذا حذوهم في الإخلال بتلك الشروط سيما مع ما في الرواية المذكورة والدخول في هذا
الأمر الخطير مع الاتصاف بتلك الأمور المذكورة.
و (ثانيا) ما
رواه ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن ابى عبد الله عن أمير المؤمنين (عليهماالسلام) انه كان يقول «يا طالب العلم ان العلم ذو فضائل كثيرة
فراسة التواضع وعينه البراءة من الحسد واذنه الفهم ولسانه الصدق وحفظه الفحص وقلبه
حسن النية وعقله معرفة الأشياء والأمور ويده الرحمة ورجله زيارة العلماء وهمته
السلامة وحكمته الورع ومستقره النجاة وقائده العافية ومركبة الوفاء وسلاحه لين
الكلام وسيفه الرضا وقوسه المداراة وجيشه محاورة العلماء ومآله الأدب وذخيرته
اجتناب الذنوب وزاده المعروف ومأواه الموادعة ودليله الهدى
__________________
ورفيقه محبة الأخيار».
أقول : انظر
أيدك الله تعالى الى ما دل عليه هذا الخبر الشريف من جعله هذه الأخلاق الملكوتية
أجزاء من العلم وآلات له وأسبابا وأعوانا فكيف يكتفى في علم العالم والرجوع اليه
والاعتماد في الأحكام الشرعية عليه بمجرد اتصافه بالعلوم الرسمية وعدم اتصافه بهذه
الأخلاق الملكوتية.
قال المحقق
المدقق ملا محمد صالح المازندراني في شرحه على الكتاب ما صورته : نبههم على ان
العلم إذا لم تكن معه هذه الفضائل التي بها تظهر آثاره فهو ليس بعلم حقيقة ولا يعد
صاحبه عالما. الى ان قال ـ بعد شرح الفضائل المذكورة ـ ما لفظه : وهي أربعة وعشرون
فضيلة من فضائل العلم ، فمن اتصف بالعلم واتصف علمه بهذه الفضائل فهو عالم رباني
وعلمه نور إلهى متصل بنور الحق مشاهد لعالم التوحيد بعين اليقين ، ومن لم يتصف
بالعلم أو اتصف به ولم يتصف علمه بشيء من هذه الفضائل فهو جاهل ظالم لنفسه بعيد
عن عالم الحق وعلمه جهل وظلمة يرده إلى أسفل السافلين ، وما بينهما مراتب كثيرة
متفاوتة بحسب تفاوت التركيبات في القلة والكثرة وبحسب ذلك يتفاوت قربهم وبعدهم عن
الحق ، والكل في مشيئة الله تعالى ان شاء قربهم ورحمهم وان شاء طردهم وعذبهم.
انتهى كلامه علت في الخلد اقدامه. وهو كما ترى صريح في ما قلناه واضح في ما
ادعيناه.
وروى في الكتاب
المذكور بسنده الى ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «طلبة العلم ثلاثة فاعرفهم بأعيانهم وصفاتهم :
فصنف يطلبه للجهل وصنف يطلبه للاستطالة والختل وصنف يطلبه للفقه والعقل ، فصاحب
الجهل والمراء مؤذ ممار متعرض للمقال في أندية الرجال يتذاكر العلم وصفة الحلم قد
تسربل بالخشوع وتخلى من الورع فدق الله تعالى من هذا خيشومه وقطع منه حيزومه ،
وصاحب الاستطالة والختل ذو خب وملق يستطيل على مثله من أشباهه ويتواضع للأغنياء
__________________
من دونه فهو لحلوائهم هاضم ولدينه حاطم فأعمى الله على هذا خبره وقطع من
آثار العلماء أثره ، وصاحب الفقه والعقل ذو كآبة وحزن وسهر قد تحنك في برنسه وقام
الليل في حندسه يعمل ويخشى وجلا داعيا مشفقا مقبلا على شأنه عارفا بأهل زمانه
مستوحشا من أوثق إخوانه فشد الله من هذا أركانه وأعطاه يوم القيامة أمانة». الى
غير ذلك من الأخبار المذكورة في الكتاب المذكور وغيره.
أقول : وحينئذ
فإذا كانت العلماء كما ذكره (عليهالسلام) من هذه الصفات الذميمة والأخلاق الغير القويمة فكيف
يكتفى بمجرد ظاهر الاتصاف بهذه العلوم الرسمية وعدم استنباط أحوالهم وتمييز الفرد
الذي يجوز الاقتداء به؟ وهل كلام الامام زين العابدين (عليهالسلام) في ذلك إلا لاستعلام هذا الفرد المشار إليه في هذا
الخبر من هذين الفردين المشابهين له في بادئ النظر؟ ولا ريب انه لاشتراكهم في بادئ
الأمر في الخضوع والخشوع والاتصاف بهذه العلوم الرسمية يدق الفرق ويحتاج الى مزيد
تلطف وتأمل.
ويؤيد ما قلناه
ما ذكره المحدث الكاشاني في بعض رسائله حيث قال : ان من أهل الشقاء لمن يبطن شقاءه
فيلتبس أمره على الذين لا يعلمون ، ثم انه ليتوغل في الخفاء لتوغله في الشقاء
فيذهب على الألباء أولى الذكاء حتى انهم يحسبون انهم مهتدون ، لشدة الشبه بين
الفريقين وكثرة الشبه بين النجدين ولبس النفاق بالإذعان لمكان النفاق في نوع
الإنسان ، وكلما كان أحد المتقابلين من الآخر أبعد كان الاشتباه أكثر وأشد فإن
أرباب الرئاسة الدينية أمرهم في الأغلب غير مبين لمكان المرائين ، وهذه هي المصيبة
الكبرى في الدين والفتنة العظمى لبيضة المسلمين وهي التي أوقعت الجماهير في الحرج
وامالتهم عن سبيل المخرج ، إذ من الواجب اتباع الأذناب للرأس والرأس قد خفي في
نفاق الناس ولذلك تقاتل الفئة التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله. انتهى.
وبالجملة فإنه
لما كان علم الأخلاق الذي هو عبارة عن تحلية النفس بالفضائل
وتخليتها من الرذائل أحد أفراد العلوم بل هو أصلها وأساسها الذي عليه
مدارها بل هو رأسها وهو الممدوح في الآيات والأخبار بقوله تعالى «إِنَّما يَخْشَى
اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ»
وقوله «فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ
مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا
رَجَعُوا إِلَيْهِمْ). الآية» فإن الخشية والإنذار إنما يترتب على علوم الآخرة لا هذه
العلوم الرسمية وكذلك الاخبار ، وقد عرفت من الأخبار وكلام جملة من علمائنا
الأبرار ان من العلماء من هو خال من تلك العلوم أو متصف بأضدادها مع تلبسه بلباس
العلماء الأبرار وإظهار الخشوع والخضوع والانكسار وقد دلت الأخبار على الحث
والتأكيد على المنع عن الركون الى هؤلاء والانخداع بما يظهرونه والاغترار فالواجب
حينئذ هو البحث والفحص عن أحوال العلماء والتمييز بين الفسقة منهم والأبرار كما نص
عليه الخبر المشار اليه وغيره من الأخبار الجارية في هذا المضمار. وأيضا فإنه لا
تتحقق نيابة هذا العالم وصحة تقليده ووجوب متابعته إلا بوجود شروطها ومن جملتها
العلم باتصافه بتلك الصفات الجليلة والتخلي من كل منقصة ورذيلة
والأخبار التي
دلت على الاكتفاء في العدالة بحسن الظاهر كما هو الأظهر أو الإسلام إنما موردها
الشاهد والامام ولا دلالة فيها على التعرض للنائب عنهم (عليهمالسلام) الذي هو محل البحث في المقام ، وحينئذ فلا معارض لهذا
الخبر وأمثاله في ما ادعيناه ولا مناقض له في ما قلناه.
وبذلك يظهر لك
ما في كلام ذينك الفاضلين من القصور لعدم اعطائهما التأمل حقه في الأخبار وما أطال
ذلك الشيخ الصالح بعد نقل كلام أستاذه من المعارضة بصحيحة عبد الله بن ابى يعفور
ونحوها وطعنه في الخبر المذكور بالشذوذ مع ما عرفت من تأيده بالأخبار الواضحة
المنار وكلام جملة من علمائنا الأبرار.
ومن أراد
الوقوف على صحة ما ذكرناه زيادة على ما رسمناه في هذا الكتاب فليرجع الى كتابنا
الدرر النجفية فإنه قد أحاط بأطراف الكلام بإبرام النقض ونقض
__________________
الإبرام في هذا المقام ونقل جملة وافرة من اخبارهم (عليهمالسلام) وجملة من كلمات علمائنا الأعلام الجارية على وفق تلك
الأخبار المذكورة في المقام. والله الهادي لمن يشاء.
(المقام السادس)
إذا علم المكلف من نفسه الفسق مع كونه على ظاهر العدالة بين الناس فهل يجوز له
الدخول في الأمور المشروطة بالعدالة من الإمامة في الجمعة والجماعة والشهادة
والحكم بين الناس والفتوى ونحو ذلك أم لا؟
ظاهر جملة من
الأصحاب : منهم ـ شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الأول ، قال في الكتاب المذكور ـ
في الكلام على شاهدي الطلاق بعد ان ذكر انه لا يقدح فسقهما واقعا مع ظهور عدالتهما
بالنسبة إلى غيرهما ـ ما صورته : وهل يقدح فسقهما في نفس الأمر بالنسبة إليهما حتى
انه لا يصح لأحدهما أن يتزوج بها أم لا نظرا الى حصول شرط الطلاق وهو العدالة
ظاهرا؟ وجهان ، وكذا لو علم الزوج فسقهما مع ظهور عدالتهما ففي الحكم بوقوع الطلاق
بالنسبة إليه حتى تسقط عنه حقوق الزوجية ويستبيح أختها والخامسة وجهان ، والحكم
بصحته فيهما لا يخلو من قوة.
وظاهر شيخنا
أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني موافقته في ذلك حيث انه في بعض أجوبة
المسائل سئل عن ذلك فأجاب بعد الاستشكال وقال بالنسبة إلى الحكم الأول الذي تقدم
في عبارة المسالك : واما بالنسبة إليهما ففيه كلام والحكم بالصحة لا يخلو من قوة.
وقال بعد الحكم الثاني : وللتوقف في المسألة مجال وان كانت الصحة غير بعيدة. وظاهر
الفاضل المولى محمد باقر الخراساني في الكفاية موافقته في الأول دون الثاني.
وأنت خبير بان
مقتضى كلامهم هنا جواز الإمامة في الجمعة والجماعة والفتوى والحكم وجواز اقتداء من
علم الفسق مع ظهور العدالة لأن الجميع من باب واحد.
وظاهر المحدث
الصالح الشيخ عبد الله بن صالح حيث انه من رؤوس الأخباريين
التوقف في المقام حيث قال : ولو نواها ـ يعني الإمامة ـ وعد نفسه من أحد
الشاهدين وكان تائبا عن المعاصي جاز له ذلك اما لو كان مصرا على المعاصي مرتكبا
للكبائر فإشكال وللأصحاب فيه قولان : أحدهما الجواز لان المدار انما هو على اعتقاد
المؤتم أو المطلق وبناء الأمور على الظاهر دون الباطن ، ومن حيث انه إغراء بالقبيح
لأنه عالم بفسق نفسه فكيف يتقلد ما ليس له خصوصا في الجماعة الواجبة كالجمعة. والأحكام
الشرعية انما جرت على الظاهر إذا لم يكن الاطلاع على الباطن وهو مطلع على حقيقة
الأمر. والأول أوفق بالقواعد الأصولية إلا انه لما لم يكن نص في المسألة واعتقادنا
ان لا مناط في الأحكام الشرعية سواه وجب الوقوف عن الحكم والعمل بالاحتياط في
العلم والعمل ورد ما لم يأتنا به علم من أهل العصمة (عليهمالسلام) لقول الصادق (عليهالسلام) «ارجه حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات».
انتهى.
أقول ـ وبالله
سبحانه الاستعانة ومنه التوفيق لبلوغ كل مأمول ـ لا يخفى ان ما ذكروه (قدس الله
أسرارهم) من جواز تقلد العالم بفسق نفسه للأمور المشروطة بالعدالة وان كان مما
يتراءى في بادئ النظر صحته بناء على ما ذكره المحدث المذكور من ان المدار في الصحة
والبطلان انما هو على اعتقاد المؤتم أو المطلق وان الأمور انما بنيت على الظاهر ،
ويؤيده أيضا تحريم أو كراهة إظهار الإنسان عيوب نفسه للناس ووجوب أو استحباب سترها
ووجوب ستر غيره عليه لو اطلع على معصية منه ، إلا ان الذي ظهر لي من التأمل في
المقام ومراجعة أخبارهم (عليهمالسلام) خلاف ذلك وتوضيح ذلك ان ظاهر الآية والأخبار الدالة على النهى عن قبول خبر الفاسق والنهى عن الصلاة خلفه انما هو من حيث الفسق لان التعليق على
__________________
الوصف يشعر بالعلية وهو مشعر بان الفاسق ليس أهلا لهذا المقام ولا صالحا
لتقلد هذه الأحكام ، وإذا كان الشارع لم يره أهلا لذلك ولا صالحا لسلوك هذه
المسالك فهو في معنى منعه له عن ذلك فادخاله نفسه في ما لم يره الله أهلا له
وتعرضه له موجب لمخالفته له (عزوجل) ومجرد تدليس وتلبيس حمله عليه إبليس. وجواز
اقتداء الناس به وقبول شهادته من حيث عدم ظهور فسقه لهم لا يدل على جواز الدخول
لان حكم الناس في ذلك على حده وحكمه هو في نفسه على حدة والكلام انما هو في الثاني
وأحدهما لا يستلزم الآخر. ونظيره في الأحكام الشرعية غير عزيز فان لحم الميتة حكمه
في حد ذاته الحرمة وعدم جواز أكله وبالنسبة الى من لا يعلم بكونه ميتة جواز اكله.
ويؤيد ما قلناه
ظواهر جملة من الأخبار مثل صحيحة أبي بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «خمسة لا يؤمون الناس على كل حال : المجذوم
والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابي». ونحوها صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) وقد تقدمت .
والتقريب فيهما
ان ظاهرهما توجه النهي إلى هؤلاء عن الإمامة بالناس لأنهم ليسوا من أهلها باعتبار
ما هم عليه من الأمور المذكورة المانعة من أهلية الإمامة ، وبعض الأخبار وان ورد
أيضا في نهى الناس عن الائتمام بهم إلا انه انما يتوجه إلى المؤتمين واما في هذين
الخبرين الصحيحين فإنما هو متوجه الى الامام بان لا يكون من أحد هؤلاء ، فلو فرضنا
عدم علم الناس بما هم عليه من هذه الصفات المانعة من الائتمام مع اعتقادهم العدالة
فيهم فإنه يجوز لهم الاقتداء بهم بناء على الظاهر إلا انه بمقتضى هاتين الصحيحتين
لا يجوز لهم الإمامة لما هم عليه من الموانع المذكورة وان خفيت على الناس ، ولا
أظن أحدا يخالف في ما قلناه. وهذا بعينه جار في الفاسق الذي هو محل البحث بان كان
عالما بفسق نفسه وان خفي على الناس.
__________________
ويؤيد ما ذكرنا
ما ورد في اخبار الفتوى والحكم مثل ما تقدم قريبا من قول أمير المؤمنين (عليهالسلام) لشريح «يا شريح جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي
أو شقي». وقول ابى عبد الله (عليهالسلام) «اتقوا الحكومة فإن الحكومة انما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في
المسلمين كنبي أو وصى نبي». والأخبار المانعة من تقليد العلماء واتباعهم إلا بعد
معرفة عدالتهم كحديث على بن الحسين (عليهالسلام) المتقدم ذكره ونحوه ، فان الجميع ظاهر في النهي عن من لم يكن مستكملا
لأسباب النيابة وشرائطها وأهلية الحكم والفتوى ، ولا ريب ان من أعظم الأسباب
المانعة الفسق فهي ظاهرة في منع الفاسق من الجلوس في هذا المقام وان كان ظاهر
العدالة بين الأنام وعدم جواز تقلده للاحكام. وجواز تقليد الناس له من حيث عدم
ظهور فسقه لهم لا يدل على جوازه له لانه عالم بان الشارع قد منع الناس من اتباع
الفاسق وتقليده وليس الا من حيث فسقه ، فالفسق صفة مانعة من تقلد هذه الأمور عند
الله جل شأنه فكيف يجوز له مخالفة ذلك وتقلد الأمور بناء على ظن الناس العدالة فيه؟
وقد عرفت ان حكم الناس غير حكمه في حد ذاته.
وكلام من قدمنا
كلامه وان كان مخصوصا بمسألة الشهادة والإمامة إلا ان الحكم في المواضع الثلاثة
واحد ، فان مبنى الكلام هو انه هل يكتفى بظهور العدالة في جواز التقلد للأمور
المشروطة بها وان لم يكن كذلك واقعا أم لا بد من ثبوتها واقعا؟ فالإشكال والكلام
جار في جميع ما يشترط فيه العدالة وهذا أحدها ، وحينئذ فما ذكروه انما جرى مجرى
التمثيل لا الحصر.
ومن أظهر
الأدلة على ما قلناه ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب السياري قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) قوم من مواليك
__________________
يجتمعون فتحضر الصلاة فيقدم بعضهم فيصلي بهم جماعة؟ فقال ان كان الذي يؤم
بهم ليس بينه وبين الله طلبة فليفعل».
وهو كما ترى
ظاهر الدلالة صريح المقالة في انه لا يجوز الإمامة لمن علم من نفسه الفسق حتى يتوب
توبة نصوحا ويقلع عنه إقلاعا صحيحا. ومورد الخبر وان كان الإمامة إلا انه جار في
غيرها بالتقريب الذي تقدم ذكره.
(فان قلت) انكم
قد فسرتم العدالة في ما سبق بحسن الظاهر المجامع للفسق باطنا وكلامكم هنا يشعر بأن
العدالة لا يجوز مجامعتها للفسق باطنا لمنعكم له من الدخول في الأمور المشروطة
بالعدالة إذا علم من نفسه الفسق؟
(قلت) لا يخفى
ان العدالة بالنسبة إلى المكلف المتصف بها غيرها بالنسبة إلى غيره ممن يتبعه ،
فإنها بالنسبة إليه عبارة عن عدم اتصافه بما يوجب الفسق والخروج عن العدالة وهو
الذي أشار إليه صحيح ابن ابى يعفور من اتصافه بالستر والعفاف الى آخر تلك الأوصاف
كما تقدم إيضاحه ، وبالنسبة إلى غيره عبارة عن عدم ظهور ما يوجب الفسق منضما الى
معرفته بتلك الأوصاف المذكورة في الخبر ، وعلى هذا فمن ظهر منه ذلك مع كونه واقعا
ليس كذلك يكون عدلا في الظاهر يجوز قبول شهادته والائتمام به وامتثال أوامره
وأحكامه وفتاويه وان كان فاسقا في الباطن يحرم عليه الدخول في تلك الأمور ويأثم
ويؤاخذ بالدخول فيها وان صح اتباع الناس له فهو له حكم في حد ذاته وللناس معه حكم
آخر ، نظير من صلى بالناس على غير طهارة متعمدا مع اعتقاد الناس فيه العدالة فإن
صلاتهم تكون صحيحة لحصول شرطها المذكور وصلاته هو تكون باطلة لفوات شرطها بالنسبة
اليه ، وصحة صلاتهم خلفه لا توجب له جواز الإمامة بهم بناء على اعتقادهم فيه العدالة
فكذا ما نحن فيه. ومنشأ الوهم في كلام الجماعة المتقدم ذكرهم انهم رتبوا العدالة
والاتصاف بها على اعتقاد الغير من مطلق مثلا ومؤتم ومستفت ونحوهم وغفلوا عنها
بالنسبة الى من يتصف بها ، وقد عرفت من ما حققناه ان لها اعتبارا بالنسبة الى من
يتصف بها غيره
بالنسبة إلى غيره من هؤلاء المذكورين ونحوهم.
ومما يؤيد ما
ذكرنا أيضا صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : «مات رجل من أصحابنا ولم يوص فرفع امره الى قاضي
الكوفة فصير عبد الحميد القيم بماله وكان الرجل خلف ورثة صغارا ومتاعا وجواري فباع
عبد الحميد المتاع فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه في بيعهن إذ لم يكن الميت صير
اليه وصية وكان قيامه بهذا بأمر القاضي لأنهن فروج ، قال فذكرت ذلك لأبي جعفر (عليهالسلام) فقلت له يموت الرجل من أصحابنا ولم يوص الى أحد ويخلف
جواري فيقيم القاضي رجلا منا ليبيعهن أو قال يقوم بذلك رجل منا فيضعف قلبه لأنهن
فروج فما ترى في ذلك القيم؟ فقال إذا كان القيم به مثلك ومثل عبد الحميد فلا بأس».
فإن المراد منه المماثلة في الوثاقة والعدالة.
ورواية سماعة قال : «سألته عن رجل مات وله بنون وبنات صغار وكبار من
غير وصية وله خدم ومماليك وعقد كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث؟ قال ان قام رجل
ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس».
ولا ريب ان ما
تضمنه هذان الخبران من جملة المواضع المشترط فيها العدالة باتفاق الأصحاب لأن هذا
من الأمور الحسبية التي صرحوا بأنها ترجع الى الفقيه الجامع للشرائط وهو النائب
عنهم (عليهمالسلام) ومع تعذره يقوم بها عدول المؤمنين ، وهما ظاهران في
اشتراط عدالة القائم بذلك في نفسه وحد ذاته لا بالنظر الى الغير فإنه إنما رخص له
الدخول بشرط اتصافه بذلك.
ويؤيد ذلك
بأوضح تأييد ويشيده بأرفع تشييد ان الظاهر المتبادر من الآية والأخبار المصرح فيها
بالعدالة واشتراطها في الشاهد مثل قوله عزوجل
«وَأَشْهِدُوا
__________________
ذَوَيْ
عَدْلٍ مِنْكُمْ» وقولهم (عليهمالسلام) «يطلقها بحضور عدلين» و «إذا أشهد عدلين». ونحو ذلك هو اتصاف الشاهد
بالعدالة في حد نفسه وذاته لا بالنظر الى غيره ، إذ لا يخفى ان قولنا فلان عدل
وفلان ثقة مثل قولنا فلان عالم وشجاع وجواد ونحو ذلك ، ومن المعلوم ان المراد في
جميع ذلك انما هو اتصافه بهذه الصفات في حد ذاته غاية الأمر انه قد يتطابق علم
المكلف والواقع في ذلك وقد يختلفان بان يكون كذلك في نظر المكلف وان لم يكن واقعا
وحينئذ فيلزم كلا حكمه ، فيلزم من اعتقد عدالته بحسب ما يظهر من حاله جواز
الاقتداء به مثلا وقبول شهادته ويلزمه هو عدم جواز الدخول في ذلك وكذا يلزم من
اطلع على فسقه عدم جواز الاقتداء به ، وحينئذ فإذا كان المراد من الآية والأخبار
المشار إليها انما هو اتصافه في حد ذاته فكيف يجعل المناط في حصول العدالة باعتبار
الغير كما توهموه وبنوا عليه ما بنوا من الفروع المذكورة؟ ولا ريب انه متى كان ذلك
انما هو بالنسبة إليه في حد ذاته فإنه لا يجوز له الدخول في ما هو مشروط بالعدالة
البتة.
وبذلك يظهر لك
ما في كلام صاحب المسالك ومن تبعه من الوهن والقصور ولا سيما في فرضه الثاني وهو
ما إذا علم الزوج فسقهما فطلق بحضورهما مع ظهور عدالتهما بين الناس فإنه أوهن من
بيت العنكبوت وانه لأوهن البيوت ، ومقتضى تجويزه الطلاق هنا جواز اقتداء من علم
فسق الامام به في الصلاة مع ظهور عدالته بين الناس وهكذا قبول فتواه وأحكامه ،
والجميع في البطلان أوضح من أن يحتاج الى بيان عند ذوي الأفهام والأذهان. والعجب
من شيخنا الشيخ سليمان المتقدم ذكره في تردده أولا ثم ميله الى ما في المسالك من
غير إيراد دليل معتمد ولا بيان مستند إلا مجرد التقليد لما في المسالك ، ونحوه
الفاضل الآخر. وبالجملة فالطلاق في الصورتين المفروضتين مما لا إشكال في بطلانه
ولا سيما الثانية. والله العالم بحقائق أحكامه.
(المقصد الثاني)
في العدد ، لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
__________________
كما نقله غير واحد من معتمديهم ـ في اعتبار العدد واشتراطه في صحة صلاة
الجمعة ووجوبها ، انما الخلاف في أقله وفيه قولان (أحدهما) ـ وهو المشهور انه خمسة
الامام وأربعة معه من المتصفين بالصفات الآتية ان شاء الله تعالى ، وهو قول الشيخ
المفيد والمرتضى وابن الجنيد وابن ابى عقيل وابن إدريس والمحقق والعلامة وغيرهم ، و
(ثانيهما) ـ أنه سبعة في الوجوب العيني وخمسة في الوجوب التخييري ذهب اليه الشيخ
وابن البراج وابن زهرة وهو المنقول عن الصدوق وإليه مال الشهيد في الذكرى.
واستدل للقول
الأول بالآية والتقريب فيها ان الأمر للوجوب ثبت الاشتراط بالخمسة
بالاتفاق عليها والأخبار الكثيرة والزائد منتف لفقد الدليل
وعندي ان
الاستدلال بالآية في هذا المقام محل نظر ؛ فإن الآية مطلقة وليس فيها اشارة فضلا
عن التصريح باشتراط العدد ولا كميته ، وتقييدها بأخبار الخمسة يرجع الى الاستدلال
بأخبار الخمسة لا الى الآية من حيث هي.
والتحقيق ان
المرجع في الاستدلال انما هو الأخبار وهي مختلفة أيضا كما ستقف عليها ان شاء الله
تعالى :
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد
فان كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم».
وما رواه
الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن عن زرارة قال : «كان أبو جعفر (عليهالسلام) يقول : لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقل
من خمسة رهط : الامام وأربعة».
__________________
وما رواه الشيخ
في الموثق عن ابن ابى يعفور عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا تكون جمعة ما لم يكن القوم خمسة».
وعن الفضل بن
عبد الملك في الصحيح قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات فان
كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر. الحديث».
وما رواه
الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن الصادق (عليهالسلام) قال في صلاة العيدين : «إذا كان القوم خمسة أو سبعة
فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة».
وعن زرارة في
الصحيح قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) على من تجب الجمعة؟ قال تجب على سبعة نفر من المسلمين
ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمهم
بعضهم وخطبهم».
وما رواه في
الخصال في الصحيح عن عاصم بن حميد عن ابى بصير عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «لا تكون الجمعة بأقل من خمسة».
وما رواه الشيخ
عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين ولا تجب
على أقل منهم : الامام وقاضيه والمدعى حقا والمدعى عليه والشاهدان والذي يضرب
الحدود بين يدي الامام».
وعن عمر بن
يزيد في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة».
وما رواه الكشي
في كتاب الرجال عن على بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن ابن ابى عمير عن غير
واحد من أصحابنا عن محمد بن حكيم وغيره عن محمد بن مسلم عن محمد بن على عن أبيه عن
جده عن النبي (صلىاللهعليهوآله) في الجمعة قال : «إذا اجتمع خمسة أحدهم الإمام فعليهم
ان يجمعوا».
أقول : الظاهر
من مجموع هذه الأخبار باعتبار ضم بعضها الى بعض هو ما ذهب
__________________
إليه الشيخ فإنه الذي تجتمع عليه الأخبار ، واما العمل بالقول المشهور فهو
موجب لطرح أخبار السبعة من البين مع ما يشير اليه بعضها من أن أخبار الخمسة إنما
أريد بها التخيير مثل قوله (عليهالسلام) في رواية محمد بن مسلم «تجب على سبعة نفر ولا تجب على
أقل منهم» يعنى انها تجب عينا على السبعة ولا تجب عينا على أقل منهم ، لان هذا
المعنى هو الذي يجتمع به مع الأخبار المتقدمة الدالة على الخمسة ، وقوله في صحيحة
زرارة «تجب على سبعة نفر ولا جمعة لأقل من خمسة» فان النفي هنا متوجه الى كل من
العيني والتخييري بمعنى ان الأقل من خمسة لا وجوب عليهم مطلقا ومفهومه ان الخمسة
تجب عليهم مع حكمه أولا وأخيرا بتخصيص الوجوب بالسبعة ولا وجه للجمع إلا باعتبار
جعل الوجوب في جانب السبعة عينيا وفي جانب الخمسة تخييريا ، ونحو ذلك التخيير بين
الخمسة والسبعة في صحيحة الحلبي فإنه لا وجه له إلا باعتبار ما ذكرناه. وصحيحة عمر
بن يزيد قد اختصت بالسبعة ومفهوم الشرط فيها يدل على نفى الوجوب عن الأقل من سبعة
مع دلالة الأخبار المتقدمة على الوجوب بالخمسة ولا وجه للجمع إلا ما ذكرناه. ولو
جعل شرط الوجوب الخمسة خاصة كما هو المشهور لكان ذكر السبعة في جميع هذه الأخبار
لغوا بل مفسدا لمعنى الأخبار المذكورة ، على ان اخبار الخمسة لا ظهور فيها فضلا عن
الصراحة في الوجوب العيني كما لا يخفى.
قال المحقق (قدسسره) في المعتبر ـ بعد نقل رواية محمد بن مسلم دليلا لقول
الشيخ بالسبعة وصحيحة زرارة الاولى وموثقة ابن ابى يعفور دليلا للقول المشهور ـ ما
صورته : ونحن نرى العمل على الوجوب مع الخمسة لأنها أكثر ورودا ونقلة ومطابقة
لدلالة القرآن. ولو قال ـ اخبار الخمسة لا تتضمن الوجوب وليس البحث في الجواز بل
في الوجوب ورواية محمد بن مسلم تتضمن سقوط الوجوب عن من قل عددهم عن سبعة فكانت
أدل على موضع النزاع ـ قلنا ما ذكرته وان كان ترجيحا لكن روايتنا دالة على الجواز
ومع الجواز تجب للآية فلو عمل
برواية محمد بن مسلم لزم تقييد الأمر المطلق المتيقن بخبر الواحد ولا كذا
مع العمل بالأخبار التي اخترناها ، على انه لا يمكن العمل برواية محمد بن مسلم
لانه خص السبعة بمن ليس حضورهم شرطا فسقط اعتبارها. انتهى.
وأنت خبير بما
فيه بعد ما عرفت فان دليل السبعة غير منحصر في رواية محمد ابن مسلم المذكورة بل قد
عرفت دلالة جملة من الروايات على ذلك بالتقريب الذي ذكرناه واللازم من ما ذهب اليه
هو طرحها على كثرتها وصحة بعضها وهو بعيد عن جادة الإنصاف والصواب سيما مع إمكان
الجمع بين الجميع بما ذكرناه. وأما دعواه مطابقة أخبار الخمسة لظاهر القرآن فهو
ممنوع لأن الآية كما عرفت لا اشعار فيها باشتراط عدد فضلا عن كونه خمسة وانما هي
مطلقة ، وتقييدها بالأخبار يتوقف أولا على النظر في اخبار المسألة والجمع بينها
على وجه يرفع التنافي بينها وتجتمع عليه في البين فيخصص بها إطلاق الآية حينئذ ،
وإلا فكما انه يدعى تقييدها بأخبار الخمسة فللخصم أن يقيدها باخبار السبعة على
الوجه الذي يقوله وهو الحق الحقيق بالاتباع لانه هو الذي تجتمع عليه أخبار المسألة
ويندفع به عنها التنافي والتدافع. واما طعنه في رواية محمد بن مسلم بأنه خبر آحاد
فهو وارد عليه في اخبار الخمسة أيضا واما طعنه ـ بأنه خص السبعة بمن ليس حضورهم
شرطا فسقط اعتبارها ـ فقد تقدم الجواب عنه بان ذكر هؤلاء انما وقع على سبيل
التمثيل كما تقدم تحقيقه ، على ان ذلك ايضا وارد عليه في استناده الى هذه الرواية
في اشتراط الوجوب العيني بحضور الإمام فإنه أحد السبعة أيضا كما تقدم تحقيقه.
وأجاب العلامة
عن قوله (عليهالسلام) في الرواية «ولا تجب على أقل منهم» تارة بالحمل على ما
كان أقل من خمسة ولا يخفى تعسفه ، وتارة باستضعاف السند بالحكم بن مسكين. والله
العالم.
قال شيخنا في
الذكرى ـ ونعم ما قال ـ بعد نقل رواية زرارة وصحيحة منصور الدالتين على القول
المشهور ورواية محمد بن مسلم الدالة على القول الآخر
ما لفظه : وهذان الخبران كالمتعارضين فجمع الشيخ أبو جعفر بن بابويه والشيخ
أبو جعفر الطوسي بالحمل على الوجوب العيني في السبعة والوجوب التخييري في الخمسة
وهو حمل حسن ويكون معنى قوله (عليهالسلام) «ولا تجب على أقل منهم» نفى الوجوب الخاص أي العيني لا
مطلق الوجوب لئلا يتناقض الخبران المرويان بعدة أسانيد. والمحقق في المعتبر لحظ
هذا ثم قال : هذا وان كان مرجحا لكن روايتنا دالة على الجواز ومع الجواز تجب لقوله
تعالى «فَاسْعَوْا
إِلى ذِكْرِ اللهِ ...» فلو عمل برواية محمد بن مسلم. الى آخر ما قدمناه من عبارته. ثم قال (قدسسره) قلت : الجواز لا يستلزم الوجوب وإلا لوجبت عينا حال
الغيبة ، والاحتجاج بعموم القرآن وارد فيه ، والأمر المطلق مسلم ولكن الإجماع على
تقييده بعدد مخصوص حتى قال الشافعي واحمد أربعون وأبو حنيفة أربعة أحدهم الامام ومصير الأصحاب الى ذلك العدد مستند الى الخبر وهو من
الطرفين في حيز الآحاد فلا بد من التقييد به. (فان قال) ـ صاحب السبعة موافق على
الخمسة فاتفقا على التقييد بها فيؤخذ المتفق عليه ـ (قلنا) هذا من باب الأخذ بأقل
ما قيل وقد توهم بعض الأصوليين انه حجة بل إجماع وقد بينا ضعفه في الأصول. انتهى.
وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.
فروع
(الأول) مذهب
الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف ان اشتراط العدد انما هو في الابتداء
لا في الاستدامة فلو أحرموا جميعا ثم انفضوا إلا الإمام أو أحد العدد المعتبر
أتمها جمعة.
وعللوه (أولا)
بالنهي عن قطع العمل. و (ثانيا) بان اشتراط استدامة العدد منفي بالأصل وانه لا
يلزم من اشتراطه ابتداء اشتراطه استدامة كالجماعة
__________________
وكعدم الماء في حق المتيمم.
واعترف الشيخ
في الخلاف بأنه لا نص لأصحابنا فيه ، قال لكنه قضية المذهب لأنه دخل في الجمعة
وانعقدت بطريقة معلومة فلا يجوز ابطالها إلا بيقين.
أقول : لا ريب
ان ما ذكروه هو مقتضى الاحتياط فينبغي أن يجعل الدليل هو ذلك لا ما ذكروه من هذه
التعليلات الواهية التي لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية. وقد تقدم في مقدمات
الكتاب ان الاحتياط في مثل هذا المقام واجب فإنه دليل شرعي كما دلت عليه جملة من
الأخبار مؤيدا بأخبار الاحتياط العامة وتمام الاحتياط صلاة الظهر بعدها.
ثم ان ظاهر
عبارة شيخنا في الذكرى اعتبار إحرام الجميع من الامام والمأمومين فلو حصل التفرق
والانفضاض بعد ذلك وجب الإتمام جمعة على من بقي وان كان واحدا ، وهو ظاهر كلام
المحقق في الشرائع أيضا ، وظاهره في المعتبر عدم اعتبار ذلك بل الاكتفاء بإحرام
الإمام حيث قال : لو أحرم فانفض العدد المعتبر أتم جمعة لا ظهرا. ثم استدل بأن
الصلاة انعقدت ووجب الإتمام لتحقق شرائط الوجوب ومنع اشتراط استدامة العدد. واليه
مال في المدارك ، وهو جيد لانسحاب الدليل المتقدم في هذا الموضع ايضا من ما ذكروه (رضوان
الله عليهم) وما ذكرناه.
واما اعتبار
بقاء واحد مع الإمام أو اثنين أو انفضاضهم بعد صلاة ركعة تامة في وجوب الإتمام أو
اعتبار بقاء جميع العدد فهو منسوب إلى الشافعي إلا أن العلامة في التذكرة وافقه في اعتبار الركعة في
وجوب الإتمام لقول النبي (صلىاللهعليهوآله) .
__________________
«من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أخرى». ورده جملة ممن تأخر عنه بأنه
لا دلالة له على المطلوب ، وهو جيد إذ لا دلالة فيه على ان من لم يدرك ركعة قبل
انفضاض العدد يقطع الصلاة. نعم لا عبرة بانفضاض الزائد على العدد المعتبر مع بقاء
ذلك العدد سواء شرعوا في الصلاة أم لا اتفاقا.
(الثاني) لو
انفضوا قبل تلبس الإمام بالصلاة أو انفض ما يسقط به العدد المعتبر سقطت الجمعة
سقوطا مراعى بعدم عودهم أو عدم حصول من تنعقد به سواء كان في أثناء الخطبة أو
قبلها أو بعدها قبل الدخول في الصلاة ، فلو عادوا بعد انفضاضهم والوقت باق وجبت.
قالوا ولو انفضوا في حال الخطبة بنى الامام على ما تقدم منها وأتمها إذا لم يطل
الفصل ومعه في أحد الوجهين لحصول مسمى الخطبة وأصالة عدم اشتراط الموالاة ، ولو
اتى غيرهم ممن لم يسمع الخطبة أعاد الخطبة من رأس. واستشكله في الذكرى بأنه لا
يؤمن انفضاضهم ثانيا لو اشتغل بالإعادة فيصير ذلك عذرا في ترك الجمعة.
(الثالث) قال
في الذكرى : لو حضر عدد آخر بعد التحريمة فتحرموا ثم انفض الأولون لم يضر لان
الانعقاد قد تم بالواردين. قاله في التذكرة ، ويشكل بان من جملة الأولين الإمام
فكيف تنعقد بدونه إلا أن يقال ينصبون الآن إماما أو يكون قد انفض من عدا الإمام أو
يكون ذلك على القول باعتبار الركعة لأنه لو لم تعتبر الركعة في بقاء الصحة كان
بقاء الامام وحده كافيا في الصحة ولا يكون في حضور العدد الآخر فائدة تصحح الصلاة.
انتهى.
أقول : لا يخفى
ان هذا الإشكال انما يتجه لو قلنا بأنه لو أحرم الإمام مع العدد المعتبر ثم انفض
الامام مع بعض العدد فإنه لا يجب الإتمام جمعة لعدم الامام كما هو ظاهر الذكرى حيث
قال في أول المسألة : العدد انما هو شرط في الابتداء لا في الاستدامة فلو تحرموا
بها ثم انفضوا إلا الإمام أتمها جمعة للنهى عن إبطال العمل. الى آخره. ونحوها
عبارته في الدروس ، وربما كان فيه إشعار
بأنه لو انفض الامام مع بعض العدد فإنه لا يجب على الباقين الإتمام جمعة
كما هو صريح كلامه هنا والفرق بين العدد الأول والثاني لا يظهر له وجه هنا.
والمحقق في الشرائع قد صرح بوجوب الإتمام جمعة بعد انفضاض العدد وان لم يبق إلا
واحد سواء كان إماما أو مأموما. وبالجملة فإن استشكاله هنا ان كان مبنيا على الفرق
بين العددين فلا اعرف له وجها في البين ، وان كان لما يشعر به كلامه الذي ذكرناه
من تخصيص الإتمام بالإمام أو من بقي معه دون بعض المأمومين فهو محتمل إلا ان كلام
المحقق في الشرائع كما ترى صريح في خلافه وكذا ظاهر كلامه في البيان ، وكذلك شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك صرح بأنه مع انفضاض الامام وبقاء العدد كلا أو بعضا فإنهم
يقدمون اماما يتم بهم ان أمكن والا أتموا فرادى. وهو صريح في جواز الإتمام بغير
امام مع تعذره.
فائدة ـ يحسن
التنبيه عليها في المقام بل هي من أهم المهام ، وهي انه متى كان العدد المذكور
شرطا في وجوب الجمعة عينا وبدونه لا يحصل الوجوب فاللازم من ذلك هو سقوط الجمعة
رأسا لأنه بموجب ذلك لا تجب على هؤلاء الخمسة أو السبعة الجمعة لعدم حصول الشرط
المذكور ومتى لم تجب عليهم لم تجب على غيرهم لان الوجوب على غيرهم مشروط بحضورهم
والحال ان الحضور غير واجب عليهم ، هذا خلف.
والجواب انه لا
شك ان الوجوب العيني مشروط بحضورهم موضع الجمعة ولكن حضور العدد المذكور واجب
وجوبا كفائيا على كافة المسلمين المتصفين بصفات المكلفين بوجوب الجمعة لا يختص به
خمسة دون خمسة ولا سبعة دون سبعة فلو أخلوا جميعا بالحضور شملهم الإثم واستحقوا
العقاب بترك الواجب المذكور ثم انه متى حضر العدد المذكور سقط بهم الوجوب الكفائي
وتوجه الوجوب العيني إلى عامة المكلفين المتصفين بصفات التكليف بهذه الفريضة. وكذا
القول في ما لو تعددت الأئمة فإنه يجب على واحد منهم الحضور في موضع إقامة الجمعة
وجوبا كفائيا مع بقية العدد فإن أخلوا جميعا شملهم الإثم وان حضر واحد منهم صار
الوجوب عينيا بالنسبة إلى كافة المكلفين.
(المقصد الثالث)
في الخطبتين ، وتحقيق الكلام في المقام يتوقف على بسطه في موارد (الأول) ـ أجمع
الأصحاب (رضوان الله عليهم) وأكثر العامة على ان الخطبتين شرط في انعقاد الجمعة ، قال في المدارك
: لأن النبي (صلىاللهعليهوآله) خطب خطبتين امتثالا للأمر المطلق فيكون بيانا له ، وقد
ثبت في الأصول ان بيان الواجب واجب.
أقول : فيه (أولا)
انا لم نقف على هذا الأمر المطلق إذ ليس إلا القرآن العزيز وهو غير مشتمل على
الأمر بالخطبة كما لا يخفى ، إلا أن يكون مراده الأمر بالسعي في الآية والمراد
السعي إلى الصلاة. وفيه ان دخول الخطبتين تحت الصلاة غير ظاهر واحتمال إطلاقها
عليهما مجاز لا يترتب عليه البيان إذ البيان انما يرجع الى ما دل عليه اللفظ حقيقة
ويتبادر منه فهما.
والأظهر
الاستدلال على ذلك بما رواه المحقق في المعتبر نقلا من جامع البزنطي عن داود بن
الحصين عن ابى العباس عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا جمعة إلا بخطبة وانما جعلت ركعتين لمكان
الخطبتين».
و (ثانيا) ان
هذا الكلام ينقض ما تقدم منه في باب الوضوء في مسألة وجوب غسل الوجه من الأعلى حيث
قد ذهب الى الاستحباب ثمة مع دلالة الوضوءات البيانية واشتمالها على الغسل من
الأعلى فهي مفسرة لإجمال الآية ومبينة له مع انه منع من ذلك ثمة ، وقد تقدم تحقيق
الكلام معه في ذلك في المسألة المذكورة.
__________________
والتحقيق
الرجوع في ذلك الى الأخبار فإنها ظاهرة الدلالة واضحة المقالة في المطلوب ، ومنها
الرواية المذكورة وهي صريحة في المطلوب ويعضدها ما تقدم في الروايات التي قدمناها
دليلا على وجوب صلاة الجمعة وهي الثالثة والخامسة والسادسة والثالثة عشرة والخامسة
عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة .
وقد صرح
الأصحاب بأنه يجب فيهما أمور (الأول) التقديم على الصلاة فلو بدأ بالصلاة لم تصح
الجمعة ، قال في المدارك : هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب بل قال في المنتهى انه
لا يعرف فيه مخالفا ، والمستند فيه فعل النبي (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (عليهمالسلام) والصحابة والتابعين والأخبار المستفيضة الواردة بذلك كرواية
أبي مريم عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن خطبة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أقبل الصلاة أو بعدها؟ فقال قبل الصلاة ثم يصلى». انتهى.
أقول : العجب
منه ومن صاحب المنتهى في دعواهما عدم الخلاف في المسألة مع ان الصدوق قد صرح في
جملة من كتبه مثل الفقيه وعيون الأخبار والعلل بالخلاف في ذلك فأوجب تأخير الخطبة
عن الصلاة وادعى ان تقديمها بدعة عثمانية.
ومن كلامه في
ذلك ما ذكره في كتاب عيون الأخبار بعد ان نقل حديث علل الفضل بن شاذان الدال على وجوب
تقديمهما في الجمعة وتأخيرهما في العيدين وبيان العلة في ذلك حيث قال : قال مصنف
هذا الكتاب جاء هذا الخبر هكذا ، والخطبة في الجمعة والعيدين بعد الصلاة لأنهما
بمنزلة الركعتين الأخيرتين وأول من قدم الخطبتين عثمان بن عفان. الى آخر كلامه.
وفي كتاب من لا
يحضره الفقيه روى حديثا عن الصادق (عليهالسلام) بهذه الصورة قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) أول من قدم الخطبة على الصلاة يوم الجمعة عثمان لانه
كان إذا صلى لم يقف الناس على خطبته وتفرقوا وقالوا ما نصنع بمواعظه
__________________
وهو لا يتعظ بها وقد أحدث ما أحدث فلما رأى ذلك قدم الخطبتين على الصلاة».
وقال المحدث
الكاشاني في الوافي بعد نقل هذا الخبر : كذا وجدنا الحديث في نسخ الفقيه وكأنه قد
وقعت لفظة الجمعة مكان لفظة العيد سهوا ثم صار ذلك سببا لا يراد الصدوق الحديث في
باب الجمعة وزعمه وروده فيه كما يظهر من بعض تصانيفه الأخر ، وذلك لما ثبت وتقرر
ان الخطبة في الجمعة قبل الصلاة وهذا من ما لم يختلف فيه أحد في ما أظن وقد مضت
الأخبار في ذلك. وأيضا انما ورد حديث عثمان في العيدين كما مر في هذا الباب مرتين.
انتهى.
وكيف كان فما
ذكره الصدوق وهم صرف وغفلة محضة عن تدبر الأخبار المستفيضة بتقديمهما في صلاة
الجمعة.
ومنها زيادة
على الروايتين المتقدمتين ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن محمد
بن مسلم قال : «سألته عن الجمعة فقال أذان واقامة يخرج الامام
بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب ولا يصلى الناس ما دام الامام على المنبر ثم يقعد
الامام على المنبر قدر ما يقرأ قل هو الله أحد ثم يقوم فيفتتح خطبته ثم ينزل فيصلي
بالناس ثم يقرأ بهم في الركعة الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين».
وما روياه أيضا
في الموثق عن سماعة قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) ينبغي للإمام الذي يخطب الناس يوم الجمعة أن يلبس
عمامة في الشتاء والصيف ويتردى ببرد يمني أو عدني ويخطب وهو قائم : يحمد الله
ويثنى عليه ثم يوصي بتقوى الله ويقرأ سورة من القرآن قصيرة ثم يجلس ثم يقوم فيحمد
الله ويثنى عليه ويصلى على محمد (صلىاللهعليهوآله) وعلى أئمة المسلمين (عليهمالسلام) ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، فإذا فرغ من هذا قام
المؤذن فأقام فصلى بالناس ركعتين يقرأ في الأولى بسورة الجمعة وفي الثانية بسورة
المنافقين».
__________________
وما روياه في
الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «إذا خطب الامام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن
يتكلم حتى يفرغ الامام من خطبته فإذا فرغ الامام من الخطبتين تكلم ما بينه وبين ان
يقام للصلاة وان سمع القراءة أم لم يسمع أجزأه». ونحوه صحيحة أخرى لمحمد بن مسلم
بهذا المضمون .
وما رواه الشيخ
في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يصلى الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ويخطب في الظل
الأول فيقول جبرئيل يا محمد (صلىاللهعليهوآله) قد زالت الشمس فانزل فصل وانما جعلت الجمعة ركعتين من
أجل الخطبتين فهي صلاة حتى ينزل الإمام».
(الثاني)
القيام حال الخطبة ، ولا خلاف في وجوبه مع الإمكان ونقل عليه في التذكرة الإجماع ،
والمستند فيه ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) ان أول من خطب وهو جالس معاوية واستأذن الناس في ذلك
من وجع كان بركبتيه وكان يخطب خطبة وهو جالس وخطبة وهو قائم ثم يجلس بينهما. ثم
قال : الخطبة وهو قائم خطبتان يجلس بينهما جلسة لا يتكلم فيها قدر ما يكون فصل ما
بين الخطبتين».
وعن عمر بن
يزيد في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «وليقعد قعدة بين الخطبتين».
وروى الثقة
الجليل على بن إبراهيم في تفسيره في الصحيح عن ابن مسكان عن ابى بصير «انه سأل عن الجمعة كيف يخطب الامام؟ قال يخطب قائما ان الله تعالى يقول (وَتَرَكُوكَ قائِماً)» .
__________________
ولو منعه مانع
فالظاهر جواز الجلوس كما صرح به جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) وفي وجوب
الاستنابة في هذه الحالة إشكال.
قالوا : ولو
خطب جالسا مع القدرة بطلت صلاته وصلاة من علم بذلك من المأمومين ، اما من لم يعلم
بذلك فقد قطعوا بصحة صلاته بناء على ان الظاهر من حال المسلم خصوصا العدل أن يكون
جلوسه في حال الخطبة لعذر ولم يفصلوا بين تجدد العلم بعد الصلاة وعدم تجدده ،
وجعلوه مثل صلاة الإمام محدثا فإن صلاة من لم يعلم بحدثه صحيحة وان تجدد العلم بعد
الصلاة. وفيه ان قيام الدليل في المحدث في صورة ما إذا علم المأموم بعد الصلاة على
صحة الصلاة لا يستلزم الصحة في ما نحن فيه لعدم الدليل كما في المحدث.
قالوا : ويجب
في القيام الطمأنينة كما في البدل لتوقف البراءة اليقينية عليه. وفيه إشكال.
وقال في
المدارك : ويجب في القيام الطمأنينة للتأسي ولأنهما بدل من الركعتين.
وفيه (أولا) ما
صرح به هو وغيره من المحققين من أن التأسي لا يصلح دليلا للوجوب كما حققوه في
الأصول لان فعلهم (عليهمالسلام) أعم من ذلك.
و (ثانيا) ان
البدلية على تقدير صحة الاستدلال بها لا تقتضي أن تكون من كل وجه ، وغاية ما يمكن
أن يقال ان المسألة لما كانت عارية من النص فالاحتياط فيها واجب وهو لا يحصل إلا
بما ذكروه من الطمأنينة.
(الثالث) اتحاد
الخطيب والامام على أظهر القولين وأشهرهما وهو اختيار الراوندي في أحكام القرآن ،
وقواه العلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى واختاره السيد السند في المدارك ،
ونقل عن العلامة في النهاية القول بجواز المغايرة معللا بانفصال كل من العبادتين
عن الأخرى ، وبان غاية الخطبتين أن يكونا كالركعتين ويجوز الاقتداء بإمامين في
صلاة واحدة.
قال في المدارك
بعد نقل ذلك عنه : ويتوجه على الأول منع الانفصال
شرعا ، سلمنا الانفصال لكن ذلك لا يقتضي جواز الاختلاف إذا لم يرد فيه نقل
على الخصوص لعدم تيقن البراءة مع الإتيان به. وعلى الثاني بعد تسليم الأصل انه
قياس محض.
واستشكل في
الذخيرة في هذا المقام فقال : والمسألة محل إشكال ينشأ من أن المنقول من فعل النبي
(صلىاللهعليهوآله) والأئمة (عليهمالسلام) الاتحاد فيجب عدم التعدي منه وقوفا في الوظائف الشرعية
على القدر الثابت المتيقن ، ومن إطلاق الأمر بالصلاة في الآية والأخبار والاشتراط
يتقدر بقدر الدليل والدليل لا يقتضي الخصوصية المذكورة في الخطبتين. والاحتياط
واضح. انتهى.
أقول : اما ما
ذكره في الوجه الثاني من إطلاق الآية فمسلم واما إطلاق الأخبار فممنوع فان بعضها
وان كان مطلقا كما ادعاه إلا ان جملة منها ظاهرة في الاتحاد كالأخبار المتقدمة في
الأمر الأول ، ونحوها أيضا صحيحة أبي بصير المنقولة من تفسير على بن إبراهيم فإنها
قد اشتملت على ان الخطيب هو الامام وانه بعد الخطبة يصلى بالناس ، وحينئذ فما أطلق
من الأخبار ان وجد يحتمل على هذه الأخبار حمل المطلق على المقيد وبذلك يقيد إطلاق
الآية أيضا.
ويدل على ما
ذكرناه ما سيأتي ان شاء الله تعالى من الأخبار الدالة على النهى عن الكلام والامام
يخطب ونحوها ، فان المراد بالإمام فيها هو إمام الجماعة الذي يصلى بعد الخطبة وإلا
فلا معنى للتعبير بلفظ الإمام في المقام لو كان الخطيب غيره. وحمله على إمام في
الجملة وان لم يكن في تلك الصلاة لا يرتكبه إلا من لم يكن له ذوق ولا رؤية في فهم
معاني الكلام كما لا يخفى على ذوي الأفهام. وبالجملة فإن ما ذكره من الاستشكال من
الأوهام السخيفة بلا اشكال.
(الرابع) الفصل
بين الخطبتين بجلسة خفيفة على الأشهر الأظهر ، واستدل عليه في المدارك بالتأسي ،
وقد عرفت ما فيه قريبا.
والأظهر
الاستدلال على ذلك بالأخبار ، ومنها ما تقدم قريبا في صحيحة
معاوية بن وهب وهو قوله (عليهالسلام) فيها «الخطبة وهو قائم خطبتان يجلس بينهما جلسة لا
يتكلم فيها قدر ما يكون فصل ما بين الخطبتين».
وتقدم أيضا في
صحيحة عمر بن يزيد قال : «وليقعد قعدة بين الخطبتين». وتقدم في موثقة
سماعة بعد ذكر الخطبة الأولى قال (عليهالسلام) «ثم يجلس ثم يقوم فيحمد الله تعالى».
وفي صحيحة محمد
بن مسلم المروية في الكافي في خطبة يوم الجمعة عن الباقر (عليهالسلام) قال بعد ذكر الخطبة الأولى بطولها «ثم اقرأ سورة من
القرآن وادع ربك وصل على النبي (صلىاللهعليهوآله) وادع للمؤمنين والمؤمنات ثم تجلس قدر ما تمكن هنيهة ثم
تقوم فتقول الحمد لله». ثم ساق الخطبة الثانية.
وفي صحيحة محمد
بن النعمان أو غيره المروية في الكافي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) انه ذكر خطبة أمير المؤمنين (عليهالسلام) يوم الجمعة «الحمد لله أهل الحمد. ثم ساق الخطبة الى
أن قال : ثم جلس قليلا ثم قام فقال الحمد لله». ثم ساق الخطبة الثانية.
وفي معناها ما
رواه في الفقيه من خطبة أمير المؤمنين (عليهالسلام) وفيها بعد ذكر الخطبة الاولى «ثم يجلس جلسة خفيفة ثم
يقوم فيقول الحمد لله. الى آخر الخطبة».
وهذه الأخبار
ونحوها ما بين ما تضمن حكاية فعلهم (عليهمالسلام) ذلك وما بين ما تضمن الأمر باللام وما تضمن الأمر
بالجملة الفعلية وهو ظاهر في الوجوب واشتمال الأخبار على بعض المندوبات لا يقدح في
الدلالة لأن ما قام الدليل على استحبابه يجب ارتكاز التجوز في الأمر به وما لم يقم
على استحبابه دليل فيجب حمل الأمر به على ظاهره من الوجوب وبه يتم المطلوب.
واما ما ذكره
المحقق في المعتبر من ما يؤذن بتردده في المقام ـ حيث قال : وهل الجلسة بين
الخطبتين واجبة؟ فيه تردد ، وجه الوجوب فعل النبي والأئمة
__________________
(صلوات الله عليهم) بعده. وما روى عن أهل البيت (عليهمالسلام) من طرق أحدها ما رواه معاوية بن وهب ، ثم ذكرها كما
ذكرناه ، ثم قال ووجه الاستحباب انه فصل بين ذكرين جعل للاستراحة فلا يتحقق فيه معنى
الوجوب ، ولان فعل النبي (صلىاللهعليهوآله) كما يحتمل أن يكون تكليفا يحتمل أن يكون للاستراحة
وليس فيه معنى التعبد ، ولأنا لا نعلم الوجه الذي أوقعه عليه فلا تجب المتابعة.
انتهى.
ولا يخفى ما
فيه من النظر الظاهر في كل من الوجهين ، أما الأول فمرجعه إلى التأسي وقد عرفت انه
ليس بدليل على الوجوب ، واليه أشار في آخر كلامه بقوله : ولأنا لا نعلم الوجه الذي
أوقعه عليه يعنى من وجوب واستحباب لأن الإتيان به أعم منهما.
واما الثاني
فيرجع الى العلة المستنبطة التي لا اعتماد عليها في الأحكام ، والوجه في الوجوب
انما هو ورود الأمر بذلك في الاخبار المتقدمة ونحوها وان كان أمرا بالجملة الفعلية
أو باللام ، فان التحقيق انه لا فرق بين الأمر بصيغة «افعل» ولا بين الصيغتين
المذكورتين كما حققناه في مقدمات الكتاب وبه صرح جملة من محققي الأصحاب ، ويدل على
ذلك أيضا صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وقوله فيها «يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر
فيخطب. الى آخره». فإنه ظاهر في بيان الكيفية الواجبة ومن جملتها الجلوس بين
الخطبتين.
قالوا : ويجب
في الجلوس الطمأنينة وينبغي أن يكون بقدر قراءة سورة «قل هو الله أحد» كما تضمنته
صحيحة محمد بن مسلم المذكورة.
قيل : ولو عجز
عن القيام فخطب جالسا فصل بينهما بسكتة ، واحتمل العلامة في التذكرة الفصل
بالاضطجاع.
وهل يجب السكوت
حال الجلوس؟ قيل نعم لما تقدم في صحيحة معاوية ابن وهب من قوله «جلسة لا يتكلم فيها». ورد باحتمال ان يكون
المراد لا يتكلم فيها بشيء من الخطبة. والظاهر بعده.
__________________
ثم ان ههنا
أشياء أخر وقع الخلاف فيها وجوبا واستحبابا في الخطبتين سيأتي ان شاء الله تعالى
التنبيه عليها.
(المورد الثاني)
اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما يجب اشتمال كل من الخطبتين عليه ، فقال
الشيخ في المبسوط : أقل ما تكون الخطبة أربعة أصناف : حمد الله تعالى والصلاة على
النبي وآله (صلىاللهعليهوآله) والوعظ وقراءة سورة خفيفة من القرآن. ومثله قال ابن
حمزة.
وقال في الخلاف
: أقل ما تكون الخطبة أن يحمد الله تعالى ويثنى عليه ويصلى على النبي (صلىاللهعليهوآله) ويقرأ شيئا من القرآن ويعظ الناس.
وابن إدريس
وافق المبسوط في موضع من كتابه وأوجب السورة الخفيفة وخالفه في آخر ، وقال في وصف
الخطبة : ويوشح خطبته بالقرآن ومواعظه وآدابه. ولم يذكر السورة.
وقال أبو
الصلاح : لا تنعقد الصلاة إلا بإمام. الى ان قال : وخطبة في أول الوقت مقصورة على
حمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله والصلاة على محمد والمصطفين من آله (صلوات
الله عليهم) ووعظ وزجر. ولم يتعرض لشيء من القرآن بالكلية.
وقال الشيخ في
الاقتصاد : أقل ما يخطب به أربعة أشياء : الحمد والصلاة على النبي وآله (صلىاللهعليهوآله) والوعظ وقراءة سورة خفيفة من القرآن بين الخطبتين.
وقال في
النهاية : ينبغي ان يخطب الخطبتين ويفصل بينهما بجلسة ويقرأ سورة خفيفة ويحمد الله
تعالى في خطبته ويصلى على النبي (صلىاللهعليهوآله) ويدعو لأئمة المسلمين (عليهمالسلام) ويدعو أيضا للمؤمنين ويعظ ويزجر وينذر ويخوف. ومثله
قال ابن البراج وابن زهرة.
وقال القطب
الراوندي في الرائع : الخطبة شرط في صحة الجمعة وأقل ما يكون أن يحمد الله تعالى
ويصلى على النبي وآله (صلىاللهعليهوآله) ويعظ الناس ويقرأ سورة قصيرة من
القرآن ، وقيل يقرأ شيئا من القرآن.
وقال ابن
الجنيد عن الخطبة الاولى : ويوشحها بالقرآن. وعن الثانية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسانِ). إلى آخر الآية .
وقال المرتضى
في المصباح : يحمد الله ويمجده ويثنى عليه ويشهد لمحمد (صلىاللهعليهوآله) بالرسالة ويوشح الخطبة بالقرآن ثم يفتتح الثانية
بالحمد والاستغفار والصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) والدعاء لأئمة المسلمين.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان الذي يظهر من كلام الفاضلين ان وجوب الحمد والصلاة على النبي وآله (صلوات
الله عليهم) والوعظ موضع وفاق بين علمائنا وأكثر العامة لعدم تحقق الخطبة عرفا بدون ذلك ، واستدل عليه في
المنتهى بأمور واهية ليس في التعرض لها كثيرة فائدة.
وقد وقع الخلاف
هنا في مواضع : (الأول) ـ هل تجب القراءة في الخطبتين كما هو المشهور أم لا كما هو
مذهب ابى الصلاح؟ (الثاني) ـ انه على تقدير الوجوب هل الواجب سورة كاملة أو آية
تامة الفائدة؟ (الثالث) ـ انه على الأول أعني السورة الكاملة هل الواجب سورة كاملة
فيهما أو في الأولى
__________________
خاصة؟ وعلى الثاني أعني الآية التامة الفائدة فهل هي فيهما أو في الأولى
خاصة؟ (الرابع) ـ هل تجب الشهادة لمحمد (صلىاللهعليهوآله) بالرسالة في الأولى كما هو ظاهر المرتضى أم لا؟ (الخامس)
ـ هل يجب الاستغفار والدعاء لأئمة المسلمين كما هو ظاهر المرتضى أيضا أم لا؟ هذا
ما وصل إلينا من كلام متقدمي الأصحاب في الباب.
والواجب الرجوع
الى الأخبار إلا ان الظاهر انه ليس في شيء منها تصريح بأقل الواجب كما وقع في
عبائر الأصحاب بحيث لا يجزئ ما دونه.
وكيف كان فمن
تلك الأخبار موثقة سماعة قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) ينبغي للإمام الذي يخطب الناس يوم الجمعة ان يلبس
عمامة في الشتاء والصيف ويتردى ببرد يمني أو عدني ويخطب وهو قائم : يحمد الله
ويثنى عليه ثم يوصي بتقوى الله ويقرأ سورة من القرآن قصيرة ثم يجلس ثم يقوم فيحمد
الله ويثنى عليه ثم يصلى على محمد (صلىاللهعليهوآله) وعلى أئمة المسلمين (عليهمالسلام) ويستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات فإذا فرغ من هذا أقام
المؤذن فصلى بالناس ركعتين. الحديث».
ومنها ـ ما
رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم «ان أبا جعفر (عليهالسلام) خطب خطبتين في الجمعة ، ثم نقلهما بتمامهما ، والاولى
منهما قد اشتملت على حمد الله والشهادتين والصلاة على النبي وآله (صلىاللهعليهوآله) والوعظ ، قال ثم اقرأ سورة من القرآن وادع ربك وصل على
النبي (صلىاللهعليهوآله) وادع للمؤمنين والمؤمنات ثم تجلس. وتضمنت الثانية
الحمد والشهادتين والوعظ والصلاة على محمد (صلىاللهعليهوآله) بقوله اللهمّ صل على محمد عبدك ورسولك سيد المرسلين
وامام المتقين ورسول رب العالمين. قال : ثم تقول اللهمّ صلى على أمير المؤمنين
ووصى رسول رب العالمين ، ثم تسمى الأئمة (عليهمالسلام) حتى تنتهي إلى صاحبك ، ثم تقول اللهم افتح له فتحا
يسيرا وانصره نصرا عزيزا اللهمّ أظهر به دينك وسنة نبيك حتى
__________________
لا يستخفى بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق. ثم ساق الدعاء لصاحب الأمر
الى ان قال : ويكون آخر كلامه ان يقول (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ). وذكر الآية كملا ، ثم قال ثم يقول اللهمّ اجعلنا ممن
تذكر (فَتَنْفَعَهُ
الذِّكْرى) ثم ينزل».
ومنها ـ ما
رواه في الكافي أيضا في الصحيح أو الحسن عن الحسن بن محبوب عن محمد بن
النعمان أو غيره عن ابى عبد الله (عليهالسلام) انه ذكر هذه الخطبة لأمير المؤمنين (عليهالسلام) يوم الجمعة ، والاولى منهما طويلة مشتملة على التحميد
والشهادتين والوعظ ثم سورة «العصر» ثم قال (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) (صلىاللهعليهوآله) ثم ذكر الآية وأردفها بمزيد الصلاة والدعاء للنبي (صلىاللهعليهوآله) الى ان قال : «ثم جلس قليلا ثم قام فقال الحمد لله.».
وذكر الخطبة
الثانية وهي مشتملة على الحمد والاستعاذة وطلب العصمة من الذنوب ومساوئ الأعمال
ومكاره الآمال ثم الدعاء للمؤمنين والمؤمنات ومنها ـ ما رواه في الفقيه مرسلا ، قال : «خطب أمير المؤمنين (عليهالسلام) في الجمعة فقال. ثم ساق الخطبة الأولى وهي مشتملة على
التحميد والثناء على الله سبحانه والشهادتين والوعظ ثم سورة التوحيد أو «قل يا
ايها الكافرون» أو «إذا زلزلت» أو «ألهاكم التكاثر» أو «العصر» قال وكان من ما
يدوم عليه «قل هو الله أحد» ثم يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم فيقول.» ثم ذكر الخطبة
الثانية وهي مشتملة على التحميد مختصرا وكذلك الشهادتان ثم الصلاة على النبي وآله (صلىاللهعليهوآله) ثم الدعاء على أهل الكتاب ثم الدعاء بنصر جيوش
المسلمين وسراياهم ثم الدعاء للمؤمنين ثم الآية «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسانِ ... إلى آخرها» .
أقول : قد
اتفقت هذه الأخبار بالنسبة إلى الخطبة الأولى على اشتمالها على التحميد والوعظ
وقراءة سورة كاملة وهي تمام ما اختصت به موثقة سماعة ،
__________________
واشتركت الروايات الثلاث التي بعدها في الاشتمال على الشهادتين زيادة على
ذلك ، وحينئذ فيخص بها إطلاق موثقة سماعة ويجب تقييدها بها ، واختصت الرواية
الثانية بزيادة الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) والأحوط إضافتها لذلك.
واما بالنسبة
إلى الخطبة الثانية فقد اتفق الجميع على التحميد خاصة واشترك ما عدا الرواية
الثالثة في إضافة الصلاة على النبي وآله (صلوات الله عليهم) واشتركت الاولى
والثانية في إضافة أئمة المسلمين إلى الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) إجمالا في الاولى وتفصيلا في الثانية وبه يجب تقييد ما
خلا ذلك من الأخبار المذكورة ، واشتركت الرواية الثانية والرابعة في إضافة الآية
المتقدمة في آخر الخطبة وبه يقيد إطلاق الروايتين الخاليتين من ذلك ، واتفق الجميع
في عدم ذكر الوعظ في الثانية .
ثم انه لا يخفى
ما بين ما دلت عليه هذه الأخبار وبين ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
المقام من المنافاة وعدم الالتئام ولا سيما بالنسبة إلى إيجابهم السورة في الخطبة
الثانية كما هو ظاهر المشهور ، قال في الذكرى قال ابن الجنيد والمرتضى : وليكن في
الأخيرة قوله تعالى «إِنَّ
اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ... الآية» . وأورده البزنطي في جامعه. وبالنسبة إلى إيجابهم الوعظ
في الخطبة الثانية وكذا بالنسبة الى عدم ذكرهم الشهادتين سوى المرتضى (رضى الله
عنه) فإنه ذكر الشهادة بالرسالة ولم يذكر الشهادة بالتوحيد والأخبار قد اشتملت
عليهما ونحو ذلك. إلا ان بعض الأخبار الواردة في ذكر الخطبة غير ما أشرنا إليه
اشتمل على الوعظ في الثانية أيضا. والاحتياط لا يخفى.
وينبغي التنبيه على أمور
(الأول) قد صرح
العلامة والشهيد وجماعة بأنه يجب في الخطبتين التحميد بصيغة «الحمد لله» ورده جملة
ممن تأخر عنهم بصدق الخطبة مع الإتيان بالتحميد كيف اتفق.
__________________
أقول : لا ريب
ان موثقة سماعة وان اشتملت على مطلق التحميد لقوله «يحمد الله ويثنى عليه» إلا ان
الثلاث التي بعدها كلها قد اشتملت على لفظ «الحمد لله» في أول كل من الخطبتين فلا
يبعد ان يحمل عليها إطلاق موثقة سماعة المذكورة وبه يظهر قوة ما ذكره الأولون.
(الثاني) ذكر
جمع من الأصحاب انه يجب الترتيب في اجزاء الخطبة بتقديم الحمد ثم الصلاة ثم الوعظ
ثم القراءة فلو خالف أعاد على ما يحصل به الترتيب ، قال في المدارك : وهو أحوط وان
كان في تعينه نظر.
أقول : ما
ذكروه (رضوان الله عليهم) مبنى على ما تكرر في عبائرهم من إيجاب هذه الأربعة في كل
من الخطبتين وقد عرفت ما بين كلامهم وبين الاخبار المتقدمة من المدافعة في البين ،
والذي يتلخص من الاخبار بتقريب ما قدمنا ذكره من ضم بعضها الى بعض بالنسبة إلى
الخطبة الأولى هو الإتيان بالتحميد أولا ثم الشهادتين بالتوحيد أولا ثم بالرسالة
ثم اضافة الصلاة بعدهما احتياطا ثم الوعظ ثم قراءة سورة كاملة ، واما بالنسبة إلى
الخطبة الثانية فالتحميد أولا ثم الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) ثم أئمة المسلمين تفصيلا ثم الآية المتقدمة. واما ان
ذلك على جهة الوجوب أو الاستحباب فإشكال ينشأ من أن هذه الكيفية التي ورد بها النص
فيقين البراءة يتوقف عليها ومن احتمال خروجها مخرج الاتفاق سيما ان الخطب المذكورة
مشتملة على تكرار وزيادة أشياء أخر فيها. وبالجملة فالاحتياط في الوقوف على ما دلت
عليه الاخبار وان كان لا اشعار فيها بالوجوب.
(الثالث) المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) المنع من الخطبة بغير العربية للتأسي ، قال في
المدارك : وهو حسن.
أقول : قد عرفت
ان التأسي لا يصلح لان يكون دليلا لحرمة ولا وجوب كما صرح به هو وغيره من المحققين
ولكنه في أمثال هذه المواضع يستسلقه وهو غير جيد. نعم يمكن ان يقال ان يقين
البراءة موقوف على ذلك وانها عبادة
والعبادات توقيفية يتبع فيها ما رسمه صاحب الشريعة ، وهذا هو الذي جاء عنهم
(عليهمالسلام).
ولو لم يفهم
العدد العربية ولا أمكن التعلم قيل تجب العجمية لأن مقصود الخطبة لا يتم بدون فهم
معانيها. واحتمل في المدارك سقوط الجمعة لعدم ثبوت مشروعيتها على هذا الوجه.
أقول : والأقرب
وجوب العربية في الصورة المذكورة ، والتعليل بان المقصود من الخطبة فهم العدد
لمعانيها مع تسليم وروده لا يقتضي كونه كليا فان علل الشرع ليست عللا حقيقة يدور
المعلول مدارها وجودا وعدما وانما هي معرفات وتقريبات إلى الأذهان كما لا يخفى على
من راجع كتاب العلل وما اشتملت عليه اخباره من العلل. على ان البلدان التي فتحت من
العجم والروم ونحوهما وعينت فيها الأئمة للجمعات والجماعات لم ينقل انهم كانوا
يترجمون لهم الخطب ولو وقع لنقل ومنه زمان خلافة أمير المؤمنين (عليهالسلام) وكيف كان فالأحوط الخطبة بالعربية وترجمة بعض الموارد
التي يتوقف عليها المقصود من الخطبة.
(الرابع) قال
شيخنا المجلسي (قدسسره) في كتاب البحار : والاولى والأحوط ان يراعى الخطيب
أحوال الناس بحسب خوفهم ورجائهم فيعظهم مناسبا لحالهم وللأيام والشهور والوقائع
الحادثة وأمثال تلك الأمور كما يومئ اليه بعض الاخبار ويظهر من الخطب المنقولة.
انتهى. وهو جيد.
(الخامس) روى
الصدوق في كتاب العلل والعيون في علل الفضل بن شاذان عن الرضا (عليهالسلام) قال : «وانما جعلت خطبتين لتكون واحدة للثناء على الله
تعالى والتمجيد والتقديس لله عزوجل ، والأخرى للحوائج والاعذار والإنذار والدعاء ولما
يريدان يعلمهم من أمره ونهيه ما فيه الصلاح والفساد». انتهى.
أقول : ظاهره
ان احدى الخطبتين انما تشتمل على الثناء والتمجيد والتقديس
__________________
لله عزوجل والأخرى لما ذكره (عليهالسلام) وأنت خبير بأنه لا ينطبق على ما قدمناه من الأخبار ولا
كلام الأصحاب وصاحبه (عليهالسلام) اعلم بذلك.
(المورد الثالث)
اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب الإصغاء للخطبة والطهارة فيهما من الحدث
أو منه ومن الخبث وفي تحريم الكلام حال الخطبة من المأمومين والامام وكذا في وجوب
رفع الصوت لاستماع العدد.
والكلام هنا
يقع في مواضع (الأول) ـ في وجوب الإصغاء وعدمه ممن يمكن في حقه السماع والإصغاء
والإنصات لها والاستماع ، والمشهور وجوبه وذهب الشيخ في المبسوط والمحقق في
المعتبر إلى انه مستحب.
احتج الأولون
بأن فائدة الخطبة لا تحصل إلا به. قال في الذخيرة : وفيه منع واضح لمنع كون
الفائدة منحصرة في استماع كل منهم جميع الخطبة ، قال : ولو قصد بهذا الاستدلال على
وجوب إصغاء الزائد على العدد كان أخفى دلالة. انتهى.
أقول : والأظهر
الاستدلال على القول المشهور بالأخبار الدالة على النهى عن الكلام والامام يخطب فإنه لا وجه للنهي في المقام إلا من حيث وجوب الإصغاء
للخطبة والاستماع لها ، ونقل غير واحد من أصحابنا عن البزنطي في جامعه انه قال «إذا قام الامام يخطب وجب على الناس الصمت». وهو
من قدماء الأصحاب وأجلاء الثقات من أصحاب الرضا (عليهالسلام).
والأصحاب أيضا
قد اختلفوا في تحريم الكلام ، فالمشهور التحريم فمنهم من عمم الحكم بالنسبة إلى
المستمعين والخطيب ومنهم من خصه بالمستمعين ، وذهب الشيخ في المبسوط وموضع من
الخلاف والمحقق إلى الكراهة ، وهو جار على نحو ما قدمناه عنهم من القول بعدم وجوب
الاستماع ، والى القول بالكراهة مال الفاضل الخراساني في الذخيرة أيضا.
والأظهر عندي
هو القول المشهور من وجوب الاستماع وتحريم الكلام
__________________
للاخبار المشار إليها ، ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا خطب الامام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن
يتكلم حتى يفرغ الامام من خطبته فإذا فرغ الامام من الخطبتين تكلم ما بينه وبين أن
تقام الصلاة».
ومنها ـ ما
رواه في الفقيه مرسلا قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) لا كلام والامام يخطب ولا التفات إلا كما يحل في
الصلاة ، وإنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين جعلتا مكان الركعتين الأخيرتين
فهي صلاة حتى ينزل الامام».
وظاهر هذا
الخبر كما ترى انه ما دام الامام يخطب فإن الامام والحاضرين معه في صلاة حتى ينزل
فلا يتكلم هو ولا هم ولا يلتفتون إلا كما يلتفتون حال الصلاة ، ومنه يفهم وجوب
الطهارة ايضا على الامام وعليهم من الحدث والخبث. هذا مقتضى ظاهر الخبر المذكور.
ومنها ـ ما
رواه في الفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس ان يتكلم الرجل إذا فرغ الامام من الخطبة
يوم الجمعة ما بينه وبين ان تقام الصلاة». فإنه يشعر بالبأس قبل الفراغ.
ومنها ـ ما
رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سألته عن الجمعة فقال أذان واقامة يخرج الامام
بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب ولا يصلى الناس ما دام الامام على المنبر. الحديث».
فإنه إذا امتنعت الصلاة التي هي عبادة امتنع الكلام الذي هو لغو غالبا.
ومنها ـ ما
رواه الصدوق في كتاب المجالس عن بكر بن محمد ورواه ايضا عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب
الاسناد عن بكر بن محمد عن الصادق عن آبائه (عليهمالسلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) الناس في الجمعة على ثلاثة
__________________
منازل : رجل شهدها بإنصات وسكون قبل الامام وذلك كفارة لذنوبه من الجمعة
إلى الجمعة الثانية وزيادة ثلاثة أيام لقوله تعالى «مَنْ جاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها»
ورجل شهدها بلغط وملق وقلق فذلك حظه ، ورجل شهدها والامام يخطب فقام يصلى
فقد أخطأ السنة وذلك ممن إذا سأل الله عزوجل ان شاء أعطاه وان شاء حرمه».
وروى الصدوق في
المجالس بسنده في مناهي النبي (صلىاللهعليهوآله) «انه نهى عن الكلام يوم الجمعة والامام يخطب ومن فعل ذلك فقد لغى ومن لغى
فلا جمعة له».
وروى في كتاب
قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) «ان عليا (عليهالسلام) كان يكره رد السلام والامام يخطب».
وفيه بهذا
الاسناد عن على (عليهالسلام) قال : «يكره الكلام يوم الجمعة والامام يخطب وفي الفطر
والأضحى والاستسقاء».
قال شيخنا
المجلسي في كتاب البحار بعد نقل هذين الخبرين : بيان ـ كراهة رد السلام لعله محمول
على التقية إذ لا يكون حكمها أشد من الصلاة. ويمكن حمله على ما إذا رد غيره ، قال
العلامة في النهاية : ويجوز رد السلام بل يجب لانه كذلك في الصلاة ففي الخطبة
أولى. وكذا يجوز تسميت العاطس ، وهل يستحب؟ يحتمل ذلك لعموم الأمر به ، والعدم لأن
الإنصات أهم وانه واجب على الأقرب انتهى. والكراهة الواردة في الكلام غير صريحة في
الكراهة المصطلحة لما عرفته مرارا. وظاهره شمول الحكم لمن لم يسمع الخطبة أيضا.
قال العلامة في النهاية : وهل يجب الإنصات على من لم يسمع الخطبة؟ الأولى المنع
لان غايته الاستماع فله ان
__________________
يشتغل بذكر وتلاوة. ويحتمل الوجوب لئلا يرتفع اللغط ولا يتداعى الى منع
السامعين من السماع. انتهى كلام شيخنا المذكور وهو ظاهر في اختياره القول المشهور
ومنها ـ ما
رواه في كتاب قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن الإمام إذا خرج يوم الجمعة هل يقطع
خروجه الصلاة أو يصلى الناس وهو يخطب؟ قال لا تصلح الصلاة والامام يخطب إلا ان
يكون قد صلى ركعة فيضيف إليها أخرى ولا يصلى حتى يفرغ الامام من خطبته».
ومنها ـ ما
ذكره في كتاب الفقه الرضوي قال : «وقال أمير المؤمنين (عليهالسلام) لا كلام والامام يخطب يوم الجمعة ولا التفات وانما
جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين جعلتا مكان الركعتين الأخيرتين فهي صلاة حتى
ينزل الامام».
وفي كتاب دعائم
الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) انه قال : «إذا قام الامام يخطب فقد وجب على الناس
الصمت». وعن على (عليهالسلام) انه قال : «لا كلام والامام يخطب ولا التفات إلا كما
يحل في الصلاة».
وعن جعفر بن
محمد (عليهماالسلام) انه قال : «لا كلام حتى يفرغ الامام من الخطبة فإذا فرغ
منها فتكلم ما بينك وبين افتتاح الصلاة ان شئت».
وعن على (عليهالسلام) انه قال : «يستقبل الناس الامام عند الخطبة بوجوههم
ويصغون اليه».
وعن جعفر بن
محمد (عليهماالسلام) انه قال : «انما جعلت الخطبة
__________________
عوضا عن الركعتين اللتين أسقطتا من صلاة الظهر فهي كالصلاة لا يحل فيها إلا
ما يحل في الصلاة».
أقول : ومن هذه
الأخبار يظهر قوة القول المشهور وضعف ما ذكره في الذخيرة في الجواب عن صحيحة محمد
بن مسلم الأولى من أن لفظ «لا ينبغي» ظاهر في الكراهة ، فإن فيه ان
ظهوره في الكراهة انما هو باعتبار عرف الناس واما باعتبار عرفهم (عليهمالسلام) فان ورد هذا اللفظ في التحريم ولفظ «ينبغي» في الوجوب
مما لا يحصى كثرة في الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار ، فهو وان كان في
عرفهم (عليهمالسلام) متشابها محتملا للأمرين إلا انه ـ بانضمام ما ذكرناه
من الأخبار سيما ما دل على النهى وما دل على انه في صلاة حتى ينزل الامام ونحو ذلك
ـ يتحتم حمله على التحريم.
والظاهر تحريم
الكلام أو كراهته على القولين المذكورين في ما بين الخطبتين لما تقدم في صحيح محمد
بن مسلم وغيره من النهى حتى يفرغ من خطبته حتى إذا فرغ تكلم ما بينه
وبين ان تقام الصلاة ، والمراد من الفراغ من خطبته الفراغ من كلتا الخطبتين.
والظاهر ان
غاية النهي عن الكلام التحريم على تقدير القول به لا بطلان الصلاة أو الخطبة فإنه
لم يصرح أحد من القائلين بالتحريم بالبطلان في هذا الموضع في ما اعلم ، وبذلك ايضا
صرح بعض متأخري المتأخرين.
والظاهر انه
يجب الإصغاء ويحرم الكلام على من يمكن في حقه السماع فالبعيد الذي لا يسمع والأصم
لا يجب عليهما ولا يحرم لعدم الفائدة ، وقد تقدم في عبارة النهاية احتمال الوجوب
وهو الأحوط.
قيل : ولا يحرم
غير الكلام من ما يحرم في الصلاة خلافا للمرتضى. أقول : ظاهر خبر الفقه الرضوي
المتقدم نقله المانع من الالتفات موافقة المرتضى (رضي الله
__________________
عنه) في ما ذهب اليه هنا ومثله اخبار كتاب دعائم الإسلام.
ولا فرق في
تحريم الكلام بين الامام والمأموم لظاهر الخبرين المتقدمين أعني صحيحة عبد الله بن
سنان ومرسلة الفقيه وربما فرق بينهما وخص التحريم بغير الامام لتكلم النبي (صلىاللهعليهوآله) حال الخطبة .
أقول : حديث
تكلم النبي (صلىاللهعليهوآله) حال الخطبة انما هو من طريق العامة كما ذكره أصحابنا
في مطولاتهم فلا يقوم حجة ولكنهم (رضوان الله عليهم) يستسلقون أمثال هذه الأحاديث
ويستدلون بها في مقام المجازفة وهو غير جيد.
(الثاني) في
وجوب الطهارة وعدمه ، اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب طهارة الخطيب من
الحدث حال الخطبة فذهب الشيخ في المبسوط والخلاف الى الوجوب ومنعه ابن إدريس
والفاضلان.
وبالأول صرح
شيخنا الشهيد الثاني في الروض ، وكذلك ظاهره القول بتحريم الكلام على الخطيب
والمأمومين. واحتج على الثاني بأن فائدة الخطبة لا تتم إلا بالإصغاء. وعلى الأول بصحيحة
عبد الله بن سنان عن الصادق (عليهالسلام) «انما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة حتى ينزل الامام». قال
فجعل (عليهالسلام) الخطبتين صلاة وكل صلاة تجب فيها الطهارة ويحرم
الكلام. ولا يرد ان ذلك في الصلاة الشرعية وليست مراده هنا بل اما المعنى اللغوي
أو التشبيه بحذف أداته فلا تتم كلية الكبرى. ثم أجاب بأن اللفظ يجب حمله على
المعنى الشرعي ومع تعذره يحمل على أقرب المجازات إلى الحقيقة المتعذرة وهو يستلزم
المطلوب فتجب مساواتهما للصلاة في كل ما لا يدل على خلافه دليل يجب المصير اليه.
وللتأسي في الطهارة
__________________
بالنبي والأئمة (صلوات الله عليهم) وهذا هو الأجود. انتهى.
وبما قرره من
التقريب في الاستدلال بالرواية يندفع ما أجاب به سبطه السيد السند عن الرواية
المذكورة من ان وجوب التماثل بين الشيئين لا يستلزم ان يكون من جميع الوجوه ، فان
هذا الجواب لا يندفع به ما قرره جده. نعم يمكن الجواب عنه بما ذكره الشهيد في شرح
الإرشاد من ان المراد بالصلاة هنا الدعاء لاشتمالها على الدعاء وهو اولى من حمله
على المجاز الشرعي لأن الحقيقة اللغوية خير من المجاز الشرعي. انتهى.
واما ما أجاب
به في الذخيرة عن الخبر المذكور ـ من ان المتبادر منه بقرائن المقام ان الخطبة
كالصلاة في وجوب الإتيان بها أو الثواب أو غير ذلك ـ فإنه وان تم له في صحيحة ابن
سنان إلا انه لا يتم في رواية الفقيه المتقدم نقلها وكذا في رواية كتاب دعائم
الإسلام عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) المانعة من الالتفات إلا كما يحل في الصلاة معللا ذلك
بان الخطبتين عوض عن الركعتين فهي صلاة ما دام الامام يخطب حسبما ذيلنا به الرواية
المذكورة ، وبه يظهر قوة القول المشهور. وكيف كان فاقتضاء الاحتياط له يوجب الوقوف
عليه.
قال شيخنا
الشهيد الثاني في الروض : وقد علم من الدليل ان الطهارة من الحدث والخبث شرط وبذلك
صرح الشهيد في البيان ، وفي الذكرى والدروس خصها بالحدثية لا غير ، ولعل الأقوال
حينئذ ثلاثة. ومقتضى الدليل ايضا وجوبها على الامام والمأموم لكن لم نقف على قائل
بوجوبها على المأموم كما ذكروه في الكلام فلذلك قيدناه بالخطيب. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان خبر الفقيه المتقدم مشعر بالوجوب على المأموم لما دل عليه من المنع عن الالتفات
إلا على نحو الصلاة ، فإن منعه من الالتفات من حيث كونه في الصلاة ما دام الامام
يخطب ظاهر في انه يجب ان يكون على طهارة بطريق اولى. ونحوه الخبر الأخير من اخبار
دعائم الإسلام.
(الثالث) في
وجوب الإسماع وعدمه ، قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض وهل يجب إسماع من يمكن
سماعه من غير مشقة وان زاد على العدد؟ نظر من وجوب الإصغاء عليه كما سيأتي وهو لا
يتم إلا بإسماعه ، ومن كون الوجوب بالنسبة إلى الزائد عن العدد مشروطا بإمكان
السماع كما سيأتي فلا منافاة. وربما قيل بعدم وجوب الأسماع مطلقا لأصالة البراءة
وان وجب الاستماع لتغاير محل الوجوبين فلا يستلزم وجوب الإصغاء على المأموم وجوب
الأسماع على الخطيب ، ولان وجوبه مشروط بإمكان السماع كما مر. ووجوب الإصغاء غير
مختص بالعدد لعدم الأولوية نعم سماع العدد شرط في الصحة ولا منافاة بينهما فيأثم
من زاد وان صحت الخطبة كما ان الكلام لا يبطلها ايضا وان حصل الإثم. انتهى.
وقال في
المدارك بعد ذكر المصنف (قدسسره) التردد في المسألة : منشأه أصالة عدم الوجوب وان الغرض
من الخطبة لا يحصل بدون الأسماع ، والوجوب أظهر للتأسي وعدم تحقق الخروج عن العهدة
بدونه ، ويؤيده ما روى «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان إذا خطب يرفع صوته كأنه منذر جيش». انتهى. وفيه ما
لا يخفى فإن غاية ما تدل عليه أدلته هو الاستحباب لا الوجوب والاحتياط لا يخفى.
(المورد الرابع)
اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وقت الخطبة فذهب جملة : منهم ـ المرتضى وابن
ابى عقيل وأبو الصلاح الى ان وقتها بعد الزوال فلا يجوز تقديمها عليه واختاره
العلامة ونسبه في الذكرى الى معظم الأصحاب واليه مال في المدارك ، وقال الشيخ في
الخلاف يجوز ان يخطب عند وقوف الشمس فإذا زالت صلى الفرض. وقال في النهاية
والمبسوط : ينبغي للإمام إذا قرب من الزوال ان يصعد المنبر ويأخذ في الخطبة بمقدار
ما إذا خطب الخطبتين زالت
__________________
الشمس فإذا زالت نزل فصلى بالناس. واختاره ابن البراج. وذهب ابن حمزة إلى
وجوب صعود الامام المنبر بمقدار ما إذا خطب الخطبتين زالت الشمس وان يخطب قبل
الزوال ، واختاره المحقق واليه ذهب في الذخيرة قال : ومال اليه الشهيدان استدل
القائلون بالأول بوجوه : منها ـ قوله تعالى «إِذا نُودِيَ
لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ»
فأوجب السعي بعد النداء الذي هو عبارة عن الأذان إجماعا فلا يجب السعى
قبله.
ومنها ـ صحيحة
محمد بن مسلم أو حسنته قال : «سألته عن الجمعة فقال أذان واقامة يخرج الامام
بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب ولا يصلى الناس ما دام الامام على المنبر. الحديث».
قالوا : ويؤيده
ان الخطبتين بدل الركعتين فكما لا يجوز إيقاع المبدل قبل الزوال فكذا البدل تحقيقا
للبدلية ، وانه يستحب صلاة ركعتين عند الزوال وانما يكون ذلك إذا وقعت الخطبة بعد
الزوال لأن الجمعة عقيب الخطبة فلو وقعت الخطبة قبل الزوال تبعتها صلاة الجمعة
فينتفى استحباب صلاة ركعتين والحال هذه.
أقول : ويدل
عليه ايضا ما رواه الشيخ في التهذيب عن عبد الله بن ميمون عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا خرج الى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون».
وأجاب الفاضل
الخراساني في الذخيرة عن هذه الأدلة ، قال : والجواب عن الأول انه موقوف على عدم
جواز الأذان يوم الجمعة قبل الزوال وهو ممنوع (لا يقال) قد مر سابقا ان عدم جواز
إيقاع الأذان قبل دخول وقت الصلاة اتفاقي بين علماء الإسلام (لأنا نقول) الخطبتان
بمنزلة بعض الصلاة فإذا دخل وقت
__________________
الخطبتين فكأنه دخل وقت الصلاة ، وبالجملة القدر المسلم حصول الاتفاق على
عدم جواز الأذان قبل وقت الخطبتين لا وقت الصلاة ، على ان هذا لازم على المانعين
أيضا إذ على قولهم وقت الصلاة بعد الزوال بمقدار الخطبتين فإذا جاز الأذان في أول
الزوال يلزم جوازه قبل دخول وقت الصلاة. وبما ذكرنا يعلم الجواب عن الثاني ، على
ان الخبر غير دال على وجوب ما اشتمل عليه بقرينة ذكر ما لا خلاف في استحبابه واما
الأخيران فضعفهما ظاهر لا يحتاج إلى الإطالة. انتهى.
أقول : لا يخفى
ما في هذا الجواب من التمحل البعيد والتكليف الغير السديد (أما أولا) فإن ما ادعاه
من أن الخطبتين بمنزلة بعض الصلاة فمسلم إلا ان ما ادعاه من أن لهما وقتا على حدة
خارجا عن الأوقات المحدودة شرعا ممنوع أتم المنع ، لأن الأوقات ولا سيما وقت الظهر
محدودة آية ورواية لقوله تعالى «أَقِمِ الصَّلاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» المفسر في صحيحة زرارة بزوالها الشامل ليوم الجمعة وغيره صليت فيه الجمعة أم
لا ، ولو كان هنا وقت آخر للخطبة زائد على الأوقات المحدودة لوقعت الإشارة إليه في
روايات الأوقات على كثرتها وتعددها سيما مع تكرر صلاة الجمعة في جميع الأعصار
والأمصار كالصلوات اليومية ، والاستناد في هذا الوقت الى هذا الخبر معارض بالأخبار
واتفاق الأصحاب على انه لا يجوز الأذان إلا بعد دخول الوقت كما اعترف به ،
والمراد بالوقت فيها هو الوقت المحدود آية ورواية وهو زوال الشمس بالنسبة إلى
الظهر مثلا ، فإنه هو المتبادر الذي ينساق إليه الإطلاق دون هذا الفرد النادر لو
سلمنا وجود دليل عليه. وكون الخطبتين صلاة لا يقتضي أن يجعل لها وقت آخر بل المراد
انها يدخل وقتها بالزوال كما يدخل وقت الأربع الركعات لأن الخطبتين فيهما بمنزلة
الأخيرتين من الأربع كما أشارت
__________________
إليه الأخبار المستفيضة بأن وقت صلاة الجمعة زوال الشمس فان لفظ الصلاة هنا مراد به ما يعم الخطبتين ، لما عرفت
مما قدمنا من الأخبار من أنهما صلاة ما دام الامام يخطب قد منع فيهما ما منع في
الصلاة من الأمور المتقدم ذكرها في الأخبار وكلام الأصحاب. وما توهمه (قدسسره) ـ كما يشير اليه قوله «على ان هذا لازم على المانعين
ايضا. الى آخره» من حمل لفظ الصلاة على مجرد الركعتين في هذه الأخبار ـ غلط محض ،
فإن صلاة الجمعة حيثما أطلقت في مثل هذه الأخبار وكلام الأصحاب إنما يتبادر منها
ما يعم الخطبتين إلا مع القرينة الصارفة عن ذلك كما لا يخفى على المتأمل المنصف.
و (اما ثانيا)
فلما نقله ابن إدريس في كتاب السرائر عن البزنطي في كتاب النوادر قال بعد ذكر حديث يتضمن الركعتين
اللتين قبل الزوال : قال صاحب الكتاب وهو احمد بن محمد بن ابى نصر صاحب
الرضا (عليهالسلام): ومن أراد أن يصلى الجماعة فليأت بما وصفناه مما ينبغي
للإمام ان يفعل فإذا زالت الشمس قام المؤذن فأذن وخطب الامام وليكن من قوله في
الخطبة. وأورد دعاء تركت ذكره. هذا كلام ابن إدريس في كتابه. وأنت خبير بما فيه من
الدلالة الظاهرة على صحة ما قلناه مما هو المعمول عليه عند كافة الأصحاب من ان
الأذان في صلاة الجمعة وغيرها انما هو بعد الزوال وكلام هذا الثقة الجليل لا يقصر
عن خبر لما علم من عدم اعتماد أمثاله من ثقات الأصحاب وأجلائهم في الفتوى إلا على
قول المعصومين (عليهمالسلام).
وبالجملة فإن
كلام هذا الفاضل عندي بمحل سحيق عن التحقيق وان تبعه فيه شيخنا المجلسي في البحار
كما هي عادته غالبا.
واستدل
القائلون بالقول الثاني بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن
__________________
سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يصلى الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ويخطب في الظل
الأول فيقول جبرئيل (عليهالسلام) يا محمد (صلىاللهعليهوآله) قد زالت الشمس فانزل فصل».
وجه الاستدلال
ان المستفاد من الظل الأول ما كان قبل حدوث الفيء بقرينة قول جبرئيل «يا محمد (صلىاللهعليهوآله) قد زالت الشمس فانزل» وتحديد الزوال في أول الخبر بقدر
الشراك بناء على انه مقدار قليل لا يكاد يحصل اليقين بالزوال قبل ذلك. كذا ذكره في
الذخيرة.
وفيه انه كما
يحتمل أن يكون الأمر في الخبر المذكور ما ذكره كذلك يحتمل أن يكون المعنى فيه ما
صرح به السيد السند في المدارك حيث قال ـ بعد نقل تأويل العلامة في المختلف للخبر
المذكور ورده بالبعد والمخالفة لمقتضى الظاهر ـ ما لفظه : نعم يمكن القدح فيها بأن
الأولية أمر إضافي يختلف باختلاف المضاف اليه فيمكن أن يراد به أول الظل وهو الفيء
الحاصل بعد الزوال بغير فصل كما يدل عليه قوله (عليهالسلام) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يصلى الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك». فإن إتيانه
بالصلاة بعد زوال الشمس عن دائرة نصف النهار قدر شراك يستدعي وقوع الخطبة أو شيء
منها بعد الزوال فيكون معنى قول جبرئيل «يا محمد (صلىاللهعليهوآله) قد زالت الشمس فانزل وصل» انها قد زالت قدر الشراك
فانزل وصل. وكيف كان فهذه الرواية مجملة المتن فلا تصلح معارضا لظاهر القرآن
والأخبار المعتبرة. انتهى. وهو جيد وجيه.
وبالجملة فإن
الرواية المذكورة بالنظر الى ظاهر قوله (عليهالسلام) «يخطب في الظل الأول» وقول جبرئيل (عليهالسلام) «يا محمد (صلىاللهعليهوآله) قد زالت الشمس فانزل» ظاهرة الدلالة في ما ذهبوا اليه
ومقتضاه ان الصلاة حينئذ تكون في أول الزوال كما يدعونه أيضا ، إلا ان قوله (عليهالسلام) في صدر الخبر «كان يصلى الجمعة حين تزول الشمس قدر
شراك»
__________________
ظاهر المنافرة للمعنى المتقدم ولهذا ارتكبوا التأويل في صدر الخبر وبالنظر
الى صدر الخبر الظاهر في تأخير الصلاة عن أول الزوال بحيث تقع الخطبة أو بعض منها
بعد الزوال يعضد القول الأول ومن ثم ارتكبوا التأويل في بقية الخبر.
وكيف كان فهذه
الرواية باعتبار ما هي عليه من هذا الإجمال وقبول الاحتمال لا تقوم بمعارضة ما
قدمناه من الأدلة للقول الأول آية ورواية.
وما أجيب به
عنها من جواز تقديم الأذان في صلاة الجمعة على الزوال يحتاج الى دليل قاطع
لمخالفته لاتفاق الأصحاب والأخبار على انه لا يجوز الأذان قبل الوقت المحدود شرعا
إلا في صلاة الصبح خاصة كما تقدم في بحث الأوقات ولو كان الأذان في صلاة الجمعة كذلك كما يدعيه هذا
القائل لكان اولى بالذكر من أذان صلاة الصبح الذي تكاثرت به الأخبار مع انه لم ترد
به اشارة فضلا عن التصريح وبما ذكرنا يظهر لك قوة القول الأول مع تأيده بموافقة
الاحتياط كما اعترف به أصحاب القول الثاني وجعلوه وجه الجمع بين الأخبار فحملوا ما
دل على التأخير إلى الزوال على الأولوية. وفيه منع ظاهر فإنها صريحة في الوجوب آية
ورواية.
وفي حملهم
الأخبار المذكورة على الأولوية اعتراف منهم بأن الأذان فيها بعد الزوال ردا على ما
تكلفه هذا الفاضل.
ولا يبعد عندي
حمل هذه الرواية على التقية ومذهب العامة في المسألة
__________________
وان لم يكن معلوما إلا ان شيخنا الشهيد في الذكرى نقل بعد نقل قول الشيخ
والمحقق بالجواز قبل الزوال والاستدلال عليه بما رواه العامة عن أنس «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يصلى إذا زالت الشمس». قال : وظاهره ان الخطبة
وقعت قبل ميلها. ثم أردفها بصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة . ونقل العلامة في المنتهى من أخبارهم أيضا عن سلمة بن
الأكوع قال : «كنا نجمع مع رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء». والمراد نصلي
معه جماعة كما هو ظاهر اللفظ ، والصلاة معه إذا زالت الشمس مستلزمة لتقدم الخطبتين
على الزوال.
والعلامة في
المنتهى حيث اختار فيه القول المشهور حمل الرواية على ما يوافق ما اختاره اعتضادا
بها فقال : والجمعة انما هي الخطبتان والركعتان. والظاهر من اللفظ انما هو ما قلنا
سيما مع اعتضاده بالرواية الأخرى. والله العالم
(المورد الخامس)
في أمور أخر يجب التنبيه عليها : منها ـ انهم صرحوا بان حضور العدد شرط في صحة
الخطبة كما هو شرط في صحة الصلاة ، قال في الخلاف : ومن شرطها العدد كما هو شرط في
الصلاة فلو خطب من دونه ثم أحرم مع العدد لم يصح وبه قال الشافعي ولم يشترطه أبو
حنيفة . وقال في الذكرى : ولم أقف على مخالف فيه منا وعليه عمل الناس في سائر
الأعصار والأمصار ، وخلاف أبي حنيفة هنا مسبوق بالإجماع وملحوق به أعني الإجماع الفعلي بين المسلمين.
ومنها ـ ان
المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان أذان المؤذن يكون عند صعود الامام
المنبر وجلوسه لرواية عبد الله بن ميمون المتقدمة في سابق هذا المورد وقوله (عليهالسلام) فيها «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا خرج الى الجمعة قعد
__________________
على المنبر حتى يفرغ المؤذنون».
وقال أبو
الصلاح : إذا زالت الشمس أمر مؤذنيه بالأذان فإذا فرغوا منه صعد المنبر وخطب.
وعليه تدل مضمرة محمد بن مسلم المتقدمة ثمة وقوله فيها «يخرج الامام بعد الأذان فيصعد المنبر.».
ويؤيد الرواية
الأولى ما رواه في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) قال في حديث : «وإذا صعد الامام جلس واذن المؤذنون بين
يديه فإذا فرغوا من الأذان قام فخطب. الحديث».
ولم يحضرني
الآن وجه جمع بين الأخبار إلا القول بالتخيير بين الأمرين أو حمل مضمرة محمد بن
مسلم على الرخصة وان كان السنة أن يكون الأذان بعد جلوس الامام على المنبر ،
ويؤيده شهرة الحكم بذلك بين الخاصة والعامة .
ومنها ـ أنه
يستحب للخطيب السلام بعد ركوبه المنبر عند أكثر الأصحاب لما رواه الشيخ عن عمرو بن
جميع رفعه عن على (عليهالسلام) انه قال : «من السنة إذا صعد الامام المنبر أن يسلم إذا
استقبل الناس». قال في الذكرى : وعليه عمل الناس.
ونقل عن الشيخ
في الخلاف انه قال لا يستحب التسليم. قال في الذكرى : وكأنه لم يثبت عنده سند
الحديث. وقال في الذخيرة : وكأنه نظر الى ضعف سند الرواية.
أقول : بل
الظاهر انه لم تخطر الرواية المذكورة بخاطره يومئذ وإلا فإنه يتمسك في جملة من
الأحكام بالروايات العامية فضلا عن مثل هذه الرواية ، وضعف السند بهذا الاصطلاح
المحدث غير معمول عليه بين المتقدمين من الشيخ وغيره بل الأظهر هو ما ذكرناه.
__________________
ومنها ـ استحباب
استقبال الناس بوجهه حال الخطبة واستقبال الناس له لما رواه في الكافي عن السكوني
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كل واعظ قبله. يعنى إذا خطب الامام الناس يوم الجمعة
ينبغي للناس ان يستقبلوه».
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «قال النبي (صلىاللهعليهوآله) كل واعظ قبلة وكل موعوظ قبلة للواعظ. يعني في يوم
الجمعة والعيدين وصلاة الاستسقاء في الخطبة يستقبلهم الامام ويستقبلونه حتى يفرغ
الامام من خطبته».
ومنها ـ الاعتماد
حال الخطبة على سيف أو قوس أو عصا لما في صحيحة عمر بن يزيد عن ابى عبد الله (عليهالسلام) وفيها «وليلبس الامام البرد والعمامة ويتوكأ على قوس أو
عصا. الحديث».
ومنها ـ التعمم
شتاء كان أو قيظا والارتداء ببرد يمني أو عدني أو غيرهما لما تقدم في صحيحة عمر بن
يزيد ، ولما رواه سماعة عن الصادق (عليهالسلام) في الموثق قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) ينبغي للإمام الذي يخطب الناس يوم الجمعة ان يلبس
عمامة في الشتاء والصيف ويتردى ببرد يمني أو عدني. الحديث».
ومنها ـ ان
يقوم على مرتفع من منبر ونحوه لما تقدم في جملة من الأخبار
ومنها ـ كونه
بليغا بمعنى جمعه بين الفصاحة التي هي خلوص الكلام من التعقيد وضعف التأليف ومن
كونها غريبة وحشية وبين القدرة على تأليف الكلام المطابق لمقتضى الحال مع الاحتراز
عن الإيجاز المخل والتطويل الممل ليكون كلامه أوقع في القلوب وبه يحصل الأثر
المراد من الخطبة والمطلوب.
ومنها ـ مواظبته
على الطاعات والانزجار عن المحرمات بل المكروهات
__________________
ولا سيما المواظبة على الصلوات في أوقاتها والجماعات والجمعات واتصافه بما
يأمر به وينهى عنه ليكون وعظه أبلغ تأثيرا في القلوب ، وقد قيل ان ما خرج من
اللسان لا يتجاوز الآذان وما خرج من القلب فموقعه القلب.
(المقصد الرابع)
ـ في الجماعة ، واشتراطها بالجماعة إجماعي نصا وفتوى ، اما الثاني فلما نقله جملة
من الأصحاب واما الأول فللأخبار المستفيضة : منها ـ قول أبى جعفر (عليهالسلام) في صحيحة زرارة المتقدمة في عد الروايات الدالة على الوجوب العيني «منها صلاة
واحدة فرضها الله في جماعة وهي الجمعة». وقول الصادق (عليهالسلام) في صحيحة عمر بن يزيد «إذا كانوا سبعة فليصلوا في جماعة». الى غير ذلك من الروايات المتقدمة ثمة
ونحوها ، فلا يصح الانفراد بها وان حصل العدد بل لا بد من الارتباط الحاصل من صلاة
الامام والمأمومين.
وتتحقق الجماعة
بنية اقتداء المأمومين بالإمام فلو أخلوا بها أو بعضهم لم تنعقد الجمعة متى كان
أحد العدد المعتبر لانه يعتبر في الانعقاد نية العدد المعتبر ولم تصح صلاة المخل
وان كان زائدا على العدد.
قالوا : وهل
يجب على الامام هنا نية الإمامة؟ نظر من حصول الإمامة إذا اقتدى به ، ومن وجوب نية
كل واجب. انتهى. وهو ضعيف لما عرفت مما حققناه في معنى النية في غير مقام ،
وكلامهم هنا ـ كما في غير هذا الموضع ايضا ـ مبنى على النية بالمعنى المشهور بينهم
وهو الحديث النفسي والتصوير الفكري وليس هو النية حقيقة كما عرفت.
ويجب التنبيه
هنا على أمور : الأول ـ قال شيخنا الشهيد في الذكرى : لو بان للعدد ان الامام محدث
فان كان العدد لا يتم بدونه فالأقرب انه لا جمعة لهم لانتفاء الشرط ، وان كان
العدد حاصلا من غيره صحت صلاتهم عندنا لما يأتي ان شاء الله تعالى في باب الجماعة.
وربما افترق الحكم هنا وهناك لأن الجماعة شرط في
__________________
الجمعة ولم يحصل في نفس الأمر بخلاف باقي الصلوات ، فإن القدوة إذا فاتت
فيها يكون قد صلى منفردا وصلاة المنفرد هناك صحيحة بخلاف الجمعة.
وقال في
المدارك بعد نقل ذلك عنه : أقول انه لا يخفى ضعف هذا الفرق لمنع صحة الصلاة هناك
على تقدير الانفراد لعدم إتيان المأموم بالقراءة التي هي من وظائف المنفرد ،
وبالجملة فالصلاتان مشتركتان في الصحة ظاهرا وعدم استجماعهما الشرائط المعتبرة في
نفس الأمر ، فما ذهب إليه أولا من الصحة غير بعيد ، بل لو قيل بالصحة مطلقا وان لم
يكن العدد حاصلا من غيره لأمكن لصدق الامتثال وإطلاق قول ابى جعفر (عليهالسلام) في صحيحة زرارة «وقد سأله عن قوم صلى بهم امامهم وهو غير طاهر أتجوز صلاتهم أم يعيدونها؟
قال لا اعادة عليهم تمت صلاتهم وعليه هو الإعادة وليس عليه أن يعلمهم ، هذا عنه
موضوع». انتهى.
أقول : ما ذكره
(قدسسره) جيد ، ويعضده ان الأحكام الشرعية من وجوب وتحريم وصحة
وبطلان ونحوها إنما نيطت بنظر المكلف وعلمه لا بالواقع ونفس الأمر كما تقدم تحقيقه
في غير مقام ، لما علم عقلا ونقلا من ان الشارع لم يجعل نفس الأمر مناطا للأحكام
الشرعية وإلا لزم التكليف بما لا يطاق فان ذلك لا يعلمه إلا هو سبحانه والمناط
إنما هو علم المكلف في تحليل أو تحريم أو صحة أو بطلان ونحو ذلك ، وبه يتجه الحكم
بالصحة في الصورة التي حكم ببطلان الجمعة فيها وهو ما إذا كان العدد لا يتم بدونه
فإن الصلاة صحيحة بالنظر الى ظاهر الأمر وانتفاء الشرط بحسب الواقع غير ملتفت اليه
لما عرفت ويخرج الخبر المذكور شاهدا على ذلك.
(الثاني) ـ لو
عرض للإمام عارض من موت أو إغماء أو حدث لم تبطل الصلاة وجاز للمأمومين أن يقدموا
من يتم بهم الصلاة ، أما الأول فلان الأصل صحة الصلاة والحكم بالإبطال يتوقف على
دليل شرعي وليس فليس ، وأما الثاني
__________________
فلثبوت ذلك في مطلق الجماعة كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى في باب صلاة
الجماعة.
وهل الاستخلاف
هنا وجوبا أو استحبابا؟ صرح العلامة في المنتهى بالأول وجزم ببطلان الصلاة بدونه
محافظة على اعتبار الجماعة فيها استدامة كما تعتبر ابتداء.
وفيه ان الظاهر
ان الجماعة انما تعتبر ابتداء لا استدامة كما صرح به غير واحد من الأصحاب ، وقد
تقدمت الإشارة الى ذلك في فروع المقصد الثاني في العدد. وبه يعلم الوجه في الثاني
وان كان الأحوط ما ذكره (قدسسره).
ولو لم يتفق في
الجماعة من هو بشروط الإمامة أتموا فرادى جمعة لا ظهرا.
وهل يشترط مع
الاستخلاف استئناف نية القدوة؟ الأظهر ذلك لانتفاء القدوة الأولى بما عرض للإمام
مما أوجب خروجه مع وجوب نية تعيين الامام كما سيجيء ان شاء الله تعالى في باب
الجماعة. وقيل لا يشترط لتنزيل الخليفة منزلة الأول. وفيه ما عرفت من وجوب نية
التعيين.
(الثالث) ـ لو
ركع مع الإمام في الأولى وزوحم عن السجود فليس له السجود على ظهر غيره بل ان امكنه
السجود بعد قيام الصفوف وسجد والتحق بالإمام في الركوع الثاني وجب وأجزأه ، وما
حصل من الإخلال بالمتابعة في الركن مغتفر بالعذر كما سيأتي بيانه في محله ان شاء
الله تعالى.
وان لم يمكنه
السجود حتى ركع الامام ثانيا فليس له الركوع معه لئلا يلزم زيادة ركن في الصلاة
فتبطل فإذا سجد سجد معه ونوى بسجدتيه الركعة الاولى ثم أتم صلاته بعد تسليم الإمام
فإن صلاته تصح إجماعا.
ولو لم ينو
بسجدتيه الاولى بل نوى الثانية أو لم ينو شيئا فأقوال : أحدها ـ بطلان صلاته وعليه
الشيخ في النهاية وأكثر المتأخرين والظاهر انه المشهور ، والظاهر ان وجهه ـ كما
ذكره في المدارك ـ عدم الاعتداد بهما لعدم نيتهما للأولى واستلزام إعادتهما زيادة
الركن في الصلاة.
وقال في
المبسوط انه ان لم ينو بهما الأولى لم يعتد بهما ويستأنف سجدتين للركعة الاولى ثم
يستأنف بعد ذلك ركعة أخرى وقد تمت جمعة ، قال وقد روى انه تبطل صلاته. ونحوه قال
في الخلاف على ما نقل عنه ، وهو مذهب السيد المرتضى في المصباح.
وقال ابن إدريس
إنما تبطل إذا نوى أنهما للثانية لا بترك نية أنهما للأولى. ورده العلامة بأن
أفعال المأموم تابعه لإمامه فالإطلاق ينصرف الى ما نواه الامام وقد نوى الثانية
فينصرف فعل المأموم اليه.
وقال المحقق في
المعتبر بعد ذكر رواية حفص الآتية ان شاء الله تعالى وردها بضعف السند وانه لا
عبرة بها : فالأشبه ما ذكره في النهاية. وهو مؤذن باختيار مذهب الشيخ في النهاية
من القول بالبطلان.
وفي المعتبر
علل البطلان الذي ذهب اليه الشيخ في النهاية متى لم ينو بالسجدتين الأولى بأنه قد
زاد ركنا وهو السجدتان فتبطل صلاته كما لو زاد ركعة ، قال : ويؤيد ذلك ما رواه
زرارة وبكير ابنا أعين عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا استيقن انه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد
بها واستقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا». ثم نقل نحوها رواية أبي بصير
وعلل في المدارك وجه البطلان بما قدمنا نقله عنه ، والظاهر ان المرجع إلى
أمر واحد فإنه متى كانتا غير معتد بهما لزم زيادة الركن.
وظاهر الشهيد
في الذكرى اختيار القول بالصحة كما ذهب اليه الشيخ في المبسوط فإنه بعد ان نقل عن
المعتبر رد الرواية بضعف السند قال ما لفظه : قلت ليس ببعيد العمل بهذه الرواية
لاشتهارها بين الأصحاب وعدم وجود ما ينافيها ، وزيادة السجود مغتفرة في المأموم
كما لو سجد قبل امامه ، وهذا التخصيص يخرج الروايات الدالة على الابطال عن
الدلالة. واما ضعف الراوي فلا يضر مع الاشتهار ، على
__________________
ان الشيخ في الفهرست قال ان كتاب حفص معتمد عليه. انتهى. وأشار بالروايات
الدالة على الإبطال الى ما أورده المحقق (قدسسره) من الروايات الدالة على إبطال الصلاة بزيادة الركن
فيها.
وقال في
المدارك بعد أن رد الرواية بضعف السند وانه لا عبرة بها كما ذكره في المعتبر :
والأصح البطلان ان نوى بهما الثانية كما اختاره المصنف اما مع الذهول عن القصد
فتنصرفان إلى الأولى. انتهى. وهو راجع الى ما قدمنا نقله عن ابن إدريس.
وظاهر القائلين
بالبطلان هو العموم بمعنى انه متى لم ينو بهما الأولى بطلت صلاته أعم من أن ينوي
بهما الثانية أو لم ينو بهما شيئا ، ولهذا اعترض العلامة على مذهب ابن إدريس بما
قدمنا ذكره. والظاهر ان ما ادعاه كل منهما من الانصراف إلى الأولى أو الثانية لا
يخلو من نظر لما سيأتي ان شاء الله تعالى في المقام ، وحينئذ فتكون الأقوال في
المسألة ثلاثة : البطلان مطلقا والصحة مطلقا والتفصيل الذي ذهب اليه ابن إدريس. والرواية
المشار إليها في المقام
ما رواه الشيخ
وابن بابويه عن حفص بن غياث قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول في رجل أدرك الجمعة وقد ازدحم الناس وكبر مع الامام
وركع ولم يقدر على السجود وقام الامام والناس في الركعة الثانية وقام هذا معهم
فركع الامام ولم يقدر هذا على الركوع في الركعة الثانية من الزحام وقدر على السجود
كيف يصنع؟ فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) اما الركعة الأولى فهي إلى عند الركوع تامة فلما لم يسجد
لها حتى دخل في الركعة الثانية لم يكن له ذلك فلما سجد في الثانية فإن كان نوى ان
هذه السجدة هي للركعة الأولى فقد تمت له الأولى فإذا سلم الامام قام فصلى ركعة
يسجد فيها ثم يتشهد ويسلم ، وان كان لم ينو ان تكون تلك السجدة للركعة الأولى لم
تجزئ عنه الأولى ولا الثانية وعليه ان يسجد سجدتين
__________________
وينوي أنهما للركعة الأولى وعليه بعد ذلك ركعة ثانية يسجد فيها». قال حفص :
وسألت عنها ابن ابى ليلى فما طعن فيها ولا قارب.
وأنت خبير بأن
الرواية المذكورة لا معارض لها في البين واطراحها بمجرد ضعف السند بهذا الاصطلاح
الغير المعتمد غير مرضى سيما مع ما ذكره شيخنا الشهيد من شهرة الرواية بين
الأصحاب. إلا أن الرواية المذكورة غير صريحة الدلالة في ما يدعونه من الصحة مع
زيادة سجدتين أخريين وذلك فإنه مبنى على ان يكون قوله «وعليه أن يسجد سجدتين. إلخ»
معطوفا على جواب الشرط بمعنى انه إذا لم ينو ان تكون تلك السجدة للركعة الأولى
فإنها لا تجزئ عن الأولى ولا عن الثانية والواجب عليه في الصورة المذكورة ان يسجد.
الى آخره ، وهذا المعنى غير متعين في الرواية بل من الممكن حمل قوله (عليهالسلام) «وعليه ان يسجد. إلخ» على أن يكون كلاما مستأنفا مؤكدا
لما تقدم ، ويكون حاصل المعنى انه إذا لم ينو ان تكون تلك السجدة التي سجدها
للركعة الأولى فإنها لا تجزئ عنه للأولى ولا للثانية بل الواجب عليه من أول الأمر
انه متى حصلت له فرصة للسجود في الركعة الثانية ان ينوي بها الاولى وعليه بعد ذلك
ركعة ثانية. وبذلك يظهر لك ان الأقوى في المسألة هو القول بالبطلان كما هو المشهور
بين المتأخرين.
فروع
(الأول) ـ قد
تقدم النقل عن ابن إدريس وصاحب المدارك بأنه لو سجد وذهل عن نية كونهما للأولى أو
الثانية فإن ذلك ينصرف إلى الأولى وعلى هذا تصح صلاته في الصورة المذكورة ، والى
هذا القول مال شيخنا الشهيد الثاني في كتاب روض الجنان ونقل أيضا عن المحقق الشيخ
على.
وعلله في الروض
بحمل الإطلاق على ما في ذمته ، قال : فإنه لا تجب لكل فعل من أفعال الصلاة نية وان
كان المصلى مسبوقا وانما يعتبر للمجموع النية أولها
وقد تقدم النقل
عن العلامة بأنه اختار البطلان معللا بانصراف الإطلاق إلى
الركعة الثانية لأن أفعال المأموم تابعه لأفعال امامه فالإطلاق ينصرف الى
ما نواه الامام وقد نوى الثانية فينصرف فعل المأموم اليه.
ورد بان وجوب
المتابعة لا يصير المنوي للإمام منويا للمأموم كما في كل مسبوق ولا يصرف فعله عما
في ذمته والأصل يقتضي الصحة.
أقول : لا يخفى
ان التعليل الأول أيضا لا يخلو من خدش فان قوله ـ لا تجب لكل فعل من أفعال الصلاة
نية ـ على إطلاقه ممنوع لان هذا انما يتم في مقام الإتيان بالفعل في محله على
الترتيب الشرعي الذي وضعت عليه الصلاة ، اما في ما نحن فيه من هذه الصورة التي صار
السجود فيها في غير مقامه صالحا في حد ذاته لان يكون للركعة الأولى أو الثانية وان
بطلت الصلاة على تقدير جعله للثانية فإنه لا يتعين لأحدهما إلا مع النية ، وانصراف
الإطلاق الى ما في ذمته لو تم لورد عليهم إيجاب القيود في النية كما صرحوا به من
وجوب نية الأداء والقضاء والوجوب والاستحباب وكونها ظهرا أو عصرا ونية الرفع في
الطهارة والاستباحة ونحو ذلك ، فإنه بمقتضى هذا الكلام لو نوى «أصلي قربة الى الله
أو أتوضأ قربة الى الله» صح ذلك وانصرف الإطلاق الى ما في ذمته وهم لا يقولون به
كما لا يخفى على من وقف على كلامهم في بحث النية.
هذا ، والمفهوم
من الرواية المتقدمة ـ حيث دلت على انه إذا لم ينو بتلك السجدة الركعة الأولى الذي
هو أعم من نية الثانية وعدم النية بالكلية فإنها لا تجزئ للأولى ولا للثانية ـ هو
البطلان في الصورة المذكورة ولكن الجماعة المذكورين حيث اطرحوا الرواية لضعف سندها
أعرضوا عن العمل بما دلت عليه مطلقا ، والمتجه عندنا هو العمل بما دلت عليه لعدم
تعويلنا على هذا الاصطلاح المحدث وعدم المعارض لها ، ولو سلمت من الاحتمال الذي
قدمنا ذكره لحكمنا بالصحة في أصل المسألة كما ذهب إليه في المبسوط ولكنها غير
ظاهرة فيه لما عرفت.
(الثاني) ـ لو
سجد ولحق الامام راكعا في الثانية وجب عليه المتابعة وأدرك
الجمعة وأتم صلاته مع الامام بلا إشكال ولا خلاف ، انما الخلاف في ما لو
أدركه رافعا فقيل بوجوب الانفراد حذرا من مخالفة الإمام في الأفعال لتعذر المتابعة
، وقيل بوجوب المتابعة وحذف الزائد كمن تقدم الامام سهوا في ركوع أو سجود ، وقيل
بالتخيير بين أن يجلس حتى يسجد الامام ويسلم ثم ينهض إلى الثانية وبين ان يقعد
ويعدل الى الانفراد.
(الثالث) ـ لو
لم يتمكن من السجود في ثانية الإمام أيضا حتى قعد الامام للتشهد ففي فوات الجمعة
وعدمه اشكال من عدم إدراك الركعة الثانية ، ومن إدراكها حكما. أقول : ويرجع الثاني
الى ما تقدم من ان الجماعة والعدد شرط في صحة صلاة الجمعة ابتداء لا استدامة. هذا
إذا اتى بالسجود قبل تسليم الامام اما لو لم يأت به إلا بعده فقد قال في المنتهى
ان الوجه هنا فوات الجمعة قولا واحدا لان ما يفعله بعد التسليم لم يكن في حكم صلاة
الامام. وتنظر فيه بعض الأفاضل قال : لمنع اشتراط الجماعة في صحة صلاة الجمعة إلا
في الابتداء.
ثم ان قلنا
بفوات الجمعة فهل يعدل بنيته الى الظهر أو يستأنف؟ احتمالان وقرب العلامة الثاني ،
وربما يوجه بان كلا منهما صلاة منفردة عن الأخرى في الشرائط والأحكام والأصل عدم
جواز العدول بالنية من فرض الى آخر لقوله (عليهالسلام) «وإنما لكل امرئ ما نوى». وان النية انما تعتبر في أول العبادات لقوله (عليهالسلام) : «إنما الأعمال بالنيات». وربما يوجه الأول بأن الجمعة
ظهر مقصورة فإذا جاز العدول من السابقة المغايرة فههنا اولى.
وأنت خبير بما
في هذه التعليلات والتوجيهات من عدم الصلاحية لتأسيس الأحكام الشرعية ، والمسألة
لا تخلو من الاشكال لعدم الدليل في المقام.
(الرابع) ـ لو
زوحم عن الركوع والسجود معا صبر حتى يتمكن منهما ثم يلتحق بالإمام ، لما رواه
الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن
__________________
ابى الحسن (عليهالسلام) «في رجل صلى في جماعة يوم الجمعة فلما ركع الإمام ألجأه الناس الى جدار أو
أسطوانة فلم يقدر على ان يركع ولا يسجد حتى رفع القوم رؤوسهم أيركع ثم يسجد ثم
يقوم في الصف؟ قال لا بأس بذلك».
وكذا الحكم في
ما لو زوحم عن ركوع الأولى فإنه يصبر حتى يلتحق بالإمام في ركوع الثانية فإنه يركع
معه وتصير له الأولى ثم يأتي بالثانية بعد تسليم الامام.
اما لو لم
يدركه إلا بعد الرفع من الأخيرة ففي إدراك الجمعة بذلك وعدمه قولان ثانيهما للمحقق
في المعتبر وأولهما لجمع من الأصحاب : منهم ـ الشهيد في الذكرى والمحقق الشيخ على
استنادا الى عموم الرواية المذكورة.
قال في الذكرى
: ولو لحقه بعد رفعه من الثانية فالأقرب الإجزاء لأنه أدرك ركعة مع الامام حكما
وان لم يكن فعلا والرواية تشمله ، ووجه المنع انه لم يلحق ركوعا مع الامام. انتهى.
أقول : لا يخفى
ضعف ما قربه ، اما التعليل الأول فعليل كما لا يخفى ، واما الرواية فإن ظاهر «ثم
يقوم في الصف» هو إدراك الركعة الثانية كملا والركوع مع الامام فيها. نعم يمكن
توجيه ما ذكره بما تقدم من ان الجماعة شرط في الابتداء لا في الاستدامة وحينئذ
فيمكن الاستناد الى عموم ما دل على وجوب الجمعة وتعينها. والله العالم.
(الأمر الرابع)
ـ انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه تدرك الجمعة بإدراك ركعة مع
الامام ، نقل الاتفاق على ذلك جملة منهم.
ويدل عليه ما
رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن العرزمي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة
فأضف إليها ركعة أخرى واجهر فيها ، وان أدركته وهو يتشهد فصل أربعا».
__________________
وعن الفضل بن
عبد الملك في الصحيح قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة».
وما رواه
الكليني والشيخ عن الحلبي في الصحيح أو الحسن قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن من لم يدرك الخطبة يوم الجمعة فقال يصلى ركعتين فان
فاتته الصلاة فلم يدركها فليصل أربعا. وقال : إذا أدركت الإمام قبل ان يركع الركعة
الأخيرة فقد أدركت الصلاة وان أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظهر اربع ركعات».
وما رواه
الصدوق عن الحلبي في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة
الأخيرة فقد أدركت الجمعة وان أدركته بعد ما ركع فهي أربع بمنزلة الظهر».
وعن الفضل بن
عبد الملك في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة وان فاتته
فليصل أربعا».
ولا ينافي ذلك ما
رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا تكون الجمعة إلا لمن أدرك الخطبتين». فإنه
محمول على الفضل والاستحباب جمعا.
وبالجملة
فالحكم المذكور اتفاقي وانما الخلاف في ما به تدرك الركعة ، فالمشهور انه يتحقق
بإدراك الإمام راكعا ، واليه ذهب الشيخ في الخلاف والمرتضى وكافة
__________________
المتأخرين ، وذهب الشيخان في المقنعة والنهاية وكتابي الأخبار الى ان المعتبر
إدراك تكبير الركوع.
والأظهر الأول
، ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «إذا أدركت الامام وقد ركع فكبرت قبل أن يرفع
الإمام رأسه فقد أدركت الركعة وان رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن سليمان بن خالد ورواه الكليني في الصحيح أيضا عن سليمان بن خالد قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) في الرجل إذا أدرك الامام وهو راكع فكبر وهو مقيم صلبه
ثم ركع قبل ان يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة».
وما رواه
الصدوق في الفقيه عن أبي أسامة «انه سأله (عليهالسلام) عن رجل انتهى الى الامام وهو راكع؟ قال إذا كبر واقام
صلبه ثم ركع فقد أدرك».
وما رواه
الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله عن عبد الله (عليهالسلام) قال «إذا دخلت المسجد والامام راكع فظننت انك ان مشيت
اليه رفع رأسه قبل ان تدركه فكبر واركع فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك فإذا قام فالحق
بالصف وان جلس فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصف». ورواه الشيخ عن عبد الرحمن بسند
صحيح أيضا .
__________________
وما رواه الشيخ
عن معاوية بن شريح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا جاء الرجل مبادرا والامام راكع أجزأته
تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع».
وعن جابر
الجعفي قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) انى أؤم قوما فاركع فيدخل الناس وانا راكع فكم انتظر؟
فقال ما أعجب ما تسأل عنه انتظر مثلي ركوعك فان انقطعوا وإلا فارفع رأسك».
وفي الفقيه «قال رجل لأبي جعفر (عليهالسلام) انى إمام مسجد الحي فاركع بهم واسمع خفقان نعالهم وانا
راكع؟ فقال اصبر ركوعك ومثل ركوعك فان انقطعوا وإلا فانتصب قائما».
هذا ما حضرني
من الروايات الدالة على المشهور.
واما ما يدل
على القول الثاني فهو ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال قال لي : «ان لم تدرك القوم قبل أن يكبر الإمام
للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال قال : «لا تعتد بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع
الامام».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا أدركت التكبيرة قبل أن يركع الامام فقد
أدركت الصلاة».
وروى الكليني
في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل في تلك الركعة».
وروى الشيخ في
التهذيب عن يونس الشيباني عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا
__________________
دخلت من باب المسجد فكبرت وأنت مع امام عادل ثم مشيت إلى الصلاة أجزأك ذلك
وإذا الإمام كبر للركوع كنت معه في الركعة لأنه إذا أدركته وهو راكع لم تدرك
التكبير لم تكن معه في الركوع».
وجملة من
الأصحاب جمعوا بين هذه الأخبار بحمل النهي في الصحيحة الاولى وعدم الاعتداد في
الثانية على الكراهة ونفى الاعتداد في الفضيلة ويكون الغرض التحريض على كمال السعى
في عدم التأخير. قالوا وانما حملنا هذه الأخبار على ذلك رعاية لقاعدة الجمع وإبقاء
للأخبار الكثيرة على ظاهرها فان هذه الأخبار الأصل فيها محمد بن مسلم وهو واحد
بخلاف الأخبار الأولة.
وأنت خبير بان
مرجع هذا الجمع الى التخيير في الدخول بعد فوات التكبير وان الأولى عدمه لانه
مكروه باعتبار النهى المتقدم ، وهذا انما يتم في غير الجمعة مما جاز للمكلف
الإتيان به جماعة وفرادى دون الجمعة التي قام الدليل على وجوبها عينا كما هو
المختار الذي عليه جل علمائنا الأبرار ، إلا ان تحمل هذه الأخبار بكلا طرفيها من
الأخبار الدالة على إدراك الركعة حال الركوع والأخبار الدالة على العدم إلا مع
إدراك تكبيرة الإحرام على غير الجمعة ، وهو مشكل لأنه يلزم منه بقاء حكم الجمعة
مبهما في الصورة المذكورة.
ورجح بعض فضلاء
متأخري المتأخرين وجوب الدخول في الجمعة حال الركوع نظرا الى ان الأخبار السابقة
الدالة على وجوب إدراك صلاة الجمعة المتحقق بالدخول معهم في الصلاة في الصورة
المذكورة أخص مطلقا من الأخبار المذكورة والخاص مقدم على العام.
وفيه ـ مع غموض
ما ذكره ـ انه ان أراد دلالتها على وجوب الدخول حال الركوع فان ظاهر صحيحتي الحلبي
المتقدمتين في عداد تلك الروايات انما هو العكس فان الظاهر من قوله
(عليهالسلام) فيهما «فإن أدركته بعد ما ركع فهي الظهر» انه متى
أدركه
__________________
حال الركوع فهي الظهر بمعنى عدم إدراك الركعة وفوات الجمعة بإدراكه حال
الركوع ولهذا ان بعضهم احتمل اختصاص الجمعة بذلك نظرا الى هاتين الروايتين وان كان
الحكم في غيرها ما دلت عليه تلك الأخبار من إدراك الركعة بإدراك الإمام راكعا وان
احتمل حمل الروايتين المذكورتين على الإدراك بعد فوات الركوع. ويمكن ترجيح هذا
المعنى بالنظر الى تلك الأخبار الكثيرة فتحمل هاتان الصحيحتان على ذلك جمعا بينها
وبين تلك الأخبار. ويؤيده ان قوله (عليهالسلام) «إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد
أدركت الجمعة» أعم من أن يكون الإدراك قبل تكبير الركوع أو بعده ومتى شمل الإدراك
بعده فإنه لا ينطبق على القول الثاني.
وبالجملة
فالأحوط في صلاة الجمعة انه متى لم يدرك تكبير الركوع ويدخل معه قبل الركوع هو
الإتمام جمعة ثم الإعادة ظهرا لما عرفت من ظاهر الصحيحتين المذكورتين
هذا ، وظاهر
المحدث الكاشاني في الوافي ـ بعد نقل بعض الأخبار الدالة على إدراك الركعة بإدراك
الركوع واخبار محمد بن مسلم الدالة على العدم إلا مع ادراك التكبير ـ هو موافقة
الشيخ في الجمع بين الأخبار بما ذكره في التهذيبين حيث قال : ولا تنافي بين هذه
الأخبار الأربعة والخبرين الأولين لجواز سماع التكبير من بعيد قبل بلوغ الصف. كذا
في التهذيبين ، وتدل عليه الأخبار الواردة في ركوع المسبوق وسجوده قبل لحوقه الصف
كما مر في باب التقدم الى الصف والتأخر عنه. انتهى. وأشار بالأخبار الأربعة الى
اخبار محمد بن مسلم.
وأنت خبير بان
حاصل هذا الجمع هو حمل إدراك تكبيرة الركوع في روايات محمد بن مسلم على مجرد سماعه
وان دخل في الصلاة بعد ذلك حال الركوع لا توقف الدخول في الصلاة على كونه قبل
تكبير الامام للركوع كما زعمه ذلك القائل ، وحينئذ فتحمل الأخبار الأولة الدالة
على إدراك الصلاة بإدراك الركوع على سماع تكبيرة الركوع قبل الدخول في الصلاة ،
وعلى هذا فلو لم يسمع تكبيرة الركوع امتنع دخوله في حال الركوع. ولا يخفى ما فيه
من البعد.
وما استند اليه
من الأخبار التي أحالها على الباب المذكور لا اشعار فيها بشيء مما ادعاه ، فان
منها صحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد الله المتقدمة ومدلولها هو دخول المأموم والامام راكع وخاف من المشي
إليه رفع رأسه من الركوع فإنه يكبر في محله ثم يلحق بالصف ، وليس فيها كما ترى
اشارة فضلا عن التصريح بسماع تكبيرة الركوع بل هي بالدلالة على العدم أنسب والى
ذلك أقرب حيث دلت على انه دخل والامام راكع وذلك بعد تكبير الركوع البتة ، فظاهره
انه لم يشهد تكبير الركوع كما لا يخفى.
ومن اخبار
الباب المذكور بالنسبة الى هذه المسألة ما رواه في التهذيب والفقيه عن إسحاق بن
عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أدخل المسجد وقد ركع الامام فاركع بركوعه وأنا وحدي
واسجد فإذا رفعت رأسي أي شيء أصنع؟ فقال قم فاذهب إليهم فإن كانوا قياما فقم معهم
وان كانوا جلوسا فاجلس معهم». والتقريب فيها كما في سابقتها.
ومنها ـ ما
رواه الشيخان المذكوران في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) «انه سئل عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة؟ فقال يركع قبل أن
يبلغ القوم ويمشى وهو راكع حتى يبلغهم». وهي كما ترى مجملة محتملة للأمرين.
وبالجملة فإن
هذه الأخبار التي زعم الاستناد إليها في هذا الجمع قد دلت على ما دلت عليه روايات
القول المشهور ، وأنت خبير بان ظهور التدافع بين هذه الروايات وروايات محمد بن
مسلم أمر ظاهر والتأويلات التي نقلناها عنهم قد عرفت ما فيها فلم يبق إلا الترجيح
بينها والظاهر كونه في جانب اخبار القول المشهور لكثرتها ، ومن جملة طرق الترجيح
المروية في مقبولة عمر بن حنظلة الترجيح بالشهرة يعنى
__________________
في الرواية لقوله (عليهالسلام) «خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر» وهي في
جانب تلك الأخبار لتعدد رواتها وانحصار أخبار القول المقابل في محمد بن مسلم ويونس
الشيباني ، وحينئذ فالواجب بمقتضى هذه القاعدة الشريفة هو العمل على تلك الأخبار
وارجاء هذه الأخبار الى قائلها. والله العالم.
فرعان
(الأول) ـ اعلم
انه قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان المعتبر على تقدير القول
المشهور في إدراك الركعة حال الركوع هو اجتماعهما في قوس الراكع بحيث يكبر ويركع
ويجتمع في ذلك الحد ، وعليه تدل صحيحة سليمان بن خالد وصحيحة الحلبي المتقدمتان .
وهل يقدح فيه
شروع الإمام في الرفع مع عدم تجاوز ذلك الحد؟ وجهان للأول ظاهر قوله (عليهالسلام) في صحيحة الحلبي المتقدمة «إذا أدركت الامام وقد ركع فكبرت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة».
ونحوها صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة أيضا حيث أنه علق الحكم على رفع الرأس ، وللثاني حمل
الرفع في الخبرين على كماله أو على ما يخرجه عن حده لان ما دونه في حد العدم.
وظاهر السيد السند في المدارك استظهار الأول.
واشترط العلامة
في التذكرة ذكر المأموم قبل رفع الامام ، هكذا نقله عنه في المدارك ثم قال : ولم
نقف على مأخذه. والذي نقله عنه جده في الروض انما هو اشتراط ادراك ذكر الركوع ثم
قال : ولا شاهد له. وكتاب التذكرة لا يحضرني الآن لاحقق منه الحال .
__________________
ثم ان مما يدل
على ما ذكره في التذكرة بناء على ما نقله في الروض ما رواه الطبرسي في كتاب
الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه
«انه كتب إليه
يسأله عن الرجل يلحق الامام وهو راكع فيركع معه ويحتسب بتلك الركعة فإن بعض
أصحابنا قال ان لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتد بتلك الركعة؟ فأجاب (عليهالسلام) إذا لحق مع الامام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتد
بتلك الركعة وان لم يسمع تكبيرة الركوع». ونحوها رواية أخرى لا يحضرني الآن محلها .
(الثاني) ـ لو
كبر وركع ثم شك هل كان الامام راكعا أو رافعا لم تكن له جمعة ووجب عليه صلاة الظهر
ان كان ذلك في الركعة الثانية وإلا فجمعة ان كان في الركعة الأولى ، والوجه فيه أن
الشرط إدراك الإمام راكعا ولم يحصل لمكان الشك ولتعارض أصلي عدم الإدراك وعدم
الرفع فيتساقطان ويبقى المكلف تحت عهدة التكليف وليس إلا الظهر لفوات الجمعة.
والله العالم.
(المقصد الخامس)
ـ في وحدة الجمعة وتنقيح صور وقوع الجمعتين بمعنى أن لا تكون هناك جمعة اخرى دون
ثلاثة أميال وهو إجماعي بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) خلافا لمخالفيهم حيث لم
يعتبروا ذلك وبه تظافرت اخبارهم (عليهمالسلام) :
__________________
ومنها ـ ما
رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «يكون بين الجماعتين ثلاثة أميال يعني لا تكون
جمعة إلا في ما بينه وبين ثلاثة أميال وليس تكون جمعة إلا بخطبة ، قال فإذا كان
بين الجماعتين في الجمعة ثلاثة أميال فلا بأس ان يجمع هؤلاء ويجمع هؤلاء».
وما رواه الشيخ
عن محمد بن مسلم في الموثق عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس أن
يجمع هؤلاء ويجمع هؤلاء ولا يكون بين الجماعتين أقل من ثلاثة أميال».
وقد صرح بعض الأصحاب
بأنه يعتبر الفرسخ من المسجد ان صليت فيه وإلا فمن نهاية المصلين. ويشكل الحكم في
ما لو لم يبلغ النصاب بين بعض المأمومين وبين الجمعة الأخرى ممن كان زائدا على
العدد المشترط في وجوب الجمعة ، فهل يختص البطلان بهم لاستجماع صلاة من عداهم
لشرائط الصحة واختصاص فوات الشرط المذكور بهم أو تبطل صلاة الجميع لانتفاء الشرط
المعتبر في صحة الجماعتين بناء على أن المجموع جماعة واحدة؟ وجهان ، استقرب في
المدارك الأول وفي الذخيرة الثاني ، والمسألة محل تردد وان كان ما اختاره في
المدارك لا يخلو من قوة.
ولو اتفق وقوع
جمعتين في مسافة فرسخ فههنا صور الاولى ـ ان تسبق إحداهما ولو بتكبيرة الإحرام ولا
ريب في صحة السابقة وبطلان اللاحقة لاستجماع الاولى لشرائط الصحة بسبقها واختلال
اللاحقة بفوات الشرط المذكور ، قال في التذكرة ان ذلك ـ أي صحة السابقة وبطلان
اللاحقة ـ مذهب علمائنا اجمع. وحينئذ فيجب على اللاحقة الإعادة ظهرا ان لم تدرك
الجمعة مع الفرقة الأولى أو التباعد بما يصح به التعدد.
واعتبر شيخنا
الشهيد الثاني في صحة صلاة الاولى عدم العلم بصلاة الأخرى وإلا لم تصح صلاة كل
منهما ، قال : ويشترط ايضا عدم علم كل من الفريقين بصلاة
__________________
الأخرى وإلا لم يصح كل منهما للنهى عن الانفراد بالصلاة عن الأخرى المقتضي
للفساد
واعترضه سبطه
في المدارك فقال بعد نقل ذلك عنه : ولمانع أن يمنع تعلق النهي بالسابقة مع العلم
بالسبق ، اما مع احتمال السبق وعدمه فيتجه ما ذكره لعدم جزم كل منهما بالنية لكون
صلاته في معرض البطلان. انتهى. وهو جيد.
ويعضده ان
النهى إنما وقع عن التعدد في مسافة الفرسخ وهو لا يحصل بالنسبة إلى السابقة لأنها
حال وقوعها لم تقارنها جمعة في ذلك الوقت ليصح إطلاق التعدد عليها وانما حصل ذلك
بعد انعقادها على الصحة وإنما يتجه التعدد بالنسبة إلى اللاحقة ، نعم يجب ان يعتبر
في السابقة العلم بالسبق كما هو المفروض أو الظن مع تعذره بان يعلم أو يظن انتفاء
جمعة أخرى مقارنة لها أو سابقة عليها إذ مع تساوى احتمال السبق وعدمه لا يحصل
العلم بامتثال التكليف ، وهذا هو الذي يتجه فيه كلام شيخنا المتقدم ذكره لعدم جزم
كل منهما بالنية لكون صلاته في معرض البطلان وهل يفرق في الحكم ببطلان اللاحقة بين
علمهم بسبق الأولى وعدمه؟
ظاهر عبارات
الأصحاب العموم ، ويشكل باستحالة توجه النهي إلى الغافل والأحكام الشرعية لم تجعل
منوطة بالواقع ونفس الأمر وانما نيطت صحة وبطلانا وتحليلا وتحريما ونحو ذلك بعلم
المكلف ، فإذا كان المكلف حال إقامة الجمعة لا يعلم سبق جمعة عليه وان كان كذلك
واقعا فكيف يحكم ببطلان جمعته؟ على ان شرطية الوحدة على هذا الوجه غير معلوم.
(الثانية) ـ ان
تقترنا وقد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بالبطلان فيهما لامتناع الحكم بصحتهما
من حيث الإخلال بالشرط المذكور ولا أولوية لإحداهما فيكون البطلان ثابتا لهما.
وثبوت الأولوية لإحداهما بناء على المشهور بين المتأخرين من اعتبار الاذن أو
الفقيه يتحقق بكون أحدهما مأذونا له أو فقيها دون الآخر ، واما على ما اخترناه ـ كما
عليه أكثر المتقدمين وجملة من متأخري المتأخرين من عدم اعتبار شيء من ذلك ـ فلا
وجه لما ذكر من الأولوية. وبالجملة
فإنه لا ريب ولا خلاف في الحكم ببطلانهما في الصورة المذكورة وحينئذ فتجب
عليهما الجمعة مجتمعين أو متفرقين بالمسافة المذكورة ان بقي وقتها وإلا أعادا
ظهرا.
قالوا : ويتحقق
الاقتران بتكبيرة الإحرام من الإمامين دون غيرها من الأفعال لأن بها يحصل الدخول
في الصلاة والتحريم بها. وهو جيد.
واما ما ذكره
في الذخيرة ـ بعد ان نقل ذلك عن علمائنا وأكثر العامة من ان الروايات التي هي الأصل في هذا الحكم غير ناهضة
بإثبات هذا التحديد فاذن التعويل على الإجماع ان ثبت ـ ففيه ان الأمر وان كان كما
ذكره لكن من الظاهر ان انعقاد الجمعة انما يتحقق بتكبيرة الإحرام والروايات قد دلت
بمفهومها على النهى عن جمعتين في فرسخ فبضم تلك المقدمة التي قدمناها الى مفهوم
الأخبار المذكورة ينتج ان النهى انما يتوجه إلى اللاحقة ان حصل السبق بها كما في
الصورة الأولى وإليهما ان حصل الاتفاق فيها دفعة واحدة ، فالاقتران والسبق انما
يتحقق بها فان اتفقا فيها دفعة واحدة تحقق الاقتران وان تقدم أحدهما بها حصل
السبق. نعم هنا أقوال أخر للعامة في اعتبار السبق والاقتران فبعضهم ناط ذلك
بالخطبتين لقيامهما مقام ركعتين وبعضهم ناط ذلك بالفراغ فان تساويا فيه بطلتا وان
تقدمت إحداهما بالسلام صحت وبطلت الأخيرة وبالجملة فما ذكره الأصحاب في المقام جيد لا تعتريه
شبهة الإبهام.
قال في الذخيرة
: وإطلاق كلام الأصحاب وصريح بعضهم يقتضي عدم الفرق بين ما إذا علم كل فريق
بالإحرام أم لا مع حصول العلم بالاقتران بعد الفراغ. ويشكل بأن الإتيان بالمأمور
به ثابت لكل من الفريقين لاستحالة تكليف الغافل وعدم ثبوت شرطية الوحدة على هذا
الوجه. انتهى. وهو جيد وقد تقدم في آخر الصورة المتقدمة ما يؤكده.
وقال شيخنا في
الروض بعد أن ذكر ان الاقتران يتحقق بتكبيرة الإحرام
__________________
ما لفظه : ويتحقق ذلك بشهادة عدلين ويتصور ذلك بكونهما غير مخاطبين بالجمعة
وهما في مكان يسمعان التكبيرتين. أقول : لا يخفى ندرة هذا الفرض بل ربما يدعى عدم
إمكان وقوعه وبه يشكل ابتناء حكم شرعي عليه.
(الثالثة) ـ
الاشتباه وله صورتان الاولى ـ أن تكون الجمعة السابقة متحققة لكن حصل الاشتباه
فيها سواء علم حصول جمعة سابقة متعينة واشتبهت بان عرض له النسيان بعد العلم
بالتعيين أو علم حصول جمعة سابقة في الجملة ولم تتعين ، والوجه في وجوب الإعادة في
الصورتين المذكورتين وجود الشك في حصول شرائط الصحة وهو موجب لبقاء المكلف تحت
عهدة التكليف حتى يتحقق الامتثال واختلف الأصحاب هنا في انه هل الواجب على
الفرقتين صلاة الظهر أو الجمعة؟ فالأكثر على الأول ، قالوا للعلم بوقوع جمعة صحيحة
فلا تشرع جمعة اخرى عقيبها إلا انه حيث لم تكن متعينة في إحدى الفرقتين وجبت الظهر
عليهما لعدم حصول البراءة بدون ذلك.
وذهب الشيخ في
المبسوط إلى أنهم يصلون جمعة مع اتساع الوقت والظهر مع تضيقه ، وعلله بعض الأصحاب
بأن الحكم بوجوب الإعادة عليهما يقتضي عدم كون الصلاة الواقعة منهما مقبولة في نظر
الشارع.
قال في المدارك
: وهذا متجه لأن الأمر بصلاة الجمعة عام وسقوطها بهذه الصلاة التي ليست مبرئة
للذمة غير معلوم.
وتوضيحه ان
الذمة مشغولة بالجمعة بيقين إذ هي فرض المكلف فلا تبرأ الذمة منها إلا بيقين
الإتيان بها ، قولهم ـ ان العلم حصل بوقوع جمعة صحيحة فلا تشرع جمعة اخرى ـ مسلم
لو علمت وعلم موضعها في أي الفريقين واما مع جهل موضعها فلا. وبما ذكرناه يظهر قوة
قول الشيخ (قدسسره).
وعلى المشهور
فلو تباعد الفريقان بالنصاب فان خرج أحدهما عن المصر وأعادوا جميعا الجمعة لم تصح
لإمكان كون من تأخرت جمعته هم المتخلفون في المصر فلا تسوغ فيه
جمعة اخرى ، اما لو خرجوا عنه جميعا وتباعدوا بالنصاب مع سعة الوقت تعين
عليهم فعل الجمعة قطعا.
الثانية ـ ان
لا تكون الجمعة السابقة متحققة لحصول الاشتباه بالسبق والاقتران ، واختلف الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في حكم هذه الصورة أيضا فذهب الشيخ في المبسوط ومن تبعه الى وجوب
الإعادة جمعة مع بقاء الوقت لعين ما تقدم في سابق هذه الصورة.
وذهب العلامة
في جملة من كتبه الى وجوب الجمع بين الفرضين لأن الواقع ان كان الاقتران فالفرض
الجمعة وان كان السبق فالظهر فلا يحصل يقين البراءة بدونهما
ويمكن خدشه بان
ما ادعاه من أن السبق من حيث هو ـ يعني بالنسبة إلى الواقع ـ يقتضي وجوب الظهر
ممنوع وإنما يقتضي ذلك مع العلم به فإن الأحكام الشرعية كما عرفت إنما تبنى على
علم المكلف لا على نفس الأمر والواقع ، وحينئذ فلو سبقت إحداهما مع جهل موضعها لم
يسقط عنه وجوب الجمعة لما عرفت آنفا.
واحتمل العلامة
في التذكرة وجوب الظهر خاصة لأن الظاهر صحة إحداهما لندور الاقتران جدا فكان جاريا
مجرى المعدوم ، وللشك في شرط صحة الجمعة وهو عدم سبق اخرى وهو يقتضي الشك في
المشروط. وفيه انا لا نسلم ان شرط صحة الجمعة عدم سبق اخرى بل يكفي في الصحة عدم
العلم بسبق اخرى. وبما ذكرنا يظهر قوة ما ذهب اليه الشيخ هنا أيضا وان كان
الاحتياط في ما ذكره من الجمع بين الفرضين. والله العالم.
(المقصد السادس)
ـ في الوقت ، اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وقت الجمعة أولا وآخرا ، فاما
الأول فالأظهر الأشهر أنه زوال الشمس ، وقال الشيخ في الخلاف : وفي أصحابنا من
أجاز الفرض عند قيام الشمس ، قال واختاره علم الهدى. قال ابن إدريس بعد نقل ذلك عن
الشيخ (قدسسره) ولعل شيخنا سمعه من المرتضى (قدسسره) مشافهة فإن الموجود في مصنفات السيد موافق للمشهور من
عدم جواز إيقاعها قبل تحقق الزوال. أقول : ويدل على القول المشهور الأخبار
المستفيضة الآتية ان شاء الله تعالى.
واما الآخر
فالمشهور بين المتأخرين أنه يمتد الى ان يصير ظل كل شيء مثله بل قال العلامة في
المنتهى انه مذهب علمائنا أجمع. وقال أبو الصلاح إذا مضى مقدار الأذان والخطبة
وركعتي الفريضة فقد فاتت ولزم أداؤها ظهرا. وقال الشيخ في المبسوط ان بقي من وقت
الظهر قدر خطبتين وركعتين خفيفتين صحت الجمعة. وقال ابن إدريس يمتد وقتها بامتداد
وقت الظهر ، واختاره الشهيد في الدروس والبيان. وقال الجعفي وقتها ساعة من النهار.
وأنت خبير بما
في جل هذه الأقوال من الانحراف عن جادة الاعتدال ، أما القول المشهور فانا لم نقف
له على دليل وبذلك اعترف في الذكرى فقال : انا لم نقف لهم على حجة إلا ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يصلى في هذا الوقت ، قال ولا دلالة فيه لان الوقت
الذي كان يصلى فيه ينقص عن هذا المقدار غالبا ولم يقل أحد بالتوقيت بذلك الناقص.
واما قول ابن إدريس فأظهر ضعفا لما فيه من اطراح الأخبار الصحاح الصراح الآتية ان
شاء الله تعالى. واما عبارة الشيخ في المبسوط فهي غير خالية من الإجمال وتعدد
الاحتمال ، فإنه ان أراد بوقت الفريضة هو الوقت الاختياري لها بناء على مذهبه أو
الفضيلة بناء على قول الأكثر فهو يرجع الى القول المشهور ، وان أراد الوقت الذي هو
أعم فهو يرجع الى قول ابن إدريس
وكيف كان
فالواجب أولا نقل الأخبار المتعلقة بالمقام وبيان ما يظهر منها على وجه يكشف عن
المسألة نقاب الإبهام :
فنقول : من
الأخبار المذكورة ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال :«سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول ان من الأمور أمورا مضيقة وأمورا موسعة وان الوقت
وقتان والصلاة مما فيه السعة فربما عجل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وربما أخر إلا
__________________
صلاة الجمعة فإن صلاة الجمعة من الأمور المضيقة إنما لها وقت واحد حين تزول ووقت العصر يوم الجمعة وقت
الظهر في سائر الأيام».
وعن عبد الله
بن سنان في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «وقت صلاة الجمعة عند الزوال ووقت العصر يوم
الجمعة وقت صلاة الظهر في غير يوم الجمعة ويستحب التبكير بها».
وعن عبد الله
بن سنان في الصحيح قال : «لا صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة».
وعن ذريح في
الصحيح قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) صل الجمعة بأذان هؤلاء فإنهم أشد شيء مواظبة على
الوقت».
وعن على بن
جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن الزوال يوم الجمعة ما حده؟ قال إذا
قامت الشمس صل الركعتين فإذا زالت الشمس فصل الفريضة».
وما رواه
الصدوق عن عبيد الله الحلبي في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «وقت الجمعة زوال الشمس ووقت صلاة الظهر في
السفر زوال الشمس ووقت العصر يوم الجمعة في الحضر نحو من وقت الظهر في غير يوم
الجمعة».
وعن زرارة في
الصحيح عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «وقت صلاة الجمعة
__________________
يوم الجمعة ساعة تزول الشمس».
وما رواه الشيخ
عن عبد الله بن عجلان قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) إذا كنت شاكا في الزوال فصل الركعتين وإذا استيقنت
الزوال فصل الفريضة».
وما رواه
الكليني عن ابن ابى عمير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الصلاة يوم الجمعة فقال نزل بها جبرئيل مضيقة إذا
زالت الشمس فصلها. قال قلت إذا زالت الشمس صليت ركعتين ثم صليتها قال فقال أبو عبد
الله (عليهالسلام) اما انا إذا زالت الشمس لم أبدأ بشيء قبل المكتوبة». قال
القاسم وكان ابن بكير يصلى الركعتين وهو شاك في الزوال فإذا
استيقن الزوال بدأ بالمكتوبة في يوم الجمعة.
وعن ابن سنان قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا زالت الشمس يوم الجمعة فابدأوا بالمكتوبة».
وعن الفضيل بن
يسار في الصحيح عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال «ان من الأشياء أشياء موسعة وأشياء مضيقة فالصلاة
مما وسع فيها تقدم مرة وتؤخر أخرى والجمعة مما ضيق فيها فان وقتها يوم الجمعة ساعة
تزول ووقت العصر فيها وقت الظهر في غيرها».
__________________
وما رواه
الصدوق في الفقيه مرسلا قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) وقت صلاة الجمعة يوم الجمعة ساعة تزول الشمس ووقتها في
السفر والحضر واحد وهو من المضيق وصلاة العصر يوم الجمعة في وقت الأولى في سائر
الأيام».
وروى فيه ايضا قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) أول وقت الجمعة ساعة تزول الشمس الى ان تمضى ساعة
فحافظ عليها. الخبر».
وعن سفيان بن
السمط قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقت صلاة العصر يوم الجمعة فقال في مثل وقت الظهر
في غير يوم الجمعة».
وقال في الفقه
الرضوي : «وقت الجمعة زوال الشمس ووقت الظهر في السفر زوال
الشمس ووقت العصر يوم الجمعة في الحضر نحو وقت الظهر في غير يوم الجمعة».
وروى الشيخ في
كتاب المتهجد عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن صلاة الجمعة قال وقتها إذا زالت الشمس فصل الركعتين
قبل الفريضة فإن أبطأت حتى يدخل الوقت هنيئة فابدأ بالفريضة ودع الركعتين حتى
تصليهما بعد الفريضة».
وعن إسماعيل بن
عبد الخالق قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقت الصلاة فقال جعل الله لكل صلاة وقتين إلا
الجمعة في السفر والحضر فإنه قال وقتها إذا زالت الشمس وهي في ما سوى الجمعة لكل
صلاة وقتان. الحديث».
وعن حريز عن
زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «أول وقت الجمعة ساعة تزول الشمس الى أن تمضى
ساعة فحافظ عليها فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال لا يسأل الله عبد فيها خيرا إلا أعطاه الله».
وعن حريز قال : «سمعته يقول اما انا إذا زالت الشمس يوم الجمعة
__________________
بدأت بالفريضة وأخرت الركعتين إذا لم أكن صليتهما».
وأنت خبير بان
هذه الأخبار على كثرتها واستفاضتها قد اشتركت في الدلالة على ان أول وقت الجمعة
التي هي عبارة عن الخطبتين والركعتين كما تقدم تحقيقه هو الزوال وانه يجب المبادرة
إليها فيه حتى ان الركعتين لا تزاحمها بل تقدم في وقت الشك في الزوال ومتى تحقق
بدئ بالواجب ، وان وقتها مضيق بهذا الوقت يعنى يجب الشروع فيها بعد تحقق الزوال
بالإتيان بالأذان ثم الخطبتين ثم الركعتين حتى يفرغ لا اتساع فيه كغيرها من
الصلوات التي تقبل التأخير عن الأول ، وهي صريحة في بطلان قولي الأكثر وابن إدريس
فإن وقت صلاة العصر في ذلك اليوم هو وقت الظهر في سائر الأيام يعني بالنسبة إلى
التطوع ، وقد تكاثرت الأخبار وعليه بنيت هذه الأخبار بان وقت الظهر في سائر الأيام
بعد القدمين وان اختزال القدمين من أول الظهر لمكان النافلة كما تقدم تحقيق جميع
ذلك في مبحث الأوقات. وأنت إذا ضممت هذه الأمور بعضها الى بعض ظهر لك ان وقت
الجمعة من أول الزوال الى مضى قدمين ومتى خرج هذا المقدار خرج وقتها ووجب الإتيان
بها ظهرا ، ومن هنا ثبت التضييق فيها وعدم الامتداد. ولا ينافي ذلك خبر الساعة
فإنها تطلق عرفا على الزمان القليل وهو المراد هنا لا الساعة النجومية أو الساعات
التي ينقسم إليها النهار.
وظني ان كلام
ابى الصلاح والجعفي يرجعان الى معنى واحد وهو ما دلت عليه هذه الأخبار بالتقريب
الذي أوضحناه ، وان ما أوردوه على ابى الصلاح في هذا المقام لا ورود له عليه.
واما ما ذكره
المحقق ـ من أنه لو صح ما ذكره لما جاز التأخير عن الزوال بالنفس الواحد ، وبان
النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يخطب في الظل الأول فيقول جبرئيل : «يا محمد (صلىاللهعليهوآله) قد زالت الشمس فانزل وصل». وهو دليل على جواز تأخير
الصلاة عن الزوال بقدر قول جبرئيل (عليهالسلام) ونزوله ودعائه امام الصلاة ولو كان مضيقا لما
جاز ذلك ـ فضعفه أظهر من أن يحتاج الى بيان ، لان عبارته في المقام إنما
خرجت مخرج التجوز والتوسع لا أن مراده الحصر الحقيقي في ما ذكره بحيث يخل به النفس
أو قول جبرئيل ، ومثله في كلام البلغاء والفصحاء وكلام الأئمة (عليهمالسلام) أكثر من أن يحصى.
نعم قال في
الذخيرة ـ في رد كلام ابى الصلاح بعد رد كلام المحقق بالضعف ـ ما لفظه : نعم يمكن
دفعه بالأخبار الدالة على جواز ركعتي الزوال بعد دخول وقت الفريضة.
وفيه ان أكثر
الأخبار الواردة في ذلك ـ ومنها ما نقلناه هنا كرواية على بن جعفر ورواية عبد الله
بن عجلان ورواية ابن ابى عمير ورواية محمد بن مسلم ورواية حريز ـ قد صرحت بتأخير
الركعتين متى تيقن الزوال ، مضافا الى الأخبار الدالة على توقيت الجمعة بالزوال
وان وقتها مضيق فيه ، وكذلك الأخبار الدالة على انه لا تطوع وقت الفريضة ، وحينئذ
فما دل على جواز الركعتين بعد الزوال لا بد من ارتكاب التأويل فيه ، ويمكن حملها
على الرخصة في بعض الأوقات فلا ينافي توقيت الجمعة بالزوال كما في سائر الرخص لا
ان ذلك يكون وقتا للركعتين دائما بحيث يجوز مزاحمة الفريضة بهما.
ومما يدل على
ما قلناه ايضا من عدم مزاحمتهما للفريضة زيادة على ما قدمناه من الأخبار ما رواه
في التهذيب عن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن ركعتي الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو
بعده؟ فقال قبل الأذان». وعن حسين بن عثمان عن ابن ابى عمير في الصحيح قال : «حدثني انه سأله عن الركعتين اللتين عند الزوال
يوم الجمعة قال فقال اما انا فإذا زالت الشمس بدأت بالفريضة».
__________________
وبما حققناه في
المقام وكشفنا عنه نقاب الإبهام يظهر لك ضعف ما ذكره في المدارك ومثله في الذخيرة
من أن المسألة قوية الإشكال فإنه لا إشكال بحمد الله الملك المتعال بالنظر الى ما
سردناه من الأخبار وأوضحناه من البيان الظاهر لاولى الألباب والأفكار.
بقي الكلام هنا
في مواضع الأول ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم ـ الشيخ
وجماعة انه لو خرج الوقت وقد تلبس بها ولو بالتكبير فإنه يجب إتمامها جمعة ،
واحتجوا عليه بان الوجوب متحقق باستكمال الشرائط فيجب إتمامها. وأورد عليه بان من
جملة الشرائط الوقت فما لم يتحقق التكليف بالفعل فان التكليف بالفعل يستدعي زمانا
يسعه. والظاهر انه لما ذكر اعتبر الشهيد ومن تأخر عنه إدراك ركعة من الوقت لقوله (عليهالسلام) «من أدرك من الوقت ركعة فكأنما أدرك الوقت».
قال السيد
السند في المدارك ـ بعد قول المصنف (قدسسره) ولو خرج الوقت وهو فيها أتمها جمعة اماما كان أو
مأموما ـ إطلاق العبارة يقتضي وجوب إكمالها بمجرد التلبس بها في الوقت ولو
بالتكبير وبه صرح الشيخ وجماعة ، واحتج عليه في المعتبر بان الوجوب يتحقق باستكمال
الشرائط فيجب إتمامها. ويتوجه عليه ان التكليف بفعل موقت يستدعي زمانا يسعه
لامتناع التكليف بالمحال ولا يشرع
__________________
فعله في خارجه إلا ان يثبت من الشارع شرعية فعله في خارج الوقت ، ومن ثم
اعتبر العلامة ومن تأخر عنه إدراك الركعة في الوقت كاليومية لعموم قوله (عليهالسلام) «من أدرك من الوقت ركعة فكمن أدرك الوقت كله». وهو
أولى. انتهى. وحذا حذوه في الذخيرة واختار ما اختاره.
أقول : لا يخفى
ان ما ذكره (قدسسره) وان تبعه من تبعه فيه منظور فيه من وجهين : أحدهما ـ قوله
«ويتوجه عليه ان التكليف بفعل موقت. الى آخره» فإنه ينبغي ان يعلم ان هنا مقامين :
(الأول) أن يدخل في الصلاة بانيا على امتداد الوقت وسعته ثم يظهر في الأثناء عدم
ذلك. و (الثاني) ان يعلم قبل الدخول في الصلاة عدم سعة الوقت فهل يجب عليه الدخول فيها
والحال هذه أم لا؟ والظاهر من كلام المصنف (قدسسره) في هذه المقالة انما هو الأول فإنه قد صرح بالثاني في
المقالة الآتية بعد ذلك ان شاء الله تعالى ، واعتراض الشارح عليه انما يتوجه بناء
على الثاني وذلك فإنه متى دخل في الصلاة بناء على سعة الوقت واستكمال شرائط الوجوب
بحسب نظره كان دخوله مشروعا غاية الأمر أنه انكشف بعد ذلك ضيق الوقت عن إتمامها ،
وهذا لا يصلح للمانعية عن وجوب الإتمام كما في غير هذا الموضع ومنه ما لو دخل في
صلاة الكسوف وصلى بعضا ثم انجلى الكسوف فإن صحيحة زرارة قد صرحت بوجوب إتمام الصلاة وان كان المشهور بين
الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو قصر الوقت عنها سقطت لاستحالة التكليف بشيء
يقصر وقته عنه ، والجمع بين كلامهم وبين الرواية لا يحصل إلا بالفرق بين الابتداء
والاستدامة بمعنى انه لا تكليف بذلك قبل الشروع في الفعل اما لو شرع بناء على سعة
الوقت وامتداده ثم ظهر ضيقه عن الإتيان بالصلاة فإنه يجب الإتمام كما دلت عليه
الصحيحة المذكورة فكذا في ما نحن فيه وحينئذ فيجب الإتمام. وقوله في الجواب ـ ان
التكليف بفعل موقت يستدعي زمانا يسعه. الى آخره ـ انما يتجه
__________________
في ما لو علم ضيق الوقت قبل الدخول فان التكليف بالدخول والحال كذلك يستلزم
ما ذكره ، اما لو لم يعلم بل دخل بانيا على السعة فإنه لا يتوجه عليه هذا الجواب
للفرق عندهم بين أصل الدخول وبين الاستدامة كما تقدم التصريح به في مسألة العدد في
ما لو انفض العدد بعد الدخول ولم يبق إلا واحد مثلا فإنهم أوجبوا عليه الإتمام
جمعة.
وثانيهما ـ قوله
: «لعموم قوله من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله» فإنه ربما يتسارع الى
الفهم ان هذا الخبر من جملة أخبارنا المروية في كتب الأخبار فيجوز الاستناد إليه
في إثبات الأحكام الشرعية كما اختاره هنا بقوله بعد ذكر الخبر المذكور «وهو أولى»
مع انا قد قدمنا في مبحث الأوقات ان الظاهر ان هذا الخبر إنما هو من طريق
المخالفين ، واليه يشير أيضا كلام السيد المذكور في شرح قول المصنف في مبحث
الأوقات «ولو زال المانع فإن أدرك الطهارة وركعة من الفريضة لزمه أداؤها» حيث انه
نقل هذا الخبر مرسلا عن النبي (صلىاللهعليهوآله) ثم آخر عنه (صلىاللهعليهوآله) ايضا ثم قال ومن طريق الأصحاب ثم نقل رواية الأصبغ بن نباتة
وموثقة عمار الساباطي الدالتين على أن من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس
فقد أدرك الغداة ، وقد تقدم منا تحقيق الكلام في هذا المقام والبحث مع الأصحاب في تعميم
الحكم مع اختصاص الأخبار المروية من طريقنا بصلاة الصبح نعم ظاهرهم دعوى الإجماع
على ما ذكروه من العموم ، وبه يظهر أن المسألة هنا لا تخلو من الإشكال لعدم النص
المعتمد عليه في هذا المجال. والله سبحانه وأولياؤه أعلم بحقيقة الحال.
الثاني ـ لو تيقن أو غلب على ظنه قبل الدخول ان الوقت لا
يسع للجمعة وجبت صلاة الظهر ، صرح به جملة من الأصحاب : منهم المحقق في
__________________
الشرائع وهو ما أشرنا إليه آنفا من أن المصنف صرح بالثاني في المقالة
الآتية.
والسيد السند
هنا بناء على اعتراضه على العبارة المتقدمة قال هنا ايضا بعد ذكره عبارة المصنف
المذكورة : هذا بظاهره مناف لما سبق من أن من تلبس بالجمعة في الوقت يجب عليه
إتمامها فإنه يقتضي بإطلاقه جواز الشروع فيها مع ضيق الوقت وأجيب عنه بان الشروع
فيها انما يشرع إذا ظن ادراك جميعها. الى أن قال : ومن ثم ذهب جمع من الأصحاب إلى
وجوب الدخول في الصلاة متى علم انه يدرك ركعة بعد الخطبتين لعموم «من أدرك.» بل
صرح العلامة في النهاية بوجوب الدخول في الصلاة مع ادراك الخطبتين وتكبيرة الإحرام
خاصة وهو بعيد. انتهى
أقول : قد
قدمنا لك ان مراد المصنف بالعبارة الأولى انما هو من دخل في الصلاة بناء على سعة
الوقت يقينا أو ظنا ، وهذه العبارة صريحها كما ترى انما هو من علم أو ظن قبل
الدخول ضيق الوقت عن الجمعة فإنه تجب عليه الصلاة ظهرا ، فموضوع تلك المسألة غير
موضوع هذه المسألة ، ويشير الى ذلك كلامه في المعتبر الذي ذكره الشارح في المسألة
المتقدمة ، وصورته بتمامه هكذا : قال الشيخ إذا انعقدت الجمعة فخرج وقتها ولم يتم
أتمها جمعة وبه قال مالك ، وقال الشافعي بقاء الوقت شرط فإذا خرج أتمها ظهرا ،
وقال أبو حنيفة تبطل لنا ـ ان الوجوب تحقق باستكمال الشرائط فيجب إتمامها.
انتهى. فان هذا الخلاف انما يترتب على من تبين له ضيق الوقت بعد الدخول بناء على
ما سعته لا من علم بضيقه أولا ثم دخل والحال هذه ، فدعوى الشارح منافاة هذا الكلام
لما سبق ـ وان إطلاق عبارته الاولى يقتضي جواز الشروع فيه مع يقينه ضيق الوقت ـ ليس
في محله. وكيف كان فحمل كلامه على ما يندفع به التنافي في عبارتيه أولى وأظهر سيما
مع كونه وجها واضحا صحيحا.
بقي الكلام في
ما ذكره المصنف في هذه المقالة ـ من انه لو تيقن أو ظن عدم سعة الوقت فإنه لا يشرع
له الجمعة بل يجب أن يصلى ظهرا ، وما أورده
__________________
الشارح عليه في ما طوينا ذكره من ان قوله (عليهالسلام) «من أدرك ركعة من الوقت» يعم الجميع. الى آخر الكلام ـ
فان فيه (أولا)
ـ ان ظاهر كلام الشارح في المقالة السابقة يعطي منع الدخول مع تيقن سعة الوقت أو
ظنها وهو الذي رد به الخبر المذكور هنا حيث قال ثمة : ويشكل بان الواجب الموقت
يعتبر وقوعه في الوقت فمع الشك فيه لا يحصل يقين البراءة بالفعل. الى آخره ، فإنه
ظاهر في عدم جواز الدخول وان تيقن بقاء ركعة بل لا بد من وقت يسع الجميع كما هو
ظاهر كلام الشافعي المتقدم.
وثانيا ـ ما
أشرنا إليه آنفا من ان هذا الخبر لم يثبت وروده من طريقنا فلا يمكن الاعتماد عليه في هذا المحل ولا غيره وان كثر
تناقله في كلامهم وتداوله على رؤوس أقلامهم ، وبه يظهر لك ما في هذا الكلام من
تكرار هذا الخبر وما يتفرع عليه من الأحكام وما ذكره من التعارض في المقام بالنقض
والإبرام ، فإنه بناء على ما عرفت نفخ في غير ضرام. وبه يتبين ان من ذهب الى وجوب
الدخول في الصلاة متى علم إدراك ركعة من الوقت ان استند الى هذا الخبر فقد عرفت ما
فيه ، وان استند إلى الإجماع كما تقدم نقله عنهم في باب الأوقات فقد عرفت ايضا ما
في باطنه وخافية.
الثالث ـ قال
المحقق في الشرائع : ولو تيقن ان الوقت يتسع للخطبة وركعتين خفيفتين وجبت الجمعة.
قال السيد السند بعد نقل العبارة المذكورة : الضابط في ذلك تيقن اتساع الوقت
للمقدار الواجب من الخطبتين والصلاة دون المسنون منهما. قيل وكذا تجب الجمعة مع ظن
اتساع الوقت أو الشك في السعة وعدمها لأصالة بقاء الوقت. ويشكل بان الواجب الموقت
يعتبر وقوعه في الوقت فمع الشك فيه لا يحصل يقين البراءة بالفعل ، والاستصحاب هنا
انما يفيد ظن البقاء وهو غير كاف في ذلك. انتهى.
__________________
أقول : العجب
منه (قدسسره) وتناقض كلامه في هذا المقام واضطرابه على وجه لا يمكن
الإصلاح فيه والالتئام. فإن مقتضى كلامه هنا كما سمعت انه لا يشرع الدخول في
الصلاة إلا مع تيقن سعة الوقت للخطبة والصلاة وان كانتا مخففتين وجعل ذلك ضابطا
كليا وقانونا جليا ، مع انه صرح في شرح قول المصنف «ولو خرج الوقت وهو فيها أتمها
جمعة» بالاكتفاء بإدراك ركعة كما قدمنا نقله عنه عملا بخبر «من أدرك من الوقت ركعة»
ومثله أيضا في شرح قول المصنف «وان تيقن أو غلب على ظنه ان الوقت لا يتسع لذلك»
فإنه قال في ما طوينا ذكره من كلامه : وأجيب عنه بان الشروع فيها انما يشرع إذا ظن
إدراك جميعها لأنها لا يشرع فيها القضاء وانما وجب الإكمال مع التلبس بها في الوقت
للنهى عن إبطال العمل. وأورد عليه ان قوله (عليهالسلام) «من أدرك من الوقت ركعة» يعم الجميع. وأجيب بأن هذا
الحديث مقيد بقيد يستفاد من خارج وهو كون الوقت صالحا للفعل للقطع بان ما لا يصلح
للفعل يمتنع وقوعه فيه. وفيه نظر فإنه ان أريد بصلاحية الوقت للفعل إمكان إيقاعه
فيه فهو متحقق هنا وان أريد غير ذلك فلا دليل عليه ومن ثم ذهب جمع من الأصحاب. إلى
آخر ما تقدم في الموضع الثاني. وفيه ـ كما ترى ـ خروج عن ذلك الضابط الكلي الذي
قرره سابقا من انه لا بد من تيقن اتساع الوقت للمقدار الواجب في صحة الدخول وانه
لا يكفى الظن حيث انه هنا بعد أن أجاب عن الخبر بتقييده بهذا الضابط تنظر في ذلك
واكتفى بمجرد إمكان اتساعه. وبالجملة فإن اضطراب كلامه في هذه المقالات الثلاث لا
يخفى على المتأمل. واما ما علل به هنا وجوب الإكمال مع التلبس بها في الوقت من
النهى عن إبطال العمل فهو ضعيف والحق كما قدمناه وهو انه لا يشرع الدخول فيها إلا
مع تيقن سعة الوقت أو ظنه.
ثم انه لو ظهر
الضيق بعد الدخول والحال هذه فوجوب الإتمام عليه انما هو من حيث ان اشتراط السعة
إنما هو في الابتداء لا في الاستدامة ، فمتى دخل بناء على السعة وجب الإتمام وان
كان خارج الوقت لعين ما تقدم في اشتراط العدد وما قدمناه من مسألة صلاة الكسوف
ونحو ذلك.
هذا هو التحقيق
في المقام وهو الذي يرجع اليه كلام المحقق وغيره من الاعلام فعليه اعتمد ودع عنك
فضول الكلام. والله سبحانه وأولياؤه أعلم بحقائق الأحكام.
الرابع ـ لو
كان ممن تجب عليه الجمعة فصلى الظهر والحال هذه فالواجب عليه السعي إلى الجمعة فإن
أدركها وإلا أعاد ظهره ولم يجزئه ما صنع أولا ، لأنه في تلك الحال قد اتى بغير ما
هو الواجب عليه والمخاطب به فلا تبرأ ذمته بل يبقى تحت عهدة التكليف الى ان يأتي
بالجمعة إن أمكن وإلا فالظهر لتعينها بعد فوات الجمعة. ولا فرق في ذلك بين العمد
والنسيان ولا بين ان يظهر في نفس الأمر عدم الوجوب أم لا. نعم لو صلى الظهر ناسيا
وظهر عدم التمكن من الجمعة فإشكال وظاهر المدارك والذخيرة إمكان القول بالاجزاء
والصحة.
ولو لم تكن
شرائط الجمعة مجتمعة لكن يرجو اجتماعها قبل خروجه فهل يجوز له تعجيل الظهر
والاجتزاء بها وان أقيمت الجمعة بعد ذلك أم يجب الصبر الى ان يظهر الحال؟ وجهان
واستجود في المدارك الثاني ، قال : لان الواجب بالأصل هو الجمعة وانما يشرع فعل
الظهر إذا علم عدم التمكن من الجمعة في الوقت. ونحوه في الذخيرة أيضا. ولقائل أن
يقول ان هذا التعليل ربما أمكن قلبه فيكون بالدلالة على الأول انسب ، وذلك لان
أصالة الجمعة إنما يتم مع اجتماع شرائطها والحال انها حينئذ غير مجتمعة ومشروعية
الظهر ظاهرة لأنه مخاطب بها في ذلك الوقت فلو أوقعها فيه صحت لذلك وانتظار التمكن
وعدمه الى آخر الوقت لا دليل عليه إذ لعله يخترمه الموت في تلك الحال فيكون قد ضيع
فرضا واجبا عليه. والله العالم.
(المطلب الثالث)
ـ في من تجب عليه الجمعة ويراعى فيه شروط تسعة ، والأصل في هذه الشروط الأخبار
المتكاثرة عن الأئمة الأطهار (عليهمالسلام) :
ومنها ـ ما
رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن ابى بصير ومحمد بن مسلم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان الله عزوجل فرض في كل سبعة أيام خمسا
__________________
وثلاثين صلاة : منها ـ صلاة واجبة على كل مسلم ان يشهدها إلا خمسة : المريض
والمملوك والمسافر والمرأة والصبي».
وما رواه
الصدوق عن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليهالسلام) انه قال : «انما فرض الله على الناس من الجمعة إلى
الجمعة خمسا وثلاثين صلاة : منها ـ صلاة واحدة فرضها الله في جماعة وهي الجمعة ،
ووضعها عن تسعة : عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض
والأعمى ومن كان على رأس فرسخين». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن ورواه ايضا الشيخ الفقيه أبو محمد جعفر بن احمد ابن على القمي في كتاب
العروس بإسناده عن زرارة وقال بعد نقله : وروى مكان «المجنون» «الأعرج».
ومنها ـ ما
رواه الشيخ عن منصور عن ابى عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «الجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر الناس
فيها إلا خمسة : المرأة والمملوك والمسافر والمريض والصبي».
ومنها ـ ما في
بعض خطب أمير المؤمنين (عليهالسلام) المروية في الفقيه وفي المتهجد وفيها «الجمعة واجبة على كل مؤمن إلا على الصبي والمريض
والمجنون والشيخ الكبير والأعمى والمسافر والمرأة والعبد المملوك ومن كان على رأس
فرسخين».
أقول : وقد ظهر
من هذه الاخبار باعتبار ضم بعضها الى بعض ان الشروط المعتبرة في التكليف بالجمعة
تسعة وضم إليها أيضا المطر لما سيأتي ان شاء الله تعالى فتكون عشرة :
__________________
أولها وثانيها
ـ البلوغ والعقل ويجمعهما التكليف ، ولا ريب في اشتراطه في هذه الصلاة وغيرها
اتفاقا نصا وفتوى فلا تجب على المجنون والصبي وان كان مميزا نعم تصح من المميز
تمرينا وتجزئه عن الظهر. ولو أفاق المجنون في وقت الصلاة خوطب بها خطابا مراعى
ببقاء الإفاقة إلى آخر الصلاة.
وثالثها ـ
الذكورة وهي مما ادعى عليها الإجماع حتى من العامة أيضا وعلى ذلك تدل الأخبار المتقدمة ، ويخرج بقيد الذكورة
المرأة والخنثى.
ويمكن المناقشة
في السقوط عن الخنثى لانتفاء ما يدل على اشتراط الذكورة وانما الموجود في الأخبار
المتقدمة استثناء المرأة ممن تجب عليه الجمعة ، والخنثى لا يصدق عليها انها امرأة
ومن ثم وقع الخلاف فيها ، فقيل بالسقوط عنها للشك في سبب الوجوب واختاره الشهيد ،
وقيل بالوجوب عليها لعموم الأوامر خرج من ذلك المرأة بالأخبار المتقدمة فتبقى
الخنثى تحت عموم الأوامر. وقربه الشهيد الثاني
وربما أورد
عليه بان دخول الخنثى في المستثنى منه مشكوك فيه بمعنى انه غير معلوم شمول عموم
الأوامر لها.
ويمكن توجيهه
بأن إطلاق الأخبار وعمومها انما ينصرف الى الأفراد المتكررة الوقوع الشائعة فإنها
هي المتبادر الى الذهن من الإطلاق والخنثى فرد نادر بل غايته مجرد الفرض.
وبالجملة فظاهر
الأخبار المذكورة حيث خص السقوط بالمرأة وهي غير داخلة تحت هذا اللفظ هو الوجوب
عليها إلا انه بالنظر الى ما ذكرنا من التقريب في عدم دخولها أيضا في المستثنى منه
يقرب السقوط عنها ، وبه يظهر ان المسألة غير خالية من شوب الإشكال.
ورابعها ـ
الحرية فلا تجب على العبد باتفاق الأصحاب نقله جملة منهم كالمحقق في المعتبر
والعلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى ، ولا فرق في ذلك بين القن
__________________
والمدبر والمكاتب الذي لم يؤد شيئا لصدق المملوك على جميع هذه الأفراد.
وإنما الخلاف
والإشكال في المبعض إذا هاياه مولاه واتفقت الجمعة في نوبته فالمشهور سقوط الوجوب
عنه وذهب الشيخ في المبسوط الى وجوبها عليه.
وهذا الخلاف
راجع الى ما تقدم في الخنثى فإن الأخبار هنا إنما دلت على استثناء العبد والمملوك
ممن تجب عليه الجمعة وهذا العنوان لا يصدق على المبعض وحينئذ فلا تسقط عنه الجمعة
لدخوله تحت عموم الخطاب وعدم المسقط في هذا الباب ، واشتراط الحرية غير معلوم من
الأخبار ليقال بعدم حصول الشرط المذكور فيه فيسقط عنه ، وبه يظهر قوة مذهب الشيخ
في المبسوط ولذلك استحسنه في المدارك وكذا في الذخيرة ، وهو كذلك لما عرفت.
وهل تجب الجمعة
على المملوك لو أمره مولاه؟ فيه إشكال ينشأ من إطلاق الأخبار بالسقوط ، ومن ان
الظاهر ان الوجه في السقوط انما هو رعاية لحق مولاه فمتى أمره زال المانع.
وخامسها ـ
الحضر فلا تجب الجمعة على المسافر اتفاقا ، نقله الفاضلان والشهيد والمشهور ان
المراد به السفر الشرعي الموجب للقصر وعلى هذا فتجب الجمعة على ناوي الإقامة عشرا
والمقيم في بلد ثلاثين يوما ، ونقل في المنتهى الإجماع عليه. وكذا تجب على كثير
السفر والعاصي به كما صرح به الشهيد في الذكرى وغيره في غيره وقال في المنتهى : لم
أقف على قول لعلمائنا باشتراط الطاعة في السفر لسقوط الجمعة ثم قرب الاشتراط ، قال
بعض مشايخنا : والمسألة لا تخلو من الإشكال وان كان ما قربه قريبا.
ومن حصل في أحد
مواضع التخيير فالظاهر عدم وجوب الجمعة عليه كما استظهره جملة من مشايخنا لعموم
أدلة المسافر وشمولها له وان جاز له الإتمام بدليل من خارج ، ونقل عن العلامة في
التذكرة القول بالوجوب ، وقيل بالتخيير بين الفعل وتركه وهو اختيار الشهيد في
الدروس.
وسادسها
وسابعها ـ السلامة من العمى والمرض ونقل الفاضلان وغيرهما عليه اتفاق الأصحاب
مضافا الى ما دل على ذلك من الاخبار المتقدمة ، ولا ينافيه سقوط الأعمى من اخبار
الخمسة لإمكان دخوله في المريض المذكور فيها ، على ان غاية ما تدل عليه هو الإطلاق
بالنسبة إلى الوجوب عليه وعدمه وهو مقيد بالأخبار الأخر من قبيل حمل المطلق على
المقيد.
وإطلاق النص
وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في العمى والمريض بين ما يشق معهما الحضور وعدمه ،
وبهذا التعميم صرح العلامة في التذكرة على ما نقل عنه ، واعتبر شيخنا الشهيد
الثاني فيهما تعذر الحضور أو المشقة التي لا يتحمل مثلها عادة أو خوف زيادة المرض.
وهو تقييد للنص بغير دليل.
واعلم ان الشيخ
قد عد في جملة من كتبه العرج ايضا وجعله من جملة الأعذار المانعة من السعي إلى
الجمعة وكذا العلامة في بعض كتبه حتى انه قال في المنتهى انه مذهب علمائنا أجمع
لأنه معذور بالعرج لحصول المشقة في حقه ولانه مريض فسقطت عنه. ولا يخفى ما في
التعليلين المذكورين من الوهن. وقيده في التذكرة بالعرج البالغ حد الإقعاد ونقل
إجماع الأصحاب عليه.
ولم يذكره
المفيد ولا المرتضى في جملة الأعذار إلا ان المرتضى في المصباح ـ على ما نقله عنه
في المعتبر والذكرى ـ قال : وقد روى ان العرج عذر.
قال في المعتبر
: فان كان يريد به المقعد فهو أعذر من المريض والكبير لانه ممنوع من السعى فلا
يتناوله الأمر بالسعي وان لم يرد ذلك فهو في حيز المنع.
أقول : هذا
الكلام من المحقق لا يخلو من غرابة فان المرتضى (قدسسره) انما نسب ذلك الى الرواية فتفصيله هذا وجعله ما عدا
المقعد في حيز المنع ان قصد به الرد على المرتضى فهو ليس في محله لان المرتضى لم
يذكر ذلك فتوى منه ، وان قصد الرد على الرواية فهو يرجع الى الرد على الامام وهو
كما ترى. نعم لو طعن في الخبر بالإرسال وعدم ثبوته لكان في محله.
ويعضد ما ذكره
المرتضى (قدسسره) من الرواية ما تقدم نقله من كتاب العروس من الرواية
المرسلة أيضا .
والظاهر ـ كما
اختاره في التذكرة والذكرى ـ هو وجوب الحضور عليه مع الإمكان لعموم أدلة الوجوب
وعدم وجود ما يصلح للتخصيص سوى هاتين المرسلتين والظاهر انهما لا يبلغان قوة في
تخصيص الأدلة الدالة على شمول الوجوب لهذا الفرد سيما مع كونه الأوفق بالاحتياط.
وثامنها ـ الكبر
والشيخوخة والظاهر ان المراد من يشق عليه الحضور من جهة كبر السن وبلوغه حد
الشيخوخة ، قال في المنتهى : ولا تجب على الشيخ الكبير وهو مذهب علمائنا. وقيده في
القواعد بالبالغ حد العجز أو المشقة الشديدة ، ونحوه في الروض ايضا. وبعض الأصحاب
عبر هنا بالهم كما في الشرائع وهو بكسر الهاء الشيخ الفاني ، وبعضهم عبر بالكبير
المزمن كما في الإرشاد ، قال في الروض بحيث يعجز عن السعي إليها أو تحصل له مشقة لا
تتحمل عادة. والكل تقييد للنص من غير دليل فان النصوص مطلقة مترتبة على صدق الكبر
كما في صحيحة زرارة أو بإضافة الشيخوخة كما في رواية الخطبة.
وتاسعها ـ
المطر قال في التذكرة انه لا خلاف فيه بين جملة العلماء. ويدل عليه صحيحة عبد
الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس ان تترك الجمعة في المطر».
والحق العلامة
ومن تأخر عنه بالمطر الوحل والحر والبرد الشديدين إذا خاف الضرر معها ، ولا بأس به
تفصيا من لزوم الحرج المنفي بالآية والرواية واما ما لم يخف معه الضرر فيشكل الحاقه بالمطر لعدم
صدقه عليهما.
__________________
والحق به في
الروض احتراق الخبز وفساد الطعام وغيره ، قال في المدارك وينبغي تقييده بالمضر
فوته. وعندي فيه نظر وبالجملة فالظاهر عدم الترك إلا بما ورد به النص من تلك
الأعذار إلا مع خوف الضرر الشديد ولا سيما للإمام.
وقال في
المعتبر : قال علم الهدى وروى ان من يخاف على نفسه ظلما أو ماله فهو معذور وكذا من
كان متشاغلا بجهاز ميت أو تعليل والد ومن يجرى مجراه من ذوي الحرمات الأكيدة يسعه
التأخر.
وعاشرها ـ عدم
البعد بأكثر من فرسخين ، وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تحديد البعد
المقتضى لسقوط السعي إلى الجمعة ، فالمشهور ان حده ان يكون أزيد من فرسخين واليه
ذهب الشيخان والسيد المرتضى وأبو الصلاح وسلار وابن إدريس والفاضلان. وقال الشيخ
أبو جعفر ابن بابويه في المقنع : وضعها الله تعالى عن تسعة. الى ان قال ومن كان
على رأس فرسخين. ورواه في من لا يحضره الفقيه وذكره في كتاب الأمالي في وصف دين الإمامية ، وهو قول
ابن حمزة ، وهو ظاهر في السقوط عن من كان على رأس فرسخين فلا تجب إلا على من نقص
عن الفرسخين ، والأول صريح في الوجوب على من كان على رأس فرسخين وانما تسقط
بالزيادة عنهما فتدافع القولين ظاهر.
وقال ابن ابى
عقيل : ومن كان خارجا من مصر أو قرية إذا غدا من أهله بعد ما يصلى الغداة فيدرك
الجمعة مع الإمام فإتيان الجمعة عليه فرض وان لم يدركها إذا غدا إليها بعد صلاة
الغداة فلا جمعة عليه.
وقال ابن
الجنيد : ووجوب السعي إليها على من سمع النداء بها أو كان يصل الى منزله إذا راح
منها قبل خروج نهار يومه. وهو يناسب قول ابن ابى عقيل.
ويدل على الأول
ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن محمد بن
__________________
مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «تجب الجمعة على من كان منها على رأس فرسخين».
وما رواه
الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم ايضا قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الجمعة فقال تجب على كل من كان منها على رأس فرسخين
فان زاد على ذلك فليس عليه شيء». وروى هذه الرواية في المعتبر والذكرى عن محمد بن مسلم وحريز عن الصادق (عليهالسلام).
وروى في كتاب
دعائم الإسلام عن ابى جعفر محمد بن على (عليهماالسلام) انه قال : «تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين إذا
كان الامام عدلا».
ويدل على
الثاني ما تقدم في صحيحة زرارة ورواية خطبة أمير المؤمنين (عليهالسلام) حيث جعل فيها من كان على رأس فرسخين من الأعذار الموجبة
لسقوطها. ويدل على القولين الأخيرين صحيحة زرارة قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) الجمعة واجبة على من إذا صلى الغداة في أهله أدرك
الجمعة ، وكان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) انما يصلى العصر في وقت الظهر في سائر الأيام كي إذا
قضوا الصلاة مع رسول الله (صلىاللهعليهوآله) رجعوا الى رحالهم قبل الليل وذلك سنة الى يوم القيامة».
وأجاب عن هذه
الرواية في الذكرى بالحمل على الفرسخين جمعا. وأجاب الشيخ عنها بالحمل على
الاستحباب. واليه مال في المدارك وتبعه جملة ممن تأخر عنه
بقي الكلام في
التعارض بين اخبار القولين المتقدمين ، وجملة من الأصحاب قد ذكروا للجمع بينها
وجهين (أحدهما) ان يكون المراد بمن كان على رأس فرسخين في اخبار السقوط يعني أزيد
من فرسخين فأطلق رأس فرسخين على ما فيه زيادة يسيرة ، قيل : ويؤيده ان الغالب حصول
العلم بكون المسافة فرسخين عند العلم بكونها أزيد من غير انفكاك بينهما فان العلم
بمقدار الفرسخين من غير زيادة نادر جدا. و (ثانيهما) حمل الوجوب في ما دل على
الوجوب في الفرسخين على الاستحباب
__________________
المؤكد. قيل ويرجع الأول كثرة الأخبار والشهرة وعموم الآية.
أقول : لا يخفى
ان هذا الخلاف قليل الجدوى فان محل الخلاف هو الحصول على رأس فرسخين بلا زيادة ولا
نقصان ولا ريب انه نادر جدا. والاحتياط ظاهر.
وتمام تحقيق
الكلام في هذا المطلب يتوقف على بسطه في مقامين :
المقام الأول ـ
قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان من لا تلزمه الجمعة من المكلفين
الذكور إذا حضر موضع الجمعة جاز له فعلها تبعا وأجزأته عن الظهر ، واحترزوا
بالمكلفين عن الصبي والمجنون فإنها لا تجب عليهما ولا تنعقد بهما لعدم التكليف في
حقهما ، وبالذكر عن المرأة فلا تجب عليها ايضا وان حضرت وانما الكلام هنا في ما
عدا ذلك.
وظاهر كلامهم
الإجماع على الحكم المذكور ، قال في المنتهى : لا خلاف في ان العبد والمسافر إذا
صليا الجمعة اجزأتهما عن الظهر. وحكى نحو ذلك في البعيد ، وقال في المريض : لو حضر
وجبت عليه وانعقدت به وهو قول أكثر أهل العلم. وقال في الأعرج : لو حضر وجبت عليه
وانعقدت به بلا خلاف. وعنه أيضا في التذكرة انه قال لو حضر المريض والمحبوس بعذر
المطر والخوف وجبت عليهم وانعقدت بهم إجماعا. وقال في النهاية من لا تلزمه الجمعة
إذا حضرها وصلاها انعقدت جمعة وأجزأته. وعلله بتعليل ضعيف.
ويدل على الحكم
المذكور ما رواه الشيخ عن حفص بن غياث قال : «سمعت بعض مواليهم يسأل ابن ابى ليلى عن الجمعة
هل تجب على المرأة والعبد والمسافر؟ فقال ابن ابى ليلى لا تجب الجمعة على واحد
منهم ولا الخائف. فقال الرجل فما تقول ان حضر واحد منهم الجمعة مع الامام فصلاها
معه هل تجزئه تلك الصلاة عن ظهر يومه؟ فقال نعم. فقال له الرجل وكيف يجزئ ما لم
يفرضه الله عليه عما فرضه الله عليه وقد قلت ان الجمعة لا تجب عليه ومن لم تجب
الجمعة عليه فالفرض عليه
__________________
أن يصلى أربعا ، ويلزمك فيه معنى ان الله فرض عليه أربعا فكيف أجزأ عنه
ركعتان؟ مع ما يلزمك أن من دخل في ما لم يفرضه الله عليه لم يجزئ عنه مما فرض الله
عليه؟ فما كان عند ابن ابى ليلى فيها جواب وطلب اليه أن يفسرها له فأبى ثم سألته
انا عن ذلك ففسرها لي فقال : الجواب عن ذلك ان الله عزوجل فرض على جميع المؤمنين والمؤمنات ورخص للمرأة والمسافر
والعبد ان لا يأتوها فلما حضروها سقطت الرخصة ولزمهم الفرض الأول فمن أجل ذلك أجزأ
عنهم. فقلت عن من هذا؟ فقال عن مولانا ابى عبد الله (عليهالسلام)». وهذه الرواية كما ترى صريحة في دخول المرأة في الحكم
المذكور خلافا لما هو المتكرر في كلامهم والمشهور كما سيأتي تحقيقه.
ونحوها أيضا صحيحة
أبي همام عن ابى الحسن (عليهالسلام) انه قال : «إذا صلت المرأة في المسجد مع الامام يوم
الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها وان صلت في المسجد أربعا نقصت صلاتها ، لتصل في
بيتها أربعا أفضل».
والتقريب فيها
ان نقص الصلاة بالصاد المهملة يقتضي إجزاءها في الجملة وكذا قوله «لتصل في بيتها
أفضل» نعم لو كانت بالضاد المعجمة انتفت دلالتها على الإجزاء بل دلت على نقيضه.
وربما أشكل ذلك
نظرا الى ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من سقوط الجمعة عن هؤلاء المعدودين وبها
خصت الآية وعموم الأخبار الدالة على وجوب الجمعة عليهم لو لا هذه الأخبار ، فالقول
بعود الوجوب عليهم بعد الحضور يحتاج الى دليل قاطع ، والرواية الأولى من هاتين
الروايتين ضعيفة السند بالراوي والمنقول عنه فلا تقوم حجة في تخصيص الأخبار
المذكورة الدالة على السقوط ، والثانية وان كانت صحيحة إلا انها أخص من المدعى ،
ومن ثم استشكل في المدارك ومثله الفاضل الخراساني في المسألة. نعم لو ثبت الإجماع
المدعى في المقام تم البحث إلا
__________________
انك قد عرفت ما في دعوى هذه الإجماعات من المجازفات.
لكن قد ورد ما
يعضد هذين الخبرين بالنسبة إلى المسافر ايضا كما رواه الصدوق في كتاب الأمالي في
المجلس الثالث بسنده عن الباقر (عليهالسلام) قال : «أيما مسافر صلى الجمعة رغبة فيها وحبا لها أعطاه
الله أجر مائة جمعة للمقيم». ورواه في كتاب ثواب الأعمال في الموثق عن سماعة عن
الصادق عن أبيه (عليهماالسلام) مثله وفيه تأييد ظاهر للقول بالوجوب وان كان أخص من المدعى
ايضا.
والاحتياط
يقتضي اما عدم حضور هؤلاء موضع الجمعة أو الجمع بين الفرضين احتياطا ان حضروا.
المقام الثاني
ـ الظاهر انه لا خلاف بينهم في انعقاد الجمعة بما عدا المرأة والعبد والمسافر اما
هؤلاء أو واحد منهم لو كان من جملة العدد الذي هو شرط الوجوب وهو السبعة أو الخمسة
فهل تنعقد الجمعة به ويحصل شرط الوجوب أم لا؟ أما المرأة فالظاهر انه لا خلاف في
عدم انعقاد الجمعة بها وانما الخلاف في الوجوب عليها لو حضرت وعدمه.
والذي يدل على
الحكم الأول مضافا الى الإجماع المذكور الأخبار ، ففي صحيحة زرارة أو حسنته «لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط». والرهط ـ على ما
في الصحاح ـ ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة
وفي صحيحة
منصور «يجمع القوم
يوم الجمعة إذا كانوا خمسة لا أقل». والقوم ـ على ما ذكره في الصحاح ـ الرجال دون
النساء.
وقوله (عليهالسلام) في ثالثة «جمعوا إذا كانوا خمسة نفر». قال في الصحاح :
__________________
النفر بالتحريك عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة.
وهذه الأخبار
كما ترى بالنظر الى ما نقلناه من كلام أهل اللغة متطابقة الدلالة على ان العدد
المشترط في الجمعة لا بد أن يكونوا من الرجال.
وأما الكلام
بالنسبة إلى الحكم الثاني فظاهر الشيخين في المقنعة والنهاية هو الوجوب على المرأة
لو حضرت ، قال في المقنعة : وهؤلاء الذين وضع الله عنهم الجمعة متى حضروها لزمهم
الدخول فيها وان يصلوها كغيرهم ويلزمهم استماع الخطبة وصلاة ركعتين ، ومتى لم
يحضروها لم تجب عليهم وكان عليهم الصلاة أربع ركعات كفرضهم في سائر الأيام.
ومقتضاه كما ترى وجوبها على الجميع مع الحضور من غير استثناء. واستدل عليه الشيخ
في التهذيب برواية حفص المتقدمة ، ونحوه في النهاية. وبه صرح ابن إدريس فقال
بوجوبها على المرأة عند الحضور غير انها لا تحسب من العدد ، وتدل عليه رواية حفص
المتقدمة.
وقال في
المبسوط : أقسام الناس في الجمعة خمسة : من تجب عليه وتنعقد به وهو الذكر الحر
البالغ العاقل الصحيح السليم من العمى والعرج والشيخوخة التي لا حراك معها الحاضر
ومن بحكمه ، ومن لا تجب عليه ولا تنعقد به وهو الصبي والمجنون والعبد والمسافر
والمرأة لكن يجوز لهم فعلها إلا المجنون ، ومن تنعقد به ولا تجب عليه وهو المريض
والأعمى والأعرج ومن كان على رأس أكثر من فرسخين ، ومن تجب عليه ولا تنعقد به وهو
الكافر لانه مخاطب بالفروع عندنا. والظاهر ـ كما ذكره بعض الأصحاب ـ ان مراده بنفي
الوجوب في موضع جواز الفعل نفى الوجوب العيني لأن الجمعة لا تقع مندوبة إجماعا.
وقطع المحقق في
المعتبر بعدم الوجوب على المرأة حيث قال : ان وجوب الجمعة عليها مخالف لما عليه
اتفاق فقهاء الأمصار. وطعن في رواية حفص المتقدمة بضعف حفص وجهالة المروي عنه.
وظاهره عدم جواز الفعل ايضا.
قال في المدارك
: وهو متجه لولا رواية أبي همام المتقدمة. ثم قال (قدسسره)
والحق ان الوجوب العيني منتف قطعا بالنسبة الى كل من سقط عنه الحضور واما
الوجوب التخييري فهو تابع لجواز الفعل فمتى ثبت الجواز ثبت الوجوب ومتى انتفى
انتفى. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان ظاهر كلمة الأصحاب وكذا ظاهر رواية حفص المتقدمة انما هو الوجوب العيني بعد
الحضور لان ظاهر الجميع هو ان الساقط عن هؤلاء انما هو السعى فمتى تكلفوه وحضروا
صار الوجوب عينيا وتعين عليهم الصلاة جمعة ، وهذا الوجوب التخييري الذي اختاره لا
اعرف له وجها ، نعم يبقى الكلام في الافراد المختلف فيها وهو أمر آخر.
ومما ذكرنا ظهر
أن حكم المرأة عدم انعقاد الجمعة بها وان وجبت عليها بالحضور كما ذكره الشيخان
وابن إدريس.
ويعضد ذلك ما
رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه الكاظم (عليهالسلام) قال : «سألته عن النساء هل عليهن من صلاة العيدين وصلاة
الجمعة ما على الرجال؟ قال نعم». والظاهر حمله على الحضور في موضع الجمعة جمعا
بينه وبين الأخبار الدالة على السقوط عنها.
وأنت خبير بان
هذه الرواية مع ضمها إلى روايتي حفص وابى همام المتقدمتين لا تقصر عن تخصيص تلك
الأخبار الدالة على السقوط ، وتؤيدها رواية المجالس المتقدمة وان كانت بخصوص
المسافر.
واما العبد
والمسافر لو حضرا فقال الشيخ في الخلاف والمحقق في المعتبر وابن إدريس انها تنعقد
بهما لأن ما دل على اعتبار العدد مطلق فيتناولهما كما يتناول غيرهما. وهو جيد إلا
انه لا يتم في ما إذا كان العدد منحصرا في المسافرين وان زعمه شيخنا الشهيد لما
سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى في المقام.
وذهب جمع من
الأصحاب : منهم ـ الشيخ في المبسوط كما تقدم في عبارته وابن
__________________
حمزة والعلامة في بعض كتبه إلى انها لا تنعقد بهما ، لأنهما ليسا من أهل
فرض الجمعة كالصبي ، ولأن الجمعة انما تصح من المسافر تبعا لغيره فكيف يكون متبوعا؟
ولانه لو جاز ذلك لجاز انعقادها بالمسافرين وان لم يكن معهم حاضر.
وأجيب بأن
الفرق بينهما وبين الصبي عدم التكليف في الصبي دون المسافر والعبد ، وبمنع التبعية
للحاضر ، والالتزام بانعقادها بجماعة المسافرين.
وفيه نظر كما
أشرنا إليه. نعم يمكن منع الملازمة بجواز ذلك مع المنع من انعقادها بجماعة
المسافرين وهذا هو المفهوم من الاخبار. واما ما ذكره في الذكرى ـ من ان الظاهر ان
الاتفاق واقع على صحتها بجماعة المسافرين واجزائها عن الظهر ـ فان ظاهر الأخبار
منعه لاستفاضتها بان المسافر فرضه في السفر انما هو الظهر دون الجمعة :
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال لنا صلوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير
خطبة».
وعنه في الصحيح
ايضا قال : «سألته عن صلاة الجمعة في السفر قال تصنعون كما تصنعون في الظهر ولا
يجهر الامام فيها بالقراءة وانما يجهر إذا كانت خطبة».
وعن جميل في
الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الجماعة يوم الجمعة في السفر قال تصنعون كما تصنعون
في غير يوم الجمعة في الظهر ولا يجهر الإمام إنما يجهر إذا كانت خطبة».
وما رواه
الصدوق في الصحيح عن ربعي بن عبد الله وفضيل عن ابى عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «ليس في السفر جمعة ولا فطر ولا اضحى». ورواه
البرقي في المحاسن بسنده عن العلاء بن الفضيل عن ابى عبد الله (عليهالسلام) ورواه بسند آخر عن ربعي
__________________
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) .
الى غير ذلك من
الأخبار الصريحة في أن فرض المسافر انما هو الظهر ، وحينئذ فما ادعاه من انعقادها
بالمسافرين مردود بهذه الأخبار. نعم لما دل خبر حفص على انه مع حضور المسافر لموضع
الجمعة المنعقدة بالحاضرين تجب عليه صلاة الجمعة وكذا خبر كتاب المجالس وجب القول
بالصحة في الموضع المذكور سواء كان الحاضر إماما أو مأموما فإنه تجب عليه الصلاة
كذلك وتنعقد به على القول بذلك كما هو الأظهر.
ومما ذكرنا ظهر
الوجوب على المرأة والعبد والمسافر لو حضروا وهو مورد رواية حفص المتقدمة ، فيكون
الاجزاء في غيرهم بطريق أولى لأنه متى ثبت ذلك في محل الخلاف ففي ما لم يحصل فيه
خلاف سيما مع ادعاء العلامة في ما قدمنا نقله عنه الإجماع على الصحة والاجزاء عن
الظهر بطريق أولى. وقد اشتمل النص المذكور على تعليل حكمة الوجوب بما يوجب اطراده
في الباقين.
ثم انه مما يدل
على بطلان ما نقله في الذكرى من الاتفاق على الانعقاد بجماعة المسافرين ما صرح به
الشيخ في المبسوط حيث قال : والمسافر يجوز ان يصلى الجمعة بالمقيمين وان لم يكن
واجبا عليه إلا انه لا يصح منه ذلك إلا إذا اتى بالخطبتين ويكون العدد قد تم
بغيره. حيث انه اشترط في صحة صلاته مع كونه مسافرا ان يتم العدد بغيره من
الحاضرين. وبالجملة فإن كلام شيخنا المذكور المشار اليه هنا لا يخلو من غفلة. والله
العالم.
(المطلب الرابع)
في اللواحق والكلام فيه ينتظم في مسائل (الأولى) الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في تحريم السفر يوم الجمعة بعد الزوال وقبل الصلاة ، ونقل الإجماع على
ذلك جماعة : منهم ـ العلامة في المنتهى والتذكرة واليه ذهب أكثر العامة .
__________________
واستدل عليه في
التذكرة بقوله (صلىاللهعليهوآله) «من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة لا يصحب في سفره ولا
يعان على حاجته». قال : والوعيد لا يترتب على المباح.
أقول : لا يخفى
على من راجع الأخبار ما وقع لهم (عليهمالسلام) من التأكيد في المكروهات بما يكاد يلحقها بالمحرمات
وفي المستحبات بما يكاد يدخلها في حيز الواجبات ، هذا مع تسليم ثبوت الخبر
المذكور.
ثم انهم
استدلوا على ذلك أيضا بأن ذمته مشغولة بالفرض والسفر مستلزم للإخلال به فلا يكون
سائغا.
وفيه ان صحة
هذا الدليل مبنية على ان الأمر بالشيء يستلزم النهى عن ضده الخاص وهو مما لم يقم
عليه دليل بل الأدلة على خلافه واضحة السبيل كما أوضحناه في بعض المباحث المتقدمة.
وأورد عليه
ايضا انه على هذا التقدير يلزم من تحريم السفر عدم تحريمه وكل ما أدى وجوده الى
عدمه فهو باطل ، أما الملازمة فلانه لا مقتضى لتحريم السفر إلا استلزامه لفوات
الجمعة كما هو المفروض ، ومتى حرم السفر لم تسقط الجمعة كما تقدم فلا يحرم السفر
لانتفاء المقتضى ، واما بطلان اللازم فظاهر. كذا ذكره في المدارك.
وفيه ان هذا
الإيراد مختص بصورة إمكان الجمعة في الطريق كما ذكره جده في كتاب الروض لا تحريم
السفر مطلقا كما ذكره حيث قال في الروض : ولا فرق في التحريم بين أن يكون بين يديه
جمعة اخرى يمكن إدراكها في الوقت وعدمه لإطلاق النهي مع احتمال عدم التحريم في
الأول لحصول الغرض. ويضعف بان السفر ان ساغ أوجب القصر فتسقط الجمعة حينئذ فيؤدي
إلى سقوطها فيحرم فلا تسقط عنه فيؤدى التحريم الى عدمه وهو دور. انتهى.
__________________
وبالجملة فإن
كلام السيد (قدسسره) وإيراده ما ذكره على تحريم السفر مطلقا خلاف ما صرح به
غيره كما سمعت من كلام جده ، فإنهم إنما أوردوا ذلك على من جوز السفر إذا كان بين
يدي المسافر جمعة يدركها قبل فوات الوقت كما هو ظاهر سوق الكلام المذكور.
هذا وقد أجاب
الفاضل الخراساني في الذخيرة عن الإيراد المذكور بانا لا نسلم ان علة حرمة السفر استلزام
السفر للفوات ولا ان علتها حصول الفوات في الواقع أو على تقدير السفر بل علة حرمة
السفر استلزام جوازه لجواز تفويت الواجب وجواز تفويت الواجب منتف فيكون ملزومه وهو
جواز السفر منتفيا فحرمة السفر ليست مستلزمة لانتفاء العلة المقتضية لحرمته.
انتهى.
وكلامه هذا
متجه على تقدير ما اختاره في مسألة استلزام الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاص من
القول بذلك ، اما على ما اخترناه وهو اختيار جملة من المحققين : منهم ـ شيخنا
الشهيد الثاني وسبطه صاحب المدارك وغيرهما فلا وجه له
وبالجملة فإن
المسألة خالية من النص الصريح في ذلك والركون الى التعليلات العقلية قد عرفت ما
فيه في غير موضع مما تقدم.
نعم يمكن
الاستدلال على ذلك بفحوى قوله تعالى «وَذَرُوا الْبَيْعَ»
والتقريب ان الظاهر ان النهى عن البيع انما وقع لمنافاته السعي إلى الجمعة
كما يشعر به التعليل المستفاد من قوله سبحانه «ذلِكُمْ خَيْرٌ
لَكُمْ» فيكون السفر المنافي كذلك ايضا.
ويعضد ذلك ما
رواه الصدوق في الصحيح عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت
في البلد فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد». وإذا حرم السفر الموجب لتفويت صلاة العيد
__________________
حرم السفر الموجب لتفويت صلاة الجمعة بطريق اولى.
ويؤكده أيضا قول
أمير المؤمنين (عليهالسلام) في كتابه للحارث الهمداني على ما نقله الرضى (قدسسره) في كتاب نهج البلاغة «لا تسافر في يوم الجمعة حتى تشهد الصلاة إلا ناضلا في سبيل الله أو في أمر
تعذر به». وأصل المناضلة المراماة يقال ناضله إذا راماه والمراد هنا الجهاد والحرب في سبيل الله.
وما رواه
الكفعمي في كتاب المصباح عن الرضا (عليهالسلام) قال : «ما يؤمن من سافر يوم الجمعة قبل الصلاة ان لا
يحفظه الله تعالى في سفره ولا يخلفه في أهله ولا يرزقه من فضله».
وما رواه في
الفقيه والخصال عن السري عن ابى الحسن على بن محمد (عليهماالسلام) قال : «يكره السفر والسعى في الحوائج يوم الجمعة بكرة
من أجل الصلاة فاما بعد الصلاة فجائز يتبرك به». بحمل الكراهة فيها على التحريم
كما هو شائع في الأخبار بقرينة خبري المصباح ونهج البلاغة ، والإطلاق في يوم
الجمعة محمول على ما بعد الزوال مع احتمال العموم ايضا وان كان المشهور الكراهة
بالمعنى الاصطلاحي الأصولي في اليوم.
ومما يزيد ذلك
تأكيدا ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني في رسالة إكمال الجمعة كما نقله عنه في كتاب
البحار قال : وعن النبي (صلىاللهعليهوآله) «من سافر يوم الجمعة دعا
__________________
عليه ملكاه ان لا يصاحب في سفره ولا تقضى له حاجة». قال : وجاء رجل الى
سعيد بن المسيب يوم الجمعة يودعه فقال لا تعجل حتى تصلى فقال اذن تفوتني أصحابي ثم
عجل فكان سعيد يسأل عنه حتى قدم قوم فأخبروه أن رجله انكسرت فقال سعيد انى كنت
لأظن أن يصيبه ذلك. وروى ان صيادا كان يخرج في يوم الجمعة لا يمنعه مكان الجمعة من
الخروج فخسف به وببغلته فخرج الناس وقد ذهبت بغلته في الأرض فلم يبق منها إلا
أذناها وذنبها. وروى ان قوما خرجوا في سفر حين حضرت الجمعة فاضطرم عليهم خباؤهم
نارا من غير نار يرونها. انتهى ما ذكره في الرسالة المذكورة.
وبالجملة
فإجماع الأصحاب قديما وحديثا على الحكم المذكور ـ حيث لم ينقل فيه مخالف مع تأيده
بما ذكرناه من هذه الأخبار واعتضاده بالاحتياط في الدين ـ دليل قوى متين كما لا
يخفى على الحاذق المكين ، فلا ضرورة الى ما ذكروه من تلك التعليلات العليلة مع ما
عرفت فيها من المناقضات والمعارضات. والله العالم.
بقي في المقام
فوائد يجب التنبيه عليها (الاولى) قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : ومتى سافر
بعد الوجوب كان عاصيا فلا يترخص حتى تفوت الجمعة فيبتدئ السفر من موضع تحقق الفوات
، قاله الأصحاب وهو يقتضي عدم ترخص المسافر الذي يفوت بسفره الاشتغال بالواجب من
تعلم ونحوه أو يحصل في حال الإقامة أكثر من حالة السفر لاستلزامه ترك الواجب
المضيق فهو اولى من الجمعة خصوصا مع سعة وقتها ورجاء حصول جمعة أخرى أو لا معه
واستلزامه الحرج ، وكون أكثر المكلفين لا ينفكون عن وجوب التعلم فيلزم عدم تقصيرهم
وفوات أغراضهم التي يتم بها نظام النوع غير ضائر والاستبعاد غير مسموع ، ولان
الكلام في السفر الاختياري الذي لا يتعارض فيه وجوبان. انتهى.
واعترضه المحقق
الأردبيلي على ما نقل عنه تلميذه السيد السند في المدارك قال : واعترضه شيخنا
المحقق بان هذا كله مبنى على ان الأمر بالشيء يستلزم النهى عن
ضده الخاص وهو لا يقول به بل يقول ببطلانه. ثم أجاب عن هذا الاقتضاء مع
تسليم تلك المقدمة بمنع منافاة السفر غالبا للتعلم إذ التعلم في السفر متيسر غالبا
بل ربما كان أيسر من الحضر ، وبأنه ليس في الكتاب والسنة ما يدل على وجوب التعلم
على الوجه الذي اعتبره المتأخرون بل المستفاد منهما خلاف ذلك كما يرشد اليه تيمم
عمار وطهارة أهل قبا ونحو ذلك ، ثم أطال الكلام في ذلك وقوى عدم الوجوب
والاكتفاء في الاعتقادات الكلامية بإصابة الحق كيف اتفق وان لم يكن عن دليل. ثم
قال في المدارك بعد نقله : وهو قوى متين.
وقال الفاضل
الخراساني في الذخيرة بعد نقل ذلك عنهما ، وهو عند التأمل لا يوافق القواعد
الصحيحة العدلية على ما أظن.
أقول : اما ما
اعترض به المحقق المذكور ـ من ان كلام شيخنا المتقدم ذكره مبنى على تلك القاعدة
وهو لا يقول بها ـ فيمكن الجواب عنه بان هذا الكلام منه إنما
__________________
وقع إلزاما للأصحاب القائلين بذلك مع قولهم بهذه القاعدة فلا يرد عليه ما
أورده. واما قوله في جواب منع السفر عن التعلم ـ بان التعلم في السفر متيسر غالبا
بل ربما كان أيسر ـ ففيه انه ان أراد تيسره في السفر بل ربما كان أيسر حال
الاشتغال بالسفر والسير والسري في الطريق فهو ممنوع كما هو ظاهر ، وان أراد بعد
الوصول والاستقرار في البلدة التي قصدها فهو كما ذكره إلا ان مراد شيخنا المذكور
انما هو الأول فلا يرد عليه ايضا ما أورده. واما قوله ـ انه ليس في الكتاب والسنة.
إلى آخر ما ذكره مما يدل على الاكتفاء بإصابة الحق كيف اتفق ـ فهو جيد. وقول
الفاضل الخراساني من انه عند التأمل لا يوافق القواعد الصحيحة العدلية مردود بما
حققناه في مقدمة الأوقات من هذا الكتاب في مسألة ما لو صلى جاهلا بالوقت فانا
نقلنا كلامه في المسألة المذكورة وما أورده على المحقق المذكور مما يوضح ما ذكره
هنا من هذا الإجمال وبينا ما فيه من الضعف والاختلال.
وبالجملة فإن
ثبوت العصيان بالسفر المذكور الموجب لعدم الترخص انما يتم بناء على ثبوت القاعدة
المذكورة والحق عندي عدم ثبوتها كما تقدم تحقيقه في بعض مباحث هذا الكتاب. والله
العالم.
(الثانية) لو
كان بين يدي المسافر جمعة اخرى يعلم إدراكها في محل الترخص فهل يكون السفر سائغا
أم لا؟ قد تقدم في كلام شيخنا الشهيد في الروض ما يدل على العدم لقوله : لا فرق في
التحريم بين ان يكون بين يديه جمعة اخرى يمكن إدراكها في الوقت وعدمه. ونحوه كلامه
في المسالك ايضا ، واختاره سبطه السيد السند في المدارك. ونقل عن المحقق الشيخ على
في شرح القواعد القول بالجواز ، قال لحصول الغرض وهو فعل الجمعة بناء على ان السفر
الطارئ على الوجوب لا يسقطه كما يجب الإتمام في الظهر على من خرج بعد الزوال. قال
في المدارك : ويضعف بإطلاق الأخبار المتضمنة لسقوط الجمعة عن المسافر وبطلان
القياس مع ان الحق تعين القصر في صورة الخروج بعد الزوال كما سيجيء بيانه ان شاء
الله تعالى. انتهى
أقول : قد عرفت
ان شيخنا الشهيد في الروض ومثله في المسالك أيضا إنما استند في تحريم السفر في هذه
الصورة الى ما ذكره من لزوم توقف وجود الشيء على عدمه وان عبر عنه بالدور تجوزا ،
فان السفر ان ساغ أوجب القصر فتسقط الجمعة حينئذ لعدم وجوبها على المسافر ، وحاصل
كلام المحقق الشيخ على يرجع الى منع هذه المقدمة أعني قوله «إذا وجب القصر سقطت
الجمعة» بتخصيص السقوط بما إذا لم يكن السفر طارئا على الوجوب اما لو كان السفر
طارئا على الوجوب فلا كما في المثال الذي نظر به.
وأما ما أجاب
به في المدارك ـ من الاستناد إلى إطلاق الأخبار بسقوط الجمعة عن المسافر ـ فيمكن
الجواب عنه بأن الإطلاق انما ينصرف الى الافراد المتكررة المتكثرة الشائعة وهو
السفر قبل حصول الوجوب دون هذا الفرد النادر الوقوع وأما ما طعن به من بطلان
القياس فالظاهر ان المحقق المذكور إنما قصد بذلك التنظير لدفع الاستبعاد. واما
قوله ـ ان الحق تعين القصر في صورة الخروج بعد الزوال ـ ففيه انه وان كان ذلك هو
الذي اختاره لكن الرواية الدالة عليه لا تخلو من العلة كما سيأتي توضيحه ان شاء
الله تعالى في محله مع شهرة القول بما ذكره المحقق المذكور وتأيده بظواهر كثير من
الأخبار كما سيأتي ان شاء الله تعالى بيان ذلك.
والى القول
بالجواز كما ذهب اليه المحقق المذكور ذهب الفاضل الخراساني في الذخيرة أيضا ونقله
عن بعض الأصحاب غير المحقق المذكور آنفا قال لنا ـ ان مقتضى التحريم تفويت الجمعة
وهو غير لازم في صورة التمكن إذ لا مانع من اقامة الجمعة في السفر (فان قلت) فعلى
هذا يلزم أن تكون الجمعة في السفر واجبة عليه مع انه خلاف النصوص (قلت) التخصيص
لازم في النصوص الدالة على عدم وجوب الجمعة على المسافر بان تخص بمسافر لم يتوجه
اليه التكليف قبل السفر ، بيان ذلك ان ههنا حكمين عامين (أحدهما) ان كل حاضر تجب
عليه صلاة الجمعة. و (ثانيهما) ان كل مسافر لا تجب عليه صلاة الجمعة ، والمكلف قبل
إنشاء السفر داخل في موضوع
الحكم الأول ومقتضاه إيجاب الجمعة عليه سواء أوقعه في حال الحضور أو في حال
السفر إذ لا تقييد بشيء منهما فإذا تركها في حال الحضور ثم سافر وجب عليه الإتيان
بها في هذه الحالة ، فالحكم الأول بعمومه اقتضى وجوب الجمعة عليه في حال السفر على
أن يكون القيد قيدا للوجوب ، ومقتضى عموم الحكم الثاني عدم الوجوب عليه في الصورة
المذكورة ، فلا بد من إبقاء أحدهما على العموم والتخصيص في الآخر ، والترجيح
للتعميم الأول للإجماع على وجوب الجمعة على الحاضر مطلقا من غير أن يكون مشروطا
بعدم صدق السفر عليه لاحقا. انتهى.
أقول : ملخص
كلامه قد رجع الى ما ادعاه من الإجماع على التعميم الأول مع أنه معارض بالإجماع
أيضا على التعميم الثاني كما عرفت مما قدمنا نقله عن الفاضلين والشهيد من دعوى
الإجماع على اشتراط الحضر وانها لا تجب على المسافر ، وهو أعم من أن يدخل عليه وقت
الوجوب في الحضر أم لا ، بل قد اعترف هو بذلك في صدر هذا الكلام حيث قال : ولو كان
بين يدي المسافر جمعة اخرى يعلم إدراكها في محل الترخص جاز سفره كما ذهب اليه بعض
الأصحاب واختاره المدقق الشيخ على ، وذهب جماعة إلى عموم التحريم في الصورتين ،
والإجماع المنقول سابقا يعم الجميع. ثم قال : لنا. الى آخر ما قدمنا نقله. وبذلك
يظهر لك ان ما أطال به الكلام تطويل بغير طائل وكلام لا يرجع الى حاصل.
ويبقى ما ذكره
من تعارض العمومين المذكورين كتعارض الإجماعين المنقولين والأظهر في الجواب انما
هو ما قدمنا ذكره من منع شمول إطلاق الأخبار الدالة على سقوط الجمعة عن المسافر
لهذا الفرد.
وكيف كان
فالمسألة لخلوها عن النص الواضح لا تخلو من الإشكال والاحتياط فيها واجب على كل
حال. والله العالم.
(الثالثة) لو
كان بعيدا عن الجمعة بفرسخين فما دون فخرج مسافرا في صوب الجمعة ، فقيل يجب عليه
الحضور عينا وان صار في محل الترخص ، لأنه لولاه
لحرم عليه السفر ، ولأن من هذا شأنه يجب عليه السعى قبل الزوال فيكون سبب
الوجوب سابقا على السفر كما في الإتمام لو خرج بعد الزوال.
واحتمل الشهيد
في الذكرى عدم كون هذا المقدار محسوبا من المسافة لوجوب قطعه على كل تقدير ويجرى
مجرى الملك في أثناء المسافة. ثم قال : ويلزم من هذا خروج قطعة من السفر عن اسمه
بغير موجب مشهور.
قال في المدارك
بعد نقله عنه ذلك : ويضعف بان وجوب قطعه على كل تقدير لا يخرجه عن كونه جزء من
المسافة المقصودة. ثم قال : ولو قيل باختصاص تحريم السفر بما بعد الزوال وان وجوب
السعي إلى الجمعة قبله للبعيد انما يثبت مع عدم إنشاء المكلف سفرا مسقطا للوجوب لم
يكن بعيدا من الصواب. انتهى.
وقال الفاضل
الخراساني في الذخيرة : والظاهر عندي ان إنشاء السفر إذا كان قبل زمان تعلق وجوب
السعى وهو زمان لا يدرك الجمعة ان أخر السعي سقطت الجمعة وإلا وجبت عليه وان صدق
عليه اسم المسافر ، ووجهه يعلم مما حققناه سابقا. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان ظاهر القول الأول هو انه متى سافر قبل الزوال وجب عليه حضور الجمعة لما ذكره من
التعليلين وهو راجع الى المسألة السابقة حتى بالغ في الذكرى في نفى السفر عنه ما
دام في هذه المسافة.
وظاهر ما ذكره
في المدارك اختصاص تحريم السفر بما بعد الزوال كما هو المفروض في أصل المسألة واما
قبله فلا. وأجاب عن التعليلين المذكورين في القول الأول بالمنع في هذه الصورة
وتخصيص ذلك بما إذا لم ينشئ المكلف سفرا مسقطا للوجوب دون ما نحن فيه من إنشاء
السفر المسقط. وفيه ان عموم الأدلة والروايات الواردة في وجوب الحضور على من كان
على رأس فرسخين فما دون شامل لموضع البحث فإنها أعم من ذلك كما اعترف به في
المسألة المتقدمة.
وظاهر كلام
الذخيرة انه ان أنشأ السفر قبل زمان تعلق وجوب السعي
بالذمة وهو الزمان الذي يدرك فيه الجمعة بحيث لو أخر عنه فاتت فإنه يسقط
عنه وجوب حضورها وان وقع في ذلك الزمان وجب عليه الحضور. ووجهه بالنسبة إلى الأول
انه حال إنشاء السفر غير مكلف ولا مخاطب بالجمعة فيكون سفره مشروعا كما لو سافر
قبل الزوال في المسألة المتقدمة. ووجهه بالنسبة الى الثاني ما قدمنا نقله عنه من
انه لا مانع من اقامة الجمعة في السفر لانه قد تعلق به الخطاب فيجب عليه إقامتها
وليس ثمة مانع إلا السفر وهو لا يمنع من ذلك بالتقريب الذي قدمه ، وقد عرفت ما
فيه.
وبالجملة فإن
المسألة لما كانت عارية من النص كثرت فيها الاحتمالات ، وقد عرفت مما ذكرنا في غير
موضع مما تقدم عدم صلوح أمثال هذه التعليلات لتأسيس الأحكام الشرعية ، فالوقوف على
جادة الاحتياط في أمثال هذه المقامات عندنا من الواجبات. والله العالم.
(الرابعة) قد
صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو كان السفر واجبا كالحج والغزو أو
مضطرا اليه انتفى التحريم ، قال في الروض : وانما يحرم مع الاختيار وعدم وجوبه فلو
كان مضطرا اليه بحيث يؤدى تركه الى فوات الغرض أو التخلف عن الرفقة التي لا يستغنى
عنها أو كان سفر حج أو غزو يفوت الغرض منهما مع التأخر فلا يحرم. وعلى هذا المنوال
كلام جملة منهم.
ويدل عليه ما
قدمنا نقله عن كتاب نهج البلاغة من قول أمير المؤمنين (عليهالسلام) في كتابه للحارث الهمداني «لا تسافر يوم الجمعة حتى
تشهد الصلاة إلا ناضلا في سبيل الله أو في أمر تعذر به».
واما ما ذكره
في الذخيرة هنا ـ حيث قال : لو كان السفر واجبا كالحج والغزو مع التضيق أو مضطرا
اليه ارتفع التحريم على اشكال في السفر الواجب. انتهى ـ فلعل الوجه في هذا الإشكال
الذي ذكره هو تعارض الواجبين من السفر والجمعة
__________________
فتقديم وجوب السفر على وجوب الجمعة يحتاج الى دليل.
(الخامسة) قد
صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يكره السفر يوم الجمعة بعد طلوع الفجر ،
والظاهر انه مجمع عليه بينهم بل وأكثر العامة على ذلك أيضا كما نقل عن التذكرة ، وذكر فيها انه لا يكره ليلة
الجمعة إجماعا.
ويدل عليه
مضافا الى الاتفاق المذكور ما قدمنا نقله من خبر السري المنقول في الفقيه والخصال عن الهادي عليهالسلام قال : «يكره السفر والسعى في الحوائج يوم الجمعة بكرة
من أجل الصلاة فاما بعد الصلاة فجائز يتبرك به». مع احتمال حمل الكراهة فيه على
التحريم كما قدمنا ذكره.
ولم أقف على من
استدل على الحكم المذكور بهذا الخبر وانما استندوا فيه الى إطلاق الخبر النبوي
الذي قدمنا نقله عن التذكرة ونبهنا على ان الظاهر انه عامي وهو قوله (صلىاللهعليهوآله): «من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه
الملائكة. إلخ». مع ان هذا الخبر الذي ذكرناه أوضح دلالة وسندا.
واحتمل المحدث
الكاشاني في المفاتيح التحريم في هذا المقام وهو ظاهر إطلاق ما قدمناه من رواية
مصباح الكفعمي عن الرضا (عليهالسلام) وخبر الحارث الهمداني واحتمال حمل الكراهة على التحريم في الخبر المتقدم ،
وتعضده الرواية التي قدمنا نقلها عن رسالة شيخنا الشهيد الثاني وان كان الظاهر
انها من طرق العامة. وعلل الحكم المذكور في المفاتيح قال : لأنه مأمور بالسعي إلى
الجمعة من فرسخين فكيف يسعى عنها. وبذلك يظهر ان ما احتمله (طاب ثراه) قريب لا
استبعاد فيه إلا من حيث مخالفة
__________________
الشهرة وإلا فظواهر الكتاب ما ذكرناه من الأدلة تقتضيه. والله العالم.
المسألة
الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تحريم البيع بعد
النداء للصلاة يوم الجمعة بل نقل الإجماع عليه في المنتهى والتذكرة
ويدل عليه قوله
عزوجل «إِذا نُودِيَ
لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا
الْبَيْعَ» فان مفاده الأمر بترك البيع بعد النداء فيكون حراما.
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «وروى انه كان بالمدينة إذا أذن المؤذن يوم الجمعة نادى مناد «حرم
البيع حرم البيع» لقوله تعالى (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ). الآية».
والظاهر ان
المراد بالبيع في الآية ما هو أعم منه ومن الشراء لإطلاقه شرعا عليه ، وبذلك صرح
جملة من الأصحاب.
وانما الخلاف
والإشكال في هذا المقام في مواضع الأول ـ المفهوم من كلام جملة من الأصحاب : منهم
ـ العلامة في المنتهى والشيخ في الخلاف اناطة التحريم بالأذان وان تأخر عن الزوال
أخذا بظاهر الآية فالبيع بعد الزوال وقبل الأذان غير محرم ، قال في المنتهى : وإذا
صعد الخطيب المنبر ثم أذن المؤذن حرم البيع وهو مذهب علماء الأمصار. الى ان قال :
ولا يحرم بزوال الشمس ذهب إليه علماؤنا أجمع بل يكون مكروها. ونسبه الى جملة
التابعين وأكثر أهل العلم
__________________
ونسب الى مالك وأحمد تحريم البيع بعد الزوال . وظاهره كما ترى دعوى الإجماع على الحكم المذكور مع انه
في الإرشاد علق الحكم على الزوال.
وقال في الخلاف
: يحرم البيع إذا جلس الامام على المنبر بعد الأذان ويكره بعد الزوال قبل الأذان.
انتهى.
أقول : والأقرب
عندي ما ذكره شيخنا في الروض من اناطة ذلك بالزوال فان الظاهر ان التعليق في الآية
على الأذان إنما خرج مخرج الغالب المتكرر من وقوع الأذان متى تحقق الزوال.
قال (قدسسره) بعد ذكر عبارة المصنف الدالة على تعليق الحكم على
الزوال : وانما علقه المصنف على الزوال لأنه السبب الموجب للصلاة ، والنداء اعلام
بدخول الوقت فالعبرة به فلو اتفق تأخير الأذان عن أول الوقت نادرا لم يؤثر في
التحريم السابق لوجود العلة ووجوب السعى المترتب على دخول الوقت وان كان في الآية
مترتبا على الأذان ، إذ لو فرض عدم الأذان لم يسقط وجوب
__________________
السعي فإن المندوب لا يكون شرطا للواجب ، وأكثر الأصحاب علقوا التحريم على
الأذان لظاهر الآية بل صرح بعضهم بالكراهة بعد الزوال قبل الأذان وهو أوضح دلالة
وان كان ما هنا أجود. انتهى. وهو جيد.
ويميل إليه
أيضا كلام المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد حيث قال : والظاهر ان النداء كناية عن
دخول الوقت فلو لم يناد يحرم ايضا ويجب السعى ، فقول المصنف «بعد الزوال» إشارة
إلى تفسير الآية أحسن من كلام غيره «بعد النداء» إذ دليل التحريم ظاهر الآية فإنه
إذا كان ترك البيع واجبا كما يدل عليه «وذروا البيع» يكون الفعل حراما لأن الأمر
بالسعي للفور لترتبه على «إذا». إلى آخر كلامه زيد في مقامه
وبذلك يظهر لك
ما في كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث قال : ثم لا يخفى ان المذكور في
عبارات الأصحاب تحريم البيع بعد الأذان حتى ان المصنف في المنتهى والنهاية نقل
إجماع الأصحاب على عدم تحريم البيع قبل النداء ولو كان بعد الزوال. ثم نقل ما
قدمنا نقله عن المنتهى الى أن قال فما اختاره في هذا الكتاب من إناطة التحريم
بالزوال واختاره الشارح الفاضل محل تأمل. انتهى ، فان فيه انه لا مجال للتأمل هنا
إلا ان كان باعتبار مخالفة الإجماع المنقول وفيه ما قد عرفت ولا سيما ما شرحناه
آنفا من أحوال هذه الإجماعات وبه صرح هو أيضا في كتابه في غير موضع ، إلا أن مقتضى
النظر في الأدلة وتحقيق ما هو الحق المستفاد منها إنما هو في ما ذكره هذان
الفاضلان المحققان كما لا يخفى على من أعطى التأمل حقه في ما ذكراه فإنه جيد متين
وجوهر ثمين كما لا يخفى على الحاذق المكين.
الثاني ـ اختلف
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في غير البيع من العقود والإيقاعات كالصلح والإجارة
والنكاح والطلاق ونحوها ، فألحقها العلامة (قدسسره) وجماعة بالبيع للمشاركة في العلة المومأ إليها في قوله
سبحانه تعالى «ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ»
وإنما خص البيع بالذكر لان فعله كان أكثريا لأنهم كانوا يهبطون إلى
__________________
المدينة من سائر القرى لأجل البيع والشراء. وأيضا فإن ظاهر الآية يقتضي
وجوب السعى بعد النداء على الفور لا من جهة الأمر لعدم دلالته على الفورية كما
تقرر في الأصول بل من جهة ان الأمر بترك البيع والسعى إلى الصلاة قرينة إرادة
المسارعة فيكون كل ما نافاها كذلك.
أقول : ويعضد
ذلك رواية السري المتقدمة وان كانت بلفظ الكراهة إلا انك قد عرفت ان حملها على
التحريم غير بعيد وقد دلت على كراهة السعى في الحوائج الذي هو أعم من العقود أيضا
كما ذهب اليه بعضهم في المقام.
وقال المحقق في
المعتبر : وهل يحرم غير البيع من العقود؟ الأشبه في المذهب لا خلافا لطائفة من
الجمهور لاختصاص النهى بالبيع فلا يتعدى الى غيره
واستشكله
العلامة في جملة من كتبه نظرا إلى العلة المومأ إليها في الآية كما قدمنا ذكره ومن
ثم مال في جملة من كتبه إلى الإلحاق بالبيع ، وظاهره في المدارك الميل الى ذلك ،
والظاهر انه هو المشهور بين المتأخرين.
وقال في الذكرى
: ولو حملنا البيع على المعاوضة المطلقة الذي هو معناه الأصلي كان مستفادا من
الآية تحريم غيره. ويمكن تعليل التحريم بان الأمر بالشيء يستلزم النهى عن ضده ولا
ريب ان السعى مأمور به فيتحقق النهى عن كل ما ينافيه من بيع وغيره وهذا أولى ،
وعلى هذا يحرم غير العقود من الشواغل عن السعى. انتهى
وأورد عليه أما
بالنسبة إلى الأول فإن حمل البيع على مطلق المعاوضة على الأعيان والمنافع خلاف
المعنى الشرعي والعرفي. وعلى الثاني انه خلاف ما ذهب إليه في مواضع من كتابه من أن
الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص.
أقول : والحق
في المقام أن يقال ان المسألة لما كانت خالية من النص الصريح كان الاحتياط فيها
واجبا وهو في جانب القول بالتحريم ويخرج ما ذكرناه من الوجوه
__________________
المتقدمة الدالة على التحريم شاهدا. والله العالم.
الثالث ـ لو
كان أحد المتعاقدين ممن لا يجب عليه السعي ففي التحريم عليه خلاف فذهب جمع من
المتأخرين إلى التحريم وآخرون الى الجواز بالنسبة اليه وان حرم بالنسبة إلى الآخر
، والى الثاني ذهب المحقق وفاقا للشيخ حيث انه كرهه.
حجة الأولين
أنه معاونة على الحرام وقد نهى سبحانه عنها بقوله : «وَلا تَعاوَنُوا
عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ»
.
وقال في الذكرى
: لو كان أحد المتبايعين ممن لا يخاطب بالسعي كان سائغا بالنظر اليه حراما بالنظر
الى من يجب عليه السعى ، وقال الشيخ : يكره للأول لأنه اعانة على الفعل المحرم.
وقال الفاضل التعليل يقتضي التحريم لقوله تعالى «وَلا تَعاوَنُوا
عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ»
ثم قوى التحريم عليه ايضا وهو قوى. انتهى.
أقول : والكلام
في هذه المسألة كما في سابقتها فإنها عارية عن النص والاحتياط فيها مطلوب لما
عرفت.
الرابع ـ لو
أوقع البيع في الحال المنهي عنه فهل ينعقد البيع وان أثم أو يبطل؟ قولان مبنيان
على ان النهى في غير العبادات هل يقتضي الفساد أم لا؟ فذهب العلامة وجملة من
الأصحاب ـ والظاهر انه المشهور بين المتأخرين ـ إلى انعقاده بناء على ما تقرر
عندهم في الأصول من أن النهى في غير العبادات لا يقتضي الفساد ونقله الشيخ عن بعض
الأصحاب ، وذهب جمع من الأصحاب : منهم ـ الشيخ في المبسوط والخلاف وابن الجنيد الى
عدم الانعقاد بناء على ان النهى مفسد مطلقا.
أقول :
والتحقيق عندي في هذا المقام كما أودعناه في جملة من زبرنا سابقا على هذا الكتاب
هو أن يقال لا يخفى ان القاعدة التي بنوا عليها الكلام في المقام من ان النهى في
غير العبادات لا يقتضي الفساد وان اشتهرت وتكررت في كلامهم وتداولتها رؤوس أقلامهم
إلا انا نرى كثيرا من عقود المعاملات قد حكموا ببطلانها
__________________
من حيث النهى الوارد عنها في الروايات ، ومن تتبع كتاب البيع وكتاب النكاح
عثر على كثير منها وذلك كبيع الخمر والخنزير والعذرة وبيع الغرر ونحو ذلك ، والعقد
على أخت الزوجة وابنتها وأمها ونحو ذلك ، وما ذكروه من القاعدة المشار إليها
اصطلاح أصولي لا تساعد عليه الأخبار بحيث يكون أصلا كليا وقاعدة مطردة بل المفهوم
منها كون الأمر كذلك في بعض وبخلافه في آخر كما أشرنا اليه.
ويخطر بالبال
في الجمع بين الأخبار المتصادمة في هذا المجال ان يقال ان النهى الواقع في الأخبار
ان كان باعتبار عدم قابلية المعقود عليه للدخول تحت مقتضى العقد فإنه يبطل العقد
رأسا كالأشياء التي ذكرناها ، فان الظاهر ان النهى عنها إنما وقع من حيث عدم
قابليتها للانتقال الى ما أريد نقلها اليه. وان كان لا كذلك بل باعتبار أمر خارج
من زمان أو مكان أو قيد خارج أو نحو ذلك مما لا مدخل له في أصل العوضين فالحكم فيه
ما ذكروه من صحة العقد وان حصل الإثم باعتبار مخالفة النهى ، ومنه البيع وقت
النداء فإن النهي عنه وقع من حيث الزمان فيقال بصحة البيع حينئذ لعدم تعلق النهى
بذات شيء من العوضين باعتبار عدم قابليته للعوضية وإنما وقع باعتبار أمر خارج عن
ذلك وان أثم باعتبار إيقاعه في ذلك الزمان المنهي عن الإيقاع فيه.
ويؤيد هذا
التفصيل بعد أن هجر بالفكر الكليل والذهن العليل ما وقفت عليه في كلام شيخنا
الشهيد الثاني (أعلى الله مرتبته ونور تربته) في كتاب المسالك في مسألة العقد على
بنت الأخ أو الأخت وإدخالهما على العمة والخالة واختيارهما في فسخه حيث انه قال :
قيل في المسألة المذكورة ببطلان العقد. وقيل بالصحة وان للعمة والخالة الخيار في
فسخه وعدمه. وقد استدل القائل بالبطلان بالنهي عنه ورده في المسالك بأن النهي لا
يدل على الفساد في المعاملات. ثم قال بعد ذلك : (فان قيل) النهي في المعاملات وان
لم يدل على الفساد بنفسه لكنه إذا دل على عدم صلاحية المعقود عليها للنكاح فهو دال
على الفساد من هذه الجهة كالنهي عن
نكاح الأخت وكالنهي عن بيع الغرر ، والنهى في محل النزاع من هذا القبيل (قلنا)
لا نسلم دلالته هنا على عدم صلاحية المعقود عليها للنكاح فإنها عند الخصم صالحة له
ولهذا صلحت مع الاذن بخلاف الأخت وبيع الغرر فإنهما لا يصلحان أصلا ، وصلاحية
الأخت على بعض الوجوه كما لو فارق الأخت لا يقدح لأنها حينئذ ليست أخت الزوجة
بخلاف بنت الأخت ونحوها فإنها صالحة للزوجية مع كونها بنت أخت الزوجة ، والاخبار
قد دلت على النهى عن تزويجها وقد عرفت انه لا يدل على الفساد ، فصار النهى عن هذا
التزويج من قبيل ما حرم لعارض كالبيع وقت النداء لا لذاته ، والعارض هو عدم رضا
الكبيرة فإذا لحقه الرضا زال النهى. انتهى وقد ظهر منه ما ذكرناه من التفصيل
باعتبار رجوع النهي تارة إلى المعقود عليه من حيث عدم صلاحيته للدخول تحت مقتضى
العقد فيكون العقد لذلك فاسدا وتارة من حيث أمر خارج فلا يلزم الفساد ، ومنه ما
نحن فيه من مسألة البيع بعد النداء ومسألة بنت الأخ والأخت كما اختاره (قدسسره) فإن النهى إنما وقع باعتبار أمر خارج وهو الزمان في
الأول وعدم رضا العمة والخالة في الثاني ، وحينئذ فيكون العقد صحيحا في الأول وان
أثم وفي الثاني صحيحا مراعى بالرضا وعدمه. والله العالم.
(المسألة
الثالثة) ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن الأذان الثاني يوم
الجمعة بدعة.
وقد وقع الخلاف
هنا في موضعين : الأول ـ في انه هل يكون حراما لكونه بدعة أو مكروها؟ فقال الشيخ
في المبسوط انه مكروه وتبعه المحقق في المعتبر ، وذهب ابن إدريس إلى الأول وهو
المشهور بين المتأخرين.
احتج القائلون
بالتحريم بان الاتفاق واقع على ان النبي (صلىاللهعليهوآله) لم يفعله ولا أمر بفعله وهو عبادة يتوقف فعلها على
المشروعية وإذا لم يشرع كان بدعة كالأذان
للنافلة ، وروى ان أول من فعله عثمان ونقل عن الشافعي أنه قال ما فعله النبي (صلىاللهعليهوآله) وأبو بكر وعمر أحب الى وقيل ان أول من فعله معاوية .
واحتجوا أيضا برواية
حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) قال : «الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة». وسمى ثالثا
بالنسبة إلى الأذان والإقامة الموظفين.
قال في المعتبر
: الأذان الثاني بدعة وبعض أصحابنا يسميه الثالث لأن النبي (صلىاللهعليهوآله) شرع للصلاة أذانا واقامة فالزيادة ثالث على ترتيب
الاتفاق ، وسميناه ثانيا لانه يقع عقيب الأذان الأول وما بعده يكون اقامة والتفاوت
لفظي ، فمن قال بأنه بدعة احتج برواية حفص بن غياث ، ثم ذكر الرواية ثم قال لكن
حفص المذكور ضعيف وتكرار الأذان غير محرم لأنه ذكر يتضمن التعظيم للرب لكن من حيث
لم يفعله النبي (صلىاللهعليهوآله) ولم يأمر به كان أحق بوصف الكراهية وبه قال الشيخ في
المبسوط. وقيل أول
__________________
من فعل ذلك عثمان ، وقال عطاء أول من فعله معاوية قال الشافعي : ما فعله النبي (صلىاللهعليهوآله) وأبو بكر وعمر أحب الى انتهى كلامه زيد مقامه.
وأنت خبير بما
فيه من الوهن الذي لا يخفى على الفطن النبيه فان مجرد كون الأذان ذكرا يتضمن
التعظيم لا يوجب المشروعية فإن الصلاة أيضا كذلك مع انه لو صلى انسان فريضة أو
نافلة زائدة على الموظف شرعا بقصد انها مستحبة أو واجبة في هذا الزمان أو المكان
أو على كيفية مخصوصة لم يرد بها الشرع فإنه لا خلاف في البدعية والتشريع وانه فعل
محرما ، ولهذا خرجت الروايات بتحريم صلاة الضحى مع انها عبادة تتضمن التعظيم لكن لما اقترنت بقصد
التوظيف في هذا الوقت مع عدم ثبوته شرعا حصلت البدعية والتحريم فيها ، وحينئذ فهذا
الأذان الثاني كذلك ، وعدم فعل النبي (صلىاللهعليهوآله) ولا أمره به مما يوجب التحريم كما قدمنا ذكره لا
الكراهة ، وبالجملة فإن كلامه (قدسسره) هنا غير موجه كما عرفت.
واما رده رواية
حفص بضعف الراوي فقال في الذكرى بأنه لا حاجة الى الطعن في السند مع قبول الرواية
للتأويل وتلقى الأصحاب لها بالقبول ، بل الحق ان لفظ البدعة غير صريح في التحريم
فان المراد بالبدعة ما لم يكن في عهد النبي (صلىاللهعليهوآله) ثم تجدد بعده وهو ينقسم الى محرم ومكروه. انتهى.
وفيه ان الظاهر
المتبادر من لفظ البدعة سيما بالنسبة إلى العبادات إنما هو المحرم ، ولما رواه
الشيخ عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن الصادقين (عليهماالسلام) «ان كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها الى النار».
وبالجملة
فالأظهر كما عرفت هو التحريم ، واما رواية حفص فإنه يحتمل حمل الثالث فيها على
الأذان الواقع للعصر كما ذكره بعض أفاضل متأخري المتأخرين.
__________________
الثاني ـ في
تفسير الأذان الثاني فقيل هو ما وقع ثانيا بالزمان بعد أذان آخر واقع في الوقت من
مؤذن واحد أو قاصد كونه ثانيا سواء كان بين يدي الخطيب أو على المنارة أو غيرهما.
وقيل ما وقع
ثانيا بالزمان والقصد لان الواقع أولا هو المأمور به والمحكوم بصحته فيكون التحريم
متوجها الى الثاني.
وقيل انه ما لم
يكن بين يدي الخطيب لأنه الثاني باعتبار الأحداث سواء وقع أولا أو ثانيا بالزمان :
لما رواه الشيخ
عن عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا خرج الى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون».
ورد بضعف سند
الرواية ومعارضتها بحسنة محمد بن مسلم أو صحيحته قال : «سألته عن الجمعة فقال أذان واقامة يخرج الامام
بعد الأذان فيصعد المنبر. الحديث». وهو صريح في استحباب الأذان قبل صعود الامام
المنبر فيكون المحدث غيره.
وقال ابن إدريس
الأذان الثاني ما يفعل بعد نزول الامام مضافا الى الأذان الذي عند الزوال. وهو
غريب فإنه لم يقل أحد ولا ورد خبر بالأذان بعد نزول الإمام أقول : قال شيخنا أمين
الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان في تفسير قوله تعالى «إِذا نُودِيَ ...» أي إذا اذن لصلاة الجمعة وذلك إذا جلس الامام على
المنبر يوم الجمعة ، وذلك لانه لم يكن على عهد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) نداء سواه ، قال السائب بن يزيد كان لرسول الله (صلىاللهعليهوآله) مؤذن واحد بلال فكان إذا جلس على المنبر اذن على باب
المسجد فإذا نزل أقام للصلاة ثم كان أبو بكر وعمر كذلك حتى إذا كان
__________________
عثمان وكثر الناس وتباعدت المنازل زاد أذانا فأمر بالتأذين الأول على سطح
دار له بالسوق يقال لها الزوراء وكان يؤذن له عليها فإذا جلس عثمان على المنبر أذن
مؤذنه فإذا نزل أقام للصلاة فلم يعب ذلك عليه انتهى.
وفيه دلالة على
ان المراد بالثاني هو ما لم يكن بين يدي الخطيب بعد صعوده المنبر لانه هو المسنون
الموظف فما عداه تقدم أو تأخر يكون بدعة كما هو القول الثالث من الأقوال المتقدمة.
واما الإيراد
عليه بمضمرة محمد بن مسلم وان رواية القداح ضعيفة ففيه ان اشتهار الحكم بين الخاصة
والعامة بمضمون الرواية المذكورة جابر لضعفها بناء على القول
بهذا الاصطلاح المحدث. وأما مضمرة محمد بن مسلم فتحمل على الرخصة. والله العالم.
(المسألة
الرابعة) إذا لم يكن إمام الجمعة ممن يصح الاقتداء به تخير المكلف متى ألجأته
التقية والضرورة إلى الصلاة معه بين الصلاة قبل الفريضة ثم يصلى معه نافلة وبين أن
يصلى معه ثم يتمها بركعتين بعد فراغه وفي الأفضل منهما تردد.
ومما يدل على
الأول من الأخبار ما رواه الشيخ في التهذيب عن ابى بكر الحضرمي قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) كيف تصنع يوم الجمعة؟ قال كيف تصنع أنت؟ قلت أصلي في
منزلي ثم اخرج فأصلي معهم. قال كذلك أصنع انا».
وعن عبد الله
بن سنان في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ما من
__________________
عبد يصلى في الوقت ويفرغ ثم يأتيهم ويصلى معهم وهو على وضوء إلا كتب الله
له خمسا وعشرين درجة».
ومما يدل على
الثاني ما رواه في الكافي عن حمران بن أعين قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) جعلت فداك انا نصلي مع هؤلاء يوم الجمعة وهم يصلون في
الوقت فكيف نصنع؟ فقال صلوا معهم. فخرج حمران إلى زرارة فقال له قد أمرنا أن نصلي
معهم بصلاتهم فقال زرارة ما يكون هذا إلا بتأويل. فقال له حمران قم حتى تسمع منه
قال فدخلنا عليه فقال له زرارة جعلت فداك ان حمران زعم أنك أمرتنا أن نصلي معهم
فأنكرت ذلك؟ فقال لنا : كان على بن الحسين (عليهماالسلام) يصلى معهم الركعتين فإذا فرغوا قام فأضاف إليهما
ركعتين».
وما رواه في
التهذيب في الحسن أو الموثق عن زرارة عن حمران قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) ان في كتاب على (عليهالسلام) إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم ، قال زرارة قلت له
هذا ما لا يكون ، اتقاك ، عدو الله اقتدى به؟ قال حمران كيف اتقاني وانا لم أسأله
هو الذي ابتدأني وقال في كتاب على (عليهالسلام) إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم كيف يكون في هذا
منه تقية؟ قال قلت قد اتقاك وهذا مما لا يجوز حتى قضى انا اجتمعنا عند ابى عبد
الله (عليهالسلام) فقال له حمران أصلحك الله حدثت هذا الحديث الذي حدثني
به ان في كتاب على (عليهالسلام) إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم فقال هذا ما لا
يكون ، عدو الله فاسق لا ينبغي لنا ان نقتدي به ولا نصلي معه. فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) في كتاب على (عليهالسلام) إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم ولا تقومن من مقعدك
حتى تصلى ركعتين أخريين. قلت فأكون قد صليت أربعا لنفسي لم أقتدي به؟ فقال نعم.
فسكت وسكت صاحبي ورضينا».
وفي الصحيح أو
الحسن عن زرارة قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) ان
__________________
أناسا رووا عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) انه صلى أربع ركعات بعد الجمعة لم يفصل بينهن بتسليم؟
فقال يا زرارة ان أمير المؤمنين (عليهالسلام) صلى خلف فاسق فلما سلم وانصرف قام أمير المؤمنين (عليهالسلام) فصلى أربع ركعات لم يفصل بينهن بتسليم فقال له رجل الى
جنبه يا أبا الحسن صليت أربع ركعات لم تفصل بينهن بتسليم فقال إنهن أربع ركعات
مشبهات فسكت ، فوالله ما عقل ما قال له».
وهذا الخبر يدل
على وجه ثالث وهو الإتيان بالفرض بعد الصلاة معهم نافلة. هذا ، وظاهر خبري حمران
المذكورين الإشارة إلى صحة القاعدة المشهورة في كلام الأصحاب من حمل المطلق على
المقيد وتقييده به ، حيث انه أخبره أولا بما يدل على جواز الصلاة معهم مطلقا
وظاهره صحة الاقتداء بهم كما توهمه حمران ثم بعد المراجعة أخبرهم بالمخصص وهو انه
لا يقوم من مقامه حتى يضيف إليها ركعتين أخريين ، فدل على اختصاص جواز الصلاة معهم
بهذا الوجه.
ونحو هذين
الخبرين في ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب عن الحسن بن الجهم قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن رجل مات. الى ان قال : قلت ما تقول في الصبي لامه
ان تحلل؟ قال نعم ان كان لها ما ترضيه أو تعطيه. قلت فان لم يكن لها؟ قال فلا. قلت
فقد سمعتك تقول انه يجوز تحليلها؟ فقال إنما أعني بذلك إذا كان لها». ونحو ذلك في
الاخبار كثير يقف عليه المتتبع. والله العالم.
(المسألة
الخامسة) في آداب الجمعة وما يستحب في يومها ، ومنها ـ الغسل في هذا اليوم وقد
تقدم الكلام فيه في كتاب الطهارة في باب الأغسال منقحا موضحا.
ومنها ـ التنفل
في هذا اليوم وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا لاختلاف الأخبار في مواضع
:
الأول ـ في عدد
النوافل فالمشهور انها عشرون ركعة ، وقال ابن الجنيد انها اثنتان وعشرون ركعة ،
وقال الصدوقان زيادة الأربع الركعات للتفريق فان قدمت
__________________
النوافل وأخرتها فهي ست عشرة ركعة.
والواجب نقل
الأخبار المتعلقة بذلك ليعلم بذلك مستند هذه الأقوال ، فمنها ما رواه الشيخ في
الصحيح عن يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح (عليهالسلام) قال : «سألته عن التطوع في يوم الجمعة قال إذا أردت أن
تتطوع في يوم الجمعة في غير سفر صليت ست ركعات ارتفاع النهار وست ركعات قبل نصف
النهار وركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة وست ركعات بعد الجمعة».
وعن أحمد بن
محمد بن ابى نصر في الصحيح عن محمد بن عبد الله قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن التطوع يوم الجمعة فقال ست ركعات في صدر النهار وست
ركعات قبل الزوال وركعتان إذا زالت وست ركعات بعد الجمعة ، فذلك عشرون ركعة سوى
الفريضة». ورواه في الاستبصار عن ابن ابى نصر قال : «سألت أبا الحسن. الحديث».
واحتمال سقوط
محمد بن عبد الله من هذا السند قائم كما ان احتمال زيادته في ذلك السند قائم أيضا
إلا أن الأمر في ذلك هين عندنا بل عند جملة من أهل هذا الاصطلاح حيث أن الطريق الى
ابن أبى نصر صحيح مع كونه ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وموافقة هذا
الخبر لصحيح يعقوب المتقدم.
وما رواه في
الكافي عن احمد بن محمد بن ابى نصر قال : «قال أبو الحسن.
__________________
(عليهالسلام) صلاة النافلة يوم الجمعة ست ركعات بكرة وست ركعات صدر
النهار وركعتان إذا زالت الشمس ثم صل الفريضة وصل بعدها ست ركعات». وفي الفقيه نسب مضمون هذا الحديث إلى رسالة أبيه اليه ، وزاد : وفي
نوادر أحمد بن محمد بن عيسى «وركعتين بعد العصر».
وعن مراد بن
خارجة قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) اما أنا فإذا كان يوم الجمعة وكانت الشمس من المشرق
بمقدارها من المغرب في وقت صلاة العصر صليت ست ركعات فإذا انتفخ النهار صليت ستا
فإذا زاغت أو زالت صليت ركعتين ثم صليت الظهر ثم صليت بعدها ستا». أقول : النفخ
كناية عن ارتفاع النهار يعنى وقت الضحى ، يقال انتفخ النهار إذا علا.
وروى ابن إدريس
في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز قال : «قال أبو بصير قال أبو جعفر (عليهالسلام) ان قدرت يوم الجمعة أن تصلى عشرين ركعة فافعل ستا بعد
طلوع الشمس وستا قبل الزوال إذا تعالت الشمس ـ وافصل بين كل ركعتين من نوافلك
بالتسليم ـ وركعتين قبل الزوال وست ركعات بعد الجمعة».
وروى الشيخ في
كتاب المجالس بسنده عن زريق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال «كان أبو عبد الله (عليهالسلام) ربما يقدم عشرين ركعة يوم الجمعة في صدر النهار فإذا
كان عند زوال الشمس اذن وجلس جلسة ثم أقام وصلى الظهر وكان لا يرى صلاة عند الزوال
إلا الفريضة ولا يقدم صلاة بين يدي الفريضة إذا زالت الشمس وكان يقول هي أول صلاة
فرضها الله تعالى على العباد صلاة الظهر يوم الجمعة مع الزوال.
__________________
وقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لكل صلاة أول وآخر لعلة يشغل سوى صلاة الجمعة وصلاة
المغرب وصلاة الفجر وصلاة العيدين فإنه لا يقدم بين يدي ذلك نافلة. قال وربما كان
يصلى يوم الجمعة ست ركعات إذا ارتفع النهار وبعد ذلك ست ركعات أخر وكان إذا ركدت
الشمس في السماء قبل الزوال أذن وصلى ركعتين فما يفرغ إلا مع الزوال ثم يقيم
للصلاة فيصلي الظهر ويصلى بعد الظهر أربع ركعات ثم يؤذن ويصلى ركعتين ثم يقيم
ويصلى العصر».
أقول : ما
اشتمل عليه هذا الخبر من تقديم الأذان على الزوال وصلاة ركعتين غريب مخالف للاخبار
وكلام الأصحاب وكذا الأذان للعصر في يوم الجمعة.
وروى الصدوق في
كتاب العلل عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليهالسلام) قال : «انما زيد في صلاة السنة يوم الجمعة أربع ركعات
تعظيما لذلك اليوم وتفرقة بينه وبين سائر الأيام».
أقول : هذا ما
وقفت عليه من الأخبار الدالة على العشرين كما هو القول المشهور.
واما ما يدل
على انها ست عشرة فمنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان ابن خالد قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) النافلة يوم الجمعة؟ قال ست ركعات قبل زوال الشمس
وركعتان عند زوالها ، والقراءة في الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين وبعد
الفريضة ثمان ركعات».
وعن سعيد
الأعرج في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن صلاة النافلة يوم الجمعة فقال ست عشرة ركعة قبل
العصر ثم قال وكان على (عليهالسلام) يقول ما زاد فهو خير. وقال ان شاء رجل أن يجعل منها ست
ركعات في صدر النهار وست ركعات نصف النهار ويصلى الظهر ويصلى معها أربعة ثم يصلى
العصر».
وأما ما يدل
على انها اثنتان وعشرون ركعة فهو ما رواه الشيخ في الصحيح
__________________
عن سعد بن سعد الأشعري عن ابى الحسن الرضا (عليهالسلام) قال : «سألته عن الصلاة يوم الجمعة كم ركعة هي قبل
الزوال؟ قال ست ركعات بكرة وست بعد ذلك اثنتا عشرة ركعة ، وست ركعات بعد ذلك ،
ثماني عشرة ركعة ، وركعتان بعد الزوال ، فهذه عشرون ركعة ، وركعتان بعد العصر ،
فهذه اثنتان وعشرون ركعة».
قال في المعتبر
: وهذه الرواية انفردت بزيادة ركعتين وهي نادرة. وقد تقدم كلام الفقيه نقلا عن
نوادر احمد بن محمد بن عيسى بزيادة ركعتين بعد العصر زيادة على العشرين المذكورة
في حديثه وهو مؤيد لهذه الرواية.
واما ما يدل
على ما ذكره الصدوقان من التفصيل المتقدم نقله عنهما من أنه مع التفريق يصلى عشرين
ومع الجمع في وقت واحد يصلى ست عشرة ركعة فهو مأخوذ مما ذكره الرضا (عليهالسلام) في كتاب الفقه حيث قال : لا تصل يوم الجمعة بعد الزوال غير الفرضين
والنوافل قبلهما أو بعدهما. وفي نوافل يوم الجمعة زيادة أربع ركعات يتمها عشرين
ركعة يجوز تقديمها في صدر النهار وتأخيرها الى بعد صلاة العصر. فان استطعت أن تصلى
يوم الجمعة إذا طلعت الشمس ست ركعات وإذا انبسطت ست ركعات وقبل المكتوبة ركعتين
وبعد المكتوبة ست ركعات فافعل ، فان صليت نوافلك كلها يوم الجمعة قبل الزوال أو
أخرتها الى بعد المكتوبة أجزأك وهي ست عشرة ركعة ، وتأخيرها أفضل من تقديمها ، وإذا
زالت الشمس يوم الجمعة فلا تصل إلا المكتوبة.
بقي الكلام في
الجمع بين هذه الأخبار المنقولة في المقام على وجه يحصل به الالتئام والانتظام ،
والظاهر انه ليس إلا التخيير وحمل الزائد على الأقل على الفضل والاستحباب كما يشير
اليه قوله (عليهالسلام) في صحيحة سعيد الأعرج بعد ذكر الست عشرة ركعة «كان على
(عليهالسلام) يقول ما زاد فهو خير».
الثاني ـ في
وقت النوافل المذكورة فذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف
__________________
والمصباح والشيخ المفيد في المقنعة وتبعهما جملة من المتأخرين إلى استحباب
تقديم نوافل الجمعة كلها على الفريضة بان يصلى ستا عند انبساط الشمس وستا عند
ارتفاعها وستا قبل الزوال وركعتين بعد الزوال ، وقال المفيد حين تزول تستظهر بهما
في تحقق الزوال ، والظاهر من كلام السيد وابن ابى عقيل وابن الجنيد استحباب ست
منها بين الظهرين ، ونقل عن الصدوق استحباب تأخير الجميع وليس في كلامه ما يشير
اليه كما ستطلع عليه ان شاء الله تعالى.
ولا بأس بنقل
جملة من عبارات الأصحاب في الباب ليزول به الشك عن ما نقلناه والارتياب فنقول :
قال السيد
المرتضى (قدسسره) : يصلى عند انبساط الشمس ست ركعات فإذا انتفخ النهار
وارتفعت الشمس صلى ستا فإذا زالت الشمس صلى ركعتين فإذا صلى الظهر صلى بعدها ستا.
وقال الشيخ في
النهاية : وتقدم نوافل الجمعة كلها قبل الزوال ، هذا هو الأفضل في يوم الجمعة خاصة
، وان صلى ست ركعات عند انبساط الشمس وست ركعات عند ارتفاعها وركعتين عند الزوال
وست ركعات بين الظهر والعصر لم يكن ايضا به بأس ، وان أخر جميع النوافل الى بعد
العصر جاز له ذلك إلا ان الأفضل ما قدمناه ومتى زالت الشمس ولم يكن قد صلى من
نوافله شيئا أخرها الى بعد العصر. وقال في الخلاف : يستحب يوم الجمعة تقديم نوافل
الظهر قبل الزوال.
وقال في
المبسوط : تقديم النوافل يوم الجمعة خاصة قبل الزوال أفضل وفي غيرها من الأيام لا
يجوز ، ويستحب أن يصلى ست ركعات عند انبساط الشمس وست ركعات عند ارتفاعها وست
ركعات إذا قرب من الزوال وركعتين عند الزوال وان فصل بين الفرضين بست ركعات على ما
ورد به بعض الروايات كان أيضا جائزا ، وان أخر جميع النوافل الى بعد العصر
جاز ايضا غير ان الأفضل ما قلناه.
__________________
وقال الشيخ
المفيد : وصل ست ركعات عند انبساط الشمس وستا عند ارتفاعها وستا قبل الزوال
وركعتين حين تزول تستظهر بهما في تحقق الزوال. ثم قال في موضع آخر : وقت النوافل
للجمعة في يوم الجمعة قبل الصلاة ولا بأس بتأخيرها الى بعد العصر.
وقال ابن ابي
عقيل : وإذا تعالت الشمس صلى ما بينها وبين الزوال أربع عشرة ركعة فإذا زالت الشمس
فلا صلاة إلا الفريضة ثم يتنفل بعدها بست ركعات ثم يصلى العصر ، كذلك فعله رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) فان خاف الإمام إذا تنفل أن يتأخر العصر عن وقت الظهر
في سائر الأيام صلى العصر بعد الفراغ من الجمعة ثم يتنفل بعدها بست ركعات ، هكذا
روى عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) انه ربما كان يجمع بين صلاة الجمعة والعصر ويصلى يوم
الجمعة بعد طلوع الشمس وبعد العصر.
وقال أبو
الصلاح : يستحب لكل مسلم تقديم دخول المسجد لصلاة النوافل بعد الغسل ويلزم من حضره
قبل الزوال ان يقدم النوافل عدا ركعتي الزوال فإذا زالت الشمس صلاهما.
وقال ابن
الجنيد : الذي يستحب عند أهل البيت (عليهمالسلام) من نوافل الجمعة ست ركعات ضحوة النهار وست ركعات ما
بين ذلك وبين انتصاف النهار وركعتا الزوال وبعد الفريضة ثمان ركعات منها ركعتان
نافلة العصر.
وقال ابن
البراج : يصلى ست ركعات عند انبساط الشمس وستا عند ارتفاعها وستا قبل الزوال
وركعتين حين تزول الشمس استظهارا للزوال.
وقال الشيخ على
بن بابويه : فان استطعت أن تصلى يوم الجمعة إذا طلعت الشمس ست ركعات وإذا انبسطت
ست ركعات وقبل المكتوبة ركعتين وبعد المكتوبة ست ركعات فافعل ، فان قدمت نوافلك
كلها في يوم الجمعة قبل الزوال أو أخرتها الى بعد المكتوبة فهي ست عشرة ركعة
وتأخيرها أفضل من تقديمها. أقول : وهذه
__________________
عين عبارة الفقه الرضوي التي قدمناها.
وقال ابنه في
المقنع : ان استطعت أن تصلى يوم الجمعة إذا طلعت الشمس ست ركعات وإذا انبسطت ست
ركعات وقبل المكتوبة ركعتين وبعد المكتوبة ست ركعات فافعل ، وان قدمت نوافلك كلها
يوم الجمعة قبل الزوال أو أخرتها الى بعد المكتوبة فهي ست عشرة ركعة ، وتأخيرها
أفضل من تقديمها في رواية زرارة بن أعين ، وفي رواية أبي بصير تقديمها أفضل من تأخيرها. وهو كما ترى يرجع الى ما
قدمناه من عبارة كتاب الفقه الرضوي أيضا إلا انه (عليهالسلام) حكم في الكتاب بكون التأخير أفضل من التقديم وفي عبارة
المقنع نسب أفضلية التأخير إلى رواية زرارة وأفضلية التقديم إلى رواية أبي بصير.
وهاتان الروايتان وان لم تصلا إلينا ولكن كفى بنقله لهما لأنه هو الصدوق في ما
يقول.
ومما يدل على
أفضلية التأخير ما رواه الشيخ عن عقبة بن مصعب قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) فقلت أيما أفضل أقدم ركعات يوم الجمعة أو أصليها بعد
الفريضة؟ فقال لا بل تصليها بعد الفريضة».
وعن سليمان بن
خالد قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أقدم يوم الجمعة شيئا من الركعات؟ قال نعم ست ركعات.
قلت فأيهما أفضل أقدم الركعات يوم الجمعة أم أصليها بعد الفريضة؟ قال تصليها بعد
الفريضة أفضل».
ومما يدل على
أفضلية التقديم زيادة على رواية أبي بصير التي أشار إليها في المقنع رواية زريق
المتقدم نقلها عن كتاب مجالس الشيخ .
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن على بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن
__________________
(عليهالسلام) عن النافلة التي تصلى يوم الجمعة قبل الجمعة أفضل أو
بعدها؟ قال قبل الصلاة».
والشيخ قد جمع
بين هذه الأخبار بناء على ما ذهب اليه من أفضلية التقديم بحمل الخبرين الأولين على
ما إذا أدركه الوقت ولم يصلها بعد ، وعلل الأفضلية في خبر على بن يقطين بأنه لا
يأمن أن يخترم فيفوته ثواب النافلة. وهو جيد ، ويعضده استحباب الجمع بين الفرضين
يوم الجمعة وعدم الفصل بالنافلة وكذا الأخبار الدالة على ان وقت العصر يوم الجمعة
وقت الظهر في سائر الأيام .
الثالث ـ في
وقت ركعتي الزوال هل هو حال الزوال كما تدل عليه التسمية أم لا بل يكون قبله أو
بعده؟ قولان ظاهر ما قدمناه من كلام السيد المرتضى وكلام الشيخ في النهاية
والمبسوط وكلام ابن الجنيد وابى الصلاح هو الأول ، وظاهر كلام ابن ابى عقيل الثاني
، وظاهر كلام الشيخ المفيد وابن البراج الأول أيضا مع احتمال الحمل على الثاني بأن
تكون صلاة الركعتين في موضع الشك في الزوال وعدم تحققه.
ومما يدل على
الأول من الروايات المتقدمة في المقام صحيحة يعقوب بن يقطين ورواية محمد بن عبد
الله ورواية أحمد بن محمد بن ابى نصر ومراد بن خارجة وصحيحة سليمان بن خالد وصحيحة
سعد بن سعد الأشعري.
واما ما يدل
على الثاني منها فرواية أبي بصير المنقولة من كتاب السرائر ورواية زريق المنقولة
عن كتاب مجالس الشيخ وكلامه (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي
ومنها ـ صحيحة
على بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال :
__________________
«سألته عن الزوال يوم الجمعة ما حده؟ قال إذا قامت الشمس صل الركعتين فإذا
زالت الشمس فصل الفريضة».
وما رواه الشيخ
عن عبد الله بن عجلان قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) إذا كنت شاكا في الزوال فصل الركعتين وإذا استيقنت
الزوال فصل الفريضة».
وما رواه
الكليني عن ابن ابى عمير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الصلاة يوم الجمعة فقال نزل بها جبرئيل (عليهالسلام) مضيقة إذا زالت الشمس فصلها. قال قلت إذا زالت الشمس
صليت ركعتين ثم صليتها قال فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) اما أنا إذا زالت الشمس لم أبدأ بشيء قبل المكتوبة». قال
القاسم : وكان ابن بكير يصلى الركعتين وهو شاك في الزوال فإذا استيقن الزوال بدأ
بالمكتوبة في يوم الجمعة.
وعن ابن سنان قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا زالت الشمس يوم الجمعة فابدأ بالمكتوبة».
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في المتهجد عن محمد بن مسلم وما رواه فيه عن حريز وما رواه في التهذيب عن على بن جعفر غير الرواية المتقدمة ، وما رواه عن ابن ابى عمير في
الصحيح غير روايته المتقدمة ، والكل قد تقدم في المقصد السادس
في الوقت من مقاصد المطلب الثاني.
__________________
ومنها ـ ما
رواه في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن الزوال يوم الجمعة ما حده؟ قال إذا
قامت الشمس صل الركعتين فإذا زالت فصل الفريضة وإذا زالت الشمس قبل ان تصلى
الركعتين فلا تصلهما وابدأ بالفريضة واقض الركعتين بعد الفريضة. قال : وسألته عن
ركعتي الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو بعده؟ قال قبل الأذان».
وما رواه في
مستطرفات السرائر نقلا من جامع البزنطي عن عبد الكريم بن عمرو عن سليمان بن خالد
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له أيما أفضل أقدم الركعتين يوم الجمعة أو
أصليهما بعد الفريضة؟ قال تصليهما بعد الفريضة». وذكر ايضا عن رجل عن أبى عبد الله
(عليهالسلام) قال : «سألته عن الركعتين اللتين قبل الزوال يوم الجمعة
قال اما انا فإذا زالت الشمس بدأت بالفريضة».
ويؤيد هذه
الأخبار وجوه (أحدها) صراحتها في المدعى كما لا يخفى على من أمعن النظر في
مضامينها بخلاف تلك الأخبار فإنه من المحتمل قريبا حمل قولهم «وركعتين إذا زالت»
أى قارب زوالها وهو وقت قيامها أو الشك في الزوال فان باب المجاز واسع. و (ثانيها)
الأخبار المتكاثرة بأن وقت الجمعة ساعة تزول وانه مضيق و (ثالثها) الأخبار الدالة
على المنع من النافلة بعد دخول وقت الفريضة وهي مستفيضة صحيحة صريحة كما قدمناها
في بحث الأوقات (لا يقال) انه يجوز تخصيصها بهذه الأخبار الدالة على جواز هاتين
الركعتين بعد الزوال (لأنا نقول) التخصيص بها انما يتم لو سلمت من المعارض ولا
سيما مع ترجحه عليها بما ذكرنا. و (رابعها) انه الأوفق بالاحتياط في الدين.
وبالجملة
فالأقرب عندي هو القول الثاني لما عرفت. والله العالم.
ومنها ـ المباكرة
الى المسجد للإمام وغيره لما رواه الكليني والشيخ في الصحيح
__________________
عن عبد الله بن سنان قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) فضل الله يوم الجمعة على غيره من الأيام وان الجنان
لتزخرف وتزين يوم الجمعة لمن أتاها وانكم تتسابقون إلى الجنة على قدر سبقكم إلى
الجمعة وان أبواب السماء لتفتح لصعود اعمال العباد».
وعن جابر قال : «كان أبو جعفر (عليهالسلام) يبكر الى المسجد يوم الجمعة حين تكون الشمس قدر رمح
فإذا كان شهر رمضان يكون قبل ذلك ، وكان يقول ان لجمع شهر رمضان على جمع سائر
الشهور فضلا كفضل شهر رمضان على سائر الشهور».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا كان يوم الجمعة نزل الملائكة المقربون معهم
قراطيس من فضة وأقلام من ذهب فيجلسون على أبواب المساجد على كراسي من نور فيكتبون
الناس على منازلهم الأول والثاني حتى يخرج الإمام فإذا خرج الامام طووا صحفهم ،
ولا يهبطون في شيء من الأيام إلا في يوم الجمعة يعني الملائكة المقربين».
ونحوه روى في
الفقيه عن ابى جعفر (عليهالسلام) مرسلا . وما رواه الصدوق في كتاب الأمالي بسنده عن أمير
المؤمنين (عليهالسلام) انه قال : «إذا كان يوم الجمعة خرج إحلاف الشياطين
يزينون أسواقهم ومعهم الرايات وتقعد الملائكة على أبواب المساجد فيكتبون الناس على
منازلهم حتى يخرج الامام ، فمن دنا الى الامام وأنصت واستمع ولم يلغ كان له كفلان
من الأجر ، ومن تباعد عنه فاستمع وأنصت ولم يلغ كان له كفل من الأجر ، ومن دنا من
الامام ولغى ولم يستمع كان عليه كفلان من الوزر ، ومن قال لصاحبه «صه» فقد تكلم
ومن
__________________
تكلم فلا جمعة له. ثم قال على (عليهالسلام) هكذا سمعت نبيكم (صلىاللهعليهوآله)».
وعن جابر بن
يزيد عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «قلت له قول الله تعالى : «(فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ)؟ قال قال : اعملوا وعجلوا فإنه يوم مضيق على المسلمين
فيه وثواب اعمال المسلمين فيه على قدر ما ضيق عليهم والحسنة والسيئة تضاعف فيه.
قال وقال أبو جعفر (عليهالسلام) والله لقد بلغني ان أصحاب النبي (صلىاللهعليهوآله) كانوا يتجهزون للجمعة يوم الخميس لانه يوم مضيق على
المسلمين». الى غير ذلك من الأخبار.
ومنها ـ التطيب
ولبس أفخر الثياب وتسريح اللحية وقلم الأظفار وأخذ الشارب والخروج على سكينة ووقار
والدعاء حال الخروج إلى الجمعة وكثرة الصلاة على محمد وآله (صلوات الله عليهم) في
ذلك اليوم :
روى ثقة
الإسلام في الكافي عن هشام بن الحكم قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) ليتزين أحدكم يوم الجمعة : يغتسل ويتطيب ويسرح لحيته
ويلبس أنظف ثيابه وليتهيأ للجمعة وليكن عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار وليحسن
عبادة ربه وليفعل الخير ما استطاع فان الله يطلع على الأرض ليضاعف الحسنات».
وعن زرارة في
الصحيح أو الحسن قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنه سنة وشم الطيب والبس
صالح ثيابك وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال فإذا زالت فقم وعليك السكينة والوقار».
وقال الرضا (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي : وعليكم بالسنن يوم الجمعة وهي سبعة : إتيان النساء
وغسل الرأس واللحية بالخطمي وأخذ الشارب وتقليم الأظفار وتغيير الثياب ومس الطيب ،
فمن أتى بواحدة من هذه السنن نابت عنهن وهي الغسل وأفضل أوقاته قبل الزوال.
وقد قدمنا جملة
من الأخبار المتعلقة بالغسل يوم الجمعة في فصل الأغسال من
__________________
كتاب الطهارة وجملة من الأخبار في استحباب التطيب وأخذ الشارب وتقليم
الأظفار والنورة في آخر كتاب الطهارة .
وروى الشيخ في
التهذيب عن أبي حمزة الثمالي عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «ادع في العيدين ويوم الجمعة إذا تهيأت للخروج
بهذا الدعاء : اللهم من تهيأ وتعبأ وأعد واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وطلب
نائله وجوائزه وفواضله ونوافله فإليك يا سيدي وفادتي وتهيئتي وتعبئتي وإعدادي
واستعدادي رجاء رفدك وجوائزك ونوافلك فلا تخيب اليوم رجائي يا من لا يخيب عليه
سائل ولا ينقصه نائل ، فإني لم آتك اليوم بعمل صالح قدمته ولا شفاعة مخلوق رجوته
ولكن أتيتك مقرا بالظلم والاسائة لا حجة لي ولا عذر فأسألك يا رب أن تعطيني مسألتي
وتقلبني برغبتي ولا تردني مجبوها ولا خائبا يا عظيم يا عظيم يا عظيم أرجوك للعظيم
أسألك يا عظيم ان تغفر لي العظيم لا إله إلا أنت اللهم صل على محمد وآل محمد
وارزقني خير هذا اليوم الذي شرفته وعظمته وتغسلني فيه من جميع ذنوبي وخطاياي وزدني
من فضلك انك أنت الوهاب».
وروى في الكافي
عن عمر بن يزيد قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) يا عمر انه إذا كان ليلة الجمعة نزل من السماء ملائكة
بعدد الذر في أيديهم أقلام الذهب وقراطيس الفضة لا يكتبون إلى ليلة السبت إلا
الصلاة على محمد وآل محمد فأكثر منها. وقال يا عمر ان من السنة ان تصلى على محمد
وأهل بيته في كل جمعة ألف مرة وفي سائر الأيام مائة مرة».
وروى الصدوق في
الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عنه (عليهالسلام) قال : «إذا كانت عشية الخميس ليلة الجمعة نزلت ملائكة
من السماء معها أقلام الذهب وصحف
__________________
الفضة لا يكتبون عشية الخميس وليلة الجمعة ويوم الجمعة الى ان تغيب الشمس
إلا الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله)».
وروى في الكافي
عن عبد الله بن ميمون القداح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أكثروا من الصلاة على في الليلة الغراء واليوم الأزهر
ليلة الجمعة ويوم الجمعة. فسئل إلى كم الكثير؟ فقال الى مائة وما زادت فهو أفضل».
وعن المفضل عن
ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «ما من شيء يعبد الله به يوم الجمعة أحب الى من
الصلاة على محمد وآل محمد».
وعن سهل رفعه قال قال : «إذا صليت يوم الجمعة فقل : اللهم صل على
محمد وآل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك والسلام
عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته. فإنه من قالها في دبر العصر كتب الله له مائة ألف
حسنة ومحا عنه مائة ألف سيئة وقضى له بها مائة ألف حاجة ورفع له بها مائة ألف درجة».
وجملة من
الأصحاب قد ذكروا في مستحبات يوم الجمعة حلق الرأس. وأنكر جمع ممن تأخر عنهم
الوقوف فيه على اثر ، وعلله المحقق في المعتبر بأنه يوم اجتماع الناس فيجتنب ما
ينفر.
أقول : ويمكن
الاستدلال على ذلك بما رواه في الفقيه مرسلا عن الصادق (عليهالسلام) قال : «انى لأحلق في كل جمعة في ما بين الطلية إلى
الطلية». والتقريب فيه ان المتبادر من الحلق هو حلق الرأس ، والحمل على حلق العانة
بعيد لأن المستفاد من الأخبار انهم كانوا يطلونها بالنورة سيما مع ملازمتهم على
النورة بعد ثلاثة أيام
__________________
ونحوها كما تقدم في الاستطابة من آخر كتاب الطهارة فتكون العانة داخلة في الطلية المذكورة في الخبر. والله
العالم.
الفصل الثاني في صلاة العيدين
وهما اليومان
المعلومان واحدهما عيد وياؤه منقلبة عن «واو» لأنه مأخوذ من العود إما لكثرة عوائد
الله تعالى فيه على عباده واما لعود السرور والرحمة بعوده ، والجمع أعياد على غير
القياس لان حق الجمع رد الشيء إلى أصله ، قيل وانما فعلوا ذلك للزوم الياء في
مفردة أو للفرق بين جمعه وجمع عود الخشب.
وتفصيل الكلام
في هذا المقام يقع في بحوث الأول ـ في وجوبها وما يتبعه وفيه مسائل :
الأولى ـ أجمع
الأصحاب (رضوان الله عليهم) على وجوبها كما نقله جماعة : منهم ـ المحقق والعلامة
في جملة من كتبه ، والأصل في ذلك مضافا الى الإجماع المذكور الكتاب والسنة ، قال
الله عزوجل «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ
تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى»
فقد ذكر جمع من المفسرين في معنى هذه الآية ان المراد بالزكاة زكاة الفطرة
والصلاة صلاة العيد.
ويدل عليه من
الاخبار ما رواه في الفقيه مرسلا قال : «وسئل الصادق (عليهالسلام) عن قول الله عزوجل (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ
تَزَكّى)؟ قال من أخرج الفطرة. فقيل له (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى؟) قال خرج الى الجبانة فصلى».
وروى حماد بن
عيسى عن حريز عن ابى بصير وزرارة قالا : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) ان من تمام الصوم إعطاء الزكاة يعني الفطرة كما ان
الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) من تمام الصلاة لأنه من صام ولم يؤد الزكاة فلا صوم له
إذا تركها متعمدا ولا
__________________
صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي وآله (صلوات الله عليهم) ان الله عزوجل قد بدأ بها قبل الصلاة فقال : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ
اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى».
وفي تفسير على
بن إبراهيم «قوله (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ
تَزَكّى)؟ قال زكاة الفطرة إذا أخرجها قبل صلاة العيد ، وذكر اسم
ربه فصلى؟ قال صلاة الفطر والأضحى».
واستدل جملة من
الأصحاب : منهم ـ السيد السند في المدارك على ذلك بقوله عزوجل «فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ» قال قيل هي صلاة العيد ونحر البدن للأضحية. وقال في
المعتبر قال أكثر المفسرين المراد صلاة العيد وظاهر الأمر الوجوب. وبنحو ما ذكره
في المدارك صرح في الذكرى أيضا.
أقول : لم أقف
في الأخبار على تفسير الآية بهذا المعنى وانما الذي ورد فيها التفسير بمطلق الصلاة
والمراد بالنحر رفع اليدين حال التكبير حذاء الوجه ، وقد تقدمت الأخبار بذلك في المسألة
الثالثة من الفصل الثاني في تكبيرة الإحرام من كتاب الصلاة .
واما السنة
فمنها انه قد روى الصدوق والشيخ (عطر الله مرقديهما) في الصحيح عن جميل قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن التكبير في العيدين قال سبع وخمس. وقال صلاة
العيدين فريضة. قال وسألته ما يقرأ فيهما؟ قال «والشمس وضحاها» و «هل أتاك حديث
الغاشية» وأشباههما».
وعن جميل في
الصحيح عن الصادق (عليهالسلام) انه قال : «صلاة العيدين فريضة وصلاة الكسوف فريضة».
__________________
وروى الشيخ في
التهذيب عن أبي أسامة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «صلاة العيدين فريضة وصلاة الكسوف فريضة».
قال في الفقيه
بعد نقل صحيحة جميل الثانية : يعني انهما من صغار الفرائض وصغار الفرائض سنن لرواية
حريز عن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «صلاة العيدين مع الإمام سنة». ومراده بهذا الجمع
بين الخبرين بأنه لا منافاة بين كونها سنة وبين كونها فريضة. وفيه ما سيأتي ذكره
ان شاء الله تعالى. والشيخ في التهذيبين قد فسر السنة بما علم وجوبه بالسنة لئلا
ينافي كونها فريضة يعنى واجبة.
وفي كل من
الجمعين نظر ، أما ما ذكره الصدوق فانا لا نعرف له مستندا لان الفرض ان أريد به ما
وجب بالكتاب ويقابله إطلاق السنة بمعنى ما وجب بالسنة فإنه لا فرق بين كبار
الفرائض ولا صغارها في المعنى المذكور ، وإطلاق السنة على صغار الفرائض دون كبارها
مع كون السنة بمعنى ما ثبت وجوبه بالسنة لا معنى له ههنا لان هذه الفريضة مما ثبت
وجوبها بالكتاب كما عرفت من الأخبار المتقدمة بتفسير قوله تعالى «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ
تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى»
فلا معنى لوجوبها بالسنة. وأظهر منه بطلانا حمل السنة على المتبادر منها
وهو المستحب.
واما كلام
الشيخ فيدفعه دلالة الآية بمعونة الأخبار الواردة بتفسيرها بصلاة العيدين ، وحينئذ
فتكون الفريضة في خبر جميل بمعنى ما ثبت وجوبه بالكتاب لا بمعنى الواجب المقابل
بالسنة بمعنى المستحب.
والظاهر في
الجمع بين الخبرين المذكورين ـ كما ذكره المحدث الكاشاني في الوافي ـ انما هو حمل
الفريضة في الخبر المذكور على معنى ما ثبت وجوبه بالكتاب والسنة ، وفي خبر حريز عن
زرارة إنما أريد بها ان السنة في فرض هذه الصلاة ان
__________________
تكون مع الامام فمن صلاها بدون الامام معتقدا وجوبها فقد خالف السنة كما
تدل عليه الأخبار الآتية من انه لا صلاة إلا مع إمام يعنى واجبة.
إلا أن لقائل
أن يقول ان ما استدل به من الآيتين المتقدمتين لا دلالة فيهما على الوجوب نصا بل
ولا ظاهرا ، اما الثانية فلعدم ورود نص فيها بما ذكروه كما عرفت واما الأولى فإن
غاية ما تدل عليه هو مدح المزكى والمصلى بأنه قد أفلح وهذا لا ظهور له في الوجوب
وان أفهمه إفهاما ضعيفا ، وحينئذ فيكون المراد بالفرض في الأخبار المتقدمة انما هو
بمعنى الواجب كما هو أحد اطلاقيه ، ويؤيده اضافة صلاة الكسوف وانها فريضة في صحيحة
جميل الثانية ورواية أبي أسامة مع انها غير مذكورة في القرآن.
وقال في كتاب
الفقه الرضوي : ان الصلاة في العيدين واجبة. الى ان قال : وان صلاة
العيدين مع الإمام مفروضة ولا تكون إلا بإمام وخطبة. الى ان قال ايضا : وصلاة
العيدين فريضة واجبة مثل صلاة يوم الجمعة إلا على خمسة. الى آخر ما سيأتي من نقل
تتمة العبارة المذكورة ان شاء الله تعالى.
(المسألة
الثانية) ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ بل نقل جملة منهم
الإجماع عليه ـ انه يشترط في صلاة العيد ما يشترط في الجمعة من الشروط المتقدمة
وقد تقدم أنها خمسة ، إلا ان الخلاف هنا قد وقع في الخطبتين كما سيأتي ان شاء الله
تعالى ذكره في المقام :
أحدها عندهم ـ السلطان
العادل أو من نصبه ، وظاهر العلامة في المنتهى دعوى الإجماع على هذا الشرط.
واحتج عليه بصحيحة
زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «ليس في الفطر والأضحى أذان ولا اقامة. الى ان
قال : ومن لم يصل مع إمام في جماعة فلا صلاة له ولا قضاء عليه».
__________________
وصحيحة محمد بن
مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن الصلاة يوم الفطر والأضحى فقال ليس
صلاة إلا مع امام».
ورواية معمر بن
يحيى عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «لا صلاة يوم الفطر والأضحى إلا مع إمام».
أقول : ومن
الأخبار بهذا المعنى ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «من لم يصل مع إمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة
له ولا قضاء عليه».
وما رواه ابن
بابويه في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «لا صلاة يوم الفطر والأضحى إلا مع امام عادل».
وعن سماعة في
الموثق عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «لا صلاة في العيدين إلا مع امام وان صليت وحدك فلا بأس».
ونحوه كلام
المحقق وتبعهما جماعة ممن تأخر عنهما.
إلا ان جملة من
متأخري المتأخرين الذين جرت عادتهم بدقة النظر في الأحكام والتأمل التام في
أخبارهم (عليهمالسلام) قد طعنوا في هذا الشرط فمنهم من استشكله وصارت المسألة
عنده في قالب الإشكال ، ومنهم من خالفهم وجزم بمنع ما ذكروه.
ومنشأ ذلك عند
الأولين هو احتمال حمل الإمام في الأخبار المذكورة على ما هو أعم من إمام الأصل
وامام الجماعة ، والى هذا ذهب المحدث الكاشاني في الوافي والمفاتيح فإنه جعل هذه
الأخبار متشابهة باعتبار احتمال ارادة المعصوم منها وليست محكمة في أحد المعنيين ،
وعند الآخرين هو ان الظاهر منها انما هو إمام الجماعة خاصة.
قال في المدارك
بعد نقل الاستدلال عن العلامة بما قدمناه من الاخبار : وعندي في هذا الاستدلال نظر
إذ الظاهر ان المراد بالإمام هنا إمام الجماعة لا إمام
__________________
الأصل كما يظهر من تنكير الامام ولفظ الجماعة وقوله (عليهالسلام) في صحيحة ابن سنان «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين
فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل وحده كما يصلى في الجماعة». وفي موثقة سماعة «لا صلاة في العيدين إلا مع امام وان صليت وحدك فلا بأس». قال جدي (قدسسره) في روض الجنان : ولا مدخل للفقيه حال الغيبة في وجوبها
في ظاهر الأصحاب وان كان ما في الجمعة من الدليل قد يتمشى هنا إلا انه يحتاج إلى
القائل ، ولعل السر في عدم وجوبها حال الغيبة مطلقا بخلاف الجمعة ان الواجب الثابت
في الجمعة انما هو التخييري كما مر أما العيني فهو منتف بالإجماع والتخييري في
العيد غير متصور إذ ليس معها فرد آخر يتخير بينها وبينه فلو وجبت لوجبت عينا وهو
خلاف الإجماع. قلت : الظاهر انه أراد بالدليل ما ذكره في الجمعة من ان الفقيه
منصوب من قبله عموما فكان كالنائب الخاص وقد بينا ضعفه في ما سبق. واما ما ذكره من
السر فكلام ظاهري إذ لا منافاة بين كون الوجوب في الجمعة تخييريا وفي العيد عينيا
إذا اقتضته الأدلة. وبالجملة فتخصيص الأدلة الدالة على الوجوب بمثل هذه الروايات
لا يخلو من اشكال ، وما ادعوه من الإجماع فغير صالح للتخصيص ايضا لما بيناه غير
مرة من ان الإجماع انما يكون حجة مع العلم القطعي بدخول قول الإمام في أقوال
المجمعين وهو غير متحقق هنا ، ومع ذلك فالخروج من كلام الأصحاب مشكل واتباعهم بغير
دليل أشكل. انتهى. وقال في الذخيرة بعد ذكر نحو ما ذكره في المدارك أولا : ويؤيد
الوجوب ما دل على وجوب التأسي بالنبي (صلىاللهعليهوآله) في ما علم كونه صدر عنه على جهة الوجوب وان كان لنا
فيه نوع تأمل إذ الأمر ههنا كذلك فان وجوبها عليه (صلىاللهعليهوآله) ثابت بإجماع الأصحاب ، مع ان التمسك بأصل عدم الوجوب
في ما ثبت وجوبه عليه (صلىاللهعليهوآله) محل إشكال ، فإذن القول بعدم الوجوب في غاية الاشكال
والاجتراء على الحكم بالوجوب
__________________
مع عدم ظهور مصرح به من الأصحاب لا يخلو من اشكال. وطريق الاحتياط واضح
وقال شيخنا
المجلسي في كتاب البحار ـ بعد نقل كلام الفاضلين بالاشتراط واستدلالهما بالإجماع
وبعض الأخبار المتقدمة ـ ما لفظه : وفيه نظر إذ الظاهر ان المراد بالإمام في هذه
الأخبار إمام الجماعة لا إمام الأصل كما يشعر به تنكير الامام ولفظة الجماعة في
بعض الأخبار ومقابلة «ان صليت وحدك» مما يعين هذا. وقوله «لا صلاة» يحتمل «كاملة»
كما هو الشائع في هذه العبارة ، وفي صحيحة عبد الله ابن سنان عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل وحده
كما يصلى في الجماعة». ويؤيد الوجوب ما دل على وجوب التأسي بالنبي (صلىاللهعليهوآله) في ما علم صدوره عنه على وجه الوجوب والأمر هنا كذلك
قطعا. وبالجملة ترك هذه الفريضة بمحض الشهرة بين الأصحاب جرأة عظيمة مع انه لا ريب
في رجحانه ، ونية الوجوب لا دليل عليها ولعل القربة كافية في جميع العبادات كما
عرفت سابقا. انتهى.
أقول : معظم
الإشكال عند هؤلاء بعد إجمال هذه الاخبار هو عدم تصريح أحد ممن ذهب الى الوجوب
العيني في الجمعة زمان الغيبة بالوجوب العيني هنا ، وأنت خبير بان مقتضى حكمهم في
العيدين بأنها جارية على نحو صلاة الجمعة في شروط الوجوب هو تبعية صلاة العيدين
لصلاة الجمعة كيف كانت ، فان هذا الكلام قد صرح به الجميع ممن حكم بالوجوب
التخييري في الجمعة زمان الغيبة أو التحريم أو الوجوب العيني ، وحينئذ فاللازم من
ذلك ان كل من اشترط في الجمعة شرطا من حضور إمام الأصل أو نائبه أو انعقادها بإمام
الجماعة أو وجوبها عينا به فإنه يجريه في صلاة العيدين ، وبه يظهر ان كل من قال
بالوجوب العيني زمان الغيبة في الجمعة فهو قائل به في العيدين ايضا.
قال شيخنا
المفيد في المقنعة في باب صلاة العيدين : وهذه الصلاة فرض
__________________
لازم لجميع من لزمته الجمعة على شرط حضور الإمام سنة على الانفراد عند عدم
حضور الامام.
وهو كما ترى
صريح في ما قلناه واضح في ما ادعيناه فإنه حكم بأن صلاة العيدين فرض عيني لكل من
لزمته الجمعة ، وقد عرفت مذهبه في الجمعة وشرطها عنده انما هو إمام الجماعة وهي
واجبة عينية عنده باجتماع شرائطها المتقدمة التي من جملتها إمام الجماعة ، ومقتضى
ذلك وجوب صلاة العيدين عينا متى حصلت تلك الشروط
وقوله هنا «على
شرط حضور الإمام. الى آخره» أراد به بيان التفرقة بين الجمعة والعيدين بحصول
الاستحباب في هذه دون تلك فجعل مدار الوجوب والاستحباب على حضور الامام وعدم حضوره
فمتى صلى مع الإمام فهي واجبة عينا ومتى تعذر الصلاة معه فهي مستحبة فرادى بخلاف
الجمعة فإنه مع عدم الامام تسقط بالكلية. والمراد بالإمام في كلامه هو إمام
الجماعة الذي تقدم تصريحه به في صلاة الجمعة.
واما ما ذهب
اليه بعض من الاستحباب جماعة فهو باطل كما سيجيء بيانه ان شاء الله تعالى بل هي
اما واجبة عينا ان وجد الامام وكملت باقي الشروط وإلا صليت فرادى استحبابا. وجميع
ما ذكرنا بحمد الله سبحانه ظاهر لا خفاء عليه.
واما توهم حمل
الأخبار المتقدمة على إمام الأصل فقد عرفت ما فيه من كلام مشايخنا المذكورين (رضوان
الله عليهم) فإنه جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.
ويؤيد ما
ذكرناه من عدم اشتراط إمام الأصل في هذه الصلاة ما نقله في كتاب البحار عن الصدوق في كتاب ثواب الأعمال حيث انه نقل فيه خبرا
عن سلمان الفارسي (رضى الله عنه) عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في ثواب صلاة أربع ركعات على كيفية مخصوصة بعد صلاة
العيد ، ثم قال (قدسسره) هذا لمن كان امامه مخالفا لمذهبه فيصلي معه تقية ثم
يصلى هذه الأربع ركعات للعيد فاما من كان
__________________
امامه موافقا لمذهبه وان لم يكن مفروض الطاعة لم يكن له ان يصلى بعد ذلك
حتى تزول الشمس. انتهى.
وهو صريح كما
ترى في ان مذهبه (قدسسره) صحة الصلاة بإمام الجماعة وعدم اشتراط إمام الأصل ،
وبه يظهر لك ما في دعوى الإجماع على اشتراط هذه الصلاة بإمام الأصل مع تصريح هذا
العمدة الذي هو من أهل الصدر الأول الذين عليهم المعول بجوازها مع إمام الجماعة
كما سمعت. واما احتمال الحمل على صلاة مستحبة فغير جيد لما سنبين ان شاء الله
تعالى من انه لا مستند له ولا دليل عليه وان ذكره جلهم.
وبالجملة فإن
عدم ذكر قدماء أصحابنا للوجوب العيني في هذه الصلاة انما هو باعتبار احالتهم
لاحكام هذه الصلاة على صلاة الجمعة فكل ما حكموا به في صلاة الجمعة فهو آت في هذه
الصلاة ، فلا يتوهم من سكوتهم عن التصريح به هنا نفيه عن هذه الصلاة وان قالوا به
في الجمعة فهو غلط محض كما أوضحناه لك في عبارة المقنعة.
ومما يؤيد ذلك
الأخبار الآتية ان شاء الله تعالى الدالة على تعليم الأئمة (عليهمالسلام) لأصحابهم كيفية الصلاة وآدابها وأحكامها وما يتعلق
بالإمام فيها فان جميع ذلك قرينة واضحة على انها يتأتى من أصحابهم أن يصلوها بغير
المعصوم إذ مع الاختصاص بالمعصوم لا يظهر لهذا التعليم كثير فائدة كما لا يخفى على
المتأمل المنصف.
وثانيها ـ
العدد وقد أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على اعتباره هنا ، ويدل عليه صحيحة
الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة أو سبعة
فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة».
وروى في كتاب
دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) انه قال : «في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة فصاعدا
مع إمام في مصر فعليهم ان
__________________
يجمعوا للجمعة والعيدين».
ونقل عن ابن
ابى عقيل أنه ذهب الى اشتراط السبعة هنا مع انه اكتفى في الجمعة بخمسة. ورده بعض
الأصحاب بعدم المستند.
أقول : الظاهر
من كلام ابن أبى عقيل وصول المستند اليه بذلك وان لم يصل إلينا حيث قال ـ على ما
نقله عنه في المختلف ـ ولا عيد مع الامام ولا مع أمرية في الأمصار بأقل من سبعة من
المؤمنين فصاعدا ولا جمعة بأقل من خمسة ، ولو كان الى القياس سبيل لكانا جميعا
سواء ولكنه تعبد من الخالق سبحانه. وهو كما ترى ظاهر في وصول المستند اليه ،
وثالثها ـ
الجماعة وقد تقدمت جملة من الاخبار الدالة على ذلك .
ورابعها ـ
الوحدة قال في المدارك وظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) اشتراطها حيث أطلقوا
مساواتها للجمعة في الشرائط ، ونقل عن الحلبيين التصريح بذلك محتجين بأنه لم ينقل
عن النبي (صلىاللهعليهوآله) انه صلى في زمانه عيدان في بلد كما لم ينقل انه صليت
جمعتان ، وبما رواه محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «قال الناس لأمير المؤمنين (عليهالسلام) ألا تخلف رجلا يصلى في العيدين؟ قال لا أخالف السنة». وهما
لا يدلان على المنع ومن ثم توقف العلامة في التذكرة والنهاية في اشتراط ذلك وهو في
محله. انتهى.
أقول : الظاهر
ان مرجع التعليل المنقول عن الحلبيين الى أن العبادات لما كانت توقيفية من الشارع
وجوبا وندبا وتعددا واتحادا وكمية وكيفية ونحو ذلك فالواجب الوقوف على ما علم منهم
(صلوات الله عليهم) بقول أو عمل ، وغاية ما يفهم من الاخبار هو جواز صلاة واحدة في
المصر وتوابعه الى امتداد مسافة الفرسخ فثبوت الثانية ومشروعيتها في هذه المسافة
يتوقف على الدليل. وهذا الكلام موجه صحيح دال على المدعى بأوضح دلالة كما لا يخفى
وبه يقيد إطلاق الأخبار
__________________
الدالة على الوجوب فلا يمكن الاستناد إليها في المقام.
واما الرواية
فلا إشكال في أن ظاهرها هو انه لما كان (عليهالسلام) يصحر بصلاة العيدين كما هو السنة فيها قالوا له أن
يخلف في المصر من يصلى العيدين بمن تخلف من الضعفة والعجزة عن الخروج فأجاب بأني
لا أخالف السنة ، والمراد بالسنة يعنى وحدة الصلاة في الفرسخ فإنه واجب بالسنة
النبوية ، وإطلاق السنة على ما وجب بالسنة شائع في الأخبار كما قدمنا ذكره في
مسألة غسل الجمعة من كتاب الطهارة ، لا ان المراد بالسنة المستحب كما ربما يتوهم ،
وعلى هذا المعنى بنى الاستدلال بالرواية وهو معنى واضح لا غبار عليه.
وبنحو هذه
الرواية روى في كتاب دعائم الإسلام عن على (عليهالسلام) انه «قيل له يا أمير المؤمنين (عليهالسلام) لو أمرت من يصلى بضعفاء الناس يوم العيد في المسجد؟ قال
أكره أن أستن سنة لم يستنها رسول الله (صلىاللهعليهوآله)».
وروى شيخنا
المجلسي في كتاب البحار نقلا من كتاب عاصم بن حميد عن محمد ابن مسلم قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول قال الناس لعلى (عليهالسلام) ألا تخلف رجلا يصلى بضعفة الناس في العيدين؟ قال فقال
لا أخالف السنة».
ونحوه بهذا
المضمون روى في المحاسن عن رفاعة قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام). الحديث».
ومما يؤيد ذلك
ما تقدم في صحيحة زرارة من ان «من لم يصل مع إمام في جماعة فلا
صلاة له ولا قضاء عليه». ونحوه في صحيحته الأخرى وهو شامل بإطلاقه لما لو لم يكن ثمة إمام أو كان ولكن
فاتته الصلاة معه. ومعنى «لا صلاة له» يعنى وجوبا وإلا فالاستحباب لا ريب فيه نصا
وفتوى ، ففي الصحيح لابن سنان
__________________
«من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل وحده». ونحوه
غيره مما سيأتي ان شاء الله تعالى.
والتقريب في
هذه الأخبار انه لو شرعت الصلاة مرة أخرى في البلد لما حسن هذا الإطلاق في هذه
الأخبار بان يقال «لا صلاة له ولا قضاء عليه» أو يقال : «فليصل وحده» لإمكان
الاجتماع على جماعة أخرى كما لا يخفى.
وأما ما ذكره
الشهيد ومن تأخر عنه ـ من أن هذا الشرط انما يعتبر مع وجوب الصلاتين فلو كانتا
مندوبتين أو إحداهما لم يمنع التعدد ـ ففيه انه لم يقم لنا دليل على استحباب
الجماعة في العيدين كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في مسألة على حدة والى ذلك
أشار في المدارك ايضا حيث قال بعد نقل ذلك عن الشهيد : وليس في النصوص دلالة على
شيء من ذلك. انتهى.
وقال في الذكرى
: مذهب الشيخ في الخلاف ومختار صاحب المعتبر ان الامام لا يجوز له أن يخلف من يصلى
بضعفة الناس في البلد. ثم أورد صحيحة ابن مسلم ثم قال ونقل في الخلاف عن العامة «ان عليا (عليهالسلام) خلف من يصلى بالضعفة» وأهل البيت (عليهمالسلام) أعرف. انتهى.
وخامسها ـ
الخطبتان وقد اختلف فيهما كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) فقال الشيخ في المبسوط
في باب صلاة العيدين : وشرائطها شرائط الجمعة سواء في العدد والخطبة وغير ذلك. وهو
ظاهر في قوله بشرطيتهما في العيدين ، وبه قال ابن إدريس والعلامة في المنتهى حيث
قال : والخطبتان واجبتان كوجوبهما في الجمعة ولا نعرف خلافا بين المسلمين في
كونهما بعد الصلاة إلا من بنى أمية ثم ذكر ايضا انه لا يجب حضورهما ولا استماعهما بغير
خلاف. ونحو ذلك ذكر في التذكرة أيضا.
__________________
وقال المحقق في
المعتبر : والخطبتان مستحبتان فيهما بعد الصلاة ولا يجب حضورهما ولا استماعهما اما
استحبابهما فعليه الإجماع.
وقال الشهيد في
الذكرى : المشهور بين الأصحاب في ظاهر كلامهم استحباب الخطبتين في صلاة العيدين
وصرح به في المعتبر وأوجبهما ابن إدريس والفاضل والروايات مطلقة. ونقل بعض الأخبار
الدالة على الخطبة ثم قال والعمل بالوجوب أحوط نعم ليستا شرطا في صحة الصلاة بخلاف
الجمعة.
وقال السيد في
المدارك ـ في شرح قول المصنف : وهي واجبة مع وجود الإمام. الى آخره ـ ان الشيخ صرح
في المبسوط باشتراطهما في هذه الصلاة فقال شرائطها شرائط الجمعة سواء في العدد
والخطبة وغير ذلك. ثم ذكر انه الظاهر من عبارة الشرائع حيث أطلق مساواتها للجمعة
في الشرائط. ثم ذكر ان العلامة جزم في جملة من كتبه بعدم اعتبار هذا الشرط هنا. ثم
قال وهو كذلك تمسكا بالأصل والتفاتا الى كونهما متأخرتين عن الصلاة ولا يجب
استماعهما إجماعا فلا تكونان شرطا فيها.
وقال في موضع
آخر ـ في شرح قول المصنف : الثالثة الخطبتان في العيد بعد الصلاة وتقديمهما بدعة ـ
ولم يتعرض المصنف في هذا الكتاب لبيان حال الخطبتين من حيث الوجوب والاستحباب ونقل
عنه في المعتبر انه جزم بالاستحباب وادعى عليه الإجماع ، وقال العلامة في جملة من
كتبه بالوجوب ، واحتج عليه في التذكرة بورود الأمر بهما وهو حقيقة في الوجوب.
وكأنه أراد بالأمر ما يستفاد من الجملة الخبرية فإنا لم نقف في ذلك على أمر صريح.
والمسألة محل تردد وكيف كان فيجب القطع بسقوطهما حال الانفراد للأصل السالم من
المعارض.
وقال أيضا ـ في
شرح قول المصنف : ولا يجب استماعهما بل يستحب ـ هذا الحكم مجمع عليه بين المسلمين
حكاه في التذكرة والمنتهى مع تصريحه في الكتابين بوجوب الخطبتين وهو دليل قوى على
الاستحباب وروى العامة عن عبد الله بن
السائب قال : «شهدت مع رسول الله (صلىاللهعليهوآله) العيد فلما قضى الصلاة قال انا نخطب فمن أحب أن يجلس
للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب».
والى القول
بالاستحباب مال الفاضل الخراساني في الذخيرة والمحدث الكاشاني في المفاتيح.
والأظهر عندي
هو القول بالوجوب ، ويدل عليه قول الرضا (عليهالسلام) في كتاب الفقه الذي قد ظهر لك في غير موضع مما قدمنا
وسيجيء أمثاله اعتماد الصدوقين سيما الأول عليه وافتاؤهما بعبائر الكتاب كما
كشفنا عنه النقاب في غير باب من الأبواب حيث قال (عليهالسلام) «فإن صلاة العيدين مع الإمام فريضة ولا تكون إلا بإمام وخطبة».
ومما يعضد ذلك
ويؤيده بأوضح تأييد ما رواه الصدوق في كتاب العلل والعيون من علل الفضل بن شاذان
عن الرضا (عليهالسلام) قال : «انما جعلت الخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة وجعلت
في العيدين بعد الصلاة لأن الجمعة أمر دائم يكون في الشهر مرارا وفي السنة كثيرا
فإذا كثر على الناس ملوا وتركوه وتفرقوا عنه والعيد إنما هو في السنة مرتان
والزحام فيه أكثر والناس فيه أرغب وان تفرق بعض الناس بقي عامتهم».
والتقريب فيه
انه لو كان ما يدعونه من الاستحباب حقا لكان هو الأولى بأن يذكر علة للفرق في
الخبر بان يقال إنما أخرت لان استماعها غير واجب حيث انها مستحبة فمن شاء جلس
لاستماعها ومن شاء انصرف ، وظاهر الخبر انما هو وجوبها في الصلاتين وان اختلفتا
بالتقدم والتأخر للعلة المذكورة في الخبر. ويؤيده توقف يقين
__________________
البراءة عليه لانه المعهود من فعلهم والمأثور من أوامرهم (عليهمالسلام).
وذكر الخطبتين
في بيان كيفية الصلاة أيضا ظاهر في ذلك إذ قضية الذكر في بيان كيفية الواجب الوجوب
في جميع ما اشتملت عليه الكيفية وخروج بعض الأفراد التي قام الدليل من خارج على
استحبابها لا يقتضي خروج ما لم يقم عليه دليل.
هذا ، وما ذكره
في المدارك هنا لا يخلو من نوع تشويش واضطراب بل النظر الظاهر في ما أيد به ذلك من
عدم وجوب استماعهما بل الاستحباب.
أما الأول فلان
مقتضى كلامه الأول هو اختيار الاستحباب صريحا وظاهر الثاني بل صريحه التردد
والتوقف في المسألة. وايضا ظاهر كلامه الأول ان العلامة في جملة من كتبه جزم
بالاستحباب وظاهر كلامه الثاني خلافه وانه جزم بالوجوب ثم أورد دليله ، ومقتضى
الدليل الذي نقله لازم له حيث انه صرح في مواضع من كتابه بأنه لا فرق في دلالة
الأمر على الوجوب بين كونه بلفظ الأمر أو بالجملة الخبرية ، وحينئذ فالظاهر ان
منشأ التردد عنده هو معارضة دعوى الإجماع الذي ذكره في المعتبر مع ما عرفت من طعنه
في هذه الإجماعات.
واما الثاني ـ وهو
ما ذكره في كلامه الثالث من أن تصريح العلامة في الكتابين بالإجماع على عدم وجوب
استماع الخطبتين دليل قوى على الاستحباب ـ ففيه أن خطبة الجمعة مع الاتفاق على
وجوبها وانها شرط في صحة الصلاة قد وقع الخلاف في وجوب استماعها فممن ذهب الى عدم
وجوب استماعها الشيخ في المبسوط والمحقق في المعتبر مع قولهما بوجوبها وشرطيتها في
صحة الصلاة وتردد في الشرائع ، ولم نره في تلك المسألة بعد أن نقل قولهما المذكور
رد عليهما بأنه يلزم منه المناقضة لأن القول بالوجوب يستلزم القول بوجوب الاستماع
وعدم وجوب الاستماع يستلزم الاستحباب كما ذكره هنا. وبالجملة فإنه كما ان أصل وجوب
الخطبة متوقف على الدليل كذلك وجوب الاستماع يتوقف عليه ولا ملازمة بينهما ؛ وما
علل به وجوب الاستماع في خطبة الجمعة في مقام الرد على صاحب المعتبر من انتفاء
فائدة الخطبة بدون الاستماع فهي علة مستنبطة ترجع الى مجرد الاستبعاد ، ومع فرض
وجودها في نص فإنه يمكن الجواب عنها بان علل الشرع ليست عللا حقيقية يجب
اطرادها كالعلل العقلية التي يدور المعلول مدارها وجودا وعدما وانما هي معرفات
وموضحات لنوع مناسبة أو بيان حكمة أو نحو ذلك كما لا يخفى على من أحاط خبرا بالعلل
المذكورة في اخبار علل الشرائع والأحكام.
واما ما ذكره
في كلامه الثالث من الخبر العامي للتأييد به ـ ولعله من حيث ان الشيخ نقله في كتاب
المجالس ـ فضعفه أظهر من أن يمكن الاعتماد عليه في تأسيس حكم
شرعي به.
وبالجملة فإن
مقتضى ظواهر الأخبار كما ذكره في التذكرة واعترف به في المدارك هو الوجوب مع
اعتضاده بما ذكرناه من خبري كتاب الفقه والعلل والعيون ، وليس في الأخبار ما يدل
على الاستحباب ولا ما يشير اليه إلا ما ربما يتوهم من كونهما بعد الصلاة وهو محض
خيال قاصر.
واما دعوى عدم
اشتراطهما في صحة الصلاة ـ وكذا دعوى ما يلازمه ويقتضيه من عدم وجوب حضورهما
واستماعهما ـ فلم نقف له على دليل أزيد من دعوى الإجماع ، مع ما عرفت من دلالة
ظاهر كلام الشيخ في المبسوط بل ظاهر كل من أطلق الحكم بكون شرائط العيد شرائط
الجمعة من غير تعرض لعدم وجوب ما ذكروه على خلاف هذا الإجماع.
قال بعض
المحققين من متأخري المتأخرين بعد ذكر نحو ما ذكرناه : انا لا نعرف لهم دليلا سوى
الإجماع المسبوق بخلاف الشيخ صريحا بل سائر أرباب النصوص ايضا حيث لم يتعرضوا
لاستثناء هذا من شرائط الجمعة لا صريحا ولا ضمنا سوى خبر عامي ضعيف السند نقله
الشيخ أولا من كتب المخالفين في مجالسه مع انه لم يعمل به على ما يظهر من كلامه ثم اشتهر بين
من بعده فاستدلوا به من غير وجدان شاهد من روايات أهل البيت (عليهمالسلام) ولا مؤيد ، إذ لو كان
__________________
لنقلوه قطعا مع خلو الكتب عنه اليوم ايضا ، والخبر ما رواه من طريق العامة
عن عطاء عن عبد الله بن السائب ثم ساق الخبر كما قدمنا نقله من المدارك. ثم قال : والذي
يظهر من فحوى كلام أصحابنا ان أصل مناط حكمهم في جميع ما ذكروا من نفى الاشتراط
وعدم وجوب الحضور والاستماع بل أصل استحباب الخطبتين هذا الخبر فان عليه مبنى
الإجماع الذي ذكروه. انتهى كلامه (زيد مقامه) وهو جيد متين كما لا يخفى على الحاذق
المكين.
المسألة
الثالثة ـ قد اشتهر في كلام متأخري الأصحاب انه مع اختلال شرائط الوجوب أو بعضها
فإنه يستحب أن تصلى جماعة وفرادى ، قال في المعتبر : وتستحب مع عدم الشرائط أو
بعضها جماعة وفرادى في السفر والحضر وتصلى كما تصلى في الجماعة. وقال القطب
الراوندي من أصحابنا من ينكر الجماعة في صلاة العيد سنة بلا خطبتين لكن جمهور
الإمامية يصلون هاتين الصلاتين جماعة وعملهم حجة.
أقول : وتصريح
المحقق ومن تأخر عنه بذلك معلوم من كتبهم وعليه العامة أيضا فإنهم بين قائل بتعين
الاستحباب جماعة وقائل بالتخيير بين الجماعة والانفراد وهو قول أكثرهم .
وقال الشيخ
المفيد بعد ذكر ما قدمنا نقله عنه من انها فرض لجميع من لزمته الجمعة على شرط حضور
الإمام سنة على الانفراد مع عدم حضور الامام : ومن فاتته صلاة العيد جماعة صلاها
وحده كما يصلى في الجماعة ندبا مستحبا.
وقال الشيخ في
المبسوط : متى تأخر عن الحضور لعارض صلاها في المنزل منفردا سنة وفضيلة. ثم قال :
ومن لا تجب عليه صلاة العيد من المسافر والعبد
__________________
وغيرهما يجوز لهما إقامتها منفردين سنة.
وقال السيد
المرتضى في المسائل الناصرية : هما سنة تصلى على الانفراد عند فقد الإمام أو
اختلال بعض الشرائط.
وأنت خبير بان
ظاهر عبارة الشيخ المفيد والشيخ في المبسوط والمرتضى هنا هو استحباب الصلاة منفردا
بعد فوات الصلاة الواجبة ولم يتعرضوا للاستحباب جماعة.
وقال أبو
الصلاح : فان اختل شرط من شرائط العيد سقط فرض الصلاة وقبح الجمع فيها مع الاختلال
وكان كل مكلف مندوبا الى هذه الصلاة في منزله والإصحار بها أفضل.
وقال ابن إدريس
: معنى قول أصحابنا «على الانفراد» ليس المراد بذلك أن يصلى كل واحد منهم منفردا
بل الجماعة أيضا عند انفرادها من دون الشرائط مسنونة مستحبة ، قال ويشتبه على بعض
المتفقهة هذا الموضع بان يقول على الانفراد أراد مستحبة إذا صلاها كل واحد وحده
قال لان الجمع في صلاة النوافل لا يجوز وإذا عدمت الشرائط صارت نافلة فلا يجوز
الاجتماع فيها ، قال محمد بن إدريس وهذا قلة بصيرة من قائله بل مقصود أصحابنا على
الانفراد ما ذكرناه من انفرادها عن الشرائط.
وقال العلامة
في المختلف ونعم ما قال : وتأويل ابن إدريس بعيد مع انه روى النهى
عمار بن موسى
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له هل يؤم الرجل بأهله في صلاة العيدين في
السطح أو بيت؟ قال لا يؤم بهن ولا يخرجن». ولو كانت الجماعة مستحبة لاستحبت هنا إذ
المستحب في حق الرجل مستحب في حق المرأة إلا ما خرج بالدليل ، إلا ان فعل الأصحاب
في زماننا الجمع فيها. ثم نقل ملخص كلام الراوندي الذي قدمناه بتمامه.
وقال الشهيد في
الذكرى : وتفارق الجمعة عند الأصحاب بأنها مع عدم الشرائط تصلى سنة جماعة وهو أفضل
وفرادى ، وكذلك يصليها من لم تجب عليه من المسافر
__________________
والعبد والمرأة ندبا ان لم يقم في البلد فرضها مع الامام. ثم نقل كلام
السيد المرتضى وابى الصلاح وابن إدريس والراوندي. ثم قال ونص عليه الشيخ في
الحائريات. ثم قال وقد روى عمار عن الصادق (عليهالسلام) ثم ساق الرواية كما قدمناه ، ثم قال : وربما يفهم منه
نفى الجماعة فيها وكذلك في رواية سماعة عنه (عليهالسلام) قال : «لا صلاة في العيدين إلا مع الإمام فإن صليت وحدك
فلا بأس». وقد يجاب عن رواية عمار بنفي تأكيد الجماعة بالنساء ، وعن الثانية ان
المراد بها إذا كانت فريضة لا تكون إلا مع الامام كما قاله في التهذيب ، وقد روى
عبد الله بن المغيرة قال : «حدثني بعض أصحابنا قال سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن صلاة الفطر والأضحى فقال صلهما ركعتين في جماعة
وغير جماعة». وظاهر هذا عموم الجماعة. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان ظاهر مرسل عبد الله بن المغيرة المذكور انما هو بيان ان صلاة العيد ركعتان صليت
وجوبا في الجماعة أو ندبا بغير جماعة. وفيه اشارة للرد على من قال بالأربع ركعات
متى فاتت الصلاة مع الامام. وان لم يكن ما ذكرناه هو الأظهر فلا أقل من أن يكون
مساويا لما ذكره وبه يسقط الاستدلال بالخبر المذكور.
ثم أقول : لا
يخفى ان الأخبار قد تكاثرت بالصلاة منفردا مع عدم الإمام بالكلية أو عدم إدراك
الصلاة معه ولم نقف في الأخبار على ما يقتضي توظيف الجماعة في هذه الصورة بل ظاهر
خبر عمار المتقدم كما عرفت هو التصريح بالمنع منها
وأما ما يدل
على استحباب الصلاة وحده مع عدم الجماعة فمن ذلك موثقة سماعة المتقدمة وصحيحة عبد الله بن سنان قال : «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل
وليتطيب بما وجد وليصل في بيته وحده كما يصلى في الجماعة».
__________________
وموثقة الحلبي قال : «سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل لا يخرج في يوم الفطر والأضحى أعليه صلاة
وحده؟ قال نعم».
وعن سماعة في
الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له متى يذبح؟ قال إذا انصرف الامام. قلت
فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة؟ فقال إذا استقلت الشمس. وقال لا
بأس أن تصلى وحدك ولا صلاة إلا مع امام».
ومرسلة عبد
الله بن المغيرة المتقدمة ، وقد عرفت ان المراد بقوله فيها «في جماعة» انما هو حال
الوجوب وحينئذ يكون غير الجماعة عبارة عن الانفراد وهو المستحب
وصحيحة منصور
بن حازم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «مرض ابى يوم الأضحى فصلى في بيته ركعتين ثم ضحى».
واحتمل في
الوافي في هذا الخبر الوجوب مع اختصاص الحكم بالإمام وأيده بما رواه الشيخ عن
الحلبي قال : «سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) عن الامام لا يخرج يوم الفطر والأضحى أعليه صلاة وحده؟
قال نعم». واحتمل الاستحباب مع عموم الحكم كما تقدم في الأخبار المذكورة.
وظني ان ما
ذكره من الاحتمال الأول بعيد ، وتوهم الوجوب من قوله (عليهالسلام) في رواية الحلبي «أعليه» معارض بما تقدم في موثقة
الحلبي من قوله «الرجل لا يخرج في يوم الفطر والأضحى أعليه
صلاة وحده؟ قال نعم». وحينئذ فالمراد بقوله «عليه» في كلتا الروايتين انما هو مطلق
الثبوت الشامل للوجوب والاستحباب ، على ان وجه الخصوصية هنا غير ظاهر ، وحينئذ
فالرواية منتظمة مع ما ذكرناه من الأخبار.
ولا ينافي ذلك ما
في رواية هارون بن حمزة الغنوي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) من قوله : «فقلت أرأيت ان كان مريضا لا يستطيع ان يخرج أيصلى
في بيته؟ قال لا».
وفي رواية محمد
بن قيس عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) قال : «إنما الصلاة
__________________
يوم العيد على من خرج الى الجبانة ومن لم يخرج فليس عليه صلاة».
وفي صحيحة
زرارة حيث قال (عليهالسلام) «ومن لم يصل مع إمام في جماعة فلا صلاة له ولا قضاء
عليه». فان الوجه فيها الحمل على نفى الوجوب جمعا بين الاخبار.
وفي هذه
الأخبار رد على ما نقل عن الصدوق في المقنع حيث قال : ولا يصلين الا مع الإمام
جماعة. وابن ابى عقيل حيث قال : من فاتته الصلاة مع الامام لم يصلها وحده. ولعلهما
قد استندا الى ما ذكرناه من هذه الروايات الأخيرة. إلا انه يمكن تأويل كلامهما بما
أولنا به الأخبار المذكورة إذ من البعيد عدم اطلاعهما على الأخبار الدالة على
الانفراد مع كثرتها وتعددها وأبعد منه الاطلاع عليها وطرحها من البين.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انا لم نقف لما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) من الاستحباب جماعة مع
اختلال بعض شروط الوجوب على دليل.
وغاية ما استدل
به في الذكرى كما تقدم مرسلة عبد الله بن المغيرة وقد عرفت الجواب عنها ، مع
معارضتها ـ لو سلمت من الاحتمال الذي ذكرناه ـ بموثقة عمار المتقدمة وان تأولها بالبعيد والاحتمال الغير السديد.
وغاية ما تعلق
به الراوندي هو عمل جمهور الإمامية وصلاتهم لها جماعة استحبابا حال الغيبة. ولا
يخفى ما فيه إذ رب مشهور لا أصل له ورب متأصل ليس بمشهور ، سيما مع ورود الأخبار
المتقدمة الدالة على التقييد بالوحدة والانفراد في الإتيان بها مع اختلال شرط الوجوب
، مع عدم وجود المعارض الصريح بل وجود المؤيد الفصيح كما عرفت من موثقة عمار ،
فكيف يمكن التعلق بعملهم وفعلهم في مقابلة هذه الأخبار وخصوصا مع موافقة ما
يفعلونه للعامة كما تقدمت الإشارة اليه وأما إيقاع القدماء لها كذلك ان ثبت فلعله بناء على
الوجوب كما هو ظاهر ما تقدم من عدم الدليل على اشتراط إمام الأصل في وجوبها فتوهم
من اشترطه
__________________
ان فعلهم لها على جهة الاستحباب. وسيأتي ما يؤيده.
وبالجملة
فالظاهر هو انحصار الاستحباب في الانفراد كما هو مفاد الأخبار المتقدمة مع كونه
خلاف جميع العامة.
وكيف كان
فالاستحباب جماعة إنما يتجه على ما هو المشهور من اشتراط وجوب العيدين وجوبا عينيا
بإمام الأصل ، ولا ريب ان هذا الشرط مختل زمان الغيبة ولهذا نقل القطب الراوندي
والعلامة في المختلف ـ على ما قدمنا نقله عنهما ـ ان عمل الأصحاب على الصلاة جماعة
استحبابا زمان الغيبة ، إلا انك قد عرفت انه لا مستند له.
واما على ما هو
الظاهر من كلام جملة من محققي متأخري المتأخرين ـ وهو الظاهر ايضا ممن قال بالوجوب
العيني حال الغيبة من المتقدمين حيث انهم يجعلون شرائط الجمعة ثابتة لصلاة العيد
من أن صلاة العيد زمن الغيبة كصلاة الجمعة واجبة عينا والامام المشترط فيها انما
هو إمام الجماعة ـ فيشكل التعدد جماعة فيها في مسافة الفرسخ كما عليه علماء زماننا
الآن فإنهم يصلون جماعات عديدة في البلد الواحد مع ترجيحهم هذا القول الذي أشرنا
اليه وقولهم باشتراط الوحدة فيها كما في الجمعة ، لأنه متى صليت في مسافة الفرسخ
بناء على ما ذكرنا امتنعت الصلاة ثانيا لعين ما تقرر في صلاة الجمعة من عدم
مشروعية الجمعة الثانية في المسافة المذكورة.
وربما كان
مستندهم في جواز التعدد في الصورة المذكورة ما تقدم نقله عن شيخنا الشهيد من أن
شرط الوحدة في فرسخ انما يعتبر مع وجوب الصلاتين فلو كانتا مندوبتين أو إحداهما لم
يمتنع التعدد.
وفيه ان كلام
شيخنا المذكور مبنى على اشتراط المعصوم في الوجوب العيني فهي الآن عنده مستحبة فلا
يشترط فيها هذا الشرط إذ هو مخصوص بالواجبة ، وأما من ثبت عنده الوجوب زمن الغيبة
عملا بإطلاق الأخبار المتقدمة الدالة على الوجوب من غير ما يصلح لتقييدها بوجود
إمام الأصل كما يدعونه وقد حصل باقي الشروط فان الوجوب يكون عينيا عنده فلا بد من
اعتبار الوحدة فيها كما في الجمعة
التي قد حملوها عليها ، على ان ما ادعاه الشهيد من مشروعية الجماعة وان
كانت مستحبة محل المنع كما عرفت.
وبالجملة فإن
ما يفعله علماء زماننا كما حكيناه عنهم مما لا اعرف له وجه صحة على كل من القولين
، اما على القول المشهور ـ من اشتراط الوجوب العيني بوجود إمام الأصل فتكون في زمن
الغيبة مستحبة ـ ففيه أنه مع تسليم ذلك فإن غاية ما دلت عليه الأخبار هو استحبابها
فرادى لا جماعة كما تقدم تحقيقه ، سيما مع دلالة الأخبار المتكاثرة على عدم
مشروعية الجماعة في صلاة النافلة إلا في مواضع مخصوصة وليس هذا منها ، واما على
القول المختار ـ من وجوبها حال الغيبة عينا وانعقادها بإمام الجماعة حسبما مر في
الجمعة ـ فإنها باستكمال الشروط من وجود الامام وإمكان الخطبة والعدد والجماعة
والكون في فرسخ تكون واجبة عينا فمتى أقيمت وجب على كل من في مسافة الفرسخ السعي
إليها والحضور فيها وكيف يتجه صلاتها ثانيا ندبا بناء على الحال المذكورة. ثم لو
فرضنا تخلف بعض عن الحضور لعذر أو لغير عذر فغاية ما دلت عليه الأخبار انه يصليها
منفردا.
وبالجملة
فالحكم فيها كما في الجمعة إلا انها تزيد هنا باستحباب الصلاة فرادى مع عدم إدراك
الجماعة أو تعذر حضورها ، وأما الصلاة جماعة فكما انه تحرم الجمعة الثانية بعد
إقامتها أولا كذلك تحرم صلاة العيد ثانيا جماعة بعد الإتيان بها أولا ، ولهذا انا
نعجل الصلاة بها حال طلوع الشمس ليتوجه البطلان الى من صلى بعدنا. والله العالم
المسألة
الرابعة ـ ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) الاتفاق على سقوط صلاة العيدين عن كل
من تسقط عنه صلاة الجمعة ، قال في التذكرة انما تجب صلاة العيد على من تجب عليه
الجمعة عند علمائنا أجمع. وقال في المنتهى لا نعرف فيه خلافا.
قال في المدارك
: ويدل عليه أصالة براءة الذمة من وجوب هذه الصلاة على من لا تجب عليه الجمعة
السالمة عن ما يصلح للمعارضة لانتفاء ما يدل على العموم في من تجب عليه.
وفيه نظر ظاهر
وكيف لا والأخبار التي قدمناها في المسألة الأولى ظاهرة الدلالة في العموم فإنه لا
ريب ان الخطاب فيها راجع الى جميع المكلفين فان قولهم (عليهمالسلام) : «صلاة العيدين فريضة وصلاة الكسوف فريضة». يعنى على
كل مكلف إلا ما خرج بدليل وارد عنهم (عليهمالسلام) وإلا لزم مثله في صلاة الكسوف التي قرنها بها مع ان
هذا القائل لا يلتزمه ، وحينئذ فالواجب الوقوف على ما دل الدليل على خروجه من هذا
العموم ويبقى ما عداه داخلا تحت خطاب التكليف.
والذي وقفت
عليه في الأخبار من الافراد المستثناة عن الدخول منها المسافر لصحيحة زرارة عن
أحدهما (عليهماالسلام) قال : «إنما صلاة العيدين على المقيم ولا صلاة إلا
بإمام».
وصحيحة ربعي
والفضيل بن يسار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ليس في السفر جمعة ولا فطر ولا اضحى».
وما رواه
البرقي في كتاب المحاسن بسنده عن العلاء بن الفضيل عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ليس في السفر جمعة ولا أضحى ولا فطر». قال ورواه
ابى عن خلف بن حماد عن ربعي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) مثله .
وروى في كتاب
دعائم الإسلام عن على (عليهالسلام) انه قال : «ليس على المسافر جمعة ولا عيد».
أقول : دلالة
هذه الروايات على السقوط عن المسافر واضحة مضافا الى الإجماع المتقدم نقله.
__________________
وأما ما رواه
في التهذيب والفقيه عن سعد بن سعد عن ابى الحسن الرضا (عليهالسلام) قال : «سألته عن المسافر إلى مكة وغيرها هل عليه صلاة
العيدين الفطر والأضحى؟ قال نعم إلا بمنى يوم النحر». فقد حمله الشيخ على
الاستحباب ، والأظهر ـ كما ذكره في الوافي ـ ان يقيد الاستحباب بما إذا شهد
المسافر بلدة يصلى فيها العيد فإنه يستحب له حضوره كما في الجمعة لا انه ينشئ صلاة
العيد في سفره.
ونحو هذه
الرواية أيضا موثقة سماعة قال : «سألته عن صلاة العيد قال في الأمصار كلها إلا في
يوم الأضحى بمنى فإنه ليس يومئذ صلاة ولا تكبير».
وأنت خبير بان
هذه الرواية ليست نصا في عدم السقوط عن المسافر بل ربما كان استثناء الأضحى بمنى
مشعرا بالسقوط عن المسافر فتكون منطبقة على الأخبار المتقدمة.
ومنها ـ النساء
لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «انما رخص رسول الله (صلىاللهعليهوآله) للنساء العواتق في الخروج في العيدين للتعرض للرزق».
وعن عمار بن
موسى في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له هل يؤم الرجل بأهله في صلاة العيدين في
السطح أو بيت؟ فقال لا يؤم بهن ولا يخرجن وليس على النساء خروج. وقال أقلوا لهن من
الهيئة حتى لا يسألن الخروج».
وما رواه في
كتاب معاني الأخبار عن محمد بن شريح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن خروج النساء في العيدين فقال لا إلا العجوز عليها
منقلاها يعنى الخفين».
ودلالة هذه
الروايات ايضا على السقوط عن النساء واضحة مضافا الى الإجماع المتقدم.
__________________
إلا ان بإزاء
هذه الأخبار ما يدل بظاهره على وجوب الخروج عليهن مثل ما رواه في قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه (عليهالسلام) قال : «سألته عن النساء هل عليهن صلاة العيدين
والتكبير؟ قال نعم قال وسألته عن النساء هل عليهن من صلاة العيدين والجمعة ما على
الرجال؟ قال نعم. قال وسألته عن النساء هل عليهن من التطيب والتزين في الجمعة
والعيدين ما على الرجال؟ قال نعم».
وما رواه في
كتاب الذكرى قال روى ابن ابى عمير في الصحيح عن جماعة منهم حماد بن
عثمان وهشام بن سالم عن الصادق (عليهالسلام) انه قال : «لا بأس بأن تخرج النساء في العيدين للتعرض
للرزق».
ومن الذكرى
ايضا قال روى إبراهيم بن محمد الثقفي في كتابه بإسناده الى على (عليهالسلام) قال : «لا تحبسوا النساء عن الخروج في العيدين فهو
عليهن واجب».
وحملها الأصحاب
على الاستحباب ، والمشهور استحباب صلاة العيد لكل من سقطت عنه إلا الشواب وذوات
الهيئة من النساء فإنه يكره لهن الخروج إليها.
قال في الذكرى
: قال الشيخ لا بأس بخروج العجائز ومن لا هيئة لهن من النساء في صلاة الأعياد
ليشهدن الصلاة ولا يجوز ذلك لذوات الهيئات منهن والجمال. وفي هذا الكلام أمران (أحدهما)
ان ظاهره عدم الوجوب عليهن ولعله لما رواه ابن ابى عمير في الصحيح عن جماعة ثم ساق
الرواية كما تقدمت. ثم قال إلا انه لم يخص فيها العجائز وقد روى عبد الله بن سنان
قال : انما رخص رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ثم ساق الخبر كما قدمناه ثم قال والعواتق الجواري حين يدركن. ولكنه معارض بما
رواه أبو إسحاق إبراهيم الثقفي في كتابه بإسناده الى على (عليهالسلام) ثم ذكره كما تقدم ثم قال ولأن الأدلة عامة للنساء (الأمر
الثاني) ان الشيخ منع خروج ذوات الهيئات
__________________
والجمال والحديث دال على جوازه للتعرض للرزق اللهم إلا ان يريد به المحصنات
أو المملكات كما هو ظاهر كلام ابن الجنيد حيث قال : وتخرج إليها النساء العواتق
والعجائز ونقله الثقفي عن نوح بن دراج من قدماء علمائنا. انتهى كلامه في الذكرى
ملخصا.
ومنها ـ المريض
لما رواه الشيخ والصدوق في الحسن بل الصحيح عن هارون ابن حمزة الغنوي عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «الخروج يوم الفطر والأضحى إلى الجبانة حسن لمن
استطاع الخروج إليها. فقلت أرأيت ان كان مريضا لا يستطيع أن يخرج أيصلى في بيته؟
قال لا». وقد تقدم ان المراد بقوله «لا» نفى الوجوب لما عرفت سابقا من استحبابها
فرادى بالنصوص المتقدمة.
ومنها ـ العبد ويدل
عليه وعلى الافراد المتقدمة أيضا قول الرضا (عليهالسلام) في كتاب الفقه «وصلاة العيدين فريضة واجبة مثل صلاة الجمعة إلا على خمسة : المريض والمرأة
والمملوك والصبي والمسافر».
هذا ما وقفت
عليه من الأخبار الدالة على الاستثناء في هذه الصلاة وبموجبه يبقى ما عدا هؤلاء
المذكورين داخلين تحت خطاب التكليف إلا ان يقال باستثنائها بالأدلة العامة كالأعمى
والكبير السن لحصول الحرج والمشقة في السعي عليهما.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه قد صرح الأصحاب باستحباب الصلاة لهؤلاء فرادى وجماعة بناء على ما يدعونه
من مشروعية الجماعة استحبابا في هذه الصلاة ، ويدل عليه فرادى بالنسبة إلى المسافر
والمرأة ما تقدم من الأخبار المحمولة على الاستحباب وعلى المريض صحيحة منصور بن
حازم المتقدمة في حكاية الصادق عن أبيه (عليهماالسلام) انه مرض يوم الأضحى فصلى في بيته ركعتين ثم ضحى.
قال في المدارك
: وقد حكم الأصحاب باستحبابها ايضا لمن لا تجب عليه الجمعة كالمسافر والعبد
والمرأة ، وهو حسن وان أمكن المناقشة فيه بعدم الظفر بما يدل عليه بالخصوص. نعم
روى سعد بن سعد الأشعري في الصحيح عن الرضا (عليهالسلام) ثم ساق الرواية
__________________
كما تقدم في المقام ثم قال : وهي محمولة على الاستحباب جمعا بينها وبين قوله
(عليهالسلام) في صحيحة زرارة «إنما صلاة العيدين على المقيم». انتهى كلامه زيد مقامه.
والعجب منه (قدسسره) انه مع اعترافه بعدم الظفر بما يدل عليه بالخصوص كيف
حكم باستحسان ما ذكره الأصحاب وان كان بغير دليل مع مناقشاته للأصحاب في ما قامت
الأدلة عليه بزعم انها ضعيفة باصطلاحه وان كانت مجبورة بالشهرة بينهم فكيف يوافقهم
هنا من غير دليل بالكلية؟ وربما أوهم قوله : «ما يدل عليه بالخصوص» على وجود دليل
بطريق العموم وليس كذلك.
وبالجملة فإن
الذي وقفنا عليه من أخبار المسألة هو ما ذكرناه إلا ان ثبوت الاستحباب بها في
المقام عندي لا يخلو من الإشكال لما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم من أن
الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل الواضح ، ومجرد اختلاف الأخبار ليس بدليل إذ
مبنى القول بالاستحباب هنا على الجمع بين الأخبار وإلا فلو خلينا وأدلة الثبوت
لكانت دالة على الوجوب إلا ان ضرورة الجمع بينها وبين الأخبار الدالة على السقوط
أوجب حملها على الاستحباب. وأيضا فإن إخراج ما ظاهره الوجوب عن حقيقته يحتاج إلى
القرينة واختلاف الأخبار ليس من قرائن المجاز. ومحل الإشكال في روايات النساء حيث
أن ظاهر جملة منها الوجوب عليهن وإلا فروايات المسافر لا إشكال فيها متى حملنا
صحيحة سعد بن سعد على ما قدمنا ذكره من أن المراد بها صلاة المسافر مع من يصليها
من الحاضرين دون أن ينشئ صلاة وحده أو جماعة مسافرين. وأما رواية سماعة فقد عرفت
انها غير ظاهرة الدلالة. ويمكن حمل ما دل على الوجوب في النساء على العجائز منهن
فلا ينحصر الجمع في الاستحباب كما ادعوه. والله العالم.
المسألة
الخامسة ـ أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ كما حكاه العلامة في التذكرة
والنهاية ـ على ان وقت صلاة العيدين ما بين طلوع الشمس الى الزوال.
__________________
قال في المدارك
بعد نقل ذلك : ومستنده حسنة زرارة قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) ليس في الفطر والأضحى أذان ولا إقامة إذ انهما طلوع
الشمس إذا طلعت خرجوا». وموثقة سماعة قال : «سألته عن الغدو الى المصلى في الفطر والأضحى
فقال بعد طلوع الشمس». ثم نقل عن الشيخ في المبسوط ان وقتها إذا طلعت الشمس
وارتفعت وانبسطت. ثم قال : وهو أحوط. ومقتضى الروايتين ان وقت الخروج الى المصلى
بعد طلوع الشمس ، وقال المفيد انه يخرج قبل طلوعها فإذا طلعت صبر هنيئة ثم صلى.
انتهى.
أقول : لا يخفى
ان المدعى في كلامهم هو امتداد الوقت من طلوع الشمس الى الزوال والخبران المذكوران
اللذان جعلهما مستندا لهذه الدعوى انما يدلان على التوقيت بطلوع الشمس بمعنى انه
إذا طلعت الشمس خرجوا إلى الصلاة ولا دلالة فيهما على ما يدعونه من الامتداد الى
الزوال فهما غير منطبقين على المدعى بتمامه.
ومما يدل ايضا
على ما دل عليه الخبران المذكوران ما رواه السيد العابد الزاهد المجاهد رضى الدين
على بن طاوس (قدسسره) في كتاب الإقبال بإسناده إلى يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسكان
عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يخرج بعد طلوع الشمس».
وروى فيه بسنده الى محمد بن هارون بن موسى بإسناده إلى زرارة عن
ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «لا تخرج من بيتك إلا بعد طلوع الشمس».
وفي حديث خروج
الرضا (عليهالسلام) الى صلاة العيد بتكليف المأمون المروي في كتابي الكافي
وعيون أخبار الرضا (عليهالسلام) «فلما طلعت الشمس قام فاغتسل وتعمم». ثم ساق الخبر في كيفية خروجه (عليهالسلام).
__________________
ولم أقف في
الأخبار بعد التتبع التام على ما يدل على الامتداد الى الزوال كما ذكروه ولا اعرف
لهم مستندا غير الإجماع الذي ادعوه مع ظهور الخلاف من ظاهر عبارتي الشيخين
المنقولتين.
والعجب من
السيد السند (طاب ثراه) انه مع مناقشاته الأصحاب وعدوله عن ما عليه اتفاقهم في
جملة من الأحكام كما لا يخفى على من له أنس بكتابه مع قيام الأدلة على ما يدعونه
بمناقشاته في أسانيد أدلتهم والجمود هنا على ما ذكروه من غير دليل. وأعجب منه
استدلاله لهم بهذين الخبرين والحال كما عرفت.
نعم ربما يشير
الى ما ذكروه من الامتداد صحيحة محمد بن قيس الدالة على قضاء صلاة العيد في الغد
مع ثبوت الرؤية بعد الزوال لقوله فيها «إذا شهد عند الامام شاهدان أنهما رأيا
الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالإفطار في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال
الشمس فان شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم وأخر الصلاة الى الغد».
قال في الوافي
: هكذا وجد في النسخ والظاهر سقوط «وصلى بهم» بعد قوله «في ذلك اليوم» أولا ويجوز
انه قد اكتفى عنه بالظهور. انتهى.
أقول : أنت
خبير بأنه مع تسليم صحة ما ذكروه فغاية ما يدل عليه الخبر ثبوت الامتداد في هذه
الصورة ولعله مقصور عليها من حيث الضرورة وعدم إمكان الصلاة في ذلك الوقت المذكور
في الأخبار لفواته فلا يثبت به الحكم كليا وإلا فمن المحتمل قريبا في الخبر
المذكور ان جملة «وأخر الصلاة الى الغد» مستأنفة لا معطوفة على الجملة الجزائية ،
وحاصل الكلام انه أمر بالإفطار مع ثبوت الرؤية قبل الزوال أو بعد الزوال وعلى كل
منهما أخر الصلاة الى الغد لفوات وقتها.
ويؤيده إطلاق
الخبر الذي معه وهو مرفوعة محمد بن احمد قال : «إذا
__________________
أصبح الناس صياما ولم يروا الهلال وجاء قوم عدول يشهدون على الرؤية
فليفطروا وليخرجوا من الغد أول النهار الى عيدهم». فإنه كما ترى مطلق في كون ثبوت
الرؤية قبل الزوال أو بعده.
قال في الوافي
بعد ذكر هذا الخبر أيضا : يعني إذا شهدوا بعد فوات الوقت. ومراده يعنى بعد الزوال
الذي هو آخر الوقت بقرينة كلامه الأول.
ولا يخفى عليك
ان صحة هذه التأويلات التي ذكرها في ذيل كل من هذين الخبرين موقوفة على قيام
الدليل على ما ادعوه من الامتداد الى الزوال وقد عرفت انه لا دليل عليه ، وحينئذ
فلا ثمرة لهذه التأويلات وإخراج الأخبار عن ظاهرها من غير معارض.
ويعضد ما
ذكرناه ما رواه في كتاب دعائم الإسلام عن على (عليهالسلام) «في القوم لا يرون الهلال فيصبحون صياما حتى يمضى وقت صلاة العيد من أول
النهار فيشهد شهود عدول أنهم رأوه من ليلتهم الماضية؟ قال يفطرون ويخرجون من غد
فيصلون صلاة العيد في أول النهار». فإنها كما ترى ظاهرة الدلالة في أن وقت صلاة
العيد أول النهار وهو بعد طلوع الشمس كما صرحت به الأخبار المتقدمة ، وان الشهود
إذا كانوا انما شهدوا بعد مضى ذلك الوقت أفطر الناس وأخروا صلاة العيد الى الغد
وبالجملة فإنه
لا يظهر لما ذكروه (رضوان الله عليهم) دليل غير الإجماع الذي ادعوه ، وطرح هذه الأخبار
التي قدمناها مع صحة بعضها وصراحة الجميع في مقابلة هذا الإجماع مما لا يتجشمه ذو
دين سيما مع ظهور القدح في إجماعاتهم كما تقدم في صلاة الجمعة وفي هذا الإجماع
بخصوصه بمخالفة الشيخين المذكورين كما أشرنا اليه. وحمل تلك الأخبار على معنى تتفق
به مع الإجماع المذكور غير ظاهر.
وأنت خبير بان
البحث في هذه المسألة نظير ما تقدم في وقت صلاة الجمعة حيث ان أكثر الأصحاب على
الامتداد فيه الى المثل ومنهم من زاد على ذلك وجعله
__________________
ممتدا بامتداد وقت الظهر ومنهم من خصه بساعة الزوال ، وهذا هو المؤيد
بالأخبار كما قدمنا بيانه وشيدنا أركانه.
وظاهر صاحب
المدارك في تلك المسألة الميل الى ما دلت عليه تلك الأخبار المخالفة للقول المشهور
وهنا الميل الى القول المشهور مع عدم الدليل عليه بل قيام الدليل على خلافه ،
وسؤال الفرق متجه. والله العالم.
المسألة
السادسة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في قضاء صلاة العيد وعدمه لو زالت
الشمس ولم تصل بالكلية وكذا لو صليت ولكن فات ذلك بعض المكلفين ، ثم على تقدير
القول بالقضاء في الصورة الثانية فهل تقضى ركعتين أم أربعا؟
والكلام هنا
يقع في مقامين (الأول) في القضاء وعدمه لو لم تصل بالكلية قال في المختلف : لو لم
تثبت رؤية الهلال إلا بعد الزوال أفطر وسقطت الصلاة فرضا ونفلا ، وقال ابن الجنيد
ان تحققت الرؤية بعد الزوال أفطروا وغدوا الى العيد ، لنا ان الوقت قد فات والأصل
عدم القضاء فإنه انما يجب بأمر متجدد ولم يثبت بل قد ورد ان من فاتته مع الامام
فلا قضاء عليه ولان شرطها شرط الجمعة ومن شرائط الجمعة بقاء الوقت
فكذا ما سواها. احتج القائلون بالقضاء بما ورد من أن من فاتته صلاة فريضة فليقضها
كما فاتته . والجواب المراد بذلك الصلاة اليومية لظهورها عند الإطلاق.
انتهى.
وقال الشهيد في
الذكرى : لو ثبت الرؤية من الغد فان كان قبل الزوال صليت العيد وان كان بعده سقطت
إلا على القول بالقضاء. وقال ابن الجنيد ان تحققت الرؤية بعد الزوال أفطروا وغدوا
الى العيد لما روى عن النبي (صلىاللهعليهوآله) انه قال : «فطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون وعرفتكم
يوم تعرفون». وروى «ان ركبا
__________________
شهدوا عنده (صلىاللهعليهوآله) أنهم رأوا الهلال فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا أن
يغدوا الى مصلاهم». وهذه الأخبار لم تثبت من طرقنا. انتهى. وعلى هذا النهج كلام
غيرهم من المتأخرين بل ظاهر العلامة في المنتهى كون ذلك متفقا عليه عندنا.
أقول : العجب
منهم (رضوان الله عليهم) في ما ذكروه في هذا المقام مع وجود الأدلة على القضاء في
الصورة المذكورة وهو ما قدمناه في سابق هذه المسألة من صحيحة محمد بن قيس ومرفوعة
محمد بن احمد ورواية كتاب الدعائم ، وظاهر الكليني والصدوق ايضا القول بذلك حيث
انه في الكافي قال : «باب ما يجب على الناس إذا صح عندهم بالرؤية يوم
الفطر بعد ما أصبحوا صائمين» ثم أورد الخبرين المتقدمين. وأما الصدوق فإنه قال
أيضا : باب ما يجب على الناس الى آخر ما ذكره الكليني ثم أورد رواية محمد بن
قيس ثم قال وفي خبر ثم أورد مرفوعة محمد بن أحمد المذكورة مؤيدا ذلك بما قدمه في
صدر كتابه.
(الثاني) ـ في
القضاء لو لم تدرك الصلاة مع الجماعة ، وقد اضطرب كلامهم في هذا المقام والمشهور
عدم القضاء. قال في المدارك بعد قول المصنف «ولو فاتت لم تقض» ما صورته : إطلاق
العبارة يقتضي عدم الفرق في الصلاة بين كونها فرضا أو نفلا وفي الفوات بين أن يكون
عمدا أو نسيانا ، وبهذا التعميم صرح في التذكرة وقال ان سقوط القضاء مذهب أكثر
الأصحاب. وقال الشيخ في التهذيب من فاتته الصلاة يوم العيد لا يجب عليه القضاء
ويجوز أن يصلى ان شاء ركعتين وان شاء أربعا من غير أن يقصد بها القضاء وقال ابن
إدريس يستحب قضاؤها. وقال ابن حمزة إذا فاتت لا يلزم قضاؤها إلا إذا وصل في حال
الخطبة وجلس مستمعا لها. وقال ابن الجنيد من فاتته ولحق الخطبتين صلاها أربعا
مفصولات يعنى بتسليمتين. ونحوه قال على بن بابويه إلا انه قال يصليها بتسليمة.
والأصح السقوط مطلقا. ثم استدل على ذلك بان القضاء
__________________
فرض مستأنف فيتوقف على الدلالة ولا دلالة ، وبصحيحة زرارة الدالة على ان من لم يصل مع الإمام في جماعة يوم العيد
فلا صلاة له ولا قضاء عليه. ثم نقل عن القائلين بأنها أربع الاحتجاج برواية أبي
البختري عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهمالسلام) قال : «من فاتته صلاة العيد فليصل أربعا». ثم أجاب
بالطعن في السند وبمنع الدلالة فإن الأربع لا يتعين كونها قضاء. انتهى.
أقول : لا يخفى
ما في كلامهم هنا من الإجمال بل الاختلال وذلك انك قد عرفت في سابق هذه المسألة
أنهم أجمعوا على ان وقت صلاة العيد ممتد الى الزوال وحينئذ فالقضاء الذي هو عبارة
عن فعل العبادة في خارج وقتها لا يصدق إلا على ما كان بعد الزوال مع ان ظاهر
كلامهم واختلافهم هنا يعطي ان المراد بالقضاء انما هو ما بعد فوات الجماعة كما
يعطيه مذهب ابن حمزة وابن الجنيد وابن بابويه من فرضهم المسألة في من لحق الخطبة
واستمع لها فإنه يصلى بعدها ركعتين أو أربعا على الخلاف ، وهذا لا يسمى قضاء وانما
يرجع الى ما قدمناه من ان من لم يدرك الجماعة أو كان له عذر عن حضورها فإنه يستحب
له أن يصلى صلاة العيد ركعتين ، وهذا هو الذي دلت عليه الأخبار المتقدمة واتفقت
عليه كلمات الأصحاب ، وانما وقع الخلاف والإشكال في كون ذلك الاستحباب مخصوصا
بالفرادى أو يشمل الجماعة أيضا ، وحينئذ فذكر هذه المسألة هنا ونقل هذه الأقوال
مما لا وجه له ولا معنى بالكلية إذ القضاء كما يدعونه غير متجه كما عرفت.
(فان قيل) يمكن
حمل القضاء في كلامهم هنا على مجرد الإتيان بها فالقضاء بمعنى الفعل كما في قوله
سبحانه وتعالى «فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ»
.
(قلنا) الحمل
على هذا المعنى ينافيه مقابلة هذه الأقوال بسقوط القضاء الذي
__________________
هو المشهور ، إذ ليس المراد بالقضاء هنا إلا الإتيان بها خارج الوقت كما
عرفت من احتجاج صاحب المدارك ، مع ان المشهور استحباب الإتيان بها مع اختلال
الشرائط فرادى وجماعة كما تقدم ، فلو كان مرادهم بالقضاء انما هو مجرد الفعل لكان
معنى القول المشهور بأنه لا قضاء يعنى لا تفعل بعد ذلك مع ان المشهور هو فعلها كما
عرفت. وبالجملة فإن كلامهم هنا لا يخلو من تشويش وإجمال كما أوضحناه بحمد الملك
المتعال.
نعم هذا الخلاف
انما يتجه على ما اخترناه وصرحنا به آنفا من أن وقت صلاة العيد هو طلوع الشمس الى
أن يأتي بها جماعة فلو فات هذا الوقت وانقضت صلاة الجماعة فيه صدق القضاء لخروج
الوقت الذي ذكرناه ، وهذا هو الذي دلت عليه صحيحة زرارة المذكورة فإطلاق القضاء فيها مؤيد لما اخترناه من تخصيص الوقت
بما قلناه ، ففيها تأييد ظاهر لما ذكرناه من الوقت وان خالف المشهور فان ذلك هو
مقتضى الأدلة كما عرفت وهذا الخبر من جملتها.
بقي الكلام هنا
في أشياء : أحدها ـ ان ظاهر كلام المدارك عدم وجود دليل لابن حمزة في ما نقله عنه
من تخصيصه وجوب القضاء بما إذا وصل حال الخطبة وجلس مستمعا ، حيث ذكر الدليل للقول
المشهور ولمذهب ابن الجنيد وابن بابويه ولم يتعرض لدليل ابن حمزة ، وقد استدل له
في المختلف برواية زرارة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال قال : «إذا أدركت الامام على الخطبة تجلس حتى يفرغ
من خطبته ثم تقوم فتصلي. الحديث». وهي ظاهرة الدلالة على القول المذكور.
وثانيها ـ في
ما دل على الصلاة أربع ركعات والمروي في كتب الأخبار المشهورة هو ما قدمناه من
رواية أبي البختري ونحوها في كتاب دعائم الإسلام حيث روى فيه عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) «انه سئل عن الرجل لا يشهد العيد
__________________
هل عليه ان يصلى في بيته؟ قال نعم ولا صلاة إلا مع امام عدل ، ومن لم يشهد
من رجل أو امرأة صلى أربع ركعات ركعتين للعيد وركعتين للخطبة ، وكذلك من لم يشهد
العيد من أهل البوادي يصلون لأنفسهم أربعا».
والأظهر عندي
حمل ما دل على الأربع على التقية لما ذكره بعض مشايخنا المحققين من متأخري
المتأخرين من ان جمعا من العامة ذهبوا الى ذلك مع اختلافهم أيضا في انها تقضى
بسلام واحد أو سلامين ، ورووا عن ابن مسعود مضمون هذا الخبر بل رووا عن على (عليهالسلام) ذلك في حديث هذه صورته
__________________
«قيل لعلى (عليهالسلام) قد اجتمع في المسجد ضعفاء الناس وعميانهم فلو صليت بهم
في المسجد فقال أخالف السنة اذن ولكن نخرج الى المصلى واستخلف من يصلى بهم في
المسجد أربعا». وقد عرفت مما قدمناه من أخبار أهل البيت (عليهمالسلام) إنكار استخلافه (عليهالسلام) ردا لهذا الخبر.
وثالثها ـ ان
الروايات المتقدمة في المقام الأول صريحة كما عرفت في وجوب القضاء لو فات وقت
الصلاة ، وصحيحة زرارة المذكورة في هذا المقام صريحة في العدم والذي يظهر لي من
الجمع بينهما هو حمل الروايات الأولة على فوات الصلاة من أصلها بحيث لم تصل
بالكلية فإنه يجب القضاء على عامة المكلفين بها أداء من الامام والمأمومين كما هو
موردها ، والصحيحة المذكورة على الإتيان بالصلاة وفواتها بالنسبة الى بعض المكلفين
كما هو موردها أيضا ، فيحمل كل منهما على مورده.
ورابعها ـ انه
مع وجوب القضاء كما دلت عليه الأخبار الأولة فما السبب في التأخير إلى الغد ولم لا
يقع في ذلك اليوم بعينه؟ فان القضاء لا يختص بوقت بل ربما تعين ساعة الذكر كما
تقدم في قضاء اليومية ، ولعل الوجه في ذلك هو تحصيل مثل الوقت الموظف الذي هو
عبارة عن أول النهار من اليوم الثاني كما صرحت به تلك الأخبار. وبالجملة فإنه بعد
ورود الأخبار عنهم (عليهمالسلام) بذلك يجب القول بها ولا يجب علينا طلب العلة وهو مرجوع
إليهم (عليهمالسلام).
وظاهر كلام
شيخنا المجلسي في البحار كونها في الصورة المذكورة أداء ، قال وظاهر الروايات
كونها أداء. أقول وعلى هذا يزول الاشكال. ثم نقل عن العامة انهم اختلفوا في ذلك
فذهب بعضهم إلى انه يأتي بها في الغد قضاء وبعضهم أداء وبعضهم نفوها مطلقا ثم قال ولعل الأحوط إذا فعلها ان لا ينوي الأداء ولا
__________________
القضاء. انتهى. والله العالم.
(المسألة
السابعة) لو اتفق العيد والجمعة فقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك ،
فقال الشيخ في جملة من كتبه أنه يتخير من صلى العيد في حضور الجمعة وعدمه ، ونحوه
قال الشيخ المفيد في المقنعة ورواه ابن بابويه في كتابه ، واختاره ابن إدريس ،
واليه ذهب أكثر المتأخرين بل نسبه العلامة في المنتهى الى من عدا ابى الصلاح وفي
الذكرى الى الأكثر ، ونقل عن ابن الجنيد في ظاهر كلامه اختصاص الترخيص بمن كان
قاصي المنزل ، واختاره العلامة في بعض كتبه. وقال أبو الصلاح قد وردت الرواية إذا
اجتمع عيد وجمعة ان المكلف مخير في حضور أيهما شاء ، والظاهر في المسألة وجوب عقد
الصلاتين وحضورهما على من خوطب بذلك. وقريب منه كلام ابن البراج وابن زهرة.
والذي وقفت
عليه من الأخبار في هذه المسألة ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن الحلبي «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الفطر والأضحى إذا اجتمعا يوم الجمعة قال اجتمعا في
زمان على (عليهالسلام) فقال من شاء أن يأتي الجمعة فليأت ومن قعد فلا يضره
وليصل الظهر. وخطب على (عليهالسلام) خطبتين جمع فيهما خطبة العيد وخطبة الجمعة».
وما رواه في
الكافي عن سلمة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «اجتمع عيدان على عهد أمير المؤمنين (عليهالسلام) فخطب الناس فقال هذا يوم اجتمع فيه عيدان فمن أحب أن
يجمع معنا فليفعل ومن لم يفعل فان له رخصة يعنى من كان متنحيا».
وما رواه في
التهذيب عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) «ان على بن ابى طالب (عليهالسلام) كان يقول إذا اجتمع عيدان للناس في يوم واحد فإنه
ينبغي للإمام ان يقول للناس في خطبته الاولى انه قد اجتمع لكم
__________________
عيدان فأنا أصليهما جميعا فمن كان مكانه قاصيا فأحب أن ينصرف عن الآخر فقد
أذنت له».
وما رواه في
كتاب دعائم الإسلام عن على (عليهالسلام) «انه اجتمع في خلافته عيدان في يوم واحد جمعة وعيد فصلى بالناس صلاة العيد
ثم قال قد أذنت لمن كان مكانه قاصيا ـ يعنى من أهل البوادي ـ أن ينصرف ثم صلى
الجمعة بالناس في المسجد».
واختار في
المدارك القول الأول واستدل عليه بصحيحة الحلبي المذكورة ثم نقل احتجاج ابن الجنيد
برواية إسحاق بن عمار ونحوها رواية سلمة ، ثم قال والجواب بعد تسليم السند منع
الدلالة على اختصاص الرخصة بالنائي فإن استحباب اذن الامام في الخطبة للنائي في
عدم الحضور لا يقتضي وجوب الحضور على غيره. ثم قال احتج القائلون بوجوب الصلاتين
بان دليل الحضور فيهما قطعي وخبر الواحد المتضمن لسقوط الجمعة والحال هذه انما
يفيد الظن فلا يعارض القطع. وأجاب عنه في الذكرى بان الخبر المتلقى بالقبول
المعمول عليه عند معظم الأصحاب في قوة المتواتر فيلحق بالقطعي ، وبان نفى الحرج
والعسر يدل على ذلك ايضا فيكون الخبر معتضدا بالكتاب العزيز. هذا كلامه (قدسسره) وفيه بحث طويل ليس هذا محله. انتهى. أقول ومنه يعلم
أدلة الأقوال في المقام وما يتعلق بها من النقض والإبرام
والتحقيق عندي
في هذه المسألة ان يقال لا ريب ان من يرى العمل بهذا الاصطلاح فإن الأظهر من هذه
الأقوال عنده هو القول الأول للصحيحة المذكورة وضعف ما عارضها من الروايات
المذكورة ، وأما ما عارضها من الأدلة الدالة على وجوب الجمعة كتابا وسنة فالظاهر
انها تخصص بها كما وقع لهم في غير موضع من تخصيص عموم أدلة الكتاب والسنة بالخبر
الصحيح ، وأما من لا يرى العمل به بل يحكم بصحة جميع الأخبار الواردة ولكن يحكم
بإلحاقه بالصحيح لشهرته بين الأصحاب وتلقيه بالقبول كما سمعت من كلام الذكرى فإنه
يجب ان يكون الأظهر عنده
__________________
هو ما ذكره ابن الجنيد.
وتوضيحه ان
صحيحة الحلبي وان دلت بإطلاقها على السقوط عن كل من حضر العيد من أهل المصر وغيرهم
من أهل القرى إلا ان الروايات الأخر قد خصت الرخصة بالنائي من أهل القرى ، فيجب
حمل إطلاق الصحيحة المذكورة على ما فصلته هذه الروايات حمل المطلق على المقيد كما
هو القاعدة المسلمة بينهم. وأما قوله في المدارك ـ في منع دلالة الروايتين
المذكورتين في كلامه : ان اذن الإمام للنائي في عدم الحضور لا يقتضي وجوب الحضور
على غيره ـ فهو مغالطة لأن أحدا لا يدعى ذلك وانما الوجه في ذلك هو ان الأدلة من
الكتاب والسنة قد دلت على وجوب الجمعة فسقوطها يحتاج الى دليل ، والروايات هنا مع
صحتها كما هو المفروض قد دل بعضها على السقوط مطلقا وبعضها على تخصيص السقوط
بالنائي ، ومقتضى الجمع حمل مطلقها على مقيدها وبها حينئذ يخص عموم الكتاب والسنة
، واللازم من ذلك هو ما قلناه من تخصيص الرخصة بالنائي خاصة.
وبذلك يظهر لك
ضعف قول من ذهب الى السقوط مطلقا كما هو القول الأول لما فيه من اطراح هذه الأخبار
مع إمكان الجمع بينها وبين الصحيحة المذكورة بما ذكرناه ، وضعف قول من ذهب الى
الوجوب مطلقا كما هو قول ابى الصلاح ومن معه لما ذكرنا من تخصيص تلك الأدلة بهذه
الأخبار بعد جمعها على ذلك الوجه الواضح المنار
وأما ما ذكره
في الذكرى ـ من ان البعد والقرب من الأمور الإضافية فيصدق القاصي على من بعد بأدنى
بعد فيدخل الجميع إلا من كان مجاورا للمسجد ، وجعل هذا وجه جمع بين الأخبار ومن ثم
قال بالقول الأول مع ما ذكره من الاعتماد على روايتي إسحاق وسلمة ـ فبعده أظهر من
أن يخفى ، إذ المتبادر عرفا من القاصي هنا انما هو من كان خارجا عن المصر وهم
أصحاب القرى الخارجة كما صرح به صاحب كتاب الدعائم ، وهذا هو المعنى الذي فهمه
عامة الأصحاب لأنه هو المتبادر المنساق الى الفهم في هذا الباب ، وقد اعترف هو
نفسه بذلك ايضا فقال بعد ذكر
ما قدمنا نقله عنه : وربما صار بعض الى تفسير القاصي بأهل القرى دون أهل
البلد لأنه المتعارف. انتهى. وتخصيصه بالبعض المؤذن بوجود بعض آخر قائل بما ذهب
اليه لا وجه له فان من أمعن النظر في كلام الأصحاب لا يخفى عليه ان ما ذكره (قدسسره) مخصوص به.
ثم على تقدير
القول المشهور من تخيير الجميع المؤذن بسقوط الوجوب عنهم فهل يجب الحضور على
الإمام أم لا؟ قطع جمع من الأصحاب : منهم ـ المرتضى في المصباح على ما نقل عنه
بوجوب الحضور عليه فان اجتمع معه العدد صلى الجمعة وإلا سقطت وصلى الظهر.
قال في المدارك
وربما ظهر من الشيخ في الخلاف تخيير الإمام أيضا ولا بأس به. انتهى.
أقول : لا يخفى
ثبوت البأس في ما نفى عنه البأس (أما أولا) فللأدلة العامة في وجوب الحضور للجمعة
وهي قطعية لا معارض لها هنا.
و (اما ثانيا)
فلقوله (عليهالسلام) في خبر إسحاق بن عمار «فأنا أصليهما
جميعا». وقوله (عليهالسلام) في خبر سلمة «ان يجمع معنا». وفي خبر الدعائم «قد أذنت لمن كان مكانه قاصيا».
وبالجملة فإن
المفهوم من هذه الأخبار ان التخيير إنما هو للمأمومين كما تشعر به الصحيحة
المذكورة أو لخصوص القاصي كما تشعر به الروايات الأخر.
قال في الذكرى
: تنبيه ـ ظاهر كلام الشيخ في الخلاف تخيير الإمام أيضا وصرح المرتضى بوجوب الحضور
عليه وهو الأقرب لوجود المقتضى مع عدم المنافي ، ولما مر في خبر إسحاق «وانا
أصليهما جميعا» انتهى. وهو جيد.
ونقل في
الذخيرة القول بالوجوب على الامام عن ابى الصلاح وابن البراج والمحقق في المعتبر
والعلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى وهو الحق في المسألة.
__________________
ثم انهم صرحوا
بأنه يستحب للإمام الاعلام بذلك في الخطبة تأسيا بأمير المؤمنين (عليهالسلام) وهو جيد. وهو العالم.
البحث الثاني ـ
في الكيفية وكيفيتها أن يكبر تكبيرة الإحرام ويقرأ الحمد وسورة ثم يكبر بعد
القراءة على الأظهر ثم يقنت بالمرسوم حتى يكبر خمسا ثم يكبر ويركع فإذا سجد
السجدتين قام وقرأ الحمد وسورة ثم يكبر أربعا ويقنت بعد كل تكبيرة ثم يكبر خامسة
للركوع ويركع ، فيكون الزائد على المعتاد تسع تكبيرات خمس في الاولى واربع في
الثانية.
والأصل في هذه
الكيفية الأخبار الواردة عن أهل العصمة (عليهمالسلام) ومنها ـ
ما رواه ثقة
الإسلام في الكافي عن معاوية بن عمار قال : «سألته عن صلاة العيدين فقال ركعتان ليس قبلهما
ولا بعدهما شيء وليس فيهما أذان ولا اقامة ، يكبر فيهما اثنتي عشرة تكبيرة : يبدأ
فيكبر ويفتتح الصلاة ثم يقرأ فاتحة الكتاب ثم يقرأ «والشمس وضحاها» ثم يكبر خمس
تكبيرات ثم يكبر ويركع فيكون يركع بالسابعة ثم يسجد سجدتين ثم يقوم فيقرأ فاتحة
الكتاب و «هل أتاك حديث الغاشية» ثم يكبر أربع تكبيرات ويسجد سجدتين ويتشهد ويسلم.
قال : وكذلك صنع رسول الله (صلىاللهعليهوآله) والخطبة بعد الصلاة وانما أحدث الخطبة قبل الصلاة
عثمان. الحديث».
ومنها ـ ما
رواه عن على بن أبي حمزة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في صلاة العيدين قال يكبر ثم يقرأ ثم يكبر خمسا ويقنت بين كل تكبيرتين ثم
يكبر السابعة ويركع بها ، ثم يسجد ثم يقوم في الثانية فيقرأ ثم يكبر أربعا ويقنت
بين كل تكبيرتين ثم يكبر ويركع بها».
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في التهذيب عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام)
__________________
قال : «التكبير في الفطر والأضحى اثنتا عشرة تكبيرة : يكبر في الأولى واحدة
ثم يقرأ ثم يكبر بعد القراءة خمس تكبيرات والسابعة يركع بها ، ثم يقوم في الثانية
فيقرأ ثم يكبر أربعا والخامسة يركع بها. الحديث».
وعن يعقوب بن
يقطين في الصحيح قال : «سألت العبد الصالح (عليهالسلام) عن التكبير في العيدين أقبل القراءة أو بعدها؟ وكم عدد
التكبير في الاولى وفي الثانية والدعاء بينهما وهل فيهما قنوت أم لا؟ فقال تكبير
العيدين للصلاة قبل الخطبة يكبر تكبيرة يفتتح بها الصلاة ثم يقرأ ويكبر خمسا ويدعو
بينهما ثم يكبر اخرى ويركع بها فذلك سبع تكبيرات بالتي افتتح بها ، ثم يكبر في
الثانية خمسا : يقوم فيقرأ ثم يكبر أربعا ويدعو بينهن ثم يكبر التكبيرة الخامسة».
وعن إسماعيل
الجعفي عن ابى جعفر (عليهالسلام) «في صلاة العيدين قال يكبر واحدة يفتتح بها الصلاة ثم يقرأ أم الكتاب وسورة
ثم يكبر خمسا يقنت بينهن ثم يكبر واحدة ويركع بها ، ثم يقوم فيقرأ أم القرآن وسورة
، يقرأ في الأولى «سبح اسم ربك الأعلى» وفي الثانية «والشمس وضحاها» ثم يكبر أربعا
ويقنت بينهن ثم يركع بالخامسة».
وعن محمد بن
مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن التكبير في الفطر والأضحى فقال ابدأ فكبر تكبيرة ثم
تقرأ ثم تكبر بعد القراءة خمس تكبيرات ثم تركع بالسابعة ، ثم تقوم فتقرأ ثم تكبر
أربع تكبيرات ثم تركع بالخامسة».
وعن سماعة في
الموثق قال : «سألته عن الصلاة يوم الفطر فقال ركعتين بغير
أذان ولا اقامة ، وينبغي للإمام أن يصلى قبل الخطبة ، والتكبير في الركعة الأولى
يكبر ستا ثم يقرأ ثم يكبر السابعة ثم يركع بها فتلك سبع تكبيرات ، ثم يقوم في
الثانية فيقرأ فإذا فرغ من القراءة كبر أربعا ثم يكبر الخامسة ويركع بها. الحديث».
الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
__________________
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه قد وقع الخلاف هنا في مواضع (الأول) في التكبيرات الزائدة وهي التكبيرات
التسع هل هي واجبة أو مستحبة؟ فالذي عليه الأكثر ـ ومنهم السيد المرتضى وابن
الجنيد وأبو الصلاح وابن إدريس ـ الوجوب وقال الشيخ المفيد في المقنعة : من أخل
بالتكبيرات التسع لم يكن مأثوما إلا انه يكون تاركا سنة ومهملا فضيلة. وهو صريح في
الاستحباب.
واستدل له الشيخ
في التهذيب بصحيحة زرارة قال : «ان عبد الملك بن أعين سأل أبا جعفر (عليهالسلام) عن الصلاة في العيدين فقال الصلاة فيهما سواء : يكبر
الإمام تكبيرة الصلاة قائما كما يصنع في الفريضة ثم يزيد في الركعة الأولى ثلاث
تكبيرات وفي الأخرى ثلاثا سوى تكبيرة الصلاة والركوع والسجود ، وان شاء ثلاثا
وخمسا وان شاء خمسا وسبعا بعد ان يلحق ذلك الى وتر». قال الشيخ : ألا ترى انه جوز
الاقتصار على الثلاث تكبيرات وعلى الخمس تكبيرات وهذا يدل على ان الإخلال بها لا
يضر الصلاة.
والى هذا القول
مال جملة من المتأخرين : منهم ـ المحقق في المعتبر وغيره. وأجاب في الاستبصار عن
هذه الرواية وما في معناها بالحمل على التقية لموافقتها لمذهب كثير من العامة قال ولسنا نعمل به وإجماع الفرقة المحقة على ما قدمناه.
واستدل في
المدارك للقول المشهور ـ حيث اختاره وجعله الأصح ـ بالتأسي وظاهر الأمر.
وأنت خبير بان
استدلاله بالتأسي هنا لا وجه له وان وقع منه مثله في غير موضع كما وقع منه رد ذلك
أيضا في غير موضع ، وهذا من جملة المواضع التي اضطرب فيها كلامه كما تقدمت الإشارة
إليه في مواضع من الكتاب. والتأسي انما يمكن الاستدلال به على الوجوب في ما علم
وجوبه على المعصوم (عليهالسلام) لا مطلقا كما
__________________
صرحوا به في الأصول. نعم الاستدلال بظاهر الأمر جيد.
ثم ان مما يؤيد
ما ذكره الشيخ من صحيحة زرارة ما رواه عن هارون بن حمزة الغنوي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن التكبير في الفطر والأضحى قال خمس
واربع فلا يضرك إذا انصرفت على وتر». قوله «خمس واربع» يعني خمس في الأولى وأربع
في الثانية من غير إضافة تكبيرة الإحرام ولا تكبيرة الركوع. وقوله «فلا يضرك إذا
انصرفت على وتر» يعنى ان السنة في التكبيرات هو ما ذكرنا من التسع على الوجه
المذكور إلا انه لا يضرك الاقتصار على ما دون ذلك مع كون إتمام التكبير على وتر
فيهما معا كما في الخبر ، أو في كل واحدة كما في صحيحة زرارة المذكورة.
وقال في كتاب
الفقه الرضوي بعد أن ذكر أولا كيفية الصلاة على نحو ما قدمناه في
الأخبار : وروى ان أمير المؤمنين (عليهالسلام) صلى بالناس صلاة العيد فكبر في الركعة الأولى بثلاث
تكبيرات وفي الثانية بخمس تكبيرات وقرأ فيهما «سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث
الغاشية» وروى انه كبر في الأولى بسبع وكبر في الثانية بخمس وركع بالخامسة ، وقنت
بين كل تكبيرتين.
وكيف كان
فالأقرب هو القول المشهور مع تأيده بالاحتياط وتوقف الخروج عن عهدة التكليف على
الإتيان بذلك وتعين حمل ما خالفه على التقية كما صرح به في الاستبصار. والله العالم.
الثاني ـ اختلف
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في التكبير في الركعتين هل هو بعد القراءة فيهما معا
أو في الثانية خاصة وأما الأولى فقبلها أو يفرق في الثانية فتجعل واحدة قبل
القراءة والباقي بعدها؟ على أقوال ، والمشهور الأول ونقله في المدارك عن معظم
الأصحاب ، قال : ومنهم ـ الشيخ والمرتضى وابن بابويه وابن
__________________
ابى عقيل وابن حمزة وابن إدريس ، وقال ابن الجنيد التكبير في الأولى قبل
القراءة وفي الثانية بعدها ، وقال الشيخ المفيد يكبر للقيام إلى الثانية قبل
القراءة ثم يكبر بعد القراءة ثلاثا ويقنت ثلاثا. وهذا القول نقله في المختلف عن
السيد المرتضى والشيخ المفيد وابى الصلاح وابن البراج وابن زهرة.
قال (قدسسره) في الكتاب المذكور : مسألة ـ قال الشيخ يبدأ بعد
تكبيرة الإحرام بالقراءة ثم يكبر التكبيرات للقنوت في الركعة الاولى وفي الثانية
يكبر ايضا بعد القراءة ، وهو قول السيد المرتضى وابن ابى عقيل وابن حمزة وابن
إدريس وابن بابويه والمفيد وابى الصلاح وابن البراج وابن زهرة ، إلا ان السيد
المرتضى قال : فإذا نهض إلى الثانية كبر وقرأ ثم كبر الباقي بعد القراءة. وكذا قال
المفيد وأبو الصلاح وابن البراج وابن زهرة. والظاهر ان مرادهم بالتكبير السابق على
القراءة في الركعة الثانية هو تكبيرة القيام إليها. ثم نقل مذهب ابن الجنيد.
أقول : وظاهره
انه قول مشهور بين المتقدمين فاقتصاره في المدارك على نقل ذلك عن الشيخ المفيد
خاصة غفلة منه عن ملاحظة ما في المختلف بل عده ابن بابويه والمرتضى من جملة
القائلين بالقول المشهور مع ان الأمر ليس كذلك ، أما المرتضى فلما عرفت من عبارة
المختلف واما ابن بابويه فلما ذكره في الفقيه حيث قال : يبدأ الإمام فيكبر واحدة
ثم يقرأ الحمد و «سبح اسم ربك الأعلى» ثم يكبر خمسا يقنت بين كل تكبيرتين ثم يركع
بالسابعة ويسجد سجدتين فإذا نهض إلى الثانية كبر وقرأ الحمد و «الشمس وضحاها» ثم
كبر تمام أربع تكبيرات مع تكبيرة القيام ثم يركع بالخامسة.
بقي الكلام في
مستند هذا القول حيث انه خلاف ما صرحت به أخبار المسألة مما تقدم وسيأتي ان شاء
الله تعالى ، وعدم وصول المستند إلينا لا يدل على العدم فإن هؤلاء الأجلاء لا
يقولون بذلك إلا مع وصول النص إليهم إلا أنا غير مكلفين به مع عدم وصوله إلينا.
واما مستند القول المشهور فهو ما قدمناه من الأخبار.
واما ما ذهب
اليه ابن الجنيد فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله ابن سنان عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) قال : «التكبير في العيدين في الأولى سبع قبل القراءة
وفي الأخيرة خمس بعد القراءة».
وعن إسماعيل بن
سعد الأشعري في الصحيح عن الرضا (عليهالسلام) قال : «سألته عن التكبير في العيدين قال التكبير في
الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الأخيرة خمس تكبيرات بعد القراءة».
وعن هشام بن
الحكم عن ابى عبد الله وحماد عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في صلاة العيدين قال تصل القراءة بالقراءة ، وقال تبدأ بالتكبير في الاولى
ثم تقرأ ثم تركع بالسابعة».
وعن سماعة في
الموثق قال : «سألته عن الصلاة يوم الفطر فقال ركعتين بغير
أذان ولا اقامة. الخبر». وقد تقدم في صدر البحث.
ومنها ـ ما
رواه الصدوق في الفقيه عن ابى الصباح الكناني قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن التكبير في العيدين فقال اثنتا عشرة سبع في الاولى
وخمس في الأخيرة ، فإذا قمت في الصلاة فكبر واحدة وتقول اشهد ان لا إله إلا الله.
ثم ساق التكبيرات والأدعية بعدها الى أن قال وتقرأ الحمد و «سبح اسم ربك الأعلى»
وتكبر السابعة وتركع وتسجد وتقوم وتقرأ الحمد و «الشمس وضحاها» وتقول الله أكبر
اشهد أن لا إله إلا الله.» ثم ساق التكبيرات وأدعيتها.
وأجاب الشيخ في
التهذيبين عن هذه الروايات بأنها موافقة لمذهب بعض العامة قال في المعتبر بعد نقل ذلك عنه : وليس هذا التأويل
بحسن فان ابن بابويه ذكر ذلك في كتابه بعد أن ذكر في خطبته انه لا يودعه إلا ما هو
حجة ، قال
__________________
والأولى ان يقال فيه روايتان أشهرهما بين الأصحاب ما اختاره الشيخ. قال في
المدارك بعد نقل ذلك : وهو حسن. أقول ـ وبالله سبحانه التوفيق الى هدايته سواء
الطريق ـ ما ذكره هذان الفاضلان محل نظر عندي من وجوه :
الأول ـ انه لا
يخفى على من تأمل كتاب من لا يحضره الفقيه ونظره ولاحظه بعين التدبر والتفكر انه
لم يبق مصنفه على هذه القاعدة التي ذكرها في صدر كتابه أو انه أراد بها معنى غير ما يتسارع اليه فهم الناظر
فيها ، حيث انه أورد في الكتاب جملا من الأخبار الظاهرة التناقض من غير تعرض للجمع
بينها وجملا من الاخبار الشاذة النادرة الظاهرة في الموافقة للعامة وجملا من
الاخبار المخالفة لما عليه كافة علماء الفرقة سلفا وخلفا ، مثل خبر الوضوء والغسل
بماء الورد وخبر نقض الطهارة بمجرد مس الذكر وخبر طهارة جلد الميتة وأمثال ذلك مما مر بنا حال قراءة
__________________
بعض الأخوان في الكتاب علينا. وبالجملة فإنا قد صار الأمر عندنا في عبارته
المذكورة بناء على ما وقفنا عليه في كتابه مما لا شك في عدم العمل بها على ظاهرها
كما يقف عليه المتتبع البصير ولا ينبئك مثل خبير.
الثاني ـ ان ما
ذكروه ـ من حجية ما ذكره ابن بابويه في كتابه بناء على ما قدمه في صدره ـ لا نراهم
يقفون عليه دائما ولا يجعلونه كليا وانما يدورون فيه مدار أغراضهم ومقاصدهم ،
فتارة يحتجون بما في الكتاب بناء على القاعدة المذكورة في صدره وتارة يرمون اخباره
بضعف السند إذا لم تكن صحيحة باصطلاحهم ويغمضون النظر عن هذه القاعدة ويلغون ما
فيها من الفائدة كما لا يخفى على من تتبع كتاب المدارك في غير مقام. ومقتضى الوقوف
على هذه القاعدة هو الجواب عن اخباره بغير ضعف السند كما لا يخفى.
الثالث ـ ان
مرجع كلام هذا القائل إلى التخيير ، وفيه انه لا يخفى ان التخيير حكم شرعي يتوقف
على ثبوت الدليل الواضح كغيره من الأحكام الشرعية ، ومجرد اختلاف الأخبار لا يصلح
لان يكون دليلا على ذلك وإلا لكان ذلك قاعدة كلية في مواضع اختلاف الأخبار ولا أظن
هذا القائل يلتزمه ، والاخبار المذكورة عارية عن الإشارة فضلا عن الدلالة الظاهرة
على ما ادعاه.
الرابع ـ ان
الأئمة (عليهمالسلام) قد قرروا لنا قواعد لاختلاف الأخبار وأمروا بالرجوع
إليها في الترجيح بينها والأخذ بالراجح في هذا المضمار ومنها العرض على مذهب
العامة والأخذ بخلافه .
والعامة وان
كانوا في هذه المسألة مختلفين أيضا إلا ان جملة منهم ـ كما نقله في المنتهى ـ على
التقديم مطلقا وجملة منهم على التقديم على القراءة في الاولى والتأخير في الثانية
كما هو مذهب ابن الجنيد ، ونقل الأول في المنتهى عن الشافعي قال : وهو المروي عن
أبي هريرة والفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز والزهري ومالك والليث
__________________
واحمد في إحدى الروايتين ، ونقل الثاني عن أحمد في الرواية الأخرى وابن
مسعود وحذيفة وابى موسى والحسن وابن سيرين والثوري ، قال وبه قال أصحاب الرأي
ومنه يظهر ان
اخبار القول المشهور سالمة من تطرق احتمال التقية بالكلية حيث لا قائل منهم
بالتأخير في الركعتين معا وهذه الأخبار موافقة لأهل القول الثاني الذين من جملتهم
أبو حنيفة واتباعه وهم المشار إليهم بأصحاب الرأي ، ولا ريب ان مذهب أبي حنيفة في
عصره كان في غاية القوة والشيوع كما لا يخفى على من لاحظ السير والأخبار فيتعين
حملها على التقية.
ولكن بعض
المتصلفين من أصحاب هذا الاصطلاح كما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم يتهافتون
على صحة الأسانيد فإذا كان الخبر صحيحا باصطلاحهم جمدوا عليه وان كان مضمونه
مخالفا للقواعد الشرعية ومشتملا على العلل الظاهرة غير الخفية ، ومتى كان الخبر
ضعيفا باصطلاحهم أعرضوا عنه وان اعتضد بموافقة الأصول والكتاب والشهرة بين الأصحاب
إلا ان تلجئهم الحاجة إليه فيغمضون عن ذلك.
ومما يعضد ما
ذكرناه اتفاق الأصحاب على العمل بمضمون ما قدمناه من الأخبار والإعراض عن هذه
الأخبار قديما وحديثا سوى ابن الجنيد الذي قد طعنوا عليه بموافقته للعامة في جملة
فتاواه بل عمله بالقياس الذي هو من أصول العامة. وبالجملة فالحق هو القول المشهور.
وقد وافقنا في
هذا المقام الفاضل الخراساني في الذخيرة مع اقتفائه أثر صاحب المدارك في جل
الأحكام والجمود على أقواله وأدلته وتشييدها ، فقال بعد نقل الجمع بين الأخبار
بحمل اخبار ابن الجنيد على التقية : وهو حسن. وقال بعد نقل كلام المعتبر الذي
استحسنه صاحب المدارك : وفيه تأمل لا يخفى على المتدبر.
وبالجملة
فالجمع بما ذكره الشيخ (قدسسره) بين الأخبار جيد لا يعتريه عند
__________________
الإنصاف شبهة الإنكار. والله العالم.
الثالث ـ اختلف
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في القنوت بعد التكبيرات السبع هل هو واجب أو مستحب؟
فالأكثر على الأول وهو الذي عليه المعول ونص المرتضى كما ذكره في الذكرى على انه
مما انفرد به الإمامية ، وقال الشيخ في الخلاف انه مستحب لأن الأصل براءة الذمة من
الوجوب.
وظاهر صاحب
المدارك الميل الى ذلك فإنه بعد ان احتج للقول الأول بروايتي يعقوب بن يقطين
وإسماعيل بن جابر نقل عن الشيخ في الخلاف القول بالاستحباب والاحتجاج
عليه بأصالة براءة الذمة من الوجوب. قال وجوابه ان الأصل يصار الى خلافه لدليل وقد
بيناه. ثم قال : وقد يقال ان هاتين الروايتين لا تنهضان حجة في إثبات حكم مخالف
للأصل خصوصا مع معارضتهما بعدة أخبار واردة في مقام البيان خالية من ذكر القنوت.
وأنت خبير بما
فيه كما لا يخفى على الفطن النبيه (أما أولا) فلأنه قد حكم بصحة رواية يعقوب بن
يقطين في صدر هذه المقالة في الاستدلال على بيان الكيفية والأمر كذلك وان ذكرها
هنا عارية عن وصف الصحة ، وحينئذ فتمسكه بالأصل في مقابلة الخبر الصحيح الصريح
الذي هو دليل شرعي عنده خروج عن قاعدته في هذا الكتاب بل القاعدة المتفق عليها بين
الأصحاب.
و (أما ثانيا)
فان الفصل بالقنوت والأمر به هنا ليس منحصرا في هاتين الروايتين بل هو موجود في
جملة من الأخبار :
ففي صحيحة محمد
بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن الكلام الذي يتكلم به في ما بين
التكبيرتين في العيدين فقال ما شئت من الكلام الحسن».
__________________
وفي رواية على
بن أبي حمزة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال في الركعة الاولى : «ثم يكبر خمسا ويقنت بين كل
تكبيرتين. الى ان قال في الثانية : ثم يكبر أربعا فيقنت بين كل تكبيرتين».
وفي رواية بشر
بن سعيد عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «تقول في دعاء العيدين بين كل تكبيرتين : الله
ربي. الى آخره».
وفي رواية محمد
بن عيسى بن ابى منصور عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «تقول بين كل تكبيرتين في صلاة العيدين : اللهم
أهل الكبرياء.».
وفي رواية جابر
عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «كان أمير المؤمنين (عليهالسلام) إذا كبر في العيدين قال بين كل تكبيرتين : اشهد ان لا
إله إلا الله. الى آخره».
وفي موثقة
سماعة «وينبغي ان
يتضرع بين كل تكبيرتين ويدعو الله».
ولفظ «ينبغي»
في الأخبار كما قدمنا بيانه مشترك بين الوجوب والاستحباب.
وفي رواية
الكناني «فكبر واحدة وتقول أشهد ان لا إله إلا الله. الى آخره».
ثم ساق
التكبيرات والأدعية على أثرها.
وفي كتاب الفقه
الرضوي «تكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس تكبيرات تقنت بين كل
تكبيرتين ، والقنوت أن تقول. الى آخره».
و (أما ثالثا)
فان ما ذكره ـ من المعارضة بعدة من الأخبار الواردة في مقام البيان خالية من ذكر
القنوت ـ مردود بان غايتها ان تكون مطلقة بالنسبة إلى الإتيان بالقنوت وعدمه لا
انها دالة على نفيه ، ومقتضى الجمع بينها وبين ما ذكرنا من الأخبار هو حمل إطلاقها
على هذه الأخبار المقيدة كما هو مقتضى القاعدة المطردة على انه يمكن ان يقال ـ بل
هو الظاهر لا على طريق الاحتمال ـ ان كون المقام في تلك الأخبار مقام البيان انما
هو بالنسبة إلى التكبيرات كما وكيفا لاختلاف الأخبار
__________________
كما عرفت آنفا ـ في ذلك وكون بعضها انما خرج مخرج التقية كما قدمنا ذكره في
روايات ابن الجنيد الدالة على ان التكبير في الأولى قبل القراءة وكما تقدم نقله عن الشيخ في الاستبصار في الجواب عن رواية عبد الملك بن
أعين الدالة في التكبير على التخيير «ان شاء ثلاثا وخمسا وان شاء خمسا وسبعا بعد
ان يلحق ذلك الى وتر» ونحوها مما قدمنا ذكره ، وحينئذ فإذا كان الاختلاف في
التكبير على هذا الوجه يكون الغرض من هذه الأخبار البيان بالنسبة إلى الوجه
المذكور لا بالنسبة إلى كيفية الصلاة ، ويعضد ذلك ان هذه الروايات التي زعم ورودها
في مقام البيان انما تضمنت التكبير خاصة دون غيره مما يتعلق بكيفية الصلاة.
ومن ذلك يظهر
لك ان الظاهر هو القول المشهور من الوجوب في القنوت لوقوع الأمر به في جملة من هذه
الأخبار وان كان بالجملة الفعلية ، ويعضده توقف يقين البراءة عليه.
وبذلك يتبين لك
ايضا ما في كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث انه تبع صاحب المدارك في
الاستناد الى مقام البيان في تلك الأخبار الخالية من ذكر القنوت كما هي عادته
غالبا. والله العالم.
الرابع ـ أجمع
الأصحاب (رضوان الله عليهم) على وجوب قراءة سورة بعد الحمد وانه لا يتعين في ذلك
سورة مخصوصة قاله في التذكرة ، وانما اختلفوا في الأفضل ، فنقل عن الشيخ في الخلاف
والمفيد والسيد المرتضى وابى الصلاح وابن البراج وابن زهرة انه الشمس في الاولى
والغاشية في الثانية ، وقال الشيخ في المبسوط والنهاية انه يقرأ في الأولى الأعلى
وفي الثانية الشمس ، وهو قول ابن بابويه في المقنع ومن لا يحضره الفقيه.
وقال في الذكرى
: يجب قراءة الحمد وسورة معها كسائر الفرائض ، ولا خلاف في عدم تعين سورة وانما
الخلاف في الأفضل ، فذهب جماعة إلى انه يقرأ
__________________
الأعلى في الاولى والشمس في الثانية ، وقال آخرون الشمس في الاولى والغاشية
في الثانية ، وهذان القولان مشهوران ، وقال على بن بابويه يقرأ في الأولى الغاشية
وفي الثانية الأعلى ، وقال ابن ابى عقيل يقرأ في الأولى الغاشية وفي الثانية
والشمس.
وقال في
المدارك بعد ذكر القول الأول : وعليه دلت صحيحة جميل لانه قال : «وسألته ما يقرأ فيهما؟ قال والشمس وضحاها
وهل أتاك حديث الغاشية وأشباههما». ثم نقل القول الثاني وذكر انه رواه إسماعيل بن
جابر عن الباقر (عليهالسلام) ثم رد الرواية بضعف السند وقال : والعمل على الأول لصحة
مستنده. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان هذه الصحيحة التي نقلها دليلا للقول الأول واختاره لأجلها لا دلالة فيها على
ذلك إذ لا اشعار فيها فضلا عن التصريح أو الظهور بما ذكره هؤلاء المشار إليهم ،
فان المدعى في كلامهم هو أفضلية الشمس في الاولى والغاشية في الثانية ، وغاية ما
تدل عليه هذه الرواية هو انه يقرأ في صلاة العيدين هاتين السورتين وأشباههما في
الطول من غير تعرض لافضلية هاتين السورتين على غيرهما ولا تعرض لوظيفة الركعة
الاولى والثانية من هذه السور ، وانما الدليل على هذا القول ما رواه في الكافي
بطريق فيه محمد بن عيسى عن يونس عن معاوية ابن عمار وقد تقدمت في صدر البحث وهذه الرواية هي الرواية الصريحة في هذا القول وهي التي
اعتمد عليها القائلون به ، والظاهر انه انما عدل عنها لضعف سندها ولم ير في هذا
الباب رواية صحيحة السند إلا هذه الرواية فالتجأ إلى الاستدلال بها على القول
المذكور ، وهي عن الدلالة بمعزل لما عرفت من انها لا خصوصية فيها لهاتين السورتين
بل هما وما شابههما ومن الظاهر دخول سورة الأعلى ونحوها في ذلك المشابه ، ولا تعرض
فيها لبيان وظيفة كل ركعة والمدعى ذلك وهو محل الخلاف إذ لا خلاف ولا نزاع في
اجزاء هذه السور كيف اتفق انما الخلاف في بيان الفضيلة في التوظيف وتخصيص كل ركعة
بسورة فكيف تصلح هذه الرواية للمدعى والحال
__________________
كما عرفت؟ ولكن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح أوجب لهم الوقوع في أمثال ما
قلناه من المجازفات التي تتطرق إليها المناقشات ، والواجب بمقتضى العمل باصطلاحه
هو ضرب الصفح عن الكلام في هذه المسألة وترجيح شيء من القولين لان اخبار القولين
كلها ضعيفة باصطلاحه ، وهذا أحد مفاسد هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب من
الصلاح.
وكيف كان فالذي
وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذا المقام ما عرفته من رواية معاوية بن عمار وفيها والشمس وضحاها في الأولى والغاشية في الثانية ،
ورواية إسماعيل بن جابر وفيها سبح اسم ربك الأعلى في الركعة الأولى وفي الثانية
والشمس وضحاها ، والأولى دليل القول الأول والثانية دليل القول الثاني كما عرفت ،
ورواية أبي الصباح الكناني المتقدم نقلها عن الفقيه وفيها سبح اسم ربك الأعلى في الركعة الأولى والشمس
وضحاها في الركعة الثانية وهي موافقة لرواية إسماعيل بن جابر فتكون دليلا للقول
الثاني.
وقال (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي : واقرأ في الركعة الأولى هل أتاك حديث الغاشية وفي
الثانية والشمس وضحاها أو سبح اسم ربك الأعلى. الى ان قال وروى ان أمير المؤمنين (عليهالسلام) صلى بالناس صلاة العيد فكبر في الأولى بثلاث تكبيرات
وفي الثانية بخمس تكبيرات وقرأ فيهما بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية.
وفي صحيحة جميل
المذكورة آنفا ان الذي يقرأ فيهما الشمس وضحاها وهل أتاك حديث الغاشية وأشباههما.
وأنت خبير بأنه
من المحتمل قريبا ان تعيين بعض هذه السور في الركعة الاولى والثانية انما وقع على
جهة التمثيل لا الاختصاص على جهة الأفضلية كما ادعوه فإنه لا قرينة في شيء من هذه
الأخبار تؤنس بهذه الأفضلية ولا إشعار بالكلية وانما غاية ما تدل عليه انه يقرأ
فيها سورة كذا ، ويعضد ذلك إطلاق صحيحة جميل وإطلاق
__________________
ما نقله في كتاب الفقه عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) ويشير اليه قوله (عليهالسلام) في كتاب الفقه وفي الثانية والشمس وضحاها أو سبح اسم
ربك الأعلى. ومن كلامه (عليهالسلام) في الفقه يعلم مستند الشيخ على بن بابويه وابن ابى
عقيل في ما تقدم نقله عنهما حيث انهما اتفقا على الغاشية في الاولى واختلفا في
الثانية فأحدهما ذكر سورة الشمس والأخر سورة الأعلى ، والرواية المذكورة قد دلت
على التخيير في الثانية بين هاتين السورتين. والله العالم.
الخامس ـ المشهور
انه لا يتعين في القنوت لفظ مخصوص للأصل ، وما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن
أحدهما (عليهماالسلام) قال «سألته عن الكلام الذي يتكلم به في ما بين
التكبيرتين في العيدين فقال ما شئت من الكلام الحسن».
ويعضده اختلاف
الروايات في القنوت المرسوم عنهم (عليهمالسلام). وربما ظهر من عبارة الشيخ ابى الصلاح قصر الوجوب بما
ورد عنهم (عليهمالسلام) فإنه قال : فيلزمه أن يقنت بين كل تكبيرتين فيقول :
اللهم أهل الكبرياء والعظمة. الى آخره. قال في الذكرى فإن أراد به الوجوب تخييرا
والأفضلية فحق وان أراد به الوجوب عينا فممنوع. وهو جيد.
أقول : ومن
الأخبار الواردة عنهم (عليهمالسلام) في القنوت في هذه الصلاة ما رواه الشيخ في التهذيب عن
محمد بن عيسى بن ابى منصور عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «تقول بين كل تكبيرتين في صلاة العيدين : اللهم
أهل الكبرياء والعظمة ، وأهل الجود والجبروت وأهل العفو والرحمة وأهل التقوى
والمغفرة أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد (صلىاللهعليهوآله) ذخرا ومزيدا أن تصلى على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت
على عبد من عبادك وصل على ملائكتك ورسلك واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين
والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون
وأعوذ بك من شر ما عاذ بك
__________________
منه عبادك المرسلون».
وعن جابر عن
ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «كان أمير المؤمنين (عليهالسلام) إذا كبر في العيدين قال بين كل تكبيرتين : أشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا (صلىاللهعليهوآله) عبده ورسوله اللهم أهل الكبرياء.» وذكر الدعاء المتقدم
الى آخره.
وعن بشر بن
سعيد عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «تقول في دعاء العيدين بين كل تكبيرتين : الله
ربي أبدا والإسلام ديني أبدا ومحمد نبيي أبدا والقرآن كتابي أبدا والكعبة قبلتي
أبدا وعلى وليي أبدا والأوصياء أئمتي أبدا ـ وتسميهم الى آخرهم ـ ولا أحد إلا الله».
وما رواه في
التهذيب والفقيه عن محمد بن الفضيل عن ابى الصباح الكناني قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن التكبير في العيدين فقال اثنتي عشرة سبع في الاولى
وخمس في الأخيرة فإذا قمت في الصلاة فكبر واحدة وتقول أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له واشهد أن محمدا (صلىاللهعليهوآله) عبده ورسوله اللهمّ أنت أهل الكبرياء والعظمة وأهل
الجود والجبروت والقدرة والسلطان والعزة أسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين
عيدا ولمحمد (صلىاللهعليهوآله) ذخرا ومزيدا أن تصلى على محمد وآل محمد وان تصلى على
ملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين وان تغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات
والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، اللهم إني أسألك من خير ما سألك
عبادك المرسلون وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك المخلصون ، الله أكبر أول كل شيء
وآخره وبديع كل شيء ومنتهاه وعالم كل شيء ومعاده ومصير كل شيء ومرده ومدبر
الأمور وباعث من في القبور قابل الأعمال مبدئ الخفيات معلن السرائر ، الله أكبر
عظيم الملكوت شديد الجبروت حي لا يموت دائم لا يزول إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن
فيكون ، الله أكبر خشعت لك الأصوات وعنت لك الوجوه وحارت دونك الأبصار وكلت الألسن
عن عظمتك
__________________
والنواصي كلها بيدك ومقادير الأمور كلها إليك لا يقضى فيها غيرك ولا يتم
منها شيء دونك ، الله أكبر أحاط بكل شيء حفظك وقهر كل شيء عزك ونفذ كل شيء
أمرك وقام كل شيء بك وتواضع كل شيء لعظمتك وذلك كل شيء لعزتك واستسلم كل شيء
لقدرتك وخضع كل شيء لملكك الله أكبر ، وتقرأ الحمد وسبح اسم ربك الأعلى وتكبر
السابعة وتركع وتسجد وتقوم وتقرأ الحمد والشمس وضحاها وتقول الله أكبر أشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا (صلىاللهعليهوآله) عبده ورسوله ، اللهم أنت أهل الكبرياء والعظمة. تتمه
كله كما قلت أول التكبير يكون هذا القول في كل تكبيرة حتى تتم خمس تكبيرات».
وقال الرضا (عليهالسلام) في كتاب الفقه «تقنت بين كل تكبيرتين والقنوت ان تقول : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا
شريك له واشهد ان محمدا (صلىاللهعليهوآله) عبده ورسوله اللهمّ أنت أهل الكبرياء والعظمة وأهل
الجود والجبروت وأهل العفو والمغفرة وأهل التقوى والرحمة أسألك في هذا اليوم الذي
جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد (صلىاللهعليهوآله) ذخرا ومزيدا أن تصلى على محمد وآل محمد وأسألك بهذا
اليوم الذي شرفته وكرمته وعظمته وفضلته بمحمد (صلىاللهعليهوآله) أن تغفر لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين
والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك مجيب الدعوات يا ارحم الراحمين».
وقال الشيخ في
المتهجد في القنوت : ثم يرفع يديه بالتكبير فإذا كبر قال اللهم
أهل الكبرياء والعظمة وأهل الجود والجبروت وأهل العفو والرحمة وأهل التقوى
والمغفرة أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد (صلىاللهعليهوآله) ذخرا ومزيدا ان تصلى على محمد وآل محمد وان تدخلني في
كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد وان تخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد
صلواتك عليه وعليهم اللهم إني أسألك خير ما سألك عبادك الصالحون وأعوذ بك مما
استعاذ منه عبادك الصالحون.
__________________
قال شيخنا
المجلسي في البحار : واما ما ذكره الشيخ في المصباح فلم أره في رواية والظاهر انه
مأخوذ من رواية معتبرة عنده اختاره فيه إذ لا سبيل الى الاجتهاد في مثل ذلك.
انتهى.
أقول : ويعضده
ما ذكره السيد الزاهد العابد رضى الدين بن طاوس (عطر الله مرقده) في كتاب الإقبال
حيث قال : واعلم أنا وقفنا على عدة روايات في صفات صلاة العيد بإسنادنا الى ابن
أبي قرة والى ابى جعفر بن بابويه والى ابى جعفر الطوسي وها نحن نذكر رواية واحدة ،
ثم ذكر رواية المتهجد كما ذكرنا من القنوت وغيره مما لم نذكره.
بقي الكلام هنا
في فوائد تتعلق بالمقام وبها يتم ما يتعلق به من الأحكام :
الأولى ـ لا
يخفى ان ظاهر الروايات المتقدمة ان القنوتات في الركعة الأولى انما هي أربعة وفي
الثانية انما هي ثلاثة لنصها على ان القنوت بين التكبيرات وقضية البينة انه لا
قنوت بعد التكبير الخامس في الركعة الأولى ولا بعد الرابع في الركعة الثانية ،
وبذلك عبر الشيخ في النهاية والمبسوط والصدوق في الفقيه وغيرهما ، والمعروف من
كلام جل الأصحاب ان القنوت بعدد التكبيرات وانه بعد كل تكبير قنوت فتكون القنوتات
في الأولى خمسة وفي الثانية أربعة ، وقد تقدم في كلام الشيخ المفيد ومن تبعه ان
التكبيرات في الركعة الثانية بعد القراءة ثلاث ومعها ثلاثة قنوتات.
ويمكن حمل
البينية في الأخبار على الأغلب بمعنى انه لما كان أكثر القنوتات واقعا بين
التكبيرات ـ إذ لا يتخلف عن ذلك إلا القنوت الذي بعد التكبيرة الخامسة في الركعة
الأولى والذي بعد الرابعة في الركعة الثانية ـ صح إطلاق البينية على الجميع تجوزا
وباب المجاز واسع.
وعلى ذلك يحمل
كلام من عبر بهذه العبارة من الأصحاب ، قال في المدارك بعد قول المصنف «ثم يكبر
أربعا ويقنت بينها أربعا» ما لفظه : واعلم ان في قول المصنف ـ ثم يكبر أربعا ويقنت
بينها أربعا ـ تجوزا لأنه إذا كانت التكبيرات أربعا لم يتحقق
كون القنوت بينها أربعا بل ثلاثا وكان الأظهر أن يقول بعد كل تكبيرة. ثم
ذكر ان المستفاد من الروايات سقوط القنوت بعد الخامسة والرابعة. إلا انه يمكن خدشه
بان الحمل على خلاف الظاهر لا يصار اليه إلا مع المعارض ولا معارض هنا من الأخبار
والمعارضة انما هي في كلام الأصحاب.
وربما يستعان
على ما ذكرنا من الحمل المذكور برواية الكناني المتقدمة المشتملة على خمسة قنوتات بعد خمس تكبيرات في الركعة
الاولى وأربعة في الثانية وان كانت الرواية قد اشتملت على تقديم التكبيرات
والقنوتات على القراءة كما تقدم ، واشتملت على تكبير سادس بعد التكبيرات الخمس
وأدعيتها والجميع خلاف ما عليه جل الأصحاب والاخبار إلا ان ذلك أمر خارج عن ما نحن
فيه.
وبالجملة
فالمسألة غير خالية من شوب الإشكال والأحوط هو الإتيان بالقنوت الخامس والرابع من
غير ان يعتقد به الوجوب.
الثانية ـ قال
في الذكرى : يستحب التوجه بالتكبيرات المستحب تقديمها في اليومية ودعواتها سواء
قلنا بان تكبير العيد قبل القراءة أو بعدها ، وربما خطر لبعضهم سقوط دعاء التوجه
ان قلنا بتقديم التكبير ، ولا ارى له وجها لعدم المنافاة بين التوجه والقنوت بعده.
انتهى.
أقول : ما ذكره
هنا من استحباب التكبيرات المستحبة للتوجه في اليومية في هذه الصلاة زيادة على
التكبيرات الموظفة فيها لم أقف عليه في كلام غيره من الأصحاب بل ظاهر كلامهم وكذا
ظاهر الاخبار الواردة في بيان الكيفية ـ كما قدمنا شطرا منها ـ انما هو انه يكبر
تكبيرة الإحرام ثم يقرأ ثم يأتي بالتكبيرات الموظفة كما هو أحد القولين أو يأتي
بعد تكبيرة الإحرام بالتكبيرات الموظفة لهذه الصلاة مقدمة على القراءة ثم يقرأ
بعدها كما هو القول الآخر ، ففي رواية معاوية بن عمار المتقدمة في صدر البحث «يبدأ فيكبر ويفتتح الصلاة ثم يقرأ فاتحة الكتاب.».
__________________
وفي رواية على بن أبي حمزة «يكبر ثم يقرأ ثم يكبر خمسا». وفي رواية أبي
بصير «يكبر في الأولى واحدة ثم يقرأ ثم يكبر بعد القراءة خمس تكبيرات». وفي صحيحة
يعقوب بن يقطين «يكبر تكبيرة يفتتح بها الصلاة ثم يقرأ ويكبر خمسا». وفي رواية
إسماعيل الجعفي «يكبر واحدة يفتتح بها الصلاة ثم يقرأ أم الكتاب وسورة ثم يكبر
خمسا». وعلى هذا النهج جملة روايات المسألة كما لا يخفى على من راجعها ، وهذه
الروايات المذكورة كلها قد تقدمت في صدر البحث ونحوها الروايات الواردة بتقديم التكبيرات على القراءة
وهي متفقة في عدم ذكر هذه التكبيرات التي ادعى استحبابها في هذه الصلاة. نعم قد
تقدم في الفصل الثاني في تكبيرة الإحرام من الباب الثاني في الصلوات اليومية ان من جملة الأقوال في استحباب هذه التكبيرات هو
استحبابها في الفرائض مطلقا وكذا في النوافل مطلقا ولعله هنا بنى على ذلك ونحن قد
أوضحنا المسألة في المقام المشار إليه وبينا ان الاخبار الواردة بهذه التكبيرات
وان كانت مطلقة إلا ان إطلاقها محمول على الفريضة اليومية لأنها المتبادرة من
الإطلاق ، وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك مستوفى.
وكيف كان فمن
الظاهر بل الصريح في عدم استحباب هذه التكبيرات في هذه الصلاة ما رواه الصدوق في
كتابي العلل والعيون عن عبد الواحد بن عبدوس عن على بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن
شاذان عن الرضا (عليهالسلام) في العلل التي رواها عنه (عليهالسلام) قال في الخبر : «فان قال فلم جعل سبع في الاولى وخمس
في الأخيرة ولم يسو بينهما؟ قيل لأن السنة في صلاة الفريضة ان يستفتح بسبع تكبيرات
فلذلك بدئ هنا بسبع تكبيرات وجعل في الثانية خمس تكبيرات لان التحريم من التكبير
في اليوم والليلة خمس تكبيرات وليكون التكبير في الركعتين جميعا وترا وترا. الحديث».
وهو ظاهر كما ترى في ان هذه السبع الموظفة في هذه الصلاة
__________________
انما جعلت سبعا في الركعة الأولى عوضا عن السبع الافتتاحية التي في الصلوات
اليومية وقضية ذلك عدم الإتيان بتلك السباع الافتتاحية الموظفة في اليومية ، وإلا
لزم الجمع بين العوض والمعوض عنه ، فكيف يجمع بينهما كما ذكره (قدسسره) والمراد بالفريضة في هذا الخبر الصلاة اليومية ، وفيه
اشعار بما قدمنا ذكره من ان إطلاق تلك الأخبار الدالة على استحباب التكبيرات
الافتتاحية محمول على الصلوات اليومية. والله العالم.
الثالثة ـ يستحب
رفع اليدين في كل تكبيرة كما في تكبيرات الصلاة اليومية وبه صرح جملة من الأصحاب (رضوان
الله عليهم).
ويدل عليه ما
رواه الشيخ في التهذيب عن يونس قال : «سألته عن تكبير العيدين أيرفع يده مع كل تكبيرة
أم يجزئه أن يرفع في أول تكبيرة؟ فقال يرفع مع كل تكبيرة».
الرابعة ـ قال
في المدارك : لو نسي التكبيرات أو بعضها حتى ركع مضى في صلاته ولا شيء عليه لأنها
ليست أركانا ولعموم قوله (عليهالسلام) في صحيحة زرارة «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود». وهل
تقضى بعد الصلاة؟ أثبته الشيخ لقوله (عليهالسلام) في صحيحة ابن سنان «إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثم ذكرت فاصنع الذي
فاتك سهوا». نفاه المصنف في المعتبر ومن تأخر عنه لانه ذكر تجاوز محله فيسقط للأصل
السالم من المعارض. انتهى. وظاهره التوقف في المسألة حيث اقتصر على نقل القولين
وما استدل به كل منهما في البين ولم يرجح شيئا منهما.
وقال في الذكرى
: لو نسي التكبيرات أو بعضها حتى يركع مضى في صلاته
__________________
ولا شيء عليه إذ ليست أركانا ، وهل تقضى بعد الصلاة؟ أثبته الشيخ ولعله
لما سبق من الرواية في باب السهو المتضمنة لقضاء الفائت من الصلاة بعدها ، ونفاه
في المعتبر وتبعه الفاضل لانه ذكر تجاوز محله فيسقط بالنافي السليم من المعارض. وكأنه
عنى بالنافي دلالة الأصل على عدم القضاء وان الفائت لا يجب قضاؤه وعنى بالمعارض
الأمر الجديد الدال على القضاء فإنه منفي ، وللشيخ أن يبدى وجود المعارض وهي
الرواية المشار إليها. انتهى.
أقول : ومنه
يعلم ان ذكر صاحب المدارك صحيحة ابن سنان دليلا للشيخ انما هو منه (قدسسره) لا ان الشيخ استدل بها كما يوهمه ظاهر كلامه ، ومنه
يعلم ايضا ان توقفه في المسألة كما حكيناه عنه لا وجه له بعد استدلاله بالصحيحة
المذكورة والواجب عليه حينئذ أن يجيب عن كلام المحقق الذي نقله عنه ـ من سقوط
القضاء بالأصل السالم من المعارض ـ بان المعارض موجود وهو هذه الصحيحة كما هو ظاهر
كلام الذكرى.
هذا ، ويمكن أن
يقال ان المحقق انما نفى وجوب القضاء هنا بنا على ما يختاره في هذه التكبيرات من
الاستحباب كما تقدم نقله عنه في الموضع الأول وان كان تعليله ربما أشعر بان ذلك
بناء على القول بالوجوب.
وأما صحيحة ابن
سنان التي استدلوا بها هنا للشيخ فقد تقدم الكلام عليها وعلى أمثالها مما دل على
ذلك أيضا في المسألة الخامسة من المطلب الثاني في السهو من كتاب الصلاة فإن جميع الأخبار المشار إليها قد اشتركت في الدلالة
على قضاء ما نسبه من الأفعال كائنا ما كان وان كان ركنا ، ولم يقل به أحد منهم
وانما أوجبوا قضاء أشياء معينة كالتشهد والسجدة الواحدة والقنوت بالأدلة الخاصة
المتعلقة بذلك وأبطلوا الصلاة بنسيان الركن كالركوع والسجدتين ، وبالجملة فإنها
على إطلاقها غير معمول عليها فلا يمكن الاستناد إليها ، ومن ذلك يعلم قوة ما ذهب
اليه المحقق وغيره
__________________
من عدم وجوب القضاء لعدم الدليل الواضح على ذلك مضافا الى أصالة العدم.
والله العالم
وهل تجب سجدتا
السهو لنسيان التكبير هنا كلا أو بعضا؟ صرح ابن الجنيد بذلك فقال على ما نقله عنه
في المختلف : ولو نسي بعض التكبير رجع فتممه ما لم يركع وان تجاوز الركوع وأيقن
بالترك سجد سجدتي السهو. انتهى. وجعله في الذكرى احتمالا فقال : ويحتمل ايضا وجوب
سجدتي السهو بناء على تناول أدلة الوجوب في اليومية لهذه الصورة وهو قول ابن
الجنيد. انتهى.
الخامسة ـ لو
قلنا بتقديم التكبير على القراءة في الأولى كما هو أحد القولين فنسي التكبير حتى
قرأ قال في المعتبر : لم يعد اليه لفوات محله. وقال في الذكرى وليس ببعيد وجوب
استدراكه أو ندبه على اختلاف القولين لانه محل في الجملة ولهذا كان التكبير في
الثانية واقعا فيه ، ولان الروايات المتضمنة لتأخره عن القراءة في الركعتين أقل
أحوالها أن يقتضي استدراكه إذا نسي. وفي التذكرة أوجب استدراكه وتوقف في إعادة
القراءة من حيث عدم وقوعها في محلها وصدق القراءة. قال في الذكرى والأولى إعادتها
، ثم قال ولو ذكر في أثنائها قطعها واتى به ثم استأنف القراءة ، ولا يقضى التكبير
عندنا في الركوع لما فيه من تغيير هيئة الصلاة وإذا قلنا بقضاء التكبير أو
استدراكه فالقنوت تابع. والظاهر وجوب الاستقبال فيهما لأنهما جزءان مما يجب فيه
الاستقبال وكذا يعتبر بقية شرائط الصلاة. انتهى كلامه زيد مقامه.
السادسة ـ لو
أدرك بعض التكبيرات مع الامام دخل معه فإذا ركع الإمام فإن أمكنه الإتيان به
وبالقنوت مخففا واللحوق بالإمام في الركوع فلا اشكال ، وإلا فإن قلنا بالاستحباب
في التكبير والقنوت فإنه يركع مع الإمام حينئذ إذ لا يجوز له ترك المتابعة الواجبة
لأجل أمر مندوب ، وان قلنا بالوجوب فيهما كما هو المختار فعلى قول الشيخ بالقضاء
في ما تقدم فإنه يتابع هنا ويقضى بعد الفراغ ، واما مع عدم العمل بهذا القول فإنه
يحتمل المنع من الاقتداء في هذه الصورة أعني إذا علم
عدم اللحوق به ، فلو اقتدى ولما يعلم ولم يمكنه الجمع بين المتابعة وبين
التكبير فإنه ينوي الانفراد. ويحتمل جواز الاقتداء ويسقط القنوت ويأتي بالتكبير
ولاء. ويشكل بأن الأصل عدم سقوط فرض المكلف بفعل غيره إلا في ما دل عليه الدليل.
والعلامة مع
قوله بوجوبهما أسقطه مع عدم إمكان الإتيان به ولم يوجب قضاءه بعد التسليم حتى لو
أدرك الإمام راكعا كبر ودخل معه واجتزأ بالركعة عنده ولا يجب القضاء.
وفيه ما عرفت ،
ويعضده ايضا ان المتابعة وإن كانت واجبة إلا ان وجوبها ليس جزء من الصلاة من حيث
هي صلاة بخلاف التكبير والقنوت فإنهما واجبان ومن جملة اجزاء الصلاة الواجبة لأن
كلامنا مبنى على القول بالوجوب فكيف تصح الصلاة مع فوات بعض واجباتها عمدا؟ وسقوطه
بفعل الغير قد عرفت انه متوقف على الدليل. والمسألة لا تخلو من شوب الإشكال لعدم
الدليل الواضح في هذا المجال. والله العالم.
السابعة ـ قال
في الذكرى : لا يتحمل الامام هذا التكبير ولا القنوت وإنما يتحمل القراءة ، ويحتمل
تحمل الدعاء ويكفى عن دعاء المأمومين ، وهذا لم أقف فيه على نص ولو قلنا بالتحمل
فيه فدعا المأموم فلا بأس سواء كان بدعاء الإمام أو غيره. وعدم تحمل الامام القنوت
في اليومية يدل بطريق اولى على عدم تحمله هنا. انتهى.
أقول : قد عرفت
آنفا ان سقوط الواجب عن المكلف بفعل غيره يتوقف على الدليل وهو قد اعترف بعدم
الوقوف هنا على نص ، فما ذكره من احتمال تحمل الامام القنوت بعيد جدا سيما مع ما
ذكره من الأولوية في آخر كلامه.
الثامنة ـ قال
في الذكرى ايضا : لو شك في عدده بنى على الأقل لأنه المتيقن ، وفي انسحاب الخلاف
في الشك في الأولتين المبطل للصلاة هنا احتمال ان قيل بوجوبه ، ولو تذكر بعد فعله
انه كان قد كبر لم يضر لعدم ركنيته. وكذا الشك. في القنوت. انتهى.
وهو جيد إلا ان
ما ذكره من الاحتمال في انسحاب الخلاف في الشك في الأولتين المبطل للصلاة هنا محل
نظر ، لما قدمنا تحقيقه من أن الشك المبطل في الأولتين انما هو الشك في أعداد
الركعات لا في سائر الواجبات ، وحينئذ فلا وجه لهذا الاحتمال في المقام. والله
العالم.
البحث الثالث ـ
في سنن هذه الصلاة وما يلحق بها ، فمنها الإصحار بها إلا في مكة المعظمة وعليه
إجماع علمائنا وأكثر العامة .
ومستنده التأسي
به (صلىاللهعليهوآله) فإنه كان يصحر بها ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن
معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يخرج حتى ينظر الى آفاق السماء وقال لا يصلين
يومئذ على بساط ولا بارية».
وما رواه في
الكافي عن محمد بن يحيى رفعه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «السنة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في
العيدين إلا أهل مكة فإنهم يصلون في المسجد الحرام». ورواه في الفقيه عن حفص بن
غياث عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) مثله .
وما رواه في
الكافي عن ليث المرادي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قيل لرسول الله (صلىاللهعليهوآله) يوم فطر أو يوم اضحى لو صليت في مسجدك؟ فقال إني لأحب
أن أبرز إلى آفاق السماء».
__________________
وما رواه في
الفقيه عن ابن رئاب عن ابى بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا ينبغي أن تصلى صلاة العيدين في مسجد مسقف ولا
في بيت انما تصلى في الصحراء أو في مكان بارز».
وما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح عن الفضيل عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «اتى ابى بالخمرة يوم الفطر فأمر بردها ثم قال :
هذا يوم كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يجب ان ينظر فيه الى آفاق السماء ويضع جهته على الأرض».
وما رواه في
الفقيه في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهماالسلام) «انه كان إذا خرج يوم الفطر والأضحى ابى أن يؤتى بطنفسة يصلى عليها يقول
هذا يوم كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يخرج فيه حتى يبرز لآفاق السماء ثم يضع جبهته على
الأرض».
وروى في كتاب
الإقبال قال : روى محمد بن أبي قرة في كتابه بإسناده إلى سليمان
بن حفص عن الرجل (عليهالسلام) قال : «الصلاة يوم الفطر بحيث لا يكون على المصلى سقف
إلا السماء».
وألحق ابن
الجنيد بمسجد مكة شرفها الله تعالى مسجد المدينة. وصحيحة معاوية ابن عمار وكذا
رواية ليث المرادي وصحيحة الحلبي صريحة في رده.
ولو كان هناك
عذر من مطر أو خوف أو وحل أو نحوها فلا بأس بصلاتها في المسجد دفعا للمشقة اللازمة
من الخروج.
ومنها ـ السجود
على الأرض دون غيرها مما يصح السجود عليه إظهارا لمزيد التذلل فيها ، وعليه يدل ما
تقدم من صحيحة الحلبي وصحيحة الفضيل .
ويظهر من صحيحة
معاوية بن عمار استحباب الصلاة على الأرض بحيث لا يكون تحته بساط ولا
بارية ولا نحوهما بل يكون مباشرا للأرض في قيامه وجلوسه
__________________
ونحوها ما رواه
في الكافي عن معاوية عن ابى عبد الله (عليهالسلام) في حديث «انه سأله عن صلاة العيدين فقال ركعتان. الى ان
قال : ويخرج الى البر حيث ينظر الى آفاق السماء ولا يصلى على حصير ولا يسجد عليه
وقد كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يخرج الى البقيع فيصلي بالناس».
وما رواه في
كتاب الإقبال عن محمد بن الحسن بن الوليد بإسناده عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يخرج حتى ينظر الى آفاق السماء ، وقال لا تصلين
يومئذ على بارية أو بساط. يعني في صلاة العيدين».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي «وإذا أردت الصلاة فابرز تحت السماء وقم على الأرض ولا تقم على غيرها. الى
آخره».
وقل من نبه على
هذا الحكم من أصحابنا (رضوان الله عليهم).
ومنها ـ ان
يقول المؤذن عوض الأذان والإقامة ـ فإنه لا أذان ولا إقامة لغير الخمس ـ الصلاة (ثلاثا).
ويدل على ذلك ما
رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن إسماعيل بن جابر عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان واقامة؟
قال ليس فيهما أذان ولا اقامة ولكن ينادى الصلاة (ثلاث مرات) وليس فيهما منبر ،
المنبر لا يحرك من موضعه ولكن يصنع للإمام شبه المنبر من طين فيقوم عليه فيخطب الناس
ثم ينزل».
والأخبار بأنه
ليس فيها أذان ولا إقامة كثيرة قد تقدم جملة منها.
قال في الذكرى
: لا أذان لصلاة العيد بل يقول المؤذن الصلاة (ثلاثا) ويجوز رفعها بإضمار خبر أو
مبتدأ ونصبها بإضمار «احضروا أو ائتوا» وقال ابن ابى عقيل يقول «الصلاة جامعة».
ولم نقف على مستنده.
__________________
وظاهر الأصحاب
كما ذكره في الذكرى ان النداء بذلك ليعلم الناس بالخروج الى المصلى ، لأنه اجرى
مجرى الأذان الذي يحصل به الأعلام بالوقت ، ومقتضى ذلك أن يكون قبل القيام للصلاة
بل في أول الخروج إليها ، ولا ينافي ذلك ما ورد في صحيحة زرارة عن الباقر (عليهالسلام) من قوله «ليس فيهما أذان ولا إقامة أذانهما طلوع الشمس
فإذا طلعت خرجوا». لجواز الجمع بينهما بحصول ذلك بكل من الأمرين استظهارا ، وتعدد
العلل الشرعية لمعلول واحد كثير في الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار
حتى قال الصدوق في بعض تلك المواضع ان هذا مما يزيد تأكيدا وتقوية. ويحتمل ايضا
حمل خبر زرارة على من كان عالما بان وقتها الذي يخرج فيه طلوع الشمس يعنى عالما بالوقت
الشرعي لها وخبر إسماعيل بن جابر على من ليس كذلك ليحصل له العلم بالخروج لها.
ونقل عن ابى
الصلاح ان محله بعد القيام إلى الصلاة فإذا قال المؤذن ذلك كبر الإمام تكبيرة
الإحرام ودخل بهم في الصلاة ، والى هذا مال بعض محققي متأخري المتأخرين.
ومنها ـ الخروج
بعد الغسل متطيبا لابسا أحسن أثوابه متعمما شتاء كان أو قيظا.
أما الغسل فلما
تقدم من الأخبار في باب الأغسال من كتاب الطهارة ، ومن ذلك
ما رواه الشيخ
في الموثق عن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل ينسى أن يغتسل يوم العيد حتى يصلى قال ان كان
في وقت فعليه ان يغتسل ويعيد الصلاة فان مضى الوقت فقد جازت صلاته».
__________________
ومن ذلك ما
رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «من لم يشهد جماعة الناس يوم العيدين فليغتسل
وليتطيب بما وجد وليصل وحده كما يصلى في الجماعة ، وقال (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ
مَسْجِدٍ) قال العيدان والجمعة».
وروى الفضل بن
الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن ابى جعفر (عليهالسلام) في قوله تعالى (خُذُوا زِينَتَكُمْ
عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) «أى خذوا ثيابكم التي تتزينون بها للصلاة في الجمعات والأعياد».
وقال الرضا (عليهالسلام) في كتاب الفقه «وإذا أصبحت يوم الفطر اغتسل وتطيب ، وتمشط والبس أنظف ثيابك وأطعم شيئا
قبل أن تخرج إلى الجبانة فإذا أردت الصلاة فابرز تحت السماء وقم على الأرض ولا تقم
على غيرها وأكثر من ذكر الله تعالى».
ومنها ـ خروج
الامام ماشيا حافيا مشمرا ثيابه داعيا بالمأثور عليه السكينة والوقار معتما شاتيا
كان أو قائظا ببرد أو حلة.
ويدل على هذه
الأحكام حديث خروج الرضا (عليهالسلام) الى صلاة العيد بأمر المأمون له (عليهالسلام) وهو مشتمل على سنن عديدة وهو مروي في الكافي وغيره من
كتب الصدوق وفيه «لما حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا (عليهالسلام) يسأله أن يركب ويحضر العيد ويصلى. الى أن قال فقال يا
أمير المؤمنين ان أعفيتني من ذلك فهو أحب الى وان لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله
(صلىاللهعليهوآله) وأمير المؤمنين (عليهالسلام) فقال المأمون اخرج كيف شئت ، وأمر المأمون القواد
والناس أن يركبوا الى باب ابى الحسن (عليهالسلام) قال فحدثني ياسر الخادم انه قعد الناس لأبي الحسن (عليهالسلام) في الطرقات والسطوح الرجال والنساء والصبيان واجتمع
القواد والجند على باب ابى الحسن
__________________
(عليهالسلام) فلما طلعت الشمس قام فاغتسل وتعمم بعمامة بيضاء من قطن
القى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه وتشمر ثم قال لجميع مواليه افعلوا مثل ما
فعلت ثم أخذ بيده عكازا ثم خرج ونحن بين يديه وهو حاف قد شمر سراويله الى نصف
الساق وعليه ثياب مشمرة فلما مشى ومشينا بين يديه رفع رأسه الى السماء وكبر أربع
تكبيرات فخيل إلينا ان السماء والحيطان تجاوبه ، والقواد والناس على الباب قد
تهيئوا ولبسوا السلاح وتزينوا بأحسن زينة ، فلما طلعنا عليهم بهذه الصورة وطلع
الرضا (عليهالسلام) وقف على الباب وقفة ثم قال : الله أكبر الله أكبر الله
أكبر الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام والحمد لله
على ما أبلانا. نرفع بها أصواتنا ، قال ياسر فتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج والصياح
لما نظروا الى ابى الحسن (عليهالسلام) وسقط القواد عن دوابهم ورموا بخفافهم لما رأوا أبا
الحسن (عليهالسلام) حافيا وكان يمشى ويقف في كل عشر خطوات ويكبر ثلاث
تكبيرات ، قال ياسر فتخيل إلينا ان السماء والأرض والجبال تجاوبه وصارت مرو ضجة
واحدة من البكاء ، وبلغ المأمون ذلك فقال له الفضل بن سهل ذو الرئاستين يا أمير
المؤمنين ان بلغ الرضا (عليهالسلام) المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس والرأي أن تسأله
أن يرجع فبعث إليه المأمون فسأله الرجوع فدعا أبو الحسن (عليهالسلام) بخفه فلبسه وركب ورجع».
وفي هذا الخبر
الشريف جملة من الفوائد : منها ـ ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وعليا (عليهالسلام) كانا يخرجان بهذه الكيفية.
ومنها ـ استحباب
التشمير للثياب والسراويل لكل من الإمام والمأموم والمشي حافيا للكل ايضا والتعمم
على النحو المذكور ، وهذا هو السنة في التعمم لا ما اشتهر من التحنك كما قدمنا
تحقيقه في بحث اللباس من كتاب الصلاة ومنها ـ أن تكون العمامة بيضاء من القطن.
__________________
ومنها ـ مشى
الامام وبيده عكاز وقد روى نحوه عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : روى في الفقيه عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق عن أبيه
(عليهماالسلام) قال «كانت لرسول الله (صلىاللهعليهوآله) عنزة في أسفلها عكاز يتوكأ عليها ويخرجها في العيدين
يصلى إليها».
وفي صحيحة محمد
بن قيس عن ابى جعفر (عليهالسلام) في حديث في أحوال النبي (صلىاللهعليهوآله) الى ان قال : وكان له عنزة يتكىء عليها ويخرجها في
العيدين فيخطب بها.
والظاهر
الاختصاص بالإمام فقط وظاهر الخبرين استحباب العنزة مطلقا.
ومنها ـ الاشتغال
بالتكبير والدعاء في طريقه مما ذكر هنا وغيره مما تقدم ويأتي ان شاء الله تعالى ،
ومنها الوقوف حال التكبير.
وروى في كتاب
دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) انه قال : «وينبغي لمن خرج الى العيد أن يلبس أحسن
ثيابه ويتطيب بأحسن طيبه وقال عزوجل «يا بَنِي آدَمَ
خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ»
قال ذلك في العيدين والجمعة ، قال وينبغي للإمام أن يلبس يوم العيد بردا
وإن يعتم شاتيا كان أو صائفا. وعن على (عليهالسلام) انه كان يمشي في خمس مواطن حافيا ويعلق نعليه بيده
اليسرى وكان يقول انها مواطن لله تعالى وأحب أن أكون فيها حافيا : يوم الفطر ويوم
النحر ويوم الجمعة وإذا عاد مريضا وإذا شهد جنازة». انتهى ما نقلناه من كتاب
الدعائم.
وفي صحيحة محمد
بن مسلم «لا بد من العمامة والبرد يوم الأضحى والفطر فأما الجمعة فإنها تجزئ بغير
عمامة وبرد».
وفي صحيحة
الحلبي «قلت تجوز صلاة العيدين بغير عمامة؟ قال نعم والعمامة
__________________
أحب الى». وظاهره العموم للإمام والمأموم.
وفي صحيحة
معاوية «وينبغي للإمام أن يلبس يوم العيدين بردا ويعتم شاتيا كان أو قائظا».
وفي تفسير
العياشي بسنده عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في قول الله تعالى (خُذُوا زِينَتَكُمْ
عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)؟ قال الأردية في العيدين والجمعة».
وفي صحيحة عبد
الله بن سنان عنه (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يعتم في العيدين شاتيا كان أو قائظا ويلبس درعه وكذلك
ينبغي للإمام ، ويجهر بالقراءة كما يجهر في الجمعة».
وفي صحيحة أبي
بصير «ينبغي للإمام
أن يلبس حلة ويعتم». ولعل المراد بالحلة هنا الرداء حيث ان الحلة المشهورة لا تكون
إلا من الحرير كما صرحوا به.
ومنها ـ الذهاب
الى المصلى من طريق والعود منه من آخر ، بل الظاهر من الأخبار الاستحباب مطلقا :
روى الصدوق في
الفقيه عن السكوني «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان إذا خرج الى العيدين لم يرجع في الطريق الذي بدأ
فيه يأخذ في طريق غيره».
وروى في الكافي
عن موسى بن عمر بن بزيع قال : «قلت للرضا (عليهالسلام) ان الناس رووا ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان إذا أخذ في طريق رجع في غيره فهكذا كان؟ قال فقال.
نعم فانا أفعله كثيرا ثم قال : أما انه أرزق لك.
وروى ابن طاوس
في كتاب الإقبال بإسناده عن ابى محمد هارون بن موسى التلعكبري بإسناده عن الرضا (عليهالسلام) قال «قلت له يا سيدي انا نروى عن النبي
__________________
(صلىاللهعليهوآله) انه كان إذا أخذ في طريق لم يرجع فيه وأخذ في غيره ،
فقال هكذا كان نبي الله (صلىاللهعليهوآله) يفعل وهكذا أفعل انا وهكذا كان أبي يفعل وهكذا فافعل
فإنه أرزق لك؟ وكان النبي (صلىاللهعليهوآله) يقول هذا ارزق للعباد».
وروى في كتاب
دعائم الإسلام عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) «انه كان إذا انصرف من المصلى يوم العيد لم ينصرف على الطريق الذي خرج عليه».
ومنها ـ أن
يطعم قبل خروجه يوم الفطر وبعد رجوعه في يوم الأضحى والأفضل في الأول أن يكون
إفطاره على حلو والمروي التمر ، وفي الإفطار على التربة الحسينية كلام ، والأفضل
في الثاني الأكل من أضحيته.
فههنا مقامات «الأول»
في الفرق بين العيدين بالإفطار في الأول قبل الخروج وفي الثاني بعد الرجوع.
ويدل عليه صحيحة
حريز عن زرارة المروية في الفقيه عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «لا تخرج يوم الفطر حتى تطعم شيئا ولا تأكل يوم
الأضحى إلا من هديك وأضحيتك إن قويت عليه وان لم تقو فمعذور. قال وقال أبو جعفر (عليهالسلام) كان أمير المؤمنين (عليهالسلام) لا يأكل يوم الأضحى شيئا حتى يأكل من أضحيته ولا يخرج
يوم الفطر حتى يطعم ويؤدى الفطرة. قال وكذلك نفعل نحن».
وروى في الكافي
في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «اطعم يوم الفطر قبل ان تخرج الى المصلى».
وروى فيه وفي
الفقيه عن جراح المدائني عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : اطعم يوم الفطر قبل أن تصلى ولا تطعم يوم الأضحى
حتى ينصرف الامام».
وروى في الفقيه
مرسلا قال «كان على (عليهالسلام) يأكل يوم الفطر قبل ان يغدو
__________________
الى المصلى ولا يأكل يوم الأضحى حتى يذبح».
وروى في
التهذيب في الموثق عن سماعة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «الأكل قبل الخروج يوم العيد وان لم تأكل فلا بأس».
أقول : يعنى عيد الفطر كما تقدم في الأخبار.
المقام الثاني
ـ في ما يستحب الإفطار عليه في الفطر ، فروى الشيخان في الكافي والفقيه عن على بن
محمد النوفلي قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) انى أفطرت يوم الفطر على طين وتمر؟ فقال لي جمعت بركة
وسنة».
وقال في كتاب
الإقبال : روى ابن أبي قرة بإسناده عن الرجل (عليهالسلام) قال : «كل تمرات يوم الفطر فان حضرك قوم من المؤمنين
فأطعمهم مثل ذلك».
وفي كتاب الفقه
الرضوي «والذي يستحب الإفطار عليه يوم الفطر الزبيب والتمر ، واروى عن العالم (عليهالسلام) الإفطار على السكر ، وروى أفضل ما يفطر عليه طين قبر
الحسين (عليهالسلام)».
قال في المدارك
: ويستحب يوم الفطر الإفطار على الحلو لما روى «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يأكل قبل خروجه تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو
أقل أو أكثر». ولا يجوز الإفطار على التربة الحسينية إلا بقصد الاستشفاء لمن كان
به علة كغيره من الأيام. انتهى.
وقال في الذكرى
: قال كثير من الأصحاب يستحب الإفطار يوم الفطر على الحلو لما روى «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يأكل قبل خروجه في الفطر تمرات ثلاثا أو خمسا أو
سبعا أو أقل أو أكثر». ولو أفطر على التربة الحسينية (على مشرفها الصلاة والسلام)
لعلة به فحسن وإلا فالأقرب التحريم ، والأفضل الإفطار على الحلاوة وأفضلها
__________________
السكر ، وروى تربة الحسين (عليهالسلام) والأول أظهر لشذوذ الرواية وتحريم الطين على الإطلاق
إلا ما خرج بالدليل من التربة للاستشفاء. انتهى.
أقول : اما ما
ذكروه من الإفطار على الحلو بقول مطلق فلم أقف فيه على خبر والذي وقفت عليه ما
قدمت من الأخبار الدالة على التمر وزاد في كتاب الفقه الزبيب ، واما السكر فقد
ذكره الشهيد كما عرفت ، ولعله استند فيه الى رسالة على بن الحسين ابن بابويه الذي
قد عرفت انه يفتي فيها غالبا بعبارات هذا الكتاب ، ولعله كان في الرسالة المذكورة
أو انه ذكره أحد من المتقدمين فذكره الشهيد كذلك ، وكيف كان فالمستند فيه هو هذا
الكتاب وبه يظهر ما في اعتراض بعض متأخري المتأخرين على الشهيد بعدم وجود المستند
فيه. ولعل من عبر بالحلو بقول مطلق حمل ما ذكر من التمر ونحوه هنا على التمثيل.
واما الرواية التي نقلوها عن النبي (صلىاللهعليهوآله) فالظاهر انها من طريق العامة التجأوا الى الاستدلال
بها حيث لم تحضرهم هذه الروايات التي ذكرناها فانى بعد التتبع لم أقف عليها في كتب
أخبارنا ، وأيضا فإن بعض محققي متأخري أصحابنا (رضوان الله عليهم) أسندها إلى
العامة .
المقام الثالث
ـ في الكلام على التربة الحسينية (على مشرفها أفضل الصلاة والتحية) والظاهر اتفاق
الأصحاب (رضوان الله عليهم) على جواز الأكل منها لقصد الاستشفاء وعليه تدل جملة من
الأخبار ، انما الخلاف في الأكل للتبرك فظاهر جملة من الأخبار المنع إلا انه روى
الجواز في العيد كما عرفت من رواية النوفلي المتقدمة ورواية كتاب الفقه وروى في إفطار يوم عاشوراء ايضا.
قال شيخنا
المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار : واما الأكل بمحض التبرك فالظاهر عدم
الجواز للتصريح به في بعض الأخبار وعموم بعضها ، لكن ورد في بعض الأخبار جواز
إفطار العيد به وإفطار يوم عاشوراء ايضا وجوزه فيهما بعض الأصحاب (رضوان الله
عليهم) ولا يخلو من قوة ، والاحتياط في الترك إلا
__________________
أن يكون به مرض يقصد الاستشفاء.
وقال المحقق
الأردبيلي (قدسسره) بعد ذكر المسألة : ولا بد أن يكون بقصد الاستشفاء وإلا
فيحرم ولم يحصل له الشفاء كما في رواية أبي يحيى ويدل عليه غيرها ايضا ، وقد نقل اكله يوم عاشوراء بعد
العصر وكذا الإفطار به في يوم العيد ولم تثبت صحته فلا يؤكل إلا للشفاء.
وظاهر كلامه (قدسسره) رد خبري الجواز في هذين الموضعين لضعف السند بناء على
هذا الاصطلاح حيث انه (قدسسره) من القائلين به والعاكفين عليه ، وظاهر كلام شيخنا
المجلسي (قدسسره) القول بمضمون الخبرين والظاهر انه لكونهما خاصين وتلك
الأخبار مطلقة فالعمل بهما مقدم كما هو القاعدة ، وكلامه (قدسسره) مبنى على إلغاء هذا الاصطلاح كما هو المعروف من
طريقته.
والظاهر ان
الرواية المشار إليها في الجواز يوم عاشوراء هو ما ذكره الشيخ في المتهجد قال : ويستحب صوم هذا العشر فإذا كان يوم عاشوراء أمسك عن الطعام والشراب
الى بعد العصر ثم يتناول شيئا يسيرا من التربة. ولم يذكر شيخنا المجلسي في كتاب
البحار دليلا سواها في هذا الحكم.
ومن الأخبار
الواردة في المسألة ما رواه في كتاب كامل الزيارات عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «قلت له ما تقول في طين قبر الحسين (عليهالسلام)؟ قال يحرم على الناس أكل لحومهم ويحل لهم أكل لحومنا
ولكن الشيء اليسير منه مثل الحمصة». وظاهر الخبر الجواز بهذا المقدار وان لم يكن
بقصد الاستشفاء.
ومنها ـ ما
رواه فيه ايضا بسنده عن سماعة بن مهران عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «كل طين حرام على بنى آدم ما خلا طين قبر ابى عبد
الله (عليه
__________________
السلام) من أكله من وجع شفاه الله». وظاهره يشير الى الجواز بقصد الشفاء
إلا انه غير صريح بل ولا ظاهر في المنع من غيره.
ومنها ـ ما
رواه في كتاب دعوات الراوندي عن سدير عن الصادق (عليهالسلام) انه قال «من أكل من طين قبر الحسين (عليهالسلام) غير مستشف به فكأنما أكل من لحومنا». وهو صريح في
التحريم إلا بقصد الاستشفاء ويمكن تقييده بالأخبار المتقدمة.
ومنها ـ ما
رواه في كتاب العلل عن أبي يحيى الواسطي عن رجل قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) الطين حرام أكله كلحم الخنزير ومن أكله ثم مات فيه لم
أصل عليه إلا طين القبر ، فمن أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء».
ورواه الكليني
في الكافي وابن قولويه في كتاب كامل الزيارات عن الكليني وفيهما «حرام أكله. إلى قوله إلا طين القبر
فان فيه شفاء من كل داء ومن أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء». وليس فيه دلالة صريحة بل
ولا ظاهرة على التحريم بقصد التبرك كما هو محل الخلاف.
والظاهر ان
جملة «فإن فيه شفاء من كل داء» سقطت من قلم صاحب العلل أو من بعض الرواة حيث انها
الأنسب بسياق الخبر ورواية الشيخين المذكورين لها وهذه هي الرواية التي أشار إليها
المحقق الأردبيلي (نور الله مرقده) وادعى دلالتها على التحريم إلا بقصد الاستشفاء
والحال فيها كما ترى.
وبالجملة
فالأخبار المدعى دلالتها على التحريم مطلقا وان كان للتبرك لا بقصد الشفاء لا
صراحة فيها ولا ظاهرية بذلك كما عرفت إلا رواية سدير وقد عرفت قيام الاحتمال
بتقييدها ، وروايتا النوفلي وكتاب الفقه الرضوي صريحتان
__________________
في الجواز للتبرك ورواية المصباح في يوم عاشوراء. وقضية الجمع بين أخبار
المسألة تقييد ما يدعى دلالته على التحريم بإطلاقه وقصر الحكم بالتحريم على ما عدا
المواضع الثلاثة المذكورة في ما قدمناه من الأخبار. والاحتياط لا يخفى. والله
العالم
ومنها ـ التكبير
في الفطر عقيب أربع صلوات أولها المغرب وآخرها صلاة العيد ، وضم الصدوق الى هذه
الصلوات الأربع صلاة الظهرين ، وضم ابن الجنيد النوافل ايضا ، وفي الأضحى عقيب خمس
عشرة صلاة أولها ظهر يوم النحر لمن كان بمنى وفي الأمصار عقيب عشر صلوات أولها ما
تقدم.
وتفصيل هذه
الجملة يقع في مواضع (الأول) اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب هذا
التكبير واستحبابه في عيد الفطر فنقل عن المرتضى (رضى الله عنه) القول بالوجوب
والمشهور الاستحباب.
ويدل على ما
ذهب اليه المرتضى من الوجوب في الفطر الآية أعني قوله عزوجل «وَلِتُكَبِّرُوا
اللهَ عَلى ما هَداكُمْ» .
وروى الصدوق (قدسسره) في كتاب الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) في حديث شرائع الدين قال : «والتكبير في العيدين واجب
أما في الفطر ففي خمس صلوات يبتدأ به من صلاة المغرب ليلة الفطر إلى صلاة العصر من
يوم الفطر ، وهو ان يقال : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله
الحمد الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا. لقوله عزوجل (وَلِتُكْمِلُوا
الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ). الحديث».
والتقريب فيه
انه قد فسر (عليهالسلام) الآية بهذا التكبير الواقع في الفطر ، والأوامر
القرآنية للوجوب إجماعا إلا ما قام الدليل على خلافه ، ويعضده تصريح الخبر بالوجوب
أيضا.
__________________
ونحوه ما رواه
الصدوق في كتاب عيون الأخبار عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليهالسلام) «انه كتب الى المأمون : والتكبير في العيدين واجب في الفطر في دبر خمس
صلوات ويبدأ به في دبر صلاة المغرب ليلة الفطر». ورواه الحسن بن على بن شعبة في
كتاب تحف العقول مرسلا .
وقال في
المدارك ـ بعد نقل القول بالاستحباب عن أكثر الأصحاب والوجوب عن المرتضى ـ ما لفظه
: والذي وقفت عليه في هذه المسألة رواية سعيد النقاش قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) اما ان في الفطر تكبيرا ولكنه مسنون. قال قلت واين هو؟
قال في ليلة الفطر في المغرب والعشاء الآخرة وفي صلاة الفجر وصلاة العيد ثم يقطع.
قال قلت كيف أقول؟ قال تقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر
ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا. وهو قول الله سبحانه (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ
وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ)» . وهي صريحة في الاستحباب وينبغي العمل بها في كيفية
التكبير ومحله وان ضعف سندها لأنها الأصل في هذا الحكم. انتهى.
ولا يخفى عليك
ما فيه (أما أولا) فلما ادعاه من أن الذي وقف عليه انما هو هذه الرواية وانها
الأصل في هذا الحكم مع ما عرفت مما قدمناه من الروايتين في هذه المسألة. ومن
رواياتها ايضا
ما رواه ثقة
الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «تكبر ليلة الفطر وصبيحة الفطر كما تكبر في العشر».
أقول : الظاهر
ان المراد بالعشر يعنى عشر صلوات في الأمصار في الأضحى والمراد استحباب التكبير أو
وجوبه في هذا الموضع كما في ذلك الموضع ، ولا يلزم منه اتحاد الكيفية.
و (اما ثانيا)
فان ما ذكره ـ من ان هذه الرواية هي الأصل في هذا الحكم
__________________
وانه ينبغي العمل بها وان ضعف سندها ـ إنما ألجأه إليه ضيق الخناق في هذا
الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح ، وذلك فان الخبر الضعيف عنده ليس
بدليل شرعي ومن عادته وقاعدته رد الأخبار الضعيفة في كتابه ، وبموجب ذلك انه لا
يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ولا يجوز بناؤها عليه ، ومن قاعدته تقديم العمل
بالبراءة الأصلية على الأخبار الضعيفة ، فكيف خرج عن قاعدته هنا واحتج بهذه الحجة
الواهية التي هي لبيت العنكبوت ـ وانه لأوهن البيوت ـ مضاهية؟ على انك قد عرفت
وجود الأخبار في الحكم المذكور غير هذه الرواية كرواية معاوية بن عمار ، فإنها قد
تضمنت الأمر بالتكبير وان لم تدل على كيفيته ، ورواية الأعمش وان اشتملت على
كيفيته إلا ان في رواية الأعمش زيادة على ما نقله في رواية النقاش في آخر التكبير «والحمد
لله على ما أبلانا» وهذه الزيادة أيضا موجودة في رواية النقاش بنقل الصدوق لها في
الفقيه وأما على نقل الشيخ في التهذيب وهو الذي أخذ منه فهو كما نقله هنا. وبالجملة فهو معذور
في ما ذكره حيث لم يعط التأمل حقه في تتبع الأخبار والوقوف عليها في مظانها وان لم
يكن معذورا حقيقة لما ذكرناه.
وكيف كان فان
ظاهر رواية النقاش هو الاستحباب ، إذ الظاهر من قوله «مسنون» انما هو المستحب لا
ما ثبت وجوبه بالسنة كما يدل عليه السياق ، وعلى ذلك تحمل الآية المذكورة في الخبر
، لأنه لو أريد بها الوجوب لكان حق العبارة في الخبر ان يقال انه مفروض أى واجب
بالكتاب ، ويؤيد ذلك ما يأتي في صحيحة على بن جعفر وأما لفظ الوجوب في الخبرين المتقدمين ففيه ما عرفت مما
قدمناه في غير موضع من مباحث الكتاب من ان هذا اللفظ من الألفاظ المتشابهة ، فإنه
وان كان في اصطلاح أرباب الأصول بمعنى ما يترتب العقاب على تركه لكنه في الأخبار
أعم
__________________
من ذلك كما لا يخفى على من تدبر الأخبار وجاس خلال الديار.
الثاني ـ في
وجوبه أو استحبابه في عيد الأضحى ، والمشهور الاستحباب ايضا ونقل عن المرتضى وابن
الجنيد والشيخ في الاستبصار الوجوب.
قال في المدارك
بعد ذكر المصنف تكبير الأضحى : المشهور بين الأصحاب ان ذلك على سبيل الاستحباب
ايضا ، وقال المرتضى وابن الجنيد والشيخ في الاستبصار بالوجوب لما رواه محمد بن
مسلم في الحسن قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قول الله عزوجل (وَاذْكُرُوا اللهَ
فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ) قال التكبير في أيام التشريق من صلاة الظهر من يوم
النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث ، وفي الأمصار عشر صلوات فإذا نفر الناس
النفر الأول أمسك أهل الأمصار». انتهى. ثم نقل الاختلاف في الكيفية.
أقول : ظاهر
كلامه (زيد في مقامه) ـ حيث ذكر ان المشهور هو الاستحباب ولم ينقل عليه دليلا ثم
نقل القول بالوجوب وأورد له دليلا الحسنة المذكورة ثم تجاوز عن المقام الى نقل
الاختلاف في الكيفية ، ولم يرجح شيئا من القولين ولم يتكلم بشيء في البين ـ هو
التوقف في الحكم بل ربما أشعر بالميل الى الوجوب حيث نقل ما يدل عليه ولم يطعن فيه
بشيء كما هي عادته إذا لم يرتض القول بالخبر ، مع عدم تعرضه لنقل دليل مقابله.
والذي وقفت
عليه من الأخبار المتعلقة بالمسألة الحسنة التي ذكرها ، ولا يخفى ان وصفه لها
بالحسن انما هو بإبراهيم بن هاشم الذي قد عرفت اضطراب كلامه فيه ما بين ان يرد
روايته بالضعف وما بين ان يصفها بالحسن كما هنا وما بين أن يصفها
__________________
بالصحة كما أشرنا إليه في الأبحاث المتقدمة.
ومنها ـ موثقة
عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «التكبير واجب في دبر كل صلاة فريضة أو نافلة
أيام التشريق».
ومنها ـ صحيحة
على بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن التكبير أيام التشريق أواجب هو؟ قال
يستحب وان نسي فلا شيء عليه. الحديث».
ومنها ـ صحيحة
منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في قول الله عزوجل (وَاذْكُرُوا اللهَ
فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ) قال هي أيام التشريق كانوا إذا أقاموا بمنى بعد النحر
تفاخروا فقال الرجل منهم كان ابى يفعل كذا وكذا فقال الله عزوجل (فَإِذا أَفَضْتُمْ
مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ) ـ (كَذِكْرِكُمْ
آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) قال والتكبير : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله
والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا
من بهيمة الانعام».
وجملة من
الأخبار انما تضمن السؤال عنه أو بيان كيفيته من غير اشعار بوجوب أو استحباب.
وأنت خبير بأنه
وان كان ظاهر ما عدا صحيحة على بن جعفر من هذه الأخبار هو الوجوب إلا ان ظاهر
الصحيحة المذكورة بل صريحها هو الاستحباب لانه لا مجال للتأويل هنا في لفظ
الاستحباب فيها فيجب حمل ما عداها من الأخبار عليها ، وكذلك الآية المذكورة في
حسنة محمد بن مسلم وصحيحة منصور.
ومما يؤيد
القول بالاستحباب صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن التكبير بعد كل صلاة فقال كم شئت انه
ليس شيء
__________________
موقت. يعني في الكلام». وظاهر هذه الرواية العموم لكل من تكبير الفطر
والأضحى
وأظهر منه قوله
في هذا الحديث على ما نقله في مستطرفات السرائر من جامع البزنطي بسند صحيح ايضا عوض هذه العبارة قال : «كم شئت انه ليس بمفروض» ويشعر
به ايضا قوله (عليهالسلام) في موثقة عمار المتقدمة «واجب في دبر كل صلاة فريضة أو نافلة». مع دلالة رواية داود بن فرقد على انه ليس في النافلة تكبير. والله العالم.
الثالث ـ في
كيفيته وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك فقال ابن ابى عقيل ان كيفيته
: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد على ما هدانا الله
أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام والحمد لله ما أولانا. ولم يذكر تكبير الفطر.
وقال ابن
الجنيد في كيفية تكبير الفطر : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر
الله أكبر ولله الحمد على ما هدانا. وفي الأضحى الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا
إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما
رزقنا من بهيمة الانعام والحمد لله على ما أولانا.
وروى الصدوق في
من لا يحضره الفقيه عن على (عليهالسلام) انه كان يقول في دبر كل صلاة في عيد الأضحى : الله
أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
ولم يذكر تكبير
الفطر. وفي المقنع في صفة تكبير الأضحى : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا
الله والله أكبر ولله الحمد والله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا
والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام.
__________________
وقال الشيخ
المفيد في تكبير الفطر : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر والحمد
لله على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا. وفي الأضحى الله أكبر الله أكبر لا إله
إلا الله والله أكبر والحمد لله على ما رزقنا من بهيمة الانعام.
وقال الشيخ في
النهاية في صفة تكبير الفطر : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر
ولله الحمد الحمد لله على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا. وفي الأضحى كذلك إلا
انه يزيد فيه «ورزقنا من بهيمة الانعام» وكذلك في المبسوط.
وقال في الخلاف
: صفة التكبير ان يقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر
ولله الحمد. ولم يفصل بين العيدين.
هذا ما وقفت
عليه من الأقوال المنقولة في المختلف ، وأقوال من تأخر عنه أيضا مختلفة في ذلك كما
لا يخفى على من راجعها.
واما الاخبار
الواردة في ذلك فاما بالنسبة إلى عيد الفطر فالذي وقفت عليه ما تقدم في رواية
الأعمش المنقولة من كتاب الخصال ورواية سعيد النقاش .
والذي في
الأولى : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الله أكبر
على ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا.
والذي في
الثانية برواية الصدوق مثل هذه الرواية ، وأما برواية الكليني والشيخ عنه فإنهما أسقطا قوله في آخر الرواية : «والحمد لله على ما
أبلانا» كما أشرنا إليه آنفا.
وروى في كتاب
الإقبال قال : روينا بإسنادنا الى ابى محمد هارون بن موسى
التلعكبري بإسناده إلى معاوية بن عمار قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول ان في الفطر تكبيرا. قلت متى؟ قال في المغرب ليلة
الفطر والعشاء وصلاة الفجر وصلاة العيد ثم ينقطع وهو قول الله تعالى (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ
وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) والتكبير
__________________
ان يقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله
الحمد على ما هدانا.
أقول : وهذه
كيفية أخرى أيضا. والعمل بالصورة التي اتفقت عليها رواية الأعمش ورواية النقاش
بناء على نقل الصدوق لها هو الأحوط وان كان القول بالتخيير بين ما ورد هو الوجه في
الجمع بين الأخبار.
وأنت خبير بان
ما قدمنا نقله عن ابن الجنيد والشيخ المفيد وكذلك الشيخ في النهاية والمبسوط من
صورة تكبير الفطر مع اختلافه لا ينطبق شيء منه على ما دل عليه الخبران المذكوران
، وحمله على وصول اخبار لهم مما ذكره كل منهم مع عدم وصول شيء منها لنا وان أمكن
لكنه بعيد ، وأبعد منه أن يكون ما قاله كل منهم عن اجتهاد في المسألة إذ لا مسرح
للاجتهاد في مثل ذلك.
واما بالنسبة
إلى عيد الأضحى فالأخبار فيه أشد اختلافا وأبعد ائتلافا ، قال في المدارك : واختلف
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في كيفية التكبير في الأضحى والأجود العمل بما رواه
معاوية بن عمار في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «والتكبير ان يقول : الله أكبر الله أكبر لا إله
إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على
ما رزقنا من بهيمة الأنعام والحمد لله على ما أبلانا». انتهى.
أقول : لا أعرف
لهذه الاجودية وجها إلا من حيث صحة سند هذه الرواية باصطلاحه ، وقد عرفت ان صحيحة
منصور بن حازم المتقدمة قد تضمنت التكبير في الأضحى بوجه آخر ، وفي صحيحة زرارة
أو حسنته بإبراهيم بن هاشم الذي قدمنا قريبا عنه عد حديثه في الحسن عن ابى جعفر (عليهالسلام) «يقول فيه : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر
ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام». وهذه
أيضا كيفية ثالثة.
وبذلك يظهر لك
انه لا وجه لهذه إلا جودية وترجيح تلك الرواية لأجلها
__________________
إلا من حيث غفلته وقت التصنيف عن هاتين الروايتين كما يشعر به قوله في
رواية النقاش «انه لم يقف في تلك المسألة إلا عليها» مع وجود الأخبار التي ذكرناها
ثمة.
ثم ان في صحيحة
على بن جعفر المروية في كتابه وهي مروية في كتاب قرب الاسناد عن أخيه (عليهالسلام) قال : «تقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله
والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا
من بهيمة الانعام».
وهذه الكيفية
مطابقة لما ورد في صحيحة زرارة أو حسنته المتقدمة . وفي رواية الأعمش المنقولة من كتاب الخصال التي قدمنا
ذكرها في تكبير الفطر قال في آخرها. «وبالأضحى في الأمصار في دبر عشر صلوات.
الى ان قال ويزاد في هذا التكبير : والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام». وهذه
أيضا كيفية رابعة
وما يأتي نقله
من كتاب الفقه الرضوي وهي كيفية خامسة أيضا. والعمل بكل ما ورد حسن ان شاء الله
تعالى.
فائدة
قد تقدم في
كلام ابن الجنيد ذكر التكبير في صدر التكبير المسنون في الأضحى ثلاث مرات والموجود
في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) وكذا في الاخبار انما هو مرتان ، وأخبار
المسألة على كثرتها وتعددها في الكتب الأربعة وغيرها لم تشتمل إلا على المرتين ،
قال المحقق في الشرائع بعد قوله الله أكبر مرتين : وفي الثالثة تردد. والظاهر انه
اشارة الى ما نقلناه عن ابن الجنيد كما تقدم تصريحه به في عبارته المتقدمة. وكيف
كان فإنه لا وجه لهذا التردد بمجرد وجود القائل بذلك مع عدم وجود ما يدل عليه من
الاخبار ، اللهم إلا أن يكون وصل اليه دليل لم يصل إلينا وهو بعيد.
الرابع ـ ما
تقدم نقله عن الصدوق من زيادة فريضتين على الأربع المشهورة
__________________
قد صرح به في المقنع حيث قال بأنه عقيب ست صلوات اخيرتها صلاة العصر يوم
الفطر. والأصحاب لم يذكروا له مستندا بل صرح الشهيد في الذكرى بعدم وقوفه على
مأخذه.
قال بعض
الأصحاب بعد نقل ذلك من الذكرى : الظاهر ان مأخذه ما أشار إليه في الفقيه عند نقل
رواية سعيد حيث قال : وفي غير رواية سعيد وفي الظهر والعصر
أقول : بل
الظاهر ان مأخذه انما هو كتاب الفقه الرضوي الذي قد عرفت في غير مقام مما تقدم
اعتماده وكذا أبوه في الرسالة على أخذ عبارات هذا الكتاب والإفتاء بها.
قال (عليهالسلام) في الكتاب المذكور «وكبر بعد المغرب والعشاء الآخرة والغداة وصلاة العيد والظهر والعصر كما
تكبر أيام التشريق : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر
على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا وأبلانا والحمد لله بكرة وأصيلا».
وقد تقدم في رواية الأعمش المنقولة من الخصال انه في خمس صلوات
يبتدأ به من صلاة المغرب ليلة الفطر إلى صلاة العصر. والظاهر ان مراده بالخمس مع
لزوم كونها ستا يعنى من اليومية فلا ينافي كونها ستا مع صلاة العيد.
ويشير الى هذا
القول ايضا ما رواه في عيون الأخبار في حديث عن الفضل ابن شاذان عن الرضا (عليهالسلام) في كتابه إلى المأمون «والتكبير في العيدين واجب في
الفطر في دبر خمس صلوات ويبدأ به في دبر صلاة المغرب ليلة الفطر». وإجمال هذه
الرواية يعلم من رواية الخصال.
ويدل على هذا
القول ايضا ما رواه العياشي في تفسيره عن سعيد ، والظاهر انه النقاش المتقدم حيث
نقل عنه تلك الرواية المتقدمة في تفسيره ثم قال وعن
__________________
سعيد عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان في الفطر تكبيرا. قال قلت ما تكبير إلا في
يوم النحر؟ قال فيه تكبير ولكنه مسنون : في المغرب والعشاء والفجر والظهر والعصر
وركعتي العيد».
وبذلك يظهر لك
ما في كلام من رد على الصدوق هنا بعدم وجود المستند ، لعدم إعطاء التأمل حقه في
تتبع الأخبار.
ولم أقف على من
تعرض للجواب عن هذه الأخبار حيث ان الأكثر كما عرفت لم يطلعوا عليها بالكلية ،
وغاية ما أجاب به بعض محققي متأخري المتأخرين بعد أن ذكر رواية الأعمش المنقولة في
الخصال ان قال : ولا يخفى ان الاستناد الى ما هو المنجبر بعمل الأصحاب والمروي في
الكتب الأربعة أولى. ولا يخفى ما فيه سيما بعد ما عرفت من تعدد الرواية بذلك.
واما ما ذكره
ابن الجنيد من ضم النوافل فإن العلامة في المختلف نقل عنه القول بالوجوب عقيب الفرائض
المذكورة والاستحباب عقيب النوافل ، ونقل عنه انه احتج بأنه تكبير مستحب وذكر
مندوب اليه فيكون مشروعا ، ثم أجاب عنه بما حاصله انا نسلم ان التكبير مستحب لكن
من حيث انه تكبير اما من حيث انه تكبير العيد فمنع مشروعيته.
وظاهره في
المنتهى إنكار القول المذكور ونسبه للشافعي ونقل استدلاله عليه بما نقله في المختلف عن ابن الجنيد
ثم رده بمثل ما رده في المختلف.
أقول : لا يخفى
ان جملة من الروايات قد صرحت بالاستحباب بعد النوافل مثل
__________________
ما في صحيحة على بن جعفر عن أخيه (عليهالسلام) قال : «سألته عن النوافل أيام التشريق هل فيها تكبير؟
قال نعم وان نسي فلا بأس».
وفي موثقة عمار
المتقدمة في الموضع الثاني «واجب في دبر كل صلاة فريضة أو نافلة أيام التشريق».
وفي رواية حفص
بن غياث بإسناده الى على (عليهالسلام) الآتية قريبا ان شاء الله تعالى «وعلى من صلى تطوعا».
إلا ان في
صحيحة داود بن فرقد ـ قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) التكبير في كل فريضة وليس في النافلة تكبير أيام
التشريق».
ـ ما يدل على
نفى ذلك. والجمع بين هذه الصحيحة والروايات المتقدمة لا يخلو من اشكال إلا ان يحمل
هذه الصحيحة على نفى الوجوب والأخبار المتقدمة على تأكيد الاستحباب إلا ان ذلك لا
يوافق مراد الأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث أن التكبير عندهم بعد الفريضة أو
النافلة انما هو على جهة الاستحباب وبموجبه يكون النفي في الصحيحة المذكورة متوجها
الى نفى التوظيف مطلقا وان كان ما ذكرناه من الجمع موافقا لما نقله في المختلف عن
ابن الجنيد. وجملة من أصحابنا نقلوا الأخبار المذكورة مع ما هي عليه من التعارض
ولم يتعرضوا لوجه الجمع بينها.
وبالجملة
فالظاهر من الأخبار هو ما ذكره ابن الجنيد من الاستحباب عقيب النافلة ، وحينئذ
يحمل النفي في صحيحة داود بن فرقد على نفى تأكد الاستحباب مثل الفريضة. وأما على
القول المشهور من تخصيص الاستحباب بالفريضة فيشكل الجمع بين أخبار المسألة كما
عرفت.
هذا ، والظاهر
الاستحباب في هذا التكبير للرجال والنساء والمصلي جماعة
__________________
أو منفردا ، قال في الذكرى : هذا التكبير مستحب للمنفرد والجامع والحاضر
والمسافر والبلدي والقروي والذكر والأنثى والحر والعبد للعموم. انتهى. وهو كذلك.
ومن الأخبار
المتعلقة بذلك ما رواه الشيخ في التهذيب عن حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) قال : «قال على (عليهالسلام) على الرجال والنساء أن يكبروا أيام التشريق في دبر
الصلوات وعلى من صلى وحده وعلى من صلى تطوعا».
وعن على بن
جعفر في الصحيح عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن النساء هل عليهن التكبير أيام التشريق؟
قال نعم ولا يجهرن. قال : وسألته عن الرجل يصلى وحده أيام التشريق هل عليه تكبير؟
قال نعم وان نسي فلا بأس. قال : وسألته عن التكبير أيام التشريق هل يرفع فيه
اليدين أم لا؟ قال يرفع يده شيئا أو يحركها». وروى هذا الخبر بكماله الحميري في
قرب الإسناد عن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) في الصحيح مثله .
ولو نسيه حتى
قام من موضعه سقط الإتيان به لما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل ينسى أن يكبر أيام التشريق قال
ان نسي حتى قام من موضعه فليس عليه شيء».
الخامس ـ المعروف
من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) بحيث لم يظهر فيه مخالف ان أول التكبير في
الأضحى ظهر يوم النحر الى تمام خمس عشرة صلاة وهو غداة اليوم الثالث عشر لمن كان
بمنى ناسكا أو غير ناسك ، وعشر صلوات اخيرتها غداة اليوم الثاني عشر لمن كان من
أهل الأمصار أو نفر اليوم الثاني عشر من منى.
__________________
قال بعض محققي
متأخري المتأخرين : هذا مما تفردنا به ايضا ولم يقل به أحد من العامة ، فإن أحدا
منهم لم يفرق بين من بمنى ومن بغيرها ومع هذا أوله عند أكثرهم من صلاة الفجر يوم عرفة وآخره
عند الشافعي وجماعة العصر من آخر أيام التشريق ، وعند أبي حنيفة وجمع منهم العصر
من يوم النحر ، وفي قول آخر للشافعي يكبر من المغرب ليلة النحر الى الصبح من آخر
أيام التشريق ، وقال جمع منهم من الظهر يوم النحر الى الظهر من يوم النفر ، ولهم
أقوال أخر شاذة انتهى.
وبالجملة فإن
المتفق عليه عندنا هو تحديد الوقت أولا وآخرا بما قدمنا ذكره إلا ان بعض الأخبار
الواردة في المسألة ربما ظهر منه المنافاة فلا بأس ببسط أخبار المسألة الواردة في
ذلك عنهم (عليهمالسلام) ما كان موافقا أو مخالفا ليحصل به الوقوف على ما
تضمنته من الأحكام فلا نحتاج إلى إعادته في كتاب الحج وان كان هو الأنسب بالمقام
فنقول :
من الأخبار
الواردة في ذلك ما رواه ثقة الإسلام والشيخ في الصحيح أو الحسن عن زرارة قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) التكبير أيام التشريق في دبر الصلوات؟ فقال التكبير
بمنى في دبر خمس عشرة صلاة وفي سائر الأمصار في دبر عشر صلوات ، وأول التكبير في
دبر صلاة الظهر يوم النحر يقول فيه : الله أكبر. إلى آخر ما تقدم في الموضع
الثالث. ثم قال (عليهالسلام) وانما جعل في سائر الأمصار في دبر عشر صلوات لأنه إذا
نفر الناس في النفر الأول أمسك أهل
__________________
الأمصار عن التكبير وكبر أهل منى ما داموا بمنى الى النفر الأخير».
وما رواه ثقة
الإسلام (عطر الله مرقده) في الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قول الله عزوجل : (وَاذْكُرُوا اللهَ
فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ) قال التكبير في أيام التشريق من صلاة الظهر من يوم
النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث وفي الأمصار عشر صلوات ، فإذا نفر الناس
النفر الأول أمسك أهل الأمصار ومن أقام بمنى فصلى بها الظهر والعصر فليكبر».
وهذه الرواية
قد دلت على انه من أقام بمنى في اليوم الثالث عشر وصلى بها الظهر والعصر فليكبر ،
وفيه زيادة فريضتين هي الظهر والعصر على الخمس عشرة المحدودة
وما رواه في
الكافي والتهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «التكبير أيام التشريق من صلاة الظهر يوم النحر
إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق ان أنت أقمت بمنى وان أنت خرجت فليس عليك
التكبير ، والتكبير ان يقول الله أكبر. الحديث». وقد تقدم في الموضع الثالث في
كلام صاحب المدارك.
وهذه الرواية
بهذه الصورة في الكافي والظاهر ان لفظ «الظهر» الأخير تحريف الفجر كما هو
الموجود في التهذيب ولهذا ان صاحب الوافي إنما نقلها برواية التهذيب ، وعليه فلا إشكال في الخبر المذكور.
__________________
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن غيلان قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن التكبير في أيام الحج من أى يوم يبتدئ به وفي أي
يوم يقطعه؟ وهو بمنى وسائر الأمصار سواء أو بمنى أكثر؟ فقال التكبير بمنى يوم
النحر عقيب صلاة الظهر إلى صلاة الغداة من يوم النفر فإن أقام الظهر كبر وان أقام
العصر كبر وان أقام المغرب لم يكبر ، والتكبير بالأمصار يوم عرفة صلاة الغداة إلى
النفر الأول صلاة الظهر وهو وسط أيام التشريق».
وهذه الرواية
فيها من الإشكال مثل ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم من زيادة فريضتين.
قال بعض
المحققين من متأخري المتأخرين في الجواب عن الخبرين المذكورين : يحتمل أن يكون
المرادان من نفر في النفر الأول من غير أن يصلى الظهرين بمنى فاخيرتها الفجر ، وان
أقام الى أن صلاهما فليكبر بعدهما ايضا ولا سيما إذا كان مراده البيتوتة الأخيرة.
ويحتمل أن يكون هذا في النفر الأخير أي من لم ينفر في الأخير إلى صلاة الظهرين
فليكبر بعدهما ايضا إما تقية لكونه مذهب جمع منهم واما لاستحبابه بالنسبة الى هذا
واقعا. انتهى.
أقول : والظاهر
هو الحمل على التقية كما أشار إليه (قدسسره) فإنه لا وجه لهذه المخالفة مع اتفاق الأصحاب (رضوان
الله عليهم) على الحكم المذكور سلفا وخلفا كما تقدمت الإشارة إليه المعتضد
بالأخبار الكثيرة إلا التقية ويؤيده التتمة التي في رواية غيلان «والتكبير
بالأمصار يوم عرفة. الى آخره» فإنه موافق لمذهب جمع من العامة ولهذا ان الشيخ (قدسسره) قال في الجواب عن هذا الخبر انه موافق للعامة ولسنا
نعمل به.
السادس ـ قال
بعض المحققين من مشايخنا من متأخري المتأخرين : واعلم ان
__________________
ظاهر ما رواه الصدوق عن على (عليهالسلام) «انه كان إذا صلى كل صلاة يبدأ بهذا التكبير». أى
مقدما على سائر التعقيب وكذا يظهر من ما مر من تكبير على (عليهالسلام) في أول خطبته وكذا من ما نقل من حكاية الرضا (عليهالسلام) من انه حين ما خرج من بيته نادى بالتكبير وكلما مشى
عشر خطوات وقف فنادى بالتكبير وكذا يظهر من غيرهما ايضا عدم اختصاص هذا التكبير
بتعقيب الصلاة بل الظاهر استحبابه في ذينك الوقتين ايضا ولا سيما وقت الذهاب الى
المصلى. انتهى.
ولا يخفى ما
فيه فإنه وان أمكن احتماله إلا ان ظواهر الأخبار تعطي ان التكبير الذي وقع
الاختلاف في كيفيته نصا وفتوى انما هو التكبير المخصوص بأعقاب الصلوات ، وقد تقدم
ان من جملة أحكامه انه متى نسيه حتى قام من مكانه فلا قضاء عليه ، ولو كان التكبير
المذكور انما هو الموقت كما زعمه (قدسسره) لما حسن نفى القضاء مع بقاء الوقت ، ومثله نفى البأس
عن من نسي وقد صلى وحده كما تقدم في صحيحة على بن جعفر فإنه لو كان الاستحباب لهذا الوقت لما حسن نفى البأس عن
من نسيه دبر الصلاة الى غير ذلك من المؤيدات لما ذكرناه كما لا يخفى على المتأمل.
وجميع ما عده من المواضع المشتملة على تكبيرهم (عليهمالسلام) فالظاهر أنها وظائف أخر ومستحبات على حدة كما لا يخفى
، خصوصا مع عدم انطباق التكبير في هذه المواضع التي ذكرها على شيء من الكيفيات
الواردة في الأخبار المتضمنة لكيفية ذلك التكبير المخصوص وتفسيره ما في الآية
الشريفة بهذه الكيفية الواردة عقيب الصلوات. والله العالم.
ومنها ـ كراهة
التنفل قبلها وبعدها الى الزوال إلا بمسجد النبي (صلىاللهعليهوآله) فإنه يصلى فيه ركعتين قبل خروجه الى المصلى.
والأصل في ذلك
الأخبار المتكاثرة وقد مر طرف منها ، ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «صلاة العيدين مع
__________________
الإمام سنة وليس قبلها ولا بعدها صلاة ذلك اليوم الى الزوال».
وفي صحيحة عبد
الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «صلاة العيدين ركعتان بلا أذان ولا اقامة ليس قبلهما ولا بعدهما شيء».
وفي صحيحة حريز
المروية في التهذيب عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «لا تقض وتر ليلتك ان كان فاتك حتى تصلى الزوال
في يوم العيدين». وفي الفقيه رواها عن حريز عن زرارة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) مثله .
وروى الشيخ في
التهذيب عن زرارة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «صلاة العيدين مع الإمام سنة وليس قبلها ولا
بعدها صلاة ذلك اليوم الى الزوال فان فاتك الوتر في ليلتك قضيته بعد الزوال». ومطلق
هذه الأخبار يحمل على مقيدها.
وروى الشيخان
ثقة الإسلام والصدوق (عطر الله مرقديهما) في الكافي والفقيه عن محمد بن الفضل
الهاشمي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ركعتان من السنة ليس تصليان في موضع إلا
بالمدينة قال تصلى في مسجد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في العيد قبل أن يخرج الى المصلى ليس ذلك إلا بالمدينة
لأن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فعله».
وقد وقع الخلاف
هنا في مواضع (أحدها) ان المشهور كما عرفت هو الكراهة ونقل في الذكرى عن ابن زهرة
وابن حمزة انهما قالا لا يجوز التنفل قبلها ولا بعدها. وظاهرهما التحريم كما ترى.
وقال أبو الصلاح لا يجوز التطوع ولا القضاء قبل صلاة العيد ولا بعدها حتى تزول
الشمس. وظاهره كما ترى التحريم ايضا ، وربما أشعر بتحريم قضاء الفريضة أيضا إلا ان
يحمل على قضاء النافلة كما دل عليه الخبران المتقدمان.
__________________
وقال في
المختلف بعد نقل العبارة المذكورة : وهذه عبارة ردية فإنها توهم المنع من قضاء
الفرائض إذ قضاء النوافل داخل تحت التطوع ، فان قصد بالتطوع ابتداء النوافل
وبالقضاء ما يختص بقضاء النوافل فهو حق في الكراهة ، وان قصد المنع من قضاء
الفرائض فليس كذلك وتصير المسألة خلافية. ثم احتج على وجوب القضاء في الفرائض
بعموم الأمر بالقضاء وقوله (عليهالسلام) «من فاتته صلاة فريضة فوقتها حين يذكرها» ثم قال فان احتج بما رواه زرارة
في الحسن عن الباقر (عليهالسلام) «وليس قبلها ولا بعدها صلاة». أجبنا بأن المراد بذلك النوافل جمعا بين
الأدلة ، وما أظنه يريد سوى ما قصدناه. انتهى. وهو جيد.
وثانيها ـ قد
عرفت استثناء الركعتين في مسجد النبي (صلىاللهعليهوآله) من الكراهة حيث انهما تستحبان فيه قبل الخروج ، وهو
المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ونقل في المختلف والذكرى عن الصدوق في
المقنع والشيخ في الخلاف إطلاق الكراهة وعدم الاستثناء ، ونقل في الذكرى استنادهما
الى حسنة زرارة المتقدمة ورده بأن إطلاق الرواية المذكورة محمول على الروايات
المقيدة الدالة على استثناء الركعتين في مسجد النبي (صلىاللهعليهوآله). وهو كذلك.
وثالثها ـ انه
نقل في المختلف والذكرى عن ابن الجنيد انه قال : ولا يستحب التنفل قبل الصلاة ولا
بعدها للمصلي في موضع التعبد ، فان كان الاجتياز بمكان شريف كمسجد الحرام أو مسجد
الرسول (صلىاللهعليهوآله) فلا أحب إخلاءه من ركعتين قبل الصلاة وبعدها ، وقد روى
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يفعل ذلك في البدأة والرجعة في مسجده» انتهى.
وأنت خبير بان
كلامه هذا يشعر بالمخالفة في مقامين (أحدهما) ـ في إلحاق
__________________
المسجد الحرام وكل مكان شريف بمسجد النبي (صلىاللهعليهوآله) وقد عرفت ان الاستثناء نصا وفتوى مقصور على مسجد النبي
(صلىاللهعليهوآله). و (ثانيهما) ـ استحباب الركعتين بعد الرجوع ،
والموجود في النص وعليه اتفقت كلمة الأصحاب انما هو قبل الخروج.
ونقل عنه في
المختلف انه احتج بمساواة المسجد الحرام لمسجد الرسول (صلىاللهعليهوآله) في أكثر الأحكام فيساويه في هذا الحكم ، والابتداء
كالرجوع فيتساويان. ثم أجاب عنه بالمنع من التساوي في المقامين للحديث. وأشار
بالحديث الى ما قدمه من رواية محمد بن الفضل الهاشمي التي ذكرناها.
أقول : الظاهر
ان ما ذكره من مستند ابن الجنيد انما هو من كلامه كما هي قاعدته في الكتاب المذكور
غالبا ، والذي يقرب عندي ان مستنده بالنسبة إلى الإلحاق انما هو شرف المكان كما
يشير اليه قوله «الاجتياز بمكان شريف» وفيه ان هذه العلة مستنبطة فالعمل بها قياس
محض ، وبالنسبة إلى استحباب الركعتين بعد انما هو الخبر الذي نقله عن ابى عبد الله
(عليهالسلام) من أن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يفعل في البدأة والرجعة في مسجده ، وحينئذ فإن ثبت
الخبر المذكور فلا اعتراض عليه في ذلك ويبقى محل الإيراد على كلامه بالنسبة إلى
الأول.
ورابعها ـ ما
ذكره في الذكرى عن الفاضلين من جواز صلاة التحية إذا صليت في مسجد لعموم الأمر
بالتحية ، ثم أجاب عنه بان الخصوص مقدم على العموم.
أقول : التحقيق
ان هنا عمومين قد تعارضا وهو صلاة التحية فإن ظاهر النصوص استحبابها مطلقا في يوم
العيد وغيره ، وكراهية الصلاة يوم العيد قبل صلاة العيد وبعدها أعم من أن تصلى في
مسجد أو غيره ، فقول شيخنا المذكور ان الخصوص مقدم على العموم لا أعرف له وجها ،
فإنه كما يحتمل العمل بعموم الأمر بالتحية الشامل ليوم العيد وغيره وتقييد الكراهة
في العيدين بما عدا صلاة التحية كما ذكره الفاضلان يمكن ايضا العمل بعموم ما دل
على كراهية التنفل يوم العيد الشامل لصلاة التحية وغيرها وتخصيص عموم صلاة التحية
بغير يوم العيد. وبالجملة تخصيص
أحد العامين بالآخر يحتاج الى دليل من خارج وإلا فالاحتمال قائم من الطرفين
كما عرفت.
وخامسها ـ ما
رواه الصدوق (قدسسره) في كتاب ثواب الأعمال عن محمد بن إبراهيم عن عثمان بن
محمد وابى يعقوب القزاز معا عن محمد بن يوسف عن محمد بن شعيب عن عاصم بن عبد الله
عن إسماعيل بن ابى زياد عن سليمان التيمي عن ابى عثمان النهدي عن سلمان (رضى الله
عنه) قال «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من صلى اربع ركعات يوم الفطر بعد صلاة الإمام يقرأ في
أولاهن «سبح اسم ربك الأعلى» فكأنما قرأ جميع الكتب كل كتاب أنزله الله تعالى ،
وفي الركعة الثانية «والشمس وضحاها» فله من الثواب ما طلعت عليه الشمس ، وفي
الثالثة «والضحى» فله من الثواب كمن أشبع جميع المساكين ودهنهم ونظفهم ، وفي
الرابعة «قل هو الله أحد» ثلاثين مرة غفر الله له ذنوب خمسين سنة مستقبلة وخمسين
سنة مستدبرة».
وهذا الخبر كما
ترى مخالف لما تكاثرت به الاخبار واجتمعت عليه كلمة جل الأصحاب (رضوان الله عليهم)
من عدم الصلاة في هذا الوقت ، ولهذا قال الصدوق (قدسسره) في الكتاب المذكور بعد نقله ما صورته : أقول ـ وبالله
التوفيق ـ ان هذا الثواب هو لمن كان امامه مخالفا لمذهبه فيصلي معه تقية ثم يصلى
هذه الأربع ركعات للعيد ولا يعتد بما صلى خلف مخالفه ، فاما من كان امامه يوم
العيد اماما من الله تعالى عزوجل واجب الطاعة على العباد فصلى خلفه صلاة العيد لم يكن له
ان يصلى بعد ذلك صلاة حتى تزول الشمس ، وكذا من كان امامه موافقا لمذهبه وان لم
يكن مفروض الطاعة وصلى معه العيد لم يكن له ان يصلى بعد ذلك صلاة حتى تزول الشمس.
انتهى.
وأنت خبير بما
فيه من البعد عن سياق الخبر المذكور سيما مع ما قدمناه من أن استحباب الإتيان بها
مع اختلال الشرائط انما هو بالإتيان بركعتين كما تصلى في
__________________
الجماعة لا بأربع كما دل عليه الخبر المذكور وان كان قد قيل بالأربع أيضا
ودل عليه بعض الأخبار الضعيفة التي قدمنا ان الأظهر حملها على التقية ، ولو صح سند
الخبر المذكور لأمكن تخصيص تلك الأخبار به إلا انه لضعفه وشذوذه وندوره لا يمكن
التعلق به ، ولا اعرف جوابا عنه إلا الإرجاء فيه الى قائله لو ثبت عنه (صلىاللهعليهوآله) إلا ان الظاهر ان الخبر عامي ورجاله انما هم من العامة
وحينئذ فلا حاجة الى تكلف الجواب عنه.
واما ما ذكره
الصدوق من الجواب عنه فبعيد إلا ان مذهبه في القضاء مع اختلال الشروط هو الصلاة
أربعا كما ذكره في الهداية ، ومن أجل ذلك حمل الأربع المذكورة هنا على انها صلاة
العيد المقضية بعد فوات شرطها. والله العالم.
ومنها ـ كراهة
نقل المنبر من المسجد بل يعمل له شبه المنبر من طين ، ونقل عليه في الذكرى
الإجماع.
ويدل عليه ما
رواه الصدوق عن إسماعيل بن جابر عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان واقامة؟
قال ليس فيهما أذان ولا اقامة ولكن ينادى : الصلاة «ثلاث مرات» وليس فيهما منبر ،
المنبر لا يحرك من موضعه ولكن يصنع للإمام شيء شبه المنبر من طين فيقوم عليه
فيخطب الناس ثم ينزل».
ومنها ـ كراهة
الخروج بالسلاح ، قال في الذكرى : لمنافاته الخضوع والاستكانة ، ولو خاف عدوا لم
يكره لما روى عن السكوني عن الصادق عن الباقر (عليهماالسلام) انه قال : «نهى النبي (صلىاللهعليهوآله) ان يخرج السلاح في العيدين إلا أن يكون عدو ظاهر».
ومنها ـ كراهة
السفر بعد الفجر من يوم العيد ، وتردد المحقق في الشرائع في
__________________
التحريم ثم قال الأشبه الجواز.
قال في المدارك
: منشأ التردد أصالة الجواز السالمة عن معارضة الإخلال بالواجب ، وقوله (عليهالسلام) في رواية أبي بصير «إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت بالبلد فلا تخرج حتى تشهد
ذلك العيد». قال في الذكرى : ولما لم يثبت الوجوب حمل ، النهى عن السفر على
الكراهة. ويشكل بعدم المنافاة بين الأمرين حتى يتوجه الحمل لكن الراوي وهو أبو
بصير مشترك بين الثقة والضعيف فلا يصح التعلق بروايته والخروج بها عن مقتضى الأصل.
انتهى ما ذكره في المدارك.
أقول : لا
إشكال في أن ظاهر النهي في الرواية المذكورة هو التحريم ، وجواب صاحب الذكرى ـ بأنه
لما لم يدخل وقت الصلاة ولم يتحقق وجوبها والخطاب بها يحمل النهى على الكراهة ـ فيه
ما ذكره السيد (قدسسره) من ان التحريم لا يتوقف على دخول وقتها إذ لا منافاة
بين التحريم وبين عدم وجوبها إذ يجوز ان يكون التحريم لأمر آخر.
وجواب صاحب
المدارك بضعف الرواية مردود بأن الراوي عن ابى بصير هنا عاصم بن حميد ، وقد تقرر
في كلامهم انه متى كان الراوي عن ابى بصير عاصم بن حميد أو عبد الله بن مسكان فهو
ليث المرادي الثقة الجليل القدر ، والراوي هنا عنه عاصم بن حميد فتكون الرواية
صحيحة ، ولهذا ان صاحب الذخيرة وصفها بالصحة ولكن أجاب عنها بعدم انتهاض الدلالة
على التحريم خصوصا إذا لم يكن القول بذلك مشهورا بين الأصحاب. ولا يخفى ما فيه إذ
لا أعرف لهذا الجواب وجها إلا من حيث ما تكرر في كلامه ـ كما نبهنا عليه في غير
مقام ـ من أن الأوامر والنواهي عنده في الأخبار لا تدل على الوجوب والتحريم إلا
باعتبار اعتضادها بالشهرة بين الأصحاب. وقد أوضحنا ما فيه من الوهن والبطلان في
غير مقام مما تقدم.
__________________
وبالجملة فإنه
لا خلاف كما ذكره في التذكرة في جواز السفر قبل الفجر ، ولا خلاف ايضا بينهم في ما
أعلم في التحريم بعد طلوع الشمس ، والبحث هنا يجرى على حسب ما تقدم في تحريم السفر
بعد الزوال يوم الجمعة على من وجبت عليه الجمعة وانما الإشكال في ما بعد الفجر
وقبل طلوع الشمس ، وقد عرفت الكلام في ذلك والاحتياط لا يخفى.
الفصل الثالث
في صلاة الآيات
والكلام فيها
يقع في بيان سببها وكيفيتها وأحكامها فههنا بحوث ثلاثة :
الأول ـ في
السبب وفيه مسائل (الأولى) أجمع علماؤنا (رضوان الله عليهم) على وجوب الصلاة بكسوف
الشمس وخسوف القمر ، حكاه الفاضلان في المعتبر والمنتهى ، وأضاف في التذكرة
الزلزلة فادعى دخولها تحت الإجماع المذكور ، ونقل المحدث الكاشاني في المفاتيح انه
قيل باستحبابها في الزلزلة ، ولم نقف على قائل بذلك بل صريح عبارة التذكرة كما
ذكرنا دعوى الإجماع على وجوب الصلاة لها ، وقريب منه عبارة المحقق في المعتبر حيث
نسبه الى الأصحاب ، نعم ذكر في المختلف ان أبا الصلاح لم يتعرض لغير الكسوفين ،
وقال في الذكرى ان ابن الجنيد لم يصرح بالوجوب هنا ولكن ظاهر كلامه ذلك حيث قال :
تلزم الصلاة عند كل مخوف سماوي وكذا ابن زهرة. ولعل المحدث المذكور بنى على ذلك.
ومن الأخبار
الدالة على وجوب هذه الصلاة ما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل بن دراج عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «صلاة العيدين فريضة وصلاة الكسوف فريضة».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن جميل بن دراج عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال
__________________
«وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف. الى ان قال : وقال أبو عبد الله (عليهالسلام) هي فريضة».
وروى الشيخ
المفيد في المقنعة مرسلا قال : «وروى عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) انه قال صلاة الكسوف فريضة».
وروى الشيخ عن
محمد بن حمران في حديث صلاة الكسوف قال : «وقال أبو عبد الله (عليهالسلام) هي فريضة». وبإسناده عن أبي أسامة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «صلاة الكسوف فريضة». وبإسناده عن جميل بن دراج
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «صلاة الكسوف فريضة».
وروى في الكافي
عن على بن عبد الله قال : «سمعت أبا الحسن موسى (عليهالسلام) يقول انه لما قبض إبراهيم بن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) جرت فيه ثلاث سنن ، أما واحدة فإنه لما مات انكسفت
الشمس فقال الناس انكسفت الشمس لفقد ابن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فصعد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال : يا ايها الناس
ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى يجريان بأمره مطيعان له لا ينكسفان لموت
أحد ولا لحياته فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلوا ثم نزل فصلى بالناس صلاة الكسوف».
وروى الصدوق عن
سليمان الديلمي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا أراد الله ان يزلزل الأرض أمر الملك ان يحرك
عروقها فتحرك بأهلها. قلت فإذا كان ذلك فما اصنع؟ قال صل صلاة الكسوف». ونحو ذلك
ما سيأتي قريبا ان شاء الله تعالى في صحيحة الرهط.
واما غير هذه
الأسباب الثلاثة المتقدمة فإن المشهور هو الوجوب لجميع الأخاويف السماوية وبه قال
الشيخ في الخلاف والمفيد والمرتضى وابن الجنيد وابن
__________________
ابي عقيل وابنا بابويه وسلار وابن البراج وابن إدريس وجمهور المتأخرين ،
ونقل الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة عليه.
وقال الشيخ في
النهاية : صلاة الكسوف والزلازل والرياح المخوفة والظلمة الشديدة فرض واجب لا يجوز
تركها على حال. ونحوه قال في المبسوط. وقال في كتاب الجمل : صلاة الكسوف فريضة في
أربعة مواضع : عند كسوف الشمس وخسوف القمر والزلازل والرياح السوداء المظلمة.
ونحوه قال ابن حمزة. وقد تقدم النقل عن ابى الصلاح انه لم يتعرض لغير الكسوفين.
وقال المحقق في
الشرائع بعد ذكر كسوف الشمس وخسوف القمر والزلزلة : وهل تجب لما عدا ذلك من ريح
مظلمة وغيرها من أخاويف السماء؟ قيل نعم وهو المروي ، وقيل لا بل تستحب ، وقيل تجب
للريح المخوفة والظلمة الشديدة حسب. انتهى.
وقال في
المعتبر بعد ذكر الكسوفين والزلزلة : وهل تصلى لأخاويف السماء كالظلمة الشديدة
والصيحة والرياح؟ قال الشيخ في الخلاف نعم وبه قال علم الهدى وابن الجنيد والمفيد
وسلار ، واقتصر الشيخ على الرياح الشديدة والظلم الشديدة.
وقال في الذكرى
بعد ذكر الكسوفين والاستدلال عليهما بالإجماع والأخبار : واما باقي الآيات فلها
صور تجب الصلاة أيضا للزلزلة نص عليه الأصحاب ، وابن الجنيد لم يصرح به ولكن ظاهر
كلامه ذلك حيث قال تلزم الصلاة عند كل مخوف سماوي وكذا ابن زهرة ، وأما أبو الصلاح
فلم يتعرض لغير الكسوفين ، لنا فتوى الأصحاب وصحاح الأخبار كرواية عمر بن أذينة عن
رهط ثم ساق الرواية كما ستأتي ان شاء الله تعالى ، الى ان قال : (الثانية) ـ الرجفة
وقد تضمنته الرواية وصرح به ابن ابى عقيل وهو ظاهر الأصحاب أجمعين (الثالثة) ـ الرياح
المخوفة ومنهم من قال الرياح العظيمة ، وقال المرتضى الرياح العواصف ، وأطلق
المفيد الرياح
__________________
(الرابعة) ـ الظلمة الشديدة ذكره الشيخ وابن البراج وابن إدريس. (الخامسة)
الحمرة الشديدة ذكرها الشيخ في الخلاف. (السادسة) ـ باقي الآيات المخوفة ذكره
الشيخ والمرتضى في ظاهر كلامه ، وصرح ابن ابى عقيل بجميع الآيات وابن الجنيد على
ما نقلناه عنه وابن البراج وابن إدريس وهو ظاهر المفيد ، ودليل الوجوب في جميع ما
قلناه ـ مع فتوى المعتبرين من الأصحاب ـ ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم. ثم ساق
الرواية كما سنذكره ان شاء الله تعالى .
أقول : ومن هذه
العبارات التي نقلناها يظهر ان ما نقله في الشرائع من القول بالاستحباب في ما عدا
الكسوفين والزلزلة ـ من الريح المظلمة والأخاويف السماوية أو تخصيص الوجوب بالريح
المخوفة والظلمة الشديدة وان ما عداها يستحب الصلاة فيه ـ انما نشأ من حيث عدم عد
هذه الأشياء في ما تجب له الصلاة كما وقع للشيخ في النهاية حيث اقتصر على عد
الكسوفين والزلزلة والريح المخوفة والظلمة الشديدة ، وهو الذي أشار إليه في عبارته
في الشرائع بقوله : وقيل تجب للريح المخوفة والظلمة الشديدة حسب. يعني زيادة على الكسوفين
والزلزلة. واليه أشار في المعتبر بقوله : واقتصر الشيخ على الرياح الشديدة. وكما
وقع لأبي الصلاح من حيث الاقتصار على الكسوفين ولم يتعرض لغيرهما.
وأنت خبير بان
مجرد ذكر بعض الأسباب وعدم ذكر غيرها لا يستلزم القول بالانحصار لا سيما مع
التصريح الذي وقع منه في الخلاف مقرونا بدعوى الإجماع كما عرفت ، فانا لم نجد قولا
صريحا بالاستحباب ولا مصرحا بالانحصار اللازم منه ذلك بل ولا مستندا لشيء مما هنا
لك ، فالقول بالاستحباب في تلك المواضع بمجرد ذلك لا يخلو من مسامحة.
ومما ذكرنا
يظهر أن ما ذكره المحدث الكاشاني في المفاتيح ـ تبعا لظاهر عبارة الشرائع مما يوهم
الناظر وجود القول بالاستحباب صريحا ـ مما لا ينبغي.
__________________
وكيف كان
فالظاهر هو القول المشهور ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه المشايخ
الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا : «قلنا لأبي جعفر (عليهالسلام) أرأيت هذه الرياح والظلم التي تكون هل يصلى لها؟ فقال
كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل له صلاة الكسوف حتى يسكن».
وما رواه في
الفقيه في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله «انه سأل الصادق (عليهالسلام) عن الريح والظلمة تكون في السماء والكسوف؟ فقال الصادق
(عليهالسلام) صلاتهما سواء».
وما رواه الشيخ
في التهذيب في الصحيح عن عمر بن أذينة عن رهط عن كليهما (عليهماالسلام) ومنهم من رواه عن أحدهما (عليهماالسلام) «ان صلاة كسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات. الخبر».
كما سيأتي ان
شاء الله تعالى تمامه قريبا الى أن قال في آخر الخبر : والرهط الذين رووه الفضيل
وزرارة وبريد ومحمد بن مسلم.
وعن محمد بن
مسلم وبريد بن معاوية في الصحيح عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهماالسلام) قالا : «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلها ما لم
تتخوف ان يذهب وقت الفريضة».
وفي كتاب الفقه
الرضوي «وإذا هبت ريح صفراء أو سوداء أو حمراء فصل لها صلاة الكسوف ، وكذلك إذا
زلزلت الأرض فصل صلاة الكسوف».
وروى في كتاب
دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) قال : «يصلى في الرجفة والزلزلة والريح العظيمة والظلمة
والآية تحدث وما كان
__________________
مثل ذلك كما يصلى في صلاة كسوف الشمس والقمر سواء».
وقال في
الذخيرة : والأمر وان لم يكن واضح الدلالة على الوجوب في أخبارنا إلا ان عمل
الأصحاب وفهمهم مما يعيننا على الحكم به.
أقول : قد عرفت
في غير موضع مما تقدم ما في مثل هذا الكلام الواهي الذي هو لبيت العنكبوت ـ وانه
لأوهن البيوت ـ مضاهى ، فإنه مؤذن بأن اعتماده في الأحكام الشرعية إنما هو على
تقليد الأصحاب حيث ان الأدلة قاصرة عنده عن إثبات الأحكام في جميع الأبواب ،
وحينئذ فلا معنى لمناقشاته لهم في جملة من المواضع ورده عليهم كما لا يخفى على من
راجع الكتاب.
والظاهر ان
المراد بالأخاويف يعنى ما يحصل منه الخوف لعامة الناس ، قال في المدارك : ولو كسف
بعض الكواكب أو كسف بعض الكواكب لأحد النيرين كما يقال ان الزهرة رؤيت في جرم
الشمس كاسفة لها فقد استقرب العلامة في التذكرة والشهيد في البيان عدم وجوب الصلاة
بذلك ، لان الموجب لها الآية المخوفة لعامة الناس وأغلبهم لا يشعرون بذلك ، واحتمل
في الذكرى الوجوب لأنها من الأخاويف والأجود إناطة الوجوب بما يحصل منه الخوف كما
تضمنته الرواية. انتهى. وهو جيد ، وأشار بالرواية إلى صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم .
المسألة
الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن أول وقت هذه
الصلاة في الكسوفين هو ابتداؤه بل قال في المنتهى انه قول علماء الإسلام.
ومستنده من
الأخبار قول الصادق (عليهالسلام) في صحيحة جميل المتقدمة «وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند غروبها. الحديث
كما تقدم».
ويدل عليه جملة
من الأخبار الدالة على تعليق الوجوب على حصول الانكساف
__________________
مثل قولهما (عليهماالسلام) في صحيحة محمد بن مسلم وبريد «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلها».
وقول ابى عبد
الله (عليهالسلام) في صحيحة أبي بصير «إذا انكسف القمر والشمس فافزعوا الى مساجدكم».
وقوله (عليهالسلام) في رواية ابن ابى يعفور «إذا انكسفت الشمس والقمر فانكسف كلها فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا الى امام
يصلى بهم». ونحوها غيرها.
وانما الخلاف
في آخره والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) الأخذ في الانجلاء ، واليه ذهب
الشيخان وابن حمزة وابن إدريس والمحقق في النافع والعلامة في جملة من كتبه.
وذهب المحقق في
المعتبر والعلامة في المنتهى الى ان آخره تمام الانجلاء ، واختاره الشهيد والسيد
في المدارك ونقل ايضا عن ظاهر المرتضى وابن ابى عقيل وسلار
وهو الظاهر من
الأخبار فإنه وان لم يرد التصريح فيها بالتحديد أولا وآخرا إلا ان مقتضى ما قدمنا
ذكره من تعليق الوجوب في الأخبار على وجود الكسوف انه ممتد بامتداده وثابت بثبوته.
ودعوى كونه يفوت الوجوب بمجرد الأخذ في الانجلاء تخصيص للأخبار المذكورة من غير
مخصص فيستمر الى تمام الانجلاء.
ويعضده ما رواه
الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال قال : «ان صليت الكسوف الى أن يذهب الكسوف عن الشمس
والقمر وتطول في صلاتك فان ذلك أفضل وان أجبت أن تصلى فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب
الكسوف فهو جائز».
والتقريب فيه
انه دل على التخيير بين أن يطول في صلاته بقدر مدة الكسوف ويفرغ بانجلائه كملا وهو
أفضل وبين ان يفرغ قبل الانجلاء ، وقضية جعل الغاية
__________________
الذهاب الذي هو عبارة عن الانجلاء التام هو كون ما قبله وقتا للصلاة الذي
من جملته الأخذ في الانجلاء وما بعده الى ان ينجلي بتمامه.
ويزيده تأييدا
أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد». ولو خرج
الوقت بالأخذ في الانجلاء كما ادعوه لما استحبت الإعادة كما هو المشهور كما انها
لا تستحب بعد تمام الانجلاء أو وجبت كما هو القول الآخر ، وهو في غاية الوضوح
والظهور.
ولم أقف للقول
الآخر على دليل غير مجرد الشهرة ، وجملة من المتأخرين تكلفوا له الاستدلال بما
رواه الشيخ عن حماد بن عثمان في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ذكروا عنده انكساف الشمس وما يلقى الناس من شدته
فقال إذا انجلى منه شيء فقد انجلى».
قال في المعتبر
: فان احتج الشيخ بما رواه حماد. ثم ساق الرواية المذكورة الى أن قال : فلا حجة في
ذلك لاحتمال ان يكون أراد تساوى الحالين في زوال الشدة لا بيان الوقت. انتهى.
قالوا : وتظهر
الفائدة في نية القضاء أو الأداء لو شرع في الانجلاء ، وكذا في ضرب زمان التكليف
الذي يسع الصلاة وفي إدراك ركعة.
__________________
فرع
قالوا : لو
غابت الشمس أو القمر بعد الكسوف وقبل الانجلاء وجبت الصلاة أداء الى أن يتحقق
الانجلاء ، وكذا لو سترها غيم أو طلعت الشمس على القمر ، صرح بذلك جملة من الأصحاب
(رضوان الله عليهم) وهو كذلك عملا بإطلاق الأمر وعدم العلم بانقضاء الوقت المقتضى
لفوات الأداء. وعلله في الذكرى بالعمل بالاستصحاب ، والظاهر ان مرجعه الى ما ذكرنا
من استصحاب عموم الدليل الى أن يقوم الرافع.
وقال في الذكرى
: ولو اتفق اخبار رصديين عدلين بمدة المكث أمكن العود إليهما ، ولو أخبرا بالكسوف
في وقت مترقب فالأقرب أنهما ومن أخبراه بمثابة العالم ، وكذا لو اتفق العلم بخبر
الواحد للقرائن. وقال في المدارك بعد نقله عنه : ولا ريب في الوجوب حيث يحصل العلم
للسامع أو يستند اخبار العدلين إليه.
المسألة
الثالثة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو لم يتسع وقت الكسوف
للصلاة ولو أخف صلاة لم تجب الصلاة لاستحالة التكليف بعبادة موقتة في وقت لا
يسعها. كذا قال في المدارك وتبعه غيره في ذلك. ومقتضى ذلك ان المكلف لو اتفق شروعه
في الصلاة في ابتداء الوقت فتبين ضيقه عنها وجب القطع لانكشاف عدم الوجوب.
وعندي في كل من
الحكمين إشكال ، أما الأول ففيه (أولا) ان ما ذكروه من القاعدة التي بنوا عليها في
هذا الموضع وغيره مما لم يقم عليه دليل شرعي وان كانت هذه القاعدة عندهم من الأدلة
العقلية التي يوجبون تقديمها على الأدلة السمعية إلا ان الأمر عندنا بالعكس ،
وبالجملة فالاعتماد على هذه القواعد الأصولية سيما مع معارضة الأخبار لها كما
سيظهر لك في هذا المقام مما لا معول عليه عندنا.
و (ثانيا) ـ انه
ان تم ما ذكروه فإنه انما يتم في التكليف بالموقت ، وكون ما ذكروه غير الزلزلة لا
سيما ما سوى الكسوفين من قبيل الوقت لتلك الصلاة ممنوع ، لاحتمال
كون ما سوى الكسوفين بل هما ايضا من قبيل السبب كالزلزلة عندهم فتكون الصلاة
حينئذ واجبة وان قصر الوقت.
وبالجملة
فالظاهر هو الرجوع الى ما يستفاد من الأخبار الواردة في المقام من هذا المكان
وغيره من الأحكام ، ولعل ظاهر الأخبار حيث وردت بوجوب الصلاة بالكسوف على الإطلاق
من غير تقييد بقصر المدة وطولها مشعر بكون الكسوف سببا للإيجاب لا وقتا ، وغيره
بالطريق الاولى لا سيما مع اشتراكها معه في إطلاق اخبارها ايضا.
ومن تأمل في
مضامين الأخبار التي قدمناها لا يخفى عليه قوة ما ذكرناه ، مثل قوله عليهالسلام في صحيحة محمد بن مسلم وبريد «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلها. الحديث». ونحوها غيرها مما علق
فيه وجوب الصلاة على مجرد حصول تلك الآية من غير تقييد فيها بقصر ولا طول.
والى ما
اخترناه من عدم التوقيت في سائر الآيات غير الكسوفين مال الشهيد في الدروس بل جزم
به واختاره العلامة في جملة من كتبه نظرا إلى إطلاق الأمر.
وتردد المحقق
في المعتبر هنا والظاهر ان وجهه ما ذكر من القاعدة المذكورة ومن إطلاق الأخبار
المذكورة في المقام.
ويميل الى ما
اخترناه كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث قال : والظاهر ان الأدلة غير دالة
على التوقيت بل ظاهرها سببية الكسوف لإيجاب الصلاة. انتهى
وأما ما ربما
يدل على التوقيت واليه استند القائل بذلك ـ من قوله (عليهالسلام) في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة : «كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل له صلاة
الكسوف حتى يسكن». بناء على ان «حتى» هنا إما أن تكون لانتهاء الغاية أو للتعليل ،
وعلى الأول يثبت التوقيت صريحا وعلى الثاني يلزم التوقيت ايضا لاستلزام انتفاء
العلة انتفاء المعلول ـ
__________________
فيمكن الجواب
عنه بان محل النزاع هو التوقيت الذي يقتضي السقوط بقصر الوقت لا ما يقتضي لزوم
الإطالة والتكرار إذا طال والفرق بين الأمرين ظاهر للناظر المنصف.
وبذلك يظهر ما
في كلامه في المدارك حيث قال ـ بعد ذكر الخلاف في الرياح والأخاويف وانه هل يترتب
وجوبها على سعة الآية للصلاة أم لا ، ونقل القول بالثاني عن الشهيد في الدروس
والعلامة في جملة من كتبه كما قدمنا ذكره ـ ما لفظه : والأصح الأول لقوله (عليهالسلام) : «كل أخاويف السماء.» الى آخر ما قدمناه من الرواية
وبيان وجه الدلالة ، وقد عرفت ما فيه.
وبالجملة فإن
ما ذكرناه من إطلاق الأوامر بذلك ظاهر لا ينكر وبه يتم الاستدلال على الوجه
الأظهر. والرواية المذكورة قاصرة عن إفادة الدلالة على ما ادعوه لما بيناه في
معناها. والله العالم.
واما الثاني
فإنه لا يخفى انه قد روى زرارة ومحمد بن مسلم في الصحيح عن ابى جعفر (عليهالسلام) في حديث يأتي بكماله ان شاء الله تعالى في المقام
الآتي قال : «فان انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتم ما بقي». وهذا كما ترى ظاهر
في رد ما ذكروه من هذا التفريع ، وبذلك صرح العلامة في المنتهى ايضا حسبما دلت
عليه الصحيحة المذكورة.
ويعضده ايضا قول
الرضا (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي «وان انجلى وأنت في الصلاة فخفف».
وعلى هذا فيمكن
الفرق بين ما إذا تبين ضيق الوقت قبل الشروع في الصلاة وبين ما إذا دخل بانيا على
اتساعه وتبين الضيق في الأثناء ويخص كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) بالأول بل
الظاهر انه هو مرادهم ، وحينئذ فلا منافاة في الصحيحة المذكورة لما صرحوا به لان
موردها تبين ذلك في الأثناء. وبالجملة فإنه
__________________
يفرق بين الابتداء والاستدامة فسعة الوقت انما تكون شرطا في الابتداء لا في
الاستدامة ، وقد مر نظائره في فصل صلاة الجمعة.
وبما ذكرنا
يظهر عدم صحة هذا التفريع الذي ذكره السيد السند وان تبعه فيه غيره كما هي عادتهم
غالبا.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه قال في المعتبر : الخامس ـ لو ضاق وقت الكسوف عن إدراك ركعة لم تجب ،
وفي وجوبها مع قصور الوقت عن أخف صلاة تردد. ونحوه في المنتهى حيث قال : الخامس ـ لو
تضيق وقت الكسوف حتى لا يدرك ركعة لم تجب ، ولو أدركها فالوجه الوجوب لأن إدراك الركعة
بمنزلة إدراك الصلاة. ثم قال : السادس ـ لو قصر الوقت عن أقل صلاة يمكن لم تجب على
اشكال.
أقول : لا يخفى
ان ما ذكراه (عطر الله مرقديهما) من التردد كما في عبارة المعتبر والاشكال كما في
عبارة المنتهى فان الظاهر ان وجهه هو ما أشرنا إليه آنفا من أن هذه الآيات من كسوف
وغيره هل هي من قبيل الأوقات فيعتبر فيها ما يعتبر في الوقت من سعته لإيقاع
الفريضة أم من قبيل الأسباب فيكفي وجوده في الجملة؟ وقد عرفت ان مقتضى القاعدة
المتقدمة بناء على الأول عدم الوجوب ومقتضى إطلاق الأخبار بناء على الثاني الوجوب
، فلحصول التعارض بين القاعدة المذكورة وإطلاق الأخبار حصل التردد والإشكال. إلا
ان قولهما بوجوبها بإدراك ركعة وعدمه مع عدم إدراكها إنما يتجه على القول بالتوقيت
وصريح كلامهما في المقام التردد والتوقف في ذلك كما أوضحناه ، والجمع بين هذين
الكلامين لا يخلو من غفلة. على ان ما ذكراه من التعليق على إدراك ركعة استنادا الى
ما اشتهر بينهم من قوله (صلىاللهعليهوآله) «من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت». مع الإغماض عن
المناقشة في صحته وثبوته كما تقدم الكلام فيه انما ينصرف إلى الصلاة اليومية كما هو مورد الخبر
المذكور ، وانسحابه الى غيرها لا يخلو من الإشكال. والله العالم.
__________________
المسألة
الرابعة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان وقت الزلزلة مدة العمر
وانه يصليها أداء وان سكنت وهو قول المعظم منهم ، وحكى الشهيد في البيان قولا
بأنها تصلى بعد سكونها بنية القضاء.
وللأول إطلاق
الأمر الخالي من التقييد الدال على ان مجرد حصولها سبب لوجوب الفعل من غير أن يكون
موقتا بزمانها. وبذلك يظهر ما في شك العلامة في ذلك على ما نقله عنه في الذكرى حيث
قال : وشك فيه الفاضل لمنافاته للقواعد الأصولية من امتناع التكليف بفعل في زمان
لا يسعه. فان هذا الشك انما يتجه لو قلنا بأن الزلزلة وقت للصلاة واما على تقدير
جعلها سببا كما هو الظاهر من كلامهم فلا وجه له.
قال في المدارك
: وألحق العلامة في التذكرة بالزلزلة الصيحة ثم قال : وبالجملة كل آية يقصر وقتها
عن العبادة يكون وقتها دائما اما ما ينقص عن فعلها وقتا دون وقت فان وقتها مدة
الفعل فان قصر لم تصل.
ثم أورد عليه
بأنه يشكل بأنه لا يلزم من عدم قصور زمان الآية عن مقدار الصلاة كونها موقتة بل
الحق ان التوقيت انما يثبت إذا ورد التصريح بتحديد زمان الفعل وبدونه يكون وقته
العمر. انتهى. وهو جيد.
وبه يظهر ان
كلماتهم في هذه المسألة لا تخلو من نوع غفلة أو تساهل ، ومنه ما قدمنا نقله عنهم
من قولهم ان وقت الزلزلة العمر ويصليها أداء وان سكنت ، فان مقتضى كون وقتها العمر
ان الزلزلة انما هي من قبيل الأسباب فمتى حصلت طالت أو قصرت وجب الإتيان بها
واشتغلت الذمة بها الى ان يأتي بها لا تقدير لها بوقت ولا تحديد لها بحد ، ومقتضى
قولهم يصليها أداء وان سكنت انها من قبيل الأوقات لأن الأداء والقضاء انما يطلقان
في مقام التوقيت فمتى اتى بالفريضة في الوقت سمى أداء وفي خارجه قضاء ، فصدر
العبارة وعجزها لا يخلو من مدافعة.
وأجاب المحقق
الشيخ على (قدسسره) عن ذلك في بعض حواشيه بما يحقق
ما ذكرناه من المقال بل يزيد في الإشكال ، فقال : وانما كانت هذه الصلاة
أداء لأن الإجماع واقع على كون هذه الصلاة موقتة والتوقيت يوجب نية الأداء ، ولما
كان وقتها لا يسعها وامتنع فعلها فيه وجب المصير الى كون ما بعده صالحا لإيقاعها
فيه حذرا من التكليف بالمحال وبقي حكم الأداء مستصحبا لانتفاء الناقل عنه ، وروعي
فيها الفورية من حيث ان فعلها خارج وقت السبب انما كان بحسب الضرورة فاقتصر في
التأخير على قدرها. وفي ذلك جمع بين القواعد المتضادة وهي توقيت هذه الصلاة مع قصر
وقتها واعتبار سعة الوقت لفعل العبادة. انتهى.
وليت شعري بأي
دليل ثبت التوقيت في هذه الصلاة وأى خبر دل عليه؟ بل إطلاق الأخبار كما عرفت على
خلافه ، فإنه مؤذن بالسببية وان الزلزلة من قبيل الأسباب لهذه الصلاة كما عرفت مما
قدمناه ، وأعجب من ذلك دعواه الإجماع على التوقيت مع اتفاقهم على انها تمتد
بامتداد العمر.
والاعتذار بما
ذكره من هذا الكلام المنحل الزمام لا يسمن ولا يغني من جوع ، فان ظاهره ان الغرض
من ارتكاب هذا التكلف هو الجمع بين القواعد المتضادة ، وقد عرفت انه لا مستند لهذه
القواعد إلا مجرد اصطلاحهم على ذلك في الأصول التي بنوا عليها ودونوها ، فان ما
ذكره من قاعدة توقيت هذه الصلاة مع قصر وقتها لا دليل عليه بل الدليل واضح في
خلافه كما أشرنا إليه آنفا ، إذ ظاهر إطلاق الاخبار انما هو السببية دون التوقيت.
وما ذكره من قاعدة اعتبار سعة الوقت بناء على ما ذكروه من امتناع التكليف في زمان
لا يسعه فقد عرفت ايضا انه لا دليل عليه.
ونظير هذه
القاعدة مسألة من استطاع الحج ثم بادر في عام الاستطاعة ومات في الطريق ، فان
المشهور بينهم سقوط القضاء لعدم استقرار الحج في ذمته وظهور كون هذا الزمان الذي
بادر فيه الى ان مات لا يسع الحج ولا يصح وقوع التكليف فيه لذلك ، فهو راجع الى
هذه المسألة ، مع ان ظواهر الأخبار ـ وبه قال الشيخان
وغيرهما ـ هو وجوب القضاء ، وهم انما منعوا القضاء استنادا الى هذه القاعدة
العقلية مع ان النصوص على خلافها واضحة جلية ، وهو مؤيد لما ذكرناه من عدم جواز
الاعتماد على هذه القواعد الأصولية وانما المدار على النصوص المعصومية والسنة
النبوية وان كان المشهور بينهم تقديم الأدلة العقلية على الأدلة السمعية كما
نقلناه في مقدمات الكتاب. والله الهادي إلى جادة الصواب.
وقال الشهيد في
الذكرى : وحكم الأصحاب بأن الزلزلة تصلى أداء طول العمر لا بمعنى التوسعة فإن
الظاهر كون الأمر هنا على الفور بل على معنى نية الأداء وان أخل بالفورية لعذر أو
غيره. انتهى.
قال في المدارك
بعد نقل ذلك : وما ذكره أحوط وان أمكن المناقشة فيه بانتفاء ما يدل على الفورية
هنا على الخصوص ، والأمر المطلق لا يقتضي الفورية كما بيناه مرارا. انتهى.
أقول :
والتحقيق ان النزاع في كونها تصلى بنية الأداء أو القضاء لا ثمرة فيه لعدم قيام
دليل على ذلك كما سلف مرارا في بحث نية الوضوء من كتاب الطهارة وغيره ، وأما
الفورية فالأمر فيها على ما ذكره السيد السند (قدسسره) والله العالم.
المسألة
الخامسة ـ لو لم يعلم بالآية المخوفة إلا بعد انقضائها لم يجب القضاء إلا في
الكسوف إذا احترق القرص كله ، وأما مع العلم فان ترك عامدا أو ناسيا وجب القضاء ،
فههنا مقامات ثلاثة :
المقام الأول ـ
ان لا يعلم بتلك الآية المخوفة التي هي غير الكسوف إلا بعد انقضائها وخروج وقتها ،
والظاهر انه لا خلاف في سقوط القضاء.
قال في المدارك
بعد ذكر الحكم المذكور : وهذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، ثم قال ويدل عليه
ما أسلفناه مرارا من ان القضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدليل وبدونه يكون منفيا
بالأصل ، وتشهد له الروايات المتضمنة لسقوط
القضاء في الكسوف إذا لم يستوعب الاحتراق مع انه أقوى للإجماع على انه موجب للصلاة واستفاضة
النصوص به. انتهى.
أقول : ما ذكره
من الدليل الأول جيد ، واما الاستشهاد بالروايات التي ذكرها بالتقريب المذكور فلا
يخفى ما فيه كما قدمناه في غير مقام من ان بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه
التعليلات عليل.
واحتمل شيخنا
الشهيد الثاني في الروض وجوب القضاء هنا لوجود السبب وعموم قوله (عليهالسلام) «من فاتته فريضة.».
قال في المدارك
: وهو ضعيف لان السبب انما وجد في الأداء خاصة وقد سقط بفوات محله ، والفريضة لا
عموم فيها بحيث يتناول موضع النزاع بل المتبادر منها اليومية أقول : قد عرفت مما
قدمنا تحقيقه ان الظاهر من إطلاق الأخبار بالنسبة إلى جملة الآيات حتى الكسوفين
انما هو السببية دون التوقيت وان كلامهم هنا والتعبير بالأداء والقضاء مشعر
بالتوقيت ، فمن المحتمل قريبا ان يكون مراد شيخنا الشهيد الثاني بالقضاء هنا مجرد
الفعل وان هذه الآيات من قبيل الأسباب لا الأوقات كما يشير اليه قوله «لوجود السبب»
وحاصل كلامه انه متى وجد السبب ثبت الفعل لعين ما ذكروه في الزلزلة. وبالجملة فإنه
على تقدير القول بأنها أسباب كما هو ظاهر إطلاق الأخبار فإنه تجب الصلاة مطلقا من
غير تقييد بوقت لوجود السبب ، إلا ان دليله الثاني ربما نافر ما قلناه. وكيف كان
فما ذكرناه جيد بالنظر الى الأخبار واما بالنظر الى كلامهم وهو الذي بنى الإيراد
عليه في المدارك فالأمر فيه كما ذكره. وأما منع العموم في الفريضة ودعوى تبادر
اليومية فلا يخلو من الإشكال.
وقال في
المدارك في شرح قول المصنف وفي غير الكسوف لا يجب القضاء :
__________________
واعلم انه ليس في العبارة دلالة على حكم صلاة الزلزلة إذا لم يعلم المكلف
بحصولها حتى انقضت ، وقد صرح العلامة في التذكرة بسقوطها فقال : أما جاهل غير
الكسوف مثل الزلزلة والرياح والظلمة الشديدة فالوجه سقوطها عنه عملا بالأصل السالم
من المعارض. وهو غير بعيد وان كان الإتيان بالصلاة هنا أحوط. انتهى.
أقول : ما ذكره
ـ من انه ليس في العبارة دلالة على حكم صلاة الزلزلة ـ فيه ان إطلاق العبارة وقوله
«غير الكسوف» شامل للزلزلة كغيرها ، والعبارة ظاهرة بالنظر الى ما قلناه في سقوط
القضاء مع الجهل بالزلزلة ، ولا فرق بين هذه العبارة وما نقله عن العلامة في
التذكرة إلا باعتبار الإتيان بالأمثلة لهذا الإطلاق في عبارة العلامة وعدم الإتيان
بها في هذه العبارة ، بل عبارة العلامة وتمثيله بهذه الأشياء قرينة ظاهرة في
العموم كما ادعيناه ، إذ لو لم تكن العبارة بمقتضى إطلاقها عامة لما صح التمثيل.
وفي الذخيرة
اعترض كلام التذكرة هنا فقال : وفيه نظر لأن المعارض موجود وهو عموم ما دل على
وجوب الصلاة للزلزلة من غير توقيت ولا تقييد بالعلم المقارن لحصولها ، ولهذا قال
في النهاية : ويحتمل في الزلزلة قويا الإتيان بها لان وقتها العمر. انتهى كلامه.
أقول : فيه ان
ما ذكره من هذه المعارضة في الزلزلة جار أيضا في غيرها ، فإن أدلة الآيات والأخبار
الواردة بها كذلك مطلقة غير مقيدة بوقت ولا بالعلم المقارن لحصولها مثل قولهما (عليهماالسلام) في صحيحة محمد بن مسلم وبريد «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلها ما لم تتخوف ان يذهب وقت الفريضة».
وما تقدم من عبارة كتاب الفقه الرضوي وغيرها مما هو مطلق كما ذكرناه ، فالواجب
عليه حينئذ القول بوجوب القضاء في جميع الآيات بالتقريب الذي ذكره.
وبالجملة فإن
كلماتهم في هذه المقامات لا تخلو من التشويش والاضطراب
__________________
والتحقيق كما عرفته انه ان قلنا بالتوقيت وان هذه الآيات من قبيل الأوقات
اتجه ما ذكروه هنا من سقوط القضاء مطلقا في الزلزلة وغيرها ، إلا أن تستثنى
الزلزلة من ذلك بناء على ظاهر اتفاقهم على الخروج من قاعدة التوقيت فيها كما عرفت
، وان قلنا فيها بالسببية كما هو ظاهر إطلاق الأخبار فالواجب هو الصلاة متى حصلت
الآية ولفظ الأداء والقضاء في كلامهم هنا لا معنى له بناء على ذلك ، لكن توجه
الخطاب الى الجاهل بعد العلم لا يخلو من اشكال. والله العالم.
المقام الثاني
ـ ان لا يعلم بالكسوف حتى خرج الوقت وزال السبب ، والحكم فيه انه ان لم يستوعب
الاحتراق فالحكم فيه كما تقدم من عدم القضاء وان احترق القرص كله وجب القضاء.
قال في المدارك
: هذا قول معظم الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل قال في التذكرة انه مذهب الأصحاب
عدا المفيد (قدسسره) انتهى.
أقول : تخصيص
الخلاف بالشيخ المفيد مؤذن بعدم المخالف سواه والحال ان الخلاف في ذلك منقول عن
جمع من مشاهير المتقدمين : منهم ـ الشيخ على ابن بابويه في الرسالة وابنه في
المقنع والسيد المرتضى في الجمل وأجوبة المسائل المصرية وأبو الصلاح.
قال شيخنا
المفيد (عطر الله مرقده) في المقنعة : إذا احترق القرص كله ولم تكن علمت به حتى
أصبحت صليت صلاة الكسوف جماعة ، وان احترق بعضه ولم تعلم به حتى أصبحت صليت القضاء
فرادى. قال في المدارك : ولم نقف لهذا التفصيل على مستند. انتهى.
وقال الشيخ على
بن بابويه (نور الله ضريحه) على ما نقله عنه في الذكرى بعد نقل كلام الشيخ المفيد
المذكور : إذا انكسفت الشمس أو القمر ولم تعلم فعليك ان تصليها إذا علمت به ، وان
تركتها متعمدا حتى تصبح فاغتسل وصلها ، وان لم يحترق كله فاقضها ولا تغتسل. ثم قال
في الذكرى : وكذا قال ابنه في المقنع. ثم قال
(قدسسره) وظاهر هؤلاء وجوب القضاء على الجاهل وان لم يحترق جميع
القرص ولعله لرواية لم نقف عليها. ومثل ذلك نقل في المختلف عن المرتضى وابى الصلاح
وتحقيق الكلام
هنا يقع في موضعين الأول ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) عدم وجوب
القضاء على الجاهل بالكسوف إلا مع الاحتراق فإنه يجب ، وذهب هؤلاء الفضلاء الى
القضاء مع عدم احتراق القرص كله ، وقد اعترضهم جملة ممن تأخر عنهم بعدم الوقوف على
دليله بل دلالة الأخبار على خلافه وفيه ما سيظهر لك ان شاء الله تعالى من الدليل
على القول المذكور.
والذي يدل على
ما هو المشهور من وجوب القضاء مع الاحتراق كملا وعدمه مع عدمه ما رواه الكليني
والشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا انكسفت الشمس كلها واحترقت ولم تعلم وعلمت
بعد ذلك فعليك القضاء وان لم يحترق كلها فليس عليك قضاء».
قال في الكافي بعد نقل هذه الرواية : وفي رواية أخرى «إذا علم بالكسوف
ونسي ان يصلى فعليه القضاء وان لم يعلم به فلا قضاء عليه هذا إذا لم يحترق كله».
وما رواه ابن
بابويه عن محمد بن مسلم والفضيل بن يسار في الصحيح «انهما قالا قلنا لأبي جعفر (عليهالسلام) أيقضى صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم وإذا أمسى فعلم؟
قال ان كان القرصان احترقا كلهما قضيت وان كان انما احترق بعضهما فليس عليك قضاؤه».
وما رواه الشيخ
عن حريز قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا انكسف القمر ولم تعلم به حتى أصبحت ثم بلغك فان
كان احترق كله فعليك القضاء وان لم يكن احترق كله فلا قضاء عليك».
واما ما رواه
الشيخ في الموثق عن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) ـ قال «انكسفت الشمس وانا في الحمام فعلمت بعد ما خرجت
فلم اقض».
__________________
وعن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن صلاة الكسوف تقضى إذا فأتتنا؟ قال ليس فيها قضاء ،
وقد كان في أيدينا انها تقضى».
وعن على بن
جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) في الصحيح قال : «سألته عن صلاة الكسوف هل على من تركها قضاء؟ قال
إذا فاتتك فليس عليك قضاء».
ورواها على بن
جعفر في كتاب المسائل والحميري في قرب الاسناد عنه عن أخيه (عليهالسلام) وابن إدريس في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي عن
الرضا (عليهالسلام) .
وما رواه الشيخ
عن حريز عن من أخبره عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل ان يصلى
فليغتسل من غد وليقض الصلاة وان لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلا
القضاء بغير غسل» ـ.
فهي محمولة على
ما تقدم من التفصيل في الروايات المتقدمة ، فاما الثلاث الأول فهي محمولة على عدم
استيعاب الاحتراق القرص والرابعة على الاستيعاب.
واما ما يدل
على القول الآخر فهو ما وقفت عليه في كتاب الفقه الرضوي ولا يخفى ان عبارة الشيخ
على بن بابويه التي ذكرها في الذكرى كما قدمنا ذكره ومثله العلامة في المختلف عين
عبارة الفقه الرضوي ، وبه يظهر ان دليله في المسألة انما هو الكتاب المذكور على ما
عرفت سابقا في غير مقام وستعرف أمثاله ان شاء الله تعالى في جملة من الأحكام.
إلا ان كلامه (عليهالسلام) في الكتاب في هذا المقام غير خال من الإشكال ، وذلك
فإنه (عليهالسلام) صرح قبل هذه العبارة بيسير بما يدل على عدم القضاء في
الصورة المذكورة وهذه العبارة التي نقلوها عن الشيخ على بن بابويه قبلها كلام يمكن
ارتباطها به وبه تنتفي دلالتها على ما ذكروه.
وها أنا أسوق
لك عبارة الكتاب المتعلقة بالمقام قال (عليهالسلام) : وان علمت
__________________
بالكسوف فلم يتيسر لك الصلاة فاقض متى شئت ، وان أنت لم تعلم بالكسوف في
وقته ثم علمت بعد ذلك فلا شيء عليك ولا قضاء. ثم ذكر (عليهالسلام) كلاما آخر أجنبيا لا تعلق له بالمسألة الى ان قال :
وإذا احترق القرص كله فاغتسل ، وان انكسفت الشمس أو القمر ولم تعلم به فعليك ان
تصليها إذا علمت ، فان تركتها متعمدا حتى تصبح فاغتسل وصل ، وان لم يحترق القرص
فاقضها ولا تغتسل. انتهى.
وصدر كلامه (عليهالسلام) كما ترى ظاهر في عدم القضاء مع عدم العلم ، وهو وان
كان مطلقا بالنسبة إلى الاحتراق وعدمه إلا انه يجب حمله على عدم الاحتراق بقرينة
العبارة الأخيرة ، والظاهر ان معنى العبارة الثانية هو انه متى احترق القرص كله
فعليه الغسل وانه مع الانكساف في صورة الاحتراق وعدم العلم عليه القضاء متى علم ،
وان علم وتركها حينئذ متعمدا مع الاحتراق حتى يصبح اغتسل وصلى ، وان تركها عمدا
والحال انه لم يحترق القرص فعليه القضاء بغير غسل ، وحينئذ فقوله : «وان لم يحترق
القرص» راجع الى الترك عمدا يعنى ان الترك عمدا موجب للقضاء لكن مع الاحتراق يضم
اليه الغسل ومع عدم الاحتراق لا يضم اليه.
وعلى هذا فلا
منافاة في العبارة لما تقدم من كلامه (عليهالسلام) ولا دلالة فيها على ما نقلوه عن ابن بابويه ، لان صدر
العبارة التي نقلوها مبنى على قوله (عليهالسلام) قبل ذلك «وإذا احترق القرص كله فاغتسل» وهم لم ينقلوا
عن ابن بابويه هذه الجملة المتقدمة ومن حذفها نشأ الإشكال ، ولو اعتبر انقطاع
العبارة عن هذه الجملة المتقدمة كما هو ظاهر نقلهم للزم المنافاة والمناقضة في
كلامه (عليهالسلام) لان صدر هذا الكلام الذي نقلوه يدل بظاهره على وجوب
القضاء مع عدم العلم احترق أم لم يحترق ، والكلام الأول الذي نقلناه يدل على عدم
وجوب القضاء في صورة الجهل احترق أو لم يحترق ، والجمع بين الكلامين لا يتم إلا
بما ذكرناه من ارتباط هذه الجملة بالعبارة التي نقلوها.
ولا أدرى ان
حذف هذه الجملة وقع من الشيخ المذكور أو ممن نقل عنه حيث اقتطع هذه العبارة من
كلامه بناء على ظن استقلالها وتمامها كما يتراءى في بادئ النظر
ورسالة الشيخ المذكور غير موجودة الآن ، إلا ان الأقرب ان ذلك انما وقع ممن
نقل كلامه حيث ان عبارات رسالته عين عبارات الكتاب غالبا في كل مقام. وبما ذكرنا
يتأكد كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في عدم الوقوف على مستند هذا القول. والله
العالم.
الموضع الثاني
ـ ان ما نقل عن الشيخ المفيد (قدسسره) ـ من التفصيل مع عدم العلم بين احتراق القرص فيصلي
جماعة وعدم الاحتراق فيصلي فرادى ـ الظاهر انه مبنى على وجوب القضاء على الجاهل ،
وحينئذ فيرجع الى مذهب ابني بابويه المنقول عنهما في الذكرى والمختلف من انه إذا
احترق القرص كله صلى في جماعة وان احترق بعضه صلاها فرادى.
واستدل لهم في
المختلف برواية ابن ابى يعفور عن الصادق (عليهالسلام) قال : «إذا انكسفت الشمس والقمر فانكسف كلها فإنه ينبغي
للناس ان يفزعوا الى امام يصلى بهم وأيهما كسف بعضه فإنه يجزئ الرجل أن يصلى وحده».
وستأتي تتمة الكلام في هذه المسألة في استحباب الجماعة في هذه الفريضة.
والظاهر ان
الشيخ المفيد (قدسسره) وكلامه في القضاء انما بنى على ما بنى عليه ابنا
بابويه وان كان كلامهما في الأداء من الرواية المذكورة أو غيرها لا من حيث خصوصية
الجاهل في الصورة المذكورة ، ومرجع الجميع الى ان صلاة الكسوف مع وجوبها أداء أو
قضاء تصلى جماعة في صورة الاحتراق والاستيعاب وفرادى مع عدم ذلك.
المقام الثالث
ـ ان يعلم الآية الموجبة للصلاة ويترك الصلاة عامدا أو ناسيا والمشهور وجوب القضاء
عليه ، وقال الشيخ في النهاية والمبسوط لا يقضي الناسي ما لم يستوعب الاحتراق وهو
اختيار ابن حمزة وابن البراج ، ونقل عن ظاهر المرتضى في المصباح عدم وجوب القضاء
ما لم يستوعب وان تعمد الترك ، وعن
__________________
ابن إدريس إيجاب القضاء مع احتراق القرص وعدمه عند احتراق البعض ، وهو يرجع
الى قول السيد.
احتج الأولون
بوجوه : منها ـ الأخبار الدالة على قضاء ما فات من الصلوات من غير استفصال.
ومن هذه
الأخبار قول ابى جعفر (عليهالسلام) في صحيحة زرارة «أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة : صلاة فاتتك متى ذكرتها أديتها.
الحديث».
وقوله (عليهالسلام) في صحيحة أخرى لزرارة «وقد سأله عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلاة أو نام عنها : يقضيها إذا
ذكرها».
واعترض هذه
الروايات في المدارك بأنه لا عموم لها على وجه يتناول صورة النزاع ، قال ولهذا لم
يحتج بها الأصحاب (رضوان الله عليهم) على وجوب القضاء مع انتفاء العلم بالسبب.
ومرجع كلامه الى ما ذكرناه في غير موضع مما تقدم من ان إطلاق الأخبار انما ينصرف
الى الافراد الشائعة المتكررة دون الأفراد النادرة الوقوع سيما إذا لم يكن العموم
مستندا إلى الأداة الموضوعة له.
ومنها ـ مرسلة
حريز وقد تقدمت في سابق هذا المقام وموثقة عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «وان أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثم غلبتك عينك
فلم تصل فعليك قضاؤها».
ورد في المدارك
الأولى بأنها قاصرة بالإرسال وإطباق الأكثر على ترك العمل بظاهرها ، واما رواية
عمار فباشتمالها على جماعة من الفطحية. ثم قال ومن ذلك يظهر قوة ما ذهب اليه الشيخ
من عدم وجوب القضاء على الناسي إذا لم يستوعب الاحتراق بل رجحان ما ذهب اليه
المرتضى (قدسسره) من عدم وجوب القضاء
__________________
مطلقا إلا مع الاستيعاب ، ويدل عليه مضافا الى الأصل ما رواه الشيخ في
الصحيح عن على بن جعفر «انه سأل أخاه موسى (عليهالسلام). الخبر» وقد تقدم في سابق هذا المقام ثم قال بعدها : دلت الرواية على سقوط قضاء صلاة الكسوف
مع الفوات مطلقا خرج من ذلك ما إذا استوعب الاحتراق فإنه يجب القضاء بالنصوص
الصحيحة فيبقى الباقي مندرجا في الإطلاق. انتهى.
أقول : لما كان
نظر السيد السند (قدسسره) في الاستدلال مقصورا على صحاح الأخبار اختار هنا مذهب
السيد المرتضى (رضى الله عنه) لدلالة ظاهر صحيحة على بن جعفر المذكورة عليه.
ومثلها ما رواه
البزنطي صاحب الرضا (عليهالسلام) على ما نقله ابن إدريس في مستطرفات السرائر قال : «سألته عن صلاة الكسوف هل على من تركها قضاء؟ قال
إذا فاتتك فليس عليك قضاء».
ويدل على هذا
القول أيضا رواية الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن صلاة الكسوف تقضى إذا فأتتنا؟ قال ليس فيها قضاء ،
وقد كان في أيدينا انها تقضى».
وما رواه في
كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) «انه سئل عن الكسوف والرجل نائم ولم يدر به أو اشتغل عن الصلاة في وقته هل
عليه أن يقضيها؟ قال لا قضاء في ذلك وانما الصلاة في وقته فإذا انجلى لم تكن صلاة».
ومما يدل على
القول المشهور موثقة عمار الساباطي المذكورة وما في كتاب الفقه الرضوي من قوله (عليهالسلام) «وان علمت بالكسوف فلم يتيسر لك الصلاة
__________________
فاقض متى شئت» وقال أيضا : «إذا احترق القرص كله فاغتسل. الى آخر ما تقدم» فإنه واضح الدلالة في وجوب القضاء في الصورة المذكورة.
وأما الاستدلال
للقول المشهور بمرسلة حريز كما ذكره جملة من الأصحاب فظني بعده ، إذ الأقرب حمل
هذه الرواية على صورة الاحتراق الموجب للقضاء مطلقا علم أو لم يعلم وانه مع العلم
والتفريط يضم الغسل الى القضاء ومع عدم العلم يقضى بلا غسل.
وأنت خبير بان
من يحكم بصحة الأخبار كملا ولا يلتفت الى هذا الاصطلاح فالواجب عنده الجمع بين هذه
الأخبار ، وذلك بتقييد إطلاق الأخبار الدالة على نفى القضاء بصورة عدم العلم مع
عدم الاستيعاب فإنه لا قضاء في هذه الصورة كما دريت من الأخبار المتقدمة المفصلة»
وبالجملة فإن رواية عمار ورواية كتاب الفقه مفصلة وتلك الروايات مجملة والمفصل
يحكم على المجمل ، ولعل في عدوله (عليهالسلام) في صحيحتي على بن جعفر والبزنطي المتقدمتين عن لفظ
الراوي في سؤاله إلى التعبير بلفظ الفوات اشعارا بما ذكرنا.
وأما الجمع بين
الأخبار ـ بحمل ما دل على القضاء على الاستحباب وإبقاء تلك الأخبار على إطلاقها
كما احتمله بعض فضلاء الأصحاب ـ ففيه (أولا) ان مقتضى القاعدة المشهورة انما هو ما
قلناه من حمل المطلق على المقيد والمجمل على المفصل ، والى هذه القاعدة تشير جملة
من الأخبار ايضا وبها صرح الصدوق في كتاب الاعتقادات.
و (ثانيا) ـ ما
قدمناه في غير مقام من أن هذه القاعدة وان اشتهرت بينهم وعكف عليها أولهم وآخرهم
إلا انه لا مستند لها من سنة ولا كتاب بل ظواهر الأدلة ردها وإبطالها ، فإن الحمل
على الاستحباب مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة واختلاف الأخبار ليس من قرائن
المجاز الموجبة لإخراج اللفظ عن حقيقته.
__________________
ومما يؤيد
القول المشهور هو انه قد علم اشتغال الذمة بيقين العلم بالسبب وإهمال المكلف ، ومن
هنا استدل الأصحاب بالأخبار العامة في وجوب القضاء ، ويقين البراءة لا يحصل إلا
بالقضاء. والله العالم.
البحث الثاني ـ
في الكيفية وهي ان يحرم ثم يقرأ الحمد وسورة ثم يركع ثم يرفع رأسه ويقوم ويقرأ
الحمد وسورة ثم يركع ، يفعل هكذا خمس مرات ، ثم يسجد بعد القيام من الركوع الخامس
سجدتين ثم يقوم فيصلي الركعة الثانية كذلك ويتشهد ويسلم ، ويجوز أن يقرأ بعد الحمد
بعض سورة فيقوم من الركوع ويتم تلك السورة بغير قراءة الحمد ، وان شاء وزع السورة
على الركعات أو بعضها.
والمستند في
هذه الكيفية جملة من النصوص : منها ـ ما رواه الشيخ عن عمر بن أذينة عن رهط في
الصحيح عن الباقر والصادق ، ومنهم من رواه عن أحدهما (عليهماالسلام) «ان صلاة كسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات واربع سجدات صلاها
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) والناس خلفه في كسوف الشمس ففرغ حين فرغ وقد انجلى
كسوفها ، ورووا أن الصلاة في هذه الآيات كلها سواء وأشدها وأطولها كسوف الشمس :
تبدأ فتكبر بافتتاح الصلاة ثم تقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع ثم ترفع رأسك من
الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الثانية ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم
الكتاب وسورة ثم تركع الثالثة ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم
تركع الرابعة ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الخامسة فإذا
رفعت رأسك قلت «سمع الله لمن حمده» ثم تخر ساجدا فتسجد سجدتين ، ثم تقوم فتصنع مثل
ما صنعت في الأولى. قال قلت وان هو قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات ففرقها بينها؟
قال أجزأه أم القرآن في أول مرة ، وان قرأ خمس سور فمع كل سورة أم الكتاب. والقنوت
في الركعة الثانية قبل الركوع إذا فرغت من القراءة ثم تقنت
__________________
في الرابعة مثل ذلك ثم في السادسة ثم في الثامنة ثم في العاشرة». والرهط
الذين رووه الفضيل وزرارة وبريد بن معاوية ومحمد بن مسلم.
ومنها ـ ما
رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا : «سألنا أبا جعفر (عليهالسلام) عن صلاة الكسوف كم هي ركعة وكيف نصليها؟ فقال هي عشر
ركعات واربع سجدات : تفتتح الصلاة بتكبيرة وتركع بتكبيرة وترفع رأسك بتكبيرة إلا
في الخامسة التي تسجد فيها وتقول «سمع الله لمن حمده» وتقنت في كل ركعتين قبل
الركوع وتطيل القنوت والركوع على قدر القراءة والركوع والسجود فان فرغت قبل أن
ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي ، فإن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتم ما بقي ،
وتجهر بالقراءة. قال قلت كيف القراءة فيها؟ فقال ان قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ
فاتحة الكتاب وان نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت ولا تقرأ فاتحة الكتاب.
قال وكان يستحب ان يقرأ فيها الكهف والحجر إلا أن يكون اماما يشق على من خلفه. وان
استطعت أن تكون صلاتك بارزا لا يجنك بيت فافعل. وصلاة كسوف الشمس أطول من صلاة
كسوف القمر وهما سواء في القراءة والركوع والسجود».
ومنها ـ ما
رواه الصدوق في الصحيح قال : «سأل الحلبي أبا عبد الله (عليهالسلام) عن صلاة الكسوف كسوف الشمس والقمر قال عشر ركعات واربع
سجدات : تركع خمسا ثم تسجد في الخامسة ثم تركع خمسا ثم تسجد في العاشرة ، وان شئت
قرأت سورة في كل ركعة وان شئت قرأت نصف سورة في كل ركعة ، فإذا قرأت سورة في كل
ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب ، وان قرأت نصف سورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلا
في أول ركعة حتى تستأنف أخرى ، ولا تقل «سمع الله لمن حمده» في رفع رأسك من الركوع
إلا في الركعة التي تريد أن تسجد فيها».
قال في الفقيه وروى عمر بن أذينة ان القنوت في الركعة الثانية قبل
الركوع
__________________
ثم في الرابعة ثم في السادسة ثم في الثامنة ثم في العاشرة. ثم قال وان لم تقنت إلا في الخامسة والعاشرة فهو جائز لورود
الخبر به.
وما رواه الشيخ
عن ابى بصير قال : «سألته عن صلاة الكسوف فقال عشر ركعات واربع
سجدات : تقرأ في كل ركعة منها مثل ياسين والنور ويكون ركوعك مثل قراءتك وسجودك مثل
ركوعك. قلت فمن لم يحسن ياسين وأشباهها؟ قال فليقرأ ستين آية في كل ركعة فإذا رفع
رأسه من الركوع فلا يقرأ بفاتحة الكتاب. قال فإن أغفلها أو كان نائما فليقضها».
ومنها ـ ما
ذكره الرضا (عليهالسلام) في كتاب الفقه قال : «اعلم يرحمك الله ان صلاة الكسوف عشر ركعات بأربع
سجدات : تفتتح الصلاة بتكبيرة واحدة ثم تقرأ الفاتحة وسورا طوالا وطول في القراءة
والركوع والسجود ما قدرت فإذا فرغت من القراءة ركعت ثم رفعت رأسك بتكبير ولا تقول «سمع
الله لمن حمده» تفعل ذلك خمس مرات ثم تسجد سجدتين ، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت في
الركعة الأولى ، ولا تقرأ سورة الحمد إلا إذا انقضت السورة فإذا بدأت بالسورة بدأت
بالحمد ، وتقنت بين كل ركعتين وتقول في القنوت : ان الله يسجد له من في السماوات
ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه
العذاب اللهمّ صل على محمد وآل محمد اللهم لا تعذبنا بعذابك ولا تسخط بسخطك علينا
ولا تهلكنا بغضبك ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا واعف عنا واغفر لنا واصرف عنا
البلاء يا ذا المن والطول. ولا تقول «سمع الله لمن حمده» إلا في الركعة التي تريد
أن تسجد فيها. وتطول الصلاة حتى ينجلي ، وان انجلى وأنت في الصلاة فخفف ، وان صليت
وبعد لم ينجل فعليك الإعادة أو الدعاء والثناء على الله وأنت مستقبل القبلة».
__________________
ومنها ـ ما
رواه في كتاب دعائم الإسلام قال : وعن جعفر بن محمد (عليهالسلام) قال : «صلاة الكسوف في الشمس والقمر وعند الآيات واحدة
وهي عشر ركعات واربع سجدات : يفتتح الصلاة بتكبيرة الإحرام ويقرأ بفاتحة الكتاب
وسورة طويلة ويجهر فيها بالقراءة ثم يركع ويلبث راكعا مثل ما قرأ ثم يرفع رأسه
ويقول عند رفعه «الله أكبر» ثم يقرأ كذلك فاتحة الكتاب وسورة طويلة ثم كبر وركع
الثانية فأقام راكعا مثل ما قرأ ثم رفع رأسه وقال الله أكبر ثم
قرأ بفاتحة الكتاب وسورة طويلة ثم كبر وركع الثالثة فأقام راكعا مثل ما قرأ ثم رفع
رأسه وقال «الله أكبر» ثم قرأ بفاتحة الكتاب وسورة طويلة فإذا فرغ منها قنت ثم كبر
وركع الرابعة فأقام راكعا مثل ما قرأ ثم رفع رأسه وقال الله أكبر ثم قرأ فاتحة
الكتاب وسورة طويلة فإذا فرغ منها كبر وركع الخامسة فأقام مثل ما قرأ فإذا رفع
رأسه منها قال : «سمع الله لمن حمده» ثم يكبر ويسجد فيقيم ساجدا مثل ما ركع ثم
يرفع رأسه فيكبر ويجلس شيئا بين السجدتين يدعو ثم يكبر ويسجد سجدة ثانية يقيم فيها
ساجدا مثل ما أقام في الأولى ، ثم ينهض قائما ويصلى اخرى على نحو الأولى يركع فيها
خمس ركعات ويسجد سجدتين ويتشهد تشهدا طويلا ، والقنوت بعد كل ركعتين كما ذكرنا في
الثانية والرابعة والسادسة والثامنة والعاشرة ولا يقول :
__________________
«سمع الله لمن حمده». إلا في الركعتين اللتين يسجد عنهما وما سوى ذلك يكبر
كما ذكرنا. فهذا معنى قول ابى عبد الله جعفر بن محمد (عليهماالسلام) في صلاة الكسوف في روايات شتى عنه (عليهالسلام) حذفنا ذكرها اختصارا. وان قرأ في صلاة الكسوف بطوال
المفصل ورتل القرآن فذلك أحسن وان قرأ بغير ذلك فليس فيه توقيت ولا يجزئ غيره ، وقد
روينا عن على (عليهالسلام) انه قرأ في الكسوف سورة المثاني وسورة الكهف وسورة
الروم وسورة ياسين وسورة والشمس وضحاها. وروينا عن على (عليهالسلام) انه صلى صلاة الكسوف فانصرف قبل ان ينجلي فجلس في مصلاه
يدعو ويذكر الله وجلس الناس كذلك يدعون ويذكرون حتى انجلت».
واما ما رواه
الشيخ في التهذيب عن أبي البختري عن ابى عبد الله (عليهالسلام) ـ «ان عليا (عليهالسلام) صلى في كسوف الشمس ركعتين في أربع سجدات واربع ركعات :
قام فقرأ ثم ركع ثم رفع رأسه فقرأ ثم ركع ثم قام فدعا مثل ركعته ثم سجد سجدتين ثم
قام ففعل مثل ما فعل في الأولى في قراءته وقيامه وركوعه وسجوده». وعن يونس بن
يعقوب قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) انكسف القمر فخرج ابى وخرجت معه الى المسجد الحرام
فصلى ثماني ركعات كما يصلى ركعة وسجدتين» ـ.
فقد حملهما
الشيخ على التقية قال لموافقتهما لمذهب بعض العامة .
__________________
وروى الشيخ في
التهذيب عن روح بن عبد الرحيم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن صلاة الكسوف تصلى جماعة؟ قال جماعة وغير جماعة».
وعن ابن ابى
يعفور عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا انكسفت الشمس والقمر فانكسف كلها فإنه ينبغي
للناس ان يفزعوا الى امام يصلى بهم وأيهما كسف بعضه فإنه يجزئ الرجل ان يصلى وحده.
الحديث».
وروى ابن إدريس
في مستطرفات السرائر نقلا من جامع البزنطي صاحب الرضا (عليهالسلام) قال : «سألته عن القراءة في صلاة الكسوف قال تقرأ في كل
ركعة فاتحة الكتاب. قال وإذا ختمت سورة وبدأت بأخرى فاقرأ فاتحة الكتاب وان قرأت
سورة في ركعتين أو ثلاث فلا تقرأ فاتحة الكتاب حتى تختم السورة
__________________
ولا تقل «سمع الله لمن حمده» في شيء من ركوعك إلا الركعة التي تسجد فيها».
وعن على بن
جعفر في كتابه عن أخيه موسى (عليهالسلام) مثله ونحوه في قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه (عليهالسلام) .
أقول : الكلام
في هذه الأخبار وما اشتملت عليه من الأحكام يقع في مواضع :
الأول ـ المستفاد
من هذه الأخبار التخيير بين قراءة سورة كاملة بعد الحمد في كل قيام وبين تفريق
سورتين على العشر بان يكون في كل خمس سورة وان كان الأول أفضل وان يفرق سورتين على
الخمس. وكيف كان فإنه متى أتم السورة وجب قراءة الحمد ، وهذا هو المشهور بين
الأصحاب.
وقال ابن إدريس
انه يستحب له قراءة الحمد في الصورة المذكورة محتجا بان الركعات كركعة واحدة.
واعترضه المحقق
في المعتبر بأنه خلاف فتوى الأصحاب والمنقول عن أهل البيت (عليهمالسلام). وهو جيد.
وقال الشهيد في
الذكرى : فان احتج ابن إدريس برواية عبد الله بن سنان عن
الصادق (عليهالسلام) ـ قال : «انكسفت الشمس على عهد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فصلى ركعتين قام في الأولى فقرأ سورة ثم ركع فأطال
الركوع ثم رفع رأسه فقرأ سورة ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع رأسه فقرأ سورة ثم ركع
فأطال الركوع ثم رفع رأسه فقرأ سورة ثم ركع ، فعل ذلك خمس مرات قبل أن يسجد ثم سجد
سجدتين ، ثم قام في الثانية ففعل مثل ذلك ، فكان له عشر ركعات واربع سجدات». والتوفيق
بينها وبين باقي الروايات بالحمل على استحباب قراءة الفاتحة مع الإكمال ـ فالجواب
ان تلك الروايات أكثر وأشهر وعمل الأصحاب بمضمونها فتحمل هذه الرواية على ان
الراوي ترك ذكر الحمد للعلم به لتوافق تلك الروايات الأخرى. انتهى. وهو جيد.
__________________
أقول : لم أقف
على هذه الرواية إلا في كتاب الذكرى فإنه لم ينقلها صاحب الوافي الجامع لأخبار
الكتب الأربعة ولا صاحب الوسائل مع جمعه لما زاد عنها ولا شيخنا المجلسي في البحار
مع تصديه فيه لنقل جملة الأخبار ، والظاهر انه غفل عنها وإلا لنقلها عن الذكرى كما
هو مقتضى قاعدته من التصدي لنقل جميع الأخبار وان كانت من كتب الفروع.
ويظهر من إطلاق
صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة جواز التفريق بان يبعض سورة واحدة في إحدى الركعتين
ويقرأ في الأخرى خمسا والجمع في الركعة الواحدة بين الإتمام والتبعيض بان يتم سورة
مثلا في القيام الأول ويبعض سورة في الأربعة الباقية ، وعلى ذلك تدل صحيحة البزنطي
المنقولة في مستطرفات السرائر ونحوها صحيحة على بن جعفر المتقدمتان ايضا. وبالجملة فالذي يظهر من الأخبار هو جواز التبعيض
في القيامات الخمسة أو بعضها مع الإتمام في بعض وانه يتخير في ذلك وان كان الأفضل
قراءة خمس سور في كل ركعة.
وأما ما ذكره
في المدارك ـ من قوله : ولا ريب ان الاحتياط يقتضي الاقتصار على قراءة خمس سور في
كل ركعة أو تفريق سورة على الخمس ـ فالظاهر انه بنى على ما احتمله الشهيد في
الذكرى هنا حيث قال : ويحتمل ان ينحصر المجزئ في سورة واحدة أو خمس سور لأنها ان
كانت ركعة وجبت الواحدة وان كانت خمسا فالخمس فيمكن استناد ذلك الى تجويز الأمرين
وليس بين ذينك واسطة. انتهى.
أقول : أنت
خبير بأنه لا وجه له بعد ما عرفت من دلالة صحيحة البزنطي وعلى بن جعفر على جواز التفريق في ركعتين أو في ثلاث ، إلا انه يمكن
الاعتذار عنهما بعدم وقوفهما على الخبرين المذكورين ، على ان إطلاق غيرهما من
الأخبار المتقدمة ظاهر في ذلك ايضا سيما قوله (عليهالسلام) في صحيحة الحلبي «وان شئت قرأت
__________________
سورة في كل ركعة وان شئت قرأت نصف سورة في كل ركعة. الحديث». وقد تقدم .
وظاهر الأخبار
وكلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب إتمام سورة في الخمس لصيرورتها بمنزلة ركعة
فتجب الحمد وسورة.
بقي الكلام في
ما لو جمع في ركعة بين الإتمام والتبعيض فأتم في القيام الأول مثلا وبعض في
البواقي فهل يجوز أن يسجد قبل إتمام السورة؟ فيه وجهان ، قال في الذخيرة : ولعل
الأقرب الجواز.
أقول : يمكن
توجيه الأقربية بإطلاق الأخبار المتقدمة الدالة على جواز التبعيض أعم من أن يتم
السورة في ركعة واحدة أم لا.
وقال العلامة :
الأقرب انه يجوز أن يقرأ في الخمس سورة وبعض أخرى فإذا قام في الثانية فالأقرب
وجوب الابتداء بالحمد لانه قيام من سجود فوجب فيه الفاتحة قال : ويحتمل ضعيفا أن
يقرأ من الموضع الذي انتهى اليه أولا من غير أن يقرأ الفاتحة لكن يجب أن يقرأ
الحمد في الثانية بحيث لا يجوز الاكتفاء بالحمد مرة في الركعتين. انتهى.
أقول : ويمكن
ترجيح ما استضعفه بقوله (عليهالسلام) في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم «وان نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت ولا تقرأ فاتحة الكتاب». وقوله
(عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي «ولا تقرأ سورة الحمد إلا إذا انقضت السورة». وقوله (عليهالسلام) في صحيحتي البزنطي وعلى بن جعفر «فلا تقرأ فاتحة الكتاب حتى تختم السورة». فإن الجميع كما ترى ظاهر في انه
ما لم يتم السورة التي بعضها فلا يقرأ فاتحة الكتاب وانه يجب القراءة من موضع
القطع ، والأخبار المذكورة بعمومها شاملة لموضع المسألة.
وذكر الشهيدان (طاب
ثراهما) انه متى ركع عن بعض سورة تخير في القيام
__________________
بعده بين القراءة من موضع القطع وبين القراءة من أى موضع شاء من السورة
متقدما أو متأخرا وبين رفضها وقراءة غيرها.
واحتمل في
الذكرى امرا رابعا وهو ان له اعادة البعض الذي قرأه من السورة بعينه ، قال فحينئذ
هل يجب قراءة الحمد؟ يحتمل ذلك لابتدائه بسورة ويحتمل عدمه لأن قراءة بعضها مجزئ
فقراءة جميعها أولى ، هذا ان قرأ جميعها وان قرأ بعضها فأشد إشكالا.
قال في المدارك
بعد نقل ذلك : أقول ان في أكثر هذه الصور إشكالا ، فإن مقتضى قوله (عليهالسلام) «فان نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت» تعين
القراءة من موضع القطع فلا يكون العدول الى غيره من السورة والقراءة من غيرها
جائزا. انتهى. وهو جيد لما عرفت من الأخبار. والله العالم.
الثاني ـ قد
تضمنت صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم الأمر بالجلوس والدعاء حتى ينجلي الكسوف متى فرغ من
الصلاة ولم ينجل ، وعبارة كتاب الفقه الإعادة أو الدعاء في الصورة المذكورة ، ورواية كتاب
دعائم الإسلام الجلوس والدعاء
وقد روى الشيخ
في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد».
والمستفاد من
هذه الأخبار بعد ضم بعضها الى بعض هو وجوب الجلوس والدعاء أو الإعادة حتى ينجلي
مخيرا بينهما وهو صريح عبارة كتاب الفقه.
والمشهور بين
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا المقام انه يستحب له الإعادة متى فرغ ولم ينجل
، ونقل عن ظاهر المرتضى وابى الصلاح وسلار وجوب الإعادة ، وعن ابن إدريس انه منع
الإعادة وجوبا واستحبابا.
قال في المدارك
: لنا على الاستحباب ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية ابن عمار. ثم ساق الرواية
المذكورة الى ان قال : ولنا على انتفاء الوجوب قوله (عليهالسلام)
__________________
في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم «وان فرغت قبل أن ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي». وقد يقال ان الجمع بين
الروايات يقتضي القول بوجوب الإعادة والدعاء تخييرا إلا انى لا اعلم به قائلا.
انتهى. وتبعه في الذخيرة في هذا المقام.
وأنت خبير بان
ظاهر كلام الصدوق في الفقيه هو القول بالوجوب فيهما تخييرا حيث قال : وإذا فرغ
الرجل من صلاة الكسوف ولم تكن انجلت فليعد الصلاة وان شاء قعد ومجد الله تعالى حتى
ينجلي. انتهى.
ثم انه لا يخفى
عليك ما في استدلاله بصحيحة معاوية بن عمار على الاستحباب وان كان قد جرى على هذه
الطريقة في غير باب ، فإن الرواية قد تضمنت الأمر بالإعادة وهو حقيقة في الوجوب
كما صرح به في غير موضع من هذا الكتاب فكيف تكون دالة على الاستحباب؟ وكان الأولى
في التعبير ان يجعل مستند الاستحباب الجمع بين الروايتين المذكورتين.
وزاد في
الذخيرة بعد اختيار الاستحباب كما ذكره في المدارك التأييد بموثقة عمار الساباطي
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان صليت الكسوف الى ان يذهب الكسوف عن الشمس
والقمر وتطول في صلاتك فان ذلك أفضل ، وان أحببت أن تصلى فتفرغ من صلاتك قبل أن
يذهب الكسوف فهو جائز».
وأنت خبير بأن
غاية ما تدل عليه الرواية هو إطلاق جواز الفراغ قبل الانجلاء ، ولا ينافيه وجوب
الإعادة أو الجلوس حتى يحصل تمام الانجلاء حسبما دلت عليه الأخبار المتقدمة.
وبالجملة
فعبارة كتاب الفقه صريحة في الوجوب تخييرا والظاهر انها مستند الصدوق كما عرفت في
غير مقام ، ورواية كتاب الدعائم المروية عن على (عليهالسلام) ايضا ظاهرة في وجوب الجلوس ، والصحيحتان الآخرتان لا وجه للجمع بينهما إلا بما
__________________
ذكرناه من الوجوب تخييرا ، فرد هذه الروايات ـ على ما هي عليه من الصحة
والصراحة في بعض والظاهرية في آخر بهذه الرواية مع قبولها التأويل بما ذكرناه ـ مما
لا يلتزمه محصل. والله العالم.
الثالث ـ ما
ذكره (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي من قوله «وتطول الصلاة حتى ينجلي». مما يصلح لان يكون
مستندا للأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث صرحوا بان من جملة مستحبات هذه الصلاة ان
يطول بقدر الكسوف وهم قد استدلوا على ذلك بموثقة عمار المتقدمة ويمكن الاستدلال عليه ايضا بقوله (عليهالسلام) في صحيحة الرهط المتقدمة في حكاية صلاته (صلىاللهعليهوآله) «ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها».
وقيل ان
الاستدلال بهذا الخبر لا يخلو من شوب التأمل لجواز ان يكون ذلك من باب الاتفاق.
وفيه ان الظاهر من نقله (عليهالسلام) ذلك انما هو العمل بما تضمنه النقل إذ لا معنى لنقل
الأمور الاتفاقية مع عدم ترتب شيء عليها من الأحكام الشرعية ، ويمكن استناد ذلك
الى علمه (صلىاللهعليهوآله) بوقت تمام الانجلاء فأطال الصلاة على حسب علمه وفرغ
بتمام الانجلاء.
بقي هنا شيء
وهو ان الحكم باستحباب الإطالة على الوجه المذكور لا يتم إلا مع العلم بذلك أو
الظن الحاصل باخبار رصدي أما بدونه فلا ، وحينئذ فلا يبعد ان يكون التخفيف في
الصلاة أولى وجبت الإعادة أو الجلوس لو فرغ قبل الانجلاء على أحد القولين أو
استحبت على القول المشهور حذرا من خروج الوقت قبل الإتمام. كذا قيل وهو مبنى على
انه مع خروج الوقت قبل الإتمام يجب القطع وقد بينا سابقا ضعفه وان الواجب هو
الإتمام في الصورة المذكورة. والله العالم.
الرابع ـ ظاهر قوله
(عليهالسلام) في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم «وكان يستحب ان يقرأ فيها الكهف والحجر إلا أن يكون اماما يشق على من خلفه».
استحباب التطويل في الصلاة بقراءة السور الطوال إلا في الجماعة إذا كان يشق ذلك
__________________
على من خلفه ، وبكل من الحكمين صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم).
أما الأول فيدل
عليه مضافا الى هذا الخبر ما تقدم من كلام الرضا (عليهالسلام) في كتاب الفقه ورواية كتاب دعائم الإسلام ورواية أبي
بصير المتقدم ذلك كله وقد دلت رواية أبي بصير المذكورة ايضا على استحباب التطويل
في ركوعه مثل قراءته وسجوده مثل ركوعه ، واليه يشير ايضا قوله (عليهالسلام) في كتاب الفقه «وطول في القراءة والركوع والسجود ما
قدرت». ونحوه في رواية كتاب الدعائم. وينبغي تقييد ذلك بسعة الوقت كما صرح به
بعضهم ايضا.
وأما الثاني
فيدل عليه مضافا الى الرواية المذكورة أخبار صلاة الجماعة فإنها استفاضت بالأمر
بالتخفيف والإسراع رعاية لحال المأمومين فإن فيهم الضعيف وصاحب الحاجة ونحوهما .
إلا انه قد روى
الصدوق في الفقيه مرسلا قال : «انكسفت الشمس على عهد أمير المؤمنين (عليهالسلام) فصلى بهم حتى كان الرجل ينظر الى الرجل قد ابتلت قدمه
من عرقه».
وروى الشيخ في
التهذيب بسنده عن القداح عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهمالسلام) قال : «انكسفت الشمس في زمن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فصلى بالناس ركعتين وطول حتى غشي على بعض القوم ممن
كان وراءه من طول القيام».
وظاهر المحدث
الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في الوسائل العمل بهذين الخبرين حيث قال : باب
استحباب اطالة الكسوف بقدره حتى للإمام ثم أورد الخبرين المذكورين ولم يجب عن صحيحة زرارة
ومحمد بن مسلم بشيء بل لم ينقل منها الموضع المتعلق بهذا الحكم في كتابه بالكلية
وانما ذكر منها ما يتعلق بكيفية الصلاة في باب كيفية صلاة الكسوف وهو غفلة منه (طاب ثراه).
__________________
وبالجملة
فالجمع بين الروايات هنا لا يخلو من اشكال سيما مع اعتضاد صحيحة زرارة ومحمد بن
مسلم باخبار الجماعة المستفيضة بالأمر بالتخفيف وعدم الإطالة رعاية لحال المأمومين
، إلا أن يقال باختصاص ذلك بهما (صلوات الله عليهما) في هذه الصلاة بخصوصها لأجل
بسطها على مقدار زمان الكسوف. وفيه ما فيه. والله العالم
الخامس ـ انه
يستفاد من الأخبار المتقدمة استحباب التكبير عند الرفع من كل ركوع إلا الخامس
والعاشر فإنه يقول «سمع الله لمن حمده» وهذا التكبير من خصوصيات هذه الصلاة ، وانه
يقنت خمس قنوتات ، والجميع مما لا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم).
إلا ان الشهيد
في البيان قال انه يجزئ القنوت على الخامس والعاشر وأقله على العاشر. قال في
المدارك ولم نقف على مأخذه.
أقول : ان كان
مراده انه لم يقف على مأخذه ولو بالنسبة إلى الخامس والعاشر ففيه ما قدمنا نقله عن
الصدوق من قوله «وان لم تقنت إلا في الخامسة والعاشرة فهو جائز لورود الخبر به»
وان أراد من حيث الاكتفاء بالعاشر خاصة فهو كذلك ولعله لمجرد اعتبار كون هذه
الصلاة في الحقيقة ركعتين فالقنوت انما هو في الثانية.
ومن مستحبات
هذه الصلاة أيضا الجهر بالقراءة ، قال في المنتهى انه مذهب علمائنا وأكثر العامة وقد تقدم ذلك في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم
__________________
ومن مستحباتها
ايضا أن يكون بارزا تحت السماء لما في الصحيحة المشار إليها من قوله (عليهالسلام) «فان استطعت أن تكون صلاتك بارزا لا يجنك بيت فافعل».
إلا ان جملة من
الأخبار قد دلت على الفزع الى المساجد كما في صحيح ابى بصير قال : «انكسف القمر وأنا عند ابى عبد الله (عليهالسلام) في شهر رمضان فوثب وقال انه كان يقال إذا انكسف القمر
والشمس فافزعوا الى مساجدكم».
وفي كتاب
المجالس بإسناده عن محمد بن عمارة عن أبيه عن الصادق عن أبيه (عليهماالسلام) قال : «ان الزلازل والكسوفين والرياح الهائلة من علامات
الساعة فإذا رأيتم شيئا من ذلك فتذكروا قيام الساعة وأفزعوا الى مساجدكم».
ويمكن الجمع
بان الفزع الى المساجد لا يستلزم الصلاة تحت سقوف المساجد بل يمكن أن يصلى على
سطوح المساجد وفي فضائها البارز من غير سقف ، هذا إذا كانت مسقفة كما هو الآن صار
معمولا واما على ما هو السنة في المساجد من جعلها مكشوفة فلا اشكال.
وينبغي أن يعلم
ان جملة هذه الأحكام وان كان موردها صلاة الكسوف إلا ان المفهوم من الأخبار ان
صلاة الكسوف هي الصلاة في سائر الآيات فجميع الأحكام المترتبة على صلاة الكسوف
تترتب على الصلاة لغير الكسوف من الآيات إلا التطويل فان ظاهر الأخبار اختصاصه
بالكسوفين كما مر.
ومما يدل على
ان صلاة الآيات هي صلاة الكسوف صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم قالا «قلنا لأبي جعفر (عليهالسلام) أرأيت هذه الرياح والظلم التي تكون هل يصلى لها؟ فقال
كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل لها صلاة الكسوف حتى تسكن».
وروى في كتاب
الدعائم عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) انه قال :
__________________
«يصلى في الرجفة والزلزلة والريح العظيمة والظلمة والآية تحدث وما كان مثل
ذلك كما يصلى في صلاة كسوف الشمس والقمر سواء».
ومن مستحبات
هذه الصلاة أيضا الجماعة ، قال في التذكرة انه قول علمائنا اجمع
ويدل عليه ما
تقدم في صحيحة الرهط من قوله (عليهالسلام) «صلاها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) والناس خلفه».
وما تقدم في الموضع الرابع من خبري الصدوق والقداح في صلاة رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) وعلى (عليهالسلام) بالناس وقد غشي على بعض القوم وابتلت اقدامهم من
العرق.
وقد تقدمت رواية روح بن عبد الرحيم الدالة على انها تصلى جماعة
وغير جماعة.
ونحوها رواية
محمد بن يحيى الساباطي عن الرضا (عليهالسلام) قال : «سألته عن صلاة الكسوف تصلى جماعة أو فرادى؟ قال
اى ذلك شئت».
وقد دلت رواية
ابن ابى يعفور المتقدمة على تأكد استحباب الجماعة مع الاحتراق.
وقال الصدوقان
: إذا احترق القرص كله فصلها في جماعة وان احترق بعضه فصلها فرادى. ويمكن حمل
كلامهما على ما حملت عليه رواية ابن ابى يعفور من تأكد الجماعة مع الاحتراق وعدمه
مع العدم.
قال في الذكرى
: انهما ان أرادا نفى تأكد الاستحباب مع احتراق البعض فمرحبا بالوفاق ، وان أرادا
نفى استحباب الجماعة وترجيح الفرادى طولبا بدليل المنع وصرح الشهيد في البيان
بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل في هذه الصلاة وبالعكس كاليومية. قال في المدارك
ومثله في الذخيرة : وهو حسن.
__________________
أقول : الظاهر
ان مرادهم اجراء حكم اليومية في ما لو صليت فرادى فإنه يستحب إعادتها جماعة لو
وجدت الجماعة إماما كان أو مأموما في هذه الصلاة ، فإنها هي الصورة التي يمكن فيها
اقتداء المفترض بالمتنفل وبالعكس.
وأنت خبير بأنه
مع قطع النظر عن القاعدة المشهورة في كلامهم ـ من ان إطلاق الأخبار انما ينصرف الى
الافراد المتكثرة المتكررة دون النادرة ، وصلاة الآيات بالنسبة إلى الصلاة اليومية
من هذا القبيل ـ فإن لقائل أن يقول ان جملة من اخبار تلك المسألة ظاهرة في اليومية
بخصوصها مثل صحيحة سليمان بن خالد قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل دخل المسجد وافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلى
إذ أذن المؤذن وأقام الصلاة قال فليصل ركعتين ثم ليستأنف الصلاة مع الامام. الحديث».
وفي جملة من تلك الأخبار «تقام الصلاة» و «أقيمت الصلاة» والإقامة انما تكون في
اليومية. وبالجملة فسياق أكثر تلك الأخبار ظاهر في اليومية وحمل ما أطلق على
الباقي ممكن ، وبه يظهر ان دعوى شمولها لهذه الصلاة لا يخلو من اشكال.
تفريع
لو أدرك
المأموم الإمام قبل الركوع الأول أو في أثنائه أدرك الركعة بغير إشكال.
إنما الإشكال
في ما لو لم يدركه حتى رفع رأسه من الركوع الأول ، والذي صرح به جمع من الأصحاب :
منهم ـ المحقق في المعتبر والعلامة في جملة من كتبه والشهيد في الذكرى هو فوات تلك
الركعة المشتملة على الركوعات الخمسة فلا يجوز له الدخول فيها بل يصبر الى ان يسجد
ويقوم ويدخل معه في أول قيامه ، والوجه في ذلك هو لزوم أحد محذورين مع الدخول بعد
فوات الركوع الأول ، وهو إما تخلف المأموم عن الامام ان تدارك الركوع بعد سجود
الامام واما تحمل الامام الركوع ان رفض الركوع وسجد بسجود الإمام.
__________________
ونقل عن
العلامة انه احتمل في التذكرة جواز الدخول معه في هذه الحالة فإذا سجد الامام لم
يسجد هو بل ينتظر الإمام الى أن يقوم فإذا ركع الإمام أول الثانية ركع معه عن
ركعات الأولى فإذا انتهى الى الخامس بالنسبة إليه سجد ثم لحق بالإمام ويتم الركعات
قبل سجود الثانية.
قال في المدارك
: ويشكل بان فيه تخلف المأموم عن الإمام في ركن وهو السجدتان من غير ضرورة ولا
دليل على جوازه.
أقول : لا يخفى
على من تأمل كلامهم ما وقع لهم فيه من النقض والإبرام وما هو عليه من الاختلاف
والتناقض الظاهر لذوي الأفهام.
والتحقيق ان
الكلام في هذه المسألة وجواز الدخول في الصورة المفروضة وعدمه مبنى على مسألة أخرى
وهو انه هل يجوز للمأموم التخلف عن الامام لغير عذر بركن أو ركنين أم لا يجوز ذلك؟
والذي صرح به جملة منهم في باب صلاة الجماعة هو الجواز.
وممن صرح بذلك
الشهيد في الذكرى حيث قال : ولا يتحقق فوات القدوة بفوات ركن ولا أكثر عندنا ، وفي
التذكرة توقف في بطلان القدوة بالتأخير بركن ، والمروي بقاء القدوة رواه عبد
الرحمن عن ابى الحسن (عليهالسلام) في من لم يركع ساهيا حتى انحط الامام للسجود انه يركع
ويلحق به. انتهى ومثل ذلك كلامه في الدروس. وظاهر قوله «عندنا» مؤذن بدعوى الاتفاق
على الحكم المذكور.
وقال المحقق
الشيخ على في رسالته الجعفرية : ولو تخلف المأموم بركن أو أكثر لم تنقطع القدوة.
وقال الشارح الجواد ـ في شرح الرسالة المذكورة تعليلا للحكم المذكور ـ ما لفظه : لثبوتها
وان زوالها بعد ذلك يحتاج الى دليل والأصل عدمه ولرواية عبد الرحمن. ثم ساق
الرواية المذكورة ثم نقل التوقف عن العلامة في التذكرة واستبعده بناء على ما ذكره
من الدليل.
__________________
وأنت خبير بأنه
يأتي على ما ذكره هؤلاء ان المأموم يجوز له الدخول في صلاة الكسوف بعد مضى ركوع بل
ركوعين أو أكثر ثم يتابع الامام حتى إذا سجد الإمام أتم ما بقي عليه من الركوعات
وان فاتته المتابعة في السجود ثم يلتحق به في الركعة الثانية بعد السجود ، وكذا
يفعل في الركعة الثانية إذا فاته شيء من ركوعاتها.
والسيد السند
في المدارك لما كان مذهبه عدم جواز التخلف عن الامام بركن منع هنا من الدخول فيها
في الصورة المذكورة إلا انه انما علل ذلك بعدم الدليل على جواز التخلف ، وللخصم ان
يقابله بأن الأصل الجواز وعدم الإبطال بالتخلف حتى يقوم دليل على خلافه كما سمعت
من كلام الشارح الجواد في شرح الرسالة.
والأظهر عندي
في المسألة المفرع عليها هو وجوب المتابعة وعدم جواز التخلف بركن لغير عذر فضلا عن
الأكثر.
(أما أولا) ـ فلان
الرواية التي استندوا إليها موردها العذر وهو سهو المأموم وهذا غير محل النزاع ،
فالاستناد إليها في عموم الحكم لا يخلو من مجازفة.
و (اما ثانيا)
ـ فإن صحيحة زرارة ـ الواردة في حكم المسبوق وانه يقرأ في كل ركعة مما أدرك
بأم الكتاب وسورة فان لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب ، وصحيحة معاوية بن
وهب في من أدرك الإمام في آخر صلاته وهي أول صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ هل
يقضى القراءة في آخر صلاته؟ قال نعم ـ تمنع ما ذكروه فإنهما ظاهرتان في وجوب
المتابعة وعدم جواز التخلف عن الركوع وان كان للاشتغال بواجب كالقراءة المفروضة
فيهما ، فان الاجتزاء بأم الكتاب كما تضمنته الرواية الأولى وعدم إمهال الإمام كما
تضمنته الثانية انما هو لخوف رفع الإمام رأسه من الركوع قبل إتمام القراءة والدخول
معه في الركوع ، والثانية قد تضمنت انه يترك القراءة بالكلية ويقضيها في آخر
الصلاة محافظة على ادراك الركوع معه ، وحينئذ فإذا امتنع التخلف وان كان لأجل
الاشتغال بواجب
__________________
فكيف يجوز ذلك مطلقا كما ادعوه؟ وبذلك يظهر ان ما ذكروه لا يخلو من غفلة عن
إعطاء التأمل حقه في ملاحظة الأدلة.
و (أما ثالثا)
فان شيخنا الشهيد قد خالف قوله وناقض نفسه في ما قدمنا نقله عنه مما ظاهره دعوى الإجماع
عليه كما أشرنا إليه آنفا في باب الجماعة بما ذكره هنا في صلاة الآيات ، حيث صرح
بالمنع من الدخول تبعا للفاضلين كما قدمنا ذكره في الصورة المفروضة حذرا من لزوم
التخلف عن الامام بركن أو أكثر ، فقال بعد ذكر صورة المسألة ما ملخصه : فان قلنا
بالمتابعة فالأصح عدم سلامة الاقتداء لاستلزامه محذورين اما التخلف عن الإمام أو
تحمل الامام الركوع ، لأنه ان اتى بما بقي عليه قبل أن يسجد مع الامام لزم المحذور
الأول ، وان رفض الركوعات وسجد بسجود الامام لزم الثاني. الى ان قال (فان قيل) لم
لا يأتي المأموم بما بقي عليه ثم يسجد ثم يلحق الإمام في ما بقي من الركوعات؟ وليس
في هذا الا تخلف عن الامام لعارض وهو غير قادح في الاقتداء لما سيأتي (قلنا) ان من
قال ان التخلف عن الامام يقدح فيه فوات الركن فعلى مذهبه لا يتم هذا ومن اغتفر ذلك
فإنما يكون عند الضرورة كالمزاحمة ولا ضرورة هنا فحينئذ يستأنف المأموم النية. إلى
آخر كلامه
فانظر الى
صراحته في المخالفة لما قدمنا نقله عنه من كلامه في باب الجماعة الدال على جواز
التخلف بركن أو أكثر وان كان لا لعذر ، وقوله هنا ان التخلف بركن منحصر في قولين
اما الجواز مع الضرورة أو البطلان.
وأشار
بالمزاحمة الى ما ورد في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى الحسن «في رجل صلى في جماعة يوم الجمعة فلما ركع الإمام ألجأه الناس الى جدار أو
أسطوانة فلم يقدر على أن يركع ولا أن يسجد حتى رفع القوم رؤوسهم أيركع ثم يسجد ثم
__________________
يقوم في الصف؟ قال لا بأس». وهذه كما ترى مثل صحيحته المتقدمة في ان موردها
العذر
وبما أوضحناه
في المقام وكشفنا عنه نقاب الإبهام بما لم يسبق اليه سابق من علمائنا الأعلام ظهر
انه لا يجوز الدخول مع الامام بعد فوات شيء من الركوعات في الركعة الأولى خوفا من
الوقوع في المحذور المذكور بل يصبر الى أن يسجد ويقوم للركعة الثانية. ولو أدركه
كذلك في الثانية لم يدخل معه وعدل الى الانفراد. والله العالم.
البحث الثالث ـ
في الأحكام وما يتبعها في المقام ، أقول : قد قدمنا أكثر الأحكام في البحثين
المتقدمين وبقي الكلام في ما يتعلق بهذه الصلاة في مواضع :
الأول ـ قد صرح
الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه إذا حصل الكسوف في وقت فريضة حاضرة ، فان تضيق
وقت إحداهما تعينت للأداء إجماعا ثم يصلى بعدها ما اتسع وقتها ، وان تضيقا معا
قدمت الحاضرة ، قالوا لأنها أهم في نظر الشارع ، وقال في الذكرى انه لا خلاف فيه ،
وان اتسع الوقتان فالمشهور انه مخير في الإتيان بأيهما شاء.
وقال في من لا
يحضره الفقيه : لا يجوز ان يصليها في وقت فريضة حتى يصلى الفريضة ، وإذا كان في
صلاة الكسوف ودخل عليه وقت الفريضة فليقطعها وليصل الفريضة ثم يبنى على ما فعل من
صلاة الكسوف. انتهى.
وهو ظاهر
اختيار الشيخ في النهاية حيث قال : ان بدأ بصلاة الكسوف ودخل عليه وقت الفريضة
قطعها وصلى الفريضة ثم رجع وتمم صلاته. ومثله في المبسوط إلا انه قال فيه باستئناف
صلاة الكسوف ، كذا نقله في المختلف ، ونقل هذا القول فيه عن ابني بابويه وابن
البراج.
واختار في
المدارك القول المشهور قال : لنا انهما واجبان اجتمعا ووقتهما موسع فيتخير المكلف
بينهما. ولنا ايضا ان فيه جمعا بين ما تضمن الأمر بتقديم
الفريضة الحاضرة كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة فقال ابدأ
بالفريضة». وبين ما تضمن الأمر بتقديم الكسوف كصحيحة محمد بن مسلم وبريد بن معاوية
عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهماالسلام) قالا : «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صليتها ما لم
تتخوف ان يذهب وقت الفريضة فإن تخوفت فابدأ بالفريضة واقطع ما كنت فيه من صلاة
الكسوف فإذا فرغت من الفريضة فارجع الى حيث كنت قطعت واحتسب بما مضى». انتهى.
أقول : لا يخفى
ان ما قدمناه من عبارة الصدوق في من لا يحضره الفقيه مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي
وان كان بأدنى تغيير في اللفظ حيث قال (عليهالسلام) «ولا تصلها في وقت الفريضة حتى تصلى الفريضة فإذا كنت فيها ودخل عليك وقت
الفريضة فاقطعها وصل الفريضة ثم ابن على ما صليت من صلاة الكسوف». ومن ذلك يعلم ان
مستند الصدوق وكذا أبوه في الرسالة انما هو الكتاب المذكور على ما عرفت سابقا
وستعرف أمثاله لاحقا ان شاء الله تعالى.
ومن اخبار
المسألة زيادة على ما ذكرنا قوله في صحيحة محمد بن مسلم المتقدم نقلها عن صاحب
المدارك تتمة لما ذكره منها : «فقيل له في وقت صلاة الليل فقال صل صلاة الكسوف قبل
صلاة الليل».
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب الشمس ونخشى
فوت الفريضة فقال اقطعوها وصلوا الفريضة وعودوا الى صلاتكم». وعن محمد بن مسلم في
الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) جعلت فداك ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء
الآخرة فإن صلينا الكسوف
__________________
خشينا ان تفوتنا الفريضة؟ فقال إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك ثم عد
فيها. قلت فإذا كان الكسوف آخر الليل فصلينا صلاة الكسوف فأتتنا صلاة الليل
فبأيتهما نبدأ؟ فقال صل صلاة الكسوف واقض صلاة الليل حين تصبح».
وقال في كتاب
دعائم الإسلام : وعن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) انه قال : «في من وقف في صلاة الكسوف حتى دخل عليه وقت
الصلاة؟ قال يؤخرها ويمضى في صلاة الكسوف حتى يصير الى آخر الوقت فان خاف فوت
الوقت قطعها وصلى الفريضة. وكذلك إذا انكسفت الشمس أو انكسف القمر في وقت صلاة
الفريضة بدأ بصلاة الفريضة قبل صلاة الكسوف».
أقول : ويستنبط
من هذه الأخبار أحكام : منها ـ انه لا يخفى ان ظاهر صحيحة محمد بن مسلم الأولى هو
وجوب تقديم الفريضة في حال سعة الوقت ، وكذا ظاهر كلامه (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي حيث نهى أولا عن صلاة الكسوف في
وقت الفريضة وأوجب قطعها متى دخل عليه وقت الفريضة وهو فيها وان يصلى الفريضة أولا
وهو عين مذهب الصدوق كما علمت ، وظاهر صحيحة محمد بن مسلم وبريد بن معاوية هو
تقديم صلاة الكسوف في حال سعة الوقتين الى ان يتضيق وقت الحاضرة.
والعجب ان
الصدوق قد نقل هذه الصحيحة في كتابه ثم عقبها بهذه الفتوى ووجه التدافع بينهما
ظاهر ، ولم يجب عن الرواية المذكورة بشيء مع ظهورها في خلاف ما افتى به.
ولهذا ان صاحب
المدارك اعترضه في هذا المقام فقال بعد نقل كلامه : ومقتضاه جواز القطع بل وجوبه
إذا دخل وقت الفريضة وهو بعيد جدا ، فإن الرواية التي أوردها في كتابه في هذا
المعنى عن بريد ومحمد بن مسلم صريحة في الأمر بصلاة الكسوف ما لم يتخوف ان يذهب
وقت الفريضة ، وإذا جاز ابتداء صلاة
__________________
الكسوف والحال هذه فلا وجه لوجوب قطعها بدخول الوقت بل ولا لجوازه.
أقول : قد عرفت
ان مستند الصدوق (قدسسره) في هذه الفتوى انما هو كتاب الفقه الرضوي ، نعم جمعه
في كتابه بين هذه الفتوى وهذه الرواية مع ما عرفت لا يخلو من مدافعة لما قرره في
صدر كتابه من القاعدة.
ويخطر بالبال
العليل والفكر الكليل في الجمع بين هذه الأخبار على وجه تندفع به هذه المناقضة عن
الصدوق (قدسسره) ويزول به التنافي بين اخبار المقام ان يقال لا ريب في
دلالة صحيحة محمد بن مسلم وعبارة كتاب الفقه الرضوي على ما ذهب اليه الصدوق من
وجوب تقديم الحاضرة في حال السعة ، واما صحيحة محمد بن مسلم الأخيرة وصحيحة أبي
أيوب فظاهرهما انه مع خوف فوات فضيلة أول الوقت يقطع صلاة الكسوف لو شرع فيها
ويبدأ بالفريضة ، وهو ظاهر في تأييد ما دلت عليه صحيحة محمد بن مسلم الأولى وعبارة
كتاب الفقه الرضوي.
قال شيخنا
الشهيد في الذكرى بعد إيراد هذين الخبرين الأخيرين أعني خبري محمد بن مسلم وابى
أيوب : ولعل الجماعة يتمسكون بهاتين الروايتين على التقديم مع السعة وعلى القطع مع
دخول الوقت والبناء ، وهما صحيحتان إلا ان دلالتهما على ذلك غير صريحة. انتهى.
أقول : بل
متمسك الجماعة خصوصا الصدوقين (قدسسرهما) انما هو عبارة كتاب الفقه الصريحة بل هي عين عبارة
الصدوقين كما عرفت.
وكيف كان فان
كلا منهما مؤذن بما ذكرنا من التأييد وان لم تكونا صريحتين في الحكم المذكور إلا
ان رواية محمد بن مسلم الأولى وعبارة كتاب الفقه صريحتان في ذلك ، وحينئذ فلم يبق
في المقام إلا صحيحة محمد بن مسلم وبريد لانحصار المخالفة ظاهرا فيها ، وتطبيقها
على هذه الأخبار ممكن بحمل وقت الفريضة فيها على وقت الفضيلة كما صرحت به صحيحته
الثانية وصحيحة أبي أيوب جمعا بين الأخبار ، ووجهه ما قدمنا بيانه وشيدنا أركانه
وبنيانه في مبحث الأوقات من إطلاق الوقت
في كثير من الأخبار على وقت الفضيلة خاصة لا ما يشمل وقت الإجزاء.
وبالجملة فإن
عبارة كتاب الفقه الرضوي قد صرحت بالنهي عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة حتى يصلى
الفريضة والنهى حقيقة في التحريم ، وصحيحة محمد بن مسلم الأولى قد صرحت بالأمر
بالبدأة بالفريضة في الصورة المذكورة والأمر حقيقة في الوجوب ، وأيد ذلك الصحيحتان
الأخريان لدلالتهما على قطع صلاة الكسوف محافظة على تحصيل فضيلة أول الوقت بلفظ
الأمر الظاهر في الوجوب ، فحمل هذه الصحيحة الباقية على ما ذكرنا لتجتمع به مع
باقي أخبار المسألة على معنى واحد ليس ببعيد بل هو أقرب قريب ، والاستبعاد في ذلك
ان حصل فإنما هو من حيث الالف بالمشهورات وإلا فما ذكرنا في مقام الجمع بين
الأخبار شائع ذائع في كلامهم. وبه يظهر قوة ما ذهب اليه الصدوق ومن حذا حذوه في
المقام وتزول عنه غشاوة الإشكال والإبهام.
ومنها ـ ان ما
تضمنته صحيحة محمد بن مسلم الأولى من الأمر بتقديم صلاة الكسوف على صلاة الليل فهو
مما لا خلاف فيه ، قال في المنتهى انه قول علمائنا أجمع. ويدل عليه زيادة على هذه
الصحيحة صحيحته الأخرى مع بريد بن معاوية المتقدمة أيضا. وفي معنى صلاة الليل
غيرها من النوافل المرتبة.
قال في الذكرى
: لو كانت صلاة الليل منذورة فكالفريضة الحاضرة في التفصيل السالف ، وهل ينسحب
فيها قول البناء وكذا في كل صلاة منذورة تزاحم صلاة الكسوف؟ الظاهر لا اقتصارا على
موضع النص مع المخالفة للأصل. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان لفظ الفريضة في أخبار الكسوف المتقدمة انما ينصرف إلى اليومية إذ هي المتبادرة
من الإطلاق لا كل واجب ، وحينئذ فكون صلاة الليل المنذورة أو غيرها من الصلوات
المنذورة كالفريضة الحاضرة محل اشكال كما لا يخفى لعدم الدليل في المقام زيادة على
الأخبار المذكورة التي قد عرفت اختصاصها باليومية ومنها ـ انه مع القطع والرجوع
الى صلاة الفريضة فهل يبنى على ما قطع
ويتم ما مضى من صلاة الكسوف أو يعيد صلاة الكسوف من رأس؟ قولان المشهور
الأول وعليه تدل الأخبار المتقدمة كصحيحة محمد بن مسلم وبريد وصحيحة محمد بن مسلم
الثانية وصحيحة أبي أيوب وعبارة كتاب الفقه الرضوي .
وذهب الشيخ في
المبسوط الى ان من قطع صلاة الكسوف لخوف فوات الفريضة وجب عليه استئنافها من رأس ،
واختاره في الذكرى قال لأن البناء بعد تخلل الصلاة الأجنبية لم يعهد من الشارع
تجويزه في غير هذا الموضع. والاعتذار ـ بان الفعل الكثير مغتفر هنا لعدم منافاته
للصلاة ـ بعيد فانا لم نبطلها بالفعل الكثير بل بحكم الشارع بالإبطال والشروع في
الحاضرة فإذا فرع منها فقد اتى بما يخل بنظم صلاة الكسوف فيجب إعادتها من رأس
تحصيلا ليقين البراءة. انتهى.
وظاهر المحقق
في المعتبر التردد في ذلك ، وهو اجتهاد محض في مقابلة النصوص وهو غير جيد سيما
منهما على الخصوص.
وفيه زيادة على
ما قلناه انه قد تقدم في المسألة الثالثة من المطلب الثاني في السهو من كتاب
الصلاة رواية عبد الله بن جعفر الحميري عن الناحية المقدسة
الصاحبية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والتحية «انه سأله عن رجل صلى الظهر ودخل
في صلاة العصر فلما ان صلى من صلاته العصر ركعتين استيقن انه صلى الظهر ركعتين كيف
يصنع؟ فأجاب (عليهالسلام) ان كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاتين
أعاد الصلاتين ، وان لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخيرتين تتمة لصلاة الظهر
وصلى العصر بعد ذلك» وقد قدمنا في المسألة المذكورة ان جمعا من الأصحاب ذهبوا الى
القول بمضمون الخبر المذكور ومنهم الشهيد وكذلك الشهيد الثاني (عطر الله مرقديهما).
وأنت خبير بان
ما أورده في هذا المقام جار في العمل بمضمون هذا الخبر بل العمل بمضمون هذا الخبر
أشكل والأمر فيه أشد وأعضل ، فإن القطع والبناء في
__________________
صلاة الكسوف في الصورة المذكورة مستند الى الأخبار الصحيحة الصريحة السالمة
عن المعارض ، والعمل بهذا الخبر ـ مع استلزامه لتخلل الركعتين المشتملتين على عدة
من الأركان المتفق على إبطالها الصلاة عمدا وسهوا من النية وتكبيرة الإحرام
والركوع والسجود ـ معارض بالأخبار الكثيرة الدالة على ان الحكم في مثل ذلك انما هو
النقل الى الظهر بأن ينوي بالركعتين الأوليين الظهر ويتم الركعتين الباقيتين بهذه
النية ثم يصلى العصر ، ولم يعهد من الشارع اغتفار زيادة هذه الأركان المتعددة في
أثناء الصلاة الواحدة.
وبالجملة فإنه
لا مستمسك لما ذكره إلا مجرد الاستبعاد وهو مردود بهذه الرواية التي ذهب هو نفسه
الى القول بمضمونها ، ولا فرق بين الصورتين إلا ان الشارع حكم في تلك الصورة
بالإبطال ثم العود وفي هذه الصورة الإبطال أيضا متحقق في ما اتى به من الظهر
ركعتين إذ لا خلاف ولا إشكال في بطلانهما ، مع انه (عليهالسلام) جوز إتمامها بما بقي عليه من ركعتي العصر التي ذكر
النقصان في أثنائها ، فمرجع الصورتين إلى أمر واحد كما لا يخفى. والله العالم.
ومنها ـ ان ما
دلت عليه رواية كتاب الدعائم ـ من ان من وقف في صلاة الكسوف حتى دخل عليه وقت صلاة
فإنه يتم صلاة الكسوف أولا الى ان يضيق وقت الفريضة ـ وان وافق كلام جمهور الأصحاب
وصحيحة محمد بن مسلم وبريد المتقدمة إلا انه خلاف ظاهر باقي أخبار المسألة ،
والتأويل الذي ذكرناه في صحيحة محمد بن مسلم وبريد بعيد في هذه الرواية ، وكيف كان
فهي لا تبلغ قوة في معارضة ما ذكرناه من الأخبار مع ما عرفت آنفا من عدم صلوح
اخبار هذا الكتاب لتأسيس الأحكام وان صلحت للتأييد.
الموضع الثاني
ـ قال في المعتبر : لو اشتغل بالحاضرة مع ضيق وقتها فانجلى الكسوف ولم يحصل تفريط
فالأشبه انه لا قضاء لعدم استقرار الوجوب. انتهى أقول : الظاهر ان مراده انه لو
وقع تأخير الفريضة إلى آخر وقتها واتفق
الكسوف في ذلك الوقت وانجلى مدة اشتغاله بالفريضة ، فإن كان تأخير الفريضة
إلى آخر وقتها لم ينشأ من تفريط واعمال في تأخيرها بل كان ذلك لعذر شرعي من حيض أو
إغماء أو جنون أو نحو ذلك من الأعذار فلا قضاء لصلاة الكسوف لعدم استقرار الوجوب ،
وان كان عن تفريط فالأشبه القضاء لاستناد الفوات الى تفريطه بتأخير الفريضة إلى
آخر وقتها.
وفيه أنه يمكن
ان يقال ان التأخير الى ذلك الوقت كان مباحا له ثم تعين عليه بسبب التضيق ولزم من
ذلك الفوات ، فهو في هذه الحال غير متمكن من فعل الكسوف فلا يجب الأداء لعدم
التمكن ولا القضاء لعدم الاستقرار ، لأنه لم يمض عليه بعد وقوع الكسوف زمان يمكن
الأداء فيه ليحصل به استقرار الوجوب.
وتؤيده الأخبار
المتقدمة الدالة على انه بعد زوال السبب فلا قضاء مثل رواية الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن صلاة الكسوف تقضى إذا فأتتنا؟ قال ليس فيها قضاء». ونحوها
صحيحة البزنطي المنقولة في السرائر ورواية كتاب دعائم الإسلام المتقدم جميعه في
المقام الثالث من المسألة الخامسة من البحث الأول ونحوها صحيحة على بن جعفر المتقدمة في المقام الثاني .
إلا انه قد
تقدم حمل هذه الروايات على صورة الجهل بالكسوف وعدم استيعاب الاحتراق جمعا بينها
وبين ما دل على الأمر بالقضاء.
وكيف كان
فالقضاء هو الأحوط سيما مع ما قدمناه من حمل الأخبار على السببية دون التوقيت.
الثالث ـ قال
في الذكرى : لو جامعت صلاة العيد بان تجب بسبب الآيات المطلقة أو بالكسوفين نظرا
الى قدرة الله تعالى وان لم يكن معتادا ، على انه قد اشتهر ان الشمس كسفت يوم
عاشوراء لما قتل الحسين (عليهالسلام) كسفة بدت الكواكب نصف
__________________
النهار فيها ، رواه البيهقي وغيره وقد قدمنا ان الشمس كسفت يوم مات إبراهيم ابن النبي (صلىاللهعليهوآله) وروى الزبير بن بكار في كتاب الأنساب أنه توفي في
العاشر من شهر ربيع الأول وروى الأصحاب ان من علامات المهدى (عليهالسلام) كسوف الشمس في النصف الأول من شهر رمضان فحينئذ إذا اجتمع الكسوف والعيد فان كانت صلاة العيد
نافلة قدم الكسوف وان كانت فريضة فكما مر من التفصيل في الفرائض ، نعم تقدم على
خطبة العيدين ان قلنا باستحبابها كما هو المشهور. انتهى
الرابع ـ قال
في الذكرى ايضا : هل يشترط في وجوب صلاة الكسوف اتساع الوقت لجميعها أم يكفي ركعة
بسجدتيها أم يكفي مسمى الركوع لأنه يسمى ركعة لغة وشرعا في هذه الصلاة أم لا؟
احتمالات ، من تغليب السبب فلا يشترط شيء من ذلك فتكون كالزلزلة. إلا ان هذا
الاحتمال مرفوض بين الأصحاب ، ومن إجرائها مجرى اليومية فتعتبر الركعة ، ومن خروج
اليومية بالنص فلا يتعدى الى غيرها. انتهى أقول : لا يخفى ان الاحتمال الأخير وان
كان مرفوضا بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) إلا انه هو الظاهر من إطلاق أخبار
الباب كما تقدم نبذة من الكلام فيه في المسألة الثالثة من البحث الأول .
الخامس ـ قال
في الذكرى ايضا : لو اجتمعت آيتان فصاعدا في وقت واحد كالكسوف والزلزلة والريح
المظلمة فإن اتسع الوقت للجميع تخير في التقديم ، ويمكن وجوب تقديم الكسوف على
الآيات لشك بعض الأصحاب في وجوبها ،
__________________
وتقديم الزلزلة على الباقي لأن دليل وجوبها أقوى. ولو اتسع لصلاتين فصاعدا
وكانت الصلوات أكثر مما يتسع له احتمل قويا هنا تقديم الكسوف ثم الزلزلة ثم يتخير
في باقي الآيات ، ولا يقضى ما لا يتسع له إلا على احتمال عدم اشتراط سعة الوقت
للصلاة في الآيات. ولو وسع واحدة لا غير فالأقرب تقديم الكسوف للإجماع عليه ، وفي
وجوب صلاة الزلزلة هنا أداء وقضاء وجهان ، وعلى قول الأصحاب بأن اتساع الوقت ليس
بشرط يصليها من بعد قطعا. وكذا الكلام في باقي الآيات. انتهى.
فائدة بها التمام والختام
قال في من لا
يحضره الفقيه في العلل التي ذكرها الفضل بن شاذان النيسابوري عن الرضا (عليهالسلام) قال : «انما جعلت للكسوف صلاة لأنه من آيات الله تعالى
لا يدرى ألرحمة ظهرت أم لعذاب؟ فأحب النبي (صلىاللهعليهوآله) ان تفزع أمته إلى خالقها وراحمها عند ذلك ليصرف عنهم
شرها ويقيهم مكروهها كما صرف عن قوم يونس (عليهالسلام) حين تضرعوا الى الله عزوجل ، وانما جعلت عشر ركعات لأن أصل الصلاة التي نزل فرضها
من السماء أولا في اليوم والليلة انما هي عشر ركعات فجمعت تلك الركعات ههنا ،
وانما جعل فيها السجود لانه لا تكون صلاة فيها ركوع إلا وفيها سجود ولان يختموا
صلاتهم ايضا بالسجود والخضوع ، وانما جعلت أربع سجدات لان كل صلاة نقص سجودها من
اربع سجدات لا تكون صلاة ، لأن أقل الفرض من السجود في الصلاة لا يكون إلا أربع
سجدات ، وانما لم يجعل بدل الركوع سجود لأن الصلاة قائما أفضل من الصلاة قاعدا ،
ولأن القائم يرى الكسوف والأعلى والساجد لا يرى ، وانما غيرت عن أصل الصلاة التي
افترضها الله لأنها تصلى لعلة تغير أمر من الأمور وهو الكسوف فلما تغيرت العلة
تغير المعلول».
__________________
وروى ثقة
الإسلام في الكافي والصدوق في الفقيه والشيخ على بن إبراهيم في تفسيره بأسانيدهم عن على بن الحسين (عليهالسلام) قال : «ان من الأوقات التي قدرها الله للناس مما
يحتاجون اليه البحر الذي خلقه الله بين السماء والأرض ، قال وان الله قد قدر فيها
مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب وقدر ذلك كله على الفلك ثم وكل بالفلك ملكا
معه سبعون الف ملك فهم يديرون الفلك فإذا أداروه دارت الشمس والقمر والنجوم
والكواكب معه فنزلت في منازلها التي قدرها الله تعالى فيها ليومها وليلتها ، فإذا
كثرت ذنوب العباد وأراد الله ان يستعتبهم بآية من آياته أمر الملك الموكل بالفلك
أن يزيل الفلك الذي عليه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب فيأمر الملك أولئك
السبعين الف ملك أن يزيلوه عن مجاريه فيزيلونه فتصير الشمس في ذلك البحر الذي يجري
في الفلك ، قال فيطمس ضوؤها ويتغير لونها ، فإذا أراد الله أن يعظم الآية طمس
الشمس في البحر على ما يحب الله ان يخوف خلقه بالآية قال وذلك عند انكساف الشمس ،
قال وكذلك يفعل بالقمر ، قال فإذا أراد الله ان يجليها أو يردها الى مجراها أمر
الملك الموكل بالفلك ان يرد الفلك الى مجراه فيرد الفلك فترجع الشمس الى مجراها ،
قال فتخرج من الماء وهي كدرة ، قال والقمر مثل ذلك ، قال ثم قال على بن الحسين (عليهالسلام) اما انه لا يفزع لهما ولا يرهب بهاتين الآيتين إلا من
كان من شيعتنا ، فإذا كان كذلك فافزعوا الى الله تعالى ثم ارجعوا اليه».
ولصاحب الوافي
هنا كلام بعد ذكر هذا الخبر في كتاب الروضة يجرى على مذاقه ومذاق أمثاله من أراده
فليراجعه.
ولله در شيخنا
المجلسي (قدسسره) حيث أشار إليه معرضا عنه بقوله في كتاب البحار : وربما
يأول البحر بكل الأرض والقمر والأحوط في أمثاله ترك
__________________
الخوض فيها وعدم إنكارها ورد علمها إليهم (عليهمالسلام) كما ورد ذلك في اخبار كثيرة. انتهى.
وقال الصدوق في
الفقيه بعد نقل خبر على بن الحسين (عليهالسلام) : ان الذي يخبر به المنجمون من الكسوف فيتفق كما
يذكرونه ليس من هذا الكسوف في شيء وانما يجب الفزع الى المساجد والصلاة عند رؤيته
لأنه مثله في المنظر وشبيه له في المشاهدة كما ان الكسوف الواقع مما ذكره سيد
العابدين (عليهالسلام) انما وجب الفزع فيه الى المساجد والصلاة لأنه آية تشبه
آيات الساعة ، وكذلك الزلازل والرياح والظلم وهي آيات تشبه آيات الساعة فأمرنا
بتذكر القيامة عند مشاهدتها والرجوع الى الله تعالى ذكره. انتهى.
قال شيخنا
المجلسي في البحار بعد نقل ذلك عنه : وما ذكره متين إذا رئي وقوع الكسوفين غير
الوقت الذي يمكن وقوعهما عند المنجمين كالكسوف والخسوف في يوم شهادة الحسين (عليهالسلام) وليلته ، وما روى انه يقع عند ظهور القائم (عليهالسلام) من الكسوفين في غير أوانهما ويحتمل ايضا أن يتفق عند ما يخبره المنجمون ما ورد في
الخبر.
ونحوه قول
والده (طاب ثراه) في حاشيته على الفقيه حيث قال : يحتمل ان يكون غيره كما يقع في
بعض الأوقات على خلاف قول المنجمين وشاهدناه مرارا. ويحتمل أن يكون ما ذكره (عليهالسلام) هو ما ذكره المنجمون ، ولا استبعاد في أن يقدر الله
حركتهما بحيث تصير الشمس تجتمع مع القمر محاذاة والقمر مع الأرض ويحصل الكسوف
والخسوف ليخاف العباد ويرجعوا الى ربهم ويتذكروا بها آيات الساعة كما قال الله
تعالى «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا
النُّجُومُ انْكَدَرَتْ» انتهى.
أقول : ما ذكره
(قدسسره) من مشاهدة الكسوف والخسوف مرارا على خلاف قول المنجمين
لا يخلو من غرابة فإنه لم ينقل مثل ذلك إلا في مقام
__________________
المعاجز الغريبة كشهادة الحسين (عليهالسلام) وقيام القائم (عليهالسلام) ونحوهما كما وقع في كلام ابنه وتقدم في كلام الشهيد في
الذكرى. والله العالم.
وروى في الكافي
عن عبد الصمد بن بشير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال «ان الحوت الذي يحمل الأرض أسر في نفسه انه انما
يحمل الأرض بقوته فأرسل الله اليه حوتا أصغر من شبر وأكبر من فتر فدخل في خياشيمه فصعق فمكث بذلك أربعين يوما ثم ان الله
تعالى رؤف به ورحمه وخرج ، فإذا أراد الله تعالى بأرض زلزلة بعث ذلك الحوت الى ذلك
الحوت فإذا رآه اضطرب فتزلزلت الأرض».
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام) ان الله خلق الأرض فأمر الحوت فحملتها فقالت حملتها
بقوتي فبعث الله إليها حوتا قدر فتر فدخلت في منخرها فاضطربت أربعين صباحا ، فإذا
أراد الله تعالى ان يزلزل أرضا تراءت لها تلك الحوتة الصغيرة فتزلزلت الأرض خوفا».
وروى الصدوق في
الفقيه مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام) ان ذا القرنين لما انتهى الى السد جاوزه فدخل في
الظلمات فإذا بملك قائم على جبل طوله خمسمائة ذراع فقال له الملك يا ذا القرنين
أما كان خلفك مسلك؟ فقال له ذو القرنين من أنت؟ فقال أنا ملك من ملائكة الرحمن
موكل بهذا الجبل وليس من جبل خلقه الله تعالى إلا وله عرق متصل بهذا الجبل فإذا
أراد الله عزوجل ان يزلزل مدينة أوحى إلي فزلزلتها».
ورواه الشيخ في
التهذيب عن جميل عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته
__________________
عن الزلزلة قال أخبرني ابى عن آبائه (عليهمالسلام) قال قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله). الحديث».
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام) ان الله تبارك وتعالى أمر الحوت بحمل الأرض وكل بلد من
البلدان على فلس من فلوسه فإذا أراد الله تعالى ان يزلزل أرضا أمر الحوت ان يحرك
ذلك الفلس فيحركه ولو رفع الفلس لانقلبت الأرض بإذن الله تعالى».
وروى فيه قال : «وسأل سليمان الديلمي أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الزلزلة ما هي؟ فقال آية. فقال وما سببها؟ قال ان
الله تعالى وكل بعروق الأرض ملكا فإذا أراد الله أن يزلزل أرضا أوحى الى ذلك الملك
ان حرك عرق كذا وكذا قال فيحرك ذلك الملك عرق تلك الأرض التي أمر الله تعالى
فتتحرك بأهلها. قال قلت فإذا كان ذلك فما اصنع؟ قال صل صلاة الكسوف فإذا فرغت خررت
لله ساجدا وتقول في سجودك : يا من يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن
أمسكهما من أحد من بعده انه كان حليما غفورا يا من يمسك السماء ان تقع على الأرض
إلا بإذنه أمسك عنا السوء انك على شيء قدير».
قال في الفقيه بعد نقل هذه الأخبار : والزلزلة تكون من هذه الوجوه
الثلاثة وليست هذه الأخبار مختلفة.
وقال شيخنا
المجلسي في البحار بعد نقل جملة من هذه الأخبار : يمكن الجمع بين هذه الأخبار
باجتماع تلك العلل عند الزلزلة أو بأنها تكون على هذه الوجوه مرة لعلة ومرة أخرى
لأخرى كما ذكره في الفقيه. ويمكن أن يكون ترائي الحوت للزلزلة الشاملة لجميع الأرض
ورفع الفلس للزلزلة الشديدة الخاصة ببعض البلاد وتحريك العرق للخاصة الغير
الشديدة.
__________________
وقال والده (طاب
ثراه) في شرحه على الفقيه : اعلم ان الصدوق ذكر طرق هذه الأخبار وفيها جهالة
وإرسال ولما كانت مختلفة ظاهرا جمع بينها بأن الزلزلة تكون لهذه الأسباب حتى لا
تكون بينها منافاة. ويمكن الجمع بينها على تقدير صحتها بوجه آخر بان تكون عروق
البلدان بيد الملك الذي على جبل قاف المحيط بجميع الأرض ويكون كل بلد على فلس من
فلوس الحوت الحامل لها بقدرة الله تعالى وإذا أراد الله تعالى أن يزلزل أرضا أمر
الملك أن يحرك عرق تلك الأرض وأمر الحوتة الصغيرة إن تتراءى للحوت الكبير حتى يفزع
لها فيحرك الفلس الذي وقعت عليه الأرض التي أراد الله زلزلتها. انتهى.
وروى في الفقيه
عن على بن مهزيار قال : «كتبت الى ابى جعفر (عليهالسلام) وشكوت إليه كثرة الزلازل في الأهواز وقلت ترى لي
التحويل عنها؟ فكتب لا تتحولوا عنها وصوموا الأربعاء والخميس والجمعة واغتسلوا
وطهروا ثيابكم وابرزوا يوم الجمعة وادعوا الله تعالى فإنه يرفع عنكم. قال ففعلنا
فسكنت الزلازل».
الفصل الرابع
في صلاة
الأموات
والبحث في من
يصلى عليه ومن يصلى والكيفية والأحكام المتعلقة بالمقام ، وحينئذ فتحقيق الكلام في
هذا الفصل يتوقف على بسطه في مطالب أربعة :
المطلب الأول ـ
في من يصلى عليه وفيه مسائل (الأولى) لا خلاف في وجوب الصلاة على المؤمن وهو
المسلم المعتقد لامامة الأئمة الاثني عشر (عليهمالسلام) كما انه لا خلاف ولا إشكال في عدم الوجوب بل عدم
الجواز إلا للتقية على الخوارج والنواصب والغلاة والزيدية ونحوها ممن يعتقد خلاف
ما علم من الدين ضرورة.
__________________
وانما الخلاف
في غير ما ذكرنا من المخالفين الذين قد اشتهر بين متأخري أصحابنا الحكم بإسلامهم ،
فقال الشيخ في جملة من كتبه وابن الجنيد والمحقق وأكثر المتأخرين بالوجوب.
وقال الشيخ
المفيد (قدسسره) : ولا يجوز لأحد من أهل الايمان أن يغسل مخالفا للحق
في الولاية ولا يصلى عليه إلا ان تدعو ضرورة الى ذلك من جهة التقية.
وظاهر الشيخ في
التهذيب موافقته في ذلك حيث انه احتج له بان المخالف لأهل البيت كافر فيجب أن يكون
حكمه حكم الكفار إلا ما خرج بالدليل ، وإذا كان غسل الكافر لا يجوز فيجب أن يكون
غسل المخالف ايضا غير جائز. وأما الصلاة عليه فتكون على حد ما كان يصلى النبي (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (عليهمالسلام) على المنافقين.
والى هذا القول
ذهب أبو الصلاح وابن إدريس وسلار ، وهو الحق الظاهر بل الصريح من الأخبار
لاستفاضتها وتكاثرها بكفر المخالف ونصبه وشركه وحل ماله ودمه كما بسطنا عليه
الكلام بما لا يحوم حوله شبهة النقض والإبرام في كتاب الشهاب الثاقب في بيان معنى
الناصب وما يترتب عليه من المطالب.
والقول بالكفر
هو المشهور بين الأصحاب من علمائنا المتقدمين (رضوان الله عليهم أجمعين) كما نقله
الشيخ ابن نوبخت من متقدمي أصحابنا في كتابه فص الياقوت حيث قال : دافعوا النص
كفرة عند جمهور أصحابنا ، ومن أصحابنا من يحكم بفسقهم. الى آخره. وقال العلامة في
شرحه على الكتاب المذكور المسمى بأنوار الملكوت : اما دافعوا النص على أمير
المؤمنين (عليهالسلام) بالإمامة فقد ذهب أكثر أصحابنا إلى كفرهم لان النص
معلوم بالتواتر من دين محمد (صلىاللهعليهوآله) فيكون ضروريا أى معلوما من دينه (صلىاللهعليهوآله) بالضرورة فجاحده يكون كافرا كمن يجحد وجوب الصلاة وصوم
رمضان. ثم نقل الأقوال الأخر. وبذلك صرح في باب الزكاة من كتاب المنتهى وهو ظاهر
الكليني في الكافي والمرتضى واختاره جملة من أفاضل متأخري المتأخرين
ولا بأس بذكر
جملة من الأخبار الدالة على ما ادعيناه من الكفر والنصب والشرك وحل المال والدم
ليعلم ان ما ذهب إليه المتأخرون ـ من الحكم بإسلامهم حتى فرعوا عليه هنا وجوب
الصلاة عليهم ونحوه من أحكام الإسلام ـ نفخ في غير ضرام وغفلة عن النظر بعين
التحقيق في أخبارهم (عليهمالسلام).
فمن ذلك ما
رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر في ما استطرفه من كتاب مسائل الرجال ومكاتباتهم لمولانا
ابى الحسن الهادي (عليهالسلام) في جملة مسائل محمد ابن على بن عيسى قال : «كتبت إليه
أسأله عن الناصب هل أحتاج في امتحانه الى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاده
بإمامتهما؟ فرجع الجواب : من كان على هذا فهو ناصب».
ومعنى الخبر هو
انه لما استفاضت الأخبار عنهم (عليهمالسلام) بكفر الناصب وشركه ونجاسته وحل ماله ودمه كتب إليه
يسأله عن معنى الناصب ومظهر النصب بما يعرف حتى تترتب عليه الأحكام المذكورة وانه
هل يحتاج إلى شيء زائد على مجرد تقديم الجبت والطاغوت واعتقاده إمامتهما؟ فرجع
الجواب ان مظهر النصب والعداوة لأهل البيت (عليهمالسلام) هو مجرد التقديم والقول بإمامة الأولين. وهو ظاهر
الدلالة في الرد على ما اشتهر بين متأخري أصحابنا من جعلهم الناصب أخص من المخالف.
نعم يجب أن يستثني من عموم هذا الخبر المستضعف الذي دلت الأخبار على إسلامه ووجوب
إجراء أحكام الإسلام عليه في دار الدنيا وانه في الآخرة من المرجأين لأمر الله
تعالى.
ومنها ـ ما
رواه الصدوق في كتاب العلل بسنده عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليهالسلام) قال : «ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت (عليهمالسلام) لأنك لا تجد رجلا يقول انا أبغض محمدا وآل محمد (صلىاللهعليهوآله) ولكن الناصب من نصب لكم
__________________
وهو يعلم انكم تتولونا وانكم من شيعتنا».
ومنها ـ ما
رواه في كتاب معاني الأخبار بسند معتبر عن المعلى بن خنيس قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت (عليهمالسلام) لأنك لا تجد أحدا يقول أنا أبغض محمدا وآل محمد (صلىاللهعليهوآله) ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم انكم تتولونا
وتتبرؤون من أعدائنا».
وحاصل معنى
الخبرين انه لا ينحصر الناصب في من أظهر بغضنا بلسانه وجاهر بعداوتنا لأنه لو كان
كذلك لم يوجد ناصب بالكلية لأنك لا تجد أحدا يتظاهر بعداوتنا ويعلن ببغضنا وانما
الناصب لنا والعدو هو من أبغضكم وهو يعلم انكم من شيعتنا تتولونا وتتبرؤون من
أعدائنا ، وعلى هذا فالنصب والعداوة للشيعة من حيث التشيع مظهر للنصب لهم (عليهمالسلام).
ويدل على ذلك
بأوضح دلالة ما رواه الصدوق في كتاب الأمالي عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) قال : «من سره أن يعلم أمحب لنا أم مبغض فليمتحن قلبه
فان كان يحب وليا لنا فليس بمبغض لنا وان كان يبغض وليا لنا فليس بمحب لنا. الحديث».
ونحوه أخبار عديدة.
ومن هذه
الأخبار يعلم ان مظهر النصب والعداوة لهم (عليهمالسلام) منحصر في أمرين : تقديم الجبت والطاغوت وإظهار العداوة
للشيعة.
وقد وافقنا في
هذا المقام من متأخري علمائنا الأعلام شيخنا الشهيد الثاني في الروض في باب السؤر
حيث قال ـ بعد قول المصنف وسؤر الكافر والناصب ـ ما هذا لفظه : والناصب من نصب
العداوة لأهل البيت (عليهمالسلام) أو لأحدهم وأظهر البغضاء لهم صريحا أو لزوما ككراهة
ذكرهم ونشر فضائلهم والاعراض عن مناقبهم من حيث انها مناقبهم والعداوة لمحبيهم من
حيث محبتهم ، وروى الصدوق ابن بابويه عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليهالسلام) ثم ساق الخبر الأول ثم قال وفي بعض الأخبار
__________________
ان كل من قدم الجبت والطاغوت فهو ناصب. واختاره بعض الأصحاب إذ لا عداوة
أكثر ممن قدم المنحط عن مراتب الكمال وفضل المنخرط في سلك الأغبياء والجهال على من
تسنم أوج الجلال حتى شك في انه الله المتعال. انتهى كلامه (زيد مقامه) وهو الحق
الذي لا تعتريه شبهة ولا اشكال وان خالفه في مواضع من كلامه في أمثال هذا المجال.
ومنها ـ ما
رواه في الكافي عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال «ان الله تعالى نصب عليا (عليهالسلام) علما بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان
كافرا ومن جهله كان ضالا». وبهذا المضمون أخبار عديدة في الكتاب المذكور وغيره.
ونحوه ما رواه
في الكافي أيضا عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «أهل الشام شر من أهل الروم وأهل المدينة شر من
أهل مكة وأهل مكة يكفرون بالله جهرة».
وعنه (عليهالسلام) «ان أهل مكة ليكفرون بالله جهرة وان أهل المدينة أخبث من أهل مكة أخبث منهم
سبعين ضعفا».
وعن ابى مسروق قال : «سألني أبو عبد الله (عليهالسلام) عن أهل البصرة فقلت مرجئة وقدرية وحرورية. فقال لعن
الله تلك الملل الكافرة المشركة التي لا تعبد الله على شيء». الى غير ذلك من
الأخبار.
وقد ساعدتها
على ذلك جملة من الآيات القرآنية وما ورد في تفسيرها عن الأئمة المعصومين (عليهمالسلام) بتفسير الكفر فيها بإنكار ولاية على (عليهالسلام) رواها في الكافي .
ومنها ـ ما
رواه الصدوق في كتاب العلل في الموثق عن عبد الله بن ابى يعفور عن ابى عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال فيه بعد ان ذكر اليهودي والنصراني
__________________
والمجوسي قال : «والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم ان الله لم يخلق خلقا أنجس
من الكلب وان الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه». وفي معناه أخبار عديدة تقدمت في
باب النجاسات من كتاب الطهارة .
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس».
وما رواه عن
إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «ولولا انا نخاف عليكم ان يقتل رجل منكم
برجل منهم ـ ورجل منكم خير من الف رجل منهم ومائة ألف منهم ـ لأمرناكم بالقتل لهم
ولكن ذلك الى الامام».
وروى الكليني
والشيخ في الصحيح عن بريد بن معاوية العجلي قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن مؤمن قتل ناصبا معروفا بالنصب على دينه غضبا لله
ورسوله (صلىاللهعليهوآله) أيقتل به؟ قال أما هؤلاء فيقتلونه به ولو رفع الى امام
عادل ظاهر لم يقتله. قلت فيطل دمه؟ قال لا ولكن ان كان له ورثة فعلى الامام أن
يعطيهم الدية من بيت المال لأن قاتله انما قتله غضبا لله ولإمام المسلمين».
وفي معناه غيره
ومن أراد استقصاء الوقوف على جملة هذه الأخبار وما يتعلق بها من البحث والنقض
والإبرام فليرجع الى كتابنا الشهاب الثاقب المتقدم ذكره فإنه شاف واف بالمراد عار
عن تطرق وصمة النقض والإيراد. والله الهادي إلى الرشاد.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان من أوجب الصلاة على هؤلاء بناء على الحكم بإسلامهم احتج على ذلك بما رواه
الشيخ عن طلحة بن زيد عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهماالسلام) قال : «صل على من مات من أهل القبلة وحسابه على الله».
__________________
وما رواه الشيخ
عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهمالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) صلوا على المرجوم من أمتي وعلى القاتل نفسه من أمتي لا
تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة».
والجواب عن ذلك
ـ مع الإغماض عن ضعفهما وعدم قيامهما بالمعارضة لا يسر يسير مما قدمناه من الأخبار
مما ذكرناه وما لم نذكره ـ ان هذا المستدل لا يقول بهما على إطلاقهما لشمولهما
للفرق التي قدمنا سابقا الاتفاق على كفرها فلا بد من تخصيصهما بغيرهم ، وليس
تخصيصهما بما ذكروه من الأدلة الدالة على كفر تلك الفرق أولى من تخصيصهما بما
قدمنا ذكر بعضه من الأخبار الدالة على نصب المخالف وكفره وشركه ونحو ذلك ، واحتمال
الخروج مخرج التقية فيهما ظاهر لا ينكر إلا ممن صد عن قبول الحق في ما ذكرناه من
الاخبار واستكبر.
قال في المدارك
في هذا المقام ـ بعد نقل القول المشهور والاستدلال له بالروايتين المذكورتين ثم
نقل قول الشيخ المفيد ومن تبعه ـ ما لفظه : وهو غير بعيد لأن الإجماع إنما انعقد
على وجوب الصلاة على المؤمن ، والروايات التي استدل بها على العموم لا تخلو من ضعف
في سند أو قصور في دلالة ، والواجب التمسك بمقتضى الأصل الى ان يقوم على الوجوب
دليل يعتد به. انتهى.
أقول : قد سبق
له نظير هذا الكلام المنحل الزمام في مسألة غسل الميت من كتاب الطهارة حيث قال بعد
نقل كلام الشيخ المفيد المنقول هنا : والمسألة قوية الإشكال وان كان الأظهر عدم
وجوب تغسيل غير المؤمن. انتهى.
وفيه (أولا) ان
مقتضى الحكم بإسلامهم كما هو مذهبه في المسألة تبعا لجده والمحقق قبله وأمثالهم هو
ترتب أحكام الإسلام وإجراؤها عليهم مما يتعلق بالحياة والممات ، فكما يجوز الحكم
بمناكحتهم وموارثتهم وطهارتهم وحقن دمائهم وأموالهم بل عدالتهم كما عرفت مما تقدم
في مسألة العدالة من باب صلاة الجمعة المترتب جميع ذلك على الإسلام ، فكذا يجب
الحكم بغسلهم والصلاة عليهم فان جميع ذلك من
__________________
توابع الإسلام وأحكامه المترتبة عليه ، وتوقفه هنا على الدليل بخصوص هذين
الحكمين لا معنى له ، لان تلك الأحكام التي أجروها عليهم في حال الحياة إنما
أجروها تبعا للإسلام وتفريعا عليه لا لخصوص أدلة دلت عليها بالنسبة إلى المخالف
وان زعموا ورود ذلك في بعض هذه الأشياء المعدودة ، والذي دلت عليه هذه الأدلة الواردة
عنهم (عليهمالسلام) انما هو خلاف ما يدعونه من تلك الأحكام.
و (ثانيا) ـ ان
الأصحاب في هذه المسألة على قولين (أحدهما) القول بالكفر وعدم جواز تغسيلهم
والصلاة عليهم ، و (ثانيهما) القول بالإسلام ووجوب الحكمين المذكورين ، والقول
بالإسلام وعدم جواز الحكمين المذكورين خرق للإجماع المركب ، وقد عرفت انه في غير
موضع من كتابه يراعى الإجماع ويتشبث به وان خالف نفسه في مواضع أخر. وظاهر قوله
هنا ـ ان الإجماع إنما انعقد على وجوب الصلاة على المؤمن ـ هو الاعتماد على
الإجماع فكيف يخرج عنه بإحداث القول بإسلامهم بل عدالتهم مع عدم جواز تغسيلهم
والصلاة عليهم؟
وبالجملة
فالبناء لما كان على غير أساس تطرق اليه الانتقاض والانطماس فان كفرهم من
المشهورات في أخبارهم (عليهمالسلام) بل وربما يدعى انه من ضروريات مذهبهم كما لا يخفى على
من اطلع على ما أوردناه في كتابنا المشار اليه آنفا من الأخبار وجاس خلال الديار.
والله الهادي لمن يشاء.
بقي الكلام في
ما دل عليه خبر السكوني من حيث تضمنه الصلاة على القاتل نفسه مع ما ورد في جملة
من الأخبار انه من أهل النار ويمكن أن يقال انه بقتل نفسه لا يخرج عن الإسلام بل
غايته أن يكون من أهل الكبائر المستحقين للنار ايضا ، وقد دل صحيح هشام بن سالم
المروي في الفقيه على ان شارب
__________________
الخمر والزاني والسارق يصلى عليهم إذا ماتوا. وبالجملة من حيث عدم الخروج
عن الإيمان تدركهم الشفاعة ويكونون بذلك من أهل الجنة كما دل عليه قوله (صلىاللهعليهوآله) «إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي». هذا مع عدم حصول التوبة وإلا فيسقط
البحث. والله العالم.
المسألة
الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الحد الذي يجب فيه الصلاة على
الطفل ، فالأشهر الأظهر هو بلوغ ست سنين ، ذهب اليه الشيخ وابن البراج وابن حمزة
وابن زهرة وسلار والمتأخرون ونقل المرتضى فيه الإجماع وكذا العلامة في المنتهى ،
وقال الشيخ المفيد في المقنعة لا يصلى على الصبي حتى يعقل الصلاة. ونحوه قال
الجعفي والصدوق في المقنع ، والظاهر ان هذا القول يرجع الى الأول. وقال ابن الجنيد
تجب على المستهل يعنى من رفع صوته بالبكاء. وقال ابن ابى عقيل لا تجب الصلاة على
الصبي حتى يبلغ.
ويدل على القول
الأول وهو المختار ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن زرارة قال : «مات ابن لأبي جعفر (عليهالسلام) فأخبر بموته فأمر به فغسل وكفن ومشى معه وصلى عليه
وطرحت خمرة فقام عليها ثم قام على قبره حتى فرغ منه ثم انصرف وانصرفت معه حتى انى
لأمشي معه فقال اما انه لم يكن يصلى على مثل هذا ـ وكان ابن ثلاث سنين ـ كان على (عليهالسلام) يأمر به فيدفن ولا يصلى عليه ولكن الناس صنعوا شيئا فنحن نصنع مثله. قال قلت فمتى تجب عليه الصلاة؟ فقال
__________________
إذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين. الحديث».
وما رواه
الصدوق في الصحيح عن عبيد الله الحلبي وثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن الحلبي
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «انه سئل عن الصلاة على الصبي متى يصلى عليه؟ فقال إذا عقل الصلاة. قلت متى
تجب الصلاة عليه؟ قال إذا كان ابن ست سنين والصيام إذا أطاقه».
قلت : والمراد
بالوجوب هنا ليس المعنى الشرعي بل مجرد الثبوت فإن صلاة الصبي مستحبة تمرينا ،
والمعنى انه متى يعقل الصلاة بحيث يؤمر بها تمرينا؟ فقال إذا كان ابن ست سنين.
والذي يكشف عن
هذا المعنى ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهماالسلام) «في الصبي متى يصلى عليه؟ قال إذا عقل الصلاة. قلت متى يعقل الصلاة وتجب
عليه؟ قال لست سنين».
أقول : ومن هذه
الروايات علم صحة ما حملنا عليه كلام الشيخ المفيد من رجوعه الى القول المشهور
خلافا لمن زعم المغايرة فعده في مقابلة القول المشهور وعده قولا برأسه.
وروى الصدوق في
الفقيه مرسلا قال : «صلى أبو جعفر (عليهالسلام) على ابن له له صبي صغير له ثلاث سنين ثم قال لولا ان
الناس يقولون ان بنى هاشم لا يصلون على
__________________
الصغار من أولادهم ما صليت عليه». قال : «وسئل (عليهالسلام) متى تجب الصلاة عليه؟ قال إذا عقل الصلاة وكان ابن ست
سنين».
وروى الشيخ في
التهذيب في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن الصبي أيصلى عليه إذا مات وهو ابن خمس
سنين؟ قال إذا عقل الصلاة صلى عليه».
أقول : قد عرفت
من الأخبار السابقة ما يكشف إجمال هذا الخبر فإنها قد فسرت من يعقل الصلاة بأنه من
كان ابن ست سنين.
وقال الرضا في
كتاب الفقه «واعلم ان الطفل لا يصلى عليه حتى يعقل الصلاة».
ويدل على ما
ذهب اليه ابن الجنيد ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله
(عليهالسلام) قال : «لا يصلى على المنفوس وهو المولود الذي لم يستهل
ولم يصح ولم يورث من الدية ولا من غيرها ، وإذا استهل فصل عليه وورثه».
وعن على بن
يقطين في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) لكم يصلى على الصبي إذا بلغ من السنين والشهور؟ قال
يصلى عليه على كل حال إلا ان يسقط لغير تمام».
وعن احمد بن
محمد عن رجل عن ابى الحسن الماضي (عليهالسلام) قال : قلت لكم يصلى على الصبي؟. الحديث. مثله.
وعن السكوني عن
جعفر عن آبائه (عليهمالسلام) قال : «يورث للصبي ويصلى عليه إذا سقط من بطن امه
فاستهل صارخا وإذا لم يستهل صارخا لم يورث ولم يصل عليه».
__________________
وأجاب الشيخ
ومن تبعه من الأصحاب عن هذه الأخبار بالحمل على الاستحباب أو التقية .
وفي الأول ما
عرفت في غير مقام ، مع انه لا وجه للحمل على ذلك بعد قول الباقر (عليهالسلام) في صحيحة زرارة السابقة صدر الأخبار «اما انه لم يكن
يصلى على مثل هذا وان عليا (عليهالسلام) كان يأمر به فيدفن ولا يصلى عليه».
ويدل على ذلك
ايضا ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن زرارة قال : «رأيت ابنا لأبي عبد الله (عليهالسلام) في حياة أبي جعفر (عليهالسلام) يقال له عبد الله فطيم قد درج فقلت له يا غلام من ذا
الذي إلى جنبك؟ لمولى لهم فقال هذا مولاي فقال له المولى يمازحه لست لك بمولى.
فقال ذلك شر لك. فطعن في جنان الغلام فمات فاخرج في سفط الى البقيع ، فخرج أبو جعفر (عليهالسلام) وعليه جبة خز صفراء وعمامة خز صفراء ومطرف خز اصفر
فانطلق يمشي إلى البقيع وهو معتمد على والناس يعزونه على ابن ابنه فلما انتهى الى
البقيع تقدم أبو جعفر (عليهالسلام) فصلى عليه وكبر عليه أربعا ثم أمر به فدفن ، ثم أخذ
بيدي فتنحى بي ثم قال انه لم يكن يصلى على الأطفال انما كان أمير المؤمنين (عليهالسلام) يأمر بهم فيدفنون من وراء ولا يصلى عليهم وانما صليت
عليه من أجل أهل المدينة كراهية أن يقولوا لا يصلون على أطفالهم» .
والعجب انه مع
صراحة الخبرين في التقية وعدم مجال للحمل على هذا الاستحباب
__________________
يحتملونه هنا جريا على قاعدتهم في جميع الأبواب وحرصا عليه مع ما عرفت انه
لا دليل عليه من سنة ولا كتاب.
ويزيد ذلك
تأكيدا ما رواه في الكافي عن على بن عبد الله قال : «سمعت أبا الحسن موسى (عليهالسلام) يقول لما قبض إبراهيم ابن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) جرت فيه ثلاث سنن ، أما واحدة فإنه لما مات انكسفت
الشمس فقال الناس انكسفت الشمس لفقد ابن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فصعد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال يا ايها الناس ان
الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان بأمره مطيعان لا ينكسفان لموت أحد ولا
لحياته فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلوا ثم نزل عن المنبر فصلى بالناس صلاة
الكسوف فلما سلم قال يا على قم فجهز ابني فقام على (عليهالسلام) فغسل إبراهيم وحنطه وكفنه ثم خرج به ومضى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حتى انتهى به الى قبره فقال الناس ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) نسي أن يصلى على إبراهيم لما دخله من الجزع عليه
فانتصب قائما ثم قال يا ايها الناس أتاني جبرئيل بما قلتم زعمتم انى نسيت أن أصلي
على ابني لما دخلني من الجزع ألا وانه ليس كما ظننتم ولكن اللطيف الخبير فرض عليكم
خمس صلوات وجعل لموتاكم من كل صلاة تكبيرة وأمرني أن لا أصلي إلا على من صلى.
الحديث».
قال في المدارك
ـ بعد إيراد أخبار ابن الجنيد وصحيحة زرارة الواردة في موت ابن ابى جعفر (عليهالسلام) ورواية موت إبراهيم ـ والمسألة محل إشكال إلا ان
المقام مقام استحباب والأمر فيه هين.
أقول : قد عرفت
انه لا إشكال بحمد الملك المتعال بعد ما عرفت من حمل اخبار ابن الجنيد على التقية
ووضوح صحيحتي زرارة في ذلك ، وقد عرفت ان من القواعد المأثورة التي استفاضت بها
الأخبار عرض الأخبار في مقام الاختلاف على مذهب العامة والأخذ بخلافه ، وحينئذ فأي
اشكال يبقى في هذا المجال؟ والظاهر ان منشأ هذا الإشكال عنده انما هو من حيث صحة
مستند ابن الجنيد في ما ذهب اليه
__________________
وهو بناء على شدة تمسكه بهذا الاصطلاح المحدث يحوم حول الأسانيد ويدور
مدارها صحة وضعفا ولا ينظر الى متن الخبر ومخالفته القواعد الشرعية والسنة
المحمدية أم لا؟ وأما قوله ـ إلا ان المقام مقام استحباب والأمر فيه هين ـ فإنه
ليس في محله لان الاستحباب انما صاروا اليه جمعا بين الأخبار بزعمهم وإلا فمذهب
ابن الجنيد انما هو القول بالوجوب واخباره ظاهرة في الوجوب وهي صحيحة صريحة فكيف
يكون المقام مقام استحباب والأمر فيه هين؟ على انه لا منافاة بين صحة الخبر عنهم (عليهمالسلام) وخروجه مخرج التقية حتى يحصل الإشكال عنده ، فإنهم
إنما وضعوا هذا الاصطلاح للتحرز من العمل بالأخبار المكذوبة بزعمهم ، ومتى ثبت كون
سندها صحيحا علم انها صدق ، وحينئذ فصحة الأخبار انما تنافي كونها مكذوبة لا كونها
خرجت مخرج التقية. وبالجملة فكلامه (قدسسره) هنا لا اعرف له وجه استقامة.
والذي يدل على
ما ذهب اليه ابن ابى عقيل على ما نقل عنه ان الصلاة استغفار للميت ودعاء له ومن لم
يبلغ لا حاجة له الى ذلك.
وما رواه عمار
في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «انه سئل عن المولود ما لم يجر عليه القلم هل يصلى عليه؟ قال لا إنما
الصلاة على الرجل والمرأة إذا جرى عليهما القلم».
قال في المدارك
: وأجيب عن الأول بالمنع من كون الصلاة لأجل الدعاء للميت أو لحاجته إلى الشفاعة
لوجوبها على النبي (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (عليهمالسلام) ونحن محتاجون الى شفاعتهم. وعن الرواية بالطعن في
السند باشتماله على جماعة من الفطحية ولا تنهض حجة في معارضة الأخبار الصحيحة ،
قال في الذكرى : ويمكن أن يراد بجري القلم مطلق الخطاب الشرعي والتمرين خطاب شرعي.
انتهى.
أقول : ومما
يدل على هذا القول زيادة على الموثقة المذكورة ما رواه في
__________________
الكافي عن هشام قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) ان الناس يكلمونا ويردون علينا قولنا انه لا يصلى على
الطفل لأنه لم يصل ، فيقولون لا يصلى إلا على من صلى؟ فنقول نعم. فيقولون أرأيتم
لو أن رجلا نصرانيا أو يهوديا أسلم ثم مات من ساعته فما الجواب فيه؟ فقال قولوا
لهم أرأيتم لو أن هذا الذي أسلم الساعة افترى على انسان ما كان يجب عليه في فريته؟
فإنهم سيقولون يجب عليه الحد فإذا قالوا هذا قيل لهم فلو ان هذا الصبي الذي لم يصل
افترى على انسان هل كان يجب عليه الحد؟ فإنهم سيقولون لا فيقال لهم صدقتم انما يجب
أن يصلى على من وجبت عليه الصلاة والحدود ولا يصلى على من لم تجب عليه الصلاة ولا
الحدود». وظاهر الخبر المذكور شهرة الحكم بما تضمنه يومئذ حتى عند المخالفين حيث
أن ظاهره انهم كانوا يطعنون على الشيعة بذلك.
وجمع المحدث
الكاشاني في الوافي بين هذين الخبرين وبين اخبار القول المشهور بحمل تلك الأخبار
على الاستحباب ، قال في الكتاب المذكور بعد ذكر هذا الخبر : لا منافاة بين هذا
الخبر والذي قبله لأن الأول محمول على جواز الصلاة واستحبابها على من عقلها
والثاني على من حتمها ووجوبها على من أدرك ، فمتى تستحب الصلاة للصبي تستحب عليه
ومتى تجب تجب عليه ومتى لا يعقلها لا تجب عليه ولا تستحب. انتهى.
ولا يخفى بعده
إلا ان الظاهر انه لا مندوحة عنه في هذا المقام حيث ان هذين الخبرين كالصريحين في
التخصيص بالبلوغ.
وأما حمل موثقة
عمار على بلوغ ست سنين ـ وان المراد بجري القلم يعنى جريه بالتكليف التمريني كما
نقله في المدارك عن الذكرى وعليه جمد في المختلف وتبعهما صاحب الوسائل ـ فظني بعده
بل عدم صحته ، لانه (عليهالسلام) عبر بالحصر في الرجل والمرأة وانه لا يصلى عليهما إلا
إذا جرى عليهما القلم ، ولا يخفى ان المفهوم من تتبع الأخبار وعليه يساعد العرف ان
الرجل والمرأة لا يطلقان إلا على البالغ ، وعلى
__________________
هذا فقوله «إذا جرى عليهما القلم» بعد ذكر الرجل والمرأة إما احترازا عن
المجنون بعد البلوغ حيث انه مرفوع عنه القلم أو يكون في مقام البدل من الرجل
والمرأة.
وبالجملة فإن
من يعمل على هذا الاصطلاح المحدث فلا ريب ولا اشكال عنده في ترجيح القول المشهور
واما من لا يعمل عليه فالحكم لا يخلو عنده من الاشكال والاحتياط فيه مطلوب على كل
حال.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه قد روى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الله ابن بكير عن قدامة بن
زائد قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) صلى على ابنه إبراهيم فكبر عليه خمسا».
ولا يخفى ما
فيه من المدافعة للأخبار المتقدمة الدالة على القول المشهور ولا سيما رواية على بن
عبد الله الواردة في موت إبراهيم صريحة في انه (صلىاللهعليهوآله) لم يصل عليه.
وحمل هذه
الرواية على التقية كما حملنا عليها روايات ابن الجنيد غير ممكن هنا لعدم جواز
التقية في حقه (صلىاللهعليهوآله) مع منافاة التكبير خمسا لذلك ، والحمل على التقية في
النقل وان أمكن لكن ذكر التكبير خمسا في الخبر ينافر ذلك.
واما ما ذكره
في الوسائل من الاحتمالات في الجمع بين الخبرين المذكورين ـ من انه يحتمل في الخبر
الأول نفى الوجوب ويحتمل النسخ وانه (صلىاللهعليهوآله) صلى بعد قولهم أو لعله صلى عليه غيره بأمره ولم يصل
عليه هو فيصدق النفي حقيقة والإثبات مجازا عقليا ـ فلا يخفى ما فيه لان الخبرين
تصادما في وقوع الصلاة وعدمها لا في الأمر حتى يحتمل نفى الوجوب والنسخ.
وبالجملة فوجه
الجمع عندي غير ظاهر والأول منهما هو المعتضد بالأخبار الكثيرة مضافا الى اتفاق
جمهور الأصحاب على القول بها ، وانما يبقى الإشكال في هذا الخبر الأخير وهو مردود
إلى قائله وهو أعلم بما قال. والله العالم.
(المسألة
الثالثة) ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو
__________________
وجد بعض الميت فان كان فيه الصدر أو وجد الصدر وحده غسل وكفن وصلى عليه
ودفن ، ذكره الشيخ وجملة من الأصحاب بل صرح العلامة في جملة من كتبه بان صدر الميت
كالميت في جميع أحكامه وأطلق.
والأخبار في
هذه المسألة مع كثرتها لا تخلو من التنافر والاضطراب : ومنها ما رواه الشيخ
والصدوق عن الفضل بن عثمان الأعور عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل يقتل فيوجد رأسه في قبيلة ووسطه وصدره ويداه في قبيلة والباقي
منه في قبيلة؟ فقال ديته على من وجد في قبيلته صدره ويداه والصلاة عليه».
قوله «ووسطه
الى قوله في قبيلة» ليس في التهذيب والظاهر انه سقط سهوا من قلمه كما لا يخفى على
من له أدنى انس بطريقته في الكتاب المذكور.
وبهذا الخبر
والخبر الآتي بنقل المحقق في المعتبر عن جامع البزنطي استدل العلامة على ما ذكره
من أن صدر الميت كالميت في جميع أحكامه ، مع انهما لم يشتملا على أزيد من الصلاة
فلا دلالة فيهما على وجوب الغسل والتكفين ، إلا ان يدعى استلزام الصلاة لوجوب
الغسل والتكفين. قال في المدارك : وهو ممنوع.
ومنها ـ ما
رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) «انه سأله عن الرجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به؟
قال يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن». وزاد في الكافي والتهذيب «وإذا كان الميت نصفين صلى على النصف الذي فيه القلب». ومثلها مع الزيادة
رواية القلانسي عن ابى جعفر (عليهالسلام) مثله .
وظاهر هذين
الخبرين بالنسبة إلى مجموع العظام هو المساواة للميت إلا في الحنوط وهو ظاهر لفوات
محله ، واما بالنسبة إلى النصف الذي فيه القلب على رواية الشيخين المذكورين وكذا
رواية القلانسي ان الصدر ليس كالميت في ما يدعونه من جميع الأحكام ، لأنهما (عليهماالسلام) أوجبا في العظام الخالية من اللحم ـ حيث
__________________
انها مجموع بدن الميت كما تفيده اضافة الجمع ـ الأحكام الأربعة المذكورة.
واما الصدر فلم يتعرض فيه إلا الى الصلاة ، والدفن وان لم يذكر إلا انه معلوم من
الأخبار الأخر.
ومنها ـ حسنة
محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا قتل قتيل فلم يوجد إلا لحم بلا عظم لم يصل
عليه وان وجد عظم بلا لحم صلى عليه». وظاهرها انه يصلى على العظم مجردا مطلقا ولا
قائل به ومن أجل ذلك حملت على الاستحباب
والأظهر عندي
هو حمل هذه الرواية على سابقتها بمعنى انه ان وجد من هذا القتيل بعد قتله جميع
لحمه إلا انه لا عظم فيه فإنه لا يصلى عليه ، وان وجدت عظامه كملا خالية من اللحم
صلى عليها ، وبه تنطبق على الرواية المتقدمة ، ولا استبعاد في ذلك إلا من حيث
إطلاق العظم على المجموع ومثله في باب التجوز الواسع كثير.
ومنها ـ رواية
عبد الله بن الحسين عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا وسط الرجل نصفين صلى على الذي فيه القلب». هكذا
في رواية الكليني.
وفي الفقيه عن الصادق (عليهالسلام) قال : «إذا وسط الرجل بنصفين صلى على النصف الذي فيه
القلب وان لم يوجد منه إلا الرأس لم يصل عليه». وهذه الزيادة قد رواها في الكافي
مرسلا بعد نقل حسنة محمد بن مسلم فقال : «وروى انه لا يصلى على الرأس إذا أفرد
من الجسد».
وهذه الرواية
مثل روايتي الفضل الأعور وعلى بن جعفر المتقدمتين في الدلالة على وجوب الصلاة على
الصدر أو ما فيه الصدر من غير تعرض فيه لغير الصلاة.
ومنها ـ رواية
محمد بن خالد عن من ذكره عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا
__________________
وجد الرجل قتيلا فان وجد له عضو تام صلى عليه ودفن وان لم يوجد له عضو تام
لم يصل عليه ودفن». وهذه الرواية نقلها في الكافي مسنده كما ذكرنا ، وروى في
الفقيه مرسلا عن الصادق (عليهالسلام) مثله .
وهذه الرواية
بالنظر الى ظاهرها لم يقل بها أحد إلا الصدوق بناء على قاعدته المذكورة في صدر
كتابه. وربما حمل العضو هنا على ما فيه القلب ، وبعده ظاهر وبعض القائلين بالقول
المشهور اطرح هذا الخبر وبعض حمله على الاستحباب وهو الأحوط.
ومنها ـ رواية
إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهماالسلام) «ان عليا (عليهالسلام) وجد قطعا من ميت فجمعت ثم صلى عليها ثم دفنت». ورواها
الصدوق والشيخ ، ويمكن تقييد إطلاقها بوجود العضو الذي فيه القلب في جملة تلك
القطع.
ومنها ـ ما
رواه في الفقيه مرسلا عن الصادق (عليهالسلام) «انه سئل عن رجل قتل ووجد أعضاؤه متفرقة كيف يصلى عليه؟ قال يصلى على الذي
فيه قلبه».
ويمكن
الاستدلال بهذا الخبر للقول المشهور من وجوب الصلاة على الصدر لانه محل القلب
فيكون هو العضو الذي فيه القلب ، ومنه يظهر التأييد لما احتملناه في سابق هذا
الخبر.
ومنها ـ رواية
طلحة بن زيد عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا تصل على عضو رجل من رجل أو يد أو رأس منفردا
فإذا كان البدن فصل عليه وان كان ناقصا من الرأس واليد والرجل».
ووجوب الصلاة
على البدن وان لم تكن معه هذه الأعضاء ظاهر بعد ما عرفت من تصريح الأخبار بوجوب
الصلاة على ما فيه القلب. واما النهي عن الصلاة على
__________________
تلك الأعضاء منفردة فهو المعروف بين الأصحاب إلا انه ينافيه ما تقدم من
رواية محمد بن خالد وما يأتي من رواية ابن المغيرة .
ومنها ـ ما
رواه المحقق في المعتبر نقلا من جامع البزنطي عن احمد بن محمد بن عيسى عن بعض
أصحابه رفعه قال : «المقتول إذا قطع أعضاؤه يصلى على العضو الذي فيه
القلب».
وهذا الخبر
ظاهر في القول المشهور لان العضو الذي فيه القلب هو الصدر أعم من أن يكون معه
أعضاء أخر من رأس ويد ونحو ذلك أم لا ، ومنه يعلم ـ وكذا من مرسلة عبد الله بن
الحسين المتقدم نقلها عن صاحب الكافي ومثلها مرسلة الفقيه ـ ان ذكر اليد في رواية
الفضل بن عثمان الأعور مع كونها في كلام السائل لا توجب تقييدا بأنه لا بد في
الصلاة على الصدر من كون اليد معه كما توهمه صاحب المعتبر وغيره.
ومنها ـ ما
رواه في الكتاب المذكور ايضا عن ابن المغيرة قال : «بلغني عن ابى جعفر (عليهالسلام) انه يصلى على كل عضو رجلا كان أو يدا أو الرأس جزء فما
زاد ، فإذا نقص عن رأس أو يد أو رجل لم يصل عليه».
وهذا الخبر مما
يوافق ظاهر رواية محمد بن خالد المتقدم من الصلاة على العضو التام ، قال الذكرى
بعد نقلهما : وهذان الخبران مطرحان مع إرسالهما. وقد قدمنا ان حملهما على
الاستحباب طريق الاحتياط ، إلا ان رواية طلحة بن زيد المتقدمة قد دلت على النهى عن
الصلاة على هذه الأعضاء الثلاثة ، وايدها بالنسبة إلى الرأس رواية الصدوق ومرسلة
الكافي المتقدمتان في انه لو لم يوجد إلا الرأس فلا يصلى عليه ، وبه يشكل الحكم
بالاستحباب إذ أقل مراتب النهي الكراهة وهي لا تجامع الاستحباب ، واما مجرد الجواز
فلا وجه له في العبادات.
__________________
وقد تلخص مما
ذكرنا ذيل هذه الأخبار ان الواجب الصلاة على العظام كملا كما تضمنته صحيحة على بن
جعفر وكذا على النصف الذي فيه القلب ، والقول بوجوب الصلاة على الصدر كما هو
المشهور ليس ببعيد ايضا كما أشرنا إليه آنفا. واما الرأس واليد والرجل كل منها على
حدة فقد عرفت تصادم الأخبار فيها على وجه لا يمكن الجمع بينها. والله العالم.
فروع
الأول ـ قال في
الذكرى : إذا صلى على الصدر أو قلنا بالصلاة على العضو التام فالشرط فيه موت صاحبه
إجماعا ، وهل ينوي الصلاة عليه خاصة أو على الجملة؟ قضية المذهب الصلاة عليه خاصة
إذ لا صلاة على الغائب ، فلو وجد الباقي وجبت الصلاة على ما لم يصل عليه. انتهى.
الثاني ـ قال
في الذكرى ايضا : لو اشتبه المسلم بالكافر فالأقرب الصلاة على الجميع بنية الصلاة
على المسلمين لتوقف الواجب عليه ، وروى حماد بن يحيى عن الصادق (عليهالسلام) «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) في يوم بدر أمر بمواراة كميش الذكر اى صغيره وقال انه
لا يكون إلا في كرام الناس». وأورده الشيخ في الخلاف والمبسوط عن على (عليهالسلام) فحينئذ يمكن العمل به في الصلاة في كل مشتبه لعدم تعقل
معنى في اختصاص الشهيد. وفي المبسوط أورد الرواية في اشتباه قتلي المسلمين
بالمشركين وبنى عليها الصلاة ثم قوى ما قلناه أولا واحتاط بان يصلى على كل واحد
واحد بشرط إسلامه قال في المعتبر : ولو قيل بمواراة الجميع ترجيحا لجانب حرمة
المسلم كان صوابا. وهذا فيه طرح للرواية لضعفها والصلاة على الجميع حينئذ بطريق
الأولى.
الثالث ـ اختلف
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الصلاة على ولد الزنا تفريعا على الخلاف في إسلامه
وكفره ، فكل من حكم بالإسلام كالشيخ واتباعه ـ وهو المشهور بين المتأخرين ـ أوجبوا
الصلاة عليه ، ونقل الشيخ فيه في الخلاف
__________________
الإجماع ، واحتجوا بقوله (صلىاللهعليهوآله) «صلوا على من قال لا إله إلا الله». وبرواية طلحة بن زيد عن الصادق (عليهالسلام) المتقدمة في المسألة الأولى .
ومنع ابن إدريس
من الصلاة عليه واحتج بأنه كافر بالإجماع. ورده في المختلف بأنه أي إجماع حصل على
كفر ولد الزنا بل أى دليل دل على ذلك؟
قال في الذكرى
بعد نقل قول الشيخ في الخلاف ودعواه الإجماع : ويشكل قبل بلوغه إذ لا إلحاق له
بأحد الأبوين ، ويمكن تبعية الإسلام هنا للغة كالتحريم ، ويؤيد الإسلام تبعية
الفطرة.
أقول : ونحن قد
أشبعنا الكلام في مسألة ابن الزنا في الفصل السابع من المقصد الأول في النجاسات من
كتاب الطهارة وذكرنا ان جملة من الأصحاب كالمرتضى والصدوق قالوا
بكفره ، وقضية القول بالكفر المنع من الصلاة كما صرح
__________________
به ابن إدريس ، إلا انى لم أقف على مذهبهم في هذه المسألة.
وقد حققنا ثمة
ان المستفاد من الأخبار الواردة فيه ان له حالة غير حالتي الايمان والكفر
الحقيقيين» لأنه بالنسبة إلى أحكامه في الدنيا ـ من الحكم بنجاسته وكون ديته دية
اليهود والنصارى وعدم قبول شهادته وعدم جواز إمامته في الصلاة كما دلت على جميع
ذلك الأخبار ـ لا يمكن الحكم بإيمانه لأن سلب هذه الأحكام عنه لا يجامع الإيمان ،
ولا يمكن الحكم بكفره بالنظر الى أنه متدين بظاهر الإيمان كما هو المفروض ، ومن
ذلك يعلم أن الحكم بوجوب الصلاة عليه لا يخلو من الإشكال لعدم الوقوف على خبر نفيا
أو إثباتا في ذلك يتضح به الحال.
الرابع ـ قد
صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يلحق بالمسلم الواجب الصلاة عليه
الطفل البالغ ست سنين ، ولا خلاف ولا اشكال فيه إذا كان متولدا من مسلم كما تقدم
الكلام فيه.
فاما إذا كان
لقيطا في دار الإسلام أو دار الكفر وفيها مسلم يمكن تولده منه ذكرا كان الملحق
بالمسلم أو أنثى حرا كان أو عبدا فظاهر كلام الأصحاب انه كذلك ايضا تغليبا للإسلام
، بل صرح جملة منهم بإلحاق الطفل المسبي المتولد من كافر بالسابي إذا كان مسلما
فيتبعه في الطهارة والحكم بالإسلام ، ومقتضاه وجوب الصلاة عليه ايضا
وقد قدمنا في
آخر المسألة الثالثة من المسائل الملحقة بالفصل السابع في الكافر من المقصد الأول
في النجاسات من كتاب الطهارة ضعف ما ذهبوا اليه من الحكم بالطهارة والإسلام
بالنسبة إلى المسبي ولحوقه بالسابي.
وأما حكم
اللقيط في دار الإسلام أو دار الحرب وفيها من يمكن تولده منه من المسلمين فلا
يحضرني الآن دليل من الأخبار يدل عليه ، والشهيدان في الذكرى والروض انما عللاه
بتغليب الإسلام ، وأنت خبير بما في هذا التعليل العليل من عدم الصلاح لتأسيس
الأحكام. والله العالم.
المطلب الثاني
ـ في من يصلي والكلام فيه يقع أيضا في مسائل الأولى ـ لا خلاف
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما أعلم في أن أولى الناس بالميت يعنى
الأحق بالقيام بأحكامه من غسل وصلاة ونحوهما أولاهم بميراثه يعنى ان من يرث من
الأقرباء أولى ممن لا يرث بالكلية ، وأما تقديم بعض الورثة على بعض فسيأتي الكلام
فيه ان شاء الله تعالى.
قال في المدارك
: وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب وظاهرهم انه مجمع عليه ، واستدلوا عليه
بقوله تعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ
أَوْلى بِبَعْضٍ» وما رواه
الكليني عن ابن ابى عمير عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «يصلى على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب».
وعن احمد بن محمد بن ابى نصر عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «يصلى على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب».
وفي الجميع نظر أما الآية الشريفة فلانتفاء العموم فيها على وجه يتناول موضع
النزاع. واما الروايتان فضعيفتا السند بالإرسال واشتمال سند الثانية على سهل بن
زياد وهو عامي ، ومع ذلك فليس فيها تصريح بان المراد الأولوية في الميراث ، مع ان
مقتضى ما ذكروه من تقديم بعض الوراث على بعض كالأب على الابن وان كان أقل نصيبا منه
كون المراد بالأولى ذلك البعض لا مطلق الوارث. ولو قيل ان المراد بالأولى هنا أمس
الناس بالميت رحما وأشدهم به علاقة من غير اعتبار لجانب الميراث لم يكن بعيدا.
انتهى.
أقول : فيه (أولا)
انه قد تقدم منه نظير هذا الكلام في مسألة غسل الميت في كتاب الطهارة وقد قدمنا
ثمة تحقيق الكلام في المقام وبينا ضعف ما توهمه وان تبعه فيه جملة من الأعلام
، وملخصه ان المراد بالأولى في جميع أحكام الميت من غسل وصلاة وتلقين وقضاء عبادات
ونحوها انما هو الولي المالك للتصرف والتدبير كولي الطفل وليس المراد به الجري على
صيغة التفضيل كما توهمه ، واما
__________________
كون الولي المشار اليه هو من كان اولى بالميراث فقد دلت عليه صحيحة حفص
التي قدمناها ثمة ومن أراد تحقيق الحال في صحة ما ذكرنا من المقال فليرجع
الى الموضع المشار اليه من كتاب الطهارة.
ثم ان من قبيل
الروايتين المذكورتين قول الرضا (عليهالسلام) في كتاب الفقه «ويصلى عليه أولى الناس به».
وثانيا ـ ان ما
ذكره من عدم العموم في الآية على وجه يتناول موضع النزاع ممنوع لو كان المراد من
الآية العموم كما توهمه إلا ان الأمر ليس كذلك بل الذي دلت عليه اخبار أهل البيت (عليهمالسلام) ـ الذي نزل ذلك القرآن فيه فهم أعرف الناس بباطنه
وخافية ـ ان مورد الآية انما هو بالنسبة إلى الميراث بمعنى ان من كان أقرب الى
الميت في النسب فهو أولى بميراثه ، وقد عرفت مما قدمناه سابقا من التحقيق وأشرنا
إليه هنا ان ولى الميت المالك للتصرف في أموره هو الاولى بميراثه فتكون الآية
بمعونة الأخبار الدالة على ما ذكرناه دالة ايضا على الأولوية في الأحكام المذكورة
وان كان بطريق الاشعار والفحوى ، لأنها قد دلت على ان الأقرب من أولى الأرحام هو
الأولى بالميراث وكل من كان أولى بالميراث فهو الأولى بالميت في جميع أحكامه
بالأخبار المشار إليها.
وأما الأخبار
الواردة في معنى الآية فمنها ـ ما رواه في الكافي عن الصادق (عليهالسلام) قال «كان على (صلوات الله عليه) إذا مات مولى له وترك
ذا قرابة لم يأخذ من ميراثه شيئا ويقول (وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ)» .
وما رواه فيه
عن محمد بن قيس عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (عليهالسلام) في خالة جاءت تخاصم في مولى رجل فقرأ هذه الآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ
أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ)» .
__________________
وفي تفسير
العياشي عن ابى بصير عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «الخال والخالة يرثون إذا لم يكن معهم أحد غيرهم
ان الله يقول «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ
أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ»
إذا التقت القرابات فالسابق أحق بالميراث من قرابته». والمراد بالسابق
يعنى الأقرب اليه.
وروى فيه عن
زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) «في قول الله عزوجل (وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) ان بعضهم أولى بالميراث من بعض لأن أقربهم إليه رحما
أولى به».
وفي تفسير
الثقة الجليل على بن إبراهيم بن هاشم ان هذه الآية نسخت قوله تعالى (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ
نَصِيبَهُمْ)» .
وبمثل ذلك صرح
شيخنا أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان ونقله عن ابن عباس والحسن وجماعة من المفسرين ، وقال :
قالوا صار ذلك نسخا لما قبله من التوارث بالمعاقدة والهجرة وغير ذلك من الأسباب
فقد كانوا يتوارثون بالمؤاخاة وان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان آخى بين المهاجرين والأنصار. انتهى.
ومما يزيد ذلك
إيضاحا وتأكيدا ان ثبوت الميراث بالقرابة وهم غير أصحاب الفروض انما استندوا فيه
الى هذه الآية بإجماع الأصحاب والأخبار التي ذكرنا بعضها في أصل المسألة.
ويمكن ان يقال
ان المراد بالآية انما هو العموم وورود هذا الفرد في هذه الأخبار لا يقتضي قصر
الحكم عليه إذ لا دلالة في شيء منها على ذلك وانما غايتها الدلالة على دخول هذا
الفرد تحت هذه الآية.
__________________
ويؤيد ما قلناه
ورود بعض الأخبار في استدلال على (عليهالسلام) على استحقاق الإمامة وراثة من إبراهيم (على نبينا وآله
وعليهالسلام) في مقام الرد على معاوية كما نقلناه في كتابنا سلاسل
الحديد في تقييد ابن ابى الحديد.
ومما يزيد ما
ذكرناه في أصل المسألة تأييدا وعلى منارة تشييدا ما رواه في الكافي في الصحيح عن
بريد الكناسي عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «ابنك اولى بك من ابن ابنك وابن ابنك أولى بك من
أخيك. قال وأخوك لأبيك وأمك أولى بك من أخيك لأبيك. قال وأخوك لأبيك أولى بك من
أخيك لأمك. قال وابن أخيك لأبيك وأمك أولى بك من ابن أخيك لأبيك. قال وابن أخيك من
أبيك أولى بك من عمك. قال وعمك أخو أبيك من أبيه وامه أولى بك من عمك أخي أبيك من
أبيه قال وعمك أخو أبيك لأبيه أولى بك من عمك أخي أبيك لأمه. قال وابن عمك أخي
أبيك من أبيه وامه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأبيه. قال وابن عمك أخي أبيك من
أبيه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأمه». فإن الأولوية في الخبر كما ترى دائرة
مدار الإرث فمن كان الوارث فهو الأولى من غير الوارث. وفيه دلالة ايضا على ان
الأكثر إرثا أولى من الأقل كما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم).
و (ثالثا) ان
ما طعن به على الخبرين المذكورين لا يقوم حجة على المتقدمين ممن لا أصل لهذا
الاصطلاح عندهم ولا على من لا يقول به من المتأخرين بل ولا على من قال به منهم
ايضا حيث ان ضعفهما مجبور بالاتفاق الذي قد حكاه في ما قدمناه من كلامه ، على انه
قد وافقهم في مواضع عديدة مما تقدم في العمل بالأخبار الضعيفة المجبورة باتفاق
الأصحاب كما نبهنا عليه ثمة ، بل تبعهم في بعض المواضع
__________________
مع اعترافه بعدم الدليل لهم وقال انه لا خروج عن ما عليه الأصحاب ، ولكنه (رضوان
الله عليه) ليس له قاعدة يقف عليها ولا قاعدة يرجع إليها.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه قد قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : واعلم ان ظاهر الأصحاب ان اذن
الولي إنما تتوقف عليها الجماعة لا أصل الصلاة لوجوبها على الكفاية فلا تناط برأي
أحد من المكلفين فلو صلوا فرادى بغير إذن أجزأ.
وقال في
المدارك بعد نقل ذلك : وقد يقال انه لا منافاة بين كون الوجوب كفائيا وبين إناطته
برأي بعض المكلفين على معنى انه ان قام به سقط الفرض عن غيره ، وكذا ان اذن لغيره
وقام به ذلك الغير ، وإلا سقط اعتباره وانعقدت الصلاة جماعة وفرادى بغير اذنه ،
ومع ذلك فلا بأس بالمصير الى ما ذكره قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق ان تم
وحملا للصلاة في قوله (عليهالسلام) «يصلى على الجنازة أولى الناس بها». على الجماعة لأنه المتبادر. انتهى.
أقول : حيث قد
اشتهر في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف أن أحكام الميت واجبة
كفائية على كافة المسلمين ممن علم بالموت وظاهر الخبرين المتقدمين اعنى بهما مرسلة
ابن ابى عمير والبزنطي اختصاص ولاية الصلاة بالولي حصل هذا الإشكال في المقام
واحتيج إلى التفصي في الجواب عن ذلك ، وظاهر كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروض
الجمع بين الأخبار بتخصيص أخبار الولي ومن يأمره بالإمامة خاصة لا أصل الصلاة ،
وظاهر كلام السيد السند هو تخصيص للوجوب كفاية بالولي بمعنى انه يجب على الولي أو
من يأمره القيام بذلك ، فان قام به سقط الفرض عن الغير وإلا سقط اعتبار الولي ووجب
على الكافة صلاة كان أو غيرها.
وأنت خبير بأن
منشأ الإشكال كما عرفت من دعوى كون أحكام الميت واجبة كفائية على جميع من علم بذلك
، وهذه الدعوى لم نجد لها مستندا في الأخبار كما
__________________
قدمنا ذكره وأوسعنا نشره في مسألة غسل الميت من كتاب الطهارة سوى ما يظهر
من كلامه من الاتفاق على هذا الحكم حتى من متأخري المتأخرين الذين عادتهم المناقشة
في طلب الدليل ، فإنه لم يناقش أحد منهم في هذا الحكم بل تلقوه بالقبول والتسليم ،
والمفهوم من الاخبار الواردة في أحكام الأموات هو توجه الخطاب إلى الولي من غسل
وصلاة وتكفين وتلقين ونحوها ، ولو كان الأمر على ما ذكروه من الوجوب كفائيا على
كافة المسلمين فكيف تخرج الاخبار في هذه الأحكام بما ذكرناه؟ وهم لما نظروا الى
هذين الخبرين في مسألة الصلاة الدالين على اختصاص الولي بها أوردوا هذا الإشكال
وأجابوا عنه بما عرفت ، والحال ان الأمر ليس مختصا بالصلاة كما لا يخفى على
المتتبع بل هو عام لجملة أحكام الميت وحينئذ فقول شيخنا الشهيد الثاني في الجواب
هنا بما ذكره وان تم بالنسبة إلى الصلاة إلا انه لا يحسم مادة الإشكال بالنسبة إلى
غيرها من الأحكام التي ورد الخطاب فيها للولي خاصة ، وما ذكره السيد السند جيد لو
قام الدليل على الوجوب الكفائي الذي يدعونه.
نعم يمكن أن
يقال بالوجوب على سائر المسلمين كفاية مع تعذر الولي أو إخلاله بالقيام بذلك كما
تدل عليه أخبار العراة الذين مروا بميت قذفه البحر الى الساحل فإنهم أمروا بالصلاة
عليه ودفنه ونحوها ما تقدم في صحيحة على بن جعفر في أكيل السبع
تبقى عظامه قال : «يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن». فإنها تدل
بإطلاقها على ذلك ، وقوله (صلىاللهعليهوآله) «لا تدعوا أحدا من أمتي بغير صلاة». وقول الباقر (عليهالسلام) «صل على من مات من أهل القبلة وحسابه على الله تعالى».
ثم انه مع وجود
الولي فإن كان متصفا بشرائط الإمامة جاز له التقدم والاستنابة وإلا تعين عليه
الاستنابة وليس لأحد أن يتقدم بدون إذنه.
بقي هنا شيء
وهو ان ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) اشتراط العدالة في إمام
__________________
هذه الصلاة كالصلاة اليومية وغيرها من الصلوات ، ويظهر من العلامة في
المنتهى الاتفاق على ذلك.
وقال في
الذخيرة : ولولا ذلك ـ يعنى دعوى الاتفاق ـ لكان للمنازعة فيه مجال لعموم النص
وعدم كونها صلاة حقيقة فلا يعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة الحقيقية كما يستفاد من
بعض الاخبار السابقة. انتهى.
أقول : وما
ذكره لا يخلو من قرب لما تكرر في الاخبار من قولهم (عليهمالسلام) «انما هو تكبير وتسبيح كما تسبح في بيتك من غير طهر». ونحو ذلك مضافا الى
عدم ما يدل على ما ذكروه في شيء من اخبار هذه الصلاة ، وكأنهم نظروا الى مجرد صدق
الصلاة عليها.
المسألة
الثانية ـ قد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن الأب أولى من الابن ،
والوالد أولى من الجد والأخ والعم ، والأخ من الأب والام أولى ممن يتقرب بأحدهما.
والأول متفق
عليه كما نقله في المدارك ، واستدل عليه بان الأب أشفق على الميت من الابن وارق
عليه فيكون دعاؤه أقرب الى الإجابة. ورد بان ذلك انما يصلح توجيها للنص لا دليلا
برأسه. وعلل الثاني بما تقدم من الأولوية في الميراث
ونقل عن ابن
الجنيد انه جعل الجد هنا أولى من الأب والابن محتجا بان منصب الإمامة أليق بالأب
من الولد والجد أب الأب فكان أولى من الأب. ورده في المختلف بأن الأولى بالميراث
أولى لعموم الآية .
قال في المدارك
بعد نقل كلام المختلف : وقد عرفت ما فيه. وعلى ما احتملناه من معنى الأولوية يقرب
ما ذكره ابن الجنيد.
أقول : قد عرفت
مما قدمناه صحة الاستدلال بالآية على ما ذكره الأصحاب
__________________
(رضوان الله عليهم) بمعونة الأخبار المتقدمة ، وقد عرفت ان ما احتمله في
معنى الاولى ساقط لا اعتماد عليه ، وان ما ذكره الأصحاب من أن الولي هو الأولى
بالميراث هو الظاهر من الاخبار. على ان ما احتمله لا ينطبق على مذهب ابن الجنيد
لانه فسر الأولى ـ كما تقدم ـ بمن كان أمس الناس بالميت رحما وأشدهم به علاقة ،
ولا ريب ان أبا الميت أشد به علاقة وأمس به رحما.
وعلل تقديم
الأخ من الأبوين على الأخ من الأب خاصة بأنه لا يرث معه واما على الأخ من الام
فعلله في المنتهى بأنه أكثر نصيبا في الميراث ، وبان الأم لا ولاية لها في الصلاة
فمن يتقرب بها أولى.
أقول : والوجه
هو التعليل الأول كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى في المقام والثاني وان قال في
المدارك انه لا بأس به فالبأس فيه أظهر من أن يخفى على ذوي الأفهام ، فإن ما ذكره
من الأولوية لا وجه له مع عدم صحة بناء الأحكام الشرعية على أمثال هذه التعليلات
العليلة.
ونقل في
المعتبر عن الشيخ في المبسوط انه قال : الأب أولى الأقارب ثم الولد ثم ولد الولد
ثم الجد من قبل الأب ثم الأخ من قبل الأب والام ثم الأخ من قبل الأب ثم الأخ من
قبل الام ثم العم ثم الخال ثم ابن العم ثم ابن الخال ، ثم قال وبالجملة من كان
أولى بميراثه كان أولى بالصلاة عليه.
قال في المدارك
: ومقتضى ذلك ان ترتب الأولياء على هذا الوجه لأولوية الإرث وهو مشكل فإنه ان أراد
بالأولوية ان من يرث أولى ممن لا يرث لم يلزم منه أولوية بعض الورثة على بعض كالأب
على الابن والجد على الأخ والعم على الخال ، وان أراد بها كثرة النصيب انتقض بالأب
فإنه أولى من الابن مع انه أقل نصيبا منه ، وكذا الجد فإنه أولى من الأخ مع
تساويهما في الاستحقاق. إلا ان يقال ان التخلف في هاتين الصورتين لعارض وهو قوة
جانب الأب والجد باختصاصهما بزيادة الحنو والشفقة وحصول النسل منهما ، لكن في ذلك
خروج
عن اعتبار الإرث. ولو حمل الاولى هنا على المعنى الذي ذكرناه وجب الرجوع في
تحقيق الأولوية إلى العرف وسقط جانب الإرث مطلقا. انتهى كلامه (زيد مقامه).
أقول : لا يخفى
على من تأمل في ما حققناه في المقام مما دلت عليه اخبارهم (عليهمالسلام) ولا سيما صحيحة بريد الكناسي ان ولى الميت هو الاولى بميراثه بمعنى من يرث دون من لا
يرث.
ويستفاد من صحيحة
بريد المذكورة انه مع تعدد الوارث فمن كان أكثر نصيبا فهو الولي كما ذكره الأصحاب (رضوان
الله عليهم) وبه صرح في المنتهى في ما قدمنا نقله عنه ، وأشرنا إلى انه هو الوجه
في ما علل به الحكم المتقدم لهذه الصحيحة الصريحة في ذلك.
واما مع تساوى
الورثة في الميراث فالمفهوم من صحيحة محمد بن الحسن الصفار المروية بطرق المشايخ
الثلاثة ـ قال : «كتبت الى ابى محمد الحسن (عليهالسلام) رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان
هل يجوز لهما ان يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآخر؟ فوقع (عليهالسلام) : يقضى عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء ان شاء الله
تعالى». ونحوه قول الرضا (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي «وإذا كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجلين أن يقضى عنه فان لم يكن له
ولى من الرجال قضى عنه وليه من النساء». ـ ان الولي شرعا هو الأكبر.
كما انه مع
تعددهم ذكورة وأنوثة فالولاية للذكر دون الأنثى كما تشعر به صحيحة حفص الواردة في
القضاء ايضا لقوله فيها : «قلت ان كان أولى الناس به امرأة
__________________
فقال لا إلا الرجال». فإنها شاملة بإطلاقها لما لو اختصت بالولاية أو
شاركها رجل ، والتقريب فيها ان ولى الميت المخاطب بوجوب القضاء عنه هو الذي جعل
إليه أحكام الميت من غسل وتكفين وتلقين وصلاة ونحوها كما تقدم تحقيقه.
بقي الإشكال في
ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) من صورة اجتماع الأب والابن فإنهم جزموا بأن
الولاية للأب إلا انهم لم يأتوا عليه بدليل سوى ما عرفت من ذلك التخريج العليل ،
وهو كما ترى مخالف لمقتضى القاعدة المستفادة من الصحيحة المتقدمة من حيث انه يفهم منها ان الأكثر نصيبا من الوارث هو
الولي للميت وبموجبه تكون الولاية للولد دون الأب. وبالجملة فإنه لا مستند لهذا
الحكم مع مخالفته لظاهر الصحيحة المذكورة إلا مجرد كلام الأصحاب وفيه ما لا يخفى
على ذوي الأفهام والألباب. ويعضد ما ذكرناه تصريح النص بسقوط ولاية الأب مع الزوج
وعليه الأصحاب من غير خلاف يعرف ، فيمكن أن يكون مع الولد كذلك. والله العالم.
المسألة
الثالثة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن الزوج أولى بزوجته من
جميع قراباتها ، قال في الذكرى لا أعرف فيه مخالفا من الأصحاب. وقال في المدارك :
هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب.
أقول : والذي
يدل عليه من الاخبار ما رواه المشايخ الثلاثة في الكتب الثلاثة عن ابى بصير عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له المرأة تموت من أحق الناس بالصلاة عليها؟
قال زوجها. قلت الزوج أحق من الأب والولد والأخ؟ قال نعم ويغسلها».
ويعضد هذه
الرواية ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال «الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها».
واعترض في
المدارك هنا بان الرواية ضعيفة السند لاشتراك راويها وهو
__________________
أبو بصير بين الثقة والضعيف ، بل الظاهر انه الضعيف الضرير بقرينة أن
الراوي عنه قائده وهو على بن أبي حمزة البطائني ، وقال النجاشي انه كان أحد عمد
الواقفية ، وفي الطريق القاسم بن محمد وهو واقفي أيضا ، قال وروى الشيخ في الصحيح
عن حفص ابن البختري عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها أيهما يصلى عليها؟ فقال أخوها أحق
بالصلاة عليها». وعن عبد الرحمن بن ابى عبد الله قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الصلاة على المرأة الزوج أحق بها أو الأخ؟ قال الأخ».
ثم أجاب عنهما بالحمل على التقية وهو يتوقف على وجود المعارض. انتهى
أقول : لا يخفى
ان المعارض عند الشيخ وأمثاله من المتقدمين ممن لا يرى العمل بهذا الاصطلاح موجود
، وكذا عند من يعمل به بالنظر الى جبر الخبر باتفاق الأصحاب على العمل بمضمونه ،
ولا سيما ان الرواية قد رواها المشايخ الثلاثة بأسانيد عديدة ، وهو من أقوى
المرجحات لصحتها وثبوتها ولا سيما صاحب الفقيه بناء على ما قدمه في صدر كتابه من
القاعدة التي قد احتج بها السيد المذكور في جملة من المواضع لجبر الخبر الضعيف
الذي يتمسك به ، وما تضمنته الرواية متفق عليه بين الأصحاب سلفا وخلفا كما يشير
اليه كلامه المتقدم نقله ، ولكنه لما رأى صحة سند رواية حفص المذكورة جمد عليها
كما هي عادته من دورانه مدار صحة السند وان اشتمل المتن على خلل وعلل ، وقد تقدم
منه في مسألة غسل الميت من كتاب الطهارة المناقشة في ذلك ايضا استنادا إلى الصحيحة
المذكورة بعد أن أورد دليلا للقول المشهور رواية إسحاق بن عمار المتقدمة ثم نقل عن
المعتبر ان مضمون الرواية متفق عليه. ثم قال : قلت ان كانت المسألة إجماعية فلا
بحث وإلا أمكن المناقشة فيها بضعف السند. ونحن قد قدمنا في غير مقام ان هذه
المناقشات الواهية لا تقوم حجة على المتقدمين لعدم الدليل على هذا الاصطلاح ، واما
المتأخرون فضعف هذه الاخبار عندهم مجبور بالاتفاق على القول بمضمونها ، والحكم بما
دلت
__________________
عليه الصحيحة التي جمد عليها معمول عليه عند العامة وقد تقرر في القاعدة المنصوصة عن أهل البيت (عليهمالسلام) عرض الأخبار على مذهبهم والأخذ بخلافه ومقتضاه حمل الصحيحة المذكورة على التقية كما ذكره
الشيخ.
وكيف كان
فإطلاق الأخبار التي هي مستند الحكم المذكور دال على انه لا فرق بين الدائم
والمستمتع بها ولا بين الحرة والمملوكة ، فعلى هذا يكون الزوج أولى من سيد
المملوكة لو كانت لغيره.
ولا يلحق
بالزوج الزوجة في هذا الحكم لعدم النص ، وذهب بعض الأصحاب إلى مساواتها للزوج
لشمول اسم الزوج لها لغة كما قال الله تعالى «وَأَصْلَحْنا لَهُ
زَوْجَهُ» ويضعف بان ذلك انما يتم مع إطلاق ولاية الزوج لا مع
التصريح بأنه أحق بامرأته كما تضمنه الخبران اللذان هما مستند الحكم المذكور .
المسألة
الرابعة ـ لو حضر إمام الأصل فإنه أولى من الولي كائنا من كان لقيامه مقام النبي (صلىاللهعليهوآله) الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم .
وقوله (صلىاللهعليهوآله) في خطبة الغدير «ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا بلى
__________________
يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال من كنت مولاه فعلى مولاه».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن طلحة بن زيد عن الصادق (عليهالسلام) قال : «إذا حضر الإمام الجنازة فهو أحق الناس بالصلاة
عليها».
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهمالسلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) إذا حضر سلطان من سلطان الله جنازة فهو أحق بالصلاة
عليها ان قدمه ولى الميت وإلا فهو غاصب». فان الظاهر ان المراد بالسلطان هنا هو
الامام المعصوم لان سلطنته من جهة الله تعالى على عباده سلطنة حقيقية.
وظاهر إطلاق
الخبر الأول عدم التوقف على اذن الولي ، وهو ظاهر ابى الصلاح حيث قال : الإمام
أولى فإن تعذر حضوره واذنه فولي الميت. إلا ان ظاهر الخبر الثاني التوقف على الاذن
فان لم يأذن له الولي فإنه يكون غاصبا لحق الامام (عليهالسلام) وهذا هو المنقول عن الشيخ في المبسوط استنادا الى
الخبر المذكور وبه صرح العلامة في المنتهى.
وظاهر الشهيد
في الذكرى العمل على الخبر الأول وتأول الخبر الثاني بالحمل على غير إمام الأصل ،
قال لان تنكيره مشعر بالكثرة وفيه اشعار باستحباب تقديم الولي إياه. انتهى.
والظاهر بعده
فان نسبة السلطنة إلى كونها من الله عزوجل لا تتبادر إلا الى امام الأصل ، والأخبار المتقدمة قد
عرفت صراحتها مع كثرتها واستفاضتها في أن الاولى بالميت هو الأولى بميراثه من غير
تقييد إلا ان قضية أولويته (عليهالسلام) مطلقا بالناس من أنفسهم تمنع من توقف تقديمه على
الاذن. وبذلك يظهر ان المسألة لا تخلو من شوب الإشكال.
وظاهر شيخنا
الشهيد الثاني في الروض عدم التوقف على اذن الولي في الصورة
__________________
المذكورة كما اختاره في الذكرى.
وكيف كان
فالكلام في هذه المسألة تكلف مستغنى عنه الآن الى ان يظهر صاحب الزمان عجل الله
فرجه.
ونقل عن ابن
الجنيد ان الأولى الإمام ثم خلفاؤه ثم إمام القبيلة كباقي الصلوات أقول : وفي هذا
إسقاط لولاية الولي المنصوص عليه إلا ان يخص بفقده أو طفوليته وعدم لياقته للصلاة
والاذن فيها.
المسألة
الخامسة ـ قال الشيخ المفيد : إذا حضر الصلاة رجل من بنى هاشم كان اولى بالتقديم
للصلاة عليه بتقديم وليه له ، ويجب على الولي تقديمه وان لم يقدمه لم يجز له
التقدم.
قال في المختلف
بعد نقل ذلك عنه : فإن أراد المفيد (قدسسره) بالرجل الذي أشار إليه إمام الأصل فهو حق وإلا فهو
ممنوع بل الأولى للولي التقديم اما الوجوب فلا ، لنا عموم الآية انتهى.
وقال في الذكرى
: قال ابن بابويه والشيخان والجعفي واتباعهم الهاشمي أولى وبالغ المفيد (قدسسره) فأوجب تقديمه ، وربما حمل كلامه على إمام الأصل وهو
بعيد لانه قال : «وان حضر رجل من فضلاء بنى هاشم» وهو صريح في كل واحد من فضلائهم
، ولم أقف على مستنده ، والصدوق عزاه إلى أبيه في رسالته ، ولم يذكر في التهذيب
عليه دليلا ، وفي المعتبر احتج بما روى عن النبي (صلىاللهعليهوآله) «قدموا
__________________
قريشا ولا تقدموها». ولم نستثبته في رواياتنا مع انه أعم من المدعى. انتهى.
أقول : قال
الصدوق في الفقيه : وقال ابى في رسالته الى : اعلم يا بنى ان أولى الناس بالصلاة
على الميت من يقدمه ولى الميت ، فان كان في القوم رجل من بنى هاشم فهو أحق بالصلاة
عليه إذا قدمه ولى الميت فان تقدم من غير أن يقدمه ولى الميت فهو غاصب. انتهى.
وهذه العبارة
عين عبارة كتاب الفقه الرضوي بتغيير ما حيث قال (عليهالسلام) واعلم ان أولى الناس بالصلاة على الميت الولي أو من
قدمه الولي ، فإن كان في القوم رجل من بنى هاشم فهو أحق بالصلاة عليه إذا قدمه
الولي فإن تقدم من غير ان يقدمه الولي فهو غاصب. انتهى.
ومن ذلك علم ان
مستند الشيخ على بن بابويه في ما ذكره في الرسالة والشيخ المفيد في ما تقدم نقله
عنه انما هو هذا الكتاب كما أشرنا إليه في غير مقام ، إلا ان الكتاب المذكور حيث
لم يصل الى المتأخرين أنكروا الوقوف على المستند.
ولعل السبب في
عدم اشتهار هذا الكتاب ووصوله الى الشيخ الطوسي (قدسسره) ومن كان في عصره هو ان نسخة الكتاب في الصدر الأول
لعلها كانت عزيزة الوجود ولم تصل إلا الى الشيخ على بن بابويه وابنه الصدوق ، ولما
كان كل منهما قد أخذ عبائر الكتاب وافتى بها كما حكيناه في غير موضع مما تقدم
وسيأتي في هذا الكتاب وفي كتاب الزكاة والحج والصوم ونحو ذلك ايضا اخفيا الكتاب
فلم ينتشر ولم يشتهر الى هذا العصر الأخير كما ذكره شيخنا غواص بحار الأنوار في
مقدمة كتاب البحار وكذا أبوه (قدسسره) كما وجدته بخطه من حكاية أصل الوقوف على الكتاب
المذكور ، ولذا لم تر لنقل عبائره والاستدلال بها أثرا في غير كلام الصدوقين وان
وجد قليلا في عبائر الشيخ المفيد (قدسسره) ايضا ، ولعله
__________________
للأخذ عنهما. والله العالم.
المسألة
السادسة ـ لو اوصى الميت الى شخص بان يصلى عليه فالمنقول عن ابن الجنيد وجوب
تقديمه ، قال في المختلف : قال ابن الجنيد الموصى إليه أولى بالصلاة من القرابات.
ولم يعتبر علمائنا ذلك ، لنا عموم قوله تعالى «وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ»
احتج بعموم قوله «فَمَنْ بَدَّلَهُ
بَعْدَ ما سَمِعَهُ» والجواب الوجوب مختص بالحقوق لقوله «إِنْ تَرَكَ خَيْراً»
انتهى.
ونقل عنه في
الذكرى الاستدلال باشتهار ذلك بين السلف كوصية الأول بصلاة الثاني ووصية الثاني
بصلاة صهيب ووصية عائشة بصلاة أبي هريرة ووصية ابن مسعود بصلاة الزبير ووصية ابن
جبير بصلاة انس ووصية أبي شريحة بصلاة زيد ابن أرقم فجاء عمرو بن حريث أمير الكوفة
ليتقدم فأعلمه بوصيته فقدم زيدا ولأن إيصاءه إليه لظنه فيه مزية فلا ينبغي منعه منها.
ثم قال في الذكرى : والفاضل (قدسسره) قال الوارث أولى وهو أقرب للآية والخبر وفعل المذكورين ليس حجة وجاز أن يكون برضاء الوارث ونحن
لا نمنعه إذا رضي بل يستحب له إنفاذه مع الأهلية. انتهى. وهو جيد.
والأظهر التمسك
في ذلك بالأخبار الدالة على اختصاص الصلاة بمن هو الأولى بالميراث كما تقدم تحقيقه
في المسألة الاولى ، وتخصيصها يحتاج الى دليل واضح. وعموم آية «فَمَنْ بَدَّلَهُ
بَعْدَ ما سَمِعَهُ» معارض بعموم «وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ»
.
__________________
وشيخنا الشهيد
الثاني في الروض اقتصر على نقل القولين ودليلهما ولم يرجح شيئا في البين.
المسألة
السابعة ـ لو تساوى الأولياء في مرتبة الولاية قال الشيخ في المبسوط والخلاف يقدم
الأقرأ فالأفقه فالأسن ، وتبعه الفاضلان في المعتبر والتذكرة لعموم قوله (صلىاللهعليهوآله) «يؤمكم أقرؤكم». وزاد في المبسوط بعد الأسن قال : فان تساووا أقرع بينهم.
وقال فيه ايضا
ان الحر أولى من العبد والذكر أولى من الأنثى إذا كان ممن يعقل الصلاة. وتبعه ابن
إدريس. وهو يشعر بان التمييز كاف في الإمامة كما افتى به في المبسوط والخلاف في
جماعة اليومية.
أقول : أما
أولوية الذكر على الأنثى فقد صرح به جملة منهم (رضوان الله عليهم) بل قال في
المنتهى انه لا خلاف فيه ، وحكى بعض المتأخرين قولا باشتراك الورثة في الولاية.
واستدل في المدارك
للقول الأول قال وربما كان مستنده قوله (عليهالسلام) «يصلى على الجنازة أولى الناس بها». ومع وجود الذكر يصدق كونه أولى فيتعلق
به الحكم.
وفيه ان ما
ذكره نوع مصادرة فإنه عين الدعوى ، فإن أراد باعتبار كون الذكر أكثر ميراثا فهو لا
يتم كليا لتخلفه في ما لو انحصرت الولاية في الأخ من قبل الام مع الأخت من قبل
الأبوين فإنها أكثر ميراثا وبموجبه تكون الولاية لها دونه. نعم يمكن استفادة ما
ذكره من صحيحة حفص بالتقريب الذي ذكرناه فيها كما تقدم في المسألة الثانية .
هذا إذا كانت
الأنثى في طبقة الذكر كما هو المفروض وان كانت جملة من عبائر الأصحاب مطلقة في
ذلك.
أما لو لم يكن
في طبقتها ذكر فالظاهر اختصاصها بالولاية لما رواه الصدوق
__________________
والشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «قلت المرأة تؤم النساء؟ قال لا الا على الميت
إذا لم يكن أحد أولى منها ، تقوم وسطهن في الصف فتكبر ويكبرن». ورواه الشيخ بسند
آخر في الموثق وبسند ثالث في الضعيف .
وأما أولوية
الحر على العبد وان كان العبد أقرب فالظاهر انه لا خلاف فيه لانه لا يرث مع الحر ،
ويعضده انه محجور من التصرف في نفسه فكذا في غيره.
وأما ما ذكروه
ـ من تقديم الاقرأ فالأفقه فالأسن كما قدمناه وهو خيرة الأكثر أو تقديم الأفقه ثم
الاقرأ ثم الأسن كما هو خيرة العلامة في القواعد والتحرير والمحقق في الشرائع ـ فلم
نقف له على نص في هذا المقام ، وكأنهم بنوا الحكم هنا على ما ذكروه في جماعة
اليومية.
قال في الذكرى
بعد ذكر نحو ما ذكرنا : ولم نقف لهم على مأخذ ذلك في خصوصية الجنازة ، وظاهرهم
إلحاقها بجماعة المكتوبة وهي مرجحة بهذه الأوصاف كلها ، ولكن ذكر العبد هنا مشكل
لانه لا إرث له فيخرج عن الولاية. والمحقق في الشرائع قدم الأفقه على الأقرأ ، وهو
متوجه لأن القراءة هنا ساقطة إلا انه خلاف فتوى الأصحاب بتقديم الأقرأ في الجماعة
على الإطلاق وخلاف فتواه وفتوى الشيخ في هذه المسألة. انتهى.
وما علل به
توجه تقديم الأفقه على الأقرأ من أن القراءة هنا ساقطة قد أورد عليه بان مرجحات
القراءة معتبرة في الدعاء ولو لا ذلك لسقط الترجيح بالقراءة مطلقا ، وانتقل جماعة
: منهم ـ الشيخ إلى القرعة بعد التساوي في السن كما تقدم ذكره ، واعتبر بعضهم بعد
الأسن الأقدم هجرة ثم الأصبح وجها ، لما سيأتي ان شاء الله تعالى في باب الجماعة
منقحا موضحا.
المسألة
الثامنة ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو كان المؤتم في صلاة الجنازة
واحدا وقف خلف الامام ولم يقف الى جنبه كما في جماعة اليومية ،
__________________
وإذا اقتدى النساء بالرجل وقفن خلفه ولو كان فيهن حائض انفردت عن صفهن
استحبابا ، ولو اجتمع الرجال والنساء وقفن النساء خلف الرجال.
والذي يدل على
الحكم الأول ما رواه ثقة الإسلام والصدوق عن اليسع بن عبد الله القمي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل يصلى على الجنازة وحده؟ قال نعم. قلت فاثنان
يصليان عليها؟ قال نعم ولكن يقوم الآخر خلف الآخر ولا يقوم بجنبه».
وعلى الحكم
الثاني ما سيأتي في باب الجماعة من أن مواقف النساء خلف الرجال وعدم جواز محاذاة
المرأة للرجل.
وعلى الحكم
الثالث ما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الحائض تصلي على الجنازة؟ قال نعم ولا تقف معهم
وتقف مفردة».
وعلى الحكم
الرابع ما رواه الكليني عن السكوني عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) خير الصفوف في الصلاة المقدم وخير الصفوف في الجنائز
المؤخر. قيل يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ولم؟ قال صار سترة للنساء».
أقول : ما دلت
عليه هذه الرواية بظاهرها ـ من ان أفضل الصفوف في صلاة الجماعة اليومية الصف الأول
وهو الأقرب الى القبلة وفي صفوف صلاة الجنائز هو الصف الأخير ـ هو الذي عليه جملة
الأصحاب استنادا الى هذه الرواية.
إلا ان شيخنا
المجلسي في كتاب البحار قد استظهر من الخبر معنى آخر وطعن في المعنى المشهور بوجوه
ذكرها ثمة.
قال : والذي
يفهم من الرواية وهو الظاهر منها لفظا ومعنى ان المراد بالصفوف
__________________
في الصلاة صفوف جميع الصلوات الشاملة لصلاة الجنازة وغيرها ، والمراد بصفوف
الجنائز انما هو الجنائز المختلفة إذا وضعت بين يدي الإمام للصلاة عليها ، وان
المراد خير الصفوف في الصلاة الصف المقدم أى ما كان أقرب الى القبلة وخير الصفوف
في الجنائز المؤخر أي ما كان أبعد من القبلة وأقرب الى الامام ، ولما كان الأشرف
في جميع المواضع متعلقا بالرجال صار كل من الحكمين سببا لستره النساء لأن تأخرهن
في الصفوف سترة لهن وتأخر جنائزهن لكونه سببا لبعدهن عن الرجال المصلين سترة لهن ،
فاستقام التعليل في الجزأين وسلم الكلام عن ارتكاب الحذف والمجاز وصار الحكم
مطابقا لما دلت عليه الأخبار. والعجب من الأصحاب كيف غفلوا عن هذا الاحتمال الظاهر
وذهبوا الى ما يحتاج الى تلك التكلفات البعيدة الركيكة ، فخذ ما آتيتك وكن من
الشاكرين. انتهى. وهو جيد كما لا يخفى على الفطن النبيه.
إلا انه قال (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي «وأفضل المواضع في الصلاة على الميت الصف الأخير». وهو كما ترى موافق لما
ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) وفهموه من خبر السكوني.
وقال الصدوق في
الفقيه : وأفضل المواضع في الصلاة على الميت الصف الأخير والعلة في ذلك ان النساء
كن يختلطن بالرجال في الصلاة على الجنائز فقال النبي (صلىاللهعليهوآله) «أفضل المواضع في الصلاة على الميت الصف الأخير». فتأخرن
إلى الصف الأخير فبقي فضله على ما ذكره (عليهالسلام). وصدر عبارته كما ترى عين عبارة كتاب الفقه.
ومن الظاهر ان
العلة التي ذكرها إنما أخذها من نص وصل اليه بذلك لانه من أرباب النصوص الذين لا
يعولون إلا عليها بالخصوص دون التخريجات العقلية وحينئذ فتكون هذه رواية ثانية
مطابقة لما في كتاب الفقه ، وما ذكره شيخنا المشار اليه وان تم في رواية السكوني
إلا انه لا يتم في هذين الخبرين.
__________________
ويمكن الجمع
بين ما ذكره وذكرناه بان ما ذكره المتقدمون من هذا الحكم لا ينحصر دليله في
الرواية المذكورة ، لما عرفت في غير موضع انه كثيرا ما يذكرون الأحكام التي لم تصل
أدلتها إلى المتأخرين فيعترضونهم تارة بعدم وجود الدليل ـ ودليله موجود في هذا
الكتاب كما مر بيانه في غير مقام ـ وربما يتكلفون لهم الاستدلال بخبر أو دليل عقلي
، ومن المحتمل ان الأمر هنا من هذا القبيل فإن المتأخرين حيث لم يصل إليهم إلا هذا
الخبر استدلوا به ظنا منهم انه الدليل والحال ان الدليل شيء غيره مما ذكرناه ،
والخبر المذكور انما خرج على الوجه الذي ذكره شيخنا المشار اليه. والله العالم.
المطلب الثالث
ـ في الكيفية وهي على ما تضمنه كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان يكبر تكبيرة
الإحرام ثم يتشهد عقيبها الشهادتين ثم يكبر ثانية ثم يصلى على النبي (صلىاللهعليهوآله) ثم يكبر ثالثة ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ثم يكبر رابعة
ويدعو للميت ان كان مؤمنا ثم خامسة وينصرف.
والمستند في
هذه الكيفية ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن محمد بن مهاجر عن امه أم سلمة قالت «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا صلى على ميت كبر وتشهد ثم كبر وصلى على الأنبياء
ودعا ثم كبر ودعا للمؤمنين ثم كبر الرابعة ودعا للميت ثم كبر وانصرف ، فلما نهاه
الله عن الصلاة على المنافقين كبر وتشهد ثم كبر وصلى على النبيين ثم كبر ودعا
للمؤمنين ثم كبر الرابعة وانصرف».
ورواه الصدوق
في العلل بوجه أبسط وفيه في التكبير الثاني على المؤمن «فصلى على
النبي (صلىاللهعليهوآله)» عوض قوله في رواية الكافي «على الأنبياء» ومثلها في
الصلاة على المنافق.
وفي الفقيه نقل متن الخبر قال : وكان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا صلى على ميت. وساق الخبر ، وفيه في التكبير الثاني
في الموضعين «ثم كبر
__________________
فصلى على النبي (صلىاللهعليهوآله)».
وفي معنى هذه
الرواية ما رواه الشيخ في التهذيب عن إسماعيل بن همام عن ابى الحسن (عليهالسلام) قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) صلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) على جنازة فكبر عليه خمسا وصلى على آخر فكبر عليه
أربعا ، فأما الذي كبر عليه خمسا فحمد الله ومجده في التكبيرة الاولى ودعا في
الثانية للنبي (صلىاللهعليهوآله) ودعا في الثالثة للمؤمنين والمؤمنات ودعا في الرابعة
للميت وانصرف في الخامسة. واما الذي كبر عليه أربعا فحمد الله ومجده في التكبيرة
الأولى ودعا لنفسه وأهل بيته (صلىاللهعليهوآله) في الثانية ودعا للمؤمنين والمؤمنات في الثالثة وانصرف
في الرابعة ولم يدع له لأنه كان منافقا».
وتحقيق الكلام
في هذا المقام يقع في مواضع (الأول) المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب
الدعاء بين التكبيرات ، بل قال في الذكرى ان الأصحاب بأجمعهم يذكرون ذلك في كيفية
الصلاة كابني بابويه والجعفي والشيخين وأتباعهما وابن إدريس ولم يصرح أحد منهم
بندب الأذكار ، والمذكور في بيان الواجب ظاهره الوجوب. وذهب المحقق في الشرائع
صريحا وفي النافع ظاهرا الى الاستحباب.
والأظهر الأول
لوقوع الأمر به في الأخبار المتكاثرة الآتية في المقام ووقوع ذلك في بيان كيفية
الواجب كما في رواية أبي بصير «انها خمس تكبيرات بينهن أربع صلوات».
ولم نقف لما
ذكره المحقق على مستند واضح إلا انه قال السيد السند في المدارك : وربما كان
مستنده إطلاق الروايات المتضمنة لأن الصلاة على الميت خمس تكبيرات الواردة في مقام
البيان الدالة بظاهرها على عدم وجوب ما عدا ذلك. انتهى.
أقول : ومن
الأخبار المشار إليها ما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح عن
__________________
ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «التكبير على الميت خمس تكبيرات». وفي معناها
غيرها.
وأنت خبير بأن
إطلاق هذه الاخبار يجب تقييده بما أشرنا إليه من تلك الأخبار حملا للمطلق على
المقيد كما هي القاعدة المسلمة بينهم. وما ذكره من كون هذه الأخبار واردة في مقام
البيان يمكن أن يجاب عنه بعد الإغماض عما ذكرنا بأنه من الجائز ان المراد انما هو
بيان كمية التكبير لوقوع الاختلاف فيه بين الخاصة والعامة لا بيان كيفية الصلاة كما ادعاه. وظاهر صاحب المدارك
حيث نقل الحجة المذكورة للمحقق ولم يطعن فيها بشيء الجمود عليها ، وفيه ما عرفت.
الثاني ـ انه
على تقدير القول بالوجوب فهل يتعين فيها شيء مخصوص أم لا؟ ظاهر المشهور بين
المتأخرين الأول ، فإنه قد صرح العلامة ومن تأخر عنه
__________________
بوجوب التشهد في الأولى والصلاة على النبي وآله في الثانية والدعاء
للمؤمنين والمؤمنات في الثالثة والدعاء للميت في الرابعة.
ونقل عن ابن
الجنيد انه ليس في الدعاء بين التكبيرات شيء موقت لا يجوز غيره ، والى هذا مال
جماعة من متأخري المتأخرين ، وهو ظاهر الشهيد في الذكرى ايضا ، وهو الأظهر.
ويدل عليه ما
رواه الشيخ عن محمد بن مسلم وزرارة في الصحيح «انهما سمعا أبا جعفر (عليهالسلام) يقول ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت إلا
أن تدعوا بما بدا لك ، وأحق الأموات أن يدعى له أن يبدأ بالصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله)».
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم وزرارة ومعمر ابن يحيى وإسماعيل الجعفي
عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت
تدعو بما بدا لك ، وأحق الموتى أن يدعى له المؤمن وان يبدأ بالصلاة على رسول الله (صلىاللهعليهوآله)».
ويؤيده ما رواه
الشيخ عن يونس بن يعقوب في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الجنازة أيصلى عليها على غير وضوء؟ فقال نعم انما
هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل. الحديث».
الثالث ـ انه
على تقدير القول المشهور من وجوب الأذكار الأربعة المتقدمة لا يتعين فيها لفظ
مخصوص وبه صرح كثير من الأصحاب ، قال شيخنا الشهيد في الذكرى : والمشهور توزيع
الأذكار على ما مر ونقل الشيخ فيه الإجماع ، ولا ريب انه كلام الجماعة إلا ابن ابى
عقيل والجعفي فإنهما أوردا الأذكار الأربعة عقيب كل تكبيرة وان تخالفا في الألفاظ
، قال الفاضل وكلاهما جائز. قلت لاشتمال ذلك على الواجب والزيادة غير منافية مع
ورود الروايات بها وان كان العمل بالمشهور أولى ، وينبغي
__________________
مراعاة هذه الألفاظ تيمنا بما ورد عنهم (عليهمالسلام). انتهى.
أقول :
والأخبار الواردة في المسألة مع كثرتها وتعددها لا تجد فيها خبرا يوافق الآخر في
تعيين الأذكار وتشخيصها ، ولنورد منها جملة في المقام لتحيط خبرا بما اشتملت عليه
من الكلام :
فمنها ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن ابى ولاد ورواه ثقة الإسلام بإسنادين أحدهما من الصحيح أو
الحسن عنه قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن التكبير على الميت فقال خمس : تقول في أولاهن أشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له اللهم صل على محمد وآل محمد. ثم تقول : اللهم
ان هذا المسجى قدامنا عبدك وابن عبدك وقد قبضت روحه إليك وقد احتاج الى رحمتك وأنت
غنى عن عذابه اللهم انا لا نعلم من ظاهره إلا خيرا وأنت أعلم بسريرته اللهم ان كان
محسنا فزد في إحسانه وان كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته. ثم تكبر الثانية وتفعل ذلك
في كل تكبيرة».
ومنها ـ ما
رواه في الكافي عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «تكبر ثم تشهد ثم تقول انا لله وانا إليه راجعون
الحمد لله رب العالمين رب الموت والحياة صل على محمد وأهل بيته جزى الله عنا محمدا
(صلىاللهعليهوآله) خير الجزاء بما صنع بأمته وبما بلغ من رسالات ربه. ثم
تقول اللهم عبدك وابن عبدك ابن أمتك ناصيته بيدك خلا من الدنيا واحتاج الى رحمتك
وأنت غنى عن عذابه اللهم انا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت اعلم به منا ، اللهم ان
كان محسنا فزد في إحسانه وتقبل منه وان كان مسيئا فاغفر له ذنبه وارحمه وتجاوز عنه
برحمتك ، اللهم ألحقه بنبيك وثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ،
اللهم اسلك بنا وبه سبيل الهدى واهدنا وإياه صراطك المستقيم اللهم عفوك عفوك. ثم
تكبر الثانية وتقول مثل ما قلت حتى تفرغ من خمس تكبيرات».
ومنها ـ ما
رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن ابى عبد الله
__________________
(عليهالسلام) «في الصلاة على الميت؟ قال تكبر ثم تصلى على النبي (صلىاللهعليهوآله) ثم تقول اللهم عبدك ابن عبدك ابن أمتك لا اعلم منه إلا
خيرا وأنت أعلم به منى ، اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وتقبل منه وان كان
مسيئا فاغفر له ذنبه وافسح له في قبره واجعله من رفقاء محمد (صلىاللهعليهوآله). ثم تكبر الثانية وتقول ، اللهم ان كان زكيا فزكه وان
كان خاطئا فاغفر له. ثم تكبر الثالثة وتقول : اللهم لا تحرمنا اجره ولا تفتنا
بعده. ثم تكبر الرابعة وتقول : اللهم اكتبه عندك في عليين واخلف على عقبه في
الغابرين واجعله من رفقاء محمد (صلىاللهعليهوآله). ثم كبر الخامسة وانصرف».
ومنها ـ ما
رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن سماعة قال : «سألته عن الصلاة على الميت فقال تكبر خمس
تكبيرات تقول أول ما تكبر : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان
محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد وآل محمد وعلى الأئمة الهداة و (اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ
سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا
رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ،) اللهم اغفر لأحيائنا وأمواتنا من المؤمنين والمؤمنات
والف قلوبنا على قلوب أخيارنا واهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك انك تهدى من
تشاء الى صراط المستقيم. فان قطع عليك التكبيرة الثانية فلا يضرك تقول : اللهم
عبدك ابن عبدك وابن أمتك أنت أعلم به منى افتقر الى رحمتك واستغنيت عنه اللهم
فتجاوز عن سيئاته وزد في إحسانه واغفر له وارحمه ونور له في قبره ولقنه حجته
وألحقه بنبيه (صلىاللهعليهوآله) ولا تحرمنا اجره ولا تفتنا بعده. تقول هذا حتى تفرغ من
خمس تكبيرات». وزاد في التهذيب «فإذا فرغت سلمت عن يمينك».
قال في الوافي
ذيل هذا الخبر : قوله (عليهالسلام) «فان قطع عليك التكبيرة الثانية فلا يضرك» كأنه أريد
به انك ان كنت مأموما لمخالف فكبر الإمام الثانية قبل فراغك من هذا الدعاء أو بعده
وقبل الإتيان بما يأتي فلا يضرك ذلك القطع بل تأتى بتمامه
__________________
أو بما يأتي بعد الثانية بل الثالثة والرابعة حتى تتم الدعاء. وقوله (عليهالسلام) «تقول اللهم» أى تقول هذا بعد ذاك سواء قطع عليك بأحد
المعنيين أو لم يقطع ، وفي التهذيب «فقل» بدل «تقول» وقوله في آخر الحديث «تقول
هذا» يعنى تكرر المجموع أو هذا الأخير ما بين كل تكبيرتين. وفي التهذيب «حين تفرغ»
مكان «حتى تفرغ» وعلى هذا يكون معناه أن تأتي بالدعاء الأخير بعد الفراغ من الخمس.
وفيه بعد والظاهر انه تصحيف. والتسليم شاذ ولهذا ترك في الكافي ما تضمنه من
الأخبار رأسا ولم يورده في هذا الخبر ، وحمله في التهذيب على التقية وينافيه ذكر الخمس في عدد التكبيرات. انتهى.
ومنها ـ ما
رواه في التهذيب عن كليب الأسدي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن التكبير على الميت فقال بيده : خمسا. قلت كيف أقول
إذا صليت عليه؟ قال تقول : اللهم عبدك احتاج الى رحمتك وأنت غنى عن عذابه اللهم ان
كان محسنا فزد في إحسانه وان كان مسيئا فاغفر له».
أقول : الظاهر
ان المراد هو الإتيان بهذا الدعاء بين كل تكبيرتين وأما احتمال انه بعد الرابعة
بالخصوص بعد الإتيان بما هو الموظف في روايتي أم سلمة وإسماعيل بن همام فالظاهر بعده.
ومنها ـ ما
رواه في التهذيب في الموثق عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الصلاة على الميت فقال تكبر ثم تقول (إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ
راجِعُونَ ، إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
__________________
تَسْلِيماً
،) اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد كما
صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم صل على محمد وعلى أئمة
المسلمين اللهم صل على محمد وعلى امام المسلمين ، اللهم عبدك فلان وأنت أعلم به
اللهم ألحقه بنبيه محمد (صلىاللهعليهوآله) وافسح له في قبره ونور له فيه وصعد روحه ولقنه حجته
واجعل ما عندك خيرا له وأرجعه إلى خير مما كان فيه ، اللهم عندك نحتسبه فلا تحرمنا
اجره ولا تفتنا بعده ، اللهم عفوك عفوك. تقول هذا كله في التكبيرة الأولى ثم تكبر
الثانية وتقول : اللهم عبدك فلان اللهم ألحقه بنبيه محمد (صلىاللهعليهوآله) وافسح له في قبره ونور له فيه وصعد روحه ولقنه حجته
واجعل ما عندك خيرا له وأرجعه إلى خير مما كان فيه ، اللهم عندك نحتسبه فلا تحرمنا
أجره ولا تفتنا بعده ، اللهم عفوك اللهم عفوك. تقول هذا في الثانية والثالثة
والرابعة فإذا كبرت الخامسة فقل : اللهم صل على محمد وآل محمد اللهم اغفر للمؤمنين
والمؤمنات والف بين قلوبهم وتوفني على ملة رسولك (صلىاللهعليهوآله) اللهم (اغْفِرْ لَنا
وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا
غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ،) اللهم عفوك اللهم عفوك. وتسلم».
قال في الوافي
في ذيل هذا الخبر : وما ذكر من الدعاء بعد الخامسة والتسليم شاذ وكذا في الخبر
الآتي كما أشرنا إليه من قبل.
ومنها ـ ما
رواه في التهذيب عن يونس عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «الصلاة على الجنائز التكبيرة الأولى استفتاح
الصلاة والثانية يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) والثالثة الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) وعلى أهل بيته والثناء على الله تعالى والرابعة له
والخامسة يسلم ويقف مقدار ما بين التكبيرتين ولا يبرح حتى يحمل السرير من بين يديه».
ومنها ـ ما في
كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام) : «وارفع يديك
__________________
بالتكبير الأول وقل : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا
عبده ورسوله وان الموت حق والجنة حق والنار حق والبعث حق وان الساعة آتية لا ريب
فيها وان الله يبعث من في القبور. ثم كبر الثانية وقل : اللهم صل على محمد وآل
محمد أفضل ما صليت وباركت ورحمت وترحمت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين
انك حميد مجيد. ثم تكبر الثالثة وتقول : اللهم اغفر لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات
والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات تابع اللهم بيننا وبينهم في الخيرات
انك مجيب الدعوات وولى الحسنات يا ارحم الراحمين. ثم تكبر الرابعة وتقول : اللهم
ان هذا عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بساحتك وأنت خير منزول به اللهم انا لا نعلم
منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا ، اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وان كان مسيئا
فتجاوز عن سيئاته واغفر لنا وله ، اللهم احشره مع من يتولاه ويحبه وأبعده ممن يتبرأه
ويبغضه ، اللهم ألحقه بنبيك وعرف بينه وبينه وارحمنا إذا توفيتنا يا إله العالمين.
ثم تكبر الخامسة وتقول : (رَبَّنا آتِنا فِي
الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ). ولا تسلم ولا تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على أيدي
الرجال».
وقال (عليهالسلام) في موضع آخر : إذا أردت أن تصلى على الميت فكبر عليه خمس تكبيرات ،
يقوم الامام عند وسط الرجل وصدر المرأة ، ويرفع اليد بالتكبير الأول ويقنت بين كل
تكبيرتين ، والقنوت ذكر الله والشهادتان والصلاة على محمد وآله والدعاء للمؤمنين
والمؤمنات ، هذا في تكبيرة بغير رفع اليدين ولا التسليم لأن الصلاة على الميت انما
هو دعاء وتسبيح واستغفار. وساق الكلام الى ان قال : وتقول في التكبيرة الأولى في
الصلاة على الميت : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده
ورسوله انا لله وانا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين رب الموت والحياة وصلى
الله على محمد وعلى أهل بيته وجزى الله محمدا
__________________
(صلىاللهعليهوآله) عنا خير الجزاء بما صنع لأمته وما بلغ من رسالات ربه.
ثم تقول : اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيته بيدك تخلى من الدنيا واحتاج الى
ما عندك نزل بك وأنت خير منزول به وافتقر الى رحمتك وأنت غنى من عذابه ، اللهم انا
لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه وتقبل
منه وان كان مسيئا فاغفر له ذنبه وارحمه وتجاوز عنه برحمتك ، اللهم ألحقه بنبيك
وثبته بالقول الثابت في الدنيا والآخرة ، اللهم اسلك بنا وبه سبيل الهدى واهدنا
وإياه صراطك المستقيم اللهم عفوك عفوك. ثم تكبر الثانية وتقول مثل ما قلت حتى تفرغ
من خمس تكبيرات. وقال ليس فيها تسليم. الى آخره.
وقال أيضا في
الكتاب المذكور : باب آخر في الصلاة على الميت قال : تكبر ثم تصلى على
النبي (صلىاللهعليهوآله) وأهل بيته ، ثم تقول اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك
لا اعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به ، اللهم ان كان محسنا فافسح له في قبره واجعله
من رفقاء محمد (صلىاللهعليهوآله). ثم تكبر الثانية فقل : اللهم ان كان زاكيا فزكه وان
كان خاطئا فاغفر له. ثم تكبر الثالثة فقل : اللهم لا تحرمنا اجره ولا تفتنا بعده.
ثم تكبر الرابعة وقل : اللهم اكتبه عندك في عليين واخلف على أهله في الغابرين
واجعله من رفقاء محمد (صلىاللهعليهوآله). ثم تكبر الخامسة وتنصرف.
أقول : ما ذكره
(عليهالسلام) في هذا الباب الأخير هو رواية زرارة المتقدم نقلها عن
الكافي وهي الثالثة من الروايات المتقدمة ، وما ذكره في سابق هذه الكيفية هو مضمون
حسنة الحلبي المتقدم نقلها عن الكافي أيضا وهي الثانية بتغيير يسير ، ولعله من قلم
النساخ في إحدى النسختين واما الأولى مما ذكره (عليهالسلام) فهو من خصوصيات الكتاب وهي راجعة إلى الرواية المشهورة
إلا ان تلك مجملة وهذه مفصلة فتكون مؤيدة لها وعاضدة لما دلت عليه من التوزيع على
النحو المخصوص. وذكره (عليهالسلام) هذه الكيفيات الثلاث مشعر بان الأمر في ذلك موسع وانه
ليس فيه
__________________
تعيين لفظ مخصوص ولا ترتيب مخصوص كما يفهم من الروايات الأخرى التي سردناها
ايضا وان كان الأفضل العمل بالرواية المشهورة المعتضدة بعمل الأصحاب بمضمونها سلفا
وخلفا.
وبذلك يظهر لك
ما في كلام صاحب المدارك هنا حيث قال بعد ان نقل عن المصنف ان أفضل ما يقال في
صلاة الجنازة ما رواه محمد بن مهاجر عن امه أم سلمة : وكأن وجه الدلالة على أفضلية ما تضمنته الرواية قوله (عليهالسلام): «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا صلى على ميت كبر وتشهد». فان لفظ «كان» يشعر
بالدوام وأقل مراتب مواظبة النبي (صلىاللهعليهوآله) على ذلك الرجحان. الى ان قال : والأولى والأفضل اعتماد
ما تضمنته الروايات المعتبرة عن أئمة الهدى (عليهمالسلام) ثم نقل صحيحة أبي ولاد وحسنة الحلبي وحسنة زرارة.
أقول : لا يخفى
ان وجه هذه الأفضلية عنده إنما نشأت من حيث اعتبار أسانيد هذه الأخبار باصطلاحه
فان فيها الصحيح والحسن بخلاف رواية ابن المهاجر المعتضدة برواية إسماعيل بن همام
حيث انهما ضعيفتا السند باصطلاحه.
وفيه انهما وان
ضعف سندهما بهذا الاصطلاح إلا ان عمل الطائفة سلفا وخلفا بما اشتملتا عليه هو
المرجح لهما ، فإنه لم ينقل عن أحد القول بما دلت عليه هذه الأخبار التي نوه بها
وان صح سندها حتى من أصحاب هذا الاصطلاح بل الكل متفقون على القول بمضمون
الروايتين المذكورتين ، وكم من رواية صحيحة قد اعرض عنها الأصحاب حتى مثل هذا
القائل إذا اعوزتهم الحيلة فيها ، ومنها يعلم انه ليس المدار على الصحة بهذا
المعنى المحدث وانما المدار على الصحة بالمعنى القديم المعمول عليه بين جمهور
القدماء الذين ليس لهذا الاصطلاح عندهم اثر. على ان هذه الأخبار التي استند إليها
غير متفقة على نمط واحد بل هي مختلفة كما عرفت.
وكيف كان
فالظاهر هو القول المشهور وحمل هذه الأخبار على الرخصة والتوسعة كما يشير إليه
إيراده (عليهالسلام) في كتاب الفقه هذه الكيفيات الثلاث. والله العالم.
__________________
الرابع ـ ظاهر
خبري أم سلمة وإسماعيل بن همام المتقدمين انه (صلىاللهعليهوآله) في صلاته على المنافق انصرف بعد التكبير الرابع ولم
يدع له ولا عليه ، وعلى هذا فالمراد بقوله (عليهالسلام) في حديث أم سلمة «فلما نهاه الله عن الصلاة على
المنافقين» انما هو بمعنى الدعاء لهم لا ان النهى عن أصل الصلاة ، لأن الخبرين
صريحان في انه (صلىاللهعليهوآله) صلى عليهم بعد النهى وانما ترك الدعاء لهم بعد الرابعة
خاصة. وبالجملة فظاهر الخبرين المذكورين انه ينصرف بمجرد التكبير الرابع في الصلاة
على المنافق كما ينصرف بالخامس في الصلاة على المؤمن.
وما احتمله بعض
مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين ـ من أن المراد الانصراف بإتمام دعاء
الرابعة جمعا بينه وبين ما دل على الدعاء على المنافق كما سيأتي في الأخبار ـ فلا
يخفى بعده وركاكته بالنظر الى ظاهر سياق الخبرين المذكورين.
وبما ذكرنا صرح
شيخنا الشهيد في الذكرى فقال : والظاهر ان الدعاء على هذا القسم غير واجب لان
التكبير عليه اربع وبها يخرج من الصلاة. قال في المدارك : وهو غير جيد فان الدعاء
للميت أو عليه لا يتعين وقوعه بعد الرابعة كما بيناه.
أقول : أشار
بما بينه الى ما اختاره ـ كما قدمنا نقله عنه ـ من العمل بتلك الروايات الصحيح
بعضها والحسن بعضها وطرح روايتي أم سلمة وإسماعيل بن همام. وفيه ان كلام شيخنا
الشهيد مبنى على العمل بهذين الخبرين الذين هما مستند الأصحاب في تفريق الأدعية
وتوزيعها على التكبيرات كما هو القول المشهور بين كافة الأصحاب سلفا وخلفا.
والأخبار التي أشار إليها لم يقل بها أحد سواه ومن تبعه ، ولا ريب ان الخبرين
المذكورين واضحا الدلالة في ما ذكره الشهيد من الانصراف بمجرد التكبير الرابع وعدم
الدعاء مطلقا.
نعم يبقى
الكلام في الجمع بين هذين الخبرين وبين الأخبار الدالة على الدعاء على المنافق كما
عليه الأصحاب (رضوان الله عليهم) وقد عرفت بعد ما احتمله بعض
__________________
المحققين في الجمع بين هذه الأخبار كما أشرنا إليه آنفا.
ويمكن التوفيق
بينها بان يقال لا يخفى ان ما دل على الانصراف بعد الرابعة انما ورد في صلاته (صلىاللهعليهوآله) على منافقي زمانه وحكاية صلاته عليهم ، وما ورد في
الدعاء عليهم انما ورد في الصلاة على الناصب والمخالفين من أهل السنة وان عبر عنهم
بالمنافقين أيضا في بعض الأخبار.
وها أنا أسوق
ما وقفت عليه من الأخبار في ذلك لتطلع على صحة ما هنالك ، فمن ذلك ما رواه في
الكافي عن عامر بن السمط عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «ان رجلا من المنافقين مات فخرج الحسين بن على (عليهماالسلام) يمشى معه فلقيه مولى له فقال له الحسين (عليهالسلام) أين تذهب يا فلان؟ فقال له مولاه أوفر من جنازة هذا
المنافق أن أصلي عليها. فقال له الحسين (عليهالسلام) انظر ان تقوم على يميني فما تسمعني أقول فقل مثله.
فلما ان كبر عليه وليه قال الحسين (عليهالسلام) : الله أكبر العن فلانا عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير
مختلفة اللهم أخز عبدك في عبادك وبلادك وأصله حر نارك وأذقه أشد عذابك فإنه كان
يتولى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك (صلىاللهعليهوآله)».
وما رواه في
الكافي والفقيه في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا صليت على عدو الله فقل : اللهم ان فلانا لا
نعلم منه إلا انه عدو لك ولرسولك (صلىاللهعليهوآله) اللهم فاحش قبره نارا واحش جوفه نارا وعجل به الى
النار فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك اللهم ضيق عليه
قبره. وإذا رفع فقل اللهم لا ترفعه ولا تزكه».
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «ان كان جاحدا للحق فقل : اللهم املأ جوفه نارا
وقبره نارا وسلط عليه الحياة والعقارب وذلك قاله أبو جعفر (عليهالسلام) لامرأة سوء من بنى أمية صلى عليها ابى ، وقال هذه
المقالة : واجعل الشيطان لها قرينا».
__________________
وقال في كتاب
الفقه الرضوي في تتمة العبارة الأولى مما قدمنا نقله عنه : وإذا كان
الميت مخالفا فقل في تكبيرك الرابعة : اللهم أخز عبدك وابن عبدك هذا اللهم أصله حر
نارك اللهم أذقه اليم عذابك وشديد عقوبتك وأورده نارا واملأ جوفه نارا وضيق عليه
لحده فإنه كان معاديا لأوليائك ومتواليا لأعدائك. اللهم لا تخفف عنه العذاب واصبب
عليه العذاب صبا. فإذا رفع جنازته فقل اللهم لا ترفعه ولا تزكه».
وهذه ا؟
لروايات كلها كما ترى ظاهرة في المخالف من أهل السنة ، وحينئذ فيجب ان يقصر كل من
هذه الاخبار والخبرين المتقدمين على مورده.
ولا ينافي ذلك ما
ورد في حديث عبد الله بن ابى وهو ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال «لما مات عبد الله بن ابى بن سلول حضر.
__________________
النبي (صلىاللهعليهوآله) جنازته فقال عمر لرسول الله يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ألم ينهك الله ان تقوم على قبره؟ فسكت فقال يا رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) ألم ينهك الله أن تقوم على قبره؟ فقال له ويلك وما
يدريك ما قلت؟ انى قلت : اللهم احش جوفه نارا واملأ قبره نارا وأصله نارا. قال أبو
عبد الله (عليهالسلام) فأبدى من رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ما كان يكره».
فإنه يمكن
تخصيص الخبر به حيث انه كان رأس النفاق على ان الخبر غير ظاهر في كونه (صلىاللهعليهوآله) صلى عليه وانما فيه انه حضر جنازته ومجرد الحضور لا
يستلزم الصلاة.
ومما يعضد
الأول أعني تخصيص الخبر به ما صرح به شيخنا المفيد (عطر الله مرقده) في كتاب
المقنعة حيث قال : روى عن الصادقين (عليهمالسلام) انهم قالوا «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يصلى على المؤمنين ويكبر خمسا ويصلى على أهل النفاق
سوى من ورد النهى عن الصلاة عليهم فيكبر أربعا». فإنه يدل على
__________________
إن النهى انما هو عن أناس مخصوصين ، ولا ريب ان رأس المنافقين الذي نزلت
فيه سورة المنافقين هو عبد الله المذكور.
على ان حديث
الحسين (عليهالسلام) غير صريح ولا ظاهر في كونه صلى عليه الصلاة المعهودة
وانما تضمن انه دعا عليه ، فان قوله «فلما ان كبر عليه وليه قال الحسين (عليهالسلام) الله أكبر اللهم العن فلانا. الى آخره» ظاهر في انه
دعا عليه في أول تكبيرة ثم لم يزل يكرر ذلك في كل تكبيرة.
وبالجملة فإنك
قد عرفت مما قدمنا ذكره في المطلب الأول ان المخالف لا يصلى عليه إلا ان تلجئ
التقية الى ذلك ، وحينئذ فمتى صلى عليه فهو مخير بين الدعاء عليه بعد كل تكبيرة ـ كما
هو ظاهر خبر الحسين (عليهالسلام) بالتقريب الذي ذكرناه ، وعليه يحمل ما بعده ايضا من
خبري الحلبي ومحمد بن مسلم فإنهما ظاهران في الإطلاق ـ وبين الدعاء بعد الرابعة
كما هو صريح عبارة كتاب الفقه الرضوي. وأما روايتا أم سلمة وإسماعيل بن همام فقد عرفت انهما مخصوصتان بمنافقى أهل زمانه (صلىاللهعليهوآله) لأجل تأليف الناس ، مع ان الخبرين ليس فيهما دعاء له
ولا عليه. والله العالم.
الخامس ـ روى
الصدوق في كتاب العلل بسنده عن ابى بصير قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) لأي علة تكبر على الميت خمس تكبيرات ويكبر مخالفونا
اربع تكبيرات؟ قال لأن الدعائم التي بنى عليها الإسلام خمس : الصلاة والزكاة
والصوم والحج والولاية لنا أهل البيت ، فجعل الله للميت من كل دعامة تكبيرة ،
وانكم أقررتم بالخمس كلها وأقر مخالفوكم بأربع وأنكروا واحدة ، فمن ذلك يكبرون على
موتاهم أربع تكبيرات وتكبرون خمسا».
وروى في كتاب
عيون الأخبار بسنده عن الحسن بن النضر قال : «قال الرضا (عليهالسلام) ما العلة في التكبير على الميت خمس تكبيرات؟ قلت رووا
انها
__________________
اشتقت من خمس صلوات. فقال هذا ظاهر الحديث فاما في وجه آخر فان الله فرض
على العباد خمس فرائض : الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، فجعل للميت من كل
فريضة تكبيرة واحدة ، فمن قبل الولاية كبر خمسا ومن لم يقبل الولاية كبر أربعا ،
فمن أجل ذلك تكبرون خمسا ومن خالفكم يكبر أربعا».
أقول : المعنى
في هذين الخبرين ان العلة في فرض الله سبحانه خمس تكبيرات في الصلاة على الميت
المؤمن هو فرض هذه الفرائض الخمس عليه في حال الحياة فجعل له بعد الموت من كل
فريضة تكبيرة ، ولما كانت الشيعة الإمامية ممن وفق في الحياة للقيام بالفرائض
الخمس المذكورة كان الواجب عندهم في التكبير على الميت هذا العدد فحصل لهم التوفيق
بالفرضين حياة وموتا ، والمخالف لما سلب التوفيق للقيام بالفريضة الخامسة وهي
الولاية في الحياة سلب التوفيق لتكبيرها بعد الموت ، فحصل لهم من الشبهة في
الحالين الناشئة عن الخذلان وسلب التوفيق ما أوجب لهم ترك الولاية في الحياة وترك
التكبير بعد الموت.
ولعل الشبهة
الموجبة لتركهم التكبير الخامس ما ورد في بعض الأخبار عنه (صلىاللهعليهوآله) انه كان يكبر أربعا على بعض الأموات ولم يتفقهوا الى
ان ذلك انما هو في ما إذا كان الميت منافقا كما صرحت به أخبار أهل البيت (عليهمالسلام) من انه (صلىاللهعليهوآله) كان يصلى على بعض خمس تكبيرات وعلى أناس أربعا وانه
إذا كبر اربع تكبيرات اتهم بالنفاق.
وربما أكد ذلك
عندهم إصرار الشيعة على الخمس حيث انهم يتعمدون مخالفتهم وان اعترفوا بأن السنة
النبوية في ما عليه الشيعة ، بل قد صرح بهذا الوجه بعض شراح صحيح مسلم على ما نقله
بعض أصحابنا (رضوان الله عليهم) حيث قال نقلا عنه : انما ترك القول بالتكبيرات
الخمس في صلاة الجنازة لأنه صار علما للتشيع. وقال عبد الله المالكي المغربي في
كتابه المسمى بفوائد مسلم ـ كما نقله بعض أصحابنا
__________________
ايضا ـ ان زيدا كبر خمسا على جنازة ، قال وكان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يكبرها ، وهذا المذهب الآن متروك لانه صار علما على
القول بالرفض. وقد أوردنا في كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن ابى الحديد جملة من
مخالفتهم التي من هذا القبيل.
قال شيخنا
الشهيد في الذكرى يجب فيها خمس تكبيرات لخبر زيد بن أرقم أنه كبر على جنازة خمسا
وقال كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يكبرها ، أورده مسلم وأكثر المسانيد ، ولفظ «كان» يشعر بالدوام ، والأربع
وان رويت فالإثبات مقدم على النفي وجاز أن يكون راوي الأربع لم يسمع الخامسة أو
نسيها ، قال بعض العامة الزيادة ثابتة عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) والاختلافات المنقولة في العدد من جملة الاختلاف في
المباح والكل شائع. وفي كلام بعض شراح مسلم انما ترك القول بالخمس لانه صار علما
للقول بالتشيع وهذا عجيب. انتهى.
هذا ، وأما
الأخبار الدالة على انه (صلىاللهعليهوآله) كان يكبر على المنافقين أربعا فإنه لا منافاة فيها
لهذه العلة المذكورة في هذين الخبرين ، لان هذه العلة إنما ذكرت بالنسبة الى من
دخل في الإسلام وصدق به ودان به من الأنام دون من لم يصدق به من المنافقين في زمنه
(صلىاللهعليهوآله) وحينئذ فصلاته عليهم أربعا الظاهر انها انما وقعت
للتمييز بينهم وبين المؤمنين وإظهار بغضهم ونفاقهم بين العالمين ، والمخالفون
لخذلانهم وسلب توفيقهم للولاية قد دخلوا في زمرتهم والتحقوا بهم. والله العالم.
السادس ـ لا خلاف
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن الواجب في الصلاة على الميت المؤمن خمس
تكبيرات وبه استفاضت الأخبار عنهم (عليهمالسلام)
__________________
وقد مر جملة منها في المباحث المتقدمة ولا سيما الأخبار المتضمنة لعلة الخمس
المذكورة
ومنها ـ ما
رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «لما مات آدم فبلغ إلى الصلاة عليه فقال هبة
الله لجبرئيل تقدم يا رسول الله فصل على نبي الله فقال جبرئيل ان الله أمرنا
بالسجود لأبيك فلسنا نتقدم أبرار ولده وأنت من أبرهم فتقدم فكبر عليه خمسا عدة
الصلوات التي فرضها الله على امة محمد (صلىاللهعليهوآله) وهي من السنة الجارية في ولده الى يوم القيامة».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «التكبير على الميت خمس تكبيرات».
وعن إسماعيل بن
سعد الأشعري في الصحيح عن ابى الحسن الرضا (عليهالسلام) قال : «سألته عن الصلاة على الميت فقال أما المؤمن فخمس
تكبيرات واما المنافق فأربع ، ولا سلام فيها».
وعن ابى بصير
عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «كبر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) خمسا».
وعن ابى بصير
عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «التكبير على الميت خمس تكبيرات».
وما رواه في
الكافي عن ابى بكر الحضرمي قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) يا أبا بكر هل تدري كم الصلاة على الميت؟ قلت لا. قال
خمس تكبيرات. فتدري من أين أخذت الخمس؟ قلت لا. قال أخذت الخمس تكبيرات من الخمس
صلوات من كل صلاة تكبيرة».
وعن سليمان بن
جعفر الجعفري عن أبيه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال «قال
__________________
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان الله فرض الصلاة خمسا وجعل للميت من كل صلاة تكبيرة».
وما رواه الشيخ
عن قدامة بن زائدة قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) صلى على ابنه إبراهيم فكبر عليه خمسا». الى غير ذلك من
الأخبار.
ومقتضى ذلك انه
لا يجوز الزيادة على ذلك بقصد انها من الصلاة لأنه تشريع محض. وهل تبطل الصلاة
بالزيادة؟ قيل لا لخروجه بالخامسة من الصلاة. ولا يجوز النقيصة عن ذلك إلا مع
إمكان التدارك.
واما ما يدل
على خلاف ذلك ـ مثل ما رواه الشيخ عن جابر قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن التكبير على الجنازة هل فيه شيء موقت؟ فقال لا كبر
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أحد عشر وتسعا وسبعا وخمسا وستا وأربعا». ـ
فقد أجاب الشيخ
عنه فقال : ما تضمن هذا الخبر من زيادة التكبير على الخمس مرات متروك بالإجماع ،
ويجوز أن يكون (عليهالسلام) أخبر عن فعل النبي (صلىاللهعليهوآله) بذلك لانه كان يكبر على جنازة واحدة أو اثنتين فكان
يجاء بجنازة اخرى فيبتدئ من حيث انتهى خمس تكبيرات فإذا أضيف الى ما كان كبر زاد
على الخمس تكبيرات ، وذلك جائز على ما سنبينه في ما بعد ان شاء الله تعالى. واما
ما يتضمن من الأربع تكبيرات فمحمول على التقية لأنه مذهب المخالفين أو يكون أخبر عن فعل النبي (صلىاللهعليهوآله) مع المخالفين والمتهمين بالإسلام لانه (صلىاللهعليهوآله) كذا كان يفعل. انتهى.
وربما حمله بعض
الأصحاب على الاستحباب إذا التمس أهل الميت ذلك وفي
__________________
بعض الأخبار اشارة اليه. وبالجملة فالمفهوم من الأخبار هو وجوب الخمس في
الصلاة على المؤمن وأما المنافق والمخالف فالأربع كما تقدم. والله العالم.
السابع ـ لا
يخفى ان لهذه الصلاة واجبات ومندوبات ، وتحقيق الكلام في ذلك يقع في مقامين (الأول)
في ما يجب فيها :
ومنها ـ النية وهي
قصد الفعل طاعة لله ، قالوا : ولا يجب فيها التعرض للوجه ولا للأداء والقضاء.
أقول : والأمر
في النية ـ كما عرفت في المباحث المتقدمة ـ مفروغ عنه عندنا ونعني بها النية
الحقيقية لا هذه النية الافتعالية كما تقدم تحقيقه.
ومنها ـ وجوب
الاستقبال من المصلى ولا خلاف فيه ، واستدلوا على ذلك بأنه هو المنقول عن النبي (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (عليهمالسلام) فيجب تحصيلا للبراءة اليقينية لعدم ثبوت شرعيتها على
وجه آخر.
ومثل هذا
التعليل وان جرت لهم فيه مناقشات في غير هذا الموضع إلا انه في هذا الموضع مسلم
الثبوت بين أصحابنا تلك المناقشات.
قال في الذكرى
: يجب فيها استقبال المصلي إلحاقا لها بسائر الصلوات. ولا يخفى ما فيه وكيف كان
فيقين البراءة يقتضيه.
نعم انما يجب
ذلك مع الإمكان فلو تعذر من المصلى أو الجنازة كالمصلوب الذي يتعذر إنزاله سقط
الوجوب.
وروى الكليني
في الصحيح الى ابى هاشم الجعفري قال : «سألت الرضا (عليهالسلام) عن المصلوب فقال اما علمت ان جدي صلى على عمه؟ قلت
أعلم ذلك ولكني لا أفهمه مبينا. قال أبينه لك : ان كان وجه المصلوب إلى القبلة فقم
على منكبه الأيمن وان كان قفاه إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر فإن بين المشرق
والمغرب قبلة وان كان منكبه الأيسر إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن وان كان منكبه
الأيمن إلى القبلة
__________________
فقم على منكبه الأيسر ، وكيف كان منحرفا فلا تزايلن مناكبه وليكن وجهك الى
ما بين المشرق والمغرب ولا تستقبله ولا تستدبره البتة. قال أبو هاشم وقد فهمته ان
شاء الله تعالى فهمته والله».
قال في الذكرى
: وهذه الرواية وان كانت غريبة نادرة كما قال الصدوق وأكثر الأصحاب لم يذكروا
مضمونها في كتبهم إلا انه ليس لها معارض ولا راد ، وقد قال أبو الصلاح وابن زهرة
يصلى على المصلوب ولا يستقبل وجهه الإمام في التوجه فكأنهما عاملان بها ، وكذا
صاحب الجامع الشيخ نجيب الدين بن سعيد ، والفاضل في المختلف قال ان عمل بها فلا
بأس ، وابن إدريس نقل عن بعض الأصحاب انه صلى عليه وهو على خشبة استقبل بوجهه وجه
المصلى عليه ويكون هو مستدبر القبلة ، ثم حكم بأن الأظهر إنزاله بعد الثلاثة
والصلاة عليه. قلت هذا النقل لم أظفر به وإنزاله قد يتعذر كما في قضية زيد (عليهالسلام). انتهى.
وقال في
المختلف بعد ذكر الحكم المذكور : ويحمل الصلب على من وجب عليه قودا وفي حق المحارب
إذا قتل فإنه يقتل ويصلب بعد ان يؤمر بالغسل والكفن.
ومنها ـ القيام
مع القدرة إجماعا ومع العجز يصلى بحسب الإمكان ، قال في الذكرى بعد دعوى الإجماع
على وجوبه : بل هو الركن الأظهر لأن النبي (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (عليهمالسلام) والصحابة صلوا عليها قياما والتأسي واجب خصوصا في
الصلاة لقول النبي (صلىاللهعليهوآله) «صلوا كما رأيتموني أصلي». ولأن الأصل بعد شغل الذمة عدم البراءة إلا
بالقيام فيتعين. انتهى. والكلام فيه كما عرفت في الأول لأنه مسلم الصحة بينهم لا
راد ولا مناقش فيه.
وفي الاكتفاء
بصلاة العاجز مع وجود من يمكنه القيام اشكال ، من صدق الصلاة الواجبة بالنسبة الى
ذلك المصلى ، ومن نقصها ووجود من يأتي بالصلاة الكاملة. ورجح في المدارك الثاني
معللا بأن الأصل عدم السقوط بغير الصلاة الكاملة
__________________
وجعل الأول احتمالا. وظاهره في الذكرى وكذا الفاضل الخراساني في الذخيرة
التوقف ، وهو كذلك لعدم الدليل الواضح في المقام.
ومنها ـ وجوب
الستر مع الإمكان على خلاف فيه ، فجزم العلامة (قدسسره) بعدم اعتباره ، قال لانه دعاء. وقال في الذكرى :
الأقرب وجوب ستر العورة مع الإمكان إلحاقا لها بسائر الصلوات وبحكم التأسي. ثم قال
: وقال الفاضل ليس الستر شرطا في صلاة الجنازة لأنها دعاء. ثم أجاب عنه وقال : قلت
لا ريب انها تسمى صلاة وان اشتملت على الدعاء فتدخل تحت عموم الصلاة ، ويعارض
بوجوب القيام والاستقبال فيها. انتهى.
أقول : لا يخفى
ما في كلامه (قدسسره) من الوهن وتطرق المناقشة إليه بأن الإطلاق أعم من
الحقيقة ، والاستدلال على الوجوب الإلحاق بسائر الصلوات والتأسي مجازفة محضة في
الأحكام الشرعية المطلوب فيها الثبوت بالأدلة القطعية دون مجرد التخمينات الظنية
وإلا كان قولا على الله بغير علم ، وقد استفاضت الآيات والروايات بالنهي عنه ، ومن
ذلك يظهر لك ان لا مستند لهم في جميع هذه الأحكام أزيد من الاتفاق والإجماع الذي
يدعونه ، فان جميع ما ذكروه من هذه التعليلات العليلة وان جرى الخلف فيها على ما
جرى عليه السلف لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ، وليس في المقام دليل شرعي يمكن
التمسك به سوى الاحتياط فإنه في مواضع الاشتباه واجب كما قدمنا تحقيقه في غير
مقام.
قال في الذكرى
: وفي وجوب ازالة الخبث عنه وعن ثوبه نظر من الأصل وانها دعاء وأخفية الخبث
بالنسبة إلى الحدث ومن ثم صحت الصلاة مع الخبث لا مع بقاء حكم الحدث ، ومن إطلاق
التسمية بالصلاة التي يشترط فيها ذلك والاحتياط. ولم أقف في هذا على نص ولا فتوى.
انتهى.
أقول : ضعف
الوجه الثاني أظهر من أن يحتاج الى بيان ، سيما بعد ما عرفت في ما قدمناه مما
ظاهرهم الاتفاق عليه في هذا المكان ، ويزيده تأييدا ما في موثقة
يونس بن يعقوب «في الصلاة على الجنازة من غير وضوء؟ قال نعم انما هو تكبير وتسبيح وتحميد
وتهليل كما تكبر وتسبح في بيتك».
وما في صحيحة
الحلبي الواردة في جواز الصلاة حين تغيب الشمس وحين تطلع قال «انما هو استغفار».
ومنها ـ وجوب
الاستقبال بالميت بان يوضع رأسه عن يمين المصلى مستلقيا ورجلاه الى يسار المصلى ،
قال ابن حمزة بحيث لو اضطجع على يمينه لكان بإزاء القبلة وعللوه بالتأسي بالنبي (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (عليهمالسلام) وعدم يقين الخروج من العهدة بدونه.
والأظهر
الاستدلال عليه بما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «انه سئل عن ميت صلى عليه فلما سلم الإمام فإذا الميت مقلوب رجلاه الى موضع
رأسه قال : يسوى وتعاد الصلاة عليه وان كان قد حمل ما لم يدفن فان دفن فقد مضت
الصلاة ولا يصلى عليه وهو مدفون».
والحكم المذكور
مما لا خلاف فيه بينهم ، لكن ينبغي أن يعلم ان ذلك انما يعتبر بالنسبة الى غير
المأموم ولا بد ايضا من تقييده بصورة الإمكان ، فلو تعذر كالمصلوب الذي يتعذر
إنزاله سقط كما تقدم في صلاة الصادق (عليهالسلام) على عمه زيد مصلوبا.
ومنها ـ انهم
صرحوا بأنه لا يجوز الصلاة عليه إلا بعد تغسيله وتكفينه إلا ان يتعذر الكفن فإنه
يجعل في قبره وتستر عورته ويصلى عليه.
والحكم الأول
مما ظاهرهم الاتفاق عليه ، قال في المدارك : هذا قول العلماء كافة لأن النبي (صلىاللهعليهوآله) هكذا فعل وهكذا الصحابة والتابعون فيكون الإتيان
بخلافه تشريعا محرما.
__________________
والأظهر في
الاستدلال على عدم الجواز في الصورة المذكورة هو وجوب الاحتياط في مقام الاشتباه «حلال
بين وحرام بين وشبهات بين ذلك» . والحكم الشرعي في الشبهات هو الوقوف عن الفتوى والعمل
بالاحتياط في مقام العمل وفعل ذلك الشيء ، وحينئذ فالأحوط وجوبا أن لا يصلى عليه إلا
بعد الغسل والتكفين
واما الحكم
الثاني فيدل عليه ما رواه الشيخ والصدوق في الموثق عن عمار بن موسى الساباطي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) ما تقول في قوم كانوا في سفر لهم يمشون على ساحل البحر
فإذا هم برجل ميت عريان قد لفظه البحر وهم عراة وليس عليهم إلا إزار كيف يصلون
عليه وهو عريان وليس معهم فضل ثوب يكفنونه به؟ قال يحفر له ويوضع في لحده ويوضع
اللبن على عورته فتستر عورته باللبن وبالحجر ثم يصلى عليه ثم يدفن. قلت فلا يصلى
عليه إذا دفن. الحديث».
وما رواه في
التهذيب عن محمد بن أسلم عن رجل من أهل الجزيرة قال : «قلت لأبي الحسن الرضا (عليهالسلام) قوم كسر بهم مركب في بحر فخرجوا يمشون على الشط فإذا
هم برجل ميت عريان والقوم ليس عليهم إلا مناديل متزرين بها وليس عليهم فضل ثوب
يوارون الرجل فكيف يصلون عليه وهو عريان؟ فقال إذا لم يقدروا على ثوب يوارون به عورته
فليحفروا قبره ويضعوه في لحده ويوارون عورته بلبن أو أحجار أو تراب ثم يصلون عليه
ثم يوارونه في قبره. قلت ولا يصلون عليه وهو مدفون بعد ما يدفن؟ قال لا لو جاز ذلك
لأحد لجاز لرسول الله (صلىاللهعليهوآله) فلا يصلى على المدفون ولا على العريان». ومقتضى إطلاق
الأمر بالستر عدم إناطته بوجود الناظر.
وذكر الشهيد في
الذكرى انه ان أمكن ستره بثوب صلى عليه قبل الوضع في اللحد وتبعه الشهيد الثاني
مصرحا بالوجوب ، والرواية الثانية دالة عليه وان كان إطلاق
__________________
الأولى يدفعه والظاهر انه كذلك. قال في المدارك بعد نقل كلام الذكرى : ولا
ريب في الجواز نعم يمكن المناقشة في الوجوب.
المقام الثاني
في المستحبات : ومنها ـ ان يقف الامام عند وسط الرجل وصدر المرأة على المشهور ،
وقال الشيخ في الاستبصار انه يقف عند رأس المرأة وصدر الرجل.
ويدل على الأول
ما رواه الشيخ في الحسن عن عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) من صلى على امرأة فلا يقوم في وسطها ويكون مما يلي
صدرها وإذا صلى على الرجل فليقم في وسطه».
وعن جابر عن
ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يقوم من الرجل بحيال السرة ومن النساء أدون من ذلك قبل
الصدر».
ويدل على ما
ذهب اليه الشيخ ما رواه هو وقبله الكليني عن موسى بن بكير عن ابى الحسن (عليهالسلام) قال : «إذا صليت على المرأة فقم عند رأسها وإذا صليت
على الرجل فقم عند صدره». والشيخ في التهذيب حمل الصدر في هذا الخبر على الوسط
والرأس على الصدر ، قال لأنه يعبر عن الشيء باسم ما يجاوره. والأظهر الجمع بين
الاخبار بالتخيير.
ومنها ـ استحباب
الطهارة والظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في عدم اشتراط
الطهارة من الحديث في الصلاة على الميت ، نقل اتفاقهم عليه العلامة في التذكرة.
ويدل عليه جملة
من الأخبار : منها ـ ما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن الرجل تفجأه الجنازة وهو على غير طهر؟
قال فليكبر معهم».
وما رواه
الكليني والشيخ في الموثق وابن بابويه بإسناد فيه ضعف عن يونس
__________________
ابن يعقوب قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الجنازة أصلي عليها على غير وضوء؟ فقال نعم انما هو
تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تسبح وتكبر في بيتك على غير وضوء».
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح أو الحسن قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الحائض تصلي على الجنازة؟ قال نعم ولا تقف معهم
مفردة». كذا في التهذيب ، وفي الكافي «ولا تصف معهم».
وعن عبد الرحمن
بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت تصلي الحائض على الجنازة؟ قال نعم ولا تصف
معهم وتقوم مفردة».
وما رواه الشيخ
عن سماعة في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «عن المرأة الطامث إذا حضرت الجنازة؟ قال تتيمم وتصلى عليها وتقوم وحدها
بارزة عن الصف».
وعن عبد الله
بن المغيرة عن رجل عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الحائض تصلي على الجنازة؟ فقال نعم.
ولا تقف معهم والجنب يصلى على الجنازة».
وقال (عليهالسلام) في الفقه الرضوي : ولا بأس ان يصلى الجنب على الجنازة والرجل على غير
وضوء والحائض إلا ان الحائض تقف ناحية ولا تختلط بالرجال وان كنت جنبا وتقدمت
للصلاة عليها فتيمم أو توضأ وصل عليها ، وقد أكره أن يتوضأ إنسان عمدا للجنازة
لأنه ليس بالصلاة انما هو التكبير ، والصلاة هي التي فيها الركوع والسجود. انتهى.
أقول : ما دل
عليه جملة من هذه الاخبار من تأخر الحائض يحتمل أن يكون المراد تأخرها ولو عن من
تكون بصفها من النساء كما هو ظاهر الأصحاب ، قال في
__________________
التذكرة : وإذا صلوا جماعة ينبغي أن يتقدم الامام والمؤتمون خلفه صفوفا ،
وان كان فيهم نساء وقفن آخر الصفوف ، وان كان فيهم حائض انفردت بارزة عنهم وعنهن.
ونحوه قال في المنتهى.
ويحتمل أن يكون
المراد تأخرها عن صف الرجال فلا اختصاص له بالحائض بل هذا حكم مطلق النساء ،
ويؤيده لفظ الرجال في عبارة كتاب الفقه الرضوي وتذكير ضمير «معهم» في الروايات
المتقدمة ، ومن ثم قال في الذكرى : وفي انفراد الحائض هنا نظر ، من خبر محمد بن
مسلم فان الضمير يدل على الرجال وإطلاق الانفراد يشمل النساء ، وبه قطع في المبسوط
وتبعه ابن إدريس والمحقق. انتهى.
والاستدلال
بهذه الأخبار على تأخرها عن النساء كما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) لا يخلو
من الإشكال ولم أقف على غيرها في هذا المجال.
وأما ما اشتملت
عليه عبارة كتاب الفقه الرضوي من الوضوء للجنب فلم أقف عليه إلا في الكتاب دون
غيره من الأخبار وكلام الأصحاب وانما المذكور التيمم للمحدث وان أمكن الغسل
والوضوء. واما قوله : «واكره أن يتوضأ إنسان عمدا للجنازة» فالظاهر ان المراد
بقوله «عمدا» يعنى بنية الوجوب إذ لا خلاف في الاستحباب نصا وفتوى. والله العالم.
واما ما يدل
على الحكم الأول فمنه ما رواه الكليني والشيخ عنه عن صفوان بن يحيى عن عبد الحميد
بن سعد قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) الجنازة يخرج بها ولست على وضوء فان ذهبت أتوضأ فاتتني
الصلاة أيجزئنى أن أصلي عليها وانا على غير وضوء؟ قال تكون على طهر أحب الى».
وقد تقدم في
باب التيمم جوازه مع وجود الماء في صلاة الجنازة إذا خاف فوت الصلاة محافظة على
الطهارة بالممكن.
__________________
ويدل عليه ما
رواه الكليني في الصحيح أو الحسن قال : «سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل تدركه الجنازة وهو على غير وضوء فان ذهب
يتوضأ فاتته الصلاة عليها؟ قال يتيمم ويصلى».
وأطلق الشيخ
وجماعة جواز التيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء لموثقة سماعة قال «سألته عن رجل مرت به جنازة وهو على غير وضوء كيف
يصنع؟ قال يضرب بيديه على حائط اللبن فيتيمم».
أقول : يمكن
تقييد إطلاقها بما دلت عليه رواية الحلبي المذكورة من خوف فوت الصلاة فلا يحتاج
الى الطعن فيها بضعف السند كما ذكره في المدارك.
ومنها ـ استحباب
نزع النعلين حال الصلاة وهو مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) لا يعلم فيه مخالف
كما ذكره غير واحد منهم.
والأصل فيه ما
رواه الشيخ عن سيف بن عميرة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال «لا يصلى على الجنازة بحذاء ولا بأس بالخف». وهو
مؤذن بتخصيص النهى بالنعل خاصة كما هو المصرح به في كلام الأصحاب لأن الحذاء هو
النعل ، قال في النهاية الحذاء بالمد النعل.
واستحب المحقق
في المعتبر الحفاء ، قال لأنه موضع اتعاظ فناسب التذلل بالحفاء ولقول النبي (صلىاللهعليهوآله) «من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار».
وقال الصدوق في
الفقيه : وقال ابى في رسالته الى «لا تصل على الجنازة بنعل حذو ولا تجعل ميتين على
جنازة».
أقول : هذه
العبارة عين كلام الرضا (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي وكذا
__________________
ما ذكره في الفقيه بعدها ايضا حيث قال (عليهالسلام) : ولا تصل على الجنازة بنعل حذو ولا تجعل ميتين على
جنازة واحدة. الى آخره.
قيل أراد (عليهالسلام) بالنعل الانتعال وهو لبس النعل ، وفي الصحاح : نعلت
وتنعلت إذا احتذيت. وإضافته إلى الحذو لعله بمعنى الحذاء للتوضيح. وقيل يحتمل أن
يكون مرادهم بنعل الحذو والحذاء غير العربية من النعال الهندية والعجمية الساترة
لظهر القدم أو أكثره بغير ساق.
وقال الصدوق في
المقنع على ما نقله في الذكرى : وروى انه لا يجوز للرجل أن يصلى على الجنازة بنعل
حذو ، وكان محمد بن الحسن يقول : كيف تجوز صلاة الفريضة ولا تجوز صلاة الجنازة.
وكان يقول لا نعرف النهى عن ذلك إلا من رواية محمد بن موسى الهمداني وكان كذابا ، وقال الصدوق : وصدق في ذلك إلا انى لا
اعرف عن غيره رخصة واعرف النهى وان كان من غير ثقة ولا يرد الخبر بغير خبر معارض.
قال في الذكرى بعد نقل ذلك : قلت : وروى الكليني عن عدة عن سهل ابن زياد عن
إسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة ما قلناه وهذا طريق غير طريق الهمداني إلا ان يفرق بين الحذاء
ونعل الحذو. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان ظاهر كلام الصدوق في عدوله عن مذهب شيخه هنا ان الخبر وان كان ضعيفا عنده فإنه
يعمل به إذا لم يكن معارض أقوى وأما مع وجود المعارض الأقوى فإنه يطرح ولا يجب
تحصيل وجه يحمل عليه ، وهو خلاف ما عليه ظاهر الأصحاب قديما وحديثا ، فان الظاهر
من كلامهم ـ كما دلت عليه الآية والرواية ـ ان خبر الفاسق من كذاب وغيره لا يثبت به حكم شرعي
فكيف
__________________
يتوقف رده على خبر معارض؟ وأعجب من ذلك عدم تنبه شيخنا الشهيد (قدسسره) لما قلناه.
والعجب ايضا من
شيخنا الصدوق ان عبارة أبيه في الرسالة اليه المأخوذة كما عرفت من كتاب الفقه
الرضوي الذي اعتمد عليه هو وأبوه في جميع أبواب الفقه مما عرفت وستعرف ان شاء الله
تعالى قد دلت على النهى عن ذلك فكيف لم يستند الى ذلك واستند إلى رواية الهمداني
مع اعترافه بان راويها كذاب. اللهم إلا ان يقال ان عبارة كتاب الفقه لا صراحة فيها
في الدلالة على التحريم كما هو ظاهر عبارته في المقنع من قوله «لا يجوز» والكلام
انما هو في التحريم كما تؤذن به هذه العبارة وحينئذ يكون هذا بحثا آخر خارجا عن
ظاهر كلام الأصحاب. والله العالم.
ومنها ـ استحباب
ترتيب الجنائز متى تعددت بالذكورة والأنوثة والصغرى والكبر والحرية والمملوكية.
وينبغي أن يعلم
أولا انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) كما نقله في المنتهى في جواز
الصلاة الواحدة على الجنائز المتعددة. واستشكل جمع من الأصحاب الصلاة الواحدة في
صورة اجتماع الصبي الذي لم يبلغ الست مع غيره ممن تجب الصلاة عليه لاختلاف الوجه ،
والحق انه لا اشكال بحمد الملك المتعال كما سيأتي بيانه في المقام ان شاء الله
تعالى.
وقد صرح جملة
من الأصحاب بأن الأفضل التفريق بان يصلى على كل جنازة على حيالها ، قال في الذكرى
: والتفريق أفضل ولو كان على كل طائفة لما فيه من تكرار ذكر الله وتخصيص الدعاء
الذي هو أبلغ من التعميم ، إلا أن يخالف حدوث أمر على الميت فالصلاة الواحدة أولى
فيستحب إذا اجتمع الرجل والمرأة محاذاة
__________________
صدرها لوسطه ليقف الامام موقف الفضيلة وان يلي الرجل الامام ثم الصبي لست
ثم العبد ثم الخنثى ثم المرأة ثم الطفل لدون ست ثم الطفلة ، وجعل ابن الجنيد الخصى
بين الرجل والخنثى ، ونقل في الخلاف الإجماع على تقديم الصبي الذي تجب عليه الصلاة
الى الامام على المرأة ، ثم قال : وأطلق الصدوقان تقديم الصبي الى الامام. وفي
النهاية أطلق تقديم الصبي إلى القبلة. انتهى.
أقول : ما ذكره
من تقييد الطفل بكونه لدون ست سنين مبنى على ما قدمنا نقله عنهم مما اشتهر بينهم
انه يستحب الصلاة عليه حيث انهم جعلوا ذلك وجه جمع بين أخبار المسألة ، ومن أجل
ذلك استشكل بعضهم ـ كما قدمنا ذكره ـ في الصلاة الواحدة في هذه الحال لاختلاف
الوجه.
قال في المدارك
ـ بعد قول المصنف ولو كان طفلا جعل وراء المرأة ـ ما لفظه المراد بالطفل هنا من لا
تجب الصلاة عليه كما نص عليه في المعتبر ، واستدل على استحباب جعله وراء المرأة
بأن الصلاة لا تجب عليه وتجب على المرأة ومراعاة الواجب أولى فتكون مرتبتها أقرب
الى الامام. وقال ابنا بابويه يجعل الصبي الى الامام والمرأة إلى القبلة وأسنده
المصنف في المعتبر إلى الشافعي واستحسنه لما رواه الشيخ عن ابن بكير عن بعض أصحابه عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «توضع النساء مما يلي القبلة والصبيان دونهن
والرجال دون ذلك». قال : وهذه الرواية وان كانت ضعيفة لكنها سليمة من المعارض ولا
بأس به. واستشكل جمع من الأصحاب الاجتزاء بالصلاة الواحدة هنا لاختلاف الوجه ،
وصرح العلامة في التذكرة بعدم
__________________
جواز جمع الجميع بنية واحدة متحدة الوجه. ثم قال ولو قيل بإجزاء الواحدة
المشتملة على الوجهين بالتقسيط أمكن. وهو مشكل لان الفعل الواحد الشخصي لا يتصف
بوصفين متنافيين. وقال في الذكرى انه يمكن الاكتفاء بنية الوجوب لزيادة الندب
تأكيدا. وهو مشكل أيضا لأن الوجوب مضاد للندب فلا يكون مؤكدا له. والحق انه لم
يثبت الاجتزاء بالصلاة الواحدة بنص أو إجماع وجب نفيه لأن العبادة كيفية متلقاة من
الشارع فيقف إثباتها على النقل ، وان ثبت الاجتزاء بذلك كان الإشكال مندفعا بالنص
كما في تداخل الأغسال الواجبة والمستحبة ، وعلى هذا فيكون المراد ان الغرض المطلوب
من الصلاة على الطفل يتأدى بالصلاة الواجبة على هذا الوجه كما تتأدى وظيفة غسل
الجمعة بإيقاع غسل الجنابة في ذلك اليوم. انتهى.
وانما أطلنا
الكلام بنقله بالتمام لتطلع بذلك على كلامهم في المقام وما وقع لهم من النقض
والإبرام وان كان نفخا في غير ضرام كما لا يخفى على من أعطى التأمل حقه في أخبارهم
(عليهمالسلام).
وذلك ان منشأ
الشبهة التي أوجبت لهم هذا الاضطراب والوقوع في هذا الإشكال الذي اختلفت في المخرج
عنه كلمة الأصحاب هو الأخبار الدالة على مذهب ابن الجنيد وهو وجوب الصلاة على من
استهل وان لم يبلغ ست سنين ، وهم قد جمعوا بينها وبين الأخبار المقيدة للوجوب بست
سنين بالحمل على الاستحباب كما هي القاعدة عندهم في جميع الأبواب ، ونحن قد أوضحنا
في ما تقدم خروجها مخرج التقية بغير شك ولا ارتياب ، والصبيان
الذين قد تضمنتهم مرسلة ابن بكير المذكورة انما أريد بهم من تجب الصلاة عليه ممن
بلغ ست سنين فصاعدا لا الأطفال الذين لم يبلغوا ذلك. ومع فرض التصريح بالأطفال
الذين لم يبلغوا هذا المبلغ فإنه يجب حمل الرواية على التقية لو كان الأمر كذلك
كما حملت عليه تلك الأخبار.
وأما ما نقله
عن ابن بابويه من قوله : «يجعل الصبي الى الامام والمرأة إلى
__________________
القبلة» فإنما أراد به الصبي الذي تجب الصلاة عليه لا الطفل الذي هو محل
البحث وكيف لا وهو قد روى في الكتاب صحيحة زرارة وعبيد الله بن على الحلبي الدالة على «ان الصبي تجب عليه الصلاة إذا عقل الصلاة.
قلت متى تجب الصلاة عليه؟ قال إذا كان ابن ست سنين. ثم قال وصلى أبو جعفر (عليهالسلام) على ابن له صبي صغير له ثلاث سنين. ثم قال لو لا ان
الناس يقولون ان بنى هاشم لا يصلون على الصغار من أولادهم ما صليت عليه» وهذا
مضمون صحيحة زرارة التي قدمناها في تلك المسألة ومن هنا يعلم ان مذهبه موافق للمشهور في تخصيص الوجوب
بمن بلغ ستا وان نقص عن ذلك انما يصلى عليه تقية ، وحينئذ فكيف ينظم عبارته بمجرد
تضمنها لفظ الصبي في هذه المسألة المخصوصة ويخصها بمن لم يبلغ هذا المقدار. وبالجملة
فإن نقل الرواية المذكورة وكلام الصدوق المذكور هنا مغالطة أو غفلة ظاهرة.
وبذلك يظهر لك
ما في قوله : وأسنده المصنف في المعتبر إلى الشافعي واستحسنه لما رواه. الى آخره.
ثم قال ولا بأس به ، فان فيه ان قول الشافعي بذلك انما هو لوجوب الصلاة عندهم على الأطفال الذين لم
يبلغوا الست كما هو مذهب ابن الجنيد فهو صحيح على مذهبهم وأما عندنا
فلا ، والخبر الذي قد استند اليه قد عرفت الوجه فيه ، وبه يظهر ان نفيه البأس عن
ذلك محل البأس بلا شبهة ولا التباس. على انه لم يقم لنا دليل على اعتبار نية الوجه
لا في هذا الموضع ولا في غيره ، فالإشكال بسبب ذلك كما ذكروه ليس في محله كما لا
يخفى على من راجع ما حققناه في بحث النية في كتاب الطهارة.
ثم انه مما يدل
على تقديم الرجل الى الامام وتأخير المرأة أخبار عديدة منها صحيحة محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهماالسلام) قال : «سألته عن الرجال
__________________
والنساء كيف يصلى عليهم؟ قال الرجال امام النساء مما يلي الإمام يصف بعضهم
على اثر بعض».
وصحيحة زرارة
والحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «في الرجل والمرأة كيف يصلى عليهما؟ قال يجعل
الرجل والمرأة ويكون الرجل مما يلي الامام».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي : فإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة وغلام ومملوك فقدم
المرأة إلى القبلة واجعل المملوك بعدها واجعل الغلام بعد المملوك والرجل بعد
الغلام مما يلي الامام ويقف الامام خلف الرجل في وسطه ويصلى عليهم جميعا صلاة
واحدة. ومما يدل على تقديم الحر على العبد والكبير على الصغير
رواية طلحة بن
زيد عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان إذا صلى على المرأة والرجل قدم المرأة وأخر
الرجل ، وإذا صلى على العبد والحر قدم العبد وأخر الحر ، وإذا صلى على الصغير
والكبير قدم الصغير وأخر الكبير». بحمل التقديم فيها على التقديم إلى القبلة جمعا
بينها وبين الأخبار المتقدمة.
ويحتمل أن يكون
هذا الخبر على وجه الجواز والتخيير بين الأمرين ، ويؤيده ما رواه الشيخ في التهذيب
في الصحيح عن عبيد الله الحلبي قال : «سألته عن الرجل والمرأة يصلى عليهما قال يكون
الرجل بين يدي المرأة مما يلي القبلة فيكون رأس المرأة عند وركي الرجل مما يلي
يساره ويكون رأسها أيضا مما يلي يسار الامام ورأس الرجل مما يلي يمين الإمام». فإن
هذا الخبر كما ترى ظاهر بل صريح في خلاف الصورة المتقدمة ، ولا طريق الى الجمع
بينه وبين ما قدمناه من الأخبار إلا بالقول بالتخيير كما هو ظاهر الشيخ في
الاستبصار.
ومما يدل على
كون الترتيب المذكور على وجه الاستحباب دون الوجوب صحيحة هشام بن سالم عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس بأن يقدم الرجل
__________________
وتؤخر المرأة ويؤخر الرجل وتقدم المرأة يعني في الصلاة على الميت». ويحتمل
ما عرفت من التخيير ايضا ، وبالأول قال في التهذيب وبالثاني في الاستبصار ،
والظاهر انه الأقرب لما عرفت من صحيحة عبيد الله الحلبي المذكورة.
ثم ان إطلاق
أكثر الأخبار الواردة في المقام دال على وضع الجنائز مع الاختلاف قدام الإمام بأن
تكون في صف واحد إلى جهة القبلة كل ميت بجنب الآخر ، إلا انه يقدم من حقه التقديم
الى الامام ويؤخر من حقه التأخير على ما تقدم في عبارة الذكرى.
وظاهر موثقة
عمار انه متى تعددت الجنائز جعلت صفا واحدا مثل الدرج بحيث يجعل رأس الثاني عند
ألية الأول ، ولو كان فيها جنائز النساء جعلت في الصف ايضا ولكن بعد تمام صف
الرجال فيجعل رأس المرأة عند ألية الرجل الأخير وهكذا ، وان الامام يقوم وسط
الرجال.
وهي ما رواه في
الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل يصلى على ميتين أو ثلاثة موتى كيف يصلى عليهم؟ قال (عليهالسلام) ان كان ثلاثة أو اثنين أو عشرة أو أكثر من ذلك فليصل
عليهم صلاة واحدة ، يكبر عليهم خمس تكبيرات كما يصلى على ميت واحد وقد صلى عليهم
جميعا : يضع ميتا واحدا ثم يجعل الآخر إلى ألية الأول ثم يجعل رأس الثالث إلى ألية
الثاني شبه المدرج حتى يفرغ منهم كلهم ما كانوا ، فإذا سواهم هكذا قام في الوسط
فكبر خمس تكبيرات يفعل كما يفعل إذا صلى على ميت واحد سئل فإن كان الموتى رجالا
ونساء؟ قال يبدأ بالرجال فيجعل رأس الثاني إلى ألية الأول حتى يفرغ من الرجال كلهم
ثم يجعل رأس المرأة إلى ألية الرجل الأخير ثم يجعل رأس المرأة الأخرى إلى ألية
المرأة الأولى حتى يفرغ منهم كلهم ، فإذا سوى هكذا قام في الوسط وسط الرجال فكبر
وصلى عليهم كما يصلى على ميت واحد».
قال في الذكرى
: لو اجتمع الرجال صفوا مدرجا يجعل رأس الثاني الى
__________________
ألية الأولى وهكذا ثم يقوم الإمام في الوسط ، ولو كان معهم نساء جعل رأس
المرأة الأولى الى ألية الرجل الأخير ثم الثانية إلى ألية الأولى وهكذا ، ثم يقوم
الإمام في وسط الرجال ويصلى عليهم صلاة واحدة ، روى ذلك كله عمار عن الصادق (عليهالسلام) . انتهى.
أقول : رواية
عمار قد رواها الكليني في الكافي والشيخ في التهذيب وهي في الكافي كما نقلناه وذكره شيخنا المذكور ، وأما
في التهذيب فان فيه «ثم يجعل رأس المرأة الأخرى إلى رأس المرأة الأولى» ومثله في
المنتهى ، والظاهر انه أخذه من التهذيب ، ولا يبعد انه سهو من قلم الشيخ فان
الموافق لسياق الرواية انما هو ما في الكافي. وظاهر كلام شيخنا الشهيد في الذكرى
تخصيص إطلاق تلك الروايات بهذه الرواية.
وكيف كان فعندي
في العمل برواية عمار إشكال ، فإنه متى طال الصف وقام الإمام في وسط الرجال فان
قرب الإمام إلى الجنازة التي يقوم بحذائها كما هو السنة في الصلاة على الجنازة لزم
تأخر ميمنة الصف خلفه وان بعد على وجه تكون الميمنة قدامه لزم خلاف السنة في
الصلاة. ولم أر من تعرض لهذا الإشكال في هذا المجال. والله العالم.
ومنها ـ استحباب
كثرة المصلين ، قال في الذكرى : يستحب كثرة المصلين لرجاء مجاب الدعوة فيهم وفي
الأربعين بلاغ ، ففي الصحاح عن النبي (صلىاللهعليهوآله) «ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم
الله فيه». وروينا عن عمر بن يزيد عن الصادق (عليهالسلام) «إذا مات المؤمن فحضر جنازته
__________________
أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا : اللهم انا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت
اعلم به منا قال الله تعالى قد أجزت شهادتكم وغفرت له ما علمت مما لا تعلمون»
والمائة أبلغ لما في الصحاح عن النبي (صلىاللهعليهوآله) «ما من ميت يصلى عليه امة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا
شفعوا فيه».
أقول : ومما
يدل على ذلك من طريقنا ما نقله شيخنا المجلسي (قدسسره) في البحار عن كتاب الزهد للحسين بن سعيد عن إبراهيم بن ابى البلاد
عن سعد الإسكاف عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «كان في بني إسرائيل عابد فأعجب به داود (عليهالسلام) فأوحى الله تعالى اليه لا يعجبك شيء من أمره فإنه
مراء ، قال فمات الرجل فاتى داود (عليهالسلام) فقيل له مات الرجل فقال ادفنوا صاحبكم قال فأنكرت ذلك
بنو إسرائيل وقالوا كيف لم يحضره؟ قال فلما غسل قام خمسون رجلا فشهدوا بالله ما
يعلمون إلا خيرا فلما صلوا عليه قام خمسون رجلا فشهدوا بالله انهم ما يعلمون إلا
خيرا قال فأوحى الله عزوجل الى داود (عليهالسلام) ما منعك أن تشهد فلانا؟ قال الذي أطلعتني عليه من امره
، قال انه كان كذلك ولكن شهده قوم من الأحبار والرهبان فشهدوا انهم ما يعلمون إلا
خيرا فأجزت شهادتهم عليه وغفرت له مع علمي فيه».
ثم قال شيخنا
المذكور في تتمة كلامه المتقدم : وأقل الفضل اثنان لما في الصحاح عنه (صلىاللهعليهوآله) «أيما مؤمن شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة. قلنا وثلاثة؟ قال وثلاثة. قلنا
واثنان؟ قال واثنان. ثم لم نسأله عن الواحد». وعنه (صلىاللهعليهوآله) من الصحاح «انهم مروا بجنازة فاثنوا عليها خيرا فقال النبي (صلىاللهعليهوآله) وجبت ثم مروا بأخرى فاثنوا عليها شرا فقال وجبت فقيل
له (صلىاللهعليهوآله) ما وجبت؟ فقال هذا اثنيتم عليه خيرا فوجبت له
__________________
الجنة وهذا اثنيتم عليه شرا فوجبت له النار ، المؤمنون شهداء الله في الأرض».
قال الفاضل : وليكونوا ثلاثة صفوف لما روى عن النبي (صلىاللهعليهوآله) «من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب». قلت : الخبر عامي ولكن فضائل الأعمال
ربما تثبت بالخبر الضعيف. انتهى.
أقول : لا يخفى
ما في اعتراضه على الفاضل بان الخبر عامي مع ان جل اخباره التي أوردها في المقام
عامية ، والاعتذار الذي ذكره مما لا يسمن ولا يغني من جوع كما تقدم تحقيقه. والله
العالم.
ومنها ـ استحباب
رفع اليدين بالتكبيرات كملا ، أما استحباب الرفع في التكبير الأول فهو مجمع عليه
كما نقله غير واحد من الأصحاب وانما الخلاف في البواقي والأظهر انه كذلك ، وهو
اختيار الفاضلين وظاهر الشيخ في كتابي الأخبار واليه يميل كلام الفاضل الخراساني
في الذخيرة ، والمشهور العدم وانه غير مستحب وذهب اليه الشيخ المفيد والمرتضى
والشيخ في النهاية والمبسوط وابن إدريس وغيرهم
ويدل على الأول
ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن العرزمي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «صليت خلف ابى عبد الله (عليهالسلام) على جنازة فكبر خمسا يرفع يده في كل تكبيرة».
وعن يونس قال : «سألت الرضا (عليهالسلام) قلت جعلت فداك ان الناس يرفعون أيديهم في التكبير على
الميت في التكبيرة الأولى ولا يرفعون في ما بعد ذلك فاقتصر على التكبيرة الأولى
كما يفعلون أو ارفع يدي في كل تكبيرة؟ فقال ارفع يدك في كل تكبيرة».
وعن محمد بن
عبد الله بن خالد مولى بنى الصيداء «انه صلى خلف جعفر بن محمد (عليهالسلام) على جنازة فرآه يرفع يديه في كل تكبيرة».
__________________
ويدل على
الثاني ما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم عن ابى عبد الله عن على (عليهماالسلام) «انه كان لا يرفع يده في الجنازة إلا مرة واحدة يعني في التكبير».
وعن إسماعيل بن
إسحاق بن ابان الوراق عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) قال : «كان أمير المؤمنين على بن ابى طالب (عليهالسلام) يرفع يده في أول التكبير على الجنازة ثم لا يعود حتى
ينصرف».
وحملهما الشيخ
في التهذيبين تارة على الجواز ورفع الوجوب واخرى على التقية ، قال لموافقته لمذهب
كثير من العامة . أقول : واليه يشير قوله في رواية يونس : «ان الناس
يرفعون أيديهم في التكبير على الميت في التكبيرة الأولى».
وقال المحقق في
المعتبر بعد إيراد أخبار الطرفين : ما دل على الزيادة أولى ولأن رفع اليدين مراد
الله في أول التكبير وهو دليل الرجحان فيسوغ في الباقي تحصيلا للأرجحية ، ولأنه
فعل مستحب فجاز ان يفعل مرة ويخل به اخرى فلذلك اختلفت الروايات فيه.
واعترضه في
الذكرى فقال بعد نقل كلامه : قلت رواية النقيصة تدل على نفى الزائد صريحا فهما
متعارضان في الإثبات والثاني مرغوب عنه ، والثالث لا بأس به لولا ان «كان» تشعر
بالدوام. ثم قال ولو حملت رواية عدم الرفع على التقية كما قاله الشيخ أمكن لأن بعض
العامة يرى ذلك وبالجملة الخروج عن جمهور الأصحاب بخبر الواحد فيه ما
فيه. انتهى.
ولا يخفى ما
فيه فان ترجيح العمل بالشهرة التي هي عبارة عن الشهرة في
__________________
الفتوى لم يقم عليه دليل ، والمرجحات المنصوصة عن أصحاب العصمة (عليهمالسلام) وان تضمنت الترجيح بها لكن المراد انما هو الشهرة في
الرواية ، وهو في جانب الروايات الدالة على الاستحباب في الجميع لا سيما مع صحة
سند الرواية الأولى ، مضافا الى الترجيح بالعرض على مذهب العامة وان كانوا هنا على
قولين أيضا إلا ان العدم مذهب أبي حنيفة ومالك والثوري ولا يخفى قوة مذهب أبي حنيفة وشيوعه في الصدر الأول
والى ذلك تشير رواية يونس كما عرفت. وأيضا فإن من القواعد المنصوصة ـ وان كان الأصحاب قد أعرضوا عنها كملا كما نبهنا عليه
في غير مقام مما تقدم ـ انه متى ورد خبر عن أولهم (عليهمالسلام) وخبر عن آخرهم فإنه يؤخذ بالأخير ، وروايتا العدم قد
وردتا عن الباقر والصادق (عليهماالسلام) ورواية الاستحباب قد وردت عن الرضا (عليهالسلام) فيكون الترجيح بمقتضى هذه القاعدة في جانب الاستحباب
والله العالم.
ومنها ـ استحباب
ان لا يبرح من مكانه حتى ترفع الجنازة إماما كان أو مأموما كما صرح به جملة من
الأصحاب (رضوان الله عليهم) وخصه الشهيد بالإمام تبعا لابن الجنيد ، وقال في الروض
: ويستحب لكل مصل تأسيا به (عليهالسلام) نعم لو فرض صلاة جميع الحاضرين استثنى منهم أقل ما
يمكن به رفع الجنازة. والأقرب القول الأول ،
فروى الشيخ عن
حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) «ان عليا (عليهالسلام) كان إذا صلى على جنازة لم يبرح من مصلاه حتى يراها على
أيدي الرجال».
وفي رواية يونس
المتقدمة في الموضع الثالث «ولا يبرح حتى يحمل السرير من بين
يديه».
__________________
وفي كتاب الفقه
الرضوي بعد ذكر الصلاة : ولا تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة
على أيدي الرجال.
ومنها ـ استحباب
الدعاء له عقيب الرابعة ان كان مؤمنا وعليه ان كان مخالفا وبدعاء المستضعف ان كان
كذلك وبدعاء المجهول ان كان مجهولا وبدعاء الأطفال ان كان طفلا.
وفسر ابن إدريس
المستضعف بمن لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب ولا يبغض أهل الحق على اعتقادهم.
وعرفه في الذكرى بأنه الذي لا يعرف الحق ولا يعاند فيه ولا يوالي أحدا بعينه. وحكى
عن المفيد في الغرية أنه عرفه بأنه الذي يعرف بالولاء ويتوقف عن البراء. وهذه
التعريفات متقاربة في المعنى.
والمفهوم من
الأخبار ان المستضعف هو من لا يعرف الولاية ولم ينكر ، ففي الخبر «قلت هل يسلم الناس حتى يعرفوا ذلك؟ قال لا (إِلَّا
الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) الذين (لا يَسْتَطِيعُونَ
حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) قلت من هو؟ قال أرأيتم خدمكم ونساءكم ممن لا يعرف.
الحديث». وقد ورد في تفسير الآية المذكورة : لا يستطيعون حيلة إلى الكفر فيكفرون ولا يهتدون سبيلا
الى الايمان فيؤمنوا. واما المجهول فالمراد به من جهل دينه ومذهبه.
واما الأخبار
الدالة على ما ذكرنا من هذه الأحكام فاما بالنسبة إلى المستضعف والمجهول فما رواه
ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «الصلاة على المستضعف والذي لا يعرف : الصلاة على
النبي (صلىاللهعليهوآله) والدعاء للمؤمنين والمؤمنات يقول :
__________________
ربنا اغفر (لِلَّذِينَ تابُوا
وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ). الى آخر الآيتين» . والمراد بالذي لا يعرف يعنى مذهبه كما سيأتي التصريح
به في الخبر الآتي. والآية الثانية هكذا «رَبَّنا
وَأَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ
وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ».
وما رواه
الصدوق في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) انه قال : «الصلاة على المستضعف والذي لا يعرف مذهبه :
يصلى على النبي (صلىاللهعليهوآله) ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ويقول : اللهم (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا
وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ)».
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن عمر بن أذينة عن الفضل بن يسار عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا صليت على المؤمن فادع له واجتهد له في
الدعاء وان كان واقفا مستضعفا فكبر وقل : اللهم اغفر (لِلَّذِينَ تابُوا
وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ)».
والظاهر ان
المراد بقوله «واقفا» أى متحيرا في دينه ، وهو يرجع الى المستضعف بالمعنى الذي
قدمنا دلالة الآية عليه وتفسيرها به. واما الحمل على الوقف على أحد الأئمة (عليهمالسلام) فبعيد ، وأبعد منه ما وقع من تبديل لفظ «واقفا» ب «منافقا»
كما وقع في كلام بعض أصحابنا.
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن وفي الفقيه في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان كان مستضعفا فقل : اللهم اغفر (لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا
سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) ، وإذا كنت لا تدري ما حاله فقل : اللهم ان كان يحب
الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ، وان كان المستضعف منك بسبيل فاستغفر له
على وجه الشفاعة لا على وجه الولاية».
__________________
قال في الوافي
: بيان ـ «منك بسبيل» أى له عليك حق ، ويعني بالولاية ولاية أهل البيت (عليهمالسلام) يعنى حق من لا ولاية له عليك لا يوجب أن تدعو له كما
تدعوا لأهل الولاية بل يكفى لذلك ان تستغفر له على وجه الشفاعة. انتهى. ولا يخفى
من تكلف وبعد.
والظاهر ـ والله
سبحانه وقائله أعلم ـ ان المراد بقوله «ان كان منك بسبيل» أى قريبا منك في النسب ،
والمراد بالولاية انما هي الاخوة والإيمانية فإن المؤمنين بعضهم أولياء بعض ،
والمراد انه ان كان قريبا لك في النسب فاستغفر له على وجه الشفاعة والالتماس لا
على جهة الأخوة الإيمانية الموجبة لمزيد الجد والاجتهاد في الدعاء له كما يشير اليه
قوله في حديث الفضيل المتقدم «إذا صليت على المؤمن فادع له واجتهد له في الدعاء». ولعل السر في ذلك هو
ان المستضعف لما كان من المرجأين لأمر الله إما يتوب عليه واما يعذبه كما دلت عليه
الأخبار فلا ينبغي الحتم عليه سبحانه والإلحاح في الدعاء بل ينبغي أن يكون بطريق
الالتماس والشفاعة.
وما رواه في
الكافي عن سليمان بن خالد عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «تقول : اشهد أن لا إله إلا الله واشهد ان محمدا (صلىاللهعليهوآله) رسول الله اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، اللهم صل
على محمد وآل محمد وتقبل شفاعته وبيض وجهه وأكثر تبعه اللهم اغفر لي وارحمني وتب
على اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. فان كان مؤمنا دخل
فيها وان كان ليس بمؤمن خرج عنها».
وعن ثابت بن
ابى المقدام قال «كنت مع ابى جعفر (عليهالسلام) فإذا بجنازة لقوم من جيرته فحضرها وكنت قريبا منه
فسمعته يقول : اللهم انك أنت خلقت هذه النفوس وأنت تميتها وأنت تحييها وأنت أعلم
بسرائرها وعلانيتها منا ومستقرها ومستودعها ، اللهم وهذا عبدك ولا أعلم منه سوء
وأنت أعلم به وقد جئناك شافعين له
__________________
بعد موته فان كان مستوجبا فشفعنا فيه واحشره مع من كان يتولاه».
قال في الوافي
في الحاشية : هذا الخبر أورده في الكافي في باب الصلاة على المؤمن والأنسب أن يورد في هذا الباب كما فعلناه لأن الدعاء
المذكور من قبيل دعاء المستضعفين والمجهولين كما لا يخفى.
أقول : الظاهر
ان مبنى ما ذكره في الكافي من حمل هذا الخبر على المؤمن هو قوله في الخبر «من
جيرته» أى جيرانه ويبعد على هذا أن يكون داخلا في المجهول الذي لا يعرف مذهبه ولا
دينه ، نعم ظاهر الدعاء المذكور انه ليس بمؤمن على اليقين والظاهر انه من المستضعفين
الذين هم أكثر الناس يومئذ كما يفهم من الاخبار ، والمراد به كما قدمنا ذكره من لا
يعرف ولا ينكر.
وأنت خبير بان
المفهوم من هذه الأخبار على كثرتها هو ان الصلاة على هذا الصنف هو مجرد التكبير
وقول هذا المذكور في هذه الأخبار وان اختلفت فيه زيادة ونقصانا لا ما يفهم من كلام
الأصحاب من كون ذلك بعد التكبيرة الرابعة كما قدمنا ذكره في صدر هذا الكلام وكذا
في ما يأتي من اخبار الصلاة على المخالف فإنها كذلك ، والأخبار المتقدمة في بيان
كيفية الصلاة ـ منها ما اشتمل على توزيع الأذكار بين التكبيرات الخمس ومنها ما
اشتمل على جمع الأذكار بينها ـ موردها انما هو المؤمن ولم يتعرض في شيء منها لذكر
المخالف والمستضعف والمجهول ، نعم في خبر أم سلمة وإسماعيل
__________________
ابن همام نقل صلاة الرسول (صلىاللهعليهوآله) على المنافق بتوزيع الأذكار الثلاثة خاصة من غير ذكر
دعاء للمنافق أو عليه ، وقد تقدم الكلام في ذلك.
وظاهر كلام
الأصحاب الاتفاق على ما قدمنا ذكره في صدر المسألة من أن الأدعية المختصة بهذه
الأصناف محلها بعد التكبيرة الرابعة ، وفي فهمه من الأخبار كما عرفت إشكال إلا ما
ربما يظهر من عبارة كتاب الفقه الرضوي الآتية في المقام ان شاء الله تعالى.
وأما بالنسبة
إلى الطفل فهو ما رواه الشيخ عن عمرو بن خالد عن زيد بن على عن آبائه عن على (عليهمالسلام) «في الصلاة على الطفل انه كان يقول : اللهم اجعله لأبويه ولنا سلفا وفرطا وأجرا».
أقول «الفرط» بفتح الراء هو من يتقدم القوم ليصلح لهم ما يحتاجون اليه مما يتعلق
بالمراد ، قال النبي (صلىاللهعليهوآله) «انا فرطكم على الحوض». قال ابن الأثير : أي متقدمكم اليه ، يقال فرط يفرط
فهو فارط وفرط إذا تقدم وسبق القوم ليرتاد لهم الماء ويهيئ لهم الدلاء والأرشية ،
ومنه الدعاء للطفل الميت «اللهم اجعله لنا فرطا» أي أجرا يتقدمنا. انتهى. ومن ذلك
ما سيأتي في عبارة الفقه ايضا ان شاء الله تعالى.
واما بالنسبة
إلى المخالف فمنها ما تقدم في الموضع الرابع من حديث عامر بن السمط وصحيحة الحلبي
وصحيحة محمد بن مسلم أو حسنته .
ومنها ـ ما في
كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام) في الموضع الأول من المواضع الثلاثة التي قدمنا نقلها عنه في الموضع
الثالث بعد ذكر الصلاة على المؤمن بالتكبيرات الخمس والأدعية بينها موزعة «وإذا
كان الميت مخالفا فقل في تكبيرك الرابعة اللهم أخز عبدك. الى آخر ما تقدم في
الموضع المذكور ، الى أن قال : واعلم ان
__________________
الطفل لا يصلى عليه حتى يعقل الصلاة فإذا حضرت مع قوم يصلون عليه فقل :
اللهم اجعله لأبويه ولنا ذخرا ومزيدا وفرطا وأجرا ، وإذا صليت على مستضعف فقل :
اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ، وإذا لم تعرف مذهبه فقل
: اللهم هذه النفس التي أنت أحييتها وأنت أمتها دعوت فاجابتك اللهم ولها ما تولت
واحشرها مع من أحبت وأنت أعلم بها».
وظاهر هذا
الكلام محتمل لكون هذه الأدعية بعد الرابعة كما صرح به في المخالف ، ويحتمل أن
تكون صورة الصلاة هكذا مستقلة كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة
وقال (عليهالسلام) في الصورة الثالثة من الكيفيات التي ذكرها بعد التكبيرات الأربع والأدعية
بينها المختصة بالصلاة على المؤمن «ثم تكبر الخامسة وتنصرف وإذا كان ناصبا فقل :
اللهم انا لا نعلم إلا انه عدو لك ولرسولك اللهم فاحش جوفه نارا وقبره نارا وعجله
الى النار فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك (صلىاللهعليهوآله) اللهم ضيق عليه قبره. وإذا رفع فقل : اللهم لا ترفعه
ولا تزكه وان كان مستضعفا فقل : اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب
الجحيم ، وإذا لم تدر ما حاله الحق فقل : اللهم ان كان يحب الخير وأهله فاغفر له
وارحمه وتجاوز عنه ،
والكلام هنا
كما تقدم من ظهور كون الصلاة على هؤلاء بهذا النحو من غير التكبيرات الخمس التي في
الصلاة على المؤمن والاحتياط في ما قاله الأصحاب والله العالم. ومنها ـ استحباب
الصلاة في المواضع المعتادة ، ذكره جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) وعللوه
بأنه ليكون طريقا الى تكثير المصلين لان السامع بموته يقصدها للصلاة عليه فيها
فيكون ذلك طريقا الى تكثير المصلين الذي قد قدمنا انه من مستحبات هذه الصلاة أيضا.
ولم أقف في ذلك على نص.
نعم وقع الخلاف
في الصلاة في المسجد كراهة وعدمها والمشهور الكراهة في جميع المساجد إلا مكة المشرفة.
__________________
استنادا الى
الجمع بين ما رواه الشيخ عن ابى بكر بن عيسى بن أحمد العلوي قال : «كنت في المسجد وقد جيء بجنازة فأردت أن أصلي
عليها فجاء أبو الحسن الأول (عليهالسلام) فوضع مرفقه في صدري فجعل يدفعني حتى أخرجني من المسجد
ثم قال يا أبا بكر ان الجنائز لا يصلى عليها في المسجد».
وبين ما رواه
في الصحيح عن الفضل بن عبد الملك قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) هل يصلى على الميت في المسجد؟ قال نعم». ورواه في
الفقيه ايضا عن الفضل في الصحيح .
وما رواه عن
الفضل بن عبد الملك ايضا قال : «سألته عن الميت هل يصلى عليه في المسجد؟ قال نعم».
وما رواه ايضا عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) مثله .
واما استثناء
مسجد مكة فقد ذكره الشيخ في الخلاف واحتج عليه بإجماع الفرقة عقيب ذكر الكراهة
والاستثناء.
وعلله العلامة
في المنتهى بأن مكة كلها مسجد فلو كرهت الصلاة في بعض مساجدها لزم التعميم فيها
أجمع وهو خلاف الإجماع. وتبعه الشهيد في ذلك.
وأورد عليه بان
مسجدية ما خرج عن المسجد الحرام منها ليس على حد المساجد لجواز تلويثه بالنجاسة
واللبث فيه للجنب ونحو ذلك بخلاف المسجد. والله العالم.
المطلب الرابع
ـ في الأحكام ، وقد تقدم جملة منها في ما قدمناه من الأبحاث المتقدمة وبقي الكلام
هنا في مسائل :
الأولى ـ اختلف
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تكرار الصلاة على الميت فالمشهور الكراهة ، وقال
ابن ابى عقيل لا بأس بالصلاة على من صلى عليه مرة
__________________
فقد صلى أمير المؤمنين (عليهالسلام) على سهل بن حنيف خمس مرات . وقال ابن إدريس تكره جماعة وتجوز فرادى لتكرار الصحابة
الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله) وقال الشيخ في الخلاف من صلى على جنازة يكره له أن يصلى
عليها ثانيا. وهو مشعر باختصاص الكراهة بالمصلي المتحد. وقال الشهيد في الذكرى
ظاهرهم اختصاص الكراهة بمن صلى على الميت لما تلوناه عنهم من جواز الصلاة ممن
فاتته على القبر أو يريدون بالكراهة قبل الدفن حتى ينتظم الكلام. واحتمل الشيخ في الاستبصار
استحباب التكرار من المصلى الواحد وغيره ، وللعلامة قول بكراهة تكرار الصلاة إذا
خاف على الميت ، وله ايضا قول بكراهة التكرار عند الخوف عليه أو مع منافاته
التعجيل وقيد شيخنا الشهيد الثاني الكراهة بكون التكرار من المصلى الواحد أو يكون
منافيا للتعجيل. هذا ما وفقت عليه من أقوال الأصحاب المتعلقة بهذه المسألة.
وأما الأخبار
فهي مختلفة في ذلك ومنها نشأ الاختلاف بين الأصحاب في هذا الباب ، وها أنا أسوق ما
وقفت عليه منها مذيلا لها بما رزقني الله سبحانه فهمه منها فمنها ـ ما رواه الشيخ
في التهذيب في الصحيح عن ابى مريم الأنصاري عن ابى جعفر (عليهالسلام) «انه سأله كيف صلى على النبي (صلىاللهعليهوآله)؟ قال سجي بثوب وجعل وسط البيت فإذا دخل قوم داروا به
وصلوا عليه ودعوا له ثم يخرجون ويدخل آخرون ثم دخل على (عليهالسلام) القبر. الحديث».
وما رواه في
الكافي عن ابى مريم الأنصاري عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «قلت له كيف كانت الصلاة على النبي (صلىاللهعليهوآله)؟ قال لما غسله أمير المؤمنين (عليهالسلام) وكفنه سجاه ثم ادخل عليه عشرة فداروا حوله ثم وقف أمير
المؤمنين (عليهالسلام) في وسطهم فقال (إِنَّ اللهَ
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) فيقول القوم كما يقول حتى صلى عليه أهل المدينة وأهل
العوالي».
__________________
وما رواه في
الكافي عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «اتى العباس أمير المؤمنين (عليهالسلام) فقال يا على ان الناس قد اجتمعوا ان يدفنوا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في بقيع المصلى وان يؤمهم رجل منهم فخرج أمير المؤمنين
(عليهالسلام) الى الناس فقال : يا ايها الناس ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) امام حيا وميتا ، وقال انى ادفن في البقعة التي اقبض
فيها. ثم قام على الباب فصلى عليه ثم أمر الناس عشرة عشرة يصلون عليه ثم يخرجون».
وما رواه في
الكتاب المذكور عن جابر عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال «لما قبض النبي (صلىاللهعليهوآله) صلت عليه الملائكة والمهاجرون والأنصار فوجا فوجا. قال
وقال أمير المؤمنين (عليهالسلام) سمعت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يقول في صحته وسلامته : إنما أنزلت هذه الآية على في
الصلاة على بعد قبض الله لي (إِنَّ اللهَ
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)» .
وما رواه الثقة
الجليل احمد بن ابى طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن سليم بن قيس عن سلمان
الفارسي في حديث يصف فيه تغسيل على (عليهالسلام) له (صلىاللهعليهوآله) قال فيه «فلما غسله وكفنه أدخلني وادخل أبا ذر والمقداد
وفاطمة وحسنا وحسينا (عليهمالسلام) فتقدم وصففنا خلفه فصلى عليه ثم أدخل عشرة من
المهاجرين وعشرة من الأنصار فيصلون ويخرجون حتى لم يبق أحد من المهاجرين والأنصار
إلا صلى عليه».
وأنت خبير بأنه
ربما ظهر من التأمل في هذه الأخبار الواردة في صلاة الناس على النبي (صلىاللهعليهوآله) فوجا فوجا انما هو بمعنى الدعاء خاصة وانه لم يصل عليه
الصلاة المعهودة إلا على (عليهالسلام) مع هؤلاء النفر الذين تضمنهم حديث الاحتجاج ، واليه
__________________
تشير أيضا صحيحة الحلبي أو حسنته وقوله فيها : «ثم قام على (عليهالسلام) على الباب فصلى عليه ثم أمر الناس. الى آخره» فان ظاهر
صحيح ابى مريم الأول وقوله فيه «فإذا دخل قوم داروا به وصلوا ودعوا له». انهم
يحيطون به من جميع الجهات ويدعون له وهكذا من يدخل بعدهم. وكذا قوله في حديث
الثاني «ثم أدخل عليه عشرة فداروا حوله ـ يعنى بعد ما صلى عليه أمير المؤمنين (عليهالسلام) كما دل عليه خبر الاحتجاج ـ ثم وقف أمير المؤمنين (عليهالسلام) في وسطهم فقال. الحديث» فإنه ظاهر في ان الصلاة كانت
بهذه الكيفية كما يدل عليه قوله «فيقول القوم كما يقول» واليه يشير قوله في حديث
جابر «انه سمع رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يقول في حال صحته ان هذه الآية نزلت عليه في الصلاة
عليه بعد الموت» ولا ريب ان الصلاة في الآية انما هي بمعنى الدعاء.
ولم أقف على من
تنبه لهذا الاحتمال الذي ذكرناه إلا الفاضل محمد تقي المجلسي في حواشي التهذيب حيث
كتب على حديث ابى مريم الأنصاري الأول منهما ما صورته : يمكن أن يكون المراد طافوا
به احتراما له (صلىاللهعليهوآله) ثم صلوا عليه بعد أو انهم جعلوه قبلة وتوجهوا اليه من
كل جانب عند الصلاة عليه. ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة هنا الدعاء وكان صلاة
الناس عليه هكذا وانما صلى عليه الصلاة المخصوصة أمير المؤمنين (عليهالسلام) وخواصه كما دل عليه خبر أورده في كتاب الاحتجاج . انتهى.
أقول : وما
احتمله (قدسسره) غير بعيد للتقريب الذي قدمناه في جملة من اخبار الصلاة
عليه (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين) وعلى هذا يسقط الاستدلال بهذه
الأخبار على جواز التكرار.
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله
__________________
(عليهالسلام) قال : «كبر أمير المؤمنين (عليهالسلام) على سهل بن حنيف وكان بدريا خمس تكبيرات ثم مشى ساعة
ثم وضعه وكبر عليه خمسة أخرى فصنع ذلك حتى كبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة».
وعن عمرو بن
شمر قال : «قلت لجعفر بن محمد (عليهماالسلام) جعلت فداك انا نتحدث بالعراق ان عليا (عليهالسلام) صلى على سهل بن حنيف فكبر عليه ستا ثم التفت الى من
كان خلفه فقال انه كان بدريا؟ قال فقال جعفر (عليهالسلام) انه لم يكن كذا ولكنه صلى عليه خمسا ثم رفعه ومشى به
ساعة ثم وضعه فكبر عليه خمسا ففعل ذلك خمس مرات حتى كبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة».
وعن عقبة قال : «سئل جعفر (عليهالسلام) عن التكبير على الجنائز فقال ذاك الى أهل الميت ما
شاءوا كبروا. فقيل انهم يكبرون أربعا؟ فقال ذاك إليهم ثم قال أما بلغكم ان رجلا
صلى عليه على (عليهالسلام) فكبر عليه خمسا حتى صلى عليه خمس صلوات يكبر في كل
صلاة خمس تكبيرات؟ قال ثم قال انه بدري عقبي احدى وكان من النقباء الذين اختارهم
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من الاثني عشر نقيبا وكانت له خمس مناقب فصلى عليه لكل
منقبة صلاة».
أقول :
والمذكور في الخبر في تعداد المناقب انما هو اربع مناقب مع قوله (عليهالسلام) ان له خمس مناقب وان تعداد الصلاة خمسا كان بإزاء
المناقب الخمس ، ولعل المنقبة الخامسة هو إخلاص الرجل في التشيع والولاء لأمير
المؤمنين وأهل بيته (عليهمالسلام) وانه كان من السابقين الذين رجعوا اليه بعد ارتداد
الناس.
واما ما تضمنه
الخبر من عدم التحديد في التكبير وان ذلك الى أهل الميت يكبرون ما شاءوا فترده
الأخبار المستفيضة المتقدمة في الموضع التاسع وقد مر نظير هذا الخبر في عدم التوقيت في التكبير ،
وحمل الجميع على التقية متعين.
__________________
قال في المنتهى
: وهي خمس تكبيرات بينها أربعة أدعية وعليه علماؤنا أجمع وبه قال زيد بن أرقم
وحذيفة بن اليمان ، وقال الشافعي يكبر أربعا وبه قال الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة
ومالك وداود وأبو ثور ، وقال محمد بن سيرين وأبو السقيا جابر بن زيد يكبر ثلاثا ،
ورواه الجمهور عن ابن عباس ، وقال عبد الله بن مسعود يكبر ما كبر الإمام أربعا
وخمسا وسبعا وتسعا ، وعن احمد روايات إحداها يكبر أربعا والأخرى يتابع الإمام الى
خمس والأخرى يتابعه الى السبع وبذلك يظهر انه لم يوافق الإمامية في هذه المسألة إلا
زيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان من الصحابة وأما علماؤهم فكما عرفت من الاختلاف.
وبالجملة فإن
كلمة الأصحاب قديما وحديثا متفقة على الخمس في المؤمن وقد عضدها الأخبار المستفيضة
المتقدم كثير منها في الموضع المشار اليه وأقوال العامة كما ترى ، وحينئذ فلا وجه
لما دل على خلاف ما قلناه إلا التقية.
ثم لا يخفى ان
خبر عقبة المذكور وان لم يصرح فيه باسم سهل بن حنيف المذكور لكنه هو المراد قطعا
من الخبر المذكور بقرينة الأخبار الأخر.
ومنها ـ ما
رواه في الكافي عن ابى بصير عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال «كبر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) على حمزة سبعين تكبيرة ، وكبر على (عليهالسلام) عندكم على سهل بن حنيف خمسا وعشرين تكبيرة ، قال كبر
خمسا كلما أدركه الناس قالوا يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل فيضعفه
فيكبر عليه خمسا حتى انتهى الى قبره خمس مرات».
وعن زرارة عن
ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «صلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) على حمزة سبعين صلاة».
ومنها ـ قول
أمير المؤمنين (عليهالسلام) على ما نقله في كتاب نهج البلاغة «ان قوما استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين ولكل فضل حتى إذا استشهد
شهيدنا قيل
__________________
سيد الشهداء وخصه رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه».
ونحوه ما نقله
شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار عن كتاب الهداية للحسين بن حمدان الحصيني بسنده عن
سيدنا ابى محمد العسكري (عليهالسلام) في حديث طويل يتضمن قتل حمزة (عليهالسلام) وحزن النبي (صلىاللهعليهوآله) له قال فيه : «وامره الله أن يكبر عليه سبعين تكبيرة
ويستغفر له ما بين كل تكبيرتين منها فأوحى الله تعالى اليه انى قد فضلت عمك حمزة
بسبعين تكبيرة لعظمته عندي وكرامته على. الحديث».
وما رواه
الصدوق في كتاب عيون الأخبار عن الرضا عن آبائه عن الحسين ابن على (عليهمالسلام) قال : «رأيت النبي (صلىاللهعليهوآله) كبر على حمزة خمس تكبيرات وكبر على الشهداء بعد حمزة
خمس تكبيرات فلحق حمزة سبعون تكبيرة».
ورواه في صحيفة
الرضا (عليهالسلام) بإسناده الى أمير المؤمنين (عليهالسلام) قال «رأيت النبي (صلىاللهعليهوآله) كبر على عمه حمزة خمس تكبيرات وكبر على الشهداء بعد
حمزة خمس تكبيرات فلحق حمزة بسبعين تكبيرة ووضع يده اليمنى على اليسرى».
أقول : ومن
هذين الخبرين يظهر ان السبعين تكبيرة على حمزة وقعت في صلوات متعددة كل صلاة منها
خمس تكبيرات ويعضده الاتفاق كما عرفت ، وعليه دلت النصوص المستفيضة ان صلاة الميت
لا تزيد على خمس تكبيرات ، وحينئذ تكون هذه السبعون عبارة عن أربع عشرة صلاة ،
ويمكن أن يكون الوجه في ذلك هو انه لما صلى على حمزة بخمس تكبيرات جيء بجماعة بعد
جماعة فكان يصلى على كل جماعة بخمس تكبيرات وكان يشركهم في الصلاة وحمزة مع كل
جماعة حتى إذا انتهت الصلاة عليهم صارت الصلوات أربع عشرة صلاة ولحق حمزة من
الجميع سبعون تكبيرة. إلا ان ظاهر كلام أمير المؤمنين (عليهالسلام) في كتاب النهج وكذا ظاهر خبر
__________________
الحصيني يدل على وقوع ذلك في صلاة واحدة وان ذلك فضيلة ومزية اختص بها حمزة
(رضى الله عنه) دون غيره ، فلا منافاة فيها للأخبار التي وقع الاتفاق عليها من أن
صلاة الميت لا تزيد على خمس تكبيرات.
ومنها ـ ما
رواه في التهذيب عن جابر عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «قلت له أرأيت إن فاتتني تكبيرة أو أكثر؟ قال
تقضى ما فاتك. قلت استقبل القبلة؟ قال بلى وأنت تتبع الجنازة فإن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) خرج الى جنازة امرأة من بنى النجار فصلى عليها فوجد
الحفرة لم يمكنوا فوضعوا الجنازة فلم يجيء قوم إلا قال لهم صلوا عليها».
وعن عمار بن
موسى في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال «الميت يصلى عليه ما لم يوارث بالتراب وان كان قد
صلى عليه».
وعن يونس بن
يعقوب في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الجنازة لم أدركها حتى بلغت القبر أصلي
عليها؟ قال ان أدركتها قبل ان تدفن فإن شئت فصل عليها».
أقول : هذه
جملة ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على جواز التكرار.
واما الأخبار
الدالة على العدم فمنها ـ ما رواه الشيخ عن وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) صلى على جنازة فلما فرغ جاءه أناس فقالوا يا رسول الله
(صلىاللهعليهوآله) لم ندرك الصلاة عليها فقال لا يصلى على جنازة مرتين
ولكن ادعوا لها».
وعن إسحاق بن
عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) صلى على جنازة فلما فرغ جاء قوم فقالوا فأتتنا الصلاة
عليها فقال ان الجنازة لا يصلى عليها مرتين ادعوا له وقولوا خيرا».
__________________
وما رواه في
كتاب قرب الإسناد عن الحسين بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) صلى على جنازة فلما فرغ جاء قوم لم يكونوا أدركوها
فكلموا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أن يعيد الصلاة عليها فقال لهم قد قضيت الصلاة عليها
ولكن ادعوا لها».
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان ما ورد في الأخبار من التعدد في الصلاة على سهل ابن حنيف فهو محمول على
خصوصية الرجل المذكور لما صرحت به رواية عقبة المتقدمة ، وبه يظهر ضعف ما ذكره في
المدارك من تخصيصه استحباب الإعادة بمن لم يصل للتأسي وانتفاء ما ينهض حجة على
اختصاص الحكم بذلك الشخص. وهو غفلة منه عن هذه الرواية حيث انه انما أورد حسنة
الحلبي وما ورد من الاخبار بالنسبة الى حمزة (سلام الله عليه) فان حملنا السبعين
على كونها في صلاة واحدة كما هو الظاهر من كلام أمير المؤمنين (عليهالسلام) في كتاب نهج البلاغة وخبر الحصيني المتقدم لم تكن هذه
الأخبار من محل البحث في شيء ، لأن الكلام في تعداد الصلاة وتكررها وهذه صلاة
واحدة غاية الأمر أنه زيد في تكبيراتها الموظفة لمزية هذا الشخص وإظهار فضله كما
صرح به خبر الحصيني ، وان حملنا السبعين على كونها في صلوات متعدد كما هو ظاهر خبر
كتاب عيون الأخبار وخبر الصحيفة الرضوية فالظاهر حمل التكرار هنا ايضا على المزية
والفضيلة. وأما اخبار الصلاة على الرسول (صلىاللهعليهوآله) فأظهر في الفضيلة والمزية ، وان حملناها على الاحتمال
الذي قدمنا ذكره خرجت عن محل البحث.
وبالجملة فإن
حمل الأخبار في هذه المواضع الثلاثة على الاختصاص لمزيد الفضيلة مما لا يمكن
إنكاره سيما خبر سهل بن حنيف الصريح في ان كل صلاة بإزاء منقبة من مناقبه وحديث
حمزة ، وحينئذ فلا يمكن الاستناد إليها في عموم الحكم وشموله لجميع الأموات.
__________________
بقي الكلام في
الأخبار والجمع بينها وهو ممكن بأحد وجهين : (الأول) حمل الأخبار الدالة على
التكرار على ان الصلاة فيها بمعنى الدعاء لا الصلاة المعهودة ، ويؤيده ما يأتي ان
شاء الله تعالى في مسألة الصلاة على القبر. و (الثاني) حمل الأخبار الدالة على
النهى عن التكرار على التقية فإن العلامة في المنتهى نقل القول بالكراهة عن ابن
عمر وعائشة وابى موسى والأوزاعي واحمد والشافعي ومالك وابى حنيفة وأسنده ايضا الى
على (عليهالسلام) ولعله الأقرب ويعضده ان أكثر روايات النهى من العامة.
ومما ذكرنا
يظهر ضعف الأقوال المتقدمة ، اما القول بالكراهة مطلقا كما هو المشهور عملا
بالأخبار الدالة على النهى فينافيه ظاهر أمر النبي (صلىاللهعليهوآله) بالصلاة لمن اتى في رواية جابر وكذلك التزام أمير المؤمنين (عليهالسلام) في الصلاة على سهل بن حنيف بالأمر المكروه خمس مرات ،
وأظهر منه صلاة النبي (صلىاللهعليهوآله) على عمه (رضى الله عنه) ومثله صلاة الناس على النبي (صلىاللهعليهوآله). واما ما ذكره ابن إدريس من كراهة الصلاة جماعة فترده
اخبار سهل بن حنيف وتكرار أمير المؤمنين (عليهالسلام) الصلاة عليه جماعة خمس مرات وكذا أخبار حمزة (سلام
الله عليه) وأما تخصيص الكراهة بالمصلي نفسه كما نقل عن الشيخ في
الخلاف فينافيه مورد الأخبار الثلاثة الدالة على النهى ، فان موردها من لم يصل.
وأما تخصيص الكراهة بما خيف على الميت أو بضم منافاة التعجيل فلم نقف له على مستند
، وربما كان المستند حمل أخبار النهى على ذلك ، وأنت خبير بأنه لا إشعار في شيء
منها بذلك فضلا عن التصريح
__________________
به أو ظهوره فيه. وبالجملة فالظاهر عندي من اخبار المسألة هو ما ذكرته.
والله العالم.
المسألة
الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الصلاة على القبر ، فقال الشيخان (عطر
الله مرقديهما) من لم يدرك الصلاة على الميت صلى على القبر يوما وليلة فإن زاد على
ذلك لم تجز الصلاة عليه ، وهو اختيار ابن إدريس وابن البراج وابن حمزة وبه صرح
المحقق في الشرائع والعلامة في الإرشاد. وإطلاق كلامهم يقتضي جواز الصلاة عليه وان
كان قد صلى عليه. ولم يقدر ابن ابى عقيل وعلى بن بابويه لها وقتا بل قالا من لم
يدرك الصلاة على الميت صلى على القبر ، وقربه الشهيد في البيان ، وقال ابن الجنيد
يصلى عليه ما لم تتغير صورته ، وقال سلار يصلى عليه ثلاثة أيام وجعله الشيخ في
الخلاف رواية ، وقال في المختلف : والأقرب عندي انه ان لم يصل على الميت أصلا بل
دفن بغير صلاة صلى على قبره وإلا فلا. وحكم المحقق في المعتبر بعدم وجوب الصلاة
بعد الدفن مطلقا قال ولا امنع الجواز. واستدل في المعتبر على عدم الوجوب بان
المدفون خرج بدفنه من أهل الدنيا فساوى من فني في قبره ، وعلى الجواز بالأخبار
الواردة بالإذن في الصلاة على القبر كصحيحة هشام بن سالم ، ثم ساق الخبر كما يأتي
ان شاء الله تعالى وقال في المدارك : والأصح ما اختاره المصنف من عدم
الوجوب بعد الدفن مطلقا لكن لا يبعد اختصاص الجواز بيوم الدفن. انتهى. والى ما
ذكره المحقق في المعتبر مال العلامة في المنتهى. هذا ما حضرني من أقوالهم.
واما الأخبار
الواردة في هذه المسألة فمنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام ابن سالم عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس أن يصلى الرجل على الميت بعد ما يدفن».
وما رواه الشيخ
في التهذيب مسندا عن مالك مولى الجهم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) والصدوق في الفقيه مرسلا عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا فاتتك الصلاة على الميت حتى يدفن فلا بأس
بالصلاة عليه وقد دفن».
__________________
وما رواه الشيخ
عن عمرو بن جميع عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا فاتته الصلاة على الميت صلى على القبر».
وعن محمد بن
أسلم عن رجل من أهل الجزيرة قال : «قلت للرضا (عليهالسلام) يصلى على المدفون بعد ما يدفن؟ قال لا لو جاز لأحد
لجاز لرسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال بل لا يصلى على المدفون ولا على العريان».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال «سئل عن ميت صلى عليه فلما سلم الإمام إذا الميت
مقلوب رجلاه الى موضع رأسه؟ قال يسوى وتعاد الصلاة عليه وان كان قد حمل ما لم يدفن
، فان كان قد دفن فقد مضت الصلاة ولا يصلى عليه وهو مدفون».
وقد تقدم في المسألة المتقدمة في موثقة يونس بن يعقوب «ان
أدركتها قبل أن تدفن فإن شئت فصل عليها».
وفي موثقة عمار
«الميت يصلى
عليه ما لم يوار بالتراب وان كان قد صلى عليه».
وما رواه في
الكافي والتهذيب في تتمة حديث عمار المتقدم في الموضع السابع من البحث المتقدم قال : «قلت فلا يصلى عليه إذا دفن؟ قال لا لا يصلى على
الميت بعد ما يدفن ولا يصلى عليه وهو عريان حتى توارى عورته».
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن حريز عن محمد بن مسلم أو زرارة قال : «الصلاة على الميت بعد ما يدفن انما هو الدعاء.
قال قلت فالنجاشي لم يصل عليه النبي (صلىاللهعليهوآله)؟ فقال لا انما دعا له».
وعن جعفر بن
عيسى قال «قدم أبو عبد الله (عليهالسلام) مكة فسألني عن عبد الله
__________________
ابن أعين فقلت مات. فقال مات؟ أفتدري موضع قبره؟ قلت نعم. قال فانطلق بنا
الى قبره حتى نصلي عليه قلت نعم. فقال لا ولكن نصلي عليه ههنا ، فرفع يديه واجتهد
في الدعاء وترحم عليه».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي «فان لم تلحق الصلاة على الجنازة حتى يدفن الميت فلا بأس بأن تصلى بعد ما
دفن».
هذه جملة ما
حضرني من اخبار المسألة وهي ظاهرة الإشكال لما بينها من التدافع في هذا المجال ،
وما ذهب إليه الأصحاب في وجوه الجمع بينها لا يخلو من الإشكال والاختلال.
اما ما ذكره
الشيخان ومن تبعهما فلعدم وجود المستند لما ذكروه من التقدير باليوم والليلة ،
وكذا قول سلار إلى ثلاثة أيام وقول ابن الجنيد ، فان الجميع خال من الدليل ، وقد
اعترف بذلك الفاضلان في المعتبر والمنتهى.
واما ما ذكره
العلامة في المختلف ـ من حمل أخبار المسألة على من دفن بغير صلاة فأوجب الصلاة
عليه وحمل اخبار المنع على من صلى عليه ـ ففيه ان ظاهر موثقة عمار الواردة في
الصلاة على المقلوب رأسه الى موضع رجليه يدل على المنع وان لزم دفنه بغير صلاة ، لان من صلى
عليه صلاة باطلة كمن لم يصل عليه بالكلية مع المعارضة باحتمال حمل الصلاة في اخبار
الجواز على مجرد الدعاء كما تدل عليه مضمرة زرارة ورواية جعفر المذكورتان .
واما ما ذكره
بعضهم ـ من حمل اخبار المنع على الكراهة وحينئذ تجوز الصلاة عليه على كراهة إذا
كان الميت قد صلى عليه وإلا فتجب الصلاة عليه عملا بالأخبار العامة الدالة على
وجوب الصلاة على الميت مطلقا من غير استثناء وان المعارض المذكور يضعف عن المعارضة.
__________________
ففيه ما قد
عرفت مرارا من أن الأحكام المودعة في الأخبار انما تحمل على الافراد المتكررة
الشائعة وهي التي يتبادر إليها الإطلاق دون الفروض النادرة الشاذة التي ربما لا
توجد إلا بطريق الاحتمال.
وأما ما ذكره
في المعتبر ـ ومال إليه في المدارك من عدم الوجوب بعد الدفن وان جاز ذلك ـ فليس
فيه تعرض لاخبار المنع ولا بيان الوجه فيها مع كونها ظاهرة بل بعضها صريحا في
المنع ، وحينئذ فقوله بالجواز مع معارضتها باخبار المنع من غير أن يجيب عنها لا
وجه له. نعم ربما كان التفاتهم الى ان اخبار المنع ضعيفة السند لا تعارض الصحيحة
التي ذكروها ، ولعله لهذا الوجه جمد في المدارك على ما ذهب اليه صاحب المعتبر ،
على ان ما علل به في المعتبر عدم الوجوب في هذا المقام عليل لا يعتمد عليه ، وان
كان الأولى التمسك بأصالة العدم حتى يقوم دليل الوجوب ، لان أخبار الصلاة المطلقة
لا عموم فيها على وجه يشمل محل البحث لما عرفت.
وبالجملة فإن
حمل روايات الجواز على مجرد الدعاء غير بعيد لما عرفت من الخبرين المتقدمين. إلا
ان المسألة بعد لا تخلو من شوب الإشكال والاحتياط يقتضي ترك الصلاة على من صلى
عليه والاقتصار على مجرد الدعاء على من لم يصل عليه بل على من صلى عليه ايضا.
والله العالم.
المسألة
الثالثة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو فات المأموم بعض التكبيرات
أتم بعد فراغ الامام ولاء ، وانه لو سبق الامام ببعض التكبيرات استحب له الإعادة
مع الامام ، فالكلام هنا يقع في موضعين :
الأول ـ من
فاته بعض التكبيرات مع الامام ، والحكم فيه كما ذكروه (رضوان الله عليهم).
ويدل عليه جملة
من الأخبار : منها ـ ما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن
الحلبي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا أدرك الرجل التكبيرة والتكبيرتين من الصلاة
على الميت فليقض ما بقي متتابعا».
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن عيص بن القاسم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يدرك من الصلاة على الميت تكبيرة قال يتم ما
بقي».
وعن خالد بن
ماد القلانسي عن رجل عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول في الرجل يدرك مع الإمام في الجنازة
تكبيرة أو تكبيرتين؟ فقال يتم التكبير وهو يمشى معها فإذا لم يدرك التكبير كبر عند
القبر ، فان كان أدركهم وقد دفن كبر على القبر».
أقول : ربما أشعر
هذا الخبر بجواز الصلاة على الميت بعد الدفن وان كان قد صلى عليه ، إذ الظاهر من
قوله «كبر على القبر» يعنى التكبير المعهود في الصلاة وهو كناية عن الصلاة الكاملة
كما وقع التعبير به في جملة من الأخبار. ولا مجال لحمل الصلاة هنا على مجرد الدعاء
كما ذكرناه في المسألة المتقدمة ، فإن هذا الاحتمال انما يجرى لو كان التعبير بلفظ
الصلاة التي معناها لغة انما هو الدعاء لا في لفظ التكبير وفي الخبر على ما ذكرناه
رد على ما ذهب إليه في المختلف من تخصيص الصلاة بعد الدفن بمن لم يصل عليه واما من
صلى عليه فإنه لا يصلى عليه ، حيث ان الظاهر ان هؤلاء الذين دفنوه انما يدفنونه
بعد الصلاة عليه البتة. واما احتمال كون التكبير على القبر في الصورة المذكورة
ولاء كما في صورة فوات بعض التكبيرات مع الامام فالظاهر بعده.
وعن الحلبي في
الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا أدرك الرجل التكبيرة والتكبيرتين من الصلاة
على الميت فليقض ما بقي متتابعا».
وعن زيد الشحام
قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الصلاة على الجنائز
__________________
إذا فات الرجل منها التكبيرة أو الثنتان أو الثلاث قال يكبر ما فاته».
وحمل مطلق هذه
الأخبار على مقيدها يقتضي الإتيان بالتكبير الفائت ولاء من غير الأذكار الموظفة.
وفي كتاب الفقه
الرضوي «فإذا فاتك مع الامام بعض التكبير ورفعت الجنازة فكبر عليها تمام الخمس
وأنت مستقبل القبلة».
وروى الثقة
الجليل على بن جعفر (رضى الله عنه) في كتاب المسائل عن أخيه موسى بن جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يدرك تكبيرة أو اثنتين على ميت
كيف يصنع؟ قال يتم ما بقي من تكبيره ويبادره دفعة ويخفف».
وأما ما رواه
الشيخ عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهماالسلام) ـ «ان عليا (عليهالسلام) كان يقول لا يقضى ما سبق من تكبير الجنائز». وفي بعض
النسخ «ما بقي» ـ فقد حمله الشيخ في التهذيبين على القضاء مع الدعاء ، قال لأنه
انما يقضى متتابعا من دون فصل بالدعاء كما كان يبتدأ به. وقال في الوافي : وفيه
بعد والاولى ان يحمل على عدم الوجوب. انتهى. أقول : ويؤيده الاتفاق على الوجوب
الكفائي ولا ريب انه قد سقط الوجوب حينئذ عن هذا المصلي بصلاة القوم على الجنازة.
وقال في الذكرى
بعد ذكر الخبر : وحمله الشيخ على القضاء الخاص وهو القضاء مشفوعا بالدعاء لا القضاء
المتتابع. قلت يريد به نفى وجوب الدعاء لحصوله من السابقين ولانه موضع ضرورة لا
نفى جوازه لدلالة ما يأتي عليه ، بل يمكن وجوبه مع الاختيار لعموم أدلة الوجوب
وعموم قول النبي (صلىاللهعليهوآله) «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا».
__________________
فحينئذ تحمل رواية إسحاق على غير المتمكن من الدعاء بتعجيل رفعها ، وعليه
يحمل قول الصادق (عليهالسلام) في رواية الحلبي «فليقض ما بقي متتابعا» الى أن قال :
بعد ذكر رواية القلانسي : وهذا يشعر بالاشتغال بالدعاء إذ لو والى لم يبلغ الحال
الى الدفن. انتهى.
أقول : ظاهر
كلامه (قدسسره) تخصيص التكبير ولاء بصورة عدم التمكن من الأذكار بينها
، ونقل ذلك عن العلامة في بعض كتبه بل نسبه شيخنا المجلسي (قدسسره) في كتاب البحار إلى الأكثر حيث قال : وقال الأكثر ان
أمكن الدعاء يأتي بأقل المجزئ وإلا يكبر ولاء من غير دعاء. انتهى. وربما يشير الى
ذلك قوله (عليهالسلام) في صحيحة على بن جعفر المتقدم نقلها عن كتابه «ويبادره
دفعة ويخفف».
ويشكل بان ظاهر
الأخبار المذكورة بالنظر الى حمل مطلقها على مقيدها هو التكبير ولاء أمكن الإتيان
بالأذكار قبل وقوع ما ينافي ذلك من البعد والانحراف عن الميت والقبلة أم لم يمكن ،
والتخصيص بما ذكروه يحتاج الى دليل واضح. وما استند اليه من العموم على وجه يشمل محل
البحث ممنوع. والحديث الذي نقله غير معلوم كونه من طرقنا بل الظاهر انه من الأخبار
العامية التي يستسلقونها في أمثال هذه المقامات ، ويعضد ذلك ما أشرنا إليه آنفا من
ان قضية الوجوب الكفائي سقوط الوجوب في الصورة المذكورة ، وبه يظهر انه لا شمول
لأدلة الوجوب لموضع البحث كما ذكرنا.
وأما دعواه
اشعار رواية القلانسي بالاشتغال بالدعاء ففيه ان الظاهر من الرواية بعد التأمل
فيها ان التكبير على القبر بعد الدفن انما هو في صورة ما لو لم يدرك التكبير مع
الإمام بالكلية كما أوضحناه آنفا ، لا أنه أدرك بعضها وقضى البعض الباقي بعد الدفن
حتى يدعى انه لو والى لم يبلغ الحال الى الدفن.
وكيف كان
فالاحتياط في ما ذكروه (رضوان الله عليهم) والله العالم.
الثاني ـ قال
في الذكرى : لو سبق المأموم بتكبيرة فصاعدا متعمدا اثم وأجزأ ، ولو كان ناسيا أو
ظانا فلا اثم وأعادها معه ليدرك فضيلة الجماعة ، وفي إعادة العامد تردد من حيث
المساواة لليومية في عدم اعادة العامد ولأنها أركان زيادتها كنقصانها ومن انها ذكر
الله تعالى فلا تبطل الصلاة بتكرره.
وقال في كتاب
الروض : ويستحب للمأموم إعادة ما سبق به من التكبير على الامام ظانا أو ناسيا
ليدرك فضيلة الجماعة كما يرجع إليه في اليومية لو ركع أو رفع قبله ولا تنقطع بذلك
القدوة ، ولو كان متعمدا ففي الإعادة إشكال من ان التكبير ركن فزيادته كنقصانه ومن
كونه ذكر الله تعالى. ولا ريب ان عدم العود هنا أولى. وهو راجع الى ما في الذكرى
إلا انه هنا رجح في العامد عدم العود وفي الذكرى ظاهره التوقف حيث اقتصر على ذكر
الوجهين الموجبين للإشكال.
وقال في
المسالك ـ بعد قول المصنف : إذا سبق المأموم بتكبيرة أو ما زاد استحب له إعادتها
مع الامام ـ ما لفظه : ان سبقه سهوا أو ظنا انه كبر أما لو تعمد استمر متأنيا حتى
يلحقه الامام ويأثم في الأخير. أقول. وهذا احتمال ثالث زائد على ما في الذكرى
والروض.
وقال في
المدارك ـ بعد ذكر حكم الساهي والظان وانهما يعيدان مع الامام وحكم العامد وانه
يستمر متأنيا حتى يلحقه الامام كما في المسالك ـ ما لفظه : وفي الحكمين معا اشكال
خصوصا الثاني ، لأن التكبير الواقع في هذا الموضع على هذا الوجه منهي عنه والنهى
في العبادة يقتضي الفساد ، بل لو قيل بوجوب الإعادة مع العمد كان جيدا ان لم تبطل
الصلاة بذلك. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان المسألة خالية من النص ، وجميع ما ذكر فيها من التعليلات معلول لا يمكن
الاعتماد عليه ، واستشكال صاحب المدارك في محله ، ومن ثم ان الفاضل الخراساني في
الذخيرة اقتصر على نقل الأقوال. والله العالم.
المسألة
الرابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو حضرت
جنازة في أثناء الصلاة على اخرى تخير بين قطع الصلاة الأولى واستئناف صلاة
واحدة عليهما وبين ان يتم الصلاة على الأولى ويستأنف على الثانية ، ذكره الصدوقان
والشيخ واتباعه وهو المشهور. وقال ابن الجنيد على ما نقل عنه يجوز للإمام جمعهما
الى أن يتم على الثانية خمسا وان شاء ان يومئ الى أهل الأولى ليأخذوها ويتم على
الثانية خمسا.
استدل
المتأخرون على القول الأول بما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن
أخيه موسى بن جعفر (عليهالسلام) «في قوم كبروا على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين ووضعت معها اخرى؟ قال ان شاءوا
تركوا الأولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة وان شاءوا رفعوا الأولى وأتموا ما
بقي على الأخيرة كل ذلك لا بأس به».
قال في الذكرى
: والرواية قاصرة الدلالة على إفادة المدعى إذ ظاهرها ان ما بقي من تكبير الأولى
محسوب للجنازتين فإذا فرغ من تكبير الأولى تخيروا بين تركها بحالها حتى يكملوا
التكبير على الأخيرة وبين رفعها من مكانها والإتمام على الأخيرة ، وليس في هذا
دلالة على إبطال الصلاة على الأولى بوجه. هذا مع تحريم قطع العبادة الواجبة.
أقول : ما ذكره
(قدسسره) في بيان معنى ظاهر الرواية جيد وقد اقتفاه في ذلك جملة
من متأخري المتأخرين.
والتحقيق عندي
في هذا المقام وان غفلت عنه علماؤنا الاعلام ان المتقدمين سيما الصدوقين انما
اعتمدوا في هذا الحكم واستندوا إلى عبارة كتاب الفقه الرضوي حيث انه (عليهالسلام) قد صرح بذلك وقد عرفت في غير موضع مما قدمناه وستعرف
ان شاء الله تعالى أمثاله في ما يأتي أن كثيرا من الأحكام التي ذكرها المتقدمون
واعترضهم المتأخرون بعدم وجود المستند لها فان مستنداتها قد ظهرت من هذا الكتاب
ومن جملة ذلك
__________________
هذه المسألة ، إلا ان المتأخرين لما نقلوا الحكم المذكور عن كلام المتقدمين
ولم يصل إليهم مما يظن دلالته عليه إلا هذه الصحيحة جعلوها دليلا للمتقدمين في ما
نقلوه عنهم واعترضوها بما عرفت.
والحق ان
دليلهم ليس إلا عبارة الكتاب المذكور حيث قال (عليهالسلام) «وان كنت تصلى على الجنازة وقد جاءت اخرى فصل عليهما صلاة واحدة بخمس
تكبيرات وان شئت استأنف على الثانية».
والصدوق في
الفقيه قد أخذ معنى العبارة المذكورة فقال : ومن كبر على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين
فوضعت جنازة أخرى معها فان شاء كبر الآن عليهما خمس تكبيرات وان شاء فرغ من الاولى
واستأنف الصلاة على الثانية. انتهى.
نعم صحيحة على
بن جعفر المذكورة ظاهرة في مذهب ابن الجنيد ومنطبقة عليه فهي دليله ودليل المشهور
انما هي العبارة المذكورة.
وظاهر كلام
الشيخ في كتابي الأخبار القول بالتشريك ايضا كما هو مذهب ابن الجنيد حيث انه ـ بعد
ان نقل رواية جابر المتقدمة عن ابى جعفر (عليهالسلام) الدالة على التكبير على الميت احدى عشر وتسعا وسبعا
وخمسا وستا وأربعا ـ قال ما تضمنه هذا الخبر من زيادة التكبير على الخمس مرات
متروك بالإجماع ويجوز ان يكون (عليهالسلام) أخبر عن فعل النبي (صلىاللهعليهوآله) بذلك لأنه كان يكبر على جنازة واحدة أو اثنتين فكان
يجاء بأخرى فيبتدئ من حيث انتهى خمس تكبيرات فإذا أضيف الى ما كان كبر زاد على
الخمس تكبيرات وذلك جائز على ما سنبينه في ما بعد ان شاء الله تعالى. انتهى ومما
حررناه في المقام يظهر لك ان في المسألة قولين : (أحدهما) ـ القول بالتشريك كما
ذهب اليه ابن الجنيد وهو ظاهر الشيخ كما عرفت ، وعليه تدل صحيحة على بن جعفر
المذكورة (الثاني) ـ القول بالتخيير بين القطع والاستئناف عليهما والإتمام على
الأولى ثم الصلاة على الثانية كما هو القول المشهور ، ومستنده ما عرفت
__________________
من كلامه في كتاب الفقه. والقول بالتخيير بين الأمرين المذكورين في هذين
الخبرين جمع بين الدليلين.
ثم انه على
تقدير القول بالتشريك فان قلنا بالاكتفاء بمجرد الأذكار والأدعية كيف اتفق من غير
توظيف شرعي فلا اشكال ، وان قلنا بالقول المشهور من التوظيف لكل تكبيرة بوظيفة
مخصوصة فإنه يجب الإتيان بعد كل تكبيرة من التكبيرات المشتركة بوظيفة الصلاتين من
الأدعية والأذكار ، فلو اتى بالجنازة الثانية بعد تكبيرتين ووقع التشريك في
الثالثة دعا بعدها لوظيفة الأولى بدعاء المؤمنين ولوظيفة الثانية بالشهادتين
وهكذا.
هذا. وما ذكره
الشهيد في الذكرى في آخر عبارته المتقدمة من قوله «هذا مع تحريم قطع العبادة
الواجبة» فقد اعترض عليه في الذخيرة فقال : واما ما ذكره ـ من تحريم قطع العبادة
الواجبة ووافقه غير واحد من المتأخرين فحكموا بتحريم القطع هنا إلا لضرورة ـ فغير
مسلم إذ عمدة ما يعول عليه في هذا الباب هو الإجماع وهو غير تام في موضع النزاع.
واما الاستناد الى قوله تعالى «وَلا تُبْطِلُوا»
فغير تام كما بيناه في المباحث السالفة. انتهى.
أقول : ويعضد
ما ذكره (قدسسره) عبارة كتاب الفقه التي هي مستند القول المشهور من جواز
القطع كما عرفت ، وبالجملة فإن دعواهم تحريم قطع الواجب مطلقا ممنوع لعدم الدليل
عليه ، نعم قال الدليل عندي على ذلك في الصلاة اليومية فإنه يحرم قطعها كما تقدم
تحقيقه في كتاب الصلاة وما عدا ذلك فلا اعرف له دليلا بل الدليل على خلافه ـ كما
عرفت في هذا المقام ـ واضح السبيل. والله العالم.
المسألة
الخامسة ـ قد صرح غير واحد من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا قراءة عندنا في
هذه الصلاة ولا تسليم.
والكلام هنا
يقع في مقامين (الأول) بالنسبة إلى القراءة والذي يدل على
__________________
عدمها من الأخبار ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم وزرارة
ومعمر بن يحيى وإسماعيل الجعفي عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت
تدعو بما بدا لك. الحديث». وقد تقدم.
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن مسلم وزرارة «أنهما سمعها أبا جعفر (عليهالسلام) يقول ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت.
الحديث» وقد مر ايضا ويؤيده ما في كثير من الأخبار «انما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل».
وقد ورد بإزاء
هذه الأخبار ما ظاهره المعارضة كما رواه الشيخ عن عبد الله ابن ميمون القداح عن
جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) «ان عليا (عليهالسلام) كان إذا صلى على ميت يقرأ بفاتحة الكتاب ويصلى على
النبي (صلىاللهعليهوآله)».
وعن على بن
سويد عن الرضا (عليهالسلام) في ما نعلم قال : «في الصلاة على الجنائز تقرأ في
الأولى بأم الكتاب وفي الثانية تصلي على النبي (صلىاللهعليهوآله). الحديث». وقد تقدم ايضا .
وهذان الخبران
محمولان عند الأصحاب على التقية قال الشيخ بعد ذكر خبر على بن سويد : أول ما فيه ان
الراوي شاك في كونه الرضا (عليهالسلام) وكما يكون شاكا يجوز أن يكون قد وهم في القراءة ،
ولانه رواه بطريق آخر عن الكاظم (عليهالسلام) واضطراب النقل دليل الضعف ، وان صح حمل على التقية. ثم
انه حمل ايضا خبر القداح على التقية .
__________________
قال في الذكرى : فروع ـ قال الشيخ في
الخلاف تكره القراءة. وكأنه نظر الى انه تكليف لم يثبت شرعيته. ويمكن ان يقال بعدم
الكراهة لأن القرآن في نفسه حسن ما لم يثبت النهى عنه والأخبار خالية من النهى
وغايتها النفي وكذا كلام الأصحاب ، لكن الشيخ نقل الإجماع بعد ذلك وقد يفهم منه
الإجماع على الكراهية ونحن لم نر أحدا ذكر الكراهة فضلا عن الإجماع عليها. انتهى.
ولا يخفى ما
فيه على الفطن النبيه وذلك فان البحث ليس في جواز قراءة القرآن من حيث هو قرآن حتى
انه يحتج بان القرآن في نفسه حسن ، بل محل البحث في انه هل القراءة هنا جزء من
الصلاة من واجباتها أو مستحباتها كما هو عند العامة أم لا؟ والاتفاق من الأصحاب
على عدم ذلك كما يفهم من شيخنا الشهيد الثاني في كتاب الروض حيث قال : ولا قراءة
فيها واجبة ولا مندوبة إجماعا. واما قوله ـ والأخبار خالية من النهى وغايتها النفي
ـ فإنه مردود بأن إثبات القراءة في هذه الصلاة هو المحتاج الى الدليل لا نفيها حتى
يدعى ان الأخبار لا تدل على النهى.
وبالجملة فإن
العبادات الشرعية توقيفية من الشارع فبأي كيفية عملت من الشارع يجب الوقوف عليها ،
وحيث ان إجماع الأصحاب كما عرفت على عدم توظيفها لا وجوبا ولا استحبابا وقد تأيد
بالأخبار المتقدمة الدالة على نفيها ، فالمعلوم هو عدم دخولها في الكيفية
المذكورة. بقي ما دل على ثبوتها من الخبرين المتقدمين فحيث كانا مخالفين لما عليه
الأصحاب والأخبار وكانا موافقين لكثير من العامة تعين حملهما على التقية بغير
اشكال.
والعجب من صاحب
الذخيرة حيث نقل كلامه وجمد عليه ولم يتعرض لما فيه مما ذكرنا من التنبيه ، والسبب
في ذلك هو ما قدمنا ذكره في غير موضع من
__________________
إلغائهم الاعتماد على هذه القواعد المنصوصة عن أئمتهم (عليهمالسلام) واتخذوا لهم قواعد أخر عكفوا عليها في جميع أبواب
الفقه. والله العالم.
الثاني ـ بالنسبة
إلى التسليم والذي يدل على عدمه في هذه الصلاة من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح
عن إسماعيل بن سعد الأشعري عن ابى الحسن الرضا (عليهالسلام) قال : «سألته عن الصلاة على الميت قال اما المؤمن فخمس
تكبيرات واما المنافق فأربع ، ولا سلام فيها».
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن الحلبي وزرارة عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهماالسلام) قالا : «ليس في الصلاة على الميت تسليم».
وعن الحلبي قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) ليس في الصلاة على الميت تسليم».
وما رواه الحسن
بن على بن شعبة في كتاب تحف العقول عن الرضا (عليهالسلام) في كتابه إلى المأمون قال : «والصلاة على الجنازة خمس
تكبيرات ، وليس في صلاة الجنازة تسليم لان التسليم في صلاة الركوع والسجود وليس
لصلاة الجنازة ركوع ولا سجود».
وفي كتاب الفقه
الرضوي نحو ذلك في الموضع الأول والثاني وقد تقدم جميع ذلك في الموضع المشار إليه الى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليه المتتبع وبإزاء
هذه الروايات مما يدل على التسليم موثقة عمار المتقدمة في المطلب الثالث في
الكيفية ومثلها رواية يونس المتقدمة ثمة أيضا وغيرهما ، والجميع محمول عند أصحابنا على التقية .
قال في الذكرى
: أجمع الأصحاب على سقوط التسليم فيها ، وظاهرهم عدم مشروعيته فضلا عن استحبابه ،
قال في الخلاف وليس فيها تسليم ، واحتج عليه
__________________
بإجماع الفرقة ، ونقل عن العامة التسليم على اختلافهم في كونه فرضا أو سنة وقال ابن الجنيد : ولا يستحب التسليم فيها فان سلم
الإمام فواحدة عن يمينه. وهذا يدل على شرعيته للإمام وعدم استحبابه لغيره أو على
جوازه للإمام من غير استحباب بخلاف غيره. واحتج المرتضى بعد الإجماع بأن مبناها
على التخفيف ولهذا حذف فيها الركوع والسجود فغير منكر ان يحذف التسليم. وقال ابن
ابى عقيل لا تسليم لان التسليم في الصلاة التي فيها الركوع والسجود ولذلك لا تسليم
في صلاة الخوف التي ليس فيها ركوع ولا سجود. لنا على عدمه في الجملة إطباق الأصحاب
على تركه علما وعملا ، وخبر الحلبي عن الصادق (عليهالسلام) «ليس في الصلاة على الميت تسليم». وعن الحلبي بطريق آخر وعن زرارة عن
الباقر والصادق (عليهماالسلام) «ليس في الصلاة على الميت تسليم». وعن إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا (عليهالسلام) «لا سلام فيها». وفي خبر أم سلمة «ثم كبر وانصرف». ولم يذكر التسليم ، وكذا في أكثر الأخبار ، وقد أورد في
التهذيب التسليم في أربعة أخبار : مضمر سماعة «فإذا فرغت سلمت عن يمينك». وهو يعطى التسليم مطلقا ، وخبر الحسن بن أحمد
المنقري عن يونس عن الصادق (عليهالسلام) «والخامسة يسلم ويقف مقدار ما بين التكبيرتين ولا يبرح حتى يحمل السرير من
بين يديه». وخبر عمار عن الصادق (عليهالسلام) «سئل عن ميت صلى عليه فلما سلم الإمام فإذا الميت
__________________
مقلوب». وهذان يدلان على تسليم الامام ، والثاني منهما حكاية فعل الإمام
إلا انه لم يذكر إنكار المعصوم (عليهالسلام) إياه ، وخبر عمار عنه (عليهالسلام) قال «سألته عن الصلاة على الميت فقال يكبر. الى قوله
عفوك عفوك وتسلم». وهذا كالأول في إطلاق التسليم. وهي بأسرها ضعيفة الاسناد معارضة
للمشهور محمولة على التقية واما شرعية التسليم استحبابا أو جوازا فالكلام فيه
كالقراءة إذ الإجماع المعلوم انما هو على عدم وجوبه ومع التقية لا ريب فيه. انتهى
كلامه زيد مقامه.
وانما نقلناه
بطوله لجودة محصوله وإحاطته بأطراف الكلام من نقل الأقوال والأخبار ، ومجمل القول
فيه ـ كما قدمنا ذكره في القراءة ـ ان العبادات مبنية على التوقيف من الشارع ،
والأخبار هنا وان كانت قد تعارضت فيه إلا ان مقتضى القاعدة المأثورة عن أصحاب
العصمة (صلوات الله عليهم) في اختلاف الأخبار وعرضها على مذهب العامة والأخذ بما
خالفه هو نفى التسليم في هذه الصلاة وجوبا واستحبابا ، واما الجواز فإنه لا معنى
له هنا لان التسليم عبادة فإن شرعت فهي لا تخرج عن الوجوب أو الاستحباب وإلا
فالإتيان بها بقصد كونها جزء من الصلاة مع عدم ثبوت الوجوب والاستحباب تشريع محض
كما نبه عليه في صدر كلامه.
وقال في الروض
: ولا تسليم ايضا واجبا ولا مندوبا بإجماع الأصحاب ، قال في الذكرى : وظاهرهم عدم
مشروعيته وما ورد بإثباته من الأخبار محمول على التقية لأنه مذهب العامة مع كونها ضعيفة.
أقول : وبذلك
يظهر لك ضعف ما ذهب اليه ابن الجنيد فإنه موافق لأقوال العامة.
المسألة
السادسة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز إيقاع صلاة الجنازة في
جميع الأوقات ما لم تزاحم صلاة فريضة حاضرة ، ولا كراهة
__________________
ايضا لها وان كان في الأوقات المكروهة.
قال في المعتبر
: يصلى على الجنازة في الأوقات الخمسة المكروهة ما لم يتضيق وقت فريضة حاضرة ، وبه
قال الشافعي واحمد ، وقال الأوزاعي تكره في الأوقات الخمسة ، وقال أبو حنيفة ومالك
لا يجوز عند طلوع الشمس وغروبها وقيامها وقال العلامة في التذكرة : ويصلى على الجنازة في
الأوقات الخمسة المكروهة ذهب إليه علماؤنا اجمع. وقال في الذكرى لا كراهة في فعلها
في الأوقات الخمسة في أشهر الأخبار لأنها دعاء مجرد وواجبة وذات سبب.
أقول : أما ما
يدل من الأخبار على عدم الكراهة في الأوقات الخمسة المشار إليها مضافا الى ما نقل
من الإجماع فمنه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبيد الله بن على الحلبي عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس بالصلاة على الجنائز حين تغيب الشمس وحين
تطلع انما هو استغفار».
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «يصلى على الجنازة في كل ساعة انها ليست بصلاة
ركوع ولا سجود وانما تكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع
والركوع والسجود لأنها تغرب بين قرني شيطان وتطلع بين قرني شيطان». ورواه الشيخ ايضا
مثله .
__________________
وعن محمد بن
مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) هل يمنعك شيء من هذه الساعات عن الصلاة على الجنائز؟
قال : لا».
وما رواه في
كتاب دعائم الإسلام عن ابى جعفر محمد بن على (عليهماالسلام) قال : «لا بأس بالصلاة على الجنازة حين تطلع الشمس وحين
تغرب وفي كل حين انما هو استغفار».
وروى الصدوق في
كتاب عيون الأخبار وفي كتاب العلل بإسناده عن الفضل ابن شاذان عن الرضا (عليهالسلام) قال : «فان قال فلم جوزتم الصلاة عليه قبل المغرب وبعد
الفجر؟ قيل ان هذه الصلاة انما تجب في وقت الحضور والعلة وليست هي موقتة كسائر
الصلوات وانما هي صلاة تجب في وقت حدوث الحدث وليس للإنسان فيه اختيار وانما هو حق
يؤدى ، وجائز أن تؤدى الحقوق في أي وقت كان إذا لم يكن الحق موقتا».
وأما ما رواه
الشيخ في التهذيب عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «يكره الصلاة على الجنائز حين تصفر الشمس وحين
تطلع». فقد حمل الشيخ وجه الكراهة على التقية لموافقة الخبر مذهب العامة وهو جيد لما عرفت.
وأما لو زاحمت
صلاة الميت فريضة حاضرة فقال في المعتبر انه يتخير ما لم يخف على الميت أو يخفف
فوت الحاضرة جمعا بين رواية جابر عن الباقر (عليهالسلام) «وسأله عن الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فقال عجل الميت الى قبره إلا
ان تخاف فوت الفريضة». ورواية هارون بن حمزة عن الصادق (عليهالسلام) «إذا دخل وقت المكتوبة فابدأ بها قبل الصلاة على الميت إلا أن يكون مبطونا
أو نفساء أو نحو
__________________
ذلك». قال ومع التعارض يتعين التخيير.
أقول : ويعضد
الرواية الثانية ما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه (عليهالسلام) قال : «سألته عن صلاة الجنائز إذا احمرت الشمس أتصلح أو
لا؟ قال لا صلاة في وقت صلاة. وقال : إذا وجبت الشمس فصل المغرب ثم صل على الجنائز».
وظاهر المحدث
الكاشاني في الوافي حمل الخبر الأول على وقت الفضيلة فمعنى قوله : إلا ان يخاف ان
يفوت وقت الفريضة» أي وقت فضيلتها ، ومعناه انه يبدأ بالصلاة على الميت إلا أن
يخاف فوت وقت الفضيلة والخبرين الآخرين على ما إذا ضاق وقت الفضيلة فإنه يقدم
الحاضرة.
وقال في الذكرى
بعد نقل كلام المعتبر : قلت الأقرب استحباب تقديم المكتوبة ما لم يخف على الميت
لافضليتها وعموم أحاديث فضيلة أول الوقت.
وقال الشيخ في
المبسوط : إذا تضيق وقت فريضة بدأ بالفرض ثم الصلاة على الميت إلا أن يكون الميت
يخاف من ظهور حادثة فيه فحينئذ يبدأ بالصلاة عليه. قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه
: وهذا كلام غير معتمد لان مع تضيق وقت الحاضرة تتعين ولا يجوز الاشتغال بغيرها
سواء خيف على الميت أو لا. انتهى. وظاهر كلام ابن إدريس انه مع تضيق وقت الحاضرة
تكون مقدمة على الإطلاق كما جزم به في المختلف.
أقول : من
المحتمل قريبا ان مراد الشيخ هنا بتضيق وقت الفريضة يعني وقت فضيلتها ، فإن إطلاق
الوقت عليه بقول مطلق غير عزيز في الأخبار كما تقدم ذكره في باب الأوقات ، وحينئذ
فمعناه ما قدمنا نقله سابقا عن المحدث الكاشاني وهو انه تقدم الصلاة على الميت إلا
إذا ضاق وقت الفضيلة فإنه تقدم الفريضة الحاضرة إلا ان يخاف على الميت من حادثة
فإنه تقدم صلاة الميت ، ويكون هذا
__________________
من قبيل الأعذار في التأخير عن وقت الاختيار الى الوقت الثاني الذي هو وقت
أصحاب الأعذار ، ولعل هذا من جملة الأعذار عنده ، وحينئذ فلا يرد عليه ما ذكره في
المختلف. والله العالم.
الفصل الخامس في الصلوات المندوبة
وقد تقدم
الكلام في الرواتب منها في محلها وبقي ما عداها وهو مما لا حصر له لقوله (صلىاللهعليهوآله) «الصلاة خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر». إلا أنا نذكر هنا ما ذكره
أصحابنا (رضوان الله عليهم) من مهمات هذه الصلوات جريا على وتيرتهم في ما قعدوا
فيه وقاموا وأسامة لسرح اللحظ حيث اساموا ، وذلك يقع في مطالب :
المطلب الأول ـ
في صلاة الاستسقاء وهو طلب السقيا من الله عزوجل يعنى نزول المطر عند الحاجة اليه.
وقد كان مشروعا
في الزمن الأول والملل السابقة قال الله تعالى «وَإِذِ اسْتَسْقى
مُوسى لِقَوْمِهِ» .
وروى الصدوق (عطر
الله مرقده) عن الصادق (عليهالسلام) قال : «ان سليمان بن داود (عليهالسلام) خرج ذات يوم مع أصحابه يستسقى فوجد نملة قد رفعت قائمة
من قوائمهما الى السماء وهي تقول : «اللهم انا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن رزقك
فلا تهلكنا بذنوب بنى آدم. فقال سليمان (عليهالسلام) لأصحابه ارجعوا فقد سقيتم بغيركم».
وهي مستحبة عند
غور الأنهار وفتور الأمطار لكون ذلك علامة غضب
__________________
الله تعالى على عباده كما رواه الشيخ في التهذيب مرسلا عن النبي (صلىاللهعليهوآله) قال : «إذا غضب الله تعالى على امة ثم لم ينزل بها
العذاب غلت أسعارها وقصرت أعمارها ولم تربح تجارها ولم تزك ثمارها ولم تعذب
أنهارها وحبس عنها أمطارها وسلط عليها أشرارها».
وعن عبد الرحمن
بن كثير عن الصادق (عليهالسلام) قال : «إذا فشت أربعة ظهرت أربعة : إذا فشا الزنا ظهرت
الزلازل وإذا أمسكت الزكاة هلكت الماشية وإذا جار الحكام في القضاء أمسك القطر من
السماء وإذا خفرت الذمة نصر المشركون على المسلمين».
واستحبابها
ثابت بالإجماع والنصوص ، أما الأول فقد نقله العلامة في التذكرة والمنتهى ، قال :
اجمع كل من يحفظ عنه العلم على استحباب صلاة الاستسقاء إلا أبا حنيفة فإنه قال ليس
له صلاة بل مجرد الدعاء .
وها انا اذكر
أولا ما وقفت عليه من الأخبار في المقام ثم أعطف ان شاء الله تعالى الكلام على ما
دلت عليه وصرحت به علماؤنا الأعلام :
الأول ـ ما
رواه في الكافي عن مرة مولى محمد بن خالد قال : «صاح أهل المدينة الى محمد بن خالد في الاستسقاء
فقال لي : انطلق الى ابى عبد الله (عليهالسلام) فاسأله ما رأيك؟ فإن هؤلاء قد صاحوا إلي فأتيته فقلت
له فقال لي قل له فليخرج قلت له متى يخرج جعلت فداك؟ قال يوم الاثنين. قلت كيف
يصنع؟ قال يخرج المنبر ثم يخرج يمشى كما يمشى يوم العيدين وبين يديه المؤذنون في
أيديهم عنزهم حتى إذا انتهى الى المصلى يصلى بالناس ركعتين بغير أذان ولا اقامة ،
ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه فيجعل الذي على يمينه على يساره والذي على يساره على
يمينه ، ثم يستقبل القبلة فيكبر الله
__________________
مائة تكبيرة رافعا بها صوته ، ثم يلتفت الى الناس عن يمينه فيسبح الله مائة
تسبيحة رافعا بها صوته ، ثم يلتفت الى الناس عن يساره فيهلل الله مائة تهليلة
رافعا بها صوته ، ثم يستقبل الناس فيحمد الله مائة تحميدة ، ثم يرفع يديه فيدعو ثم
يدعون فإني لأرجو ان لا يخيبوا. قال ففعل فلما رجعنا قالوا هذا من تعليم جعفر» وفي
رواية يونس «فما رجعنا حتى أهمتنا أنفسنا».
الثاني ـ ما
رواه في الكتاب المذكور في الصحيح أو الحسن عن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن صلاة الاستسقاء فقال مثل صلاة العيدين
: يقرأ فيها ويكبر كما يقرأ ويكبر فيها ، يخرج الامام ويبرز الى مكان نظيف في
سكينة ووقار وخشوع ومسكنة ويبرز معه الناس ، فيحمد الله ويمجده ويثنى عليه ويجتهد
في الدعاء ويكثر من التسبيح والتهليل والتكبير ، ويصلى مثل صلاة العيدين ركعتين في
دعاء ومسألة واجتهاد ، فإذا سلم الامام قلب ثوبه وجعل الجانب الذي على المنكب
الأيمن على المنكب الأيسر والذي على الأيسر على الأيمن فإن النبي (صلىاللهعليهوآله) كذلك صنع».
الثالث ـ ما
رواه عن محمد بن يحيى رفعه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن تحويل النبي (صلىاللهعليهوآله) رداءه إذا استسقى فقال علامة بينه وبين أصحابه يحول
الجدب خصبا». ورواه في الفقيه مرسلا والشيخ في التهذيب مسندا عن ابن محبوب عن على بن السندي
عن محمد بن عمرو بن سعيد عن محمد بن يحيى الصيرفي عن محمد بن سفيان عن رجل عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) مثله .
الرابع ـ ما
ذكره في الكافي قال : وفي رواية ابن المغيرة قال «يكبر في صلاة
الاستسقاء كما يكبر في العيدين في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا ويصلى قبل الخطبة
ويجهر بالقراءة ويستسقى وهو قاعد».
__________________
الخامس ـ ما
رواه في الكافي عن ابى العباس عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «اتى قوم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقالوا له ان بلادنا قد قحطت وتوالت السنون علينا فادع
الله يرسل السماء علينا فأمر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بالمنبر فاخرج واجتمع الناس فصعد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ودعا وأمر الناس ان يؤمنوا. الحديث».
السادس ـ ما
رواه في التهذيب عن حماد السراج قال : «أرسلني محمد بن خالد الى ابى عبد الله (عليهالسلام) أقول له ان الناس قد أكثروا على في الاستسقاء فما رأيك
في الخروج غدا؟ فقلت ذلك لأبي عبد الله (عليهالسلام) فقال لي قل له ليس الاستسقاء هكذا فقل له يخرج فيخطب
الناس ويأمرهم بالصيام اليوم وغدا ويخرج بهم اليوم الثالث وهم صيام. قال فأتيت
محمدا فأخبرته بمقالة ابى عبد الله (عليهالسلام) فجاء فخطب الناس وأمرهم بالصيام كما قال أبو عبد الله (عليهالسلام) فلما كان في اليوم الثالث أرسل إليه ما رأيك في الخروج؟».
وفي غير هذه الرواية انه (عليهالسلام) أمره ان يخرج يوم الاثنين فيستسقي.
السابع ـ ما
رواه في التهذيب في الموثق عن عبد الله بن بكير قال «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول في الاستسقاء قال يصلى ركعتين ويقلب رداءه الذي
على يمينه فيجعله على يساره والذي على يساره على يمينه ويدعو الله فيستسقي».
الثامن ـ ما
رواه عن أبي البختري عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهماالسلام) انه قال : «مضت السنة انه لا يستسقى إلا بالبراري حيث
ينظر الناس الى السماء ولا يستسقى في المساجد إلا بمكة». ورواه في الفقيه مقطوعا
مرسلا .
التاسع ـ ما
رواه عن طلحة بن زيد عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهماالسلام)
__________________
«ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) صلى للاستسقاء ركعتين وبدأ بالصلاة قبل الخطبة وكبر
سبعا وخمسا وجهر بالقراءة».
العاشر ـ ما
رواه في الفقيه مرسلا قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يصلى للاستسقاء ركعتين ويستسقى وهو قاعد. وقال بدأ
بالصلاة قبل الخطبة وجهر بالقراءة».
الحادي عشر ـ ما
رواه في التهذيب عن إسحاق بن عمار في الموثق عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة ويكبر في الأولى
سبعا وفي الأخرى خمسا».
الثاني عشر ـ ما
رواه في عيون الأخبار عن الحسن بن على العسكري عن الرضا (عليهمالسلام) في حديث «ان المطر احتبس فقال له المأمون لو دعوت الله عزوجل فقال الرضا (عليهالسلام) نعم. قال : فمتى تفعل ذلك؟ وكان يوم الجمعة ، فقال يوم
الاثنين فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أتاني البارحة في منامي ومعه أمير المؤمنين (عليهالسلام) فقال يا بنى انتظر يوم الاثنين وابرز إلى الصحراء
واستسق فان الله عزوجل سيسقيهم بك. قال فلما كان يوم الاثنين خرج الى الصحراء
ومعه الخلائق».
الثالث عشر ـ ما
رواه في كتاب قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن
على (عليهمالسلام) قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يكبر في العيدين والاستسقاء في الأولى سبعا وفي
الثانية خمسا ويصلى قبل الخطبة ويجهر بالقراءة».
الرابع عشر ـ ما
ذكره الرضا (عليهالسلام) في كتاب الفقه حيث قال : اعلم يرحمك الله ان صلاة الاستسقاء ركعتان
بلا أذان ولا اقامة : يخرج الامام يبرز
__________________
الى تحت السماء ويخرج المنبر والمؤذنين امامه فيصلي بالناس ركعتين ثم يسلم
ويصعد المنبر ، فيقلب رداءه الذي على يمينه على يساره والذي على يساره على يمينه
مرة واحدة ، ثم يحول وجهه إلى القبلة فيكبر مائة تكبيرة يرفع بها صوته ، ثم يلتفت
عن يمينه ويساره الى الناس فيهلل مائة تهليلة رافعا صوته ، ثم يرفع يديه الى
السماء فيدعو الله ويقول : اللهم صل على محمد وآل محمد ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا
مجلجلا طبقا مطبقا جللا مونقا راجيا غرقا مغدقا طيبا مباركا هاطلا مهطلا متهاطلا رغدا
هنيئا مريئا دائما رويا سريعا عاما مسبلا نافعا غير ضار تحيي به العباد والبلاد
وتنبت به الزرع والنبات وتجعل فيه بلاغا للحاضر منا والباد ، اللهم انزل علينا من
بركات سمائك ماء طهورا وأنبت لنا من بركات أرضك نباتا مسيغا وتسقيه مما خلقت
أنعاما وأناسي كثيرا ، اللهم ارحمنا بالمشايخ ركعا وصبيان رضيع وبهائم رتع وشبان
خضع. قال وكان أمير المؤمنين (عليهالسلام) يدعو عند الاستسقاء بهذا الدعاء يقول : يا مغيثنا
ومعيننا على ديننا ودنيانا بالذي تنشر علينا من الرزق نزل بنا عظيم لا يقدر على
تفريجه غير منزله عجل على العباد فرجه ، فقد أشرفت الأبدان على الهلاك فإذا هلكت
الأبدان هلك الدين ، يا ديان العباد ومقدر أمورهم بمقادير أرزاقهم لا تحل بيننا
وبين رزقك وهبنا ما أصبحنا فيه من كرامتك معترفين ، قد أصيب من لا ذنب له من خلقك
بذنوبنا ارحمنا بمن جعلته أهلا لاستجابة دعائه حين يسألك يا رحيم ، لا تحبس عنا ما
في السماء وانشر علينا نعمك وعد علينا برحمتك وابسط علينا كنفك وعد علينا بقبولك
واسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ولا تهلكنا بالسنين ولا تؤاخذنا بما فعل
المبطلون ، وعافنا يا رب من النقمة في الدين وشماتة القوم الكافرين يا ذا النفع والنصر
انك ان أجبتنا فبجودك وكرمك ولإتمام ما بنا من نعمائك وان ترددنا فبلا ذنب منك لنا
ولكن بجنايتنا على أنفسنا ، فاعف عنا قبل ان تصرفنا واقلبنا بإنجاح الحاجة يا
الله. انتهى.
هذا مجموع ما
حضرني من الأخبار في هذا المقام والكلام فيها يقع في مواضع :
الأول : ان ما
دل عليه الخبر الثاني من أن كيفية هذه الصلاة مثل كيفية صلاة العيدين في القراءة
والتكبيرات والقنوتات مما اتفقت عليه كلمة الأصحاب (رضوان الله عليهم) وحكى
الإجماع عليه في المنتهى إلا انهم قالوا يجعل مواضع القنوت الذي في العيدين الدعاء
هنا بالرحمة واستعطاف الله عزوجل بإرسال الغيث.
بقي الكلام في
انه هل يدخل الوقت في إطلاق المماثلة أو يخص بمجرد الكيفية دون الأمور الخارجة؟
قولان.
وبالأول صرح
جملة من الأصحاب : منهم ـ شيخنا الشهيد الثاني في الروض حيث قال بعد قول المصنف «كالعيد»
ما لفظه : في كونها ركعتين بين طلوع الشمس والزوال يقرأ فيهما ما مر ويكبر فيهما
التكبيرات الزائدة ويقنت بعد كل تكبيرة منها. انتهى. والظاهر انه اقتفى أثر الشهيد
في البيان حيث قال : ووقتها وقت العيد.
ونقل في الذكرى
عن ظاهر كلام الأصحاب ان وقتها وقت صلاة العيدين ، ونقل عن ابن ابى عقيل التصريح بان
الخروج في صدر النهار وعن ابى الصلاح عند انبساط الشمس وابن الجنيد بعد صلاة الفجر
، قال : والشيخان لم يعينا وقتا إلا أنهما حكما بمساواتها للعيد.
وبالثاني صرح
الفاضلان بل قال في النهاية وفي أي وقت خرج جاز وصلاها إذ لا وقت لها إجماعا.
ونحوه قال في التذكرة ثم قال : والأقرب عندي إيقاعها بعد الزوال لأن ما بعد العصر
أشرف ، قال في الذكرى : ونقله ابن عبد البر عن جماعة العلماء من العامة. وقال في
البيان بعد قوله المتقدم نقله عنه : وربما قيل بعد الزوال وهو مشهور بين العامة .
__________________
أقول : لا ريب
في أن الأخبار المتقدمة مطلقة لا اشارة فيها فضلا عن التصريح الى وقت معين ،
واستفادة التوقيت من المماثلة للعيدين لا يخلو من بعد لوقوع المخالفة بينهما في
مواضع عديدة ، وما ذكره كل من هؤلاء من تعيين وقت مخصوص بان يكون بعد الفجر كما
نقل عن ابن الجنيد أو صدر النهار كما نقل عن ابن ابى عقيل أو انبساط الشمس عند ابى
الصلاح فلم نقف له على مستند ، وبذلك يظهر أرجحية القول الثاني. وأما إيقاعها بعد الزوال
فقد عرفت انه مذهب العامة كما ذكره ابن عبد البر من علمائهم. والله العالم.
الثاني ـ قد
دلت الرواية الاولى والثانية عشرة على استحباب الخروج يوم الاثنين ، وبه صرح
الصدوق والشيخ وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس وغيرهم والظاهر ان المشهور في
كلام المتأخرين التخيير بين يوم الاثنين ويوم الجمعة ، بل نقل عن الشيخ المفيد
وابى الصلاح انهما لم يذكرا سوى الجمعة ، وعن ابن الجنيد وابن ابى عقيل وسلار انهم
لم يعينوا يوما ، ونقله في الذكرى عن الشيخ المفيد ايضا ولعله في غير المقنعة.
وعلل جملة من
الأصحاب اضافة الجمعة إلى الاثنين والتخيير بينهما بشرف الجمعة وكونه محلا لإجابة
الدعاء ، وقد ورد «ان العبد يسئل الله الحاجة فيؤخر إجابتها إلى يوم الجمعة». وهو حسن.
ولعل من عين
الجمعة خاصة وكذا من لم يعين يوما مع ورود النص بيوم الاثنين نظر الى ما ورد من
الأخبار في ذم يوم الاثنين وانه يوم نحس لا تطلب فيه الحوائج وان بنى أمية تتبرك
به وتتشأم به آل محمد (صلىاللهعليهوآله) لقتل الحسين (عليهالسلام) فيه حتى ورد ان من صامه أو طلب الحوائج فيه متبركا به
حشر مع بنى أمية وان
__________________
هذه الأخبار ظاهرة الرجحان على الخبرين المذكورين.
والحق انه لو
لا النص ولا سيما الخبر الثاني عشر المشتمل على أمر النبي (صلىاللهعليهوآله) للرضا (عليهالسلام) بالخروج فيه لكان ينبغي المنع من الخروج فيه لما عرفت
، إلا انه بعد الخبرين المذكورين المعتضدين بفتوى الأصحاب بذلك لا بد من التسليم
لإمكان وجود خصوصية فيه لا نعلمها. والله العالم.
الثالث ـ قد
تضمنت الرواية السادسة انه يستحب للإمام ان يخطب الناس ويأمرهم في جملة خطبته
بالصيام ثلاثة أيام ويكون الثالث هو يوم الخروج ، وإطلاق غيرها من الأخبار يكون
محمولا عليها ، ويمكن حمل هذه الرواية على الفضل والاستحباب وان جاز الاستسقاء
بدون صيام إلا ان الظاهر من كلام الأصحاب هو الأول.
الرابع ـ من
مستحبات هذه الصلاة ان يصحر بها كما في العيدين وادعى على ذلك الإجماع جمع منا ،
ويدل عليه مضافا الى الإجماع المذكور والتأسي بالنبي (صلىاللهعليهوآله) الرواية الثامنة والثانية عشرة صريحا وأكثر الروايات
ظاهرا ، فان المراد من الخروج فيها سيما مع نقل المنبر وخروج المؤذنين بين يدي
الإمام انما هو الى الصحراء ، وعلى ذلك يحمل قوله في الخبر الثاني «إلى مكان نظيف»
وفي الرابع عشر «يبرز الى تحت السماء».
نعم دلت
الرواية الثامنة على استثناء مكة وانه يصلى في مسجدها ، ومنه يعلم ان أهل مكة
يستسقون في مسجدها ، قال في المنتهى وهو قول علمائنا أجمع وأكثر أهل العلم. والحق
ابن الجنيد به مسجد المدينة ولم نقف على مستنده ، بل ظاهر الخبر الخامس يرده. وجمع
من الأصحاب كالمفيد وابن ابى عقيل لم يستثنوا المسجد الحرام على ما حكاه الشهيد في
الذكرى.
الخامس ـ يستحب
ان يكونوا حال الخروج حفاة بالسكينة والوقار كما ذكره الأصحاب ، إلا ان الحفاء غير
مذكور في الأخبار وانما عللوه بأنه أقرب الى الخشوع
والتذلل المطلوب في هذا المقام. واما الخروج بالسكينة والوقار فقد دل عليه
الخبر الثاني ويشير اليه قوله في الخبر الأول «ثم يخرج يمشى كما يمشى يوم العيدين»
مع ما تقدم من استحباب ذلك في الخروج الى العيد.
السادس ـ ومن
المستحبات التي ذكرها الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا مع خلو النصوص منها انهم
يخرجون معهم الشيوخ والأطفال والعجائز والبهائم.
قالوا : لأنه
أقرب الى الرحمة وأسرع إلى الإجابة ، استنادا الى ما روى عن النبي (صلىاللهعليهوآله) انه قال : «لولا أطفال رضع وشيوخ ركع وبهائم رتع لصب
عليكم العذاب صبا».
وزاد بعضهم انه
يفرق بين الأطفال وأمهاتهم ليكثروا من الضجيج والبكاء ويكون سببا لإدراك الرحمة.
أقول : وربما
يؤيد ما ذكروه من إخراج هؤلاء بما تقدم في الخبر الرابع عشر من قوله : «اللهم
ارحمنا بالمشايخ ركعا. إلخ».
وما ورد في
الخطب من قوله (عليهالسلام) «اللهم ارحم أنين الآنة وحنين الحانة أرحم تحيرها في مراتعها وأنينها في
مرابضها».
ويعضده ايضا
خبر استسقاء سليمان بن داود (عليهالسلام) المتقدم وقول النملة ما قالت ، إلا ان الحكم لا يخلو من شوب
الإشكال.
قال في المنتهى
: ويمنع أهل الذمة والكفار من الخروج معهم لقوله تعالى «وَما دُعاءُ
الْكافِرِينَ إِلّا فِي ضَلالٍ»
ثم ذكر ما روى عن الصادق (عليهالسلام)
__________________
في حكاية دعاء فرعون حين غار ماء النيل. ورجح عدم المنع.
أقول : ومما
يؤيد عدم المنع خروج المنافقين مع النبي (صلىاللهعليهوآله) فإنهم أكثر الناس أو كثير منهم يومئذ وكذا خروج
المخالفين مع الرضا (عليهالسلام) كما تضمنه الخبر الثاني عشر فإنهم الأكثر يومئذ بغير
شك.
ويعضده ايضا ما
ورد في بعض الأخبار من ان الله عزوجل ربما حبس الإجابة عن المؤمن لحب سماع دعائه وتضرعه
والحاحه ويعجل الإجابة للكافر لبغض سماع صوته ، على انهم يطلبون ما ضمنه الله لهم
من رزقهم وهو سبحانه لا يخلف الميعاد.
واما خبر فرعون
المشار اليه فهو ما رواه الصدوق عن الصادق (عليهالسلام) انه جاء أصحاب فرعون اليه فقالوا غار ماء النيل وفيه
هلاكنا فقال انصرفوا اليوم فلما كان من الليل توسط النيل ورفع يديه الى السماء
وقال : اللهم انك تعلم انى لا علم انه لا يقدر على أن يجيء بالماء إلا أنت فجئنا
به. فأصبح الماء يتدفق.
السابع ـ ومن
المستحبات هنا ايضا ان يقلب الامام رداءه إذا صعد المنبر بعد الصلاة فيجعل الذي على
يمينه على يساره وبالعكس ، وقد تقدم في الخبر الأول والثاني والثالث والسابع
والرابع عشر.
وقال شيخنا
الشهيد الثاني في الروضة : ولو جعل مع ذلك أعلاه أسفله وظاهره باطنه كان حسنا
ويترك محمولا حتى ينزع. انتهى. وفيه ما لا يخفى على المتأمل.
والظاهر من
الاخبار ان التحويل انما هو من الامام مرة واحدة بعد الصلاة وصعود المنبر ، إلا ان
في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا نوع تشويش واضطراب فان بعضهم ذكر ان هذا
التحويل بعد الفراغ من الخطبة.
ولعل هذا
القائل نظر الى ظاهر الخبر الثالث وقوله «تحويل النبي (صلىاللهعليهوآله) رداءه إذا استسقى» يعني إذا فرغ من الخطبة.
__________________
وفيه ـ مع كونه
من كلام السائل ـ ان المراد به انما هو إذا أراد الاستسقاء كما يظهر من الأخبار
الباقية.
وقال الشيخ
المفيد وسلار وابن البراج : يحول الامام رداءه ثلاث مرات : بعد الفراغ من الصلاة
وبعد الصعود على المنبر وبعد الفراغ من الخطبة.
وفيه ما سيظهر
لك ان شاء الله تعالى من أن هذا وان توهم في بادئ الرأي قبل إعطاء التأمل حقه في
الأخبار إلا انه يرجع عند التأمل إلى أمر واحد كما ستقف عليه.
وفي المبسوط
أثبته للمأموم وفي الخلاف خصه بالإمام ، وقال في الروض : ولا فرق في ذلك بين
الامام وغيره ومن ثم أطلقه المصنف ، وللشيخ قول باختصاصه بالإمام وتبعه المحقق في
الشرائع ، والعلتان توجبان الاشتراك. انتهى.
أقول : وتحقيق
المقام اما بالنسبة إلى وقت التحويل فان المستفاد من الاخبار انه بعد الفراغ من
الصلاة وصعود الامام المنبر قبل الخطبة.
ومن الأخبار
الواضحة في ذلك الخبر الأول وقوله (عليهالسلام) فيه : «فإذا انتهى الى المصلى صلى بالناس ركعتين بغير
أذان ولا اقامة ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه. إلخ» وقوله (عليهالسلام) في الخبر الرابع عشر «يصلى بالناس ركعتين ثم يسلم
ويصعد المنبر فيقلب رداءه».
واما قوله (عليهالسلام) في الخبر الثاني «إذا سلم الامام قلب ثوبه. إلخ»
فالمراد منه بعد صعود المنبر وان كان صعود المنبر غير مذكور في الخبر إلا ان
إطلاقه محمول على الخبرين المفصلين المذكورين حمل المطلق على المقيد. ولا يخفى ان
الخبر المذكور في حد ذاته لا يخلو من إجمال بالنسبة الى ما فصلته باقي الأخبار.
واما قوله (عليهالسلام) في الحديث السابع «يصلى ركعتين ويقلب رداءه» فالحكم
فيه كما ذكرنا في سابقه من تقييد إطلاقه بالخبرين المتقدمين بمعنى انه بعد أن يصلى
ركعتين ويصعد المنبر يقلب رداءه.
وبالجملة فإن
ذكر القلب بعد الصلاة لا ينافي صعود المنبر بعد الصلاة والقلب بعد الصعود إذ
البعدية المذكورة صادقة بذلك ، وليس هنا مدة بين الفراغ وصعود المنبر حتى يلزم أن
يقال ان المتبادر من البعدية القريبة ، فإنها في ما ذكرناه قريبة غير بعيدة كما لا
يخفى.
واما بالنسبة
إلى اختصاص الامام بذلك أو شمول الحكم للمأموم فلا يخفى انه بناء على ما ذكرنا من
حمل مطلق الأخبار على مقيدها يكون ذلك مختصا بالإمام وإثباته للمأموم يحتاج الى
دليل وليس فليس. ومع العمل بإطلاق هذين الخبرين وعدم تقييدهما بالخبرين الأخيرين
يلزم استحباب القلب مرتين : إحداهما بعد الصلاة إماما كان أو مأموما ، وثانيتهما
بعد صعود المنبر بالنسبة الى الإمام. إلا ان مقتضى القاعدة المعمول عليها انما هو
الأول. والله العالم.
الثامن ـ ما دل
عليه الخبر الأول ـ من تكبير الإمام إلى القبلة مائة مرة ثم يسبح عن يمينه مائة
تسبيحة وعن يساره يهلل مائة تهليلة ثم يستقبل الناس فيحمد الله مائة تحميدة ـ وهو
المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وبه قال الشيخ واتباعه.
وقال الشيخ
المفيد يكبر إلى القبلة مائة ويسبح الى اليمين مائة ويحمد الى اليسار مائة ويستغفر
عند استقبال الناس مائة ، ونقل ذلك في المختلف عن ابى الصلاح وسلار وابن البراج.
والشيخان قد
اتفقا في التكبير والتسبيح واختلفا بعد ذلك ، فالشيخ الطوسي جعل التهليل الى
اليسار مائة ثم التحميد عند استقبال الناس مائة كما هو المشهور ، والشيخ المفيد
جعل عند الالتفات الى اليسار التحميد وعند استقبال الناس الاستغفار ولم يذكر
التهليل بالكلية.
والصدوق وافق
الشيخين في التكبير والتسبيح إلى القبلة واليمين وخالف الشيخ الطوسي في التهليل
والتحميد فعكس فيهما ، حيث ان الشيخ جعل التهليل الى اليسار
والتحميد عند استقبال الناس وهو جعل التحميد الى اليسار والتهليل عند
استقبال الناس.
وأنت خبير بانا
لم نقف في هذا المقام إلا على الرواية الأولى وهي صريحة في القول المشهور ، وعبارة
كتاب الفقه الرضوي ، ونسخة الكتاب لا تخلو من الغلط وما نقلناه هنا صورة ما في
النسخة التي تحضرني والظاهر انها غير خالية من الغلط ، والظاهر ان ما ذهب اليه
الصدوق إنما أخذه من الكتاب على النهج الذي عرفته غالبا. وكيف كان فالظاهر هو
القول المشهور.
ثم ان الأصحاب
قد ذكروا متابعة المأمومين للإمام في هذه الأذكار ومنهم الشيخ المفيد في المقنعة
وغيره ممن تأخر عنه ، واما انهم يلتفتون معه الى هذه الجهات كما يلتفت فلم أقف
عليه في كلامهم ، وظاهرهم انما هو المتابعة في هذه الأذكار وكذا في رفع الصوت بها
، وعن ابن الجنيد انهم يتابعونه في التكبير بدون رفع الصوت ، والنص الذي هو مستند
هذا الحكم وهو الخبر الأول وكذا الخبر الرابع عشر خال من ذلك بل ظاهره الاختصاص
بالإمام.
التاسع ـ ما
اشتملت عليه الرواية الأولى ـ من انه بعد الأذكار المذكورة يرفع يديه فيدعو ثم
يدعون ـ الظاهر انه هو المراد بالاستسقاء في الأخبار وكذا التعبير بالخطبة ، فإن
المراد انما هو هذا الدعاء والابتهال والتضرع اليه سبحانه ، ولهذا وقع في عبائر
الأصحاب (رضوان الله عليهم) : ثم يخطب ويبالغ في السؤال. إلا ان خطبة على (عليهالسلام) المشهورة في الاستسقاء تدل على استحباب الخطبة بالمعنى المشهور والظاهر ان كلا
من الأمرين جائز ، ومنه يفهم تقديم الذكر على الخطبة وهو مذهب ابن ابى عقيل والشيخ
وابن حمزة وهو المشهور بين المتأخرين.
ونسب في الذكرى
القول بان الذكر بعد الخطبة إلى المشهور ، قال في الكتاب المذكور : والمشهور ان
هذا الذكر يكون بعد الخطبتين وقال ابن ابى عقيل والشيخ وابن حمزة قبلهما ، وفي
تعليم الصادق (عليهالسلام) محمد بن خالد انه يصعد المنبر فيقلب
__________________
رداءه ثم يأتي بالأذكار قال «ثم يرفع يديه ويدعو» ولم يذكر الخطبة بعد ذلك
وظاهره ان هذه الأذكار تفعل على المنبر فكأنها من جملة الخطبة ولو فعل ذلك جاز.
انتهى. وفي البيان ان كلا الأمرين جائزان.
ثم ان ظاهر
الخبر الخامس الاكتفاء بتأمين الناس دون المتابعة في الدعاء كما دل عليه الخبر
الأول ، ولعل الوجه التخيير جمعا بين الخبرين المذكورين.
وقد صرح جملة
من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن الأفضل في الخطبة والدعاء هو المأثور عن أصحاب
العصمة (صلوات الله عليهم) وهو كذلك ، وقد مر ما اشتمل عليه كلامه (عليهالسلام) في كتاب الفقه إلا ان نسخة الكتاب المنقول منه لا تخلو
من الغلط.
وقال شيخنا
المفيد في المقنعة بعد ذلك الأذكار التي إلى الجهات الأربع : ثم حول وجهه إلى
القبلة فدعا ودعا الناس معه فقال : اللهم رب الأرباب ومعتق الرقاب ومنشئ السحاب
ومنزل القطر من السماء ومحيي الأرض بعد موتها يا فالق الحب والنوى ويا مخرج الزرع
والنبات ومحيي الأموات وجامع الشتات ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا غدقا مغدقا هنيئا مريئا
تنبت به الزرع وتدر به الضرع وتحيي به الأرض بعد موتها وتسقى به مما خلقت أنعاما
وأناسي كثيرا.
العاشر ـ المشهور
في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو استحباب الخطبة بعد الصلاة بل قال في
التذكرة انه قول علمائنا اجمع ، وعليه تدل الرواية التاسعة والعاشرة والرابعة عشرة
، وأما ما دلت عليه الرواية الحادية عشرة من كون الخطبة قبل فقد ردها الشيخ في
التهذيب بأنها غير معمول عليها ، لأن الأخبار تضمنت ان هذه الصلاة كالعيدين وقد
بينا ان صلاة العيدين الخطبة بعدها فيجب ان تكون هذه الصلاة جارية مجراها. انتهى.
وهو جيد.
قال في المختلف
: المشهور ان الامام يصلى ركعتي الاستسقاء ثم يصعد المنبر ويخطب ، وقال ابن إدريس
في بعض الروايات ان هذه الخطبة تكون قبل الصلاة
وقال ابن الجنيد ويصعد الامام المنبر قبل الصلاة وبعدها ، ثم قال : لنا ـ حديث
مرة مولى خالد. ثم ساق الحديث ثم ذكر رواية إسحاق بن عمار التي تضمنت تقديم الخطبة
على الصلاة وردها بما ذكره الشيخ. ثم قال : وأحسن حديث بلغنا في هذا الباب ما رواه
هشام بن الحكم وساق الخبر ، ثم قال وهذا الحديث وان دل بقوله «مثل
صلاة العيدين» على ما قلناه لكن دلالته على ما اختاره ابن الجنيد أقوى. انتهى
ملخصا.
أقول : لا ريب
انه وان كان هذا الخبر صحيح السند لكن دلالته على ما ذكره لا تخلو من إجمال واشكال
لعدم التعرض لذكر الخطبة فيه صريحا ، ويمكن فهمها من قوله (عليهالسلام) «فيحمد الله ويمجده. الى آخره» بناء على ان الخطبة
عبارة عن ذلك وان قدم في اللفظ إلا ان عطف الصلاة عليه بالواو التي هي لمطلق الجمع
، وطريق الجمع بينه وبين باقي الأخبار هو حمل هذه الأذكار على الخطبة وجعلها مؤخرة
عن الصلاة من قبيل حمل المجمل على المبين والمطلق على المقيد ، فلا منافاة في
الخبر المذكور ولا دلالة فيه على كون الخطبة قبل الصلاة ولا صعود المنبر قبل
الصلاة كما لا يخفى.
هذا. وقد قدمنا
ان المراد بالخطبة هنا ما هو أعم من المعنى المشهور فيها أو مجرد الدعاء والتضرع
والابتهال.
وقال في الذكرى
: يستحب ان يخطب بالمأثور عن أهل البيت (عليهمالسلام) وقد ذكر في التهذيب خطبة بليغة لأمير المؤمنين (عليهالسلام) «الحمد لله سابغ النعم. الى آخرها» ولو خطب بغير ذلك
مما يتضمن حمدا وثناء ووعظا جاز. والظاهر ان الخطبة الواحدة غير كافية بل يخطب
اثنتين تسوية بينها وبين صلاة العيد. ويستحب المبالغة في التضرع والإلحاح في
الخطبتين وخصوصا الثانية. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان ما علل به تثنية الخطبتين من التسوية بين هذه الصلاة
__________________
وصلاة العيد لا يخلو من النظر ، فإن المشابهة لا تقتضي المساواة من جميع
الوجوه سيما مع دلالة جملة من النصوص كما عرفت على الاكتفاء بمجرد الدعاء عن
الخطبة المؤذن بأن المراد بالخطبة ذلك.
الحادي عشر ـ من
وظائف هذه الصلاة إخراج المنبر الى الصحراء كما دل عليه الخبر الأول والخامس
والرابع عشر ، وقد صرح المرتضى وجماعة بأنه يخرج ويحمل بين يدي الإمام إلى الصحراء
، ونسب ابن إدريس الى بعض أصحابنا انه قال : المنبر لا يخرج بل يستحب أن يكون مثل
منبر العيد معمولا من الطين. ثم قال انه الأظهر في الرواية والقول بثبوت هذه الصلاة كصلاة العيد. وهو اجتهاد في
مقابلة النصوص اللهم إلا أن يكون لم يطلع على الأخبار المذكورة.
ومنها ـ خروج
المؤذنين بين يديه ايضا وفي أيديهم عنزهم كما دل عليه الخبر الأول.
الثاني عشر ـ ما
دل عليه الخبر الأول والرابع عشر من عدم الأذان والإقامة مما دل عليه إجماع
الأصحاب (رضوان الله عليهم) كما ذكره الفاضلان في المعتبر والمنتهى بل قال في
المنتهى : وعليه إجماع كل من يحفظ عنه العلم.
وصرحوا بأنه
يقول المؤذن : الصلاة (ثلاثا) وكأنه مأخوذ من التشبيه بصلاة العيد التي يقال فيها
ذلك ، فإن أخبار المسألة التي قدمناها خالية من ذلك ولا اعرف غيرها ، اللهم إلا أن
يكون وصل إليهم ما لم يصل إلينا.
الثالث عشر ـ من
وظائف هذه الصلاة استحباب الجهر بالقراءة كما دل عليه الخبر الرابع والتاسع
والعاشر والثالث عشر ، وبه صرح الأصحاب أيضا ، وأضافوا الى ذلك الجهر بالقنوت كما
في صلاة العيدين ، ولا بأس به تحقيقا للمشابهة.
الرابع عشر ـ قال
في الذكرى : يجوز الاستسقاء بغير صلاة اما في خطبة
__________________
الجمعة والعيدين أو في أعقاب المكتوبات أو يخرج الإمام إلى الصحراء فيدعو
والناس يتابعونه.
أقول : ويدل
على ما ذكروه من الفرد الأخير ظاهر الخبر الخامس فإنه لم يشتمل على أزيد من صعود
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) المنبر بعد اجتماع الناس والاستسقاء بالدعاء وأمر
الناس أن يؤمنوا.
الخامس عشر ـ قد
صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان هذه الصلاة تصلى جماعة وفرادى وان كان
الجماعة أفضل.
وأنت خبير بان
ظواهر جملة الأخبار التي قدمناها وهي أخبار المسألة التي وقفنا عليها متفقة على
الجماعة ، ولم أقف على خبر ظاهر في جواز صلاتها فرادى كما ذكروه ، اللهم إلا ان
يكون قاسوها على العيدين لقضية التشبيه. وفيه ما فيه.
السادس عشر ـ قد
تضمن الخبر الرابع انه يستسقى وهو قاعد ، والحديث العاشر ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يستسقى وهو قاعد ، مع ان أحدا من الأصحاب لم يعدوا
ذلك من مستحبات هذه الصلاة بل ظاهر كلامهم انما هو الوقوف حال الاستسقاء والدعاء
والخطبتين ، ولم اطلع في كلامهم على من تعرض لما دل عليه هذان الخبران من القعود
حال الاستسقاء والكلام فيه نفيا أو إثباتا. وحمل ذلك على العذر في بعض الأوقات
ينافيه لفظ «كان» في الحديث العاشر الدال على استمرار ذلك في جميع الأوقات أو
أكثرها.
السابع عشر ـ ذكر
الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يستحب ان يكرر الخروج لو تأخرت الإجابة وربما ادعى
عليه الإجماع ، ولم أقف عليه في النصوص إلا انه ربما أمكن الاستناد فيه الى
العمومات الدالة على الحث على الدعاء وتكراره وان الله سبحانه ربما أخر الإجابة
لحب سماعه صوت عبده المؤمن فلا ينبغي اليأس والقنوط بعدم الإجابة أول مرة على ان حديث سليمان (عليهالسلام) قد دل على تكرار
__________________
الخروج ثلاث مرات وان قول النملة ما قالت كما قدمناه انما هو في المرة
الثالثة.
فائدة
قد ورد الدعاء
لدفع المطر مع كثرته وخوف ضرره كما ورد لقلته وحصول الضرر بذلك :
روى في الكافي بسنده عن رزيق ابى العباس عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «اتى قوم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقالوا يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان بلادنا قد قحطت وتوالت السنون علينا فادع الله
تعالى يرسل السماء علينا فأمر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بالمنبر فاخرج واجتمع الناس فصعد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ودعا وأمر الناس ان يؤمنوا ، فلم يلبث ان هبط جبرئيل (عليهالسلام) قال يا محمد (صلىاللهعليهوآله) أخبر الناس ان ربك قد وعدهم ان يمطروا يوم كذا وكذا
وساعة كذا وكذا ، فلم يزل الناس ينتظرون ذلك اليوم وتلك الساعة حتى إذا كانت تلك
الساعة أهاج الله تعالى ريحا فأثارت سحابا وجللت السماء وأرخت عزاليها فجاء أولئك
النفر بأعيانهم إلى النبي (صلىاللهعليهوآله) فقالوا يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ادع الله لنا أن يكف السماء عنا فانا كدنا أن نغرق
فاجتمع الناس ودعا النبي (صلىاللهعليهوآله) وأمر الناس أن يؤمنوا على دعائه ، فقال له رجل من
الناس يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أسمعنا فإن كل ما تقول ليس نسمع فقال قولوا : اللهم
حوالينا ولا علينا اللهم صبها في بطون الأودية وفي منابت الشجر وحيث يرعى أهل
الوبر اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا».
المطلب الثاني في صلاة التسبيح
وها نحن نذكر
الأخبار المتعلقة بهذا المقام ونذيلها ان شاء الله تعالى بما يفهم منها من الأحكام
:
الأول ـ ما
رواه في الكافي عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال
__________________
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لجعفر يا جعفر إلا أمنحك ألا أعطيك ألا أحبوك؟ فقال له
جعفر (عليهالسلام) بلى يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال فظن الناس انه يعطيه ذهبا أو فضة فتشوف الناس لذلك
فقال له انى أعطيك شيئا ان أنت صنعته في كل يوم كان خيرا لك من الدنيا وما فيها
وان صنعته بين يومين غفر لك ما بينهما أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة غفر لك ما
بينهما ، تصلي أربع ركعات : تبتدئ فتقرأ وتقول إذا فرغت : سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر. تقول ذلك خمس عشرة مرة بعد القراءة فإذا ركعت قلته
عشر مرات فإذا رفعت رأسك من الركوع قلته عشر مرات فإذا سجدت قلته عشر مرات فإذا
رفعت رأسك من السجود فقل بين السجدتين عشر مرات فإذا سجدت الثانية فقل عشر مرات
فإذا رفعت رأسك من السجدة الثانية قلت عشر مرات وأنت قاعد قبل ان تقوم ، فذلك خمس
وسبعون تسبيحة في كل ركعة : ثلاثمائة تسبيحة في أربع ركعات : الف ومائتا تسبيحة
وتهليلة وتكبيرة وتحميدة. إن شئت صليتها بالنهار وان شئت صليتها بالليل».
الثاني ـ ما
رواه في الفقيه عن أبي حمزة الثمالي ـ في القوى وقيل في الصحيح كما عده العلامة ـ عن
ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لجعفر بن ابى طالب (عليهالسلام) يا جعفر إلا أمنحك ألا أعطيك ألا أحبوك ألا أعلمك صلاة
إذا أنت صليتها لو كنت فررت من الزحف وكان عليك مثل رمل عالج وزبد البحر ذنوبا
غفرت لك؟ قال بلى يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال تصلى أربع ركعات إذا شئت ان شئت كل ليلة وان شئت
كل يوم وان شئت فمن جمعة الى جمعة وان شئت فمن شهر الى شهر وان شئت فمن سنة الى
سنة ، تفتتح الصلاة ثم تكبر خمس عشرة مرة : تقول الله أكبر وسبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله ، ثم تقرأ الفاتحة وسورة وتركع وتقولهن في ركوعك عشر مرات ثم
ترفع رأسك من الركوع فتقولهن عشر مرات وتخر ساجدا وتقولهن عشر مرات في سجودك ثم
ترفع رأسك من
__________________
السجود فتقولهن عشر مرات ثم تخر ساجدا فتقولهن عشر مرات ثم ترفع رأسك من
السجود فتقولهن عشر مرات ثم تنهض فتقولهن خمس عشرة مرة ثم تقرأ الفاتحة وسورة ثم
تركع فتقولهن عشر مرات ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولهن عشر مرات ثم تخر ساجدا
فتقولهن عشر مرات ثم ترفع رأسك من السجود فتقولهن عشر مرات ثم تسجد فتقولهن عشر
مرات ثم ترفع رأسك من السجود فتقولهن عشر مرات ثم تتشهد وتسلم ، ثم تقوم وتصلى
ركعتين أخراوين تصنع فيهما مثل ذلك ثم تسلم. ثم قال أبو جعفر (عليهالسلام) فذلك خمس وسبعون مرة في كل ركعة ثلاثمائة تسبيحة تكون
ثلاثمائة مرة في الأربع الركعات : الف ومائتا تسبيحة يضاعفها الله تعالى ويكتب لك
بها اثنتي عشرة ألف حسنة ، الحسنة منها تكون مثل أحد وأعظم».
الثالث ـ ما
رواه الشيخ عن صفوان عن بسطام في الصحيح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال له رجل جعلت فداك أيلتزم الرجل أخاه؟ فقال
نعم ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يوم افتتح خيبر أتاه الخبر ان جعفرا قد قدم فقال والله
ما أدري بأيهما أنا أشد سرورا بقدوم جعفر أم بفتح خيبر ، قال فلم يلبث ان جاء جعفر
(عليهالسلام) قال فوثب رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فالتزمه وقبل ما بين عينيه ، قال فقال له الرجل :
الأربع ركعات التي بلغني ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أمر جعفرا ان يصليها؟ فقال لما قدم عليه قال له يا
جعفر إلا أعطيك ألا أمنحك ألا أحبوك؟ قال فتشوف الناس ورأوا أنه يعطيه ذهبا أو فضة
، قال بلى يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال صل اربع ركعات متى ما صليتهن غفر الله لك ما بينهن
، ان استطعت كل يوم وإلا فكل يومين أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة فإنه يغفر لك
ما بينهما. قال كيف أصليها؟ قال تفتتح الصلاة ثم تقرأ ثم تقول خمس عشرة مرة وأنت
قائم : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. فإذا ركعت قلت ذلك
عشرا وإذا رفعت رأسك فعشرا وإذا سجدت فعشرا وإذا رفعت رأسك فعشرا وإذا سجدت
الثانية فعشرا وإذا رفعت رأسك فعشرا ،
__________________
فذلك خمس وسبعون تكون ثلاثمائة في أربع ركعات فهن الف ومائتان. وتقرأ في كل
ركعة بقل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون».
الرابع ـ ما في
الكافي والتهذيب : وفي رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن (عليهالسلام) «يقرأ في الأولى إذا زلزلت وفي الثانية والعاديات وفي الثالثة إذا جاء نصر
الله وفي الرابعة بقل هو الله أحد. قلت فما ثوابها؟ قال لو كان عليه مثل رمل عالج
ذنوبا غفر له. ثم نظر الى فقال : انما ذلك لك ولأصحابك».
الخامس ـ ما
رواه في الكافي عن ذريح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «تصليها بالليل وتصليها بالنهار وتصليها في السفر
بالليل والنهار ، فإن شئت فاجعلها من نوافلك».
السادس ـ ما في
الفقيه قال : وفي رواية ابن المغيرة ان الصادق (عليهالسلام) قال : «اقرأ في صلاة جعفر بقل هو الله أحد وقل يا ايها
الكافرون».
السابع ـ ما
رواه عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال قال : «صل صلاة جعفر أى وقت شئت من ليل أو نهار ،
وان شئت حسبتها من نوافل الليل وان شئت حسبتها من نوافل النهار تحسب لك من نوافلك
وتحسب لك من صلاة جعفر».
الثامن ـ ما
رواه في التهذيب مسندا عن إبراهيم بن ابى البلاد قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) ـ وفي الفقيه مرسلا عن إبراهيم عن ابى الحسن (عليهالسلام) يعنى موسى بن جعفر ـ أي شيء لمن صلى صلاة جعفر؟ قال
لو كان عليه مثل رمل عالج وزبد البحر ذنوبا لغفرها الله له. ثم قال قلت هذه لنا؟
قال فلمن هي إلا لكم خاصة. قال قلت فأي شيء اقرأ فيها قال وقلت اعترض القرآن؟ قال
لا اقرأ فيها إذا زلزلت الأرض وإذا جاء نصر الله وانا أنزلناه في ليلة القدر وقل
هو الله أحد».
__________________
التاسع ـ ما
رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له من صلى صلاة جعفر هل يكتب له من الأجر
مثل ما قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لجعفر؟ قال اى والله». ورواه في الفقيه مرسلا .
العاشر ـ ما
رواه في التهذيب في الصحيح عن ذريح عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان شئت صل صلاة التسبيح بالليل وان شئت بالنهار
وان شئت في السفر وان شئت جعلتها من نوافلك وان شئت جعلتها من قضاء صلاة».
الحادي عشر ـ ما
رواه في الكافي والتهذيب عن على بن سليمان قال : «كتبت الى الرجل (عليهالسلام) اسأله ما تقول في صلاة التسبيح في المحمل؟ فكتب إذا
كنت مسافرا فصل».
الثاني عشر ـ ما
رواه في التهذيب عن سعد عن عبد الله بن جعفر عن على بن الريان ، وفي الفقيه عن على
بن الريان انه قال : «كتبت الى الماضي الأخير (عليهالسلام) اسأله عن رجل صلى صلاة جعفر ركعتين ثم تعجله عن
الركعتين الأخيرتين حاجة أو يقطع ذلك بحادث يحدث أيجوز له أن يتمها إذا فرغ من
حاجته وان قام عن مجلسه أم لا يحتسب بذلك إلا ان يستأنف الصلاة ويصلى الأربع ركعات
كلها في مقام واحد؟ فكتب : بلى ان قطعه عن ذلك أمر لا بد منه فليقطع ثم ليرجع
فليبن على ما بقي منها ان شاء الله تعالى».
الثالث عشر ـ ما
رواه في الكافي عن ابان قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : من كان مستعجلا يصلى صلاة جعفر مجردة ثم يقضى
التسبيح وهو ذاهب في حوائجه».
__________________
الرابع عشر ـ ما
رواه في الفقيه عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال «إذا كنت مستعجلا فصل صلاة جعفر مجردة ثم اقض
التسبيح».
الخامس عشر ـ ما
رواه في الكافي عن الحسن بن محبوب رفعه قال : «تقول في آخر سجدة من صلاة جعفر : يا من لبس العز
والوقار يا من تعطف بالمجد وتكرم به يا من لا ينبغي التسبيح إلا له يا من احصى كل
شيء علمه يا ذا النعمة والطول يا ذا المن والفضل يا ذا القدرة والكرم أسألك
بمعاقد العز من عرشك وبمنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم الأعلى وكلماتك التامات
ان تصلى على محمد وآل محمد وان تفعل بي كذا وكذا».
السادس عشر ـ ما
رواه الثقة الجليل احمد بن ابى طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج مما ورد عن صاحب الزمان (عجل الله فرجه) الى محمد بن
عبد الله ابن جعفر الحميري في جواب مسائله حيث «سأله عن صلاة جعفر إذا سها في
التسبيح في قيام أو قعود أو ركوع أو سجود وذكر في حالة اخرى قد صار فيها من هذه
الصلاة هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكره أم يتجاوز في صلاته؟
التوقيع : إذا سها في حالة عن ذلك ثم ذكر في حالة اخرى قضى ما فاته في الحالة التي
ذكره». ورواه الشيخ في كتاب الغيبة بإسناده فيه .
السابع عشر ـ ما
رواه في الكتاب المذكور أيضا عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان (عجل
الله فرجه) «انه كتب إليه يسأله عن صلاة جعفر بن ابى طالب في أي وقت أفضل ان تصلى فيه؟
وهل فيها قنوت؟ وان كان كان ففي أي ركعة منها؟ فأجاب أفضل أوقاتها صدر النهار من
يوم الجمعة ثم في أي
__________________
الأيام شئت ، وأى وقت صليتها من ليل أو نهار فهو جائز. والقنوت فيها مرتان
في الثانية قبل الركوع وفي الرابعة بعد الركوع. وسألته عن صلاة جعفر في السفر هل
يجوز ان تصلى أم لا؟ فأجاب يجوز ذلك».
الثامن عشر ـ ما
ذكره الرضا (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي قال : عليك بصلاة جعفر بن ابى طالب فان فيها فضلا كثيرا
، وقد روى أبو بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) انه من صلى صلاة جعفر كل يوم لا تكتب عليه السيئات
وتكتب له بكل تسبيحة فيها حسنة وترفع له درجة في الجنة فان لم يطق كل يوم ففي كل
جمعة فان لم يطق ففي كل شهر فان لم يطق في كل سنة فإنك إن صليتها محي عنك ذنوبك
ولو كانت مثل رمل عالج أو مثل زبد البحر ، وصل أى وقت شئت من ليل أو نهار ما لم
يكن في وقت فريضة ، وان شئت حسبتها من نوافلك ، وان كنت مستعجلا صليت مجردة ثم
قضيت التسبيح. فإذا أردت أن تصلى فافتتح الصلاة بتكبيرة واحدة ثم اقرأ في أولها
بفاتحة الكتاب والعاديات وفي الثانية إذا زلزلت وفي الثالثة إذا جاء نصر الله وفي
الرابعة قل هو الله أحد وان شئت كلها بقل هو الله أحد ، وان نسيت التسبيح في ركوعك
أو سجودك أو في قيامك فاقض حيث ذكرت على اى حال تكون. تقول بعد القراءة : سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر «خمس عشرة مرة» وتقول في ركوعك عشر
مرات وإذا استويت قائما عشر مرات وفي سجودك وبين السجدتين عشرا عشرا فإذا رفعت
رأسك تقول عشرا قبل أن تنهض فذلك خمس وسبعون مرة ، ثم تقوم في الثانية وتصنع مثل
ذلك ثم تشهد وتسلم وقد مضى لك ركعتان ، ثم تقوم وتصلى ركعتين أخريين على ما وصفت
لك ، فيكون التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير في أربع ركعات ألف مرة ومائتي مرة.
وتصلى بها متى شئت ومتى ما خف عليك فان في ذلك فضلا كثيرا. فإذا فرغت تدعو بهذا
الدعاء. ثم ساق الدعاء.
__________________
التاسع عشر ـ ما
رواه الصدوق في كتاب عيون الأخبار عن رجاء بن ابى الضحاك انه حكى في حديث له صلاة الرضا (عليهالسلام) ونقل فيه انه كان يصلى في آخر الليل اربع ركعات بصلاة
جعفر (عليهالسلام) يسلم في كل ركعتين ويقنت في كل ركعتين في الثانية قبل
الركوع وبعد التسبيح ويحتسب بها من صلاة الليل. الخبر.
هذا ما حضرني
من الروايات المتعلقة بهذه الصلاة. والكلام فيها يقع في مواضع
الأول ـ ان
أكثر الأخبار المذكورة في المقام دلت على ان التسبيح حال القيام بعد القراءة وان
صورته «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» وهو المشهور بين الأصحاب
(رضوان الله عليهم) ذهب اليه الشيخان وابن الجنيد وابن إدريس وابن ابى عقيل
والمتأخرون ، وقد دل الخبر الثاني على كونه قبل القراءة وانه الله أكبر إلى آخر ما
هو مذكور في الخبر.
وظاهر الصدوق
في الفقيه العمل بالخبر المذكور في الموضعين حيث قال في الكتاب المذكور بعد نقله الخبر المشار اليه : وقد روى ان التسبيح في
صلاة جعفر بعد القراءة وان ترتيب التسبيح «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر» فبأي الحديثين أخذ المصلي فهو مصيب وجائز له. انتهى.
وظاهره الجمع
بين الأخبار بالتخيير في الموضعين ، وهو جيد إلا ان الأحوط والأولى العمل بالقول
المشهور لتكاثر الأخبار بتأخير التسبيح عن القراءة وانه بالصورة المشهورة دون هذه
الصورة التي نقلها في خبر الثمالي.
الثاني ـ اختلف
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في قراءتها فالمشهور انه يقرأ في الأولى بعد الحمد
الزلزلة وفي الثانية والعاديات وفي الثالثة النصر وفي الرابعة التوحيد ، وهو
اختيار السيد المرتضى وابن الجنيد والصدوق وابى الصلاح وابن البراج وسلار ، وقال
ابن بابويه : يقرأ في الاولى والعاديات وفي الثانية الزلزلة وفي
__________________
الباقيتين كما تقدم ، قال وان شئت صلها كلها بالتوحيد. وقال الصدوق في
المقنع بالتوحيد في الجميع ، وعن ابن ابى عقيل في الأولى الزلزلة وفي الثانية
النصر وفي الثالثة والعاديات وفي الرابعة قل هو الله أحد.
أقول : والذي
يدل على المشهور من الأخبار المتقدمة الخبر الرابع وما سيأتي ان شاء الله تعالى في
خبر المفضل بن عمر عن ابى عبد الله (عليهالسلام) في نوافل شهر رمضان وفيه «تقرأ في صلاة جعفر في الركعة
الأولى الحمد وإذا زلزلت وفي الثانية الحمد والعاديات وفي الثالثة الحمد وإذا جاء
نصر الله وفي الرابعة الحمد وقل هو الله أحد. الحديث».
والذي يدل على
ما ذهب اليه الشيخ على بن الحسين بن بابويه الخبر الثامن عشر كما هي قاعدته
المطردة ومنه أخذ عبارته في هذا الموضع وغيره.
واما القولان
الباقيان فلم نقف لهما على مستند والذي وردت به الأخبار هو ما عرفت من القول
المشهور وقول على بن بابويه.
وفي الخبر
الثالث : يقرأ في كل ركعة بقل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون ونحوه في الخبر
السادس ، والظاهر انه على جهة التخيير بين هاتين السورتين أو قراءة إحداهما في
موضع والأخرى في آخر.
وفي الخبر
الثامن انه يقرأ فيها إذا زلزلت الأرض وإذا جاء نصر الله وانا أنزلناه وقل هو الله
أحد ، والظاهر ان المراد الترتيب في هذه السور وان كان العطف بالواو لا يدل عليه
إلا انه كثير الوقوع في الاخبار. والعمل بكل ما روى حسن ان شاء الله تعالى.
الثالث ـ قال
في الذكرى : وهي بتسليمتين على الأظهر ويظهر من الصدوق في المقنع انه يرى أنها
بتسليمة واحدة وهو نادر. انتهى. وتبعه في هذه المقالة جملة ممن تأخر عنه.
أقول : صورة
عبارة المقنع على ما نقله في البحار هكذا : تبدأ فتكبر ثم
__________________
تقرأ فإذا فرغت من القراءة فقل «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر» خمس عشرة مرة فإذا ركعت قلتها عشرا فإذا رفعت رأسك من الركوع قلتها
عشرا فإذا سجدت قلتها عشرا فإذا رفعت رأسك من السجود قلتها عشرا فإذا سجدت قلتها
عشرا فإذا رفعت رأسك من السجود الثاني قلتها عشرا وأنت جالس قبل ان تقوم ، فذلك
خمس وسبعون تسبيحة وتحميدة وتكبيرة وتهليلة في كل ركعة : ثلاثمائة في أربع ركعات
فذلك الف ومائتان ، وتقرأ فيها قل هو الله أحد وروى : اقرأ في الركعة الأولى من
صلاة جعفر الحمد وإذا زلزلت وفي الثانية الحمد والعاديات وفي الثالثة الحمد وإذا
جاء نصر الله وفي الرابعة الحمد وقل هو الله أحد. انتهى
وأنت خبير بان
لا دلالة في هذه العبارة على ما ادعاه من ان الأربع بتسليمة واحدة ، إذ الظاهر ان
الغرض من سياق هذا الكلام انما هو بيان مواضع التسبيح وقدره كما يشير اليه قوله «فذلك
خمس سبعون. الى آخره» ومن ثم انه لم يتعرض لذكر الركعة الثانية ولا للتشهد ولا
للقنوت ، اما لما ذكرناه من أن الغرض من سياق الكلام انما هو ما ذكرناه أو من حيث
ظهور ذلك فاكتفى بظهوره عن ذكره. ويؤيد ما قلناه ان سياق عبارته المذكورة وقعت على
نحو عبارة الخبر الأول والثالث فان السياق في الجميع واحد ، فان كانت عبارة المقنع
بهذه الكيفية دالة على ما قاله فكذلك عبارة كل من الخبرين المذكورين تدل على ذلك.
وبالجملة فإن ما ذكره (قدسسره) وان تبعه فيه من تبعه لا يخلو من قصور تأمل في العبارة
المذكورة.
وبما ذكرنا من
عدم ظهور ما ادعاه في الذكرى من هذه العبارة صرح شيخنا المجلسي (قدسسره) في البحار ايضا حيث قال بعد نقل عبارة المقنع التي
قدمناها نقلا عنه وذكر كلام الذكرى ـ ما صورته : وأقول لا دلالة في عبارة المقنع
إلا من حيث انه لم يذكر التسليم ولعله احاله على الظهور كالتشهد والقنوت وغيرهما
والعمل على المشهور. انتهى.
إلا ان العلامة
في المختلف قال : قال أبو جعفر بن بابويه (قدسسره) في
كتاب المقنع : وروى انها بتسليمتين. وهو يشعر انه يقول بأنها بتسليمة واحدة
والمشهور الأول. انتهى.
وعلى هذا
فالظاهر ان كلام شيخنا في الذكرى انما ابتنى على هذا الكلام الذي نقله في المختلف
إلا ان شيخنا المجلسي كما عرفت انما عزاه إلى العبارة التي نقلها عنه في البحار.
وبالجملة فإن كتاب المقنع لا يحضرني الآن ليمكن معرفة صحة أحد النقلين وفساد الآخر
في البين.
الرابع ـ المشهور
انه يستحب العشر بعد السجدة الثانية من الركعة الأولى قبل القيام إلى الثانية وكذا
من الركعة الثالثة قبل القيام إلى الرابعة ، ذهب اليه الشيخان والمرتضى وابن
بابويه وأبو الصلاح وابن البراج وسلار وغيرهم.
وقال ابن ابى
عقيل : ثم يرفع رأسه من السجود وينهض قائما ويقول ذلك عشرا ثم يقرأ.
ولم نقف له على
دليل لان ما قدمناه من الأخبار ما بين صريح الدلالة وظاهرها على القول المشهور ،
ففي الرواية الأولى «فإذا رفعت رأسك من السجدة الثانية قلت عشر مرات وأنت قاعد قبل
أن تقوم» وفي الرواية الثانية «ثم ترفع رأسك من السجود فتقولهن عشر مرات ثم تنهض
فتقولهن خمس عشرة مرة» وهاتان الروايتان صريحتان كما ترى في المدعى ، وفي الرواية
الثالثة «وإذا رفعت رأسك فعشرا فذلك خمس وسبعون» وهي ظاهرة لانه رتب ذلك على رفع
الرأس ولم يذكر النهوض ، وفي الرواية الثامنة عشرة «فإذا رفعت رأسك تقول عشرا قبل
أن تنهض» وهي صريحة في المدعى كما ترى. ولعله وصل إليه في ذلك ما لم يصل إلينا حيث
انه من قدماء الأصحاب.
الخامس ـ المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز احتسابها من النوافل الراتبة الليلية
والنهارية ، صرح به الشيخ على بن بابويه وابن ابى عقيل وغيرهما. وقال ابن الجنيد :
ولا أحب احتسابها من شيء من التطوع الموظف
عليه ولو فعل وجعلها قضاء للنوافل أجزأه.
وأنت خبير بأن
جملة من الأخبار المتقدمة ظاهرة في الدلالة على القول المشهور كالخبر الخامس
والسابع والعاشر والثامن عشر والتاسع عشر ، وقد تضمن الخبر العاشر جواز جعلها قضاء
للنوافل وهو الذي رخصه ابن الجنيد ، وحينئذ فلا وجه لمنع ابن الجنيد من استحبابها
من النوافل أداء. وحمله على الغفلة عن هذه الاخبار وعدم اطلاعه عليها بعيد ، وعلى
الاطلاع عليها والقول بخلافها أبعد.
وقال في الذكرى
: ويظهر من بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز جعلها من الفرائض أيضا إذ ليس فيه
تغيير فاحش.
أقول : ربما
أشعر نقله (قدسسره) للقول المذكور وعدم تعرضه لرده اختياره القول بجوازه ،
واليه يميل كلام بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين ، وهو محل اشكال وأى
تغيير أفحش مما عليه هذه الصلاة بالنسبة إلى غيرها من الصلوات الخالية من هذه الأذكار.
وبالجملة فإن
العبادات توقيفية فإذا كان المرسوم عن صاحب الشرع هو إيقاع الفريضة على النحو الذي
وردت عنه (صلىاللهعليهوآله) فتغييرها إلى كيفية أخرى ـ ولو بزيادة أذكار وأدعية
وتسبيحات خارجة من الموظف فيها سيما مع كثرته وتفاحشه كما في هذه الصلاة ـ يتوقف
على الدليل.
ويعضد ما قلناه
عدم حصول يقين البراءة إلا بما ذكرناه. ويعضده ايضا المقابلة بالنوافل الحاضرة ،
فإن قوله في الخبر المذكور «وان شئت جعلتها من نوافلك» أى الحاضرة المؤداة فيكون
قوله «وان شئت جعلتها من قضاء صلاة» يعنى قضاء النوافل وحاصله التخيير بين جعلها
من النوافل المؤداة والمقضية. والله العالم.
السادس ـ الظاهر
انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان فيها قنوتين في الثانية من
الركعتين الأوليتين والثانية من الركعتين الأخيرتين وانه بعد القراءة وقبل الركوع
فيهما ، ويدل على ذلك صريحا الخبر التاسع عشر مضافا الى
الأخبار العامة في قنوت سائر الصلوات .
والمستفاد من
الخبر السابع عشر ان قنوت الركعتين الأولتين قبل الركوع وقنوت الركعتين والأخيرتين
بعد الركوع ، ولم أقف على من تنبه له من الأصحاب ، ولعله من حيث عدم رواية الخبر
في كتب الحديث الأربعة التي مدار استدلالهم عليها ورجوعهم إليها. وبالجملة فإن
الأظهر هو ما دلت عليه الأخبار العامة وخصوص الخبر التاسع عشر ، وهذا الخبر مرجوع
الى قائله (عليهالسلام).
السابع ـ قد
اشتملت جملة من الأخبار المتقدمة على أحكام عديدة لذوي الأعذار في هذه الصلاة :
أحدها ـ ما
اشتمل عليه الخبر الثالث عشر والرابع عشر من جواز الصلاة مجردة عن التسبيح إذا
أعجلت به حاجة ثم يقضى التسبيح وهو ذاهب.
وثانيها ـ ما
اشتمل عليه الخبر الثاني عشر من انه لو صلى منها ركعتين ثم أعجلته الحاجة أو أحدث
حدثا فإنه يبنى على ما صلى أولا بعد زوال العارض ويتم بالركعتين الباقيتين ،
والأحوط ان لا يفرق فيها إلا لعذر وقوفا على ظاهر الخبر وان كان الظاهر الجواز
مطلقا.
وثالثها ـ ما
دل عليه الخبر السادس عشر من انه إذا سها عن التسبيحات في بعض أحوال هذه الصلاة
قضاها في الحال التي يذكرها فيها ، فان كان يفوته سهوا في حال القيام ثم يذكره في
حال الركوع أو السجود فإنه يقضى ما فاته كلا أو بعضا في تلك الحال.
الثامن ـ قد
تكرر في الأخبار المتقدمة ان وقتها أى وقت شاء من ليل أو نهار وانها جائزة سفرا
وحضرا ، إلا ان الخبر السابع عشر قد صرح بأن أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم الجمعة
، ويحتمل أن يكون بعده في الفضل جعلها من نوافل الليل كما يشعر به الخبر التاسع
عشر من مداومة الرضا (عليهالسلام) على جعلها منها كما ينبئ عنه لفظ «كان».
__________________
فائدة
قال في الذكرى
: زعم بعض متعصبي العامة ان الخطاب بهذه الصلاة وتعليمها كان العباس عم النبي (صلىاللهعليهوآله) ورواه الترمذي ورواية أهل البيت (عليهمالسلام) أوفق إذ أهل البيت أعلم بما في البيت ، على انه يمكن
أن يكون قد خاطبهما بذلك في وقتين ولا استبعاد فيه. انتهى.
أقول ـ بل
الظاهر ان هذا الخبر انما هو من مخترعات الأموية بغضا لعلى (عليهالسلام) ومن يمت به ولا سيما أخيه المذكور ، ونسبوه للعباس
ليكون أدخل في العقول وتلقيه بالقبول. وقد ذكرنا في كتاب سلاسل الحديد بحثا رشيقا
في اختراعهم الأحاديث الكاذبة في زمان معاوية تقربا اليه. والله العالم.
المطلب الثالث في نافلة شهر رمضان
والكلام فيها
يقع في مقامين الأول ـ استحباب هذه النافلة مذهب أكثر الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بل نقل عن سلار دعوى الإجماع عليه.
ونقل في
المعتبر قال وقال بعض أصحاب الحديث منا لم يشرع في شهر رمضان زيادة نافلة عن غيره
، وذكر بعض الأصحاب ان على بن بابويه وابن ابى عقيل لم يتعرضا لها بنفي ولا إثبات
وان الصدوق قال لا نافلة فيه زيادة على غيره.
ورد هذا النقل
عن الصدوق جمع من محققي متأخري المتأخرين بأن كلامه في الفقيه لا يدل على نفى
المشروعية بل الظاهر انه انما ينفي تأكد الاستحباب لصراحته بأنه لا يرى بأسا
بالعمل بما ورد فيها من الأخبار ، ولهذا قال في المدارك : والظاهر انه لا خلاف في
جواز الفعل وانما الكلام في التوظيف.
أقول : صورة ما
ذكره الصدوق في الكتاب المذكور انه قال ـ في باب
__________________
الصلاة في شهر رمضان من كتاب الصوم بعد ذكره الأخبار الآتية الدالة على عدم
الزيادة في شهر رمضان ـ ما لفظه : وممن روى الزيادة في التطوع في شهر رمضان زرعة
عن سماعة وهما واقفيان ، قال سألته. وساق الحديث الدال على ذلك ثم قال قال مصنف هذا الكتاب (رحمهالله) إنما أوردت هذا الخبر في هذا الباب مع عدولي عنه وتركي
لاستعماله ليعلم الناظر في كتابي هذا كيف يروى ومن رواه وليعلم من اعتقادي فيه انى
لا أرى بأسا باستعماله. انتهى. والظاهر ان مرجعه الى ما ذكروه من عدم تأكد
الاستحباب.
واما قوله في
المدارك ـ انه لا خلاف في جواز الفعل وانما الكلام في التوظيف ـ فلا يخلو من
الإشكال الظاهر ، وذلك لأن الجواز هنا لا معنى له فإنها عبادة فإن ثبت شرعيتها
وتوظيفها ترتب عليه الاستحباب وإلا كانت محرمة وغير مشروعة ، ألا ترى ان صلاة
الضحى لما لم تثبت شرعيتها صرحت الأخبار ببدعيتها وتحريمها وليست من الأمور المباحة التي تتصف بالجواز.
ثم ان مما يدل
على عدم توظيف هذه النافلة ما رواه الصدوق عن عبد الله بن سنان بسندين صحيحين
ورواه الشيخ عنه ايضا بسند صحيح «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الصلاة في شهر رمضان فقال ثلاث عشرة ركعة منها
الوتر وركعتان قبل صلاة الفجر ، كذلك كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يصلى ولو كان فضلا لكان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) اعمل به وأحق».
وما رواه
الصدوق في الصحيح عن الحلبي والشيخ عنه أيضا في الصحيح بتفاوت ما في المتن قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الصلاة في شهر رمضان فقال ثلاث عشرة ركعة منها
الوتر وركعتا الصبح قبل الفجر ، كذلك كان رسول الله
__________________
(صلىاللهعليهوآله) يصلى وانا كذلك أصلي ولو كان خيرا لم يتركه رسول الله (صلىاللهعليهوآله)».
وما رواه الشيخ
عن محمد بن مسلم بإسناد لا يبعد الحاقه بالموثقات قال : «سمعت أبا عبد
الله (عليهالسلام) يقول كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا صلى العشاء الآخرة آوى الى فراشه لا يصلى شيئا إلا
بعد انتصاف الليل لا في شهر رمضان ولا في غيره».
ونقل المحقق في
المعتبر الاحتجاج للنافين بما رواه الأصحاب عن محمد ابن مسلم
قال : «سمعت إبراهيم بن هشام يقول هذا شهر رمضان فرض الله صيامه وسنن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قيامه. فذكرت ذلك لأبي جعفر (عليهالسلام) فقال كذب ابن هشام كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يصلى بالليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتان قبل
الفجر في شهر رمضان وغيره».
واما الأخبار
الدالة على استحباب هذه الصلاة فهي كثيرة جدا تفصيلا وإجمالا.
ومن الثاني ما
رواه الشيخ في الموثق ـ وعده في المنتهى في الصحيح ـ عن ابى بصير «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) أيزيد الرجل الصلاة في رمضان؟ قال نعم ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قد زاد في الرمضان في الصلاة».
ونحوها صحيحة
البقباق وعبيد بن زرارة عنه (عليهالسلام) قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يزيد في صلاته في شهر رمضان : إذا صلى العتمة صلى
بعدها فيقوم الناس خلفه فيدخل ويدعهم ثم يخرج أيضا فيجيئون ويقومون خلفه فيدخل ويدعهم
(مرارا)
__________________
قال وقال لا تصل بعد العتمة في غير شهر رمضان». وبهذا النحو رواية جابر
ورواية محمد بن يحيى ورواية ابى خديجة .
ومن الأول
رواية المفضل بن عمر عن ابى عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «يصلى في شهر رمضان زيادة ألف ركعة. قال قلت
ومن يقدر على ذلك؟ قال ليس حيث تذهب أليس يصلى في شهر رمضان زيادة ألف ركعة : في
تسع عشرة منه في كل ليلة عشرين ركعة وفي ليلة تسع عشرة منه مائة ركعة وفي ليلة
احدى وعشرين مائة ركعة وفي ليلة ثلاث وعشرين مائة ركعة ويصلى في ثمان ليال منه في
العشر الأواخر ثلاثين ركعة؟ فهذه تسعمائة وعشرون ركعة. قال : قلت جعلني الله فداك
فرجت عنى لقد كان ضاق بي الأمر فلما ان أتيت لي بالتفسير فرجت عنى فكيف تمام الألف
ركعة؟ قال تصلى في كل جمعة في شهر رمضان اربع ركعات لأمير المؤمنين (عليهالسلام) وتصلى ركعتين لابنة محمد (صلىاللهعليهوآله) وتصلى بعد الركعتين اربع ركعات لجعفر الطيار (عليهالسلام) وتصلى في ليلة الجمعة في العشر الأواخر لأمير المؤمنين
(عليهالسلام) عشرين ركعة وتصلى في عشية الجمعة ليلة السبت عشرين
ركعة لابنة محمد (صلىاللهعليهوآله). ثم قال اسمع وعه وعلم ثقات إخوانك هذه الأربع
والركعتين فإنهما أفضل الصلوات بعد الفرائض. إلى آخرها». الى غير ذلك من الأخبار
التي يضيق عن نشرها المقام.
والشيخ بعد ذكر
الأخبار المتقدمة عدا خبر المعتبر قال : فالوجه في هذه الأخبار وما جرى مجراها انه
لم يكن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يصلى صلاة النافلة جماعة في شهر رمضان ولو كان فيه خير
لما تركه (صلىاللهعليهوآله) ولم يرد انه لا يجوز ان يصلى على الانفراد.
واحتج على هذا
التأويل بما رواه عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل في الصحيح قالوا : «سألناهما عن الصلاة في رمضان نافلة بالليل
جماعة؟
__________________
فقالا ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان إذا صلى العشاء الآخرة انصرف الى منزله ثم يخرج من
آخر الليل الى المسجد فيقوم فيصلي ، فخرج في أول ليلة من شهر رمضان ليصلي كما كان
يصلى فاصطف الناس خلفه فهرب منهم الى بيته وتركهم ، ففعلوا ذلك ثلاث ليال فقام في
اليوم الرابع على منبره فحمد الله واثنى عليه ثم قال : ايها الناس ان الصلاة
بالليل في شهر رمضان النافلة في جماعة بدعة وصلاة الضحى بدعة ألا فلا تجمعوا ليلا
في شهر رمضان لصلاة الليل ولا تصلوا صلاة الضحى فان ذلك معصية ، ألا وان كل بدعة
ضلالة وكل ضلالة سبيلها الى النار. ثم نزل وهو يقول قليل في سنة خير من كثير في
بدعة». ألا ترى انه لما أنكر الصلاة في شهر رمضان أنكر الجماعة فيها ولم ينكر نفس
الصلاة ولو كان نفس الصلاة منكرا مبتدعا لأنكره كما أنكر الجماعة فيها.
ورد هذا
التأويل جملة من أفاضل متأخري المتأخرين بالبعد وهو كذلك. وفيه ايضا ان الرواية
التي أوردها موردها انما هو الجماعة في صلاة الليل لا في الصلاة التي هي محل البحث
حتى يتم قوله «أنكر الجماعة فيها ولم ينكر الصلاة» فإن الصلاة التي اجتمعوا خلفه
فيها انما هي صلاة الليل كما هو ظاهر سياق الخبر ، وحينئذ فلا حجة في ما أورده كما
لا يخفى.
والعلامة في
المختلف قد أجاب عن صحيحة عبد الله بن سنان بجواز أن يكون السؤال وقع عن النوافل
الراتبة هل تزيد في شهر رمضان أو لا؟ فأجاب (عليهالسلام) بعدم الزيادة ، فإنه نقل عن ابن الجنيد انه قال : وقد
روى عن أهل البيت (عليهمالسلام) زيادة في صلاة الليل على ما كان يصليها الإنسان في
غيره اربع ركعات تتمة اثنتي عشرة ركعة. وهذا التأويل أيضا لا يخلو من بعد وان كان
أقل من الأول.
وقال المحدث
الكاشاني (طاب ثراه) في الوافي بعد نقل اخبار الطرفين : أقول من حاول أن لا يبعد
في التأويل كثيرا ولا يرد أحد الحديثين فالصواب ان يحمل حديث الإثبات على التقية أو حديث النفي على نفى كونها سنة موقوفة
__________________
موظفة لا ينبغي تركها كالرواتب اليومية بل ان كانت فهي من التطوعات التي من
أحبها وقوى عليها فعلها كما يشعر به حديث سماعة وغيره.
وهو وان كان
بعيدا أيضا إلا انه أقل بعدا مما تقدم ، وجه البعد أما بالنسبة الى اخبار القول
المشهور فان تكاثرها واستفاضتها ـ بل ربما يدعى تواترها معنى إجمالا وتفصيلا كما
لا يخفى على من راجعها ـ يبعد خروجها كملا مخرج التقية سيما مع اقترانها بفتوى
الطائفة قديما وحديثا إلا الشاذ. وأما بالنسبة إلى حمل اخبار القول بنفيها على نفى
التأكيد ففيه ان الأخبار قد تصادمت في فعل النبي (صلىاللهعليهوآله) لها وعدمه ، فهذه الأخبار ظاهرها ان النبي (صلىاللهعليهوآله) لم يفعل ذلك مدة حياته وتلك الأخبار قد تكاثرت وتعاضدت
بأنه كان يصليها ، ولا معنى هنا للجمع بالتأكيد وعدمه بل ليس إلا الترجيح لاخبار
أحد الطرفين ورمى الآخر من البين.
وبالجملة فإن
المسألة من مشكلات المسائل واليه يميل كلام صاحب المدارك وان كان قد يقوى بعد ذلك
القول المشهور بما ذكره من الوجوه.
وبعض المحققين
من متأخري المتأخرين القائلين بالقول المشهور حمل الأخبار الدالة على نفى هذه
النافلة على التقية ، قال لأنها موافقة لبعض ما روته العامة كما في صحيح البخاري «انه قيل لعائشة كيف كانت صلاة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في شهر رمضان؟ فقالت ما كان يزيد في شهر رمضان ولا في
غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلى اربع ركعات ثم يصلى أربعا ثم يصلى ثلاثا». قال
ولهذا جعل ابن طاوس من جملة محامل هذه الأخبار التقية متأيدا بما تقدم في رواية
ابن مطهر من تكذيب الراوي والدعاء عليه ، وربما يؤيده أيضا ما مر سابقا من حديث
جابر ، واما تلك الأخبار فهي مع كثرتها ليست بهذه المثابة لأن العامة انما يقولون
بالتراويح وهي عند أكثرهم كما ذكرنا سابقا ستمائة ركعة في كل ليلة عشرون ركعة بعد
العشاء وعند مالك في كل ليلة ست وثلاثون ركعة بعد العشاء ايضا وكلاهما مخالفان لما
__________________
ذكر في تلك الأخبار ، مع ان في مفصلات تلك الأخبار ذكرت أشياء مباينة
لمذاهب العامة كما هو واضح على من تأمل فيها فلا يناسب حملها على التقية ، ومن
احتمل ذلك فيها لم يلاحظها حتى ملاحظتها. انتهى.
وأشار برواية
ابن مطهر الى ما رواه الشيخ عن احمد بن محمد بن مطهر قال «كتبت الى ابى محمد (عليهالسلام) ان رجلا روى عن ابائك (عليهمالسلام) ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ما كان يزيد من الصلاة في شهر رمضان على ما كان يصليه
في سائر الأيام؟ فوقع كذب فض الله فاه صلى في كل ليلة من شهر رمضان عشرين ركعة إلى
عشرين من الشهر. الحديث». وسيأتي تمامه ان شاء الله تعالى ، وقد روى الكليني هذا
الخبر ايضا بهذا اللفظ في تكذيب الراوي ومتنه أبسط.
إلا ان ما دل
عليه هذا الخبر معارض بمثله مما تقدم نقله عن المحقق في المعتبر من تكذيب ابى جعفر (عليهالسلام) لمن نقل عن النبي (صلىاللهعليهوآله) انه سن هذه الصلاة ثم ذكر (عليهالسلام) انه (صلىاللهعليهوآله) انما كان يصلى صلاة الليل خاصة. وبذلك يظهر لك قوة
الإشكال الذي أشرنا إليه آنفا.
وأما حديث جابر
الذي أشار إليه فهو ما رواه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) انه قال له : «ان أصحابنا هؤلاء أبوا أن يزيدوا في
صلاتهم في شهر رمضان وقد زاد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في صلاته في شهر رمضان». أقول : لا يبعد ان حصول
المخالفة من أصحابه (عليهالسلام) يومئذ انما كان لعدم ثبوت المشروعية عندهم ، ويحمل
كلامه (عليهالسلام) في قوله «وقد زاد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) على الخروج مخرج التقية في النقل وإلا فلا معنى لكونهم
أصحابه (عليهالسلام) مع عدم علمهم بقوله (عليهالسلام). ومن المحتمل قريبا في خبر احمد بن محمد بن مطهر الحمل
على ما ذكرنا من أن تكذيب الراوي والدعاء عليه انما وقع تقية لإظهار
__________________
ذلك الرجل ما هو مأمور بإظهار خلافه.
وبالجملة فذيل
الكلام واسع في المقام وباب الاحتمال غير منغلق كما لا يخفى على ذوي الأفهام ،
والأمر هنا باعتبار تعارض الأخبار متردد بين الاستحباب والتحريم وطريق الاحتياط في
مثله الترك لذلك ، إلا انه يشكل بشهرة عمل الأصحاب باخبار الاستحباب. والله
العالم.
المقام الثاني
ـ في كيفية هذه الصلاة وقد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) لها صورتين (الأولى) ـ ان
يصلى في عشرين ليلة من الشهر كل ليلة عشرين ركعة ثمان منها بعد المغرب واثنتا عشرة
بعد العشاء الآخرة ، هذا هو المشهور بين الأصحاب وخير الشيخ في النهاية بين ذلك
وبين جعل اثنتي عشرة ركعة بين العشاءين وثمان بعد العشاء ، واختاره المحقق في
المعتبر.
ويدل على القول
المشهور رواية أبي بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) وفيها «فصل يا أبا محمد زيادة في رمضان فقال كم جعلت
فداك؟ فقال في عشرين ليلة تمضى في كل ليلة عشرين ركعة ثماني ركعات قبل العتمة
واثنتي عشرة ركعة بعدها سوى ما كنت تصلى قبل ذلك. الحديث».
وفي رواية محمد
بن احمد بن مطهر المروية في الكافي عن ابى محمد (عليهالسلام) «صل في شهر رمضان في عشرين ليلة في كل ليلة عشرين ركعة ثماني بعد المغرب
واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة».
وفي رواية
مسعدة بن صدقة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله). الى ان قال منذ أول ليلة إلى تمام عشرين ليلة في كل
ليلة عشرين ركعة ثماني ركعات منها بعد المغرب واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة.
الحديث».
وفي رواية أبي
بصير الأخرى عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «صل في العشرين من شهر رمضان ثمانيا بعد المغرب واثنتي عشرة ركعة بعد
العتمة». ونحو ذلك في رواية
__________________
محمد بن سليمان عن عدة من الأصحاب ورواية الحسن بن على عن أبيه .
والذي يدل على
عكس ذلك موثقة سماعة قال : «سألته عن رمضان. الى ان قال : كان يصلى قبل ذلك
من هذه العشرين اثنتي عشرة ركعة بين المغرب والعتمة وثماني ركعات بعد العتمة.
الحديث».
وأصحاب القول
الثاني قالوا بالتخيير جمعا بين الاخبار الأولة وبين هذه الموثقة والأظهر العمل
بالأخبار الكثيرة لترجحها بالكثرة وقول جمهور الأصحاب بها واحتمال حمل الموثقة
المذكورة على وجه آخر غير التخيير. هذا بالنسبة الى ما يفعل في العشرين ليلة.
واما ما يصلى
في العشر الباقية فهي ثلاثون ركعة في كل ليلة وقد اختلف هنا في تقسيم هذه الثلاثين
، فالمشهور انه يصلى منها ثمان بعد المغرب والباقي بعد العشاء الآخرة ، صرح به
العلامة في المنتهى ، ونقل عن ابى الصلاح وابن البراج انه يصلى اثنتي عشرة ركعة
بعد المغرب والباقي بعد العشاء الآخرة ، وخير المحقق بين الصورتين والذي يدل على
الأول وهو المشهور
قول الصادق (عليهالسلام) في رواية أبي بصير وهي الأولى من روايتيه المتقدمتين «فإذا دخل العشر الأواخر فصل ثلاثين ركعة في كل ليلة ثماني ركعات قبل
العتمة واثنتين وعشرين ركعة بعدها. الخبر».
وقول ابى جعفر (عليهالسلام) في خبر الحسن بن على عن أبيه «وفي العشر الأواخر ثماني ركعات بين المغرب والعتمة واثنتين وعشرين ركعة
بعد العتمة».
وقول ابى الحسن
(عليهالسلام) في رواية محمد بن سليمان عن عدة من أصحابنا «فلما كان في ليلة اثنتين وعشرين زاد في صلاته فصلى ثماني ركعات بعد المغرب
واثنتين وعشرين ركعة بعد العشاء الآخرة».
وأما ما يدل
على القول الثاني فمنه قول ابى محمد (عليهالسلام) في رواية محمد بن أحمد
__________________
ابن مطهر في الكافي «وصل فيها ثلاثين ركعة اثنتي عشرة بعد المغرب وثماني عشرة بعد العشاء
الآخرة».
وقول ابى عبد
الله (عليهالسلام) في رواية مسعدة «ويصلى في العشر الأواخر في كل ليلة ثلاثين ركعة اثنتي عشرة منها بعد
المغرب وثماني عشرة بعد العشاء الآخرة». ومن هنا جمع المحقق بين هذه الأخبار
بالتخيير.
والحاصل مما
ذكرناه سبعمائة ركعة. ثم انه يصلى ثلاثمائة ركعة تمام الالف منها مائة ركعة في
الليلة التاسعة عشرة ومائة في ليلة احدى وعشرين ومائة في ليلة ثلاث وعشرين. هذه
احدى الصورتين المشار إليهما آنفا ، ونسب القول بهذه الصورة في الذكرى الى طائفة
من أصحابنا وفي المنتهى الى أكثر الأصحاب.
والصورة
الثانية نسبها في الذكرى الى أكثر الأصحاب ، وعلى هذه الصورة رتب الشيخ الدعوات
المختصة بالركعات في المصباح وهي انه يقتصر في ليالي الافراد على المائة في كل
ليلة منها ، وعلى هذا فتبقى عليه ثمانون ركعة وظائف هذه الثلاث على تقدير الصورة
الأولى ، قالوا ويفرقها على الشهر بهذه الكيفية : يصلى في كل جمعة عشر ركعات أربعا
منها بصلاة على (عليهالسلام) وركعتين بصلاة فاطمة (عليهاالسلام) وأربعا بصلاة جعفر (رضوان الله عليه) وفي ليلة آخر
جمعة من الشهر يصلى عشرين ركعة بصلاة علي (عليهالسلام) وفي عشيتها ليلة السبت عشرين بصلاة فاطمة (عليهاالسلام) والمستند في هذه الصورة رواية المفضل بن عمر المتقدمة .
إذا عرفت ذلك
فاعلم انا لم نقف في الروايات الواردة في هذا الباب على ما يقتضي هذه الكيفية على
التفصيل الذي ذكره الأصحاب لمزيد اختلافها وعدم ائتلافها إلا انه يمكن حصول ذلك من
مجموعها باعتبار ضم بعضها الى بعض.
قال الشهيد في
الذكرى : والمشهور أنها ألف ركعة زيادة على الراتبة رواه
__________________
جميل بن صالح عن الصادق (عليهالسلام) وعلى بن أبي حمزة أيضا وإسحاق بن عمار عن ابى الحسن (عليهالسلام) وسماعة بن مهران عن الصادق (عليهالسلام) .
وربما أشعر هذا
الكلام بأن هؤلاء قد رووا الألف على الوجه الذي ذكره الأصحاب مع ان الأمر ليس كذلك
، فإن رواية جميل بن صالح انما تضمنت استحباب الإكثار من الصلاة في شهر رمضان
وغيره في اليوم والليلة وان عليا (عليهالسلام) كان يصلى ألف ركعة في اليوم والليلة ، ورواية على بن
أبي حمزة عارية عن زيادة المئات في ليالي الافراد ، ورواية إسحاق
بن عمار انما تضمنت ذكر المئات خاصة في ليالي الافراد وروايتا ابن مطهر المنقولتان في الكافي والتهذيب تضمنتا إسقاط المائة من ليلة تسع عشرة ، وفي موثقة
لسماعة صلاة مائة ركعة لكل من ليلتي تسع عشرة وثلاث وعشرين ولم
يتعرض لزيادة على ذلك ، ورواية مسعدة مثل روايتي ابن مطهر في ذكر جملة النوافل
الموظفة كما ذكره الأصحاب إلا أنه أسقط مائة ركعة من ليلة تسع عشرة ، ومثل ذلك
أيضا موثقة أخرى لسماعة وفي رواية لأبي بصير ايضا ذكر العشرين ركعة إلى تمام
عشرين يوما من الشهر ومائة ركعة في الليلة التي يرجى فيها ما يرجى ولم يذكر فيها
سوى ذلك ، وفي رواية محمد بن سليمان عن العدة إسقاط وظيفة ليلة تسع عشرة واحدى
وعشرين وثلاث وعشرين من العدد المتقدم ذكره والاقتصار في كل منها على مائة ركعة ،
وبموجبه قد نقص من الالف ثمانون ركعة ولم يتعرض لها كما تعرض لها في خبر المفضل
المتقدم. واما رواية المفضل المذكورة
__________________
فإنها ظاهرة في الصورة الثانية كما قدمنا ذكره إلا انها مجملة في تقسيم
العشرين والثلاثين وقد عرفت الخلاف في الموضعين نصا وفتوى.
هذا مجمل
الكلام في روايات المسألة وما اشتملت عليه ، وبه يظهر ما ذكرناه من عدم وجود
المستند لما ذكره الأصحاب من الكيفية في الصورة الأولى ، واما الثانية فليس في
مستندها إلا الإجمال الذي ذكرناه وإلا فالعدد تام كما لا يخفى.
قال السيد
الزاهد العابد المجاهد رضى الدين بن طاوس (عطر الله مرقده) في كتاب الإقبال نقلا
عن الرسالة الغرية للشيخ المفيد (طيب الله مضجعه) قال يصلى في العشرين ليلة كل
ليلة عشرين ركعة ثماني بين العشاءين واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة ويصلى في العشر
الأواخر كل ليلة ثلاثين ركعة ويضيف الى هذا الترتيب في ليلة تسع عشرة وليلة احدى
وعشرين وليلة ثلاث وعشرين كل ليلة مائة ركعة وذلك تمام الألف ركعة ، قال : وهي
رواية محمد بن أبي قرة في كتاب عمل شهر رمضان في ما أسنده عن على بن مهزيار عن
مولانا الجواد (عليهالسلام) . وظاهر هذا الكلام كما ترى ورود الخبر بهذه الكيفية.
ونحو ذلك ما
ذكره شيخنا المفيد (روح الله تعالى روحه) في كتاب مسار الشيعة قال : أول ليلة من شهر رمضان فيها الابتداء بصلاة نوافل
شهر رمضان وهي ألف ركعة من أول الشهر. الى آخره بترتيب معروف في الأصول عن
الصادقين (عليهمالسلام). الى آخره.
فوائد
الأولى ـ المشهور
ان الوتيرة تصلى بعد وظيفة العشاء من تلك النوافل لتكون خاتمة النوافل ، ونقل عن
سلار أنها مقدمة على الوظيفة المذكورة ، وقد تقدم في آخر المسألة الثانية من
المقصد الثاني في مواقيت الرواتب من المقدمة الثالثة في المواقيت من كتاب الصلاة نبذة من الكلام في هذا المقام.
__________________
ويدل على ما
ذكره سلار هنا قوله (عليهالسلام) في رواية محمد بن سليمان عن عدة من أصحابنا «فلما صلى العشاء الآخرة وصلى الركعتين اللتين كان يصليهما بعد العشاء
الآخرة وهو جالس في كل ليلة قام فصلى اثنتي عشرة ركعة. الى ان قال في الخبر
المذكور : فلما اقام بلال لصلاة العشاء الآخرة خرج النبي (صلىاللهعليهوآله) فصلى بالناس فلما انفتل صلى الركعتين وهو جالس كما كان
يصلى في كل ليلة ثم قام فصلى مائة ركعة».
أقول : وهذا
الخبر قد جاء على خلاف ما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم) من جعل الوتيرة خاتمة
صلاته في تلك الليلة كما انه اشتمل على خلاف ما دلت عليه الأخبار الكثيرة ـ كما
قدمنا ذكره في المقدمة الثانية من مقدمات كتاب الصلاة ـ من انه (صلىاللهعليهوآله) ما كان يصلى الوتيرة معللا في بعضها بأنه يعلم انه
يعود ولا يموت في تلك الليلة مع دلالة ظاهر هذا الخبر على المداومة عليها.
وبالجملة فهو لا يخلو من الإشكال في الموضعين المذكورين. والله سبحانه وقائله
أعلم.
وقال في الذكرى
: وأما الوتيرة فالمشهور انها تفعل بعد وظيفة العشاء لتكون خاتمة النوافل ، وقال
سلار بل الوتيرة مقدمة على الوظيفة وهي في رواية محمد بن سليمان عن الرضا (عليهالسلام) والظاهر ايضا جواز الأمرين. انتهى.
الثانية ـ لا
ريب ان الجماعة في هذه النافلة محرمة عند أصحابنا (رضوان الله عليهم) وقد تكاثرت
به اخبارهم (عليهمالسلام).
ومنها ـ ما
رواه في التهذيب والفقيه عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن ابى جعفر وابى عبد
الله (عليهماالسلام) قالوا «سألناهما عن الصلاة في شهر رمضان نافلة بالليل
جماعة فقالا ان النبي (صلىاللهعليهوآله). الحديث». وقد تقدم في المقام الأول إلا ان مورد الخبر كما ذكرناه ثمة انما هو الجماعة في
صلاة الليل.
__________________
وما رواه في
الكافي عن سليم بن قيس في خطبة لأمير المؤمنين (عليهالسلام) قال : فيها «قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) متعمدين لخلافه ناقضين لعهده مغيرين لسنته ولو حملت
الناس على تركها. لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أو مع قليل من شيعتي. الى ان قال :
والله لقد أمرت الناس إلا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم
في النوافل بدعة فنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معى : يا أهل الإسلام غيرت سنة عمر
ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا. الحديث».
وما رواه الشيخ
في الموثق عن عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الصلاة في رمضان في المساجد فقال لما
قدم أمير المؤمنين (عليهالسلام) الكوفة أمر الحسن بن على (عليهالسلام) ان ينادى في الناس : لا صلاة في شهر رمضان في المساجد
جماعة. فنادى في الناس الحسن بن على (عليهالسلام) بما امره به أمير المؤمنين (عليهالسلام) فلما سمع الناس مقالة الحسن بن على (عليهالسلام) صاحوا واعمراه واعمراه فلما رجع الحسن الى أمير المؤمنين
(عليهالسلام) قال له ما هذا الصوت؟ فقال يا أمير المؤمنين الناس
يصيحون واعمراه واعمراه فقال أمير المؤمنين (عليهالسلام) قل لهم صلوا».
وما رواه ابن
إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب ابى القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن ابى
جعفر وابى عبد الله (عليهماالسلام) قالا «لما كان أمير المؤمنين (عليهالسلام) بالكوفة أتاه الناس فقالوا له اجعل لنا اماما يؤمنا في
شهر رمضان فقال لا ، ونهاهم ان يجتمعوا فيه ، فلما أمسوا جعلوا يقولون ابكوا شهر
رمضان وأشهر رمضاناه ، فاتى الحارث الأعور في أناس فقال يا أمير المؤمنين (عليهالسلام) ضج الناس وكرهوا قولك قال فقال عند ذلك دعوهم وما
يريدون ليصل بهم من شاؤوا. ثم قال (وَمَنْ). (يَتَّبِعْ غَيْرَ
سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ
مَصِيراً)» . ورواه العياشي
__________________
في تفسيره عن حريز عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهماالسلام) مثله .
وما رواه الحسن
بن على بن شعبة في تحف العقول عن الرضا (عليهالسلام) قال : «ولا يجوز التراويح في الجماعة».
أقول : وسيأتي
تمام الكلام في ذلك في بحث صلاة الجماعة ان شاء الله تعالى.
الثالثة ـ قال
في الذكرى : لو فات شيء من هذه النوافل ليلا فالظاهر انه يستحب قضاؤها نهارا
لعموم قوله تعالى «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ
وَالنَّهارَ خِلْفَةً» وما ورد في تفسيره مما أسلفناه من قبل ، وبذلك افتى ابن
الجنيد قال : وكذا لو فاتته الصلاة في ليلة الشك ثم ثبتت الرؤية. انتهى.
وقال في
المدارك : قال الشهيد في الذكرى ولو فات شيء من هذه النوافل ليلا فالظاهر انه
يستحب قضاؤها نهارا. وهو غير واضح. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان الشهيد كما نقلناه من عبارته قد استدل على ذلك بعموم الآية وما ورد في تفسيرها
من الأخبار كما قدمه ، ولا ريب ان ظاهر الآية دال على ما ذكره والأخبار الواردة في
تفسيرها تساعده.
ومنها ـ قول
الصادق (عليهالسلام) في ما رواه في الفقيه «كل ما فاتك بالليل فاقضه بالنهار قال الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ
وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً). يعنى ان يقضى الرجل ما فاته بالليل بالنهار وما فاته
بالنهار بالليل». وفي معنى هذه الرواية غيرها.
وبذلك يظهر لك
ما في قوله «وهو غير واضح» وكان الواجب عليه ذكر الجواب عن دليله المذكور ليندفع
عنه ما في كلامه من القصور. والجواب بحمل ذلك على غير هذه النافلة من الصلاة
اليومية والنافلة الراتبة يحتاج الى مخصص ، فان عموم
__________________
الآية والخبر المذكور الشامل لموضع البحث.
الرابعة ـ ظاهر
الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا فرق في استحباب هذه الصلاة بين الصائم وغيره
عملا بمقتضى العموم ، وزاد في الروض التعليل بأنها عبادة زيدت لشرف الزمان فلا
تسقط بسقوط الصوم عن المسافر ونحوه. ثم نقل ان في كلام بعض الأصحاب ما يدل على
اختصاصه بالصائم ، قال في الذخيرة : وهو ظاهر ابى الصلاح.
الخامسة ـ ما
ذكر في خبر المفضل ـ في تفريق الثمانين الباقية من الصلاة في كل جمعة عشر
ركعات ـ الظاهر انه مبنى على الغالب من اشتمال الشهر على اربع جمعات ، فلو اتفق
فيه خمس جمع ففي كيفية بسط الثمانين احتمالات أقربها ـ كما استظهره في الذخيرة ـ سقوط
العشر في الجمعة الأخيرة لا عطاء كل جمعة حقها.
المطلب الرابع في جملة من الصلوات
الأولى ـ صلاة
الاستخارة وينبغي ان يعلم أولا ان الاستخارة هي طلب الخيرة من الله تعالى قاله في
القاموس والنهاية وغيرهما. وقال ابن إدريس : الاستخارة في كلام العرب الدعاء ،
وقال ايضا معنى «استخرت الله» استدعيت إرشادي ، قال وكان يونس بن حبيب اللغوي يقول
ان معنى «استخرت الله» استفعلت الله الخير أي سألت الله ان يوفقني خير الأشياء
التي أقصدها.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان المفهوم من الأخبار انها قد جاءت فيها على معان عديدة : منها ـ ما ورد
بمعنى طلب الخيرة من الله تعالى كما قدمنا نقله عن القاموس والنهاية بمعنى أنه
يسأل الله في دعائه أن يجعل له الخير ويوفقه في الأمر الذي يريده وعلى هذا المعنى
يحمل
ما رواه في
الكافي عن عمرو بن حريث في الصحيح على الأظهر قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) صل ركعتين واستخر الله فوالله ما استخار الله مسلم إلا
خار له البتة».
__________________
وفي رواية أخرى
عنه (عليهالسلام) «من استخار الله راضيا بما صنع الله خار الله له حتما». وفي معناهما أخبار
أخر أيضا.
ومنها ـ ما ورد
بمعنى طلب تيسر ما فيه الخيرة كما في حسنة مرازم المروية في الفقيه قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا أراد أحدكم شيئا فليصل ركعتين ثم ليحمد الله وليثن
عليه ويصلى على محمد (صلىاللهعليهوآله) وعلى أهل بيته ويقول : اللهم ان كان هذا الأمر خيرا لي
في ديني ودنياي فيسره لي وقدره وان كان غير ذلك فاصرفه عني. فسألته أي شيء اقرأ
فيهما؟ فقال اقرأ فيهما ما شئت وان شئت قرأت فيهما قل هو الله أحد وقل يا ايها
الكافرون. الخبر». وبمضمونه بتفاوت يسير رواية جابر عن ابى جعفر (عليهالسلام) وهذا المعنى قريب من المعنى الأول بل الظاهر ان مآلهما
غالبا الى واحد بحيث تحمل الاخبار الأول على هذا.
ومنها ـ ما ورد
بمعنى طلب العزم على ما فيه الخير كما في موثقة ابن أسباط قال : «قلت لأبي الحسن الرضا (عليهالسلام) جعلت فداك ما ترى آخذ برا أو بحرا فان طريقنا مخوف
شديد الخطر؟ فقال اخرج برا ولا عليك ان تأتي مسجد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وتصلى ركعتين في غير وقت فريضة ثم تستخير الله مائة
مرة ومرة ثم تنظر فان عزم الله لك على البحر. الخبر».
وموثقة الحسن
بن على بن فضال قال : «سأل الحسن بن الجهم أبا الحسن (عليهالسلام) لابن أسباط فقال ما ترى له ـ وابن أسباط حاضر ونحن
جميعا ـ يركب البحر أو البر الى مصر؟ وأخبره بخير طريق البر فقال البر ، وايت
المسجد في غير وقت صلاة الفريضة فصل ركعتين واستخر الله مائة مرة ثم انظر أي شيء
يقع في قلبك فاعمل به».
وهذه الثلاثة
المعاني تكون بالصلاة والدعاء وربما تكون بالدعاء خاصة كما
__________________
روى في الفقيه عن معاوية بن ميسرة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ما استخار الله عبد سبعين مرة بهذه الاستخارة
إلا رماه الله بالخيرة يقول : يا أبصر الناظرين ويا اسمع السامعين ويا أسرع
الحاسبين ويا أرحم الراحمين ويا أحكم الحاكمين صلى على محمد وأهل بيته وخر لي في
كذا وكذا».
وفي صحيحة حماد
عن ناجية عن الصادق (عليهالسلام) انه كان إذا أراد شراء العبد أو الدابة أو الحاجة
الخفيفة أو الشيء اليسير استخار الله عزوجل فيه سبع مرات فإذا كان امرا جسيما استخار الله فيه مائة
مرة.
إلا انه يحتمل
ايضا تقييد هذه الأخبار بما تقدم بان يكون هذا الدعاء مضافا الى الصلاة.
ومنها ـ ما ورد
بمعنى طلب تعرف ما فيه الخيرة ، وهذا هو المعروف الآن بين الناس ، ولكن لا بد هنا من
انضمام شيء آخر إلى الصلاة والدعاء معا أو الدعاء وحده من الرقاع أو البنادق أو
فتح المصحف أو أخذ السبحة أو القرعة أو الأخذ من لسان المشاور.
فمن الأخبار
الواردة بذلك ما رواه الكليني والشيخ عن هارون بن خارجة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) ورواه الشيخ المفيد وابن طاوس ورواية ابن طاوس بعدة طرق
انه قال (عليهالسلام) «إذا أردت أمرا فخذ ست رقاع فاكتب في ثلاث منها : بسم
الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة افعل. وفي ثلاث
منها : بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا
تفعل. ثم ضعها تحت مصلاك ثم صل ركعتين فإذا فرغت فاسجد سجدة وقل فيها مائة مرة : أستخير
الله برحمته خيرة في عافية. ثم استو جالسا وقل : اللهم خر لي واختر لي في جميع
أموري في يسر منك وعافية. ثم اضرب بيدك الى الرقاع فشوشها واخرج
__________________
واحدة واحدة فإن خرج ثلاث متواليات «افعل» فافعل الأمر الذي تريده ، وان
خرج ثلاث متواليات «لا تفعل» فلا تفعله ، وان خرجت واحدة «افعل» والأخر «لا تفعل»
فاخرج من الرقاع الى خمس فانظر أكثرها فاعمل به ودع السادسة لا تحتاج إليها».
ومنها ـ ما
رواه الكليني والشيخ عن على بن محمد رفعه عنهم (عليهمالسلام) «انه قال لبعض أصحابه وقد سأله عن الأمر يمضي فيه ولا يجد أحدا يشاوره كيف
يصنع؟ قال شاور ربك قال فقال له كيف؟ قال انو الحاجة في نفسك ثم اكتب رقعتين في
واحدة «لا» وفي واحدة «نعم» واجعلهما في بندقتين من طين ثم صل ركعتين واجعلهما تحت
ذيلك وقل : يا الله انى أشاورك في امرى هذا وأنت خير مستشار ومشير فأشر على بما
فيه صلاح وحسن عاقبة. ثم ادخل يدك فان كان فيها «نعم» فافعل وان كان فيها «لا» فلا
تفعل ، هكذا شاور ربك».
وقد ذكر السيد
الزاهد العابد المجاهد رضى الدين على بن طاوس (عطر الله مرقده) في رسالة
الاستخارات أنواعا عديدة في الاستخارة بالرقاع والبنادق والقرعة وأنكرها ابن إدريس
تمام الإنكار وقال انها من أضعف أخبار الآحاد وشواذ الاخبار لان رواتها فطحية
ملعونون مثل زرعة وسماعة وغيرهما فلا يلتفت الى ما اختصا بروايته ، قال :
والمحصلون من أصحابنا ما يختارون في كتب الفقه إلا ما اخترناه ولا يذكرون البنادق
والرقاع والقرعة إلا في كتب العبادات دون كتب الفقه ، وذكر ان الشيخين وابن البراج
لم يذكروها في كتبهم الفقهية. ووافقه المحقق هنا فقال : واما الرقاع وما يتضمن «افعل
ولا تفعل» ففي حيز الشذوذ فلا عبرة بها.
قال في الذكرى
: وإنكار ابن إدريس الاستخارة بالرقاع لا مأخذ له مع اشتهارها بين الأصحاب وعدم
راد لها سواه ومن حذا حذوه كالشيخ نجم الدين ، قال وكيف تكون شاذة وقد دونها
المحدثون في كتبهم والمصنفون في مصنفاتهم وقد
__________________
صنف السيد العالم العابد صاحب الكرامات الظاهرة والمآثر الباهرة رضي الدين
أبو الحسن على بن طاوس الحسيني (قدسسره) كتابا ضخما في الاستخارات واعتمد فيه على روايات
الرقاع وذكر من آثارها عجائب وغرائب أراه الله تعالى إياه ، وقال إذا توالى الأمر
في الرقاع فهو خير محض وان توالى النهى فذلك الأمر شر محض وان تفرقت كان الخير
والشر موزعا بحسب تفرقها على أزمنة ذلك الأمر بحسب ترتبها. انتهى
ومن الاستخارات
الاستخارة بالعدد ، قال في الذكرى : ولم تكن هذه مشهورة في العصور الماضية قبل
زمان السيد الكبير العابد رضى الدين محمد بن محمد الآوي الحسيني المجاور بالمشهد
المقدس الغروي (رضى الله عنه) وقد رويناها عنه وجميع مروياته عن عدة من مشايخنا عن
الشيخ الكبير الفاضل جمال الدين بن المطهر عن والده (رضى الله عنهما) عن السيد رضى
الدين عن صاحب الأمر (عليه الصلاة والسلام) يقرأ الفاتحة عشرا وأقله ثلاث مرات ودونه مرة ثم يقرأ
القدر عشرا ثم يقول هذا الدعاء ثلاثا : اللهم إني أستخيرك لعلمك بعاقبة الأمور
وأستشيرك لحسن ظني بك في المأمول والمحذور ، اللهم ان كان الأمر الفلاني مما قد
نيطت بالبركة اعجازه وبواديه وحفت بالكرامة أيامه ولياليه فخر لي اللهم فيه خيرة
ترد شموسة ذلولا وتقعض أيامه سرورا ، اللهم إما أمر فأئتمر واما نهى فانتهى ،
اللهم إني أستخيرك برحمتك خيرة في عافية. ثم يقبض على قطعة من السبحة ويضمر حاجته
ان كان عدد تلك القطعة زوجا فهو افعل وان كان فردا لا تفعل أو بالعكس. ثم قال في
الذكرى وقال ابن طاوس (قدسسره) في كتاب الاستخارات وجدت بخط أخي الصالح الرضي الآوي
محمد بن محمد الحسيني ضاعف الله سيادته وشرف خاتمته ما هذا لفظه : عن الصادق (عليهالسلام) من أراد أن يستخير الله تعالى فليقرأ الحمد عشر مرات
وانا أنزلناه عشر مرات ثم يقول. وذكر الدعاء إلا انه قال عقيب «والمحذور» : اللهم
ان كان امرى هذا قد نيطت. وعقيب «سرورا» : يا الله اما
__________________
أمر فآتمر واما نهى فانتهى ، اللهم خير لي برحمتك خيرة في عافية «ثلاث مرات»
ثم يأخذ كفا من الحصى أو سبحة. انتهى.
بيان : قوله في
الدعاء المذكور «نيطت» من ناط الشيء بالشيء علقه به وربطه ، واعجاز الشيء
أواخره جمع عجز ، وبواديه أوله جمع بادية ، وبادئ الرأي أوله ، وحفه يحفه إذا
إحاطة قال الله عزوجل «حَافِّينَ مِنْ
حَوْلِ الْعَرْشِ» أى مستديرين ، والكرامة مصدر كرم ، و «خر لي» بمعنى
اجعل لي فيه الخير ، و «خيرة» بكسر الخاء المعجمة وسكون الياء اسم مصدر من قولك «خار
الله لك كذا» وأما «خيرة» بكسر الخاء وفتح الياء كعنبة فهو اسم من قولك «اختاره
الله» كما ورد في زيارته (صلىاللهعليهوآله) «السلام عليك يا خيرة الله» و «ترد» أى تغير وتحول ومن
ثم تعدى الى مفعولين ، و «شموس» على وزن فعول كصبور للمبالغة والماضي شمس بفتح
الميم يشمس على مثال كتب يكتب ، وشمس الفرس يشمس شماسا بكسر الشين وشموسا بضمها
بمعنى حزن ومنع ظهره أن يركب ، والذلول خلافه من الذل بالذال المعجمة مكسورة
ومضمومة ضد الصعوبة ، تقول ذل يذل إلا فهو ذلول ، والمعنى فخر لي خيرة تسهل صعبة
وتيسر عسيره ، و «تقعض» بالقاف والعين المهملة والضاد المعجمة على وزن يكتب مضارع «قعض»
مثال كتب بمعنى عطف ، قال في الصحاح قعضت العود عطفته كما تعطف عروش الكرم
والهودج.
أقول : وفي هذا
الباب استخاره غريبة لم أقف عليها إلا في كلام والدي (قدسسره) قال (طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه) في كتاب
السعادات : خيرة مروية عن الامام الناطق جعفر بن محمد الصادق (عليهالسلام) «يقرأ الحمد مرة والإخلاص ثلاثا ويصلى على محمد وآله
خمس عشرة مرة ثم يقول : اللهم إني أسألك بحق الحسين وجده وأبيه وامه وأخيه والأئمة
التسعة من ذريته ان تصلى على محمد وآل محمد وان تجعل لي الخيرة في هذه السبحة وأن
تريني ما هو أصلح لي في الدين والدنيا ، اللهم
__________________
ان كان الأصلح في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فعل ما أنا عازم عليه
فأمرني وإلا فانهني انك على كل شيء قدير. ثم يقبض قبضة من السبحة ويعدها «سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله» الى آخر القبضة ، فإن كان الأخير «سبحان الله»
فهو مخير بين الفعل والترك وان كان «الحمد لله» فهو أمر وان كان «لا إله إلا الله»
فهو نهى».
ثم قال (قدسسره) أقول : لا يخفى على المتأمل بعين البصيرة ان هذه
الاستخارة الشريفة أيضا تضمنت تقسيم الأمر المستخار فيه الى أمر ونهى ومخير
والأكثر في الاستخارات انما تضمنت الأمر والنهى ، بل هذه الرواية أيضا تضمنت ما
يقتضي الانحصار فيهما لقوله (عليهالسلام) «وإلا فانهني» ولم يذكر التخيير في الدعاء وذكره في
آخر الرواية ، والذي ينبغي ان يقال في وجه الجمع ان الأمر والنهى هنا ليس على
نحوهما في العبادات من البلوغ الى حد الوجوب والتحريم بل انه لمجرد الإرشاد
والاستصلاح ، إذ الغرض من الاستخارة طلب ما هو الأصلح والأنجح لما في الدخول في
الأمور والتهجم عليها من غير استخاره من احتمال تطرق المهالك وعدم الأمن من
المعاطب في جميع المسالك ، وأقله احتمال حرمان المطلوب وعدم الظفر بالأمر المحبوب
كما جاء في الخبر «من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال فلا يستخرنى». ولانه بعد الاستخارة يكون
آمنا من تطرق أسباب الحرمان وسالما من آفات العطب والخذلان ، فكان العمل
بالاستخارة أمرا راجحا وطريقا واضحا عند كل من له عقل سليم وذهن قويم ، وحيث كان
راجحا بترتب المنافع واندفاع المكاره ومرجوحا بالعكس من ذلك أو متساوي الطرفين بان
يكون الأمر ان الفعل والترك سواء في ترتب الأمرين كالأمر الذي يتخير فيه الإنسان
لا يخلو من الثلاثة الأقسام كما دلت عليه الرواية الشريفة وأما الروايات المنحصرة
في الأمر والنهى فالظاهر ان الأمر فيها ما يشمل الراجح والمساوي بأن يراد به القدر
الأعم أعني الأمن من الضرر سواء كان فيه مصلحة أو عدم مشقة أو انتفاء المفسدة فقط.
__________________
وبالجملة ان الأمر الخارج في هذه الاستخارة نص في رجحان الفعل المأمور به
واشتماله على المصلحة والمنفعة ، والتخيير فيها بمعنى مساواة الفعل والترك بلا
رجحان لأحدهما على الآخر ، والنهى نص في مرجوحية ذلك الأمر وعدم حصول مصلحة فيه
ووجود مفسدة واما الأمر في ذات الوجهين فقد عرفت انه القدر الأعم أعني الأمن من
الضرر سواء حصلت فيه مصلحة أم لا ، ومن ثم يجوز نظرا الى ذلك أخذ خيرة اخرى على
مقابل ذلك الأمر المأمور به ، فان خرجت أمرا كذلك دل على تساوى الأمرين والتخيير
بينهما ، وان خرجت نهيا دل على رجحان ذلك الأمر المأمور به أولا. وأما بالنظر الى
هذه الرواية المشتملة على الشقوق الثلاثة فلا ينبغي معاودة الخيرة في مقابل ما خرج
مطلقا لاشتمالها على التفصيل القاطع للاحتمال. والله العالم. انتهى كلامه طيب الله
مرقده وأعلى في جوار الأئمة مقعده.
فائدتان
الأولى ـ المستفاد
من الأخبار استحباب الاستخارة لكل شيء وتأكدها حتى في المستحبات ، وان الأفضل
وقوعها في الأوقات الشريفة والأماكن المنيفة والرضا بما خرجت به وان كرهته النفس.
ومما يؤكد هذا ما
رواه ابن طاوس بأسانيد عن الصادق (عليهالسلام) قال «كنا نتعلم الاستخارة كما نتعلم السورة من القرآن.
ثم قال ما أبالي إذا استخرت الله على أى جنبي وقعت» وفي رواية أخرى «على اى طريق
وقعت».
وروى البرقي في
المحاسن عن محمد بن مضارب قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) من دخل في أمر بغير استخاره ثم ابتلى لم يؤجر». ورواه
ابن طاوس بأسانيد عديدة وفيه دلالة على ذم تارك الاستخارة في الأمور التي يأتي
بها.
وروى في
المحاسن ايضا عنه (عليهالسلام) انه قال «قال الله عزوجل من شقاء
__________________
عبدي أن يعمل الأعمال فلا يستخيرني».
وروى في
المحاسن أيضا بإسناده عن عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) من أكرم الخلق على الله؟ قال أكثرهم ذكرا لله وأعملهم
بطاعته. قلت من أبغض الخلق الى الله؟ قال من يتهم الله. قلت واحد يتهم الله؟ قال
نعم من استخار الله فجاءته الخيرة بما يكره فسخط بذلك الذي يتهم الله».
وروى الشيخ في
التهذيب عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن على (عليهالسلام) قال : «قال الله عزوجل ان عبدي يستخيرني فأخير له فيغضب».
الثانية ـ المفهوم
من ظواهر الأخبار الواردة في الاستخارة ان صاحب الحاجة هو المباشر للاستخارة ولم
أقف على نص صريح أو ظاهر في الاستنابة فيها إلا ان من عاصرناهم من العلماء كلهم
على العمل بالنيابة.
ولم أقف أيضا
في كلام أحد من أصحابنا على من تعرض للكلام في ذلك إلا على كلام المحقق الشريف ملا
ابى الحسن العاملي المجاور بالنجف الأشرف حيا وميتا في شرحه على المفاتيح وشيخنا
ابى الحسن الشيخ سليمان البحراني في كتاب الفوائد النجفية.
أما الأول
منهما فإنه قال في بحث صلاة الاستخارة : ثم لا يخفى ان المستفاد من جميع ما مر ان
الاستخارة ينبغي أن تكون ممن يريد الأمر بأن يتصداها هو بنفسه ، ولعل ما اشتهر من
استنابة الغير على جهة الاستشفاع ، وذلك وان لم نجد له نصا إلا أن التجربات تدل
على صحته.
وأما الثاني
منهما فإنه قال : فائدة في جواز النيابة عن الغير في الاستخارة ، لم أقف على نص في
جواز النيابة ويمكن الاستدلال على ذلك بوجوه ، ثم ذكر وجوها عشرة أكثرها عليلة قد
اعترف بالطعن فيها وأقربها إلى الاعتبار وجوه أربعة (أحدها) ـ ما ذكره من قوله :
من القواعد ان كل ما يصح مباشرته يصح
__________________
التوكيل فيه إلا في مواضع مخصوصة ذكرها العلماء واختلفوا في أشياء منها
وليس هذا الموضع من تلك المواضع. و (ثانيها) ـ ما ذكره من أن العلماء في زماننا
مطبقون على استعمال ذلك ولم نجد أحدا من مشايخنا الذين عاصرناهم يتوقف فيه ونقلوا
عن مشايخهم نحو ذلك. ولعله كاف في مثل ذلك. و (ثالثها) ـ ان الاستخارة مشاورة لله
تعالى كما ورد به النص عن مولانا الصادق (عليهالسلام) ولا ريب أن المشاورة تصح النيابة فيها ، فان من استشار
أحدا فقد يستشير بنفسه وقد يكلف من يستشير له كما في استشارة على بن مهزيار للجواد
(عليهالسلام) و (رابعها) ان مشاورة المؤمن نوع من أنواع الاستخارة وقد ورد في رواية على
بن مهزيار ما هو صريح في النيابة فيها ولا فرق بين هذا النوع وغيره. الى ان قال (قدسسره) فهذه عشرة وجوه ومجموعها يصلح مدركا لمثل هذا الأمر
ومسلكا لهذا الشأن وان تطرق على بعضها المناقشة. والله العالم. انتهى كلامه زيد
مقامه.
أقول : ومما
خطر على البال في هذه الحال انه لا ريب ان الاستخارة بأي المعاني المتقدمة ترجع
الى الطلب منه سبحانه ، ولا ريب انه من المتفق عليه بين ذوي العقول وساعدت عليه
النقول عن آل الرسول (صلىاللهعليهوآله) هو أن من طلب حاجة من سلطان عظيم الشأن فإن الأنجح في
قضائها والأرجح في حصولها وإمضائها هو ان يوسط بعض مقربي حضرة ذلك السلطان في
التماسها منه بحيث يكون نائبا عن صاحب الحاجة في سؤالها من ذلك السلطان ، والنيابة
في الاستخارة منه سبحانه من هذا القبيل ، وهذا بحمد الله أوضح برهان على ذلك
ودليل. والله العالم.
الثانية ـ صلاة
يوم الغدير والعيد الكبير وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام.
__________________
رواها الشيخ في
التهذيب بسند فيه محمد بن موسى الهمداني ـ وهو مجروح عند علماء
الرجال ـ عن على بن الحسين العبدي قال : «سمعت أبا عبد الله الصادق (عليهالسلام) يقول صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا لو عاش
انسان ثم صام ما عمرت الدنيا لكان له ثواب ذلك ، وصيامه يعدل عند الله عزوجل في كل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات ، وهو
عيد الله الأكبر ، وما بعث الله عزوجل نبيا قط إلا وتعيد في هذا اليوم وعرف حرمته ، واسمه في
السماء يوم العهد المعهود وفي الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود ، ومن صلى
فيه ركعتين ـ يغتسل عند زوال الشمس من قبل ان تزول مقدار نصف ساعة يسأل الله عزوجل يقرأ في كل ركعة سورة الحمد وعشر مرات قل هو الله أحد
وعشر مرات آية الكرسي وعشر مرات إنا أنزلناه ـ عدلت عند الله عزوجل مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة ، وما سأل الله عزوجل حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيت له كائنة ما
كانت الحاجة وان فاتتك الركعتان والدعاء قضيتهما بعد ذلك ، ومن فطر فيه مؤمنا كان
كمن أطعم فئاما وفئاما. فلم يزل يعد الى أن عقد بيده عشرا ، ثم قال وتدري كم
الفئام؟ قلت لا. قال مائة ألف كل فئام كان له ثواب من أطعم بعددها من النبيين
والصديقين والشهداء في حرم الله عزوجل وسقاهم في يوم ذي مسغبة ، والدراهم فيه بألف ألف درهم.
قال لعلك ترى ان الله عزوجل خلق يوما أعظم حرمة منه لا والله لا والله لا والله. ثم
قال وليكن من قولكم إذا التقيتم أن تقولوا : الحمد لله الذي أكرمنا بهذا اليوم
وجعلنا من الموفين بعهده إلينا وميثاقه الذي واثقنا به من ولاية ولاة امره والقوام
بقسطه ولم يجعلنا من الجاحدين والمكذبين بيوم الدين. ثم قال وليكن من دعائك في دبر
هاتين الركعتين ان تقول ربنا اننا سمعنا مناديا. الدعاء الى آخره». وهو مذكور في
المصباح .
__________________
ويعضد هذا
الخبر ما رواه الشيخ في المصباح والشيخ المفيد وغيره عن داود بن كثير عن ابى هارون
العبدي قال : «دخلت على ابى عبد الله (عليهالسلام) في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة فوجدته صائما فقال لي
هذا يوم عظيم. الى أن قال فقيل له ما ثواب صوم هذا اليوم؟ قال انه يوم عيد وفرح
وسرور ويوم صوم شكرا لله وان صومه يعدل صوم ستين شهرا من الأشهر الحرم ، ومن صلى
فيه ركعتين أى وقت شاء وأفضله قرب الزوال وهي الساعة التي أقيم فيها أمير المؤمنين
(عليهالسلام) بغدير خم علما للناس. فمن صلى في ذلك الوقت ركعتين ثم
سجد يشكر الله مائة مرة ودعا بعقب الصلاة اجابه».
وكذا يؤيده ما
رواه ايضا عن زياد بن محمد عنه (عليهالسلام) وذكر الحديث في فضل هذا اليوم الى أن قال (عليهالسلام) «ينبغي لكم ان تتقربوا فيه الى الله عزوجل بالبر والصدقة والصلاة وصلة الرحم. الخبر».
وكذا ما رواه
فرات بن إبراهيم في تفسيره بإسناده عن فرات بن أحنف عنه (عليهالسلام) انه قال في فضل هذا اليوم «انه يوم عبادة وصلاة وشكر
لله. الخبر».
وما رواه ابن
طاوس في كتاب الإقبال عن المفضل عنه (عليهالسلام) انه قال في فضل هذا اليوم «انه ليوم صيام وقيام وإطعام
وصلة الأخوان».
والظاهر ان ما
ذكرناه من هذه الاخبار مع ما اشتهر من التسامح في أدلة السنن صار سببا في اشتهار
هذه الصلاة بين قدماء الأصحاب ومتأخريهم ، ولم يعبأوا بما ذكره الصدوق وشيخه محمد
بن الحسن بن الوليد على ما نقله عنه في باب صوم التطوع حيث انه بعد ان روى ثواب
صوم الغدير قال : واما خبر صلاة يوم غدير خم والثواب المذكور فيه لمن صامه فان
شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد (قدسسره) كان لا يصححه ويقول انه من طريق محمد بن موسى الهمداني
وكان غير ثقة
__________________
وكل ما لم يصححه ذلك الشيخ ولم يحكم بصحته من الأخبار فهو عندنا متروك غير
صحيح. واعترضه المحقق في المعتبر بأنه قد وردت في هذه الصلاة روايات منها رواية
داود بن كثير. وفيه انك قد عرفت ان الرواية المذكورة لم تشتمل على هذه الصلاة كما
ادعاه وانما دلت على صلاة ركعتين مطلقا ، لكن ربما يشير الى ذلك أفضلية قرب الزوال
كما تضمنته رواية العبدي مما يعلم هي من المؤيدات كما ذكرناه.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه نقل في المختلف عن ابى الصلاح انه قال في صفة صلاة الغدير : ومن وكيد
السنة الاقتداء برسول الله (صلىاللهعليهوآله) في يوم الغدير وهو الثامن عشر من ذي الحجة الحرام
بالخروج الى ظاهر المصر وعقد الصلاة قبل أن تزول الشمس بنصف ساعة لمن تتكامل له
صفات إمامة الجماعة بركعتين ، ويقرأ في كل ركعة منهما الحمد وسورة الإخلاص عشرا
وسورة القدر عشرا وآية الكرسي عشرا ويقتدى به المؤتمون وإذا سلم دعا بدعاء هذا
اليوم ومن صلى خلفه. وليصعد المنبر قبل الصلاة فيخطب خطبة مقصورة على حمد الله
والثناء عليه والصلاة على محمد وآله الطاهرين والتنبيه على عظم حرمة يومه وما أوجب
الله فيه من امامة أمير المؤمنين (عليهالسلام) والحث على امتثال أمر الله سبحانه ورسوله ، ولا يبرح
أحد من المأمومين والامام يخطب فإذا انقضت الخطبة تصافحوا وتهانئوا وتفرقوا.
انتهى.
أقول : وهذا
الكلام قد دل على جملة من الأحكام منها ما ذكر في كلام علمائنا الأعلام ومنها ما
لم يذكر في هذا المقام ولا علم من نصوصهم (عليهمالسلام) فمنها ـ القراءة والظاهر انه لا خلاف في تقديم التوحيد
بعد الحمد وانما الخلاف في آية الكرسي و «انا أنزلناه» وتقديم إحداهما على الأخرى
، والنص وان كان العطف فيه بالواو التي هي لمطلق الجمع إلا ان الترتيب الذكرى وقع
بتقديم آية الكرسي على «انا أنزلناه» وبه صرح ابن إدريس ، ثم نقل ان بالعكس أيضا
رواية قال على ما نقله عنه في المختلف : يقرأ في كل واحدة منهما الحمد مرة و «قل
هو الله أحد» عشر مرات وآية الكرسي عشر مرات و «انا أنزلناه» عشر مرات ، وروى
ان آية الكرسي تكون أخيرا وقبلها «إنا أنزلناه» قال في المختلف : وهذا يدل
على ان الواو قصد بها هنا الترتيب. والشيخ رتب كترتيبه بالواو وكذا سلار. وأما أبو
الصلاح وابن البراج وكذا الشيخ المفيد فإنهم قالوا يقرأ في كل واحدة منهما الحمد
مرة وسورة الإخلاص عشر مرات و «انا أنزلناه» عشر مرات وآية الكرسي عشر مرات. قال
في المختلف : فان قصدوا بالواو هنا الترتيب صارت المسألة خلافية وإلا فلا. وكيف
كان فالأحوط الإتيان بالترتيب الذي اشتملت عليه الرواية لاحتمال كون الترتيب
الذكرى فيه منظورا لحكمة لا نعلمها وان عبر فيه بالواو فان مثله في كلامهم (عليهمالسلام) غير عزيز.
ومنها ـ ذكر
الجماعة في هذه الصلاة والخطبة والخروج الى الصحراء ، ولهذا قال العلامة في
المختلف بعد نقل عبارته المذكورة : ولم يصل إلينا حديث يعتمد عليه يتضمن الجماعة
فيها ولا الخطبة بل الذي ورد صفة الصلاة والدعاء بعدها.
أقول : من
المحتمل قريبا انه أخذ الخطبة من فعل النبي (صلىاللهعليهوآله) يوم غدير خم فإنه خطب في ذلك اليوم وأمرهم بالتصافح
وان يهنّئ بعضهم بعضا وأخذ الصحراء من كونه (صلىاللهعليهوآله) كان ذلك اليوم في الصحراء.
واما ذكره
الصلاة جماعة فلا نعرف له مستندا أصلا بل سيأتي في باب صلاة الجماعة ان شاء الله
تعالى ما يظهر منه كونها بدعة محرمة.
واما ما تشبث
به بعض المتأخرين ـ من الاستدلال على الجماعة في هذه الصلاة بأمره (صلىاللهعليهوآله) ان ينادى في الناس «الصلاة جامعة» ـ
ففيه أولا ـ أن
الأخبار الواردة في يوم الغدير خالية من ذكر هذه الصلاة في ذلك الموضع.
__________________
وثانيا ـ ان
النداء بهذه العبارة كان متعارفا في طلب اجتماع الناس وإعلامهم بذلك ليحضروا وان
لم تكن ثمة صلاة كما لا يخفى على من جاس خلال الديار وتصفح الأخبار. ومن المحتمل
ان مذهب ابى الصلاح القول بجواز الجماعة في غير الفريضة مطلقا فذكرها في هذه الصلاة
بناء على ذلك. والله العالم.
الثالثة ـ صلاة
أول ذي الحجة كذا ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم)
ولا يخفى انه
محتمل لأمرين (أحدهما) أن يكون المراد به ما ذكره الشيخ في المصباح حيث قال : ويستحب فيه ـ يعني في أول ذي الحجة ـ صلاة
فاطمة (عليهاالسلام). ثم روى انها اربع ركعات مثل صلاة أمير المؤمنين (عليهالسلام) كل ركعة بالحمد مرة وخمسين مرة «قل هو الله أحد». إلا
ان الشيخ نقل قبل كلامه هذا ان ذلك اليوم يوم تزويج فاطمة (عليهاالسلام) فمن المحتمل قريبا أن نقل الشيخ هذه الصلاة لأجل
التناسب لا لرواية تدل عليه ، وهذا فهمه الكفعمي حيث قال : وفي أول يوم من ذي الحجة تزوج على بفاطمة (عليهماالسلام) فصل فيه صلاة فاطمة (عليهاالسلام). وعلى هذا فلا وجه لذكر هذه الصلاة سيما ان كثيرا منهم
عد صلاة فاطمة (عليهاالسلام) مع هذه الصلاة.
وثانيهما ـ أن
يكون المراد به ما نقله شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في البحار من ورود بعض
الأخبار بصلاة ركعتين في هذا اليوم قبل الزوال بنصف ساعة بكيفية صلاة الغدير. ولعل
هذا الاحتمال أوفق بالعد في هذا المقام وان كان لم يذكر هذه الصلاة أكثر علمائنا
الأعلام (رضوان الله عليهم).
الرابعة ـ صلاة
يوم المبعث وصلاة ليلته ، أما صلاة اليوم فقد رواها ثقة الإسلام في الكافي عن على
بن محمد رفعه قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) يوم سبعة
__________________
وعشرين من رجب نبئ فيه رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من صلى فيه أى وقت شاء اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل
ركعة بأم القرآن وسورة ما تيسر فإذا فرغ وسلم جلس مكانه ثم قرأ أم القرآن اربع
مرات والمعوذات الثلاث كل واحدة أربع مرات فإذا فرغ وهو في مكانه قال : «لا إله
إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله» اربع مرات
ثم يقول : الله الله ربى لا أشرك به شيئا (أربع مرات) ثم يدعو فلا يدعو بشيء إلا
استجيب له. الخبر».
وقد روى هذه
الرواية الشيخ نقلا من الكافي والشيخ المفيد في المقنعة وكتاب مسار
الشيعة لكن بدون قوله «والمعوذات الثلاث كل واحدة أربع مرات». وكأنه سقط من القلم
، لان الشيخ روى هذه الصلاة بعينها في المصباح مع ما يقرأ بعدها عن الريان بن الصلت عن ابى جعفر
الثاني (عليهالسلام) بما هذه صورته قال : «صام أبو جعفر (عليهالسلام) لما كان ببغداد يوم النصف من رجب ويوم سبع وعشرين منه
وصام معه جميع حشمه وأمرنا أن نصلي هذه الصلاة التي هي اثنتا عشرة ركعة تقرأ في كل
ركعة الحمد وسورة فإذا فرغت قرأت الحمد أربعا و «قل هو الله أحد» أربعا والمعوذتين
أربعا وقلت : لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة
إلا بالله العلى العظيم (أربعا) الله الله ربى لا أشرك به شيئا (أربعا) لا أشرك
بربي أحدا (أربعا). ومن هذه الرواية يعلم ان المراد بالمعوذات الثلاث في الرواية
المتقدمة هي التوحيد مع المعوذتين.
واما صلاة ليلة
المبعث فهي أيضا اثنتا عشرة ركعة ، والظاهر ان المستند فيها ما ذكره الشيخ في
المصباح في ليلة النصف من رجب حيث روى عن داود بن سرحان عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) قال «تصلى ليلة النصف من رجب اثنتي عشرة ركعة تقرأ في
كل ركعة الحمد وسورة فإذا فرغت من الصلاة قرأت بعد ذلك الحمد والمعوذتين وسورة
__________________
الإخلاص وآية الكرسي أربع مرات وتقول بعد ذلك : سبحان الله والحمد لله ولا
إله إلا الله والله أكبر (أربع مرات) ثم تقول : الله الله ربى لا أشرك به شيئا ما
شاء الله لا قوة إلا بالله العلى العظيم وتقول في ليلة سبع وعشرين مثله».
قال بعض
مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين : والظاهر ان قوله «وتقول. الى آخره» من
تتمة الحديث وان المراد مجموع الصلاة والأقوال ، وعلى هذا فهي كصلاة يومه والتفاوت
اليسير في الذكر وكذا زيادة آية الكرسي غير مناف في أمثال هذه الأشياء. انتهى.
وفيه ان ظاهر هذه العبارة بناء على تسليم كونها من الحديث انما هو قول هذه الأذكار
لا نفس الصلاة.
والأظهر ان
المراد بصلاة الليلة المذكورة انما هو ما رواه الشيخ في المصباح ايضا مرسلا عن ابى جعفر الثاني (عليهالسلام) انه قال «ان في رجب لليلة هي خير مما طلعت عليه الشمس
وهي ليلة سبع وعشرين من رجب نبئ رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في صبيحتها وان للعامل فيها من شيعتنا أجر عمل ستين
سنة. قيل له وما العمل فيها أصلحك الله؟ قال إذا صليت العشاء الآخرة وأخذت مضجعك
ثم استيقظت أي ساعة شئت من الليل الى قبل الزوال صليت اثنتي عشرة ركعة تقرأ في كل
ركعة الحمد وسورة من خفاف المفصل الى الجحد فإذا سلمت في كل شفع جلست بعد التسليم
وقرأت الحمد سبعا والمعوذتين سبعا «وقل هو الله أحد» و «قل يا ايها الكافرون» سبعا
سبعا «وانا أنزلناه وآية الكرسي سبعا سبعا ، وقل بعقب ذلك الدعاء.». وذكر الدعاء.
وروى الشيخ في
المصباح ايضا عن صالح بن عقبة عن ابى الحسن موسى ابن جعفر (عليهالسلام) انه قال : «صل ليلة سبع وعشرين من رجب أى وقت شئت من
الليل اثنتي عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد والمعوذتين وقل هو الله أحد (أربع
مرات) فإذا فرغت قلت وأنت في مكانك اربع مرات : لا إله إلا الله والله أكبر والحمد
لله
__________________
وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم ادع بعد ذلك بما شئت». والعمل
بكل من الروايتين حسن ان شاء الله تعالى.
الخامسة ـ صلاة
ليلة النصف من شعبان ، وقد ورد في هذه الليلة صلوات عديدة : منها ـ ما رواه
الكليني مرفوعا عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا كان ليلة النصف من شعبان فصل اربع ركعات
تقرأ في كل ركعة الحمد مرة و «قل هو الله أحد» مائة مرة فإذا فرغت فقل : اللهم إني
إليك فقير. الدعاء». ورواه الشيخ المفيد في كتاب مسار الشيعة مرسلا ورواه الشيخ في التهذيب عن الكليني وفي المصباح عن أبي
يحيى الصنعاني عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهماالسلام) ثم قال ورواه عنهما ثلاثون رجلا ممن يوثق بهم.
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في المصباح عن أبي يحيى عن ابى عبد الله ورواه ايضا ابنه في أماليه
بإسناد متصل عن أبي يحيى عنه (عليهالسلام) قال : «سئل الباقر (عليهالسلام) عن فضل ليلة النصف من شعبان ، وذكر فضائل تلك الليلة
الى ان قال أبو يحيى فقلت لسيدنا الصادق (عليهالسلام) وأي شيء أفضل الأدعية؟ فقال إذا أنت صليت العشاء
الآخرة فصل ركعتين تقرأ في الأولى الحمد وسورة الجحد واقرأ في الركعة الثانية
الحمد وسورة التوحيد فإذا أنت سلمت قلت : «سبحان الله» ثلاثا وثلاثين مرة و «الحمد
لله» ثلاثا وثلاثين مرة و «الله أكبر» أربعا وثلاثين مرة ثم قل.». وذكر الدعاء وهو
مذكور في المصباح.
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في المصباح ايضا عن عمرو بن ثابت عن محمد بن مروان عن الباقر (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من صلى ليلة النصف من شعبان مائة ركعة وقرأ في كل ركعة
الحمد مرة و «قل هو الله أحد» عشر مرات لم يمت حتى يرى منزله في الجنة أو يرى له».
ومنها ـ ما
رواه أيضا في المصباح عن محمد بن صدقة العنبري قال حدثنا
__________________
موسى بن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) قال : «الصلاة ليلة النصف من شعبان اربع ركعات تقرأ في
كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد مائتين وخمسين مرة ثم تدعو بعد التسليم.». وذكر
الدعاء ثم روى صلوات آخر من طرق العامة والعمل بكل من هذه الروايات حسن والجمع أحسن.
السادسة ـ صلاة
الهدية وهي التي تجعل هدية للمعصومين (عليهمالسلام) يعني النبي (صلىاللهعليهوآله) والزهراء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين).
والظاهر ان
المراد بها ما رواه الشيخ في المصباح حيث قال : روى عنهم (عليهمالسلام) انه يصلى العبد في يوم الجمعة ثماني ركعات : أربعا
يهدى الى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وأربعا يهدى الى فاطمة الزهراء (عليهاالسلام) ويوم السبت اربع ركعات تهدى الى أمير المؤمنين (عليهالسلام) ثم كذلك كل يوم الى واحد من الأئمة (عليهمالسلام) الى يوم الخميس أربع ركعات تهدى الى جعفر بن محمد (عليهماالسلام) ثم في يوم الجمعة أيضا ثماني ركعات أربع ركعات تهدى
الى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وأربع ركعات إلى فاطمة (عليهاالسلام) ثم يوم السبت أربع ركعات تهدى الى موسى بن جعفر (عليهالسلام) ثم كذلك الى يوم الخميس أربع ركعات تهدى الى صاحب
الزمان (عليهالسلام).
ويحتمل أن يكون
مرادهم بها ما رواه السيد رضى الدين بن طاوس في كتاب جمال الأسبوع قال : حدثنا أبو محمد الصيمري عن احمد بن عبد الله
البجليّ بإسناده يرفعه إليهم (عليهمالسلام) قال : «من جعل ثواب صلاته لرسول الله (صلىاللهعليهوآله) وأمير المؤمنين (عليهالسلام) والأوصياء من بعده (عليهمالسلام) أضعف الله ثواب صلاته أضعافا مضاعفة حتى ينقطع النفس
ويقال له قبل أن تخرج روحه من جسده يا فلان هديتك إلينا وألطافك لنا فهذا يوم
مجازاتك ومكافاتك فطب نفسا وقر عينا بما أعد الله لك وهنيئا لك بما صرت اليه. فقلت
كيف يهدى صلاته ويقول؟ قال
__________________
ينوي ثواب صلاته لرسول الله (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (عليهمالسلام) ولو أمكنه أن يزيد على صلاة الخمسين شيئا ولو ركعتين
في كل يوم ويهديها الى واحد منهم : يفتتح الصلاة في الركعة الأولى مثل افتتاح صلاة
الفريضة بسبع تكبيرات أو ثلاث مرات أو مرة في كل ركعتين ويقول بعد تسبيح الركوع
والسجود ثلاث مرات : «صلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين» في كل ركعة فإذا
تشهد وسلم قال : اللهم أنت السلام ومنك السلام. الى آخر الدعاء».
السابعة ـ صلاة
الحاجة ، وصلاة الحاجة كثيرة مذكورة في الكتب الأربعة وغيرها لا سيما مصباحي الشيخ
والكفعمي ، ولنذكر منها واحدة مشتملة على صلاة الهدية لرسول الله (صلىاللهعليهوآله).
وهي ما رواه
ثقة الإسلام والصدوق (عطر الله مرقديهما) بسند موثق عن عبد الرحيم القصير وهو مجهول قال : «دخلت على ابى عبد الله (عليهالسلام) فقلت له جعلت فداك انى اخترعت دعاء قال دعني من
اختراعك إذا نزل بك أمر فافزع الى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وصل ركعتين تهديهما الى رسول الله (صلىاللهعليهوآله). قلت كيف أصنع؟ قال تغتسل وتصلى ركعتين تستفتح بهما
افتتاح الفريضة وتشهد تشهد الفريضة فإذا فرغت من التشهد وسلمت قلت : اللهم أنت
السلام ومنك السلام وإليك السلام يرجع السلام اللهم صل على محمد وآل محمد وبلغ روح
محمد منى السلام وأرواح الأئمة الصادقين سلامي واردد على منهم السلام والسلام
عليهم ورحمة الله وبركاته ، اللهم ان هاتين الركعتين هدية منى الى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فأثبني عليهما ما أملت ورجوت فيك وفي رسولك يا ولي
المؤمنين. ثم تخر ساجدا وتقول : يا حي يا قيوم يا حي لا يموت يا حي لا إله إلا أنت
يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين (أربعين مرة) ثم ضع خدك الأيمن فتقولها
أربعين مرة ثم ضع خدك الأيسر فتقولها أربعين مرة ثم ترفع رأسك وتمد يدك وتقول ذلك
أربعين مرة ثم تردد يدك الى رقبتك
__________________
وتلوذ بسبابتك وتقول ذلك أربعين مرة ثم خذ لحيتك بيدك اليسرى وابك أو تباك
وقل : يا محمد يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أشكو الى الله وإليك حاجتي والى أهل بيتك الراشدين
حاجتي وبكم أتوجه الى الله في حاجتي. ثم تسجد وتقول : يا الله يا الله ـ حتى ينقطع
نفسك ـ صل على محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا. قال أبو عبد الله (عليهالسلام) فانا الضامن على الله ان لا يبرح حتى تقضى حاجته».
وقد ورد في
اخبار عديدة الاكتفاء بمطلق الصلاة والدعاء في طلب الحاجة كما في موثقة الحارث بن
المغيرة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا أردت حاجة فصل ركعتين وصل على محمد وآل محمد
وسل تعطه».
ويظهر من بعضها
استحباب أن يكون ذلك في الأماكن المشرفة كما في صحيحة الحلبي قال : «شكى رجل حاله الى ابى عبد الله (عليهالسلام) فأمره أن يأتي مقام رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بين القبر والمنبر فيصلي ركعتين. الخبر». وفي رواية
أخرى «وان شئت ففي
بيتك». وفي روايات عديدة الأمر بدخول المسجد والصلاة والدعاء.
ويظهر من بعضها
اشتراط الإقلاع من الذنوب كما في رواية يونس بن عمار قال «شكوت الى ابى عبد الله (عليهالسلام) رجلا كان يؤذيني فقال لي ادع عليه فقلت قد دعوت عليه
فقال ليس هكذا ولكن أقلع عن الذنوب وصم وصل وتصدق فإذا كان آخر الليل فأسبغ الوضوء
ثم قم فصل ركعتين وادع. الخبر». ومنه يظهر استحباب كون ذلك في الأوقات الشريفة
وبعد الصوم والصلاة ، ويؤيده غيره من الأخبار ايضا.
الثامنة ـ صلاة
الشكر وهي التي تستحب عند تجدد النعمة ومن ذلك لبس الثوب الجديد :
__________________
روى ثقة
الإسلام والصدوق في الخصال عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) إذا كسا الله المؤمن ثوبا جديدا فليتوضأ وليصل ركعتين
يقرأ فيهما أم الكتاب وآية الكرسي و «قل هو الله أحد» و «انا أنزلناه» ثم ليحمد
الله الذي ستر عورته وزينه في الناس ، وليكثر من قول «لا حول ولا قوة إلا بالله
العلى العظيم» فإنه لا يعصى الله فيه وله بكل سلك فيه ملك يقدس له ويستغفر له ويترحم
عليه».
وروى الكليني
عن هارون بن خارجة الثقة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال في صلاة الشكر إذا أنعم الله عليك بنعمة فصل
ركعتين تقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب و «قل هو الله أحد» وتقرأ في الثانية بفاتحة
الكتاب و «قل يا ايها الكافرون» وتقول في الركعة الأولى في ركوعك وسجودك : الحمد
لله شكرا شكرا وحمدا ، وتقول في الركعة الثانية في ركوعك وسجودك : الحمد لله الذي
استجاب دعائي وأعطاني مسألتي».
ومن الروايات
الواردة في الصلاة عند لبس الثوب الجديد ما رواه الصدوق في المجالس وفي ثواب
الأعمال وما في أمالي الشيخ (قدسسره) وفي كتاب كشف الغمة .
التاسعة ـ صلاة
تحية المسجد وهي ما رواه الصدوق في الفقيه عن الصادق (عليهالسلام) في حديث المناهي قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا تجعلوا المساجد طرقا حتى تصلوا فيها ركعتين».
وما رواه في
معاني الأخبار والخصال بإسناده عن ابى ذر (رضى الله عنه)
__________________
قال : «دخلت على رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وهو في المسجد جالس فقال يا أبا ذر ان للمسجد تحية.
قلت وما تحيته؟ قال ركعتان تركعهما. الخبر». ورواه الشيخ أيضا في كتاب المجالس
بإسناده عن ابى ذر (رضى الله عنه) في وصية النبي (صلىاللهعليهوآله) .
والمشهور ان
هذه الصلاة قبل الجلوس استحبابا ، وهو الظاهر من فحاوي الاخبار وان لم تدل عليه
صريحا. قالوا ويكفى فيها الفريضة أو نافلة غيرها.
العاشرة ـ صلاة
هدية الميت ليلة الدفن وهذه الصلاة لم نظفر بها في كتب الأخبار مسندة عن أحد
الأئمة الأبرار (صلوات الله عليهم) وانما رواها الكفعمي في مصباحه من كتاب الموجز لابن فهد وهو نقلها عن النبي (صلىاللهعليهوآله).
قال «قال رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) لا يأتي على الميت أشد من أول ليلة فارحموا موتاكم
بالصدقة فان لم تجدوا فليصل أحدكم ركعتين : يقرأ في الأولى الحمد وآية الكرسي وفي
الثانية الحمد والقدر عشرا فإذا سلم قال : اللهم صل على محمد وآل محمد وابعث
ثوابهما الى قبر فلان. فإنه تعالى يبعث من ساعته الف ملك الى قبره مع كل ملك ثوب
وحلة. الخبر».
قال وفي رواية
أخرى «يقرأ بعد
الحمد التوحيد مرتين في الأولى وفي الثانية بعد الحمد التكاثر عشرا ثم الدعاء المذكور».
ثم نقل الكفعمي عن والده رواية ثالثة مثل الرواية الثانية لكن بزيادة آية الكرسي مرة في
الركعة الأولى.
وروى هذه
الصلاة السيد رضى الدين بن طاوس في كتاب فلاح السائل عن حذيفة بن اليمان عن النبي (صلىاللهعليهوآله) بالرواية الثانية.
وأما ما اشتهر
الآن بين الناس من استحباب أربعين رجلا يصلون هذه الصلاة ليلة الدفن فلم أقف له
على مستند ولا قول معتمد.
__________________
والذي يقرب عندي
ان أخبار هذه الصلاة انما هي من روايات العامة واليه يشير كلام بعض مشايخنا المعاصرين حيث قال : وهذه
الصلاة وان لم يظهر كونها مروية من طريق أهل البيت (عليهمالسلام) لكن يعضدها ما ورد من الأخبار الدالة على انتفاع الميت
من الأعمال الصالحة بفعل غيره وعلى التأكيد في ذلك ، وهي متفرقة في أبواب الوقوف
والصدقات والصلاة والحج والصوم والجنائز ، ثم ذكر من ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح
عن عمر بن يزيد الثقة الجليل قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أيصلى على الميت؟ قال نعم حتى انه يكون في ضيق فيوسع
الله عليه ذلك الضيق ثم يؤتى فيقال له خفف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك». ثم
نقل جملة من الأخبار التي من هذا الباب وستأتي ان شاء الله تعالى في باب القضاء عن
الميت.
أقول : والحكم
عندي لا يخلو من نوع اشكال ، فان ما ذكره وان كان كذلك من حيث الإهداء للميت لكن
شرعية هذه الصلاة على هذا الوجه المخصوص من الكيفية والزمان وكمية العدد المشهور
فيها ونحو ذلك لما لم يثبت من طريق أهل البيت (عليهمالسلام) فهو لا يخلو من احتمال البدعية وعدم المشروعية ، فإن
العبادة وان كانت من حيث كونها عبادة راجحة ومستحبة لكن لو انضم الى ذلك أمر آخر
من التخصيص بكيفية مخصوصة أو زمان مخصوص أو نحو ذلك من المشخصات مع عدم ثبوت ذلك
شرعا فإنه يكون تشريعا ، ألا ترى ان الأخبار قد استفاضت بتحريم صلاة الضحى مع كونها صلاة والصلاة خير موضوع إلا انه لما انضم الى
__________________
ذلك تخصيص استحبابها بهذا الوقت المخصوص والعدد المخصوص ونحو ذلك من
الخصوصيات مع عدم ثبوت ذلك شرعا حصلت الحرمة وصارت بدعة ، والحكم كذلك في هذه
الصلاة مع عدم ثبوت مشروعيتها على هذا الوجه المذكور عن أهل البيت (عليهمالسلام) واحتمال كون تلك الأخبار من طرق العامة كما لا يخفى. والله
العالم.
الحادية عشرة ـ
صلاة الاستطعام أي الصلاة له عند الجوع رواها الكليني والشيخ عن شعيب العقرقوفي قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) من جاع فليتوضأ وليصل ركعتين ثم يقول : يا رب انى جائع
فأطعمني. فإنه يطعم من ساعته».
الثانية عشرة ـ
صلاة الحبل بمعنى أن يطلب ان يحبل له رواها الشيخ والكليني عن محمد بن مسلم عن ابى
جعفر (عليهالسلام) قال : «من أراد أن يحبل له فليصل ركعتين بعد الجمعة
يطيل فيهما الركوع والسجود ثم يقول : اللهم إني أسألك بما سألك به زكريا إذ قال رب
لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ، اللهم هب لي ذرية طيبة إنك سميع الدعاء اللهم
باسمك استحللتها وفي أمانتك أخذتها فإن قضيت لي في رحمها ولدا فاجعله غلاما ولا
تجعل للشيطان فيه نصيبا ولا شركا».
الى غير ذلك من
الصلوات المذكورة في كتب الدعاء كالمصباح للشيخ ومصباح الكفعمي وغيرهما ومن أرادها
فليرجع إليها ، والاشتغال بغيرها مما هو أهم في المقام اولى من التطويل بذكرها
زيادة على ما ذكرنا. والله العالم.
تم الجزء
العاشر من كتاب الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة
ويتلوه الجزء
الحادي عشر والحمد لله أولا وآخرا
__________________
فهرس الجزء المعاشر
من كتاب الحدائق
الناظرة
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
هل يعتبر البلوغ في إمام الجماعة؟
|
٢
|
مناقشة القول بان العدالة مجرد
الاسلام
|
٢٠
|
اعتبار العقل في إمام الجماعة
|
٤
|
القول بان العدالة حسن الظاهر
|
٢٣
|
امامة الادوارى في حال الافاقة
|
٤
|
الاصل في المسلم العدالة أو الفسق أو
التوقف؟
|
٢٤
|
اعتبار الايمان في إمام الجماعة
|
٤
|
صحيحة ابن ابى يعفور الواردة في
العدالة
|
٢٥
|
طهارة مولد إمام الجماعة
|
٦
|
ما يستفاد من صحيحة ابن ابى يعفور
|
٢٦
|
ذكورة إمام الجماعة للرجال
|
٧
|
الاخبار الدالة على ان العدالة حسن
الظاهر
|
٣٠
|
سلامة إمام الجماعة من البرص والجذام
|
٧
|
اخبار الاكتفاء في العدالة بمجرد
الاسلام والجواب عنها
|
٣٤
|
الصلاة خلف المحدود والاعرابى
|
٩
|
رد الاستدلال على كفاية شهادة المسلم
|
٤١
|
الصلاة خلف المحدود والاعرابى
|
١٠
|
توجيه خبرى ابن المغيرة والبزنطى
|
٤٤
|
تعريف العدالة بانها ملكة تبعث على
ملازمة التقوى والمروءة
|
١٢
|
الكبائر وعددها
|
٤٦
|
تعريف التقوى
|
١٣
|
اطلاق الصغير على بعض المعاصى حقيقة
أو مجاز؟
|
٥١
|
ابن ادريس في كلام الامامية
|
١٤
|
|
|
تعريف المروءة
|
١٥
|
|
|
هل تعتبر المروءة في العدالة؟
|
١٧
|
|
|
ما يوهم اعتبار المروءة في العدالة
|
١٨
|
|
|
القول بان العدالة الاسلام وعدم ظهور
الفسق
|
١٨
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
هل يكفى في رجوع العدالة اظهار التوبة؟
|
٥٦
|
الفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة
|
٨٦
|
العدالة في الحاكم الشرعى أخص من
العدالة في غيره
|
٥٨
|
الطمأنينة والسكوت حال الجلوس بين
الخطبتين
|
٨٨
|
هل يجوز لمن يعلم من نفسه الفسق
الدخول في ما يشترط بالعدالة؟
|
٦٦
|
ما تشتمل عليه الخطبتان
|
٨٩
|
اعتبار العدد في صلاة الجمعة
|
٧٢
|
هل يعتبر في التحميد في الخطبتين صيغة
خاصة؟
|
٩٣
|
أقل العدد المعتبر في وجوب الجمعة
|
٧٣
|
الترتيب في الخطبة
|
٩٤
|
العدد معتبر في الابتداء لافى
الاستدامة
|
٧٧
|
هل تجب العربية في الخطبة؟
|
٩٤
|
هل يكفى احرام الامام في وجوب الاتمام
جمعة؟
|
٧٨
|
كلام المجلسى ورواية الصدوق في ما
تشتمل عليه الخطبتان
|
٩٥
|
نقص العدد قبل الاحرام
|
٧٩
|
هل يجب الاصغاء للخطبة ويحرم الكلام
حالها؟
|
٩٦
|
تبدل الاشخاص بعد الاحرام
|
٧٩
|
فروع في المقام
|
١٠٠
|
تصوير بقاء الوجوب بعد نقص العدد
المعتبر فيه
|
٨٠
|
هل يجب في الخطيب الطهارة من الحدث؟
|
١٠١
|
الخطبتان شرط في انعقاد الجمعة
|
٨١
|
هل يجب الاسماع في الخطبة؟
|
١٠٣
|
تقديم الخطبتين على الصلاة في الجمعة
|
٨٢
|
وقت الخطبة.
|
١٠٣
|
وجوب القيام حال الخطبة
|
٨٤
|
هل يجب حضور العدد في الخطبة؟
|
١٠٩
|
لو خطب جالسا " مع القدرة
|
٨٥
|
وقت اذان الجمعة
|
١٠٩
|
هل تجب الطمأنينة في قيام الخطبة؟
|
٨٥
|
سلام الخطيب بعد ركوب المنبر
|
١١٠
|
هل يجب اتحاد الخطيب والامام؟
|
٨٥
|
سائر آداب الخطبة
|
١١١
|
|
|
اشتراط الجماعة في الجمعة
|
١١٢
|
|
|
لو بان ان الامام محدث
|
١١٢
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
لو عرض للامام عارض
|
١١٣
|
الشك في السبق والاقتران
|
١٣٣
|
لو زوحم المأموم عن السجود في الركعة
الاولى.
|
١١٤
|
أول وقت الجمعة
|
١٣٣
|
الغفلة عن نية كون السجود للركعة
الاولى أو الثانية
|
١١٧
|
آخر وقت الجمعة
|
١٣٤
|
لو سجد ولحق الامام راكعا "
|
١١٨
|
لو خرج وقت الجمعة وقد تلبس بها
|
١٤٠
|
لو لم يتمكن من السجود في ثانية
الامام ايضا "
|
١١٩
|
لو تيقن أو ظن قبل الدخول ان الوقت لا
يسع الجمعة
|
١٤٢
|
لو زوحم عن الركوع والسجود معا "
|
١١٩
|
اصالة بقاء الوقت في عبارة المدارك
|
١٤٤
|
لو زوحم عن ركوع الاولى
|
١٢٠
|
الايراد على صاحب المدارك
|
١٤٥
|
تدرك الجمعة بادراك ركعة مع الامام
|
١٢٠
|
لو صلى من عليه الجمعة الظهر
|
١٤٦
|
ما تدرك به الركعة
|
١٢١
|
الاخبار في من تجب عليه الجمعة
|
١٤٦
|
المعتبر في ادراك ركوع الامام
الاجتماع معه في قوس الراكع
|
١٢٧
|
اعتبار البلوغ والعقل في وجوب الجمعة
|
١٤٨
|
لو شك بعد الركوع في ان الامام كان
راكعا "
|
١٢٨
|
اعتبار الذكورة في وجوب الجمعة
|
١٤٨
|
اعتبار وحدة الجمعة
|
١٢٨
|
اتفاق الجمعة في نوبة المبعض المهايا
|
١٤٩
|
وقوع جمعتين في فرسخ وسبق احداهما
|
١٢٩
|
هل على المملوك الجمعة لو امره مولاه؟
|
١٤٩
|
وقوع جمعتين في فرسخ واقترانهما
|
١٣٠
|
اعتبار الحضر في وجوب الجمعة
|
١٤٩
|
اشتباه الجمعة السابقة بغيرها
|
١٣٢
|
اعتبار عدم العمى والمرض في وجوب
الجمعة
|
١٥٠
|
|
|
اعتبار عدم الشيخوخة في وجوب الجمعة
|
١٥١
|
|
|
اعتبار عدم المطر في وجوب الجمعة
|
١٥١
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
اعتبار عدم البعد باكثر من فرسخين في
وجوب الجمعة
|
١٥٢
|
المتعاقدين
|
١٧٦
|
هل تجزئ الجمعة من المكلف الذكر الذى
لا تجب عليه؟
|
١٥٤
|
هل تستلزم الحرمة الفساد؟
|
١٧٦
|
لا تنعقد الجمعة بالمرأة
|
١٥٤
|
اذان الثانى يوم الجمعة بدعة
|
١٧٨
|
هل تجب الجمعة على المرأة لو حضرت؟
|
١٥٧
|
تفسير الاذان الثانى
|
١٨١
|
هل تنعقد الجمعة بالعبد والمسافر؟
|
١٥٨
|
لو لم يصح الاقتداء بامام الجمعة
|
١٨٢
|
هل تنعقد الجمعة بجماعة المسافرين؟
|
١٥٩
|
غسل يوم الجمعة
|
١٨٤
|
حرمة السفر يوم الجمعة بعد الزوال قبل
الصلاة
|
١٦٠
|
عدد نوافل يوم الجمعة
|
١٨٤
|
هل يترخص المسافر الذى يفوت بسفره
الاشتغال بالواجب؟
|
١٦٤
|
وقت نوافل يوم الجمعة
|
١٨٨
|
هل يترخص المسافر الذى يفوت بسفره
الاشتغال بالواجب؟
|
١٦٦
|
وقت ركعتى الزوال
|
١٩٢
|
هل يجب على المسافر في صوب الجمعة
حضورها؟
|
١٦٨
|
المباكرة إلى المسجد يوم الجمعة
|
١٩٤
|
هل يزول التحريم لو كان السفر واجبا"؟
|
١٧٠
|
التزين يوم الجمعة
|
١٩٦
|
السفر يوم الجمعة بعد طلوع الفجر
|
١٧١
|
دعاء الخروج للجمعة
|
١٩٧
|
حرمة البيع بعد النداء
|
١٧٢
|
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله
يوم الجمعة
|
١٩٧
|
مبدأ حرمة البيع
|
١٧٢
|
حلق الرأس يوم الجمعة
|
١٩٨
|
هل يحرم غير البيع من العقود؟
|
١٧٤
|
وجوب صلاة العيدين
|
١٩٩
|
لو لم يجب السعى على احد
|
|
هل يشترط في وجوب صلاة العيد السلطان
العادل أو منصوبه
|
٢٠٢
|
|
|
اعتبار العدد في وجوب صلاة العيد
|
٢٠٧
|
|
|
اعتبار الجماعة في وجوب صلاة العيد
|
٢٠٨
|
|
|
اعتبار الوحدة في وجوب صلاة العيد
|
٢٠٨
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
هل تجب الخطبتان في صلاة العيد؟
|
٢١٠
|
هل تقضى صلاة العيد لو لم تدرك مع
الجماعة؟
|
٢٣١
|
دليل وجوب الخطبتين في صلاة العيد
|
٢١٢
|
ما دل على الاتيان باربع ركعات لو لم
تدارك الجماعة
|
٢٣٣
|
النظر في كلام المدارك في المقام
|
٢١٣
|
الجمع بين دليلى القضاء وعدمه
|
٢٣٥
|
تأييد وجوب الخطبتين في صلاة العيد
|
٢١٤
|
سبب التأخير إلى الغد
|
٢٣٥
|
استحباب صلاة العيد عند اختلال شرائط
الوجوب
|
٢١٥
|
لو اتفق العيد والجمعة
|
٢٣٦
|
الوظيفة عند عدم الامام أو عدم ادراك
الصلاة معه
|
٢١٧
|
هل يجب حضور الامام للجمعة لو قيل
بتخيير كل من صلى العيد؟
|
٢٣٩
|
لا دليل على استحباب الجماعة مع
اختلال شروط الوجوب
|
٢١٩
|
كيفية صلاة العيد
|
٢٤٠
|
سقوط صلاة العيد عن من تسقط عنه
الجمعة
|
٢٢١
|
التكبيرات الزائدة في صلاة العيد
|
٢٤٢
|
سقوط صلاة العيد عن المسافر
|
٢٢٢
|
محل التكبيرات الزائدة
|
٢٤٣
|
سقوط صلاة العيد عن النساء
|
٢٢٣
|
حكم القنوت بعد التكبيرات
|
٢٤٩
|
منع الشواب وذوات الهيئة من الخروج
|
٢٢٤
|
أفضل السور في صلاة العيد
|
٢٥١
|
هل تستحب صلاة العيد لمن لا تجب عليه؟
|
٢٢٥
|
مايقال في قنوت صلاة العيد
|
٢٥٤
|
وقت صلاة العيد
|
٢٢٦
|
عدد القنوت في صلاة العيد
|
٢٥٧
|
هل تقضى صلاة العيد لو فاتت؟
|
٢٣٠
|
التوجه بالتكبيرات السبع في صلاة
العيد
|
٢٥٨
|
|
|
رفع اليدين في تكبيرات صلاة العيد
|
٢٦٠
|
|
|
لو نسى تكبيرات صلاة العيد
|
٢٦٠
|
|
|
لو نسى التكبير حتى قرأ
|
٢٦٢
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
لو أدرك بعض التكبير مع الامام
|
٢٦٢
|
الصلوات التى يكبر بعدها في الاضحى
|
٢٨٩
|
ما يتحمله الامام في صلاة العيد
|
٢٦٣
|
هل يختص تكبير العيد باعقاب الصلوات
|
٢٩٢
|
لو شك في عدد التكبيرات والقنوت
|
٢٦٣
|
التنفل قبل صلاة العيد وبعدها
|
٢٩٣
|
الاصحار بصلاة العيد إلا في مكة
|
٢٦٤
|
التنفل قبل صلاة العيد وبعدها
|
٢٩٥
|
السجود على الارض في صلاة العيد
|
٢٦٥
|
تعميم ابن الجنيد الاستثناء
|
٢٩٥
|
قول : الصلاة (ثلاثا) في صلاة العيد
|
٢٦٦
|
تعارض دليلى رجحان التحية وكراهة
الصلاة يوم العيد
|
٢٩٦
|
آداب الخروج لصلاة العيد
|
٢٦٧
|
رواية الصدوق المعارضة في المقام
|
٢٩٧
|
الذهاب إلى المصلى من طريق والعود من
آخر
|
٢٧١
|
نقل المنبر يوم العيد
|
٢٩٨
|
الافطار في الفطر قبل الخروج وفى
الاضحى بعده
|
٢٧٢
|
الخروج بالسلاح يوم العيد
|
٢٩٨
|
ما يفطر عليه في الفطر
|
٢٧٣
|
الصلاة للكسوف والخسوف والزلزلة
|
٣٠٠
|
اكل التربة الحسينية للتبرك
|
٢٧٤
|
الصلاة للاخاويف السماوية
|
٣٠١
|
التكبير عقيب الصلوات في الفطر
|
٢٧٧
|
المراد بالاخاويف
|
٣٠٥
|
التكبير عقيب الصلوات في الاضحى
|
٢٨٠
|
اول وقت الصلاة في الكسوفين
|
٣٠٥
|
كيفية التكبير عقيب الصلوات في
العيدين
|
٢٨٢
|
آخر وقت الصلاة في الكسوفين
|
٣٠٦
|
التكبير بعد الظهر والعصر في الفطر
|
٢٨٥
|
لو غاب القرص قبل الانجلاء
|
٣٠٨
|
تكبير العيد عقيب النوافل
|
٢٨٧
|
لو لم يتسع وقت الكسوف للصلاة
|
٣٠٨
|
عموم الاستحباب في تكبير العيد
|
٢٨٨
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
الكسوف وغيره وقت أو سبب؟
|
٣٠٩
|
القنوتات الخمسة
|
٣٣٨
|
وقت الصلاة للزلزلة
|
٣١٢
|
الجهر بالقراءة
|
٣٣٨
|
الاشكال على الفقهاء في الزلزلة
|
٣١٢
|
البروز تحت السماء
|
٣٣٩
|
جواب الشيخ على عن الاشكال
|
٣١٢
|
الفزع إلى المساجد
|
٣٣٩
|
اذا لم تعلم الاية غير الكسوف إلا بعد
الانقضاء
|
٣١٤
|
الفزع إلى المساجد
|
٣٣٩
|
اذا لم يعلم الكسوف حتى خرج الوقت
|
٣١٧
|
الجماعة في صلاة الايات
|
٣٤٠
|
ترك الصلاة عمدا " أو نسيانا
" مع بالاية
|
٣٢١
|
ادراك الامام بعد رفع رأسه من الركوع
الاول
|
٣٤١
|
الاخبار في كيفية صلاة الايات
|
٣٢٥
|
التخلف عن الامام لغير عذر بركن أو
ركنين
|
٣٤٢
|
تفريق السورة على القيامات
|
٣٣١
|
الكسوف في وقت فريضة واتساع الوقتين
|
٣٤٥
|
هل تجب الفاتحة عند تمام السورة؟
|
٣٣١
|
التدافع بين الروايتين في ما يقدم
|
٣٤٧
|
ما يظهر من الاخبار من حد التبعيض
|
٣٣٢
|
الجمع بين الروايتين
|
٣٤٨
|
السجود قبل تمام السورة
|
٣٣٣
|
تقديم صلاة الكسوف على صلاة الليل
|
٣٤٩
|
الوظيفة عند الفراغ قبل الانجلاء
|
٣٣٤
|
لو رجع إلى الفريضة فهل يبنى أو يعيد؟
|
٣٤٩
|
تطويل الصلاة بقدر الكسوف
|
٣٣٦
|
لو انجلى الكسوف قبل اتمام الفريضة في
الضيق
|
٣٥١
|
التطويل بالسور الطوال إلا اذا شق على
المأمومين
|
٣٣٦
|
اجتماع صلاتى الايات والعيد
|
٣٥٢
|
التكبير بالرفع من الركوع
|
٣٣٨
|
هل يعتبر في وجوب صلاة
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
الكسوف اتساع الوقت لجميعها؟
|
٣٥٣
|
كلام المدارك ورده
|
٣٨٢
|
اجتماع آيتين في وقت واحد
|
٣٥٣
|
آية أولى الارحام
|
٣٨٣
|
علة صلاة الكسوف وكيفيتها
|
٣٥٤
|
حديث الكناسى في الاولى بالميت
|
٣٨٥
|
منشأ الكسوفين وكيفية تحققهما
|
٣٥٥
|
تتمة رد المدارك
|
٣٨٥
|
كلام الصدوق والمجلسيين في الكسوفين
|
٣٥٦
|
الوجوب الكفائى في احكام الميت
واناطتها بالولى
|
٣٨٦
|
احاديث كيفية تحقق الزلزلة
|
٣٥٧
|
هل تتوجه احكام الميت إلى الولى اولا؟
|
٣٨٧
|
الصلاة على المؤمن دون الخارجى ونحوه
|
٣٥٩
|
هل تعتبر العدالة في امام صلاة الميت؟
|
٣٨٧
|
الصلاة على المخالف للحق
|
٣٦٠
|
مراتب اولياء الميت
|
٣٨٨
|
الاخبار في المخالف للحق
|
٣٦١
|
الزوج أولى بزوجته
|
٣٩١
|
حجة القائل بالصلاة على المخالف
|
٣٦٤
|
مناقشة صاحب المدارك في ذلك
|
٣٩١
|
كلام المدارك والنظر فيه
|
٣٦٥
|
الجواب عن مناقشة المدارك
|
٣٩٢
|
حديث الصلاة على القاتل نفسه
|
٣٦٦
|
هل الزوجة أولى بزوجها؟
|
٣٩٣
|
حد الصلاة على الطفل
|
٣٦٧
|
امام الاصل أولى بالصلاة على الميت
|
٣٩٣
|
الصلاة على بعض الميت
|
٣٧٤
|
هل تتوقف صلاة امام الاصل على اذن
الولى؟
|
٣٩٤
|
اعتبار الموت في الصلاة على الصدر
|
٣٧٩
|
هل يقدم الهاشمى في الصلاة على الميت؟
|
٣٩٥
|
لو اشتبه المسلم بالكافر
|
٣٧٩
|
سبب اختفاء الفقه الرضوى
|
٣٩٦
|
هل يصلى على ولد الزنا؟
|
٣٧٩
|
وصية الميت بصلاة معين عليه
|
٣٩٧
|
حكم اللقيط
|
٣٨١
|
تساوى الاولياء في مرتبة الولاية
|
٣٩٨
|
من يصلى على الميت
|
٣٨١
|
|
|
أولى الناس بالميت
|
٣٨٢
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
كيفية وقوف المأموم في صلاة الجنازة
|
٣٩٩
|
الصلاة بعد الغسل والكفن
|
٤٢٥
|
كيفية الصلاة على الميت
|
٤٠٢
|
كيفية الصلاة لو تعذر الكفن
|
٤٢٦
|
الدعاء بين التكبيرات في صلاة الميت
|
٤٠٣
|
كيفية وقوف الامام في صلاة الميت
|
٤٢٧
|
هل يتعين دعاء خاص على القول بالوجوب؟
|
٤٠٤
|
عدم اعتبار الطهارة من الحدث في صلاة
الميت
|
٤٢٧
|
لايتعين في الاذكار الاربعة لفظ خاص
على القول بالوجوب
|
٤٠٥
|
استحباب الطهارة في صلاة الميت
|
٤٢٩
|
الاخبار في اذكار صلاة الميت
|
٤٠٦
|
التيمم لصلاة الميت
|
٤٢٩
|
الافضل من اذكار صلاة الميت
|
٤١٢
|
نزع النعلين في صلاة الميت
|
٤٣٠
|
كيفية الصلاة على المنافق
|
٤١٣
|
الصلاة الواحدة على الجنائز المتعددة
|
٤٣٢
|
سر الخلاف بين العامة والخاصة في
تكبيرات صلاة الميت
|
٤١٧
|
الاشكال في الصلاة الواحدة على الطفل
وغيره
|
٤٣٣
|
الموجب لترك العامة التكبير الخامس
|
٤١٨
|
كيفية وضع الجنائز عند التعدد
|
٤٣٥
|
الواجب في الصلاة على المؤمن خمس تكبيرات
|
٤١٩
|
استحباب كثرة المصلين على الميت
|
٤٣٨
|
ما دل على عدم التحديد بالخمس
|
٤٢١
|
رفع اليدين بالتكبيرات
|
٤٤٠
|
استقبال القبلة في صلاة الميت
|
٤٢٢
|
لا يبرح المصلى حتى ترفع الجنازة
|
٤٤٢
|
القيام في صلاة الميت
|
٤٢٣
|
لادعاء للمستضعف والمجهول
|
٤٤٣
|
هل تكفى صلاة العاجز؟
|
٤٢٣
|
الدعاء في الصلاة على الطفل
|
٤٤٧
|
الستر في صلاة الميت
|
٤٢٤
|
الدعاء في الصلاة على المخالف
|
٤٤٧
|
ازالة الخبث في صلاة الميت
|
٤٢٤
|
الصلاة على الميت في المواضع المعتادة
|
٤٤٨
|
وجوب الاستقبال بالميت
|
٤٢٥
|
هل تكره الصلاة على الميت في المسجد
غير مكة؟
|
٤٤٨
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
تكرار الصلاة على الميت
|
٤٤٩
|
هل يمنع الكفار من الخروج للاستسقاء؟
|
٤٨٧
|
الصلاة على القبر
|
٤٥٩
|
قلب الامام رداءه عند صعود المنبر
|
٤٨٨
|
لو فات المأموم بعض التكبيرات
|
٤٦٢
|
كيفية الذكر من الامام في الاستسقاء
|
٤٩٠
|
لو سبق المأموم ببعض التكبير
|
٤٦٦
|
وظيفة المأمومين حال ذكر الامام
|
٤٩١
|
لو حضرت جنازة في الاثناء
|
٤٦٦
|
المراد بالاستسقاء والخطبة في الاخبار
|
٤٩١
|
لا قراءة في صلاة الميت
|
٤٦٩
|
محل الخطبة في الاستسقاء
|
٤٩٢
|
لا تسليم في صلاة الميت
|
٤٧٢
|
الخطبة بالمأثور في الاستسقاء
|
٤٩٣
|
ايقاع صلاة الميت في جميع الاوقات
|
٤٧٤
|
تثنية الخطبة في الاستسقاء
|
٤٩٣
|
مزاحمة صلاة الميت لفريضة حاضرة
|
٤٧٦
|
اخراج المنبر إلى الصحراء
|
٤٩٤
|
مشروعية الاستسقاء
|
٤٧٨
|
خروج المؤذنين بين يدى الامام
|
٤٩٤
|
مورد استحباب صلاة الاستسقاء
|
٤٧٨
|
لا اذان واقامة في صلاة الاستسقاء
|
٤٩٤
|
الاخبار الواردة في صلاة الاستسقاء
|
٤٧٩
|
الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء
|
٤٩٤
|
هل صلاة الاستسقاء كالعيدين في الوقت؟
|
٤٨٤
|
الاستسقاء بغير صلاة
|
٤٩٤
|
هل صلاة الاستسقاء كالعيدين في الوقت؟
|
٤٨٥
|
هل يصلي للاستسقاء فرادى؟
|
٤٩٥
|
الخطبة في الاستسقاء
|
٤٨٦
|
تكرار الخروج لو تأخرت الاجابة
|
٤٩٥
|
الاصحار بصلاة الاستسقاء
|
٤٨٦
|
الدعاء لدفع المطر
|
٤٩٦
|
آداب الخروج للاستسقاء
|
٤٨٦
|
الاخبار الواردة في صلاة جعفر
|
٤٩٦
|
اخراج الشيوخ والاطفال والعجائز
والبهائم في الاستسقاء
|
٤٨٧
|
محل التسبيح حال القيام
|
٥٠٣
|
|
|
ما يقرأ في صلاة جعفر
|
٥٠٣
|
|
|
تؤدى صلاة جعفر بسلامين
|
٥٠٤
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
التسبيح بعد سجود الاولى والثالثة قبل
القيام أو حاله؟
|
٥٠٦
|
انكار ابن ادريس لذلك
|
٥٢٧
|
احتساب صلاة جعفر من النوافل
|
٥٠٦
|
الاستخارة بالعدد
|
٥٢٨
|
في صلاة جعفر قنوتان
|
٥٠٧
|
استحباب الاستخارة لكل شئ
|
٥٣١
|
احكام ذوى الاعذار في صلاة جعفر
|
٥٠٨
|
الاستنابة في الاستخارة
|
٥٣٢
|
افضل اوقات صلاة جعفر
|
٥٠٨
|
صلاة يوم الغدير
|
٥٣٣
|
رواية العامة هذه الصلاة في شأن
العباس
|
٥٠٩
|
كيفية القراءة في صلاة الغدير
|
٥٣٦
|
هل تستحب نافلة شهر رمضان؟
|
٥٠٩
|
الجماعة والخطبة والخروج إلى الصحراء
في صلاة الغدير
|
٥٣٧
|
كيفية نافلة شهر رمضان
|
٥١٦
|
صلاة أول ذى الحجة
|
٥٣٨
|
محل الوتيرة في شهر رمضان
|
٥٢٠
|
صلاة يوم المبعث
|
٥٣٨
|
الجماعة محرمة في نافلة شهر رمضان
|
٥٢١
|
صلاة ليلة المبعث
|
٥٣٩
|
قضاء نافلة شهر رمضان نهارا "
|
٥٢٣
|
صلاة ليلة النصف من شعبان
|
٥٤١
|
لافرق في نافلة شهر رمضان بين الصائم
وغيره
|
٥٢٤
|
صلاة الهدية
|
٥٤٢
|
صلاة الاستخارة
|
٥٢٤
|
صلاة الحاجة
|
٥٤٣
|
معانى الاستخارة الواردة في الاخبار
|
٥٢٤
|
صلاة الشكر
|
٥٤٤
|
الاستخارة بالرقاع ونحوها
|
٥٢٦
|
صلاة نحية المسجد
|
٥٤٥
|
|
|
صلاة ليلة الدفن
|
٥٤٦
|
|
|
صلاة الاستطعام
|
٥٤٨
|
|
|
صلاة الحبل
|
٥٤٨
|
|