






|
رواية كميل بن زياد
روىٰ
السيد في الإقبال : أنّ كميل بن زياد قال : كنت جالساً مع مولاي أمير المؤمنين صلوات الله عليه في مسجد البصرة ومعه جماعة من أصحابه ، فقال بعضهم ما معنىٰ قول الله عزَّ وجلَّ : ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) ، قال عليهالسلام
: هي ليلة النّصف من شعبان ، والذي نفس علي بيده إنّه ما من عبد إلّا وجميع ما يجري عليه من خير وشرّ مقسوم له في ليلة النّصف من شعبان إلىٰ آخر السّنة ، في مثل تلك الليلة المقبلة وما من عبد يحييها ويدعو بدعاء الخضر عليهالسلام
إلَّا أجيب له ، فلمّا انصرف طرقته ليلاً فقال عليهالسلام
: ما جاء بك يا كميل ؟ قلت : يا أمير المؤمنين دعاء الخضر عليهالسلام ، فقال : اجلس يا كميل ، إذا حفظت
هذا الدعاء فادع به كلّ ليلة جمعة أو في الشهر مرّة أو في السنة مرّة أو في عمرك مرّة ، تكف وتنصر وترزق ولن تعدم المغفرة ، يا كميل أوجب لك طول الصّحبة لنا أن نجود لك بما سألت ثم قال : اكتب :
|
_____________________________
دعاء كميل
ﭐللَّهُمَّ إِنِّي
أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ ﭐلَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ، وَبِقُوَّتِكَ ﭐلَّتِي
قَهَرْتَ بِهَا كُلَّ شَيْءٍ ، وَخَضَعَ لَهَا كُلُّ شَيْءٍ ، وَذَلَّ لَهَا كُلُّ شَيْءٍ ، وَبِجَبَرُوتِكَ
ﭐلَّتِي غَلَبْتَ بِهَا كُلَّ شَيْءٍ ، وَبِعِزَّتِكَ ﭐلَّتِي لَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ ، وَبِعَظَمَتِكَ ﭐلَّتِي
مَلأَتْ كُلَّ شَيْءٍ ، وَبسُلْطَانِكَ ﭐلَّذِي عَلا كُلَّ شَيْءٍ ، وَبِوَجْهِكَ ﭐلْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ كُلِّ شَيْءٍ ،
وَبِأَسْمَاۤئِكَ ﭐلَّتِي مَلأَتْ أَرْكَانَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَبِعِلْمِكَ ﭐلَّذِي أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ ، وَبِنُورِ
وَجْهِكَ ﭐلَّذِي أَضَاۤءَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ ، يَا نُورُ يَا قُدُّوسُ يَا أَوَّلَ ﭐلأَوَّلِينَ ، وَيَا آخِرَ ﭐلاۤخِرِينَ
، ﭐللَّهُمَّ ﭐغْفِرْ لِيَ ، ﭐلذُّنُوبَ ﭐلَّتِي تَهْتِكُ ﭐلْعِصَمَ ، ﭐللَّهُمَّ ﭐغْفِرْ لِيَ ﭐلذُّنُوبَ
ﭐلَّتِي تُنْزِلُ ﭐلنِّقَمَ ، ﭐللَّهُمَّ ﭐغْفِرْ لِيَ
ﭐلذُّنُوبَ ﭐلَّتِي تُغَيِّرُ ﭐلنِّعَمَ ، ﭐللَّهُمَّ ﭐغْفِرْ لِيَ ﭐلذُّنُوبَ
ﭐلَّتِي تَحْبِسُ ﭐلدُّعَاۤءَ ، ﭐللَّهُمَّ ﭐغْفِرْ
لِيَ ﭐلذُّنُوبَ ﭐلَّتِي تُنْزِلُ ﭐلْبَلاءَ ، ﭐللَّهُمَّ ﭐغْفِرْ لِيَ
ﭐلذُّنُوبَ ﭐلَّتِي تَقْطعُ ﭐلرَّجَاۤءَ ، ﭐللَّهُمَّ
ﭐغْفِرْ لِي كُلَّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتُهُ وَكُلَّ خَطِيْئَةٍ أَخْطَأْتُهَا ، ﭐللَّهُمَّ إِنِّي
أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِذِكْرِكَ وَأَسْتَشْفِعُ بِكَ إِلَىٰ نَفْسِكَ ، وَأَسْأَلُكَ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ أَنْ تُدْنِيَنِي مِنْ قُرْبِكَ ، وَأَنْ
تُوْزِعَنِي شُكْركَ ، وَأَنْ تُلْهِمَنِيْ ذِكْرَكَ ، اللّهُمّ إِنِّي أَسْألُكَ سُؤَالَ خَاضعٍ مُتَذَلِّلٍ خَاشِعٍ
أَنْ تُسَامِحَنِي وَتَرْحَمَنِي وَتَجْعَلَنِي بِقِسَمِكَ رَاضِياً قَانِعاً ، وَفِي جَمِيْعٍ ﭐلْأَحْوَالِ
مُتَوَاضِعاً ، ﭐللَّهُمَّ
وَأَسْأَلُكَ
سُؤَالَ مَنِ ﭐشْتَدَّتْ فَاقَتُهُ وَأَنْزَلَ بِكَ عِنْدَ ﭐلشَّدَائِدِ
حَاجَتَهُ ، وَعَظُمَ فِيمَا عِنْدَكَ رَغْبَتُهُ ، ﭐللَّهُمَّ عَظُمَ سُلْطَانُكَ وَعَلَا مَكَانُكَ وَخَفِيَ
مَكْرُكَ وَظَهَرَ أَمْرُكَ وَغَلَبَ قَهْرُكَ وَجَرَتْ قُدْرَتُكَ وَلَا يُمْكِنُ ﭐلْفَرَارُ مِنْ حُكُومَتِكَ.
ﭐللَّهُمَّ لَا
أَجِدُ لِذُنُوبِي غَافِراً وَلَا لِقَبَاۤئِحِي سَاتِراً وَلَا لِشَيْءٍ
مِنْ عَمَلِيَ ﭐلْقَبِيْحِ بِالْحَسَنِ مُبَدِّلاً غَيْرَكَ ، لَا إِلۤهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ
وَبِحَمْدِكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَتَجَرَّأْتُ بِجَهْلِي ، وَسَكَنْتُ إِلَىٰ قَدِيْمِ ذِكْرِكَ لِي وَمَنِّكَ عَلَيَّ.
ﭐللَّهمَّ
مَوْلَايَ كَمْ مِنْ قَبِيْحٍ سَتَرْتَهُ ، وَكَمْ مِنْ فَادِحٍ مِنَ ﭐلْبَلاۤءِ
أَقَلْتَهُ ، وَكَم مِنْ عِثَارٍ وَقَيْتَهُ ، وَكَمْ مِنْ مَكْرُوهٍ دَفَعْتَهُ وَكَمْ مِنْ ثَنَاۤءٍ جَمِيْلٍ
لَسْتُ أَهْلاً لَهُ نَشَرْتَهُ.
ﭐللَّهُمَّ
عَظُمَ بَلاۤئِي وَأَفْرَطَ بِي سُوۤءُ حَالِي وَقَصُرَتْ بِي أَعْمَالِي
، وَقَعَدَتْ بِي أَغْلَالِي وَحَبَسَنِي عَنْ نَفْعِي بَعْدُ آمَالِي ، وَخَدَعَتْنِي ﭐلدُّنْيَا
بِغُرُورِهَا وَنَفْسِي بِخِيَانَتِهَا وَمِطَالِي يَا سَيِّدِي ، فَأَسْأَلُكَ بِعِزَّتِكَ أَنْ لَا يَحْجُبَ عَنْكَ دُعَاۤئِي
سُوۤءُ عَمَلِي وَفِعَالِي ، وَلَا تَفْضَحْنِي بِخَفيِّ مَا ﭐطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنْ سِرِّي ، وَلَا
تُعَاجِلْنِي بِالْعُقُوبَةِ عَلَىٰ مَا عَمِلْتُهُ فِي خَلَوَاتِي مِنْ سُوۤءِ فِعْلِي وَإِسَاءَتِي وَدَوَامِ تَفْرِيطِي
وَجَهَالَتِي ، وَكَثْرَةِ شَهَوَاتِي وَغَفْلَتِي. وَكُنِ ﭐللَّهُمَّ بِعِزَّتِكَ لِي فِي كُلِّ ﭐلْأَحْوَالِ
رؤُوفاً وَعَلَيَّ فِي جَمِيْعِ ﭐلْأُمُورِ عَطُوفاً.
إِلۤهِي وَرَبِّي
مَنْ لِي غَيْرُكَ أَسْأَلُهُ كَشْفَ ضُرِّي وَﭐلنَّظَرَ فِي أَمْرِي ؟
إِلۤهِي
وَمَوْلَايَ أَجْرَيْتَ عَلَيَّ حُكْماً ﭐتَّبَعْتُ فِيهِ هَوَىٰ
نَفْسِي وَلَمْ أَحْتَرِسْ فِيهِ مِنْ تَزْيِينِ عَدُوِّي ، فَغَرَّنِي بِمَا أَهْوَىٰ وَأَسْعَدَهُ عَلَىٰ
ذٰلِكَ ﭐلْقَضَاۤءُ ، فَتَجَاوَزْتُ بِمَا جَرَىٰ عَلَيَّ مِنْ ذٰلِكَ بَعْضَ حُدُودِكَ ، وَخَالَفْتُ بَعْضَ أَوَامِرِكَ ، فَلَكَ
ﭐلْحَمْدُ عَلَيَّ فِي جَمِيْعِ ذٰلِكَ وَلَا حُجَّةَ لِي فِيْمَا جَرَىٰ عَلَيَّ فِيهِ قَضَاۤؤُكَ
، وَأَلْزَمَنِي فِيْهِ حُكْمُكَ وَبَلاۤؤُكَ ، وَقَدْ
أَتَيْتُكَ
يَا إِلۤهِي بَعْدَ تَقْصِيْري وَإِسْرَافِي عَلَىٰ نَفْسِي
مُعْتَذِراً نَادِماً مُنْكَسِراً مُسْتَقِيلاً مُسْتَغْفِراً مُنِيْباً مُقِّراً مُذْعِناً مُعْتَرِفاً ، لَا أَجِدُ مَفَرّاً
مِمَّا كَانَ مِنِّي وَلَا مَفْزَعاً أَتَوَجَّهُ اِلَيْهِ فِي أَمْرِي غَيْرَ قَبُولِكَ عُذْرِي وَإِدْخَالِكَ إِيَّايَ فِي سَعَةٍ مِنْ رَحْمَتِكَ.
إِلۤهِي فَاقْبَلْ
عُذْرِي وَﭐرْحَمْ شِدَّةَ ضُّرِّي وَفُكَنَّي مِنْ شَدِّ وَثَاقِي ، يَا
رَبِّ ﭐرْحَمْ ضَعْفَ بَدَنِي وَرِقَّةَ جِلْدِي وَدِقَّةَ عَظْمِي ، يَا مَنْ بَدَأ خَلْقِي
وَذِكْرِي ، وَتَرْبِيَتِي وَبرِّي وَتَغْذِيَتِي ، هَبْنِي لاِبْتِدَاۤءِ كَرَمِكَ وَسَالِفِ بِرِّكَ بِي. يَا
إِلۤهِي وَسَيِّدِي وَرَبِّي أَتُرَاكَ مُعَذِّبِي بِنَارِكَ بَعْدَ تَوْحِيْدِكَ ، وَبَعْدَمَا ﭐنْطَوَىٰ
عَلَيْهِ قَلْبِي مِنْ مَعْرِفَتِكَ وَلَهِجَ بِهِ لِسَانِي مِنْ ذِكْرِكَ ، وَﭐعْتَقَدَهُ ضَميْرِي مِنْ حُبِّكَ وَبَعْدَ صِدْقِ ﭐعْتِرَافِي
وَدُعَاۤئِي خَاضِعاً لِرُبُوبِيَّتِكَ هَيْهَاتَ أَنْتَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ تُضَيِّعَ مَنْ رَبَّيْتَهُ
أَوْ تُبَعِّدَ مَنْ أَذْنَيْتَهُ ، أوْ تُسَلِّمَ إِلَىٰ الْبَلَاءِ مَنْ كَفَيْتَهُ وَرَحِمْتَهُ.
وَلَيْتَ شِعْرِي يَا
سَيِّدِي وإِلۤهِي وَمَوْلَايَ أَتُسَلِّطُ ﭐلنَّارَ عَلَىٰ
وُجُوهٍ خَرَّتْ لِعَظَمَتِكَ سَاجِدَةً ، وَعَلَىٰ أَلْسُنٍ نَطَقَتْ بِتوْحِيْدِكَ صَادِقَةً وَبِشُكْرِكَ
مَادِحَةً ، وَعَلَىٰ قُلُوبٍ ﭐعْتَرَفَتْ بِإِلۤهِيَّتِكَ مُحَقِّقةً ، وَعَلَىٰ ضَمَاۤئِرَ
حَوَتْ مِنَ ﭐلْعِلْمِ بِكَ حَتَّىٰ صَارَتْ خَاشِعَةً ، وَعَلَىٰ جَوَارِحَ سَعَتْ إِلَىٰ أَوْطَانِ تَعَبُّدِكَ طَاۤئِعَةً
، وَأَشَارَتْ بِاسْتِغْفَارِكَ مُذْعِنَةً ، مَا هَكَذَا ﭐلظَّنُ بِكَ وَلَا أُخْبِرْنَا بفَضْلِكَ عَنْكَ يَا كَرِيْمُ يَا
رَبِّ وَأَنْتَ تَعْلَمُ ضَعْفِي عَنْ قَلِيْلٍ مِنْ بَلاۤءِ ﭐلدُّنْيَا وَعُقُوبَاتِهَا وَمَا يَجْرِي فِيْهَا مِنَ
ﭐلْمَكَارِهِ عَلَىٰ أَهْلِهَا ، عَلَىٰ أَنَّ ذٰلِكَ
بَلاۤءٌ وَمكْرُوهٌ قَلِيْلٌ مَكْثُهُ يَسِيْرٌ بَقَاؤُهُ ، قَصِيْرُ مُدَّتُهُ فَكَيْفَ ﭐحْتِمَالِي
لِبَلاۤءِ ﭐلاۤخِرَةِ وَحُلُولِ وُقُوعِ ﭐلْمَكَارِهِ فِيْهَا ، وَهُوَ بَلاۤءٌ تَطُولُ مُدَّتُهُ
وَيَدُوْمُ مَقَامُهُ ، وَلَا يُخَفَّفُ عَنْ أَهْلِهِ لأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ غَضَبِكَ وَﭐنْتِقَامِكَ وَسَخَطِكَ ، وَهذَا مَا
لَا تَقُومُ لَهُ ﭐلسَّمٰاوَاتُ وَﭐلْأَرْضُ ، يَا سَيِّدِي فَكَيْفَ بِي وَأَنَا عَبْدُكَ ﭐلضَّعِيْفُ
ﭐلذَّلِيلُ ﭐلْحَقِيرُ ﭐلْمِسْكِيْنُ
ﭐلْمُسْتَكِيْنُ.
يَا إِلۤهِي
وَرَبِّي وَسَيِّدِي وَمَوْلَايَ لَأِيِّ ﭐلْأَمُورِ إِلَيْكَ أَشْكُو ، وَلِمَا
مِنْهَا أَضِجُّ وَأَبْكِي لأَلِيْمِ ﭐلْعَذَابِ وَشِدَّتِهِ أَوْ لِطُولِ ﭐلْبَلاۤءِ
وَمُدَّتِهِ ، فَلَئِنْ صَيَّرْتَنِى فِي ﭐلْعُقُوبَاتِ مَعَ أَعْدَاۤئِكَ ، وَجَمَعْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَهْلِ بَلاۤئِكَ
وَفَرَّقْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَحِبّاۤئِكَ وَأَوْلِيَاۤئِكَ.
فَهَبْنِي يَا إِلۤهِي
وَسَيِّدِي وَمَوْلَايَ وَرَبِّي صَبَرْتُ عَلَىٰ عَذَابِكَ ، فَكَيْفَ أَصْبِرُ
عَلَىٰ فِرَاقِكَ ، وَهَبْنِي يَا إِلۤهِي صَبَرْتُ عَلَىٰ حَرِّ نَارِكَ
فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَنِ ﭐلنَّظَر إِلَىٰ كَرَامَتِكَ ، أَمْ كَيْفَ أَسْكُنُ فِي ﭐلنَّارِ وَرَجَاۤئِي عَفْوُكَ.
فَبِعِزَّتِكَ يَا
مَوْلَايَ أُقْسِمُ صَادِقاً لَئِنْ تَرَكْتَنِي نَاطِقاً لأَضِجَنَّ إِلَيْكَ
بَيْنَ أَهْلِهَا ضَجِيْجَ ﭐلاۤمِلِينَ ، وَلأَصْرُخَنَّ إِلَيْكَ صُرَاخَ ﭐلْمُستَصْرِخِينَ
، وَلأَبْكِيَنَّ عَلَيْكَ بُكَاۤءَ ﭐلْفَاقِدِيْنَ ، وَلأُنَادِيَنَّكَ أَيْنَ كُنْتَ يَا وَلِيَّ ﭐلْمُؤْمِنِينَ
يَا غَايَةَ آمَالِ ﭐلْعَارِفِينَ يَا غِيَاثَ ﭐلْمُسْتَغِيْثِينَ ، يَا حَبِيْبَ قُلُوبِ ﭐلصَّادِقِينَ وَيَا إِلۤهَ
ﭐلْعَالَمِيْن.
أَفَتُرَاكَ سُبْحَانَكَ
يَا إِلۤهِى وَبِحَمْدِكَ تَسْمَعُ فِيْهَا صَوْتَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ سُجِنَ فِيْهَا
بِمُخَالَفَتِهِ وَذَاقَ طَعْمَ عَذَابِهَا بِمَعْصِيَتِهِ ، وَحُبِسَ بَيْنَ أَطْبَاقِهَا
بِجُرْمِهِ وَجَرِيْرَتِهِ ، وَهُوَ يَضِجُّ إِلَيْكَ ضَجِيْجَ مُؤَمِّلٍ لِرَحْمَتِكَ وَيُنَادِيْكَ بِلِسَانِ أَهْلِ
تَوْحِيْدِكَ ، وَيَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِرُبُوبِيَّتِكَ ، يَا مَوْلَايَ فَكَيْفَ يَبْقَىٰ فِي ﭐلْعَذَابِ
وَهُوَ يَرْجُو مَا سَلَفَ مِنْ حِلْمِكَ وَرَأفَتِكَ وَرَحْمَتِكَ ، أَمْ كَيْفَ تُؤْلِمُهُ ﭐلنَّارُ وَهُوَ يَأْمُلُ
فَضْلَكَ وَرَحْمَتَكَ ، أَمْ كَيْفَ يُحْرِقُهُ لَهَبُهَا وَأَنْتَ تَسْمَعُ صَوْتَهُ وَتَرَىٰ مَكَانَهُ ، أَمْ كَيْفَ
يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ زَفِيْرُهَا وَأَنْتَ تَعْلَمُ ضَعْفَهُ ، أَمْ كَيْفَ يَتَغَلْغَلُ بَيْنَ أَطْبَاقِهَا وَأَنْتَ تَعْلَمُ
صِدْقَهُ ، أَمْ كَيْفَ تَزْجُرُهُ زَبَانِيَتُهَا وَهُوَ يُنَادِيْكَ يَا رَبَّهُ ، أَمْ كَيْفَ يَرْجُو فَضْلَكَ فِي عِتْقِهِ مِنْهَا
فَتَتْرُكُهُ فِيْهَا ، هَيْهَاتَ مَا ذٰلِكَ ﭐلظَّنُّ بِكَ وَلَا ﭐلْمَعْرُوفُ مِنْ فَضْلِكَ وَلَا مُشْبِهٌ لِمَا
عَامَلْتَ بِهِ ﭐلْمُوَحِّدِيْنَ مِنْ بِرِّكَ
وَإِحْسَانِكَ.
فَبِالْيَقِينِ أَقْطَعُ
، لَوْلَا مَا حَكَمْتَ بِهِ مِنْ تَعْذِيْبِ جَاحِدِيْكَ وَقَضَيْتَ بِهِ مِنْ إِخْلَادِ
مُعَانِدِيْكَ لَجَعَلْتَ ﭐلنَّارَ كُلَّهَا بَرْداً وَسَلَاماً ، وَمَا كَانَتْ
لأَحَدٍ فِيْهَا مَقَرّاً وَلَا مُقَاماً ، لٰكِنَّكَ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاۤؤُكَ أَقْسَمْتَ أَنْ تَمْلأَهَا مِنَ ﭐلْكَافِرِينَ
مِنَ ﭐلْجِنَّةِ وَﭐلنَّاسِ أَجْمَعِيْنَ ، وَأَنْ تُخَلِّدَ فِيْهَا ﭐلْمُعَانِدِيْنَ ، وَأَنْتَ جَلَّ ثَنَاۤؤُكَ
قُلْتَ مُبْتَدِئاً وَتَطَوَّلْتَ بِالْإِنْعَامِ مُتَكَرِّماً : ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ )
، إِلۤهِي وَسَيِّدِي فَأَسْأَلُكَ بِالْقُدْرَةِ ﭐلَّتِي قَدَّرْتَهَا وَبِالْقَضِيَّةِ ﭐلَّتِي حَتَمْتَهَا
وَحَكَمْتَهَا وَغَلَبْتَ مَنْ عَلَيْهِ أَجْرَيْتَهَا أَنْ تَهَبَ لِي فِي هذِهِ ﭐللَّيْلَةِ وَفِي هٰذِهِ ﭐلسَّاعَةِ كُلَّ جُرْمٍ أَجْرَمْتُهُ
وَكُلّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتُهُ وَكُلّ قَبِيْحٍ أَسْرَرْتُهُ وَكُلّ جَهْلٍ عَمِلْتُهُ ؛ كَتَمْتُهُ أَوْ أَعْلَنْتُهُ أَخْفَيْتُهُ
أَوْ أَظْهَرْتُهُ ، وَكُلَّ سَيِّئَةٍ أَمَرْتَ بِإِثْبَاتِهَا ﭐلْكِرَامَ ﭐلْكَاتِبِينَ ﭐلَّذِينَ
وَكَّلْتَهُمْ بِحِفْظِ مَا يَكُونُ مِنِّي وَجَعَلْتَهُمْ شُهُوداً عَلَيَّ مَعَ جَوَارِحِي ، وَكُنْتَ أَنْتَ ﭐلرَّقِيْبَ عَلَيَّ مِنْ وَرَاۤئِهِمْ
وَﭐلشَّاهِدَ لِمَا خَفِيَ عَنْهُمُ ، وَبِرَحْمَتِكَ أَخفَيْتَهُ وَبِفَضْلِكَ سَتَرْتَهُ ، وَأَنْ تُوَفِّرَ حَظِّي
مِنْ كُلِّ خَيْرٍ أَنْزَلْتَهُ ، أَوْ إِحْسَانٍ فَضَّلْتَهُ ، أَوْ بِرٍّ نَشَرْتَهُ ، أَوْ رِزْقٍ بَسَطْتَهُ ، أَوْ ذَنْبٍ
تَغْفِرُهُ ، أَوْ خَطَأٍ تَسْتُرُهُ.
يا رَبِّ يَا رَبِّ يَا
رَبِّ يَا إِلۤهِي وَسَيِّدِي وَمَوْلَايَ وَمَالِكَ رِقِّي يَا مَنْ
بِيَدِهِ نَاصِيَتِى يَا عَلِيْمَاً بِضُرّي وَمَسْكَنَتِي يَا خَبِيراً بِفَقْرِي وَفَاقَتِي.
يَا رَبِّ يَا رَبِّ
يَا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّكَ وَقُدْسِكَ وَأَعْظَمِ صِفَاتِكَ وَأَسْمَاۤئِكَ
، أَنْ تَجْعَلَ أَوْقَاتِي فِي ﭐللَّيْلِ وَﭐلنَّهَارِ بِذِكْرِكَ
مَعْمُورَةً ، وَبِخِدْمَتِكَ مَوْصُولَةً ، وَأَعْمَالِي عِنْدَكَ مَقْبُولَةً ، حَتَّىٰ تَكُونَ أَعْمَالِي وَأَوْرَادِي كُلُّهَا
وِرْداً وَاجداً وَحَالِي فِي خِدْمَتِكَ سَرْمَداً.
يَا سَيِّدِي يَا
مَنْ عَلَيْهِ مُعَوَّلِي يَا مَنْ إِلَيْهِ شَكَوتُ أَحْوَالِي ، يَا رَبِّ يَا
رَبِّ يَا رَبِّ قَوِّ
عَلَىٰ
خِدْمَتِكَ جَوَارِحِي وَﭐشْدُدْ عَلَىٰ ﭐلْعَزِيْمَةِ جَوَانِحِي
وَهَبْ لِيَ ﭐلْجِدَّ فِي خَشْيَتِكَ وَﭐلدَّوَامَ فِي ﭐلاِتِّصَالِ بِخِدْمَتِكَ حَتَّىٰ أَسْرَحَ
إِلَيْكَ فِي مَيَادِيْنِ ﭐلسَّابِقِينَ ، وَأُسْرِعَ إِلَيْكَ فِي ﭐلْمُبَادِرِينَ ، وَأَشْتَاقَ إِلَىٰ قُرْبِكَ فِي ﭐلْمُشْتَاقِيْنَ
وَأَدْنُوَ مِنْكَ دُنُوَّ ﭐلْمُخْلِصِينَ ، وَأَخَافَكَ مَخَافَةَ ﭐلْمُوْقِنِينَ وَأَجْتَمِعَ فِي جِوَارِكَ مَعَ ﭐلْمُؤْمِنِينَ.
ﭐللَّهُمَّ
وَمَنْ أَرَادَنِي بِسُوۤءٍ فَأَرِدْهُ وَمَنْ كَادَنِي فَكِدْهُ وَﭐجْعَلْنِي
مِنْ أَحْسَنِ عِبَادِكَ نَصِيْباً عِنْدَكَ ، وَأَقْرَبِهِمْ مَنْزِلَةً مِنْكَ وَأَخَصِّهِمْ زُلْفَةً
لَدَيْكَ ، فَإِنَّهُ لَا يُنَالُ ذٰلِكَ إِلَّا بِفَضْلِكَ ، وَجُدْ لِي بِجُودِكَ وَاعْطِفْ عَلَيَّ بِمَجْدِكَ وَﭐحْفَظْنِي
بِرَحْمَتِكَ وَﭐجْعَلْ لِسَانِي بِذِكْرِكَ لَهِجاً وَقَلْبِي بِحُبِّكَ مُتَيَّماً ، وَمُنَّ عَلَيَّ بِحُسْنِ إِجَابَتِكَ وَأَقِلْنِي
عَثْرَتِي وَﭐغْفِرْ زَلَّتِي فَإِنَّكَ قَضَيْتَ عَلَىٰ عِبَادِكَ بِعِبَادَتِكَ ، وَأَمَرْتَهُمْ بِدُعَاۤئِكَ
وَضَمِنْتَ لَهُمْ ﭐلْإِجَابَةَ. فَإِلَيْكَ يَا رَبِّ نَصَبْتُ وَجْهِي ، وَإِلَيْكَ يَا رَبِّ مَدَدْتُ يَدِي ، فَبِعِزَّتِكَ
ﭐسْتَجِبْ لِي دُعَاۤئِي ، وَبَلِّغْنِي مُنَايَ وَلَا تَقْطَعْ مِنْ فَضْلِكَ رَجَاۤئِي ، وَاكْفِنِي
، شَرَّ ﭐلْجِنِّ وَﭐلْإِنْسِ مِنْ أَعْدَاۤئِي ، يَا سَرِيْعَ ﭐلرِّضَا اغْفِرْ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ إِلَّا
ﭐلدُّعَاۤءَ ، فَإِنَّكَ فَعَّالٌ لِمَا تَشَاۤءُ يَا مَنِ ﭐسْمُهُ دَوَاءٌ وَذِكْرُهُ شِفَاۤءٌ وَطَاعَتهُ غِنًى ، ارْحَمْ
مَنْ رَأُسُ مَالِهِ ﭐلرَّجَاۤءُ وَسِلَاحُهُ ﭐلْبُكَاۤءُ.
يَا سَابِغَ ﭐلنِّعَمِ
يَا دَافِعَ ﭐلنِّقَمِ يَا نُورَ ﭐلْمُسْتَوْحِشِيْنَ فِي ﭐلظُّلَمِ
، يَا عَالِماً لَا يُعَلَّمُ ، صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَﭐفْعَلْ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ
وَصَلَّىٰ ﭐللهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَﭐلْأَئِمَّةِ ﭐلْمَيَامِيْنَ مِنْ آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْماً كَثِيْراً.
بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ
الرَّحيِمِ
الحمد لله الفرد
العلي الذي أشرقت بسبحات وجهه نجوم سماوات الأرواح ، وتلألأ بلمعات ظلال إشراقاته تخوم أراضي الأشباح ، الأحد الصمد الذي لما عنده من الكمالات قد ندب إليه المفتاقون في الغدو والرواح ، بل استصرخ لديه المذنبون والمشتاقون في كلّ مساء وصباح ، المدعوّ المرجوّ الذي كلّ من دعاه صادقاً كئيباً محرور الكبد فقد كشف عنه السوء وأعطاه سؤله حتّىٰ اطمأن من الاضطراب واستراح.
والصلاة علىٰ
مثل نوره الذي هو مشكاة فيها مصباح ، الذي اقتبس كلّ مستنير من أنواره السنيّة سراجاً لنادي قلبه ، حتىٰ يميز به الخبيث من الطيب
والمحظور من المباح ، وعلىٰ آله القدّيسين الذين هم هداة الخلائق إلىٰ سبيل الفلاح
والنجاح ، والمبرّؤون المنزّهون عن النقيصة والساكنون في الضراح ، والكلمات التامّات والأسماء الحسنىٰ الذين هم ضنائن الله الفتّاح المرتاح.
وبعد ، فيقول الفقير
الحقير المحتاج إلىٰ رحمة ربّه البارئ ، عبد الأعلىٰ بن محمد
_____________________________
القاضي
السبزواري ـ غفر الله لهما ـ : لمّا رأيت الدعاء المنسوب إلىٰ كميل بن زياد ـ الذي علّمه الإمام الهمام القمقام ، الوصي الحاكم بالنص الجلي أعني : مركز دائرة
المطالب ، سيد المشارق والمغارب ، أسد الله الغالب ، علي بن أبي طالب عليهالسلام ـ دعاءً أسانيده عالية ، تراكيبه شامخة ، اندرج في مضامينه مطالب رفيعة ، وإشارات منيعة ، جارياً علىٰ ألسنة أهل الذكر أكثر الأوقات ، ولا سيّما ليالي الجمعات ، وقد
كنت دهراً طويلاً دعوت به في منتصف ليالي الجمعة ، ناوياً في قراءته إنجاح بعض مآربي ، مستعفياً لجرائمي ، مستغفراً لمآثمي ، إلىٰ أن سنح لي أن أشرحه
شرحاً يمتاز عن العبارات إشاراتها ، تسهيلاً للوصول إلىٰ معانيها الغامضة ومقاصدها
القاصية. وحيث ما كان لي عمل صالح أستظهر به عند الله والرسول ، فأرجو الله أن يكون هذا لي ممّا يمتسك به المذنبون ، ويعتصم به الخاطئون ، يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.
وكنت في دولة عليّة ،
قد رقد الناس فيها في مهاد الأمن والأمان ، وقعدوا عن الإجراء في البغي والاعتساف والطغيان ، ومن غاية الفراغ والارتياح تشتهي الضُئين أن ترتع مع الفهود والذؤبان ؛ من مهابة صاحبها السلطان ابن السلطان وخاقان ابن خاقان ، ناصر الملّة والدولة والدين ، قهرمان الماء والطين ، ناصر الدين ، شاه
قاجار ، خلّد الله ملكه وسلطانه ، وأبّد عيشه ، وأيد جيشه ، ونصر أعوانه.
فها أنا خائض في
المقصود ، بعون الله الملك المعبود ، فقال السائل :
بسم الله الرحمن
الرحيم
( اللهمّ )
أصله : « يا الله » ،
فحذفت كلمة « يا » وعُوّض عنها الميم المشدّدة ، تفخيماً وتعظيماً له تعالىٰ.
قال الشيخ أبو علي رحمهالله
: « الميم فيه عوض عن «
يا » ، ولذلك لا يجتمعان ، وهذا من خصائص هذا الاسم ، كما اختص « التاء » في القَسم » .
وقال الفراء : « أصل « اللهم » يا الله آمنّا بالخير ، أي اقصدنا به ، فخّفف
بالحذف ؛ لكثرة الدوران علىٰ الألسنة » .
والشيخ الرضي ردّ هذا الكلام بأنّه يقال أيضاً : اللهم
لا تؤمهم بالخير ، و « الله » قيل : هو غير مشقق من شيء ، بل هو علم لزمته الألف واللام.
وقال سيبويه : « هو مشتق ، وأصله : إلٰه ، دخلت عليه الألف واللام
فصار : الإلٰه ، ثم نُقلت حركة الهمزة إلىٰ اللام ، وسقطت فبقي ( الله ) ، فاُسكنت اللام
الاُولىٰ واُدغمت ، وفُخّم تعظيماً ، لكنه ترقّق مع كسر ما قبله » .
ويؤيد كلام سيبويه ما
ورد في بعض الأخبار ، ومنه قوله عليهالسلام : ( يا هشام الله مشتق من إله ، والإلٰه يقتضي مألوهاً ) ، ( كان إلٰهاً إذ لا مألوه ) .
وذكر صدرالمتألّهين السبزواري رحمهالله ، في ابتداء شرح دعاء الصباح كلاماً
_____________________________
يدلُّ
علىٰ عدم اشتقاقه من شيء ، فإنّه قال : « أصل « الله » ، كأن الهاء
المستديرة ؛ لمناسبة أنَّ الدائرة أفضل الأشكال وأصلها ، وأنها لا نهاية لها ؛ إذ الخط ينتهي
بالنقطة وهي طرف الخط ، ولا طرف للدائرة ، وأنّ البدء والختم فيها واحد ، وقد تكتب بالدائرتين إشارة إلىٰ الجمال والجلال ، وقد تكتب بدائرة واحدة إشارة
إلىٰ أنّ صفاته الحقيقية عين ذاته تعالىٰ. هذه هي المناسبة بحسب الرسم والكَتْب.
وأمّا المناسبة بحسب
اللفظ والنطق ، فلأنّها جارية علىٰ أنفاس الحيوانات كلّها ، سواء كانت أهل الذكر والعلم بالعلم التركيبي أو بالعلم البسيط.
ثم اُعرب بالضمّة ، إشارة
إلىٰ ترفّع المسمّىٰ ، ثم تارةً اُشبع ، إشارةً إلىٰ أنّه
تعالىٰ فوق التمام ، وأنّه فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهىٰ عدّة ومدّة وشدّة ، فصار
بالإشباع ( هو ) ( قُلْ
هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ) .
وتارة اُدخل عليه لام
الاختصاص والتمليك ، فصار : ( له ) فـ ( لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) . ثم اُشبع فتح اللام ، إشارة
إلىٰ أنه من عنده الفتوح التامّ ، فصار ( لاه ). ثمّ اُدخل عليه لام التعريف ، إشارة إلىٰ أنه تعالىٰ معروف ذاته لذاته
ولما سواه ( أَفِي
اللَّـهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) فصار ( الله ) »
انتهىٰ كلامه.
ثمّ إنَّ العلماء
أطبقوا علىٰ أنَّ هذا الاسم الشريف هو الاسم الأعظم ، وفيه أسرار لا تعدّ ولا تحصىٰ ؛ لأنّه ـ علىٰ الأصح ـ عَلَم للذات المقدّسة
الجامعة لجميع الصفات العليا والأسماء الحسنىٰ.
وفي الحديث : سُئل عليهالسلام عن معنىٰ ( الله ) فقال : ( استولىٰ علىٰ
ما دقّ وجلّ ) .
وفيه أيضاً : ( الله
معنىً يُدلّ عليه بهذه الأسماء ، وكلّها غيره ) .
أراد عليهالسلام أنّ سائر الأسماء معانيها مشمولة للذات الواجبة الجامعة لجميع
صفات
_____________________________
الكمالات
، التي هي مسمّىٰ الاسم ( الله ) بخلاف تلك الأسماء ، فإنّ كلاً منها يدلّ
علىٰ الذات ولكن لا مطلقاً ، بل ملحوظاً بتعيّن من التعيّنات النورية ، وسيأتي توضيح
ذلك عند قوله : ( وبأسمائك التي ملأت أركان كلّ شيء ) ، إن شاء الله تعالىٰ.
( إنّي )
أثبت السائل لنفسه
الإنيّة ، إشعاراً بأنّه ممسوس في إنيّة الإنيّات ، كما ورد : ( إنّ عليّاً ممسوس في الله ) أو إشارة بأنه ممسوس بالوجود ، والوجود
إشراق الله تعالىٰ : ( اللَّـهُ
نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) .
وهذا الامتساس من
أعظم النعماء التي أنعمه الله بها ، فحدّث بهذه النعمة العظمىٰ والمنّة القصوىٰ ، امتثالاً لقوله تعالىٰ : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ
فَحَدِّثْ ) .
هذا ، وإن كان إثبات
الإنية للنفس من أعظم الخطايا عند أصحاب الحقيقة وأرباب العيان ، كما قيل :
........................
|
|
وجودك ذنب لا يقاس
به ذنب
|
وقيل :
بيني وبينك إنّي
ينازعني
|
|
فارفع بلطفك إنّيِّ
من البين
|
إلّا إنّه من باب : (
حسنات الأبرار سيئات المقرّبين ) .
وبالإضافة وتوضيح
المقام : أنّه لمّا كان المقام مقام التضرّع والابتهال ـ كما قال تعالىٰ : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
) وقال : ( وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي
_____________________________
نَفْسِكَ تَضَرُّعًا
وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن
مِّنَ الْغَافِلِينَ ) ـ أشار السائل إلىٰ أنّه في أسئلته ودعواته ليس ممّن كتم ما أنعمه المنعم
وتكدّىٰ في ازدياد النعمة ضنّة وولعاً وإمساكاً وهلعاً ، بل اعترف في أوّل الأمر وابتداء
الحال بأنّه من المستغرقين في آلائه تعالىٰ ، ومن المستخلعين بخلعه الفاخرة ، من الوجود والحياة والقدرة والعلم والعرفان ، وغيرها من لواحق الوجود التي دارت معه حيثما دار ، كما قيل :
نور اُو آز يمن
ويسار وتحت وفوق
|
|
بر سر وبر گردنم
افكنده طوق
|
كمن لبس ثياب الخلعة
، وقام عند منعمه تعظيماً لإكرامه ، وحامداً لأنعامه ، قائلاً بلسان حاله الذي هو أفصح من لسان قاله ، بل أصدق منه : ربّ ( لا اُحصي ثناء عليك ،
أنتَ كما أثنيتَ علىٰ نفسك ) .
گر بهر مولى زبانى
باشدم
|
|
شكر يك نعمت نگويم ﭐز
هزار
|
وبالجملة
، ففي أمثال هذا المقام إن أثبت السائلون لنفوسهم الإنيّة فعلىٰ ضرب من المجاز ؛ لأنّه ـ كما حقق في موضعه ـ شيئية الشيء كانت بصورته وتمامه ، وتماميته بفاعله وعلّته ، كما قال الحكماء : نسبة الشيء إلىٰ فاعله بالوجوب والوجدان ، وإلىٰ قابله بالإمكان والفقدان.
ومن المعلوم أنّ فوق
التمام وعلّة العلل وفاعل الفواعل هو الحقّ الأوّل الجاعل تعالىٰ شأنه ، فالإشارة إلىٰ النفس في الحقيقة إشارة إلىٰ
مقوّمها ، سواء كان المشير من ذوي الاستشعار بهذا أم لا.
تو دير بزى كه من
برفتم ز نسيان
|
|
گر من گويم ز من
توئى مقصود
|
_____________________________
ولهذا قال معلم هذا
الدعاء عليهالسلام : ( معرفتي بالنورانية معرفة الله عزّ
وجلّ ) .
وقال صلىاللهعليهوآله : ( من رآني فقد رأىٰ الحقّ ) .
ففي الحقيقة هو
تعالىٰ كان سائلاً ومسؤولاً وذاكراً ومذكوراً ، كما قال الشاعر :
لقد كانت دهراً قبل
أن يكشف الغطاء
|
|
أخالُك أنّي ذاكر
لك شاكرُ
|
فلمّا أضاء الليل
أصبحتُ عارفاً
|
|
بأنّك مذكور وذكرٌ
وذاكرُ
|
فإذا كشف عنك غطاؤك ،
وحدّد بصرك تُصدّق بقوله تعالىٰ : ( إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّـهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ )
تصديقاً شهودياً.
( أسْألُكَ )
السؤال يستعمل في
الداني بالنسبة إلىٰ العالي ، بخلاف الالتماس فإنّه يستعمل في المساوي ، وأمّا في العرف فاشتهر بعكس ذلك.
( بِرَحْمَتِكَ التي
وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ )
المراد بالرحمة هنا :
الوجود المطلق الذي هو قسم من مطلق الوجود والمشيئة الفعلية كما ورد : ( إنّ الله خلق الأشياء [ بالمشيئة ] ، والمشيئة بنفسها ) .
والوجود المنبسط والفيض المنبسط الذي فاض علىٰ كلّ الماهيات والأعيان الثابتات المرحومة بها ، والفيض المقدس ؛ لأنه بذاته عارٍ عن أحكام الماهيات ، كما أنّ ظهور
ذاته تعالىٰ بالأسماء والصفات في المرتبة الواحدية يسمّىٰ بالفيض
الأقدس ، لا ما
_____________________________
هو
عبارة عن رقّة القلب ؛ لأنَّ استعمالها خاصّ بالممكن ، يقال : فلان رحيم ، أي رقيق قلبه ، يعني : إذا رأىٰ فقيراً مثلاً ـ وهو ذو النعمة والسعة ـ يترحم
عليه بالإعطاء.
ومن ألقاب ذلك الوجود
المطلق الذي عبّرنا به عن الرحمة : النفس الرحماني ، والإبداع ، والإرادة الفعلية ، والحقيقة المحمدية.
بيان مراتب الوجود
وتحقيق ذلك : أنّ للوجود
مراتب مختلفة بالشدّة والضعف : الوجود الحقّ ، والوجود المطلق ، والوجود المقيّد.
فالأول :
هو الوجود المجرّد عن جميع الأوصاف والألقاب والنعوت.
والثاني : هو صنع الله وفيضه القدس ، ومشيئته الفعلية ، ورحمته الواسعة
، وإبداعه وإرادته الفعلية ، والنفس الرحمانية ، وعرش الرحمن ، الماء الذي به حياة كلّ شيء ، وكلمة ( كن ) التي أشار إليها أمير المؤمنين عليهالسلام بقوله : ( إنّما يقول لما أراد كونه : كن فيكون ، لا بصوت يقرع ولا بنداء يسمع ) .
وفعل الله ، وبرزح البرازخ ، وغير ذلك من الأوصاف والألقاب.
والثالث : أي الوجود المقيّد : وهو أثره تعالىٰ ، كوجود العقول
والنفوس ، والملك والفلك والإنسان والحيوان ، وغير ذلك.
أقسام الرحمة
فإذا عرفت هذا ، فاعلم
أنَّ الرحمة رحمانية ورحيمية ، وهي مختصة بأهل التوحيد ، وهم العالمون بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر. وبالجملة ، الذين
هداهم الله إلىٰ صراط مستقيم ، وعرّفهم توحيده وأنبياءه وأولياءه وما جاء به
النبيون.
والرحمة الرحمانية لا
تختص بشيء دون شيء ، بل هي وسعت كلّ شيء ،
_____________________________
ومرحومة
بها جميع الماهيات ، من الدرّة البيضاء إلىٰ الذرّة الهباء ، حتّى أنّ
الكافر والكلب والخنزير وإبليس ، وكلّ ما تراه في غاية القذارة والحقارة والملعنة أيضاً مرحومة بها ؛ إذ تلك الرحمة أمر الله الذي يأتمر به كلّ موجود ، وكلام الله الذي
لا خالق ولا مخلوق ، وفعل الله الذي اشتمل علىٰ كلّ المفاعيل ، وخطاب الله
المتخاطب به جميع الأعيان الثابتة ، وصنع الله الذي كلٌّ مصنوع بذلك الصنع.
فمن كان له عقل صريح
وقريحة مستقيمة بعلم أنَّ الصانع هو الله ، والصنع ذلك الوجود ، والمصنوع الموجودات ، وكذلك الآمر والأمر والمؤتمر ، والخالق والخلق المخلوق ، والمتكلم والكلام والمخاطب ، والرحمن والرحمة والمرحوم ، وهكذا ، وفي الحديث القدسي قال : ( رحمتي تغلب علىٰ غضبي )
، يعني : تعلّق إرادته تعالىٰ بإيصال الرحمة أكثر من تعلّقها بإيصال العقوبة ، فإنَّ الرحمة من مقتضيات صفة الرحمانية والرحيمية ، والغضب ليس كذلك ، بل هو باعتبار المعصية.
وفي الحديث : ( إنّ
الله تعالىٰ مائة رحمة ) .
أقول : كأنّه عليهالسلام أراد الكثرة لا تحديد إذ علمت أنَّ رحمته تعالىٰ صفته ،
وصفات الله كلّها غير متناهية ، فإنّه حُقّق في موضعه أنَّ صفاته الحقيقية عين
ذاته تعالیٰ ، وذاته غير متناهية عدّة ومدّة وشدّة ، فكذلك صفاته غير
متناهية.
ثم إنَّ الشيء في
قوله : ( كُلَّ شَيء ) بمعنىٰ : مشيء وجوده وهو الماهية ؛ إذ هي مشيء وجودها.
والباء في قول السائل
: ( برحمتك ... ) إلىٰ آخره ، للاستعانة ، ويجوز أن تكون للسببية ، وفيه إشارة إلىٰ أنه مرحوم بكلتا الرحمتين.
أمّا بالرحمة الرحمانية ، فوجوده ومشاعره وأعضاؤه وجوارحه جميعاً شاهدة علىٰ مرحوميته ومرزوقيته من الله تعالىٰ ، إذ ورد عن أمير
المؤمنين عليهالسلام حين
_____________________________
سُئل
عن الرحمن ، قال : ( الرحمن هو الذي يرحم ببسطه الرزق علينا ، والرحيم هو العاطف علينا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا ، وخفف علينا الدين فجعله سهلاً خفيفاً ،
وهو يرحمنا بتمييزنا من أعدائه ) .
بيان أرزاق الموجودات
اعلم أنّ جميع
الموجودات مرزوقة من الله تعالىٰ ، كلّ علىٰ حسب ما تقتضيه العناية الإلٰهية ، فرزق العقول الكلّية هو مشاهدة جمال الله تعالىٰ
وجلاله ، والالتذاذ بالاستغراق في تجلّياته وإشراقاته.
ورزق النفوس : اكتساب
الكمالات ، واقتناء العلوم والصناعات.
ورزق الأملاك : التسبيح
والتهليل والتقديس ، إذ رزق كلّ شيء ما به يتقوّم ذلك الشيء.
ورزق الأفلاك : هو
حركاتها الدورية ، وتشبّهاتها بالملأ الأعلىٰ الوضعية .
ورزق البدن : ما به
نشوؤه وكماله ، علىٰ نسبته اللائقة به.
ورزق الحواس : إدراك
المحسوسات ، فرزق الباصرة : المبصرات ، والسامعة : المسموعات ، والذائقة : المذوقات ، والشامّة : المشمومات ، واللامسة : الملموسات.
ورزق البنطاسيا : إدراك
جميع المحسوسات الظاهرة والباطنة ، غيرما يدرك بالوهم.
ورزق الخيال : ما
يأتيه من الحسّ المشترك ويحفظه.
ورزق المتخيلة : درك
الصور الجزئية المجرّدة عن المادّة.
ورزق الواهمة : إدراك
المعاني الجزئية.
ورزق العاقلة : إدراك
المعاني الكلّية.
_____________________________
حتّىٰ أن رزق
الماهيات : الوجودات الخاصة.
وأمّا إنّ السائل
مرحوم برحمته الرحيمية ، فأيمانه وأسئلته دالّة عليها دلالة واضحة.
( وبِقُوَّتِكَ الَتي
قَهَرْتَ بِهَا كُلَّ شَيء )
بيان القوىٰ
العشر الظاهرة والباطنة
المراد بالقوّة : القدرة
، لا استعداد الشيء ، كالتي هي قسط الهيولىٰ من مطلق الكمال ، كما عرفت بأنّها جوهر بالقوّة المحضة ، جنسها مضمّن في فصلها ، وفصلها مضمّن في جنسها. ولا من سنخ القوىٰ العشر التي أودعها الله تعالىٰ في
الإنسان ، سبعة منها مدركة للجزئيات ، وهي : الواهمة المدركة للمعاني ، والحس المشترك ، والباصرة ، والسامعة ، والذائقة ، والشامّة ، واللامسة. واثنتان منها هما المحرّكة
: محرّكة العاملة ومحرّكة الشوقية. وعاشرها : العقل ، أي العاقلة ، وهي المدركة للكلّيات ، وهي
منشعبة إلىٰ أربع قوى :
بيان انشعاب العقل
إلىٰ أربع قوى
أحدها :
هي القوّة الغريزية التي يستعدّ بها الإنسان لإدراك العلوم النظرية ، ويفارق بها البهائم ، فكما أنَّ الحياة تهيئ الجسم للحركات الإرادية والإدراكات الحسيّة ، فكذا القوة الغريزية تهيئ الإنسان للعلوم النظرية والصناعات الفكرية.
الثانية : قوّة يحصل بها العلم بأنّ الاثنين مثلاً أكثر من الواحد ، والشخص
الواحد لا يكون في زمانين ومكانين.
والثالثة : قوّة تحصل بها العلوم المستفادة من التجارب بمجاري الأحوال.
والرابعة : قوّة بها يعرف الإنسان عواقب الأمور ، فيقمع الشهوة الداعية
إلىٰ اللذّة العاجلة ، ويتحمل المكروه العاجل لسلامة الآجل.
فإذا حصلت تلك
القوىٰ سُمّيّ صاحبها : عاقلاً ، فالأُولىٰ والثانية حاصلة بالطبع ، والثالثة والرابعة حاصلة بالاكتساب.
وإلىٰ ذلك أشار
أمير المؤمنين عليهالسلام بقوله :
( رأيت العقل عقلين
|
|
فمطبوع ومسموعُ
|
ولم ينفعك مسموع
|
|
إذا لم يك مطبوعُ
|
كما لا تنقع الشمس
|
|
وضوء العين ممنوعُ )
.
|
وإنّما لا يجوز إطلاق
القوة بهٰذه المعاني علىٰ الله تعالىٰ ؛ إذ جميع ذلك استعدادات وإمكانات وانفعالات وإن نعدّها وجودات ، فكانت من جملة قدرته الفعلية التي سنفصل لك ونبيّن أن جميعها جهات قادريته تعالىٰ.
بل القدرة ـ كالعلم ـ
ذات مراتب ، ومرتبة منها هي الواجبة بذاتها ، وهي قدرته الذاتية ، ومرتبة منها عين الوجود المنبسط ، وهي قدرته الفعلية.
وجميع الأشياء
مقدورات لله تعالىٰ بهذه القدرة الفعلية ، وانقهارها استهلاكها واضمحلالها تحتها ؛ لأنّها بذواتها ليست أشياء علىٰ حيالها ، ولهذا ورد عن
الشرع الأنور : ( لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم ).
وقوله : ( وبقوّتك
التي قهرت بها كلّ شيء ) أي بقوتك الفعلية التي هي تحت قدرتك الذاتية التي قهرت بها جميع المقدورات. والباء في قوله : ( بها ) سببية ، أو
بمعنىٰ : مع.
( وَخَضَعَ لها كُلُّ
شَيءٍ ، وذَلَّ لَها كُلُّ شَيء )
الضمائر الثلاثة
راجعة إلىٰ القوة. والخضوع ـ كالخشوع ـ : التواضع خوفاً ورجاءً ، وقد يُفرّق بينهما بأنَّ الخضوع يستعمل في البدن ، والخشوع في الصوت .
_____________________________
مثل
قوله تعالىٰ : ( وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ )
.
وقد لا يفرق بأنَّ
الخضوع ـ أيضاً ـ استعمل في القول والصوت ، كقوله تعالىٰ : ( فَلَا
تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ) .
فقوله : ( وخضع لها
كلّ شيء ، وذلّ لها كلّ شيء ) مثل قوله تعالىٰ : ( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ) أي ذلّت وخضعت الوجودات له
تعالىٰ ؛ لأنّه مالك رقابها ، وآخذ بناصيتها ، وقيّومها ومقوّمها ، وبفيضه تعالىٰ قوام الأشياء ، وبسببه حياتها.
گر فيض تو يک لمحه
بعالم نرس
|
|
معلوم ثمود بود
ونبود همه کس
|
( وذلّ ) من الذُل ـ بالضم ـ ضدّ العز ، أي
هان لها كلّ شيء. ويحتمل أن يكون من الذِّل ـ بالكسر ـ ضدّ الصعوبة ، أي انقاد لها كلّ شيء.
( وَبِجَبَروتِكَ
التي غَلَبْتَ بِها كُلَّ شَيء )
وجه تسمية عالم العقول
بالجبروت
جبروت : فَعَلُوت ، من
الجبر ، وهو تعالىٰ جبار ؛ لأنّه يجبر نقائص الممكنات بإفاضة الخيرات عليها ، ويكسو العناصر صور المركبات ، فيخبر نقصانها. وخصّ استعمالها بعالم العقول ، طولية كانت أو عرضية ، صعودية كانت أو نزولية.
وجه تسمية عالم الأسماء
والصفات باللاهوت
كما أنّه خصّ استعمال
« اللاهوت » بعالم الأسماء والصفات ، أي عالم الواحدية ، وهو المسمّىٰ في لسان الشرع الأنور بـ ( الأُفق الأعلىٰ ) و ( الأفق
المبين ) ، وهو مقام : ( قَابَ
قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ) . وهو منتهىٰ سير السالكين
العارفين ، وكان مقام نبيّنا
_____________________________
محمد
صلىاللهعليهوآله ، وإلىٰ ذلك المقام أشار جبرائيل
بقوله : ( لو دنوت أنملة لاحترقت ) ، كما قيل :
أحمد ار بُگشايد آن
پرُ جليل
|
|
تا أبد مدهوش ماند
جبرئيل
|
وجه تسمية عالم المثال
بالملكوت
وخصّ استعمال « الملكوت
» بعالم الباطن من عالم المثال الأعلىٰ والأسفل ، أي عالم النفوس مطلقاً وعالم الصور الصرفة ، وباصطلاح حكماء الإشراق
: عالم المُثل المعلقة.
وجه تسمية عالم الأجسام
بالناسوت
وخصّ استعمال « الناسوت
» بعالم الطبائع ، أي عالم الجسم والجسماني ، وبعبارة اُخرىٰ : عالم الزمان والزمانيات.
كما أنّ « الملكوت » يطلق
علىٰ عالم الدهور أيضاً ، كما قال تعالىٰ : ( وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ
) .
فليعلم أنَّ أول ما
صدر من الحقّ الحقيقي هو العقل الأول ، والممكن الأشرف الأجلّ ، كما قال صلىاللهعليهوآله : ( أول ما خلق الله تعالىٰ
العقل ) ، وبرواية اُخرىٰ : ( أول ما خلق الله نوري ) ، و ( روحي ) . وهو المسمّىٰ في الكتاب
الإلٰهي والفرقان السماوي بـ ( أُمُّ الْكِتَابِ ) ، كقوله تعالىٰ : ( وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ )
، وبالقلم كقوله : ( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) .
فهو لاشتماله
علىٰ جميع الحقائق ، لكونه بسيط الحقيقة ، جامعاً لكمالات ما
_____________________________
دونه
بنحو اللّف والجمع ، سُمّي بـ ( اُمّ الكتاب ) ؛ إذ الاُمّ بمعنىٰ الأصل ، فهو
أصل جميع الكتب ومنبعها ، وكتابيته باعتبار ماهيته.
كما أنَّ عالم العقول
بهذا الاعتبار سُمّي بـ « الأرض البيضاء » ، كقوله عليهالسلام : ( إن لله أرضاً بيضاء مشحونة خلقاً ، يعبدون الله ويسبّحونه ويهللونه ، ولا يعلمون أنّ الله
خلق آدم ولا إبليس ) ؛ وذلك لأنّ الوجود المنبسط والرحمة
الواسعة تختلف أسماؤه باعتبارات شتىٰ [ في ] نفس الأمرية ، فإنّه مضافاً إلىٰ الله
تعالىٰ إيجاده وصنعه كما مرَّ ، ومضافاً إلىٰ الماهية وجودها ، ومن حيث إنّه كالقلم بين أصابع الرحمن
يكتب علىٰ صفحات القوابل : « قلم » ومن حيث المثبت في الألواح العالية من اللوح المحفوظ ولوح القدر « كتابه » كما قيل :
بزد آنكه جانش در
تجلّى است
|
|
همه عالم كتاب حق
تعالىٰ است
|
عرض اعراب وجوهر
چون حروف است
|
|
مراتب همچو آيات
وقوف است
|
از او هر علمی
چون سورهای خاص
|
|
يکی زان
فاتحه وآن ديگر اخلاص
|
ومن حيث كونه علّة
مؤدّية لوجود المقضي : « قضاء » ، ومن حيث إنه يعيّن شكل المقضي ويقدّر مقداره : قدر.
وبالجملة ، من حيث
إنّه كلمة « كن » الوجودية : ( كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ) .
ثم صدر بتوسّطه العقل
الثاني ، ثم الثالث ، إلىٰ العاشر ، وهو المسمّىٰ عند الحكماء بـ « العقل الفعّال » ، وعند العرفاء بـ « روح القدس » ، وفي لسان الشرع
الأطهر بـ ( جبرائيل ).
_____________________________
وهذا الترتب العلّي
بين العقول العشرة علىٰ طريقة حكماء المشّائين
، وأمّا علىٰ مذهب الإشراقيين لا ترتّب بينها ، بل هي عندهم متكافئة
، ولا نهاية لها.
والعرفاء يسمون
العقول : أرباب الأنواع ، فالجبروت اسم لذلك العالم جملة.
فقد عُلم ـ بما ذُكر ـ
أنَّ وجود العقول غالب ومقدّم علىٰ كلّ شيء ، لأنّه أصل في التحقق والجعل ، فهو غالب علىٰ جميع الماهيات ، وقاهر عليها بالحقّ بعد
الحقّ ، فهو تعالىٰ إذا كان بجبروته ـ التي هي عالم من عوالمه ـ قاهراً علىٰ
الأشياء ، فمقهورية الكلّ تحت نور ذاته الظاهرة لا خفاء بها ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) .
( وَبِعِزَّتِكَ التي
لا يقَومُ لَها شَيءٌ )
العزّة : المغالبة
والممانعة ، أو بمعنىٰ القوّة ، وجاءت لندرة الوجود.
وفي القاموس : « عزّ
يعزُّ عِزّاً وعزّةً وعزازة ـ بكسرها في الثلاثة ـ : صار عزيزاً ، كمعزّز ، وقوي بعد ذلّة ، وأعزّه وعززه ، والشيءُ : قلّ فلا يكاد يوجد » .
فإن اُخذت
بمعنىٰ ندرة الوجود فباعتبار رؤيته تعالىٰ في صورة مظاهره الأكملين النادريّ الوجود الأقلّين ، كما قال عليهالسلام : ( هؤلاء الأقلون ) .
وقيل :
خليلي قطّاع
الفيافي إلىٰ الحمىٰ
|
|
كثيرٌ وأما
الواصلون قليلُ
|
_____________________________
وإن اُخذت
بمعنىٰ القوة بعد الذلّة فمن باب التجريد ، إذ لا أوّليه لعزّته
تعالىٰ ، ولا تكون له ذلّة حتّىٰ انصرف منها وصار عزيزاً ووجدت له عزّة بعد ذلّة ، بل هو
العزيز المقتدر أزلاً أبداً ، لا يعتريه فترة ، تعالىٰ عن ذلك علوّاً كبيراً.
ولكنّ الحقّ ، أنّ
عزّته تعالىٰ كسائر صفاته الحقيقية عين ذاته ، وكيف كان لها مقاوم ومقابل ، والحال أنّه لا ثاني له تعالىٰ : ( شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا
إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .
( وَبِعَظَمِتَكَ
التي مَلأتْ كُلَّ شَيء )
أفعال الله الحسية وفيه
ذكر بيان معاني العرش
العظمة :
الكبرياء ، والتعظيم : التبجيل والتوقير ، وعظمة الفاعل تظهر بعظمة فعله ، ومن جملة أفعاله « الفلك الأقصىٰ » الذي هو عرش الله تعالىٰ ، إذ
للعرش إطلاقات أربع :
قد يطلق العرش ويراد
به علمه المحيط.
وقد يطلق ويراد به
الفيض المقدّس.
وقد يطلق ويراد به
عالم العقل.
وقد يطلق ويراد به
الفلك الأطلس.
ولمّا كان هو من حيث
الكمية والكيفية أعظم الأجسام ، وصفه تعالىٰ بالعظمة في كلامه المجيد ، وقال : ( رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ )
. وخصّه بالذكر ؛ إذ جميع الأجسام مشمولة ، وهو محيط بجميعها.
ومن جملة الأجسام : الفلك
الثامن الذي يسمّىٰ بـ « الكرسي » ، ويشتمل علىٰ كرات وأجرام منيرة وكواكب مضيئة.
_____________________________
بيان مقدار عظم الكواكب
الثابتة والسّيارة
وقد حُدّد في علم
الهيئة أنَّ أعظم الثوابت المرصودة مقدار جرمه مائتان واثنان وعشرون مثل مقدار جرم الأرض ، وأصغرها مقدار جرمه ثلاثة وعشرون مثل مقدار جرم الأرض. وأنّ مقدار جرم زحل من الكواكب السيارة اثنان وثمانون مثل جرم الأرض ، ومقدار جرم المشتري مائة وثمانون مثل مقدار جرم الأرض ، وأنّ مقدر المريخ ثلاثة أمثال مقدار الأرض ، ومقدار جرم الشمس ثلاثمائة وستة وعشرون مثل مقدار الأرض.
وهكذا سائر الثوابت
والسيارات التي قد حدّدت مقاديرها ، ولا يعلم عددها إلّا هو ، وكذا طبقات الأرض ، من الطينية والصرفة ، والطبقة التي صارت مسكن المواليد الثلاثة.
بيان أفعال الله
المعنوية
وسائر المركّبات
كلّها فعلٌ ؛ إمّا من أفاعيله ـ سبحانه ـ الحسّية ، وإمّا أفعاله المعنوية من العقول والنفوس ، والصور البرزخية التي لا يعلم حسابها إلّا الله
تعالىٰ. بل من جملة أفعاله الحسية والمعنوية معاً خلقة الإنسان الذي هو جالس بين الحدّين ، وجامع للحسنيين ، وواسطة بين الإقليمين ، الذي فؤاده بيت يتراءىٰ
فيه جميع أفعاله تعالىٰ ، من السماء والسماوي ، والأرض والأرضي ، بل كلّ إنسان
مع ما في قلبه في قلب الأناسي الاُخر.
وبالجملة
، فبهذه يظهر عظمة الله تعالىٰ ، والوجود المنبسط الذي قد مرّ أنّه صنع الله وفعله ، طبق وملأ تجاويف الأشياء ، وهو كخيط ينظم شتاتها ، وجامع متفرّقاتها
، بحيث لا يعزب عن حيطته شيء. وقد مرّ أنه في العقل عقل ، وفي النفس نفس ، وفي الجوهر جوهر ، وفي العرض عرض ، وبذاته لا شيء منها.
ليس الوجود جوهراً
ولا عرض
|
|
عند اعتبار ذاته بل
بالعرض
|
( وَبِسُلْطَانِكَ الذي عَلا كُلَّ شَيء )
السلطان : الحجّة والبرهان. وقوله تعالىٰ : ( وَنَجْعَلُ لَكُمَا
سُلْطَانًا ) يجوز أن يكون بمعنىٰ الغلبة والتسليط ، ويحتمل أن يكون بمعنىٰ الحجّة ، أي
يجعل لكم حجّة وبرهاناً. والسلطنة : القوة والغلبة.
علا يعلو : ارتفع
وتفوّق ، وفاق.
وفي القاموس : « السلطان
: الحجّة ، وقدرة الملك ـ ويضم لامه ـ والوالي » .
وهاهنا بجميع معانيه
صادق عليه تعالىٰ ؛ لأنّ حجّته وبرهانه وسلطنته وغلبته وكذا قدرته وتوليته علت وفاقت علىٰ جميع الأشياء.
ثم إنّ من حججه
وبراهينه خلفاءه تعالىٰ في أرضه ، وأمناءه في بلاده الذين افتتحت منهم الباديات ، واختتمت بهم العائدات ، كما ورد : ( بكم فتح الله وبكم يختم ) . فإنّه لمّا كان مقامهم بحسب الروحانية مقام العقول الكلّية ـ
وهي وسائط جوده تعالىٰ بحسب النزول ، وروابط الحوادث بالقديم بحسب الصعود ـ كان افتتاح
الفيض منهم واختتامه بهم.
فهم عليهمالسلام ـ بشراشر وجودهم ـ حجج الله تعالىٰ علىٰ عباده ، التي
لا تعلوها حجّة سوىٰ ذاته تعالىٰ ؛ إذ عقولهم الصحيحة الكافية المستكفية حجج
علىٰ العقول ، ونفوسهم المطمئنة المعلّمة حجج علىٰ النفوس ، وأقوالهم الشافية الوافية حجج للمحبين ، وأفعالهم الخالصة الصافية حجج للعالمين المستكملين المسترشدين.
ومن حججه وبراهينه
النفوس المتعلّمة بالأسماء بالقوّة ، كما ورد عن أمير
_____________________________
المؤمنين
عليهالسلام : ( الصورة الإنسانيّة هي أكبر حجج
الله علىٰ خلقه ، وهي الكتاب الذي كتبه بيده ، وهي الهيكل الذي بناه بحكمته ، وهي مجموع صور العالمين ، وهي المختصر من اللوح المحفوظ ، وهي الشاهدة علىٰ كلّ غائب ، وهي الحجة علىٰ كلّ جاحد
، وهي الطريق المستقيم إلىٰ كلّ خير ، وهي الجسر الممدود بين الجنّة والنار ) .
والآيات الفرقانيّة
والكلمات الحكميّة والعرفانيّة في هذا الباب كثيرة جداً.
منها قوله تعالىٰ : ( اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ
حَسِيبًا ) ، وقوله : ( وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) ، وقوله تعالىٰ : ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي
الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ) ، وقوله تعالىٰ : ( وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا
لِّمَا مَعَهُمْ ) .
وقوله عليهالسلام ( من عرف نفسه فقد عرف ربه )
وقوله : ( أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه ) .
وقال صدر المتألّهين
السّبزواري قدسسره في النّبراس الذي نظّمه في الفقه :
لا تعد عنك بك
للكلّ اتّسا
|
|
آسيك فيك دافع عنك الأسىٰ
|
كلّ الكمال من
وجودك اقتبس
|
|
منك اثنتا عشرة عيناً تنبجس
|
وكلّ نادٍ يستضئ من
باينه
|
|
والقلب نادٍ يستضئ من باطنه
|
وهذه الأبيات كانت
ترجمة كلام أمير المؤمنين عليهالسلام :
دواؤك فيك ولا تبصر
|
|
وداؤك منك ولا تشعرُ
|
وأنت الكتاب المبين
الذي
|
|
بأحْرُفِه يظهرُ المُضمرُ
|
أتزعم انّك جرم
صغير
|
|
وفيك انطوىٰ العالم الأكبرُ
|
_____________________________
وقال قدسسره في الأبيات الفارسيّة :
فلك دوران زند بر
محمد محور هى
|
|
وجود هر عالم مظهر
هى
|
بر آن نقش كه بر
لوح از قلم رفت
|
|
نوشته دست حق بر
دفتر هى
|
ومن حججه البالغة في
تفسير قوله تعالىٰ : ( فَلِلَّـهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ )
: أنّه تعالىٰ يقول يوم القيامة للعبد : ( عبدي كنت عالماً ؟ فإن قال : نعم ، قال له : أفلا عملت
؟! وإن قال : كنت جاهلاً ، قال : أفلا تعلّمت حتّىٰ تعمل ؟! فيخصمه ، فتلك الحجّة البالغة
) .
( وَبِوَجْهِكَ ﭐلْباقِي
بَعْدَ فَنَاءِ كُلِّ شَيءٍ ).
هذا كقوله
تعالىٰ : ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ )
، وقوله : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )
.
در نعت بقا
|
|
نيست كسى با تو
مشارك
|
ذات تو بود باقي
|
|
وباقي هم هالك
|
قد جاء « الوجه » لمعانٍ
كثيرة ، ولا شيء منها يناسب هذا المقام إلّا الوجود المطلق الذي هو وجه الله القديم ، وفيضه الغير المنقطع العميم ، والمحيط بجميع الأشياء ، المشار إليه بقوله تعالىٰ : ( فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ وَاسِعٌ
عَلِيمٌ ) إذ قد عرفت أنَّ ذلك الوجود المطلق الذي هو وجه الله الباقي وفيضه الدائم داخل في صقع الربوبية ، وكالمعنىٰ الحرفي ، لا حكم له علىٰ حياله ، فبقاؤه
ببقائه لا باستقلاله.
ومن جملة معاني الوجه
: ذات الشيء ، قد جاءت بهذا المعنىٰ في الدعاء المخصوص بتعقيب صلاة الصبح أو المشترك بين الصباح والمساء ، وهو هذا : ( اللهُمَّ
_____________________________
إنّي
أصبحت ـ أو أمسَيتُ ـ اُشهدك ـ وكفىٰ بك شهيداً ـ واُشهد ملائكتك ، وحَمَلة
عرشك ، وسكّان سماواتك وأراضيك وأنبياءك ورسُلكَ ، والصالحين من عبادك وجميع خلقك ، فاشهد لي ـ وكفىٰ بك شهيداً ، إني أشهد أنّك أنت الله ، لا إله إلّا أنت
وحدك لا شريك لك ، وأنَّ محمّداً عبدك ورسولك ، صلواتك عليه وآله ، وأن كلّ معبود ممّا دون عرشك
إلىٰ قرار أرضك السابعة السّفلىٰ باطلٌ مضمحل ، ما خلا وجهك الكريم فإنّه أعزّ وأكرم
من أن يصف الواصفون كُنه جلاله ، أو تهتدي القلوب إلىٰ كنه عظمته.
يا مَن فاق مدح
المادحين فخر مدحه ، وعدا وصف الواصفين مآثر حمده ، وجلّ عن مقالة الناطقين تعظيم شأنه ، صلّ علىٰ محمّد وآل محمّد ، وافعل بنا ما أنت
أهله ، يا أهل التقوىٰ وأهل المغفرة ) .
فاعلم أنّه إذا
تجلّىٰ تعالىٰ باسمه القهّار المفني في الطّامة الكبرىٰ التي
قال تعالىٰ : ( إِنَّهُمْ
يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا )
( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ ) ، وقال تعالىٰ : ( لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ
) وحيث لم يبق أحد من المالكين المجازي ، إذ الكل يفنىٰ عند تجلّيه الأعظم ، ما من مجيب تعالىٰ ، فأجاب
نفسه بقوله : ( لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ )
.
وحينئذٍ يظهر أنّه
تعالىٰ مالك ملك الوجود بالعيان والشهود ، وأنَّ ما سوىٰ الحق المعبود المحمود ـ ممّا استظل بظله الممدود ، وادّعىٰ مالكية سهم من الوجود ـ
كان مثله ( كَسَرَابٍ
بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ
شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّـهَ عِندَهُ ) .
فكان السائل والمجيب
في الآخر هو السائل والمجيب في الأوّل ـ يعني : في عالم الذرّ ـ إذ هنالك أيضاً حين قال تعالىٰ : ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) أجاب نفسه بقوله :
_____________________________
( بَلَىٰ ) ؛ لأنّ العباد ما كانوا موجودين
بوجوداتهم الخاصّة المتفرّقة حتىٰ أجابوا الله تعالىٰ.
هم خود ( أَلَسْتُ
) گويد
|
|
وهم خود ( بَلَىٰ
) كند
|
بل كانوا موجودين
بالوجود العلي لله تعالىٰ ، وإلىٰ ذلك المقام أشار العارف الرومي رحمهالله في المثنوي :
متحد بوديم ويك
جوهر همه
|
|
بی سر وبی
پا بديم آن سر همه
|
يك گهر بوديم همچون
آفتاب
|
|
پيکره بوديم وصاحی
همچه آب
|
چون بصورت آمد آن
نور سره
|
|
شد عدد چون سايههای
کنگره
|
کنگره ويران کنيد
از منجنيق
|
|
تا رود فرق از ميان
اين فريق
|
هذا وإن كانت
الماهيّات عند أرباب الشهود والبيّنات مستهلكةً ومندكّةً في نور الوجود أزلاً أبداً ، كما قالوا : الأعيان الثّابتة ما شمّت رائحة الوجود أزلاً
أبداً. والملك والبقاء لوجهه الكريم وفيضه القديم ، ولا حول ولا قوّه إلّا بالله العلي
العظيم.
( وَبِأَسْمَائِكَ
الَّتي مَلَأَتْ أَرْكانَ كُلِّ شَيءٍ )
الأسماء : جمع اسم.
قال الجوهري : « الاسم
مشتق من : سَموتُ ؛ لأنّه تنويه ورفعة وتقدير ، ووزنه : افعٌ ، والذاهب منه الواو ؛ لأن جمعه : أسماء ، وتصغيره : سُمَيّ » .
وقال بعض الكوفيّين :
« أصله وسم ، لأنّه من الوسم وهو العلامة ، فحذفت الواو وهي فاء الكلمة ، وعوّض عنها الهمزة ، فوزنه : اعل » .
واستضعفه المحقّقون.
أقول : الاسم ما أنبأ
عن المسمّىٰ ، إن كان المسمّىٰ هو الذات لا بشرط شيء فهو
_____________________________
اسم
للذات ، كلفظ الجلالة ، فإنّه اسم الذات الواجب الوجود ، المستجمع لجميع صفات الكمالات ، من دون تعيين صفة من الصفات ، وملاحظة تعيّن من التعيّنات معها.
أسماء الصّفات
وإن كان
المسمّىٰ هو الذات ولكن بشرط شيء ، وبعبارة اُخرىٰ : ملحوظ بتعيّن من التعيّنات النورية ، كالعلم والقدرة والحية وغيرها فهو اسم الصفة ، كالعلم
والقادر والمريد والحي ، إلىٰ آخر أسماء الصّفات.
بيان أقسام ثلاثة
لأسماء الله تعالىٰ
وعن بعض أهل التحقيق
، قال : « الأسماء بالنسبة إلىٰ ذاته المقدّسة علىٰ ثلاثة أقسام :
الأول :
ما يمنع إطلاقه عليه تعالىٰ ، وذلك كلّ اسم يدلّ علىٰ معنىً ، يحيل
العقل نسبته إلىٰ ذاته الشريفة ، كالأسماء الدالّة علىٰ الاُمور الجسمانيّة
، أو ما هو مشتمل علىٰ النقص والحاجة.
الثاني :
ما يجوز عقلاً إطلاقه عليه تعالىٰ وورد في الكتاب العزيز والسنّة الشريفة تسميته تعالىٰ به ، فذلك لا حرج في تسميته به ، بل يجب امتثال الأمر
الشرعي في كيفيّة إطلاقه ، بحسب الأحوال والأوقات والتعبدات ، إمّا وجوباً ، أو ندباً.
الثالث :
ما يجوز إطلاقه عليه ولكن لم يرد ذلك في الكتاب والسنّة ، كالجوهر ، فإنّ أحد معانيه كون الشيء قائماً بذاته ، غير مفتقر إلىٰ غيره ، وهذا
المعنىٰ ثابت له تعالىٰ ، فيجوز تسميته به ؛ إذ لا مانع في العقل من ذلك ، لكنّه ليس من
الأدب ؛ لأنّه وإن كان جائزاً عقلاً ولم يمنع منه مانع ، لكنّه جاز أن لا يناسبه من جهة
اُخرىٰ لا نعلمها ، إذ العقل لم يطّلع علىٰ كافّة ما يمكن أن يكون معلوماً ، فإن
كثيراً من الأشياء
لا
نعلمها إجمالاً ولا تفصيلاً ، وإذا جاز عدم المناسبة ولا ضرورة داعية إلىٰ
التسمية ، فيجب الامتناع من جميع ما لم يرد به نصّ شرعيّ من الأسماء.
وهذا معنىٰ قول
العلماء ؛ « إن أسماء الله تعالىٰ توقيفيّة » ، يعني : موقوفة علىٰ
النصّ والإذن في الإطلاق.
بيان أقسام أربعة
لأسمائه تعالىٰ
إذا تقرر هذا ، فاعلم
أنّ أسماءه تعالىٰ إما أن تدلّ علىٰ الذات فقط من غير اعتبار أمر ، أو مع اعتبار أمر ، ذلك الأمر إمّا إضافة ذهنية فقط ، أو سلب فقط ، أو إضافة
وسلب. فالأقسام أربعة :
الأول : اسم الذات فقط
فالأول :
ما يدل علىٰ الذات فقط ، وهو لفظ : « الله » ، فإنّه اسم للذات الموصوفة بجميع الكمالات الربانيّة ، المتفردة بالوجود الحقيقي ، فإن كل موجود سواه غير مستحق للوجود بذاته ، بل إنّما استفاده من الغير. ويقرب من هذا الاسم لفظ « الحقّ » ، إذا اُريد به الذات من حيث هي واجبة الوجود ، فإنّ الحقّ يراد به : دائم
الثبوت ، والواجب ثابت دائماً غير قابل للعدم والفناء ، فهو حقّ ، بل هو أحقّ من
كلّ حقّ.
الثاني : أسماء الذات
مع إضافة
الثاني :
ما يدلّ علىٰ الذات مع إضافة كـ « القادر » ، فإنّه بالإضافة إلىٰ
مقدور تعلقت به القدرة بالتأثير. و « العالم » فإنه أيضاً اسم للذات ، باعتبار انكشاف
الأشياء لها ، و « الخالق » فإنه اسم للذات باعتبار تقدير الأشياء ، و « البارئ » فإنّه
اسم للذات باعتبار اختراعها وإيجادها ، و « المصوّر » باعتبار أنّه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب ، و « الكريم » فإنّه اسم للذات باعتبار إعطاء السؤالات ، والعفو عن السيئات.
و « العليّ » اسم
للذات باعتبار أنه فوق سائر الذوات ، و « العظيم » فإنّه اسم للذات
باعتبار
تجاوزها حدّ الإدراكات الحسّية والعقليّة ، و « الأول » باعتبار سبقه علىٰ الموجودات ، و « الآخر » باعتبار صيرورة الموجودات إليه ، و « الظاهر » هو اسم
للذات باعتبار دلالة العقل علىٰ وجودها دلالة بيّنة واضحة ، و « الباطن » فإنّه
اسم بالإضافة إلىٰ عدم إدراك الحسّ والوهم ، إلىٰ غير ذلك من الأسماء.
الثالث أسماء الذات
باعتبار سلب الغير عنه
الثالث :
ما يدلّ علىٰ الذات باعتبار سلب الغير عنه ، كـ « الواحد » باعتبار سلب النظير والشريك ، و « الفرد » باعتبار سلب القسمة والبعضيّة ، و « الغني » باعتبار
سلب الحاجة ، و « القديم » باعتبار سلب العدم ، و « السّلام » باعتبار سلب العيوب
والنقائص ، و « القدّوس » باعتبار سلب ما يخطر بالبال عنه ، إلىٰ غير ذلك.
الرابع أسماء الذات مع
الإضافة والسّلب
الرابع :
باعتبار الإضافة والسلب معاً ، كـ « الحيّ » ، فإنّه المُدرك الفعّال الذي لا تلحقه الآفات ، و « الواسع » باعتبار سعة علمه وعدم فوت شيء منه ، و « العزيز » وهو
الذي لا نظير له وهو مما يصعب إدراكه والوصول إليه ، و « الرحيم » وهو اسم للذات باعتبار شمول رحمته لخلقه وعنايته بهم ، وإرادته لهم الخيرات ، إلىٰ غير ذلك
» انتهىٰ.
تحقيق معنىٰ
الاسم
والتحقيق الأحق
بالذكر في تبيين هذا المقام ما حققه الحكماء والعرفاء ، فإنّ الاسم عندهم حقيقة الوجود ملحوظة بتعيّن من التعينات الكماليّة من صفاته تعالىٰ
، أو باعتبار تجلِّ خاص من التجليات الإلهية.
فالوجود الحقيقي
مأخوذ بتعيّن كونه ما به الانكشاف لذاته ولغيره اسم « العليم » ،
_____________________________
وبتعيّن
كونه خيراً محضاً وعشقاً خالصاً اسم « المريد ».
وملحوظاً بتعيّن
الظاهر بالذات والمظهرية للغير اسم « النور » ، وبتعيّن الفياضيّة الذاتية للنورية عن علم ومشيّئة اسم « القدير ».
وبتعيّن الدراكيّة
الفعّالية اسم « الحي » ، وبتعيّن الإعراب عمّا في الضمير المكنون الغيبي اسم « المتكلّم » ، وهكذا.
وكذا مأخوذ بتجلّ
خاصّ علىٰ ماهيّة خاصّة ، بحيث يكون كالحصّة التي هي الكلّي المضاف إلىٰ خصوصيّة ، بكون الإضافة بما هي إضافة ـ وعلىٰ سبيل
التقييد لا علىٰ سبيل كونها قيداً ـ داخلة ، والمضاف إليه خارجاً ، لكن هذه بحسب
المفهوم ، والتجلي بحسب الوجود اسم خاصّ.
نقل كلام المحقّق
السبزواري
وعند هذا قال صدر المتألّهين السبزواري قدسسره : « فنفس الوجود الذي لم يلحظ معه تعيّنٌ ما ، بل نحو اللا تعيّن هو المسمّىٰ ، والوجود بشرط التعيّن
هو الاسم ، ونفس التعيّن هو الصفة ، والمأخوذ بجميع التعيّنات الكمالية اللائقة به
المستتبعة للوازمها من الأعيان الثابتة الموجودة بوجود الأسماء ـ كالأسماء بوجود المسمّىٰ ـ هو مقام الأسماء والصفات ، الذي يقال له في عرف العرفاء : المرتبة
الواحدية ، كما يقال للموجود الذي هو اللا تعيّن البحت : المرتبة الأحديّة.
والمراد من اللا تعيّن
: عدم ملاحظة التعيّن الوصفي ، وأمّا بحسب الهويّة والوجود فهو عين التشخّص والتعيّن والمتشخص بذاته والمتعيّن بنفسه ، وهذه الألفاظ ومفاهيمها ، مثل الحيّ العليم المريد القدير وغيرها ، أسماء الأسماء »
انتهىٰ كلامه ، رفع مقامه.
قوله تعالىٰ : ( وَلِلَّـهِ الْأَسْمَاءُ
الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ) قيل : هي : « الله ، الرحمن ،
_____________________________
الرحيم
، الملك ، القدّوس ، الخالق ، البارئ ، المصوّر ... » إلىٰ تمام ثلاثمائة
وستّين اسماً ، كما في المجمع .
وفيه أيضاً قال الشيخ
أبو علي قدسسره : « ( وَلِلَّـهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ )
التي هي أحسن الأسماء ؛ لأنّها تتضمن معاني حسنة ، بعضها يرجع إلىٰ صفات ذاته ، كالعالم
والقادر والحيّ والإله ، وبعضها يرجع إلىٰ صفات فعله ، كالخالق والرازق والبارئ
والمصوّر ، وبعضها يفيد التمجيد والتقديس ، كالقدّوس والغنيّ والواحد »
انتهىٰ.
وعن الصادق عليهالسلام : ( إنّ الله تعالىٰ خلق اسماً بالحروف غير متصوّت ، وباللفظ
غير مُنَطق ، وبالشخص غير مجسّد ، وبالتشبيه غير موصوف ، وباللون غير مصبوغ ، منفيّ
عنه الأقطار ، مبعّد عنه الحدود ، محجوب عنه حسّ كلّ متوهّم ، مستتر غير مستور ، فجعله
كلمة تامّة علىٰ أربعة أجزاء معاً ، ليس شيء منها قبل الآخر ، فأظهر منها
ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها ، وحجب منها واحداً ، وهو الاسم المكنون المخزون ، فهذه الأسماء التي ظهرت ، فالظاهر هو الله تبارك وتعالىٰ ، وسخّر لكلّ اسم من هذه الأسماء
أربعة أركان ، فذلك اثنا عشر ركناً ، ثم خلق لكلّ ركن منها ثلاثين اسماً فعلاً منسوباً إليها ، فهو
الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدّوس ، الخالق ، البارئ ، المصوّر ، الحيّ القيّوم لا تأخذه
سنة ولا نومٌ ، العليم ، الخبير ، السميع ، البصير ، الحكيم ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، العلي
، العظيم ، المقتدر ، القادر ، السّلام ، المؤمن ، المهيمن ، البارئ ، المنشئ ، البديع ، الرفيع ، الجليل
، الكريم ، الرّزاق ، المُحيي ، المميت ، الباعثُ ، الوارث.
فهذه الأسماء وما كان
من الأسماء الحسنىٰ ، حتّىٰ تتم ثلاثمائة وستّون اسماً ، فهي نسبة لهذه الأسماء الثلاثة ، وهذه الأسماء الثلاثة أركان ، وحجب الاسم الواحد المكنون
المخزون بهذه الأسماء الثلاثة ، وذلك قول الله تعالىٰ : ( قُلِ ادْعُوا اللَّـهَ أَوِ
ادْعُوا الرَّحْمَـٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ )
) .
_____________________________
نقل كلام المحقّق
السبزواري في شرح الحديث المذكور :
أقول : قد ذكر هذا
الحديث الشريف صدر المتألّهين قدسسره ، مشروحاً في « شرح الأسماء » ، عند شرح الاسم الشريف : ( يا مَن جعل في السماء بروجاً )
، ونقل كلام الفاضل المازندراني الشارح لاُصول الكافي ـ عليه الرحمة ـ وزيّف بعض ما قال في شرح هذا الحديث. فالأولىٰ والأنسب أن ننقل كلامه الشريف ، وما حقّقه وما زيّف من كلام الشارح ، توشيحاً لهذا الشرح ، ولا بأس بالإطالة والإطناب ، إذ
المقام مقام التفصيل والفحص في تحقيق أسمائه تعالىٰ جليل جميل.
فقال قدسسره : « قوله عليهالسلام : ( إنّ الله تبارك وتعالىٰ خلق
اسماً ... ) ، قال الفاضل المازندراني الشارح لاُصول الكافي ـ عليه الرحمة ـ : قيل : هو ( الله ) ، وقيل : ـ هو اسم دالّ
علىٰ صفات ذاته جميعاً. وكأن هذا القائل وافق الأوّل ؛ لأنّ الاسم الدال علىٰ
صفاته جميعاً هو « الله » عند المحقّقين ، ويرد عليهما أنّ « الله » من توابع هذا الاسم
المخلوق أولاً ، كما يدلّ عليه هذا الحديث.
ويحتمل أن يراد بهذا
الاسم اسم دالّ علىٰ مجرّد ذاته تعالىٰ ، من غير ملاحظة صفة من الصفات معه ، وكأنّه « هو ». ويؤيده ما ذكره بعض المحقّقين من الصوفيّة من أنّ « هو » أشرف أسمائه تعالىٰ ، وأنّ ( يا هو ) أشرف الأذكار ، لأنّ « هو »
إشارة إلىٰ ذاته من حيث هو هو ، وغيره من الأسماء يعتبر معه صفات ومفهومات قد تكون حجباً بينه وبين العبد.
وأيضاً إذا قلت : ( هو
الله الرحمن الرحيم الغفور الحليم ) ، كان « هو » بمنزلة الذات ، وغيره من الأسماء بمنزلة الصفات ، والذات أشرف من الصفات ، فهو أشرف الأسماء.
ويحتمل أن يراد به : (
العليّ العظيم ) ، لدلالة الحديث الآتي عليه ، حيث قال عليهالسلام : ( فأوّل ما اختار لنفسه : العليّ العظيم ). إلّا إنّ ذكره في أسماء الأركان ينافي
هذا
_____________________________
الاحتمال
، ولا يستقيم إلّا بتكلّف ، وهو أنّ مزج الأصل بالفرع للإشعار بالارتباط وبكمال الملائمة بينهما » انتهىٰ.
قال قدسسره
: « وفيه مؤاخذة ؛
لأنّه ينبغي أن يقال : ذلك الاسم مجموع : ( هو الله الرحمن الرحيم ) ، أو مجموع : ( هو الله العليّ العظيم ) ، لا أنّه « هو » وحده مثلاً ، لقوله
عليهالسلام ( فجعله ... ) إلىٰ آخره.
قوله عليهالسلام : ( بالحروف غير متصوّت ) ، جعله هذا الشّارح
حالاً من فاعل ( خلق ) ، أي خلقه والحال أنّه تعالىٰ لم يتصوّت بالحروف ، ولم يخرج منه حرف وصوت ، ولم
ينطق بلفظ ؛ لتنزّه قدسه عن ذلك ، ولا يخفىٰ أنَّ جعل هذا وما بعده ـ إلىٰ
قوله عليهالسلام : ( فجعله كلمة تامّة ) ـ صفة له تعالىٰ ، فيه بعدٌ غاية البُعد ، ولا سيّما
التنزيه عن الجسمية والكيفية والكميّة وغيرها ليس فيه كثير مناسبة لخلق ذلك الاسم ، ولا خصوصية له به ، بل الـ ( متصوّت ) والـ ( منطق ) بصيغة المفعول ، والكلّ صفة الاسم ، علىٰ
ما سنذكره.
وقوله عليهالسلام : ( مستتر غير مستور ) أي مُستتر عن الحواس ، غير مستور عن
القلوب ، أو معناه مستتر عن فرط الظهور.
قوله عليهالسلام : ( علىٰ أربعة أجزاء معاً ) قال الشارح
: أي علىٰ أربعة أسماء باشتقاقها وانتزاعها منه ، وهي غير مرتبة بعضها علىٰ بعض ، كترتّب ( الخالق ) و ( الرازق
) علىٰ ( العالم ) و ( القادر ) ، وعلىٰ ما نذكر فالمقصود نفي الترتّب المكاني.
وقوله عليهالسلام : ( وحجب واحداً منها ) ، أي لا يعلمه إلّا هو ، حتّىٰ
الأنبياء عليهمالسلام ، فإنّه قد استأثر علمه لنفسه.
قوله عليهالسلام : ( فهذه الأسماء التي ظهرت ، فالظاهر هو الله تبارك وتعالىٰ
).
قال الشارح
: ( أي الظّاهر البالغ إلىٰ غاية الظهور ، وكماله من بينها هو الله تعالىٰ
، ويؤيّده أنّه يضاف غيره إليه فيعرف به ، فيقال : ( الرحمن ) ، اسم ( الله ) ، ولا
يقال : ( الله )
_____________________________
اسم
( الرحمن ) ، وليس المراد أن المتّصف بأصل الظّهور هو ( الله ) ؛ لأنَّ غيره أيضاً
متّصف بالظهور ، كما قال عليهالسلام : ( وأظهر منها ثلاثة ). وهذا صريح
بأنَّ أحد هذه الثلاثة الظاهرة هو ( الله ). وأمّا الآخران فلم ينقلهما علىٰ الخصوص.
ويحتمل أن يراد بهما
( الرحمن الرحيم ) ، ويؤيده آخر الحديث ، واقترانهما مع ( الله ) في التسمية ، ورجوع سائر الأسماء الحسنىٰ إلىٰ هذه الثلاثة ،
عند التأمّل.
ثمّ قال : إلّا إنّ
عدّ ( الرحمن الرحيم ) في جملة ما يتفرّع علىٰ الأركان ينافي هذا الاحتمال ، ولا يستقيم إلّا بتكلّف مذكور.
ونسب إلىٰ بعض
الأفاضل : أنّه يفهم من لفظ ( تبارك ) : جواد ، ومن لفظ : ( تعالىٰ ) أحد.
قوله عليهالسلام : ( أربعة أركان ) ، قال الشارح
: اعتبار الأركان إما علىٰ سبيل التخييل والتمثيل ، أو علىٰ سبيل التحقيق باعتبار حروف هذه الأسماء ، فإنّ الحروف المكتوبة في كلّ واحد من الأسماء المذكورة أربعة.
ويحتمل أن يراد
بالأركان كلمات تامّة مشتقّة من تلك الكلمات الثّلاث ومن حروفها ، وإن لم نعلمها بعينها.
قوله عليهالسلام : ( وذلك قول الله تعالىٰ : ( قُلِ ادْعُوا اللَّـهَ أَوِ
ادْعُوا الرَّحْمَـٰنَ ) ).
قال الشارح
: إنّما لم يذكر الثالث لقصد الاختصار ، أو لأنّه أراد بالرحمن : المتّصف بالرحمة المطلقة الشاملة للرحمة الدنيوية والاُخروية » .
قال قدسسره
: « أقول : قد علمت
حقيقة الاسم ، وأنّ هذه الألفاظ أسماء الأسماء ، فالمراد ـ وهم عليهمالسلام أعلم بمرادهم بذلك الاسم ـ : الوجود
المطلق المنبسط ، الذي هو تجلّيه وصنعه ورحمته الواسعة الفعلية ، وجمله أربعة عبارة عن تجلّيه في الجبروت والملكوت والناسوت ، ونفس ذلك التّجلي ساقط الإضافة عنها.
_____________________________
وبعبارة اُخرىٰ
: أصلها المحفوظ ، وسنخها الباقي ، وروحها الكامن. ومعلوم أنّه بهذا الوجه مكنون عنده ، فالخلق المفتاق إليها شيئيات ماهياتها ، والأسماء الثلاثة
هي التجلّيات عليها ؛ إذ قد مرّ أنّه كما أنّ الوجود باعتبار تعيّن كمالي اسم من الأسماء ، كذلك باعتبار تجلّ فعلي اسم أيضاً.
وإن كنت من المتفطنين
لحقيقة الخلق والإيجاد ، وأنّه اختفاء نور الحق تعالىٰ في حجب أسمائه ، وفي حجب صور أسمائه ، وأنَّ مدّة اختفاء النور دورة الخلق ، كما أنّ مدّة ظهور نوره واستتار حجبه دورة الحق وإفنائهم ( تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ )
، لوسع لك تجويز أن يكون ذلك الاسم أعمّ من الرحمة الصفتية والرحمة الفعلية.
والمكنون منه هو
التجلّي اللاهوتي ، أعني : التجلّي في أسمائه وصفاته في المرتبة الواحدية ، والثلاثة الظاهرة ـ التجلّيات الثلاثة المذكورة ـ والاكتنان
هنا أشدّ ؛ لأنّه إذا كان الرحمة الفعلية ساقطة الإضافة من صقع الذات ، كان الرحمة الصفتية أوغل في ذلك ؛ لأنّ الصفة أقرب من الفعل.
وقوله عليهالسلام : ( فالظاهر هو الله تبارك وتعالىٰ ) معناه : أنّه لمّا
كان الاسم عنواناً للمسمّىٰ وآلة للحاظه ، فالأسماء الثلاثة ظهورات المسمّىٰ ، فهو الظاهر ؛ لأنَّ
معنىٰ ( الظّاهر ) ذات له الظهور ، فالذات التي هو ( الله ) ، له الظهورات ، فهو الظاهر بالأسماء.
أو المراد : أن
الأسماء الثلاثة ظهورات الاسم المكنون المستأثر لنفسه ، الذي هو عنوان لذاته تعالىٰ عند ذاته ، لكنّه معنون بالنسبة إلىٰ الثلاثة.
والدليل علىٰ هذا المراد أنَّ ( الله ) اسم واقع علىٰ الحضرة الواحدية كاللاهوت ، فإنّ معناه : الذات
المستجمعة لجميع الصفات والكمالات ، وتلك الحضرة أيضاً مجمع الأسماء والصفات ، ولذا عبّر في حديث الأعرابي عن النفس اللاهوتية بذات الله العليا.
_____________________________
والأركان الأربعة
لكلّ واحد من هذه الأسماء عبارة عن الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة المعنويات ، أعني : حرارة العشق والابتهاج ، وبرودة الطمأنينة والإيقان ، ورطوبة القبول والإذعان ، أو الإحاطة والسريان ، ويبوسة التثبّت والاستقامة عند الملك المنّان ، نظير ما قال بعض أهل الذوق كجابر بن حيّان : إن السماوات وما فيها من العناصر الأربعة ، وحمل عليه قول أمير المؤمنين عليهالسلام في خطبة المشيئة ، المذكورة في نهج البلاغة. والصواب : الحمل علىٰ ما ذكرنا.
والغرض كلّ الغرض منه
: تطبيق العالمين الظّاهر والباطن ، بجعل ذلك الاسم كالنّير ، والاثني عشر ركناً بروجه ، والثلاثين اسماً درجات كلّ برج ، حتّىٰ
تتم ثلاثمائة وستون درجة ، وهي تعيّنات الأسماء التي انطوت فيها ، وهي مظهرها ، فيكون بعدد درجات دورة الفلك الظاهر » .
ثمّ قال قدسسره
: « أو نقول : المراد
بذلك الاسم : الغوث الأعظم الذي هو خاتمة كتاب الوجود ، كما أنّ المعنىٰ الأول الذي هو فاتحته وروحانيته ، وهو ختم الكلّ
والاسم الأعظم ، وقال خلفاؤه : ( نحن الأسماء الحسنىٰ )
فجعله أربعة أجزاء ثلاثة منها ظاهرة ، هي : العقل والقلب والنفس ، وواحد مستور ، هو أصلها المحفوظ الذي لا يعلمها إلّا الله.
وهذه الثلاثة هي
المشار إليها بقوله تعالىٰ : ( حم * عسق )
أي حقّ لا باطل ، « محمد » الذي هو العقل والنفس والقلب ، أو ( حم ) أي التسعة والتسعون من الأسماء ، هو : العقل والنفس والقلب من الإنسان الكامل ، أو الثّمانية والأربعون
من الصور التي هي مجالي شمس الحقيقة ، هي : العقل والنفس والقلب ، ثم الأركان الاثنا عشر والدرجات الثلاثمائة والستون كما سبق.
وكان بروج نوره
الواحد التي هي خلفاؤه في هذا العالم أيضاً اثني عشر ، كلّ
_____________________________
واحد
منها مظهر ثلاثين اسماً باعتبار من الأسماء المحيطة.
ثمّ المقصود من ذكر
الأسماء : إمّا تعداد علىٰ سبيل التمثيل فلا كلام ، وإمّا تعيين ثلاثين ، فيكون بعضها من الأسماء المركّبة ، كـ ( الرحمن الرحيم ) و ( العليّ
العظيم ) مثلاً ، فإنَّ ( العلي ) ـ مثلاً ـ مفرداً اسم من أسمائه وله خاصيّة علیٰ حدة ، وكذا لـ ( العظيم ) ، ومركّباً اسم وله خاصّية اُخرىٰ ، ومن المركّبة : ( البارئ
المنشئ ). فلا تكرار من الناسخ ، كما زعمه الشارح المذكور » انتهىٰ كلامه الشريف.
الأركان : جمع « ركن » ، وهو جانب الشيء.
قول السائل : ( ملأت
أركانَ كلِّ شيء ) أي أطرافه وجوانبه.
ثم اعلم أنّه كما قال
العرفاء الشامخون : إنَّ كل نوع من الأنواع تحت اسم من أسماء الله تعالىٰ ، وذلك النوع مظهر ذلك الاسم ، كما أن الإنسان مظهر اسم (
الله ) ، والملك مظهر ( السبوح ) و ( القدّوس ) ، والفلك مظهر اسم ( الرفيع الدائم ) ، والحيوان
مظهر ( السميع والبصير ) ، والأرض مظهر ( الخافض ) ، والهواء مظهر ( المروّح ) ، والماء
مظهر ( المحيي ) ، والنار مظهر ( القهّار ) وهكذا.
وعلمت ممّا سبق أنّ
الاسم عبارة عن المسمّىٰ مأخوذاً بتعيّن من التعيّنات الكماليّة ، فكما أنّ ماء الحياة الذي هو الوجود المطلق سارية في جميع الأودية ، ونفذت في أعماق الأشياء ، كذلك توابع الوجود التي تدور رحاها علىٰ قطب الوجود سارية في جميع الموجودات ، ولكن في كلٍّ بحسبه وقدره ، علىٰ ما اقتضته
الحكمة الإلهية.
ثمّ إنَّ من
الموجودات ما له أربعة أركان :
منها :
أركان عرش علم الله تعالىٰ من العناية ، والقلم ، والقضاء ، والقدر. وأركان عرشه العيني من الركن الأبيض ، والركن الأصفر ، والأخضر ، والأحمر.
_____________________________
ومنها :
أركان عرش قلوب المؤمنين من العقل بالقوّة ، والعقل بالملكة ، والعقل بالفعل ، والعقل المستفاد.
ومنها :
أركان علم الإنسان من التعقّل والتوهّم والتخيّل والتحسّس ، وأركان بدنه من الماء والتراب والهواء والنار ، هذه وسائطه ، أو مركباته من الدم والبلغم
والصفراء والسوداء.
وأركان بيت الله المعنوي
أيضاً ، التي هي : جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ، ويقال لها : حملة العرش.
وأركان بيته الظاهري
من الركن اليماني ، والحجازي ، والشامي ، والعراقي ، وغيرها ممّا لا نطيل الكلام بذكرها ، فجميعها مالية
من صفاته وأسمائه تعالىٰ ، كما قيل :
اجزاى من وجود من
همه اوست گرفت
|
|
نامی است ز من
بر من وباقی همه او است
|
( وَبِعلْمِكَ الَّذي أحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ )
المراد : علمه الذاتي
الذي أحاط بعلمه الفعلي ، وهو أحاط بجميع الأشياء ( أَحَاطَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ) وقدرة ( وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ )
( وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ )
ومن يشاء من عباده.
تحقيق معنىٰ
العلم ، وأنَّ أي قسم منه لائق به تعالىٰ
العلم : ما به ينكشف
الشيء لدىٰ العالم ، فهو إما بحصول صورة الشيء في الذهن ، أو بحضور ذلك الشيء لدىٰ المجرّد.
بتقسيم آخر : العلم
فعليّ وانفعالي ، والعلم اللائق بجنابه تعالىٰ هو العلم الفعلي
_____________________________
الحضوري
الذي هو نحو وجود كلّ شيء ، وإحاطته محاطية وجودات الأشياء وحضورها لديه تعالىٰ ؛ لأنّه لمّا كان تعالىٰ بسيط الحقيقة ، محض
الوجود وصرفه ـ وصرف الشيء واجد لما هو من سنخ ذلك الشيء ، ومجرّد عمّا هو من أجانبه وأباعده ، وبعيد الوجود لا يكون إلّا ما هو من سنخ العدم ـ كان كلّ وجود حاضراً له
أشدّ من حضوره لنفسه ، إذ كما قلنا : نسبة الشيء إلىٰ فاعله بالوجوب ، وإلىٰ
قابله بالإمكان.
ولا نعني بنفس
الأشياء وقابلها إلّا الماهيات التي هي قابلة للوجودات الخاصة ، فكما لا يشذّ عن حيطة وجوده تعالىٰ وجود ، كذلك لا يعزب عن حيطة علمه مثقال ذرّة.
قال الحكماء : إنَّ الله تعالىٰ ظاهر بذاته لذاته ، لكون ذاته بريئاً
من جميع الحيثيّات ، ومجرّداً عن كلّ الأحياز والجهات والأوقات ، وكلّ مجرّد عالم بذاته ، وذاته علّة لجميع ما سواه ، والعلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول.
قال المعلم الثاني : الأوّل تعالىٰ هو الغني المغني الذي ينال الكلّ من ذاته
.
فكما أنّ بوجود واحد
مُظهر لجميع الموجودات بنحو البساطة ، كذلك بعلم واحد يعلم جميع المعلومات ، فكأن ذاته تعالىٰ كالصورة العلمية التي بها ينكشف ذو الصورة الخاصة ، إلّا إنّ ذاته تعالىٰ بذاته ما به ينكشف جميع الأشياء ، لا
بصورة حاصلة زائدة.
وها هنا كلام ينبغي
أن يذكر ، وهو قول المتكلّمين : إنَّ العلم أعمّ من القدرة ؛ لتعلّقه بالممتنعات دون القدرة ؛ لأن المقدور لابدّ أن يكون ممكناً. ومعنىٰ قوله
تعالىٰ : ( إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
أي كلّ شيء ممكن مستقيم قدير.
أقول : قال الحكماء :
لا وجه لقولهم هذا ؛ إذ الممتنع من حيث حقيقته التي هي
_____________________________
عين
اللاشيئية كما أنّه ليس مقدوراً كذلك ليس معلوماً ، كيف والمعدوم المطلق لا [ يخبر ] عنه ، ومن حيث وجوده في نشأة الأذهان عالية كانت أو سافلة كما
هو معلوم كذلك هو مقدور.
فإن قيل : علمه تعالىٰ يتعلّق بذاته ، وذاته معلومة له
تعالىٰ بخلاف قدرته ، فكيف الاتحاد للعلم والقدرة ؟
قلنا :
تعلّق العلم والعالِمية بذاته تعالىٰ ـ كما قالوا ـ معناه : أنّ ذاته عين
العلم ، لا أنّ ذاته شيء وعلمه بذاته شيء آخر ، فكذلك تعلّق القدرة والقادرية معناه أنّه عين القدرة ، فالمساواة والاتحاد محقّقة بين مفهومي العلم والقدرة من حيث المصداق والوجود ، وكلامنا ليس في اتحاد مفهومي المعلوم والمقدور. فثبت أنّ كلّ ما هو معلوم لله تعالىٰ بلغت إليه قدرته.
ثمّ إنّه ليت شعري
بأيّ لسان أصف محاسن العلم ومحامده ، وفي أي بيان أذكر شرافته وإنافته : العلم نعم القائد في طريق المشاهدة ، ونعم الدليل في سبيل العيان
، ولذا قال صلىاللهعليهوآله : ( اطلبوا العلم من المهد إلىٰ
اللّحد ) ، وقال : ( اطلبوا العلم ولو بالصّين ) ، وقال : ( طلب العلم فريضة علىٰ كل مسلم ومسلمة ).
العلم ثم العلم
حبّذا رصد
|
|
فلتطلبوا من مهدكم
إلىٰ اللحد
|
ولتبتغوا ولو بسفك
المهج
|
|
ولتفحصوا ولو بخوض
اللجج
|
وحق علم لهو
التوحيد
|
|
وحقّ قبلة هو
المجيد
|
قال المولوي :
خاتم ملك سليمان
است علم
|
|
جمله عالم صورت جان
است علم
|
_____________________________
آدمى ازين هنر
بيچاره گشت
|
|
خلق درياها وخلق
کوه ودشت
|
( وَبِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِيْ أَضاءَ لَهُ كُلَّ شَيءٍ )
أي بضياء فيضك
المقدّس الذي استضاء به جميع الأشياء ، واستنار به كلّ الموجودات.
الفرق بين النور
والضياء
قد فرّق بين النور
والضياء بأنَّ الضياء : ما كان من ذات الشيء كالشمس ، والنور : ما كان مكتسباً من غيره كما في القمر ؛ ولذا قال تعالىٰ : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ
الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا ) .
وفيما نحن فيه قد
علمت مراراً أنَّ وجهه تعالىٰ كالمعنىٰ الحرفي ، داخل في صقع الذات ، ليس له استقلال في نفسه ، بل إضافة وإن كان بذاته ، ولكن لا يكون لذاته ، بل
لعلّته التي هي ذات الله تعالىٰ ، ولهذا قال السائل : ( بنور وجهك ) ولم يقل
: بضياء وجهك ، وإن أطلق عليه لفظ ( الضياء ) و ( الإضاءة ) ـ كما قلنا في شرحه ـ فباعتبار
أنّه عين الوجود كسائر الصفات ، لا مكتسبة.
ولكن قوام الضياء
والنور في الوجه لمّا كان بذاته الله العليا ؛ لأنّه مقوّم الوجود وقيّومه ، فكأنّه مكتسب ضوؤه من ذاته تعالىٰ ، والتفاوت بين نوري الوجه
والذات بالشدّة والضعف ، كما قال عليهالسلام ( توحيده تعالىٰ تمييزه عن خلقه
، وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة ) ، أي بينونة في صفة الشدّة والضعف.
وفي الحديث : ( إنّ
لله تعالىٰ سبعين ألف حجاب من نور وسبعين ألف حجاب من ظلمة ، لو كشفها لأحرقت سبحاتُ وجهه كلّ ما انتهىٰ إليه بصره ) .
_____________________________
والمراد بـ ( سبحات
وجهه ) تعالىٰ : إشراقاته وأنواره ، كما في القاموس ، قال : « سُبحات وجه الله : إشراقاته » . وهي الأنوار القاهرة التي إنّا
متكافئة من الطبقة العرضية ، وإما مترتّبة من الطبقة الطولية.
والحجب التي بينها
وبين عباده : المنشآت والمخترعات والمكوّنات ، ونوريّتها بالنسبة إلیٰ جهاتها الربانية
، وظلمتها بالنسبة إلیٰ جهاتها
النفسية.
وإطلاق عدد السبعين
عليها إشارة إلىٰ كثرتها ، كما أطلق علىٰ الأيام الربوبية تارةً ( أَلْفَ
سَنَةٍ ) وتارةً ( خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) إشارةً إلىٰ سعة تلك الأيام
وطولها.
ويمكن أن يراد
بالسُبحات الأنوار الذاتيّة ، فحينئذٍ الحجب تكون أنواره الفعلية بجملتها ونوريتها وظلمتها ، علىٰ قياس ما مرّ.
وقوله : ( أضاء ) من
الإضاءة ، وهو هنا لازم ، وفاعله قوله : ( كلّ شيء ) إذ باب الأفعال قد يجيء لازماً. واللام في قوله : ( له ) للتعليل ، والضمير راجع إلىٰ النور
المضاف إلىٰ الوجه.
ويحتمل أن يكون
متعدّياً ، وفاعله ضمير مستتر راجع إلىٰ مرجع ضمير الخطاب ، وهو الله تعالىٰ ، من باب الانصراف من الخطاب إلىٰ الغيبة ، والجملة
الصلة مشتملة علىٰ ضمير عائد إلىٰ الموصول ، وهو الهاء في ( له ) ، وحينئذٍ قوله : (
كلّ شيء ) كان مفعولاً به ، ولكن الأوّل أقوام.
و ( أضاء ) بمعنىٰ
: استضاء.
_____________________________
( يا نُور )
بيان قسمي النور الحسّي
والمعنوي
النور قسمان :
حسّي :
وهو الذي يجري علىٰ ظواهر السطوح ، وعُرّف بأنّه كيفيّة ظاهرة بذاتها مُظهرة لغيرها ، كالأنوار السراجية والكوكبية ، حتّىٰ أظلالها وأظلال
أظلالها ، إلىٰ أن ينتهي إلىٰ الظلمة ، وهي عدم قاطبة النور.
ومعنوي :
وهذا حقّ حقيقة الوجود ؛ لأنّها ظاهرة بذاتها ومظهرة لغيرها ، وهذا هو القدر المشترك بين جميع مراتب النور المعنوي أيضاً ، من الظل وظل الظل ، والضوء وضوء الضوء إلىٰ نور الأنوار ، والنيّر الحقيقي : ( اللَّـهُ نُورُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) .
فمراتب الوجود ، من
الحقائق والرقائق والأمثلة والأرواح والأشباح والأشعة والأظلّة ، كلّها أنوار بحقيقته النورية لتحقّق هذا المعنىٰ فيها ؛ لأنَّ
حقيقة الوجود ظاهرة بذاتها ، ومظهرة بها جميع الماهيات والأعيان الثابتات التي بذاتها لا موجودة
ولا معدومة ، ولا نورانية ولا ظلمانية ، بل الماهية من حيث هي.
قال الحكماء : إذا
سُئل بطرفي النّقيض فالجواب السلب لجميع الأطراف.
بيان فروق كثيرة بين
النورين الحسّي والمعنويّ
ثمّ بين النورين
الحسّي الظاهري العرضي والمعنوي الوجودي الحقيقي الذاتي فروق كثيرة ، كما قال صدر المتألّهين قدسسره وغيره من الحكماء.
منها :
أنّ النور الحسّي العرضي ـ كنور الشمس مثلاً ـ قائم بغيره ، ونور الوجود قائم بذاته.
ومنها :
أنّ النور الحسّي يجري علىٰ ظواهر السطوح والألوان المبصرة ، ونور
_____________________________
الوجود
وسع كلّ شيء من المعقولات والمحسوسات ، من المبصرات والمسموعات والمذوقات والمشمومات والملموسات والمتخيّلات والموهومات ، وما وراء الحسّ والعقل.
ومنها :
أنّ النور الحسّي انبسط علىٰ ظاهر الألوان ، ونور الوجود نفذ في أعماق المستنيرات وبواطنها ، حتىٰ لم يبق من المستنير سوىٰ الاسم.
ومنها :
أنّ النور الحسّي لا شعور له ، وأنوار الوجود كلّها أحياء ، بعضها بالحياة العامّ ، وبعضها بالحياة الخاصّ ، وبعضها بالحياة الأخصّ ؛ إذ الحياة ثلاثة أقسام
:
بيان ثلاثة أقسام
للحياة أولها : الحياة العامة
الأوّل :
وهي الحياة العامة ، وهي التي في جميع الموجودات ، من الدرّة إلىٰ الذرّة ، هي نحو وجود الأشياء ، ولهذا قال تعالىٰ : ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ )
؛ إذ التسبيح فرع الشعور والحياة ، ومن الأشياء : الجماد والنبات ، ولو لم تكن حية لما تسبح بحمده تعالىٰ ، ولكنها حية بالحياة العامة.
ثانيها الحياة الخاصّة
الثاني :
وهي الحياة الخاصّة ، هي التي مبدأ الدرك والفعل ، أدناها حياة الخراطين ، وأعلاها هي الحياة الواجبة بذاتها.
ثالثها : الحياة الأخصّ
الثالث :
وهي الحياة الأخصّ ، التي تختص بأهل العلم والعرفان والإيمان بالله ، وإلىٰ هذا أشار أمير المؤمنين عليهالسلام بقوله : ( الناس موتىٰ وأهل
العلم أحياء ) . وقال تعالىٰ : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ
أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )
.
والمقتول هاهنا أعمّ
من المقتول الاضطراريّ كما في الشهداء ، والمقتول
_____________________________
الاختياري
كما في العلماء المجاهدين الذين قتلوا أنفسهم بالرياضات والمجاهدات ، وارتكاب الأعمال الشاقة والمخالفة مع نفوسهم ، كما قال الله تعالىٰ : ( اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ) و ( تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ ) .
بيان أقسام الموت
الاختياري :
فإذا بلغ الكلام
إلىٰ هذا المقام فالأنسب أن نذكر الموتات الاختيارية الأربعة التي هي معتبرة عند أهل السلوك ، ومشار إليها في قوله صلىاللهعليهوآله : ( موتوا قبل أن تموتوا ) .
فاعلم أنّ أقسام
الموت الاختياري أربعة ، وقيل : ثلاثة ، بجعل أحد الأقسام ـ وهو الموت الأسود ـ في الموت الأحمر.
الأوّل :
هو الموت الأبيض ، وهو عبارة عن الجوع الذي يصفو القلب به ، بل هو سحاب يمطر الحكمة ، كما قال صلىاللهعليهوآله : ( الجوع سحاب يمطر الحكمة )
وقال : ( الجوع طعام الله تعالىٰ ). فإذا اعتاد السالك نفسه بالتجوّع وقلّة الأكل والشرب ، ابيّض
قلبه وسرىٰ الابيضاض في وجهه ، فحينئذٍ مات موتاً أبيض.
والثاني : الموت الأخضر ، وهو عبارة عن لبس المرقّع ، وهو الثوب الموصل
من الخرق الملقاة في الطّرق ، التي لا قيمة لها ، كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام : ( والله لقد رقَّعت مدرعتي هذه ، حتّىٰ استحييت من راقعها ، فقال لي قائل : ألا تنبذها
عنك ؟ فقلت : اعزب عنّي ، فعند الصباح بحمد القوم السرى ) .
فإذا قنع السالك من
اللباس بالثوب المرقّع اخضرّ عيشه ، ووجدت نضارة في وجهه ، مات بالموت الأخضر.
والثالث : الموت الأحمر ، وهو عبارة عن المجاهدة مع النفس ، ويسمّىٰ
بالجهاد
_____________________________
الأكبر
، كما قال صلىاللهعليهوآله حين رجوعه من بعض غزواته : ( قد رجعنا
من الجهاد الأصغر ، عليكم بالجهاد الأكبر ) قالوا : وما الجهاد الأكبر ؟ قال : ( مخالفة النفس ) .
فإذا خالف السالك
أهوية نفسه ، وعَبدَ الله تعالىٰ ، وقوىٰ عقله في الطاعات وتحصيل المعارف ، فقد مات بالموت الأحمر ؛ لإهراق دم النفس.
والرابع : الموت الأسود ، وهو عبارة عن تحمل الملامة والأذىٰ من
الشامتين اللائمين ، في حبّ الله تعالىٰ ، ومحبّة أوليائه من النبيين والشهداء
والصدّيقين ، كما قال الله تعالىٰ : ( يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ
لَائِمٍ ) . وقال الشاعر :
أجدُ المَلامَةَ في
هَواكَ لَذيذَةً
|
|
حُبّاً لِذِكرِكَ
فَلْيَلُمني اللُّوَّمُ
|
فإذا لم يكترث السالك
بتشنيع الواشين ولوم اللائمين في الحبّ ، مات بالموت الأسود.
وسرّ التسمية
والتوصيف بهذه الأوصاف واضحة.
أمّا في الأوّل ؛ لابيضاض
وجه السالك بالجوع ، كما مرّ ، وفي الثاني لاخضرار عيشه بالقناعة ، وفي الثالث لإهراق دم النفس في الرياضة ، وفي الرابع لاسوداد وجه السالك بملامة الواشين.
ومنها :
أنّ النور الحسّي له أوّل وله ثان ، وله مقابل ، ونور الوجود ليس له أوّل ولا ثانٍ ولا مقابل ؛ لأنّه واحد بالوحدة الحقّة الحقيقية ، ولا مضادّ له.
نقل كلام شيخ
الاشراقيّين
قال الشيخ المقتول شهاب الدين السهروردي ، رئيس الحكماء الإشراقيّين قدسسره : « وإخوان التجريد يشرق عليهم أنوار ،
ولها أصناف :
_____________________________
الأول :
نور بارق يرد عليهم ، وينطوي كلمعة بارقة لذيذة.
والثاني : وهو بعد الأول ، نور بارق أعظم من النور الأوّل ، وأشبه منه
بالبرق ، إلّا إنّه برق هائل ، وربما سمع معه كصوت رعد ، أو دوي في الدماغ.
والثالث : نور وارد لذيذ ، يشبه وروده ورود ماء حار علىٰ الرأس.
والرابع : نور ثابت زماناً طويلاً ، شديد القهر ، يصحبه خدر في الدماغ.
والخامس : نور برّاق لذيذ جدّاً ، لا يشبه البرق ، بل يصحبه بهجة لطيفة
حلوة ، تتحرّك بقوّة المحبّة.
والسادس : نور محرق ، يتحرّك من تحريك القوّة العزّية ، وقد يحصل من
سماع طبول وأبواق واُمور هائلة للمبتدئ.
والسابع : نور لامع في خطفة عظيمة ، يظهر مشاهدةً وإبصاراً ، أظهر من
الشمس في لذة مغرقة.
والثامن : نور برّاق لذيذ جدّاً ، يتخيّل كأنّه متعلّق بشعر الرأس
زماناً طويلاً.
والتاسع : نور سانح مع قبضة مثالية ، تتراءىٰ كأنّها قبضت شعر
رأسه ، وتجرّه شديداً وتؤلمه ألماً لذيذاً.
العاشر :
نور مع قبضة ، تتراءىٰ كأنّها متمكّنة في الدماغ.
الحادي عشر : نور يشرق من النفس علىٰ جميع الروح النفساني ، فيظهر
كأنّه تدرّع بالبدن شيء ، ويكاد يقبل روح جميع البدن صورةً نوريةً ، وهو لذيذ جداً.
الثاني عشر : نور مبدؤه في صولة ، وعند مبدئه يتخيّل الإنسان كأنّ شيئاً
ينهدم.
الثالث عشر : نور سانح ، يسلب النفس وتتبيّن معلّقة محضة ، منها تشاهد تجرّدها عن الجهات.
الرابع عشر : نور يتخيّل معه ثقل لا يكاد يطاق.
الخامس عشر : نور معه قوّة تحرّك البدن ، حتّىٰ يكاد يقطع مفاصله.
وهذه كلّها إشراقات
علىٰ النور المدبّر ، فتنعكس علىٰ الهياكل علىٰ الروح
النفساني
، وهذه غايات المتوسّطين.
وقد تحملهم هذه
الأنوار فيمشون علىٰ الماء والهواء ، وقد يصعدون إلىٰ السماء مع أبدان ، فيلتصقون ببعض السيارة العلوية ، وهذه أحكام الإقليم الثامن ، الذي فيه
جابلقا وجابرصا وهورقليا ذات العجائب.
وأعظم الملكات ملكة
موت ، ينسلخ النور المدبّر من الظلمات البدنيّة وإن لم يخل عن بقية علاقة مع البدن ، إلّا أنّه يبرز إلىٰ عالم النور ويصير معلّقاً
بالأنوار القاهرة ، ويصير كأنّه موضوع في النّور المحيط.
وهذا [ المقام ]
عزيز جدّاً ، حكاه أفلاطون عن نفسه وهرمس وكبار الحكماء ، وصاحب هذه الشريعة وجماعة من المُنسلخين عن النواسيت ، ولا يخلو الأدوار عن هذه الأمور ، وكلّ شيء عنده بمقدار.
ومن لم يشاهد في نفسه
هذه المقامات فلا يعترض علىٰ أساطين الحكمة ، فإنّ ذلك نقص وجهل وقصور ، ومن عبد الله علىٰ الإخلاص ، وتاب
عن الظلمات ، ورفض مشاعره ، يشاهد ما لا يشاهد غيره » انتهىٰ كلامه رفع مقامه.
ثم إنّ من المعلوم أنّ
مراد السائل بالنور هاهنا هو حقيقة الوجود التي أنارت كلّ الظلمات الإمكانية ، من الدرّة البيضاء إلىٰ الذرّة الهباء ، واستشرقت بها
جميع الماهيات ، من الجواهر والأعراض وما فوقها ، وهو نور الأنوار ، بهر برهانه وقهر سلطانه.
( يا قُدّوسُ )
( سبّوح قدّوس ربّ
الملائكة والرّوح )
( القُدُّوس ) ـ بضم
القاف وتشديد الدال مع ضمّها ـ وكذا ( السُبُّوح ) ، بمعنى :
_____________________________
الطاهر
، المنزّه عن العيوب والنقائض. وقد يفتح القاف في ( القدّوس ) والسين في ( السبوح ).
فهو تعالىٰ
قدّوس ، أي منزّه عن جميع النقيصة والعيب حتّىٰ عن الماهيّة ؛ لأنه تعالىٰ ماهيته إنيته ، وهي تأكدّ الوجود والوجوب وشدّة النورية ، كما قرّر
في محلّه ، ومجرّد عن جميع المواد ، سواء كانت المادّة بمعنىٰ المحلّ المستغني فيها ، كما
في المادّة بمعنیٰ الموضوع
بالنّسبة إلیٰ العرض ، أو
كانت المادّة بمعنیٰ المتعلّق ، كما
في البدن بالنسبة إلىٰ النفس ، أو كانت المادّة العقلية ، كالجنس إذا أخذ بشرط
( لا ) في البسائط الخارجيّة ، كالأعراض أو كالمادة التبعية ؛ لأنَّ هذه معنىٰ المادّة
العقلية في الأعراض ، وكالماهية بالنسبة إلىٰ الوجود ، فإنَّ الماهية مادّة للوجود. فعلت
ساحة كبريائه تعالىٰ عن أن يصل إليها أغبرة النقائص والحاجات والماهيات والموادّ علوّاً كبيراً ، كما قيل :
أنت المنزّه عن
نقصٍ وعن شينٍ
|
|
حاشاي حاشاي عن
إثبات اثنين
|
( يا أَوَّلَ الأَوَّلينَ وَيا آخِر الآخِرينَ )
هاتان الأولية
والآخرية ليستا زمانيتين كما يتبادر إلىٰ بعض الأوهام ؛ لأنّه تعالىٰ ليس في حدّ من حدود الزمان حتّىٰ يحيط به ، وكيف يسع للزمان الذي هو من مبدئه إلىٰ منتهاه كالآن الواحد بالنّسبة إلىٰ مقرَّبي حضرته
تعالىٰ ، فكيف بجنابه أن يظهر الزمان في سطوح نوره تعالىٰ ؟
بل هذه الأوليّة
والاخريّة سرمديّتان وذاتيتان ؛ إذ وعاء وجوده تعالىٰ هو السرمد ، كما أنّ وعاء وجودات العقول والنفوس المفارقة هو الدهر ، ووعاء الطبائع السيّالة
_____________________________
الممتدة
وعوارضها هو الزمان. فهو تعالىٰ ( أوّل الأوّلين ) ؛ إذ منه بدء وجود كل
أوّل في السلسلة النزولية ، و ( آخر الآخرين ) ؛ إذ إليه ينتهي كلّ آخر في السلسلة الصعودية ، وليس قبله ولا بعده تعالىٰ شيء ، حتّىٰ يكون هو أوّل
الأولين وآخر الآخرين.
وفي ابتداء دعاء
الاعتصام ، قال : ( اللهم أنت الأوّل فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دُونك شيء ) .
وتحقيق المقام : أنّه تعالىٰ لمّا كان في الاجادة والإفاضة علىٰ
أهل مملكته هو المبدأ الأوّل والموجد الأعزّ الأجلّ ، ثم فاض منه الجود إلىٰ العقل الأول ،
ومنه إلىٰ العقل الثاني ، ثم منه إلىٰ الثالث حتىٰ العاشر ، ثم منه إلىٰ
أهل هذا العالم ، فهؤلاء العقول هم الأولون بعد الحقّ الأوّل تعالىٰ ، ووسائط جوده بالنسبة إلينا في [ النزول ] ، فهو ( أول الأوّلين ) ، وكذلك في الصعود : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ
الطَّيِّبُ ) من البشرية إلىٰ الملكية ، ومنها إلىٰ العقل الفعّال ، ثم إلىٰ
العقول الاُخر ، حتّىٰ العقل الأول ، ومنه إلىٰ الفناء في الحضرة الواحدية ، فهو تعالىٰ ( آخر
الآخرين ).
أو بطريق آخر نقول : ثمَّ
فاض منه تعالىٰ الجود إلىٰ العقل ، ومنه إلىٰ النفس ، ومنها إلىٰ المثال ، ومنه إلىٰ الأفلاك ، ومنها إلىٰ عالمنا : العناصر
الهيولاني.
أو نقول : ثمّ فاض
إلىٰ الجبروت ، ثم إلىٰ الملكوت بقسميها ، ثم إلىٰ الناسوت ، وتلك العوالم متطابقة.
وكذا نقول في العود
إلىٰ الله تعالىٰ ، كما قال المولوي ؛ رحمهالله في المثنوي :
از جمادى مردم
ونامى شدم
|
|
وز نما مردم از
حيوان سر زدم
|
مردم از حيوان وپس
آدم شدم
|
|
از چه ترسم كى ز هر
من كم شدم
|
_____________________________
بار ديگر بايد هم مرد از بشر
|
|
تا بر آدم از عهد يك بال وپر
|
بار ديگر از ملك قربان شوم
|
|
آنچه اندر وهم نايد آن شوم
|
بار ديگر بايدم حبن نرجو
|
|
کل شيء هالك الا وجه هو
|
پس عدم کرم عدم چون ازغنون
|
|
گويدم کلنا إليه راجعون
|
والذي لا يبلغ
الأوهام دركه هو العقل ، ولذا قال : « آنچه اندر وهم نايد آن شوم ».
والبيت الآخر إشارة
إلىٰ الفناء التام في الحضرة الواحدية ، وهو قرّة عين العارفين.
أو نقول : هو
تعالىٰ أو السلسلة الطولية النزولية ، ومبدأ المبادئ : ( كان الله ولم يكن معه شيء ) ، وآخر السلسلة الطولية الصعودية ، وغاية
الغايات ( أَلَا
إِلَى اللَّـهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ) ( إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ )
. هذا ما عندي لأوّليته تعالىٰ وآخريته طولاً.
وأمّا عرضاً ، فتقول
: هو تعالىٰ أوّل الأنبياء والمرسلين ، وما خلق من نوع الآدميين في الأدوار والأكوار ؛ إذ العلّة واجدة لكمال المعلول ، وهؤلاء معاليل
الله تعالىٰ ، فهو أوّل الأولين وآخر الآخرين ؛ لأنّ إليه تعالىٰ تنتهي
سلسلة الأنبياء والأولياء والكمّلين ، عليهم سلام الله أجمعين.
ثم لمّا سأل السائل
عن الله تعالىٰ ، ووصف طائفة من أسمائه الحسنىٰ وصفاته العليا ، استشعر بجماله وجلاله ، وتحيّر في عظمته تعالىٰ وكماله ، فبهر في
عقله والتفت إلىٰ ذنوبه وآثامه ، فارتعش من خوفه تعالىٰ فرائصه وعظامه ، فرفع
يديه ملحّاً وفزعاً إليه ، فقال مستغفراً منه تعالىٰ :
_____________________________
( اللّهُمَّ اغْفِرْ
لِيَ ﭐلذّنُوبَ الّتي تَهْتِكُ ﭐلعِصَمَ )
الغفران والمغفرة : الستر
، ومنه قولهم : جاؤوا الجمّ الغفير ، أي الجمع الستير ، يعني : لكثرتهم كأنهم ستروا وجه الأرض من جوانبه. وهو تعالىٰ غفور وغفّار ، أي
ستّار للجرائم والخطيئات الشرعية ، والنقائص الإمكانيّة ، بذيل رحمته الرحمانية ورحمته الرحيمية.
نقل كلام المحقّق
السبزواري
و ( الذنوب ) جمع ( الذنب
) ، وهو الإثم والجريمة.
الذنوب والكبائر
والذنب والخطيئة كما
قال صدر المتألّهين قدسسره ، نقلاً عن كلمات الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ : « تنقسم إلىٰ ما هو ذنب وخطيئة بالنسبة إلىٰ أصل الشرع
، كشرب الخمر والميسر ، وغيرهما من الماهيات الشرعية ، وإلىٰ ما يصير ذنباً بالنية
والعزم ، كالتزيين للزنا ، والأكل للتقوي علىٰ المعصية ، وإلىٰ ذنب الجوارح
وذنب القلوب ، وكل منهما إلىٰ الصغيرة والكبيرة » .
نقل الأقوال في تعيين
الكبيرة
ثمّ قال : « واختلفت
آراء الأكابر في الكبائر علىٰ أقوال شتىٰ ، وليس للقلب اطمئنان علىٰ أدلّتهم ، ولعل في اختفائها حكمة ، وهي الاجتناب عن جميع
المعاصي ، مخافة من الوقوع فيها.
فقال قوم : هي كلّ
ذنب توعّد الله تعالىٰ عليه في الكتاب المجيد بالعذاب والوعيد .
_____________________________
وقال بعضهم : هي كلّ
ذنب رتّب عليه الشارع جدّاً ، أو نصّ فيه بالعقاب .
وقالت فرقة : إنّها
كلّ خطيئة تؤذن بأنّ فاعلها قليل الاعتناء في دين الله تعالىٰ.
وقال جماعة : إنّها
كلّ ذنب ثبت حرمته بالبرهان.
وقالت طائفة : هي كلّ
ذنب أوعد الله تعالىٰ فاعلها في القرآن الحكيم بالعذاب الأليم ، أو أوعد حججُه تعالىٰ في سنّتهم السديدة بالعقوبة الشديدة .
وعن عبد الله بن
مسعود أنّه قال : اقرؤوا من أوّل سورة النساء إلىٰ قوله تعالىٰ : ( إِن
تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ )
، فكلّ ما نهي عنه في هذه السورة إلىٰ هذه الآية فهو كبيرة.
وقالت الطائفة : الذنوب
كلّها كبائر ؛ لاشتراكها في مخالفة الأمر والنهي ، لكن قد يطلق الصغيرة والكبيرة علىٰ الذنب بالإضافة إلىٰ ما فوقه وما تحته ، كما
أنَّ القُبلة بالنسبة إلىٰ الزنا صغيرة ، وبالنسبة إلىٰ النظر بالشهوة كبيرة.
قال الشيخ الجليل
أمين الإسلام أبو علي الطبرسي ـ طاب ثراه ـ في مجمع البيان بعد نقل هذا القول : « وإلىٰ هذا ذهب أصحابنا ـ رضي الله عنهم ـ فإنّهم
قالوا : المعاصي كلّها كبيرة ، لكنَّ بعضها أكبر من بعض ، وليس في الذنوب صغيرة ، وإنما تكون صغيرة بالإضافة إلىٰ ما هو أكبر ، ويستحق العقاب عليه أكثر » .
انتهىٰ كلامه قدسسره.
وفي مجمع البحرين : قال
: « الذنوب تتنوع إلىٰ : مالية وبدنية ، وإلىٰ : قولية وفعلية ، والفعلية تختلف باختلاف الآلات التي تفعل بها ، إلىٰ غير ذلك.
فمنها : ما يغيّر
النعم ، ومنها : ما يُنزل النقم ومنها : ما يقطع الرجاء ، ومنها : ما يديل الأعداء ، ومنها : ما يردُّ الدعاء ، ومنها : ما يستحق بها نزول البلاء ، ومنها ما
يحبس
_____________________________
غيث
السماء ، ومنها : ما يكشف الغطاء ، ومنها : ما يعجّل الفناء ، ومنها : ما يُظلم
الهواء ، ومنها : ما يورث الندم ، ومنها : ما يهتك العصم ، ومنها : ما يدفع القسم ، إلىٰ
غير ذلك ».
ثمّ قال : « واعلم أنَّ جميع الذنوب منحصرة في أربعة أوجه لا خامس لها :
الحرص ، والحسد ، والشهوة ، والغضب ، هكذا روي عنهم عليهمالسلام » انتهىٰ.
أقول :
لعل مراده بالانحصار في الأوجه الأربع أنَّ أسباب الذنب منحصرة في هذه الأوجه ، بل منحصرة في الشهوة والغضب فقط ؛ لأنَّ الحرص والحسد من صفات الشهوة والغضب ، وخواصّهما : الهتك والمزق والخرق.
بيان العصمة
و ( العِصَم ) : جمع «
عصمة » ، كـ « نِعَم » : جمع « نعمة » ، وهي لغةً
: المنع. وفي اصطلاح الفقهاء والحكماء : كيفيّة روحانية يمتنع بها صدور الخطأ عن صاحبها ؛ لعلمه بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات.
فإذا بلغ الكلام
إلىٰ هذا المقام ، فالأنسب أن نفصّل العصمة بأنّها ما هي وفي من هي ؟ وفي كم هي ؟ ومتىٰ هي ؟ وعمّ هي ؟ ولِمَ هي ؟
أما الأوّل : فقد ذكرتها.
وأمّا الثاني : فهي في الأنبياء والأئمة الاثني عشر ، وفي الملائكة.
والظاهريون الذين
قالوا : إنّ الملائكة أجسام لطيفة هوائية ، تقدر علىٰ التشكّل بأشكال مختلفة ، مسكنها السماوات ، وفيهم داعية الشهوة والغضب ، يجوّزون عليهم المعصية ، واختلفوا في عصمتهم.
وعمدة ما أوقعهم في
الشبهة والاختلاف في عصمة الملائكة أمران :
أحدهما : الاستثناء
في قوله تعالىٰ : ( فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ )
.
_____________________________
والثاني : حكاية
هاروت وماروت ، فإنّهما كانا ملكين ففسقا عن أمر ربهما.
واُجيب عن الأول : أنّه
بني علىٰ التغليب ، أو يكون المستثنىٰ فيه منقطعاً.
وعن الثّاني بأنّها
مؤوّلة ، وقد أوّلها العلّامة ، في التفسير الصافي
، عند تفسير قوله تعالىٰ : ( وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ
) ، بعد ذكر أحاديث كثيرة مختلفة الورود في قصتهما عن الأئمة عليهمالسلام. والآيات الدالّة علىٰ عصمتهم في
القرآن الحكيم كثيرة جداً.
وأمّا الثالث ، فجميع الفقهاء والحكماء والمتكلمين مطبقون علىٰ وجوب
عصمة الأنبياء في اعتقاداتهم ، وقائلون بأنّهم معصومون عن الكفر ، إلّا الخوارج ـ لعنهم
الله ـ فإنّهم يقولون : من صدر عنه الخطيئة فهو كافر ، ويجوّزون صدور الذنب عن النبيين عليهمالسلام.
وأمّأ الرابع ، قال كثير من المعتزلة ، وجمّ غفير من الأشاعرة
: إنّ العصمة مخصوصة بزمان البعثة في الأنبياء ، ولا يجب قبلها.
وأمّا الخامس ـ يعني العصمة عن الصغيرة والكبيرة ، عمدهما أو سهوهما ـ ففيه
أقوال ومذاهب :
فالحشويّة قد جوّزوا
تعمّد الصغيرة والكبيرة علىٰ الأنبياء ، وكثير من المعتزلة جوّز تعمّد الصغيرة ، بشرط عدم خساستها ، كسرقة اللقمة وتطفيف الكيل ، وأمثال ذلك.
والحنابلة قالوا : جاز
صدور الذنب عن الأنبياء علىٰ سبيل الخطأ في التأويل.
_____________________________
والأشاعرة قالوا
بصدور الصغيرة عنهم سهواً لا عمداً. وغيرها من أباطيلهم التي ما لاقت بالذكر.
فالمذهب الذي هو أحقّ
وأليق بالذكر ما ذهب إليه الإمامية ، من وجوب العصمة في الأنبياء والأوصياء والملائكة مطلقاً ، وفي تمام عمرهم ، سواء كان في الاعتقاديات ، أو في التبليغ ، أو في الفتوىٰ ، أو في الأحوال والأفعال ، صغائر
كانت الذنوب أم كبائر ، ولا يجوز السهو والنسيان عليهم عليهمالسلام.
وأمّا السادس ـ أي الدليل عليها ـ فكما قالوا من أنَّ صحة الوجوب
علىٰ الله كالوجوب من الله ، وقد تقرر عند المحقّقين من أهل الكلام
أنّ اللطف علىٰ الله واجب ، ومن هنا وجب علىٰ الله بعث النبي ونصب الإمام. قالوا : لا شكَّ أنَّ
العصمة علىٰ الوجه المذكور أدخل وأمدّ في اللطف ، ولهذا يجب تنزّههم عن العيوب والنقائص الخُلقية كالخَلقية ، فلا يجوز علىٰ الحكيم الإخلال به.
وعن علي بن الحسين عليهماالسلام : ( الإمام منّا لا يكون إلّا معصوماً ، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فتعرف ). قيل : فما معنىٰ المعصوم ؟ قال عليهالسلام : ( المعتصم بحبل الله ، وحبل الله هو القرآن ، فلا يفترقان إلىٰ يوم القيامة ) .
ثمّ المراد بالعصمة
في قول السائل معناها اللغوي ، وهو زجر العقل ومنع النفس من الوقوع في المعصية.
و ( الذنوب التي تهتك
العصم ) ـ علىٰ ما روي عن الصّادق عليهالسلام ـ هي : شرب الخمر واللعب والقمار ، وفعل ما يضحك الناس من المزاح واللهو ، وذكر عيوب الناس ، ومجالسة أهل الريب. فليتجنب عن جميعها ؛ لئلا يهتك العصمة.
( اللّهُمَّ اغْفِرْ
لِيَ ﭐلذُّنُوبَ ﭐلَّتي تُنْزِلُ ﭐلْنِّقَمَ )
_____________________________
( النقم ) جمع « نقمة
» ، كـ « نِعَم » جمع « نعمة » ، أصلها « نَقِمة » ـ بكسر القاف ـ وزان « كَلِمة » بمعنىٰ الأخذ بالعقوبة ، والجمع : « نَقِمات » و « نِقَم » ، كـ «
كلمات » و « كَلِم » جمع « كلمة ».
ولكن قال الجوهري : «
وإن شئت سكّنت القاف ، ونقلت حركتها إلىٰ النون ، فقلت : نقمة ، والجمع نقم ، كنِعْمة ونِعَم » انتهىٰ.
بيان ما يترتب
علىٰ الذنوب
و ( الذنوب ) التي
تصير سبباً لنزول النقم هي ـ علىٰ ما جاءت به الرواية ـ : نقض العهد ، وظهور الفاحشة ، وشيوع الكذب ، والحكم بغير ما أنزل الله تعالىٰ ، ومنع
الزكاة ، وتطفيف الكيل. قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( خمس بخمس ). قالوا : يا رسول الله
، ما خمس بخمس ؟ قال صلىاللهعليهوآله : ( ما نقض قوم العهد إلّا وسلّط الله
عليهم عدوهم ، وما ظهرت عنهم الفاحشة إلّا قد فشا فيهم الموت ، وما شاع فيهم الكذب والحكم بغير ما أنزل الله
إلّا وقد فشا فيهم الفقر ، وما منعوا الزكاة إلّا حبس عنهم القطر ، وما طفّفوا الكيل إلّا
منعوا النبات واُخذوا بالسنين ) .
كما قال المولوي :
ابر برنايد پی
منع زكاة
|
|
وز زنا افتر وبا
اندر جهات
|
قال تعالىٰ : ( فَبَدَّلَ الَّذِينَ
ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ
ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ )
.
( اللّهُمَّ اغْفِرْ
لِي الذُنوبَ الَّتي تُغَيّرُ النِّعَمَ )
( النِعَم ) : جمع « نعمة
» ـ بكسر النون ـ وهي ما يلتذّ ويتنعّم به الإنسان من المال
_____________________________
والنساء
، والقوىٰ والآلات والأدوات ، والصحة والفراغة ، والمأكولات والمشروبات ، والأنعام من الأغنام والإبل والخيول والبغال والحمير والبقرات ، وغيرها ممّا أنعم
الله به علىٰ عباده ، ( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا )
.
قال تعالىٰ : ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ
اللَّـهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ
حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) .
في المجمع قال : « قال
بعض الأعلام : يكتب في اللوح أشياء مشروطة وأشياء مطلقة ، فما كان علىٰ الإطلاق فهو حتم لا يغيّر ولا يبدّل ، وما كان مشروطاً
ـ نحو أن يكون مثبتاً في اللوح أنّ فلاناً إن وصل رحمه مثلاً يعيش ثلاثين سنة ، وإن قطع رحمه فثلاث سنين ـ فإنما يكون ذلك يحسب حصول الشرط ، وقد قال الله تعالىٰ : ( يَمْحُو
اللَّـهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ )
» انتهىٰ.
الذنوب المغيرة للنعم
و ( الذنوب التي
تغيّر النعم ) ـ كما جاءت بها الرواية ـ : ترك شكر المنعم ، والافتراء علىٰ الله والرسول ، وقطع صلة الرحم ، وتأخير الصلاة عن أوقاتها حتّىٰ
انقضت أوقاتها ، والدياثة ، وترك إغاثة الملهوفين المستغيثين ، وترك إعانة المظلومين.
وبالجملة ، قد قرّر
الشارع لكلّ نعمة أنعم الله بها علىٰ عباده شكراً وطاعة ، كما قال تعالىٰ : ( لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي
لَشَدِيدٌ ) .
ومعلوم أنّ تركه يصير
سبباً لأخذه المنعم تلك النعمة عن المنعَم عليه.
وعن الصادق عليهالسلام ، قال : « نحن والله نعمة الله التي أنعم بها علىٰ
عباده ، وبنا فاز من فاز » .
_____________________________
أقول : لمّا كانوا عليهمالسلام وسائط فيض الله تعالىٰ وجوده ، ومجالي نوره وظهوره ، ومكامن سرّه ، كما قال عليهالسلام ( بنا اهتديتم في الظلماء ، وتسنمتم
العلياء وبنا انفجرتم عن السرار ... ) ، أي صرتم ذوي فجر.
وقوله عليهالسلام : ( تسنّمتم العلياء ) أي ركبتم سنامها.
فما من نعمة فاضت
علىٰ الخلق إلّا بواسطتهم وبأيديهم ، فهم النعم العظمىٰ ، والدولة القصوىٰ من الله تبارك وتعالىٰ في الآخرة والاُولىٰ ، كما
قيل :
من فضل ربّهم ولاته ارتوتْ
|
|
أنوارهم في نورهم قد انطوتْ
|
وقرب فرض الكلّ مثل النفلِ
|
|
كالفرع ثم قربهم كالأصلِ
|
بأرضهم تستنسر البغاثُ
|
|
والمستغيثين بهم أغاثوا
|
مجد بناته وفضل كرم
|
|
في غرف مبنية عليهم
|
ثم إنّ النعم تشتمل
النعم الباطنة من العلم والحكمة والعرفان ، والإيمان بالله وباليوم الآخر ، والأنبياء والرسل والأوصياء الاثني عشر ، عليهم صلوات الله الملك الأكبر إلىٰ يوم المحشر.
بيان الذنوب المغيّرة
للنعم
فالذنوب التي تغيّر
تلك النعم وتذهب بنورها هي الخطيئات التي يعدّها أهل السلوك إلىٰ الله تعالىٰ أيضاً ذنباً ، كالتوجّه إلىٰ غيره
تعالىٰ وترك الأولىٰ ، وكثرة الأكل والشرب والنوم ، وقلّة الاكتراث بالصلاة والصوم ، وكلّ ما كان من هذا القبيل من الهواجس النفسانية ، فضلاً عن الوساوس الشيطانية. فليتجنب العبد المؤمن عن جميع هذه الذنوب ، بعناية الله الحبيب المحبوب.
_____________________________
( اللّهُمَّ اغْفِرْ
لِي الذُنُوبَ الّتي تَحبِسُ الدّعاء )
حبس يحبس ـ من باب « ضرب
» ـ حبساً. الحبس : الوقوف والتوقيف ، خلاف الإطلاق والإرسال.
والذنوب التي تحبس
الدعوات وتمنعها عن الوصول إلىٰ ذروة إجابة قاضي الحاجات ـ علىٰ ما روي عن سيّد الساجدين زين العابدين عليهالسلام ـ ( هي : سوء النيّة ، وخبث السريرة ، والنفاق مع الإخوان ، وترك التصديق بالإجابة ، وتأخير الصلاة المفروضة حتىٰ تذهب أوقاتها ) .
بيان الذنوب الحابسة
لغيث السماء
وقال عليهالسلام في الذنوب التي تحبس غيث السماء : ( هي جور الحكّام ، وشهادة
الزور ، وكتمان الشهادة ، ومنع الزكاة ، والمعاونة علىٰ الظّلم ، وقساوة القلب
علىٰ الفقراء ) .
وبالجملة ، من الذنوب
التي تحبس الدعاء : فساد النيّات للأغراض الباطلة المتعلّقة بالاتجاه إلىٰ العاجلة والترك عن الآجلة ، الكاشفة عن الأهوية
الفاسدة والعقائد الكاسدة ، كما قال الله تعالىٰ ( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ
وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ
) .
فخير الدعوات وقربها
من الإجابة هو تطابق لسان الحال مع لسان المقال ، كما قال المولوي :
ما درون را بنگريم وحال را
|
|
نى زبان را بنگريم
وقال را
|
ناظر قبسيم اگر خاشع بود
|
|
گر چه كفت لفظ
ناخاشع بود
|
قال صدر المتألهين قدسسره
: « فاعلم أنّه لا
دعاء بلسان الاستعداد والحال غير
_____________________________
مستجاب
، إلّا ما هو من باب لقلقة اللسان فقط ، كما يقول الجالس في مساكن ذكر الله ببدنه : اللهم ارزقني توفيق الطاعة ، وبُعد المعصية. ولكن جميع أركانه
وجوارحه وملكاته الراسخة ، وأخلاقه الرذيلة ، وشياطينه الذين صارت قلبه عشهم ، وبهائم شهواته ، وخنزير حرصه ، وكلب غضبه اللاتي غدت باطنه مرتعها ، كلّهم ينادون ويقولون : اللهم اخذلنا بالمعصية ، ويستغيثون ويطلبون أرزاقهم ، وهو تعالىٰ
مجيب الدعوات ( أَعْطَىٰ
كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ )
.
وكما يقول الإنسان
الطبيعي المطيع للوهم : اللهم أَبقني في الدنيا ، وهو بسرّه وعلانيته حتّىٰ وهمه متوجّه إلىٰ ربّه ، كلٌّ يبتغي وجهه ، والتمكّن
في داره أو سجنه ، وأركان بدنه تطلب أحيازها الطبيعية ، وفروخه المحتبسة في بيوض المواد من قواه ـ العلّامة والعمّالة ـ تستدعي النهوض والطيران ، بل الأدوار والأكوار تقتضي
آثارها ، بل الأعيان الثابتة التابعة اللازمة للأسماء يقولون لكل اُمة من الصور انطبعت وتعلّقت بالمادّة : إلىٰ متىٰ تلبثون هنا وتعطّلون المواد ، ألم تنقض
نوبتكم ؟ فشمروا لسفركم ، وتأهّبوا للقاء أميركم ؛ ليصل التوبة إلىٰ طائفة اُخرى.
ولذا فالروح
تتمنىٰ الموت وتفارق البدن بالاختيار ، والكاره له هو الوهم وإن كان هو أيضاً طالباً له بلسان الاستعداد : ( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ
كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ) .
ولسان المقال أيضاً
دعاؤه مستجاب ؛ لكونه يستدعي غذاءه الذي هو النطق ، أيّ نطق كان. فهو تعالىٰ مجيب دعوتهم ومبلّغهم إلىٰ اُمنيتهم ، وقد لا
يساعد الداعي لسان استعداد هويته وإن ساعده بحسب النوع ، كطلب كلّ واحدٍ مرتبة الآخر ، فلعلّه حيث ليس له علم محيط يضرّه ما استدعىٰ بلسان المقال ويفسده ، فحاله وعلله يطلبون له ما يصلحه ، كما في الحديث القدسي : ( إنّ من عبادي من لا يُصلحه إلّا
_____________________________
الغنىٰ
لو صرفته إلىٰ غير ذلك لهلك ، وإنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الفقر ، لو
صرفته إلىٰ غير ذلك لهلك ) .
وعلىٰ هذا
فأجلُّ الأذكار ما اشتمل علىٰ توحيده وتمجيده تعالىٰ ، لا ما يشعر بالطلب والتكدّي ، ولذا قال عليهالسلام : ( فوت الحاجة أحب إلي من قضاء الحاجة
).
وفي الحديث القدسي : (
من ترك ما يُريد لما اُريد ترك ما اُريد لما يريد ).
وفي الدعاء : ( اللهم
أنت كما اُريد ، فاجعلني كما تُريد ).
وورد : ( المؤمن لا
يريد ما لا يجد ).
وقال المولوي رحمهالله :
قوم ديكر ميشناسم از
أولياء
|
|
كه زبانشان بسته
باشد از دعاء
|
وإن كان السؤال أيضاً
حسناً ؛ لأنّه أيضاً من أسباب سعادتك ، ومن موجبات تذكّرك ، ولهذا كان موسىٰ عليهالسلام مأموراً بمسألة ملح طعامه منه
تعالىٰ ؛ إذ كلّما يجلب إلىٰ جنابه فهو حسن ، وإن كان للحسن عرض عريض.
وفي كلمات الشيخ أبي
سعيد أبي الخير قدسسره :
راه تو به هر روش كه ميدونيد نكو است
|
|
|
ذكر تو به هر زبان كه گويند خوش است »
|
|
|
|
انتهىٰ كلامه.
( اللّهمَّ اغفِرْ
لِيَ الّذُنُوبَ الّتي تُنْزِلُ البَلاءَ )
البلاء والبليّة
والبلوة ـ بالكسر ـ : الغمّ ، كأنّه يبلي الجسم.
_____________________________
بيان الذنوب المنزلة
للبلاء :
و ( الذنوب ) التي
تصير سبباً لنزول البلاء ـ كما روي عن السجّاد عليهالسلام ـ هي : ترك إغاثة الملهوف ، وترك إعانة المظلوم ، وتضييع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وفي بعض الأخبار
: أنّها سبع ، وقد عدّوها من الكبائر ، وهي : الشرك بالله ، وقتل النفس التي حرّم الله تعالىٰ ، وقذف المُحصنة ، وأكل مال اليتيم ظلماً ، والزنا
، والفرار من الزحف ، والسّرقة.
( اللّهُمَّ اغْفِرْ
لِيَ الّذنُوبَ الّتي تَقْطَعُ الرَجاء )
( الرجاء ) : يجيء
بمعنىٰ التمنّي والترجّي ، وبمعنىٰ : الخوف ، ومن هذا قول الشاعر :
لعمرك ما أرجو إذا
مُتُّ مسلماً
|
|
علىٰ أيّ جنب
كان في الله مصرعي
|
فالرجاء
بالمعنىٰ الأوّل قسمان : رجاء ممدوح ، ورجاء مذموم.
فالممدوح : هو رجاء
رحمة الله تعالىٰ ، وتوقّعها من العمل الصالح المعد لحصولها ، وترك الانهماك في المعاصي ، المفوّت لهذا الاستعداد.
والرجاء المذموم : الذي
هو في الحقيقة حمق وغرارة ، وهي توقّع الرحمة من غير عمل صالح ، وعدم الاجتناب عن المعاصي والخطيئات ، كما قيل :
ايغره برحمت خداوند
|
|
در رحمت او كسى چگويد
|
هر چند مؤثر است
باران
|
|
تا دانه نيفكنى
نرويد
|
قال الله
تعالىٰ : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي
سَبِيلِ اللَّـهِ أُولَـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّـهِ ) .
_____________________________
ومقابل هذا الرجاء : اليأس
والقنوط والحرمان. والمؤمن ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه متساويين ، بحيث لو وزن خوفه ورجاؤه لاعتدلا ، كما في الحديث : ( خف الله خوفاً ترىٰ أنّك لو أتيته بحسنات أهل الأرض لم يقبلها منك ، وارجُ الله
رجاءً ترىٰ أنك لو أتيته بسيئات أهل الأرض غفرها لك ).
الذنوب القاطعة للرجاء
والذنوب التي تقطع
الرجاء ـ كما جاءت بها الرواية ـ : اليأس من رَوح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والثقة بغير الله ، والتكذيب بوعده .
وفي دعاء أبي حمزة
الثمالي ، قال : ( إلهي لو قرنتني بالأصفاد ، ومنعتني سيبك من بين الأشهاد ، ودللتَ علىٰ فضائحي عيون العباد ، وأمرت بي إلىٰ النار
، وحُلتَ بيني وبين الأبرار ، ما قطعتُ منك رجائي ، ولا صرفت وجه تأميلي للعفو [ عني ]
عنك ، ولا خرج حبك عن قلبي ، أنا لا أنسىٰ أياديك عندي ، وسترك عليّ في دار الدنيا ) .
( اللّهُمَّ اغْفِرْ
لِي كُلَّ ذَنْبٍ أَذنَبْتُهُ وَكُلَّ خَطيْئَةٍ أَخْطَأتُها )
وفي المصباح : « الخطيئة
ـ علىٰ وزن « فعيلة » ، ولك أن تشدّد الياء ـ الاسم من الخطأ ـ بالكسر ـ : الإثم ، والجمع : الخطايا » انتهىٰ.
الفرق بين الذنب
والخطيئة
وهي والذنب بمعنًى
واحد ، وقد يفرّق بينهما بأنّ الآثام ما لم يتمكن صاحبها فيها تسمّىٰ ذنوباً ، وإذا تمكن فيها وصارت ملكة له فحينئذٍ تسمّىٰ خطيئة ،
كأنه يخطو فيها ويعتملها.
وقول السائل : ( أخطأتها
) أي فاتني الصواب في عملها ، يقال : فلان أخطأ في
_____________________________
الأمر
؛ إذا فاته الصواب فيه.
ثمّ إنّ السائل لمّا
سأل من الله تعالىٰ المغفرة عن الذنوب الموصوفة بالأوصاف المذكورة ، انصرف عن التوصيف فقال : ( اللّهمَّ اغفر لي كلّ ذنبٍ أذنبته ) في مدة
عمري ، صغيرة كان أو كبيرة ، عمداً كان أو سهواً ، قولاً كان أو فعلاً ، جناناً كان أو
أركاناً ، سواءً كان صدوره عني في زمن الصبا والترعرع ، أو في أوقات البلوغ والتكليف ، فإنّك قلت في كتابك الكريم : ( إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا )
. ومن ذا الذي يغفر الذنوب جميعاً إلّا أنت ).
( اللّهُمَّ إنِّي
أَتَقرَّبُ إلَيكَ بِذِكْرِكَ )
بيان المراد من الذكر
أي بذكري إياك ، اُضيف
المصدر إلىٰ المفعول.
المراد بالذكر : إمّا معناه المصدري ، يعني : بتذكّري إياك في كلّ حال أتقرّب إليك ، أراد : أنّ غاية تذكّري إياك هي التقرّب إليك ، وكمال التقرّب إليه
تعالىٰ هو التخلّق بأخلافه ، كما ورد : ( تخلّقوا بأخلاق الله ) .
وورد ( تخلّقوا بأخلاق الروحانيين ).
وحقيقة الذكر حضور
المذكور لدىٰ الذاكر ، وهو تعالىٰ أجلّ ذاكر لأبهىٰ مذكور ، هو ذاته لذاته ، كما في الدعاء : ( يا خير الذاكرين ) .
فذكره تعالىٰ في مرتبة ذاته كلامه الذاتي ، وعلا بذاته الذي هو حضور ذاته بذاته لذاته ، بمعنىٰ : عدم انفكاك
ذاته عن ذاته تعالىٰ. وفي مرتبة فيضه المقدّس وفعله الأقدس ذكره أمره الإيجادي ، وكلمة
: « كُنْ » الوجودية. ولذا قال الشاعر :
فلمّا أضاء الليل
أصبحت عارفاً
|
|
بأنّك مذكور وذكر
وذاكر
|
_____________________________
وإمّا المراد بالذكر : وجهه تعالىٰ ، فإنّ البرهان الصحيح بدلنا علىٰ
التثليث : الذاكر ، والذكر ، والمذكور. فالذاكر هو الله تعالىٰ ، والذكر : الوجود
المنبسط ، والمذكور : مخلوقه ومصنوعه. وقد مرّ أنّ ذلك الوجود وجهه تعالىٰ.
فحينئذٍ مراد السائل
أنّه يقول : أتقرب إلىٰ ذاتك الحكيم القديم بوجهك الكريم.
وإمّا المراد بالذكر : وجود السائل ، إذ قد عرفت أنَّ الوجودات بأسرها ، كما أنَّها إشراق الله تعالىٰ ، كذلك كلماته وأذكاره ، كما قال الله
تعالىٰ : ( بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ ) وقال : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ )
.
وخير الأذكار : هو أن
يصير وجود الذاكر عين ذكره تعالىٰ ، يعني : استشعر الذاكر بالعلم ثم بالعيان أنّ وجوده ذكره تعالىٰ ، كما قيل :
أگر مؤمن بدانستي
كه بت چيست
|
|
يقين کردی که
دين در بت پرستى است
|
أگر کافر ز بت آگاه
گشتی
|
|
کجا در دين خود
گمراه گشتی
|
يعني : لو علم
المؤمنون الذين دخلوا في أوائل درجات الإيمان ، وقالوا : لا إله إلّا الله ، تقليداً ولساناً لا برهاناً وعياناً ، أنّ وجودات الأصنام كلّها من الله
وإشراقاته ، وهو تعالىٰ أحاط بكلّ شيء علماً وقدرة ، وفي الحقيقة معطي الكمالات ليس إلّا
هو ؛ لأيقنوا ـ هؤلاء المؤمنون ـ بأنّ عبادة الأصنام بذلك الاعتبار عبادة الله
تعالیٰ ، وفي الحقيقة كذلك ، ولكن عبدة الأصنام لم يكونوا مستشعرين بهذا الأمر ، بل يعبدون نفس الأصنام بأنّها آلهتهم أو أدلّاء ، وشفعاؤهم عند إلههم ، وذلك كفر
وإلحاد وملعنة.
فحينئذٍ مراده : إنّي
أتقرّب إليك ، بسبب وجودي الذي هو من صنعك ، وكونك موجداً إياي ، وآخذاً بناصيتي ، تجرّها إليك.
_____________________________
وإمّا المراد بالذكر : هو القرآن المجيد والفرقان الحميد ، كما سمّاه الله
تعالىٰ به ، قال : ( أَأُنزِلَ
عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا ) ، وقال : ( نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )
.
فحينئذٍ مراده : أتقرّب
إليك بكتابك ، يعني : بمواظبتي قراءته ، وممارستي التفكّر في محكماته ومتشابهاته ، وناسخه ومنسوخه ، وتأويله وتنزيله ، ومجمله ومفصّله.
والقرآن ـ من الفاتحة
إلىٰ الخاتمة ـ وجوده الوجود اللفظي حين القراءة ، والوجود الكتبي حين عدمها لجميع الموجودات ، آفاقية والأنفسيّة ، إذ قُرّر في محله
أنّ لكلّ شيء وجودات أربعاً : العينية ، والذهنية ، والكتيبة ، واللفظية. والعوالم
كلّها متطابقة ، فكلّ ما في عالم من العوالم فهو في عالم أعلىٰ منه بنحو الأكملية
والأتمّية ممّا في العالم الأدنىٰ ، كما قال تعالىٰ : ( وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ
إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) .
فالمراد بالكتاب
المبين وإن كان هو العقل الأول والممكن الأشرف ، إلّا أن القرآن حقيقته ووجوده الكتبي كما قلنا ، فكلّ ما في اُم الكتاب بنحو اللف والبساطة فهو في
الكتاب التدويني بنحو الكتابة والعبارة. والتفصيل يستدعي محلّاً آخر ونمطاً آخر غير ما سمعت.
وإمّا المراد بالذكر : أهل البيت عليهمالسلام ؛ لأنَّهم أهل الذكر وحاملو القرآن كما
هو حقّه ، كما روي عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله تعالىٰ : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ ) ، قال : ( نحن والله أهل الذكر ). فقيل : أنتم المسؤلون ؟ قال : ( نعم ). قيل : وعليكم أن
تجيبونا ؟ قال عليهالسلام : ( ذاك إلينا إن شئنا فعلنا ، وإن
شئنا تركنا ) . فهم
عليهمالسلام بشراشر وجودهم ذكر
الله تعالىٰ وفيضه.
وحينئذٍ مراده : أتقرّب
إليك بأهل ذكرك ، يعني بمحبتهم وموالاتهم عليهمالسلام. فحُذف المضاف واُقيم المضاف إليه مقامه.
_____________________________
ثم إنَّ حرف الباء في
قوله : ( بذكرك ) للسببيّة.
فبالجملة ، ذكره
تعالىٰ في جميع الأحوال حسن ، والعقل الهيولاني في أوّل الأمر وابتداء الحال يتسدعي الصورة ، كالهيولىٰ الاُولىٰ التي تستدعي الصورة
الجسمية. فصوّروا العقل بذكر ذاته تعالىٰ وذكر أسمائه وصفاته ، ولا ترتسموه بصور داثرات
مخلوقاته من الأباطيل الزائلة الفانية ، والترّهات العادمة غير الباقية.
الله في كلّ شؤون
اذكرا
|
|
فإنّ ذكر الله كان
أكبرا
|
ومنه جا حثّ عليه
في الخلا
|
|
وحائض وقاطئ وما
خلا
|
( وَأَسْتَشْفِعُ بِكَ إلىٰ نَفْسِكَ )
أي أجعلك شفيعاً
لشفاعة نفسي الخاطئة الجانية إِلىٰ ذاتك المقدّسة العالية في العاجلة والآجلة ، يوم لا يشفع الشافعون إلّا باذنك ، وهو يوم : ( لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا
لِمَنِ ارْتَضَىٰ ) .
البحث في الشفاعة
والشفاعة ـ كالمغفرة
والعفو ـ تقع لأصحاب الكبائر إذا ماتوا بلا توبة ، وجميع العلماء اتفقوا علىٰ هذا ، إلّا المعتزلة فإنّهم في كتبهم فسّروا الشفاعة
بطلب زيادة المنافع للمؤمنين المستحقين للثواب ، وقالوا أيضاً بمنع العفو لأصحاب الكبائر.
نقل كلام المحقّق
السبزواري
وقال صدر المتألهين قدسسره
: « إنّ حقيقة الشفاعة
بروز صور دلالات الأدلّاء علىٰ الله في الدنيا بصور الشفاعات في الاُخرىٰ ، إذ الكلّ يسعدون بدلالة شرائع
الأنبياء ورُشد طرائق الأئمة الهداة عليهمالسلام في الاُخرىٰ ، وهداية النبي
الداخل ـ أعني : العقل الذي هو الحجّة البالغة أيضاً ـ بهداية روحانية النبي والوصي والولي الخارجِيين ؛
_____________________________
لأنَّ
كلّ العقول في تعقّلاتهم يتّصلون بالعقل الفعّال وبروح القدس ، كما هو مقرر عند الحكماء قاطبة ، فهي كمرائي حازت وجوهها شطر مرآة كبيرة فيها كلّ المعقولات ، فيفيض علىٰ كلٍّ قسطه بحسبه : ( وروح القدس في جنان الصاقورة ، ذاق من
حدائقهم الباكورة ) .
بل الشفاعته منها : تكوينية
ساريه ، ولكلّ موجود منها قسط بحسب دلالته علىٰ الله تعالىٰ ، كالنبوة التكوينيّة السارية ، وكالمعلّم بالنسبة إلىٰ
الأطفال ، والرجل بالنسبة إلىٰ أهل بيته. ولهذا ورد أن المؤمن يشفع أكثر من قبيلة ربيعة أو
مضر.
ومنه : شفاعة القرآن
لأهله ، وأمثال ذلك.
لكن لمّا كان دلالتها
بتعريف النبوّة وإرشاد الولاية في الظاهر أو في الباطن ـ وفي الشرائع والطرائق والحقائق : الفقهاء مظاهر الأنبياء ، والعرفاء مظاهر
الأولياء والأوصياء ، ومناهج الظواهر والمظاهر في الأوائل والأواخر كأنهار أكابر وأصاغر ، من قاموس منهج خاتمهم ، كما قال صلىاللهعليهوآله : ( الشريعة أقوالي ، والطريقة أفعالي
، والحقيقة حالي ) . وله السيدودة العظمىٰ علىٰ جميعهم ، كما قال صلىاللهعليهوآله : ( أنا سيّد ولد آدم ولا فخر ) ، وقال : ( آدم ومَن دونه تحت لوائي يوم القيامة )
ـ ختم عليه الدلالة العظمىٰ في الاُولىٰ ، والشفاعة الكبرىٰ في الاُخرىٰ ، كما قال
تعالىٰ : ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ) » .
ثم قال :
« إن قلت : كيف تتحقّق الشفاعة في الاُخرىٰ لمن يرتكب الكبائر ، ولا دلالة ولا هداية له في الاُولىٰ ؟
قلت : لا يمكن ذلك ، اذ
له عقائد صحيحة ـ ولو إجمالية ـ متلّقاة من الشارع
_____________________________
ظاهراً
وباطناً ، وربما يكون له خصال حميدة ، ولا أقل من خواطر حقّة ثابتة ، علىٰ درجات متفاوتة ، ولا سيّما أنَّ العبرة بأخير حالاته ونهاية أوقاته ، [ كما قيل :
هيچ کافر را سنجراری
منگريد
|
|
که مُسلمان مرونش
باشد اميد ]
|
لو فرض خلوّه عن جميع
الوسائل وانبتات يده عن تمام الحبائل ، فنلتزم عدم حصول الشفاعة له ، ولهذا وقع في الدعاء : ( اللّهم قرّب وسيلته ، وارزقنا شفاعته )
» انتهىٰ.
ثمّ مراده من جعله
تعالىٰ شفيعاً لجرائمه وآثامه عنده تعالىٰ ، هو طلب العفو والمغفرة منه تعالىٰ ، علىٰ سبيل الكناية التي هي أبلغ من التصريح
وأدعىٰ منه.
( وَأَسْأَلُكَ
بِجُودِكَ أَنْ تُدْنِيني مِنْ قُرْبِكَ )
الجود والكرم بمعنًى
واحد ، والجواد الذي لا يبخل بعطائه ، وهو من أسمائه تعالىٰ ، كما في الدعاء ( اللهم أنت الجواد الذي لا يبخل ) .
والجود منه
تعالىٰ إفادة ما ينبغي لا لعوض ولا لغرض ، كالعطاء والكرم والهبة منه تعالىٰ ؛ إذ مرجعها إلىٰ صفة واحدة هي الإفاضة والفيّاضية.
وفي المجمع : « سئل
الحسن عليهالسلام ـ وهو في الطواف ـ فقيل : أخبرني عن
الجواد ، فقال عليهالسلام : ( إنّ لكلامك وجهين ؛ فإن كنت تسأل
عن المخلوق فالجواد الذي يؤدّي ما افتُرض عليه ، والبخيل الذي يبخل بما افتُرض عليه. وإن كنت تسأل عن الخالق فهو الجواد إن أعطىٰ ، وهو الجواد إن منع ؛ لأنه إن أعطىٰ عبداً أعطاه ما
ليس له ، وإن منع منع ما ليس له ) » .
_____________________________
أقول : أراد عليهالسلام أنَّ خالق جميع العطيات وموجدها ومعطيها ومالكها نفسه
تعالىٰ ، لا شريك له في الإيجاد ، كما لا ثاني له في الوجود.
وقول السائل : ( أن تُدنيني
من قُربِكَ ) أي تقرّبني إليك. يقال : زيد أدنىٰ عمراً إلىٰ بكر ، أي قرّبه إليه ، وأدنوه مني : أي قرّبوه منّي ، من الإدناء. كأنّه قال : أسألك
بسبب جودك وكرمك أن تعطيني بعطاء هو قربك ، يعني : توفّقني لإقامة طاعاتك وإدامة عباداتك ، حتّىٰ يحصل لي التخلّق بأخلاقك الحسنة والاتصاف بصفاتك الكريمة ؛ لأنّك قلت : ( عبدي أطعني حتىٰ أجعلك مثلي ، أقول لشيء : كن ، فيكون ، تقول
لشيء : كن ، فيكون ) ، كما قيل :
حكايت كنند از بزرگان دين
|
|
حقيقت شناسان عين اليقين
|
که صاحبدلی بر پلنگی نشست
|
|
همی را ندار هوار وماری
بدست
|
باو گفتم اى مرد راه خدا
|
|
بدين ره که رفتی مرا ره نما
|
چه کردی که درنده رام تو شد
|
|
نگين سعادت بنام تو شد
|
بکفت ار بينگم زبون دست ومار
|
|
وگربيل و گرگ هاست شگفتی مدار
|
تو هم گردن از حکم داود هيچ
|
|
که گردن به يچد ز حکم تر هيچ
|
وقال المولوي :
بر كه ترسيد از حق
وتقوىٰ گزيد
|
|
ترسد از وی
چن دانس وهر که ويد
|
وفي الحديث القدسيّ أيضاً
: ( مَن تقرّب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً ، ومن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً ، من أتاني مشياً أتيته هرولة ) .
وكأن غاية التقرّب
إليه تعالىٰ هي الفناء في أسمائه وصفاته ، وبعبارة اُخرىٰ : الفناء في الحضرة الواحدية ، وحينئذٍ يسري حكم المفني فيه في الفاني ، ويبقىٰ
ببقائه
_____________________________
لا
بإبقائه كما في الموجودات اللايزالية ، فإنها باقية بإبقاء الله تعالىٰ.
فهذه الغاية
القصوىٰ والبغية الكبرىٰ حصلت لسيد الأنبياء وخاتمهم ، وسيد الأوصياء والأولياء وخاتمهم ، ولهذا قال صلىاللهعليهوآله : ( من رآني فقد رأىٰ الحقّ ) .
وقال : ( لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب ولا نبي مرسل ) .
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : ( معرفتي بالنورانية معرفة الله )
وقال المولوي ـ حكاية
عن نوح عليهالسلام ـ :
گفت نوح ای
سرکشان من من نيم
|
|
من ز جان مردم
بجانان ميزيم
|
چون بمردم از حواس
ابو البشر
|
|
حق مرا شد سمع و ادراک
و بصر
|
چونکه من من نيستم
اين دم ز هواست
|
|
پيش اين دم هر که
دم زد کافر او است
|
( وَأَن تُوزِعَني شُكرَك )
الإيزاع : الإلهام ، والجملة
معطوفة علىٰ ما قبلها.
يريد : أنّه بعدما
أنعمتني وأعطيتني بالنعمة التي هي قُربك ، أسألك أن تُلهمني شكرك ؛ لأنّه ـ كما مرّ ـ لكلّ نعمة شكر خاصّ يختصّ بها ، وشكر تلك النعمة العظمىٰ موقوف علىٰ إلهامة تعالىٰ ، ولعله نفس تلك النعمة ، بناءً
علىٰ الحديث القدسيّ الذي قال تعالىٰ : ( مَن عشقني عشقته ، ومَن عشقته قتلته ، ومَن
قتلته فعليّ ديته ، ومَن عليّ ديته فأنا ديته ) ( من كان لله كان الله له ) .
والشكر في اللغة : فعل
ينبئ عن تعظيم المنعم لكونه منعماً . وعند العلماء وفي اصطلاحهم : صرف العبد جيع ما أنعمه الله تعالىٰ عليه فيما خُلق لأجله.
_____________________________
بيان أقسام الخواطر
والإلهام من فعل الله
تعالىٰ ، أو مِن فعل الملك ، وهو الخاطر الذي بالقوّة والتسلّط وعدم الاندفاع ؛ إذ الخواطر والواردات علىٰ القلب أربعة أقسام :
رباني :
ويسمّىٰ نقر الخاطر أيضاً.
وملكي :
وهو الباعث علىٰ مندوب أو مفروض ، ويسمّىٰ إلهاماً
ونفساني : وهو ما فيه حظّ للنفس ، ويسمّىٰ هاجساً.
وشيطاني : هو الباعث علىٰ مخالفة الحقّ والعقل ، ويسمىٰ
وسواساً.
وسيأتي زيادة توضيح
لتلك الأقسام عند شرح : ( ونفسي بخيانتها ، ومِطالي ) إن شاء الله تعالىٰ.
وإن كان الإلهام فعل
الملك فقط ، كما قال به بعض المحققين ، فإسناده إليه تعالىٰ من باب إسناد الفعل إلىٰ فاعله الحقيقي ، وانقطاعه عن الفاعل المجازي الذي
هو في الحقيقة معدّ لا فاعل للشيء ؛ إذ جميع الملائكة جهات قادريته تعالىٰ ، وجنوده
وأياديه الفعّالة العمّالة ، ومعطي الوجود ـ كما مرّ غير مرّة ـ ليس إلّا هو ، وقد
أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالىٰ في مواضع كثيرة :
منها قوله : ( اللَّـهُ يَتَوَفَّى
الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) ، ومنها قوله تعالىٰ : ( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ )
، ومنها قوله تعالىٰ : ( يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ) إلىٰ غير ذلك.
( وَأَنْ تُلْهِمُني
ذِكْرَكَ )
المراد بالذكر هنا : ما
يتذكّر به الإنسان من الأذكار والأوراد التي بها يستمد من
_____________________________
الله
تعالىٰ ويطلب قضاء حاجاته منه ، بل يستحضره في قلبه ، حتىٰ لا ينساه
وينسىٰ نفسه به ، كما قال الله تعالىٰ : ( نَسُوا اللَّـهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ )
.
فالأهم الأقرب
والأولىٰ والأنسب أن يؤنس الإنسان نفسه بذكره تعالىٰ في جميع أوقاته ، وكان منظور نظره في جملة دعواته القربة إلىٰ وجهه الكريم ؛
ولذا قال سيد الساجدين زين العابدين عليهالسلام ، في المناجاة الثالثة عشر : ( وآنسنا
بالذكر الخفي ، واستعملنا بالعمل الزكي ) ؛ حتىٰ تنوّر بيت فؤاده بنور
جماله ، واستتر نقائصه الإمكانيّة تحت شعاع عظمته وجلاله.
فإذا جاوز عن دار
الغرور وتوجّه إلىٰ دار السرور استقرَّ في الأنوار الخمسة ، كما قال صلىاللهعليهوآله : ( لا يزال المؤمن الذي يذكر الله في
كلّ حال في أنوار خمسة : مدخله نور ، ومخرجه نور ، وكلامه نور ، وغذاؤه نور ، ومنظره يوم القيامة إلىٰ نور ) .
فالذكر ينبغي أن
يلتفت إلىٰ أن يكون في تذكاره تعالىٰ عمدة غرضه نفس الذكر ، ولا يدرج فيه مقاصد اُخر ، وإن أدرج ولم يقض أوطاره المندرجة لا يعبأ به ، فإنّه قال تعالىٰ : ( عَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ
أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ) . كما قال المولوي رحمهالله :
آن يکی الله
سيکفنی بشی
|
|
تا که شيرين گردد
از ذکرش بی
|
گفت شيطان آخر ای
بسيار گو
|
|
اين همه الله را لبيک
گو
|
می نيايد يک
جواب از پيش تخت
|
|
چند الله سيزنی
باردی سخت
|
او پريشان دل شد
ونهاد سر
|
|
ديدر خواب او خضر
را در خضر
|
گفت هين از ذکر چون
وا مانده
|
|
چون پشيمانی
از آن گش خوانده
|
کفت لبيکم نميايد
جواب
|
|
زان همی
برستم که باشم در باب
|
_____________________________
گفت او را که گفت اين
بمن
|
|
که بر وبا أو بگو ای
ممتحن
|
خود همان الله تو
لبيك ما است
|
|
و ان نياز و در دو سوزت
لبيك ما است
|
حيلهها وجاره
جونهاى تو
|
|
جذبها بود وگشودن
پای تو
|
از خدا غير خدا را
خواستن
|
|
اطن افزو نيسيت کلی
کاستن
|
( اللّهُمَّ إنّي أَسْأَلُكَ سُؤالَ خاضِعٍ مُتَذَلّلٍ خاشِعٍ أن
تُسامِحَني )
التذلل :
المَسكنة والهوان والحقارة ، من الذل ـ بالضم ـ ضد العزة.
الخضوع
ـ كالخشوع ـ : الخوف والخشية.
فالمراد بالخضوع هنا
: هو التطامن والتواضع ، والخشية في القلب والأفعال.
وبالخشوع : التطامن
والتواضع في الصوت والقول.
المسامحة : المساهلة
، تسامحني : أي تساهلني ولا تأخذني بالشدّة والقهر.
وفي الدعاء أيضاً : (
اللهم تفضّل عليَّ بالمياسرة إذا حاسبتني المياسرة ) .
مفاعلة من اليسر ، والمراد
: المسامحة في الحساب يوم القيامة.
( وَتَرْحَمَني
وَتَجْعَلَني بِقِسْمِكَ راضِياً )
أي بقسمك الذي قسمت
لي من الأرزاق ، والعلم والمعرفة ، والعزّة أو الذلة ، والصحّة أو المرض. وبالجملة ، فجميعها بقدرته وحوله وتقديره وقضائه وقدره وعلمه ومشيئته وإمضائه.
قال الله
تعالىٰ : ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ )
، وقال : ( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ) .
الرضا :
ضد السخط والكراهة.
_____________________________
( قَانِعَاً )
القانع :
هو الذي يقنع ويرضىٰ بالقليل ، ولا يسخط ولا يكره بقلّة المعيشة. وفي الصحاح : « القانع : الراضي بما معه وبما يعطىٰ من غير سؤال » .
أقول :
فضيلة القناعة في الأخبار كثيرة ، كقوله عليهالسلام : ( القانع غني وإن جاع وعرىٰ ، ومَن قنع استراح من أهل زمانه واستطال علىٰ أقرانه ، ومَن قنع فقد اختار
الغنىٰ علىٰ الذل ، والراحة علىٰ التعب ) وقوله عليهالسلام : ( القناعة كنز لا ينفد ) .
ولعل عدم نفاده لأنّ الإنفاق منه لا ينقطع كلّما تعذر عليه شيء من اُمور الدنيا قنع القانع بما دونه
ورضي به.
وقوله عليهالسلام : ( عَزّ مَن قنع ، وذلّ مَن طمع ).
وقول أمير المؤمنين عليهالسلام : ( إنّي طلبت الغنىٰ فما وجدت إلّا بالقناعة ، عليكم
بالقناعة تستغنوا ، وطلبت القدر والمنزلة فما وجدت إلّا بالعلم ، تعلّموا يعظم قدركم في
الدارين ، وطلبت الكرامة فما وجدت إلّا بالتقوىٰ ، اتقوا الله لتكرموا ، وطلبت الراحة
فما وجدت إلّا بترك مخالطة الناس ، اتركوا الدنيا ومخالطة الناس تستريحوا ) .
أو غير ذلك من الأحاديث
التي تدلّ علىٰ فضيلة القناعة.
وسرّها واضح ؛ إذ من
المعلوم أنّ من قنع بالقليل من الزاد في مسافرته إلىٰ الله تعالىٰ أمن من الكد والتكلّف والسعي في الطلب ، ولا يوقع نفسه في متاعب
الكسب ومصاعب الاُمور ، ويتقّي بوجهه سوء الاكتساب ، حتّىٰ لا يقع في الشبهات والمحرّمات ، ولهذا يصان دينه وإيمانه ، وكان بمعزل من الصفات الخسيسة والسمات الخبيثة ، ويقبل بجميع وجوهه إلىٰ الله تعالىٰ ، ويجعل غاية عزيمته
سرعة سيره من هذا الجسر ؛ ليلتحق بالمفردين ، يسلك في سلك المقرّبين أو في حزب
أصحاب اليمين ، وتبرّأ عن الانخراط في زمرة المكذّبين الضالين.
_____________________________
مع أنّ الإنسان
العارف يعلم أن قسّام الأرزاق بجملتها هو الحكيم علىٰ الإطلاق ، قد قدّر لكلّ فرد من أفراد الأناسي والحيوانات رزقاً معيّناً معلوماً ، مقسوماً في
أوقات خاصة ، لا يقدّم ولا يؤخر طرفة عين.
بر سر هر لقمه
بنوشته عيان
|
|
كز فلان بن فلان بن
فلان
|
بل لكلّ غصن من أغصان
الأشجار والنباتات وأوراقها رزق معيّن مشخّص ، مرزوقة به ، لا ترتزق ورقة رزق الاُخرىٰ ، بل جميع العالم مرزوقة من الله
تعالىٰ من السماوات والأرضين ، كلّ برزق مخصوص يختصّ به ، كما مرّ في أوائل هذا الشرح.
فإذا كان أزمّة
الاُمور من الأرزاق وغيرها بيده تعالىٰ ، فِلَم لا يرتضي العبد القانع بما تيسّر له من المعيشة ، واغتم بأقسام الآخرين ، وأخرج نفسه من سلسلة الصابرين والشاكرين ؟! والحمد لله رب العالمين.
( وَفِي جَمِيْعِ الأَحْوَالِ
مُتَواضِعاً )
التواضع : التذلل ، وفي الحديث : ( ما تواضع أحد لأحد لله إلّا رفعه ).
فالعارف البصير ، والمسترشد
الخيبر ، الناظر بنور الله إلىٰ وجهه الكريم ، في كلّ حال من الأحوال لابدّ أن يكون متواضعاً عند الجميع في جميع الأحوال ؛ لأنّه لا يرىٰ شيئاً إلّا وقد يرىٰ الله فيه أو معه أو بعده ، ما ورد عن أمير
المؤمنين عليهالسلام ( ما رأيت شيئاً إلّا وقد رأيت الله قبله أو فيه أو معه ) علىٰ تعدّد الرواية .
وكان تواضعه وخضوعه
وخشوعه كلّه لله تعالىٰ ، بل الكامل المرشد إذا ذهل طرفة عين عن استبصار أنواره تعالىٰ ، وأحياناً توجّه إلىٰ الغير
بإسناده فعل من الأفعال أو موجود من الموجودات إلىٰ غيره تعالىٰ ، ثم التفت
إلىٰ ذلك النظر ، استغفره تعالىٰ وأناب إليه ، كما قال صلىاللهعليهوآله : ( ليغان علىٰ قلبي ، وإنّي
لأستغفر الله في كل يوم سبعين
_____________________________
مرّة
) .
سرمايه دولت اى برادر بگف ار
|
|
وين عمر گرامی بخسارت بگذار
|
يعنی همه جا با همه کس در همه
کار
|
|
ميدار نهضة جشم دل جان يار
|
ثم إنّ هذه الجملة
معطوفة علىٰ الجملة التي قبلها ، أي ( وتجعلني في جميع الأحوال متواضعاً ).
( اللَّهُمَّ
وَأَسْأَلُكَ سُؤالَ مَنَ اشْتَدَتْ فاقَتُهُ )
( أسألك ) معطوف علىٰ
( أسألك ) وتكرير لفظ الجلالة للالتذاذ ، إذ ذكر الحبيب علىٰ الحبيب أحلىٰ وألذّ من العسل المصفّىٰ الذي نهره في الجنّة موعود
المتّقين ، بل أهنأ وأمرأ من الخمر التي هي لذة للشاربين ، كما قال الشاعر :
أعد ذكر نعمان لنا
إنَّ ذكره
|
|
هو المسك ما كررته
يتضوع
|
الفاقة والخصاصة
والإملاق والمسكنة والمتربة ، جميعها بمعنًى واحد : هو الافتقار ، يقال : فلان اشتدت فاقته ، أي بلغت فاقته وحاجته في أمر إلىٰ
النهاية ، بحيث لا يتصوّر فوقها حاجة وفاقة فيه ؛ إذ للاحتياج مراتب مختلفة ، بعضها في الشدّة واللزوم فوق بعض ؛ لأنَّ احتياج الإنسان إلىٰ طعامه أشدّ وآكد من
احتياجه إلىٰ ملح طعامه ، واحتياجه إلىٰ الماء أشدّ من احتياجه إلىٰ
القصعة والكوزة ، واحتياج الوجودات إلىٰ مقوّمها وقيّومها أشدُّ وآكد ممن احتياجها إلىٰ نفسها.
ولذا قال الله
تعالىٰ ( يَا مُوسَىٰ أنا بدّك اللازم )
؛ لأنه تعالىٰ مقوّم الجميع وقيّومها ، والوجودات كلّها روابط محضة وفقراء صرفة ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّـهِ وَاللَّـهُ
هُوَ الْغَنِيُّ ) .
_____________________________
وربّما كانت الحاجة
في شيء واحد ذات مراتب متفاوته في الشدّة والضعف ، كما إذا احتاج أحد في الليل إلىٰ سراج أنار بيته المظلم ولم يمكنه ، ثم يخطر
بباله أن ينظر إلىٰ كتاب في مسألة ، فحينئذٍ يؤكد احتياجه إلیٰ السراج ، ثم يدخل سارق في بيته للسرقة ، فاشتدت حاجته إلىٰ السراج حينئذٍ ، ثم يقصد السارق قتل صاحب البيت ، فالحاجة إلىٰ السراج حينئذٍ بلغت إلىٰ النهاية ، ولا يتصوّر
فوقها حاجة فيه.
( وَأَنْزَلَ بِكَ عِنْدَ
الشدائِدِ حاجَتَهُ )
( الشدائد ) : جمع « شديد
» ، وهو الأمر الصعب. وتقديم الظرف لقصد الحصر ، أي أنزل بك لا بغيرك ، ولمراعاة السجع.
والجملة معطوفة
علىٰ ما قبلها ، يعني : ( أسألك سؤال من اشتدت فاقته ، وسؤال مَن أنزل بك عند الشدائد حاجته ) ، وذلك كمن حان أن تغرق سفينته وألقتها السوافن العاصفة في التهلكة ، فكيف حال السفان والربّان حينئذٍ ؟ فلابدّ أن يلتجئ بجميع مشاعره وقواه إلیٰ الله
تعالیٰ ، ويتضرّع إليه حتیٰ ينجيه وسفينته من الغرق ، وإذن
لا يلتفت إلىٰ نفسه ، فضلاً عن الالتفات إلىٰ الغير.
أو كمن ظهرت أمارات
الموت عليه ، وكان في حالة الاحتضار والهلاكة ، فكيف حاله مع الله تعالىٰ ؟ وإلىٰ من يلتجئ هنالك ؟ ومن هو يكشف السوء عنه
غيره تعالىٰ ؟
فالعبد المؤمن الذي
استقرَّ بين الخوف والرجاء ينبغي أن يكون في جميع الأوقات ملتجئاً ومتضرّعاً إليه تعالىٰ ، كمن اشتدت فاقته ، وأنزل به عند
الشدائد حاجته.
( وَعَظُمَ فيمَا
عِنْدَكَ رَغْبَتُهُ )
معطوفة علىٰ ما
قبلها ، كما مرّ.
الرغبة :
تارةً تُستعمل مع « في » ، وهي بمعنىٰ : ميل النفس ، كما هاهنا. وتارةً تُستعمل مع « عن » ، وهي بمعنىٰ : الزهد وعدم الميل ، كما في قوله
تعالىٰ : ( وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ ) ، وقوله صلىاللهعليهوآله ( ومَن رغب عن سنّتي فليس مني ) .
والهاء فيها لتأنيث المصدر.
وفي الحديث : ( لا
تجتمع الرغبة والرهبة في قلب إلّا وجبت له الجنّة ) .
والرغبة : هي السؤال
والطلب من الله تعالىٰ ، والرهبة هي الخوف منه تعالىٰ ، والرغبة في الدعاء هي أن تستقبل ببطن كفّيك إلىٰ السماء ، وتستقبل بهما وجهك.
فاعلم أنَّ جميع
المتعاقبات في سلسلة الزمان من الجواهر والأعراض مجتمعات في وعاء الدهر ، وجميع ما في الدهور الأربعة منطويات في السرمد ، فجملة الموجودات ثابتة باقية بنحو كمالاتها عنده تعالىٰ ، كما قال : ( مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا
عِندَ اللَّـهِ بَاقٍ ) .
فالطالب ينبغي أن
يلتمس منه تعالىٰ جميع حوائجه ، وجملة مآربه ومطالبه ولو كان ملح طعامه وبلاغة كلامه ، كما قيل :
كان السؤال للعبيد
ديدنا
|
|
طول الخطاب للحبيب
استُحسنا
|
قال لموسىٰ
عني اسأل ملحكا
|
|
وهكذا سلني شراك
نعلكا
|
رفع اليدين كِديةً
ثم الحذا
|
|
للوجه إيماءً
للاستحيا خذا
|
( اَللَّهُمَّ عَظُمَ سُلْطانَكَ )
انصرف عن المسألة
والاستغفار إلىٰ التوصيف ؛ ايماءً إلىٰ أنّه في دعواته
_____________________________
ومسألاته
ليس مقصوده هو التكدّي والسؤال فقط ، بل قصده الحقيقي هو طول المكالمة والمخاطبة مع الحبيب.
وفيه قد يلتفت
إلىٰ نفسه ، فما يرىٰ إلّا الجرائم والآثام ، فيطلب منه تعالىٰ
المغفرة والرحمة.
وقد يلتفت ويستغرق في
أوصافه تعالىٰ من الجمال والجلال واللطف والقهر ، فيصفه ويعظّمه علىٰ حسب ما يمكنه من ذلك ، وعلىٰ قدر تجلّيه
تعالىٰ عليه ، وإذا حضرته غاية الاستغراق والهيمان لا يقدر علىٰ التكلّم والمخاطبة ، فكلَّ
لسانه وارتعش أركانه ، وتزلزل فرائصه وعظامه.
ثمّ « السلطان » قد
مرّ أنّه « فُعلان » ، يُذكّر ويؤنث ، وأنّه بمعنىٰ الحجّة والبرهان ، والقوّة والغلبة. فهو تعالىٰ عظيم حجّته وبرهانه ، وشديدة قوّته وغلبته. وقد
عرفت معاني الكلّ ، تأويلاتها وتفسيراتها.
( وَعَلَا مَكَانُكَ )
أي ارتفع ، يقال : فلان
مُكّن عند السلطان ، أي عظم وارتفع عنده. ومكانه تعالىٰ عرشه بجميع إطلاقاته ومعانيه ، إذ قد مرّ أنَّ للعرش إطلاقاتٍ أربعاً : علمه
المحيط ، وفيضه المقدّس ، والعقل الأوّل ، والفلك الأقصىٰ.
وفي الأخبار : ( أنّ
قلب المؤمن عرش الرحمن ) ، كما قال المولوي :
گفت بيغمبر که حق
فرمود است
|
|
من نگنجم هيچ در
بالا و پست
|
در زمبن و آسمان و عرش
نيز
|
|
اين يقين دان من
نگنجم ای عزيز
|
در دل مؤمن بگنجيم
همچو ضيف
|
|
بی ز چون و بی
چگونه بی ز کيف
|
فالمؤمن الحقيقي الذي
ورد في حقّه أنّه أعزّ من الكبريت الأحمر ، إذا وسع قلبه
_____________________________
بحيث
اتّحد بأحد معاني العرش وانطبق عليه يصير عرش الله.
وفي الخبر أيضاً : ( قلب
المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن ، يقلّبه كيف يشاء ) .
مراتب الإيمان والمعرفة
وإنّما قلنا : المؤمن
الموصوف بكذا صار قلبه كذا ، إذ للإيمان مراتب أربعة : من الايمان التقليدي ، والإيمان البرهاني ، والعياني ، والتحقّقي الذي هو حقّ الإيمان
حقيقته ، وأخير درجاته ونهاية مقاماته.
نقل كلام المحقّق
الطوسي في مراتب المعرفة
قال سلطان الحكماء : « اعلم أنَّ مراتب المعرفة مثل مراتب النار مثلاً ، وأنّ أدناها مَن سمع أنّ في الوجود شيئاً يعدم كلّ شيء يلاقيه ، ويظهر أثره في كلّ شيء يحاذيه ، ويسمّىٰ ذلك الموجود ناراً. ونظير هذه المرتبة في معرفة الله
تعالىٰ معرفة المقلّدين الذين صدّقوا من غير وقوف علىٰ الحجج والبراهين.
وأعلىٰ منها
مرتبة ، من وصل إليه دخان النار ، وعلم أنّه لابدّ له من مؤثر ، فحكم بذات لها أثر هو الدخان. ونظير هذه المرتبة في معرفة الله معرفة أهل النظر والاستدلال الذين حكموا بالبراهين القاطعة علىٰ وجود الصانع.
وأعلىٰ منها
مرتبة ، من أحسّ بحرارة النار بسبب مجاورتها ، وشاهد الموجودات بنورها ، وانتفع بذلك الأثر. ونظير هذه المرتبة في معرفة الله تعالىٰ معرفة
المؤمنين المخلصين الذين اطمأنت قلوبهم بالله ، وتيقّنوا أنّ الله نور السماوات والأرض كما وصف به نفسه.
وأعلىٰ منها
مرتبة ، من احترق بالنار بكلّيته وتلاشىٰ فيها بجملته. ونظير هذه المرتبة في معرفة الله تعالىٰ معرفة أهل الشهود والفناء في الله ، وهي
الدرجة العليا
_____________________________
والمرتبة
القصوىٰ. رزقنا الله الوصول إليها والوقوف عليها ، بمنّه وكرمه » .
انتهىٰ كلامه.
أقول : في كلام سيد
الشهداء عليهالسلام : ( اعرفوا الله بالله ) .
معناه : أنّه تارةً يعرف تعالىٰ بأقواله ، وتارةً يعرف بآثاره وأفعاله ، وتارة يعرف بصفاته ، أي بالاتصاف بها ، وتارةً
يعرف الله بذاته المحيطة. وتلك المعارف بعضها فوق بعض ، وهذا بعينه مقصوده من تطبيق مراتب المعرفة بمعرفة النار ومراتبها.
فإن قلت : إنّك قد
قصرت الإيمان الحقيقي وحقّ الإيمان بالمرتبة الرابعة ، وقلت : إنّها نهاية درجاته وغاية مراتبه ، فما تقول في إيمانه تعالىٰ بنفسه ، وأحد
أسمائه هو ( المؤمن ) ؟
قلنا :
قد عرفت أنّ الإيمان التحقيقي لا يتيسّر إلّا للمخلصين الذين أفنوا أنفسهم في الله وبقوا به ، فإذا حصل ذلك المقام لأحد ارتفعت الاثنينية من البين ، ويسري حكم المفنى فيه في الفاني ، كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام : ( إنَّ لله لأوليائه شراباً إذا شربوا
طربوا ، وإذا طربوا سكروا ، وإذا سكروا طابوا ، وإذا طابوا ذابوا ، وإذا ذابوا
خلصوا ، وإذا خلصوا تخلّصوا ، وإذا تخلّصوا طلبوا ، وإذا طلبوا وجدوا ، وإذا وجدوا وصلوا ، وإذا
وصلوا اتصلوا ، وإذا اتصلوا لا فرق بينهم وبين حبيبهم ) .
در خدا گم شو کمال
اين است و بس
|
|
کم شدن کم کن وصال
اين است و بس
|
( وَخَفِيَ مَكْرُكَ )
الخفية :
الاستتار ، خفي مكره : أي استتر.
المكر من الخَلق : خدعة وخبّ ، ومن الله : مجازاة ، كما قال الله تعالىٰ :
_____________________________
( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّـهُ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )
.
بيان ما قيل في معنىٰ
المكر والتردّد من الله تعالىٰ
وقيل :
مكره تعالىٰ : استدراج العبد الماكر من حيث لا يعلم.
وقيل :
مكره : إرداف النعم مع المخالفة ، وإبقاء الحال مع سوء الأدب ، وإظهار خوارق العادات التي من قبيل الاستدراجات .
وقيل :
إنَّ المكر والغضب والحياء والخدعة والتردّد وسائر صفات المخلوقين إذا اُسندت إليه تعالىٰ يراد منها الغايات لا المبادئ ، مثلاً قوله تعالىٰ
في الحديث القدسي : ( ما تردّدت في شيء أنا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن ، إنّني لاُحبُّ لقاءه ويكره الموت فأصرفه عنه ) .
فالمراد من
معنىٰ التردد في هذا الحديث : إزالة كراهة الموت عنه ، وهذه الحالة تقدّمها أحوال كثيرة من مرض وهرم وزمانة وفاقة وشدّة بلاء ، تهوّن علىٰ
العبد مفارقة الدنيا ، ويقطع عنها علاقته ، حتّىٰ إذا يئس منها تحقّق رجاؤه بما
عند الله ، فاشتاق إلىٰ دار الكرامة ، فأخذ المؤمن عمّا تشبّث به من أسباب الدنيا
وحبّها شيئاً فشيئاً بالأسباب المذكورة ، مضاهي فعل التردد من حيث الصفة ، فعبّر تعالىٰ
به.
( وَظَهَرَ أَمْرُكَ )
بيان معنىٰ الأمر
التكويني والأمر التشريعي
أمره التكويني : هو كلمة « كُن » الوجودية التي جميع الأشياء ظاهرة بها ، وهي ظاهرة بذاتها لا لذاتها ، بل لعلّتها التي هي ذات الله العليا.
وأمره التشريعي والتكليفي : هو ما جاء به الأنبياء من الأوامر
والنواهي التي
_____________________________
ظهورها
بواسطة مظاهره تعالىٰ ، من الأنبياء والأولياء ، وهو أيضاً ظاهر غاية الظهور.
وقوله تعالىٰ : ( وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ )
، أي ما أمرنا إلّا كلمة واحدة ، وهي كلمة « كن » التي هي وجود جميع الموجودات ، كما مرّ غير مرة.
وأمر الله الذي قال
في القرآن ( أَتَىٰ
أَمْرُ اللَّـهِ ) القيامة ، وقال الله تعالىٰ : ( وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ ) أي ما أمر حشر الجميع إلّا في طرفة عين
، وفيه إظهار القدرة التامّة الكاملة ، ردعاً ومنعاً للجاهلين.
( وَغَلَبَ قَهْرُكَ )
القهر :
الغلبة ، وقهره تعالىٰ : تسخير الكلّ ومسخّرية الجميع تحت سطوع نوره تعالىٰ ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ )
. وفي الدعاء : ( الحمد لله الذي علا فقهر )
أي علا علىٰ جميع الموجودات ، فقهر الكلّ بعلوّه تعالىٰ عليها.
( وَجَرَت قُدْرَتُكَ
)
بيان ما قيل في
معنىٰ قدرته
القدرة عند المتكلمين :
صحّة صدور الفعل والترك. وعند الحكماء هذا التعريف مخصوص بقدرة الحيوان ، إذ الصحة إمكان ، والإمكان ذاتياً كان أو وقوعياً لا يليق بجناب الواجب الوجود بالذات الذي هو واجب الوجود من جميع الجهات ، بل هم قالوا في تعريف القدرة : كون الفاعل بحيث إن شاء فعل ، وإن لم يشأ لم يفعل ،
ولكنّه تعالىٰ شاء وفعل ، وصدق الشرطية ـ كما قرّر في حلها ـ لا ينافي وجوب المقدّم ولا امتناعه ، فإنّها تتألف من صادقين ومن كاذبين ، ومن صادق وكاذب.
_____________________________
فالمعتبر في القدرة ـ
كما قالوا ـ مقارنه الفعل للعلم والمشيئة ، ولا يعتبر حدوث الفعل فيها ولا ينافي دوامه معها. وقدم العالم باطل ، وحدوثه واقع بدليل آخر ؛
لأنَّ القدرة استدعت ذلك ، فإنَّ العقول كلّها صادرة عن الله تعالىٰ بالقدرة
والاختيار ، مع أنّها دائمة بدوام الله.
وبالجملة
، فقدرته تعالىٰ في مقام ذاته عين ذاته ، وذاته كلّها قدرة واختيار وإرادة وعلم ومشيئة ، وفي مقام فعله أيضاً عين فعله ؛ إذ كما أنّه فعل الله كذلك
هو قدرة الله. وفي العقول : جواهر مفارقة عن المواد ، ذاتاً وفعلاً ؛ لأنّها فيها نفس
وجوداتها. وفينا : القدرة كيفية نفسانية. فجرت قدرته تعالىٰ بإخراج الممكنات
من الليس إلىٰ الأيس ، واكتساء المواد بألبسه الصور ، ونفخ الأرواح في الأبدان
، وإماتة النفوس ، وإحياء الموتىٰ ، وإيصال النفوس إلىٰ الغايات في الاستكمال ،
وأرزاق الخلائق ، وإعطاء المسألات ، وإرسال الرسل ، وإنزال الكتب. وبالجملة :
كمترين كارش بود هر
روز آن
|
|
كوسه لشكر ميكند
آنسو روان
|
لشكرى از اصلاب سوى
امرت است
|
|
بهر آن تا در رحم
رديد نبات
|
لشكرى از ارحام سوى
خاكدان
|
|
تا ز نر و ماده
پرگردر جهان
|
لشکری از خاك
آن سوى أجل
|
|
تا به بيند هر كسى
حسن عمل
|
( وَلَا يُمكِنُ الفِرارُ مِنْ حُكُومَتِكَ )
فكيف يمكن الفرار من
حكومته تعالىٰ ، وهو ذاته محيطة وفعله محيط بجميع الأشياء ، وقدرته جارية علىٰ الكلّ ولا يمتنع معها شيء ، وحكمه نافذ في
أعماق الموجودات وآخذٌ بناصيتها ، وهي وجودات الأشياء ؟ إذ كما عرفت مراراً وجود الكلّ منه تعالىٰ وبه وإليه ، كما قيل :
ظهور تو بمن است
|
|
و وجود من از تو
|
فلست تظهر لولاي
|
|
إن لم أكن لولاك
|
نقل كلام أفلاطون
الإلهي
ومن آثار أفلاطون الإلهي أنّه قال : « العالم كرة ، والأرض نقطة ، والأفلاك
قسي ، والحوادث سهام ، والإنسان هدف ، والرامي هو الله ، فأين المفرّ ؟ ». روي أنه
قيل هذه الكلمات في حضور علي عليهالسلام ، قال : ( ففرّوا إلىٰ الله ) .
غير از تو پناه و مجدم نيست
|
|
هم در تو گريز هم از گريزم
|
أقول :
استفهام أفلاطون من التابعين ليس من باب الغفلة وعدم الاستشعار بذلك ، كيف وأنه كما ورد في حقه عن النبي صلىاللهعليهوآله : ( كان نبياً جهله قومه ) ، وأنّه صدر
حكماء الإشراق جميعاً ؟! بل من باب الامتحان والاستخبار عن مريديه ، ليعلم أنّهم ماذا يقولون في جوابه ؟!
( اللّهُمَّ لَا
أَجِدُ لِذُنُوبي غافِراً وَلَا لِقَبائِحي ساتِراً )
أي ولا أجد لأفعالي
وصفاتي القبيحة ساتراً.
القبائح : جمع « قبيحة » ، كمدائح : جمع « مديحة ».
روي عن صادق عليهالسلام أنّه قال : ( ما من مؤمن إلّا وله مثال في العرش ، فإذا اشتغل
بالركوع والسجود فعل مثاله مثل ذلك ، فعند ذلك تراه الملائكة ، فيصلون عليه ويستغفرون له ، وإذا اشتغل بالمعصية أرخىٰ الله علىٰ مثاله ستراً ، لئلا
يطلع عليها الملائكة ) .
ومن أسمائه
تعالىٰ ، كما في الدعاء : ( يا من أظهر الجميل وستر القبيح ) .
أقول : ومعنىٰ
رؤية الملائكة حسنات المؤمنين وعدم رؤيتهم سيئاتهم ـ كما قيل ـ أنّهم يرون الأشياء باعتبار جهاتها النورية ، وبعبارة
اُخرىٰ : باعتبار وجوهها
_____________________________
إلىٰ
الله الحسنة ، لا باعتبار وجوهها إلىٰ أنفسها القبيحة ؛ لاستغراق الملائكة
في مشاهدة جمال الله وجلاله.
وروي عن الحسين بن
علي بن أبي طالب عليهماالسلام : أنّه جاء رجل ، وقال : أنا رجل عاص ولا أصبر عن المعصية ، فعظني بموعظة ، فقال عليهالسلام : ( افعل خمسة أشياء وأذنب ما شئت ، فأول ذلك : لا تأكل من رزق الله وأذنب ما شئت ، والثاني : اخرج من ولاية
الله وأذنب ما شئت ، والثالث : اطلب موضعاً لا يراك الله وأذنب ما شئت ، والرابع : إذا
جاء ملك الموت لقبض روحك فادفعه عن نفسك وأذنب ما شئت ، والخامس : إذا أدخلك مالك في النار فلا تدخل في النار ، وأذنب ما شئت ) انتهىٰ.
( وَلَا لِشَيءٍ مِن
عَمَلِيَ القَبِيْحِ بِالحَسَنِ مُبَدِّلاً غَيرَكَ )
القبيح والقبيحة : خلاف الحسن والحسنة ، وهو تعالىٰ مبدّل السيئات بالحسنات.
ومن أسمائه : ( يا
مبدّل ) كما يبدّل الأرض غير الأرض ، ويبدّل وجودات الأبدال إلىٰ وجودات أنور وأقهر ، ويبدّل الجماد إلىٰ النبات ، والنبات إلىٰ
الحيوان ، والحيوان إلىٰ الإنسان ، ويبدّل الإنسان بالقوّة إلىٰ الإنسان بالفعل ، ويبدّل النطفة
إلىٰ العلقة ، والعلقة إلىٰ المضغة ، والمضغة إلىٰ الجنين ، وهكذا.
بالجملة ، هو
تعالىٰ مبدّل جميع ما بالقوىٰ إلىٰ الفعليات ، والسيئات
إلىٰ الحسنات.
( لَا إلهَ إلّا
أنَتَ )
أي لا معبود إلّا أنت
؛ إذ لكلّ موجود نصيب من المعبودية ، من حيث الاحتياج إليه في نظام العالم ، وإن كان معبوديته أيضاً باعتبار وجه الله الذي هو في كلّ
شيء.
_____________________________
وفي
الحقيقة ليس سوىٰ ذاته ووجهه تعالىٰ مألوه ، وموصوف بأنّه محتاج إليه
، كما قال المولوي قدسسره :
هر چه در چشم جهان نکوست
|
|
عکس حسن و پرتو احسان او است
|
گر بر آن احسان و حسن ايحق شاسن
|
|
از تو روزی در وجود آيد سپاس
|
در حقيقت آن سپاس او بود
|
|
نام اين و آن لباس او بود
|
ديدهٔ خواهم که باشد شد شناس
|
|
تا شناسه شاه را در هر سپاس
|
ومن أسمائه ( يا من
لا يعبد إلّا إياه ) .
والحال أنّ المعبودات
الباطلة كثيرة : من الأصنام والأحجار والأشجار ، والكواكب والنيران ، والصور والطيور ، حتّىٰ الكلاب والقطط ، والدراهم
والدنانير ، والنساء والبنات والبنين ، والخيول والبغال والحمير. وبالجملة ، أكثر الأشياء أو جميعها بوجه.
فمعنىٰ هذا
الاسم الشريف : أنّه وإن عبد القاصرون والكافرون كلٌّ معبوداً خاصاً ، بزعمهم الباطل واعتقادهم الكاسد الراجل ، ولكن في الحقيقة ما عبدوا إلّا وجهه الكريم ، وفيضه القديم العميم ، الذي أشار إليه في القرآن الحكيم : ( فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )
، وما خلا وجهه تعالىٰ داثر زائل وفاسد باطل.
كلّ شيءٍ ما خلا الله باطل
|
|
إنّ فضل الله غيم هاطل
|
وقال لبيد :
ألَا كل شيءٍ ما خلا الله باطل
|
|
وكل نعيم لا محالة زائل
|
ولذا قال الله
تعالىٰ : ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا
الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
_____________________________
مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَـٰذَا
صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) .
أي أمعنوا أنظاركم
حتىٰ تعرفوني أولاً ، ثم اعبدوني ، ولا توقعوا أنفسكم بسبب عدم معرفتي في عبادة الشياطين ، ( إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ).
فالعارف الناقد
البصير وإن احتاج إلىٰ الأشياء ما دام في هذا العالم ، ولكنّه يعلم أنّ المحتاج إليه في الجميع وللجميع واحد. ونِعَم ما قيل :
عارف حق شناس را بايد
|
|
كه به سوكه ديده بگشايد
|
در حوائج خداى را بيند
|
|
جز شهود خداى نگزيند
|
بل هو يعلم أيضاً
أنّه في وجوده وصفاته وحوله وقوّته يفتقر إليه تعالىٰ ، وهو عبده الذي لا يملك شيئاً من الوجود وتوابعه ، العبد وما في يده كان لمولاه.
( سُبْحانَكَ
وَبِحَمْدِكَ )
سبحان :
مصدر غير متصرّف ، لازم الإضافة ، ومعناه : اُسبّحك واُنزّهك تسبيحاً وتنزيهاً ، والحال أنّ ذلك التسبيح مقترن بحمدك.
والأولىٰ ـ كما
قال بعض المحقّقين ـ : ( أن يكون الباء في ( بحمدك ) للسببيّة ، ويكون الحمد مصدراً مضافاً إلىٰ الفاعل ، وكان المفعول محذوفاً أو بالعكس. والمعنىٰ حينئذٍ : والحال أنّ ذلك التسبيح بسبب حمدك نفسك ، يعني : تسبيحي بحولك وقوّتك ، ومقهور تحت تسبيحك لنفسك ، وحمدي مبهور تحت حمدك إياك ، كما قال سيد الكائنات صلىاللهعليهوآله : ( لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت
علىٰ نفسك ) .
كيف وحمدنا وتسبيحنا
وثناؤنا لك عارية ووديعة لدينا ؟ ولابدّ يوماً أن ترد الودائع.
_____________________________
والتسبيح يرجع
إلىٰ الحمد ، والحمد يرجع إلىٰ التسبيح ، كقوله تعالىٰ : ( إِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ) يعني : يسبّح بتسبيحه تعالىٰ
لنفسه.
ثم إنّ السائل نزّهه
تعالىٰ بعد التشبيه ، كأنّه أشار إلىٰ طريقة الموحّدين ، وهي الجمع بين صفتي التشبيه والتنزيه ، كما في قوله تعالىٰ : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) .
وفي هذا الباب أحاديث
كثيرة جمعوا عليهمالسلام فيها بين صفتي التشبيه والتنزيه :
منها :
ما روي عن الإمام الهمام موسىٰ بن جعفر عليهماالسلام ، أنّه قال : ( إنّ الله تبارك وتعالىٰ لم يزل بلا زمان ولا مكان ، وهو الآن كما كان ، لا يخلو منه مكان ، ولا
يشغل به مكان ، ولا يحل في مكان ، ( مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ
رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ
مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ) ، ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه ، احتجب بغير حجاب محجوب ، واستتر بغير ستر مستور ، لا إله إلّا هو الكبير المتعال ) .
ومنها :
ما قال أمير المؤمنين عليهالسلام في بعض خطبه : ( مع كل شيء لا بمقارنة
، وغير كل شيء لا بمزايلة ) .
وقال في البعض الآخر
: ( لا تقدّره الأوهام بالحدود والحركات ، ولا بالجوارح والأدوات ، لا يقال له : متىٰ ، ولا يضرب له أمد بحتىٰ ، لم يقرب من
الأشياء بالتصاق ، ولم يبعد عنها بافتراق ، تعالىٰ عما ينتحله المحددون من صفات الأقدار ونهايات
الأقطار ، وتأثل المساكن وتمكن الأماكن ، فالحد لخلقه مضروب ، وإلىٰ غيره منسوب ) .
إلىٰ غير ذلك
ممّا جمعوا عليهمالسلام التشبيه والتنزيه في كلماتهم ، من
الخطب الجليلة والأدعية الرفيعة الجميلة ، وليس لهذا المختصر وسع أكثر ممّا ذكر.
_____________________________
ومن كلمات بعض
العارفين ، قال : « عرفت الله بجمعه بين الأضداد ، كالجمع بين الخفاء والظهور » كما في الدعاء : ( يا مَن خفي من فرط
ظهوره ، واستتر بشعاع نوره ).
والجمع بين القرب
والبعد كما فيه أيضاً ( يا من بعُد فلا يُرىٰ ، وقرب فشهِد النجوىٰ ) ، وبين العلو والدنو : ( يا مَن علا في
دنوّه ، يا من دنا في علوه ) ، والجمع بين الدخول في الأشياء والخروج عنها ، كما في قوله عليهالسلام : ( داخل في الأشياء لا بالممازجة ، وخارج عن الأشياء لا بالمزايلة ) وغير ذلك.
( ظَلَمْتُ نَفْسي )
بتركها في اتّباع
الشهوات ، ومشايعة وساوس الشيطان ، والخروج عن قيود طاعة الرحمن ، إلىٰ أن فاتها الوصول إلىٰ كمالاتها البالغة ، والعروج
إلىٰ مقاماتها الشامخة الفائقة.
ثمّ إنّ للنفس معاني
وإطلاقات ، سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالىٰ.
( وَتَجَرّأتُ
بِجَهْلي )
وعدم علمي بعواقب
الاُمور.
اُلام علىٰ
لوٍّ وإن كنت عالماً
|
|
بأذناب لوٍّ لم
تفتني أوائله
|
التجري :
من الجرأة ، وهي عبارة عن سرعة الوقوع في الأمر من غير تدبّر ورويّة. والباء للسببية ، أي تجرأت وأسرعت إلىٰ مشتهيات نفسي ، بسبب جهلي وعدم عرفاني بعواقبها ، كما قال الشاعر :
ولقد نهزت مع
الغواة بدلوهم
|
|
وأسمت سرح اللحظ
حيث أساموا
|
_____________________________
وبلغتُ ما بلغ امرؤٌ
بشبابه
|
|
فإذا عصارة كلّ ذاك
أثام
|
بيان الجهل البسيط
والمركّب
ثمّ إن الجهل بسيط
ومركّب :
الأوّل :
عبارة عن عدم العلم.
والثاني : عبارة عن عدم العلم بعد العلم.
علىٰ قياس علمي
البسيط والتركيبي يقال : فلان جاهل بالجهل البسيط ، أي لا يعلم شيئاً ، وبالجهل التركيبي ، أي لا يعلم أنّه لا يعلم.
ثم إنّ الجهل بقسميه
كان من الخبائث المعنوية ، بل اُمُّ الخبائث وأصلها ، وإن شئت أن تعرف العقل والجهل وجنودهما فعليك بالنظر في كتاب اُصول الكافي .
وقد عدّه علماء علم
تهذيب الأخلاق من النجاسات العشرة التي ثمانية منها هي : التهوّر والجبن ، اللذان هما طرفا الشجاعة من الإفراط والتفريط.
والشره والخمود
اللذان هما طرفا العفّة من إفراطها وتفريطها.
والتقتير والتبذير
اللذان هما طرفا السخاوة إفراطها وتفريطها.
والجربزة والبلاهة
اللتان هما طرفا الحكمة إفراطها وتفريطها.
وتلك الأربعة ـ أعني
الشجاعة والسخاوة والحكمة والعفّة ـ أركان العدالة التي هي الصراط المستقيم ، الذي هو أحدُّ من السيف وأدقُّ من الشعر. والجميع مأمور بالتجاوز عنه.
ايدل از چشمهٔ
حكمت بكف أو رجايی
|
|
بو كه از لوح دلت
نقش جهالت برود
|
( وَسَكَنْتُ إلىٰ قَديمِ ذِكْرِكَ لي وَمَنِّكَ عَلَيَّ )
_____________________________
المنّ : العطاء.
أراد السائل : أنّني
وقفت علىٰ قديم ذكرك الذي ذكرتك به في سالف الزمان ، يعني أوائل عمري وعنفوان شبابي ، الذي هو زمان الغرور والغفلة في الأغلب. ووقفت علىٰ العطية التي أعطيتني بها في الأزمنة السابقة.
أراد بها : التوفيق
لتحصيل معارفه تعالىٰ ، وما اجتهدت حقّ الاجتهاد في معرفة صفاتك وأفعالك وحقيقة أوامرك ونواهيك ، وما ساعدني التوفيق إلىٰ الوصول
إلىٰ ذروة شهود جمالك وجلالك ، والوفود علىٰ فناء جنابك ، والقعود في عتبة بابك.
ومقصوده : أنّه ما حصل
لي الترقّي إلىٰ المقامات التي يبلغها أهل الحقيقة بعد البرهان ، بموهبة التخلّق والعيان والفناء ، الذي هو قرّة عين أهل السلوك والعرفان
، بحول الله الملك المنّان.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( مَن تساوىٰ يوماه فهو مغبون ) .
وفي رواية : ( مَن اعتدل يوماه فهو مغبون ) .
وفي حديث آخر ، قال صلىاللهعليهوآله : ( سيروا فقد سبق المفردون ) .
والمقصود : الحثّ
والإغراء علىٰ الفورية ، كما قال الله تعالىٰ : ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ) ( وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ )
؛ فإنّ الأنفاس بيد قدرة الله تعالىٰ ، فلعل الإنسان قبض في الآن وحرم من أداء التكليف ، ففاتته الغبطة العظمىٰ ، وغبن الغبن
الأفحش.
ولذا قال المولوي :
صوفى ابن الوقت
باشد ابرفيق
|
|
نيست فردا گفتن از
شرط طريق
|
_____________________________
هين مگو فردا که
فرداها کذشت
|
|
تا بکلّی
نگذرد أيّام گشت
|
پند من بشنو که تن
بند قويست
|
|
کهنه بيرون کن گرت
ميل نُويست
|
بُخل تن بگذار و پيش
او رسخا
|
|
لب ببند وکفّ پُر
زربر گُشا
|
ترك لذّتها و شهوتها
سخا است
|
|
هر كه در شهوت فروشد
برنخواست
|
اين سخا شاخى است
از سر و بهشت
|
|
واى ان كز كف چنين
بشاخى بهشت
|
والسالك إلىٰ
الله تعالىٰ كان ابن الوقت لا يضيع آناً ، والوقت أمضىٰ من سيف صارم ، وأقضىٰ من نار تضطرم.
فآنٌ مضىٰ
أمسٌ وآنُ يأتي غداً
|
|
وآنُ بينهما يوم
حاضر
|
* * *
ما فات ماضٍ وما
سيأتيك فائتٌ
|
|
وقُم فاغتنم للوقت
بين العدمين
|
والمراد باليوم في
الحديث يحتمل أن يكون الآن ، كما قلنا ، ولعله هو الأنسب.
ويحتمل أن يكون اليوم
المعروف الذي هو عبارة عن قطع الشمس بحركة الأطلس نصف الدورة.
والمراد بالآن هو
الآن العُرفي ، لا الآن الحقيقي ؛ لأنّه لا تحقّق له ، فإنَّ الزمان ، عابره وغابره متّصل واحد لا مفصل فيه.
وبالجملة
، يقول السائل : أيام عمري وأوقات شبابي معتدلة متساوية ، فقد مضت جميعها بالتعطيل والغفلات ، وسكنت إلىٰ قديم ذكري وحمدي القولي لله واهب العطيات والمسألات ، ولم أتخط إلىٰ التخلق والتحقّق الذي هو غابة
القربات ونهاية الكمالات.
( اَللّهُمَّ
مَولَايَ كَمْ مِنْ قَبيْحٍ سَتَرْتَهُ وَكَمْ مِنْ فادِحٍ مِنَ البَلاءِ
أَقَلْتَهُ )
قد جاء « مولىٰ
» لمعانٍ كثيرة ، منها : السيّد ، والناصر ، والنصير ، والأنسب هاهنا هو الأول.
وكلمة ( كم ) خبرية
في الموضعين ، وهي اسم ناقص مبهم مبني علىٰ السكون ، وله موضعان : الاستفهام ، والخبر. تقول إذا استفهمت : كم رجلاً عندك ؟ بنصب ما بعده علىٰ التمييز ، وإذا أخبرت تقول : كم درهم أنفقت ؟ تريد التكثير.
ويخفض ما بعده كما
يخفض بـ « رُبّ » ، إلّا إنّه للتكثير و « ربّ » للتقليل. وإن شئت نصبت.
الفادح : الأمر الذي
يثقل ، والجمع : الفوادح.
الإقالة ـ هنا ـ بمعنىٰ
: العفو والترك والمسامحة ، وفي الحديث : ( مَن أقال نادماً أقاله الله من نار جهنم ).
ومنه : ( أقاله الله
عثرته ) أي خطيئته.
ومنه قول الشاعر :
فقلت يقال المستجير
بأرضكم
|
|
إذا ما جنىٰ
ذنباً فقال يقال
|
أوله هذا :
أقول لظبي مر بي
وهو راتع
|
|
أأنت أخو
ليلىٰ فقال يقال
|
فقلت أفي ظل
الأراكة بالحمىٰ
|
|
يقال ويستظلل فقال
يقال
|
الأول من « القول » مضارع
مجهول ، والثاني من « الإقالة » بمعنىٰ : الاستراحة والنوم في منتصف النهار ، والثالث أيضاً من « الاقالة » بمعنىٰ : المسامحة
والعفو والمغفرة.
فقول السائل : ( كم
من قبيح ) أي كم من فعل قبيح صدر عني في خلواتي
_____________________________
وجلواتي
سترتها عفوك ورحمتك ، وكم من أمر فادحٍ من البلاء والابتلاء الذي أثقلني وأتعبني حمله ، أنت تجاوزت وكشفته عني بفضلك ورأفتك.
( وَكَم مِنْ عِثارٍ
وَقَيْتَهُ ، وَكَمْ مِنْ مَكْروُهٍ دَفَعْتَهُ وَكَم مِنْ ثَناءٍ جَميْلٍ لَسْتُ أَهْلاً لَهُ نَشَرْتَه )
كلمة ( كم ) في جميع
هذه المواضع خبريّة ، قد مرَّ معناها.
العِثار
ـ بالكسر ـ : من « عثر ، يعثر » ـ من باب « ضرب » و « نصر » و « علم » و « كرم » ـ عثراً وعثاراً : إذا كبا ، وهو الكبو ، أو القريب منه.
والعثرة
ـ بالفتح ـ : الخطيئة ، ومن أسمائه تعالىٰ : ( يا مقيل العثرات ).
الوقاية : الحفظ ، ( وقاه الله شر ذلك اليوم ) : أي حفظه من ذلك.
الثناء
ـ بالمدّ ـ : المدح والذكر الحسن ، ويستعمل في الأغلب مع الجميل ، وهو خلاف القبيح.
المكروه في الأحكام
الخمسة : هو ما كره الله فعله ، وفي اللغة : ما تنفّر الطبع عنه ولو في الجملة ، وهو هنا أعم ممّا كره الله تعالىٰ فعله وممّا تنفر الطباع
عنه ، من المرض والألم وسوء الحال.
النشر :
التفرّق والاشتهار.
يقول السائل في مقام
إظهار مراحمه تعالىٰ وعواطفه : كم من مَزالّ الأقدام يكاد أن تزل فيها قدمي وأكبّ علىٰ وجهي ، وقيتني وأمسكتني عن الكبوة بفضلك ، وكم من مكاره الاُمور اعترتني في الأحوال ، دفعتها ورفعتها عنّي بكرمك ، وكم من مدائح وأوصاف حسنة جميلة ، ما كنت أهلاً ومستحقاً لانتسابها إليّ ، أضفتها إليّ بمنّك وكرمك ولطفك ، ونشرتها بين عبادك ، والحال أنّه إليك يرجع عواقب الثناءات والمحامد والمدائح كلّها ، كما في الدعاء : ( وإليك يرجع عواقب الثناء ) ، بل عواقب
الاُمور
جميعاً ( أَلَا
إِلَى اللَّـهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ) .
وقال صدر المتألّهين قدسسره في نبراسه في الفقه شعراً :
محامد من أي حامد
بدت
|
|
ظاهرها لأي محمود ثبت
|
ففي الحقيقة إليه
آثل
|
|
إذ لله فواضل فضائل
|
فالحمد كلّ الحمد
مخصوص به
|
|
بل كل حامديةٍ بحوله
|
( اللّهُمَّ عَظُمَ بَلائِي ، وَأَفْرَط بي سُوءُ حالي ، وَقَصُرَت
بِي أَعْمَالي ، وَقَعَدَتْ بي أَغلالي )
البلاء :
الغمّ.
الإفراط : تكثير الشيء بحيث يتجاوز عن حدّه ، ضد التفريط وهو التقصير عن
الحدّ. ولا يخفىٰ ما في الإفراط والقصور من الطباق الذي هو من المحسّنات البديعية.
أغلال :
جمع « غلّ » ، وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلىٰ عنقه ، وهنا كناية عن القيود والعلائق ، التي هي في الثقل والمنع كالأغلال ، كما قال الله
تعالىٰ : ( فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا ) وقوله : ( وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ )
.
فقوله : ( قعدت بي
أغلالي ) أي حبستني ومنعتني عن المجاهدة والسلوك في سبيل الطاعات والعبادات ومحاسبة النفس ، كما ورد : ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ) ، وإماتتها ، كما قال صلىاللهعليهوآله : ( موتوا قبل أن تموتوا ) .
ثم الأغلال والأعمال
كلاهما فاعلان ، لقوله : ( قصرت ... وقعدت ) ويرجعان إلىٰ معنًى واحد ، إذ أراد أنّ أعمالي القبيحة وأفعالي الشنيعة قصرت بي ، وصارت سبباً
_____________________________
لقصوري
عن درك المقامات ونيل السعادات واستضعاف الدرجات ، كما أنَّ قيودي وعلائقي التي هي كالأغلال حبستني عن الوصول إليها.
( وَحَبَسَني عَنْ
نَفعي بُعْدُ آمالي ، وَخَدَعَتْني الدُّنْيا بِغرُورِها )
حبسني :
أي وقفني ومنعني.
الآمال :
جمع « الأمل » وهو الرجاء ، ضد اليأس.
وفي الحديث : ( لطول
الأمل ينسي الآخرة ) .
يريد أنَّ طول آمالي
في أسباب الدنيا وحبّها منعني عن منافعي التي هي ما تيسر بها لذائذ الآخرة ، من لقائه تعالىٰ والوصول إلىٰ الجنات الثلاث ، من
جنّة الذات ، وجنّة الصفات ، وجنّة الأفعال ، التي وعد المتّقون بها ، كما قال الله
تعالىٰ : ( مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ
وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ ) .
قال المولوي رحمهالله في المثنوي :
چون رکوعی با
سجودی مرد گشت
|
|
شد سجود او در آنعالم بهشت
|
چون ز دستت رفت ايثار
زکاة
|
|
كشت دين دست آنطرف نخل و نبات
|
چونكه پريد از دهانت
حمد حق
|
|
مرغ جنت ساحتش رب الفلق
|
آب صبرت جوی
آب خلد شد
|
|
جوی شير خلد مهر تست دور
|
آن حلاوتها جوى انگبين
|
|
ست وذوق تو جوى خمسه بين
|
فهذ الأبيات والآيات
والأخبار الكثيرة في هذا الباب ، والدعوات المأثورة عن أهل البيت عليهمالسلام ، تدلّ علىٰ تجسّم الأعمال الذي
أطبق عليه الإمامية والحكماء والمحقّقون من أهل الكلام ، ولسنا الآن في ذلك المقام.
_____________________________
الخدعة :
المكر والاحتيال ، ويجيء بمعنىٰ الفساد ، كما هو المتعارف عند العرب.
وفي الحديث : سئل
رسول الله صلىاللهعليهوآله : فيما النجاة غداً ؟ قال صلىاللهعليهوآله : ( النجاة أن لا تخادعوا الله فيخدعكم ، فإنه من يخادع الله يخدعه ). فقيل له : فكيف يخادع الله ؟
قال : ( يعمل ما أمر به الله ثم يريد به غيره ، فاتقوا الرياء ، فإنّه شرك بالله ، إنّ
المرائي يدعىٰ يوم القيامة بأربعة أسماء : يا كافر يا فاجر يا غادر يا خاسر ، حبط عملك وبطل أجرك ، ولا
خلاق لك اليوم ، فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له ) .
وفيه أيضاً : (
هيهات ، لا يخدع الله عن جنّته ) .
الغرور :
تسويل الباطل وتزيينه ، وإسناد الخداع إلىٰ الدنيا ليس بالحقيقة ، بل علىٰ سبيل المجاز في الإسناد ، كما يقول الجاهل : أنبت الربيع البقل ، إنّما
الدنيا وأسبابها أسباب الخداع وآلاته ، وشبكات الفخ وأدواته وحبائله ، فإنَّ فاعل التسويل
والخدع إمّا النفس ، كما قال الله تعالىٰ : ( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ )
. وإمّا الشيطان وجنوده.
كما أنّ النفس
المسوّلة من جند الشيطان إن سوّلت الدنيا وأسبابها ، ومن جند العقل إن سوّلت العقبىٰ وطاعاتها وما يحصّل به الآخرة.
فلابدّ أولاً من
تعريف النفس ، وتعريف أقسامها ومراتبها ، ثمّ تعريف أفعالها وأحكامها ، كما قال السائل :
( وَنَفْسِي
بِخِيَانَتِهَا وَمِطالِي )
_____________________________
تعريف النفس وبيان
مراتبها الخمسة
اعلم أنّ النفس كما
عرفها الحكماء : جوهر مجرد في ذاتها لا في فعلها ، وأقوىٰ
دليل علىٰ تجرّدها تجرّد عارضها ، كما قالوا : النفس مجرّدة لتجرّد عوارضها
، وهي جسمانية الحدوث وروحانية البقاء ؛ إذ البدن وآلاته وقواه الماديّة الحالّة فيه
مرتبة من مراتب النفس ، وهو جسم وجسماني.
وأقصىٰ مراتب
النفس التي بها كينونتها السابقة وباطن ذاتها هو العقل الفعّال ، ثمَّ لها باعتبار صفاتها وشؤونها خمس مراتب ، كما أخبر عنها القرآن الكريم :
النفس الأمّارة
الاُولىٰ : الأمّارة ، وهي التي تمشي علىٰ وجهها تابعة لهواها ، كما قال
الله تعالىٰ : ( إِنَّ
النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي )
.
النفس اللّوامة
الثانية : اللّوامة ، وهي شأنها تلويم نفسها إن اجتهدت في الإحسان ، أو قصرت عنه واجتهدت في الإساءة ، وقد أخبر عنها القرآن بقوله تعالىٰ : ( وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) .
النفس المسوّلة
الثالثة : المسوّلة ، وهي لا تزال تزيّن الأشياء من الأسباب الدنيوية ، من الدراهم والدنانير والضياع والعقار والنساء والبنات والبنين وغيرها عند نفسها ، أو
تزيّن الأسباب الأُخروية من القصور والحور والجنّات والأنهار الأربعة وغيرها ، ثم يجتهد في تحصيلها من أيّ طريق اتّفق وعلىٰ أيّ وجه وقع ، كما قال الله
تعالىٰ : ( بَلْ
_____________________________
سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ
) .
النفس الملهمة
الرابعة : الملهمة ، وهي التي لا تزال مُلهمة بإلهام الله تعالىٰ أو الملك
في مهمّاتها وطاعاتها ونسكها ، وفي الاطلاع علىٰ المغيبات ، أو في فجورها
وغرورها ، كقوله تعالىٰ : ( فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا )
. ولكن إلهام الفجور والمعصية خذلان وخسران لها ، وإلهام الطاعات والعبادات توفيق وإحسان لها من الله تعالىٰ.
النفس المطمئنّة
الخامسة : المطمئنة ، وهي التي اطمأنّت بذكر الله ، وتوكّلت عليه في جميع الاُمور والأحوال ، وبردت ببرد اليقين ، ووقفت عن الكدّ والسعي في اُمور الدنيا ، وهي مقامها أعلىٰ وأشمخ من جميع مراتبها الاُخر ، وهي المخاطب بقوله
تعالىٰ : ( يَا
أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ
رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِ ) .
فالنفس ذات عرض عريض
، وهي آية الله الكبرىٰ ، من عرفها فقد عرف الله ، ومن لم يعرفها فلم يعرف الله تعالىٰ. وآية التوحيد ؛ إذ هي بوحدتها كلّ الشؤون
والصفات والمراتب ، كما أنه تعالىٰ بوحدته جميع الصفات الجمالية والجلالية واللطفية والقهرية ، وجهه تعالىٰ بوحدته كلّ الأفعال والآثار والوجودات والشؤون.
فجعل تعالىٰ في
خلقة الإنسان ووجوده شيئاً من العناصر ، وشيئاً من الأفلاك والأملاك ، وشيئاً من العقول ، ونفخ فيه شيئاً من روحه ، وأودع فيها شؤوناً من شؤوناته ؛ لأنّه كما أنّ وجهه تعالىٰ في مقام طبع ، وفي مقام جسم ، وفي مقام
نفس ، وفي مقام عقل أو في مقام ناسوت ، وفي مقام ملكوت ، وفي مقام جبروت ، وفي
_____________________________
مقام
لاهوت ، وبذاته لا شيء منها. كذلك النفس في مقام جسم ، وفي مقام طبع ، وفي مقام نفس مدبّرة ، وفي مقام عقل ، وفي مقام ليست بهذه كلّها ، بل فانية عن جميع هذه ، وباقية ببقاء الله.
قإن قلت : إنّها
حادثة ذاتاً في مقام الطبع ، صدقت.
وإن قلت : إنّها
حادثة تعلّقاً ، وأردت بالتعلق وجودها الطبيعي الذاتي لا الإضافة المقولية ، صدقت.
وإن قلت : إنّها
قديمة ذاتاً لا تعلّقاً ، باعتبار كينونتها العقلاني التي هي تمامية النفس وصورتها النوعية المفارقة كما مرّ أن شيئية الشيء بصورته وتمامه ، صدقت.
وإن قلت : إنّها غير
باقية ، بل زائلة سيّالة باعتبار حركتها الجوهرية ووجودها الزماني ، صدقت.
وإن قلت : إنّها جسم
، صدقت.
وإن قلت : إنّها روح
صدقت.
تو خود يك خيرى
وچندين هزارى
|
|
دليل از خويش روشن
تر ندارى
|
بيان أقسام أربعة
للنّفس
ثم اعلم أنَّ للنفس
أربعة أقسام : نامية نباتية ، وحسّية حيوانية ، وناطقة قدسية ، وكلّية إلهية.
روي : أنّه سأل صاحب
هذا الدعاء ـ أعني كميل بن زياد ـ معلّمَه ومعلّمَ الأولين والآخرين أمير المؤمنين عليهالسلام ، قال : يا مولاي اُريد أن تعّرفني
نفسي ، قال عليهالسلام : ( أيُّ الأنفس تريد أن اُعرّفك ؟ ) قال : هل هي إلّا نفس واحدة ؟ قال عليهالسلام : ( إنّما النفس أربعة : النامية النباتيّة ، والحسّية الحيوانية ، والناطقة القدسية ، والكلّية
الإلهية ولكلّ واحدة من هذه خمس قوًیٰ وخاصّيتان :
_____________________________
النّفس النباتيّة
فالنامية النباتية
لها خمس قوًىٰ : ماسكة ، وجاذبة ، وهاضمة ، ودافعة ، ومربّية. وخاصيتها الزيادة والنقصان ، وانبعاثها من الكبد ، وهي أشبه الأشياء بنفس الحيوان.
النّفس الحيوانيّة
واللحسّية الحيوانية
لها خمس قوًى : سمع ، وبصر ، وذوق ، وشمّ ، ولمس. ولها خاصّيتان : الشهوة والغضب ، وانبعاثها من القلب ، وهي أشبة الأشياء بنفس السباع.
النّفس النّاطقة
والناطقة القدسيّة
لها خمس قوًىٰ : فكر ، وذكر ، وعلم ، وحلم ، ونباهة. وليس لها انبعاث ، وهي أشبه الأشياء بنفس الملائكة ، ولها خاصيتان : النّزاهة والحكمة.
النّفس الإلهيّة
والكلّية الإلهية لها
خمس قوًىٰ : بقاء في فناء ، ونعيم في شقاء ، وعزّ في ذلّ ، وصبر في بلاء. ولها خاصيتان : الرضا والتسليم ، وهذه هي التي مبدؤها من الله وإليه تعود ، لقوله
تعالىٰ : ( فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا )
. وأمّا عَودها فلقوله تعالىٰ : ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ
رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ) .
والعقل وسط الكلّ ، لكي
لا يقول أحدكم شيئاً إلّا لقياس معقول ) .
أقول :
تحقيق معنىٰ قوله عليهالسلام في النفس النباتية : ( انبعاثها من
الكبد ) ، وفي الحسّية الحيوانية : ( انبعاثها من القلب ) ، يبتني علىٰ طول كلام في حركات النطفة ،
واستكمالاتها في الرحم إذا وقعت فيها.
بيان حركات النطفة في
الرحم ودورانها
_____________________________
فاعلم أنّ النطفة ـ كما
نقل عن أبقراط ، إذا صبّت في الرحم تصير كروية ؛ لأنّها ماء ، والماء شكله الطبيعي كروي ، إذ كلّ بسيط ـ سواء كان فلكياً أو عنصرياً ـ شكله الطبيعي هو الكروي.
ثمّ تنضج بالتدريج ، حتىٰ
تطفو أجزاؤها اللطيفة من مركزها إلىٰ محيطها ، فتنقسم إلىٰ طبقات أربع بعدد العناصر ، فالذي هو غليظ في الغاية يبقىٰ في
المركز ، وما هو لطيف في الغاية يطفو ويصير طبقة محيطة ، وما غلظته غالبة تقرب إلىٰ المركز ،
وما لطافته غالبة تقرب من المحيط ، فما في المركز سوداء ، وما في المحيط صفراء ، وما يلي الصفراء دم ، وما يلي السوداء بلغم.
فهذه وإن كانت
طبائعها مختلفة ، ولكن باعتبار كونها في حشو الرحم ودم الطمث تحمر بالتدريج ، فتصير علقة حمراء في أربعين يوماً.
وفي القدسي : ( خمّرت
طينة آدم بيدي أربعين صباحاً ) .
بصورت آدمى شد قطرة
آب
|
|
چو چل روزش قرار از
رحم يافت
|
وممّا يناسب هذا
المقام : أنّ الله تعالىٰ أخذ في تخمير طينة آدم عشر قبضات ، قبضة واحدة من العناصر ، وتسع قبضات من الأفلاك التسعة : [ مثلاً ]
قبضة الفردانية والجاه أخذها من فلك الشمس ، وقبضة المباغضة والعداوة أخذها من فلك المريخ ، وقبضة المحبّة من فلك الزهرة ، وقبضة السعادة من فلك المشتري ، وقبضة النحوسة من فلك زحل. وقِسْ عليه.
ودوّرها أربع دورات :
دورة جمادية ، ودورة نباتية ، ودورة حيوانية ، ودورة إنسانية ، والكلّ أربعون.
دادت چهار دور چو اندر
گلت سرشت
|
|
يك قبضه از عناصر
ونه قبضه از فلك
|
_____________________________
الدور المعدني
ثمّ جعل العناية
الإلهية هذه الأخلاط الأربعة ـ التي هي كالعناصر ـ مادّة لخلق الأعضاء السبعة الظاهرة من الرأس والظهر والبطن واليدين والرجلين ، والسبعة الباطنة من الدماغ والقلب والرئة والمرارة والطحال وأعضاء التناسل ، فأخذ من الأخلاط لخلق كلٍّ بحسبه وقدره علىٰ ما اقتضته الحكمة. وهذا هو الدور المعدني.
الدور النباتي
ثمّ خلق الله
تعالىٰ في هذه الأعضاء الظاهرة والباطنة قوًىٰ نباتية ، من رؤساء أربع ـ أعني الغاذية ، والمنمّية ، والمولّدة ، والمغيّرة ـ وجعل لكلّ منها خوادم
، من الجاذبة ، والماسكة ، والهاضمة ، والدافعة ، والمربية. فجذبت الجاذبة دم الرحم من السرّة إلىٰ معدة الجنين ، ثم جذبت جاذبة الكبد الكيلوس من طريق الماساريقا
، فهضمته هاضمة الكبد حتىٰ صار كيموساً نضيجاً ، فخلق من زبدته وصفوته الروح النباتي ، فانبعاثه من الكبد كما قال عليهالسلام.
فالباقي من الأخلاط
ما كان دماً دخل في الأوردة ، ووصل نصيب كلّ عضو إليه ، وما كان صفراء انجذب إلىٰ المرارة ، وخاصّيته ـ كما قال الأطباء ـ : تنقية
الدم ؛ لأنّه بمنزلة النار ، ملطّف ومخلخل للدم.
وما كان سوداء انجذب
إلىٰ الطحال ، وخاصيته تصيير الدم ذا متانة وقوام ، وإدخاله في غذاء الطحال والعظام.
وما كان بلغماً فهو
في جميع الأعضاء ، وخاصيته ـ كما قالوا ـ : ترطيب المفاصل والأدوات الاُخر ، وصيرورته دماً عند احتياج الغذاء ، وهذا هو الدور النباتي.
الدور الحيواني
ثمّ انجذب صفوة الدم
وزبدة الروح النباتي إلىٰ القلب ، فإذا نضجا وطبخا صار
الروح
النباتي روحاً حيوانياً ، فانبعاثه من القلب كما قال عليهالسلام ، وينبعث من طريق الشرايين إلىٰ جميع الأعضاء.
فالقلب منبع حياة
جميع الأعضاء ، وكما قال الحكماء : منزلته في الإنسان الصغير منزلة الشمس في الإنسان الكبير.
ثمّ يستقل منه قسط
إلىٰ الكبد ، ويصعد منه قسط صالح طريق بعض الشرايين إلىٰ الدماغ ، ونضّج فيه مرة اُخرىٰ فاعتدل وصار روحاً نفسانية ، محطّاً ومطية
للقوىٰ المدركة الظاهرة والباطنة ، والقوىٰ والمحرّكة.
وهذا هو الدور
الحيواني ، وإلىٰ هنا التصويرات في الأرحام.
الدورة الإنسانية
وإذا خرج المولود من
بطن اُمّه إلىٰ رحم الأرض كان في الدرجة الحيوانية إلىٰ أوان البلوغ الصوري الظاهري ، ثم يأخذ في الدورة الإنسانية مستعملاً للفكر والروية ، فإما يسلك مسلك التوحيد ، وإمّا يذهب مذاهب اُخر إلىٰ ما شاء الله.
فجميع هذه مراتب
النفس الإنسانية ، ولها درجات ومقامات اُخر من مراتب العقل بالقوّة ، والعقل بالملكة ، والعقل بالفعل ، والعقل المستفاد ، والفناء في
العقل الفعّال الذي هو قدرة الله الملك المتعال ، كما قيل :
ونور الانسان وإن
شاب الدجىٰ
|
|
فالهيكل الجامع
للتوحيد جا
|
طبع لدىٰ
الحدوث جسماني
|
|
وفي البقاء هو
روحاني
|
ومجمع الصفات
تشبيهيهْ
|
|
ومظهر النعوت
تنزيهيّهْ
|
كما بأوج الملكوت
طائرُ
|
|
فبحضيض الملك أيضاً
سائرُ
|
كما هو الفعّال
للتعقّل
|
|
يدرك بالإحساس
والتخيّل
|
والبدن المقبور من
مراتبه
|
|
فليحترم فليس من
مثالبه
|
من ذا قرابين وزور
شرعا
|
|
في الحكم عظمه
الرميم تبعا
|
قال صدر المتألهين قدسسره ، في شرح بعض هذه الكلمات : « قوله عليهالسلام ـ في النفس الحيوانية ـ : ( وانبعاثها من القلب ) أي أوّلاً وبالذات ».
قال : « وهذا لا يدفع
قول الحكيم وتسميته إياها قوًىٰ دماغية : لأنّ الروح البخاري ينبعث من التجويف الأيسر من القلب أولاً ، ثم يصعد في مسلك بعض الشرايين إلىٰ الدماغ ، فيبرد بالتردّد في تجاويفه ، فيعتدل ويصير مطايا
القوىٰ الدماغية ».
ثم قال :
« ولعل الفكر والعلم متعلّقة بالعقل النظري المسمىٰ بالقوّة العلّامة للنّاطقة ، فتكون إشارة إلىٰ العقل بالملكة والعقل بالفعل والعقل المستفاد.
والحلم والنباهة متعلّقان بالعقل العملي المسمّىٰ بالقوّة العمّالة للناطقة ، فتكون
إحداهما الحال ، والاُخرىٰ الملكة في العمل الصالح ، ومناسبة الحلم إنّما هي مع
الملكة باعتبار الثبات والاستقامة والطاقة للعامل.
ويمكن أن تكون
النباهة إشارة إلىٰ الحدس المغلوب للفكر في الثالثة ، والنزاهة هي الحرية التي يقال في النفس الشريفة : هي التي فيها الحكمة والحرية ».
ثم قال :
« وقوله عليهالسلام في الكليّة الإلهيّة : ( بقاء في فناء )
... إلىٰ آخره ، يمكن أن يكون ( في ) للتعليل ـ ولا يخفىٰ وجهه ـ وأن يكون للظرفية ، من قبيل كون
الباطن في الظاهر ، والروح في الجسد. ومن أمثال العرفاء : إذا جاوز الشيء حدّه انعكس ضدّه ».
وقال أيضاً : « وقوله عليهالسلام ( والعقل وسط الكلّ ) تمثيل لكون العقل
مركزاً وهي دوائر. لكن اعلم أنّ الأمر في المركز والدائرة المعنويين في الإحاطة علىٰ
عكس حال المركز والدائرة الحسّيين ، فذلك العقل الكلّي ـ إن رزقك الله تعالىٰ ـ هو
الأصل المحفوظ لهذه » انتهىٰ كلامه الشريف.
_____________________________
معنىٰ خيانة
النفس
فإذا عرفت تعريف
النفس ومراتبها وأقسامها وبعض أحكامها ، فاعلم أنَّ خيانتها للعقل ـ في قول السائل ـ اتّباعها الشهوات العاجلة وهواجسها الدائرة الزائلة ، وهلوعها وولوعها فيها ، وتركها نصيحة العقل في الاُمور الآجلة واللذات الباقية الدائمة ، وتقويتها للوساوس الشيطانية التي مآلها النكال والعقاب ، والمانعة عن
لقاء الله ، والحرمان من لقاء الجور ، والخلود في جهنم ، بئس المهاد والمآب.
وسبب اتباعها الشيطان
وترك نصح العقل هو عدم معرفتها ذاتها وباطن ذاتها الذي هو العقل ، وحجّة الله التي أرسلها من الباطن إلىٰ الخلق ، وعدم طاقتها
وتحمّلها مشاق التكاليف ، وعدم بصيرتها في امتياز الحقّ من الباطل ، والآجل من العاجل ، كما في الحديث : ( حُفّت الجنة بالمكاره والنار بالشهوات ) .
ولهذا ، النفوس
الضعيفة ـ في الأغلب ـ تركت اتّباع عيسىٰ العقل ، وركبت علىٰ حمير الأبدان ، وجعلت جلّ مقاصدها تعميرها وتسمينها.
ترك عيسىٰ
كرده خر پرورده
|
|
لا جرم چون خر درون
بروده
|
نقل كلام الغزالي
قال صاحب « إحياء
العلوم » في كيفية محاربة النفس مع الشيطان والتطارد بين جنود العقل والجهل في معركة وجود الآدمي : « اعلم أنّ خاطر الهوىٰ يبتدئ
أولاً فيدعوه إلىٰ الشر ، فيلحقه خاطر الإيمان فيدعوه إلىٰ الخير ، فتنبعث
النفس بشهوتها إلىٰ نصرة خاطر الشر ، فتقوىٰ الشهوة فتحسن التمتع ، فينبعث العقل
إلىٰ خاطر الخير ، ويدفع في وجه الشهوة ويقبح فعلها ، وينسبها إلىٰ الجهل ، ويشبّهها بالبهيمة
والسبع في تهجمها علىٰ الشر ، وقلة اكتراثها بالعواقب.
وتميل النفس إلىٰ
نصح العقل ، فيحمل الشيطان حملة علىٰ العقل ، ويقوىٰ داعي
_____________________________
الهوىٰ
، فيقول : ما هذا الزهد البارد ؟ ولِمَ تمتنع عن هواك فتؤذي نفسك ؟ وهل ترىٰ
أحداً من أهل عصرك يخالف هواه أو ترك عزيمته ؟ أفتترك ملاذ الدنيا لهم يستمتعون منها وتحجر علىٰ نفسك حتىٰ تبقىٰ محروماً مطعوناً يضحك
عليك أهل الزمان ، تريد أن تزيد منصبك علىٰ فلان بن فلان ، وقد فعلوا مثل ما اشتهيت
ولم يمنعوا ، أما ترىٰ العالم الفلاني ليس يحترز عن فعل ذلك ، ولو كان شراً لامتنع
عنه.
فتميل النفس
إلىٰ الشيطان وتنقلب إليه ، فيحمل الملك حملة علىٰ الشيطان ، ويقول : هل لك إلّا من اتبع لذة الحال ونسي العاقبة ، أفتقنع بلذة يسيرة وتترك
الجنة ونعيمها أبد الآباد ؟ أو تستثقل ألم الصبر عن شهوة ، ولا تستثقل ألم النار ؟ أتغتر
بغفلة الناس عن أنفسهم واتباعهم الهوىٰ ومساعدتهم الشيطان ، مع أنّ عذاب النار لا يخفف بمعصية غيرك ؟ فعند ذلك تميل النفس إلىٰ قول الملك ، فلا يزال مردداً
بين الجندين ، متجاذباً إلىٰ الجانبين ، إلىٰ أن يغلب علىٰ القلب من
هو أولىٰ به.
فإن غلب علىٰ
القلب الصفات الشيطانية غلب الشيطان ، وأجرىٰ علىٰ جوارحه سوابق القدر ما هو سبب بُعده عن الله تعالىٰ.
وإن غلب عليه الصفات
الملكية لم يصغ القلب إلىٰ إغواء الشيطان ، وظهرت الطاعة علىٰ جوارحه بموجب ما سبق من القضاء ، و ( قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن ). وفي الحديث : ( في القلب : لمّتان : لمة من الملك إيعاد بالخير
وتصديق بالحقّ ، ولمّة من العدوّ إيعاد بالشر وتكذيب بالحقّ ) »
انتهىٰ.
فظهر أنَّ الشيطان
بوساوسه ممدّ ومعين للهواجس النفسانية ، والرحمن والملك بعناياتة وإلهاماته ممدّ وناصر للنصائح العقلانية ، والشخص الإنساني إن كان تخمير طينته من العليين يميل إلىٰ الحقّ بمعونة نصح العقل ، وإن كان تخمير طينته
من السجين يميل إلىٰ الباطل بمعونة الشيطان وهواجس النفس.
_____________________________
ثم « المطال » في
قوله : ( ومطالي ) هو المصدر الثاني من المصادر الثلاث التي كانت لباب المفاعلة ، والمعنىٰ : مماطلتها إياي ومماطلتي إياها. والمماطلة :
تأخير الحقّ عن ذي الحقّ ، ومنه الحديث : ( من مطل علىٰ ذي حق حقه فهو ملعون ).
فيقول السائل : خدعتني
الدنيا بغرورها ، وخدعتني نفسي بخيانتها ومماطلتها إياي عن حقّي الذي هو ما يتقرّب به إلىٰ الله تعالىٰ ، من معرفته
ومعرفة صفاته وأسمائه ، والتخلّق بأخلاقه. وفي إتيانه بلفظ « المطال » دون « المطل » إشعار بأنّ
المماطلة من الطرفين ، يريد أنّه كما أنّ نفسي ماطلتني عن حقي ، كذلك ماطلتها عن حقّها الذي هو سوق الشهوات ونيل الأماني والآمال.
( يَا سَيِّدِي )
قد جاء « سيّد » لمعانٍ.
قال في المجمع : « السيّد
: الرئيس الكبير في قومه المطاع في عشيرته وإن لم يكن هاشمياً ولا علوياً ، والسيّد : الذي يفوق في الخير ، والسيد : المالك. ويطلق
علىٰ : الربّ ، والشريف ، والفاضل ، والكريم ، والحليم ، والمتحمّل أذىٰ قومه ، والزوج
، والمقدّم » انتهىٰ.
و ( السيّد ) من
أسمائه تعالىٰ ، فهو في حقّه بمعنىٰ الربّ المالك الشريف ، الفاضل الكريم الحليم المقدّم ، الفائق في الخير. والمعاني الاُخر لا [ تناسبه ]
تعالىٰ إلّا إذا جُرّدت عمّا يدلّ علىٰ التجسّم.
ثم لمّا وصف السائل
طائفة من نعمه تعالىٰ ومننه بالنسبة إليه ـ وأبرز غصّته من جرائمه وآثامه ، وسوء أحواله وآلامه ، وعظم بلائه ، وخداع الدنيا ، وخيانة نفسه ومماطلتها إياه صار المقام مقام الالتجاء والاستعاذة إليه تعالىٰ ، ولذا قال
:
_____________________________
( فَأَسْأَلُكَ
بِعِزَّتِكَ أنَ لا يَحْجُبَ عَنْكَ دُعائي )
أي لا يستر عنك.
( سُوءُ عَمَلي
وَفِعالي )
جمع « فِعل » ـ بالكسر
ـ : وهو الاسم من : فَعَلَ يَفَعلُ ، كقوله تعالىٰ : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ) .
يريد أنّ قبح أعمالي
وسوء أفعالي كاد أن يحجب ويستر عنك دعائي فأسألك بعزّتك وقدرتك التي لا يمتنع معها شيء أن تُبدّل سيئات أفعالي بالحسنات ، ولا تجعلها حجباً بينك وبين دعواتي وأسئلتي.
والباء في قوله : ( بعزّتك
) للسببيّة ، ويجوز أن يكون للاستعانة.
( وَلا تَفْضَحَني
بِخَفِيّ مَا اَطَلَعْتَ عَليهِ مِنْ سِرّي )
الفضيحة : العيب ، والجمع : فضائح ، ويجيء بمعنىٰ الكشف.
وفي الدعاء : ( اللهم
لا تفضحنا بين خلقك ) أي استر عيوبنا ولا تكشفنا.
السرّ :
خلاف الجهر ، وكلمة ( من ) بيان لـ ( ما ) ، والجملة معطوفة علىٰ ما قبلها.
( وَلَا تُعاجِلْنِي
بِالعقُوبَةِ عَلىٰ ما عَمِلتُهُ في خَلَواتي )
العقوبة : العذاب.
( مِنْ سُوءِ فِعْلِي
وَإساءَتي ، وَدَوَامِ تَفْريطي وجَهالَتي ،
_____________________________
وَكَثْرَةِ شَهَواتي
وَغَفْلَتي )
كلمة ( من ) أيضاً
بيان لـ ( ما ).
الإساءة : خلاف الإحسان ، ومراده الإساءة في طاعة الله وعبادته ، كما أن
الإحسان في العبادة أن تعبد الله كما تراه ، علىٰ ما روي عنهم عليهمالسلام.
وقال النبي صلىاللهعليهوآله ـ في تفسير الإحسان المذكور في الآية الشريفة : ( ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا ) ـ : ( الإحسان أن تعبدوا الله كما
ترونه ) .
التفريط : التقصير عن الحدّ ، كما مرّ ذكره.
الجَهالة
ـ بالفتح ـ مصدر ـ جهل يجهل جهلاً وجهالة : وهي عدم العلم والمعرفة كما مرّ ، قال الله تعالىٰ : ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّـهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ
السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ) .
وقيل :
الجهالة : هي اختيار اللذة الفانية علیٰ اللذة الباقية ، وهي أيضاً
منشؤها عدم العلم.
الشهوات
ـ جمع « الشهوة » ـ : وهي والغضب قوّتان مودعتان في النفس الحيوانية ، والمراد هنا كل ما تشتهيه النفس وتلتذّ به ، كما قال تعالىٰ ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ ) .
( وَكُن اللّهُمَّ
بِعِزَّتِكَ لِي في الأَحْوالِ كُلِّها رَؤُوفاً )
حرف الباء للقَسَم ، أي
اُقسم عليك بعزتك. وإظهار لفظ الجلالة مع استتاره في كلمة ( كن ) للتأكيد ولمزيد الاهتمام به ، ولتحلية اللسان بذكره ، ولإعادة ذكر
الحبيب ، كما مرّ.
( الأحوال ) ـ جمع « الحال » ـ : وهو الهيئة التي عليها الإنسان من
التذكّر والتفكّر ،
_____________________________
والطاعة
والمعصية ، والأكل والشرب ، والنوم واليقظة وغيرها.
الرأفة :
الرحمة ، وقيل : هي أرق من الرحمة ؛ لأنّها تُقطع مع
الكراهة لمصلحة ، بخلاف الرأفة فإنّها لا تقطع معها.
و ( الرؤوف ) من
أسمائه تعالىٰ ، ونصبه علىٰ أنّه خبر ( كن ) واُريد معناه الوصفي.
( وَعَلَيَّ فِيْ
جَميعِ الاُمورِ عَطُوفاً )
معطوفة علىٰ ما
قبلها ، أي وكن اللّهم عليَّ في جميع الاُمور عطوفاً.
العطوف :
المشفق.
( إلهي وَرَبِّي ، مَنْ
لِي غَيْرُكَ )
كلمة : ( مَن ) للاستفهام
، ومَن ذا الذي غيرك ؟ ( ألغيرك من الظهور ما ليس لك ) ؟ وغيرك الذي يطلبه الجاهلون ( كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ
إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّـهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ )
.
وإنّما اختص السائل
بنفسه وقال : ( من لي غيرك ) ، والحال أنه مَن للجميع غيره تعالىٰ ؟ إشعاراً بأنّ عدم رؤية غيره ديدن الموحّدين ، ودأب المفردين وغيرهم
نصب أعينهم رؤية غيره تعالىٰ في حوائجهم ، ومآربهم ، وإذا يئسوا عن الأغيار
اُلجئوا في الاتجاه إلىٰ الله الواحد القهّار ، وهو تعالىٰ حينئذٍ يجيبهم ويكشف
عنهم السوء ، ويعطي مسألاتهم ، كما قال تعالىٰ : ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ )
.
ثم إنّه أردف « الإله
» بذكر « الرب » ؛ ليخرج العموم والشمول من معنىٰ « الإله » ، الذي هو بمعنىٰ المعبود ، حقاً كان أو باطلاً ، ويخصّه بالإله الذي هو
معبوده الحقيقي ،
_____________________________
وربّه
وربّ العالمين.
والربّ يطلق علىٰ
: المالك ، والمدبّر ، والسيّد ، والمربّي ، والمتم ، والمنعم ، والصاحب ، وهو غير مضاف لا يطلق إلّا علىٰ الله تعالىٰ.
( أَسْأَلُهُ كَشفَ
ضُرّي ، وَالنَّظَرَ فِي اَمْريْ )
والجملة مُستفهم عنها.
وفي المجمع قال : « قال
الشيخ أبو علي رحمهالله : الضُرّ ـ بالضم ـ : هو الضرر في النفس ، من مرض وهُزال ووجع غيره ، وبالفتح : الضرر من كلّ شيء » .
أقول : إن كان مراد
السائل هو الضُرّ ـ بالضم ـ كما هو المشهور في الألسنة والمسطور في النسخ ، فيقول : مالي أحد أسأله ارتفاع ضرّ نفسي من الآلام والأمراض والهموم والغموم غيرك ، كما هو المراد في قوله تعالىٰ حكاية عن
أيوب النبي عليهالسلام : ( إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ
أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) .
وإن قرئ ـ بالفتح ـ فمراده
أسأله كشف جميع مضرّاتي ، سواء كانت نفسانية أو جسمانية أو غيرهما.
والأمر في قوله : ( والنظر
في أمري ) أعمّ من الاُمور الدينية والدنيوية.
( إلهي وَمَولايَ
أَجْرَيْتَ عَليَّ حُكماً اتبعتُ فيهِ هَوىٰ نَفسي )
بيان معنىٰ الحكم
المراد بالحكم هنا : الحكم الشرعي ، أي التكليف ، وهو ـ كما قيل ـ : طلب الشارع الفعل أو تركه ، مع استحقاق الذم بمخالفته وبدونه أو تسويته.
وعند الأشاعرة : هو خطاب الله المتعلّق بأفعال المكلّفين.
_____________________________
فالفعل المطلوب إن
كان مع المنع من الترك فهو الواجب ، أو مع جواز الترك ولكن علىٰ المرجوحية فهو المندوب ، أو علىٰ الراجحية وهو المكروه ، أو
علىٰ المساواة وهو المباح.
والترك المطلوب إن
كان مع المنع من الفعل فهو الحرام.
التحسين والتقبيح
العقليان والشرعيان
ومعنىٰ قولنا :
أنَّ المراد بالحكم : الحكم الشرعي ، ليس أنّه لا يكون عقلياً ، بل الشرع كاشف عن أحكام العقل ، كما هو قاعدة التحسين والتقبيح العقليين ؛ لأنّه قد اختلف في حسن الأشياء وقبحها أنّهما عقليان أو شرعيان ؟
فذهب جمهور الإمامية
والحكماء وجمهور المعتزلة إلیٰ الأول .
وجمهور الأشاعرة
إلىٰ الثاني .
والمراد بحسن الفعل : أن يستحق فاعله المدح ، وبقبحه أن يستحق فاعله الذم.
والمراد بالعقلية : أنه يمكن أن يعلم الممدوحية النفس الأمريّة أو المذموميّة النفس الأمرية ، وإن لم يرد أمر ونهي فيها من الشرع ؛ إمّا تفصيلاً ، وإمّا
اجمالاً بأن يعلم أنّه لو لم يكن في الفعل المأمور به جهة حسن لما أمر به ، ولو لم يكن في المنهي عنه جهة قبح لما نهىٰ عنه ، وإن لم يعلمهما بخصوصهما.
والمراد بشرعيتهما خلاف ذلك ، فإنَّ الأشاعرة
ـ مثلاً ـ يقولون : لا حسن وقبح في المأمور والمنهي في نفس الأمر ، بل الحسن والقبح بمجرّد الأمر والنهي. ويقولون : ما أمر به في وقتٍ جاز أن ينهىٰ عنه في ذلك الوقت ، وما نهیٰ عنه في وقت جاز أن يأمر به في ذلك الوقت.
والقائلون بالعقلية
يقولون : لا يجوز إلّا في وقتين ؛ للمصلحة والمفسدة ، كما في
_____________________________
النسخ
، والآيات المنسوخة تدلّ علىٰ ذلك.
والحقّ :
العقلية ، والأحكام الخمسة الشرعية كواشف العقلية.
والأدلّة التي ذُكرت
من الجانبين كثيرة في كتبهم المبسوطة ، من شاء فلينظر إليها ، وهذا المختصر لا يليق بذكره.
الهوىٰ ـ بالقصر ـ : ميل النفس إلىٰ مأمولها.
وفي الحديث : ( شرّ
إله عُبد في الأرض الهوى ) . والعمل به باطل شرعاً.
وفيه أيضاً : ( ليس
أن يأخذ بهوىٰ ولا رأي ولا مقاييس ).
( وَلَمْ أَحْتَرِسْ
فيهِ مِنْ تَزْيين عَدوّي )
( لم أحترس ) : أي لم
أحتفظ.
وفي الدعاء : ( اللهم
احرسني من حيث أحترس ، ومن حيث لا أحترس ) .
التزيين : التحسين والتجلية.
يريد أنّ في الحكم
والتكليف الذي أجريت عليَّ اتّبعت فيه هوىٰ نفسي ، وما حفظت نفسي في العمل بأمر الله والكفّ عن المنهي عنه ( تزيين عدوي ) الذي هو الشيطان ، فإنَّ شأنه وشغله تحسين المحرّمات وتزيينها علىٰ النفوس ، حتّىٰ
اتبعتها في تحصيلها واستدراكها.
ولذا علّمنا الله
تعالىٰ بالاستعاذه منه ومن مكائده في جميع الأحال إليه تعالىٰ ، وقال تعالىٰ : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ
الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) وقال : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ )
... إلىٰ آخره.
وفي جامع الأخبار : قال
: « روي أنَّ إبليس ظهر ليحيىٰ بن زكريا ، فرأىٰ عليهالسلام
_____________________________
معاليق
من كل شيء ، فقال يحيىٰ عليهالسلام : ( ما هذه ؟ ) قال : هذه الشهوات التي
اُصيب بهنَّ بني آدم ، فقال : ( هل لي فيها شيء ) قال : ربّما شبعت فثقلناك عن الصلاة والصوم والذكر. قال عليهالسلام ( لله عليَّ أن لا أملأ بطني من طعام
أبداً ). قال إبليس : ولله عليَّ أن لا أنصح مسلماً أبداً » .
أقول : فلعلك رأيت في
المثنوي الحكاية التي ذكرها عن الشيطان في قصة إبراهيم عليهالسلام بقتل الديكة ، التي هي إشارة
إلىٰ القلع والقمع للقوة الشهويّة ، ولا نبالي بذكرها هاهنا : للمناسبة بينها وبين الحديث المذكور :
كفت إبليس لعين ذا
نارزا
|
|
دام زفتى خواهم اين
اشكار را
|
زر رسيم وكلهٔ
اسبش نمود
|
|
كه بدين ثانى خلائق
را ربود
|
كفت شاباش و ترش
افكند لنج
|
|
شد ترنجيده و ترش
همچون ترنج
|
پس زد و گوهر ز معدنهای
کش
|
|
کرد ان پس مانده را
حق پيشکش
|
گير اين دام دکر را
ای لعين
|
|
کفت زين افزون ده ای
نعم المعين
|
چرب وشيرين وشرابات
شمين
|
|
دادش و بس جامهٔ
ابريشمين
|
کفت يا رب بيش از اين
خواهم مدد
|
|
تا به بند هشان
بحبل من مسد
|
تا که مستانت که
نرو پر دلند
|
|
مردوا راين بندها
را بکسلند
|
تا بدين دام ورسنهای
هوا
|
|
مرد تو کرد ز نامردان
جدا
|
دام ديکر خواهم
بسلطان محنت
|
|
دام مرد انداز حيلت
ساز سخت
|
خمر وچنک آورد پيش
او نهاد
|
|
يتيم خنده زد بدان
شديم شاد
|
سوی اضلال
ازل پيغام کرد
|
|
که براد از قعر بحر
فتنه کرد
|
فی يکی
از بند کانت موسی است
|
|
پردها در بحر او از
کرد بست
|
اب از هر سو عنان را
فا کشيد
|
|
از تک دريا غباری
برجهيد
|
_____________________________
چونکه خوبی
زنان با او نمويد
|
|
که از عقل و صبر
مردان مير بود
|
پس زد انکشتک برقص
اندر فتاد
|
|
که بده زوتر رسيدم بر
مراد
|
چون بديد ان چشميای
پر خمار
|
|
كه كند عقل و مجرد
را بيقرار
|
وان صفاى عارض آن
دلبران
|
|
که بسوز چون سپند اين
دل ران
|
رو وخال وابرو ولب
چون عقیق
|
|
کوئيا حق تافت از
بردهٔ رقيق
|
أعاذنا الله
تعالىٰ عن شروره وفتنه بألطافه ومننه ، ووقانا من الوقوع في حبائله ومكائده.
( فَغَرَّني بِما
أَهْوىٰ )
أي خدعني نفسي أو
عدوي الذي هو الشيطان ، بسبب ما أرغب فيه من المشتهيات والمشتبهات.
( وَأَسْعَدَهُ
عَلىٰ ذَلِكَ )
أي أعانه وأمده ـ أي
نفسي أو عدوي ـ علىٰ الخداع والتسويل.
( القَضاء )
بيان معاني القضاء
القضاء في اللغة يأتي
لمعان :
أحدها :
الإتيان بالشيء.
الثاني :
فعل العبادة ذات الوقت المحدود المعيّن بالشخص خارجاً عنه.
الثالث :
فعل العبادة استدراكاً لما وقع مخالفاً لبعض الأوضاع المعتبرة ، ويسمّىٰ هذا : إعادة.
جميعها مذكورة في
مجمع البحرين .
وفي الصحاح قال
الجوهري : « القضاء أصله : قضاي ؛ لأنّه من : قضيتُ ، إلّا إنّ الياء لمّا جاءت بعد الألف هُمزت ، والجمع : الأقضيّة ، والقضية مثله ، والجمع : قضايا » .
والقضاء المقرون
بالقدر كما هو المراد هاهنا.
قيل :
المراد به : الخلق ، وبالقدر : التقدير. ويؤيده قوله عليهالسلام : ( القضاء : الإبرام وإقامة العين ) وقوله عليهالسلام : ( وإذا قضىٰ أمضىٰ )
وهو الذي لا مردّ له.
وفي حديث علي عليهالسلام ، مع الشيخ الذي سأله عن المسير إلىٰ الشام ، قال له : يا
أمير المؤمنين ، أخبرنا عن مسيرنا إلىٰ الشام ، أبقضاء من الله وقدر ؟ فقال عليهالسلام : ( يا شيخ ما علوتم تلعة ولاهبطتم بطن وادٍ إلّا بقضاء من الله وقدر ). فقال الشيخ : عند الله
أحتسب عنائي ؟ فقال عليهالسلام : ( وتظن أنّه كان قضاء حتماً وقدراً
لازماً ؛ إنه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والزجر من الله ، ويسقط معنىٰ الوعد والوعيد ، فلم
تكن لائمة من الله للمذنب ولا محمدة للمحسن ، تلك مقالة إخوان عبدة الأوثان وخصماء الرحمن وقدرية هذه الأُمّة ) .
وفيه أيضاً عن علي عليهالسلام ، قال : ( الأعمال ثلاثة أحوال : فرائض ، وفضائل ، ومعاصي.
فأمّا الفرائض فبأمر
الله ورضا الله وبقضاء الله ومشيئته وبعلمه وتقديره ، وأمّا الفضائل فليس بأمر الله ، ولكن برضا الله وبقضائه ومشيئته وعلمه. وأمّا المعاصي فليست بأمر
الله ، ولكن بقضاء الله ومشيئته وعلمه ، ثمّ يعاقب عليها ) .
أقول : قد ظهر بقوله عليهالسلام في تحقيق معنىٰ القضاء للعاقل الفطن ما قاله الحكماء : من أنّ القضاء هو وجود جميع الموجودات مجملة علىٰ الوجه الكلّي في العالم
_____________________________
العقلي
، والقدر هو وجود صور الموجودات مفصّلة في العالم النفسي السماوي علىٰ الوجه الجزئي ، مطابقة لما في موادها الخارجية.
وقد مرّ أن فيضه
تعالىٰ من حيث كونه علّة مؤدية لوجود المقضي في الألواح العالية وفي هذا العالم قضاء ، ومن حيث إنّه يقدّر شكل المقضي ويعيّنه قدر.
فقول السائل : ( وأسعده
علىٰ ذلك القضاء ) يعني : أعان نفسي أو عدوي في اغتراري وافتتاني في سوق الشهوات وصدور المعاصي القضاءُ ، أي وجوداتها العقلانية التي كانت علّة مؤدية لوجود ما صدر عني في هذا العالم من الحسنات والسيئات.
( فَتَجاوَزْتُ بِما
جَرىٰ عَليَّ مِنْ ذلِكَ بَعْضَ حُدودِكَ )
الحدود :
جمع الحدّ ، وحدوده تعالىٰ : أحكامه من الأوامر والنواهي ، كما قال تعالىٰ : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ ) وسمّاها : حدوداً ؛ لأنَّ الشرائع كانت
كالحدود المضروبة للمكلّفين ، لا يجوز لهم أن يتجاوزوها.
يريد : أنّه لأجل
اغتراره من نفسه تجاوز بعض حدود الله تعالىٰ. وحرف الباء للسببية.
( وَخَالَفْتُ بَعْضَ
أَوامِرِكَ )
الأوامر : جمع « أمر » ، علىٰ غير القياس ، وكلمة ( بعض ) كما
يطلق علىٰ واحد من الجماعة ، وعلىٰ فرد واحد من كل شيء ، وعلىٰ جزء واحد ، كذلك يطلق
علىٰ أكثرهم وعلىٰ أكثر الأفراد والأجزاء.
ومخالفة الأمر أعمّ
من أن لا يقضيه أو يقضيه ، ولكن لا يكون كما أمره تعالىٰ ،
_____________________________
مثلاً
أمر الله تعالىٰ بإتيان الصلاة وإقامتها في وقتها مع شرائطها المقرّرة ، إن
صلىٰ أحدٌ غير جامع لشرائطها ، أو لم يصلِّ في وقتها عامداً عالماً ، كان مخالفاً لأمره
تعالىٰ.
ومن جملة أوامره
الأمر بتحصيل المعرفة ، كما فسّروا قوله تعالىٰ : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )
أي ليعرفون. وكذا في قوله تعالىٰ : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ ) ؛ إذا العبادة فرع علىٰ معرفة
المعبود ولو إجمالاً.
وأقلّ مراتب معرفته
تعالىٰ : معرفته بالبرهان ، كما قال تعالىٰ : ( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ) .
وقال الباقر عليهالسلام : ( إنّي لوددت أن أضرب رؤوسكم بالسياط حتّىٰ تتفقهوا
في الدين ، وتستنبطوا اُصول عقائدكم بالحجج والبراهين ) .
وروي : ( المتعبّدون
بغير علم كحمار الطاحونة ) .
( فَلَكَ الحَمْدُ
عَلَيَّ فِي جَميْعِ ذلِكَ )
كما في الدعاء : ( نحمدك
علىٰ بلائك ، كما نشكرك علىٰ آلائك ).
وحقّ الحمد وحقيقته
ما حمد الله به نفسه ، إذ حمده هو الوجود المنبسط بشراشره ، فإنّ حقيقة الحمد هي إظهار فضائل المحمود وفواضله ، وشرح جماله وجلاله ، وهو بتمامه شارح كمالاته تعالىٰ وأفضاله ، وواصف كراماته وإجلاله ،
وإعراب عمّا في مرتبة غيب الغيوب ، كما ورد أنَّ كلامه تعالىٰ فعله.
قال السيد المحقّق الداماد ـ نوّر الله ضريحه ـ في القبسات : « أفضل مقامك
_____________________________
في
الحمد أن تجعل قسطك من حمدك لبارئك قصياً مرتبتك الممكنة من الاتصاف بكمالات الوجود ، كالعلم والحكمة والجود والعدل مثلاً ، فيكون جوهر ذلك حينئذٍ أجمل الحمد لبارئك الوهاب سبحانه ، فإنك إذن تنطق بلسانك الحال كلّ صفة من تلك الصفات أنها فيك ظل صفته سبحانه ، وصنع هبة ذاته جلّ سلطانه بحسب نفس ذاته في تلك الصفة ، علىٰ أقصىٰ المراتب الكمالية.
فقد ذكرنا في سدرة
المنتهىٰ وفي المعلقات علىٰ زبور آل محمد صلىاللهعليهوآله : أنّ الحمد في قوله تعالىٰ : ( الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )
هو ذات كلّ موجود بما هو موجود ، وهوية كلّ جوهر عقلي بحسب مرتبته في الوجود وقسطه من صفات الكمال ؛ ولذلك كان عالم الأمر ـ وهو عالم الجواهر المفارقة ـ عالم الحمد وعالم التسبيح والتمجيد. ومنه في القرآن الحكيم : ( لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ )
» انتهىٰ كلامه القمقام.
( وَلاَ حجَّةَ لي
فيما جَرىٰ عَلَيَّ فيهِ قَضاؤكَ )
الحجة
ـ بضم الحاء ـ اسم من الاحتجاج : وهو المغالبة علىٰ الخصم بالدليل ، كما قال تعالىٰ : ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّـهِ حُجَّةٌ بَعْدَ
الرُّسُلِ ) وقوله : ( فَلِلَّـهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) .
و ( قضاءُ ) ـ بالرفع
ـ فاعل ( جرىٰ ) اُضيف إلىٰ ضمير الخطاب ، والمخاطب هو الله تعالىٰ ، يريد السائل : أنّه لا حجّة لي في شيء جرىٰ قضاؤك عليَّ في
ذلك الشيء ، بل لك الحجّة في إجراء قضائك عليَّ. ومقصوده : أنَّ المجاوزة عن بعض الحدود
_____________________________
والمخالفة
في بعض الأوامر وقعت عني لسببين :
أحدهما : السبب
الطبيعي الذي هو اغترار نفسي المسوّلة.
والآخر : هو السبب
الإلهي الذي هو قضاؤك الذي لا مردَّ له ، كما قيل : إذا جاء القضاء ضاق الفضاء ، وإذا جاء القدر عمىٰ البصر.
قضا چون از گردون
فرو ريخت پر
|
|
همه عاقلان کور
گردند و کر
|
چون قضا آيد طبيب
ابله شود
|
|
و آندوا در نفع خود
گمره شود
|
از قضا سرکنگبين
صفر آفزود
|
|
روغن بادام خشکی
مينمود
|
فأين الحجّة وأي حجة
لي في ذلك ؟.
( وألزَمِنَي فِيهِ
حُكْمُكَ وَبَلاؤك )
حكمه تعالىٰ : مشيئته الفعلية ، كقوله تعالىٰ : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن
يَشَاءَ اللَّـهُ ) .
والبلاء : بمعنىٰ الابتلاء والامتحان.
وقوله : ( ألزمني ) أي
أثبتني وقّفني ، والضمير الغائب راجع إلىٰ التجاوز والتخالف في الأوامر والحدود.
( وَقَدْ أَتيْتِكُ
يا إلٰهي بَعْدَ تَقْصِيري وإسْرافِي عَلَىٰ نَفْسِي ، مُعْتَذِراً
نادِماً ، مُنْكَسِراً مُسْتَقِيلاً ، مُسْتَغِفْراً منيباً ، مُقرّاً مُذْعِناً مُعْتَرِفاً
، لا أجِدُ مَفَرّاً مِمّا كانَ مِنّي ، ولا مَفْزَعاً أتَوَجَّهُ إليهِ في أمْرِي ، غَيرَ قَبولِكَ عُذْرِي )
التقصير : التفريط في الأعمال كما مرّ ، والإسراف : هو الإفراط فيها
بحيث يتجاوز عن الحدود.
_____________________________
وقد مرّ أنهما من
القذارات المعنوية.
فليجتنب المؤمن
العادل عن الوقوف في حدّي الإفراط والتفريط ، ويستقرّ في حدود الأوساط في كلّ شيء ، حتىٰ تتحلىٰ نفسه بالأخلاق الحسنة من
الحكمة والعفّة والسخاوة والشجاعة ، وليقتصد فليكن أُمّة وسطاً ، كما قال تعالىٰ : ( جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) .
الاعتذار : إظهار ما يقتضي العذر والإتيان به.
الندامة : هي التوبة ، والندم : ضرب من الغمّ والحزن ، وهو أن يغتمّ
علىٰ ما وقع منه ، يتمنىٰ أنّه لم يقع.
والانكسار : هو كسر الفؤاد ، كما في الحديث القدسي : ( أنا عند القلوب المنكسرة ) .
چون دوست دل شکسته
ميدارد دوست
|
|
زين بعد من وشکسته
کی ودرِ دوست
|
الاستقالة : طلب الإقالة والعفو ، كما أنّ الاستغفار طلب المغفرة والرحمة.
والإنابة : الرجوع ، كما في قوله تعالىٰ : ( مُنِيبِينَ إِلَيْهِ )
أي راجعين إليه.
مقرّاً :
أي قائلاً باللسان.
والإذعان : هو الاعتقاد بالجنان ، كما أنَّ الاعتراف هو الإقرار مع
الاعتقاد.
وجملة : ( لا أجد ...
) إلىٰ آخره ، متعلّقة بقوله : ( مقرّاً ) وما بعده.
المَفرّ : المهرب والمناص.
المفزع :
الذي يلتجأ ويفزع إليه في الشدائد والمهالك.
( غير ) : اسم الاستثناء ، والمستثنىٰ ( مفرّاً ) ، كأنّه قال : لا
أجد مفرّاً إلّا أنت لتقبل
_____________________________
عذري
، وهو تعالىٰ باعتبار المَفَرِّية داخل في المستثنىٰ منه.
( وإدخالِكَ إيّايَ
في سَعَةٍ مِنْ رَحْمَـتِكَ )
أي وغير إدخالِكَ ، معطوف
علیٰ ( قَبولِكَ ).
المراد بالرحمة هنا : الرحمة الرحيمية ؛ إذ هو ثابت في سعة من رحمته الرحمانية. ويحتمل أن يكون المراد مطلق الرحمة.
( اللّهُمَّ
فَاقْبَلْ عُذْرِي ، وَارْحَمْ شِدَّةَ ضُرّي ، وَفُكَّنِي مِنْ شَدِّ وَثاقِي )
الفكاك والتفكيك : التخليص ، كقوله تعالىٰ : ( فَكُّ رَقَبَةٍ ) .
الوَثاق
ـ بالفتح ، وقد جاء كسر الواو فيه في لغة في الأصل ـ : حبل أو قيد يُشدّ به الأسير والدابة ، ثم استعمل في كلّ ما يقيّد به الشخص من الحبال والقيود والسلاسل والأغلال ، والذنوب والآثام التي تقيّد الإنسان ، ويصير كالأغلال في الأعناق.
فالتمس السائل من
الله تعالىٰ إعتاق رقبته من قيود الخطيئات ، واستخلاص نفسه عن تحمّلها ، والترحّم علىٰ مسكنته وضرّه.
( يا رَبِّ ارْحَمْ
ضَعْفَ بَدَني )
لأنّك وصفت خلقة
الإنسان بالضعف في كتابك ، وقلت : ( وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا ) ؛ إذ بدن الإنسان مركّب من لطائف
العناصر وصفوتها ، لا يطيق الشدائد
_____________________________
والمشقّات.
( وَرِقَّةَ جِلْدِي )
الذي هو أرقّ وألطف
من الحرير.
الرقيق :
خلاف الثخين والغليظ ، ومنه الثياب الرقاق.
جلد الإنسان قشرة ، كما
أنَّ لحمه وعظمه لبة في بدنه.
( وَدِقَّة عَظمِي )
الدقيق :
خلاف الجليل والعظيم ، كما في الحديث : ( إنّ الله استولىٰ علىٰ ما
دقّ وجلّ ) .
العَظْم
ـ علىٰ وزن « سهم » ـ : قصب الحيوان الذي عليه اللحم ، وقد يطلق علىٰ العضو مطلقاً سواءً كان عظماً أو غيره ، كما في الحديث : ( سجد علىٰ سبعة
أعظم ) أي سبعة أعضاء ، وهي المساجد السبعة من الجبهة والكفّين والركبتين والإبهامين.
ثمّ إنه خلقة العظام
في بدن الحيوان والإنسان بمنزلة الجبال التي خلقها الله تعالىٰ في بدن الإنسان الكبير ، وعددها في الإنسان ـ كما قيل ـ ثمانية وأربعون ومائتان.
چو خواهي كه بدانى
يقين
|
|
مى برون آيد أز انجا
كه برون مى آيى
|
يعني : من الرحم.
( يا من بدأ خلقي
وذكري وتربيتي وبرّي وتغذيتي )
_____________________________
أي الذي خلقني من
العدم ، ومضت عليّ أزمنة طويلة ما كنت فيها شيئاً مذكوراً ، كما أخبر عنها القرآن الحكيم بقوله تعالىٰ : ( هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا ) .
ثم أحسن بي وأشار
باسمي حين وقعت نطفتي في رحم اُميّ ، فحفظني فيها وما أضاعها ، ثم جعلني في أربعين يوماً علقة حمراء ، كما مرّ.
ثمّ جعلني مضغة ، ثمّ
جنيناً ذا نفسين : نفس نباتية ، ونفس حيوانية.
ثمّ ألهمني جذب دم
الطمث في رحم اُمي من السرّة إلىٰ معدتي ، وغذّاني به ما أبقاني فيه ، إلىٰ أن مضت عليّ الشهور ، وأثّرت فيّ الكواكب السبعة.
ثمّ أخرجني منها
ملهماً بالتقام ثدي اُمي ، ومعلّماً بالبكاء ، ولولا إلهامه تعالىٰ وتعليمه لجعلتُ الئدي في فضاء فمي اُلجلجه وما مصصته.
ثمّ حفظني ورزقني في
الدرجة الحيوانية إلىٰ أوان بلوغي الصوري ، ثمّ وفّقني لتحصيل كمالاتي النفسانية ، واكتساب معارفه ومعارف أوليائه وأنبيائه ، إلىٰ
أن بلغت أشدّي.
فكنت مدّة في هاوية
الهيولىٰ والظلمات ، وزماناً في فيفاء الجمادات ، ووقتاً في آجام القصبات ومنبت النباتات ، وبرهة كالديدان في الموحلات ، وكباقي الحيوانات والعجماوات.
وفي جميع هذه المواقف
والمقامات ، غذّاني وربّاني وحفظني وكلأني ، وصيّرني إنساناً في أحسن تقويم ، ذا الأيدي والقوىٰ والقُدُر ، فبأيّ لسان أشكر
نعماءه وأحمد آلاءه ؟ وفي أي بيان أدرج محامده وثناءه ؟
غير
آنكه زبان بكام خموشى كشيم ودم نزنيم
_____________________________
( هَبْنِي لابْتِداءِ
كَرَمِكَ وَسالِفِ بِرِّكَ بِي )
هب :
أمرٌ من الهبة ، وهي العطاء.
الكرم :
كالموهبة من الله تعالىٰ ، إفادة ما ينبغي لا لعوض ولا لغرض ، كما مرّ الكلام في جوده تعالىٰ.
سالف الزمان : ما
مضىٰ منه.
البِرّ :
الإحسان ، وبالفتح بمعنىٰ : البارّ المحسن.
يريد السائل : أنّه
لأجل ألطافك القديمة ، ومواهبك العظيمة العميمة السالفة التي أعطيتها لي في ابتداء وجودي إلىٰ الآن ، اغفر لي ذنوبي واعطني سؤلي ، فإنّك عوّدتني بمواهبك السنية ، ومراحمك البهية العلية.
( يا إلٰهي
وَسَيِّدِي وَرَبّي ، أتُراكُ مُعَذِّبي بِنارِكَ بَعْدَ تَوحِيدِكَ )
الهمزة : للاستفهام
الإنكاري ، و « تُرىٰ » : مضارع « رأىٰ » ، وقياسه : « ترأىٰ » في
مضارعه ، كـ « تخشىٰ » ، ولكن العرب أجمعت علىٰ حذف الهمزة من مضارعه
، فقالوا : يرىٰ ، يريان ، يرون ، من الرؤية.
والكاف مفعوله الأول
، وجملة : ( معذّبي بنارك ) مفعوله الثاني ، وكلمة ( بعد ) من ظروف الغايات.
وتوحيده تعالىٰ
تمييزه عن خلقه ، وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة ، فهو تعالىٰ واحد ؛ إذ ليس له شريك واحد ؛ لأنّه بسيط وليس له جزء.
النسبة بين الأحدية
والواحدية
وبين الأحدية
والواحدية ـ كما قرّر في محلّه ـ عموم من وجه ؛ لاجتماعهما في الحقّ البسيط الصرف المحض ، وفي العقول ، سيّما علىٰ مذهب الإشراقيين ؛
لأنّهم يقولون : إنّها وجودات وأنوار بحتة لا ماهية لها ، والتفاوت بينها وبين الوجود
الواجبي
بالشدّة والضعف.
وكذا في النوع البسيط
الذي هو هيولىٰ عالم العناصر علىٰ طريقة المشّائين ، حيث إنّها مخالفة بالنوع لهيولىٰ عالم الأفلاك ، فلا شريك لها من نوعها ، وهي
بسيطة ؛ لأنّ جنسها مضمّن في فصلها ، وفصلها مضمّن في جنسها ، وإن كان لها شريك في جنسها ووجودها ، وكان لها أجزاء عقلية ، كما عرفت بأنّها جوهر مستعد ، أو ماهية ووجود.
وتفارق الأحدية عن
الواحدية في النقطة ، من حيث انتفاء الأجزاء المقدارية عنها. وكذا في الأعراض من الماهيات التامّة ، من حيث انتفاء الأجزاء الخارجية عنها ، وإن كان لها الأجزاء العقلية. وكذا في الأجناس العالية والفصول الأخيرة من الماهيات الناقصة ، من حيث انتفاء الأجزاء العقلية عنها.
وتفارق الواحدية عن
الأحدية في الأجرام الفلكية من الأفلاك الكلّية والجزئية والكواكب السيارة وغيرها ، إذ كلّ منها نوعه منحصر في فرده ، ولا شريك له في نوعه ، وإن كان لها شريك في جنسها ووجودها ، ولو اعتبر النفي بالكلّية كانتا من الصفات المختصة بالله تعالىٰ ؛ لأنّ ما سواه من الموجودات لا يخلو من شيء
منها من الشريك في الوجود ، بخلافه تعالىٰ فإنّه لا شريك له في الوجود ، كما لا
ثاني له في الموجود.
وما من موجود إلّا
وهو زوج تركيبي له ماهية ووجود ، بخلافه تعالىٰ ؛ إذ لا ماهية له ، بل ماهيته إنيّته وتأكّد وجوده ووجوبه.
برهان أحديته وواحديته
تعالىٰ
وأمّا بيان أحديته تعالىٰ وكونه وجوداً صرفاً : لأنّه إن كان
ذاته مركّبة من الأجزاء مطلقاً فلا يخلو : إما أن تكون الأجزاء موجودة بوجود واحد ، أو بوجودات متعدّدة.
الأول :
تكون أجزاء عقلية من الجنس والفصل والماهية والوجود.
والثاني : قسمان ؛ فإنّ الأجزاء مع كونها موجودة بوجودات متعددة ، إمّا
أن تكون متّحدة في الوضع فهي الأجزاء الخارجية من المادّة والصورة ، وإمّا غير متّحدة
في الوضع وهي الأجزاء المقدارية.
فهو تعالىٰ
بريء عن جميع هذه ؛ لأنّه ليس جسماً حتّىٰ تكون له المادّة والصورة ، وكذا الأجزاء المقدارية التي من لواحق الجسم ، وليس نوعاً حتىٰ تكون له
الجنس والفصل ، وكذا لا ماهية له حتىٰ تكون له الأجزاء التحليلية العقلية ، بل هو
وجود صرف ، والوجود بسيط محض.
في الاستدلال
علىٰ توحيده تعالىٰ :
وأمّا بيان واحديته
تعالىٰ ونفي الشريك عنه ، فكما قيل في المشهور : إنّه لو كان الواجب لذاته متعدّداً لابدّ من امتياز كلّ منهما عن الآخر ، فإمّا أن يكون امتياز
كلّ منهما عن الآخر بذاته ، فيكون مفهوم وجوب الوجود محمولاً عليهما بالحمل العرضي ، وكلّ عرضي معلّل ، وقد قرّر بطلانه.
وإمّا أن يكون
الامتياز ببعض الذات فيلزم التركيب ، وكلّ مركّب محتاج إلىٰ الأجزاء ، وكلّ محتاج ممكن ، هذا خلف.
وإمّا أن يكون
الامتياز بالأمر الزائد علىٰ ذاتيهما ، فذلك الزائد إمّا أن يكون معلولاً لذاتيهما ، وهو مستحيل ؛ لأنَّ الذاتين إن كانتا واحدة كان التعيين أيضاً
واحداً ، فلا تعدّد ، هذا خلف. وإن كانتا متعددتين كان وجوب الوجود عارضاً لهما ، وقد ظهر بطلانه.
وإمّا أن يكون
معلولاً لغيرهما ، لزم الافتقار في التعيّن إلىٰ الغير ، وكلّ مفتقر إلىٰ
غيره في تعيّنه مفتقر إليه في وجوده ؛ إذ التعيّن إمّا عين الوجود أو مساوق له ، فيكون
ممكناً ، هذا خلف.
فقد ثبت توحيد واجب
الوجود بالذات جلَّ برهانه.
وهاهنا شبهة عويصة
منسوبة إلىٰ ابن كمونة ، وقد أجابه صدر المتألّهين الشيرازي قدسسره ، في الأسفار
، من شاء فليرجع إليه.
وقد ذكر الحكماء
حججاً وبراهين كثيرة علىٰ توحيده تعالىٰ ، والحال أنّه غنيّ عن الحجج والبراهين ، بل ذاته بذاته برهان ودليل علىٰ ذاته ، كما في الدعاء
: ( يا من دلّ علىٰ ذاته بذاته ) .
وفيه أيضاً : ( عميت
عين لا تراك ولا تزال عليها رقيباً ، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصبياً ، متىٰ غبت حتىٰ تحتاج إلىٰ دليل يدلّ عليك ،
ومتىٰ بعدت حتىٰ تكون الآثار هي التي توصل إليك ) .
( اعرفوا الله بالله
، والرسول بالرسالة ، واُولي الأمر منكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) .
علم چون بر فرازد
شاه فرخار
|
|
چراغ انجا نمايد
چون شب بار
|
زهی نادان که
او خورشيد تابان
|
|
بنور شمع جويد در بيابان
|
فهذا القليل الذي
ذكرت في توحيده تعالىٰ من أقوال الحكماء كافٍ في هذا المختصر لمن له قلب سليم أو ألقىٰ السمع وهو شهيد.
فقوله : ( بعد توحيدك
) أي بعد توحيدي إيّاك ، اُضيف المصدر إلىٰ المفعول. يريد أنّك تعذّب بنارك الموحّدين والعارفين بحقّك ؟! لا والله ، أنت أجلّ وأرفعُ من أن تعذّب موحّديك ، وتولّه مفرديك ومحبيك.
_____________________________
( وَبَعْدَ مَا
انْطَوىٰ عَليهِ قَلْبي مِنْ مَعْرِفِتكَ )
الانطواء : الاندماج والاجتماع ، وكلمة ( مِن ) بيان لـ ( ما ).
القلب والروح والنفس
الناطقة واحدة عند الحكماء ، ولكن فرّق بينها العرفاء والأطباء.
فقال الأطباء : الروح
هو البخار اللطيف المتولد في القلب الصنوبري ، القابل لقوّة الحياة والحسّ والحركة.
كما يسمّىٰ هذا
البخار عند العرفاء بالنفس ، وما يتوسّط بين المدرك للكلّيات والمدرك للجزئيات بالقلب ، فهو عند العرفاء جوهر نوراني مجرّد يتوسط بين الورح ـ بالمعنىٰ الأول ـ والنفس ، ولكنّ باطنه الروح ، ومركبه وظاهره
المتوسط بينه وبين الجسد : النفس.
وفي آية النور في قوله
تعالىٰ : ( اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ
فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ
مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ ) ، وقد مثّل القلب بالزجاجة وبالكوكب
الدريّ ، والروح بالمصباح ، والنفس بالشجرة الزيتونة ، فإنّها لا من شرق عالم الأرواح ولا من غرب عالم الأجساد ، بل هي متوسطة بينهما ومشتملة عليهما.
فإنّ النفس ـ كما مرّ
ـ جسمانية الحدوث ، روحانية البقاء ، ظاهرها هو البدن وقواه ومشاعره ، وباطنها هو العقل الفعّال وقدرة الله تعالىٰ.
ويمكن أن يراد
بالانطواء : الانفطار.
أي بعدما انفطر عليه
قلبي ، إذ القلوب مفطورة ومجبولة علىٰ المعرفة ولو إجمالاً ، كما قال عليهالسلام :
_____________________________
( رأيت العقل عقلين
|
|
فمطبوع ومسموع )
|
وقال صلىاللهعليهوآله : ( ما من مولود إلّا يولد علىٰ الفطرة ، فأبواه
ينصّرانه ويهوّدانه ويمجّسانه ) .
در هيچ سری نيست
|
|
که سرّى از خدا
نيست
|
والمعرفة أعمّ من
العلم ، إذ هي تطلق علىٰ إدراك الجزئيات أيضاً ، بخلاف العلم ، فإنّه لا يقال إذا أدرك أحد جزئياً : هو عالم به ، بل يقال : عارف به.
( وَلَهجِ بِهِ لِسانِي
مِنْ ذَكْرِكَ )
كلمة ( من ) بيانيّة
، والجملة معطوفة علىٰ ما قبلها ، أي وبعد ما لهج به لساني من ذكرك.
واللهجة : التنطّق ، ومنه في وصف علي عليهالسلام قال صلىاللهعليهوآله : ( عليّ أصدق الناس لهجةً ). وقال صلىاللهعليهوآله : ( ما من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ) .
( وَاعْتَقَدَهُ
ضَميري مِنْ حُبِّكَ )
معطوفة علىٰ ما
قبلها.
الضمير :
الفؤاد والقلب ، سمّي به لأنّه مضمر ومستتر ، وكلمة ( من ) أيضاً بيانية.
والحب والعشق بمعنًى
واحد.
نيست فرقى در ميان حب و عشق
|
|
شام در معنى نباشد جز دمشق
|
إنّ المحبة للرحمن أسكرني
|
|
فهل رأيت محبّاً غير سكران
|
_____________________________
كما أنَّ الخمر تذهب
بالعقل وتأخذ الإنسان من نفسه ، كذلك العشق والمحبة ـ رزقنا الله تعالىٰ ـ تأخذ الإنسان من نفسه ، وتسكره سكراً ليس له صحو وإفاقة
إلىٰ صباح القيامة.
وقد وصفها الله
تعالىٰ في كتابه الكريم ، قال : ( إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا
عِبَادُ اللَّـهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا )
. وقال : ( وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا
تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلًا ) .
وقال تعالىٰ : ( وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ )
أي مزاج الرحيق المختوم ، وهو ما يمزج به ( من تسنيم ) : وهو عين في الجنة ، ينصبّ علىٰ أهلها من علوّ ، وهو أشرف
شراب في الجنة. قال تعالىٰ : ( عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ )
.
وفي مجمع البيان : « أي
هي خالصة للمقرّبين ، يشربونها صرفاً ، ويمزج لسائر أهل الجنة » .
اعلم أنّ مشرب العرب
في شربهم مختلف ، فمنهم من يشرب صرفاً ، كما قال الشاعر :
يا ساق لا تشعشع
الراح بما
|
|
فهو يكفّ عاملاً عن
عمل
|
وقال ابن الفارض :
عليك بها صرفاً وإن
شئت مزجها
|
|
فعدلك عن ظلم
الحبيب هو الظلم
|
ومنهم من يشرب مزجاً
، كما قال الشاعر :
فقلت : اقتلوها
عنكم بمزاجها
|
|
[ فأطيب ]
بها مقتولة حين تقتل
|
وقال أبو القاسم
الحريري في مقاماته توريةً :
_____________________________
يا قوم كم من عاتق
عانس
|
|
ممدوحة الأوصاف في
الأنديهْ
|
قتلتها لا أتّقي
وارثاً
|
|
يطلب مني قوداً أو
دِيَهْ
|
وقال حسّان بن ثابت :
إنّ التي ناولتني
فرددتها
|
|
قُتِلَتْ قُتِلتْ
فهاتها لم تقتل
|
والله تعالىٰ
حرّم أصنافها علىٰ المؤمنين في الدنيا ، ووعدهم في الاُخرىٰ الصِّرفَ للمقرّبين ، والممزوجَ لأصحاب اليمين.
وقول الحريري : « عانس
» ، يقال : عنست الجارية ، إذا بلغت وبقيت عنج أهلها ، حتىٰ خرجت عن إدارة الأبكار ولا يتزوجها أحد.
والعاتق : من أسماء الخمر ، وهي التي مضت عليها مدّة طويلة ، سنة أو
سنتان أو أكثر منها.
( وَبَعْدَ صِدْقِ اعْتِرافِي
وَدُعائِي خاضِعاً لِرُبُوبِيَّتِكَ )
الاعتراف والتصديق
بمعنًى واحد ، والربوبية من الربوب من الرب ، ومعناها بالفارسية : خداوندي. ومنه الحديث : ( العبودية جوهرة كنهها الربوبية ) .
( هَيْهاتَ ، أنتَ
أَكْرَمُ مِنْ تُضَيِّعَ مَنْ رَبَّيْتَهُ )
وهذه الجملة ناظرة
إلى ما قبلها ، إلىٰ قوله : ( أتراك معذّبي ).
( هيهات ) اسم فعل
معناه : بَعُدَ.
التضييع : الإفساد.
( ربّيته ) : من
التربية.
_____________________________
( أوْ تُبَعِّدَ مَنْ
أدْنَيتَهُ )
أدنوه منّي : أي
قرّبوه ، من الإدناء ، قد مرّ الكلام فيه.
( أوْ تُشَرِّدَ مَنْ
آوَيْتَهُ)
التشريد : التطريد والتفريق ، كما قال تعالىٰ : ( فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ
خَلْفَهُمْ ) .
( آويته ) : أي
مكّنته عندك وضممته إلىٰ عبادك ، كقوله تعالىٰ : ( فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ ) أي انضموا واجتمعوا إليه.
( أوْ تُسَلِّمَ
إلىٰ البَلاءِ مَنْ كَفَيْتَهُ وَرَحِمْتَهُ )
البلاء هنا
بمعنىٰ الغمّ والحزن.
( كَفَيْتهُ ) : أي
أغنيته عن غيرك ، كقوله تعالىٰ : ( أَلَيْسَ اللَّـهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ )
أي بمغنٍ.
( رَحِمْتَهُ ) : رزقته وأحسنت إليه.
( وَلَيْتَ شِعْرِي
يا سَيّدِي وإلٰهي ومَولاي ، وأتُسَلِّطُ النارَ علىٰ وُجُوهٍ خَرَّتْ لِعَظَمَتِكَ ساجِدَةً )
( ليت شعري ) : كلام يقال في مقام الحيرة في أمر ، والبهت والاستفسار عن باطن ذاته ، وأمثال هذا.
الوجوه
ـ جمع « الوجه » ـ : وهو ما اشتمل علىٰ الناصية والذقن وما بينهما من الحاجبين والعينين والخدّين والأنف والفم.
( خرّت ) : أي سقطت.
_____________________________
( وَعَلىٰ
ألْسُنٍ نَطَقَتْ بِتَوْحِيدِكَ صادِقةً )
تقييد التوحيد بالصدق
لإخراج توحيد أهل النفاق ، الذي هو الإقرار باللسان فقط ؛ إذ من أقسام الكفر كفر النفاق ، وهو خلاف كفر التهوّد ، الذي هو الإنكار في الظاهر ، والإقرار في الباطن.
مراتب التوحيد :
ثم اعلم أنّ مراتب
التوحيد أربعة :
توحيد الذات : وهو أن يرىٰ الموحّد جميع الموجودات ممحوقة ومقهورة في وجود الله تعالىٰ ، بحيث لا يشذّ عن حيطة وجوده وجود.
وتوحيد الصفات : وهو أن يرىٰ الموحّد جميع القُدَر والصفات الكمالية مستهلكة في صفاته ، كما أشعر بالأول : ( لا هو إلّا هو ) وبالثاني ( لا إلٰه
إلّا الله ).
وتوحيد الأفعال : وهو أن يرىٰ الموحد جميع الأفعال فانية في فعله
تعالىٰ ، كما أشار إليه قوله صلىاللهعليهوآله : ( لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي
العظيم ).
توحيد الآثار : وهو أن يرىٰ الموحد كلّ الآثار من الله تعالىٰ ، كما
قال الحكماء : لا مؤثر في الوجود إلّا الله.
( وَبِشُكْرِكَ
مَادِحةً )
معطوف على التوحيد.
( وَعَلَىٰ
قُلُوبٍ اعْتَرَفَتْ بإلِٰهيَّتِكَ مُحَقِّقةً )
أي اعترافاً واضحاً.
( وَعَلَىٰ
ضَمِائَر حَوَتْ مِنَ العِلْمِ بِكَ حَتّىٰ صارَتْ خاشِعةً )
( ضمائر ) : جمع « ضمير ».
( حوت ) : أي جمعت من
الحجج والبراهين علىٰ توحيدك وتوحيد صفاتك وتوحيد أفعالك وآثارك ، حتّىٰ حصل لها الخشوع والخشية منك ، كما قال
تعالىٰ : ( إِنَّمَا
يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )
.
جميع هذه الجمل والفقرات
وكذا الفقرتان الآتيتان معطوفة علىٰ « الوجوه ».
( وَعَلَىٰ
جَوارِحَ سَعَـتْ إلىٰ أوْطانِ تَعَبُّدِكَ طَائِعةً )
الجوارح : جمع « جارحة
» ، وهي الأعضاء من الرأس والظهر والبطن واليدين والرجلين وغيرها.
( سعت ) : أي جهدت وأسرعت.
الأوطان
ـ جمع « الوطن » ـ : وهو محلّ التوقّف والإقامة مطلقاً ، سواء كان مولد الشخص فيه أم لا ، والمراد بها هنا : المساجد والمشاهد الشريفة والمعابد ، وكلّ مكان اُقيم فيه طاعته تعالىٰ وعبادته.
التعبّد : هو فعل العبادة وقضاؤها.
أنواع العبادة وحقيقتها
اعلم أنّه كما قال
المحقّق الطوسي والحكيم القدّوسي قدسسره ، في الأخلاق الناصرية ، ناقلاً عن أقوال الحكماء : « عبادة الله تعالىٰ علىٰ ثلاثة أنواع.
الأول :
ما يجب علىٰ الأبدان ، كالصلاة والقيام ، والسعي في المواقف الشريفة لمناجاته جلّ ذكره.
الثاني :
ما يجب علىٰ النفوس ، كالاعتقادات الصحيحة ، من العلم بتوحيد الله وما
_____________________________
يستحقه
من الثناء والتمجيد ، والفكر فيما أفاضه الله سبحانه علىٰ العالم من وجوده وحكمته ، ثم الاتساع في هذه المعارف.
الثالث :
ما يجب عند مشاركات الناس في المدن ، وهي في المعاملات والمزارعات والمناكح ، وتأدية الأمانات ، ونصح البعض للبعض بضروب المقارنات ، وجهاد الأعداء والذبّ عن الحريم وحماية الحوزة » انتهىٰ.
وحقّ العبادة وحقيقها ـ كما في الحديث ـ ثلاثة أشياء :
الأول :
أن لا يرىٰ العبد لنفسه فيما أنعمه الله تعالىٰ ملكاً ؛ إذ العباد لا
ينبغي أن يكون لهم الملك ، بل يرون المال مال الله ، يصرفونه حيث أمرهم الله تعالىٰ.
الثاني :
أن لا يدبّر العبد لنفسه تدبيراً.
الثالث :
أن يكون جملة اشتغاله فيما أمره الله تعالىٰ ونهاه.
فإذا لم يرَ العبد
لنفسه فيما أعطاه الله ملكاً هان عليه الإنفاق ، وإذا فوّض العبد تدبير نفسه إلىٰ مدبّره هانت عليه مصائب الدنيا ، وإذا اشتغل العبد فيما
أمره الله ونهاه لا يتفرّغ منهما إلىٰ المراء والمباهاة مع الناس.
فإذا اتّصف العبد
بهذه الثلاثة هانت عليه الدنيا وما فيها ، ولا يطلب الدنيا تفاخراً وتكاثراً ، ولا يطلب ما عند الناس عزّاً وعلوّاً ، ولا يدع أيامه باطلة. فهذا أول درجة المتّقين.
ويمكن أن يراد
بالتعبّد : دوام فعل العبادة ، كما سمّي من يداوم في العبادة بالمتعبّد.
( وَأشارَتْ
بِاسْتِغْفارِكَ مُذْعِنةً )
أي أشارت الجوارح ، فينبغي
أن نعمم الجوارح حتىٰ تشتمل جميع الأعضاء ، من اللسان والجنان والأصابع والعيون والجفون ، وغيرها ممّا ذكر أو لم يذكر ؛ إذا حيث يذكر الذاكرُ المذكورَ الحقيقي جميع المشاعر والقوىٰ والآلات والأدوات
ملتفتاً
ومشيراً
إليه تعالىٰ ، كما قيل :
جمله اعضايم سراسر
سوى دوست
|
|
وقت يا الله إشارت
ميكنند
|
( ما هْكذا الظَنُّ بِكَ ، وَلا اُخْبِرْنا
بِفَضْلِكَ عَنْكَ يا كَريمُ )
كلمة ( ما ) نافية ، و
( هكذا ) كناية عن مقدار الشيء وعدّته.
نقل الكلام ابن هشام في
بيان لفظ كذا
قال ابن هشام : « ويرد
« كذا » علىٰ ثلاثة أوجه :
أحدها :
أن تكون كلمتين باقيتين علىٰ أصلهما ، وهما كاف التشبيه و « ذا » الإشارة ، كما تقول : رأيت زيداً فاضلاً ورأيت عمراً كذا.
الثاني :
أن تكون كلمة واحدة مركّبة من كلمتين ، يكنىٰ بهما عن غير عدد ، كما جاء في الحديث : ( يقال للعبد يوم القيامة : أتذكر يوم كذا وكذا فعلت كذا وكذا ).
الثالث :
أن تكون كلمة واحدة مكنّياً بها عن العدد ، فتوافق « كأيّن » في أربعة أمور : التركيب ، والبناء ، والإبهام ، والافتقار إلىٰ التمييز.
وتخالفها في ثلاثة :
أحدها :
أنّها ليس لها صدر الكلام.
الثاني :
أنّ مميزها واجب النصب ، فلا يجوز جرّه بـ ( من ) اتفاقاً ، ولا بالإضافة ، خلافاً للكوفيين.
الثالث :
لا تستعمل غالباً إلّا معطوفاً عليها » انتهىٰ.
وهاهنا من الوجه
الثاني ، ولكنّها مركّبة من كلمات ثلاث ، هي : « هاء » التنبيه ، و « كاف » التشبيه ، و « ذا » الإشارة ، مجرّدة عن معانيها ، وصيرورتها كلمة واحدة
كنّىٰ بها عن غير العدد.
_____________________________
معنىٰ الظن
الظن يأتي لمعانٍ
أربعة كما في المجمع .
منها معنيان متضادان
:
أحدهما :
الشكّ.
والآخر :
اليقين الذي لا شكّ فيه.
فمن موارد اليقين
قوله تعالىٰ : ( وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّـهَ فِي الْأَرْضِ )
ومعناه : علمنا وأيقنا.
ومنها معنيان ليسا
بمتضادين :
أحدهما :
الكذب.
والآخر :
التهمة.
والذي أريد هنا هو
المعنىٰ المصطلح ، وهو الطرف الراجح من طرفي الاعتقاد ، أي الذي بمعنىٰ الحسبان ، كما هو المراد في الحديث القدسي : ( أنا عند حسن
ظنّ عبدي المؤمن ) .
وفي الأخبار : ( أحسن
ظنك ببارئك ) .
وقيل : فليحسن العبد
ظنّه بربّه.
وقوله : ( ولا
اُخبرنا ) أي ولا هكذا اُخبرنا ، مجهول المتكلّم من الماضي من الإخبار ، يريد أنَّ الذي أخبرنا بفضلك عنك عن نبيك بعكس ذلك ، وهو قوله
تعالىٰ : ( قُلْ
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن
رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) .
_____________________________
وإنّه غافر الخطيئات
، ماحي السيئات ، معطي المسألات ، رافع الدرجات ، قاضي الحاجات ، واهب العطيات ، غفور رحيم ، ذو الفضل العميم ، ذو العرش العظيم ، حكيم قديم حليم كريم ، عطوف رؤوف ، وأمثال ذلك.
( يا رَبِّ وأنْتَ
تَعْلَمُ ضَعْفِي )
( ضعفي ) : ووهني ووهيي.
( عَنْ قَلِيلٍ مِنْ
بَلاءِ الدُنيا )
كحرارة أهوية الصيف ،
وبرودة الشتاء ، والجوع والظمأ ، وأمثال ذلك.
( وَعُقوباتِها )
ونكالها ، كالآلام
والأوجاع ، وانكسار العظم ، وقطع اليد والرجل وسائر الأعضاء ، وكالوقوع في المخاوف والمهالك ، وسياسات السلاطين والحكّام ، والتجلّد بالحدود ، وأمثال ذلك.
( وَما يَجْرِي فِيها
مِنَ المَكارِهِ عَلَىٰ أهْلِها )
والضمائر الثلاثة
راجعة إلىٰ ( الدنيا ).
( عَلَىٰ أنَّ
ذلِكَ )
أي بلاء الدنيا
وعقوباتها والمكاره التي تجري علىٰ أهلها.
( بَلاءٌ وَمَكْرُوهٌ
قَلِيلٌ مَكْثُهُ )
ساعة أو يوم أو اُسبوع
أو شهر أو سنة ، كلّ ذلك :
( يَسِيرٌ بَقاؤهُ )
سريع الزوال.
البقاء :
خلاف الفناء ، كما أنَّ القليل واليسير خلاف الجزيل والكثير.
( قَصِيرٌ مُدَّتُهُ )
وزمانه القصير ، ضدّ
الطويل.
( فَكَيْفَ احْتِمالي
لِبَلاءِ الآخِرَةِ وَجَلِيلِ وُقُوعِ المكارِهِ فِيها )
يريد أنَّ الإنسان
الضعيف النحيف الذي لا يطبق احتمال العذاب والعقوبات السريعة الزوال في الدنيا ، كيف يحتمل العقاب والعذاب الدائم المخلّد في الآخرة ، كما قلت في كتابك الكريم : ( وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ
الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ ) .
( وَهُوَ بَلاءٌ
تَطُولُ مُدَّتُهُ ، وَيَدومُ مَقامُهُ ، وَلا يُخَفَّفُ عَنْ أَهْلِهِ )
أي أهل البلاء ، وهو
لا يخّفف عن أهله ، لأنه كما قال تعالىٰ : ( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا ) .
بيان حشر أصناف الخلق
واعلم أنّ دار الآخرة
هي دار بروز صور الملكات والأخلاق ، وأهل المحشر يحشرون علىٰ أصناف شتىٰ وأقسام مختلفة :
فبعضهم يحشرون
علىٰ صور البهائم ، اُولئك الذين كانوا في الدنيا واقفين عن تحصيل المعارف الحقّة والكمالات الدينية بالرياضات الشرعية ، وبذلوا جهدهم
_____________________________
وصرفوا
همّهم في سوق الشهوات ونيل اللذات العاجلة كيفما اتّفق ، وكم من آية مرّت عليهم في الدنيا وهم عنها معرضون !
وبعضهم
يحشرون علىٰ صور الذؤبان والحضاجر ، اُولئك الذين كانوا في الدنيا حسدين علىٰ ما أنعم الله به عباده من المال والكمال والجمال والعزّة
والجلال ، ولازالوا حاسدين وتمكنوا فيه ، فماتوا علىٰ مَلَكته ، وكم من نذير جاءهم
فيها وهم عنه غافلون !
وبعضهم
يحشرون علیٰ صورة الدببة
والخنازير.
اُؤلئك الذين كانوا في الدنيا حريصين علیٰ ادّخار الزخارف ، ومولعين في كثرة الأكل والشرب ، وما زالوا واقفين علیٰ تلك الصفة
الخبيثة ، حتّیٰ تمكنوا فيه وصارت
مَلَكتهم ، وكم من ناصح نصحهم تركه وهم عنهم نافرون !
وبعضهم يحشرون علیٰ صور القردة ، اُؤلئك الذين كانت طباعهم مجبولة علیٰ تقليد العباد ، أفعالهم وأقوالهم وحركاتهم وسكناتهم ، وقصروا هممهم علیٰ إراءة صفات أهل الله بأقبح وجه وأسوأ حال ، ومازالوا عاكفين عليها وماتوا علیٰ مَلَكتها ، وكم من شفيع زاجر منعهم عن تلك الصفات الخسيسة وهم عنهم سائمون !
وبعضهم
يحشرون علىٰ صور الاُسود والفهود والكلاب والنمور ، اُولئك الذين شيمتهم في الدنيا سَوق الغضب علىٰ الخلائق ، وديدنهم القهر ومزق الأعراض
وهتك العصم بلا حجة شرعية ، ومازالوا تورّطوا فيها حتّىٰ صارت مَلَكتهم ، وكم من
شفيق مكرم نصحهم تركها فما سمعوا ، وماتوا وهم كافرون !
وهكذا بعضهم
علىٰ صور النمل ، وبعضهم علىٰ صور العقارب والزنابير والحيّات ، وقِسْ عليها ما لم يُذكر.
هذا علىٰ طريقة
الإمامية الاثني عشرية الحقّة ، ومذهب حكماء الإسلام ، بل
_____________________________
مذهب
جميع الحكماء ، من إدريس عليهالسلام إلىٰ زماننا هذا ، وإليها ذهب
جميع العرفاء ، وأهل الكشف والشهود ، والآيات الفرقانية ، والأحاديث الصحيحة الصريحة ، والآثار من الحكماء النظّار والعرفاء ـ أولي الأيدي والأبصار ـ في هذا الباب أكثر من أن تعدّ وتحصىٰ.
قال العارف الرومي في مواضع من المثنوي ، منها :
ز آنكه حشر حاسدان
روز كنند
|
|
بيگمان بر صورت
گرگان کنند
|
حشر پر حرص خس
مردار خوار
|
|
صورت خوکی
بود روز شمار
|
زانيانرا کند اندام
نهان
|
|
خمر خوارانرا بود
کند دهان
|
سيرتی کاندر
نهادت غالب است
|
|
هم بر ان تصوير
حشرت واجب است
|
ومنها :
آيد ريده پوستين يوسفان
|
|
کرك بر خيزى از ان خواب
كران
|
كشته گرگان هر يکی
خوهای تو
|
|
ميدارنند از غضب
اعضای تو
|
آنسخهای چو مار
و گردمت
|
|
مار و کژدم گردد و گيرد
دمت
|
ای برادر تو
همين انديشهٔ
|
|
ما بقی تو
استخوان وريشهٔ
|
گر بود انديشه ات
کل گلشنی
|
|
ور بود خاری
تو هيمه گلخنی
|
کان قندم نيستان
شکرم
|
|
هم ز من ميرويد ومن
ميخورم
|
إلىٰ غير ذلك.
وقيل :
إنّ يوم الحشر إذا حُشر الناس علىٰ تلك الصور صاحوا وفزعوا فزعاً عظيماً ، ونادوا نداء ، ويقولون : يا ويلتىٰ ما هذه ، ما كنّا بهائم
وذؤباناً واُسوداً وفهوداً وعمياناً ، كما أخبر الله تعالىٰ عن الحال الجاهلين في الدنيا ، وقولهم
هنالك : ( رَبِّ
لِمَ
حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ
وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ) .
چشم بينا خشه ام من
أى كرام
|
|
كور محشورم كند يوم
القيام
|
فيقال لهم : إنّما هي
أعمالكم تردّ إليكم ، ومَلَكاتكم صوّرت لكم ، فيقولون : يا ليتنا كنّا تراباً.
كاش از
خاكى سفر نگزيد می
ثمّ يعرضون جميعهم
علىٰ النار ، ويصلون فيها خالدين إلىٰ ما شاء الله.
( لأنّهُ لا يَكُونُ
إلّا عَنْ غَضَبِكَ وَانْتِقامِكَ وَسَخَطِكَ )
الضمير يرجع
إلىٰ البلاء.
الغضب في الحيوان : غليان
دم القلب الصنوبري إذا أدرك ما ينافر طبيعته ، وأراد التفصّي عنه أو الانتقام علىٰ باعثه.
وفي الله
تعالىٰ : عقابه وإرادة الانتقام من العصاة ، فإنّه يفعل بالكفّار ما يفعل
الملك الجبّار إذا غضب علىٰ من تحت يده.
وفي رواية عمرو بن
عبيد مع أبي جعفر عليهماالسلام ، وقد قال له : قوله تعالىٰ : ( وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ )
ما ذلك الغضب ؟ فقال عليهالسلام : ( هو العقاب يا عمرو ، وإنّه مَن زعم أَنَّ الله قد زال من شيء إلىٰ شيء فقد وصفه صفة المخلوقين ) .
أقول :
قد مرّ في المكر أنَّ الغضب والحياء والخدعة والتردّد وأمثال ذلك ، إذا اُسند إليه تعالىٰ يراد بها الغايات لا المبادئ ، فغاية الغضب مثلاً هو
الانتقام والتخلّص ، فإذا أراد الله تعالىٰ عقوبة العاصي أو انتقام الكفّار
علىٰ كفرهم ، فصدق عليه تعالىٰ أنّه غضب عليهم. وقِسْ عليه البواقي.
_____________________________
الانتقام : التعذيب علىٰ المخافة.
السخط :
الغضب ، وهو في الإسناد إليه تعالىٰ كالغضب ، يراد به ما يوجب السخط من العقوبة.
( وَهذا ما لا
تَقُومُ لَهُ السماواتُ والأرضُ )
يريد أنّ غضبك
وانتقامك وسخطك شيء لا تقوم له السماوات والأرض.
( يا سَيِّدِي ، فَكَيْفَ
بِيْ وَأنا عَبْدُكَ الضَعِيفُ الذَليلُ الحَقِيرُ المِسْكِينُ المُسْتَكِينُ )
( الضعيف ) : من
ضَعُف عن الشيء ، أي عجز من احتماله ، فهو ضعيف.
( الذليل ) من الذُلّ
ـ بالضم ـ : بمعنىٰ الهوان والاستخفاف ، خلاف العزّ.
( الحقير ) : الصغير
الذليل.
( المسكين ) : الفقير
الذي لا يقدر علىٰ قوت يومه وليلته.
( المستكين ) : الخاضع.
يريد : أنّ ما لا
تقوم له السماوات والأرض من غضبك وانتقامك كيف يمكن لي تحمّله ومقاومته ، والحال أنّني ( عبدك الضعيف ) ... ؟ إلىٰ آخره ؟
( يا إلٰهي
وَرَبِّي وَسَيِّدِي وَمَوْلاي ، لأيِّ الاُمورِ إليكَ أشْكُو ، ولِما مِنْها أضِجُّ وَأبْكِي )
في القاموس : « شكا
أمره إلىٰ الله شكوىٰ ـ وينوّن وشكاة وشكاوة وشكية وشِكاية ـ بالكسر ـ إذا أخبر عنه بالسوء » .
فالعارف الخبير ينبغي
أن لا يشكو إلىٰ غيره تعالىٰ ، مقتفياً بالأنبياء والأولياء ، كما
_____________________________
قال
تعالىٰ حكاية عن يعقوب النبي عليهالسلام : ( إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّـهِ )
.
والشكوىٰ
المذمومة هي التي جاءت بها الرواية ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : ( إنّما الشكوىٰ أن تقول : لقد ابتليت بما لم يبتلِ به أحد ، أو تقول : لقد أصابني
ما لم يصب أحداً ، وليس الشكوىٰ أن تقول : سهرت البارحة وحُممت اليوم ) .
( و ) عاطفة ، وكلمة
( ما ) في قوله : ( لما ) للاستفهام ، وقيامه سقوط الألف إذا دخلت عليه الحاء ، ومثل « لِمَ » و « بِمَ » و « إلىٰ مَ » وغيرها ، ولكن لمّا
كان بعدها حرف من جنسها ، وهي الميم في ( منها ) ، ولم يكن محل الإدغام ، فلم يسقط ألفها. والضمير راجع إلىٰ ( الاُمور ).
الضجّة : الفزع.
سبب البكاء :
وسبب البكاء ـ كما
قيل ـ هو إدراك ما لا يلائم الطبيعة ، فإنه إذا أدرك أحدٌ الأمر الغير الملائم له تحرّك روحه البخاري من الظاهر إلىٰ الباطن ، هرباً منه ، فتتمدّد
الأعصاب نحو الباطن ، ويضيّق أفضية الدماغ والعصبتين والصدر ، وينعصر منافذها ، ويحدث شكل البكاء ، ويخرج حينئذٍ بالضرورة ما في الدماغ من الرطوبات الرقيقة بالدمع والمخاط ، كما يخرج الماء من الإسفنجة المغموسة فيه عند غمز اليد عليها.
وحصول تلك الرطوبات
واجتماعها في الدماغ بسبب أنّ الألم الموجب للبكاء يسخّن القلب عند توجّه الدم والروح إليه ، وحينئذٍ ترتفع منه ومن نواحيه أبخرة حارة إلىٰ الدماغ ، تذيب الرطوبات التي فيه وترقّقها وتسيّلها ، ثمّ تبرد هي
بنفسها ، وتغلظ حين وقوفها فيه ، فتصير رطوبات ، فيدفعها الدماغ بالعصر إلىٰ جهة
العين ، لاتصال [ ... ] بها ، وكلّما كان الموجب أقوىٰ
كان الدمع أحرّ.
_____________________________
( لألِيمِ العَذابِ وَشِدَّتِهِ
، أوْ لِطُولِ البَلاءِ وَمُدَّتِهِ )
أليم :
فعيل من الألم. وهو إدراك المنافر ، كما أنّ اللذة إدراك الملائم.
معنىٰ الشر
والألم
ومن قواعد الحكماء
أنَّ الشرّ عدمُ ذاتٍ أو عدمُ كمالٍ لذات ، ونوقضت هذه القاعدة بالألم ، حيث إنّه شرّ مع كونه وجودياً. فقد ذكروا في التفصّي عن نقض القاعدة أقوالاً.
والحقّ ما حقّقه صدر
المتألهين السبزواري ، من أنّ الألم معدود من الخيرات ، لأنّه وجودي ، ولكنّه شرّ بالعرض بواسطتين :
إحداهما : تفرّق
الاتصال.
والثانية : عدم
الطاقة.
وقاعدة الحكماء غير
منقوضة ، وهي أنّ كلّ ما هو شرّ بالذات فهو من أفراد العدم البتة. ثم إنّ الناس اختلفوا في سبب الألم : هل هو تفرّق الاتصال أو سوء المزاج ، أو
قد يكون هذا وقد يكون ذلك ؟
فأكثر الأطباء ـ تبعاً
لجالينوس ـ علىٰ الأول ، والإمام الرازي مع جماعة علىٰ الثاني ، والشيخ الرئيس علىٰ الثالث .
ثمّ إنّ استعمال « المدّة
» لبلاء الآخرة ، كسائر أسماء الزمان الذي استعمل في ثوابها وعقابها ، علىٰ سبيل المجاز ؛ لأنّها من الأسماء المبهمة للزمان ، والزمان
ـ كما قرّر في محلّه ـ مقدار الحركة القطعية التي كانت للفلك الأقصىٰ .
ودار الآخرة في باطن
العالم الجسماني كذلك ثوابها وعقابها من سنخها ، وهي دار الصور الصرفة الغير الواغلة في المادة ، إذ عالم الصورة غير منحصر في هذا
_____________________________
العالم
، بل الصورة صورتان :
صورة منطبعة وواغلة
في المواد ، وهي داثرة زائلة غير باقية.
وصورة صرفة مجردّة عن
الموادّ قائمة بذاتها ، ودائمة باقية لا تتغيّر من حال إلىٰ حال ، وعذابها وثوابها أيضاً صورية صرفة لا تنقطع ، فلا وقت ومدّة هناك.
فالمراد بالمدّة ما
نزلت منزلتها ، وهو الدوام والبقاء الدهري ؛ إذ كما مرّ جارٍ مجرى الوعاء للثابتات هو الدهر.
وما ورد في القرآن
الكريم ، كقوله تعالىٰ : ( هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ )
وقوله : ( يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ، وقوله : ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ )
ـ وغير ذلك من أسماء الزمان التي ذكرت في القرآن ـ من ذلك القبيل.
( فَلَئنْ
صَيَّرتَنِي في العُقوباتِ مَعَ أعدائِكَ ، وَجَمَعْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ أهْلِ بَلائِكَ ، وَفَرَّقْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ أحَبّائِكَ )
بمعصيتي واستحقاقي
للعقوبات.
الأحباء : جميع حبيب ، وأحباؤه تعالىٰ هم الذين خلصوا وأخلصوا في
المحبة ، وهم الأنبياء والأوصياء ، وسيّما رأسهم ورئيسهم وسيّدهم هو الخاتم الملقب بحبيب الله صلىاللهعليهوآله ، وأوصياؤه الاثنا عشر من بعده ، وكذلك
أشياعهم وأتباعهم وأشعتهم وأظلّتهم من العلماء الراشدين الراسخين ، والعرفاء الكاملين الشامخين.
( وَأوْلِيائِكَ )
جمع « الولي » ، بمعنىٰ
: الحبيب والمحبّ هنا ، وهو من عطف الخاص علىٰ العام إن اُريد بها الأوصياء فقط ، واُريد بالأحبّاء : جميع الأنبياء والأوصياء
والملائكة
_____________________________
المقربين
، كما مرّ. وقد لا يفرّق بين الأولياء والأحبّاء ، بناء علىٰ قاعدة أنّ كل
نبي ولي ولا عكس ، وحينئذٍ كان من قبيل عطف العام علىٰ العام ، والفرق هو
الاختلاف في العبارة وملاحظة التفنّن فيها. وسيأتي لك تعداد بعض معاني « الولي » عند شرح قوله : ( يا ولي المؤمنين ).
( فَهَبْنِي يا
إلٰهِي وَسيِّدي وَمَوْلايَ وَرَبِّي صَبَرْتُ عَلَىٰ عَذابِكَ )
الفاء للتفريع ، « وهب
» : من أفعال القلب ، يلازم الأمر أبداً ، وهو بمعنىٰ : ظنّ.
( هبني ) أي ظنّني ، ينصب
مفعولين ، كقول الشاعر :
فقلت أجرني أبا
خالد
|
|
وإلّا فهبني امرأً
هالكا
|
مفعوله الأول ضمير
المتكلّم ، والثاني « امرأً » ، فقوله : « هالكاً » ، وكذا : « فانياً » ، صفتان لقوله : « امرأً ».
وهاهنا مفعوله الأوّل
ضمير المتكلّم ، وجملة ( صبرت علىٰ عذابك ) مفعوله الثاني.
( فَكَيْفَ أصْبِرُ
عَلَىٰ فِراقِكَ )
وحرمان لقائك الذي هو
منتهىٰ آمال المحبّين ، ونصب عيون العارفين ، وغاية منىٰ المجاهدين ، ومفرّج قلوب العاشقين ، الذي وعدت به عبادك المتّقين ، وقلت
في كتابك المبين ـ وأنت أصدق الصادقين ، وأعزّ القائلين ـ : ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ
رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )
.
فراق بر دل نادان
چوپ کاهي نيست
|
|
بيا وبر همدان بين كه
كوه الوند است
|
كيف : اسم للاستفهام.
والاصطبار : توطين النفس علىٰ تحمّل مشاق الاُمور في
_____________________________
طلب
المطلوب المحبوب.
وفي الحديث : ( الصبر
صبران : صبر [ علىٰ ] ما تكره ، وصبر علىٰ ما تحب ) .
فالصبر الأول : مقاومة
النفس للمكاره الواردة عليها ، وثباتها وعدم انفعالها ، وقد يسمّىٰ : سعة الصدر ، وهو داخل تحت الشجاعة.
والصبر الثاني : مقاومة
النفس لقوّتها الشهوية ، وهو فضيلة داخلة تحت العفّة.
ثمّ إنّ السائل أدرج
فراق أحبّاء الله تعالىٰ وأوليائه في فراقه تعالىٰ ، وإلّا
فالأولىٰ أن يقول : فكيف أصبر علىٰ فراقك وفراق أحبائك وأوليائك ، إشارة إلىٰ
أنّ فراقَهم من حيث إنّهم أولياؤه فراقُه تعالىٰ ؛ إذا العلة واجدة لكمال المعلول بنحو
الأتمّ. ولهذا ورد : ( مَن أحبهم فقد أحب الله ، ومن أبغضهم فقد أبغض الله ، ومن أطاعهم فقد أطاع
الله ) .
وفي مناجاة الشيخ عبدالله
الأنصاري ، قال بالفارسية : « إلهي چون آتش فراق داشتي باتش دوزخ چه کار داشتي ؟ » .
أقول : ظنّي أنه
ألهمه الله تعالىٰ ـ إذ ناجاه بهذه المناجاة ـ أنّه خلقتُ نار السعير لإحراق جلود الفاسقين والكافرين في الآخرة ، وجعلتُ نار فراقي لأحرق بها قلوب العاشقين والعارفين في الأُولىٰ.
أي فراقت همچو نار
مؤصده
|
|
زد بهر بندم هزار
آتشكده
|
سينه خواهم شرحه
شرحه از فراق
|
|
تا بگويم شرح درد
اشتياق
|
( وَهَبْني صَبَرتُ عَلَىٰ حَرِّ نَارِكَ )
أي نار جهنم. وجملة (
هَبني ) معطوفة علىٰ ( هبني ) الاُولىٰ.
_____________________________
( فَكَيْفَ أصْبِرُ
عَنِ النَظَرِ إلىٰ كَرامَتِكَ )
كرامته تعالىٰ
للعباد : إراءته إيّاهم جماله وجلاله في فراديس الجنان ، واجتماعهم مع أحبّته وأوليائه في محضر القرب ومشهد الاُنس.
( أمْ كَيْفَ أسْكُنُ
فِي النارِ وَرَجائِي عَفْوُكَ )
( أم ) : حرف عطف ، والجملة
معطوفة علىٰ ما قبلها.
يريد : أنّ رجائي
القديم الذي معه وفدتُ علىٰ فناء بابك وفضلك وعفوك ، فكيف يسكن ويقوم في النار مَن تغيّر رجاؤه وانعكست منيته وآماله.
( فَبِعِزَّتِكَ يَا
سَيِّدِي وَمَوْلايَ اُقْسِمُ صَادِقَاً )
حرف الباء للقسم ، وجملة
: ( اُقسم صادقاً ) تؤكده ، أي قسماً صادقاً خالصاً.
( لَئِنْ تَرَكْتَنِي
نَاطِقاً )
أي لا تأخذ عني قوّة
التنطّق والتكلّم ، ولا تُذهب بجرأتي هيبتُك وسطوتُك ، وبقي لي مجال البكاء ، والفزع والصياح.
( لأَضِجَّنَّ إلَيكَ
بَيْنَ أهْلِها )
أي أهل النار والعذاب.
( ضَجِيجَ الآمِلِينَ
)
أي أفزعنّ وأصيحنّ
صيحة المشتاقين.
الأمل : المنية
والاشتياق ، والآمل وصف منه بمعنىٰ : المشتاق والراجي.
( وَلَأصْرُخَنَّ
إِلَيْكَ صُراخَ المُسْتَصْرِخِينَ )
الصراخ :
الصباح بالاستغاثة ، والصريخ : المغيث والمستغيث ، من الأضداد. ومنه في الدعاء : ( يا صريخ المستصرخين ) أي مغيثهم.
( وَلَأبِكَينَّ
عَلَيْكَ بُكاءَ الفاقِدِينَ )
الفاقد : مَن فقد
ابنه أو ابنته بالموت أو الأسر أو الغرق والخسف والهلك ، أو فقد شيئاً آخر مطلوباً له. والمصدر للتنويع ، أي نوع البكاء الفاقدين.
( وَلاُنِادَينَّكَ
أيْنَ كُنتَ يَا وَلِيَّ المُؤمِنِينَ )
معني الولي والإيمان
ومراتبه
للولي معانٍ كثيرة ، منها
: الناصر ، والمعين ، والمدبّر ، والمتولي لاُمور العالم المتصرّف فيه ، وهو من أسمائه تعالىٰ. والمناسب هاهنا هو الأول والثاني.
والإيمان في اللغة : التصديق
والاعتقاد ، وفي العرف أيضاً : عبارة عن التصديق بتوحيد الله تعالىٰ ونبوة أنبيائه ، والاعتقاد بما جاء به النبيّون ، مع
موالاة أهل البيت عليهمالسلام ومحبّتهم.
اعلم أنّه ـ كما مرّ ـ
للإيمان مراتب ، أدناها الإقرار باللسان ، وأعلىٰ منها التصديق بالجنان والعمل بالأركان ، وأعلىٰ منها ـ وهي المرتبة القصوىٰ ـ تنوّر
في القلب ، ينكشف به حقيقة الأشياء كما هي عليها ، فيرىٰ الجميع من الله وإلىٰ
الله ، واقتدار في الباطن يوصل به إلىٰ مقام « كن » ، فيتخطّون في المقامات ، ويشاهدون في
أنفسهم الكرامات ، فيصدّعون علىٰ أبلغ وجه بالنبوّات والولايات ، ولا يحتاجون في
إثباتها إلىٰ الدلائل والبيّنات ، وهذه هي حق حقيقة الإيمان.
_____________________________
فقوله : ( أين كنت ) أي
أين نصرك وإعانتك يا معين المؤمنين ؟
( يا غايَةَ آمالِ
العَارِفِينَ )
ومنتهىٰ
أشواقهم وطلباتهم.
العارف ـ كما قال صدر
المتألهين قدسسره ـ : من أشهده الله تعالىٰ ذاته
وصفاته أفعاله.
والعالم ـ إذا جُعل
مقابلاً له ـ : من أطلعه الله علىٰ ذلك لا عن شهود ، فهو في مقام علم اليقين ، والعارف في مقام عين اليقين أو حق اليقين ، ولهذا يقال : المعرفة
إدراك الجزئي أو البسيط ؛ لأنّ متعلق الشهود جزئي حقيقي وبسيط. والعلم حدود ورسوم مركّبة وتصديقات كذلك ، وجميعها عنوانات كلّية. وغاية الشيء : منتهاه.
الآمال : جمع « أمل »
، قد مرّ معناه.
( يا غِياثَ
المُسْتَغِيثِينَ ، يا حَبيبَ قُلُوبِ الصادِقِينَ )
إن كان الحبيب
بمعنىٰ المُحبّ فالقلوب محبوبون له تعالىٰ ، وإن كان بمعنىٰ المحبوب فهم محبّون له ، كما قال تعالىٰ : ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )
.
الغياث : بمعنىٰ
المغيث.
( وَيا إلٰهَ
العَالَمِينَ )
ومعبودهم الحقيقي.
العالمون : اسم جمع
لـ « العالَم » ـ بفتح اللام ـ وليس جمعاً له ، إذ هو اسم لما سوىٰ الباري تعالىٰ. والعالمون يختص استعماله في ذوي العقول وما سوىٰ
البارئ تعالىٰ ،
_____________________________
أعمّ
من أن يكونوا عقلاء أو غير عقلاء ، ولو كان جميعاً له ينبغي أن يكون مدلوله زائداً علىٰ مدلول مفرده ، والأمر بالعكس فيهما.
( أَفَتُراكَ
سُبحانَكَ يا إلٰهي وَبِحَمْدِكَ تَسْمَعُ فِيها صَوْتَ عَبدٍ مُسْلِمٍ سُجِنَ فِيها بِمُخالَفَتِهِ )
الضميران المؤنّثان
راجعان إلىٰ النار.
( سُجن ) : أي حُبس
في السجن ، والباء للسببية ، أي بسبب مخالفته أوامرك ونواهيك.
والمسلم من
أتىٰ بالشهادتين : شهادة التوحيد ، وشهادة الرسالة.
( وَذاقَ طَعْمَ
عَذِابها بِمَعْصِيَتِهِ ، وَحُبِسَ بَيْنَ أطباقِها بِجُرْمِهِ وَجَرِيرَتِهِ )
أطباق النار : دركات
الجحيم التي بعضها فوق بعض ، كما أنّ درجات الجنان بعضها فوق بعض.
الجريرة : الخطيئة. والضمائر
الثلاثة ترجع إلىٰ العبد.
( وهو يضجُّ )
ويفزع.
( إليَكَ ضَجيجَ
مُؤَمِّلٍ )
وراجٍ.
( لِرَحْمَتِكَ )
ورأفتك.
( وَيُنادِيكَ
بِلِسانِ أهلِ تَوحِيدِكَ )
أي يناديك ويدعوك كما
يدعوك الموحّدون الذين لا يرون في مملكة الوجود غيره تعالىٰ ديّاراً ، بل يرون في كلّ شيء ذاته وصفاته وأفعاله وشؤونه
وآثاره ، ولا يدعون لحوائجهم أحداً غير الواحد الأحد الصمد ، المقصود في الحاجات وقاضيها ، ويقولون :
جمالك في كُلّ
الحقائق سائر
|
|
وليس له إلّا
جلالُك ساتر
|
تجلّيت للأكوان خلف
ستورها
|
|
فتمت بما ضمت عليه
الستائر
|
جمال دوست هر جا
جلوه كرده
|
|
ز معشوقان عالم
بسته پرده
|
الا تا نغلطی
ناگه نگوئی
|
|
که از عاشقي وزا
ونگوئی
|
که همچون نيگوئی
عشق ستوده
|
|
از او سر بر زده در
تو نموده
|
تو آئينه او آئينه
آرا
|
|
توی پوشيده و
او آشکاره
|
چو نيکو بنگری
آئينه هم اوست
|
|
نه شها گنج او گنجينه
هم اوست
|
من وتو در ميان کاری
نداريم
|
|
بجز بيهوده پنداری
نداريم
|
( وَيَتَوسَّلُ إلَيكَ بِرُبوِبيَّتِكَ )
كما في دعاء عرفة : (
بك عرفتك ، وأنت دللتني عليك ، ولو لا أنت لم أدرِ ما أنت ) .
كما قيل :
بوى گل خود بچمن
راهنما شد ورنه
|
|
|
مرغ مسکين چه خبر داشت
که گلزار کجاست
|
|
|
|
ولكنّه ليس المراد
هاهنا جعله تعالىٰ وسيلة لمعرفته ، بل المراد جعله وسيلة
_____________________________
لاستخلاصه
من العذاب.
الوسيلة : هي ما
يتقرّب بها إلىٰ الشخص ، حتّىٰ يعرض عليه حاجته.
( يا مَولايَ ، فَكَيفَ
يَبقىٰ في العَذابِ وهُوَ يَرْجُو مَا سَلَفَ مِنْ حِلْمِكَ )
ورأفتك ورحمتك.
فالمراد برجاء السائل
: ما سلف من حلمه تعالىٰ أنّه في الدنيا كثيراً ما صدر عنه المعصية ، وترقّب لذلك غضب الله وسخطه علىٰ نفسه ، ولكن تجاوز عنه كثيراً ما
: لحلمه ورأفته ورحمته بعباده ، وما أخذه بالعقوبة ، كما قال المولوي :
خونيها جرم نفس
قاتله
|
|
هست بر حلمش ديت بر
عاقله
|
فاعتاد لذلك بحمله
تعالىٰ ، ويرجوه عن الله في الآخرة أيضاً.
( أمْ كَيْفَ
تُؤْلِمُهُ النَّارُ )
وتوجعه.
( وَهُوَ يَأمُلُ )
ويرجو.
( فَضْلَكَ
وَرَحْمَـتِكَ ، أمْ كَيفَ يُحِرقُهُ لهيبُها وأنت تَسْمَعُ صَوتَهُ )
لهب النار : اتقادها
واشتعالها.
( وَتَرىٰ
مَكانَهُ )
ومقامه في النار.
المكان : مقولة من
المقولات التسع العرضية ، وعُرّف بـ « البعد المجرّد » في
اصطلاح
الإشراقيين ، وبـ « تماس باطن الحاوي بظاهر المحوي » في اصطلاح المشائين .
كأنّه يريد السائل : أنّ
إبراهيم عليهالسلام حين اُلقي في نار نمرود لم يستغث ولم يستصرخ ، وما دعا ربّه للنجاة منها ، مع أنّ جبرائيل عليهالسلام نزل إليه من ربّه الجليل وقال : ( هل لك حاجة ؟ ) قال : ( بلىٰ ، أمّا إليك فلا ) .
فمع هذا ما آلمته النار وما أحرقته ، بل جُعلت النار عليه برداً وسلاماً ، فكيف بعبدٍ استغاثك واستصرخ إليك وأنت تسمع صوته ، وترىٰ مكانه فيها ، وهي تؤلمه ويحرقه لهبها ، ولا تنجيه عنها ؟
حاشىٰ بكرمك وفضلك.
( أمْ كَيفَ
يَشْتَمِلُ عَليهِ زَفِيرُها )
اشتمل عليه : أي أحاط
عليه.
الزفير : حسيس النار
، وهو في الأصل : أول صوت الحمار ، كما أنَّ الشهيق آخره.
شبّه حسيسها المفظع
بزفير الحمار الذي هو كذلك.
( وَأَنتَ تَعْلَمُ
ضَعْفَهُ )
وهنه وتوانيه وعدم
طاقته ، وقلّة بضاعته في مبانيه.
( أمْ كُيفَ
يَتَغَلْغَلُ بَينَ أطباقِها )
التغلغل : هو التحرّك
مع الاضطراب ، إذا قصد الخروج عن تحت شيء لا طاقة له فيه.
_____________________________
طبقات النار : مواقفها
ودركاتها.
( وأنت تعلم صدقه )
أي أنت تعلم أنّه في
تغلغله وعدم تحمله إيلام وإحراقها صادقٌ لا خادع وماكر.
( أمْ كَيْفَ
تَزْجُرهُ زبانِيَتُها وَهُوَ يُنادِيكَ يا رَبَّه )
( تزجره ) : أي تمنعه
عن الخروج منها.
الزبانية : الملائكة
الموكّلة عليها ، واحدهم « زُبني » مأخوذ من « الزبن » وهو الدفع ؛ لأنّهم يدفعون أهل النار إليها.
وفي الصحاح : « الزبانية
عند العرب : الشرطة ، وسمّي به بعض الملائكة ؛ لدفعهم أهل النار إليها » .
( أمْ كَيْفَ يَرْجُو
فَضْلَكَ في عِتْقِهِ مِنْها فَتَتْرُكُهُ فِيها )
العتق : التحرير
والتخليص عن القيد.
تتركه : أي تَذَرُه
فيها.
( هَيْهاتَ ، ما هكذا
الظَنُّ بِكَ ، ولا المَعْرُوفُ مِنْ فَضْلِكَ )
بل الذي هو معروف من
فضلك بين عبادك بعكس ذلك ، كما مرّ.
( وَلا مُشْبِهٌ لِما
عَامَلْتَ بِهِ المُوَحِّدينَ )
_____________________________
معطوفة علىٰ ما
قبلها ، أي ولا هكذا مشبهٌ لمعاملتك مع الموحّدين.
( مِنْ بِرِّكَ
وإحِسْانِكَ )
كلمة : ( من ) بيان
لـ ( ما ).
يريد أنّك تتعامل مع
موحّديك بالبرّ والإحسان ، لا بالعذاب والإساءة والنيران.
( فَبِاليَقِينِ أقْطَعُ
)
الفاء للتفريع ، والظرف
متعلّق بـ ( أقطع ).
وجملة ( أقطع ) تأكيد
لما قبلها ، أكّده لاقتضاء المقام.
اليقين : هو الاعتقاد
الجازم الثابت ، ويرادفه القطع.
ثم لمّا كان المقام
أن يتوهمّ متوهّمٌ أنّ السائل في تلك الضراعة والابتهال والمسكنة وتوصيف العذاب والنكال ، كأنه أساء ظنّه بربه وضعف اعتقاده بفضله وكرمه ، فلدفع هذا التوهم أتىٰ بجملة مؤكدة :
( لَوْلا ما حَكَمْتَ
بِهِ مِنْ تَعْذِيبِ جاحِدِيكَ )
كلمة ( من ) بيان لـ
( ما ).
الجاحد : المنكر
المصرّ في الإنكار ، وحكمه تعالىٰ بتعذيب جاحديه في القرآن المجيد ، حيث قال : ( وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ
عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا
لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
* فَذُوقُوا بِمَا
نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )
.
_____________________________
( وَقَضَيْتَ بِهِ
مِنْ إخلادِ مُعانِدِيكَ )
( قضيت ) : حكمت.
المعاند والعنود
والعنيد واحد ، وهو : المعارض لك بالخلاف عليك.
والمراد بهم : الذين
عارضوا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وجادلوه بالباطل والخلاف ، ولم يؤمنوا بالله ورسوله ، وماتوا علىٰ كفرهم.
الخلود : دوام البقاء
، وقضىٰ أيضاً في كتابه الكريم ، حيث قال تعالىٰ في جواب إبليس متىٰ قال : ( فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ
الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ
مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ )
.
( لَجَعَلْتَ النارَ
كُلَّها بَرْداً وَسَلاماً )
جواب ( لولا ).
البرد : خلاف الحرّ ،
كما أن الحرارة خلاف البرودة.
سلام : كناية عن
الراحة وعدم الآفة والأذىٰ ، ومنه سمّىٰ الجنة : دار السلام ؛ لعدم وجدان الآفة فيها ، ونضارة عيش أهلها بالتنعم والالتذاذ.
( وَمَا كانَ لأحَدٍ
فِيها مَقَرّاً ولا مُقاماً )
المقرّ والمقام : كلاهما
اسم مكاني القرار والقيام.
( وَلِٰكنَّكَ )
استدراك عمّا قبلها.
_____________________________
( تَقَدَّسَتْ
أسْماؤُكَ )
تنزّهت عن شائبة
النقص والعيب.
( أقْسَمْتَ )
في كتابك الحميد ، حيث
قلت مخاطباً لنبيّك : ( فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا )
أي علىٰ ركبهم وأطراف أصابعهم ، لا يستطيعون القيام علىٰ أرجلهم في حول جهنّم.
( أنْ تَمْلأها مِنَ
الكافِرِينَ مِنَ الجِنَّةِ والناسِ أجمَعِينَ )
أقسام الكفر :
الكفر ثلاثة أقسام : كفر
الجحود ، وكفر النفاق ، وكفر التهوّد. وفي جميعها بمعنىٰ الستر والإنكار.
ولكن الأول عبارة عن
إنكار ضروري من ضروريات الدين ، أو إنكار جميعها ، فمَن أنكر واحدها أو أنكر الجميع فهو كافر شرعاً بالكفر الجحودي ، وليس لدمه وماله وعرضه حرمة ما دام باقياً عليه.
والثاني عبارة عن الإنكار
في القلب والإقرار باللسان ، خوفاً وطمعاً ، كالمنافقين الذين أخبر عنهم قوله تعالىٰ : ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ
لَرَسُولُ اللَّـهِ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ
* اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً
) .
والثالث عبارة عن
الإنكار في ظاهر والإقرار في الباطن ، كاليهود الذين علموا وأيقنوا أنَّ موسىٰ عليهالسلام رسول الله ونبيّه ، ولكن أنكروه
بأقوالهم ، وطلبوا منه المعجزات ، ومع إتيانه بها لهم أصرّوا أيضاً في الإنكار القولي ، حتىٰ سألوا
منه رؤيته
_____________________________
تعالىٰ
بأبصارهم الحسّية الحيوانية ، كما قال المولوي :
گر بديدي حسّ حيوان شاه را
|
|
پس بديدی گاو و خر الله را
|
فهذه الأقسام الثلاثة
[ ... ] وحكم بها ظاهر الشريعة ، وتسمىٰ بالكفر الجلي.
وأمّا الكفر الخفي
فأقسامه كثيرة ، وفيه ورد أحاديث :
منها : قوله صلىاللهعليهوآله : ( إنّ دبيب الشرك في اُمّتي أخفىٰ من دبيب النملة
السوداء علىٰ الصخرة الصماء ـ أو الملساء ـ في الليلة الظلماء ) .
ومنها : قوله عليهالسلام : ( من دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس ) .
أي لا يزال دهره
منغمساً في الضلال والعمىٰ عن الحقّ ، وعُدّ الاستبداد بالرأي والجهل والفسوق من أقسام الكفر الخفي.
وبالجملة ، كلّ ما
ستر الحق ولو لحظة عن فؤاد العباد فهو كفر عند أهل السلوك.
والجِنّة : جمع « جِنّ
» ، من : جَنَّهُ إذا سَتَرَهُ ، ومنه الجنين في الرحم ، إذ الجنة والأجنة مستورة عن الحواس. ثم إنَّ من الجن كافر ومنهم مؤمن ، وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالىٰ.
( وأنْ تُخَلِّدَ
فِيها المُعانِدِينَ ، وَأنْتَ جَلَّ ثناؤُكَ )
أي عظم من أن يصفه
الواصفون ، كما قال الشاعر :
إذا أثنىٰ
عليك المرء يوماً
|
|
كفاه من تعرّضه
الثناء
|
معناه : أنّه يكفي من
تعرّض للثناء التعرّض فقط ، وإلّا لا يمكن لأحد أن يثني لله تعالىٰ حقّ ثناؤه ، بل ثناؤه أجلّ من إحصاء البشر ، كما قال سيد الكائنات : (
لا اُحصي ثناءً عليك ، أنت كما أثنيت علىٰ نفسك ) .
_____________________________
( قُلتَ مُبتَدِئاً )
في ابتداء الإسلام
وأول الدين ، متىٰ نزل الفرقان السماوي ، وتفضّلتَ :
( وَتَطَوَّلْتَ في
الإنعامِ مُتَكَرِّماً )
التكرّم : ازدياد
الكرم علىٰ البرايا ، فهو تعالىٰ متكرّم ، أي مضعّف إكرامه وإنعامه علىٰ عباده ، ومن فضله وإنعامه أنّه أخبر عباده علىٰ لسان نبيّه
وأعلمهم في كتابه الكريم ، وقال :
( أَفَمَنْ كَانَ
مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ )
كيف يتساوىٰ
الكفر والإيمان ، والفسوق والعدالة ، والنور والظملة ، والجهل والعلم ، والبصارة والعمىٰ ، والهداية والغواية ؟
( إلٰهي وَسَيِّدِي
، وأسأَلُكَ بالقُدْرَةِ التي قَدَّرْتَها )
الواو عاطفة.
معنى القدرة :
والمراد بالقدرة هنا
: إمّا قدرته الفعلية ، أي الوجود المنبسط والفيض المقدّس ، التي قدّرها بالقدرة الذاتية ، وبها قدّر جميع المقدورات وأوجد جميع الموجودات ، وأحيا بها الأشياء ، وبها خلق الموت والحياة ، وبها أخرج الأشياء من العدم والليسية الذاتية إلىٰ الوجود والأيسية.
قد مرّ أنّ القدرة في
الواجب الذاتِ واجبةٌ بالذاتِ وفوقَ الجوهرية ، فضلاً عن العرضية ، وعين ذاته بقولٍ مطلق ؛ إذ لا ماهية له وراء الإنيّة البحتة ، حتّىٰ
يمكن أن يقال : قدرته عين شيئيته ، ووجوده لا عين ماهيته ، وفي فعله تعالىٰ عين فعله
، وفي
العقول
: جواهر مفارقة عن المادّة رأساً ؛ لأنّها وإن لم تكن عين ماهيتها ، لكنّها عين وجودها ، دائمة بدوام وجودها. وفي الحيوان : كيفية نفسانية.
والمراد بالقدرة : العقل
الفعّال الذي هو قدرة الله المتعال ، ومخرج النفوس جميعاً من القوة إلىٰ الفعل ، ومعلّم أنبياء الأولين والآخرين ، وهو المسمّىٰ
بـ « روح القدس » و « جبرائيل » و « روح الأمين » ، في لسان الشرع المبين.
والمراد بتقديرها : إيجادها
؛ لأنّه وإن كان موجوداً دائماً بديمومة الله تعالىٰ ، ولكن بذاته ليس محضاً وإمكاناً صِرفاً ، كما قال الحكماء : الممكن من ذاته أن يكون الليس ، وله من علّته أن يكون الأيس.
أو المراد بالقدرة : مطلق
الإيجاد ، والخلق والإحياء ، وبتقديرها : جعلها.
أو يكون المراد : إحياء
الإنسان بخصوصه ، وكأن المراد بقوله :
( وَبالقَضِيَّةِ
التي حَتَمْتَها وحَكَمْتَها )
بيان حكمة الموت :
هي قضية الإماتة
والموت التي حَتَمها وحَكَمها علىٰ النفوس ؛ لإيصالها إلىٰ غاياتها الذاتية والعرضية ، ولأنّ الموت إن لم يُخلق لم تصل دورة الحياة والوجود الكوني الطبيعي إلينا ، بل إلىٰ الدورات الاُخريات التي تكون بعدنا ؛ إذ
الممكنات غير متناهية ، فلابدّ أن تنقضي وتموت دورة ، حتىٰ تأتي وتحيا دورة اُخرىٰ
؛ لأنّه لو بقيت أشخاص الناس والحيوانات بلا نهاية لكان السابقون قد أفنوا المادّة ، التي منها التكون ، فلم يبق لنا مادّة يمكن أن نوجد ونتكون منها ، ولو بقيت لنا مادّة لم يبق
لنا مكان ورزق.
وإن قلنا : نبقىٰ
نحن والذين بعدنا علىٰ العدم دائماً ، ويبقىٰ الأولون علىٰ
الوجود أبداً ، كان منافياً لحكمته تعالىٰ ؛ إذ ليسوا بدوام الوجود أولىٰ
منّا ، بل العدالة الإلٰهية تقتضي أن يكون للكل حظّ ونصيب من الوجود والحياة ، فوجب أن يموت السابق
ليكون
لوجود اللاحق إمكان ، فلذلك حَكَم وحَتَم علىٰ عباده بالموت والفناء.
والسبب الطبيعي للموت
: انعدام الرطوبة الأصلية ، ووقوف الغاذية عن شغلها ، إذ القوىٰ الطبيعية متناهية التأثير والتأثر ، فلابدّ لها من الوقوف ، وبقاء
الحرارة الغريزية الأصلية بلا مقاوم ومعادل ، فيُهدم البدن ، فتقطع النفس علاقتها عنه.
جان عزم رحيل كرد گفتم که مرو
|
|
گفتا چکنم خانه فرو مييايد
|
أو المراد بالقدرة : هي
القدرة التي جعلها الله تعالىٰ في عباده ، كما أنّ أحد أسمائه : ( يا ربَّ القدرة في الأنام ) أي صاحب القدرة فيها.
وبالقضية : هي
التكليف الذي حَكَمه وخَتَمه علىٰ العباد.
أو المراد : مطلق
الحكم ، تكوينياً كان أو تشريعياً.
وبالقدرة : جمع « القدر
» ، وكانت الألف واللام فيهما للاستغراق.
أو المراد بالقدرة : القدر
، وبالقضية : القضاء ، فإنّ الصور القضائية كلّها محكمة محتّمة لغلبة أحكام الوجوب عليها ، ولكلّيتها لكونها العلم الفعلي لله
تعالىٰ لا تُرَدّ ولا تبدّل.
( وَغَلَبْتَ مَنْ
عَلَيهِ أجْرَيْتَها )
أي أجريت القدرة
والقضية عليه.
فمن المعلوم أن مَن
اُجري عليه قضاء الله وقدره ـ بأي معنًى كان القضاء والقدر ـ فهو مغلوب مضمحل ، مستهلك تحت حكمه وقدرته تعالىٰ.
وغلبته : قهره ، ومقهورية
الأشياء في سطوع نوره وهيمان حضوره.
_____________________________
( أنْ تَهَبَ لِي في
هِذهِ الليلةِ وفِي هذهِ الساعَةِ )
ظاهر الليلة والساعة
: لعلّها ليلة الجمعة ، وساعتها التي تلا فيها هذا الدعاء الشريف ، ومن المأثور تأكيد استحباب تلاوته في ليالي الجمعات.
وباطنها وتأويلها : هذا
العالم برمّته وجملته ، بل جميع العوالم في السلسلة النزولية ؛ لأنَّ هذا العالم مختتم نوره تعالىٰ ، ولهذا أطلق الله
تعالىٰ علىٰ كلّ عالم من العوالم في السلسلة الصعودية اسم « اليوم » عليه ، كما قال تعالىٰ
لموسىٰ عليهالسلام : ( وَذَكِّرْهُم
بِأَيَّامِ اللَّـهِ ) ، وقال : ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ
يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ ) . وقال في مقام آخر : ( فِي يَوْمٍ كَانَ
مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) .
والمراد : اليوم
الملكوتي ، واليوم الجبروتي ، واليوم اللاهوتي وهو يوم القيامة والطامة الكبرىٰ.
وسرّ تسمية العوالم
في السلسلة النزولية بالليالي ، وفي السلسلة الصعودية بالأيام ، هو أنَّ اليوم عبارة عن بروز النور وظهوره وشدّته ، والليل عبارة عن
الظلمة والغسق وضعف النور وقلّته.
فإذا صدر الأمر ونزل
من المبدأ إلىٰ هذا العالم ، كأنّه بَعُدَ متدرّجاً عن مطلع شمس الحقيقة وأدبر عنه ، فحين الوصول إلىٰ كلّ عالم كان ذلك العالم ليلاً
بالنسبة إليه ؛ إذ النور ضعيف بالإضافة إلىٰ عالم الفوق ، إلىٰ أن يصل الأمر
إلىٰ عالم المادّة ، يعني عالمنا هذا ، وهذا العالم لمّا كان عالم الظلمة والهيولىٰ ، وكان قسطه
من مطلق الكمال والنور قوة الكمال والنور ، كان في غاية الانظلام والانعدام بالقياس
إلىٰ العوالم الطولية ، فكان ليلاً مظلماً ، ولهذا قال المولوي رحمهالله :
_____________________________
در شب دنيا كه محجوبست شيد
|
|
ناظر حق بود وز آن بودش اميد
|
چشم من ده برد شب خود را شناخت
|
|
جمله شب با روی ماهش عشق باخت
|
ثمّ إذا صعد الأمر في
قوس الصعود إلىٰ الله تعالىٰ ، كما قال : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ
الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ )
، وقال : ( كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ )
، فحين الوصول إلىٰ كل عالم من العوامل المذكورة ، كان ذلك العالم يوماً بالنسبة إلىٰ ما دونه ،
إذ النور فيه أبهر وأقهر ، إلىٰ أن يصل إلیٰ يوم القيامة ـ ووقف عند الله
تعالىٰ ـ وهو يوم الواحدية ، كما تيسر هذا الوصول التام والبلوغ التمام لسيدنا وسيد الكونين : محمد صلىاللهعليهوآله وأوصيائه عليهمالسلام ، وذلك مقام ( قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ
أَدْنَىٰ ) .
وقيل في وصفه صلىاللهعليهوآله :
دو سر خط حلقهٔ هستي
|
|
در حقيقت بر هم تو پيوستي
|
فعلىٰ ما عرفت
من تأويل اليوم والليل ، فكأنّ السائل أراد بقوله : ( في هذه الليلة ) هذا العالم ، يعني : اغفر لي ذنوبي وخطيئاتي في الدنيا ، حتىٰ اُجرّد منها
ومن معاقبتك عليها يوم القيامة.
والمراد بالساعة في قوله
: ( وفي هذه الساعة ) مجموع سلسلة الزمان ، كما قال صلىاللهعليهوآله : ( الدنيا ساعة ، فاجعلها طاعة ) .
وقيل :
كشش
سلسلة دهر بود آنى چند
( كُلَّ جُرْمٍ
أجْرَمْتُهُ )
_____________________________
أي كلّ ذنب أذنبته.
( وَكُلَّ ذَنْبٍ
أذْنَبْتُهُ )
تفنن في العبارة ، استقصاء
لجميع الألفاظ التي استُعملت في الذنوب ، ولعاً لغفرانه تعالىٰ جميعها.
( وَكُلَّ قَبِيحٍ
أسْرَرْتُهُ )
أي أخفيته ، وعملته
في الخفاء عن أعين الناس.
( وَكُلَّ جَهْلٍ
عَمِلْتُهُ )
أي كل جهل مركّب أو
بسيط عملت بهما ، وما اجتهدت في تعلّمه ؛ غفلةً وغروراً.
( كَتَمْتُهُ )
من عيون الناس في
عمله.
( أوْ أعْلَنْتُهُ )
أي عملته علىٰ
رؤوس الأشهاد ، وما استحييت منك ومنهم ، كما قيل :
در مقاميكه كنى قصد گناه
|
|
گر کند کودکی از دور نگاه
|
شرم داری ز گنه در گذری
|
|
پردهٔ عصمت خود را ندری
|
شرم بادت ز خداوند جهان
|
|
که بود واقف أسرار نهان
|
بر تو باشد نظرش بيگه وگاه
|
|
تو کنی در نظرش قصد گناه
|
( أخْفَيْتُهُ أوْ
أظْهَرْتُهُ )
أي بعدما عملت
المعصية أخفيتها في نفسي ، أو أظهرت عند عبادك فعلها ، فلذلك سهل عليهم فعل المعاصي ، وتجرأوا فيها ، فصدر عنهم المعصية أيضاً.
( وَكُلَّ سَيِّئَةٍ
أمَرْتَ بِإثباتِها الكِرامَ الكاتِبِينَ )
الضمير راجع
إلىٰ السيّئة.
الكرام : جمع كريم ، و
( الكرام الكاتبين ) هم الملائكة الذين كتبوا ما صدر عن الناس في الألواح العالية من صحائف الدهور الأربعة ، وهم من جنود إسرافيل الذي هو أحد حوامل العرش ، فيصورون الأفعال الحسنة علىٰ الصور المناسبة لها ، ويضاعفون لها في التصويرات ، ويصوّرون الأفعال السيئة علىٰ الصور المناسبة
لها ، ويقلّلون في التصويرات ؛ ولهذا سُمّوا ( الكرام الكاتبين ).
ماهية الملائكة
وحقيقتها
ثمّ إنّ الناس
اختلفوا في ماهية الملائكة وحقيقتها ، وذكر صدر المتألهين الشيرازي قدسسره ، في مفاتيح الغيب وجهَ ضبطٍ لأقوالهم
، فلنذكره تبصرة للناظرين في هذا الشرح ، فقال : « اعلم أنّ الناس اختلفوا في ماهية الملائكة وحقيقتها ، وطريق الضبط أن يقال : إنّ الملائكة لابد وأن يكون لها ذوات قائمة بأنفسها في الجملة ، ثم
إنّ تلك الذوات إما أن تكون متحيزة أو لا تكون.
أما الأول ففيه أقوال
:
أحدها : أنها أجسام
لطيفة هوائية ، تقدر علىٰ التشكل بأشكال مختلفة ، مسكنها السماوات. وهو قول الظاهريين.
وثانيها : قول طوائف
من عبدة الأصنام : أنّ الملائكة في الحقيقة هي هذه الكواكب الموصوفة بالإنحاس والإسعاد ، فإنها عندهم أحياء ناطقة ، وأنّ السعدات
منها
ملائكة الرحمة ، والنحسات منها ملائكة العذاب.
وثالثها : قول معظم
المجوس والثنوية ، وهو أنّ هذا العالم مركب من أصلين أولين ، وهما النور والظلمة ، وهما في الحقيقة جوهران شفافان قادران مختاران ، متضادا النفس والصورة ، مختلفا الفعل والتدبير ، فجوهر النور فاضلٌ خيّرٌ نقي ، طيب
الريح ، كريم الأصل والنفس ، يسر ، ولا يضر وينفع ، ولا يمنع ، ويحيي ولا يبلى. وجوهر الظلمة علىٰ ضدّ في جميع هذه الصفات.
ثم إنّ جوهر النور لم
يزل يولد الأولياء ، وهم الملائكة ، لا علىٰ سبيل التناكح ، بل علىٰ سبيل تولد الحكمة من الحكيم ، والضوء من المضيء ، وجوهر الظلمة لم يزل يولد الأعداء ، وهم الشياطين ، علىٰ سبيل تولد السفه من السفيه ، لا
علىٰ سبيل التناكح. فهذه أقوال من جعل الملائكة أشياء متحيزّة.
وأما الثاني ، وهو أن
الملائكة ذوات قائمة بأنفسها ، وليست بمتحيزة ولا بأجسام ، فها هنا قولان :
أحدهما : قول النصارىٰ
، وهو أنّ الملائكة في الحقيقة هي الأنفس الناطقة بذاتها ، المفارقة لأبدانها علىٰ نعت الصفاء والخيرة ، وذلك لأن هذه النفوس المفارقة
إن كانت صافية خالصة فهي الملائكة ، وإن كانت خبيثة كدرة فهي الشياطين.
وثانيهما : قول
الفلاسفة ، وهو أنها جواهر قائمة بأنفسها ليست بمتحيزة ، وأنها بالماهية مخالفة لأنواع النفوس الناطقة البشرية ، وأنها أكمل قوة منها وأكثر علماً
، وأنها للنفوس البشرية جارية مجرىٰ الشمس بالنسبة إلىٰ الأضواء.
ثم إنّ هذه الجواهر
علىٰ قسمين :
منها : ما هي بالنسبة
إلىٰ أجرام الأفلاك والكواكب كالنفوس الناطقة بالنسبة إلىٰ أبداننا.
ومنها : ما هي
أعلىٰ شأناً من تدبير أجرام الأفلاك ، بل هي مستغرقة في معرفة الله ومحبته مستقلة بطاعته. وهذا القسم هم الملائكة المقربون ، ونسبتهم إلىٰ
الملائكة
الذين
يدبّرون السماوات كنسبة أُولئك المدبّرين إلىٰ نفوسنا الناطقة.
فهذان القسمان قد
اتفق الفلاسفة علىٰ إثباتهما ، ومنهم من أثبت نوعاً آخر من الملائكة ، وهي الملائكة الأرضية المدبّرة لأحوال هذا العالم السفلي.
ثم إنّ مدبرات هذا
العالم إن كانت خيّرة فهم الملائكة ، وإن كانت شريرة فهم الشياطين ، فهذا تفصيل المذاهب في الملائكة » انتهىٰ.
وفي بعض الكتب
الكلامية ، قال صاحبه : « إنَّ الجواهر الغائبة عن الحواس الإنسانية إمّا أن تكون مؤثرة في الأجسام ، أو مدبّرة للأجسام ، أو لا تكون مؤثرة ولا مدبّرة لها.
والأول : هو العقول
السماوية عند الحكماء ، والملأ الأعلىٰ في عرف الشرع.
والثاني : ينقسم
إلىٰ : علويّة تدبّر الأجرام الفلكية ، وهي النفوس الفلكية عند الحكماء ، والملائكة السماوية عند أهل الشرع.
وإلىٰ سفلية
تدبّر عالم العناصر ، وهي إمّا أن تكون مدبّرة للبسائط الأربعة : النار ، والهواء ، والماء ، والأرض ، وأنواع الكائنات ، وهم يسمّون : ملائكة الأرض وإليهم أشار صاحب الوحي صلىاللهعليهوآله وقال : ( جاءني ملك البحار وملك الجبال
وملك الأمطار وملك الأرزاق ).
وإمّا أن تكون مدبّرة
للأشخاص الجزئية ، وتسمّىٰ نفوساً أرضية ، كالنفوس الناطقة.
والثالث : وهي
الجواهر الغائبة التي لا تكون مؤثرة ولا مدبّرة للأجسام ، تنقسم إلىٰ : خيّرة بالذات ، وهم الملائكة الكروبيون عند أهل الشرع ، وإلىٰ
شريرة بالذات ، وهم الشياطين ، وإلىٰ مستعد للخير والشرّ ، وهم الجنّ »
انتهىٰ.
وقال صدر المتألهين السبزواري قدسسره : « اعلم أنّ المبادئ الفاعلة إما لا
علاقة لها مع
_____________________________
الأجسام
، ولو علاقة التدبير ، فهي الأنوار القاهرة ، فإمّا مترتّبة وهي الطبقة الطولية من
القواهر الأعلين ، وإمّا متكافئة وهي الطبقة المرضية من القواهر الأدنين ، وكلّهم مهيمون في مشاهدة جماله ، عبّر عنهم القرآن الكريم بـ ( وَالصَّافَّاتِ صَفًّا )
و ( فَالسَّابِقَاتِ
سَبْقًا ) .
وإمّا لها علاقة مع
الأجسام ، فكلّ منها إمّا مبدأ أفعالٍ مختلفة ، وإمّا مبدأ فعلٍ واحد.
وعلىٰ كلّ واحد
من التقديرين ؛ إما مع الشعور ، وإما عديم الشعور. فمبادئ الأفعال المختلفة بلا شعور هي النفوس النباتية ، ومع الشعور الجزئي أو الكلّي هي النفوس الناطقة والنفوس الحيوانية الحساسة المتحرّكة.
ومبادئ الفعل الواحد
الذي علىٰ وتيرة واحدة مع الشعور هي النفوس السماوية ، ومبادئ الفعل الواحد بلا شعور إن لم يقوّم المحلّ هي المبادئ العرضية ، وإن قوّمت
؛ فإمّا في البسيط فهي الطبائع ، وإما في المركّب فهي الصور النوعية.
فجميع تلك المبادئ
ملائكة سماوية وملائكة أرضية ، ولكن باعتبار جهاتها النورية ، وباعتبار أنّها متدلّيات بالحقّ » انتهىٰ.
وقال بعض العرفاء موافقاً
بعض الأخبار : « إنّ لكلّ فرد من أفراد الإنسان ملكين موكلين به ، وهما مَلَك العمّالة ومَلَك العلّامة ، أحدهما حافظ الأعمال الصادرة
عنه ، والآخر حافظ الصور العلمية التي يكتسبها ».
( الَّذِينَ
وَكَّلْتَهُمْ بِحِفْظِ ما يَكُونُ مِنّي )
أي يوجد ويحصل منّي
من الأفعال والأعمال.
_____________________________
( وَجَعَلْتَهُمْ
شُهُوداً عَلَيَّ )
جمع « شاهد » : وهو
الحاضر المطّلع علىٰ الأمر ، أو العالم به.
( مَعَ جَوارِحِي )
جمع « جارحة » ، وهي
العضو كما مرّ ، قال تعالىٰ : ( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )
. وذلك لأنّ جميع الأعضاء والقوىٰ والمشاعر التي أنعم الله تعالىٰ بها علىٰ النفوس الإنسانية وجعل خوادمها
ملائكةُ الله وأيديه الفعّالة ، ولها جهات ووجوه إلىٰ الله وجهات إلىٰ النفوس ، فجهاتها
النورية شواهد ورقباء عند الله علىٰ جهاتها الظلمانية ووجوهها النفسانية.
( وَكُنْتَ أنْتَ
الرَقيبَ عَلَيَّ مِنْ وَرائِهِم )
كقوله تعالىٰ :
( وَاللَّـهُ
مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ) .
يريد أنهم حجب جماله
وجلاله تعالىٰ ، وليس الوراء بمعنیٰ
الخلف هنا ، إذ ( من حدّه تعالىٰ فقد عدّه ) .
( وَالشاهِدَ لِما
خَفِيَ عَنْهُمْ )
كالخواطر السيئة
والنيّات الفاسدة الكاسدة التي لا يدركها الموكّلون ، ويعلمها الله.
( وَبِرَحْمَتِكَ
أخْفَيْتَهُ )
من الملائكة.
_____________________________
( وَبِفَضْلِكَ
سَتَرْتَهُ )
علىٰ الخلائق.
( وَأنْ تُوَفِّرَ
حَظِّي )
معطوفة علىٰ
قوله : ( أن تهب لي ).
التوفير : التكثير ، من
الوفور.
الحظّ : النصيب
والقسمة.
( مِنْ كُلِّ خَيرٍ
تُنْزِلُهُ )
من السماء إلىٰ
الأرض.
( أوْ إحْسانٍ
تُفْضِلُهُ )
تعطيه إلىٰ
عبادك.
( أوْ برٍّ
تَنْشِرُهُ )
علىٰ الخلق.
البر : الإحسان.
النشر : البثّ
والاتساع في الشيء.
( أوْ رِزْقٍ
تَبْسِطُهُ )
والرزق أعمّ من رزق
البدن وقواه وآلاته وأدواته ، ومن رزق النفس والقلب والروح ، والسرّ والخفي والأخفىٰ ، فجميعها مرزوقة من الله ، بلا وهن وفترة
وتجوّز ،
بل
لكلٍّ رزق مخصوص معيّن ، كما مرّ في أوائل الشرح.
بسط الرزق : انتشاره
واتساعه.
( أوْ ذَنْبٍ
تَغْفِرُهُ )
أي توفّر حظي في
المغفرة أيضاً ، بأن تغفر ذنوبي علىٰ أسرع الحال ، من دون أن يعثر عليه أحد ، وتوفّقني لترك الذنب بعد الغفران.
( أوْ خَطأٍ
تَسْتِرُهُ )
الخطأ : ضدّ الصواب ،
وهو أعمّ من الخطأ في العلم أو في العمل.
( يا رَبِّ يا رَبِّ
يا رَبِّ )
منادىٰ بحذف
ياء المتكلم وإبقاء الكسر ، دليلاً علىٰ حذفها.
( يا إلٰهي
وسَيِّدي وَمَوْلايَ ومَالِكَ رِقِّي )
الرِقّ : العبدية ـ بكسر
الراء ـ خلاف الحرية.
( يا مَن بيده ناصيتي
)
الناصية : شعر مقدّم
الرأس فوق الجبهة ، والمراد بها هنا وكذا في قوله تعالىٰ : ( مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا )
: المهجة ، أي مهجتي بيد قدرته.
_____________________________
( يَا عَلِيماً
بِضُرِّي وَمَسْكَنَتِي )
قد مرّ معنىٰ
الضرّ والمسكنة.
( يا خَبِيراً
بِفَقْرِي وَفَاقَتِي )
نصب المنادىٰ
فيهما علىٰ أنّه نكرة في اللفظ لا في المعنىٰ.
و « الخبير » من
أسمائه تعالىٰ ، وهو بمعنىٰ العالم بما كان وما يكون ، لا يعزب عنه شيء ولا يفوته أحد ؛ إذ قد مرّ أن علمه تعالىٰ فعلي حضوري ، وهو وجودات الأشياء وحضورها عنده تعالىٰ ، فكيف يعزب عن علمه شيء أو يفوته أحد ؟!
( يا ربِّ يا ربِّ
أَسْألُكَ بِحَقِّكَ )
علىٰ ذاتك
وعلىٰ عبادك.
( وَقُدْسِكَ )
وبحقّ قدسك وتنزّهك.
( وَأعْظَمِ صِفاتِكَ
وَأسْمائِكَ )
وبحقّ أعظم صفاتك ، وهو
صفة الرحمانية والرازقية التي كانت مسبوقة بالعلم والحياة والقدرة والإرادة.
بيان أعظم الصفات
وقيل : أعظم صفاته
القيّومية ؛ لأن جميع صفاته الإضافية ترجع إليها ، كالعالم والقادر والخالق والرازق وغيرها.
وقيل : أعظم صفاته هو
صفة وجوب الوجود ، إذ جميع الصفات الحقيقية ترجع
إليها
، وهو ـ أي وجوب الوجود ـ تأكّد الوجود وشدّة النورية ، والصفات الحقيقية هي الصفات المحضة كالوجوب والحياة ومبادئ الصفات الإضافية ، كالعلم فإنه مبدأ صفة العالمية ، والقدرة فإنها مبدأ صفة القادرية ، والإرادة فإنها مبدأ صفة
المريدية ، جميعها عين ذاته تعالىٰ وليست زائدة علىٰ ذاته كما زعمته الأشاعرة
، وإلّا يلزم تعدد القدماء ، ولا الذات نائبة منابها كما زعمته المعتزلة
؛ لأن حقيقة الصفات فيه تعالىٰ ولا يصح سلبها عنه ؛ إذ كما مرّ في القدرة للصفات مراتب ، ومرتبة
منها ذات مستقلة واجبة.
والبرهان علىٰ
عينية الصفة الحقيقية ومبادئ الصفات الإضافية كما قال الحكماء العظام : أنه لو لم تكن عين الذات يلزم أن تكون ذاته
تعالىٰ من جهة واحدة فاعلة وقابلة ، وهو محال ، ولم يكن بذاته مستحقاً لحمل « عالم » و « قادر » و « خالق » وغيرها ، بل يكون عالماً بالعلم وقادراً بالقدرة ، وهكذا.
وبيان الملازمة : أنه
علىٰ تقدير الزيادة كان ذاته في مرتبة ذاته عارية عن الكمال ، فكان له إمكانه ، والإمكان إذا كان موضوعه أمراً تعمّلياً كالماهية من حيث هي كان ذاتياً ، وأما إذا كان أمراً واقعياً كالمادة كان استعدادياً ، والموضوع هنا عين
الوجود الصرف.
فالخلوّ عن الكمال
ليس بمجرّد كما في الماهية ، بل أمر واقعي ، فالإمكان استعدادي ، وحامل الاستعداد والقوة مادة ، والمادة تلازم الصورة ، والمركب من المادة والصورة جسم ، تعالىٰ عن الجسمية علوّاً كبيراً. والأحاديث في هذا
الباب ـ أي عدم الزيادة ـ كثيرة.
( أنْ تَجْعَلَ
أوْقاتِي فِي اللَّيلِ وَالنَّهارِ بِذِكْرِكَ مَعْمُورَةً )
_____________________________
قال تعالىٰ في
القدسي لموسىٰ عليهالسلام : ( يا موسىٰ اذكرني ، فإنّ ذكري
حسن علىٰ كلّ حال ) أي علىٰ كل الأحوال والأوضاع ، قائماً كان أو قاعداً ، راكعاً كان
الذاكر أو ساجداً ، مستلقياً كان أو منبطحاً أو مضطجعاً ، وسواء كان الذاكر علىٰ
الطهارة أو علىٰ القذارة ، في المسجد كان أو في الحمام ، والسوق أو في الخلاء والملاء ،
ففي كل حال ذكره مستحسن ، ولذا قال تعالىٰ : ( وَالذَّاكِرِينَ اللَّـهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ )
.
وقد ذكر في مواضع من
القرآن ذكره تعالىٰ مقروناً بلفظ الكثرة ، وأمر عباده بكثرة التذكر ، إشعاراً بأنّ كثرة تذكّره يطرد الشيطان عن نفس الإنسان ، ويقرّبه
إلىٰ الرحمن كما قال المولوي رحمهالله في المثنوي :
ذكر حق پاکست چون
پاکی رسيد
|
|
رخت بريندد برون آيد
پليد
|
المعمورة : خلاف
الخروبة.
( وَبِخِدْمَتِكَ
مَوْصُولَةً )
أي تجعل أوقاتي في
الليل والنهار بخدمتك موصولة ومتصلة ، كقول الشاعر :
ورث الوزارة كابراً
عن كابر
|
|
موصولة الأسناد
بالأسنادِ
|
أي متصلة الأسناد ، بحيث
لم يفصل بين أكابر غير الوزير أحد.
( وَأعْمالِي
عِنْدَكَ مَقْبوُلَةً )
يريد أن توفقني لأن
أعمل عملاً تقبله في الغابر ، فخير الأعمال وأحسنها وأشرفها طاعة الله تعالىٰ ، فإنها جُنّة ووقاية من امتساس النيران ، كما ورد
: ( إن طاعة الله حرز من أوار نيران موقدة ) وفي الحديث أيضاً : ( ما من صلاة يحضر وقتها إلّا
ونادىٰ ملك بين يدي الناس : قوموا إلیٰ نيرانكم التي أوقدتموها وراء ظهوركم
فأطفئوها بصلاتكم ).
_____________________________
( حَتّىٰ
تَكُونَ أعْمِالي وَأوْرادِي كُلُّها وِرْداً واحِداً )
الوِرد ـ بالكسر ـ الخير
، والجمع : أوراد.
( وَحَالِي فِي
خِدْمَتِكَ سَرْمَداً )
السرمد ـ كفرقد ـ : الدائم
المستمر الذي لا ينقطع.
( يَا سَيِّدِي يا
مَنْ عَلَيْهِ مُعَوَّلِي )
أي معتمدي ، مصدر
ميمي من التعويل ، كما قال الشاعر :
فيا رب هل إلّا بك
النصر يرتجىٰ
|
|
عليهم وهل إلّا
عليك المعوّل
|
أي الاعتماد.
( يا مَنْ إليهِ )
لا إلىٰ غيره.
( شَكَوْتُ أحْوالِي )
قد مرّ الكلام في
الشكوىٰ.
( يا رَبِّ يا رَبِّ
يا رَبِّ ، قوِّ )
أمرٌ من التقوية.
( عَلَىٰ
خِدْمَتِكَ جَوارِحِي ، وَاشْدُدْ )
أمرٌ من : شدّه يشدّه
، إذا قوّاه.
( عَلىٰ
العَزِيمَةِ جَوانِحِي )
العزيمة : القصد
علىٰ الفعل أو ما قبله.
واعلم أنّ الإنسان
إذا أراد أن يفعل أمراً يتصوّره أولاً ، ثم يصدّق بفائدته تصديقاً ظنياً أو تخيّلياً أو يقينياً ، أنّ فيه منفعة أو محمدة أو صلاحاً ، وبالجملة : خيراً
ما من الخيرات بالقياس إلىٰ جوهر ذاته ، فينعبث من القوة الشوقية لذلك شوق
إلىٰ ذلك الأمر ، ويصير الشوق بعد الجزم عزماً وعزيمة ، وإذا حصل العزم يصير قصداً ، فالقصد كان الجزء الأخير الذي لا يتخلف عنه التحرك والفعل ، فالعزيمة ما قبل القصد.
ولعل السائل لم يفرق
بينهما وأراد منها القصد.
والجوانح : جمع
الجانحة ، وهي الضلع مما يلي الصدر.
( وَهَبْ لِيَ
الجِدَّ فِي خَشْيَتِكَ )
أي أعطني الجِدّ ، وهو
بالكسر : الاجتهاد في الأمر ، خلاف التقصير.
الخشية والخوف بمعنىً
واحد.
يريد السائل : أعطني
توفيق تحصيل العلوم والمعارف ، وقضاء الطاعات حقها ، حتىٰ يحصل لي حق خشيتك ، إذ بالعلم والعمل يحصل الخشية من الله تعالىٰ
كما قال : ( إِنَّمَا
يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )
.
وفي الحديث : ( أعلمكم
بالله أخشاكم من الله ).
وفي دعاء الصباح : ( من
ذا يعرف قدرتك فلا يخافك ، ومن ذا يعلم ما أنت فلا يهابك ).
( وَالدَّوامُ في
الاتّصالِ بِخِدْمَتِكَ )
أي هب لي المداومة في
خدمتك ، يعني : وفقني لأن أصرف جميع عمري في
_____________________________
العبادة.
والباء بمعنىٰ : في.
( حَتّىٰ
أسْرَحَ إلَيْكَ في مَيادِينِ السّابِقِينَ )
أسرح : أي أسير وأمشي
إلىٰ طلبك وطلب القربة عندك ، بالتخلق بأخلاقك ، والاتصاف بصفاتك ، إذ ليس القرب منه تعالىٰ بالقرب الذاتي والزماني والمكاني
؛ ولا القرب الرتبي ؛ لأن جميع تلك القربات ما يتحقق بين شيئين أصليين ، لا بين شيئين أحدهما هو الشيء بحقيقة الشيئية ووجوبها وتأكدها ، والآخر هو الشيء بمجاز الشيئية وضعفها وإمكانها ، كما في الحق تعالىٰ ومخلوقه ، فإن اثنينيتهما
كاثنينية العكس مع العاكس ، والنور مع الظل والفيء.
ومعلوم أن العكس
والظل والفيء ليست أشياء علىٰ حيالها ، بل وجودها بوجود العاكس والنور.
ميادين : جمع « ميدان
» ، وهو مكان التحرك والجولان ، ماد الشيء يميد ميداً ـ من باب باع ـ وميداناً ، إذا تحرك.
ومنه قول الشاعر :
دنياك ميدان وأنت
بظهرها
|
|
كرة وأسباب القضاء
صوالج
|
سبق الكرام
إلىٰ مواطن عزّهم
|
|
وبقى لئام نُكّس
وفوالج
|
ما بالنا كنّا
سقاماً في الهوىٰ
|
|
ونجيبنا سفن النجاة
عوالج
|
أراد أهل البيت عليهمالسلام ؛ لأنهم سفن النجاة وسفّان السفينة ، كما قال صلىاللهعليهوآله : ( مثل أهل بيتي كسفينة نوح ، من تمسك بهم نجا ، ومن تخلّف عنهم غرق ).
والمراد بالسابقين : هم
الأنبياء والأوصياء الذين ساروا إلىٰ الله تعالىٰ من الدنيا كالبرق الخاطف ، كما ورد : أنّ من النفوس يمرّون علىٰ الصراط كالبرق الخاطف.
وقال صلىاللهعليهوآله : ( سيروا فقد سبق المفرّدون ) وقال : ( جزناها وهي خامدة ).
( وَاُسْرِعَ إلَيْكَ
فِي المُبادِرِينَ )
السرعة : نقيض البطء
، يقال : عجبت من سرعة فلان ، أي من عجلته ، وفلان أسرعَ في السير : أي خفَّ.
المبادرة : المسابقة
، كقوله تعالىٰ : ( وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا )
.
والمبادرين : المسابقين
في العلم والعمل ، وهم الذين سبقت من الله فيهم الحسنىٰ ، قال الله تعالىٰ : ( وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ) .
( وَأشْتاقَ
إلىٰ قُرْبِكَ فِي المُشْتاقِينَ )
أي حتىٰ أشتاق.
الاشتياق : منازعة
النفس إلىٰ الشيء.
والفرق بين الشوق
والعشق : أن الشوق وجدان وفقدان ، بخلاف العشق ، فإنه تأكد ميل النفس إلىٰ الشيء المحبوب.
وعن الغزالي : معنىٰ
كون الشيء محبوباً هو ميل النفس إليه ، فإن قوي الميل سُمّي عشقاً.
وقال جالينوس : العشق
من فعل النفس ، وهي كامنة في الدماغ والقلب والكبد ، فالسائل المشتاق إلىٰ الله تعالىٰ حصل له من القرب شيء ، ويطلب أشياء
اُخر لم تحصل له بعد.
( وَأدْنُو مِنْكَ
دُنُوَّ المُخْلِصِينَ )
أي أقرب منك نوع قرب
المخلصين.
المخلص ـ بكسر اللام ـ
: من أخلص لله في العلم والعمل والمحبة والعشق ،
_____________________________
وبالفتح
: هو من أفنىٰ نفسه في محبة الله وعشقه. ولعل الثاني مراد السائل ، لأنه لم يحصل له بُعدٌ يطلبه من الله تعالىٰ أن يرزقه.
( وَأخَافَكَ مَخافَةُ
المُوقِنِينَ )
الموقن : من أيقن
بالله ، سواء كان بالعلم والبرهان ، أو بالشهود أو العيان ، وبالتحقق بحقيقة الإيمان.
والإيقان : المصدر
للنوع ، أي نوع مخافة الموقنين.
( وَأجْتَمِعَ فِي
جِوارِكَ مَعَ المُؤْمِنِينَ )
الجوار ـ بالكسر ـ : مصدر
جاورت فلاناً ، إذا لاصقته في المسكن.
وهنا المراد : جوار
عباده تعالىٰ وأوليائه ؛ إذ مجاورتهم مجاورة الله تعالىٰ ، كما في حديث العامة : من أراد أن يجلس مع الله فليجلس مع أهل التصوف.
قال المولوي في
الحديث القدسي الذي قال تعالىٰ : ( يا موسىٰ إنّي مرضت ولم تعدني ) :
آمد از حق سوس موسى
اين عتب
|
|
كی طلوع ماه ديده تو ز حبيب
|
شرقت كردم ز نور
ايزدي
|
|
من حقم ونجور كشتم
نامدى
|
كفت سبحانا تو پاکی
از زيان
|
|
اين چه وفر است اين
بکن يا رب بيان
|
باز فرمودش که در
رنجوريم
|
|
چون نپرسيدی
تو از روی کرم
|
کفت يا رب نيست
نقصانی تو را
|
|
عقل کم شد اين سخن
را برگشا
|
کفت اری بندهٔ
خاص کزين
|
|
کشت ونجورا ومنم نيکو
[...]
|
هست معذورش معذورى
من
|
|
هست رنجوريش رنجورى
من
|
هر كه خواهد همنشينى
با خدا
|
|
تا نشينيد در حضور
أوليا
|
از حضور اوليا كر
يكسلى
|
|
تو هلاكى ز آنكه جز
وی بی کلی
|
هر کس اد يو از کريمان
وا برد
|
|
بی سرش يابد
سرش را وا برد
|
( اللهمَّ وَمَنْ أرادَنِي بِسُوءٍ فَأرِدْهُ )
الإرادة هنا : القصد
علىٰ الفعل ، لا بمعنىٰ المشيئة والمحبة ، أي مَن قصد إليّ بالسوء والخيانة فأرده واقصده به.
( وَمَنْ كادنَي )
بالسوء والأذىٰ.
( فَكِدْهُ )
كلاهما فعل المقاربة
، أي مَن قرب منّي بسوء فاقرب منه بالجزاء والمكافاة ، لأني قد فوضت أمري إليك ، وأنت بصير بعبادك ، عليم بأقوالهم وأفعالهم ، خبير بنياتهم وأحوالهم.
( وَاجْعَلْنِي مِنْ
أحَسْنِ عِبادِكَ نَصِيباً عِنْدَكَ )
أحسن عباده
تعالىٰ وأكرمهم : هو المتقي بتقوىٰ الأخص ، كما قال تعالىٰ : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ) .
وإنما قلنا : تقوىٰ
الأخص ، إذ مراتب التقىٰ كمراتب التوبة ، ثلاثة : تقوىٰ العام ، وتقوىٰ الخاص ، وتقوىٰ الأخص.
الأول : هو الاجتناب
عن المحرمات ، وهو تقوىٰ العوام.
_____________________________
والثاني : هو
الاجتناب عن الحلال ، إلّا بقدر الذريعة والبلغة إلىٰ الآخرة ، وهو تقوىٰ الخواص.
والثالث : هو
الاجتناب عمّا سوىٰ الله ، وهو تقوىٰ الأخصين الذين قسطهم وقسمتهم من الله تعالىٰ هو حق اليقين.
( وَأقْرَبِهِمْ
مَنْزِلَةً مِنْكَ )
أي أقربهم درجة عندك.
والمنزلة : هي مقام
النزول.
( وَأخَصِّهِمْ
زُلْفَةً لَدَيْكَ )
الزلفة
والزلفىٰ : القربىٰ والمنزلة عنده تعالىٰ.
( فإنَّهُ )
أي أحسن عبادك
وأقربهم وأخصهم.
( لا يُنالُ
ذٰلِكَ )
النصيب والمنزلة
والزلفة.
النيل : الوصول
إلىٰ الشيء.
( إلّا بِفَضْلِكَ )
وموهبتك.
ما بدان مقصد عالى
نتوانيم رسيد
|
|
هم مگر لطف شما پيش
نهد گامی چند
|
( وَجُدْ لِيْ
بِجُودِكَ وَاعْطِفْ عَلَيَّ بِمَجْدِكَ )
المجد : هو الشرف
الواسع المنيع عند العرب ، ومنه قوله تعالىٰ : ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ) .
العطوفة : الشفقة.
( واحْفَظَنِي
بِرَحْمَتِكَ ، وَاجْعَلْ لِسانِي بِذِكْرِكَ لَهِجاً )
أي ناطقاً ، مولعاً
في التنطق بذكرك.
( وَقَلْبي بِحُبِّكَ
مُتَيَّماً )
أي عاشقاً متذلّلاً.
( وَمُنَّ عَلَيَّ بِحُسْنٍ
إجابَتِكَ )
أمرٌ من المنّة ، أي
أنعم عليّ.
وحسن الإجابة : سرعة
قضاء الحاجات ، واستيفاء جميع المسألات ، وإعطاء الجميع إلىٰ السائل.
( وَأقِلْني
عَثْرَتِي )
أي أزل عنّي ذنوبي
واعفها منّي ، من الإقالة.
( وَاغْفِرْ لِي
زَلَّتي )
أي خطيئتي ، من : زلّ
قدمه وزلّت ، إذا زلقت.
المراد هنا : الذنب.
( فَإنّكَ قَضَيْتَ
عَلَىٰ عِبادِكَ بِعِبادَتِكَ )
الفاء للسببية.
ومراد السائل : أنّ
ما صار سبباً لدعواتي ومسألاتي واستدعيت قضاءها عن الله
_____________________________
تعالىٰ
، وهو حكمه علىٰ عباده بعبادته وطاعته ، كما قال في كتابه المجيد : ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ )
وقال : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ )
وقال : ( وَأَنِ اعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ )
( وَأمَرْتهُمْ
بِدُعائِكَ )
كما قال : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ
) .
( وَضَمِنْتَ لَهُمُ
الإجابةَ )
كما قال المولوي قدسسره :
گفت حق گر فاسقی
واهل صنم
|
|
چون مرا خوانی
اجابتها کنم
|
الضمانة : الكفالة.
( فَإلَيْكَ يَا
رَبِّ نَصَبْتُ وَجْهِي )
تقديم الظرف لقصد
الحصر ، أي إليك لا إلىٰ غيرك.
والنصب : الاستقامة ،
وهنا المراد ، ارتفاع اليدين ، ومحاذاة الوجه إلىٰ السماء حين الدعاء ، كما قال تعالىٰ لنبيه صلىاللهعليهوآله : ( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ )
أي إذا فرغت عن الصلاة فانصب إلىٰ ربكّ في الدعاء.
( وَإلَيْكَ مَدَدْتُ
يَدِي )
مددت : أي بسطت ورفعت
، قدّم الظرف أيضاً للحصر.
_____________________________
( فَبِعِزَّتِكَ
اسْتَجِبْ لِي دُعائِي )
الباء للقسم.
( وَبَلِغِنْي مُنايَ
)
أي أوصلني إلىٰ
مناي ، بالحذف والإيصال ، كقوله تعالىٰ : ( وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَه ُ) أي من قومه سبعين.
( وَلا تَقْطَعْ مِنْ
فَضْلِكَ رَجائي ، وَاكْفِنِي شَرَّ الجِنِّ والإنسِ مِنْ أعْدائِي )
اكفني : أي اغنني عن
شرّهم ، وادفع شرهم إليهم.
الشر عدمي هو ـ كما
مرّ ـ عدم ذات ، أو عدم كمال لذات ، وهو مجعول في القضاء الإلٰهي بالعرض.
( يَا سَريعَ الرِّضا
)
الرضا : ضد السخط
والكراهة ، وهو تعالىٰ سريع الرضا ، لأنه يرضىٰ من عباده باليسير ، ويعفو عنهم الكثير ، ويعطيهم الجزيل والخطير.
( اغْفِرْ لِمَنْ لا
يَمْلِكُ إلّا الدُّعاءَ )
أي لا يملك شيئاً من
الوجود وكمالات الوجود إلّا الدعاء ، ولكن إن أمعن النظر في الحقيقة ليس العبد مالكاً للدعاء أيضاً ، كما قال المولوي :
أي دعا از تو اجابت هم ز تو
|
|
ايمنى از تو مهايت هم ز تو
|
چون خدا خواهد که غفاری کند
|
|
ميل بنده جانب زاری کند
|
_____________________________
( فَإنَّكَ فَعّالٌ
لِما تَشاءُ )
أي أنت تفعل ما تشاء
وما تريد ، بمحض الإرادة والمشيئة ، لا حالة منتظرة لجنابه تعالىٰ ، كما قال : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن
فَيَكُونُ ) .
( يَا مَن اسْمُهُ
دَواءٌ )
لكل داء وبلاء.
( وَذِكْرُهُ شِفاءٌ )
لكل ألم وسقم ومرض
مزمن ، قد أعيت الأطباء وآيسوا عن معالجته.
( وَطاعَتُهُ غَناءٌ )
عن الخلق.
والغَناء ـ بالفتح
والمد ـ : الكفاية.
وفي الحديث : ( من
يستغن بالله وعطائه يغنه الله ) أي يخلق في قلبه غنىٰ.
( ارْحَمْ مَنْ رَأسُ
مِالِهِ الرَّجاءُ وسِلاحُهُ البُكاءُ )
السلاح ـ بالكسر ـ : هو
ما يقاتل به في الحرب ويدافع ، والجمع : أسلحة.
( يَا سابِغَ
النِّعَمِ )
أي كاملها وتامها
وواسعها.
_____________________________
( يَا دافِعَ
النِّقَمِ )
ومزيلها.
( يَا نُورَ
المُسْتَوْحِشِينَ فِي الظّلَمِ )
الظُّلَم : جمع
الظلمة ، وهي الغسق.
المستوحش : القاعد في
الخلوات ، من الوحشة وهي الخلوة ، وإن عُمّم لفظ « المستوحش » فيشتمل الأجنة التي في غواسق الأرحام ، والواقفين في ظلمات الأوهام ، والسائرين في الأسفار وفي الليالي المظلمة والطرق المدلهمة ، وهو
تعالىٰ نور جميعهم.
( يَا عالِماً لا
يُعَلَّمُ )
من التعليم ، أي غير
معلّم من أحدٍ.
( صَلِّ عَلَىٰ
مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَافْعَلْ بِي مَا أنْتَ أهْلُهُ )
وأنت أهل
التقوىٰ والمغفرة.
وشكراً للرب
وللوالدين
انتهينا من العمل في
هذا الكتاب نهاية ربيع الأول ١٤٢٤ هـ.
مصطفىٰ الشيخ عبد الحميد الشيخ
منصور آل مرهون
الفهرس
رواية كميل بن زياد ....................... ٧
دعاء كميل ............. ٩
المدخل ................ ١٥
بيان مراتب الوجود ........................ ٢٢
أقسام الرحمة .................. ٢٢
بيان أرزاق الموجودات .................... ٢٤
بيان القوىٰ العشر الظاهرة والباطنة ........... ٢٥
بيان انشعاب العقل إلىٰ أربع قوى .............. ٢٥
وجه تسمية عالم العقول بالجبروت ............. ٢٧
وجه تسمية عالم الأسماء والصفات باللاهوت ..................... ٢٧
وجه تسمية عالم المثال بالملكوت .............. ٢٨
وجه تسمية عالم الأجسام بالناسوت .......... ٢٨
أفعال الله الحسية وفيه ذكر بيان معاني العرش ......................... ٣١
بيان مقدار عظم الكواكب الثابتة والسّيارة ........................ ٣٢
بيان أفعال الله المعنوية ................ ٣٢
أسماء الصّفات ........................ ٣٨
بيان أقسام ثلاثة لأسماء الله تعالىٰ ......... ٣٨
بيان أقسام أربعة لأسمائه تعالىٰ ........... ٣٩
الأول : اسم الذات فقط ................ ٣٩
الثاني : أسماء الذات مع إضافة ............. ٣٩
الثالث أسماء الذات باعتبار سلب الغير عنه ........ ٤٠
الرابع أسماء الذات مع الإضافة والسّلب.................... ٤٠
|
|
تحقيق معنىٰ الاسم .............. ٤٠
نقل كلام المحقّق السبزواري ............... ٤١
نقل كلام المحقّق السبزواري في
شرح الحديث المذكور : ................ ٤٣
تحقيق معنىٰ العلم ، وأنَّ أي قسم منه لائق به تعالىٰ ....................... ٤٩
الفرق بين النور والضياء ............. ٥٢
بيان قسمي النور الحسّي والمعنوي ............. ٥٤
بيان فروق كثيرة بين النورين الحسّي والمعنويّ .......................... ٥٤
بيان ثلاثة أقسام للحياة ............. ٥٥
أولها : الحياة العامة .................... ٥٥
ثانيها الحياة الخاصّة .................. ٥٥
ثالثها : الحياة الأخصّ ................ ٥٥
بيان أقسام الموت الاختياري : ............ ٥٦
نقل كلام شيخ الاشراقيّين ................ ٥٧
نقل كلام المحقّق السبزواي ............ ٦٣
الذنوب والكبائر .................... ٦٣
نقل الأقوال في تعيين الكبيرة ............ ٦٣
بيان العصمة ...................... ٦٥
بيان ما يترتب علىٰ الذنوب ............ ٦٨
الذنوب المغيرة للنعم ................ ٦٩
بيان الذنوب المغيّرة للنعم .............. ٧٠
بيان الذنوب الحابسة لغيث السماء ........... ٧١
بيان الذنوب المنزلة للبلاء : .............. ٧٤
الذنوب القاطعة للرجاء ............... ٧٥
الفرق بين الذنب والخطيئة ............... ٧٥
|
بيان المراد من الذكر ................... ٧٦
البحث في الشفاعة ................... ٧٩
نقل كلام المحقّق السبزواري ............ ٧٩
بيان أقسام الخواطر ................... ٨٤
مراتب الإيمان والمعرفة ................. ٩٣
نقل كلام المحقّق الطوسي في
مراتب المعرفة ................................. ٩٣
بيان ما قيل في معنىٰ
المكر والتردّد من الله تعالىٰ ................................. ٩٥
بيان معنىٰ الأمر التكويني
والأمر التشريعي ............................. ٩٥
بيان ما قيل في معنىٰ
قدرته ............ ٩٦
نقل كلام أفلاطون الإلهي ............. ٩٨
بيان الجهل البسيط والمركّب ......... ١٠٤
تعريف النفس وبيان مراتبها
الخمسة ..................... ١١٢
النفس الأمّارة ....................... ١١٢
النفس اللوّامة ....................... ١١٢
النفس المسوّلة ....................... ١١٢
النفس الملهمة ....................... ١١٣
النفس المطمئنّة ...................... ١١٣
بيان أقسام أربعة للنّفس ............. ١١٤
النّفس النباتيّة ....................... ١١٥
النّفس الحيوانيّة ...................... ١١٥
النّفس النّاطقة ....................... ١١٥
النّفس الإلهيّة ........................ ١١٥
بيان حركات النطفة في الرحم ودورانها ............................. ١١٥
|
|
الدور المعدني ........................ ١١٧
الدور النباتي ......................... ١١٧
الدور الحيواني ....................... ١١٧
الدورة الإنسانية ..................... ١١٨
معنىٰ خيانة النفس .................. ١٢٠
نقل كلام الغزالي .................... ١٢٠
بيان معنىٰ الحكم .................... ١٢٦
التحسين والتقبيح العقليان والشرعيان ........................... ١٢٧
بيان معاني القضاء .................. ١٣٠
النسبة بين الأحدية والواحدية ........................... ١٤٠
برهان أحديته وواحديته
تعالیٰ ........................... ١٤١
في الاستدلال علىٰ توحيده
تعالىٰ : ...................... ١٤٢
مراتب التوحيد : .................... ١٤٩
أنواع العبادة وحقيقتها ............... ١٥٠
نقل كلام ابن هشام في بيان لفظ كذا ................................ ١٥٢
معنىٰ الظن .......................... ١٥٣
بيان حشر أصناف الخلق ............ ١٥٥
سبب البكاء : ...................... ١٦٠
معنىٰ الشر والألم .................... ١٦١
معني الولي والإيمان ومراتبه ........... ١٦٦
أقسام الكفر : ...................... ١٧٥
معنى القدرة : ....................... ١٧٧
بيان حكمة الموت : ................ ١٧٨
ماهية الملائكة وحقيقتها ............. ١٨٣
بيان أعظم الصفات ................. ١٩٠
|
|