|
أضواء على أدعية
النبي الأعظم في أيام شهر رمضان المبارك
|
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى ١٤٢٦ هـ ـ ٢٠٠٥ م
منشورات مركز أهل
البيت عليهم السلام الثقافي الإسلامي فيينا ـ النمسا التنضيد والإخراج الفني : دار المودة
أضواء على أدعية
النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم في أيام شهر رمضان المبارك
عامر الحلو
بسم الله الرحمن
الرحيم
طبع على نفقة
الدكتور المحسن الفاضل : ( طاهر مسلم عبد الحسين ) رحم الله من يقرأ الفاتحة لروح والده
تَمهيد
:
يسر مركز أهل البيت عليهمالسلام الثقافي الإسلامي
في ـ فيينا ، بالنمسا ـ أن يقدم للقراء الكرام هذا الجهد الإيماني والروحي بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك .
وذلك ليطلعوا على ثروة عقائدية ، وأخلاقية ، وتربوية . حفلت بها أدعية موجزة مأثورة عن النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد رواها عنه الصحابي الجليل :
( عبد الله بن
عباس رضياللهعنه )
ونحن نحاول قدر الإمكان أن نشرحها شرحاً مختصراً موجزاً ، لكي تكون في متناول أيدي القراء لينعموا بعطائها الثر ، وزادها المفيد ، فخير كلام بعد كلام الله تعالى كلام نبيه الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكيف إذا كان
الكلام بصيغة الدعاء ، الذي يستوجب الخشوع والتذلل لله سبحانه في شهر رمضان المبارك ، شهر الطاعة والمغفرة ، والعبادة ، والابتهال .
ونسأل الله التوفيق والسداد وللأخوة القراء الأعزاء الفائدة والمنفعة لدينهم ودنياهم ، والله من وراء القصد .
ولابد من الإشارة إلى التشجيع الذي لقيناه من العلامة الجليل السيد : ( محمد
سعيد الخلخالي ) ، لإنجاز هذا العمل المتواضع فجزاه الله خيرا ورحم الله أباه الشهيد السيد :
( محمد رضا
الخلخالي )
وثواب هذا العمل لروحه فذكروه بالفاتحة .
صاحب
الأدعية :
هو النبي الأعظم محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أشرف خلق الله وخاتم الأنبياء والمرسلين .
ولد يتيما فآواه ونصره بجده عبد المطلب ، وعمه أبي طالب ، قال تعالى : ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا
فَآوَىٰ )
وقد سئل الإمام : زين العابدين عليهالسلام لما أوتم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟ ، من أبويه .
فقال : « لئلا يوجب عليه
حق المخلوق »
وأشهر أسمائه : محمد ، وقد نطق به القرآن المجيد في أكثر من آية ومنها قوله تعالى :
١ ـ ( وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ )
٢ ـ ( مَّا
كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ )
٣ ـ ( وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ )
٤ ـ ( مُّحَمَّدٌ
رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )
__________________
وهو الرحمة الإلهية المهداة إلى البشرية من الله تعالى .
[ أن محمدا لا يقال له : عبقري خلاق ، ولا مصلح ثائر ، ولا عظيم خالد فما أكثر العباقرة ، والمصلحين ، والثائرين ، أن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم رحمة مهداة من
إله السماء لأهل الأرض أجمعين ، ورحمة الله فوق العبقرية والعباقرة ، والإصلاح والمصلحين ، وفوق العظمة والعظماء الخالدين .
بل هي فوق الناس مجتمعين والسماوات والأرض لأنها تتسع لكل شيء ، ولا يتسع لها شيء إلا قلب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم من سار على نهجه وعمل بمبادئه وسنته . ]
__________________
قالوا
في محمد :
سوف أذكر هنا بعض ما قاله غير المسلمين في محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ليكون شاهدا على
صدق ما يدعيه المسلمون من عظمته وأنه المنقذ للبشرية ، والصادع بالحق ، والمنقذ من الظلمات .
١ ـ
يقول برنادشو :
[ أن
رجلا مثل محمد لو تسلم زمام الحكم المطلق اليوم في العالم كله لتم له النجاح في حكمه ، وقاده إلى الخير ، وحل مشاكله بوجه يحقق للعالم السلام والسعادة المنشودة ]
٢ ـ
يقول ويل ديورانت ـ صاحب قصة الحضارة ـ :
[ إذا
حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس ، قلنا : أن محمدا كان أعظم عظماء التاريخ ]
٣ ـ
يقول مايكل هارت ـ صاحب كتاب المائة الأوائل :
[ وجدت
محمدا وهو صاحب الحق الوحيد في أن أعتبره صاحب أعظم تأثير على الإطلاق في التاريخ الإنساني ]
وقد أخذ المؤلف على نفسه ، أن يرتب المئة في الذكر تبعا لأهمية كل منهم . فالأول عظمة هو الأول ذكرا ، وقد أختار الأول من المئة محمدا ، وجعل المسيح في الرقم الثالث وموسى في الرقم السادس ، وموضوع كتابه :
__________________
أهم مئة رجل في التاريخ الإنساني كله .
وكان المؤلف على درجة عالية من التجرد ، وعدم الانحياز في ذلك الكتاب .
وكانت معجزة النبي الكبرى ، والخالدة هي : القرآن الكريم ، الذي نزهه الله من كل ألوان التحريف والزيادة والنقيصة ، وتكفل بحفظه بقوله تعالى :
( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا
الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) .
__________________
الدعاء
:
الدعاء سلام المؤمن الذي يرفعه في وجه الأزمات والمحن ، يستمطر به شآبيب الرحمة الإلهية ، حيث إن الله يحُب من عبده أن يدعوه ليستجيب له بقوله تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا
دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) .
وقد فسروا الدعاء :
١ ـ بطلب الحاجات من
الله .
٢ ـ ويرى الصوفية أن
المراد بالدعاء هو : [ فزع القلب إلى الله وشعوره بالحاجة إلى معونته والتجاؤه إليه ] .
٣ ـ والدعاء هو : ( ثمرة التجربة ) ، إذ غني عن
البيان أن البشر ما كانوا ليجتمعوا على الدعاء كأسلوب لقضاء الحاجات ، وتحقيق الأهداف والأغراض إلا بعد أن ثبت لهم بالتجربة على مر العصور جدوى الدعاء وفائدته ، فإن من خصائص الكائن الحي بصفة عامة أن يكف عن أي نشاط لا يعود عليه بأي فائدة .
وقد أثبت علماء السلوك المعاصرون أن الحيوانات نفسها تكف عن أي نشاط لا تراه محققا لأهدافها ، فمن المحال أن نتصور الإنسان يظل على مر العصور يرفع أكفه بالضراعة إلى السماء مع أن ذلك لا يحقق له أي منفعة .
والحق أن الدعاء كان دائما ذا جدوى وفائدة للإنسان في حالتي الإجابة وعدم الإجابة ، وفي حالة الاستجابة لا نحتاج
__________________
بطبيعة الحال إلى شرح في جدواها ، وأما الجدوى في عدم الاستجابة فقد كانت تتجلى في بحث الإنسان للأسباب التي حالت دون تحقيق الاستجابة ، وأن ذلك قد يكون للذنوب والمعاصي التي يغرق فيها ، فيعمل على أصلاح نفسه وشأنه قبل معاودة الدعاء مرة ثانية] .
وقد حث القرآن الكريم على الدعاء فقال :
( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي
أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .
وحث عليه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث يقول : « أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة »
وحث عليه الإمام أمير المؤمنين علي عليهالسلام ـ حيث يقول في وصيته لولده الإمام الحسن عليهالسلام ـ « فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته واستمطرت شآبيب رحمته ، فلا يقنطنك إبطاء أجابته ، فإن العطية على قدر النية » .
وقال : الإمام الصادق عليهالسلام « أن الدعاء يفل القضاء ولو أبرم إبراما » .
__________________
المؤمن
والدعاء :
[ أن دعاء المؤمن الغريزي لله بأن يكون في عونه هو أمر طبيعي ، ولكن يجب على المؤمن أن يعرف أن الأمور بأسبابها ، والعلل بمعاليلها ، فالمؤمن الذي لا يعرف سنن الله لا تطيعه تلك السنن مهما بكى لها واسترحم ، كما فعل المصريون فيما قابلوا حملة نابليون على مصر بقراءة صحيح البخاري لدفع آذاه ، أو كما يفعل أحيانا البعض فيما يحدث عطل في آلة ما أن يواجهوا الموضوع بالدعاء ، يجب أن يعلموا أن ميكانيكية الدعاء تعمل في قطاعها ، فعالم الشهادة يواجه بالجهد وعالم الغيب يواجه بالدعاء ]
__________________
آداب
عامة لاستجابة الدعاء :
[ هناك آداب عامة يجب أن تتحقق ليُستجاب الدعاء منها :
١ ـ أن يترصد المؤمن
لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة ، وشهر رمضان من الأشهر ، ويوم الجمعة من الأسبوع ، ووقت السَحَر من ساعات الليل .
٢ ـ أن يغتنم الأحوال
الشريفة كزمن الصفوف للجهاد في سبيل الله ، وعند نزول الغيث ، ووقت إقامة الصلوات ، ووقت صفاء القلب .
٣ ـ
خفوت الصوت بين المخافة والجهر ، قال تعالى : ( ادْعُوا
رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ) .
٤ ـ الإلحاح في
الدعاء وطلب المسألة فقد ورد : ( إذا
دعوت فأسأل الله كثيرا فإنك تدعوا كريما )
٥ ـ أن لا يظهر على
الداعي التكلفُ والرياء ، بل يكون في حالة تضرع وترسل ، وأن يتصف الداعي بالتضرع ، والخشوع ، والرغبة ، والرهبة .
٦ ـ أن يتحقق الأدب
الباطني ، وهو الأصل في تحقيق الإجابة ، ومعناه التوبة ورد المظالم ، والإقبال على الله بكل الهمة ، فذلك هو السبب القريب في الإجابة ] .
__________________
٧ ـ أن يدعو الداعي
بالمأثور من الأدعية وأفضلها ما ورد عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته
الطاهرين عليهمالسلام ، فهم مدرسة في الدعاء حُرم المسلمون كثيرا من الدخول فيها لمعرفة ما فيها بسبب الحواجز والموانع النفسية ، والافتعالية ، والسياسية المغرضة التي أبعدت الأمة عن آل البيت المكرمين ، وحرمتهم من زادهم الإيماني الثر ، ولذلك اخترنا هذه الأدعية الواردة عن النبي لأن كلامه فوق كلام المخلوقين جميعا .
٨ ـ ومن أسباب
الاستجابة التوجه إلى الله بالأنبياء والمرسلين ، والأوصياء والأولياء الصالحين ، فإنهم الوسيلة إلى الله تعالى .
٩ ـ التوجه إلى الله
بالدعاء في الأماكن المشرفة كمكة المكرمة والمدينة المنورة ، وأماكن العبادة من المساجد والمزارات
١٠
ـ أن لا يكون ظالما في دعائه .
١١
ـ أن يبدأ الدعاء بالصلاة على محمد وآل محمد مع التمجيد والتقديس لله تعالى .
شهر
رمضان :
هو شهر المغفرة والتوبة والطاعة ، قال : الإمام الصادق ، « أنه
من لم يُغفر له في شهر رمضان لم يُغفر له إلى قابل ، إلا أن يشهد عرفة »
ويقول : عليهالسلام أيضا ، « إذا أصبحت صائما فليصم سمعك
وبصرك وشعرك وجلدك وجميع جوارحك عن المحرمات » وقال : عليهالسلام أيضا ، « لا يكون يوم صومك كيوم
إفطارك » وعنه : عليهالسلام أيضا ، « سمع رسول الله امرأة تساب
جارية لها وهي صائمة ، فدعا رسول الله بطعام ، فقال لها : كلي فقالت : أنا صائمة يا رسول الله
فقال
: كيف تكونين صائمة ، وقد سببت جاريتك »
أن الصوم ليس من الطعام الشراب ، وإنما جعل الله ذلك حجاب عن سواهما من الفواحش من الفعل والقول ، ما أقل الصوم وأكثر الجوع .
عن الإمام الباقر عليهالسلام قال : « قال النبي لجابر أبن عبد الله ، يا جابر هذا شهر رمضان من صام نهاره ، وقام وردا من ليلته ، وصان بطنه وفرجه ، وحفظ لسانه لخرج من الذنوب كما يخرج من الشهر » .
قال جابر : يا رسول الله ما أحسنه من حديث
فقال رسول الله : « وما
أصبعها من شروط » .
أسماء
الشهر :
ورد في الصحيفة السجادية للإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهالسلام في دعائه عند
دخول شهر رمضان :
« الحمد
لله الذي جعل من تلك السبل شهره : ١ ـ شهر رمضان ، ٢ ـ شهر الصيام ، ٣ ـ وشهر الإسلام ، ٤ ـ وشهر الطهور ، ٥ ـ وشهر التمحيص ، ٦ ـ وشهر القيام الذي أنزل فيه القرآن » .
وقد فرض الله في هذا الشهر عبادة الصوم على نبيه وعلى المسلمين ، وكان صومه مفوضا من قبل على الأنبياء دون أممهم كما ورد في الحديث عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام حيث يقول : « أن شهر رمضان لم يفرض الله
صيامه على احد من الأمم قبلنا ، وإنما فرضه على الأنبياء دون الأمم ، ففضل الله به هذه الأمة ، وجعل صيامه فرضا على رسول الله وعلى أمته » .
والصوم عبادة تربوية إصلاحية تستهدف تربية الفرد من الداخل ، وهو يُميت مراد النفس وشهوة الطبع الحيواني ، وفيه صفاء القلب وطهارة الجوارح ، وعمارة الباطن ، والشكر على النعم ، والإحسان إلى الفقراء .
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « قال : الله عز وجل ، الصوم
لي وأنا أجزي به » .
__________________
أدعية النبي في كل
يوم من أيام شهر رمضان
دعاء اليوم الأول
:
« اللهم
أجعل صيامي فيه صيام الصائمين ، وقيامي فيه قيام القائمين ، ونبهني فيه عن نومة الغافلين ، وهب لي جُرمي فيه ، يا إله العالمين وأعفُ عني يا عافياً عن المجرمين »
أضواء على هذا الدعاء :
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ، والصوم أو الصيام له
معنيان وهما :
١ ـ
المعنى اللغوي : وهو الإمساك والكف عن الشيء ، قال أبن دريد : [ كل شيء سكنت
حركته فقد صام ] ومنه قول الشاعر :
|
عند اللقاء وخيل
تعلك اللجما
|
٢ ـ المعنى الشرعي ، أو
الاصطلاحي ، ومعناه :
[ الإمساك عن الأكل والشرب ، وغشيان النساء ، وجميع
__________________
المفطرات من الفجر إلى المغرب احتسابا لله ، وأعداد
للنفس وتهيئة لها لتقوى الله بمراقبته في السر والعلن ]
ورسول الله في دعائه ، يدعو الله تعالى أن يتقبل منه صومه خالصا لوجهه الكريم ، وان يجعله الصوم المقبول عنده والذي يُثاب عليه صاحبه حقا ، وذلك إذا تحققت فيه القربة المطلقة لله والامتثال لأمره سبحانه .
وصيام الصائمين هو صيام الإبدال الأبرار أولياء الله الذين يصومون احتسابا وتقربا ، فيكون صومهم مضرب مثل لغيرهم .
ويدعو النبي أن يجعل الله قيامه فيه قيام القائمين ، والمقصود بالقيام هنا الصلاة التي يأتي بها العبد في شهر رمضان المبارك زيادة منه في الطاعة وإكثارا منه في التعبد والتهجد ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « فأسالوا الله تعالى ربكم بنيات صادقة ، وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وقيامه ، فإن الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم » .
وقيام الليل هو سبيل خاصة أولياء الله تعالى كما قال وليه الأعظم الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام في وصف المتقين :
« أم الليل فصافون
أقدامهم ، تالين لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا يُحزنون به أنفسهم ويستبشرون به دواء دائهم ، منهم حانون على أوساطهم مفترشون لجباههم واكفهم ورُكبهم وأطراف أقدامهم ، يطلبون الله تعالى في فكاك رقابهم » .
__________________
وينتقل صلىاللهعليهوآلهوسلم في دعائه ليقول :
« ونبهني فيه من
نومة الغافلين »
والمقصود هنا بالنومة الغفلة حيث شبه الغفلة بالنومة ، لأن الغافل شبيه النائم ، والنبي يدعو الله تعالى أن يهبه التنبيه حتى لا يغفل عن ذكر الله وطاعته وعبادته .
ثم يقول : « وهب
لي جرمي فيه يا إله العالمين »
الجرم هو : الذنب والخطيئة ومنه الجريمة ، والنبي منزه عن ذلك ، لكنه يدعو بذلك تواضعا منه لله ، وتعليما منه للناس من بعده .
ولا يهب الله الجرم للعبد إلا بعد أن يتوب منه ويقلع عنه ، ثم هو الذي يتفضل بالقبول ويشمل الإنسان بالهداية ويسقط عنه الذنب .
ثم يختم دعائه لليوم الأول بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« وأعف عني يا
عافياً عن المجرمين »
والعفو هو : الصفح والرضا بعد الغضب ، والله تعالى هو الذي يعفو أي يغفر ويقبل من عباده بعد الندم والإقلاع عن المعاصي والذنوب .
والمجرمون هم الذين ارتكبوا الجرائم بحقهم أو بحق غيرهم ، فما كان بحق غيرهم فالله لا يغفره إلا بعد رضا من ارتُكبت الجريمة بحقه لأنه يتعلق بحق الغير الذي لا يغفر إلا بموافقته ، وما كان بحقهم فإن تابوا وأصلحوا فإن الله واسع المغفرة قابل التوب من عباده ، ودعاء النبي هذا هو تذكرة وعبرة للناس .
ولعل الحكمة في تخصيص النبي اليوم الأول من أيام شهر رمضان المبارك بكل هذه القيم والمبادئ والمفاهيم الروحية والتربوية لعل ذلك يرجع إلى كونه أول يوم من شهر مبارك ، خصه الله بنزول القرآن ونزول الكتب السماوية ، وبالصوم ، وجعل فيه ليلة هي عند الله خير من ألف شهر وهي : ليلة القدر ، فهو أول يوم من هذا الشهر يُقبل الإنسان على ربه بهذه الطاعة ، وبهذه العبادة تقربا واحتسابا لما عند الله تعالى .
دعاء اليوم الثاني
:
« اللهم
قربني فيه إلى مرضاتك وجنبني فيه من سخطك ونقماتك ، ووفقني فيه لقراءة آياتك برحمتك يا أرحم الراحمين »
أضواء على هذا الدعاء :
القرب تارة يكون قرباً حسياً ملموساً ، مثل قرب بعضا من بعض حيث أن هذا القرب يلمس ويُحس وله أبعاده ومشخصاته .
وتارة يكون قربا معنويا وهنا هو المطلوب في الدعاء ، أي يا رب أجعلني بطاعتي وعبادتي في هذا اليوم قريبا إلى رضاك ورضوانك .
وقد فُسر القرب بعدة تفاسير بالنسبة إلى قرب الله من عبده ، في قوله تعالى : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي
عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) .
فقيل :
١ ـ قريب بالإجابة .
وقيل :
٢ ـ قريب بالعلم ، بمعنى
أن علمه تعالى محيط بكل شيء ، فهو يسمع أقوال العباد ويرى أعمالهم .
__________________
وهو منزه عن الانحصار في مكان وهو القائل : ( وَاللَّـهُ مِن
وَرَائِهِم
مُّحِيطٌ ) ، وهو تعالى متعال عن القرب
الحسي لتعاليه عن المكان ونظيره .
ثم يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« وجنبني فيه من
سخطك ونقماتك »
ورد في اللغة : جنبه الشيء تجنيبا ، بمعنى : نحّاه عنه ومنه ، قوله تعالى : ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ
الْأَصْنَامَ ) .
ومعنى ما ورد في الدعاء أي باعد بيني وبين ما يوجب سخطك ونقمتك ، وهو المعاصي والذنوب التي تسبب غضب الله وعذابه ، والسّخَط والسُخْط ضد الرضا وقد سخط أي غضب ، فهو ساخط وأسخطه أغضبه .
والنقمة جمعها نَقِمات ونقم عليه فهو ناقم أي عتب عليه ، وانتقم الله منه عاقبه .
أي جنبني يا رب عن ما يُسبب عقابك وانتقامك ، واجعلني من أهل طاعتك الذين يستحقون ثوابك وثوابهم جنتك التي وعدت بها عبادك المخلصين .
ثم ينتقل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في دعائه فيطلب
من الله تعالى أن يوفقه لتلاوة آيات القرآن الكريم فإن شهر رمضان شهر القرآن ، وشهر التلاوة ، وشهر الذكر والقراءة المفيدة النافعة يجب أن تكون قراءة تدبر وتأمل ، وتلاوة القرآن الكريم والإكثار منها يفتح آفاق النفس على رحاب الله تعالى ، وتنفع
__________________
صاحبها دنيا وآخرة .
قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : « نوروا بيوتكم بتلاوة القرآن
ولا تتخذوها مقابر ، فإن البيت إذا كثرة فيه التلاوة كثر خيره وأتسع أهله وأضاء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الأرض » .
والقراءة في شهر رمضان لها حلاوة وطعم لذيذ لأنه موسم القرآن الكريم ، وفي الحديث : « أن لكل شيء ربيعا وربيع القرآن هو شهر رمضان » ، يُستحب في سائر الأيام ختم القرآن ختمه واحدة في كل شهر ، وأما في شهر رمضان فالمسنون فيه ختمه في كل ثلاثة أيام .
ثم يستمطر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رحمة ربه الغفور
الرحيم ، بل هو الأرحم من كل شيء ، وقد نعت ذاته المقدسة بأنه أرحم الراحمين ، وهو الرحمن الرحيم ، والذي وسعت رحمته كل شيء ، وسبقت رحمته غضبه .
دعاء اليوم الثالث
:
« اللهم
أرزقني فيه الذهن والتنبيه ، وباعدني فيه من السفاهة والتمويه ، وأجعل لي نصيبا من كل خير تُنزله فيه يا أجود الأجودين »
أضواء على هذا الدعاء :
[ طلب الرزق من وظيفة العباد وتنظيم الأمور وترتيب الأسباب الظاهرية وغير الظاهرية التي تخرج عن اختيار العباد غالبا ، فيكون بتقدير من الباري تعالى ] .
قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ
الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ )
وكما أن الله تعالى يزرق الإنسان رزقا يسد به رمقه ويستعين به على أمور حياته ومن معه في الدنيا ، كذلك يرزق أمورا أخرى مثل : الجاه ، والذكاء ، والشجاعة ، وقوة الحافظة ، والخلود للشهداء الذين يضحون من أجل دينهم ومبادئهم قال تعالى : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )
[ ومعنى قوله : ( يُرْزَقُونَ ) أي : يرزقون النعيم في قبورهم ، فهم أحياء حياة محققة ، وترد إليهم أرواحهم في
__________________
قبورهم فينعمون وإن أرواحهم تدخل الجنة في وقت خروجها من الأجساد ] .
وبالعودة إلى دعاء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في اليوم الثالث
من شهر رمضان المبارك نجد أنه يطلب من الله تعالى أن يرزقه الذهن ، و [ الذهن لغة الفِطنة والحفظ والتنبيه ، وهو مأخوذ من قولهم نَبُه الرجل أي شَرُف واشتهر فهو نبيه ونابه وهو ضد الخامل ، ونبه غيره تنبيها رفعه من الخمول ] .
والذي يتضح من هذه الفقرة أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يدعو الله أن يرزقه في هذا اليوم الذهن الوقاد المتيقظ ، والنباهة التامة الكاملة ليكون قويا في طاعة الله ، وقادرا على تأدية فرائضه ومستحباته .
ثم ينتقل إلى الفقرة الأخرى من الدعاء فيقول :
« وباعدني فيه من
السفاهة والتمويه » .
وهو تماما عكس الذهن والتنبيه ، حيث نجد في اللغة أن [ السفه ضد الحلم ، وأصله الخفة وسفه الرجل صار سفيها ، والسفاهة هي الخفة وعدم الاتزان ، والسفيه هو الذي لا يُحسن التصرف لخفة عقله .
ـ والتمويه لغة مأخوذ من قولهم ـ موه الشيء تمويها طلاه بفضة أو ذهب وتحت ذلك نحاس أو حديد ، ومنه التمويه وهو التلبيس ] .
__________________
وهو منهي عنه قرآنياً حيث يقول الحق تبارك وتعالى : ( وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ
وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )
وهذا ما يدعو رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ربه أن يبعده عنه
، لأنه لا يتناسب مع الصيام الذي جعله الله جُنة ووقاية من كل الذنوب الظاهرة والباطنة .
ثم يدعو النبي ربه أن يجعل له في هذا اليوم نصيبا ، أي : حظاً وقسمة من كل خير يُنزله الله في ذلك اليوم على عباده من البركات وطول العمر ، ودفع البلايا والأسقام ، وغيرها .
والله تعالى هو الجواد الكريم المنعم المتفضل ، بل هو وحسب دعاء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أجود الأجودين ، أي
: أكرم الأكرمين ، وهو كذلك أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين ، وأحسن الخالقين ، وتلك أمور لا يعرفها إلا العارفون .
__________________
دعاء اليوم الرابع
:
« اللهم
قوني فيه على إقامة أمرك ، وأذقني فيه حلاوة ذكرك ، وأوزعني فيه لأداء شكرك بكرمك ، واحفظني فيه بحفظك وسترك يا أبصر الناظرين »
أضواء على هذا الدعاء :
في هذا الدعاء يطلب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من الله القوة
وهو مصدرها وهو القائل : ( أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّـهِ جَمِيعًا ) .
وفي اللغة : [ القوة ضد الضعف ، والقوة الطاقة وجمعها قوى ، ويقال : رجل شديد القوى ، أي : شديد أسْرِ الخَلقَ ] .
والدعاء يتضمن طلب القوة من الله تعالى لإقامة أمر الله تعالى من : صوم ، وصلاة ، وتلاوة ، والتذاكر في العلم وسائر العبادات التي تحتاج إلى طاقة وقوة جسدية ، وروحية ، وفكرية ليتمكن الإنسان للقيام بها .
ثم يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« وأذقني فيه
حلاوة ذكرك »
وهو غاية في البلاغة ، وكيف لا يكون كذلك ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أفصح من نطق
بالضاد ، فقد جعل الذكر حلوا ، وأن الإنسان ليتذوق الحلو ، وذكر الله تعالى هو سبيل أوليائه وهو
__________________
القائل : ( أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ
تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) .
ويقول : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) .
ويقول : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ
قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّـهِ )
ثم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وأوزعني فيه لأداء شكرك
بكرمك »
وقد ورد في اللغة : [ أوزعه بالشيء أغراه به واستوزعتُ شكر الله فاوزعني ، أي : استلهمته فألهمني ] .
والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يدعو ربه أن يلهمه
القدرة والتمكن من أداء شكره تعالى على نعمه الكثيرة وآلائه العميمة ، والتي هي لا تعد ولا تُحصى .
قال تعالى : ( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ
اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ) ، وكيف يؤدي العبد شكر الله المنعم المفضل ؟
يكون ذلك بلزوم طاعته والانتهاء والكف عن معصيته ، والشكر تارة يكون باللسان وهو المتعارف عليه ، وتارة يكون بالعمل الصالح .
قال تعالى : ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ
شُكْرًا ) .
كل ذلك يتم بكرم وتفضل وجود من الله تعالى ، ثم يدعو صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يحفظه الله
فيه بحفظه لأنه هو الحافظ ، القادر على الحفظ دون غيره ، وهو القائل عز من قائل : ( فَاللَّـهُ خَيْرٌ
__________________
حَافِظًا
وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) .
وهو الساتر الذي يستر على عباده عيوبهم ، وهو عز وجل يحب الستر والساترين ، وقد ورد في الدعاء : « يا من أظهر الجميل وستر القبيح ، يا من لم يؤاخذ بالجريرة ، يا من لم يهتك الستر »
وقد ورد في اللغة : [ السُترة ما يُستر به كائنا ما كان ، ورجل مستور وستير ، أي : عفيف ، والمرأة ستيرة ، أي : عفيفة ] .
وقد يكون الستر والحفظ معنى واحد في بعض الأحيان . والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الدعاء يطلب
من الله تعالى الحفظ والستر من غوائل الدنيا ، ومصائب الحياة ، ما ظهر منها وما بطن ، وما عُرف منها وما خفيُّ ، وكل ذلك مرده إلى الله تعالى ، فهو القادر على كل شيء وهو أرحم الراحمين ، وهو أبصر الناظرين كما ختم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك دعائه .
__________________
دعاء اليوم الخامس
:
« اللهم اجعلني فيه
من المستغفرين ، واجعلني فيه من عبادك الصالحين القانتين ، واجعلني فيه من أوليائك المقربين برأفتك يا أرحم الرحمن »
أضواء على هذا الدعاء :
الجعل قسمان وهما :
١ ـ الجعل التكويني :
قال تعالى : ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا
وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) ، وقد ورد في تفسيرها : [ جعلناكم
شعوبا وقبائل مختلفة لا لكرامة لبعضكم على بعض ، بل لأن تتعارفوا فيعرف بعضكم بعضا ويتم بذلك أمر اجتماعكم ]
وهذا الجعل جعل تكويني .
٢ ـ الجعل التشريعي :
[ ويراد به ثبوت الحكم في الشريعة ، أي : تشريعه من قبل الله تعالى مثل : وجوب الحج على المسلم ] .
قال تعالى : ( وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ
حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) .
__________________
والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يدعو الله تعالى
أن يجعله من المستغفرين فيه ، والاستغفار درجة عالية من درجات عباد الله المخلصين ، وقد سمع أمير المؤمنين علي عليهالسلام رجل يقول : [ أستغفر
الله ] فقال : « أتدري ما
الاستغفار ؟ ، الاستغفار درجة العليين ، وهو أسم واقع على معان ستة :
١ ـ
الندم على ما مضى من المعصية أبدا .
٢ ـ
العزم على ترك المعصية أبدا .
٣ ـ
أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملسا ليس عليك تبعه .
٤ ـ
أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها .
٥ ـ
أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ لحم جديد .
٦ ـ
أن تذيق الجلد ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول : أستغفر الله » .
ثم يقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في دعائه :
« واجعلني فيه من
عبادك الصالحين القانتين »
والعبودية لله تعالى أشرف صفة يتصف بها صفوة أولياء الله ، فهي مقدمة حتى على النبوة ، قال تعالى : ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا )
وقال : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ
بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ) .
__________________
وصفوة عباد الله الصالحون ، ولذلك يطلب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في دعائه أن يكون منهم ، قال تعالى :
( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي
الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) .
والقنوت : أصله الطاعة ، ومنه قوله تعالى : ( وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ ) ، وقوله تعالى : ( وَقُومُوا
لِلَّـهِ قَانِتِينَ ) .
[ وأكثر علمائنا قالوا باستحبابه في الصلاة ، وقال الشيخ الصدوق ، وابن عقيل : بوجوبه ، ومحله في جميع الصلوات الواجبة والمندوبة بعد قراءة السورة الثانية ، وقبل ركوعها ، وفي الجمعة قنوتان في الأولى قبل الركوع ، وفي الثانية بعده ، والقنوت كله جهار كما في رواية زرارة عن الإمام الباقر عليهالسلام ، ويذكر أن الإمام الشافعي ـ
محمد بن إدريس ـ كان يقنت بصلاة الصبح فقط لما كان بالقاهرة ، فلما جاء إلى بغداد لم يقنت احتراما لمذهب : أبي حنيفة ] .
ثم يدعو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيقول :
« واجعلني فيه من
أوليائك المقربين »
أي : أجعلني من المحبين المقربين لك بالطاعة والتهجد .
[ والأولياء جمع ولي ، وهو لغة ضد العدو وكل من ولي أمر واحد فهو وليه ] .
والولي هو : المحب ، والناصر ، والجار ، والحليف ، وابن العم كذلك .
__________________
ولا يكون العبد وليا لله مقربا منه إلا إذا أخلص الطاعة لله تعالى فيكون منه قريبا بالرحمة ، والمغفرة ، والرضوان ، والثواب ، وقد ورد في دعاء كميل لأمير المؤمنين علي عليهالسلام قوله :
« واجعلني
من أحسن عبيدك نصيبا عندك ، وأقربهم منزلة منك ، وأخصهم زلفة لديك » .
__________________
دعاء اليوم السادس
:
« اللهم
لا تخذلني فيه لتعرض معصيتك ، ولا تضربني فيه بسياط نقمتك ، وزحزحني فيه من موجبات سخطك بمنك وأياديك يا منتهى رغبة الراغبين »
أضواء على هذا الدعاء :
يتضمن هذا الدعاء كما هي العادة فيما مضى عدة فقرات تحمل مضامين عالية في التربية والتهذيب ، وسوف نأخذ الفقرة الأولى التي يقول فيها المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« اللهم لا تخذلني
فيه لتعرض معصيتك »
والخذلان مأخوذ لغة : [ من خذلُه يخذلُه خِذلانا ـ بكسر الخاء ـ أي ترك عونه ونصرته ]
فالنبي هنا يطلب من الله أن ينصره على النفس ، وأن يعينه على الطاعة لأن التعرض للمعصية خِذلان ، وقد ورد في دعاء الصباح للإمام أمير المؤمنين علي عليهالسلام قوله :
« وإن
خذلني نصرك عند محاربة النفس والشيطان فقد وكلني خِذلانك إلى حيث النصب والحرمان » .
« ولا تضربني فيه
بسياط نقمتك »
وهذا لون بلاغي فريد من نوعه وجديد في بابه ، فجعل للنقمة
__________________
سياط يضرب بها الله تعالى من يعصيه ويؤدب بها من يخالف
أوامره ونواهيه ، ومعناه لا تجعل عقابك ضربك لي بسياط النقمة .
والنقمة لغة مأخوذة من : [ نقم عليه فهو ناقم ، أي : عتب عليه ، وأنتقم الله منه عاقبه ] .
« وزحزحني فيه من
موجبات سخطك »
ومعنى ذلك أي : باعد بين وبين ما يوجب سخطك وغضبك ، وليس إلا المعصية ما يجب سخط الله وغضبه ، وكل المعاصي توجب سخط الله ، وترك الطاعات أيضا يوجب سخطه تعالى .
والمعنى اللغوي للزحزحة هو : [ زحزحه عن كذا باعده ، وتزحزح تنحى ] .
ومنه قوله تعالى : ( فَمَن زُحْزِحَ عَنِ
النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) .
وقد جاء في تفسيرها : [ نُجي من النار وفاز وظفر بالبغية ] .
وقوله تعالى : ( وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا
يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ ) .
وقد جاء في تفسيرها : [ بمباعده من العذاب ] .
__________________
« بمنك وأياديك يا
منتهى رغبة الراغبين »
والمَن كما قال الزجاج : [ كل ما يمُن الله تعالى به مما لا تعب فيه ولا نصب ، ومَن عليه أنعم ، والمنان مِن أسماء الله تعالى ] .
والمقصود هنا به التفضل الإلهي على العبد ، ومنه قول أمير المؤمنين علي عليهالسلام في دعاء كميل المشهور : « ومُنّ عليّ بحُسن إجابتك وأقلني عَثرتي وأغفر زلتي » .
والأيادي : مأخوذة لغة من : [ اليد ، وهي : النعمة والإحسان ] والأيادي هنا النعم الإلهية التي تكرم بها على الخلق ، والأيادي لغة أيضا ، جمع الأيدي ومنه قول الشاعر :
له أيادٍ عليّ
وافرة
|
|
أعدُّ منها ولا
أعددها
|
« يا منتهى رغبة الراغبين »
ومعناه يا من لا يرجو الراغبون غيره ، ولا يرجعون إلا إليه لأنه المنتهى للراغب ، والقاضي حاجات الطالب .
والرغبة لغة من : [ من رغب فيه أراده ، ورغب عنه لم يُرده ] .
__________________
دعاء اليوم السابع
:
« اللهم
اعني فيه على صيامه وقيامه ، وجنبني فيه من هفواته وآثامه ، وارزُقني فيه ذكرك بدوامه بتوفيقك يا هادي المضلين »
أضواء على هذا الدعاء :
في هذا الدعاء يطلب المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم من الله الإعانة
على الصيام والقيام في ذلك اليوم ، وليس للمؤمن عون إلا الله خصوصا في الهداية والتوفيق للطاعة والبُعد عن المعصية .
والعون لغة هو : [ الظهير على الأمر ، والجمع الأعوان ، والمعونة الإعانة .
وفي الدعاء : « رَبِّ
أعني ولا تُعن عليّ » .
وقد ورد في الدعاء أيضا : « اللهم أعنا على أنفسنا بما تعين به الصالحين على أنفسهم »
وفي الدعاء أيضا : « اللهم
وأعنا على الاستنان بسنته فيه ونيل الشفاعة لديه ، اللهم وأجعله شفيعا مشفعا ، وطريقا إليك مهيعا » .
ثم ينتقل صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الفقرة
الثانية فيقول :
« وجنبني فيه من
هفواته وآثامه »
__________________
أي : باعد يا ربي بيني وبين الهفوات والآثام التي توجب البعد عن الله تعالى ، والقرب من الشيطان .
و [ الهفوات : جمع هفوة ، وهي : الزلة مأخوذة من هفا يهفو هفوة ] .
و [ الآثام : جمع أثم ، وهو : الذنب وقد أثم إثما ومُأثما إذا وقع في الآثم ، فهو : آثم ، والمأثوم المجزي جزاء إثمه .
وقد تسمى الخمر إثما ومنه قول الشاعر :
|
كذلك الآثم
تَذهب بالعقول ]
|
ثم يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« وارزقني فيه
ذكرك بدوامه »
أي : أجعلني دائم الذكر لك في ذلك اليوم ، وليكن لساني بذكرك لهجا وقلبي بحبك متيما .
« وبتوفيقك يا
هادي المضلين »
والتوفيق من الله تعالى يهبه لمن يستحق التوفيق ، ومن أكثر من النبي الأكرم عند الله توفيقا .
والله تعالى هو الهادي الذي يهدي المضلين الغافلين لكي يرتدعوا ويعودوا إلى طريق الصواب ، ويبتعدوا عن طريق الضلال .
__________________
دعاء اليوم الثامن
:
« اللهم
أرزقني فيه رحمة الأيتام ، وإطعام الطعام ، وإنشاء السلام ، وصحبة الكرام بطولك يا ملجأ الأملين » .
أضواء على هذا الدعاء :
يقول المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم في دعاء هذا اليوم : اللهم أرزقني أن أكون رحيما للأيتام ، والرحمة باليتيم لها مصاديق منها :
١ ـ أن تمسح على رأسه
لتعوضه حنان من فقد .
٢ ـ أن لا تأكل ماله
كما نهانا عن ذلك القرآن ، إذ يقول الحق تبارك وتعالى : ( وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) .
٣ ـ أن ندخل على قلبه
الفرح ، والسرور ، وأن نمد له يد المساعدة وقد ورد عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : « أن في الجنة دارا يقال لها الفرح لا يدخلها إلا من فرح يتامى المؤمنين »
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أنا وكافل اليتيم كهاتين في
الجنة إذا أتقى الله عز وجل » وأشار بالسبابة والوسطى ، وأتي إلى النبي برجل يشكو قسوة قلبه ، قال له :
« أتُحب
أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ؟ ، أرحم اليتيم وأمسح رأسه وأطعمه من طعامك يلين قلبك وتدرك حاجتك » .
__________________
وقال أمير المؤمنين علي عليهالسلام : « ما من مؤمن ولا مؤمنة يضع يده على رأس يتيم إلا كتب الله له بكل شعرة مرت يدع عليها حسنة » .
ثم ينتقل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الفقرة
الثانية فيقول :
« اللهم أرزقني
فيه أطعام الطعام »
وإطعام الطعام فيه ثواب عظيم وأجر كبير في هذا الشهر خصوصا إفطار الصائمين ، فشهر رمضان شهر الكرم ، والجود ، لذا يقول الناس عنه ( رمضان كريم ) .
وقد روى العلامة الحلي قدسسره في الرسالة
السعدية عن الإمام الصادق : « أن
أيما مؤمن أطعم مؤمنا لقمة في شهر رمضان كتب الله له أجر من أعتق ثلاثين رقبة مؤمنة ، وكان له عند الله دعوة مستجابة » ، ويقول عليهالسلام : « أن الله عز وجل يحبّ الإطعام في الله ، ويحبّ الذي يطعم الطعام في الله ، والبركة في بيته أسرع من الشفرة في سنام البعير » ويزداد الأجر ويعظم الثواب إذا كان الذين يقدم لهم الطعام فقراء محتاجين فهم أولى من غيرهم بالإطعام .
ثم يقول المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« اللهم أرزقني
إفشاء السلام »
وهي خصلة تدل على الكرم وسمو الأخلاق ، وإفشاء السلام أمر محبب ، والسلام أسم من أسماء الله الحسنى .
__________________
[ وإفشاء السلام يعني نشره وإذاعته حتى يعتاد الناس عليه ، وفشا الخبر لغو ذاع ] .
وقد وردت أحاديث كثيرة في السلام وآدابه منها قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« إذا
تلاقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح ، وإذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار » .
وقال أيضا : « أن
من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام »
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « السلام تطوع ورده فريضة » .
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : « السلام سبعون حسنة تسعة وستون للمبتدأ وواحد للراد »
وقال الإمام الصادق عليهالسلام : « السلام تحية لملتنا ، وأمان لذمتنا » .
ثم قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« وارزقني فيه
صحبة الكرام »
والصحبة ، تعني : المرافقة والمصاحبة ، ولكن يجب أن تكون مع كرام الناس دينا ، وخلقا ، وورعا ، وتواضعا ، فإن الإنسان يستفيد كل هذه المعاني والقيم من خلال صحبته لهم .
ثم يختم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دعائه بقوله :
« بطولك يا ملجأ
الآملين »
__________________
و [ الطَولُ لغة لمن ، يقال تطوّلَ عليه ، أي : أمتن عليه ] ، والله تعالى يلجأ إليه الآملون فضله ، وثوابه ، ورضوانه ، وعفوه ، ويقال لغة : [ الجأ آمره إلى الله أسنده ] .
و [ الآمل هو الرجاء ، يقال أمَلَ خيره يأمُل أملا وأملَه تأميلا ، أي رجاه ] .
__________________
دعاء اليوم التاسع
:
« اللهم
أجعل لي فيه نصيبا من رحمتك الواسعة ، واهدني فيه لبراهينك الساطعة ، وخذ بناصيتي إلى مرضاتك الجامعة بمحبتك يا أمل المشتاقين »
أضواء على هذا الدعاء :
« اللهم
أجعل لي فيه نصيبا من رحمتك الواسعة »
و [ النصيب لغة ، هو : الحظ والجد ، يقال حظّ الرجل يحظُ حظا ، أي : صار ذا حظٍ من الرزق ]
.
وبعد معرفة المعنى لغويا يتضح المقصود من هذه الفقرة من الدعاء الشريف ، أي أجعل لي يا رب حظا من رحمتك التي وسعت كل شيء ، كما ورد أيضا في دعاء كميل لأمير المؤمنين عليهالسلام حيث يقول : « اللهم أني أسألك برحمتك
التي وسعت كل شيء »
.
وقد قال الإمام زين العابدين علي عليهالسلام في دعاء السَحَر
:
« واجعلني
من أوفر عبادك عندك نصيبا من كل خير أنزلته وتنزله في شهر رمضان وفي ليلة القدر »
ثم يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« واهدني فيه
لبراهينك الساطعة »
ولا شك بأن الهداية للعبد من الله بتوسط إرادة العبد نفسه .
__________________
١ ـ والهداية تشريعية
، وهي التي أرسل الله بها الرسل والأنبياء لهداية البشرية ، قال تعالى : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ
الْمُسْتَقِيمَ
)
٢ ـ والهداية
التكوينية ، وتشترك بها المخلوقات والحق سبحانه يقول : ( وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ
هُدَاهَا )
.
و [ البراهين جمع برهان وهو لغة الحجة وقد برهن عليه ، أي : أقام الحجة ] .
والمقصود بهذه الفقرة من الدعاء أن يهديه الله تعالى وهو الهادي ليعرف الله بالبرهان والدليل والحجة ، وليقيم بذلك الحجة على المنكرين ، وكيف يمكن للمنكر أن ينكر البرهان الساطع والحجة الدامغة قال تعالى : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ
شَيْءٍ
أَمْ
هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ ) .
ثم قال في الفقرة الأخيرة من الدعاء :
« وخذ
بناصيتي إلى مرضاتك الجامعة بمحبتك يا أمل المشتاقين »
الناصية لغة واحدة النواصي ، وهي : مقدمة شعر الرأس والمراد بالدعاء أن يهديه الله ويوجهه إلى حيث ما يوجب رضاه ، ومغفرته ، وعفوه ، ومرضاة الله الجامعة كل ما يؤدي إلى رضا الله عن العبد ، ويبعد عنه غضبه وسخطه ، وأن يأخذ بيده لِما فيه الخير ، والصلاح ، والرضوان .
__________________
ويقسم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بمحبة الله
لأوليائه ومحبة أوليائه له أن يوفقه الله لذلك .
والله تعالى هو أمل من أملهُ من عباده الصالحين المشتاقين لعفوه ورحمته ، وقد ورد في دعاء كميل لأمير المؤمنين علي عليهالسلام قوله : « وهب لي الجدَ في خشيتك ، والدوام في الاتصال بخدمتك حتى أسرح إليك في ميادين السابقين ، وأسرع إليك في المبادرين ، وأشتاق إلى قربك في المشتاقين » .
__________________
دعاء اليوم العاشر
:
« اللهم
أجعلني فيه من المتوكلين عليك ، واجعلني فيه من الفائزين لديك ، واجعلني فيه من المقربين إليك بإحسانك يا غاية الطالبين »
أضواء على هذا الدعاء :
[ التوكل ـ لغة ـ : أظهار العجز والاعتماد على غيرك ، وأتكل على فلان في أمره إذا أعتمده ، وإذا أتكل كل واحد منهما على صاحبه ، أي : أعتمد عليه ] .
والمؤمن الصادق في إيمانه لا يعتمد إلا على الله تعالى في كل أموره ومهامه ، وإذا لم يتكل ويعتمد على الله فعلى من يعتمد إذن ؟ ، وهو القادر على كل شيء وبيده مقاليد الأمور .
والفوز ، معناه : النجاة والظفر بالخير والسلامة ، ومنه قوله تعالى : ( فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ
الْعَذَابِ ) ، أي : بمنجاة منه .
والمؤمن يطلب من الله تعالى الفوز بالرضوان والجنة ، ويطمع دائما بكرم الله تعالى أن يجعله من الفائزين عنه ، وأن يحقق له النجاح في دينه ودنياه
ثم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« واجعلني فيه من
المقربين إليك »
__________________
والمؤمن يكون مقربا من الله بإيمانه ، وتقواه ، وورعه ، ورجاءه فيكون مشمولا بالرحمة الإلهية والإمداد الغيبي وغاية منى العبد أن يكون مقربا إلى الله تعالى ، وقريبا من رحمته ، ولا يتم ذلك إلا بالجهد ، وبالجد ، والاجتهاد ، وترويض النفس .
ويختم المصطفى دعائه لليوم العاشر من شهر رمضان المبارك بقوله :
« بإحسانك يا غاية
الطالبين »
والله تعالى هو المحسن المتفضل ، وقد أمر بالإحسان بقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسَانِ ) .
وهو تعالى مصدر الإحسان و [ الحُسنُ لغة ضد القبح ، والجمع محاسن ، والحسنة ضد السيئة والمحاسن ضد المساوئ والحُسنى ضد السُوءى ]
وهنا ندرك المعاني الجميلة للإحسان ومشتقاته والله تعالى هو الغاية القصوى المرجوة من العبد الذي يطلب من الله الرحمة ، والرضا ، والقبول ، والعفو ، والصفح ، و [ الغاية لغة مدى الشيء ، والجمع غاي ] .
__________________
دعاء اليوم الحادي
عشر :
« اللهم
حَبّبْ إليّ فيه الإحسان ، وكرّه إليّ فيه الفُسوق والعصيان ، وحرم عليَّ فيه السَخط والنيران بعونك يا غياث المستغيثين »
أضواء على هذا الدعاء :
في هذا الدعاء المبارك يطلب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من الله تعالى أن
يجعل الإحسان لديه محبوبا حتى يفعله ويأتي به ، والإنسان إذا أحب شيء صار مرغوبا عنده فيقدم عليه وهو ضد الكُره ، ومراد الدعاء على اختصاره أن يلقي الله محبة الإحسان في قلب المؤمن حتى يواظب عليه ، وعادة إذا لم يحب الإنسان أمراً ما يبتعد عنه وينأى بنفسه عنه ، وإذا أحب أمراً ما أقبل عليه ، ثم يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« وكرّه إليّ فيه
الفُسوق والعصيان »
فإذا كره الإنسان شيئاً أبتعد عنه وأعرض ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يدعو الله أن يكون الفسوق والعصيان عنده مكروهين بقدرة الله وتوفيقه ، وتأييده ، وهدايته .
[ الفسوق لغة مأخوذ من فسقت الرطبة خرجت من قشرها ، وفسق عن أمر ربه ، أي : خرج ] .
وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى : ( بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ) .
__________________
والفسوق شرعا هو الخروج عن طريق الطاعة ، و [ العصيان لغة ضد الطاعة ، وقد عصاه معصية وعصياناً ، فهو عاص ] .
ثم يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« وحرم عليّ فيه
السَخط والنيران »
أي اجعل يا ربي السَخط وهو الغضب والنيران حراما عليّ لأني في طاعتك وعبادتك ، وفي فناء شهرك الفضيل الذي تغلق فيه أبواب النيران ، وتفتح فيه أبواب الجنان ، فلا تحرمني من عفوك وجنانك ، لأن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم ، لأنه شهر المغفرة ، والعفو ، والرحمة ، والحرمة لغة ما لا يحل انتهاكه .
ويختم الدعاء صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله :
« بعونك يا غياث
المستغيثين »
فالله تعالى هو المستعان ومنه نطلب العون وبه نستعين ، وهو غياث من لا غياث له ، وسند من لا سند له ، وذخر من لا ذخر له ، والمستغيث هو : من يطلب الغوث ، وهو : النصرة والمساعدة .
__________________
دعاء اليوم الثاني
عشر :
« اللهم
زينيّ فيه بالستر والعفاف ، واستُرني فيه بلباس القنوع والكَفاف ، واحملني فيه على العدل والأنصاف ، وآمني فيه من كل ما أخاف بمعصيتك يا عصمة الخائفين »
أضواء على هذا الدعاء :
« اللهم
زينيّ فيه بالستر والعفاف » ، ورد في اللغة : أن [ الزينة ما يُتزين به ، ويوم الزينة يوم العيد ، والزين ضد الشين ، وزينة تزينا وتزين وازدان بمعنى ، ويقال وأزينت الأرض بعُشبها ] .
والستر لغة : جمعه ستور ، وأستار ، وستر الشيء غطاه ، والعفاف مأخوذ من عفّ ، أي : كف ، فعف عن الحرام ، معناه : كف عن الحرام ، ويقال : رجل عفيف وامرأة عفة وعفيفة ، ويقال : تعفف عن المسألة تكلف العفة .
والتعفف هنا يعني الحياء ، قال تعالى : ( يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ) .
والمقصود من هذه الفقرة : اللهم جملني فيه بأن تجعلني مستور العيوب ، مليئا بالعفة والحياء حتى أبدو جميلا في هذا اليوم وفي كل يوم .
ثم يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« واستُرني فيه
بلباس القنوع والكَفاف »
__________________
واللباس ما يُلبس وكذا الملبس ، وهنا يراد به اللباس المادي من ثياب وغيرها التي تستر البدن ، والمقصود من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم هو اللباس بالمعنى الثاني غير المادي كما في قوله تعالى : ( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ
لَّهُنَّ ) ، ( وَلِبَاسُ
التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ
خَيْرٌ
) .
[ والمقصود به هنا الحياة ] .
[ القنوع لغة : السؤال والتذلل ، وبابه خضع فهو : قانع ، وقال الفراء : القانع الذي يسألك فما أعطيته قبلهُ ، والقناعة الرضا بالقسم ، وقال بعض أهل العلم أن القنوع قد يكون بمعنى الرضا ، والقانع بمعنى الراضي ] .
وقد ورد في القناعة كثير من الأحاديث ففي مجمع البيان في تفسير قوله تعالى : ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
) ، قال كما عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أنها القناعة والرضا بما
قسم الله » . وعن الإمام الصادق عليهالسلام قال : « من قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس » ، وعن علي عليهالسلام قال : « الهم نفسك القنوع » .
و [الكفاف من الرزق القوت ، وهو ما كفَّ عن الناس ، أي :
__________________
اغنى ، وفي الحديث عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : « اللهم أجعل رزق آل محمد كَفافا » ] .
والكفاف والقنوع معنيان متقاربان في هذا الدعاء .
ثم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« واحملني فيه على
العدل والإنصاف »
والمعنى واضح جلي ، أي اجعلني فيه متصفا بالعدل في الحكم والقول وكل ما يجب فيه العدل .
و [ العدل ضد الجور ، يقال : عدل عليه في القضية فهو عادل ، وبسط الوالي عدله .
والأنصاف هو العدل ، يقال : أنصف الرجل عَدَل ، ويقال : أنصفه من نفسه ] .
والأنصاف والعدل معنيان متقاربان في هذا الدعاء ، ثم ينتقل صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى فقرة أخرى من
الدعاء يقول فيها :
« وآمني
فيه من كل ما أخاف بعصمتك يا عصمة الخائفين »
و [ الأمان والأمانة بمعنى واحد ، وقد أمن أمانا فهو آمن وآمنه غيره من الأمن والأمان ، والأمن ضد الخوف ] .
والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يطلب في دعائه أن
يكون آمنا في ذلك اليوم من كل ما يسبب الخوف والهلع سواء كانت مخاوف دنيوية أو أخروية ، ويعتصم بالله تعالى الذي هو عصمة الخائفين ، وأمل الراجين من كل ما يحذر ويخاف .
و [ العصمة لغة ، هي : المنع ، يقال عصمه الطعام ،
__________________
أي : منعه من الجوع ، والعصمة أيضا الحفظ ، وأعتصم
بالله أمتنع بلطفه ، ومنه قوله تعالى : ( قَالَ سَآوِي إِلَىٰ
جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ ) ، وقوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا
وَلَا تَفَرَّقُوا ) .
وقد ورد عن أمير المؤمنين علي عليهالسلام قوله : « من ألهم العصمة أمن الزلل » .
وقال عليهالسلام : « من أعتصم بالله عزّ مطلبه » .
وقد سُئل الإمام الصادق جعفر بن محمد عليهالسلام : ما معنى قولكم أن الإمام لا يكون إلا معصوما ؟!
فقال : « المعصوم هو
الممتنع بالله من جميع المحارم » .
وقد قال الله تعالى : ( وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّـهِ
فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) .
__________________
دعاء اليوم الثالث
عشر :
« اللهم
طهرني فيه من الدنس والأقذار ، وصبرني فيه على كائنات الأقدار ، ووفقني فيه للتُقى وصحبة الأبرار يعونك يا قرة عين المساكين »
أضواء على هذا الدعاء :
« اللهم
طهرني فيه من الدنس والأقذار » ، والطهارة هنا معنوية وهي : [ لغة مأخوذا من طهُر الشيء يطهُر طهارة ، وقوم يتطهرون ، أي يتنزهون من الأدناس ، ورجل طاهر الثياب ، أي منزه ، وبهذه الإضاءة اللغوية يتضح معنى : الدعاء .
والدنس لغة الوسخ ، وقد دنس التوب توسخ وتدنس ودنسه غيره تدنيسا .
و [ الأقذار جمع قذر ، وهو ضد النظافة وشيء قذر بيَّن القذارة ، ويقال : قذرتُ الشيء فقذرته واستقذرته ، أي : كرهته ] ، والقذر والدنس
معنيان متقاربان في هذا الدعاء .
ثم يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« وصبرني فيه على
كائنات الأقدار »
أي أجعلني صابرا على القضاء والقدر راضيا بقضائك وقدرك .
والصبر منزلة عالية لا ينالها إلا من امتحن الله تعالى قلبه
__________________
بالإيمان قال تعالى : ( وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا
أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) ، وقال تعالى : ( وَاصْبِرْ
وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّـهِ ) .
وقد سئل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ما الإيمان ؟ ،
قال : « الصبر »
وقال أمير المؤمنين علي عليهالسلام : « الصبر أحسن حلل الإيمان وأشرف خلائق الإنسان »
وقال عليهالسلام : « الصبر عن الشهوة عفة وعن
الغضب نجدة وعن المعصية ورع » .
ثم ينتقل صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى المقطع
الثالث من الدعاء فيقول :
« ووفقني فيه
للتقى وصحبة الأبرار »
ولا شك بأن المؤمن يحتاج إلى توفيق الله تعالى له بالهداية شرط أن يكون مستعدا لها ، وقد ورد في الدعاء عن الإمام المهدي عليهالسلام قوله : « اللهم أرزقنا توفيق الطاعة
وبُعد المعصية ، وصدق النية ، وعرفان الحرمة ، وأكرمنا بالهدى ، والاستقامة ، وسدد ألسنتنا بالصواب والحكمة » .
ولا يستغني المؤمن عن التوفيق الإلهي في أموره كلها خصوصا ما يتعلق منها بطاعة الله وعبادته ، والخوف منه ، وكل ذلك بتوفيق الله ، والتُقى هو التقوى ، وما هو يُتقى به
__________________
سخط الله وذلك بلزوم الطاعات وترك المعاصي والمحرمات .
و [ الأبرار جمع بر ، وتجمع على بررة وكله مأخوذ لغة من برر ، والبر هو : ضد العقوق ، ويقال فلان يبر خالقه ، أي يطيعه ] ، وإذن الأبرار
هنا هم المطيعون والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يدعو الله تعالى أن يوفقه لصحبة الأبرار المطيعين لله تعالى .
ثم يختم صلىاللهعليهوآلهوسلم دعائه بقوله :
« بعونك يا قرة
عين المساكين »
فهو يستعين بالله تعالى أن يوفقه لكل ما تقدم لأن ذلك يحصل بعونه تعالى لعبده المؤمن ، إذا كان مستعدا لذلك يقال : لغة [ قرت عينه ضد سخنت وأقر الله عينه أعطاه حتى تقر فلا تطمح إلى من هو فوقه ، ويقال : حتى تبرُد ولا تسخن فللسرور دمعة باردة وللحزن دمعة حارة ] .
والمسكين جمعه مساكين ، وهو : الفقير الذي لا شيء له ، وقيل المسكين أحسن حالا من الفقير ، وقيل العكس .
__________________
دعاء اليوم الرابع
عشر :
« اللهم
لا تؤاخذني فيه بالعثرات ، واقلني فيه من الخطايا والهفوات ، ولا تجعلني فيه غرضا للبلايا ، والآفات بعزتك يا عز المسلمين »
أضواء على هذا الدعاء :
« اللهم
لا تؤاخذني فيه بالعثرات »
أخذ لغة تناول والمقصود بالدعاء هناك : اللهم لا تتناولني بالعقوبة إذا عثرت في حياتي فعصيتُ لك أمراً وخالفت لك حُكما .
وقد جاء في قوله تعالى : ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا
إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ
مِن قَبْلِنَا ) .
و [ العثرات جمع عثرة ، وهي : لغة الزلة التي تؤدي إلى السقوط ، فيقال عثر في ثوبه ، وعثر به فرسه فسقط ] .
والمقصود بها في الدعاء الذنوب التي تؤدي بالسقوط في المعاصي .
« وأقلني فيه من
الخطايا والهفوات »
__________________
و [ الخطايا جمع خطيئة ، وهي : الذنب والخاطئ من تعمد ما لا ينبغي ] .
و [ الهفوات جمع هفوة ، وهي : لغة الزلة وقد هفا يهفو هفوة ] .
والمعنيان هنا متقاربان ، ومعنى ذلك ، أي : يا ربي أحملني فيه على التباعد عن الخطايا والهفوات حتى أسرح في رياض طاعتك وأذوق حلاوة عبادتك ، وقد جاء في دعاء كميل :
« وأقلني
عثرتي ، وأغفر زلتي ، ولا تجعلني فيه غرضا للبلايا والآفات » .
والغرض ـ لغة ـ ، هو : الهدف الذي يُرمى فيه ويقال فيهم غرضه ، أي قصده .
والبلايا جمع بلية والبلوى والبلاء ، ومنه ما هو بلاء حسن ، ومنه بلاء خير حسن في نتائج البلاء وانعكاسها ، و [ الآفات جمع آفة ، وهي : العاهة والزرع وأصابتهُ آفة فتلف ] .
والمراد بالدعاء هنا : يا ربي لا تجعلني هدفا للمصائب ، والابتلاءات الصعبة التي يصعب النجاح فيها ، وادفع عني الأرزاء ، والعاهات وكل ما يمنعني من مواصلة عبادتك ، والصبر على طاعتك .
« بعزتك يا عز
المسلمين »
والعِزة ضد الذل والله تعالى هو : ذو العزة والجلال ويهب العِزة لأوليائه ، وفي طليعة أوليائه الرسول الأعظم
__________________
صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنون ، قال
تعالى : ( وَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) ، والله تعالى هو : عز
المسلمين الذين آمنوا به وعبدوه ، ووحدوه ، ولم يُشركوا به شيئا ، وآمنوا برسله ، وملائكته ، واليوم الآخر ، يستمدون قوتهم ومنعتهم ورفعتهم من صاحب العِزة الأول وهو : الله تبارك وتعالى ، ومن أسمائه الحسنى تبارك أسمه العزيز .
قال تبارك وتقدس : ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ
الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) .
__________________
دعاء اليوم الخامس
عشر :
« اللهم
أرزقني فيه طاعة الخاشعين ، وأشرح فيه صدري بإنابة المخبتين بأمانك يا أمان الخائفين »
أضواء على هذا الدعاء :
أحب شيء للمؤمن الصادق في إيمانه الطاعة المشتملة على الخشوع ، وقد وصف الله تعالى المؤمنين بالفلاح لأنهم خاشعون في الطاعة والعبادة وأهمها الصلاة ، يقول الحق تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) .
وطاعة الخاشعين هي : الطاعة المُثلى فهي طاعة يتصف صاحبها بالخشوع فيها دون تكلف ، أو رياء ، أو تمحل .
والخشوع هو : الخضوع وبابهما واحد ، والتخشع تكلف الخشوع ، وينبغي أن يكون الخشوع لله تعالى دون غيره ، والجوارح مرجعها القلب وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه رأى رجلا يصلي وهو يعبث بشيء ، فقال : « أن هذا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه » .
ثم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« واشرح فيه صدري
بإنابة المخبتين »
وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم مخاطباً نبيه الأمين :
( بِسْمِ اللَّـهِ
الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ : أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) .
__________________
وقد جاء في تفسيرها : [ ألم نفسحه حتى وسع مناجاة الحق ودعوة الخلق ، ألم نفسحه بما أودعنا فيه من الحكم ، وبما يسرنا لك تلقي الوحي ] .
والإنابة : هي الإقبال والتوبة ، يقال : أناب إلى الله تعالى أقبل وتاب .
و [ المخبتون ، هم : الخاشعون ، والإخبات ، هو : الخشوع ، يقال : أخبت لله تعالى ، أي : خشع ] .
والمراد من الدعاء أن يشرح الله تعالى صدر المؤمن في هذا اليوم بالإقبال على الطاعة التي يتجسد فيها الإخبات والخشوع ، وقد ورد في زيارة أمين الله عن المعصوم عليهالسلام قوله : « اللهم أن قلوب
المخبتين إليك والهة ، وسبل الراغبين إليك شارعة ، وأعلام القاصدين إليك واضحة » وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
) .
ثم يختم النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم الدعاء بقوله :
« بأمانك يا أمان
الخائفين »
أي بحمالك وجوارك فالله المجأ ، والمعين ، والأمان لمن يلتجأ إليه خائفاً ، مذعوراً ، منيباً .
والخائفون هنا من يخافون الله تعالى ويخشونه ويرجون لطفه ، وفضله في أن يتقبل منهم أعمالهم ، ويعفو عن ذنوبهم ، ويغفر لهم سيئاتهم بعد أن يعودوا إلى ساحة طاعته ، وهم
__________________
يأملون منه الرضا والقبول .
والخوف من الله درجة الأصفياء ، وقد ورد عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : « رأس الحكمة مخافة الله » .
وقال : « أعلى الناس
منزلة يوم القيامة أخوفهم منه » .
وقال أمير المؤمنين علي عليهالسلام : « أعلم الناس بالله أخوفهم منه » .
وقال : « الخوف سجن النفس
عن الذنوب ، ورادعها عن المعاصي » .
وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام : « ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفا كأنه يشرف على النار ، ويرجوه رجاء كأنه من أهل الجنة » .
وقال عليهالسلام : « من خاف الله عز وجل أخاف
الله منه كل شيء ومن لم يخف الله عز وجل أخافه الله من كل شيء »
__________________
دعاء اليوم السادس
عشر :
« اللهم
وفقني فيه لموافقة الأبرار ، وجنبني فيه مرافقة الأشرار ، وآوني فيه برحمتك إلى دار القرار بأِلوهيتك يا إله العالمين »
أضواء على هذا الدعاء :
« اللهم
وفقني فيه لموافقة الأبرار »
يسأل النبي الأعظم ربه تعالى أن يوفقه لموافقة الأبرار ، أي : يكون معهم وفي جماعتهم الصالحة ، و [ التوفيق ، هو : النجاح من قولهم وفقه الله ، وأستوقف الله سأله التوفيق ] .
وموافقة الأبرار تعني عدم مخالفتهم والكون معهم لأنهم أكثر الناس معرفة بالله تعالى ، وقد مدحهم الله تعالى بقوله :
( إِنَّ الْأَبْرَارَ
يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّـهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ) .
وقد فُسر الأبرار هنا بأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
« وجنبني فيه
مرافقة الأشرار »
كما يطلب صلىاللهعليهوآلهوسلم في دعائه أن
يوفقه الله لمرافقة الأبرار يدعو الله تعالى أن يجنبه ويبعده مرافقة الأشرار .
__________________
والمرافقة ، تعني : الصُحبة والرفقة ، وهي : لغة الجماعة ترافقهم في سفرك ، والجمع رفاق ، والرفيق ، هو : المرافق ، والجمع الرفقاء ، فإذا افترقوا ذهب أسم الرفقة ولا يذهب أسم الرفيق ، وهو أيضا واحد وجمع كالصديق ، قال تعالى : ( وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا ) .
و [ الأشرار جمع شَرّ ، وشرير ، وهو : كثير الشر ، والشر ضد الخير ، ويقال : فلان شرُ الناس ، والشِرة مصدر الشر ] .
وقد وردت الأحاديث في ذم الأشرار منها ، قول : النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « شر الناس عند الله يوم
القيامة الذين يُكرّمون اتقاء شرهم »
وقال أمير المؤمنين علي عليهالسلام : « شر الناس من يظلم الناس ، وشر الناس من لا يُبالي أن يراه الناس مسيئا »
وقال عليهالسلام : « الشر كامن في طبيعة كل أحد
فإن غلبه صاحبه بطن وان لم يغلبه ظهر » .
« وآوني فيه
برحمتك إلى دار القرار »
ودار القرار ، هي : الآخرة التي هي دار المقر والقرار بعد أن كان الإنسان في دار الممر وهي الدنيا الفانية الزائلة .
وآواه ، لغة أنزله ، والمأوى كل مكان يَأوي إليه شيء ليلا أو نهارا ، ويقال : آوى إلى منزلة ومنه قوله تعالى : ( سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي
مِنَ الْمَاءِ ) .
__________________
« بأِلوهيتك يا
إله العالمين »
وهنا يقسم المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم على الله تعالى
أن يوفقه لمرافقة الأبرار ، وأن يجنبه مرافقة الأشرار ، وأن يأويه وينزله برحمته إلى دار القرار بألوهيته المتفردة بالكمال المطلق ، والقدرة المطلقة ، والإرادة والمشيئة والعلم وكل صفات الكمال التي لا تليق إلا بالحق تبارك وتعالى ، وإله العالمين هو الخالق المتفرد بالخلق ، والذي لا ينازعه بذلك أحد ، قال تعالى : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ
وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) .
__________________
دعاء اليوم السابع
عشر :
« اللهم
أهدني فيه لصالح الأعمال ، وأقض لي فيه الحوائج والآمال يا من لا يحتاج إلى التفسير والسؤال يا عالما بما في صدور العالمين صل على محمد وآله الطاهرين »
أضواء على هذا الدعاء :
لا شك أن الهداية من الله تعالى والمقصود بها هنا التوفيق للأعمال الصالحة التي تقرب العبد من الله زلفى وتجعله من عباد الله الصالحين الذين سيكونون وارثين الأرض فيما بعد : ( أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) .
وقد أكد القرآن على صالح الأعمال في كثير من الآيات منها قوله تعالى : ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) ، وقال : ( إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) ، وقال تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا
إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) .
ثم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« وأقض لي فيه
الحوائج والآمال »
__________________
والحوائج جمع حاجة والله تعالى هو قاضي الحاجات وتُجمع الحاجة على حاجات أيضا ، وتبقى الحوائج معطلة إلى أن يأذن الله تعالى بقضائها .
والآمال جمع أمل وهو ما يأمله الإنسان ويرجوه من الخير والنجاح والرزق والصحة والعلم وكل ما يدر عليه بالنفع ، ويقال : [ لو لا الأمل لما أرضعت الأم رضيعها ولما زرع الزارع أرضه ] ، وقال الشاعر :
|
ما أضيق العيش
لو لا فسحة الأمل
|
ثم انتقل صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال :
« يا من لا يحتاج
إلى التفسير والسؤال »
والذي يحتاج إلى التفسير والسؤال ، هو : العاجز وأما القادر فهو من لا يحتاج إلى ذلك .
و [ التفسير ، هو : البيان لأنه مأخوذ لغة من فسر فسرا والفسر والتفسير شيء واحد ، وهو : البيان واستفسر ، سأله أن يُفسره ] .
والسؤال والمسألة ينبعان من الحاجة ، والضعف ، والفقر ، أما لطلب رزق ، أو دفع بلاء ، أو توضيح شيء . وهذه كلها يلجأ إليها الإنسان المفتقر لغيره ، والكل مفتقر إلى رحمة الله الغني .
__________________
« يا
عالما بما في صدور العالمين ، صل على محمد وآله الطاهرين » .
الله تعالى عالم بكل شيء ، وهو : القائل جل أسمه : ( وَاللَّـهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ) ، ويقول تعالى : ( يَعْلَمُ
خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) ، ويقول تعالى : ( وَلَقَدْ
خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ
حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ، ويقول : ( فَإِنَّهُ
يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ) ، ويقول تعالى : ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا
خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) .
ويختم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الأعظم دعائه
بقوله :
« صل على محمد
وآله الطاهرين »
وهم أشرف خلق الله ، وكيف لا وفيهم خير الخلائق أجمعين محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن بعده أهل
البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، والذي مثلهم « كمثل
سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها هلك » ، كما ورد في الحديث عن النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم .
__________________
دعاء اليوم الثامن
عشر :
« اللهم
نبهني فيه لبركات أسحاره ، ونور فيه قلبي بضياء أنواره ، وخذ بكل أعضائي إلى إتباع آثاره بنورك يا منور قلوب العارفين »
أضواء على هذا الدعاء :
الذي استفيده من هذا الدعاء أن ليلة هذا اليوم ، هي : من ليالي القدر التي ينبغي للمؤمن أن يسهر فيها لأحيائها بالعبادة والتهجد حتى بلوغ السَحَر ، وهي : ليلة عظيمة من ليالي شهر رمضان المبارك ، وفيها أصيب أمير المؤمنين علي عليهالسلام بالمحراب حتى
شهادته ليلة الحادي والعشرين من الشهر الفضيل سنة ٤١ هـ .
والنبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم يدعو الله أن
يكون منتبها ومستعدا لنيل بركات تلك الأسْحَار المفعمة بالإيمان والعطاء الروحي والتربوي .
ولغة ، يقال : [ نَبُه الرجل شَرفُ واشتهر فهو نبيه ونابه ، وهو : ضد الخامل ونبهه غيره تنبيها رفعه من الخمول ، وانتبه من نومه استيقظ وأنبهه غيره ونبههُ تنبيها ، ونبهه على الشيء وقفه عليه فتنبه هو عليه ] .
والبركات جمع بركة ، وهي : النماء ، والزيادة ، والتبريك الدعاء بالبركة ، ويقال : بارك الله لك وفيك وعليك ، وتبرك به تيمن به .
__________________
و [ الأسحار جمع سَحَر ، هو : قبيل الصُبح ، تقول لقيته سَحَرا إذا أردت به سَحَر ليلتك ] .
« ونَور قلبي فيه
بضياء أنواره »
والقلب يُشرق نورا بالطاعة ، ويكون قاتما ، معتما ، مظلما بالمعصية ، وضياء أنواره كل ما كان لله تعالى فيه شعار ، وحكم ، وأمر ، ونهي فإذا ألتزم الإنسان بذلك كله تشرق أنوار الطاعة في أسارير نفسه ، ويكون قلبه منعما بالهُدى والاستقامة فيكون أهلا للقبول والرضا عند الله تعالى فيُشمل بالرحمة الإلهية .
« وخذ بكل أعضائي
لاتباع آثاره »
والدعاء هنا أن تكون كل أعضاء الإنسان في خط الطاعة والاستقامة ، والانقياد ، والإتباع لآثار ذلك اليوم ، وهي : كل الأعلام التي نصبها الله لعباده ليطيعوه من خلالها ، وهي : التقيد والالتزام بالأوامر ، والانتهاء والابتعاد عن النواهي ، وبذلك يضمن العبد أنه من الطائعين المستحقين للرحمة الربانية .
« بنورك يا منور
قلوب العارفين »
ويسأله النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بنوره الأنوار
والله تعالى يصف ذاته المقدسة بقوله : ( اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ
نُورِهِ
__________________
كَمِشْكَاةٍ
فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ) .
وقال أمير المؤمنين علي عليهالسلام : « يا نور المستوحشين في الظلم »
وقد ورد في الدعاء الرمضاني في ليالي السَحَر قول الامام محمد الباقر عليهالسلام : « اللهم أني أسالك من نورك بأنواره ، وكل نورك نيّر ، اللهم أن أسألك من نورك كله » .
والله تعالى هو : الذي يُنير قلوب المؤمنين بالإيمان ، والهُدى ، والصلاح فيكون الإنسان مستقيما في حياته في أمور دينه ودنياه ، فهو نور المستوحشين في الظلم .
__________________
دعاء اليوم التاسع
عشر :
« اللهم
وفر فيه حظي من بركاته ، وسهل سبيلي إلى خيراته ، ولا تحرمني قبول حسناته يا هاديا إلى الحق المبين » .
أضواء على هذا الدعاء :
« اللهم
وفر فيه حظي من بركاته »
في هذه الفقرة من الدعاء يطلب صلىاللهعليهوآلهوسلم من الله تبارك وتعالى أن يجعل حظه ونصيبه وافرا مستفيضا من بركات ذلك اليوم ، وفي كل يوم بعده .
و [ الموفور ـ لغة ـ الشيء التام ، ويقال : وفر عليه حقه توفيراً ، واستوفره ، أي : استوفاه ، وهم متوافرون ، أي : هم كثيرُ ] .
« وسهل سبيلي إلى
خيراته »
أي : أجعل طريقي لاحباً إلى ما في ذلك اليوم من خيرات ونعم ، وقد ورد في دعاء آخر عن أهل البيت عليهمالسلام :
« اللهم
وأجعل رزقك لي واسعاً ، ومطلبه سهلاً ومأخذه قريباً ، ولا تعنني بطلب ما لم تقدر لي فيه رزقاً فإنك غني عن عذابي ، وأنا فقير إلى رحمتك » .
و [ الخيرات ، هي : البركات ، وهي مأخوذة ـ لغة ـ
__________________
من الخير ضد الشر ، والخير ، هو : المال أيضا ، يقال :
ترك فلان خيرا ، أي : مالا ] .
« ولا تحرمني قبول
حسناته »
أي : تقبل مني يا رب حسناتي فيه قبولا حسن ولا تحرمني رحمتك ، وعفوك ، ورضوانك بعد قبولها ، ولا تمنعني القبول ، يقال : حرمه الشيء ، أي : منعه إياه ، مأخوذة من حرمه الشيء يحرُمه .
والحسنات جمع حسنة ، وهي : ضد السيئة .
« يا هاديا إلى
الحق المبين »
والله تعالى ، هو الذي يهدي إلى الحق ، وهو القائل : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، وهو الذي أرسل الأنبياء كلهم بالهدى لهداية الناس وإرشادهم إلى الخير والصلاح ، وبما فيه صلاحهم وخيرهم ، قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ
رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ
كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) ، وأرسلهم بالكتب السماوية
التي تحمل لهم الهداية والاستقامة وآخرها القرآن الكريم الذي يقول عنه الحق تبارك وتعالى : ( ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ
هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) .
وكل الكتب السماوية نزلت في شهر رمضان المبارك و [ الحق ضد الباطل ، والحق أيضا واحد حقوق ، والمبين هو : الواضح الناصع ، يقال : بان الشيء بياناً إتضح فهو : بيّن ،
__________________
وكذا أبان الشيء فهو : مبين فهو واضح جلي لا غبار عليه
]
والهادي هو المرشد والدليل لأن الهُدى هو الرشاد والدلالة ، يقال : هداه الله للدين يهديه ، قال تعالى : ( الْحَمْدُ
لِلَّـهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ
هَدَانَا اللَّـهُ ) .
__________________
دعاء اليوم
العشرين :
« اللهم
أفتح لي فيه أبواب الجنان ، وأغلق عني فيه أبواب النيران ، ووفقني فيه لتلاوة القرآن يا منزل السكينة في قلوب المؤمنين »
أضواء على هذا الدعاء :
« اللهم
أفتح لي فيه أبواب الجنان »
وأبواب الجنان لا تفتح إلا للمطيعين القائمين والصائمين ، وقد ورد في الحديث : « إذا
أقبل شهر رمضان فتحت أبواب الجنان ، وأغلقت أبواب النيران ، وإن الشياطين أيديها مغلولة » ، أي : لا تفعل شيئا لأن الصائم القائم المتعبد أوصد على الشياطين كل الأبواب التي يمكن أن تنفذ منها ، حيث أن الصوم يدرب ويربي الإنسان على الطاعة والصبر عليها .
وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الصيام جُنة فإذا صام أحدكم
فلا يرفث ولا يصخب فإذا سابه أحد وقائله ، فليقل : إني صائم أني صائم » .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من صام صامت جوارحه » .
وقال أمير المؤمنين علي عليهالسلام : « صيام القلب عن الفكر بالآثام أفضل من صيام البطن عن الطعام »
وقال : « كم من صائم ليس
له من صيامه إلا الجوع والظمأ »
« وأغلق عني فيه
أبواب النيران »
ولا شك أن المعنى في هذا المقطع من الدعاء ، والمقطع الذي سبقه هو المعنى مجازي والمقصود بذلك ، أي : افتح لي أبواب رضاك ووفقني لطاعتك حتى تكون أبواب الجنة فيما بعد مُفَتحة لي فأدخلها ، وأبعدني عن معاصيك وزواجرك حتى تكون أبواب النيران مغلقة وموصدة ، ولا يتم ذلك إلا بأن يجهد الإنسان نفسه ، ويبذل وسعه ، ويجاهد هواه ، ويواظب على ما يُرضي الله ، ويبتعد عما يسخطه تعالى ليحظى بما آمله وطلبه من رب العالمين .
« ووفقني فيه
لتلاوة القرآن »
وهي : تلاوة التدبر والتأمل كما قال الله تعالى : ( أَفَلَا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) ، وكما قال تعالى
: ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ
مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) .
وشهر رمضان شهر القرآن وأفضل الأعمال في ليالي شهر رمضان وأيامه هو تلاوة القرآن والإكثار من تلاوته في هذا الشهر ففيه كان نزول القرآن الكريم ، وعن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام في تفسير قوله تعالى : ( إِنَّ
عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّـهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ ) ، قال : « فغرة الشهور رمضان ، وقلب
شهر رمضان ليلة القدر ، وفيها أنزل القرآن الكريم » .
__________________
فضل تلاوة القرآن ودراسته :
١ ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« أن
أردتم عيش السعداء ، وموت الشهداء ، والنجاة يوم الحسرة ، والظل يوم الحرور ، والهُدى يوم الضلالة فادرسوا القرآن فإنه كلام الرحمن وحرز من الشيطان ورجحان في الميزان »
٢ ـ قال جعفر الصادق عليهالسلام :
« أن
البيت إذا كان فيه المسلم يتلو القرآن يتراءاه أهل السماء كما يتراءا أهل الدنيا الكوكب الدري في السماء » .
ثم انتقل صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال :
« يا منزل السكينة
في قلوب المؤمنين »
و [ السكينة ـ لغة ـ هي : الوَدَاع والوقار والرجل الوديع الساكن والوادع أيضا ] .
وسكن الشيء هدأ واستقر والله تعالى كما في هذا المقطع هو من ينزل السكينة في قلوب المؤمنين ليطمئنوا إلى عفوه ورضوانه ، وبعد ذلك دخول جنته فإن هذه غاية ما يتمناه المؤمن ، والأمل الذي يسعى إليه ، وأن قلوب المؤمنين خير القلوب وأطهرها لأنها وعاء للإيمان والهُدى ، والصلاح ،
__________________
والخير وحب الآخرين ليس فيها أحقاد ، ولا ضغائن ولا غير ذلك .
وإذا كانت وعاء للإيمان فهي خير الأوعية إذا قال أمير المؤمنين علي عليهالسلام :
« يا
كميل أن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها فاحفظ عني ما أقول لك الناس ثلاثة فعالم رباني ، ومتعلم في سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق » .
__________________
دعاء اليوم الحادي
والعشرين :
« اللهم
أجعل لي فيه إلى مرضاتك دليلا ، ولا تجعل للشيطان فيه عليّ سبيلا ، واجعل الجنة لي منزلا ومقيلا يا قاضي حوائج الطالبين »
أضواء على هذا الدعاء :
« اللهم
أجعل لي فيه إلى مرضاتك دليلا »
المرضاة ، هي : الرضا والله تعالى لا يرضى إلا عن المطيع ، والنبي الأكرم يدعو الله تعالى أن يجعل له لما يُرضيه عنه دليلا يستدل به ، ونورا يهتدي به .
ومرضاة الله تعالى تحتاج إلى دليل يستدل به الإنسان على تلك المرضاة ، ولكن الله تعالى ، هو : الدليل الذي لا يحتاج إلى دليل .
قال الإمام الحسين عليهالسلام في دعاء يوم عرفة
: « متى غِبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ، ومتى بعُدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك ، وكيف يُستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ، عميت عين لا تراك عليها رقيبا ، وخسرت صفقة عبد لم يجعل لك من حبه نصيبا » .
وقال محيي الدين بن العربي : [ الله هو الذي يبرهن على الوجود ولا يصح أن نتخذ من الوجود برهان على الله تماما ، كما نقول أن النور يبرهن على النهار ، ونعكس الآية
__________________
لو قلنا أن النهار يبرهن على النور ] .
« ولا تجعل
للشيطان فيه عليّ سبيلاً »
و [ الشيطان معروف ، وكل عاتٍ متمردٍ من الأنس والجن والدواب شيطان ] .
وهو : الذي يزين للإنسان عمل السوء ، ويجره إليه فإذا فعله تخلى عنه وخذله ، قال تعالى : ( وَلَـٰكِن قَسَتْ
قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .
وقد عَلم النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم أصحابه كي يطردوا
الشيطان فقال : « إلا أخبركم بشيء
أن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق عن المغرب ؟ »
قالوا : بلى
قال : « الصوم يُسوّد
وجهه ، والصدقة تكسر ظهره ، والحب في الله والمؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره ، والاستغفار يقطع وتينه » .
وقال الإمام علي عليهالسلام : « ذكر الله مطردة للشيطان » وقال : « ذكر الله دعامة
الإيمان وعصمة من الشيطان » والسبيل هو الطريق ، قال تعالى : ( قُلْ هَـٰذِهِ
سَبِيلِي ) .
وقال تعالى : ( وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ
الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا )
__________________
والسبيل أيضا السبب ، قال تعالى : ( يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ
مَعَ
الرَّسُولِ
سَبِيلًا ) .
ثم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« وأجعل الجنة لي
منزلا ومقيلا »
الجنة ـ لغة ـ البستان ، ومنه الجنات ، والعرب تُسمي النخيل جنة ، وجنة الله تعالى التي أعدت للمتقين عرضها كعرض السماوات والأرض ، قال تعالى : ( سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ) ، قال المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من اشتاق إلى الجنة سارع
إلى الخيرات » ، وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أكثر ما تلج به آمتي الجنة
تقوى الله ، وحسن الخلق » ، وقال أمير المؤمنين علي عليهالسلام : « الدنيا دار الأشقياء ، والجنة دار الأتقياء » ، وقال الإمام جعفر الصادق عليهمالسلام : « ثلاث من أتى الله بواحدة
منهن أوجب الله له الجنة الأنفاق من إقتار ، والبُشر لجميع العالم ، والأنصاف من نفسه » .
والنبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم يدعو الله أن
تكون الجنة له منزلاً ومؤلاً ومعاداً يكون فيه النعيم الأبدي ، والسعادة الدائمة .
« يا قاضي حوائج
الطالبين »
والحوائج جمع حاجة ، وتجمع على حاجات ، وحوائج العباد بين يدي رحمة الله فهو القادر دون غيره على قضائها
__________________
وقضاء حوائج العباد التي يقدر المرء على قضائها من أفضل الأعمال لأن الله يسخر بعض عباده لقضاء حوائج المحتاجين ، وقد وردت في ذلك روايات عن أهل البيت عليهمالسلام حيث يقول الإمام جعفر الصادق
عليهالسلام : « الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة » .
وقال عليهمالسلام : « من قضى لأخيه المؤمن حاجة
قضى الله له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أولها الجنة » .
قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهالسلام : « أن الله عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة » .
__________________
دعاء اليوم الثاني
والعشرين :
« اللهم
أفتح لي فيه أبواب فضلك ، وأنزل عليّ فيه بركاتك ، ووفقني فيه لموجبات مرضاتك ، وأسكني فيه بحبوحات جناتك يا مجيب دعوة المضطرين »
أضواء على هذا الدعاء :
« اللهم
افتح لي فيه أبواب فضلك »
جعل المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم في دعائه هذا
لفضل لله تعالى أبوابا وهذه الأبواب يطرقها الأولياء بالطاعة ، والإنابة ، والعبادة ، ويدعو الله أن تكون هذه الأبواب مفتوحة لينهل المؤمن من فضل الله سبحانه وما أكثر أبواب فضل الله وما أوسعها للطالبين ، والراغبين ، والمطيعين .
وأبواب فضله سبحانه هي أبواب رحمته التي وسعت كل شيء وجميع المخلوقات ، وأبواب فضل الله وسعتها لا يمكن ان تملأ من علمنا القاصر المتناهي لسعتها اللا متناهية .
ومن أبواب فضل الله أن خلقنا وأمدنا بالحياة ، والصحة ، والرزق لنحيا ، ونبقى ، ونعمر الأرض لنا ولغيرنا ، وأن هدانا وأصلح أمرنا ووفقنا للإيمان ، والإسلام ، والاستقامة ، والولاية لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته
الطاهرين فكل ذلك بفضل من الله ، وتأييده ، وتوفيقه .
ثم قال المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« وأنزل عليّ فيه
بركاتك »
ولولا بركات الله لما أستطاع المرء أن يعيش ويبقى ، ولن يستغني العبد عن بركات رب العالمين ، ولكن المقصود هنا بالبركات ، هي : البركات المعنوية كالإيمان ، والصلاح ، والهداية التي لولاها لما استمر الإنسان في طاعة ربه وعبادته ، ومنها : الصيام تلك العبادة التي يكابد الإنسان خلالها ببعض النصب والمشقة ، ولذلك قال تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ ) .
وفي ذلك تخفيف للنصب والمشقة التي يُعانيها الصائم أثناء صومه خصوصا في الحر الشديد ، والساعات الطوال ، والعمل الشاق الذي يقوم به الإنسان الصائم في حياته لدنياه .
وقد قيل للأحنف بن قيس ، أتصوم هذا اليوم مع شدة الحر ؟!
قال : [ صمت ليوم أشد
منه حرا ]
ثم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« ووفقني فيه
لموجبات مرضاتك »
أي وفقني لما يوجب رضاك عني ، وما أكثر ما يوجب مرضاة الله تعالى سواء ما يقدمه الإنسان من عمل عبادي لنفسه ، أو ما يقدمه من أعمال للناس ويتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى ومنها إفطار الصائم ، وإكرام الضيف ، والمسح على رأس اليتيم ولتحنن عليه ، والمشي والعسي في قضاء حوائج الناس وكل ذلك يوجب مرضاة الله تعالى ، ويجعل الإنسان قريبا من رحمته ورضوانه .
__________________
ثم ينتقل صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الفقرة
التالية من الدعاء : فيقول :
« واسكني في
بحبوحات جناتك »
وهذا نظير ما تقدم من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وأجعل الجنة لي منزلا ومقيلا » .
ولغة يقال : [ بُحبُوبة الدار وسُطها ] ، والوسط يكون عادة أوسع وأرحب من غيره من أجزاء الدار ، والمقصود بالدعاء أسكني يا ربي في وسط جناتك لأنها أرحب وأوسع ، ولا يحصل الإنسان على ذلك إلا بالجهد والمكابدة ، وأن يحبس نفسه على طاعة الله ، ويصبر عن معاصيه .
« يا مجيب دعوة
المضطرين »
ومن غير الله تعالى يجيب دعوة المضطر ، وهو القائل : ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ
وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) ، والإجابة والاستجابة بمعنى واحد ، ومنه استجاب الله دعائه مأخوذة من إجابة عن سؤاله ، والمضطر يسأل الله وينتظر الإجابة ، والله هو المجيب له ، والدعوة هنا تعني الدعاء وجمعه أدعية ، قال تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي
عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) .
و [ المضطر ، هو : المحتاج إلى الشيء الملتجأ لغيره لخلاصه منه ، ويقال رجل ذو ضرورة ، أي : ذو حاجة ، وجمع المضطر مضطرون ] .
__________________
دعاء اليوم الثالث
والعشرون :
« اللهم
أرزقني فيه فضل ليلة القدر ، وصير أموري فيه من العسر إلى اليسر ، واقبل معاذيري وحطَّ عني الذنب والوزر يا رؤوفا بعباده الصالحين »
أضواء على هذا الدعاء :
١ ـ قال الشيخ القمي
في المفاتيح : [ اختلفت كتب الدعوات في تقديم بعض الدعوات والعبادات على بعض ، والرواية في ذلك غير معتبرة عندي لذلك لم أتعرض لشيء منه وقد ذكر الكفعمي دعاء اليوم السابع والعشرين لليوم التاسع والعشرين ولا يبعد أن تكون الأنسب على مذهب الشيعة الدعاء في الثالث والعشرين ] .
٢ ـ وقد سئل المرحوم
المرجع الراحل السيد الخوئي قدسسره عن ليلة القدر ، فقال : [ هي في روايات أهل البيت عليهمالسلام ، ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك ] .
ولذلك جعلت هذا الدعاء لليوم الثالث والعشرين .
والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول في دعائه :
« اللهم أرزقني
فيه فضل ليلة القدر »
وفضل ليلة القدر لا يعلمه إلا الله تعالى ، وهو القائل : ( لَيْلَةُ
__________________
الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) ، وقال : ( إِنَّا
أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ )
وليلة القدر هي قلب شهر رمضان المبارك ، وهي ليلة مميزة عن كل ليالي السنة بل هي خير من ألف شهر ، وهي خير وبركة لأنها فاتحة عهد جديد بالنسبة للعرب والبشرية ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا دخل العشر
الأخير من شهر رمضان شدّ مئزره ، وأحيا ليلة القدر ، وأيقظ أهله ، ويقول صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر » ، وأهل بيته يعلمون ليلة القدر .
قال الإمام محمد الباقر عليهالسلام لأبي الهُذيل : « يا أبا الهُذيل لا تخفى علينا ليلة القدر أن الملائكة يطوفون بنا فيها » .
ثم يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« وصير أموري فيه
من العسر إلى اليسر »
باعتبار أن الله تعالى يقدر في ليلة القدر ما شاء من أمره إلى السنة القابلة ، من أمر الموت ، والأجل ، والرزق ولذلك سميت ليلة القدر على بعض الأقوال وهي كثيرة .
والأمور هنا هي المطالب ، والمقاصد ، والحاجات ، وما يتعلق منها في أحوال الدنيا والآخرة ، والله تعالى يجعل لوليه بعد الضيق والشدة فرجا ، وبعد العسر يسرا ، قال تعالى :
__________________
( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب ) .
ثم يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« وأقبل معاذيري
وحطَّ عني الذنب والوزر »
والمعاذير والأعذار شيء واحد ، وهي : جمع عذر ، فإذا أعتذر الإنسان من ذنبه وأقلع عنه فإن الله تعالى قابل التوبة من عباده ، وقد قال علماء الاجتماع : [ أن التوبة أبلغ أنواع الاعتذار ] .
والله تعالى يحث الإنسان على التوبة والاعتذار من المعاصي ترغيبا منه تبارك وتعالى لعباده بالطاعة ، وإنقاذا لهم من العقاب ، ففتح لهم باب التوبة والعفو الإلهي لكي يفتحوا لهم صفحة جديدة ، وسجلا آخر وعند ذلك يحطَّ عنهم الذنوب والأوزار إذا كانوا صادقين في التوبة غير عائدين إلى المعصية ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ) .
ويختم النبي الأعظم دعائه بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« يا رؤوفا بعباده
الصالحين »
والله تعالى من أسمائه الحسنى الرؤوف الذي يرأف بعباده ، وهو أرأف وأرحم عليهم من أي قريب إليهم ، والمؤمن يستمطر رحمة الله وينتظر منه الرأفة والرحمة ، وإذا لم يرأف الله تعالى بالمؤمنين بمن يرأف إذن ؟! .
__________________
وقد ورد في دعاء كميل لأمير المؤمنين علي عليهالسلام قوله : « وكن اللهم بعزتك
لي في كل الأحوال رؤوفا ، وعليّ في جميع الأمور عطوفا » .
وقوله أيضا في نفس الدعاء : « يا مولاي فكيف يبقى في العذاب وهو يرجو ما سلف من حلمك ورأفتك ، أم كيف تؤلمه النار وهو يأملُ فضلك ورحمتك » .
__________________
دعاء اليوم الرابع
والعشرين :
« اللهم
أن أسألك فيه ما يُرضيك ، وأعوذ بك مما يؤذيك ، وأسألك التوفيق فيه لأن أطيعك ولا اعصيك يا جواد السائلين »
أضواء على هذا الدعاء :
سبق أن تكرر هذا المعنى في الأدعية المتقدمة مثل قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « اللهم أجعل لي إلى مرضاتك سبيلا » ، وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم أيضا : « ووفقني فيه لموجبات مرضاتك »
وكل ما يرضي الله تعالى من العبد ، هو : الالتزام بأوامره ، والانتهاء عن نواهيه ، فمن فعل ذلك فقد استحق رضا الله تبارك وتعالى .
ولا شك أن هناك أمورا آخرى تدخل في سجل ما يُرضي الله تعالى غير ما ذكرنا مثل إدخال السرور على قلوب المؤمنين ، وزيارة مرضاهم ، والسعي في قضاء حوائجهم وغير ذلك .
ثم يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« وأعوذ بك مما
يؤذيك »
وهنا يتعوذ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالله عز وجل مما
يؤذيه ، أي : يُسخطه ويغضبه بقرينة قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أسألك فيه ما يرضيك » ، والذي يقابل الرضا هو الغضب والسخط لا غير وإلا فإن
الله تبارك وتعالى أجل من أن يؤذيه شيء ، وهذا ما
أفهمه من فقرات هذا الدعاء .
و [ الاستعاذة مأخوذة ـ لغة ـ عاذ به واستعاذ به لجأ إليه ، وهي : عياذه ، أي : مُلجؤه ، وقولنا معاذ الله ، أي : أعوذ بالله أي : الجأ إليه وأستجير به ] .
وقد قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في دعاء آخر : « اللهم أني أعوذ بك مما استعاذ منه عبادك المخلصون ، وأسألك خير ما سألك عبادك الصالحون » .
وفي القرآن الكريم سورتان تسميان المعوذتين أولها سورة [ الفلق ] والتي تبدأ بقوله تعالى : ( بِسْمِ اللَّـهِ
الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) ، والثانية سورة [ الناس ] التي تبدأ بقوله تعالى : ( بِسْمِ اللَّـهِ
الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ )
ثم ينتقل صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الفقرة
الثالثة من الدعاء فيقول :
« وأسألك التوفيق
فيه لأن أطيعك ولا اعصيك »
ولا شك بأن توفيق الطاعة من الله تعالى بتوسط إرادة العبد الذي وطن نفسه على الطاعة فوفقه الله إليها وهداه لها فإذا كان المرء في طريق الطاعة والاستقامة فإن الله تعالى يزيد في توفيقه وهدايته فيستمر عليها ويواظب في طاعته لأنه أصبح أهلا للتوفيق ، وهو النجاح والفوز والفلاح في الأعمال فإذا حصل للإنسان ذلك التوفيق وتلك الهداية فإنه يبتعد عن ساحة معصية الله تعالى كل البعد ، ويكون من أهل
__________________
طاعته فقط ، ولم يكن في ذهنه تفكر في الذنوب والمعاصي
. ويختم النبي الأكرم دعائه بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« يا جواد
السائلين »
والجواد ، هو : الكريم الذي يتكرم على الناس ويجود والله تعالى هو أكرم الأكرمين وأجود الأجودين ، والسائل صاحب المسألة والحاجة لا يلجأ إلا لله تعالى طالبا قضاء حاجته وحل مسألته فيطرق باب أجود السائلين فهو أجود من سُئل وخير من أعطى يُعطي من سأله ومن لم يسأله تحننا منه ورحمة .
دعاء اليوم الخامس
والعشرين :
« اللهم
أجعلني فيه محبا لأوليائك ، ومعاديا لأعدائك مستنا بسنة خاتم أنبيائك يا عاصم قلوب النبيين »
أضواء على هذا الدعاء :
« اللهم
أجعلني فيه محبا لأوليائك ، ومعاديا لأعدائك »
والحب والبغض يجب أن يكونا لله وفي الله وحب الله يستوجب حب أوليائه ويستوجب أيضا بغض أعدائه ، وهو دليل الإيمان والالتزام بالمبادئ والقيم السماوية ، ولا يمكن أن تجتمع محبة الله ومحبة أعدائه في قلب واحد ، وكذلك لا يمكن أن تجتمع محبة أولياء الله ومحبة أعدائه في قلب واحد .
قال تعالى : ( لَّا تَجِدُ قَوْمًا
يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ
أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) .
ويروى أن الله أوحى إلى موسى هل عملت لي عملا ؟
فقال : « إلهي أني صليت
لك وصمت وتصدقت وزكيت »
فقال : « أن الصلاة لك
برهان ، والصوم جُنة ، والصدق ضل والزكاة نور فأي عمل عملت لي ؟! »
قال : موسى « إلهي
دُلني على عمل هو لك »
__________________
قال : « يا موسى هل
واليت لي وليا قط ، وعاديت لي عدوا قط ؟ »
فعلم موسى أن أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله .
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أتدرون أي عُرى الإيمان أواثق
؟ » قلنا : الصلاة .
قال : « الصلاة حسنة
وليست بذلك »
قلنا : الصيام .
فقال : مثل ذلك حتى ذكرنا الجهاد .
فقال : مثل ذلك .
قلنا : أخبرنا يا رسول الله ؟
قال : « أواثق عُرى
الإيمان الحب في الله والبغض فيه ، ولو ان رجلا صام النهار ولا يُفطر ، وقام الليل لم ينم ، وجاهد ولم يُحب في الله ويبغض في الله ما نفعه ذلك شيء » .
وعن أبي ذر رضياللهعنه قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أحب الأعمال إلى الله الحب في الله والبغض في الله »
وفي مكارم الأخلاق للطبرسي عن المعصوم عليهالسلام : « من تولى جائراً
في جوره كان قرين هامان في جهنم »
ويروى عن الحسن البصري قوله : [ مصارمة الفاسق قربان إلى الله عز وجل ] .
__________________
وقال أمير المؤمنين علي عليهالسلام : « إياك أن تُحب أعداء الله أو تُصفي ودك لغير أولياء الله فإن من أحب قوما حُشر معهم »
وقال الإمام الحسن السبط عليهالسلام : « القريب من قربته المودة وأن بَعُد نسبه ، والبعيد من باعدته المودة وأن قَرُبَ نسبه » وعن الإمام محمد الباقر عليهالسلام أنه قال : « البِشر الحسن ، وطلاقة الوجه مكسبة للمحبة وقربة من الله ، وعبوس الوجه وسوء البِشر مكسبة للمقت وبعد من الله » وقال جعفر الصادق عليهالسلام : « ثلاث تورث المحبة : الدين ،
والتواضع ، والبذل » .
ثم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« مستنا بسنة خاتم
أنبياءك »
أي : متبعا سنة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهي : المصدر
الثاني للتشريع بعد القرآن عند المسلمين ، وسنة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله ، وفعله ، وتقريره وقد يقول قائل أن الدعاء وارد عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فكيف يطلب من
الله أن يجعله مستنا بسنته ؟
والجواب على ذلك : لأن
سنة النبي ليست ملكا له ولا خاصة به فهي لعموم المسلمين ، وهو : سيدهم .
وقد يكون ذلك من باب تعليم المسلمين حتى يلتزموا بالسنة ولا يخالفوا لها أمرا .
لأن مَن يخالف أمراً أو نهياً للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقد خالف الله
__________________
وعصاه لأن الله يقول : ( مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ
فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ ) وقال : ( وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ ) ، ومخالفة الرسول ومعصية ما يصدر عنه مخالفة لله تبارك وتعالى .
ثم يختم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دعائه بقوله :
« يا عاصم قلوب
النبيين »
فالأنبياء عليهمالسلام معصومون والله
تعالى عصمهم من الذنوب والمعاصي والأخطاء لأنهم قادة وهُداة ، وهم : يهدون غيرهم إلى الصواب والصلاح فكيف يتصور في حقهم الانحراف أو الانزلاق والأخطاء ، والله تعالى وجد فيهم الاستعداد لذلك فعصمهم من الذنوب وكل ما لا يناسب مقامهم الديني والروحي والتبليغي المؤثر في الأمم والشعوب .
وقد ورد عن أمير المؤمنين علي عليهالسلام : « من ألهم العصمة أمن الزلل » .
وقال : « من اعتصم بالله
لم يضره الشيطان » .
__________________
دعاء اليوم السادس
والعشرين :
« اللهم
اجعل سعيي فيه مشكورا ، وذنبي فيه مغفورا ، وعلمي فيه مقبولا ، وعيبي فيه مستورا يا أسمع السامعين »
أضواء على هذا الدعاء :
« اللهم
اجعل سعيي فيه مشكورا »
أي أجعل عملي من صيام ، وقيام ، وتلاوة القرآن ، وسائر الفرائض والمستحبات مشكوراً ، أي : مقبولاً لديك ، ويقال : دائماً شكر الله سعيك .
والسُعي مأخوذ من قولهم : سعى سعياً ، أي : عدا وكذا إذا عمل وكسب .
و [ من أعمال الحج السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط تختتم في عمرة التمتع بالتقصير ، أي : أخدُ شيء من الشعر ، أو الأظافر ، ولكن الأحوط عدم الاكتفاء بأخذ شيء من أظافر اليد أو الرجل ، وتأخير الإتيان به عن الأخذ من الشعر ] .
ويكون السعي هذا بعد الطواف وركعتيه ، وهناك سعي آخر هو لحج التمتع يكون بعد طواف الحج وركعتيه ، ويكون بعد الوقوفين بعرفات ومِنى .
وشكر الله لعباده ، هو : قبوله بلطفه أعمالهم الصالحة .
__________________
ثم يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« وذنبي فيه
مغفورا »
فشهر رمضان شهر التوبة ، والمغفرة ، والإنابة ، والعودة ، والرجوع إلى الله تعالى ، وقد قال صلىاللهعليهوآلهوسلم في خطبته الشهيرة التي أستقبل بها شهر رمضان وهي من بليغ كلامه صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« أيها
الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة ، والرحمة ، والمغفرة » ، وقال : « أن الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم » .
والله تعالى يغفر ذنوب العباد إذا أقلعوا عنها وتركوها ، ويروى أن عيسى بن مريم عليهالسلام مر على قوم يبكون
، فقال : « ما لكم تبكون ؟ »
قالوا : نبكي لذنوبنا
فقال : « أتركوها تُغفر
لكم » .
والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يُعلم بذلك أمته
وإلا ليس للنبي ذنب .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« وعملي فيه
مقبولا »
وكل عمل يقوم به المرء ويكون خالصا لوجه الله تعالى سيكون مقبولا عند الله ، وعمل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في ذلك اليوم هو العبادة من صوم ، وصلاة ، وهداية الناس وإرشادهم لما فيه خيرهم وصلاحهم وكل ذلك عمل مقبول عند الله تبارك وتعالى
__________________
« وعيبي فيه
مستورا »
والعيب ، هو : الشيء المستقبح الذي لا يمكن إظهاره ، ولا بد من ستره ، والله تعالى هو ستار العيوب وغفار الذنوب
والإنسان يجب عليه أن يفتش عن عيوبه ليسترها قبل أن يتحدث عن عيوب الآخرين ، قال أمير المؤمنين علي عليهالسلام : « طوبى لمن منعه
عيبه عن عيوب المؤمنين من إخوانه »
وقال : « أعقل الناس من
كان بعيبه بصيرا ، وعن عيب غيره ضريرا » ، وقال أيضا : « من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره » .
ثم يختم الدعاء بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« يا أسمع
السامعين »
والله تعالى ، هو : أسمع السامعين ، وأبصر الناظرين ، وقد تفضل الله على الإنسان أن جعله سميعا بصيرا حيث يقول تعالى : ( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن
نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) .
وقال : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ
أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) ، وقال : ( أَسْمِعْ
بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ) .
وقال : ( وَاللَّـهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ
أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
) .
__________________
دعاء اليوم السابع
والعشرين :
« اللهم
اغسلني فيه من الذنوب ، وطهرني فيه من العيوب وامتحن قلبي فيه بتقوى القلوب يا مقيل عثرات المذنبين »
أضواء على هذا الدعاء :
« اللهم
اغسلني فيه من الذنوب »
أي : يا رب لا تجعل فيه عليّ ذنبا فأكون كمن يغتسل ولا يبقى عليه شيء من الأدران ، والصيام من العوامل المهمة والمؤثرة والمساعدة على إزالة الذنوب قال الإمام علي زين العابدين عليهالسلام ـ في رسالة الحقوق ـ : « وحق الصوم أن تعلم أنه حجاب ضربه الله عز وجل على لسانك وسمعك وبصرك وبطنك وفرجك ليسترك به من النار فإن تركت الصوم خرقت ستر الله عليك » .
ولا شك أن من كان بتلك المواصفات والنار عنه مستورة فإنه مغسول من الذنوب .
ثم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« وطهرني فيه من
العيوب »
والطهارة هنا هي طهارة معنوية لا طهارة بدنية مادية ، والعيوب جمع عيب ، وهو : كل ما يُستعاب المرءُ عليه ، ويستقبح فعله ، أي : لا تجعل فيه عليّ عيبا يُعيبني الناس عليه ، أو طهرني من العيوب التي لا ترضاها مني وأنت أعرف بها مني .
__________________
وامتحن قلبي فيه بتقوى القلوب ، والامتحان هو : الاختبار والابتلاء وبعده تكون النتيجة فإما يذهب بعدها إلى الجنة أو إلى النار أما النعيم وأما الجحيم ، التقوى ما يُتقى به سخط الله من ترك المعاصي والمواظبة على الطاعات ، فيكون الإنسان بذلك تقيا متقيا ، والتقوى أيضا للقلوب وليست للأجسام ، قال تعالى : ( ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ
اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى
الْقُلُوبِ
) .
وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في حادثة اشرنا
إليها سابقا ما مضمونه أن القلب إذا خشع خشعت الجوارح ، وقد حث الله تعالى على التقوى فقال : ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ
التَّقْوَىٰ ) ، وقال : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ
أَتْقَاكُمْ ) ، وقال : ( اتَّقُوا
اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) .
والتقوى تكون سببا في قبول الأعمال ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « يا أبا ذر كن للعمل بالتقوى
أشد اهتماما منك بالعمل »
وقال أمير المؤمنين علي عليهالسلام : « صفتان لا يقبل الله سبحانه الأعمال إلا بهما : ١ ـ التقى ، ٢ ـ والإخلاص »
وعنهم عليهمالسلام : « جدوا واجتهدوا وأن لم
تعملوا فلا تعصوا ، فإن من يبني لا يهدم يرتفع بناؤه وإن كان يسيرا ، وأن من يبني ويهدم يوشك أن لا يرتفع بناؤه » .
__________________
وصدق الله إذ يقول : ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ
اللَّـهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) .
ثم يختم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دعائه فيقول :
« يا مقيل عثرات
المذنبين »
والعثرات جمع عثرة ، وهي : الزلة والهفوة وبالتالي هي المعاصي والذنوب ، إذا فارقها الإنسان وتاب توبة نصوحا وعاهد الله أن لا يعود إليها فإن الله يغفرها ، ويقبل توبة التائبين وعودة المذنبين ، وهو القائل تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ ) .
قال الإمام علي عليهالسلام في دعاء كميل : « وأقلني عثرتي واغفر زلتي فإنك قضيت على عبادك بعبادتك »
__________________
دعاء اليوم الثامن
والعشرين :
« اللهم
وفر حظي فيه من النوافل ، وأكرمني فيه بإحضار المسائل ، وقرب فيه وسيلتي إليك من بين الوسائل يا من لا يشغله إلحاح الملحين »
أضواء على هذا الدعاء :
« اللهم
وفر حظي فيه من النوافل »
أي : أجعلني يا رب وافر الحظ كثيره بالإتيان بالنوافل التي يزداد المرء فيها قربا من الله وتكثر طاعته ويتعاظم أجره ، والنوافل تأتي بعد الفرائض التي يجب على الإنسان أن يؤديها امتثالا لأمر الله لأنه فرضها عليه وجعلها مفروضة ، أي : واجبة ، وأما النوافل فإن الإنسان إن أداها يُثاب على ذلك ، وإن تركها ليس عليه شيء .
والنوافل كثيرة منها صلاة الليل ، وهي : من أهمها ، وصلاة أول الشهر ، والنوافل اليومية الأخرى ، وصيام شهري شعبان ورجب مثل صيام شهر رمضان ، وغيرها من المستحبات الأخرى ، وفي مقدمتها الزيارات المخصوصة للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته
الطيبين الطاهرين .
وأكرمني فيه بإحضار المسائل ولعل المقصود بهذه الفقرة أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يدعو الله أن
يكرمه بأن تكون المسائل التي تقربه من الله وتبعده عن غيره حاضرة عنده وبين يديه وفي متناوله دون سهو أو غفلة أو نسيان ، وفي ذلك تذكير لأمته منه صلىاللهعليهوآلهوسلم أو قد يكون المطلوب أن يوفقه الله للطاعة ، والعبادة ،
والإخلاص ، والتجرد لله حتى يكون ذلك زادا له يوم القيامة يوم يقوم الناس ليوم الحساب ، فتعرض صحائف العباد على الله تعالى ، ويسأل الإنسان عما عمله فيكون جواب المسائل المقدمة إليه حاضرا في ذلك اليوم ، قال تعالى ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ
فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ
الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) ، وقال : ( وَقِفُوهُمْ
إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) .
ثم يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« وقرب فيه وسيلتي
إليك من بين الوسائل »
و [ الوسيلة ـ لغة ـ ما يتقرب به إلى الغير وجمعها الوسيل ، والوسائل ، والتوسيل ، والتوسل شيء واحد ، ويقال توسل إليه بوسيلة ، إذا تقرب إليه بعمل ] .
ومعنى هذه الفقرة واضح بعد معرفة الوسيلة لغويا ، أي : أجعل عملي الذي أتقرب به إليك قريبا منك بالرضا به والقبول مني .
ثم يختم صلىاللهعليهوآلهوسلم الدعاء بقوله :
« يا من لا يشغله
إلحاح الملحين »
وقد ورد في دعاء آخر : « يا
من لا تشتبه عليه الأصوات ،
__________________
ويا
من لا تُغلِّطهُ الحاجات ، ويا من لا يُبرمه إلحاح الملحين » .
وفي اللغة : [ الإلحاح كالإلحاف ، يقال : ألح عليه بالمسألة ، ويقال : ألحف السائل ، أي : ألحّ ، ويقال : ليس للملحف إلا الرد ] .
وقد ورد إن من آداب الدعاء الإلحاح في الدعاء ، وطلب المسألة ، فقد جاء : « إذا
دعوت فأسأل الله كثيراً فإنك تدعوا كريماً » .
والذي ينشغل بإلحاح الملحين ، هو : الذي ينسى ، ويشتبه ، ويسهو ، ويعجز عن إجابة الدعوات على كثرتها ، والله سبحانه منزه عن ذلك كله ، لأنه : العالم الخبير ، والسميع البصير ، والقادر على كل شيء قدير سبحانه وتعالى عما يصفون والحمد لله رب العالمين .
__________________
دعاء اليوم التاسع
والعشرين :
« اللهم
غشني فيه بالرحمة ، وارزقني فيه التوفيق والعصمة ، وطهر قلبي من غياهب التهمة يا رحيما بعباده المؤمنين »
أضواء على هذا الدعاء :
« اللهم
غشني فيه بالرحمة »
يقال في اللغة : غشّاه تغشية غَطَّاه ، ويقال : أستغشى بثوبه وتغشى به أي تغطى به .
والمقصود بالدعاء هنا ، أي : يا رب اجعلني مشمولاً برحمته في ذلك اليوم ، وغطيني بها حتى أنال رضاك عني ، والله تعالى رحمته قريبة من عباده المحسنين ، وهو القائل : ( إِنَّ رَحْمَتَ اللَّـهِ قَرِيبٌ مِّنَ
الْمُحْسِنِينَ ) .
وللرحمة موجبات نعرفها من خلال أحاديث وردت عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته الطاهرين
عليهمالسلام منها :
١ ـ قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حينما قال له رجل أحب أن يرحمني ربي .
فقال : « أرحم نفسك وارحم
خلق الله يرحمك الله »
٢ ـ وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « تعرضوا لرحمة الله بما أمركم به من طاعته »
٣ ـ قال الإمام علي
أمير المؤمنين عليهالسلام : « رحمة الضعفاء تستنزل الرحمة »
__________________
٤ ـ وقوله عليهالسلام : « أبلغ
ما تُستدر له الرحمة أن تضمر لجميع الناس الرحمة »
٥ ـ قول الإمام محمد
الباقر عليهالسلام : « تعرضْ للرحمة وعفو الله بحسن المراجعة ، واستعن على حسن المراجعة بخالص الدعاء والمناجات في الظُلم » .
« وارزقني فيه
التوفيق والعصمة »
أي : أرزقني فيه التوفيق والتأييد ، والمساندة ، والتسديد لفعل الطاعات والاستزادة من الخيرات ، والمواظبة على الحسنات للفوز بالباقيات الصالحات .
و [ العصمة ، هي : استحالة
صدور الذنب عن صاحبها عادة ] .
ولا شك بعصمة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأنبياء
والأئمة أهل البيت عليهمالسلام لأنهم الامتداد لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والمعصوم كما قال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : « هو الممتنع بالله من جميع المحارم »
وقد قال الله تعالى : ( وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّـهِ
فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) .
ثم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« وطهر قلبي من
غياهب التهمة »
وطهارة القلب نقاؤه من كل الشوائب والأدران التي تسبب
__________________
الابتعاد عن الله ، والوقوع في حبائل وشراك الشيطان .
والغياهب ، هي : الظلمات مفردها غيهب .
والتهمة ، هي : الإدانة قد تثبت وقد لا تثبت ، وقد وردت أحاديث عن أهل البيت عليهمالسلام في التهمة ، منها
:
١ ـ قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أولى الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة »
٢ ـ قول الإمام أمير المؤمنين
علي عليهالسلام : « مَن عَرَضَ نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن ، ومن كتم سره كانت الخيرة بيده » .
ثم يختم المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم الدعاء بقوله :
« يا رحيما بعباده
المؤمنين »
وتقدم قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « يا رؤوفا بعباده المؤمنين » ، والرؤوف والرحيم والرأفة والرحمة معاني قريب بعضها لبعض ، والله تعالى وصف ذاته المقدسة بأنه الرحمن الرحيم
__________________
دعاء اليوم
الثلاثين :
« اللهم
اجعل صيامي فيه بالشكر والقبول على ما ترضاه ويرضاه الرسول ومحكمة فروعه بالأصول بحق سيدنا محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين »
أضواء على هذا الدعاء :
« اللهم
اجعل صيامي فيه بالشكر والقبول »
أي : اجعل صيامي في اليوم الأخير من شهر رمضان شكرا لك على نعمائك وآلاءك ، لأن الشكر لا يكون باللسان فقط ، قال تعالى : ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ
شُكْرًا ) .
وقال أمير المؤمنين علي عليهالسلام : « من شكر النِعَم بجِنانه استحق المزيد قبل أن يظهر على لسانه »
وقال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : « شكر النعمة اجتناب المحارم ، وتمام الشكر قول الرجل الحمد لله رب العالمين »
وقال عليهالسلام : « من أنعم الله عليه بنعمة
فعرفها بقلبه فقد أدى شكرها »
وقال الإمام الحسن العسكري عليهالسلام : « لا يعرف النعمة إلا الشاكر ، ولا يشكر النعمة إلا العارف » .
وتقبل مني صيامي فيه وأجعله في صحائف أعمالي خالصا لوجهك الكريم فإن غاية ما آمله هو قبولك ورضاك وما يرضاه
__________________
عني رسولك الكريم الذي أرسلته بالهُدى ، ودين الحق
هاديا ، ومبشرا ، ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، ورضا رسولك من رضاك ، لأن طاعة رسولك طاعة لك ولعظيم شأن نبيك صلىاللهعليهوآلهوسلم قرنت استغفار
الظالمين أنفسهم لك باستغفار الرسول لهم إذ قلت جلت أسمائك : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ
الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) .
وأجعل صيامي « محكمة
فروعه بالأصول »
أي : أن صيامي والذي هو من الفروع ناشئ عن اعتقادي بوجودك ووحدانيتك ، وأن العبادة لا تكون إلا لك ولا يستحقها غيرك إذ لا إله إلا أنت سبحانك تقدست أسماؤك وعظم كبريائك بحق سيدنا محمد وآله الطاهرين عليهمالسلام والحمد لله رب العالمين على توفيق الطاعة .
__________________

الخاتمة
:
بهذا
الحديث نكون قد انتهينا من ألقاء ضوء بسيط على أدعية الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والتي كان يدعو بها في كل يوم من أيام شهر رمضان المبارك ، وهي : في غاية البلاغة ، وفي قمة الفصاحة على قصرها واختصارها ، وفعلا كما قيل : [ خير الكلام ما قلّ ودل ] .
وقد
وجدنا فيها المتعة الروحية والزاد المعنوي الإيماني الوفير خصوصا في رحاب الشهر الفضيل الذي هو شهر الدعاء والرجاء ، وشهر الصلاح والفلاح .
وأن
خير الزاد يتزود به الإنسان في دنياه لآخرته رجوعه لربه الكريم وطاعته له بالعبادة والتهجد والخشوع ، ولا شك أن أجواء الدعاء توفر ذلك كله للإنسان المؤمن ، ومن هنا كنا حريصين أن تكون رحلتنا في هذا الشهر مع سيد الخلق الذي هو أعرف الخلق بالله تعالى وأحكامه ، وآداب دينه .
نسأل
الله لنا ولكم السداد ، والرشاد وخير الدين والدنيا أنه سميع مجيب .

المصادر :
١ ـ
القرآن الكريم
٢ ـ
الأربعون حديثا
الإمام المقدس السيد : الخميني
٣ ـ
الأصول العامة للفقه المقارن
السيد : محمد تقي الحكيم
٤ ـ
أفضل الشهور
محمد علي جواد
٥ ـ
بحار الأنوار
الشيخ : محمد باقر المجلسي
٦ ـ
تفسير القرآن
السيد : عبد الله شبر
٧ ـ
التفسير المعين
الشيخ : محمد الهويدي
٨ ـ
حوار مع صديقي الملحد
الدكتور : مصطفى محمود
٩ ـ
كشف الغمة في معرفة الأئمة
الشيخ : علي بن عيسى الأربلي
١٠
ـ كنز الدقائق وبحر الغرائب ، ( تفسير )
الشيخ : محمد رضا المشهدي
١١
ـ كنز العرفان في فقه القرآن
المقداد السيوري الحلي
١٢
ـ الطاقة الإنسانية
الأستاذ : أحمد حسين
١٣
ـ الطب محراب الإيمان
الدكتور : خالص جلبي
١٤
ـ المائة الأوائل
مايكل هارت
١٥
ـ مجلة العربي
إصدار وزارة الإعلام الكويتية
١٦
ـ مجمع البيان في تفسير القرآن
الشيخ : الطبرسي
١٧
ـ مختار الصحاح
محمد بن أبي بكر الرازي
١٨
ـ مرقاة الجنان
السيد : حسن اللوساني
١٩
ـ معجم المصطلحات الأصولية
السيد : محمد الحسيني
٢٠
ـ مفتاح الجنة
الأستاذ : حسن الكتبي
٢١
ـ مفاتيح الجنان
الشيخ : عباس القمي
٢٢
ـ مكارم الأخلاق
الشيخ : الطبرسي
٢٣
ـ مناسك الحج
آية الله العظمى السيد : علي السيستاني
٢٤
ـ الميزان في تفسير القرآن
السيد : محمد حسين الطباطبائي
٢٥
ـ النصائح الكافية
السيد : محمد بن عقيل العلوي
٢٦
ـ نفحات إيمانية
الشيخ : محمد جواد مغنية
٢٧
ـ نهج البلاغة ، ( من كلام أمير المؤمنين علي عليهالسلام )
الشريف الرضي
٢٨
ـ وسائل الشيعة
الشيخ : محمد بن الحسن الحر العاملي

الفهرس :
تمهيد ......................................................................... ٥
صاحب
الأدعية ................................................................ ٦
قالوا في
محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ........................................................... ٨
الدعاء ...................................................................... ١٠
المؤمن
والدعاء ................................................................ ١٢
آداب عامة
لاستجابة الدعاء ................................................... ١٣
شهر رمضان
................................................................. ١٥
أسماء
الشهر .................................................................. ١٦
دعاء
اليوم الأول .............................................................. ١٨
دعاء
اليوم الثاني .............................................................. ٢٢
دعاء
اليوم الثالث ............................................................. ٢٥
دعاء
اليوم الرابع .............................................................. ٢٨
دعاء
اليوم الخامس ............................................................ ٣١
دعاء
اليوم السادس ........................................................... ٣٥
دعاء
اليوم السابع ............................................................. ٣٨
دعاء
اليوم الثامن ............................................................. ٤٠
دعاء
اليوم التاسع ............................................................. ٤٤
دعاء
اليوم العاشر ............................................................. ٤٧
دعاء
اليوم الحادي عشر ....................................................... ٤٩
دعاء
اليوم الثاني عشر ......................................................... ٥١
دعاء
اليوم الثالث عشر ........................................................ ٥٥
دعاء اليوم الرابع عشر ......................................................... ٥٨
دعاء اليوم الخامس عشر ....................................................... ٦١
دعاء اليوم السادس عشر ...................................................... ٦٤
دعاء اليوم السابع عشر ....................................................... ٦٧
دعاء اليوم الثامن عشر ........................................................ ٧٠
دعاء اليوم التاسع عشر ........................................................ ٧٣
دعاء اليوم العشرين ........................................................... ٧٦
دعاء اليوم الحادي والعشرين
................................................... ٨٠
دعاء اليوم الثاني والعشرين
..................................................... ٨٤
دعاء اليوم الثالث والعشرين
.................................................... ٨٧
دعاء اليوم الرابع والعشرين
..................................................... ٩١
دعاء اليوم الخامس والعشرين
................................................... ٩٤
دعاء اليوم السادس والعشرين
................................................... ٩٨
دعاء اليوم السابع والعشرين
.................................................. ١٠١
دعاء اليوم الثامن والعشرين
................................................... ١٠٤
دعاء اليوم التاسع والعشرين
.................................................. ١٠٧
دعاء اليوم الثلاثين .......................................................... ١١٠
الخاتمة ..................................................................... ١١٣
المصادر .................................................................... ١١٥
الفهرس .................................................................... ١١٩
|