بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله الذي علم الانسان ما لم يعلم ، وصلّى الله على نبيه المصطفى ورسوله المسدد محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد : فإن من الحقائق الراهنة التي لا بدّ من التسليم بها : أنّ التراث الفقهي عند الشيعة الامامية يشكل ثروة عظيمة ، والجهد المبذول في سبيله يتميز بين فقه المذاهب الأخرى باتسامه بالموضوعية ، وابتعاده عن التحيز والعصبية وتجاوز الواقعية ، ولمراعاته الدقيقة لأصول البحث العلمي والجدل الحر المنفتح على الآراء المختلفة لجميع المذاهب الاسلامية.

وإذا كان الكثير من المصادر الفقهية ، والموسوعات المتخصصة قد أصابها التلف والضياع عبر العصور المتوالية بما جرى فيها من الظلم على طائفة الشيعة خاصة ، وعلى عموم المسلمين نتيجة للكثير من الفتن المتلاحقة ، والحروب والغزوات من قبل المغول وغيرهم ، والسعي المحموم من قبل المراكز الأوربية من خلال الآلاف من المستشرقين والتجار الذين كانوا يجوبون الوطن الاسلامي الكبير بحثا عن المخطوطات النادرة والنفيسة لتنقل بصلافة وجرأة إلى المكتبات المتفرقة في أوربا بعيدا عن أصحابها


الشرعيين والذين هم بأمس الحاجة إليها ، مضافاً إلى حالات الاهمال واللامبالاة الموجودة لدى البعض ممن توارثوا هذا التراث العظيم من خلال نسخه المخطوطة.

نعم إذا أدركنا كلّ هذه الحقائق فإنا سنجد أمامنا آفاقا واسعة تترجم الشكل العميق والرصين لنشأة الكثير من المفاهيم والأدلة الخاصة بالأدلة الشرعية الاجمالية لمفهوم الفقه الاسلامي بشكل عام ، مع أن هناك أكثر من عشرة قرون تم خلالها تدوين هذا الفقه وضبطه في مؤلفات فقهية مختصرة وموسعة.

وأيا يكن فنحن من خلال بحثنا المختصر هذا سنحاول أن نستعرض ولو جانبا محددا عن ماهية الفقه ودوره المؤثر في تنظيم حياة البشرية ، مستطرقين من خلالها إلى شرح مبسط عن المذاهب الفقهية الاسلامية وصولا إلى صلب حديثنا عن الفقه المقارن ، وما كتب فيه ، وما هي أبعاده.

الفقه لغة واصطلاحا

الفقه كما قد تتوافق على ذلك جميع المصادر لغوياً : بأنه العلم بالشي والفهم له.

فقد ذكر الجوهري في الصحاح : الفقه : الفهم. قال أعرابي لعيسى ابن عمر : شهدت عليك بالفقه.

تقول منه : فقه الرجل ، بالكسر. وفلان لا يفقه ولا ينقه. وافقهتك الشيء (١).

__________________

١ ـ الصحاح ـ فقه ٦ : ٢٢٤٣.


وجاء في القاموس المحيط : الفقه ( بالكسر ) : العلم بالشي والفهم له والفطنة ، غلب على علم الدين لشرفه (١).

وفي لسان العرب : الفقه : العلم بالشي والفهم له ، والفقه الفطنة (٢).

وإلى هذا المعنى أشار قوله تعالى في كتابه الكريم ( قَالوا يا شُعَيبُ ما نَفقَهُ كَثيراً مِمّا تَقولُ ) (٣) أي لا نعلم ولا نفهم حقيقة كثير مما تقول (٤).

يقول ابن القيم : والفقه أخص من الفهم ، وهو فهم مراد المتكلم من كلامه ، هذا قدر زائد على مجرد وضع اللفظ في اللغة ، وبحسب تفاوت مراتب الناس في هذا تتفاوت مراتبهم في الفقه والعلم.

ويقول الآمدي : الفهم عبارة عن جودة الذهن ، من جهة تهيؤه لاقتناص كلّ ما يرد عليه من المطالب ، وإن لم يكن المتصف به عالماً ، كالعامي الفطن (٥).

وأما اصطلاحاً فإن كلمة الفقه في أول الأمر كانت تطلق على معارف الشريعة ، حيث فسر بذلك قول رسول الله 9 : « رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ».

وبهذا المعنى فسر قوله تعالى ( فَلَولا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرقَةٍ مِنهم طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهوا في الدِّينِ وَليُنذِروا قَومَهُم إذا رَجَعُوا إلَيهم لَعَلَّهم يَحذرون ) (٦).

وكذلك قوله 9 : « من يرد الله به خيراً يفقهه في

__________________

١ ـ القاموس المحيط ٤ : ٢٨٩.

٢ ـ لسان العرب ١٣ : ٥٢٢.

٣ ـ هود ١١ : ٩١.

٤ ـ تفسير الطبري ١٢ : ٦٤.

٥ ـ الأحكام في أصول الأحكام ١ : ٧.

٦ ـ التوبة ٩ : ١٢٢.


الدين ».

إلا أن التمايز التدريجي للمعارف الدينية المختلفة ، وتبلور الشكل المستقل لهذا العلم ، واستقلاله بقواعد وأحكام حيث انحصر بحدود الأحكام الشرعية الخاصة بأفعال المكلفين أدى إلى خروج الفقه اصطلاحاً عن حدود المعنى السابق ليدخل مرحلة أخرى من مراحل تطوره ، وليصبح له مدلوله المقتصر على الأحكام العملية ، أي ما يسمى بالعبادات والمعاملات ، وحيث يستمر في التطور والترقي عند ما يتوسع الفقهاء في مدلول كلمة الفقه هذه ، وذلك الاجتهاد المختص ، فأصبحت هذه الكلمة تطلق على العلم بالأحكام الشرعية الفرعية العملية بطرقها المختلفة ، أو المستمدة من الأدلة التفصيلية (١) ومن خلال هذا الاستعراض الموجز يظهر بوضوح أن الفقه هو ـ تحديداً ـ العلم بالأحكام العملية دون الاعتقادية ، وأن الاجتهاد يتأطر ضمن المواضع التي ليس لها أحكام قطعية تدل عليها النصوص الثابتة التي لا تحتمل خلافاً ، فلا يسمى العلم بالضروريات فقهاً ، ولا الاعتقادات ولا الموضوعات الخارجية ، بل يختص بالأحكام الفرعية الظنية المستنبطة.

بين الفقه والفقهاء

لعل التأمل في المكانة التي تحتلها الفقه والفقهاء في نظر الشارع المقدس إليهما تظهر بوضوح عمق الأثر الذي لا يمكن الاعراض عنه في حياة البشرية جمعاء ، والمسير الحثيث نحو الآخرة المطمئنة السعيدة.

__________________

١ ـ في كتب معالم الأصول ( ص ٦٦ ) : والفقه في الاصطلاح هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية.


أجل إنّ للفقه وحملته مكانة عظيمة قد لا يرقى إليها شأن آخر ، مهما علا ، ولا غرو في ذلك ، فالفقه يعد ـ بلا شك ـ القانون والمعيار الذي يستطيع من خلاله المسلم إدراك حقيقة عمله أحلال هو أم حرام ، بل أصحيح هو أم فاسد ، وما أدق وأعظم هذا الأمر في حياة المسلم.

ولذلك نجد الأحاديث المستفيضة التي تحتوي على جمل وكلمات عظيمة من الاطناب والثناء تنهال على هذا العلم المقدس وأهله.

قال رسول الله 9 : « من يرد الله به خيراً يفقّهه في الدين » (١).

وقال 9 : « فقيه أشدّ على الشيطان من ألف عابد » (٢).

وقال أيضاً : « إنّ رجالاً يأتونكم من أقطار الأرضين يتفقّهون في الدين ، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيراً » (٣).

وقال 9 : « خصلتان لا تجتمعان في منافق : حسن سمت ، ولا فقه في الدين » (٤).

وقال 9 : « خياركم أحاسنكم أخلاقاً إذا فقهوا » (٥).

وسئل 9 : من خير الناس؟ فقال : « أفقههم في دين الله ... »(٦).

__________________

١ ـ أمالي المفيد ١ : ١٥٨ / ٩ ، صحيح البخاري ١ : ١٦ ، سنن الدارمي ١ : ٧٤ ، مسند أحمد ١ : ٣٠٦.

٢ ـ سنن الترمذي ٥ : ٤٨ / ٢٦٨١.

٣ ـ أمالي الطوسي ٢ : ٩٢ ، سنن الترمذي ٥ : ٣٠ / ٢٦٥٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٩٢ / ٢٤٩.

٤ ـ أمالي المفيد ١ : ٢٧٤ / ٥ ، سنن الترمذي ٥ : ٤٩ / ٢٦٨٤.

٥ ـ مسند أحمد ٢ : ٤٦٧.

٦ ـ مسند أحمد ٦ : ٦٨.


وقال 9 : « أفضل العبادة الفقه ... » (١).

وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 : « من اتجر بغير فقه فقد ارتطم في الربا » (٢).

وقال 7 : « القرآن جعله الله ... وربيعاً لقلوب الفقهاء » (٣).

وقال الامام الصادق 7 : « ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقّهوا في الحلال والحرام » (٤).

الفقه الاسلامي ونشأة المذاهب الفقهية

لقد كانت الحقبة الزمنية الممتدة من بدايات القرن الثاني وحتى منتصف القرن الرابع الهجري تقريباً مقطعاً هاماً ، وانعطافاً ملحوظاً في تبلور ونشأة الكثير من الأفكار والأطروحات العقائدية والفكرية المختلفة على طول الأرض الاسلامية ، وإن كانت تتبلور بشكل أوضح في بعض المدن الحساسة كبغداد مثلا ، والتي أصبحت حاضرة كبيرة من حواضر الثقافة الاسلامية ، ضاهت برفعتها ، وخلال فترة الكوفة والمدينة ودمشق.

ولا غرو في ذلك فإن ذلك العصر كان شاهداً لعدّة من التغيرات الواضحة في البنية الفكرية وقواعدها المعروفة ، لطروء الكثير من المؤثرات الداخلية والخارجية الفاعلة ، والتي وجدت في الكثير من مرابعها الاستعداد النفسي والحضاري لتلقيها والتأثر بها ، بل وبناء الجم الوفير من التصورات

__________________

١ ـ الخصال : ٣٠ / ١٠٤.

٢ ـ نهج البلاغة ٣ : ٢٥٩.

٣ ـ نهج البلاغة ٣ : ٤٢.

٤ ـ المحاسن : ٢٢٩ / ١٦٥.


استناداً وتأثّراً بالفعل الخاص بها.

فلقد توسعت الاسلامية ، وضربت بأطناب سلطتها في أصقاع بعيدة وقاصية من أرض المعمورة ، ودخلت تحت ظل وجودها الكثير من الشعوب والقوميات المختلقة ، بعقائدها وأفكارها الخاصة والمعقدة ، بل وذات العمق الحضاري الذي تضرب جذوره في أعماق سحيقة من التأريخ ، وكان لا بدّ من أن تنبعث هذه الأفكار بشكل أو بآخر لتجد لها موطأ قدم على أرض الواقع المعاشي ، وتلك حقيقة لا ينفيها العقلاء ، فأوجدت هذه الحالة بعدين جديدين أمام الفكر الاسلامي وقاعدته الواسعة :

١ ـ العبد الأول : ويتمثل بقدرة الفكر السلامي على رد جميع الشبهات والأفكار الدخيلة اعتماداً على قدرة هذا الفكر على التطور والاستيعاب وإيجاد البدائل.

٢ ـ البعد الثاني : ويتمثل بالتأثر بشكل أو بآخر ، بهذه الأفكار وتسرّبها بأكثر من شكل وستار إلى البعض لتطرح من جديد بثوب إسلامي شرعي.

ولقد كان موقف أئمة أهل البيت : واتّباعهم يمثل بوضوح الشق الأول بريادة الامام جعفر بن محمد الصادق 8 ، حيث كان تأسيسه لمدرسته العلمية يمثل في أهم أبعاده السد الحائل أمام نفوذ الكثير من تلك الأطروحات الغريبة إلى داخل البنيان الاسلامي ، وحاجزا أمام نشوء حالة الاختلاط المريب والتسرب البطيء الذي يشكل مع الأيام وجوداً خطراً على عموم البنيان الاسلامي العظيم.

إن التأمل اليسير في حجم التسرب الفكري والعقائدي الذي أصاب رواد الشق الثاني الذي أشرنا إليه آنفا يبيّن بوضوح عظم الأثر الذي تركته هذه المدرسة المباركة الكبرى.

إن هذا العصر كان شاهداً للكثير من التطورات والتغيرات المهمة


والكبرى وعلى أصعدة واسعة ومختلفة تركت آثارها الواضحة على البناء الفكري والثقافي للمجتمع الاسلامي ، ومن ذلك انتشار صناعة الورق أبان تلك الفترة الزمنية ، فكان ذلك سببا مباشرا في سهولة الحصول على الكتب والمؤلفات التي كان يصعب الحصول عليها بعسر استنساخها على أوراق البردي أو الرق.

مضافا إلى ما شهده العصر العباسي الأول من اعتناء واسع بالترجمة عن الثقافات الأجنبية ، والتي بدأت في عصر المنصور ( ت ١٥٨ ه‍ ) وبلغت أوجها في عصر المأمون بعد أن انشاء أبوه الرشيد دار الحكمة وجلب إليها الكتب من أنحاء المعمورة ، واستقدم العديد من المختصصين بالترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية ، وكان من نتيجة ذلك أن نشأت طبقة متضلعة بالترجمة عمدت إلى تعريب الكثير من المؤلفات الرومانية والفارسية واليونانية والهندية وغيرها ، فواجه المفكر المسلم ، والعامة من الناس ثقافات جديدة وغريبة ، فتعاملوا معهما كما أشرنا سابقا بين المد والجزر.

ولعل من الحلقات الكبرى في هذا الوضع الجديد على الساحة الاسلامية ، والذي عمد إلى استثمار الفرص الأخرى التي أشرنا إليها ، هو نشوء الدولة العباسية ، واستقرار دفة الأمور بيديها.

فبعد أن استقر المقام بالعباسيين على سدة الدولة الاسلامية ، وجدوا أن من غير المنطقي استمرارهم في التمسك بالكثير من الشعارات التي تاجروا بها ردحا من الزمن ، واتخذوها وسيلة للوصول إلى قمة الهرم في الدولة الاسلامية ، وحيث كانوا يدركون خطر الاستمرار في التمسك بها والدعوة إليها على وجودهم وتربعهم على سدة الحكم.

ومن أهم تلك الشعارات التي نادوا بها طويلا ، وكانت العامل الأكثر حساسية في التفاف الكثير حولهم ، هو شعار الدعوة لآل محمد صلّى الله


عليه وعليهم ، والذي أكسبهم الكثير من الشرعية عند عموم المسلمين.

نقول بعد ذلك الأمر كان لا مناص أمام الدولة العباسية وحكامها إلّا البحث عن البدائل الأخرى ، فعمدوا إلى تقريب العلماء والمفكرين ، لا لغرض علمي أو ديني كما توهمه البعض أو يريد أن يصوره للآخرين ، بل لغرض سياسي بحت ، هو إضفاء صفة الشرعية على حكمهم ، فكان أن ارتاد بلاطهم الكثيرون من المستجدين فتات موائدهم ، بهدف إزواء فقهاء أهل البيت :.

كما أن الدولة شخصت بشكل أو بآخر نمو الكثير من المذاهب والمعتقدات المختلفة لأغراض شتى متفاوتة ، بين الجهل ، وإضفاء صفة الحرص على العلم على دولتهم ، وإيجاد البدائل الممكنة قبالة مذهب أهل البيت :.

بلى إننا عندما نجزم بحقيقة توجه الدولة العباسية المعادي لخط أهل بيت النبوة : لا يعني ذلك مخالفتنا الفكرية والعقائدية لتطور الأفكار ونموها بقدر ما أردنا الاشارة إليه من تدبير خطير تعاهدته أيدي العباسيين بالرعاية والاهتمام.

ولذا فإن البذور الأولى لنشأة المذاهب الفقهية الاسلامية قد تكونت إبان حكم الدولة العباسية ، وأخذت تشتد بمرور الأيام ثم تبين استقلالها وتفرقها بوضوح بعد تردي أوضاع هذه الدولة ، وانقسام الحياة الفكرية العامة لدى المسلمين ، وسعي تلاميذ أصحاب المذاهب الفقهية المختلفة الدؤوب في الدعوة إلى مذاهبم ، بعيدا عن مذهب أهل البيت : ، وحيث بقي طوال تلك المدة عرضة للمطاردة والتنكيل ، يقابله اعتناق البعض من الحكام لمذاهب معينة وفرضهم على الساحة أن تكون خالية مما عداه من المذاهب الأخرى إلّا المذهب الذي يؤمن به.


المذاهب الاسلامية وأدلتها الشرعية

لعله من نافلة القول إنّ رسول الله 9 قد رحل من هذا العالم بعد السنين التي عاش فيها بين المسلمين ، يتأملون عبادته من طهارة وصلاة وصوم وحج وغير ذلك فيتبعونه في ذلك ، ويرجعون إليه فيما اختلفوا فيه أو شكوا في صوابه ، وأما ما يروى من الروايات المذكورة في مظانها من مفهوم الاجتهاد في عصره 9 فإنه كان لا يتجاوز علمية بذل الجهد لا كما أصبح عليه الآن مما يدل عليه اصطلاحاً من استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.

كما إننا لا نتفق مع الرأي القائل بوقوع الاجتهاد من قبل رسول الله 9 كما ذهب إلى ذلك الآمدي في الأحكام (١) وغيره ، لأن ذلك يتنافى صراحةً مع قوله تعالى ( وَما ينطِقُ عنِ الهوى ).

وما رواه أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : كنت أكتب كلّ شيء اسمعه من رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم أريد حفظه ، فنهتني قريش وقالوا : أتكتب كلّ شيء تسمعه ورسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] بشر يتكلم في الغضب والرضا! فأمسكت عن الكتاب!

فذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم ، فأومأ باصبعه إلى فيه فقال : « أكتب ، فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلّا حق » (٢).

ولأن الاجتهاد كما نعلم يفيد الطن ، وقد اتفق على ذلك الجميع ، ومنهم الآمدي في الأحكام حيث قال : الاجتهاد مخصوص باستفراغ الوسع

__________________

١ ـ الأحكام في أصول الأحكام ١ : ٣٩٨.

٢ ـ سنن أبي داود ٣ : ٣٣٤ / ٣٤٤٦.


في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحسن من النفس العجز عن المزيد فيه (١).

فإذا كان كذلك فلم كان 9 يتوقف في العديد من الأحكام حتى يرد عليه الوحي من قبل الله تعالى ، وقد كان بإمكانه الاجتهاد في ذلك وعدم الانتظار؟ ثم إنّ في الاعتقاد بذلك مدخلا خطيرا يضعف القول القطعي بأن الشرع الذي جاء به رسول الله 9 هو من الله تعالى ، كما أنّه يوهن الثقة المطلقة بأحكامه 9 طالما أن الاجتهاد محتمل الحالتين : الخطأ والصواب ، وذلك منفي عن الرسول 9 قطعا.

نعم لقد رحل رسول الله 9 وخلف لامته شيئين اثنين ، جعلهما المرجع السليم لهذه الأمة عند الاختلاف ، ألا وهما : كتاب الله عز وجل ، وعترته أهل بيته : ، بنص قوله 9 : « إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما »(٢).

إلا أن أصحاب رسول الله 9 لم يتخلفوا عن امتثال أمره حتى قبيل موته 9 ، فكانت أولى هذه المسائل قضية الخلافة الشرعية عنه 9 ، فخالفوا في ذلك النص الصريح ، والأمر الواقع ، فكان في ذلك أول خروج عن الخط النبوي القويم ، وأوضح انحراف عن الالتزام بالشق الثاني المتمثل بالثقل الآخر الذي خلّفه رسول

__________________

١ ـ الأحكام ٤ : ٣٩٦.

٢ ـ سنن الترمذي ٥ : ٦٦٢ / ٣٧٨٦ ، ٦٦٣ / ٣٧٨٨ ، مسند أحمد ٣ : ١٧ و ٥ : ١٨١ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٠٩ و ١٤٨ ، أسد الغابة ٢ : ١٢.


الله 9 لامته من بعده.

ومع توالي الأيام والسنون ، توالت الاختلافات ، وتباعدت الآراء ، كلّ يجتهد برأيه قبالة الرأي الصريح لأهل بيت العصمة : ، ولو رجعوا إليهم لانهالت عليهم البركات من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ولكن ابتعدوا فتفارقوا واختلفوا.

ورب سائل عن أسباب هذه الاختلافات في الكثير من الأحكام الفقهية الخاصة بالمسائل العبادية والحياتية ، رغم لزوم أن تتفق على أمر واحد لأنها تصدر من مشكاة واحدة مصدر واحد معين؟؟!

فالجواب : أن الله تبارك وتعالى لم يكن ليدع الأمة حيرى تخبط العشواء ، لا تهتدي إلى سبيل ، ولا تأوي إلى مأمن ، أليس هو الحكيم الخبير ، واللطيف الرحيم؟ أنا نعتقد أن لا يقول بذلك عاقل ، أو من وهبه الله نورا يستضي به.

إن الأئمة المعصومين من أهل بيت النبوة : كانوا هم سبيل نجاة الأمة من هذا التخبط والاختلاف ، لأنهم يمثلون الامتداد الحقيقي للنبوة ، وحاملوا أعباء ديمومتها ، فلذا لا حيرة ولا اضطراب ولا اشتباه لمن تمسك بحبلهم ومشى في ظلهم وأبصر بنورهم ولكن أبت هذه الأمة إلّا أن تعرض عن هذا الصراط الواضح ، والامتداد المأمون للصراط المستقيم ، فكانت هذه الاختلافات التي يجب أن تكون ، وتفرّقت بالمسلمين السبل والأهواء.

وعندما نتحدّث عن الاختلاف لا يسعنا إلّا أن نضع أصابعنا على الجرح الحقيقي ، وموطن الداء الوبيل الذي أدى إلى حدوث هذه الظاهرة التي أشرنا إليها في بداية حديثنا.

إن الأمة وبعد ابتعادها عن أهل بيت نبيها عليه و: واتكالها


على أدواتها القاصرة عجزت عن الوصول إلى الغاية الشرعية المطلوبة من خلال محاولتها استنباط الحكم الشرعي السليم والصائب ، ولعلّ مرجع ذلك إلى مجموعة من الأمور ، ولعلّ عدم الاحاطة الشاملة والالمام الدقيق بحديث رسول الله 9 وسنته يحتل المجال الأوسع والأكبر في ميدان هذا الاضطراب الحاصل والغريب.

فالمطالعة المتأملة لتاريخ الصدر الأول من الحكم الاسلامي ، وبعد وفاة رسول الله 9 ، ويحث ينبغي أن تكون الصورة أوضح لاتصال العهدين ، تكشف لنا تلك المطالعة العكس من ذلك ، حيث يبدو الاضطراب واضحاً في تبين جملة الحقائق المرادة.

فقد روي مثلا عن أبي بكر أنّه سئل أبان خلافته عن ميراث الجدة؟ فلم يهتد إلى الاجابة! ولم يجد بدا عن الرد على ذلك السائل بقوله : ما لك في كتاب الله من شيء ، وما علمت لك في سنة رسول الله 9 من شيء ، ولكن اسأل الناس!! والواقعة مشهورة ، حيث قيل إنّه اندفع إلى المسلمين يسألهم عن ذلك فقام بعض الصحابة فشهدوا أنّ رسول الله 9 أعطاها السدس ، فقضى أبو بكر بذلك (١).

ومثل ذلك روي عن عمر بن الخطاب حيث جهل أن المرأة ترث من دية زوجها (٢) ، بل ولم يكن يعلم سنة الاستئذان (٣) ، ولا حكم دية الأصابع (٤).

وإذا كان ذلك هو حال كبار صحابة رسول الله 9 فما حال صغار الصحابة أو التابعين ، والذين يعتمدون في الكثير من أحكامهم

__________________

١ ـ سنن أبي داود ٣ : ١٢١ / ٢٨٩٤ ، سنن الترمذي ٤ : ٤٢٠ / ٢١٠١.

٢ ـ سنن الترمذي ٤ : ٤٢٥ ـ ٤٢٦ / ٢١١٠.

٣ ـ شرح النهج لابن أبي الحديد ١ : ١٨٢ ، الدر المنثور ٦ : ٩٣.

٤ ـ سنن البيهقي ٨ : ٩٣.


على رأي أولئك واجتهاداتهم.

والأنكى من ذلك أن الكثير من الصحابة قد انتشروا في بقاع الأرض الاسلامية وأخذ كلّ واحد منهم يحدّث بما يراه صحيحاً أو يعتقد أنّه كذلك ، حيت اختلط السقيم بالسليم.

هذا الأمر يمثل الجانب الأول الذي أوجد صورة مشوشة عن سنة رسول الله 9 ، وهذا ما سلمت منه مدرسة أهل البيت : حيث أن كلّ علومهم تصدر عن معدن الرسالة بطرق أمينة موثوقة.

والمشكلة الأخرى التي واجهها المسلمون عند ما انفردوا برأيهم عن أهل بيت نبيهم هو اختلافهم في فهم النص وتفسيره وعلى ذلك شواهد كثيرة ومتكررة ، وإذا كنا قد أشرنا في أول حديثنا إلى ما يختص بالصدر الأول من الحكم الاسلامي ، فإن من جاء بعد ذلك ، وكنتيجة منطقية لواقع الحال كان الاضطراب أبين وأوضح ، ومثال ذلك تفسيرهم للحكم الشرعي الواقع على زكاة الخليطين ، حيث اختلفوا في ذلك بشكل واسع ، فقد ذهب الشافعي إلى أن الخليطين ـ فيما إذا كان كلّ واحد منهما يملك دون النصاب ، وإذا خلطا ماليهما بلغا النصاب ـ إذا كانا من أهل الزكاة يزكيان زكاة الرجل الواحد إذا استجمعت الخلطة شروطها (١) ، محتجاً على ذلك بما ورد في حديث الصدقة « لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع خشية الصدقة ، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية » (٢).

حيث فسر صدر قوله 9 بالخلطاء يملكون مائة وعشرين شاة ، فإذا زكيت مجتمعة كان عليها واحدة ، وإذا زكيت متفرقة وكانوا ثلاثة يملك كلّ واحد أربعين ، فيجب حينذاك ثلاث شياه ، فلا يفرق بين

__________________

١ ـ مغني المحتاج ١ : ٣٧٦.

٢ ـ صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ـ ١٤٥.


المجتمع ، ويجب فيها شاة واحدة. وبرجلين يملك أحدهما مائة شاة ، والآخر مائة وواحدة ، فالزكاة عليهما شاتان مفترقتين وثلاث مجتمعين ، فلا يجمع بينهما ، بل يزكي كلّ واحد على حدة.

وفسر ذيل حديثه 9 المتقدم : بأن يكون للرجلين مائة شاة ، وتكون غنم كلّ واحد منهما معروفة ، فتؤخذ الشاة من غنم أحدهما ، فيرجع المأخوذ منه الشاة على خليطه بنصف قيمة الشاة المأخوذة عن غنمه وغنمه ، إذا كان عدد غنمهما واحدا.

فإذا كانت الشاة مأخوذة من غنم رجل له ثلث الغنم ، ولشريكه ثلثاها ، رجع المأخوذ منه الشاة على شريكه بثلثي قيمة الشاة المأخوذة عن غنمه وغنم شريكه ، فغرم حصة ما أخذ عن غنمه (١).

وواقفة في ذلك أحمد ، إلّا أن الحنيفة خالفوهم في ذلك ، فذهبوا إلى أن الخلطة ليس لها تأثير في نصاب الزكاة ، فلا يجب على واحد من الخلطاء إلّا ما كان يجب عليه قبل الخلطة ، وفسّروا صدر قوله 9 ذلك : بأنه لا يجمع بين مفترق في الملك ، لا في المكان بأن يملك رجل أربعين وآخر أربعين ، فلا يجمع بينهما ليؤخذ منهما شاة ، وبالرجل يكون في ملكه نصاب ، فلا يفرق حتى تجب عليه الزكاة.

وبالرجل يكون في ملكه ثمانون ، فلا تفرق حتى يجب عليه شاتان.

وأما ذيل قوله 9 ففسروه بالشريكين ، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية (٢).

وأما مالك فقد ذهب في الموطأ إلى أن الخليطين تجب الزكاة في

__________________

١ ـ الأم ٢ : ١٤.

٢ ـ اُنظر : المبسوط ( للسرخسي ) ٢ : ١٥٤ ، نيل الأوطار للشوكاني ٤ : ١٣٩ ، وبداية المجتهد لابن رشد ١ : ٢٦٣.


ماليهما معاً ، شريطة أن يكون كلّ واحد منهما يملك في أول الأمر ما تجب فيه الزكاة ، وفسر قوله 9 تفسيراً آخر (١).

وهكذا هو حال غير ذلك من النصوص ، فراجع.

وأما العلة الأخرى الواضحة التي أدت بهم إلى الاضطراب في تحديد الحكم الشرعي الموحد فإنه يعود إلى حيرتهم أمام الاشتراك اللفظي للكثير من المفردات اللغوية العربية في الدلالة على المعنى.

ولقد كان هذا الاشتراك سببا واضحاً في إيجاد الاختلاف الكبير بين الفقهاء في الكثير من الأحكام الفقهية المختلفة ، حيث تضاربت آرائهم في تقدير مراد الشارع المقدس من تلك الألفاظ ، ولذلك شواهد كثيرة في كتب القوم الفقهية لا يسعنا المجال لايرادها ومناقشتها ، ومن ذلك حيرتهم في تحديد عدة الحائض من قوله تعالى ( والمطلقاتُ يتربَّصنَ بأنفُسِهِنّ ثلاثةَ قُروءٍ ) (٢) استدلالاً بكلمة القرء واشتراكها اللفظي بين الطُهر والحيض ، فراجع.

وكتحديهم لوقت الذبح في الأيام المعلومات الواردة في قوله جل اسمه ( لِيَشهَدُوا مَنافعَ لهم وَيذكروا اسمَ الله في أيامٍ مَعلوماتٍ ) (٣) حيث اختلفوا في تحديد اليوم لورود استعماله في اللغة بما يشمل الليل ، أو يختص بالنهار.

وكذا فإنهم اختلفوا في جواز أكل المحرم من لحم صيد البر استناداً إلى ما ورد من قوله تعالى ( وحُرِّم عليكم صَيدُ البَرِّ ما دُمتُم حُرُماً ) (٤) لورود

__________________

١ ـ اُنظر الموطأ ١ : ٢٦٣ ـ ٢٦٤.

٢ ـ البقرة ٢ : ٢٢٨.

٣ ـ الحج ٢٢ : ٢٨.

٤ ـ المائدة : ٥ : ٩٦.


اسم الصيد في اللغة بما يخصّ الاصطياد في جانب ، في حين يقع هذا الاسم أيضاً على المصيد. ومثل ذلك في حكم مباشرة المرأة وقت الحيض فيما دون الفرج ، ووقوع الطلاق بانتهاء مدة الايلاء ، وغير ذلك.

وظاهرة اختلاف القراءات شكلت مشكلة حساسة ودقيقة في اضطراب الكثير من الأحكام وتعارضها ، ولعلّ من أبين الحالات هو الاختلاف الحاصل في تفسير مراده تعالى من آية الوضوء ( يا أيُّها الّذينَ آمنوا إذا قُمتم إلى الصّلاةِ فاغسِلوا وجوهَكم وأيديَكُم إلى المرافِقِ وامسَحُوا برؤوسِكم وأرجلِكم إلى الكعبينِ ) (١).

إلى غير ذلك من العوامل المؤثرة في إيجاد هذا التفاوت البيّن في معرفة الحكم الشرعي ، وما يترتب عليه من تعارض واضح ، وتفاوت مشهود في أشكال الأعمال العبادية المختلفة بين أبناء الدين الواحد ، والتي من أوضحها تعارض الأدلة ، وعدم وجود النص في واقعة معينة وغيرها.

وإن هذا الافتراق الذي قد تتفاوت درجاته ، وتصل إلى حدّ الحرمة ، من خلال اختلاف النظرة الواضحة في أدلة الأحكام الشرعية من قبيل المسائل التعبدية التي يبتلي بها المسلمون في كلّ عصر وأوان ومكان ، يشكّل بلا شك غصة مرّة في الحلوق لا مناص من الاقرار بوقوعها كأمر واقع ، وهي تشكل في واقعها مؤشراً واضحاً لحصول ابتعاد هذه الأمة عن البحر الزاخر الذي خلّفه رسول الله 9 لهذه الأمة ، ذلك البحر ذي المنهل العذب الذي يا يبخل على روّاده ولا يعجز عن إروائهم ما بلغوا.

لقد تعدّدت المذاهب الاسلامية ، وتفرّقت في ذلك السبل ، فهي تتفق حيناً وتختلف أحياناً ، ونرى ذلك بوضوح من خلال التأمل المتأني لمفردات

__________________

١ ـ المائدة ٥ : ٦.


ودقائق الأمور.

ولقد أفرد علماء وفقهاء تلك المذاهب الموسوعات الكثيرة والواسعة ، والتي قد يصل البعض منها إلى خمسين مجلداً ، تحتوي على جملة واسعة من الآراء الفقهية ، والأحكام الشرعية الخاصة بذلك المذهب ، والتي قد تختلف اختلافاً جوهرياً مع الرأي المقابل للمذهب الآخر في كثير من وقائعه ، وسنحاول في هذه العجالة أن نلقي نظرة عابرة على كتب الفرق الاسلامية الفقهية ومؤلفيها.

١ ـ المذهب الشافعي :

يعد كتاب « الأم » للشافعي المصدر الاساسي والأول لكلّ الفقه الشافعي ، حيث ضمنه جميع أبواب الفقه المعروفة.

وللشافعي أيضاً كتب أخرى ألف البعض منها في العراق وفيها آراؤه القديمة ، والبعض الآخر في مصر تتضمن الآراء والأفكار الجديدة له.

ولعل من أهم تلك الكتب « الرسالة » و « جماع العلم » الذي يعد من أهم الدراسات التي كتبها في الرد على اعداء السنة في عصره ، وكذا كتاب « الاملاء الصغير » و « الامالي الكبرى » وغيرها.

وبعد الشافعي ، كتب تلاميذه وفقهاء المذهب كتباً كثيرة ، لعل أهمها :

١ ـ مختصر المزني لأبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني ( ت ٢٦٤ هجري ) ، وهو أول من صنف في مذهب الشافعي ، وكتابه المختصر من أهم مصنفاته.

٢ ـ المهذب لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي ( ت ٤٧٦ ه‍ ) ، وللمهذب شروح كثيرة أهمها المجموع للنووي.


٣ ـ التنبيه في فروع الشافعية للشيرازي صاحب المهذب ، وعليه شروح كثيرة.

٤ ـ نهاية المطلب في دراية المذهب للجويني عبد الملك بن عبد الله ( ت ٤٧٨ ه‍ ) وهو من كتب الفقه المقارن.

٥ ـ البسيط في فروع الفقه لأبي حامد الغزالي ( ت ٥٠٥ ه‍ ).

٦ ـ الوسيط في فروع المذهب للغزالي ، وهو مختصر للبسيط ، حذف فيه الأقوال الضعيفة والشاذة.

٧ ـ الوجيز في فقه الامام الشافعي للغزالي.

٨ ـ المحرر لأبي قاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي ( ت ٦٢٣ ه‍ ) ، مقتبس من كتاب الوجيز للغزالي ، عليه شروح كثيرة أهمها « كشف الدرر في شرح المحرر » لشهاب الدين الحصكفي ( ت ٩٨٥ ه‍ ).

٩ ـ فتح العزيز في شرح الوجيز لصاحب المحرر ، شرح فيه الرافعي كتاب الوجيز للشافعي.

١٠ ـ المجموع لأبي زكريا محيي الدين النووي ( ت ٦٧٦ ه‍ ).

وللنووي أيضاً مؤلفات أخرى أمثال الروضة في الفروع ، ومنهاج الطالبين ، وهو اختصار لمحرر الرافعي.

وعلى منهاج الطالبين شروح كثيرة لعل أهمها : أ ـ تحفة المحتاج لشرح المنهاج لابن حجر الهيثمي ( ت ٩٧٤ ه‍ ). ب ـ مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني ( ت ٩٧٧ ه‍ ). ج ـ نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن حمزة الرملي ( ت ١٠٠٤ ه‍ ).

وكذلك فإن من المتون المهمة المعتبرة في المذهب الشافعي هو متن أبي شجاع لأحمد بن الحسين أبو شجاع الأصفهاني ( ت ٥٩٣ ه‍ ) وعليه شرح كثيرة.


٢ ـ المذهب الحنبلي :

يعد كتاب « المسند » لأحمد بن حنبل من أهم المسانيد المؤلفة ، إلّا أنّه ليس لأحمد كتاب فقهي يعول عليه ، بل أن الفقهاء هم الذين كتبوا في المذهب فأكثروا ، ولعلّ من أهم تلك المصنفات :

١ ـ مختصر الخرقي لأبي القاسم عمر بن الحسين الخرقي ، وهو أول كتاب فقهي في فقه أحمد بن حنبل ، وعليه شروح عديدة أهمها كتاب المغني لابن قدامة.

٢ ـ التذكرة لأبي الوفاء علي بن عقيل البغدادي ( ت ٥١٣ ه‍ ).

٣ ـ الهداية لأبي الخطاب الكلوذاني ( ت ٥١٦ ه‍ ).

٤ ـ المستوعب لمحمد بن عبد الله السامري ( ت ٦١٠ ه‍ ).

٥ ـ ولموفق الدين بن قدامة المتوفى سنة ( ٦٢٠ ه‍ ) عدة كتب في الفقه الحنبلي : أهمها وأوسعها كتاب المغني ، وموجز وهو كتاب المقنع ، ومتوسط بين الاطالة والاختصار وهو كتاب الكافي.

ولأهمية ابن قدامة عند الحنابلة أصبحت كتبه موراً للبحث والتدريس ، بل وأصبحت مؤلفاته وشروحها هي المتون المعتمدة في الدراسات العلمية.

٦ ـ المحرر لمجد الدين أبي البركات عبد السلام بن أبي القاسم بن تيمية ( ت ٦٥٢ ه‍ ) ، وعلى هذا الكتاب شورح وحواشي متعددة.

٧ ـ الفتاوى لابن تيمية وهي موسوعة كبيرة بلغت أجزاؤها ٣٧ جزءاً.

٨ ـ الفروع لابن مفلح ، والذي استدرك عليه سليمان المرداوي ( ت ٨٨٥ ه‍ ) بما اسماه ( تصحيح الفروغ ).

٩ ـ الاقناع في فقه الامام أحمد بن حنبل لموسى بن أحمد المقدسي


( ت ٩٦٨ ه‍ ).

١٠ ـ منتهى الارادات لابن النجار ( ت ٩٧٢ ه‍ ) ، جمع فيه بين « المقنع » لابن قدامة ، و « التنقيح » للمرداوي.

٣ ـ المذاهب المالكي :

المعروف أن مالك بن أنس إمام المذهب المالكي لم يدون ما يعرف بأصول هذا المذهب ، وكذا قواعده الشرعية في الاستنباط ، إلّا أن كتاب الموطأ يعد أهم أثر علمي تركه ، وهو كتاب حاوي على الحديث والفقه ، وحيث يعد المصدر الأول الذي يعول عليه عند المالكية وقد تتلمذ على يديه عدد غفير من طلبة العلم الذين أصبحوا من بعده القواعد الأساسية التي يرتكز عليها هذا المذهب ، وقد ألف في هذا الاتجاه جملة من الكتب المحددة لأصول المذهب المالكي وفقهه ، والتي أهمها :

١ ـ الشروح الخاصة بكتاب الموطأ لمالك والتي أهمها :

أ ـ التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر الاندلسي ( ت ٤٦٣ ه‍ ).

ب ـ الاستذكار لمذهب الأنصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ، لابن عبد البر أيضا.

ج‍ ـ المنتقى لابن الوليد سليمان بن خلف الباجي ( ت ٤٧٤ ه‍ ).

د ـ تنوير الحوالك على موطأ مالك لجلال الدين السيوطي ( ت ٩١١ هجري ).

هـ ـ شرح الزرقاني على موطأ الامام مالك لمحمد بن عبد الباقي الزرقاني المصري ( ت ١١٢٢ ه‍ ).

٢ ـ المدونات التي كتبت في القرن الثالث الهجري والتي تعرف


بالامهات ، وهي :

أ ـ مدونة سحنون الأسدية ، والتي دونها أسد بن فرات تلقياً عن ابن القاسم أشهر تلاميذ مالك ، والملازم له نحو عشرين عاما ، إلّا أنّه أعاد النظر فيها ، تهذيبا واضافة وترتيبا ، فأصبحت الأخيرة محط انظار المالكية دون الأولى.

ب ـ الواضحة في السنن والفقه لعبد الملك بن حبيب ( ت ٢٣٨ ه‍ ).

ج ـ المستخرجة العتبية على الموطأ لمحمد العتبي ( ت ٢٥٤ ه‍ ).

د ـ الموازية لابن المواز ( ت ٢٨١ ه‍ ).

فهذه المدونات تعد المصدر الأساس الذي يعول عليه الفقه المالكي.

٣ ـ المختصرات والمتون ، ومن أهمها :

أ ـ رسالة ابن أبي زيد القيرواني ، وهي اختصار لمدونة سحنون ، ولهذه الرسالة شروح أهمها الشرح الخاص بأحمد بن عيسى المعروف بزروق ( ت ٨٩٩ ه‍ ).

ب ـ مختصر الشيخ خليل ، وهو اختصار لما كتبه ابن الحاجب المختصر بدوره لما كتبه البرادعي الذي كان من أصحاب أبي زيد ، والذي كان ما كتبه اختصارا لرسالة القيرواني.

ويعد هذا المختصر الكتاب المعتمد عند المالكية ، وعليه شروح كثيرة أهمها :

١ ـ مواهب الجليل لشرح مختصر الشيخ خليل لأبي عبد الله محمد ابن محمد المكي ( ت ٩٥٤ ه‍ ).

٢ ـ شرح الزرقاني على مختصر خليل لعبد الباقي الزرقاني ( ت ١٠٩٩ ه‍ ).


٣ ـ شرح الخرشي على مختصر سيدي خليل للخرشي ( ت ١١٠١ ه‍ ).

٤ ـ الشرح الكبير على مختصر سيدي خليل للدردير ( ت ١٢٠١ ه‍ ) ، وعلى هذا الشرح حاشية مشهورة تعرف بحاشية الدسوقي لمحمد بن أحمد ابن عرفة ( ت ١٢٣٠ ه‍ ).

٤ ـ المذهب الحنفي :

تعد كتب ظاهر الرواية لمحمد بن الحسن الشيباني ( ت ١٨٩ ه‍ ). المصدر الأول للفقه الحنفي ، وقد اختصر هذه الكتب الحاكم محمد بن أحمد المروزي ( ت ٣٣٤ ه‍ ) في كتابه المعروف بالكافي ، بعد حذفه للمكرر منها.

ولعل من أهم كتب الحنفية :

أ ـ المبسوط لأبي بكر السرخسي ( ت ٤٨٣ ه‍ ).

ب ـ تحفة الفقهاء لعلاء الدين السمرقندي ( ت ٥٧٥ ه‍ ).

ج ـ بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني ( ت ٥٨٧ ه‍ ).

كما أن هنا خمسة متون مهمة تشكل المحور الأساس للدراسات العلمية في المعاهد الحنفية الموجودة ، وهي :

أ ـ مختصر القدوري لأبي الحسين أحمد بن محمد القدوري ( ت ٤٢٨ ه‍ ).

ب ـ الوقاية لبرهان الشريعة لمحمود بن أحمد المتوفي في حدود ( ٦٧٣ هجري ).

ج‍ ـ المختار لأبي الفضل الموصلي ( ت ٦٨٣ ه‍ ).

د ـ مجمع البحرين لابن الساعاتي ( ت ٦٩٤ ه‍ ).

هـ ـ كنز الدقائق للنسفي ( ت ٧١٠ ه‍ ).


وهكذا ، ومن خلال هذا العرض المختصر لنشأة المذاهب الفقهية المختلفة ، ومرورنا العابر على البعض من كتب تلك الفرق ، وتبلورها حول أئمة خاصة بها ، تفردوا بجملة من الآراء والأصول الفقهية ، أو وافقوا الأخرين في البعض الآخر منها ، وكان الشيعة الامامية ، وهم اتباع أئمة أهل البيت : ، وحيث أخذوا فقههم منهم ، قد اعتمدوا المصادر التالية في استخراجهم للأحكام الشرعية التي يتعبدون بها ، وهي :

١ ـ الكتاب ، وهو القرآن الكريم الذي جاء به رسول الله 9 من لدن حكيم خبير بواسطة جبرئيل الأمين 7.

٢ ـ السنة الشريفة المطهّرة ، وهي :

أ ـ أقوال المعصوم المتمثلة بأوامره ونواهيه وتعليماته 7.

ب ـ أفعاله وأعماله التي أتى بها 7 ، المشعرة بإباحتها ، إلّا إذا كان قد أتى بها بعنوان الوجوب أو استحباب فتدخل ضمنه ، ما لم يكن قد أتى بها لتخصصها به دون غيره.

ج‍ ـ تقريراته 7.

ونقصد بالمعصوم 7 رسول الله 9 والأئمة المعصومين من ذريته 7.

٣ ـ الاجماع ، وحجية الاجماع عند الشيعة إنّما هي لأجل كونه موصلاً إلى قول المعصوم 7 في المجمعين ، ولهم في استكشاف ذلك طرق ومباني مبينة في محلها.

٤ ـ ما ثبت حجيته بهما كالاستصحاب ـ وهو في اصطلاح الأصوليين : اعتبار متيقن الوجود أو ما بحكم المتيقن باقيا عند الشك في زواله ـ بناء على كون حجيته من الأخبار لا من العقل ، كما هو معروف.

٥ ـ الأدلة العقلية ، كالبراءة العقلية وغيرها مما ثبتت حجيتها بالعقل ،


ويسمى بحكم العقل ، ويراد به الادراك العقلي الموصل إلى الحكم الشرعي ، وينتقل من العلم بالحكم العقلي إلى العلم بالحكم الشرعي.

وفي الطرف الآخر نجد أن المذاهب الفقهية الأخرى ـ غير الشيعة الامامية ـ قد اعتمدوا جملة من مصادر التشريع وأدلتها يمكن أن تنقسم إلى قسمين رئيسيين :

القسم الأول : الأدلة المتفق عليها بينهم ، وهي : الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والقياس.

القسم الثاني : الأدلة المختلف فيها ، ولعلّ أهمها :

١ ـ مذهب الصحابي.

٢ ـ إجماع أهل المدينة.

٣ ـ المصالح المرسلة.

٤ ـ الاستصحاب.

٥ ـ العرف.

٦ ـ الاستقراء.

٧ ـ الاستحسان.

وتتفاوت المذاهب الاسلامية في قبول هذه الأدلة أو ردها ، والتعرض لتفصيل المناقشة حول هذه الأدلة وبحثها لا تستوعبه هذه الصفحات القليلة.

إلا أن هذا التفاوت في اعتماد جمل الأدلة التي أشرنا إليها من كلا الفريقين ، كان يعني ـ وعلى أدنى تقدير ـ جملة لا بأس بها من الاختلافات الواضحة في استنباط الأحكام الشرعية ، لكن هذا الاختلاف لا يعني وجود البون الشاسع والاختلاف الكبير المؤدي إلى إقامة الهوة بين هذه المذاهب الاسلامية ، بعضها مع البضع الآخر ، أو مع فقه الشيعة كما يحاول البعض فرضه ، بل أن الأمر أقرب إلى التفهم والادراك عند المناقشة الصريحة


والعلمية المرتكزة على الأسس الشرعية والقواعد الالهية التي يؤمن بها الجميع بلا شك.

ولعل من هذا المنطلق المهم والحساس بنيت أركان الفقه المقارن الذي نحاول التعرف على أشكاله من خلال كتابنا الماثل بين يديك أخي القارئ الكريم ، وهو كتاب « تذكرة الفقهاء » لأحد كبار علماء الشيعة ، وهو العلامة الحلّي قدس الله سره.

وحقا إنّ نشأة هذا العلم غير واضحة المعالم ولا متكاملة الابعاد ، حيث لم تتجاوز آنذاك حدود الاشارة إلى بعض الآراء الأخرى وفي حدود ضيقة.

إلا أن الأمر أخذ أبعاده العلمية الواضحة ، في جملة واسعة من المؤلفات المتخصصة ، والتي عمدت إلى احتواء مختلف الآراء الواردة في أكثر من مذهب ، من خلال مناقشة علمية ، ومقارنة موضوعية تستهدف إلى إثبات صحة الحكم المراد تثبيته من خلال الأدلة الشرعية المتفق عليها ، أو الملزمة للمعارض.

الفقه المقارن :

لم تكن بدايات ما يسمى بالفقه المقارن في أبعاده الحقيقية لتتجاوز اعتماد المنهج الدفاعي الذي يسلكه الفقيه في الاحتجاج بالأدلة والأحكام الشرعية للمدرسة التي ينتمي إليها ذلك الفقيه.

ومن المظاهر المعلومة لهذا الفن أبان تلك الفترة محدودية المسائل التي يتمّ التعرض إليها في المناقشة ، حيث لم تكن شاملة لكلّ مسائل الفقه ، بل كانت مقارنات جزئية محدودة.

بيد أن هذا الفن المهم ـ وبمرور الزمن ـ امتدت آفاقه لتشمل كل


أبواب الفقه ، بل ولم يعد في حقيقته لوناً من ألوان الدفاع البحت عن مذهب الفقيه بقدر ما فيه من العرف العلمي السليم ـ في أغلب الاحيان ـ لمجمل الأراء الفقيهة المختلفة ، مع ترجيح الأصوب منها وفق الأدلة العلمية المتوفرة ، وإن كان ميل الفقيه إلى المذهب الفقهي الذي ينتمي إليه ، مؤثر على عمله.

وإن جدوى هذا المنهج العلمي يتضح من خلال الفوائد المترتبة عليه والتي يمكن تلخيصها بما يلي :

أ ـ محاولة البلوغ إلى أحكام الفقه الاسلامي من أيسر طرقه وأسلمها ، وهو لا يتيسر عادة إلّا بعد عرض مختلف وجهات النظر فيها وتقييمها على أساس ثابت ومقطوع به.

ب ـ العمل على تطوير الدراسات الفقهية والأصولية ، والاستفادة من نتائج التلاقح الفكري في أوسع نطاق لتحقيق هذا الهدف.

ج‍ ـ إشاعة روح التعاون بين الباحثين ، ومحاولة القضاء على مختلف النزعات العاطفية وإبعادها عن مجالات البحث العلمي.

د ـ تقريب شقة الخلاف بين المسلمين ، والحد من تأثير العوامل المفرقة التي كان من أهمها وأقواها جهل علماء بعض المذاهب بأسس ومباني البعض الآخر ، مما ترك المجال مفتوحاً أمام تسرب الدعوات المغرضة في تشويه بعض المفاهيم والتقول عليهم بما لا يقولون به (١).

ويعد الفقه المقارن استدلالاً بذلك متأخراً فعلاً عن مرتبة الأصول الفقهية والبحث فيها ، حيث من الواضح أن الغاية من هذا العلم الفصل بين الآراء المختلفة للمجتهدين ، وإختيار ـ أو على الأقل تقديم ـ أمثلها وأقربها

__________________

١ ـ اُنظر الأصول العامة للفقه المقارن : ١٤.


إلى مراد الشرع ، وهذا الفصل والتمييز بين الآراء لا يمكن إلّا بعد حصول القدرة الفعلية على معرفة الامثل من الأدلة.

إن المكتبة الاسلامية بكل مذاهبها قد شهدت مجموعة كبيرة من المؤلفات المختلفة التي تدور في هذا الفلك الواسع ، رغم قصور البعض منها عن ترجيح الأدلة ، أو اقتصارها على بعض المسائل التي تقتضي الضرورة والاشارة إليها.

وللشيعة الامامية مؤلفات قيمة عمد مؤلفوها رحمهم الله ـ ومن خلال طرحهم لمسائل الفقه المختلفة في أبوابه المتعددة ـ إلى التعرض إلى مجمل الآراء لفقهاء الأمة الاسلامية ، ومناقشتها والخروج بحاصل مثمر مؤيد للمبنى الذي يذهب إليه ذلك المؤلف.

ولعل من أبرز ما كتب في هذا المجال :

* كتاب الخلاف لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ( ت ٤٦٠ هجري ).

* كتاب الانتصار لما انفردت فيه الامامية للسيد المرتضى ( ت ٤٣٦ هجري ).

* تذكرة الفقهاء للعلامة الحلّي ( ت ٧٢٦ ه‍ ).

* منتهى المطلب للعلامة الحلّي أيضا.

وتعد هذه الكتب ـ بلا شك ـ رائدة في هذا الباب ، ومتخصصة فيه ، حيث عمد فيها مؤلفوها رحمهم الله إلى مناقشة علمية وصريحة في إثبات آرائهم الفقهية ، وذكر أدلتهم عليها ، ويعد كتابنا الماثل نموذجا واضحاً في هذا الفن ، حيث يجد فيه المراجع ضالته إلّا أن المؤسف كون الموجود منه إلى أواخر كتاب النكاح ، فقط ، وسنتحدّث عنه بشيء من التفصيل.


ترجمة المؤلف :

* هو العلامة على الاطلاق الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر ، أبو منصور الحلّي ، أشهر من أن يعرف أو يترجم له.

* ولد في مدينة الحلة السيفية في شهر رمضان عام ٦٤٨ ه‍ ، وإليها ينتمي.

* أبوه الشيخ الفقيه ، وشيخ الإسلام سديد الدين يوسف بن علي المطهر الحلي.

* وأمّه ابنة العالم الفقيه الشيخ أبي يحيى الحسن بن زكريا الحلّي ، أخت الشيخ أبي القاسم المحقق الحلّي الشهير.

* قرأ رحمه الله على جملة كثيرة من فضلاء عصره وعلمائه أمثال والده وخاله رحمهما الله ، والخواجة نصير الطوسي ، والشيخ ميثم البحراني ، والسيد علي بن طاووس ، والشيخ يحيى بن سعيد الحلّي ، والسيد عبد الكريم ابن طاووس رحمهم الله تعالى وغيرهم.

* تتلمذ على يديه ، وروى عنه جم غفير من العلماء المتفوقين والبارعين ، أمثال : ولده فخر الدين محمد ، وابن أخته عبد المطلب الحسيني الأعرجي ، والسيد محمد بن القاسم أستاذ ابن عنبة ، والسيد مهنا بن سنان الحسيني ، والشيخ الحسين بن إبراهيم الاسترآبادي ، وغيرهم.

* له مؤلفات كثيرة في الفقه ، والأصول ، والحديث ، والرجال وغيرها من العلوم المختلفة بشكل قل نظيره عند غيره من علماء عصره ، بحيث كانت ولا زالت تلك المؤلفات قبلة الباحثين والعلماء ، ومرجعا مهما في البحث


والتدريس والمناقشة ، أمثال : الادعية الفاخرة المنقولة عن الأئمة الطاهرة ، والأربعين في أصول الدين ، إرشاد الأذهان إلى أحكام الدين ، إيضاح الاشتباه في ضبط أسماء الرجال وألقابهم ، إيضاح المقاصد في حكمة عين القواعد ، تبصرة المتعلمين في أحكام الدين ، تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية ، الجوهر النضيد في شرح كتاب التجريد ، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ، كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين 7 ، مبادئ الوصول إلى علم الأصول ، مختلف الشيعة إلى أحكام الشريعة ، منتهى المطلب في تحقيق المذهب ، نهاية المرام في علم الكلام ، نهاية الوصول إلى علم الأصول ، واجب الاعتقاد على جميع العباد ... وغيرها.

* توفي رحمه الله تعالى في شهر محرم الحرام عام ٧٢٦ ه‍ ، فحمل جثمانه الطاهر إلى النجف الاشرف حيث دفن في جوار أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب 7.

* اُنظر ترجمة العلامة رحمه الله تعالى في :

رجال ابن داود : ٧٨ ، خلاصة الأقوال : ٤٥ ، نقد الرجال : ٩٩ ، مجالس المؤمنين ٢ : ٣٥٩ ، منهج المقال : ١٠٩ ، رياض العلماء ١ : ٣٥٨ ، أمل الآمل ٢ : ٨١ ، لؤلؤة البحرين : ٢١٠ ، مقابس الأنوار : ١٣ ، خاتمة مستدرك الوسائل : ٤٥٩ ، بهجة الآمال ٣ : ٢١٧ ، الفوائد الرضوية : ١٢٦ ، الكنى والألقاب ٢ : ٤٣٦ ، هداية الاحباب : ٢٠٢ ، أعيان الشيعة ٥ : ٣٩٦ ، تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام : ٢٧٠ ، الوافي بالوفيات ١٣ : ٨٥ ، لسان الميزان ٢ : ٣١٧ ، النجوم الزاهرة ٩ : ٢٦٧ ، الاعلام ـ للزركلي ـ ٢ : ٢٢٧.


تذكرة الفقهاء ونسخه المخطوطة المعتمدة :

يعد كتاب تذكرة الفقهاء ـ وكما أسلفنا ـ أكبر كتاب مؤلف في مجال الفقه الاستدلالي المقارن ، يوجد منه إلى كتاب النكاح ، وأما الأجزاء الأخرى فيعتقد البعض أن العلامة رحمه الله لم يتمها لأسباب خاصة وغير معلومة ، في حين يعتقد البعض الآخر ـ ونحن نوافقهم في ذلك ـ أن أجزاء أخرى قد خرجت من قلمه الشريف ، أو على الأقل حتى أواخر كتاب الميراث كما تشير إلى ذلك جملة من الأدلة الواضحة ، لعل أهمما ما ذكره ولده فخر المحققين الشيخ محمد بن الحسن الحلّي في كتابه الموسوم ـ بإيضاح الفوائد في شرح القواعد ـ حيث قال في آخر شرحه لارث الزوج : « قد حقق والدي هذه المسألة وأقوالها وأدلتها في كتاب التذكرة » (١).

ويعضد ذلك أن العلامة الحلّي رحمه الله قد ذكر في آخر ما وصلنا من التذكرة : تم الجزء الخامس عشر من كتاب تذكرة الفقهاء على يد مصنفها الفقير إلى الله تعالى حسن بن يوسف بن المطهر الحلّي في سادس عشر من ذي الحجة سنة عشرين وسبعمائة بالحلة ، ويتلوه الجزء السادس عشر المقصد الثالث في باقي أحكام النكاح.

حيث يظهر من خلال هذه العبارة إنّ العلامة رحمه الله كان قد رتب ، أو على الأقل كان في نيته أن يتمّ هذا الكتاب عاجلا ، هذا إذا علمنا بأنه رحمه الله تعالى قد عاش حوالي ست سنين بعد كتابته لهذه العبارة المذكورة ، ولم يكن معهوداً منه هذا الاهمال وهو القائل في أول كتابه : « قد

__________________

١ ـ إيضاح الفوائد ٤ : ٢٤٢.


عزمنا في هذا الكتاب الموسوم بتذكرة الفقهاء على تلخيص فتاوى العلماء ، وذكر قواعد الفقهاء على أحق الطرائق ، وأوثقها برهاناً ، وأصدق الاقاويل وأوضحها ... وأشرنا في كلّ مسألة إلى الخلاف ، واعتمدنا في المحاكمة بينهم طريق الإنصاف » ... الخ.

ولعل المتبادر إلى الذهن مما تقدم أن باقي الكتاب ـ أو على الأقل ما احتملنا إتمامه سابقا ـ لم يخرج من المسودة وضاع أو تلف دون أن يصل إلى يد النساخ ، وبقي الكتاب ناقصاً ، أو لعل هناك أسباباً أخرى لا يعلمها إلّا الله تعالى ، وقد رتب المصنف رحمه الله بحوث الكتاب على أجزاء ، بالشكل التالي :

الجزء الأول : يتضمن كتاب الطهارة.

الجزء الثاني : هو من أول كتاب الصلاة إلى آخر أفعالها.

الجزء الثالث : فيه باقي الصلوات إلى آخر كتاب الصلاة.

الجزء الرابع : ضمّنه كتابي الزكاة والصوم.

الجزء الخامس : فيه بداية كتاب الحج الى التقصير.

الجزء السادس : يتضمن باقي كتاب الحج مع كتاب الجهاد.

الجزء السابع : أول كتاب البيع إلى بيع النقد والنسيئة.

الجزء الثامن : يشتمل على بيع النقد والنسيئة إلى آخر البيع ، مع كتاب الديون وتوابعها.

الجزء التاسع : فيه مباحث الرهن والتفليس « الحجر ».

الجزء العاشر : يتضمن مباحث الضمان والكفالة والحوالة والوكالة والاقرار والصلح.

الجزء الحادي عشر : يشتمل على كتاب الامانات وتوابعها : الوديعة ، العارية ، الشركة ، القراض ، اللقطة ، الجعالة.


الجزء الثاني عشر : فيه مباحث الإجارة ، والمزارعة ، والمساقاة ، والسبق ، والرماية.

الجزء الثالث عشر : مباحث الغصب واحياء الموات ، وكتاب العطايا : مباحث الهبة ، والصدقة والوقف.

الجزء الرابع عشر : يختص بكتاب النكاح.

الجزء الخامس عشر : فيه قسم من مباحث كتاب النكاح.

ولما كان هذا الكتاب من كتب الفقه المقارن المهمة ، ولمّا امتاز به مؤلفه رحمه الله من باع طويل ، وتمرس واسع في المباحث كتاب النكاح.

ولما كان هذا الكتاب من كتب الفقه المقارن المهمة ، ولمّا امتاز به مؤلّفة رحمه الله من باع طويل ، وتمرس واسع في المباحث الفقهية ، وحيث يعد مرجعا معتمدا عند الكثير من المراجع المختلفة ، فلذا التزمت مؤسسة آل البيت : لاحياء التراث تحقيق هذا السفر الجليل لاخراجه بالثوب القشيب الذي يليق به.

فقد شرعت المؤسسة بالعمل على توفير مستلزمات التحقيق ، من النسخ المخطوطة المعتبرة ، وتحديد اللجان المختصة وغير ذلك ، تم بتوفيق الله تعالى قطع شوط مهم في هذا العمل المهم ، تعد هذه الأجزاء ثمرة يانعة وطيبة دالة عليه.

والنسخ المخطوطة التي تم الاعتماد عليها في ضبط نصّ الكتاب هي :

١ ـ النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة السيد المرعشي العامة ، في قم ، برقم ٣٧٤٥ ، وتشتمل على بداية الكتاب إلى نهاية الزكاة ، تأريخ نسخها ٧٢٠ ه‍ ، وهي مقروءة على المصنف ، وعليها الانهاء بخطه ، وقد رمزنا لها بالحروف « م ».

٢ ـ النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة مجلس الشورى الاسلامي برقم ١١٣٩ ، والمشتملة على الأجزاء الثلاثة الأول من الكتاب ،


انتهى نسخ الجزء الأول منها في أول ذي الحجة عام ٨٦٨ ه‍ ، وانتهى نسخ الثاني في ٢٦ جمادى الآخرة عام ٨٦٧ ، وانتهى نسخ الجزء الثالث في ١٩ رجب عام ٨٦٧ ه‍ ، رمزنا لها بالحرف « ش ».

٣ ـ النسخة المحفوظة في المكتبة الفيضية برقم ٧١٢ ، وتتضمن الجزء الرابع والخامس من الكتاب ، تأريخ نسخها عام ٩٧٨ ه‍ ، وقد رمزنا لها بالحرف « ف ».

٤ ـ نسخة جامعة طهران المرقمة ٦٦٦٦ ، تأريخ نسخها في ١٢ رجب ٩١٢ ه‍ ، وتتضمن الجزءين الرابع والخامس من الكتاب ، رمزنا لها بالحرف « ط ».

٥ ـ نسخة مكتبة شهيد زاده دادرس ، والمحفوظة في مكتبة النصيري بطهران. المتضمنة للجزءين الرابع والخامس من الكتاب ، تم نسخها في ٢٦ ذي الحجة عام ٧٦٤ ه‍ ، وقد رمزنا لها بالحرف « ن ».

٦ ـ النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة ملك في طهران برقم ٢٤٦١ ، والمشتملة على أفعال الحج إلى بيع النقد والنسيئة ، تأريخ نسخها الأول من شهر ربيع الأول عام ٩١٦ ه‍ ، وقد رمزنا لها بالحرف « ك ».

٧ ـ النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة الاستانة الرضوية المقدسة في مشهد برقم ٦٦ ، والمتضمنة للجزءين السادس والسابع من الكتاب ، والتي رمزنا لها بالحرف « ق ».

٨ ـ نسخة المكتبة الفيضية المرقمة ٧٠ ، والتي تم نسخها في ٩٨٩ ه‍ ، المتضمنة للجزء الثامن من الكتاب ، وقد رمزنا لها بالحرف « ي ».

٩ ـ نسخة مكتبة سبهسالار في طهران المرقمة ٢٤٥٢ ، والتي انتهى نسخها في اليوم الثاني عشر من شهر رمضان المبارك سنة ٩٧٢ ه‍ ، والمتضمنة للجزء الثامن من الكتاب ، وقد رمزنا لها بالحرف « س ».


١٠ ـ النسخة الخطية المحفوظة في مكتبة السيد المرعشي العامة في قم ، والمتضمنة لأول كتاب الرهن إلى آخر كتاب الأمانات ، كتب في آخرها إنّها تمت على يد المصنف في اليوم الثالث من جمادى الأولى سنة ٧١٥ ه‍ بالسلطانية ، والتي رمزنا لها بالحرف « ج ».

١١ ـ النسخة المحفوظة في مكتبة مدرسة سليمان خان في مشهد ، والمتضمنة للجزءين العاشر والحادي عشر من الكتاب ، والتي تم نسخها في صفر عام ٩٧٦ ه‍ ، وقد رمزنا لها بالحرف « خ ».

١٢ ـ نسخة مكتبة جامعة طهران المرقمة ٤ ج فهرست ٢٨٩ ، المتضمنة للجزء الثاني عشر من الكتاب تم نسخها في يوم الأحد الحادي عشر من شهر رمضان عام ٧٢٥ ه‍ ، رمزنا لها بالحرف « د ».

١٣ ـ النسخة المحفوظة في مكتبة السيد المرعشي العامة في قم برقم ١٦١١ ، تم نسخها في يوم الإثنين ثامن ربيع الأول عام ٩٠٥ ه‍ ، والمشتملة على كتاب الاجارة إلى نهاية السكنى والعمرى والرقبى ، وقد رمزنا لها بالحرف « ع ».

١٤ ـ نسخة مكتبة المدرسة الفيضية في قم المرقمة ٤٤١ والتي تم نسخها في ٨ ربيع الآخر عام ٨٧٠ ه‍ ، والمتضمنة للجزءين الثاني والثالث عشر من الكتاب ، وقد رمزنا لها بالحرف « ض ».

١٥ ـ النسخة المحفوظة في مكتبة مجد الدين النصيري في طهران برقم ٢٦٣ ، والمتضمنة لكتاب الوصايا ومباحث النكاح إلى آخر الكتاب ، وقد رمزنا لها بالحرف « ل ».


منهجية العمل :

وتم تعيين اللجان المختصة بهذا العمل ، وكانت كالتالي :

١ ـ لجنة المقابلة : وعملها مقابلة النسخ الخطية وتثبيت الاختلافات الواردة بينها وإحالتها إلى اللجان المتخصصة لتثبيت ما تراه صحيحاً ، وكانت مؤلّفة من الاخوة الأفاضل : الحاج عز الدين عبد الملك ، والأخ محمد عبد علي محمد.

٢ ـ لجنة التخريج : ويتحدد عملها بتخريج الأحاديث والروايات والأقوال الواردة في الكتاب ، الخاصة والعامة ، وتتكون من كلّ من أصحاب السماحة حجج الإسلام : الشيخ عباس الأخلاقي ، والسيد هادي حمزة لو ، والشيخ محمد المرزائي ، والشيخ محمد الرسولي ، والشيخ شاكر آل عبد الرسول السماوي.

٣ ـ لجنة المراجعة : وعملها التأكد من أعمال اللجان السابقة وتصحيح موارد الاشتباه المحتملة ، وضبط الأعمال لاحالتها إلى المرحلة اللاحقة ، وتكونت من أصحاب السماحة حجج الإسلام : الشيخ جعفر المجاهدي ، الشيخ محمد الكاظمي ، والشيخ عطاء الله الرسولي : والشيخ عبد الله محمدي.

٤ ـ لجنة تقوم النص : ويتحدد عمل هذه اللجنة بملاحظة متن الكتاب ، واختيار النصوص الصحيحة ليتم تثبيتها ، وتفسير المفردات اللغوية ، والتعليق على الموارد المبهمة وإيضاحها وغير ذلك من الأعمال النهائية ، وكانت مسؤولية عمل هذه اللجنة على عاتق سماحة حجة الإسلام المحقق الشيخ محمد الباقري.


٥ ـ لجنة المراجعة النهائية : ويكون عملها ملاحظة الكتاب بكل أبعاده قبل إرساله إلى الطبع ، والتأكيد من صحة أعمال جميع لجانه السابقة.

وقد أنيطت مسؤولية هذه اللجنة بسماحة العلامة حجة الإسلام السيد علي الخراساني الكاظمي.

هكذا فإن ما تم من تحقيق علمي لاجزاء هذا الكتاب المهم قد أوضح للعاملين في هده اللجان جملة مهمة من الملاحظات الدقيقة حول نمط إعداد هذا الكتاب لعل أهمها اعتماد المؤلف رحمه الله في شرح الكثير من المباحث الفقهية على جملة من المراجع المختلفة والمحددة أمثال كتاب فتح العزيز الرافعي ، والمغني والشرح الكبير لابني قدامة ، والمجموع للنووي ، كما هو دأب العلماء سابقا ، وعليه توافقوا وتعارفوا.

كما أنّه كثيراً ما كان ينقل العديد من الآراء الفقهية الخاصة من كتابي الخلاف شيخ الطائفة الطوسي ، والمعتبر لخاله المحقق الحلّي رحمهما الله تعالى.

وأخيراً أخي القارئ الكريم فإنا نقدم هذا الكتاب الجليل بعد جهود متواصلة امتدت لسنين طوال : عمدنا فيها قدر الإمكان إلى إعداده وتقديمه بالصورة اللائقة به وبتراثنا العزيز ، سائلين المولى عزوجل التوفيق لتقديم الأعمال التحقيقية الأخرى ، إنّه سميع مجيب ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله على محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

مؤسسة آل البيت (ع) لاحياء التراث








تذكرة الفقهاء - -١

المؤلف: الحسن بن يوسف بن المطهر ( العلامة الحلي )
الصفحات: 48
ISBN: 904-5503-34-5