


بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله
بارىء النسم ومولي النعم ومفني الأمم ومحيي الرمم ، والصلاة والسلام على سيدنا
محمد أفضل العرب والعجم ، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين الذين أناروا للناس السبل
بمحاسن أقوالهم وجميل سيرهم وأفعالهم ، ورضي الله عن الصحابة والتابعين الذين
اقتفوا أثرهم واهتدوا بهديهم فكانوا خير خلف لخير سلف وبعد :
فهذا هو القسم
الثاني من تاريخنا (إعلام
النبلاء بتاريخ حلب الشهباء) قد أودعنا فيه كما قلنا في المقدمة تراجم أعيانها ما
بين وزير خطير وأمير كبير ومحدث وفقيه وشريف ووجيه وخطيب وطبيب وشاعر وأديب وتاجر
وزعيم وغيرهم من ذوي المزايا وأرباب المناقب ، مبتدئين فيه من القرن الثالث للهجرة
النبوية ، لأنا لم نعثر على تراجم لأحد منهم قبل ذلك إلا على ترجمة واحدة مع عدم
التيقن بكون المترجم حلبيا وهي الآتية ، وقد بينا في المقدمة خطتنا في هذا القسم
وأوسعنا الكلام على ذلك هناك. ولنشرع في المقصود مستمدين من الله تعالى العون
والتوفيق إلى أقوم طريق إنه نعم المولى ونعم النصير.
(أعيان القرن الثاني)
١ ـ تمّام بن نجيح
تمام بن نجيح
الأسدي قيل أنه دمشقي ، وأظنه حلبيا. حدث عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين وعون بن
عبد الله بن عتبة وسليمان بن موسى وعطاء بن أبي رباح. حدث عنه سفيان الثوري
وإسماعيل بن عباس وبقية بن الوليد الحمصيان ومنشر (هكذا ولعله بشر أو بشير) بن إسماعيل ومحمد بن جابر الحلبيان ويحيى بن سلام
الإفريقي وإبراهيم ابن المبارك اه. تاريخ ابن عساكر .
أقول : لم يذكر
تاريخ وفاته ، غير أن الحسن البصري ومحمد بن سيرين رضياللهعنهما كانت وفاتهما سنة مائة وعشرة كما ذكره القاضي ابن خلكان
، فتكون وفاة المترجم في أواسط القرن الثاني.
__________________
(أعيان القرن الثالث)
٢ ـ موسى بن خالد
موسى بن خالد
بن الوليد الحلبي ختن الغرياني. سمع أبا إسحق الفزاري ومعمر بن سليمان وتوفي كهلا.
روى عنه عباس الرفقي ومحمد بن سهل بن عسكر وعبد الله الدارمي. اه (من تاريخ
الإسلام للذهبي فيمن توفي بين عشرة وعشرين ومائتين).
٣ ـ عبيد بن جنّاد الكلابي
عبيد بن جناد
الكلابي الرقي نزيل حلب وقاضيها من موالي بني جعفر بن كلاب. روى عن عبد الله بن
عمرو الرقي وابن المبارك وعطاء بن مسلم وابن عيينة ، وروى عنه عمر بن شبد وأحمد بن
يحيى الحلواني وابن أبي الحواري وأبو زرعة. قال ابن أبي حاتم : سئل عنه أبي فقال :
صدوق. اه (ذهبي فيمن توفي بين العشرين والثلاثين ومائتين).
٤ ـ يعقوب بن كعب الأنطاكي
يعقوب بن كعب
الأنطاكي الحلبي أبو حامد وأبو يوسف. روى عن عبد الله بن وهب وهبة بن الوليد وعيسى
بن يونس والوليد بن مسلم ومحمد بن سلمة الحراني وأبي معاوية الضرير ، وروى عنه أبو
داود وأحمد بن سيار المروزي ومحمد بن إبراهيم البوشنجي وأحمد بن أبي خيثمة وأبو
بكر بن أبي عاصم. قال أبو حاتم : ثقة ، وقال أحمد العجلي : ثقة رجل صالح صاحب سنة.
اه (ذهبي من وفيات ما بين الثلاثين والأربعين ومائتين).
٥ ـ أبو توبة الحلبي المتوفى سنة ٢٤١
أبو توبة
الحلبي الحافظ الثبت الربيع بن نافع شيخ طرسوس. حدث عن معاوية بن سلام وأبي المليح
الرقي وإبراهيم بن سعد وشريك وابن المبارك وخلق. وعنه أبو داود. وأخرج الشيخان عن
رجل عنه. وحدث عنه أحمد والدارمي وأبو حاتم ويعقوب الفسوي وخلق. قال أبو حاتم :
ثقة حجة ، وقال أبو داود : كان يحفظ الطوال نجي (هكذا) بها ، ورأيته يمشي حافيا
وعلى رأسه طويلة ، ويقال إنه كان من الأبدال رحمهالله ، عمر دهرا وتوفي سنة إحدى وأربعين ومائتين ، وهو آخر
من حدث عن معاوية بن سلام. اه (طبقات المحدثين لابن عبد الهادي).
٦ ـ أحمد بن خليل الكندي
أحمد بن خليل
أبو عبد الله الكندي الحلبي. سمع أبا نعيم وأبا اليمان والحميدي ومحمد ابن عيسى بن
الطباع وزهير بن عباد وطبقتهم ، وله رحلة واسعة ومعرفة جيدة. روى عنه علي بن أحمد
المصيّصي وأحمد بن مروان الدينوري وسليمان الطبراني وآخرون. اه (ذهبي فيمن توفي
بين الثمانين والتسعين ومائتين).
٧ ـ الوليد بن عبيد البحتري الشاعر المشهور المتوفى سنة ٢٨٤
هو أبو عبادة
الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي البحتري الشاعر المشهور ، ولد بمنبج وقيل بزردفنة وهي قرية من قراها ونشأ وتخرج بها ، ثم خرج إلى العراق
ومدح جماعة من الخلفاء أولهم المتوكل على الله وخلقا كثيرا من الأكابر والرؤساء ،
وأقام ببغداد دهرا
__________________
طويلا ثم عاد إلى الشام ، وله أشعار كثيرة فيها ذكر حلب ونواحيها ، وكان
يتعزل بها. وقد روى عنه أشياء من شعره أبو العباس المبرد ومحمد بن خلف بن المرزبان
والقاضي أبو عبد الله المحاملي ومحمد بن أحمد الحكيمي وأبو بكر الصولي وغيرهم.
قال صالح بن
الأصبغ التنوخي المنبجي : رأيت البحتري هاهنا عندنا قبل أن يخرج إلى العراق يجتاز
بنا في الجامع من هذا الباب وأومأ إلى جنبتي المسجد يمدح أصحاب البصل والباذنجان
وينشد الشعر في ذهابه ومجيئه ، ثم كان منه ما كان في علوة التي شبب بها في كثير من
أشعاره ، وهي بنت زريقة الحلبية وزريقة أمها.
وحكى أبو بكر
الصولي في كتابه الذي وضعه في أخبار أبي تمام الطائي أن البحتري كان يقول : أول
أمري في الشعر ونباهتي فيه أني صرت إلى أبي تمام وهو بحمص فعرضت عليه شعري وكان
يجلس ولا يبقى شاعر إلا قصده وعرض عليه شعره ، فلما سمع شعري أقبل علي وترك الناس
، فلما تفرقوا قال لي : أنت أشعر من أنشدني فكيف حالك؟ فشكوت خلة ، فكتب إلى أهل معرة
النعمان وشهد لي بالحذق وشفع لي إليهم وقال : امتدحهم ، فصرت إليهم فأكرموني
بكتابه ووظفوا لي أربعة آلاف درهم فكانت أول مال أصبته.
وقال أبو عبادة
المذكور : أول ما رأيت أبا تمام وما كنت رأيته قبلها أني دخلت إلى أبي سعيد محمد
بن يوسف فامتدحته بقصيدتي التي أولها :
أأفاق صبّ من
هوى فأفيقا
|
|
أم خان عهدا
أم أطاع شفيقا
|
فأنشدته إياها
، فلما أتممتها سرّ بها وقال لي : أحسن الله إليك يا فتى ، فقال له رجل في المجلس
: أعزك الله شعري علقه هذا الفتى فسبقني به إليك ، فتغير أبو سعيد وقال لي : يا
فتى قد كان في نسبك وقرابتك ما يكفيك أن تمتّ به إلينا ولا تحمل نفسك إلى هذا ،
فقلت : هذا شعري أعزك الله ، فقال الرجل : سبحان الله يا فتى ، لا تقل هذا ، ثم
ابتدأ فأنشد من القصيدة أبياتا ، فقال لي أبو سعيد : نحن نبلغك ما تريد ولا تحمل
نفسك على هذا ، فخرجت متحيرا لا أدري ما أقول : ونويت أن أسأل عن الرجل من هو ،
فما أبعدت حتى ردني أبو سعيد ثم قال لي : جنيت عليك فاحتمل ، أتدري من هذا ، فقلت
: لا ، قال : هذا ابن عمك حبيب بن أوس الطائي أبو تمام فقم إليه ، فقمت إليه
فعانقته ، ثم
أقبل علي يقرظني ويصف شعري وقال : إنما مزحت معك ، فلزمته بعد ذلك وكثر
عجبي من سرعة حفظه.
وقيل للبحتري :
أيما أشعر أنت أم أبو تمام؟ فقال : جيده خير من جيدي ورديئي خير من رديئه. وكان
يقال لشعر البحتري سلاسل الذهب ، وهو في الطبقة العليا. ويقال إنه قيل لأبي العلاء
المعري : أي الثلاثة أشعر أبو تمام أم البحتري أم المتنبي؟ فقال : المتنبي وأبو
تمام حكيمان وإنما الشاعر البحتري ، ولعمري ما أنصفه ابن الرومي في قوله :
والفتى
البحتري يسرق ما قا
|
|
ل ابن أوس في
المدح والتشبيب
|
كل بيت له
يجوّد معنا
|
|
ه فمعناه
لابن أوس حبيب
|
وقال البحتري :
أنشدت أبا تمام شيئا من شعري فأنشدني بيت أوس بن حجر :
إذا مقرم منا
ذرا حدّ
نابه
|
|
تخمّط فينا
ناب آخر مقْرم
|
وقال : نعيت
إليّ نفسي ، فقلت : أعيذك بالله من هذا ، فقال : إن عمري ليس يطول وقد
نشأ لطيىء مثلك ، أما علمت أن خالد بن صفوان المنقري رأى شبيب بن شيبة وهو من رهطه وهو يتكلم فقال : يا بني نعى نفسي إليّ
إحسانك في كلامك ، لأنا أهل بيت ما نشأ فينا خطيب إلا مات من قبله ، قال : فمات
أبو تمام بعد سنة من هذا.
وقال البحتري :
أنشدت أبا تمام شعرا لي في بعض بني حميد وصلت به إلى مال له خطر فقال لي : أحسنت ،
أنت أمير الشعراء بعدي ، فكان قوله هذا أحب إلي من جميع ما حويته.
وقال ميمون بن
هرون : رأيت أبا جعفر أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري المؤرخ (صاحب فتوح
البلدان وهو مطبوع) وحاله متماسكة فسألته فقال : كنت من جلساء المستعين فقصده
الشعراء فقال : لست أقبل إلا ممن قال مثل قول البحتري في المتوكل :
فلو ان
مشتاقا تكلّف فوق ما
|
|
في وسعه لمشى
إليك المنبر
|
__________________
فرجعت إلى داري
وأتيته وقلت : قد قلت فيك أحسن مما قاله البحتري في المتوكل ، فقال : هاته ،
فأنشدته :
ولو أن برد
المصطفى إذ لبسته
|
|
يظن لظن
البرد أنك صاحبهْ
|
وقال وقد
أعطيته ولبسته
|
|
نعم هذه
أعطافه ومناكبه
|
فقال : ارجع
إلى منزلك وافعل ما آمرك به ، فرجعت فبعث إليّ سبعة آلاف دينار وقال : ادّخر هذه
للحوادث من بعدي ولك عليّ الجراية والكفاية ما دمت حيا.
وللمتنبي في
هذا المعنى :
لو تعقل
الشجر التي قابلتها
|
|
مدّت محيية
إليك الأغصنا
|
وسبقهما أبو
تمام بقوله :
لو سعت بقعة
لإعظام نعمى
|
|
لسعى نحوها
المكان الجديب
|
والبيت الذي
للبحتري من جملة قصيدة طويلة أحسن فيها كل الإحسان يمدح بها أبا الفضل جعفرا
المتوكل على الله ويذكر خروجه لصلاة عيد الفطر ، وأولها :
أخفي هوى لك
في الضلوع وأظهر
|
|
وألام من كمد
عليك وأعذر
|
والأبيات التي
يرتبط بها البيت المقدم ذكره هي :
بالبر صمت
وأنت أفضل صائم
|
|
وبسنة الله
الرضية تفطر
|
فانعم بيوم
الفطر عينا إنه
|
|
يوم أغر من
الزمان مشهّر
|
أظهرت عز
الملك فيه بجحفل
|
|
لجب يحاط
الدين فيه وينصر
|
خلنا الجبال
تسير فيه وقد غدت
|
|
عددا يسير
بها العديد الأكثر
|
فالخيل تصهل
والفوارس تدعي
|
|
والبيض تلمع
والأسنة تزهر
|
والأرض خاشعة
تميد بثقلها
|
|
والجو معتكر
الجوانب أغبر
|
والشمس طالعة
توقّد في الضحى
|
|
طورا ويطفيها
العجاج الأكدر
|
حتى طلعت
بضوء وجهك فانجلت
|
|
تلك الدجى
وانجاب ذاك العثير
|
فافتنّ فيك
الناظرون فإصبع
|
|
يومى إليك
بها وعين تنظر
|
يجدون رؤيتك
التي فازوا بها
|
|
من أنعم الله
التي لا تكفر
|
ذكروا بطلعتك
النبي فهللوا
|
|
لما طلعت من
الصفوف وكبروا
|
حتى انتهيت
إلى المصلّى لابسا
|
|
نور الهدى
يبدو عليك ويظهر
|
ومشيت مشية
خاشع متواضع
|
|
لله لا يزهى
ولا يتكبر
|
فلو ان
مشتاقا تكلف فوق ما
|
|
في وسعه لمشى
إليك المنبر
|
أيّدت من فصل
الخطاب بحكمة
|
|
تنبي عن الحق
المبين وتخبر
|
ووقفت في برد
النبي مذكرا
|
|
بالله تنذر
تارة وتبشر
|
هذا القدر هو
المقصود مما نحن فيه وهذا الشعر هو السحر الحلال على الحقيقة والسهل الممتنع ،
فلله دره ما أسلس قياده وأعذب ألفاظه وأحسن سبكه وألطف مقاصده ، وليس فيه من الحشو
شيء بل جميعه نخب ، وديوانه موجود وشعره سائر فلا حاجة إلى الإكثار منه ها هنا.
ومن أخباره أنه
كان بحلب شخص يقال له طاهر بن محمد الهاشمي مات أبوه وخلف له مقدار مائة ألف دينار
، فأنفقها على الشعراء والزوار في سبيل الله ، فقصده البحتري من العراق ، فلما وصل
إلى حلب قيل له : إنه قد قعد في بيته لديون ركبته ، فاغتم البحتري لذلك غما شديدا
وبعث المدحة إليه مع بعض مواليه ، فلما وصلته ووقف عليها بكى ودعا بغلام له وقال
له : بع داري ، فقال له : أتبيع دارك وتبقى على رؤوس الناس؟ فقال : لا بد من بيعها
، فباعها بثلاثمائة دينار ، فأخذ صرة وربط فيها مائة دينار وأنفذها إلى البحتري
وكتب إليه معها رقعة فيها هذه الأبيات :
لو يكون
الحباء حسب الذي
|
|
أنت لدينا به
محلّ وأهل
|
لحثيت اللجين
والدر واليا
|
|
قوت حثوا
وكان ذاك يقلّ
|
والأديب
الأريب يسمح بالعذ
|
|
ر إذا قصّر
الصديق المقلّ
|
فلما وصلت
الرقعة إلى البحتري رد الدنانير وكتب إليه :
بأبي أنت أنت
للبر
أهل
|
|
والمساعي بعد
وسعيك قبل
|
والنوال
القليل يكثر إن شا
|
|
ء مرجّيك
والكثير يقلّ
|
__________________
غير أني رددت
برّك إذ كا
|
|
ن ربا منك
والربا لا يحلّ
|
وإذا ما جزيت
شعرا بشعر
|
|
قضي الحقّ
والدنانير فضل
|
فلما عادت
الدنانير إليه حل الصرة وضم إليها خمسين دينارا أخرى وحلف إنه لا يردها عليه وسيرها
، فلما وصلت إلى البحتري أنشأ يقول :
شكرتك إن
الشكر للعبد نعمة
|
|
ومن يشكر
المعروف فالله زائده
|
لكل زمان
واحد يقتدى به
|
|
وهذا زمان
أنت لا شك واحده
|
ثم قال ابن
خلكان : وأخباره ومحاسنه كثيرة فلا حاجة إلى الإطالة. ولم يزل شعره غير مرتب حتى
جمعه أبو بكر الصولي ورتبه على الحروف ، وجمعه أيضا علي بن حمزة الأصبهاني ولم يرتبه على
الحروف بل على الأنواع كما صنع بشعر أبي تمام.
وللبحتري أيضا
كتاب حماسة على مثال حماسة أبي تمام ، وله كتاب معاني الشعر.
وكانت ولادته
سنة ست وقيل سنة خمس ومائتين ، وتوفي سنة أربع وثمانين ، وقيل خمس وثمانين ، وقيل
ثلاث وثمانين ، والأول أصح والله أعلم بالصواب. وكان موته بمنبج وقيل بحلب والأول
أصح.
وأهل الأدب
كثيرا ما يسألون عن قول أبي العلاء المعري :
وقال الوليد
النبع ليس بمثمر
|
|
وأخطأ سرب
الوحش من ثمر النبع
|
فيقولون من هو
الوليد المذكور وأين من قال النبع ليس بمثمر ، ولقد سألني عنه جماعة كثيرة ،
والمراد بالوليد هو البحتري المذكور وله قصيدة طويلة يقول فيها :
وعيرتني سجال
العدم جاهلة
|
|
والنبع عريان
ما في فرعه ثمر
|
وهذا البيت هو
المشار إليه في بيت المعري ، وإنما ذكرت هذا لأنه فائدة تستفاد.
__________________
وعبيد الله
وأخوه أبو عبادة ابنا يحيى بن الوليد البحتري اللذان مدحهما المتنبي في قصائده هما
حفيدا البحتري الشاعر المذكور وكانا رئيسين في زمانهما.
والبحتري بضم
الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة وضم التاء المثناة من فوقها وبعدها راء هذه
النسبة إلى بحتر وهو أحد أجداده (وقد ذكره في عمود نسبه). وزردفنة بفتح الزاي
وسكون الراء وفتح الدال المهملة وسكون الفاء وفتح النون وبعدها هاء ساكنة وهي قرية
من قرى منبج بالقرب منها. ومنبج بفتح الميم وسكون النون وكسر الباء الموحدة وبعدها
جيم وهي بلدة بالشام بين حلب والفرات بناها كسرى لما غلب على الشام وسماها منبه
فعربت فقيل منبج ، ولكونها وطن البحتري كان يذكرها في شعره كثيرا ، فمن ذلك قوله
في آخر قصيدة طويلة يخاطب بها الممدوح وهو أبو جعفر محمد بن حميد بن عبد الحميد
الطوسي :
لا أنسين
زمنا لديك مهذبا
|
|
وظلال عيش
كان عندك سجسج
|
في نعمة أوطنتها
وأقمت في
|
|
أفيائها
فكأنني في منبج
|
وكان البحتري
مقيما في العراق في خدمة المتوكل والفتح بن خاقان وله الحرمة التامة ، فلما قتلا كما هو مشهور في أمرهما رجع إلى منبج ، وكان يحتاج
للترداد إلى الوالي بسبب مصالح أملاكه ويخاطبه بالأمين لحاجته إليه ولا تطاوعه
نفسه إلى ذلك فقال قصيدة منها :
مضى جعفر
والفتح بين مرمّل
|
|
وبين صبيغ
بالدماء مضرّج
|
أأطلب أنصارا
على الدهر بعدما
|
|
ثوى منهما في
الترب أوسي وخزرجي
|
أولئك ساداتي
الذين بفضلهم
|
|
حلبت أفاويق
الربيع المثجّج
|
مضوا أمما
قصدا وخلفت بعدهم
|
|
أخاطب
بالتأمير والي منبج
|
اه. ابن خلكان.
وفي كتاب «خاص
الخاص» للثعالبي قال القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني : غرر البحتري
ووسائط قلائده كثيرة ، وعندي أن أفصح أبياته وأبلغها وأحسنها قوله فيمن يرضى بعد
السخط وفي نفسه بقية من العتب :
__________________
تبلج عن بعض
الرضى وانطوى على
|
|
بقية عتب
شارفت أن تصرّما
|
وقال الصاحب :
أمدح شعر البحتري قوله :
دنوت تواضعا
وعلوت مجدا
|
|
فشأناك
انحدار وارتفاع
|
كذاك الشمس
تبعد أن تسامى
|
|
ويدنو الضوء
منها والشعاع
|
ومن أظرف شعره
وأرقه وألطفه قوله ، وكان أبو بكر الخوارزمي يقول لا تنشدونيها فأرقص طربا وما
أقبح الرقص بالمشايخ :
يذكّرنيك
والذكرى عناء
|
|
مشابه فيك
طيبة الشكول
|
نسيم الروض
في ريح شمال
|
|
وصوب المزن
في راح شمول
|
وقال أبو
القاسم الآمدي : قد أكثر الشعراء في ذكر الطلول والدمن والرسوم ، وأحسن وأعجب
وأظرف ما قالوا فيه قول الطائي أبي تمام والبحتري ، فإنهما جاءا بالسحر الحلال
والماء الزلال حيث قال أبو تمام :
أيها البرق
بت بأعلى البراق
|
|
واغد فيها
بوابل غيداق
|
دمن طالما
التقت أدمع المز
|
|
ن عليها
وأدمع العشاق
|
وقال البحتري :
أصبا الأصائل
إن برقة منشد
|
|
تشكو اختلافك
بالهبوب السرمد
|
لا تتعبي
عرصاتها إن الهوى
|
|
ملقى على تلك
الرسوم الهمّد
|
دمن مواثل
كالنجوم فإن عفت
|
|
فبأي نجم في
الصبابة نهتدي
|
فأربيا على من
تقدمهما وأعجزا من تأخر عنهما.
وكان أبو
القاسم الإسكافي أبلغ أهل خراسان يقول : تعلمت الكناية من شعر البحتري فكأنه كناية
معقودة بالقول في قوله :
ما ضيع الله
في بدو ولا حضر
|
|
رعية أنت
بالإحسان راعيها
|
وأمة كان قبح
الجور يسخطها
|
|
دهرا فأصبح
حسن العدل يرضيها
|
ومما يطرب بلا
سماع ويسكر بلا شراب قوله :
بات نديما لي
حتى الصباح
|
|
أغيد مجدول
مكان الوشاح
|
كأنما يضحك
عن لؤلؤ
|
|
منظّم أو برد
أو أقاح
|
تحسبه نشوان
إما رنا
|
|
للفتر من
أجفانه وهو صاح
|
بتّ أفدّيه
ولا أرعوي
|
|
لنهي ناه عنه
أو لحي لاح
|
أمزج كأسي
بجنى ريقه
|
|
وإنما أمزج
راحا براح
|
يساقط الورد
علينا وقد
|
|
تبلّج الصبح
نسيم الرياح
|
ومن عجيب شعره
قوله في استهداء مطر :
إن السحاب
أخاك جاد بمثل ما
|
|
جادت يداك لو
انه لم يضرر
|
أشكو نداه
إلى نداك فأشكني
|
|
من صوب عارضه
المطير بممطر
|
اه. ومن قوله
في الحكمة :
إذا ما نسيت
الحادثات وجدتها
|
|
بنات زمان
أرصدت لبنيه
|
متى أرت
الدنيا نباهة خامل
|
|
فلا ترتقب
إلا خمول نبيه
|
٨ ـ محمد بن معاذ البصري المتوفى
سنة ٢٩٤
محمد بن معاذ
بن سفيان بن المستهل بن أبي جامع العنزي البصري ثم الحلبي أبو بكر درّان. سمع مسلم
بن إبراهيم وعبد الله بن رجا الثغني وعمرو بن مرزوق وأبا سلمة النبوذلي ومحمد بن
كثير العبدي. وروى عنه أبو بكر النجار ومحمد بن أحمد الرافقي وعلي بن أحمد المصيصي
وأبو القاسم الطبراني ومحمد بن جعفر بن السقا الحلبي. وكان أسند من بقي بحلب. عمر
دهرا وتوفي سنة ٢٩٤ وهو في عشر المائة. اه ((الذهبي).
* * *
(أعيان القرن الرابع)
٩ ـ عمر بن الحسن بن طرخان المتوفى سنة ٣٠٧
عمر بن الحسن
بن نصر بن محمد بن طرخان الحلبي أبو حفص. ولي قضاء دمشق. روى عن محمد بن أبي سمينة
ولوين. وروى عنه الآجري وأبو حفص الزيات وأبو بكر الوراق. وثّقه الدارقطني. اه. (ذهبي
من وفيات سنة سبع وثلاثمائة).
١٠ ـ يحيى بن علي بن مرداس المتوفى سنة ٣١٠
يحيى بن علي بن
محمد بن هاشم بن مرداس أبو عبد الله الكندي الحلبي. روى عن عبيد بن هشام وإبراهيم
بن سعيد الجوهري. وعنه أبو علي بن شعيب وابن عدي وابن المقري. اه. (ذهبي من وفيات
سنة عشر وثلاثمائة).
١١ ـ يحيى بن عمران المتوفى سنة ٣١٠
يحيى بن عمران
الحلبي ثم البالسي. روى عنه هشام بن عمار ورحيم. وروى عنه الطبراني وأبو بكر
النقاش وابن عدي وحمزة الكياني. اه. (ذهبي من وفيات سنة عشر وثلاثمائة).
١٢ ـ علي بن أحمد الجرجاني المتوفى سنة ٣١١
علي بن أحمد بن
علي بن عمران الجرجاني. حدث بحلب عن بندار وأبي حفص القلاسي وابن ميني. وروى عنه
أبو بكر بن المقري وأبو أحمد بن عدي. سكن حلب. اه. (ذهبي من وفيات سنة إحدى عشرة
وثلاثمائة).
١٣ ـ علي بن عبد الحميد الغضايري المتوفى سنة ٣١٣
علي بن عبد
الحميد بن عبد الله بن سليمان أبو الحسن الغضايري نزيل حلب. سمع عبد الله بن
معاوية وبشر بن الوليد وعبد الأعلى التربيني وأبا إبراهيم الترجماني وعبيد الله
القواريري. وروى عنه عبد الله بن عدي وعلي بن محمد بن إسحق الحلبي وأبو بكر بن
المقري. وثّقه الخطيب. مات في شوال. حكي عنه أنه قال : حججت على رجلي ذاهبا وراجعا
من حلب أربعين حجة. اه. (ذهبي من وفيات سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة).
قدمنا في الجزء
الأول في صحيفة (٩٥) أن أبا عبيدة رضياللهعنه لما فتح حلب دخلها المسلمون من باب أنطاكية ووقفوا داخل
الباب ووضعوا أتراسهم في مكان فبني ذلك المكان مسجدا. قال أبو ذر في كنوز الذهب :
وهو أول ما اختط من المساجد ويقال له مسجد الأتراس لما تقدم ثم عرف بمسجد
الغضايري. قال ابن العديم : قال أبو إسحق الحنبلي : قدمت على علي بن عبد الحميد
الغضايري رضياللهعنه فوجدته من أفضل خلق الله ، وكان لا يتفرغ من الصلاة
آناء الليل والنهار ، فانتظرت فراغه وقلت : إنا قد تركنا الآباء والأمهات والأهل
والوطن بالرحلة إليك ، فلو تفرغت ساعة فتحدثنا بما عندك مما آتاك الله من العلم ،
فقال : أدركني دعاء الشيخ الصالح سري الدين السقطي رضياللهعنه ، وذلك أني جئت إليه يوما فقرعت بابه فقال : من ذا؟
فقلت : أنا ، فسمعته يقول قبل أن يخرج : اللهم من جاءني يشغلني عن مناجاتك فاشغله
بك عني ، فما رجعت من عنده حتى حببت إليّ الصلاة والاشتغال بذكر الله تعالى حتى لا
أتفرغ لشيء سواه ببركة الشيخ.
وعن علي بن عبد
الحميد قال : دققت على السري بابه فقام إلى عضادتي الباب فسمعته يقول : اللهم اشغل
من شغلني عنك بك ، فكان من بركة دعائه أني حججت أربعين حجة من حلب على رجلي ذاهبا
وآيبا. اه.
أقول : ثم اتخذ
نور الدين الشهيد هذا المسجد مدرسة وعين المدرس فيها الشيخ شعيب الفقيه الأندلسي
المتوفى سنة ٥٩٦ فنسب إليه وصار يعرف بالشعيبية وترك الاسم الأول ، وسيأتيك ترجمته
في سنة وفاته مع الكلام على هذه المدرسة.
١٤ ـ سعيد بن مروان المتوفى سنة ٣١٨
سعيد بن عبد
العزيز بن مروان أبو عثمان الحلبي الزاهد نزيل دمشق. سمع عبد الرحمن ابن عبيد
الحلبي وأبا نعيم بن هاشم والقاسم الجوعي وأحمد بن أبي الحواري ومحمد بن مصطفى
الحمصي. وروى عنه أبو الحسين محمد بن عبد الله الرازي وأبو سليمان بن زبر وأبو
أحمد الحاكم وأبو بكر الأبهري. قال أبو أحمد الحاكم : كان من عباد الله الصالحين. وقال
السلمي : صحب سريا السقطي وهو من جملة مشايخ الشام وعلمائهم. اه. (ذهبي من وفيات
سنة ثمان عشرة وثلاثمائة).
١٥ ـ جعفر بن أحمد الوزّان المتوفى سنة ٣٢٠
جعفر بن أحمد
بن مروان أبو محمد الحلبي الوزان الكبير. سمع أيوب بن محمد الوزان وهشام بن خالد
الأزرق. وعنه ابن المقري وعلي بن محمد الحلبي. اه. (ذهبي من وفيات سنة عشرين
وثلاثمائة).
١٦ ـ عبد الرحمن بن عبيد الله ابن أخي الإمام المتوفى سنة ٣٢٠
عبد الرحمن بن
عبيد الله بن عبد المطلب أبو محمد ويقال أبو القاسم الهاشمي الحلبي المعدل المعروف
بابن أخي الإمام. قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثمائة وحدث بها وبحلب عن محمد بن قدامة
المصيصي وإبراهيم بن سعيد الجوهري وعبيدة بن عبد الرحيم المروزي وبركة ابن محمد
الحلبي ويمان بن سعيد وسليمان بن سيف الحراني وسهيل بن صالح الأنطاكي وعبد الرحمن
بن عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس وحاجب
بن سليمان المنبجي وأحمد بن حرب الموصلي وأبي أمية الطرسوسي ومحمد بن يحيى الرماني
وأبي محمد عبد الرحمن بن عبيد الله الأسدي الحلبي.
وروى عنه أبو
بكر محمد بن سليمان الربعي البندار ومحمد بن إبراهيم بن علي بن المقري وأبو جعفر
أحمد بن إسحاق بن يزيد الحلبي وأبو الحسن علي بن عمرو بن سهل الحريري وأبو إسحاق
إبراهيم بن أحمد بن محمد الأنصاري القاضي وأبو القاسم عبيد الله بن أحمد
ابن محمد السراج الحلبي وأبو محمد الحسن بن محمد بن داود الثقفي المؤدب
وأبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق الحلبي وأبو أحمد بن عدي وأبو بكر بن أبي دجانة.
أخبرنا أبو عبد
الله الحسين بن عبد الله ، أنبأنا أحمد بن محمود الثقفي ، أنبأنا أبو بكر المقري ،
حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبيد الله ابن أخي الإمام بحلب ، حدثنا محمد ابن
قدامة الجوهري ، حدثنا ابن علية عن أيوب عن عكرمة عن أبي صالح عن أبي هريرة قال :
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا خير من أن يمتلىء شعرا).
أنبأنا أبو
القاسم علي بن إبراهيم ، أنبأنا القاضي أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد
الله بن علي بن أبي العجائز ، أنبأنا أبي أبو علي ، أنبأنا أبو بكر محمد بن سليمان
الربعي ، حدثنا عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل بن صالح بن علي بن
عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي قدم علينا بحديث ذكره (أي الحديث السابق)
أنبأنا أبو القاسم أيضا ، حدثنا عبد العزيز الكتاني ، أنبأنا تمام بن محمد ، حدثني
أبو بكر أحمد بن عبد الله بن أبي دجانة (يظهر أنه سقط كلمة حدثنا) عبد الله بن
عمرو البصري ، حدثنا عبد الرحمن بن عبيد الله الهاشمي الحلبي قدم دمشق سنة اثنتين
وثلاثمائة. اه. (تاريخ ابن عساكر).
وقال الإمام
الذهبي في وفيات هذه السنة : عبد الرحمن بن عبيد الله بن أحمد الأسدي أبو محمد ابن
أخي الإمام الحلبي الصغير المعدل ، روى عن إبراهيم بن سعيد الجوهري ومحمد ابن
قدامة المصيصي وأحمد بن حرب الموصلي. وروى عنه أبو أحمد بن عدي الحافظ ومحمد ابن
المظفر الحافظ وأبو أحمد الحاكم الحافظ وأبو بكر بن المقري وهو صدوق أيضا. وقد
اشترك في اسمه وكنيته هو والذي بعده ، وكذلك اشتركا في الرواية عن جماعة من الشيوخ
، وهذا من غريب الاتفاق ، وأما عبد الرحمن بن عبيد الله بن أخي الإمام الحلبي
الكبير فقد مر في طبقة أحمد بن حنبل. (لم أقف عليه).
١٧ ـ عبد الرحمن بن عبيد الله الهاشمي المتوفى سنة ٣٢٠
عبد الرحمن بن
عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل الهاشمي العباسي الحلبي. سمع سميه عبد الرحمن بن
عبيد الله الأسدي الحلبي ابن أخي الإمام (المتقدم ذكره) وهو أكبر شيخ
له ولعله آخر من روى عنه. وسمع أيضا محمد بن قدامة المصيّصي وإبراهيم بن
سعيد الجوهري وبركة بن محمد الحلبي. وروى عنه أبو أحمد بن عدي ومحمد بن سليمان.
اه. (ذهبي من وفيات سنة عشرين وثلاثمائة).
١٨ ـ إسحق بن محمد المتوفى بين ٣٢١ وبين ٣٣٠ تقريبا
إسحاق بن محمد
بن أحمد بن يزيد أبو يعقوب الحلبي. حدث بدمشق وبغداد عن أبي خالد عبد العزيز بن
معاوية العتبي وعن ابن عثمان النفيلي وسليمان بن سيف الحرانيين وأبي عمرو محمد بن
عبد الله السويني. روى عنه ابن ابنه أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق وأبو هاشم
المؤدب وعبد الوهاب الكلابي وأبو الحسن الدارقطني وأبو الفتح يوسف ابن عمر القواس.
أخبرنا أبو غالب ابن البنا أنبأنا أبو الغنائم ابن المأمون أنبأنا أبو الحسن
الدارقطني حدثنا القاضي أبو يعقوب إسحق بن محمد بن أحمد بن يزيد الحلبي قدم علينا
في المحرم سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة ، حدثنا أبو داود سليمان بن سيف حدثنا سعيد
ابن سلام حدثنا عمر بن محمد عن أبي الزناد عن أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه عن
النبي صلىاللهعليهوسلم قال : (المحرم لا ينكح ولا ينكح). قال وحدثنا عمر بن
محمد بن عاصم بن عمر ابن عثمان عن أبيه عن جده مثل ذلك ، قال الدارقطني : هذا حديث
غريب من حديث عمر ابن عثمان بن عفان عن أبيه لم يروه عنه غير ابنه عاصم تفرد به
عمر بن محمد بن عثمان عنه ، ولم يروه عنه غير سعيد بن سلام ، والذي قبله غريب من
حديث أبي الزناد عن أبان بن عثمان عن أبيه تفرد به عمر بن محمد ولم يروه عنه غير
سعيد بن سلام.
أخبرنا أبو
محمد عبد الكريم بن حمزة وطاهر بن سهل قالا : أنبأنا أبو الحسين بن مكي ابن عثمان
، أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق بن يزيد الحلبي ، حدثني جدي إسحاق ابن
محمد بن يزيد ، حدثنا أبو داود يعني سليمان بن سيف ، حدثنا محمد بن سليمان ، حدثنا
أبي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : (سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه فإن زاد على ثلاث
فهو مزكوم ولا يشمت بعد ثلاث).
أخبرنا أبو
القاسم السوسي ، أنبأنا جدي أبو محمد ، أنبأنا أبو علي الأهوازي إجازة قال : قال
لنا عبد الوهاب الكلابي في تسمية شيوخه إسحاق بن محمد بن أحمد بن يزيد
الحلبي : قدم علينا أبو يعقوب حاجا سنة تسع عشرة وثلاثماية. قرأت بخط أبي
محمد بن الأكفاني وذكر أنه نقله من خط بعض أصحاب الحديث في تسمية من سمع منه بدمشق
سنة ست عشرة وثلاثمائة إسحاق بن محمد الحلبي حاج غريب.
أخبرنا أبو
الحسن بن قيس وأبو منصور بن خيرون قالا : قال لنا أبو بكر الخطيب : إسحاق بن محمد
بن أحمد بن يزيد أبو يعقوب القاضي الحلبي قدم بغداد وحدث بها عن علي بن عثمان
النفيلي وسليمان بن سيف الحراني ، كتب عنه الناس بانتقاء أبي طالب الحافظ ، وروى
عنه أبو الحسن الدارقطني ويوسف بن عمر. اه. (تاريخ ابن عساكر).
١٩ ـ الحسن بن علي المعروف بابن كوجك المتوفى بعد ٣٢٠
الحسن بن علي
بن عمر بن عبسي أبو محمد الحلبي القيسي الأديب المعروف بابن كوجك. روى عن علي بن
عبد الحميد الغضايري وسعيد بن نفيس المصري ومحمد بن أحمد الرافعي وأبي الفضل جعفر
بن أحمد الصاحبي البغدادي وأبي الطيب محمد بن جعفر الزراد المنبجي وعبد الرحمن بن
عبيد الله بن أخي الإمام الحلبي وأبي الفضل صالح بن الإصبع ابن أبي الجن وأبي بكر
محمد بن حاتم المنبجيين. روى عنه تمام بن محمد وأبو نصر بن الجبان وعبد الوهاب بن
الميداني ويحيى بن الغمر.
أخبرنا أبو
محمد بن الأكفاني : حدثنا عبد العزيز الكتاني ، أنبأنا تمام بن محمد ، حدثني أبو
محمد الحسن بن علي بن عمر الحلبي ، حدثنا سعيد بن نفيس المصري ومحمد بن أحمد
الرافعي وأبو الفضل بن أحمد الصباحي (تقدم أنه الصاحبي ولا أدري أيهما أصح)
البغدادي وأبو الطيب محمد بن جعفر الزراد المنبجي وعبد الرحمن بن عبيد الله بحلب ،
حدثنا عبد الرحمن بن خالد العمري يحدثه أبي ، حدثني الهقل (هكذا ولعله الفضل) بن
زياد عن جرير بن عثمان سمعه من عبد الملك بن مروان عجيرة عن أبي خالد عن أبيه قال
: قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين). قال : وأنبأنا
تمام بن محمد قال : وحدثني أبي رحمهالله ، حدثني أبو بكر بن أبي قحافة الرملي ، حدثنا سعيد بن
نفيس فذكر
بإسناده مثله. حدثني أبو الحسن أحمد بن عبد الباقي القيسي ، أنبأنا محمد بن
علي بن الخضر ابن سعيد ، أنبأنا والدي أبو الحسن الميداني ، حدثني أبو محمد الحسن
بن علي بن كوجك الحلبي قدم علينا بعد الفتح ، حدثنا أبو الطيب محمد بن جعفر الزراد
بمنبج بحديث ذكره. اه. (تاريخ ابن عساكر)
٢٠ ـ محمد بن بركة القنسريني المتوفى سنة ٣٢٧
محمد بن بركة
بن الحكم بن إبراهيم بن فرداح أبو بكر اليحصبي القنسريني الحافظ ببرداعس ، سكن
حلب. روى عن أحمد بن شيبان الرملي ومحمد بن عوف وأبي أمية وغيرهم ورحل وأكثر. وروى
عنه عثمان بن خرزاد وهو من شيوخه وأبو بكر الربعي وأبو سليمان بن زبر ويوسف
الميانجي وأبو بكر بن المقري وعلي بن محمد بن إسحق الحلبي. قال أبو أحمد الحاكم :
رأيته حسن الحفظ. وقال ابن ماكولا : كان حافظا. وأما حمزة السهمي فروى عن
الدارقطني أنه ضعيف. اه. (ذهبي من وفيات سنة سبع وعشرين وثلاثمائة).
٢١ ـ جعفر بن سليمان الشحلاوي
جعفر بن سليمان
أبو أحمد الشحلاوي الحلبي. سمع الحروف من أبي شعيب السوسي وهو آخر أصحابه وفاة.
وروى عنه أبو الطيب عبد المنعم بن غلبون وعبد الله بن المبارك. اه. (ذهبي من وفيات
ما بين العشرين والثلاثين وثلاثمائة).
٢٢ ـ محمد بن جعفر الغرياني
محمد بن جعفر
بن محمد أبو الحسن ابن الغرياني. عداده في البغداديين ، ثم نزل حلب. روى عن عباس
الدوري وإسحق بن سبا النصيبي وإسماعيل القاضي. وروى عنه رواية قالون ، وروى عنه
عبد المنعم بن غلبون وعلي بن محمد بن إسحق الحلبي وأبو حفص بن شاهين وعمر بن
إبراهيم الكتاني ، وعاش دهرا ، فإنه ولد سنة ٢٤٧. وثقه الخطيب ، وآخر من روى عنه
ابن جميع. اه. (ذهبي من وفيات ما بين الثلاثين والأربعين وثلاثمائة).
٢٣ ـ أحمد بن علي الحبّال المتوفى بين ٣٣٠ و٣٤٠ تقريبا
أحمد بن علي بن
الفرج أبو بكر الحلبي الحبال الصوفي. حكى (هكذا ولعله حدث عن) ابن الريان المعروف
بالمدلل. وروى عن البغوي ويحيى بن علي بن هاشم الكندي وابن أبي أيوب سليمان بن
محمد بن زويط الحلبيين وأبي القاسم الزجاجي وأبي العباس أحمد ابن جعفر المقري وعلي
بن عبد الحميد الغضايري. روى عنه تمام الرازي وأبو الفرج محمد ابن أحمد العين زربي
وأبو نصر بن الجبان وعبد الوهاب الميداني ومكي بن محمد بن الغمر وعبد الرحمن بن
عمر بن نصر وأبو سعد الماليني.
أخبرنا أبو
القاسم بن السوسي ، أنبأنا أبو القاسم بن أبي العلاء ، أنبأنا أبو نصر بن الجبان ،
حدثنا أبو بكر أحمد بن علي بن الفرج الصوفي يعرف بالجبال ، حدثنا عبد الله ابن
محمد البغوي ، حدثنا أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد القطان بن عبيد الله عن نافع عن
ابن عمر أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : (كل مسكر حرام وكل مسكر خمر). أخبرناه عاليا أبو
القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين ، حدثنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ،
أنبأنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان ، أنبأنا أبو القاسم عبد الله بن محمد ،
حدثنا أحمد بن حنبل ، أخبرنا يحيى بن سعيد بن عبيد الله ، أخبرني نافع عن ابن عمر
قال : لا أعلمه إلا عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : (كل مسكر حرام وكل مسكر خمر).
أخبرنا أبو
محمد ابن الأكفاني قراءة ، حدثنا عبد العزيز الكتاني ، أنبأنا أبو الفرج محمد ابن
أحمد العين زربي ، حدثنا أبو بكر أحمد بن علي الحبال الصوفي ، حدثنا الريان المعروف
بالمدلل قال : سمعت محمد بن كثير العبدي يقول : سمعت سفيان الثوري يقول : كان
الرجل ليحدثني بالحديث قد سمعته أنا قبل أن تلده أمه فيحملني حسن الأدب أن أسمعه
منه. اه (تاريخ ابن عساكر).
أقول : وذكره
الإمام الذهبي فيمن توفي تقريبا من سنة ثمانين والله أعلم.
٢٤ ـ أحمد بن محمد الصنوبري الشاعر المشهور المتوفى سنة ٣٣٤
أحمد بن محمد
بن الحسن بن مرّار أبو بكر الضبي المعروف بالصنوبري الحلبي.
__________________
شاعر محسن أكثر أشعاره في وصف الرياض والأنوار ، قدم دمشق وله أشعار في
وصفها ووصف منتزهاتها.
حكي عن علي بن
سليمان الأخفش قرأت بخط أبي الحسن رشأ بن نظيف المقري وأنبأني أبو القاسم علي بن
إبراهيم وأبو الحسن سبيع بن المسلم عن رشأ ، أخبرني أبو الحسن عن عبد الرحمن بن
أحمد بن معاذ الشيخ الصالح بمصر ، أنبأنا أبو العباس عبد الله بن عبيد الله ابن
عبد الله الحلبي الصفري قال : وسألت أحمد بن محمد بن الحسن بن مرّار الصنوبري ما
السبب الذي نسب جده إلى الصنوبر حتى صار معروفا به ، فقال لي : كان جدي الحسن بن
مرّار صاحب بيت حكمة من بيوت حكم المأمون فجرت له بين يديه مناظرة فاستحسن كلامه
وحدة مزاجه فقال له : إنك لصنوبري الشكل ، يريد بذلك الذكاء وحدة المزاج.
أنبأنا أبو
محمد بن طاوس ، أنبأنا أبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن أبي عقيل الكرخي ، وأنبأنا
أبو يعلى بن أبي حسن ، أنبأنا أبو الفرج سهل بن بشر الأسفرايني قالا : أنبأنا أبو
الحسين محمد بن الحسين ابن الترجمان ، أنشدنا أبو الطيب ، أنشدني أبو بكر الصنوبري
يرثي ابنته وكتب على قبة قبرها :
بأبي ساكنة
في جدث
|
|
سكنت منه إلى
غير سكن
|
نفس فازدادي
عليها حزنا
|
|
كلما زاد
البلى زاد الحزن
|
وفي الجانب
الآخر :
أساكنة القبر
السلوّ محرم
|
|
علينا إلى أن
نستوي في المساكن
|
لئن ضمّن
القبر الكريم كريمتي
|
|
لأكرم مضمون
وأكرم ضامن
|
وفي الجانب
الآخر :
أواحدتي
عصاني الصبر لكن
|
|
دموع العين
سامعة مطيعه
|
وكنت وديعتي
ثم استردت
|
|
وليس بمنكر
ردّ الوديعه
|
وقال في الجانب
الآخر :
يا والديّ
رعاكما الله
|
|
لا تهجرا
قبري وزوراه
|
أخلقتما وجهي
بجدته
|
|
القبر يخلقه
ويمحاه
|
وفي الجانب
الآخر :
آنس الله
وحشتك
|
|
رحم الله
وحدتك
|
أنت في صحبة
البلى
|
|
أحسن الله
صحبتك
|
وفي الجانب
الآخر مقدم :
أبكيك ربة
فنه
|
|
يتلى وفيها
تحرّد
|
لك منزلان
فذا
|
|
يبيّض للبكاء
وذا يسوّد
|
كتب أبو الحسن
علي بن محمد بن علي بن العلاف وأخبرني أبو القاسم ابن السمرقندي وأبو المعمر
المبارك بن أحمد بن عبد العزيز الأنصاري عنه ، أنشدنا أبو القاسم بن بشران ،
أنشدنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الكندي ، أنشدني أبو القاسم عبد العزيز بن عبد
الله لأبي بكر الصنوبري ، وأنبأنا أبو نصر ابن القشيري ، أنبأنا أبو بكر البيهقي ،
أنبأنا أبو عبد الله الحافظ إجازة ، أنشدني أبو الفضل نصر بن محمد الطوسي ، أنشدني
أبو بكر الصنوبري وأنبأنا أبو علي الحسن بن المظفر بن السبط ، أنبأنا أبي أبو سعد
، أنشدني أبو علي الحسن بن عمر بن الزبير ، حدثنا الزبيري قال : أنشدنا أبو الحسن
الصنوبري بالشام والصواب أبو بكر :
دخول النار
للمهجور خير
|
|
من الهجر
الذي هو يتقيه
|
لأن دخوله في
النار أدنى
|
|
عذابا من
دخول النار فيه
|
أخبرنا أبو
العز بن كادس ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنشدنا أبو الحسن المعنوي الشيخ الصالح
قال : أنشدني الصنوبري :
لا النوم
أدري به ولا الأرق
|
|
يدري بهذين
من به رمق
|
إن دموعي من
طول ما استبقت
|
|
كلّت فما
تستطيع تستبق
|
ولي مليك لم
تبد صورته
|
|
مذ كان إلا
ضلّت له الحدق
|
__________________
نويت تقبيل
نار وجنته
|
|
وخفت أدنو
منها فأحترق
|
أنشدنا أبو
الحسن علي بن المسلم وأبو القاسم ابن السمرقندي قالا : أنشدنا أبو نصر ابن طلاب ،
أنشدنا أبو الحسن بن جميع ، أنشدني أبو بكر الصنوبري بحلب :
تزايد ما
ألقى فقد جاوز الحدّا
|
|
وكان الهوى
مزحا فصار الهوى جدّا
|
وقد كنت جلدا
ثم أوهنني الهوى
|
|
وهذا الهوى
ما زال يستوهن الجلدا
|
فلا تعجبي من
سلب ضعفك قوتي
|
|
فكم من ظباء
في الهوى غلبت أسدا
|
غلبتم على
قلبي فصرتم أحق بي
|
|
وأملك لي مني
فصرت لكم عبدا
|
جرى حبكم
مجرى حياتي ففقدكم
|
|
كفقد حياتي
لا رأيت لكم فقدا
|
أخبرنا أبو
السعود أحمد بن علي بن محمد المحلي ، حدثنا عبد المحسن بن محمد بن علي من لفظه ،
حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أبي قدامة الحلبي لأبي بكر الصنوبري :
أيها الحاسد
المعدّ لذمي
|
|
ذمّ ما شئت
رب ذم بحمد
|
لا فقدت
الحسود مدة عمري
|
|
إن فقد
الحسود أخيب فقد
|
كيف لا أوثر
الحسود بشكري
|
|
وهو عنوان
نعمة الله عندي
|
قال : وأنشدني
أيضا له :
انظر إلى أثر
المداد بخدّه
|
|
كبنفسج الروض
المشوب بورده
|
ما أخطأت
نوناته من صدغه
|
|
شيئا ولا
ألفاته من قدّه
|
ألقت أنامله
على أقلامه
|
|
شبها أراك
فرندها كفرنده
|
وكأنما
أنفاسه من شعره
|
|
وكأنما
قرطاسه من خدّه
|
ما صدّ عني
حين صدّ تعمدا
|
|
لو لا
المعلّم ما رميت بصدّه
|
أخبرنا أبو القاسم
علي بن إبراهيم وأبو الحسن علي بن أحمد قالا : حدثنا أبو منصور ابن خيرون ، أنبأنا
أبو بكر الخطيب ، أنبأنا علي بن المحسن ، حدثنا محمد بن سليمان الكاتب ، أنشدني
أبو الحسن بن حبش الكاتب قال : شرب أبي دواء فكتب إليه جحظة يسأله عن حاله رقعة
مكتوب فيها :
أبن لي كيف
أمسيت
|
|
وما كان من
الحال
|
وكم سارت بك
النا
|
|
قة نحو
المنزل الخالي
|
قال أبو بكر :
وفي غير هذه الرواية أن أبا بكر الصنوبري شرب بحلب دواء فكتب إليه صديق له بهذين
البيتين فأجابه الصنوبري :
كتبت إليك
والنعلان ما إن
|
|
أقلهما من
السير العنيف
|
فإن رمت
الجواب إليّ فاكتب
|
|
على العنوان
يدفع في الكنيف
|
كتب إليّ أبو
نصر بن القشيري ، أنبأنا أبو بكر البيهقي ، أنبأنا الحاكم أبو عبد الله ، أنشدني
أبو الفضل نصر بن محمد الطوسي قال : أنشدني أبو بكر الصنوبري لنفسه :
هدم الشيب ما
بناه الشباب
|
|
والغواني وما
غضبن غضاب
|
قلب الآبنوس
عاجا فللأعين
|
|
منه وللقلوب
انقلاب
|
وضلال في
الرأي أن يشنأ
|
|
البازي على
حسنه ويهوى الغراب
|
قال : وأنشدني
لنفسه :
ملأت وجهها
عليّ عبوسا
|
|
واستثارت من
المآقي الرسيسا
|
ورأتني أسرّح
العاج بالعاج
|
|
فظلت تستحسن
الآبنوسا
|
ليس شيء إذا
تأملت شيبا
|
|
إنما الشيب
ما أشاب النفوسا
|
أنشدني أبو
القاسم محمود بن عبد الرحمن البستي ، أنشدنا أبو الحسن علي بن أحمد المديني ،
أنشدنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي ، أنشدنا علي بن حمدان ، أنشدنا الصنوبري
لنفسه :
ما الدهر إلى
الربيع المستنير إذا
|
|
أتى الربيع
أتاك النور والنور
|
فالأرض
ياقوتة والجو لؤلؤة
|
|
والنبت
فيروزج والماء بلّور
|
وهذان البيتان
من أبيات أخبرنا بها أبو السعود ابن المحلي.
أنبأنا أبو علي
محمد بن وشاح بن عبد الله الكاتب ، حدثنا أبو القاسم عبد الصمد ابن أحمد الخولاني
المعروف بابن حبيش ، أنشدني أبو بكر الصنوبري :
إن كان في
الصيف ريحان وفاكهة
|
|
فالأرض
مستوقد والجو تنور
|
وإن يكن في
الخريف النخل مخترفا
|
|
فالأرض
محسورة والجو مأسور
|
وإن يكن في
الشتاء الغيث متصلا
|
|
فالأرض
عريانة والجو مقرور
|
ما الدهر إلا
الربيع المستنير إذا
|
|
أتى الربيع
أتاك النور والنور
|
فالأرض
ياقوتة والجو لؤلؤة
|
|
والنبت
فيروزج والماء بلّور
|
ما يعدم
النبت كاسا من سحائبه
|
|
فالنبت ضربان
سكران
ومخمور
|
فيه لنا
الورد منضود مورّده
|
|
بين المجالس
والمنثور منثور
|
ونرجس ساحر
الأبصار ليس لما
|
|
كانت له من
عمى الأبصار مسحور
|
هذا البنفسج
هذا الياسمين وذا
|
|
النسرين قد
قرنا فالحسن مشهور
|
تظل تنثر فيه
السحب لؤلؤها
|
|
فالأرض ضاحكة
والطير مسرور
|
حيث التفتّ
فقمريّ وفاختة
|
|
يغنيان
وشفنين وزرزور
|
إذا الهزاران
فيه صوتا فهما
|
|
بحسن صوتهما
عود وطنبور
|
تطيب فيه
الصحاري للمقيم بها
|
|
كما تطيب له
في غيره الدور
|
من شم طيب
رياحين الربيع يقل
|
|
لا المسك مسك
ولا الكافور كافور
|
كتب إليّ أبو
سعد بن أبي بكر السمعاني قال : أنشدني أبو القاسم الخضر بن الفضل ابن محمود المؤدب
من حفظه إملاء بالدسكرة للصنوبري :
يقول لي
وكلانا عند فرقتنا
|
|
ضدان أدمعنا
در وياقوت
|
أقم بأرضك
هذا العام قلت لها
|
|
كيف المقام
وما في منزلي قوت
|
ولا بأرضك حر
يستجار به
|
|
إلا لئيم
ومذموم وممقوت
|
أنبأنا أبو
محمد بن طاوس ، أنبأنا أبي أبو البركات ، أنبأنا أبو القاسم التنوخي ، أنشدنا أبو
الحسن المعنوي ، أنشدنا أبو بكر الصنوبري لنفسه :
أفنيت يومي
هكذا باطلا
|
|
منتظرا
للدعوة الباطله
|
همّي للرسل
وأنبائهم
|
|
همّ التي
تطلق للقابله
|
يا دعوة ما
حصلت في يدي
|
|
بل ذهبت
بالدعوة الحاصله
|
قال : وأخبرنا
أبو القاسم التنوخي ، أنشدنا أبو الحسن علي بن محمد الحلبي المؤدب قال : قال لي
أبو بكر الصنوبري : أول شعر قلته وارتضيته قولي :
__________________
ما حل بي منك
وقت منصرفي
|
|
ما كنت إلا
فريسة التلف
|
كم قال لي
الشوق قف لتلثمه
|
|
فقال خوف
الرقيب لا تقف
|
فكان قلبي في
زي منعطف
|
|
وكان جسمي في
زي منصرف
|
قال : وأنبأنا
أبو القاسم التنوخي ، أنشدنا أبو الحسن المعنوي ، أنشدنا أبو بكر الصنوبري لنفسه :
علليني
بموعدي
|
|
امطلي ما
حييت به
|
ودعيني أفوز
منك
|
|
بنجوى تطلّبه
|
فعسى يغير الزما
|
|
ن بنحس
فينتبه
|
أخبرنا أبو
المظفر سعيد بن سهل بن محمد بن عبد الله النيسابوري ، أنبأنا أبو الحسن علي بن
أحمد بن محمد بن عبد الله النيسابوري ، أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد
المديني المؤذن إملاء بنيسابور قال : سمعت الإمام أبا منصور عبد القاهر بن طاهر بن
محمد التميمي يقول : سمعت علي بن حمدان الفارسي يقول : كان للصنوبري ابن مسترضع
ففطم ، فدخل الصنوبري يوما داره والصبي يبكي فقال : ما لابني؟ فقالوا : فطم ، قال
: فتقدم إلى مهده وكتب عليه :
منعوه أحب
شيء إليه
|
|
من جميع
الورى ومن والديه
|
منعوه غذاءه
ولقد كا
|
|
ن مباحا له
وبين يديه
|
عجبا منه ذا
على صغر ال
|
|
سن هوي
فاهتدى الفراق إليه
|
ا ه (تاريخ ابن
عساكر) :
أقول :
والصنوبري من فحول الشعراء المجيدين ومن جملة من كان منهم بحضرة سيف الدولة بن
حمدان صاحب حلب ، وكان لا يجارى في وصف الأماكن والأنهار والرياض والأزهار ، وقد
أكثر في شعره من ذلك ، وأورد له ياقوت في معجم البلدان قصيدة طويلة في نيف ومائة
بيت وصف فيها الشهباء ومنتزهاتها وقراها القريبة منها وهي من غرر القصائد ومطلعها
:
__________________
احبسا العيس
احبساها
|
|
وسلا الدار
اسألاها
|
وأورد له في
التاريخ المنسوب لابن الشحنة قصيدة وصف فيها نهر الشهباء المسمى بقويق ومطلعها :
قويق له عهد
لدينا وميثاق
|
|
وهذي العهود
والمواثيق أذواق
|
ومن أحب الوقوف
عليهما فعليه بهذين الكتابين.
وذكره ابن شاكر
في تاريخه «فوات الوفيات» ولكنه لم يذكر تاريخ وفاته. قال : ومن شعره في الورد :
زعم الورد
أنه هو أبهى
|
|
من جميع
الأنوار والريحان
|
فأجابته
أعين النرجس الغض بذلّ من قولها وهوان
|
أيما
أحسن التورّد أم مقلة ريم مريضة الأجفان
|
أم
فماذا يرجو بحمرته الورد إذا لم يكن له عينان
|
فزها الورد
ثم قال مجيبا
|
|
بقياس مستحسن
وبيان
|
إن
ورد الخدود أحسن من عين بها صفرة من اليرقان
|
ومنه :
أرأيت أحسن
من عيون النرجس
|
|
أم من
تلاحظهن وسط المجلس
|
درر تشقق عن
يواقيت على
|
|
قضب الزمرد
فوق بسط السندس
|
أجفان كافور
خفقن بأعين
|
|
من زعفران
ناعمات الملمس
|
فكأنها أقمار
ليل أحدقت
|
|
بشموس أفق
فوق غصن أملس
|
وله أيضا :
يا ريم قومي
الآن ويحك فانظري
|
|
ما للربى قد
أظهرت إعجابها
|
كانت محاسن
وجهها محجوبة
|
|
فالآن قد كشف
الربيع حجابها
|
ورد بدا يحكي
الخدود ونرجس
|
|
يحكي العيون
إذا رأت أحبابها
|
ونبات باقلاء
يشبه نوره
|
|
بلق الحمام
مشيلة أذنابها
|
والسرو تحسبه
العيون غوانيا
|
|
قد شمرت عن
سوقها أثوابها
|
وكأن إحداهن
من نفح الصبا
|
|
خود تلاعب
موهنا أترابها
|
لو كنت أملك
للرياض صيانة
|
|
يوما لما
وطىء اللئام ترابها
|
وقال أيضا :
خجل الورد حين لاحظه
النرجس من حسنه وغار البهار
فعلت ذاك حمرة وعلت
ذا حيرة واعترى البهار اصفرار
وغدا الأقحوان يضحك
عجبا عن ثنايا لثاتهن نضار
ثم نمّ النمّام
واستمع السوسن لما أذيعت الأسرار
عندها أبرز الشقيق
خدودا صار فيها من لطمه آثار
سكبت فوقها دموع من
الطل كما تسكب الدموع الغزار
فاكتسى ذا البنفسج
الغض أثواب حداد إذ خانه الإصطبار
وأضر السقام
بالياسمين الغض حتى أذابه الإضرار
ثم نادى الجزاء (١)
في سائر الزهر فوافاه جحفل جرار
فاستجاشوا على محاربة
النرجس بالخرّم الذي لا يبار
فأتوا في جواشن
سابغات تحت سجف من العجاج يثار
ثم لما رأيت ذا
النرجس الغض ضعيفا ما إن لديه انتصار
لو أزل أعمل التلطف
للورد حذارا أن يغلب النوّار
فجمعناهم لدى مجلس
تصخب فيه الأطيار والأوتار
لم ترى ذا وذا لقلت
خدود تدمن اللحظ نحوها الأبصار
وقال أيضا :
بدر غدا يشرب
شمسا غدت
|
|
وحدّها في
الوصف من حدّه
|
تغرب في فيه
ولكنها
|
|
من بعد ذا
تطلع في خدّه
|
وقال أيضا :
ولم أنس ما
عاينته من جماله
|
|
وقد زرت في
بعض الليالي مصلّاه
|
ويقرأ في
المحراب والناس خلفه :
|
|
ولا تقتلوا النفس
التي حرم الله
|
__________________
فقلت تأمل ما
تقول فإنه
|
|
فعالك يا من
تقتل الناس عيناه
|
وله :
صفت دنيا
دمشق لساكنيها
|
|
فلست ترى
بغير دمشق دنيا
|
مكللة
فواكههن أبهى
|
|
المناظر في
مناظرنا وأهيا
|
تفيض جداول
البلّور فيها
|
|
خلال حدائق
ينبتن وشيا
|
فمن تفاحة لم
تعد خدا
|
|
ومن أترجّة
لم تعد ثديا
|
أقول : وممن
ترجمه الحافظ الذهبي وأورد له من نظمه [لا النوم أدري به ولا الأرق] ... إلخ
الأبيات المتقدمة ، وقال : وفاته كانت سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة.
٢٥ ـ يحيى بن علي الكندي المتوفى بين ٣٣ و٣٤ تقديرا
يحيى بن علي بن
محمد بن هاشم بن النعمان بن مرداس بن عبد الله أبو العباس الكندي الحلبي الخفاف
ابن ابنة محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة. قدم دمشق حاجا وحدث بها وبحلب عن أبي نعيم
عبيد بن هشام وعبد الملك بن دليل إمام مسجد حلب وعبدة بن عبد الرحيم المروزي وعبد
الله بن نصر الأنطاكي وجده لأمه محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة وإبراهيم ابن سعيد
الجوهري وعبد الله بن محمد الأدرمي وعبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي وأبي عبد الله
الضحاك بن حجرة المنبجي وأبي البختري عبد الله بن محمد بن شاكر. روى عنه محمد ابن
يوسف الرافعي البندار وأبو بكر أحمد بن علي الحبال الصوفي وأبو محمد الحسن بن محمد
ابن داود الثقفي وأبو بكر بن المقري وأبو طالب علي بن الحسن بن إبراهيم الحلبي
المعروف بالفقيل وأبو علي الحسين بن علي الحافظ وأبو علي محمد بن محمد بن آدم الفزاري
وحمزة ابن محمد بن علي الكناني الحافظ وأبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري
وأبو أحمد ابن عدي الحافظ.
قرأت على أبي
القاسم الخضر بن الحسين بن عبدان عن عبد العزيز بن أحمد ، أنبأنا أبو نصر عبد
الوهاب بن عبد الله المري ، حدثنا محمد بن سليمان الربعي ، حدثنا أبو العباس يحيى
بن علي بن محمد بن هاشم الحلبي الكندي الخفاف قدم علينا حاجا ، حدثني عبد الملك بن
دليل إمام مسجد حلب ، حدثني أبي عن إسماعيل السدي عن زيد بن أرقم قال :
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (يقول الله عزوجل : توسعت على عبادي بثلاث خصال ، بعثت الدابة على الحبة
يعني القمح والشعير ولو لا ذلك لكنزها ملوكهم كما يكنزون الذهب والفضة ، وتغير
الجسد من بعد الموت ولو لا ذلك لما دفن حميم حميمه ، وسليت حزن الحزين ولو لا ذلك
لم يكن يسلو).
ومن عالي حديثه
ما أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك ، أنبأنا أبو طاهر بن محمود ، أنبأنا
أبو بكر بن المقري ، حدثنا يحيى بن علي بن هاشم بن أبي سكينة ، حدثني جدي محمد بن
إبراهيم بن أبي سكينة عن ابن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلىاللهعليهوسلم (نهى عنه الفرع أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعض). روى عنه أبو بكر بن
المقري في معجم شيوخه فقال : ابن ابنه محمد بن إبراهيم ابن أبي سكينة : أنبأنا أبو
محمد هبة الله بن أحمد بن طاووس وأبو الحسين عبد الرحمن ابن أبي الحديد ، أنبأنا
محمد بن عوف قال : قرىء على أبي بكر البندار. حدثنا أبو العباس يحيى بن علي محمد
بن هاشم النعمان بن مرداس الكندي الحلبي الخفاف : قدم علينا دمشق ونزل المصلى حاجا
في شوال سنة أربع وثلاثمائة فذكر حديثا ا ه (ابن عساكر).
٢٦ ـ خلّاد بن محمد الأسدي المتوفى بين ٣٤٠ و٣٥٠ تقريبا
خلاد بن محمد
بن هاني بن واقد أبو يزيد الأسدي الخناصري من أهل خناصرة. حدث بدمشق وحلب عن أبيه
محمد بن هاني وعبد الله بن جيق الأنطاكي واليمان بن سعيد والمسيب ابن واضح. روى
عنه محمد بن مروان وأبو بكر محمد بن الحسين بن صالح بن إسماعيل السبيعي الحلبي
وأبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن فيل الأنطاكي ، أخبرنا أبو محمد عبد
الكريم بن حمزة ، حدثنا عبد العزيز بن أحمد ، أنبأنا تمام بن محمد أنبأنا أبو عبد
الله محمد بن إبراهيم بن مروان قراءة عليه ، حدثنا أبو يزيد خلاد بن محمد بن هاني
بن واقد الأسدي ، حدثني أبي محمد بن هاني ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن القرشي
البالسي ، حدثنا خصيف عن عكرمة قال : (قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن أفضل الهدية وأفضل العطية الكلمة من كلام الحكمة
يسمعها العبد ثم يعلمها أخاه خير له من عبادة سنة على سنة).
أخبرنا أبو
القاسم بن السمرقندي ، أنبأنا محمد بن علي الحسن بن سكينة الأنماطي ،
أنبأنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن أحمد بن القاسم بن جامع الدهان ،
أنبأنا محمد بن الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن فيل ، حدثنا خلاد بن محمد بن هاني بن
واقد الأسدي إمام مسجد خناصرة ، حدثني أبي ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن
الطيالسي ، حدثنا خصيف عن سعيد بن جبير عن معاذ بن جبل قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : (من احتكر طعاما على أمتي أربعين يوما وتصدق به
لم يقبل منه) ا ه (ابن عساكر).
٢٧ ـ محمد بن العباس البزّاز المتوفى سنة ٣٥٠
محمد بن العباس
بن الفضل أبو بكر البزاز. نزل حلب وحدث بها عن إسماعيل القاضي ومحمد بن عثمان بن أبي
شيبة ، وروى عنه علي بن محمد الحلبي. قال الخطيب : أحاديثه مستقيمة ا ه (ذهبي من
وفيات سنة خمسين وثلاثمائة).
٢٨ ـ نظيف بن عبد الله المقري المتوفى سنة ٣٥٠
نظيف بن عبد
الله أبو الحسن الحلبي المقري. كان من كبار المقرئين ، قرأ على عبد الصمد بن محمد
العسوني سنة تسعين ومائتين ، وسمع منه كتاب عمرو بن الصباح عن حفص وعلي موسى بن
جرير الرقي وأحمد بن محمد اليقطيني. أخذ عنه عبد الباقي بن الحسن وعبد المنعم بن
غلبون ا ه (ذهبي من وفيات سنة خمسين وثلاثمائة).
٢٩ ـ عبد الواحد أبو الطيب اللغوي المتوفى سنة ٣٥١
عبد الواحد بن
علي أبو الطيب العسكري اللغوي من عسكر مكرم. قدم حلب وأقام بها إلى أن قتل في دخول
الدمستق حلب في هذه السنة (٣٥١) ، كان أحد الحذاق العلماء المبرزين المتقنين لعلمي
اللغة والعربية ، أخذ عن أبي عمر الزاهد ومحمد بن يحيى الصولي. قال أبو علي الصقلي
: كنت في مجلس ابن خالويه إذ وردت عليه من سيف الدولة مسائل تتعلق باللغة فاضطرب
لها ودخل خزانته وأخرج لها كتب اللغة وفرقها على من كان عنده من أصحابه يفتشونها
ليبحث عنها ، فتركته وذهبت إلى أبي الطيب اللغوي وهو جالس
وقد وردت عليه تلك المسائل بعينها وبيده قلم الحمرة فأجاب به ولم يغيره
قدرة على الجواب. وهو صاحب كتاب «مراتب النحويين» ، وكتاب «الإبدال» نحا فيه نحو
كتاب يعقوب في القلب. وكتاب «شجر الدر» سلك فيه مسالك أبي عمر في المدخل. وكتاب «في
الفرق». و «لطيف الإتباع» .
قال أبو الطيب (أي
المترجم) : وللخليل ثلاثة أبيات على قافية واحدة يستوي لفظها ويختلف معناها وأراد
بهذا أن يبين أن تكرار القوافي ليس بضار إذا لم يكن بمعنى واحد وليس بإيطاء ،
والأبيات :
يا ويح قلبي
من دواعي الهوى
|
|
إذ رحل
الجيران عند الغروب
|
أتبعتهم طرفي
وقد أمعنوا
|
|
ودمع عينيّ
كفيض الغروب
|
بانوا وفيهم
طفلة حرّة
|
|
تفترّ عن مثل
أقاحي الغروب
|
قال أبو الطيب
: فقصد هذا القصد بعض الشعراء فيما أنشده ثعلب ولم يذكر قائلا :
أتعرف أطلالا
شجونك بالخال
|
|
وعيش زمان
كان في العصر الخالي الماضي
|
ليالي ريعان
الشباب مسلّط
|
|
عليّ بعصيان
الإمارة والخال الراية
|
وإذ أنا خدن
للغويّ أخي الصبا
|
|
وللغزل
المرّيح ذي اللهو والخال الخيلاء
|
وللخود تصطاد
الرجال بفاحم
|
|
وخدّ أسيل
كالوذيلة ذي الخال الشامة
|
إذا رئمت
ربعا رئمت رباعها
|
|
كما رئم
الميثاء ذو الرثية الخالي العزب
|
__________________
ويقتادني
منها رخيم دلالها
|
|
كما اقتادمهرا
حين يألفه الخالي الذي يلحن
|
زمان أفدّي
من مراح إلى الصبا
|
|
بعمّي من فرط
الصبابة والخال أخو الأم
|
وقد علمت أني
وإن ملت للصبا
|
|
إذا القوم
كعّوالست بالرعش الخال الضعيف
|
ولا أرتدي
إلا المروءة حلّة
|
|
إذاضنّ بعض
القوم بالعصب والخال نوع من البرود
|
وإن أنا
أبصرت المحول ببلدة
|
|
تنكّبتها
واشتمت خالا على خال السحاب
|
فحالف بحلفي
كلّ خرق مهذّب
|
|
وإلا تحالفني
فخال إذا خال من المخالاة
|
وما زلت حلفا
للسماحة والعلا
|
|
كا احتلفت
عبس وذبيان بالخال موضع
|
وثالثنا
بالحلف كلّ مهنّد
|
|
لما يرم من
صمّ العظام به خال قاطع
|
قال أبو الطيب
: ولما ظننا أن من سمع هذه الأبيات ربما خال صاحبها قد زاد على الخليل ابن أحمد
وأنه لما تعرض لشيء تقصاه رأينا أن نبين أنه بخلاف هذه الصورة وأنه قد ترك أكثر
مما أخذ وأغفل أكثر مما أورد ، وقد بقي عليه من هذه القوافي ما نحن ناظمون أبياتا
ومعتذرون من تقصيرنا فيه إذ المراد إيراد القوافي دون التعمد لنقد الشعر ،
والأبيات :
ألمّ بربع
الدار بان أنيسه
|
|
على رغم أنف
اللهو قفرا بذي الخال
|
__________________
مساعد خلّ أو
مقضّي ذمّة
|
|
ومحيي قتيل
بعد ساكنة الخال
|
وكم حللت
أيدي النوى وصروفها
|
|
على الزمن
الخالي المحبين بالخال
|
تبصر خليلي
الربع شيّعت دائما
|
|
بقلب من
الوجد الذي حلّ في خالي
|
ألم ترني
أرعي الهوى من جوانحي
|
|
رياضكم
بالمرّذي النعم الخال
|
أذوق أمرّيه
بغير تكرّه
|
|
مذاقة موفور
على جزعه خال
|
وأسكن منه كل
واد مضلة
|
|
وآلف ربعا
ليس من مألف الخال
|
وكم أنتضي
فيه سيوف عزائم
|
|
وأنضو لباب
البدن عن جمل خالي
|
وكم من هدى
قد ملت عنه إلى هوى
|
|
وحقّ يقين
حدت عنه إلى خال
|
ومهما تذللني
لليلى صبابة
|
|
فغير معرّى
القدر من ملبس الخال
|
__________________
تطامن طودي
للهوى يستقيده
|
|
وألحق أطواد
الأعزين بالخال
|
أضن بعهدي ضن
غيري بروحه
|
|
وأبذل روحي
بذل ذي الكرم الخال
|
وإن تخل ليلى
من تذكّر عهدنا
|
|
فكم أيقن
الخالون أني كذا خالي
|
وإن زعموا
أني تخلّيت بعدها
|
|
فما أنا عنها
بالخليّ ولا الخالي
|
ا ه من عيون
التواريخ لابن شاكر الدمشقي. ثم أورد ابن شاكر بعد هذه القصيدة قصيدة في تسعة
وعشرين بيتا على هذا النمط وهذا الروي لعبد الله بن محمد بن عبد الغفار النحوي
العروضي. والجزء الذي نقلنا منه ترجمة أبي الطيب من مخطوطات المكتبة الأحمدية بحلب
وخطه سقيم جدا وفي القصيدتين تحريف كثير لم أتمكن من تصحيحه بأكثر مما ترى.
وللشاعر الأديب
بطرس كرامة أحد رجال «مشاهير الشرق» لجرجي زيدان قصيدة خاليّة ومطلعها :
أمن خدك
الوردي أفتنك الخال
|
|
فسح من
الأجفان مدمعك الخال
|
وهي قصيدة غراء
تقع في خمسة وعشرين بيتا فليرجع إليها من أحب الوقوف عليها.
٣٠ ـ أحمد بن نصر البازيار المتوفى سنة ٣٥٢
أحمد بن نصر بن
الحسين البازيار أبو علي. كان نديما لسيف الدولة بن حمدان وكان أبوه نصر بن الحسين
من ناقلة سامرا ، واتصل بالمعتضد وخدمه وخف على قلبه ، وأهله
__________________
من خراسان ، وكان يتعاطى لعب الجوارح فرد إليه المعتضد نوعا من أنواع
جوارحه. ومات أبو علي بحلب في حياة سيف الدولة ، وله من الكتب كتاب «تهذيب البلاغة»
ذكر ذلك كله محمد بن إسحق النديم. قال ثابت بن سنان : مات أبو علي أحمد بن نصر ابن
الحسين بالشام (أي ببلاد الشام) في سنة ٣٥٢.
وحدث أبو جعفر
طلحة بن عبد الله بن فتاش صاحب كتاب القضاة قال : كنا بحضرة سيف الدولة وقد كان من
ندمائه قال : كان يحضر معنا مجلسه أبو نصر البنص وكان رجلا من أهل نيسابور أقام
ببغداد قطعة من أيام المقتدر وبعدها إلى أيام الراضي ، وكان مشهورا بالطيبة
والخلاعة وخفة الروح وحسن المحاضرة مع العفة والستر ، وتقلد الحكم في عدة نواح
بالشام ، فقيل له يوما بحضرة سيف الدولة : لم لقبت البنص؟ فقال : ما هذا لقب وإنما
هو اشتقاق من كنيتي كما أردنا أن نشتق من أبي علي مثل هذا (وأومأ إلى ابن البازيار)
لقلنا البعل أو اشتققنا من أبي الحسن (وأومأ إلى سيف الدولة) لقلنا النحس ، فضحك
سيف الدولة ولم ينكر عليه. وقد استدللت بهذه الحكاية على عظم قدر البازيار عند سيف
الدولة إذ قرن اسمه باسمه. وذكر هلال أن أحمد بن نصر البازيار كان ابن أخت أبي
القاسم علي بن محمد الحواري ، وكان أبو العباس الصفري شاعر سيف الدولة قد حبس
لمحاكمة كانت بينه وبين رجل من أهل حلب فكتب إلى ابن البازيار من محبسه :
كذا الدهر
بؤس مرة ونعيم
|
|
فلا ذا ولا
هذا يكاد يدوم
|
وذو الصبر
محمود على كل حالة
|
|
وكل جزوع في
الأنام ملوم
|
يقول فيها :
أترضى الطماى
قاض
بحبسه
|
|
إذا اختصمت
يوما إليه خصوم
|
وإن زمانا
فيه يحبس مثله
|
|
لمثلي زمان
ما علمت لئيم
|
يكاد فؤادي
يستطير صبابة
|
|
إذا هب من
نحو الأمين نسيم
|
هل انت ابن
نصر ناصري بمقالة
|
|
لها في دجى
الخطب البهيم نجوم
|
ولائم قاض رد
توقيع من به
|
|
غدا قاضيا
فالأمر فيه عظيم
|
__________________
ومتخذ عندي
صنيعة ما جد
|
|
كريم نماه في
الفخار كريم
|
ا ه (معجم
الأدباء لياقوت ١٢٢ جلد ٢).
الكلام على درب البازيار المنسوب للمترجم
قال أبو ذر في
كنوز الذهب : درب البازيار هو الدرب الذي لا ينفذ وفي أوله الرباط الشمسي ، وهو
منسوب لأحمد بن نصر بن البازيار أبي علي الكاتب ، كان أبوه من أهل سامرا وانتقل هو
إلى حلب وسكنها واتصل بخدمة سيف الدولة وحظي عنده وكان فاضلا.
أقول : درب
البازيار هو الزقاق المعروف الآن بزقاق الزهراوي شمال المدرسة الشرفية ، لكنه
مفتوح الآن ينفذ إلى محلة السويقة يمينا وإلى محلة بحسيتا يسارا.
الكلام على الآثار التي كانت في هذا الزقاق
الخانكاه الشمسية :
قال أبو ذر :
هذه الخانكاه برأس درب البازيار ملاصقة لبيتي من جهة الغرب ، أنشأها شمس الدين أبو
بكر أحمد جدي أخو صاحب الشرفية وابن عمي لأني ابن إبراهيم بن عائشة بنت نجم الدين
عمر بن قطب الدين محمد بن موفق الدين أحمد ابن فاخرة بنت الشيخ شمس الدين المشار
إليه ، وموفق الدين أحمد المشار إليه هو ابن هاشم ابن أبي حامد عبد الله أخي
الشهيد ، وهذه الخانكاه كانت داره وبها سكنه ، ولها باب إلى دهليز قاعتي التي
سكنتها ابنته فاخرة المذكورة ، وهي خانكاه عظيمة مشتملة على علو وهو طباق مرخمة
ببروز من الرخام الأصفر وسفل به مغارتان إحداهما فوق الأخرى ، وبها بئر ، وهي
محكمة البناء ، فلما توفي منشيها سنة إحدى وثلاثين (وستمائة) توفي عن ابنة واحدة
وهي جدتي فأوصى إلى أخيه الشيخ شرف الدين صاحب الشرفية بأن يقفها على الصوفية ،
فوقفها أخوه ووقف المجلس القبلي منها مسجدا على مذهب الشافعي. وكانت هذه الخانقاه
لها أوقاف جليلة وحلوى في المواسم ، ولها إمام ، ومن وقفها حانوتان بسوق الحبالين
الآن ، ولها سماط قيل إن حاكما أبطله لنقض الوقف ، وقد سكن هذه الخانكاه قبل فتنة
تيمور الشيخ
أحمد الحموي والشيخ علي المتعيش ، (وكانا من الصالحين القايمين ، ثم سكنها
الشيخ شمس الدين الأطعاني في محنة تمر) ثم سكنها بعد ذلك الشيخ شهاب الدين أحمد بن هلال
الحسباني وله ترجمة في تاريخي والدي وشيخنا ، ثم صارت بعد ذلك مسكنا للقضاة ومنهم
القاضي الحمصي وأحدث فيها بابا ورام قلع رخام مغارتها وأحضر من يقلعه فلم يوافقه
على قلعه.
خانكاه الخادم :
قال أبو ذر :
وإلى جانب هذه الخانكاه من جهة الشمال خانكاه الخادم وكان من عتقاء بني العجمي
وقفها على سكنى بني العجمي الإناث ، ولها بابان بدرب البازيار أحدهما جعل دارا وسد
من جهة الخانقاه ، ولهذه الخانكاه دار بالدرب المذكور وقف عليها ، وهذه الدار بيد
بني الغزال بمقتضى إجارة ، وفي داخل هذه الخانكاه قبر ، وبهذا الدرب خانكاه أخرى
تجاه الخانكاه المذكورة وبها قبر أيضا ، ولم أعرف لمن تنسب ، وقد جعلت دارا وسكنها
الناس وانطوى ذكر الخانكاه عنها.
المدرسة الرواحية :
قال أبو ذر :
هذه المدرسة بالقرب من الخانكاه الشمسية والسهلية المعروفة الآن بسويقة حاتم ،
أنشأها زكي الدين أبو القاسم هبة الله بن عبد الواحد بن رواحة الحموي وأنشأ أخرى
بدمشق ، وتوفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة وقيل سنة ٢٣ ودفن بمقابر الصوفية (بدمشق).
وشرط واقفها أن لا يتولاها حاكم متصرف وأن يعرف مدرسها الخلاف العالي والنازل.
وولي تدريسها القاضي زين الدين أبو محمد عبد الله ابن الشيخ الحافظ عبد الرحمن بن
عبد الله بن علوان الأسدي ولم يزل مدرسا بها إلى أن ولي نيابة الحكم بحلب سنة ثلاث
وعشرين ، ثم ذكر بقية من ولي التدريس بها (ثم قال) : ووليها عماد الدين أبو بكر بن
محمد بن الحسن الكوراني ولم يزل مدرسا بها إلى أن قتل في وقعة التتر بحلب.
(قال أبو ذر) :
وهذه المدرسة اندثرت في وقعة تيمور وانهدم سقفها ، ولما ألزم
__________________
قصروه كافل حلب شيخنا بعمارة المدارس عمرها وسقفها ودرس بها ، وهذه المدرسة
لها وقف من جملته حصة بقرية تل أعرن وحصة بقرية نفيحين وحصة بقربة مشقانين وكتاب
وقفها موجود ا ه.
أقول : لا أثر
لهذه المدرسة الآن ولا للخانكاهات المذكورة وهي كلها في أول زقاق الزهراوي من
الجهة الجنوبية أمام المدرسة الشرفية عن يمين الزقاق ويساره وجميعها صارت دورا ،
وقد بقي من آثارها باب ذو أحجار ثلاثة سوداء عن يسار الداخل إلى الزقاق وباب عظيم
مسدود يعلوه حجرة عظيمة في أول الزقاق غير النافذ الذي هو داخل هذا الزقاق ، ولم
أتمكن من معرفة كل مكان بعينه.
٣١ ـ محمد بن إسحق المتوفى سنة ٣٥٤
محمد بن إسحق
بن محمد بن أحمد بن إسحق بن عبد الرحمن بن يزيد بن موسى أبو جعفر الحلبي والد
القاضي أبي الحسن علي بن محمد. سمع أبا بكر بن خزيم وعبد الصمد ابن عبد الله بن
أبي يزيد وأبا عبد الله أحمد بن عبد الواحد الحريري وأبا يعقوب إسحاق ابن يعقوب بن
إسحاق بن عيسى الوراق وأبا جعفر محمد بن عبد الحميد الفرغاني وأبا عبد الله أحمد
بن علي بن سهل المروزي وأبا عبد الله محمد بن إبراهيم بن زياد الرازي. روى عنه
ابنه القاضي أبو الحسن وابن ابنه الحسن بن علي بن محمد.
أخبرنا أبو عبد
الله محمد بن أحمد بن إبراهيم بن الخطاب في كتابه ، أنبأنا أبو القاسم علي بن عبد
الواحد بن عيسى بن موسى النحيرمي الكاتب ، حدثنا القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن
إسحق بن يزيد إملاء ، حدثني أبي ، حدثنا الحريمي ، حدثنا أبو الوليد هشام بن عمار
، حدثنا علي بن سليمان وهو أبو نوفل ، حدثنا أبو إسحق الهمداني عن أبي بصير قال :
أتيت المدينة فلقيت أبيّ بن كعب فقلت : يا أبا المنذر حدثنا ، قال : سمعت رسول
الله صلىاللهعليهوسلم وصلينا معه الفجر ، فلما قضى صلاته قال : هنا فلان؟ قلنا
: لا ، قال : ففلان شاهد ، قلنا : نعم ، قال : إنه لا صلاة أثقل على المنافقين من
صلاة الغداة والعشاء الآخرة ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ، ثم قال :
الصف الأول على صف الملائكة ، وصلاة الرجلين أفضل من صلاة الرجل وحده ، وصلاة
الثلاثة
أفضل من صلاة الرجلين ، وما أكثرت فهو أجر إلى الله.
أخبرنا أبو
القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل ، أنبأنا أبو الفرج سهل بن بشر ، أنبأنا أبو نصر عبيد
الله بن سعيد بكتابه ، أنبأنا أبو القاسم عبد الجبار بن أحمد بن عمر الطرسوسي
المقري ، أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق بن يزيد الحلبي العدل ، حدثنا أبي
رحمهالله ، حدثنا أبو بكر محمد بن خزيم بن محمد بن مروان بن عبد
الملك العقيلي البزار من أصل كتابه ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا علي بن سليمان
قال : سمعت قتادة قال : سمع عمر بن الخطاب رجلا يتبع القصص فقال عمر : أفتريد أحسن
من أحسن القصص. قرىء على أبي الحسن بن الحسن الموازيني وأنا أسمع عن القاضي عبد
الله محمد بن سلامة ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن شاكر ،
حدثني الحسين ابن علي ابن محمد بن إسحاق الحلبي ، حدثني جد أبي محمد وأحمد ابنا
إسحق بن محمد قالا : سمعنا جعفر بن أحمد بن الرواس بدمشق فذكر حكاية.
قرأت بخط أبي
القاسم عبد الله بن أحمد بن علي بن صابر ، وجدت في كتاب قديم بخط قديم : وفيها
يعني سنة أربع وخمسين وثلاثمائة توفي أبو جعفر محمد بن إسحاق القاضي الحلبي يوم
الأربعاء لخمس بقين من جمادى الأولى ا ه (ابن عساكر).
٣٢ ـ أبو فراس الحمداني المتوفى سنة ٣٥٧
أبو فراس
الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون ابن عم سيف الدولة بن حمدان. قال ابن
خلكان : قال الثعالبي في وصفه : كان فرد دهره وشمس عصره أدبا وفضلا وكرما ومجدا
وبلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة ، وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة والسهولة
والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة ومعه رواء الطبع وسمة الظرف وعزة الملك ، ولم
تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر عبد الله بن المعتز. وأبو فراس يعد أشعر منه عند
أهل الصنعة ونقدة الكلام. وكان الصاحب بن عباد يقول : بدىء الشعر بملك وختم بملك
يعني امرىء القيس وأبا فراس. وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز ويتحامى جانبه
فلا ينبري لمباراته ولا يجتري على مجاراته وإنما لم يمدحه ومدح من دونه من آل
حمدان تهيبا له وإجلالا لا إغفالا وإخلالا.
وكان سيف
الدولة يعجب جدا بمحاسن أبي فراس ويميزه بالإكرام على سائر قومه ويستصحبه في
غزواته ويستخلفه في أعماله ، وكانت الروم قد أسرته في بعض وقائعها وهو جريح قد
أصابه سهم بقي نصله في فخذه ونقلته إلى خرشنة ثم منها إلى قسطنطينية وذلك في سنة
ثمان وأربعين وثلثمائة ، وفداه سيف الدولة في سنة خمس وخمسين. وقيل أسر مرتين
المرة الأولى بمغارة الكحل في السنة المذكورة وما تعدوا به خرشنة وهي قلعة ببلاد
الروم والفرات يجري تحتها ، وفيها يقال : إنه ركب فرسه وركضه برجله فأهوى به من
أعلى الحصن إلى الفرات والله أعلم. والمرة الثانية أسره الروم على منبج في شوال
سنة إحدى وخمسين وحملوه إلى قسطنطينية ، وأقام في الأسر أربع سنين ، وله في الأسر
أشعار كثيرة مثبتة في ديوانه ، وكانت مدينة منبج إقطاعا له ، ومن شعره :
قد كنت عدتي
التي أسطو بها
|
|
ويدي إذا
اشتد الزمان وساعدي
|
فرميت منك
بضد ما أمّلته
|
|
والمرء يشرق
بالزلال البارد
|
فصبرت كالولد
التقيّ لبره
|
|
أغضى على ألم
لضرب الوالد
|
وله أيضا :
أساء فزادته
الإساءة حظوة
|
|
حبيب على ما
كان منه حبيب
|
يعدّ عليّ
الواشيان ذنوبه
|
|
ومن أين
للوجه الجميل ذنوب
|
وله أيضا :
سكرت من لحظه
لا من مدامته
|
|
ومال بالنوم
عن عيني تمايله
|
فما السلاف
دهتني بل سوالفه
|
|
ولا الشمول ازدهتني
بل شمائله
|
ألوى بعزمي
أصداغ لوين له
|
|
وغال قلبي
بما تحوي غلائله
|
قال الثعالبي
في يتيمة الدهر : لما غزا سيف الدولة قسطنطين بن فردس الدمستق وأسره وأصابت
الدمستق ضربة في وجهه أكثر الشعراء في هذه الوقعة فقال أبو الطيب قصيدته التي
مطلعها :
لكل امرىء من
دهره ما تعوّدا
|
|
وعادات سيف
الدولة الطعن في العدا
|
وقال أبو فراس
:
وآب بقسطنطين
وهو مكبل
|
|
تحفّ بطاريق
به وزرازر
|
وولّى على
الرسم الدمستق هاربا
|
|
وفي وجهه عذر
من السيف عاذر
|
فدى نفسه
بابن عليه كنفسه
|
|
وللشدة
الصماء تقنى الذخائر
|
وقد يقطع
العضو النفيس لغيره
|
|
وتدفع بالأمر
الكبير الكبائر
|
وكان سيف
الدولة قلما ينشط لمجلس الأنس لاشتغاله عنه بتدبير الجيوش وملابسة الخطوب وممارسة
الحروب ، فوافت حضرته إحدى المحسنات من قيان بغداد فتاقت نفس أبي فراس إلى سماعها
ولم ير أن يبدأ باستدعائها قبل سيف الدولة ، فكتب إليه يحثه على استحضارها فقال :
محلك الجوزاء
أو أرفع
|
|
وصدرك
الدهناء بل أوسع
|
وقلبك الرحب
الذي لم يزل
|
|
للجد والهزل
به موضع
|
رفّه بقرع
العود سمعا غدا
|
|
قرع العوالي
جلّ ما يسمع
|
قال ابن خلكان
: ذكر الصابي في تاريخه قال : في يوم السبت لليلتين خلتا من جمادى الأول من سنة
سبع وخمسين وثلثمائة جرت حرب بين أبي فراس وكان مقيما بحمص وبين أبي المعالي بن
سيف الدولة ، واستظهر عليه أبو المعالي وقتله في الحرب وأخذ رأسه وبقيت جثته
مطروحة في البرية إلى أن جاءه بعض الأعراب فكفنه ودفنه. قال غيره : وكان أبو فراس
خال أبي المعالي وقلعت أمه سخينة عينها لما بلغها وفاته ، وقيل إنها لطمت وجهها
فقلعت عينها. وقال ابن خلكان : لما مات سيف الدولة عزم أبو فراس على التغلب على
حمص ، فاتصل خبره بأبي المعالي بن سيف الدولة وغلام أبيه قرعويه فأنفذ إليه من
قاتله فأخذ وقد ضرب ضربات فمات في الطريق.
قال : ورأيت في
ديوانه أنه لما حضرته الوفاة كان ينشد مخاطبا ابنته :
أبنيتي لا
تجزعي
|
|
كل الأنام
إلى ذهاب
|
نوحي عليّ
بحسرة
|
|
من خلف سترك
والحجاب
|
قولي إذا
كلمتني
|
|
فعييت عن رد
الجواب
|
زين الشباب
أبو فرا
|
|
س لم يمتع
بالشباب
|
وهذا يدل على
أنه لم يقتل ، أو يكون قد جرح وتأخر موته ثم مات من الجراحة.
وقيل : لما قتله قرعويه لم يعلم به أبو المعالي ، فلما بلغه الخبر شق عليه.
ويقال إن مولده كان في سنة عشرين وثلاثمائة ، وقيل سنة إحدى وعشرين.
قال الصلاح الصفدي
في شرح لامية العجم : ومن شعر أبي فراس :
من كان مثلي
فالدنيا له وطن
|
|
وكل قوم غدا
فيهم عشائره
|
وما تمد له
الأطناب في بلد
|
|
إلا تضعضع
باديه وحاضره
|
قال : وله وقد
أصابه نصل نشاب أقام في بدنه ثلاثين شهرا حتى خرج فقال فيه :
فلا تصفنّ
الحرب عندي فإنها
|
|
طعامي مذبعت
الصبا وشرابي
|
وقد عرفت وقع
المسامير مهجتي
|
|
وشقق عن زرق
النصول إهابي
|
ولجّجت في حلو الزمان ومرّه
|
|
وانفقت من
عمري بغير حساب
|
وله :
بمن يثق
الإنسان فيما ينوبه
|
|
ومن أين للحر
الكريم صحاب
|
وقد صار هذا
الناس إلا أقلهم
|
|
ذئابا على
أجسادهن ثياب
|
وله :
مالي أعاتب
دهري أين يذهب بي
|
|
قد صرح الدهر
لي بالمنع والياس
|
أبغي الوفاء
بدهر لا وفاء به
|
|
كأنني جاهل
بالدهر والناس
|
وله :
أين الخليل
الذي يرضيك باطنه
|
|
مع الخطوب
كما يرضيك ظاهره
|
وله :
إن الغنيّ هو
الغنيّ بنفسه
|
|
ولو انه عاري
المناكب حافي
|
ما كل ما فوق
البسيطة كافيا
|
|
فإذا قنعت
فكل شيء كافي
|
__________________
وقال الثعالبي
في خاص الخاص : من غرر أحاسن شعر أبي فراس قوله :
لم أؤاخذك
بالجفاء لأني
|
|
واثق منك
بالوفاء الصحيح
|
فجميل العدو
غير جميل
|
|
وقبيح الصديق
غير قبيح
|
ومن نكت حكمه
قوله :
المرء نصب
مصائب لا تنقضي
|
|
حتى يوارى
جسمه في رمسه
|
فمؤجّل يلقى
الردى في أهله
|
|
ومعجّل يلقى
الردى في نفسه
|
وقوله :
إذا كان غير
الله للمرء عدة
|
|
أتته الرزايا
من وجوه المصائب
|
أقول : ومن
قصائده المشهورة التي يتغنى بها القصيدة التي يقول في مطلعها :
أراك عصي
الدمع شيمتك الصبر
|
|
أما للهوى
نهي عليك ولا أمر
|
وختمها بقوله
في الفخر :
سيذكرني قومي
إذا جدّ جدّهم
|
|
وفي الليلة
الظلماء يفتقد البدر
|
ولو سدّ غيري
ما سددت اكتفوا به
|
|
وما كان يغلو
التبر لو نفق الصفر
|
ونحن أناس لا
توسط بيننا
|
|
لنا الصدر
دون العالمين أو القبر
|
تهون علينا
في المعالي نفوسنا
|
|
ومن يخطب
الحسناء لم يغلها المهر
|
أعز بني
الدنيا وأعلى ذوي العلا
|
|
وأكرم من فوق
التراب ولا فخر
|
فقد أبدع كل
الإبداع وأتى بما يحرك القلوب الخالية ، لكنا ننتقد عليه قوله فيها :
معللتي
بالوعد والموت
دونه
|
|
إذا مت ظمآنا
فلا نزل القطر
|
وأين هذا من
قول أبي العلاء المعري في سقط الزند :
ولو أني حبيت
الخلد فردا
|
|
لما أحببت
بالخلد انفرادا
|
__________________
فلا هطلت
عليّ ولا بأرضي
|
|
سحائب ليس
تنتظم البلادا
|
ومن بديع نظمه
قوله من قصيدة :
هيهات لا
قربت قربى ولا رحم
|
|
يوما إذا قضت
الأخلاق والشيم
|
كانت مودة
سلمان لهم رحما
|
|
ولم يكن بين
نوح وابنه رحم
|
وقد طبع ديوانه
في بيروت غير مرة ، ومما جاء في آخره قال ابن خالويه : لما توفي سيف الدولة عزم
أبو فراس على التغلب على حمص فاتصل خبره بأبي المعالي بن سيف الدولة وغلام أبيه
قرعويه وكان صاحب حلب ، فأرسل إليه بجوشن وقد ضرب ضربات فمات فقال قبل موته :
إذا لم يعنك
الله فيما ترومه
|
|
فليس لمخلوق
إليه سبيل
|
وإن هو لم
ينصرك لم تلق ناصرا
|
|
وإن عز أنصار
وجلّ قبيل
|
وإن هو لم
يرشدك في كل مسلك
|
|
ضللت ولو أن
السماك دليل
|
٣٣ ـ علي بن عبد الملك القاضي
أبو حصين علي
بن عبد الملك الرقي القاضي بحلب (من قضاة سيف الدولة). قال الثعالبي في يتيمة
الدهر : هو الذي يقول فيه السري الموصلي من قصيدة :
لقد أضحت
خلال أبي حصين
|
|
حصونا في
الملمات الصعاب
|
كساني ظل
وابلة وآوى
|
|
غرائب منطقي
بعد اغتراب
|
وكنت كروضة
سقيت سحابا
|
|
فأثنت
بالنسيم على السحاب
|
وكتب إليه أبو
فراس وقد عزم على المسير إلى الرقة قصيدة افتتاحها :
يا طول شوقي
إن كان الرحيل غدا
|
|
لا فرّق الله
فيما بيننا أبدا
|
فأجابه القاضي
بقصيدة أولها :
إن كان ما
قيل من سير الركاب غدا
|
|
حقا فإني أرى
وشك الحمام غدا
|
ومنها في ذكر
سيف الدولة :
لو لا الأمير
وأن الفضل مبدؤه
|
|
منه لقلت بأن
الفضل منك بدا
|
دام البقاء
له ما شاء مقتدرا
|
|
تمضي أوامره
إن حل أو عقدا
|
يذل أعداؤه
عزا ويرفع من
|
|
والاه فضلا
ويبقى للعلا أبدا
|
لم أقف على
تاريخ وفاته لأذكرها فذكرته في العقد الذي توفي فيه سيف الدولة. وتقدم في الكلام
على حوادث سنة ٣٣٣ أن سيف الدولة لما دخل حلب ولى قضاءها لعلي بن عبد الملك (المترجم)
وكان ظالما ، فكان إذا مات إنسان أخذ تركته لسيف الدولة ويقول : كل من هلك فلسيف
الدولة ما ترك وعلى أبي حصين الدرك.
٣٤ ـ أبو الفرج سلامة القاضي
أبو الفرج
سلامة بن بحر أحد قضاة سيف الدولة. قال الثعالبي : يقول شعرا يكاد يمتزج بأجزاء
الهواء رقة وخفة ويجري مع الماء لطافة وسلاسة كقوله :
من سره العيد
فما سرني
|
|
بل زاد في
همي وأشجاني
|
لأنه ذكرني
ما مضى
|
|
من عهد
أحبابي وإخواني
|
وأورد له
الثعالبي في خاص الخاص قوله :
من سره العيد
الجدي
|
|
د فقد عدمت
به السرورا
|
كان السرور
يطيب أن
|
|
لو كان
أحبابي حضورا
|
ولم أقف أيضا
على تاريخ وفاته.
٣٥ ـ عبد الله الفيّاض الكاتب
أبو محمد عبد
الله بن عمرو بن محمد الفياض. قال الثعالبي في اليتيمة : هو كاتب سيف الدولة
ونديمه ، معروف ببعد المدى في مضمار الأدب وحلبة الكتابة ، أخذ بطرفي النظم والنثر
، كان سيف الدولة لا يؤثر عليه في السفارة إلى الحضرة (لبغداد) أحدا لحسن عبارته
وقوة بيانه ونفاذه في استغراق الأغراض وتحصيل المراد ، وقد ذكره أبو إسحق الصابي
في الكتاب التاجي ومدحه السريّ بقصائد (ذكر الثعالبي أبياتا من قصيدة) ثم قال :
ومن
ملح شعر أبي محمد قوله ولم أسمع في معناه أحسن منه :
قم فاسقني
بين خفق الناي والعود
|
|
ولا تبع طيب
موجود بمفقود
|
كأسا إذا
أبصرت في القوم محتشما
|
|
قال السرور
له قم غير مطرود
|
نحن الشهود
وخفق العود خاطبنا
|
|
نزوّج ابن
سحاب بنت عنقود
|
وأنشدني أبو
علي محمد بن عمر الزاهر قال : أنشدني ابن الفياض لنفسه بحلب في غلام له أثير لديه
استوحش منه لميله إلى غلام آخر يقال له إقبال :
انكرت إقبالي
على إقبال
|
|
وخشيت أن
تتساويا في الحال
|
هيهات لا
تجزع فكل طريفة
|
|
ربح يهون
وأنت رأس المال
|
قال : وأنشدني
لنفسه في ذلك الغلام :
الآن تهجرني
وأنت المذنب
|
|
وظننت أنك
عاتب لا تعتب
|
وأمنت من
قلبي التقلب واثقا
|
|
بوفائه لك
والقلوب تقلّب
|
وقال :
وما بقيت من
اللذات إلا
|
|
محادثة
الكرام على الشراب
|
ولثمك وجنتي؟؟؟
قمر منير
|
|
يجول بخدّه
ماء الشباب
|
٣٦ ـ علي بن محمد الوزّان
علي بن محمد
أبو الحسن الوزان الحلبي النحوي. قال ياقوت : سمع منه أبو القاسم علي بن المحسن
التنوخي وأظنه في أيام سيف الدولة بن حمدان ، وله كتاب في العروض ا ه (بغية الوعاة).
٣٧ ـ عيسى الرقّي من أطباء سيف الدولة
عيسى الرقّي
المعروف بالتفليسي. كان طبيبا مشهورا في أيامه عارفا بالصناعة الطبية حق معرفتها ،
وله أعمال فاضلة ومعالجات بديعة ، وكان في خدمة سيف الدولة بن حمدان
ومن جملة أطبائه. وقال عبيد الله بن جبرئيل : حدثني من أثق بقوله أن سيف
الدولة كان إذا أكل الطعام حضر على مائدته أربعة وعشرون طبيبا ، قال : وكان فيهم
من يأخذ رزقين لأجل تعاطيه علمين ومن يأخذ ثلاثة لتعاطيه ثلاثة علوم ، وكان من
جملتهم عيسى الرقّي المعروف بالتفليسي ، وكان مليح الطريقة وله كتب في المذهب
وغيرها ، وكان ينقل من السرياني إلى العربي ويأخذ أربعة أرزاق رزقا بسبب الطب
ورزقا بسبب النقل ورزقين بسبب علمين آخرين ا ه (عيون الأنباء في طبقات الأطباء
لابن أبي أصيبعة المتوفى سنة ٦٦٨).
٣٨ ـ الشاعر الناشي من شعراء سيف الدولة
الناشي الأحصّي
الشاعر من شعراء سيف الدولة بن حمدان ، ذكر ياقوت في معجم البلدان في الكلام على (الأحصّ)
قال : وينسب إلى أحصّ حلب شاعر يعرف بالناشي الأحصّي كان في أيام سيف الدولة أبي
الحسن علي بن حمدان ، له خبر ظريف أنا مورده ههنا وإن لم أكن على ثقة منه ، وهو أن
هذا الشاعر الأحصّي دخل على سيف الدولة فأنشده قصيدة له فيه فاعتذر سيف الدولة
بضيق اليد يومئذ وقال له : اعذر فما يتأخر عنا حمل المال إلينا ، فإذا بلغك ذلك
فأتنا لنضاعف جائزتك ونحسن إليك ، فخرج من عنده فوجد على باب سيف الدولة كلابا
تذبح لها السخال وتطعم لحومها ، فعاد إلى سيف الدولة فأنشده هذه الأبيات :
رأيت بباب
داركم كلابا
|
|
تغذيها
وتطعمها السخالا
|
فما في الأرض
أدبر من أديب
|
|
يكون الكلب
أحسن منه حالا
|
ثم اتفق أن حمل
إلى سيف الدولة أموال من بعض الجهات على بغال فضاع منها بغل بما عليه وهو عشرة
آلاف دينار ، وجاء هذا حتى وقف على باب الناشي الشاعر بالأحصّ فسمع حسه فظنه لصا ،
فخرج إليه بالسلاح فوجده بغلا موقرا بالمال ، فأخذ ما عليه من المال وأطلقه ، ثم
دخل حلب ودخل على سيف الدولة وأنشده قصيدة له يقول فيها :
ومن ظن أن
الرزق يأتي بحيلة
|
|
فقد كذبته
نفسه وهو آثم
|
يفوت الغنى
من لا ينام على السرى
|
|
وآخر يأتي
رزقه وهو نائم
|
فقال له سيف
الدولة : بحياتي وصل إليك المال الذي كان على البغل؟ فقال : نعم ، فقال : خذه
بجائزتك مباركا لك فيه ، فقيل لسيف الدولة : كيف عرفت ذلك؟ قال : عرفته من قوله : (وآخر
يأتي رزقه وهو نائم) بعد قوله : (يكون الكلب أحسن منه حالا) ا ه. وقال الثعالبي في
خاص الخاص : أحسن ما سمعت في النهي عن عتاب الملوك قول الناشي :
إذا أنا
عاتبت الملوك فإنما
|
|
أخط بأقلامي
على الماء أحرفا
|
وهبه أرعوى
بعد العتاب ألم يكن
|
|
تودده طبعا
فصار تكلفا
|
٣٩ ـ عبد الله بن أحمد السراج
المتوفى بعد ٣٦٨
عبد الله بن
أحمد بن محمد أبو القاسم الحلبي السراج الفقيه. قدم دمشق سنة ثمان وستين وثلاثمائة
وحدث بها عن عبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي وعمر بن إسحاق بن أبي حماد الجرمي
وأبي عبد الله بن الأصيل وأبي بكر أحمد بن جعفر البغدادي. روى عنه أبو القاسم تمام
بن محمد وأبو الحسن الميداني وأبو الحسن بن السمسار ومكي بن محمد بن الغمر وأبو
الحسن علي بن الحسن الربعي وأبو نصر بن الجبان وأحمد بن الحسن بن الطيان.
أخبرنا أبو
محمد بن الأكفاني ، حدثنا عبد العزيز الكتاني ، أنبأنا أبو الحسن بن السمسار ،
أنبأنا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن محمد السراج الحلبي قدم علينا ، حدثنا عبد
الرحمن بن عبيد الله بن أخي الإمام بحلب ، حدثنا أحمد بن حرب ، حدثنا زيد بن
الحباب حدثنا موسى بن عبيدة ، حدثني إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي
بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (مثل الذي لا يتم صلاته كمثل حبلى فلما دنا نفاسها
أسقطت فلا هي ذات حمل ولا هي ذات ولادة. يا علي مثل المصلي كالتاجر لا يخلص له
ربحه حتى يأخذ رأس ماله ، كذلك المصلي لا تقبل له نافلة حتى يؤدي الفريضة). ه (ابن
عساكر).
٤٠ ـ الحسين بن أحمد بن خالويه المتوفى سنة ٣٧٠
الحسين بن أحمد
بن خالويه بن حمدان أبو عبد الله الهمذاني النحوي ، إمام اللغة والعربية
وغيرها من العلوم الأدبية ، دخل بغداد طالبا للعلم سنة أربع عشرة وثلاثمائة
وقرأ القرآن على ابن مجاهد والنحو والأدب على ابن دريد ونفطويه وأبي بكر بن
الأنباري وأبي عمر الزاهد ، وسمع الحديث من محمد بن مخلد العطار وغيره وأملى
الحديث بجامع المدينة ، وروى عنه المعافى بن زكريا وآخرون ، ثم سكن حلب واختص بسيف
الدولة بن حمدان وأولاده وهناك انتشر علمه وروايته ، وله مع المتنبي مناظرات. وكان
أحد أفراد الدهر في كل قسم من أقسام العلم والأدب ، وكانت الرحلة إليه من الآفاق ،
وقال له رجل : أريد أن أتعلم من العربية ما أقيم به لساني ، فقال : أنا منذ خمسين
سنة أتعلم النحو ما تعلمت ما أقيم به لساني. توفي بحلب سنة سبعين وثلاثمائة.
قال الداني في
طبقاته : عالم بالعربية حافظ للغة بصير بالقراءة ثقة مشهور ، وروى عنه غير واحد من
شيوخنا منهم عبد المنعم بن عبد الله والحسن ابن سليمان وغيرهما ، وكان شافعيا ،
ومن شعره :
إذا لم يكن
صدر المجالس سيدا
|
|
فلا خير فيمن
صدرته المجالس
|
وكم قائل
مالي رأيتك راجلا
|
|
فقلت له من
أجل أنك فارس
|
ومنه :
الجود طبعي
ولكن ليس لي مال
|
|
فكيف يبذل من
بالقرض يحتال
|
فهاك حظي
فخذه اليوم تذكرة
|
|
إلى اتساعي
فلي في الغيب آمال
|
وله من
التصانيف : الجمل في النحو. الاشتقاق. أطرغش في اللغة (هكذا في النسخة المطبوعة من
بغية الوعاة وأشار إليها المصحح فقال : هكذا بالأصل). القراءات. إعراب ثلاثين سورة
المقصور والممدود. الألفات. المذكر والمؤنث . شرح الدريدية. كتاب ليس. يقول فيه ليس في كلام العرب
كذا إلا كذا ، وعمل بعضهم كتابا سماه
__________________
كتاب الميس استدرك عليه أشياء. كتاب اشتقاق خالويه. البديع في القراءات
السبع. وغير ذلك.
وهذه فائدة
رأيت ألا أخلي منها هذا الكتاب : رأيت في تاريخ حلب لابن العديم بخطه قال : رأيت
في جزء من أمالي ابن خالويه : سأل سيف الدولة جماعة من العلماء بحضرته ذات ليلة :
هل تعرفون اسما ممدودا وجمعه مقصور؟ فقالوا : لا ، فقال لابن خالويه : ما تقول أنت؟
قلت : أنا أعرف اسمين ، قال : ما هما؟ قلت : لا أقول لك إلا بألف درهم لئلا تؤخذ
بلا شكر وهما صحراء وصحاري وعذراء وعذاري ، فلما كان بعد شهر أصبت حرفين آخرين
ذكرهما الجرمي في كتاب التنبيه وهما صلفاء وصلافي وهي الأرض الغليظة وخبراء وخباري
وهي أرض فيها ندوّة ، ثم بعد عشرين سنة وجدت حرفا خامسا ذكره ابن دريد في الجمهرة
وهي سبتاء وهي الأرض الخشنة ا ه (بغية الوعاة في أخبار النجاة للسيوطي).
وقال ابن خلكان
في ترجمته بعد ذكر من أخذ عنهم : وآل حمدان يكرمونه ويدرسون عليه ويقتبسون منه ،
وهو القائل : دخلت يوما على سيف الدولة بن حمدان فلما مثلت بين يديه قال لي : اقعد
، ولم يقل اجلس ، فتبينت اعتلاقه بأهداب الأدب واطلاعه على أسرار كلام العرب ،
وإنما قال ابن خالويه هذا لأن المختار عند أهل الأدب أن يقال للقائم اقعد وللنائم
والساجد اجلس ، وعلله بعضهم بأن القعود هو الانتقال من العلو إلى السفل ، ولهذا
قيل لمن أصيب برجليه مقعد ، والجلوس هو الانتقال من السفل إلى العلو ولهذا قيل
لنجد جلساء لارتفاعها ، وقيل لمن أتاها جالس وقد جلس ، ومنه قول مروان بن الحكم
لما كان واليا بالمدينة يخاطب الفرزدق :
قل للفرزدق
والسفاهة كاسمها
|
|
إن كنت تارك
ما أمرتك فاجلس
|
أي اقصد
الجلساء وهي نجد. ولابن خالويه المذكور كتاب كبير في الأدب سماه كتاب ليس وهو يدل
على اطلاع عظيم ، فإن مبنى الكتاب من أوله إلى آخره على أنه ليس في كلام العرب كذا
وليس.
أقول : قال ابن
الأنباري في كتابه نزهة الألباء في طبقات الأدباء في ترجمة ابن خالويه المذكور :
وصنف كتبا كثيرة في اللغة وغيرها منها كتاب ليس وهو كتاب نفيس في
اللغة ... إلخ. والكتاب المذكور مطبوع في مصر في جزء لطيف. وله كتاب لطيف
سماه الآل وذكر فيه الآل ينقسم إلى خمسة وعشرين قسما وما قصر فيه ، وذكر فيه
الأئمة الاثني عشر وتاريخ مواليدهم ووفياتهم وأمهاتهم والذي دعاه إلى ذكرهم أنه
قال في جملة أقسام الآل : وآل محمد بنو هاشم. وكتاب في أسماء الأسد (قال في نزهة
الألباء : وذكر له فيه خمسمائة اسم). ولابن خالويه مع أبي الطيب المتنبي مجالس
ومباحث عند سيف الدولة ، ولو لا خوف الإطالة لذكرت شيئا منها. وخالويه بفتح الواو
وسكون الياء ا ه كلام ابن خلكان.
قال الثعالبي
في يتيمة الدهر : ومن شعر أبي عبد الله الحسين بن خالويه في وصف برد همذان :
إذا همذان
اعتارها القر وانقضى
|
|
برغمك أيلول
وأنت مقيم
|
فعينك عمشاء
وأنفك سائل
|
|
ووجهك مسودّ
البياض بهيم
|
وأنت أسير
البرد تمشي بعلة
|
|
على السيف
تحنو تارة وتقوم
|
بلاد إذا ما
الصيف أقبل جنة
|
|
ولكنها عند
الشتاء جحيم
|
وتقدم في أول
ترجمته أن أصل ابن خالويه من همذان.
٤١ ـ الحسن بن أحمد بن صالح السبيعي الحافظ المتوفى سنة ٣٧١
الحسن بن أحمد
بن صالح الحافظ أبو محمد الهمداني السبيعي الحلبي من أولاد أبي إسحق السبيعي وإليه
ينسب بحلب درب السبيعي . كان حافظا متقنا رحالا عالي الرواية خبيرا بالرجال
والعلل فيه تشيع يسير ، رحل وسمع من محمد بن حبان وعبد الله بن ناجية ويموت ابن
المزرع وعمر بن أيوب السقطي وقاسم بن زكريا وعمر بن محمد الباغندي وأبي معشر
الدارمي ومحمد بن جرير الطبري وأحمد بن هرون البردنجي وطائفة. روى عنه الدارقطني
وأبو بكر البرقاني وأبو طالب بن بكير وأبو العلاء محمد بن علي الواسطي وأبو نعيم
الأصبهاني
__________________
والشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان شيخ الرافضة والشريف محمد الحراني.
وكان عسرا في الرواية ذعرا وثقه ابن أبي الفوارس ، وقال ابن أسامة الحلبي : لو لم
يكن للحلبيين من الفضيلة إلا أبو محمد الحسن بن أحمد السبيعي لكفاهم.
كان وجيها عند
سيف الدولة وكان يزوره في داره ، وصنف له كتاب التبصرة في فضيلة العترة المطهرة ،
وكان له في العامة سوق ، وهو الذي وقف حمام السبيعي على العلويين. توفي السبيعي في
سابع عشر ذي الحجة. قال الحاكم سألت أبا محمد السبيعي الحافظ عن حديث إسماعيل بن
رجاء فقال : لهذا الحديث قصة ، قرأ علينا ابن ناجية مسند فاطمة بنت قيس سنة
ثلثمائة فدخلت على الباغندي فقال : من أين جئت؟ قلت : من مجلس ابن ناجية ، فقال :
أيش قرأ عليكم؟ قلنا : أحاديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس ، فقال : مر لكم عن إسماعيل
بن رجاء عن الشعبي ، فنظرت في الخبر فلم أجد ، فقال : اكتب : ذكر أبو بكر بن أبي
شيبة ، قلت : عمن؟ ومنعته من التدليس ، فقال : حدثني محمد بن عبيدة الحافظ ، حدثني
محمد بن الأثرم ، نا أبو بكر ، نا محمد بن بشير العبدي عن مالك بن مغول عن إسماعيل
بن رجاء عن الشعبي عن فاطمة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قصة الطلاق والسكنى والنفقة. ثم انصرفت إلى حلب وكان
عندنا بحلب بغدادي يعرف بابن سهل فذكرت له هذا الحديث فخرج إلى الكوفة وذاكر أبا
العباس بن سعيد ، فكتب أبو العباس هذا الحديث عن ابن سهل عني عن الباغندي ، ثم
اجتمعت مع فلان يعني الجعابي فذاكرته فلم يعرفه ، ثم اجتمعنا برملة فلم يعرفه ، ثم
اجتمعنا بعد سنين بدمشق فاستعادني إسناده تعجبا ، ثم اجتمعنا ببغداد فذكرنا هذا
الباب فقال : ثنا علي بن إسماعيل الصفار ، ثنا أبو بكر الأثرم ، نا أبو بكر بن أبي
شيبة ، ولم يدر أن الأثرم غير ذاك ، فذكرت قصتي لفلان المفيد وأتى عليه سنون فحدث
بالحديث عن الباغندي ، ثم قال السبيعي : المذاكرة تكشف عوار من لا يصدق.
قال الخطيب :
كان ثقة حافظا مكثرا حافظا عسرا في الرواية ، ولما كان بأخرة عزم على التحديث
والإملاء وتهيأ لذلك فمات. حدث عنه الدارقطني : سمعت السبيعي يقول : قدم علينا
الوزير أبو الفتح بن خنزابة إلى حلب فتلقاه الناس فعرف أني محدث ، فقال لي : أتعرف
إسنادا فيه أربعة من الصحابة؟ فذكرت له حديث عمر في العمالة ، فعرف لي ذلك وصار لي
به عنده منزلة ا ه (ذهبي من وفيات سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة).
٤٢ ـ محمد بن أحمد بن طالب المتوفى بعد سنة ٣٧٢
محمد بن أحمد
بن طالب الفقيه الأديب الحلبي أبو الحسن ، سمع ببغداد أبا بكر بن دريد وأبا بكر بن
الأنباري وأبا علي بن الحسين بن أحمد الكاتب المعروف بالكوكبي وأبا عبد الله
نفطويه وأبا عيسى محمد بن أحمد بن قطن السمسار ، وبحلب أبا عبد الله أحمد ابن جعفر
بن أحمد بن ماست الحاضري والقاضي أبا حصين. ومات بعد سنة ٣٧٢. قرىء عليه كتابه في
هذه السنة وله كتاب الشبان والشيب أحسن فيه ا ه (معجم الأدباء).
٤٣ ـ ابن نباتة الخطيب المتوفى سنة ٣٧٤
الخطيب أبو
يحيى عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة الحذاقي الفارقي صاحب الخطب المشهورة
. كان إماما في علوم الأدب ورزق السعادة في خطبه التي وقع الإجماع على أنه
ما عمل مثلها ، وفيها دلالة على غزارة علمه وجودة قريحته ، وهو من أهل ميّا فارقين
، وكان خطيب حلب وبها اجتمع بأبي الطيب المتنبي في خدمة سيف الدولة ابن حمدان ،
وقالوا إنه سمع عليه بعض ديوانه. وكان سيف الدولة كثير الغزوات فلهذا أكثر الخطيب
من خطب الجهاد ليحض الناس عليه ويحثهم على نصرة سيف الدولة. وكان رجلا صالحا. وذكر
الشيخ تاج الدين الكندي بإسناده المتصل إلى الخطيب ابن نباتة أنه قال : لما عملت
خطبة المنام وخطبت بها يوم الجمعة رأيت ليلة السبت في منامي كأني بظاهر ميّا
فارقين عند الجبّانة فقلت : ما هذا الجمع؟ فقال لي قائل : هذا النبي صلىاللهعليهوسلم ومعه أصحابه ، فقصدت إليه لأسلم عليه ، فلما دنوت منه
التفت فرآني فقال : مرحبا يا خطيب الخطباء ، كيف تقول؟ وأومأ إلى القبور ، قلت :
لا يخبرون بما إليه آلوا ولو قدروا على المقال لقالوا ، قد شربوا من الموت كأسا
مرة ولم يفقدوا من أعمالهم ذرة ، وآلى الدهر آليّة برّة أن لا يجعل لهم إلى دار
الدنيا كرّة ، كأنهم لم يكونوا للعيون قرة ولم يعدّوا في الأحياء مرّة ، أسكنهم
الله الذي أنطقهم وأبادهم الذي خلقهم ، وسيجددهم كما خلقهم ويجمعهم كما فرقهم ،
يوم يعيد إليه العالمين خلقا جديدا ويجعل الظالمين لنار جهنم
__________________
وقودا ، يوم تكونون شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ، وأومأت عند
قولي تكونون شهداء على الناس إلى الصحابة وبقولي شهيدا إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ
نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ
أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً). فقال لي : أحسنت ادن ، فدنوت منه صلىاللهعليهوسلم فأخذ وجهي وقبله وتفل في فمي وقال : وفقك الله ، قال :
فانتبهت من النوم وبي من السرور ما يجل عن الوصف فأخبرت أهلي بما رأيت.
قال الكندي
بروايته : وبقي الخطيب بعد هذا المنام ثلاثة أيام لا يطعم طعاما ولا يشتهيه ويوجد
في فيه رائحة المسك ولم يعش إلا مدة يسيرة. ولما استيقظ الخطيب من منامه كان على
وجهه أثر نور وبهجة لم يكن قبل ذلك ، وقص رؤياه على الناس وقال : سماني رسول الله صلىاللهعليهوسلم خطيبا ، وعاش بعد ذلك ثمانية عشر يوما لا يستطعم فيها
طعاما ولا شرابا من أجل تلك التفلة وبركتها ، وهذه الخطبة التي فيها هذه الكلمات
تعرف بالمنامية لهذه الواقعة.
وهذا الخطيب لم
أر أحدا من المؤرخين ذكر تاريخه في المولد والوفاة سوى الأزرق الفارقي في تاريخه
فإنه قال : ولد في سنة خمس وثلاثين وثلثمائة وتوفي سنة أربع وسبعين وثلثمائة بميّا
فارقين ودفن بها رحمهالله تعالى. ورأيت في بعض المجاميع : قال الوزير أبو القاسم
ابن المغربي : رأيت الخطيب ابن نباتة في المنام بعد موته فقلت له : ما فعل الله بك؟
فقال : دفع لي ورقة فيها سطران بالأحمر وهما :
قد كان أمن
لك من قبل ذا
|
|
واليوم أضحى
لك أمنان
|
والصفح لا
يحسن عن محسن
|
|
وإنما يحسن
عن جاني
|
قال فانتبهت من
النوم وأنا أكررهما.
ونباتة بضم
النون وفتح الباء الموحدة وبعد الألف تاء مثناة من فوقها مفتوحة ثم هاء ساكنة.
والحذاقي بضم الحاء وفتح الذال المعجمة وبعد الألف قاف ، هذه النسبة إلى حذاقة بطن
من قضاعة. وقال ابن قتيبة في كتاب أخبار الشعراء : وحذاق قبيلة من إياد والله أعلم
ا ه (ابن خلكان).
٤٤ ـ محمد بن العباس الأموي نزيل الأندلس المتوفى سنة ٣٧٦
محمد بن العباس
بن يحيى الأموي مولاهم الحلبي نزيل الأندلس ، سمع أبا الجهم بن كلاب بمشغرا (بلدة
في لبنان) ومحمد بن عبد الله مكحولا ببيروت ، وأبا عروبة بحران وعلي بن عبد الحميد
الغضايري ومحمد بن إبراهيم بن نيروز الأنماطي بحلب ، ومحمد بن سعيد الترجمي بحمص ،
ووفد على المستنصر بالله خليفة الأندلس فروى عنه محمد بن الحسن الزبيدي وأبو
الوليد عبد الله بن الفرضي وقال : كتبت عنه وقد كف بصره ، وتوفي في هذه السنة. قلت
: هذا أسند من بجزيرة الأندلس في عصره ولكن لم يأخذوا عنه كما ينبغي ا ه (ذهبي من
وفيات سنة ست وسبعين وثلاثمائة).
٤٥ ـ محمد بن محمد النيسابوري المحدث الشاعر
محمد بن محمد
بن عمرو أبو نصر النيسابوري المحدث المشهور الملقب بالبيض ، نزل حلب ومدح سيف
الدولة. روى عن إمام الأئمة ابن خزيمة والبغوي ، وروى عنه ابن الأهوازي وأبي عروبة
وزكريا الساجي وعنه أبو الخير أحمد بن علي ولاحق المقدسي وأحمد ابن عبد
الرحمن بن قاموس الأطرابلسي وغيرهم ، وهو صاحب القصيدة المطبوعة التي أولها :
حباؤك معتاد وأمرك
نافذ
|
|
وعبدك محتاج
إلى ألف درهم
|
وله في الأصول
مؤلف سماه المدخل إلى الاجتهاد يدل على اعتزاله ا ه (ذهبي من وفيات عشر السبعين
وثلاثمائة).
٤٦ ـ الحسن بن علي العبسي
الحسن بن علي
بن عمر الحلبي أبو محمد كوجك العبسي الأديب ، روى عن الغضايري ومحمد بن جعفر
المنبجي ، وروى عنه تمامي وعبد الوهاب الميداني ومكي بن عمر ا ه (ذهبي فيمن توفي
في عشر السبعين وثلاثمائة).
__________________
٤٧ ـ أحمد بن إسحق من قضاة سيف الدولة
أحمد بن إسحق
أبو جعفر الحلبي الحنفي الملقب بالجرد ، ولي قضاء حلب لسيف الدولة وحدث عن عمر بن
سنان المنبجي ومحمد بن معاذ بن المستهل وطائفة ، وحدث عنه ابن أخيه أبو الحسن علي
بن محمد بن إسحق وتمام الرازي وابن نظيف الفرا. ويحتمل أنه توفي بعد الخمسين ا ه (ذهبي
وذكره فيمن توفي في عشر السبعين وثلاثمائة تقريبا لا تحقيقا وقال ثمة : حدث عن
أحمد بن جليد الحلبي ا ه).
٤٨ ـ صالح بن جعفر الهاشمي المتوفى أواخر هذا القرن
صالح بن جعفر
بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن علي بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن
عبد المطلب أبو طاهر الهاشمي الصالحي الحلبي القاضي ، سمع بدمشق أبا بكر أحمد بن
عبد الله بن أبي دجانة البصري وأبا هاشم عبد الجبار بن عبد الصمد السلمي وأبا
سليمان بن زير العبدي وأبا علي محمد بن محمد بن آدم ومحمد بن أحمد الطائي وأبا
الحسين أحمد بن محمد بن يعقوب البغدادي نزيل دمشق وأبا عبد الله بن خالويه النحوي
، وصنف كتابا في الحنين إلى الأوطان روى فيه عن شيوخه هؤلاء وغيرهم ، روى عنه أبو
الفتح أحمد بن علي المدائني ا ه (ابن عساكر).
٤٩ ـ عبد المنعم بن غلبون المقري المتوفى سنة ٣٨٩
عبد المنعم بن
عبيد الله غلبون أبو طالب الطيب الحلبي المقري نزيل مصر ، ولد سنة تسع وثلاثمائة
وقرأ على أبي الحسن محمد بن جعفر بن المستفاض الغرياني وأبي سهل صالح ابن إدريس
ونجم بن بدير ونصر بن يوسف المجاهدي وإبراهيم بن عبد الرزاق الأنطاكي وخلائق ، أخذ
عنه خلائق ، مات بمصر في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة ا ه (طبقات
الكبرى للسبكي).
وذكره الحافظ
الذهبي وعدد بقية من أخذ عنهم ومن أخذ عنه وقال : كان ثقة. وذكره أبو عمرو الداني
فقال : كان حافظا للقراءة ضابطا ذا عفاف ونسك وفضل وحسن تصنيف. وقال غيره : ولد
سنة تسع وثلاثمائة ا ه (ما في الذهبي).
٥٠ ـ الحسين بن علي أبو العباس المحدث المتوفى سنة ٣٩٠
الحسين بن علي
بن محمد بن إسحق أبو العباس الحلبي ، توفي قبل والده فيما أظن ، قدم بغداد وحدث
بها عن قاسم الملطي والمحاملي وابن عقدة وعلي بن مطر الإسكندراني ، روى عنه علي بن
أحمد النعيمي وأبو العلا محمد بن علي الوسطي. قال الخطيب : كان يوصف بالحفظ وما
علمت من حاله إلا خيرا رحمهالله ا ه (ذهبي من وفيات سنة تسعين وثلاثمائة).
٥١ ـ الحسين بن محمد العين زربي المتوفى سنة ٣٩٢
الحسين بن محمد
بن أحمد أبو عبد الله العين زربي ، حكى عن أبي بكر أحمد بن علي الحبال ، حكى عنه
علي بن الحنائي قرأت بخط أبي الحسن علي بن محمد الحنائي سمعت أبا عبد الله الحسين
بن محمد بن أحمد العين زربي يقول : سمعت أبا بكر أحمد بن علي الحبال الصوفي يقول :
دخلت على سيف الدولة فقال : من أين المطعم؟ فقلت : لو كان من أين فني ، فأعجب
بذلك.
قرأت بخط عبد
المنعم بن علي بن النحوي : مات أبو عبد الله العين زربي في يوم الجمعة لسبع عشرة
ليلة خلت من شوال سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة ا ه (ابن عساكر).
٥٢ ـ أحمد بن علي الوراق المعروف بالواصلي المتوفى أواخر هذا القرن
أحمد بن علي بن
جعفر بن محمد أبو بكر الحلبي الوراق بن الرامي المعروف بالواصلي ، مؤدب أبي محمد
بن أبي نصر ، سكن دمشق وحدث عن أبي بكر أحمد بن عبد الله بن الفرج البرامي وأبي
بكر أحمد بن محمد ابن إدريس الإمام وأحمد بن إسحاق القاضي الحلبيين وأبي بكر محمد
بن إبراهيم بن عبد الله بن يعقوب بن زوزان الأنطاكي وأبي عبد الله البغدادي المقرىء الضرير وأحمد
بن محمد بن زكريا الربعي. حدث عنه أبو محمد بن أبي نصر وأبو نصر بن الجبّان ومكي
بن محمد بن الغمر وأبو الحسن أحمد بن محمد بن القاسم
__________________
ابن مرزوق البصري : اشتكت عيني فشكوت إلى أبي الحسن علي بن المسلم الفقية
فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت ، فشكوت إلى أبي محمد عبد العزيز بن أحمد ،
فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت ، فشكوت إلى أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان ،
فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت فشكوت إلى أبي بكر أحمد بن علي المؤدب
الواصلي الحلبي فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت ، فشكوت إلى أبي بكر أحمد بن
عبد الله بن الفرج القرشي يعرف بابن البرامي فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت
، فشكوت إلى أبي القاسم عيسى بن موسى بن الوليد الطائي فقال : في المصحف فإن عيني
اشتكت ، فشكوت إلى أبي بكر محمد بن علي السلمي فقال : انظر في المصحف فإن عيني
اشتكت ، فشكوت إلى يوسف بن موسى القطان فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت ،
فشكوت إلى جرير بن عبد الحميد فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت ، فشكوت إلى
مغيرة فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت ، فشكوت إلى إبراهيم فقال : انظر في
المصحف فإن عيني اشتكت ، فشكوت إلى علقمة فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت ،
فشكوت إلى عبد الله ابن مسعود فقال : انظر في المصحف فإن عيني اشتكت فشكوت إلى
رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : (انظر في المصحف فإن عيني اشتكت ، فشكوت إلى
جبريل صلىاللهعليهوسلم فقال : انظر في المصحف).
أنشدنا أبو
العز أحمد بن عبيد الله بن كادش ، أنشدنا أبو محمد الجوهري ، أنشدنا عبد الصمد أبو
القاسم الخنبشي ، أنشدني ابن واصل بحلب لنفسه :
قالت ومدت
يدا نحوي تودعني
|
|
وحيرة البين
تأبى أن أمدّ يدا
|
أميّت أنت أم
حيّ فقلت لها
|
|
من لم يمت
يوم بين لم يمت أبدا
|
ا ه (ابن عساكر).
٥٣ ـ علي بن محمد بن إسحاق المتوفى سنة ٣٩٦
علي بن محمد بن
إسحاق بن محمد بن يزيد أبو الحسن الحلبي القاضي الفقيه الشافعي ، سمع جده إسحاق بن
محمد بن يزيد الحلبي وخيثمة بن سليمان وأبا المعمر الحسين بن محمد ابن سنان وأبا
الرضا الحسين بن عيسى الخزرجي العرقي بطرابلس ، وأبا الحسن علي بن
عبد الحميد الغضايري وأبا محمد جعفر بن أحمد بن مروان الوزان وأبا محمد عبد
الرحمن ابن عبيد الله ابن أخي الإمام وأبا بكر محمد بن إبراهيم بن نيروز الأنماطي
وأبا هاشم عبد الغافر بن سلامة بحلب ، وأبا بكر محمد بن منصور الشيعي وأبا عبد الله
المحاملي ومحمد ابن نوح الجند النيسابوري وأبا بكر بن زياد النيسابوري ببغداد ،
وأبا عبد الله محمد بن الربيع بن سليمان الجيزي بالمدينة ، وأبا محمد بكر بن عبد
الله الطائي وأبا القاسم عبد الصمد ابن سعيد بن يعقوب بن أحمد بن ثوابة وأبا عبد
الله محمد بن الوليد بن عرق الحمصيين بحمص ، وأبا علي محمد بن سعيد الحافظ بالرقة
، وأبا علي الحسن بن علي الرافقي بالرافقة ، وأبا الحسن أحمد بن زكريا بن يحيى بن
يعقوب المقدسي ببيت المقدس ، ومحمد بن أحمد ابن صفرة المصيّصي ومحمد بن مخلد
والحسن بن يحيى بن عباس وأحمد بن محمد بن سالم الكاتب وأبا عبد الله أحمد بن علي
بن العلاء الجوزجاني ومحمد بن عبد الله بن غيلان الجزار وعبد الله بن سليمان بن
عيسى الوراق ببغداد ، وطلحة بن عبيد الله العمري بالرملة ، وإسماعيل بن يعقوب بن
إبراهيم الجراب وأحمد بن عبد الله الناقد بمصر وجماعة سواهم.
روى عنه
الأستاذ أبو سعد عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد وأبو الحسن رشا بن نظيف وأبو عبد
الله الحسين بن الرواس التنيبسي وأبو القاسم علي بن عبد الواحد البحيري وأبو الفتح
عبد الملك بن عمر بن خلف الرزاز البغدادي.
أخبرنا أبو
محمد هبة الله بن أحمد الركي وطاهر بن سهل بن بشر قالا : أنبأنا أبو الحسين ابن
مكي ، أنبأنا القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق بن يزيد الحلبي ، حدثنا خيثمة
ابن سليمان ، أبنأنا أبو عبيدة السري بن يحيى ، حدثنا قبيضة ، حدثنا سفيان وابن
نجيح عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال : (مر بي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا أوقد تحت قدرتي فقال : أيؤذيك هوامّ رابغ؟ قلت :
نعم ، قال : فدعا حجّاما فحلقه ثم قال : صم ثلاثة أيام أو أطعم فرقا بين ستة
مساكين أو أنط شاة).
أخبرنا أبو
محمد عبد الكريم بن حمزة وطاهر بن سهل قالا : أنبأنا محمد مكي بن عثمان ، أنبأنا
القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق بن يزيد الحلبي قال : قرىء على أبي عبد
الله أحمد بن علي بن العلاء الجوزجاني وأنا أسمع ، حدثنا أبو الأشعث ، حدثنا محمد
ابن عبد الرحمن ، حدثنا أيوب عن يزيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر (أنه دخل على
النبي صلىاللهعليهوسلم وعليه إزار يتقعقع فقال : من هذا؟ قال : أنا عبد الله ،
قال : إن كنت عبد الله فارفع إزارك ، فرفع إزاره ، ثم قال : إن كنت عبد الله فارفع
إزارك ، فرفع إزاره ، وقال : إن كنت عبد الله فارفع إزارك حتى بلغ نصف الساقين ،
قال : فلم يزل إزرة عبد الله حتى مات.
أنبأنا أبو عبد
الله محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا أبو القاسم علي بن عبد الوحد ابن عيسى بن
موسى النجيرمي الكاتب ، حدثنا القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق إملاء ،
أنبأنا أبو المعمر الحسين بن محمد الموصلي بطرابلس دلنا عليه خيثمة بن سليمان ،
أنبأنا أحمد بن محمد أبي الخناجر ، حدثنا خالد ، حدثنا مسعر عن عمرو بن مرة عن أبي
عبيدة قال (قالت امرأة لعيسى بن مريم : طوبى للبطن الذي حملك وطوبى للثدي الذي
أرضعك ، فقال : طوبى لمن قرأ كتاب الله ثم اتبعه).
حدثنا أبو
السعود أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن المجلي ، حدثنا عبد المحسن بن محمد بن علي
من لفظه ، حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أبي قدومة ، حدثنا القاضي أبو الحسن
علي بن عبد الله بن الحسن الدينوري ، أنشدني أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق
المعروف بابن يزيد الحلبي لأبي بكر الصنوبري :
يزيد الفقه
والفقهاء حبا
|
|
إلى قلبي
فقيه بني يزيد
|
تناهى ثم زاد
على التناهي
|
|
وحاول أن
يزيد على المزيد
|
أبا الحسن
ابتذل عمرا مداه
|
|
مدى أمد وليس
مدى لبيد
|
وعش عيشا
جديدا كل يوم
|
|
قرير العين
بالعيش الجديد
|
فكم من
مستفاد منه علما
|
|
يمد إليك كف
المستفيد
|
أخبرنا أبو الحسن
الشافعي وأبو الفضل بن ناصر قالا : أجاز لنا أبو إسحق إبراهيم ابن سعيد الحبال قال
سنة ست وتسعين وثلاثمائة القاضي أبو الحسن علي بن محمد ابن يزيد الحلبي يعني مات ،
يقال إنه ولد سنة خمس وتسعين ومائتين ا ه (ابن عساكر).
أقول : وترجمه
أيضا الحافظ الذهبي في تاريخه دول الإسلام فقال بعد أن ذكر بعضا من مشايخه الذين
قدمنا ذكرهم عن الحافظ ابن عساكر : قال أبو عمرو الداني روى (أي المترجم) عن ابن
مجاهد كتاب السبعة له وهو وشيخنا أبو مسلم آخر من بقي من أصحاب
ابن مجاهد. وعمر أبو الحسن عمرا طويلا نيف على عشر ومائة فيما بلغني. قلت :
ورخ موته القاضي وقال : يقال إنه ولد سنة خمس وتسعين ومائتين ، قلت : فعلى هذا قد
عاش مائة سنة وسنة. أنبأني أحمد بن عبد القادر العامري ، أنا عبد الصمد بن محمد
الحاكم ، أنا طاهر بن سهل الأسفرايني سنة خمس وعشرين وخمسمائة ، أنا محمد بن مكي
الأزدي أنا (علي بن محمد بن إسحق) ، أنا عبد الرحمن بن عبيد الله بن أخي الإمام
بحلب ، حدثنا محمد بن قدامة ، حدثنا جرير عن رقبة عن جعفر بن إياس عن حبيب يعني
ابن سالم عن النعمان بن بشير (قال : أنا أعلم الناس بميقات هذه الصلاة صلاة عشاء
الآخرة ، كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصليها لسقوط القمر لثالثه) تفرد به جرير عن رقبة بن
مصقلة ا ه.
٥٤ ـ عبد الواحد النصيبي الشاعر من شعراء سيف الدولة
المتوفى سنة ٣٩٦
عبد الواحد بن
نصر بن محمد أبو الفرج المخزومي النصيبي الشاعر المعروف بالببغا ، خدم سيف الدولة
بن حمدان. قال الخطيب : كان شاعرا مجودا وكاتبا مترسلا جيد المعاني حسن القول في
المديح والغزل ، ومن شعره :
يا من تشابه
منه الخلق والخلق
|
|
فما تسافر
إلا نحوه الحدق
|
توريد دمعي
من خديك مختلس
|
|
وسقم جسمي من
جفنيك مسترق
|
لم يبق لي
رمق أشكو إليك به
|
|
وإنما يتشكى
من به رمق
|
وله :
أستودع الله
قوما ما ذكرتهم
|
|
إلا وضعت يدي
لها على كبدي
|
تبدلوا
وتبدلنا وأخسرنا
|
|
من ابتغى
سببا يسلي فلم يجد
|
لححت ثم رأيت اليأس أجمل بي
|
|
تنزها فخصمت
الشوق بالجلد
|
__________________
وله :
أوليس من
إحدى العجائب أنني
|
|
فارقته وجننت
بعد فراقه
|
يا من يحاكي
البدر عند تمامه
|
|
ارحم فتى
يحكيك عند محاقه
|
ا ه (ذهبي من
وفيات سنة ثمان وتسعين وثلثمائة).
وقال الثعالبي
في خاص الخاص : لم أسمع في الختان أبدع وأحسن من قول الصنوبري :
أرى طهرا
سيثمر بعد عرسا
|
|
كما قد يثمر
الطرب المدامه
|
وما قلم بمغن
عنك إلا
|
|
إذا ما عنه
ألقيت القلامه
|
ولا في استهداء
المسك أحسن من قول الببغا الشاعر :
الطيب يهدى
وتستهدى طرائفه
|
|
وأشرف الناس
يهدي أشرف الطيب
|
والمسك أشبه
شيء بالشباب فهب
|
|
شبه الشباب
لبعض العصبة الشيب
|
ا ه.
٥٥ ـ طاهر بن عبد المنعم بن غلبون المتوفى سنة ٣٩٩
طاهر بن عبد
المنعم بن عبيد الله بن غلبون أبو الحسن الحلبي ثم المصري المقري مصنف التذكرة في
القراءات وغير ذلك ، كان من كبار المقرئين هو وأبوه أبو الطيب ، قرأ على والده
وعلى أبي عدي عبد العزيز بن علي المصري بمصر ، وعلى أبي الحسن علي بن محمد ابن
صالح الهاشمي بالبصرة ، وهو من أصحاب أبي العباس الأشناني ، وقرأ بالبصرة أيضا على
أبي الحسن محمد بن يوسف بن نهار الحرتكي ، وتصدر للإقراء ، عرض عليه أبو عمرو
الداني وإبراهيم بن ثابت الإقليسني ، وروى عنه كتاب التذكرة أبو الفتح أحمد بن
بابشاذ ومحمد بن أحمد بن علي القزويني وغيرهما ا ه. (ذهبي من وفيات سنة تسعة
وتسعين وثلاثمائة).
٥٦ ـ أبو العباس النامي الشاعر من شعراء سيف الدولة المتوفى سنة ٣٩٩
أبو العباس
أحمد بن محمد الدارمي المصيّصي المعروف بالنامي الشاعر المشهور ، كان
من الشعراء المفلقين ومن فحول شعراء عصره وخواص مدّاح سيف الدولة بن حمدان
، وكان عنده تلو أبي الطيب المتنبي في المنزلة والرتبة ، وكان فاضلا أديبا بارعا
عارفا باللغة والأدب ، وله أمالي أملاها بحلب روى فيها عن أبي الحسن علي بن سليمان
الأخفش وابن درستويه وأبي عبد الله الكرماني وأبي بكر الصولي وإبراهيم بن عبد
الرحمن العروضي وأبيه محمد المصيّصي. وروى عنه أبو القاسم الحسين بن علي بن أبي
أسامة الحلبي وأخوه أبو الحسين أحمد وأبو الفرج الببغاء وأبو الخطاب بن عون
الحريري وأبو بكر الخالدي والقاضي أبو طاهر صالح بن جعفر الهاشمي. ومن محاسن شعره
قوله فيه من جملة قصيدة :
أمير العلا
إن العوالي كواسب
|
|
علاءك في
الدنيا وفي جنة الخلد
|
يمر عليك
الحول سيفك في الطلى
|
|
وطرفك ما بين
الشكيمة واللبد
|
ويمضي عليك
الدهر فعلك للعلا
|
|
وقولك للتقوى
وكفك للرفد
|
ومن شعره أيضا
:
أحقا أن
قاتلتي زرود
|
|
وأن عهودها
تلك العهود
|
وقفت وقد
فقدت الصبر حتى
|
|
تبين موقفي
أني الفقيد
|
فشكت فيّ
عذالي فقالوا
|
|
لرسم الدار
أيكما العميد
|
وله مع المتنبي
وقائع ومعارضات في الأناشيد. وحكى أبو الخطاب بن عون الحريري النحوي الشاعر أنه
دخل على أبي العباس النامي قال : فوجدته جالسا ورأسه كالثغامة بياضا وفيه شعرة
واحدة سوداء ، فقلت له : يا سيدي في رأسك شعرة سوداء ، فقال : نعم هذه بقية شبابي
وأنا أفرح بها ولي فيها شعر ، فقلت : أنشدنيه ، فأنشدني :
رأيت في
الرأس شعرة بقيت
|
|
سوداء تهوى
العيون رؤيتها
|
فقلت للبيض
إذ تروّعها
|
|
بالله إلا
رحمت غربتها
|
فقلّ لبث
السوداء في وطن
|
|
تكون فيه
البيضاء ضرتها
|
ثم قال : يا
أبا الخطاب بيضاء واحدة تروع ألف سوداء ، فكيف حال سوداء بين ألف بيضاء. ومن شعره
:
أتاني في
قميص اللاذ يسعى
|
|
عدو لي يلقب
بالحبيب
|
وقد عبث
الشراب بمقلتيه
|
|
فصير خده
كسنا اللهيب
|
فقلت له بم
استحسنت هذا
|
|
لقد أقبلت في
زي عجيب
|
أحمرة وجنتيك
كستك هذا
|
|
أم أنت صبغته
بدم القلوب
|
فقال الراح
أهدت لي قميصا
|
|
كلون الشمس
في شفق المغيب
|
فثوبي
والمدام ولون خدي
|
|
قريب من قريب
من قريب
|
وتوفي سنة تسع
وتسعين وثلثمائة وقيل سنة سبعين أو إحدى وسبعين بحلب وعمره تسعون سنة رحمهالله تعالى. والدارمي بفتح الدال المهملة وبعد الألف راء
مكسورة ثم ميم ، هذه النسبة إلى دارم بن مالك بطن كبير من تميم. والمصيّصي بكسر
الميم والصاء المهملة المشددة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها صاد ثانية
مهملة ، هذه النسبة إلى المصيّصة وهي مدينة على ساحل البحر الرومي تجاور طرسوس
وسيس ، وتلك النواحي بناها صالح بن علي عم أبي جعفر المنصور في سنة أربعين ومائة
بأمر المنصور ا ه (ابن خلكان).
قال الثعالبي
في خاص الخاص : من غرر أحاسنه قوله لسيف الدولة :
خلقت كما
أرادتك المعالي
|
|
وأنت لمن
رجاك كما يريد
|
وقوله في الغزل
:
سألت بالفراق
صبّا وما ينبئها بالفراق مثل خبير
|
|
هوبين الحشا
صدوع وفي الأعين ماءوجمرة في الصدور
|
* * *
(أعيان القرن الخامس)
٥٧ ـ أسد بن القاسم العبسي المتوفى سنة ٤١٥
أسد بن القاسم
بن العباس بن القاسم أبو الليث المقري العبسي الحلبي ، سكن دمشق وكان إمام مسجد
سوق النحاسين ، وحدث عن أبي القاسم الفضل بن جعفر وأبي بكر الميانجي وأحمد بن محمد
بن صالح بن النصر الأنطاكي الفقير. روى عنه أبو الحسن علي ابن محمد بن شجاع وعلي
بن محمد الحنائي وأبو سعد إسماعيل بن علي السمان الرازي وعبد العزيز بن أحمد
الكتاني.
أخبرنا أبو
محمد بن الأكفاني ، حدثنا عبد العزيز بن أحمد ، أنبأنا أبو الليث أسد بن القاسم بن
العباس الحلبي قراءة عليه ، حدثنا أبو القاسم الفضل بن جعفر ، حدثنا محمد ابن
الفضل ، حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا عبد الله بن عيسى الجزاز ، حدثنا يونس بن عبيد
عن الحسن عن أنس بن مالك قال : (قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن الصدقة تطفىء غضب الرب وتدفع ميتة السوء) كذا قال
وهو محمد بن عبد الله بن الفضل نسبة إلى جده ولم يصغره.
أخبرناه عاليا
أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي بن سلوان ، أنبأنا
الفضل بن جعفر ، حدثنا محمد بن عبد الله بحمص ، حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا عبد
الله بن عيسى الجزاز ، حدثنا يونس بن عبيد ، حدثنا الحسن عن أنس قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم فذكر مثله. قال : أنبأنا أبو محمد بن الأكفاني : توفي
أبو الليث أسد بن القاسم الحلبي الذي كان يصلي في مسجد النحاسين وقد حدث عن الفضل
بن جعفر وغيره في شوال سنة خمس عشرة وأربعمائة ا ه (ابن عساكر).
٥٨ ـ القاضي أبو القاسم التنوخي المتوفى سنة ٤١٩
القاضي أبو
القاسم المحسّن بن عبد الله بن محمد بن عمرو بن سعيد بن محمد بن داود ابن المطهّر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أنور بن أرقم
بن أسحم بن الساطع وهو النعمان (الذي تنسب إليه معرة النعمان ، وباقي نسب الساطع
مذكور في المعجم) التنوخي المعري الحنفي العاجي ، ولد سنة ٣٤٩ وحدث وروي عنه ، وحج
سنة ٤١٩ على طريق دمشق فمات بوادي مرّ في هذه السنة وحمل إلى مدينة الرسول صلىاللهعليهوسلم ودفن بالبقيع ، وله مصنفات ووصايا وأشعار ، فمن شعره
قوله :
انع إلى من
لم يمت نفسه
|
|
فإنه عما
قليل يموت
|
ولا تقل فات
فلان فما
|
|
في سائر
العالم من لا يفوت
|
ألا ترى
الأجداث مملوءة
|
|
لما خلت من
ساكنيها البيوت
|
فاقنع بقوت
حسب من لم يكن
|
|
مخلدا في هذه
الدار قوت
|
ولا يكن نطقك
إلا بما
|
|
يعنيك في
الذكرة أو في السكوت
|
وله أيضا :
وكل أداويه
على حسب دائه
|
|
سوى حاسد فهي
التي لا أنالها
|
وكيف يداوي
المرء حاسد نعمة
|
|
إذا كان لا
يرضيه إلا زوالها
|
ا ه (ياقوت في
المعجم).
٥٩ ـ الشيخ نمير صاحب المزار المشهور المتوفى سنة ٤٢٥
عبد الرزاق بن
عبد السلام المعروف بابن أبي نمير العابد الحلبي. قال في الزبد والضرب : كان أبن
أبي نمير من الأولياء الزهاد ومن المحدثين العلماء ، ولما أتى فردوس الدمستق إلى
حلب ونزل عليها سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة في خمسمائة ألف ما بين فارس وراجل (قدمنا
أن هذا العدد مبالغ فيه) قيل إن الدمستق رأى في نومه المسيح وهو يقول
__________________
له مهددا : أتحاول أخذ هذه المدينة وفيها ذلك الساجد على الترس ، وأشار إلى
موضعه في البرج الذي بين باب قنسرين وبرج الغنم في المسجد المعروف بمشهد النور ،
فلما أصبح ملك الروم سأل عنه فوجده ابن أبي نمير عبد الرزاق بن عبد السلام العابد
الحلبي ، وكان ذلك سببا لرحيله عن حلب. وتوفي ابن أبي نمير سنة خمس وعشرين
وأربعمائة وقبره بباب قنسرين ا ه.
ووجدت ترجمته
أيضا في آخر نسخة مخطوطة من الجامع الصغير في الحديث في بعض المكاتب في حلب. قال :
هو الشيخ الزاهد عبد الرزاق بن عبد السلام بن عبد الواحد أبو عبد الله بن أبي نمير
الأسدي الحلبي العابد ، سمع بحلب أبا بكر محمد بن الحسين وغيره ، وسمع عنه أبو
الفتح عبد الله بن إسماعيل بن الحلبي وغيره ، وكان يتعبد في مسجد النور وهو بالقرب
من باب قنسرين في برج من أسوار حلب فيما بين برج الغنم وباب قنسرين ، رؤي النور
ينزل عليه مرارا ، واتفق أن ملك الروم نزل على حلب محاصرا لها ، فجاء الحلبيون إلى
ابن أبي النمير العابد فقالوا : ادع الله لنا أيها الشيخ ، قال : فسجد على ترس كان
عنده ودعا الله تعالى وسأل دفع العدو عن حلب ، فرأى ملك الروم تلك الليلة في منامه
قائلا يقول له : ارحل عن هذه البلدة وإلا هلكت ، أتنزل عليها وفيها الساجد على
الترس في ذلك البرج ، وأشار إلى البرج الذي فيه مشهد النور ، فانتبه ملك الروم
وذكر المنام لأصحابه وصالح أهل حلب وقال : لا أرحل حتى تعلموني من كان الساجد على
الترس ، فكشفوا عنه فوجدوه ابن أبي النمير رضياللهعنه ، ويسمونه الناس الآن الشيخ نمير ، فكان من أولياء الله تعالى المشهورين
بالكرامات. توفي بحلب سنة خمس وعشرين وأربعمائة. هكذا مكتوب على لوح قبره ، وقبره
خارج باب قنسرين في تربة ابن أمين الدولة قديما تحت قلعة الشريف بالقرب من الخندق
، وينذر له النذور ويزار إلى يومنا هذا ، ويقال إن قبره سمّي سم ساعة لسرعة
الإجابة تغمده الله برحمته ورضي عنا وعنه آمين ا ه (من تاريخ ابن عدسة عفا الله
عنه).
وقال في الدر
المنتخب المنسوب لابن الشحنة : قال ابن شداد : ومنها (أي المزارات التي بحلب) مسجد
النور وهو بالقرب من باب قنسرين في برج من أبراج أسوار حلب ،
__________________
وكان أبو نمير يتعبد فيه واسمه عبد الرزاق بن عبد السلام ، توفي بحلب سنة
خمس وعشرين وأربعمائة وقبره خارج باب قنسرين تحت قلعة الشريف بالقرب من الخندق
تنذر له النذور ويزار إلى يومنا هذا ا ه.
أقول : إن
التربة التي هي خارج محلة باب قنسرين التي يحدها قبلة المجزرة (المسلخ) وشرقا
الخندق وغربا الطريق الذي يذهب منه إلى محلة المغاير قد تسمت باسم الشيخ أبي نمير
وهي مشهورة به ، وقبر الشيخ قريب من الخندق وقد جدد في مدة ولاية جميل باشا وأظن
أنه هو المجدد له.
وإلى زماننا
هذا وللناس فيه اعتقاد عظيم وهو مقصود لديهم في الزيارة خصوصا النساء يزورونه
وينذرون له النذور ، وقد خصصوا زيارته يوم السبت قبل طلوع الشمس فتجد الناس في هذا
الوقت متوجهين زرافات ووحدانا لزيارته ، ولا أدري الحكمة في تخصيصهم هذا اليوم
وهذا الوقت للزيارة.
٦٠ ـ ظفر بن مظفر بن كتبة المتوفى سنة ٤٢٩
ظفر بن مظفر بن
عبد الله بن كتبة أبو الحسين الحلبي التاجر الفقيه الشافعي ، سمع عبد الرحمن بن
عمر بن نصر وأبا الحسن عبيد الله بن حسن الوراق. روى عنه علي الحنائي وأبو سعد
السمان وعبد العزيز الكتاني ومحمد بن أحمد بن محمد بن أبي الصقر.
أخبرنا أبو
محمد هبة الله بن أحمد ، حدثنا عبد العزيز بن أحمد ، أنبأنا أبو الحسن ظفر ابن
مظفر الناصري الفقيه قراءة عليه ، حدثنا عبد الرحمن بن عمر بن نصر ، حدثنا أبو علي
الحسن بن حبيب وأبو القاسم علي بن يعقوب قال : أنبأنا أبو يعقوب المروروذي قال :
سمعت محمد بن
مصعب يقول : قال فضيل بن عياض : ما كان ينبغي أن يكون أحد أطول حزنا ولا أكثر بكاء
ولا أدوم صلاة من العلماء في هذه الدنيا ، لأنهم الدعاة إلى الله عزوجل.
أخبرنا أبو
محمد أيضا حدثنا عبد العزيز قال : توفي الفقيه أبو الحسن ظفر بن المظفر الناصري في
شوال سنة تسع وعشرين وأربعمائة ، حدث عن عبد الرحمن بن عمر بن نصر بشيء يسير ،
وذكر أبو بكر الحداد أنه فقيه شافعي ثقة ا ه (ابن عساكر).
٦١ ـ عبد الرحمن أبو القاسم السراج المحدث المتوفى سنة ٤٣١
عبد الرحمن بن
عبد العزيز بن أحمد أبو القاسم الحلبي السراج المعروف بابن الطبير الرام ، سكن
دمشق وحدث عن محمد بن عيسى البغدادي العلاف نزيل حلب وأبي بكر محمد بن الحسين
السبيعي ومحمد بن جعفر بن السقا ومحمد بن عمر الجعابي وجماعة ، تفرد في الدنيا
عنهم وطال عمره. روى عنه عبد العزيز الكتاني وعلي بن محمد الربعي وأبو عبد الله
الحسن بن أحمد بن أبي الحديد وأبوه وابن أبي الصقر الأنباري وأبو القاسم المصيصي
وعبد الرزاق بن عبد الله الكلاعي والفقيه نصر المقدسي وجماعة. قال أبو الوليد
الباجي : هو شيخ لا بأس به. وقال عبد العزيز الكتاني : توفي شيخنا أبو الطبير في
جمادى الأولى ، وكان يذكر أن مولده سنة ثلاثين وثلثمائة ثم سمى شيوخه. قال : وكانت
له أصول حسنة ، وكان يذهب إلى التشيع. قال ابن الطبير : أنبأنا محمد بن عيسى
البغدادي ، أنبأنا أحمد ابن عبيد الله الترسي فذكر حديثا وقرأت على عبد الحافظ بن
بدران ، أخبرنا أحمد بن الخضر ابن طاوس سنة سبع عشرة ، أنبأنا حمزة بن كروس السلمي
، أنبأنا نصر بن إبراهيم الفقيه ، أنبأنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد العزيز
السراج بدمشق ، أنبأنا أبو الحسن محمد بن جعفر بن هشام الحلبي ، أنبأنا سليمان بن
المعافى بحلب ، ثنا أبي ، ثنا موسى بن أعين عن أبي الأشهب عن عمران بن مسلم عن
سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر بن الخطاب عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : (من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك
له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له بها
ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة وبنى له بيتا في الجنة) هذا حديث حسن غريب ا ه
(ذهبي من وفيات سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة).
٦٢ ـ التقي بن نجم أبو الصلاح الرافضي المتوفى سنة ٤٤٧
التقي بن نجم
بن عبد الله أبو الصلاح الحلبي شيخ الشيعة وعالم الرافضة بالشام. قال يحيى بن أبي
طي الحلبي في تاريخه : هو عين علماء الشام والمشار إليه بالعلم والبيان والجمع بين
علوم الأديان وعلوم الأبدان ، ولد في سنة أربع وسبعين بحلب ودخل إلى العراق ثلاث
مرات فقرأ على الشريف المرتضي. وقال ابن أبي دوح : توفي بعد عوده من الحج في
الرملة في المحرم. وكان أبو الصلاح علامة في فقه أهل البيت. وقال غيره : له مصنفات
في الأصول
والفروع منها كتاب الكافي وكتاب التهذيب وكتاب المرشد في طريق التعبد وكتاب
العمدة في الفقه وكتاب تدبير الصحة صنفه لصاحب حلب نصر بن صالح وكتاب شبه الملاحدة
، وكتبه مشهورة بين أئمة القوم ، وذكر عنه صلاح وزهد وتقشف زائد وقناعة مع الحرمة
العظيمة والجلالة وأنه كان يرغب في حضور الجماعة ، وكان لا يصلي في المسجد غير
الفريضة ويتنفل في بيته ولا يقبل ممن يقرأ عليه هدية ، وكان من أذكياء الناس وأفقههم
وأكثرهم تفننا ، وطوّل ابن أبي طي ترجمته ا ه (ذهبي من وفيات سنة سبع وأربعين
وأربعمائة).
٦٣ ـ أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري المتوفى سنة ٤٤٩
ترجم الشيخ أبا
العلاء المعري غير واحد من المؤرخين المتقدمين ، إلا أن أوسع هذه التراجم كتاب
ألفه الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد بن العديم الحلبي المتوفى سنة ٦٦٠ سماه (كتاب
الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري) وهو في ترجمته وترجمة
أسرته. هذا الكتاب عثرت عليه مخطوطا في خزانة سعادة حاكم حلب الآن مرعي باشا
الملاح ، وقد كلفني فاستنسخت عنه نسخة أهداها للمجمع العلمي العربي بدمشق ، وأذن
لي فاستنسخت أخرى لنفسي كتبها ولدي محمد سلمه الله وقابل هاتين النسختين على
بعضهما ، إلا أن الكتاب مخروم من آخره وقبل آخر الموجود بورقتين مخروم أيضا. وإني
أدرج هذا الكتاب النفيس النادر الوجود الذي قل من الناس من يعرف اسمه فضلا عما
اشتمل عليه قبل أن ترسل منه نسخة إلى المجمع العلمي ويكتب المجمع عنه بعض كلمات في
مجلته ، ولعل نشرنا لهذا الكتاب يدعو بعض ذوي الهمم للبحث والتنقيب عن نسخة تامة
منه فيسعى بطبعه على حدة .
وبعد أن نأتي
على هذا الكتاب نذكر بعضا من ترجمته المذكورة في معجم الأدباء ثم أقوال العلماء في
حقه ، ونختم ذلك ببيان رأينا فيه ، ولعل كلمتنا يكون فيها فصل الخطاب والله الملهم
للصواب وإليه المرجع والمآب.
__________________
كتاب الإنصاف والتحري
في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ
الإمام العلامة أوحد الفضلاء سيد العلماء الصاحب كمال الدين جمال الإسلام بهاء
الأنام بقية السلف الكرام أوحد عصره وفريد دهره عمر بن الصاحب السعيد الإمام
العلامة قاضي القضاة نجم الدين أبي الحسن أحمد بن الصاحب السعيد قاضي القضاة جمال
الدين أبي غانم هبة الله ابن قاضي القضاة مجد الدين أبي عبد الله محمد ابن قاضي
القضاة جمال الدين أبي الفضل هبة الله ابن قاضي القضاة نجم الدين أبي الحسن أحمد
بن يحيى بن زهير بن أبي جرادة تغمده الله برحمته ورضوانه :
الحمد لله
الكريم العادل ، ذي الفضل الشامل ، والإحسان الكامل ، محق الحق ومبطل الباطل ،
أحمده على ما منحنا من التوفيق ، وهدانا به إلى سواء الطريق ، وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له شهادة من خلص له يقينه ، وصح بالوحدانية مذهبه ودينه ، وأشهد
أن محمدا عبده الأواب ، ورسوله المبين للصواب ، أرسله بالآيات الباهرة والحجج
الزاهرة والدلائل الظاهرة ، ففرق بين الصحيح والسقيم ، والمعوج والقويم ، وهدى
أمته إلى الصراط المستقيم ، صلى الله عليه وعلى آله الأكرمين وأصحابه الهداة
المنتخبين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد ، فإني
وقفت على جملة من مصنفات عالم معرة النعمان أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان
فوجدتها مشحونة بالفصاحة والبيان ، مودعة فنونا من الفوائد الحسان ، محتوية على
أنواع الآداب ، مشتملة من علوم العرب على الخالص والباب ، لايجد الطامح فيها سقطة
، ولا يدرك الكاشح فيها غلطة ، ولما كانت مختصة بهذه الأوصاف مميزة على غيرها عند
أهل الإنصاف ، قصده جماعة لم يعوا وعيه ، وحسدوه إذ لم ينالوا سعيه ، فتتبعوا
كتبه على وجه الانتقاد ، ووجدوها خالية من الزيغ والفساد ، فحين علموا
سلامتها من العيب والشين ، سلكوا فيها معه مسلك الكذب والمين ، ورموه بالإلحاد
والتعطيل ، والعدول عن سواء السبيل. فمنهم من وضع على لسانه أقوال الملحدة ، ومنهم
من حمل كلامه على غير المعنى الذي قصده ، فجعلوا محاسنه عيوبا وحسناته ذنوبا ،
وعقله حمقا وزهده فسقا ، ورشقوه بأليم السهام وأخرجوه عن الدين والإسلام ، وحرفوا
كلمه عن مواضعه وأوقعوه في غير مواقعه.
ولو نظر الطاعن
كلامه بعين الرضا وأغمد سيف الحسد من عليه انتضى ، لأوسع له صدرا وشرح ، واستحسن
ما ذم ومدح ، لكن جرى الزمن على عاداته في مطالبته أهل الفضل بتراته وقصدهم
بإساءاته فسلط عليهم أبناءه وجعلهم أعداءه ، فقصدوه بالطعن والإساءة واللبيب مقصود
والأديب عن بلوغ الغرض مصدود ، وكل ذي نعمة محسود ، ومن سلك في الفصاحة مسلكه وأدرك
من أنواع العلوم ما أدركه ، وقصد في كتبه الغريب وأودعها كل معنى غريب ، كان
للطاعن سبيل إلى عكس معانيها وقلبها ، وتحريفها عن وجوهها المقصودة وسلبها ، ألا
ترى إلى كتاب الله العزيز المحتوي على المنع والتجويز ، الذي لا يقبل التبديل في
شيء من صحفه ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، كيف أحال جماعة من
أرباب باطل الأقاويل تأويله على غير وجوه التأويل ، فصرفوا تأويله إلى ما أرادوا ،
فما أحسنوا في ذلك ولا أجادوا ، حتى إن جماعة من الكفار وأرباب الزلل والعثار ،
تمسكوا منه بآيات جعلوها دليلا على ما ذهبوا إليه من الضلالات ، فما ظنك بكلام رجل
من البشر ليس بمعصوم إن زل أو عثر ، وقد تعمق في فصيح الكلام وأتى من اللغات بما
لا يتيسر لغيره ولا يرام ، وأودعها في كلامه أحسن إيداع وأبرزها في النظم البديع
والأسجاع ، إذا قصده بعض الحساد ، فحمل كلامه على غير المراد.
وقد وضع أبو
العلاء كتابا وسمه ب «زجر النابح» أبطل فيه طعن المزري عليه والقادح ، وبين فيه
عذره الصحيح وإيمانه الصريح ووجه كلامه الفصيح ، ثم أتبع ذلك بكتاب وسمه ب «نجر
الزجر» بين فيه مواضع طعنوا بها عليه بيان الفجر ، فلم يمنعهم زجره ولا اتضح لهم
عذره ، بل تحقق عندهم كفره واجترؤوا على ذلك وداموا ، وعنفوا من انتصر له ولاموا ،
وقعدوا في أمره وقاموا ، فلم يرعوا له حرمة ، ولا أكرموا علمه ، ولا راقبوا إلّا
ولا ذمة ، حتى حكوا كفره بالأسانيد وشددوا في ذلك غاية التشديد ، وكفّره من
جاء بعدهم بالتقليد ، فابتدرت دونه مناضلا ، وانتصبت عنه مجادلا ، وانتدبت
لمحاسنه ناقلا ، وذكرت في هذا الكتاب مولده ونسبه ، وتحصيله للعلم وطلبه ، ودينه
الصحيح ومذهبه ، وورعه الشديد وزهده ، واجتهاده القوي وجده ، وطعن القادح فيه ورده
، ودفع الظلم عنه وصده ، وسميته (كتاب الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري عن
أبي العلاء المعري) وبالله التوفيق والعصمة ، وإليه المرجع في كل وصمة ، وهو حسبي
ونعم الوكيل.
ذكر نسبه :
هو أبو العلاء
أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان ابن داود ابن
المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أنور بن أرقم بن أسحم ابن النعمان
، وهو الساطع بن عدي بن عبد عطفان بن عمرو بن بريخ بن جذيمة ابن تيم اللات ، وقيل
تيم الله ، وهو مجتمع تنوخ بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران ابن الحاف
ابن قضاعة ، وهو لقب ، واسمه عمرو بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير
، وهو ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، وهو مجتمع قبائل اليمن ، ابن عابر وقيل
هو هود عليهالسلام بن شالخ ، وقيل شالح ، وقيل سايح بن أرفخشد ، وقيل رافد
ابن سام ، وقيل سائم بن نوح عليهالسلام بن لمك ، وقيل لامك ، وقيل لامخ ، وقيل ملكان ابن
متوشلخ ، وقيل متوشلح ، وقيل متوب ابن أخنوخ ، وهو إدريس عليهالسلام ، وقيل حنوح ، وقيل حنوخ بن يازد ، وقيل يزد ، وقيل
الزايد ، وقيل اليادر بن مهلائيل ، وقيل ماهللأل ، وقيل مهلهل بن قينان ، وقيل
قنان بن طاهر ، وهو أنوش بن هبة ، وهو شيث ابن آدم عليهالسلام.
وقحطان هو
مجتمع قبائل اليمن بأسرها ، وتيم اللات مجتمع تنوخ بأسرها ، وإنما سموا تنوخ لأنهم
تنخوا بالشام ، وقيل بالحيرة أي أقاموا ، والتنخ هو المقام في الموضع ، يقال تنخ
في الأمر أي رسخ فيه فهو تانخ. وكانوا أقاموا على مالك بن زهير بن عمرو بن فهم ابن
تيم اللات ونزلوا معه الحيرة فاختطوها وبنوا فيها الأبنية وعمروها ، وهم أول من
عمر الحيرة ونزلها ، وكان لهم قوة وبأس وغناء وكثرة ، فغزاهم سابور الأكبر ملك
فارس في جيوش عظيمة ، فقاتلوه قتالا شديدا ولم تزل الحرب بينهم أياما ، فلحقت
بسابور جيوشه
وأمراؤه فضعفت تنوخ عن مقاومته وانكشفت ، فسار معظمهم ومن فيه نهوض منهم
إلى الضيزن بن معاوية التنوخي إلى الحضر فأقاموا به ، وملكوا ما جاورهم من البلاد وأجلوا سائر
الأمم عنها ، إلا من أدى إليهم الجزية ، فاشتدت شوكة تنوخ وعظم بأسهم ، فملّكوا
عليهم الساطع وهو النعمان بن عدي ، وإنما سمي الساطع لجماله وبهائه ، وكان طويلا
وسيما جسيما جوادا شجاعا ، فملك عليهم برهة ، وكانت له حروب ووقائع مع ملوك الفرس
، وشن الغارات على السواد ، فسميت تنوخ يومئذ الدواسر لما ظهر من شدتهم بأسهم.
وبعض الجهال
يقول : إن معرة النعمان تنسب إليه ، وليس بصحيح بل تنسب إلى النعمان بن بشير
الأنصاري ، وكان واليا على حمص وقنسرين في ولاية معاوية وابنه يزيد ، ومات للنعمان
بها ولد ، وجدد عمارتها فنسبت إليه ، وكانت تسمى أولا ذات القصور ، وقيل إن سياث
كانت المدينة وهي آهلة ، (فخرج ابن للنعمان بشير يتصيد ، وكان موضع المعرة أجمة ،
فافترسه السبع ، فجزع عليه) وبنى له موضعا عند قبره فبنى الناس لبنائه فنسبت معرة
النعمان إليه لذلك ، وإنما نسبت الجهال المعرة إلى النعمان بن عدي المعروف بالساطع
لأن أهلها كلهم أو بعضهم من بني الساطع ، فظنوا أنها منسوبة إليه. ولما هلك الساطع
تفرقت كلمة تنوخ وتشتت أمرهم وتنازعوا الرياسة بعده.
ثم إن ملك
الفرس غزا الروم فأذرع فيهم القتل وسبي الذراري وخرب العماير ، فأنفذ ملك الروم
إلى تنوخ وكانت أقرب القبائل إليه في ذلك العصر فاستنجدهم على ملك الفرس ، فأنجدوه
وقاتلوا معه قتالا شديدا ، ثم سألوا ملك الروم أن يتولوا حرب الفرس منفردين عن جند
الروم لتظهر له طاعتهم وعناؤهم ، فأجابهم إلى ذلك فقاتلوا الفرس وظفروا بهم
وقتلوهم قتلا ذريعا وأبلوا بلاء عظيما ، فأعجب بهم ملك الروم وفرق فيهم الدنانير
والثياب وقربهم وأدناهم وأقطعهم سورية وما جاورها من البلاد إلى الجزيرة ، وهي
مدينة بقرب الأحصّ على جانب البرية وإليها ينسب اللسان السورياني. هذا منتهى أمرهم
في الجاهلية.
فلما جاء
الإسلام قدموا مع أبي عبيدة بن الجراح رضياللهعنه ، وكانوا أشد من معه من العرب شوكة وأكثرهم عددا ،
فانتخوا البلاد واختطوا الخطط ونزلوا قنسرين
__________________
ومنبج وسورية وحماة ومعرة النعمان وكفر طاب وغيرها من بلاد الإسلام وتغلبوا
عليها ، وكانوا على دين النصرانية ، فامتنعوا على أداء الجزية وقالوا : ما نؤدي ما
يقع عليه اسم الجزية ، وكانوا أهل قوة وبأس ، فلما سار عمر رضياللهعنه إلى الشام قدموا عليه فقال : ما أقنع منكم إلا بالدخول
في الإسلام أو السيف ، وأمهلهم سنتين. ثم إنه ألزهم ما يلزم أهل الذمة من جزية
فأبوا عليه وقالوا : خذ المال منا على اسم الصدقة دون اسم الجزية ، فأبى عمر ، ثم
أجابهم إلى أن يأخذها على اسم الخراج ، فاستجاب له قوم منهم وأقاموا بديارهم. وكان
منهم أجداد أبي العلاء وأجداد بني الفصيص ولاة قنسرين ، وأسلم بعضهم في أيام أبي
عبيدة وبعضهم في أيام المهدي بن المنصور ، ودخل منهم قوم إلى بلاد الروم مع جبلة (بن)
الأيهم في النصرانية.
وتنوخ من أكثر
العرب مناقب وحسبا ، ومن أعظمها مفاخر وأدبا ، وفيهم الخطباء والفصحاء والبلغاء
والشعراء ، وهم يرجعون إلى بطنين : الساطع والحرّ. وبنو الساطع هم المشهورون
بالشرف والسؤدد والرياسة والشجاعة والجود والفضل ، وبيوت المعرة منهم ، وهم يرجعون
إلى أسحم بن الساطع وعدي بن الساطع وغنم بن الساطع ، فبنو سليمان وبنو أبي حصين
وبنو عمرو ينتسبون إلى أسحم بن الساطع ، وبنو المهذب وبنو زريق ينتسبون إلى عدي بن
الساطع ، وبنو حواري وبنو جهير ينتسبون إلى غنم بن الساطع. وجهير بن محمد التنوخي
ولي معرة النعمان ، وأكثر قضاة المعرة وفضلائها وعلمائها وشعرائها وأدبائها من بني
سليمان ، وهو سليمان بن داود بن المطهّر.
وحيث انتهى بنا
القول إلى التنبيه على كثرة القضاة والفضلاء من بني سليمان فلنذكر الآن من اشتهر
منهم بذلك بمعرة النعمان :
فمنهم : أبو
الحسن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المطهر هو أول من تولى منهم معرة
النعمان. وقال بعض الناس : إنه ولي قضاءها في سنة تسعين ومائتين إلى أن مات ،
وبعضهم يقول : إن الذي تولى القضاء سنة تسعين ومائتين هو ابنه ، وهذا هو جدّ جدّ
الشيخ أبي العلاء ، ومنهم ولد المذكور وهو جد أبي الشيخ أبي العلاء أبو بكر محمد
بن سليمان بن أحمد ، ولي القضاء بمعرة النعمان بعد موت أبيه في حدود الثلاثمائة ،
وقيل هو الذي تولى سنة ٢٩٠ ، وكان فاضلا أديبا ممدوحا ، وفيه يقول أبو بكر
الصنوبري :
بأبي يا بن سليمان لقد سدت تنوخا
وهم السادة شبانا لعمري وشيوخا
أدرك البغية من أضحى بناديك منيخا
واردا عندك نيلا وفراتا وبليخا
واجدا منك متى استصرخ للمجد صريخا
في زمان غادر الهمات في الناس مسوخا
ومدحه بغير هذه
الأبيات أيضا.
ومن شعر القاضي
أبي بكر بن سليمان قوله في الشمعة.
وصفراء
كالتبر مقدودة
|
|
تسر وتونس
جلّاسها
|
تكون لطالب
مقياسها
|
|
فويق الذراع
إذا قاسها
|
تموت إذا
أهملوا أمرها
|
|
وتحيا إذا
قطعوا رأسها
|
ويفنى الدجى
بسنا نورها
|
|
إذا شهد
القبض أنفاسها
|
وتبكي فيقطر
من رأسها
|
|
نجوم ترصّع
لبّاسها
|
يرى الشّرب
نجما بها طالعا
|
|
وشمسا إذا
جليت كاسها
|
أنسنا بها
ورأينا السرور
|
|
فلا عدم
الشّرب إيناسها
|
وتوفي أبو بكر
محمد بن سليمان سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة.
ومنهم : ولده
جد أبي العلاء ، وهو أبو الحسن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد ، تولى قضاء معرة
النعمان في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة بعد موت موت أبيه أبي بكر ، ثم تولى بعد
ذلك قضاء حمص أيضا. وكان فاضلا فصيحا شاعرا محدثا ، ومن شعره قوله في الناعورة :
وباكية على
النهر
|
|
تئن ودمعها
يجري
|
تذكرني
بأحبابي
|
|
وحالي ليلة
النفر
|
وأذري مثل ما
تذري
|
|
وأسعدها وما
تدري
|
على فقدي
لأحبابي
|
|
وما قد فات
من عمري
|
فما هي فيه
مشهور
|
|
وما أنا فيه
في الستر
|
كأني في بسيط
الأر
|
|
ض بين الناس
في قبر
|
وروى الحديث عن
القاضي أبي القاسم علي بن محمد بن كاس النخعي الحنفي قاضي معرة النعمان ، وعن
الصقر بن أحمد البلدي ، وأبي بكر محمد بن بركة الحلبي المعروف ببرداعس الحافظ ،
وعن محمد بن همام وجماعة سواهم. وروى عنه ابنه أبو محمد عبد الله وحفيداه الشيخ
أبو العلاء أحمد بن عبد الله وابن بنته أبو صالح محمد بن المهذب وأبو الحسن المهذب
وجعفر ابنا علي بن المهذب وأبو النصر عبد الكريم بن جعفر بن علي بن المهذب
المعريون وأبو عمرو عثمان بن عبد الله الطرسوسي قاضي معرة النعمان بعده ، وولد
بالمعرة سنة خمس وثلاثمائة ، وتوفي بحمص وهو على قضائها في جمادى الأولى سنة سبع
وسبعين وثلاثمائة ودفن ظاهر باب الرستن.
ومنهم : ولده
أبو محمد عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان والد الشيخ أبي
العلاء. روى عن أبي بكر محمد بن الحسين السبيعي الحافظ نزيل حلب ، وأبي عبد الله
الحسين بن خالويه وأبيه أبي الحسن سليمان بن محمد بن سليمان ، وأبي القاسم الحسن
بن منصور بن محمد الكندي ، وأبي سعيد الحسن بن إسحاق بن بلبل المعري القاضي بها ،
ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة ، وعبد الله بن محمد البغوي وغيرهم. روى عنه ابنه
الشيخ أبو العلاء أحمد.
وكان أبو محمد
فاضلا أديبا لغويا شاعرا ، ومولده سنة ثلاثين وثلاثمائة ، ومن شعره قوله يرثي
جارية له :
مولاك يا
مولاة مولاها على
|
|
حال تسر عدوه
وتضرّه
|
وبوده لو كنت
أنت مكانه
|
|
في الزائرين
وأن قبرك قبره
|
وقوله :
سمعتم بأجور
من ظالم
|
|
أعل الفؤاد
وما عاده
|
وقد كان
واعدني زورة
|
|
فأخلف يا قوم
ميعاده
|
__________________
وتوفي أبو محمد
عبد الله بن سليمان والد أبي العلاء بمعرة النعمان سنة خمس وتسعين وثلاثمائة ، وقال فيه أبو العلاء ابنه يرثيه من أبيات أجازها لنا
أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قال : أنشدنا موهوب بن الخضر بن الجواليقي قال :
أنشدنا يحيى بن علي التبريزي قال : أنشدنا أبو العلاء المعري يرثي أباه :
أبي حكمت فيه
الليالي ولم تزل
|
|
رماح المنايا
قادرات على الطعن
|
فيا ليت شعري
هل يخفّ وقاره
|
|
إذا صار أحد
في القيامة كالعهن
|
وهل يرد
الحوض الرويّ مبادرا
|
|
مع الناس أو
يأبى الزحام فيستأني
|
وخلف أبو محمد
عبد الله بنين ثلاثة : أبا المجد محمد بن عبد الله وهو الأكبر والموجود الآن من بني سليمان كلهم من عقبه ، وأبا
العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان وهو يلي أبا المجد في السن ، وأبا الهيثم عبد
الواحد بن عبد الله وهو أصغر الأخوة الثلاثة.
فأما أبو
الهيثم عبد الواحد بن عبد الله بن سليمان فكان شاعرا مجيدا ، روى عنه أبو العلاء
شيئا من شعره وجمع شعره لولده زيد بن عبد الواحد. ذكر أبو غالب همام بن المهذب في
تاريخه أن أبا الهيثم ولد في سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة ، وقرأت بخط أبي اليسر
شاكر بن عبد الله بن سليمان : ولد الشيخ أبو الهيثم عبد الواحد بن عبد الله بن
سليمان سنة سبعين وثلاثمائة ، وله شعر مدون جمعه أخوه أبو العلاء لابنه زيد ، منه
ما أنشدنا أبو إسحاق إبراهيم بن أبي اليسر بدمشق قال : أنشدني أبي شاكر بن عبد
الله قال : أنشدني جدي أبو المجد بن عبد الله بن محمد قال : أنشدني الشيخ أبو
العلاء أحمد بن عبد الله قال : أنشدني أخي أبو الهيثم لنفسه يخاطب بعض الشعراء :
زدني من
الشعر الذي استنبطته
|
|
من فكرك
المتصرف المستجلس
|
__________________
فدنية
الأشعار تصقل خاطري
|
|
مثل الحسام
جلوته بالمدوس
|
وتوفي أبو
الهيثم سنة خمس وأربعمائة وخلف ولد واحدا ذكرا وهو أبو نصر زيد بن عبد الواحد بن
عبد الله ، قرأ على عمه أبي العلاء وجمع له أبو العلاء شعر والده أبي الهيثم. أنشدني
أبو إسحاق إبراهيم بن شاكر بن عبد الله قال : أنشدني أبي شاكر قال : أنشدني جدي
أبو المجد قال : سمعت أبا العلاء ينشد زيد بن عبد الواحد بن عبد الله بن سليمان من
شعر والده أخيه أبي الهيثم ، وكان جمع له شعر والده أخيه وكان أخوه قدم على (سياث)
فوجد بها رجلا يقلع حجارة وكتب على حائط من حيطانها بمعول :
مررت بربع من
سياث فراعني
|
|
به زجل
الأحجار تحت المعاول
|
تناولها عبل
الذراع كأنما
|
|
جنى الدهر
فيما بينهم حرب وائل
|
أمتلفها شلّت
يمينك خلّها
|
|
لمعتبر أو
زائر أو مسائل
|
منازل قوم
حدثتنا حديثهم
|
|
فلم أر أحلى
من حديث المنازل
|
قرأت بخط بعض
المعرّيين على ظهر كتاب : ولد الشيخ أبو نصر زيد بن عبد الواحد ابن عبد الله بن
سليمان سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة ، وتوفي سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة ، فقد كان
عمره أربعا وأربعين سنة. وله ولد اسمه منافر وقف بخطه كتبا من تصانيف عم أبيه أبي
العلاء تدل على فضله وحسن نقله ، وليس له عقب بالمعرة ولا غيرها.
وأما أبو
العلاء فهو الذي وضع هذا الكتاب في ذكره ، وسنذكر مولده وأحواله وشيوخه ووفاته إن
شاء الله تعالى.
وأما الولد
الأكبر فهو أخو أبي العلاء أبو المجد محمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد ابن
سليمان والعقب الموجود إلى الآن من ولده ، وكان فاضلا أديبا شاعرا ، وله ديوان شعر
مجموع ، سمع بمعرة النعمان أبا أحمد عبيد الله بن محمد بن أحمد ابن الحريص البزار
،
__________________
وأبا زكريا يحيى بن مسعر بن محمد. روى عنه أخوه أبو العلاء وولده عبد الله
بن محمد القاضي وأبو سعد السمان. وولد ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شوال
سنة خمس وخمسين وثلاثمائة.
ومن شعره ما
أنشدني أبو إسحاق إبراهيم بن شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله ابن سليمان قال
: أنشدني أبي أبو اليسر شاكر قال : أنشدني جدي أبو المجد محمد بن عبد الله قال :
أنشدني أبي عبد الله قال : أنشدني أبي أبو المجد محمد بن عبد الله بن سليمان لنفسه
وقد اجتاز بقبر صديق له :
سقا قبرك
المهجور صوب تجاوز
|
|
عميم الرضى
جمّ اللها والمكارم
|
إذا طلعت يوم
الحساب سحابة
|
|
محت بقضاء
الله صحف الجرائم
|
وتوفي أبو
المجد محمد بن عبد الله بن سليمان سنة ثلاثين وأربعمائة وعمره خمس وسبعون سنة ،
وله ولدان وليا قضاء معرة النعمان : أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن
سليمان وأبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن سليمان ، ولكل منهما عقب مذكور.
فأما أبو محمد
عبد الله بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان التنوخي ابن أخي أبي العلاء قاضي
معرة النعمان فإنه روى عن أبيه أبي المجد وعمه أبي العلاء أحمد ، وتولى خدمة عمه
بنفسه ، وكان برا به ، وكان يكتب لعمه أبي العلاء تصانيفه ويكتب عنه بإذنه السماع
والإجازة لمن يطلب ذلك من عمه. روى عنه ابنه أبو المجد محمد بن عبد الله بن محمد ،
وولي قضاء معرة النعمان بعد عزل ابن أبي حصين عنه لأمر أنكر على ابن أبي حصين.
وكانت ولايته القضاء في سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة على كره من عمه أبي العلاء.
وكان مولده بمعرة النعمان سنة سبع وتسعين وثلاثمائة ، وله ديوان شعر ورسائل حسنة ،
وتولى القضاء بمعرة النعمان وخطابتها والوقوف بها ، وكان يخدم عمه أبا العلاء
ويعلله في مرضه ، فقال فيه أبو العلاء :
وقاض لا ينام
الليل عنّي
|
|
وطول نهاره
بين الخصوم
|
يكون أبرّ بي
من فرخ نسر
|
|
بوالده وألطف
من حميم
|
سأنشر شكره
في يوم حشر
|
|
أجل وعلى
الصراط المستقيم
|
ودفع إليّ أبي
الحسن محمد بن أبي جعفر أحمد بن علي إمام الكلّاسة بدمشق جزءا بخط
أبيه أبي جعفر إمام الكلّاسة ، فقرأت فيه بخطه أن الشيخ أبا اليسر شاكر بن
عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان قال له : إن أبا العلاء قال في ابن أخيه
أبي محمد عبد الله :
أعبد الله ما
أسدى جميلا
|
|
نظير جميل
فعلك غير أمّي
|
سقتني درّها
ودعت وباتت
|
|
تعوّذني
وتقرأ أو تسمّي
|
هممت بأن
تجنبني الرزايا
|
|
فرمت وقايتي
من كل همّي
|
كأن الله
يلهمك اختياري
|
|
فتفعله ولم
يخطر بوهمي
|
حمدتك في
الحياة أتمّ حمد
|
|
وأيامي ذممت
أتم ذمّ
|
أجدّك ما
تركت وأنت قاض
|
|
تعهّد مقعد
أعمى أصمّ
|
جزاك البارىء
ابن أخ كريما
|
|
أبرّ بمعجز
في برّ عمّ
|
قرأت بخط
القاضي أبي القاسم المحسن بن عمرو التنوخي في كتابه النايب عن الإخوان : حضرت بعض
أهل الأدب وقد أنشد هذه الأبيات :
لما خبت ريح
الفرا
|
|
ق ولاح لي
نجم التلاق
|
وظننت أني لا
محا
|
|
لة قد نجوت من
الخناق
|
حدثت عليّ
حوادث
|
|
للبين محكمة
الوثاق
|
فنفين عن
عيني الكرى
|
|
وأذقنني مرّ
المذاق
|
وتركني
متلدّدا
|
|
في طول همّ
واشتياق
|
أبكي الدماء
على فرا
|
|
ق الباكيات
على فراقي
|
إن اصطبار
العاشقي
|
|
ن على الفراق
من النفاق
|
لجماعة من
أصحابنا المعريين وسألهم إجازتها والزيادة فزاد فيها أبو محمد عبد الله بن سليمان
القاضي مازحا للوقت :
فإذا وصلت
إلى الودا
|
|
ع بلحظ عين
أو عناق
|
ورأيت منهلّ
الدمو
|
|
ع كأنها خيل
السباق
|
وعلا البكاء
من الجمي
|
|
ع وخفت من
فرط اشتياقي
|
فذر الرجوع
وسر على
|
|
رغم الفراق
مع الرفاق
|
__________________
واحلف بأنك
لا تعو
|
|
د إلى المعرة
بالطلاق
|
توفي القاضي
أبو محمد عبد الله في شعبان سنة خمس وستين وأربعمائة.
وأما أبو الحسن
علي بن محمد بن عبد الله بن سليمان ابن أخي الشيخ أبي العلاء ، فهو الأصغر منهما ،
سمع عمه أبا العلاء ، وتولى قضاء معرة النعمان وقضاء حماة وسيّر إليّ شهاب الدين
أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سليمان جزءا في أخبار سلفه ذكر فيه عليا هذا وقال :
إنه كان فاضلا ، سمع على عمه الشيخ أبي العلاء جميع أماليه ونسخها بخطه ، وولي
قضاء حماة رحمهالله. وكانت ولايته قضاءها في سنة إحدى وخمسين وأربعمائة. وذكر
أبو غالب ابن المهذب في تاريخه أن مولد القاضي أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الله
في سنة خمس وأربعمائة.
وقرأت في بعض
تعاليقي للقاضي أبي المرشد سليمان بن علي بن محمد في أبيه يرثيه حين مات :
شهدت لقد
أبقت بدين محمد
|
|
وفاة عليّ
ثلمة ما لها سدّ
|
وفي المجد
صدعا ليس يجبر كسره
|
|
وفي الدين
وهنا باقيا ما له شدّ
|
فلا يبعدنك
الله يا بن محمد
|
|
ومن يك منا
اليوم حيا هو البعد
|
ولا رقأت عين
امرىء ليس باكيا
|
|
عليك ولا
أضحى له عاليا جدّ
|
فإن أشمت
الحساد موتك عاجلا
|
|
فليس لحي من
لقاء الردى بدّ
|
يعز علينا أن
نراك مجندلا
|
|
صريعا وأن
تمسي يخدّ لك الخدّ
|
والعقب الموجود
الآن من بني سليمان في ولد أبي محمد عبد الله وأبي الحسن علي ابني أبي المجد محمد
أخي أبي العلاء .
فأما القاضي
أبو محمد عبد الله فله ولدان : أبو مسلم واذع وأبو المجد محمد ابنا أبي محمد عبد
الله بن محمد القاضي المقدم ذكره. فأما أبو مسلم فهو الأكبر منهما وهو القاضي
الرئيس شرف القضاة أبو مسلم واذع بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان
القاضي ، ولد بالمعرة سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة ، وسماه عم أبيه أبو العلاء
واذعا وكناه بأبي
__________________
مسلم ، وكان رئيس المعرة وكبيرها والمقدم بها ، وولي القضاء بها بعد أبيه ،
وكان مشهورا بالجود والكرم والعطاء عالما أديبا فاضلا ، وله رسائل حسنة وشعر جيد
وديوان شعره موجود بأيدي الناس. روى عنه أخوه القاضي أبو المجد محمد بن عبد الله
بن محمد.
أنشدنا زين
الأمناء أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن الدمشقي بها ، أنشدنا أبو اليسر شاكر
بن عبد الله بن محمد بن عبد الله سليمان ، أنشدنا جدي القاضي أبو المجد محمد بن
عبد الله بن سليمان ، أنشدني القاضي أبو مسلم واذع بن عبد الله بن سليمان لنفسه :
وقفنا وقد
غاب المراقب وقفة
|
|
أمنّا بها أن
يفتك السخط بالرضى
|
على خلوة لم
يجر فيها تنغّض
|
|
بها عاد وجه
الليل عندي أبيضا
|
نعيد حديثا
لا يملّ كأنه
|
|
حياة أعيدت
في امرىء بعد ما قضى
|
توفي أبو مسلم
واذع سنة تسع وثمانين وأربعمائة ، ولا أعلم لأبي مسلم غير ولد واحد وهو أبو عدي النعمان
بن واذع بن عبد الله بن سليمان ، شاعر محسن مولده بمعرة النعمان ، وروى عنه ابن
ابن عمه شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله وأبو الفضل هبة الله بن ذكوان بن
محمد الكلاعي.
ومن شعره ما
أخبرنا به أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن الدمشقي بها عن أبي الخطاب
عمر بن محمد العليمي ونقلته من خط العليمي قال : أنشدنا أبو الفضل هبة الله بن
ذكوان بن محمد الكلاعي بخوارزم قال : أنشدني أبو عدي النعمان بن واذع ابن سليمان
لنفسه بحماة :
عبث النسيم
بعطفه فترنحا
|
|
نشوان من ماء
الشبيبة ما صحا
|
أخذت لواحظه
القصاص لخده
|
|
منّا فجرّح
باللحاظ وجرّحا
|
__________________
لبس السواد
فلن ترى عين امرىء
|
|
في الخلق
أحسن منه فيه وأملحا
|
غارت عليه إذ
رأته قلوبنا
|
|
بسوى
سويداواتها متوشّحا
|
ملك القلوب
مملّك لو أنه
|
|
لمس الحصى
بالكف منه لسبّحا
|
توفي أبو عدي
سنة نيف وخمسين وخمسمائة ، ولا أعلم له عقبا .
وأما أبو المجد
محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان المعروف بمجد
القضاة فهو ابن ولد أخي أبي العلاء الأصغر منهما ، وهو أيضا تولى القضاء بمعرة
النعمان نيابة عن أخيه واذع بن عبد الله ، ثم تولى القضاء بها بعده استقلالا.
ومولده بمعرة النعمان ليلة الجمعة بين المغرب والعشاء في خامس شهر ربيع الآخر من
سنة أربعين وأربعمائة ، وقيل سنة إحدى وأربعين وأربعمائة ، وكان فاضلا أديبا شاعرا
ناثرا راويا للحديث فقيها متقنا على مذهب الشافعي رحمهالله. روى عن أبيه عبد الله وعم أبيه أبي العلاء وأخيه أبي
مسلم واذع وأبي الحسن علي بن أحمد بن الدويدة وأبي يعلى عبد الباقي ابن أبي حصين.
روى عنه حفيده أبو اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد ومؤيد الدولة أسامة بن مرشد بن
منقذ الشيزري.
أنشدني زين
الأمناء أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن ، أنشدني أبو اليسر شاكر ابن عبد الله
المعري ، أنشدني جدي أبو المجد محمد بن عبد الله لنفسه :
ألا أيها
البرق الذي لاح موهنا
|
|
لقد زدتني
سقما وهيجت لي وجدا
|
وأرّقت عيني
والخليّون هجّع
|
|
كأن لم تجد
دون اعتراضك لي بدّا
|
وأذكرتني ثغر
الحبيب ولثمه
|
|
على عجل لو
كنت تشبهه بردا
|
ولما هجم
الفرنج على معرة النعمان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وكان أبو المجد هذا قاضيا
بها انتقل إلى شيزر وأقام بها مدة ، ثم انتقل إلى حماة وأقام بها إلى أن مات في
محرم سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة ، وله ولد واحد وهو أبو محمد عبد الله بن محمد بن
عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان أبو محمد بن أبي المجد بن أبي المجد والد أبي اليسر
__________________
شاكر ، سافر إلى مصر ولقي الأفضل أمير الجيوش فلزمه ، وولد بمعرة النعمان
يوم الأربعاء التاسع عشر من جمادى الآخرة سنة سبع وسبعين وأربعمائة.
ومن شعره ما
أخبرنا به أبو نصر بن محمد بن هبة الله بن الشيرازي القاضي إذنا ، وقد لقيته بدمشق
وسمعت منه قال : أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي قال : أنشدني أبو
اليسر قال : كتب إليّ والدي من مصر :
يا غائبا
مسكنه مهجتي
|
|
وحاضرا وليس
بالحاضر
|
صوّره شوقي
إليه فما
|
|
يريم من قلبي
ومن ناظري
|
جفا رقادي
بعده مقلتي
|
|
واستودعت
وحشته خاطري
|
توفي أبو محمد
عبد الله هذا في حياة أبيه بمصر يوم الجمعة للنصف من شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة
وخمسمائة ودفن بالقرافة بقرب روضة الشافعي رضياللهعنه ، وله ولدان : أبو اليسر شاكر وأبو الفضائل عبد الكريم
ابنا عبد الله بن محمد. فأما أبو الفضائل عبد الكريم بن عبد الله بن محمد بن عبد
الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان فهو الأصغر ، وكان شاعرا فاضلا ممدحا ، روى
عنه أخوه أبو اليسر شيئا من شعره ، وكان مولده في الثامن من شوال سنة ثماني عشرة
وخمسمائة بحماة ، ونشأ بها ، ورباه جده القاضي أبو المجد محمد بن عبد الله وأخوه
أبو اليسر ، وكان والده أبو محمد قد سافر إلى مصر كما ذكرناه وتركه طفلا ومات بمصر
، فاشتمل عليه جده وأخوه ونشأ نشأة حسنة ، وكان زاهدا كريما ورعا كثير الصدقة
والمعروف كثير التلاوة للقرآن.
كتب إلينا غير
واحد من شيوخنا بالإجازة عن أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد ابن سليمان قال :
أنشدني أخي يعني عبد الكريم لنفسه أبياتا عملها وقد اجتاز بجسر ابن شوّاش في زمن الربيع (بياض بالأصل) يعني بدمشق (مثله) :
مررت بالجسر
وقد أينعت
|
|
رياضه
بالخرّد العين
|
ظباء أنس
كالدمى قادني
|
|
حتفي إليهن
وتحييني
|
جسر ابن
شوّاش الذي لم تزل
|
|
فيه العيون
النجل تسبيني
|
ونشر عطر
فاغم لم أزل
|
|
أموت من شوق
فيحييني
|
__________________
وكان قلبي في
الهوى طائعي
|
|
وعاصيا من
كان يغويني
|
ولم يجبه
للذي سامه
|
|
من الخنا قلبي
فيصبيني
|
فسرت عنهن
سرى مسرع
|
|
مخافة منها
على ديني
|
فالحمد لله
الذي لم يزل
|
|
إلى سبيل
الرشد يهديني
|
أخبرنا أبو نصر
الشيرازي كتابة قال : أخبرنا أبو القاسم الحافظ قال : قال لي أخوه أبو اليسر : كان
مرضه عشرة أيام بالسعال ، ونفث الدم العبيط ومات ميتة سهلة ، قال لي : قد وجدت
الساعة راحة عظيمة ولذة تشبه لذة النوم ، ولم يبق عندي ألم من شيء ، فقلت له : فعن
إذنك أمضي إلى المسجد الجامع فأصلي الجمعة وأعود إليك ، قال : نعم ، فمضيت
فأدركتني امرأة فقالت : أدرك أخاك فقد أشخص ، فعدت إليه فقضى نحبه وقت صلاة الظهر
من يوم الجمعة للسابع والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وخمسمائة ، ودفن
بجبل قاسيون ، وكان قال لأخيه في مرضه : وقد حضرني قوم حسان الوجوه والزي نظاف
اللباس طيبو الرائحة مستبشرين ، فقال له أخوه : هذه أوصاف الملائكة.
وأما أبو اليسر
فهو شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان المعري أبو اليسر ابن أبي
محمد بن أبي المجد بن أبي محمد بن أبي المجد ابن أبي محمد ، كان كاتبا شاعرا أديبا
فاضلا ، كتب الإنشاء لأتابك الشهيد زنكي بن آق سنقر ، ثم لولده نور الدين محمود
بعده ، ثم استعفى وقعد في بيته. وولد بشيزر سنة ست وتسعين وأربعمائة ، ونقله والده
أبو محمد عبد الله إلى عند جده أبي المجد محمد بن عبد الله إلى حماة ، فربي في حجر
جده وأبيه ، وقرأ على جده الأدب وسمع منه الحديث واشتغل عليه بغير ذلك من العلوم.
روى عنه الحافظ أبو القاسم بن عساكر وذكره في تاريخ دمشق وهو حي ، ولم يذكر من كان
حيا في زمنه غير أربعة هو أحدهم. وروى عنه العماد أبو عبد الله محمد بن محمد
الكاتب وأبو المواهب بن صصرى ، وروى لنا عنه ابنه أبو إسحق إبراهيم وأبو القاسم
الحسين بن هبة الله بن صصرى وأبو الحسن محمد بن أحمد بن علي القرطبي وغيرهم. وتوفي
يوم الجمعة الثالث والعشرين من المحرم سنة إحدى وثمانين وخمسمائة بدمشق ، ودفن
بسفح جبل قاسيون ، أخبرني بوفاته ولده إبراهيم.
__________________
ومن شعره في
الناعورة :
وباكية حنّت
ففاضت دموعها
|
|
تراها بكت من
خوف بين يروعها
|
لها أعين
تجري بأدمع عاشق
|
|
وما عرفت
عشقا فمم دموعها
|
وكان لشاكر
أولاد جماعة ، منهم ولده أبو البركات محمد بن شاكر بن عبد الله ، سمع الحديث من
الحافظ أبي القاسم الدمشقي ، وكان مولده بحلب في ذي الحجة سنة خمس وأربعين
وخمسمائة. ومن شعره :
نظر الحبيب
إلى المحب فتاقا
|
|
ودنا إلى ذي
وجده فأفاقا
|
سبحان من جمع
المحاسن كلها
|
|
فيه فضاهى
خلقه الأخلاقا
|
ومنهم ولده
الآخر سليمان بن شاكر شاعر حسن الشعر ، مولده بدمشق سنة خمس وخمسمائة. ومن شعره ما
كتبه إلى أبيه شاكر :
تهنّ بالصوم
وبالفطر
|
|
وعش سعيدا
آخر الدهر
|
يا سيدا فاق
جميع الورى
|
|
بالعلم
والزهد وبالذكر
|
إني جدير أن
أنال الذي
|
|
آمل من نعماك
يا ذخري
|
إني إذا
نافست لا أرعوي
|
|
لأنني نجل
أبي اليسر
|
ومنهم ولده أبو
العلاء أحمد بن شاكر شيخنا ، وروى عن والده أبي اليسر وعن الحافظ أبي القاسم
الدمشقي ، كتبت عنه وسألته عن مولده فقال : سنة أربع أو خمس وخمسين وخمسمائة ،
وتوفي بمعرة النعمان سنة ثمان وثلاثين وستمائة في شهر ربيع الأول.
ومنهم ولده
الأصغر شيخنا أبو إسحاق إبراهيم بن شاكر بن عبد الله المعروف بالبهاء ، درس الفقه
على مذهب الشافعي وتولى الخطابة بالمصلى ، وسيرة الملك العادل أبو بكر بن أيوب
رسولا إلى حلب والموصل وغيرها. وكان فاضلا أديبا محدثا ، سمع شيخنا أبا اليمن
الكندي وأبا حفص بن طبرزد وأباه شاكر بن عبد الله وأسامة بن مرشد وغيرهم ، وحدّث
بشيء يسير من مسموعه وكتب عنه ، وأخبرني أن مولده سنة خمس وستين وخمسمائة. وأنشدني
بدمشق قال : أنشدني أبي قال : أنشدني جدي أبو المجد لنفسه :
وعذب المقبّل
رخص البنان
|
|
إذا لمس
العود أشجى القلوبا
|
وينشقّ منه
فؤاد المحبّ
|
|
إذا ما
المحبون شقّوا الجيوبا
|
توفي شيخنا أبو
إسحاق إبراهيم بدمشق منتصف محرم سنة ثلاثين وستمائة يوم الأحد ، ودفن يوم الاثنين
بسفح جبل قاسيون.
فهؤلاء ولد أبي
محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان.
وأما أبو الحسن
علي بن محمد بن عبد الله بن سليمان ابن أخي أبي العلاء فله من الولد أبو المرشد
سليمان وأبو سهل مدرك ، وقيل أبو المرشد كنيته.
فأما سليمان
فهو أبو المرشد سليمان بن علي بن محمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد ابن سليمان
ابن أحمد القاضي ابن ابن أخي أبي العلاء ، ولي قضاء المعرة وانتقل إلى شيزر بعد
أخذ الفرنج المعرة ، وتوفي بشيزر. وكان أديبا فاضلا فصيحا شاعرا مجيدا ، وقفت له
على كتاب بخطه وتأليفه في تفسير أبيات المعاني من شعر المتنبي ، وهو كتاب حسن في
فنه ، ووقفت له على رسائل حسنة من كلامه. ومن شعره قوله :
نزّه لسانك
عن نفاق منافق
|
|
وانصح فإن
الدين نصح المؤمن
|
وتجنب المنّ
المنكّد للندى
|
|
وأعن بنيلك
من أعانك وامنن
|
وتناه عن غبن
وغبن واغتنم
|
|
حسن الثناء
من الأنام وأحسن
|
وأما أخوه مدرك
فهو أبو سهل ، وقيل أبو المرشد مدرك بن علي بن محمد بن عبد الله بن سليمان. وكان
أديبا شاعرا ، ومن شعره قوله :
إذا لم تستطع
سكنى بلاد
|
|
نشأت بها فكن
منها قريبا
|
بحيث تشمّ
نشر الريح منها
|
|
وتسأل مخبرا
عنها مجيبا
|
فإنّ أشد
أحداث الليالي
|
|
على الإنسان
أن يمسي غريبا
|
بأرض لا يرى
فيها صديقا
|
|
يسرّ به ولا
يلقى حبيبا
|
وله وقد ورد
إلى مصر :
ظلمت مصر
وجارت
|
|
لا جرى النيل
عليها
|
فلحى الله
زمانا
|
|
أحوج الناس
إليها
|
وكان لمدرك من
الأولاد أبو المعالي صاعد وأبو سهل عبد الرحمن ومرضيّ وأحمد وسعيد.
فأما أبو
المعالي صاعد بن مدرك بن علي بن محمد بن عبد الله بن سليمان فمولده ومنشؤه بشيزر
وحماة ، وتوفي بمعرة النعمان ، وكان شاعرا أديبا ، من شعره قوله :
ألا أيها
الوادي المنيني هل لنا
|
|
تلاق فنشكو
فيه صنع التفرّق
|
|
أبثّك ما بي
من غرام ولوعة
|
|
وفرط جوى
يضني وطول تشوّق
|
عسى أن ترقّي
حين ملّكت رقّه
|
|
وترثي له مما
بهجرك قد لقي
|
بوصل يروّي
غلّة الوجد والأسى
|
|
ويطفا به حرّ
الجوى والتحرّق
|
وأما عبد
الرحمن فهو أبو سهل عبد الرحمن بن مدرك بن علي بن محمد بن عبد الله ابن سليمان ،
وهو ابن أبي المرشد المذكور ابن أبي الحسن ، ولد ونشأ بشيزر وحماة ، وتوفي في
الزلزلة التي كانت بحماة سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة. وكان أديبا شاعرا ، روى عنه
أبو اليسر شاكر شيئا من شعره.
كتب إلي بعض
شيوخي عن أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد بن سليمان قال : أنشدني عبد الرحمن
بن مدرك لنفسه :
بالله يا
صاحب الوجه الذي اجتمعت
|
|
فيه المحاسن
فاستولى على المهج
|
خذني إليك
فإن لم ترضني صلفا
|
|
فاطرد بي
العين عن ذا المنظر البهج
|
كيف السلامة
من جفنيك إنهما
|
|
حتف لكل محب
في الهوى وشج
|
ومن شعره قوله
:
سارقته نظرة
أطال بها
|
|
عذاب قلبي
وما له ذنب
|
يا جور حكم
الهوى ويا عجبا
|
|
تسرق عيني
ويقطع القلب
|
__________________
وأما مرضيّ فله
ولد وهو أبو الحسن علي بن مرضيّ بن مدرك بن علي بن محمد بن عبد الله بن سليمان ،
ولد بمعرة النعمان وقيل بشيزر ، ونشأ بحماة. وكان فاضلا شاعرا مجيدا مكثرا. روى
عنه أبو اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد شيئا من شعره.
أنشدني أبو
إسحق إبراهيم بن شاكر بن عبد الله بن محمد بن سليمان بدمشق قال : أنشدني أبي شاكر
قال : أنشدني جدي أبو المجد محمد بن عبد الله لنفسه :
وقفت بالدار
وقد غيرت
|
|
معالم منها
وآثار
|
فقلت والقلب
به لوعة
|
|
تحرقه والدمع
مدرار
|
أين زمان فيك
خلّفته
|
|
وأين سكّانك
يا دار
|
قال أبو إسحق
إبراهيم بن أبي اليسر : قال لي أبي : فوصلت الأبيات إلى القاضي علي ابن مرضيّ بن
مدرك بن سليمان فقال على وزنها جوابا لها ، وأنشدنيها علي لنفسه :
أجابت الدار
على عيّها
|
|
إن سكوتي عنك
إقرار
|
أخنى على من
كان بي ساكنا
|
|
صروف أيام
وأقدار
|
فارتجع الدهر
ولذّاته
|
|
معيرة والدهر غدّار
|
وها أنا
اليوم كما قد ترى
|
|
مقفرة ما فيّ
ديّار
|
توفي علي بن
مرضي بحماة في الزلزلة التي أخربتها يوم الاثنين رابع رجب سنة اثنتين وخمسين
وخمسمائة.
وأما أحمد بن
مدرك فله ولد وهو أبو المشكور صالح بن أحمد بن مدرك بن علي بن محمد بن عبد الله بن
سليمان القاضي ، وكان ولي القضاء بمعرة النعمان ، وروى الحديث عن أبي الحسن علي بن
الحسين عمر الفراء وأبي العلاء صاعد بن سيار بن محمد ، وكان سمع منهما بمصر ، روى
عنه أبو البركات محمد بن علي بن محمد الأنصاري وأبو محمد عبد القاهر بن علوي قاضي
معرة مصرين. وكان أبو المشكور قد عمر وغلب الكبر عليه. وقرأت بخط بعض المعرّيين :
حدثني الفقيه المؤمل بن عنبسة أن القاضي أبا مشكور صالح ابن سليمان رأى في منامه
كأن قائلا يقول له : لم لا تعمد إلى شرب ماء الورد بعد سف
__________________
بزر قطونا فإنه أقل فضولا من الماء ورطوبة ، والله لتعمرن ثمانين
سنة وبعدها يقضي الله ما هو قاض ، إما سلامة أو غيرها. وأنشد :
سفر جلا عن
مقلتي طعم الكرى
|
|
سفر وجدت
الزاد فيه سفر جلا
|
فشممت أطيب
نفحة من عرفه
|
|
وحمدت طعم
المرّ منه وما حلا
|
وأما سعيد بن
مدرك بن علي فله ولد وهو أبو الراضي مدرك بن سعيد بن مدرك بن علي ، سمع أبا طاهر
إسماعيل بن حميد وروى عنه شعرا ، روى عنه أبو الخطاب عمر بن محمد العليمي.
أخبرنا أبو عبد
الله محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن الدمشقي عن أبي الخطاب عمر ابن محمد العليمي
قال : أنشدني أبو الراضي مدرك بن سليمان التنوخي إملاء من حفظه قال : أنشدني أبو
طاهر إسماعيل بن حميد ، أنشدني القاضي أبو المجد محمد بن عبد الله بن سليمان لنفسه
:
لئن عظم
اشتياق منك نحوي
|
|
ففي قلبي من
الأشواق نار
|
وعلّ الله
يجمع بعد بين
|
|
لنا شملا
ويقترب المزار
|
وليس بضائر
والودّ باق
|
|
إذا نزحت
باهليها الديار
|
فهذه نبذة من
ذكر فضلاء بني سليمان وقضاتهم وعلمائهم ، ومن أراد استقصاء أخبارهم وفضائلهم
وأشعارهم فعليه بكتابي المطول في تاريخ حلب ، ففيه مقنع لمن قصد شيئا من ذلك وطلب. وقد أخبرني أبو
القاسم بن الحسين الأنصاري عن الحافظ أبي طاهر السلفي قال : قال لي الرئيس أبو
المكارم وكان من أفراد الزمن ثقة مالكي المذهب : وكانت الفتاوي في بيتهم يعني بني
سليمان على مذهب الشافعي رحمهالله تعالى في أكثر من مائتي سنة بالمعرة.
__________________
فصل
(في ذكر مولد أبي العلاء ومنشئه وعماه وصفة خلقه)
أما مولده
فبمعرة النعمان ، وأمه هي بنت محمد بن سبيكة ، وأظن أن أباها من أهل حلب ، وخاله
علي بن محمد بن سبيكة الذي يقول فيه :
كأن بني
سبيكة فوق طير
|
|
يجوبون
الغواير والنجادا
|
وتوفيت والدته
وهو غائب عنها حين رحل إلى بغداد في سنة أربعمائة ، وقد رثاها بأبيات هي في سقط
الزند.
وقرأت بخط أحمد
بن علي بن عبد اللطيف المعري وهو أحد من قرأ على أبي العلاء وروى عنه ويعرف بابن
زريق قال : وولد يعني أبا العلاء يوم الجمعة عند غروب الشمس لثلاثة أيام مضت من
شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة.
ونقلت من خط
الأديب الأستاذ أبي عبد الله محمد بن علي العظيمي الحلبي في تاريخه ، وأنبأ به عنه
المؤيد بن محمد النيسابوري وغيره قال : وفيها يعني سنة ثلاث وستين وثلاثمائة ، ولد
الشيخ أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي بمعرة النعمان من رقعة
الشام.
قال العميد :
ولد أبو العلاء في سنة ست وستين. وهذا العميد الذي نقل عنه العظيمي ذلك هو العميد
أبو يسر خير بن محمد بن علي التنوخي المعري ، وهذا ليس بصحيح.
وذكر الوزير
أبو غالب عبد الواحد بن مسعود بن الحصين الشيباني في كتابه الذي جمعه في المختار
من أشعار الشعراء وذكرهم على حروف المعجم ، وأخبرنا بذلك إجازة عنه الحافظ أبو عبد
الله محمد بن محمود بن النجار قال : ولد يعني أبا العلاء لثلاث بقين من ربيع الأول
سنة ست وستين وثلاثمائة ، ومرضت عيناه في سن الطفولية وذهبتا. والصحيح في مولده ما
أخبرنا به أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي كتابة وقراءة عليه قال : أخبرنا
أبو منصور القزّاز قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب ، حدثني أبو الخطاب
العلاء بن حزم الأندلسي قال : ذكر لي أبو العلاء المعري أنه ولد في يوم الجمعة
لثلاث بقين من شهر ربيع سنة ثلاث وستين وثلاثمائة.
ونقلت من تاريخ
جمعه أبو غالب همام بن الفضل بن جعفر بن علي بن المهذب المعري التنوخي وسيره إلى
بعض الأشراف بحلب : سنة ثلاث وستين وثلاثمائة فيها ولد الشيخ أبو العلاء أحمد بن
عبد الله بن سليمان المعري التنوخي يوم الجمعة لثلاث بين من شهر ربيع الأول.
وأخبرني القاضي
شهاب الدين أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سليمان قاضي معرة النعمان أنه نقل من جزء
في أخبار سلفه بني سليمان وسير إليّ نسخته بخطه ، وفيه في ذكر أبي العلاء بن
سليمان : ولد يوم الجمعة قبل مغيب الشمس لسبع وعشرين ليلة خلت من ربيع الأول سنة
ثلاث وستين وثلاثمائة ، واعتل علة الجدري التي ذهب بصره فيها في جمادى الأولى سنة
سبع وستين وثلاثمائة.
ونقلت بخط أبي
محمد الحسن بن الفرج الجندي الأديب في آخر سقط الزند بروايته عن الخطيب أبي زكريا
يحيى بن علي التبريزي وخط التبريزي عليه : مولده يعني أبا العلاء مغيب الشمس لثلاث
بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة ، وعمي من الجدري وجدر في أول
سنة سبع أو آخر سنة ست وستين وثلاثمائة فغشّى يمنى حدقتيه بياض وأذهب اليسرى جملة.
أخبرني أبو
الحسن محمد بن أحمد بن علي الإمام عن أبي جعفر محمد بن مؤيد بن حواري قال : أخبرني
جدي أبو اليقظان قال : كان مولد الشيخ أبي العلاء بن سليمان بمعرة النعمان يوم
الجمعة مغيب الشمس لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة ، وجدر
في أول سنة سبع وستين وثلاثمائة فعمي من الجدري وغشّى يمنى حدقتيه بياض وأذهب
اليسرى جملة.
أخبرنا أبو
القاسم الحسين بن عبد الله بن رواحة الحموي قال : أخبرنا أبو طاهر أحمد ابن محمد
الحافظ إجازة إن لم يكن سماعا قال : سمعته يعني أبا محمد عبد الله بن الوليد ابن
عريب الإيادي المعري يقول : دخلت على أبي العلاء وأنا صبي مع عمي أبي طاهر
نزوره ، فرأيته قاعدا على سجادة لبد وهو يسبّح ، فدعا ومسح على رأسي ، وكأني أنظر
إليه الساعة وإلى عينيه إحداهما بارزة والأخرى غايرة جدا ، وهو مجدّر الوجه نحيف
الجسم.
__________________
وقد نقل بعض
أهل الأدب في حكاية ذكرها عن ابن منقذ أنه رأى أبا العلاء وهو صبي دون البلوغ وأنه
وصفه فقال :
وهو صبي دميم
الخلقة مجدور الوجه على عينيه بياض من أثر الجدري كأنه ينظر بإحدى عينيه قليلا.
وإن صحت هذه الحكاية فإن منقذا هذا والله أعلم هو أبو المتوج مقلد بن نصر بن منقذ
، وكان صاحب كفر طاب.
فصل
(في ذكر اشتغاله بالعلم وذكر شيوخه الذين أخذ عنهم)
قرأ القرآن
بالروايات على جماعة من الشيوخ. وقد ذكر الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي فيما
أخبرنا به أبو القاسم عبد الله بن الحسين الأنصاري عنه قال : وقد قرأ القرآن بكثير
من الروايات على شيوخ يشار إليهم في القراءات. ذكر الحافظ ذلك بعد أن ذكر أن جماعة
أدركهم من أصحابه ، وقرأ اللغة والنحو بمعرة النعمان على والده أبي محمد عبد الله
بن سليمان بن محمد وأبي بكر محمد بن مسعود بن محمد بن يحيى بن الفرج النحوي ، ودخل
وهو صبي إلى حلب فقرأ بها على محمد بن عبد الله بن سعد النحوي راوية أبي الطيب
المتنبي.
وقرأت بخط بعض
أهل الأدب وأظنه محمد بن الخضر بن أبي مهزول والمعروف بالسابق قال : وكان ابن سعد
يروي في ديوانه يعني ديوان المتنبي في قصيدته التي مطلعها :
أزائر يا خيال أم عائد
وذلك أنها لم
تكن مما قرأه على المتنبي وهي مما أنفذه إليه :
أو موضعا في
فناء ناحية
|
|
تحمل في
التاج هامة العاقد
|
فرد عليه أبو
العلاء وقد اجتمع معه بحلب وهو صبي :
أو موضعا في فتان ناجية
__________________
فلم يقبل ذلك
ابن سعد ، ومضى إلى نسخة عراقية صعدت مع أبي علي بن أريس من العراق فوجد القول ما
قاله أبو العلاء.
وسافر أبو
العلاء إلى بغداد في سنة تسع وتسعين للاستكثار من العلم فأخذ بها عن أبي الحسن علي
بن عيسى الربعي وأبي أحمد عبد السلام بن الحسين البصري المعروف بالواجكا وأبي علي
عبد الكريم بن الحسن بن حكيم السكري النحوي اللغوي.
وذكر أبو
البركات علي بن أحمد بن محمد بن أبي سعيد الأنباري في طبقات الأدباء له قال : وذكر أنه يعني أبا العلاء
لما قدم بغداد دخل على علي بن عيسى الربعي ليقرأ عليه شيئا من النحو فقال له
الربعي : ليصعد الإصطبل ، فخرج من عنده مغضبا فلم يعد إليه .
وأخبرنا أبو
الحسن أحمد بن علي عن محمد بن مؤيد المعري قال : أخبرني جدي أبو المفضال أحمد بن
حواري قال : ورحل يعني أبا العلاء إلى بغداد سنة ثمان وتسعين ودخلها سنة تسع
وتسعين ، وأقام بها سنة وسبعة أشهر. وبلغني أنه إنما دخل إلى بغداد لتعرض عليه
الكتب التي في خزائن بغداد لما وصف له من كثرتها ، ولم تكن رحلته لطلب دنيا. وقد
ذكر في بعض كلامه وسنورده بتمامه :
«وأحلف ما
سافرت أستكثر من النشب ولا أتكثر بلقاء الرجال ، ولكن آثرت الإقامة بدار العلم
فشاهدت أنفس ما كان لم يسعف الزمن بإقامتي فيه».
وأخذ الحديث عن
أبيه أبي محمد المذكور ، وجده سليمان بن محمد ، وأخيه أبي المجد محمد بن عبد الله
بن سليمان ، وجدته أم سلمة بنت الحسن بن إسحاق بن بلبل ، وأبي زكريا يحيى بن مسعر
بن محمد بن يحيى بن الفرج ، وأبي الفتح محمد بن الحسن بن روح المعريين ، وأبي
الفرج عبد الصمد بن أحمد بن عبد الرحمن الضرير الحمصي ، وأبي بكر محمد ابن عبد
الرحمن بن عمرو بن عبد الرحمن الرحبي ، وأبي عبد الله محمد بن يوسف بن كراكير
الدقي ، والقاضي أبي عمرو عثمان بن عبد الله الطرسوسي قاضي معرة النعمان.
__________________
وروى عن هؤلاء وعن أخيه أبي الهيثم عبد الواحد بن عبد الله بن سليمان شيئا
من شعره ، وخرج من حديثه سبعة أجزاء رويت عنه ، وهي عندي بخط أبي الحسن علي بن عبد
الله ابن محمد ابن أبي جرادة رواها عن أحمد بن علي بن عبد اللطيف بن زريق المعري
عنه.
فصل
(في ذكر من قرأ على أبي العلاء أو روى عنه من العلماء والأدباء)
(والمحدّثين من أهل المعرة وغيرهم من الغرباء)
فممن قرأ عليه
من أهل بلده ومن الشاميين وروى عنه ابنا أخيه القاضيان أبو محمد عبد الله وأبو الحسن
علي ابنا أبي المجد محمد بن عبد الله ، وقد ذكرناهما في بني سليمان ، وابن ابن
أخيه أبو المجد محمد بن عبد الله بن محمد ، والشيخ أبو صالح محمد بن المهذب ابن
علي ابن المهذب ، وأبو غالب همام بن الفضل بن جعفر بن المهذب ، والشيخ أبو الحسين
علي ابن محمد بن عبد اللطيف المعروف بابن زريق ، وابناه أبو الفضل أحمد وأبو الحسن
يحيى ابنا علي بن محمد ، والقاضي أبو القاسم المحسن بن عمرو ، والقاضيان أبو سعد
عبد الغالب وأبو يعلى عبد الباقي ابنا أبي حصين عبد الله بن أبي القاسم المحسن بن
عمرو بن سعيد بن عبد المحسن بن سعيد بن عمرو التنوخيون ، وأبو الفضل بن صالح ،
وجعفر بن أحمد بن صالح ، وأبو الحسن علي بن عبد الله بن أبي هاشم ، وإبراهيم بن
علي بن إبراهيم الخطيب ، وأبو العباس أحمد بن خلف الممتع ، وابن أخت الممتع
إبراهيم بن الحسن البليغ ، وأبو اليمن محمد بن الخضر بن أبي مهزول الملقب بالسابق
، وأبو اليقظان أحمد بن محمد ابن حواري المعريون ، وجد جدي أبو الفضل هبة الله بن
أحمد بن يحيى بن زهير بن أبي جرادة القاضي ، والشيخ أبو محمد عبد الله بن محمد بن
سعيد بن سنان الخفاجي ، وأبو القاسم علي بن أحمد المقري الحلبيون ، وأبو الحسن رشأ
بن لطيف بن ماشا الله المقري ، وأبو الحسن علي بن غنائم الرخيمي الكفر طابي المقري
، وأبو محمد عبد الله بن محمد بن حسنون بن بازل. ومن الأندلسيين أبو تمام غالب بن عيسى بن أبي يوسف الأنصاري ،
__________________
وأبو الخطاب العلاء بن حزم ، وأبو الخطاب أحمد بن أبي المغيرة ، وعثمان بن
أبي بكر السفاقسي ، وأبو القاسم نصر بن صدقة القابسي النحوي الأندلسيون ، والشيخ
أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب ، وأبو الفرج محمد بن أحمد بن الحسن التبريزيان ،
وأبو المكارم عبد الوارث بن محمد بن عبد المنعم الأبهري ، وأبو نصر محمد بن محمد
بن هميماه السالّار ، ومحمد بن محمد بن عبد الله الأصبهاني أبو عبد الله ، وأبو
محمد الحسن بن علي بن عمر المعروف بقحف العلم ، والقاضي أبو القاسم علي بن المحسن
بن علي التنوخي ، والقاضي أبو الفتح بن أحمد بن أبي الروس السروجي ، والخليل بن عبد
الجبار بن عبد الله التميمي القرّائي ، وأبو القاسم عبيد الله بن علي بن عبد الله
الرقي الأديب ، وأبو المظفر إبراهيم بن أحمد بن الليث الأذري ، وأبو الفرج محمد بن
أحمد بن الحسن الكاتب الوزير ، وشيخ الإسلام أبو الحسن علي بن أحمد بن يوسف
الهكاري الزاهد ، وأبو المنصور عبد المحسن بن محمد بن علي الصوري البغدادي ، وأبو
عبد الله الحسن بن إبراهيم بن محمد الحاجي ، وأبو الحسن الدلفي الشاعر المصّيصي ،
والحافظ أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني النيسابوري ، والشيخ الزاهد أبو
سعد بن إسماعيل بن علي بن الحسين السمان ، وأبو طاهر محمد بن أحمد بن أبي الصقر
الخطيب الأنباري.
فهؤلاء كلهم
أئمة وقضاة وعلماء أثبات وأدباء رواة وحفاظ ثقات ، رووا عن أبي العلاء وكتبوا عنه
وأخذوا العلم واستفادوا منه ، لم يذكره أحد منهم بطعن ، ولم ينسب حديثه إلى ضعف
ولا وهن.
وقد أنبأنا علي
بن الفضل بن علي المقدسي قال : أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد قال : قال لي
مزيد بن نبهان ابن أخيه يعني أخا أبي المكارم الأبهري : بقي عمي يعني الرئيس أبا
المكارم الأبهري عند أبي العلاء أربع سنين يقرأ عليه. وكان الحافظ يثني على أبي
المكارم الأبهري كثيرا ، وقال : سألت مهدي بن محمد بن هادي الزيدي نقيب العلوية
بأبهران أن ينشدني شيئا من الشعر ، فأنشدني من شعر أبي المكارم الأبهري أبياتا ،
فقلت له : أبو المكارم في الأحياء ، فأنشدني مما كتبته عن المتقدمين أو من شعرك
فقال : كيف أنشد
__________________
شعري وقد بقي في أيامنا شمس المشرق والمغرب في اللغة والشعر يعني أبا
المكارم. ثم أنشدني أبياتا من شعر نفسه : نسبوا إلي.
وكتب إلينا أبو
القاسم عيسى بن عبد العزيز من الإسكندرية أنه سمع أحمد بن محمد الأصبهاني الحافظ
يقول : وهذان الإمامان يعني أبا زكريا التبريزي وأبا المكارم الأبهري فمن أجلاء من
رأيته من أهل الأدب والمتبحرين في علوم العرب ، وإلى أبي العلاء انتماؤهما وفي
العربية اعتزاؤهما ، وقد أقاما عنده برهة من الزمن للقراءة والأخذ عنه والاستفادة.
وقد أدركت سواهما جماعة من أصحابه الناقلين عنه بمكة والعراق والجبل والشام وديار
مصر وأنشدوني عنه ما أنشدهم وحدثهم ، ومن جملتهم أبو إبراهيم الخليل بن عبد الجبار
القرائي ، رأيته بقزوين وروى لي عنه حديثا واحدا مسندا يرويه عن أصحاب خيثمة بن
سليمان القرشي الطرابلسي ، وأقام أبو زكريا التبريزي أكثر من سنتين يقرأ عليه.
فصل
(في ذكر شيء مما وقع إلينا من حديث أبي العلاء المعري رحمهالله مسندا)
أخبرنا أبو عبد
الله محمد بن أبي المعالي بن البنّا بدمشق وأبو سعد ثابت بن مشرف ابن أبي السعد
البنّا بحلب البغداديان قالا : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن نصر الزاغوني
، حدثنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن أبي الصقر الخطيب الأنباري من لفظه ، أخبرنا أبو
العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي بقراءتي عليه في داره بمعرة النعمان ،
حدثني أبو زكريا يحيى بن مسعر التنوخي المعري ، حدثنا أبو عروبة بن أبي مشعر
الحراني ، حدثنا هوبر ، حدثنا مخلد بن عيسى الخياط عن أبي الزناد عن أنس بن
مالك عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه كان يقول : (إن الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار
الحطب ، وإن الصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار ، فالصلاة نور المؤمن
والصيام جنة من النار).
أخبرنا أبو
اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي إذنا قال : أخبرنا علي بن عبد الله بن محمد بن
أبي جرادة كتابة ، حدثني أحمد بن علي بن عبد اللطيف ، حدثني أبو العلاء أحمد
__________________
ابن عبد الله بن سليمان ، حدثنا جدي أبو الحسن ، حدثنا أبو سعيد الصقر بن
أحمد ، حدثنا أبو يعقوب يوسف بن إسحق القاضي ، حدثنا عمرو بن مرزوق ، حدثنا شعبة
عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (اليمين الفاجرة تنفق السلعة وتمحق البركة).
أخبرنا أبو
القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله الأنصاري قال : أخبرنا الحافظ أبو طاهر
أحمد بن محمد بن أحمد السلفي إجازة إن لم يكن سماعا ، وأخبرنا أبو القاسم عيسى ابن
عبد العزيز اللخمي في كتابه إلينا قال : أخبرنا الحافظ أبو طاهر قال : أخبرنا أبو
إبراهيم الخليل بن عبد الجبار بن عبد الله القرّائي بقزوين وكان ثقة ، حدثنا أبو
العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان اللغوي بالمعرة ، حدثنا أبو الفتح محمد بن
الحسين بن روح ، حدثنا خيثمة ابن سليمان القرشي ، حدثنا أبو عتبة الحمصي ، حدثنا
بشير بن زاذان عن أبي علقمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (لو علم الناس رحمة الله بالمسافر لأصبح الناس وهم
على سفر ، وإن المسافر ورحله على قلت إلا ما وقى الله تعالى).
قال الخليل :
لم أسمع من أبي العلاء غير هذا الحديث. قال السلفي ولم يرو لي أنا عنه حديثا سوى
الخليل ، والقلت : الهلاك.
أنبأنا المؤيد
بن محمد النيسابوري عن أبي الحسن بن أبي المجد بن محمد الحلبي ، حدثني أبو الفضل بن أبي الحسين بن محمد المعري ، حدثني أبو العلاء
أحمد بن عبد الله بن سليمان قال : حدثنا أبي أبو محمد عبد الله بن سليمان بن محمد
، أخبرنا أبو إسحق إبراهيم بن محمد ابن يوسف بن الحجاج بن حبيبة الأنطاكي ، حدثنا
عثمان بن خرّزاذ ، حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان بن صالح ، حدثنا النصر بن منصور
عن أبي الجنوب قال : رأيت علي بن أبي طالب عليهالسلام يستقي ماء لوضوئه ، فبادرته لأستقي له فقال : مه يا أبا
الجنوب ، فإني رأيت عمر بن الخطاب رضياللهعنه يستقي ماء لوضوئه فبادرته لأستقي له فقال : مه يا أبا
الحسن ، فإني رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يستقي ماء لوضوئه من زمزم في ركوة فبادرته أستقي له
فقال : (يا بن الخطاب ، مه ، فإني لا أريد أن يعينني على صلاتي أحد) ا ه.
__________________
أخبرتنا الحرة
زينب بنت عبد الرحمن الشعرية في كتابها قالت : كتب إلينا الإمام أبو القاسم محمود
بن عمر بن محمد الزمخشري أن الأستاذ أبا الحسن علي بن الحسين بن مردك حدثه قال :
أنبأنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسين بن محمد بن الحسن
الرازي السمان إجازة قال : حدثنا أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد
ابن سليمان التنوخي الأديب الضرير بقراءتي عليه بمعرة النعمان قال : حدثنا أبو
زكريا يحيى بن مسعر بن محمد بن يحيى بن أبي الفرج التنوخي قال : أخبرنا أبو بدر
أحمد بن خالد بن عبد الملك الحراني ، حدثنا عمي أبو وهب الوليد بن عبد الملك ،
حدثنا أبو يوسف عن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (لأن يمتلىء جوف أحدكم كذا خير له من أن يمتلىء شعرا).
فقالت عائشة : لم يحفظ الحديث ، إنما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا ودما خير له من أن يمتلىء
شعرا هجيت به) ا ه.
فصل
(في ذكر كتّاب أبي العلاء الذين كانوا يكتبون له ما ينشئه من)
(النثر والنظم والتصنيف والإملاء)
بلغني أن أبا
العلاء رحمهالله كان له أربعة من رجال من الكتاب الموجودين في جرايته
وجاريه يكتبون عنه ما يكتب إلى الناس وما يمليه من النظم والنثر والتصانيف ، وقد
كتب له جماعة من أهل معرة النعمان ، فأخص كتّابه به منهم : ابن أخيه أبو محمد عبد
الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان ، فإنه كان ملازما لخدمته ويكتب له تصانيفه ،
ويكتب له الإجازة والسماع لمن يسمع منه ومستجيزه ، وكتب تصانيفه بخطه ، ويقع بخطه
من المصنف الواحد نسختان وأكثر ، وكان برا بعمه مشفقا عليه ، وتولى قضاء المعرة ،
وقد ذكرنا ترجمته فيما قبل ، وذكرنا لأبي العلاء فيه شعرا يمدحه ويشكره على ما
فعله.
__________________
ومنهم ابن أخيه
الآخر أخو المقدم ذكره ، تولى قضاء المعرة أيضا ، ونسخ كتبه بخطه جميع أمالي عمه ،
وسمع منه ، وقد تقدم ذكره أيضا.
ومن كتّابه
أيضا جعفر بن صالح بن جعفر بن سليمان بن داود بن المطهر ، ويجتمع نسبه مع
أبي العلاء في سليمان بن داود ، وكان من أعيان كتّابه ، وكتب الكثير عنه ، وقرأ
عليه كثيرا من كتب الأدب وروى عنه ، وخطه على غاية من الصحة والضبط.
ومن كتّابه
أيضا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أبي هاشم المعري ، وكان يتولى أوقاف الجامع
بمعرة النعمان ، وكان من العدول الأمناء الفضلاء ، ولزم الشيخ أبا العلاء وكتب
كتبه بأسرها ، وكتب من المصنف الواحد عدة نسخ ، وكان خطه مورقا حسن الضبط والإتقان
، ووقفت على فصل في ذكره للشيخ أبي العلاء قال فيه :
«لزمت مسكني
منذ سنة أربعمائة واجتهدت أن أتوفر على تسبيح الله وتمجيده ، إلا أن أضطر إلى غير
ذلك ، فأمليت أشياء وتولى نسخها الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله بن أبي هاشم أحسن
الله معونته ، فألزمني بذلك حقوقا جمة وأيادي بيضاء ، لأنه أفنى فيّ زمنه ولم يأخذ
عما صنع ثمنه ، والله يحسن له الجزاء ويكفيه حوادث الزمن والأرزاء» ا ه.
ومن كتّابه
أيضا ولد المتقدم ، ذكره أبو الفتح محمد بن علي بن عبد الله بن أبي هاشم ، كتب له
أيضا من تصنيفه ووضع له الشيخ أبو العلاء كتابا لقبه «المختصر الفتحي» ، وكتابا
يعرف ب «عون الجمل» في شرح شيء من كتاب الجمل. وكان أبو الفتح هذا فاضلا وقفت له
على رسالة كتبها إلى الوزير أبي نصر بن النحاس يتضور إليه قال فيها : وإنما حمل
ملوكها على الإقدام والتهجم بخطاب وكلام ، تمسكه بحبل الولاء وما يرجوه من عفوها
عن الشدة ووقوع البلاء ، فالحمد لله الذي جعلها غياثا لمن استغاث بها والتجأ إليها
وعول في دفع النوب عليها ، وملوكها من قوم أحرار ليسوا بالسالكين طرق الأشرار ،
يكتبون العلم وينقلونه ويكرهون المأثم ويستثقلونه. وكان هو ووالده خادمين للشيخ
أبي العلاء الذي اشتهر فضله بين الأملاء يكتبان ما يلقيه إليهما ويعول في نسخ ما
يؤلف من العلم عليهما ، فغبرا معه مدة تحسب من أهنأ الأعمار ، يجنيان منه أعذب
الثمار ، ويقطعان الوقت من العيش بعفّة ويلمان بأهل الورع والعفّة ، فلما نقل إلى
دار الرحمة قلّ الطالب وزهد
__________________
في العلم الراغب ، وكسدت سوقه وأظلمت بعد الإشراق بروقه ، ووهت بعد الإحكام
عقوده ومال عما يعهد عموده ، وذكر الرسالة إلى آخرها.
ومن كتّابه جماعة
من بني أبي هاشم لا أتحقق أسماءهم ، فإنني وقفت على رسالة لأبي العلاء تعرف ب «رسالة
الضبعين» كتبها إلى معز الدولة ثمال بن صالح يشكو إليه رجلين أحدهما الشريف بن
المحبرة الحلبي كانا يؤلبان عليه وينسبانه إلى الكفر والإلحاد ، وقد حرّفا بيتا من
لزوم ما لا يلزم عن موضعه ليثبتا عليه الكفر بذلك ، قال فيها :
«وفي حلب حماها
الله نسخ من هذا الكتاب بخطوط قوم ثقات يعرفون ببني أبي هاشم ، أحرار نسكة أيديهم
بحبل الورع متمسكة ، جرت عادتهم أن ينسخوا ما أمليه وأن أحضرت ظهرت الحجة بما قلت
فيه».
ومن كتّابه
إبراهيم الخطيب ، وهو كاتب حسن صحيح الخط متقن في الضبط كتب معظم كتبه وتصانيفه بخطه ،
وكتب عنه في السماع عليه والإجازة منه وقرأ عليه ا ه.
فصل
(في ذكر تصانيفه ومجموعاته وتآليفه وأشعاره المدونة ورسائله المفننة)
فأول ما ألف
بعد انقطاعه في منزله بعد رجوعه من بغداد الكتاب المعروف ب «الفصول والغايات» في تمجيد الله تعالى والعظات ، وهو موضوع على حروف
المعجم ، وأراد بالغايات القوافي لأن القافية غاية البيت ، وفيه قواف تجيء على نسق
واحد وليس الملقبة
__________________
بالغايات. وهو الكتاب الذي افتري عليه بسببه ، وقيل إنه عارض به السور
والآيات تعديا عليه وظلما وإفكا به أقدموا عليه وإثما. فإن الكتاب ليس من باب
المعارضة في شيء ، ومقداره مائة كراسة.
وكتاب «الشادن»
وضعه في ذكر غريب هذا الكتاب وما فيه من اللغة ، ومقداره عشرون كراسة.
وكتاب «إقليد
الغايات» وهو مشتمل على تفسير اللغز ، ومقداره عشر كراريس. ثم ألف الكتاب المعروف
ب «الأيك والغصون» وهو كتاب كبير ويعرف بكتاب «الهمز والردف» بني على إحدى عشرة
حالة من الحالات : الهمزة في حال انفرادها وإضافتها ، ومثل ذلك السماء بالرفع
والسماء بالنصب والسماء بالخفض سماء يتبع الهمزة التنوين ، سماؤه مرفوع مضاف ،
سماءه منصوب مضاف ، سمائه مخفوض مضاف ، ثم يجي سماؤها وسماءها وسمائها على التأنيث
، ثم همزة بعدها هاء ساكنة مثل عباءة وملاءة ، فإذا ضربت أحد عشر في حروف المعجم
الثمانية والعشرين خرج من ذلك ثلاثمائة فصل وثمانية فصول ، وهي مستوفاة في كتاب
الهمزة والردف. وذكرت فيه الأرداف الأربعة بعد ذكر الألف ، وهي الواو المضموم ما
قبلها والواو التي قبلها فتحة والياء المكسور ما قبلها والياء التي قبلها فتحة ، ويذكر لكل
جنس من هذه أحد عشر وجها ، كما ذكر للألف. ومقدار هذا الكتاب ألف ومائتا كراسة.
وهذا الكتاب قليل الوجود لكبره ، ولم أقف إلا على جزء واحد منه ، وبعضه موقوف في
خزانة كتب النظامية ببغداد ، وبالديار المصرية منه نسخة كانت في خزائن المصريين
صارت إلى القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني ، وانتقلت إلى ولده القاضي
الأشرف بعده ، ثم صارت في جملة كتبه إلى خزانة الملك الصالح أيوب بن محمد بن أبي
بكر بن أيوب ، وأظنها في ستين مجلدا.
و «كتاب في
تفسير الهمزة والردف» جزء واحد.
والكتاب
المعروف ب «تضمين الآي» يتضمن العظات والحث على تقوى الله تعالى. ألف هذا الكتاب
لبعض الأمراء ، وقد سأله أن يؤلف كتابا برسمه فعمل هذا الكتاب يعظه
__________________
فيه ويحثه على تقوى الله ، وأتى فيه عند انقضاء كل فصل بآية من القرآن ،
وربما اقتصر على بعض الآية أو جاء بآيتين وأكثر إذا كانت من ذوات القصر كآيات عبس
ونحوها. فمنه ما هو على حروف المعجم وقبل الحرف المعتمد ألف مثل أن يقال في الهمز
يساء ويباء ، وفي الباء يباب وعباب ، هكذا إلى آخر الحروف ، ويضمنه في آخر الفصل
بآية. ومنه فصول على فاعلين مثل باسطين وقاسطين ، وعلى فاعلون مثل حامدون وعابدون
، ومنه ما هو على غير هذا الفن. ومقدار هذا الكتاب أربعمائة كراسة.
والكتاب
المعروف ب «تاج الحرّة» وهو في عظات النساء خاصة ، وتختلف فصوله ، فمنها ما يجيء
بعد حرفه الذي يثبت ثبات الروي ياء التأنيث كقولك شائي وتسائي وهابي وترابي. ومنها
ما هو مبني على الكاف نحو غلامك وكلامك ، ومنها ما يجيء تفعلين مثل ترغبين وتذهبين
ونحو ذلك ، وأنواعه كثيرة. وهو كتاب لبعض الجليلات من النساء ، ويغلب على ظني أنها
طرود زوج بن مرداس. ومقداره أربعمائة كراسة.
والكتاب
المعروف ب «سيف الخطبة» يشتمل على خطب السنة فيه خطب للجمع والعيدين والخسوف
والكسوف والاستسقاء وعقد النكاح ، وهو مؤلف على حروف المعجم ، فيها خطب عمادها
الهمزة وخطب بنيت على الباء وخطب على التاء وعلى الذال وعلى الراء وعلى اللام
والميم والنون ، وتركت الجيم والحاء وما جرى مجراهما لأن الكلام المقول في
الجماعات ينبغي أن يكون سجيحا سهلا. ومقداره أربعون كراسة. وذكر أنه كان سأله في
هذا الكتاب رجل من المتظاهرين بالديانة ، وظفرت له بجزء فيه خطب لختم القرآن
العزيز فيه عدة خطب لذلك ، مقداره خمس كراريس.
والكتاب
المعروف ب «خطب الخيل» يتكلم فيها على ألسنة الخيل ، ويذكر على لسان كل فرس خطبة
يحمد الله تعالى فيها ويعظمه ، ويقول في أول كل خطبة : إن الله قادر على أن ينطق
فرسا صورته كذا وكذا فيقول الحمد لله الذي خلقني كذا وكذا. ومقداره عشر كراريس.
والكتاب
المعروف ب «خطبة الفصيح» يذكر فيه الألفاظ التي تروى عن ثعلب في كتاب «الفصيح» في
ضمن كلام فصيح منثور في كل باب من أبواب الفصيح. ومقداره خمس عشرة كراسة.
وكتاب شرح فيه
ما جاء في هذا الكتاب من الغريب يعرف ب «تفسير خطبة الفصيح» لا أعلم مقداره ولم
أقف عليه.
وكتاب يعرف ب «رسيل
الراموز» مقداره ثلاثون كراسة.
ومن الكتب
الصغار كتاب يعرف ب «خماسية الراح» في ذم الخمر خاصة على حروف المعجم ، ومعنى هذا
الاسم أن كل حرف من حروف المعجم ما خلا الألف يذكر فيه خمس سجعات مضمومة وخمس مفتوحة
وخمس مكسورة وخمس موقوفة. ومقداره عشر كراريس.
وكتاب يعرف ب «المواعظ
الست» سأله فيه بعض الوعاظ ، ومعنى هذا اللقب أن الفصل الأول منه في خطاب رجل
والثاني في خطاب اثنين والثالث في خطاب جماعة والرابع في خطاب امرأة موحدة والخامس
في خطاب امرأتين والسادس في خطاب نسوة. ومقداره خمس عشرة كراسة.
وكتاب يعرف ب «وقفة
الواعظ». وكتاب يعرف ب «دعاء ساعة» وهما مختصران ولا أعلم مقدار حجمهما.
وكتاب «دعاء
الأيام السبعة» لا أعلم مقداره.
وكتاب «حرز
الخيل» لا أعلم مقداره. وجزء فيه حرز وتعويذ لا أعلم مقداره.
وكتاب يعرف ب «سجع
الحمايم» يتكلم فيه على ألسن حمايم أربع ، وكان بعض الرؤساء سأله أن يصنف له
تصنيفا يذكره فيه ، فأنشأ هذا الكتاب وجعل ما يقول له على لسان الحمامة في العظة
والحث على الزهد. ومقداره ثلاثون كراسة.
وكتاب يعرف ب «تظلّم
السور» يتكلم فيه على لسان سور القرآن وتتظلم كل سورة ممن قرأها بالشواذ ، ويتعرض
لوجه الشاذ. مقداره ست كراريس.
وكتاب يعرف ب «عظات
السور» يشتمل على مواعظ لا أعلم مقداره.
وكتاب يعرف ب «الجلّي
والجلّى» سأله فيه رجل من أكابر الحلبيين يقال له أبو الفتح عبد الله بن إسماعيل
الجلي (الحلبي) وهو رجل فاضل من أكابر الحلبيين وأعيانهم
__________________
وأرباب النعمة منهم ، له مصنفات ورواية الأحاديث النبوية. سمع منه الخطيب
أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي وأبو الحسن علي بن عبد الله بن أبي جرادة
الحلبي وغيرهما. مقدار هذا الكتاب عشرون كراسة.
وكتاب يعرف ب «رسالة
الصاهل والشاحج» يتكلم فيه على لسان فرس وبغل ، وهو كتاب حسن صنفه للأمير عزيز
الدولة أبي شجاع فاتك بن عبد الله الرومي مولى منجوتكين العزيزي ، وكان أبو شجاع
هذا والي حلب من قبل المصريين في أيام الحاكم وبعض أيام الظاهر ، وكان سبب تصنيفه
أنه رفع إلى فاتك أن حقا يجب له على بعض أقرباء أبي العلاء وجب على أبي العلاء
سؤاله فيه. مقداره أربعون كراسة.
وكتاب لطيف في
تفسير الصاهل والشاحج يعرف ب «لسان الصاهل والشاحج» عمله أيضا لعزيز الدولة
المذكور. ومقداره ثمان عشرة كراسة. وبعض الجهال يقول إنه عمله لأبي الدوام ثابت بن
ثمال بن نصر بن صالح ، وكان يلقب عزيز الدولة ، وهو غير صحيح ، بل الذي عمله لأبي
الدوام اللامع العزيزي وسيأتي ذكره.
والكتاب
المعروف ب «القايف» يذكر فيه أمثال على معنى كليلة ودمنة ، عمله لعزيز الدولة أبي
شجاع المذكور أيضا ، ألف منه أربعة أجزاء ثم قطع تأليفه لموت الذي أمر بإنشائه وهو
أبو شجاع فاتك ، فإنه قتل بالمركز بقلعة حلب ، قتله مملوك له هندي يقال له توذون
سنة ثلاث عشرة وأربعمائة. ومقداره ستون كراسة.
وكتاب يعرف ب «منار
العايف» في تفسير ما جاء في القائف من اللغز والغريب. مقداره
عشر كراريس.
وكتاب يعرف ب «شرف
السيف» عمله لأمير الجيوش أنوشتكين الدزبري والي دمشق وحلب ، وكان بلغه عنه كلام
جميل ويوجه إليه بالسلام ويخفي المسألة عنه ، فأراد جزاءه على ما فعل.
وكتاب يعرف ب «السجع
السلطاني» يشتمل على مخاطبات الجنود والوزراء والولاة وغيرهم ، عمله لبعض الكتاب
القليلي الصناعة ليستعين به على الكتابة. مقداره ثمانون كراسة.
__________________
وكتاب يعرف ب «سجع
الفقيه». مقداره ثلاثون كراسة.
وكتاب يعرف ب «سجع
المضطرين» وهو كتاب لطيف عمله لرجل مسافر يستعين به على شؤون دنياه ، لا أعلم
مقداره.
وكتاب «ديوان
الرسائل» وهو ثلاثة أقسام منها طوال ك «رسالة الملائكة» و «رسالة الغفران» وكتبها
إلى علي بن منصور الحلبي المعروف بدوخلة جوابا عن رسالة كتبها إليه يعتب عليه
علي بن منصور في أنه بلغه عنه أنه ذكر له فقال : هو الذي هجا أبا القاسم ابن
المغربي ، فكتب إليه رسالة الغفران جوابا عنها. و «الرسالة السندية» كتبها إلى سند
الدولة ابن ثعبان الكتامي والي حلب من قبل المصريين في معنى خراج على ملكه بمعرة
النعمان. و «رسالة العرض» ونحو ذلك.
والثاني دون
هذه في الطول مثل «رسالة المنيح» و «رسالة الإغريض».
والثالث رسائل
قصار كنجوما يجري به العالم في المكاتبات. ومقداره ثمانمائة كراسة.
وكتاب يعرف ب «خادم
الرسائل» فيه تفسير بعض ما جاء في رسائله هذه من الغريب لا أعلم مقداره.
وكتاب «تفسير
رسالة الغفران» لا أعلم مقداره.
وكتاب «تفسير
رسالة الإغريض» وهي التي كتبها إلى أبي القاسم الحسين بن علي المغربي وقد سير إليه
كتابه الذي اختصر فيه إصلاح المنطق ، فكتب إليه برسالة الإغريض يقرّظه ويصف
اختصاره للإصلاح. ومقداره خمس كراريس.
وكتاب يعرف ب «رسائل
المعونة» وهي ما كتبت عن ألسن قوم. لا أعلم مقداره.
والرسالة المعروفة
ب «الحصينة» . لا أعلم مقدارها.
ورسالة عملها
على لسان ملك الموت عليهالسلام مقدارها عشر كراريس.
والرسالة
المعروفة ب «أدب العصفورين». لا أعلم مقدارها.
وكتاب لطيف
يعرف ب «السجعات العشر» موضوع على كل حرف من حروف
__________________
المعجم عشر سجعات في الوعظ. لا أعلم مقداره.
ومن الأشعار
التي نظمها : ديوانه المعروف ب «سقط الزند» وهو ما قاله في أيام الصبا في أول عمره
، وهو من أحسن أشعاره ، وقد اعتنى به العلماء وشرحوه. مقداره خمس عشرة كراسة تزيد
أبياته المنظومة على ثلاثة آلاف بيت ، شرحه الخطيب التبريزي وشرحه ابن السيد
البطليوسي وأحسن في شرحه.
وكتاب يعرف ب «ضوء
السقط» يشتمل على تفسير ما جاء في سقط الزند من الغريب. مقداره عشرون كراسة. وضع
هذا الكتاب لتلميذه أبي عبد الله محمد بن محمد ابن عبد الله الأصبهاني ، وكان رجلا
فاضلا قصده إلى معرة النعمان ولازمه مدة حياته يقرأ عليه بعد أن استعفى من ذلك ،
ثم أجابه فقرأ عليه الكتب إلى أن مات. وقد أشار إلى ذلك في مقدمة ضوء السقط. وأقام
أبو عبد الله الأصبهاني بحلب وروى عن أبي العلاء كتبا متعددة من تصانيفه ، وهو
الذي سأله أبو العلاء أن يشرح له سقط الزند فشرحه ووسمه بضوء السقط. وقد روى أبو
عبد الله عنه وعن أبي صالح محمد بن المهذب المعري ، وكان من الأعيان العلماء. روى
عنه أبو الحسن علي بن عبد الله بن أبي جرادة ، والشريف الزاهد سعيد بن عبد الله بن
محاسن الهاشمي ، وأبو الفرج عبد القاهر النحوي المعروف بالوأواء ، وأبو المجد عبد
الرحمن بن محمد بن الخضر الحلبيون. وتوفي سنة ست وتسعين وأربعمائة. وقد أخبرنا أبو
الحسن محمد بن أحمد بن الحسن الدمشقي بها عن أبي عبد الله محمد بن حمزة بن أبي
الصقر قال : أنشدني الشريف الزاهد سعيد بن عبد الله بن محاسن الهاشمي أبو منصور
بحلب قال : أنشدني أبو عبد الله محمد الأصبهاني قال : أنشدني أبو العلاء يعني
يخاطبه :
يا أصبهانيّ
وما غيره
|
|
ماذا ترجّي
من دخول إليّ
|
لا مال عندي
ترتجي نفعه
|
|
اذهب حميدا
وتفضّل عليّ
|
وكتاب يعرف ب «لزوم
ما لا يلزم» وهو في المنظوم ، بني على حروف المعجم ، ويذكر فيه كل حرف سوى الألف
بوجوهه الأربعة ، وهو الضم والفتح والكسر والوقف منظوما. ومعنى لزوم مالا يلزم أن
القافية يردد فيها حرف لو غيّر لم يكن ذلك مخلا بالنظم ، لكنه التزمه في كل بيت
كما قال كثيّر :
خليلي هذا
ربع عزة فاعقلا
|
|
قلوصيكما ثم
انزلا حيث حلّت
|
فالتزم اللام
قبل التاء في أبياته ولم يفعل كما فعل الشنفرى في قصيدته التي على التاء حيث خالف
بين الحروف التي قبل الروي فقال :
أرى أم عمرو
أزمعت فاستقلت
|
|
وما ودّعت
جيرانها يوم ولّت
|
وقال فيها :
بريحانة من
نبت حلية نوّرت
|
|
لها أرج ما
حولها غير مسنت
|
وقال فيها :
لها وقفة
منها ثلاثون سيحفا
|
|
إذا آنست
أولى العديّ اقشعرّت
|
ومقدار هذا
الكتاب أربعة أجزاء مائة وعشرون كراسة.
وكتاب يتعلق
بهذا الكتاب يقال له «زجر النابح» يرد فيه على من طعن عليه في أبيات من هذا الكتاب
ونسبه إلى الكفر فيها ، فبين وجوهها ومعانيها. مقداره أربعون كراسة.
وكتاب يتعلق
بلزوم ما لا يلزم أيضا سماه «نجر الزجر» يعني أصل الزجر وضعه بعد هذا الكتاب الأول
يرد فيه أيضا على من طعن عليه في أبيات غير الأبيات المذكورة في زجر النابح ،
وبعضها محرفة عن مواضعها ، فبيّن التحريف وبيّن وجوه تلك الأبيات ومعانيها. مقداره
ثلاثون كراسة.
وكتاب يعرف ب «راحة
اللزوم» شرح فيه ما في كتاب لزوم ما لا يلزم من الغريب. مقداره مائة كراسة.
وكتاب يعرف ب «جامع
الأوزان» فيه شعر منظوم على معنى اللغز يعم به الأوزان الخمسة عشر التي ذكرها
الخليل بجميع ضروبها ويذكر قوافي كل ضرب. مثال ذلك أن يقال : للضرب الأول من
الطويل أربع قواف : المطلقة المجردة مثل قول القائل :
الا يا اسلمي
يا هند هند بني بدر
|
|
وإن كان
حيّانا عدى آخر الدهر
|
والقافية
المردفة ، مثل قول امرىء القيس :
ألا انعم صباحا أيها الطلل البالي
__________________
والمقيدة
المجردة ، وذلك مفقود في الشعر القديم والمحدث ، وربما جاء به المحدثون على النحو
الذي يسمى مقصودا ، كما قال بعض الناس وهو في السجن وهو صالح بن عبد القدوس :
خرجنا من
الدنيا ونحن من اهلها
|
|
فما نحن
بالأحياء فيها ولا الموتى
|
إذا ما أتانا
مخبر عن حديثها
|
|
فرحنا وقلنا
جاء هذا من الدنيا
|
والقافية
المقيدة المؤسسة مثل أن يكون العاذل والقائل ، وذلك مرفوض متروك ، ثم على هذا
النحو إلى آخر الكتاب على حروف المعجم. ومقداره ستون كراسة ، وعدد أبياته نحو من
تسعة آلاف بيت من الشعر.
وكتاب «استغفر
واستغفري» في العظمة والزهد والاستغفار ، أول كل أبيات فيه : استغفر الله. ومقداره
مائة وعشرون كراسة ، ويشتمل على نحو من عشرة آلاف بيت.
وكتاب «ملقى
السبيل» وهو كتاب وعظ يشتمل على نثر ونظم على حروف المعجم على كل قافية فصل نثر ،
وأبيات شعر. مقداره كراستان. أخبرنا به أبو إسحق إبراهيم ابن عثمان الكامري قال :
أخبرنا قحف العلم قال : أخبرنا أبو العلاء.
وما عمله في
النحو والغريب ككتاب «الحقير النافع» وهو مختصر في النحو. مقداره خمس كراريس.
وكتاب يتصل
بالحقير النافع يعرف ب «الظل الطاهري» عمله لرجل من أهل حلب يكنى أبا طاهر ، وهو
أبو طاهر المسلّم بن علي بن تغلب الملقب مؤتمن الدولة ، وكان من أكابر الحلبيين
وعلمائهم ، وكان وجيها عند معز الدولة ثمال بن صالح ، وسيره رسولا إلى مصر إلى
المستنصر سنة ثلاث وستين وأربعمائة ، فمات بها وأودع تركته عند المؤيد في الدين
ليوصلها إلى ورثته ، وهذا الذي عناه أبو محمد الخفاجي بقوله في قصيده الرائية :
__________________
إن في جانب المقطّم مهجورا ومن أجله تزار القبور
ورثاه أبو محمد
بما أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الواحد بن هاشم خطيب حلب قال : أنشدنا أبي
هاشم قال : أنشدنا أبي قال : أنشدنا أبو محمد الخفاجي لنفسه :
أتاني وعرض
الرمل بيني وبينه
|
|
حديث لأسرار
الدموع مذيع
|
تصاممت عن
راويه حتى أريته
|
|
وإني على ما
غالني لسميع
|
وقال ربيع
مات فيه مسلّم
|
|
فقلت له بل
مات فيه ربيع
|
وهذا الكتاب
قريب من الأول في الحجم ، وقد يخلط بالكتاب الأول ويجعل كتابا واحدا.
وكتاب يعرف ب «المختصر
الفتحي» يتصل بمختصر محمد بن سعدان ، عمله لولد كاتبه أبي الفتح محمد بن الشيخ أبي
الحسن علي بن عبد الله بن أبي هاشم.
وكتاب يعرف ب «عون
الجمل» عمله لأبي الفتح بن أبي هاشم المذكور شرح فيه شيئا من كتاب الجمل لا أعلم
مقدارهما ، وهو آخر كتاب أملاه. وكان أبوه يتولى إثبات ما ألفه من هذه الكتب
فألزمه حقوقا جمة وأيادي بيضا ، فوضع هذين الكتابين لابنه.
وكتاب يعرف ب «تعليق
الخلس» مما يتصل بكتاب أبي القاسم عبد الرحمن بن إسحق الزجاجي المعروف بالجمل. لا
أعلم مقداره.
وكتاب يتعلق
بهذا الكتاب أيضا يعرف ب «إسعاف الصديق». لا أعلم مقداره.
وكتاب يتعلق
بالكافي الذي ألفه أبو جعفر أحمد بن محمد النحاس لقبه «قاضي الحق». لا أعلم
مقداره.
وإملاء في
النحو يتصل بالكتاب المعروف بالعضدي لقبه «ظهير العضدي» لا أعلم مقداره.
وكتاب شرح فيه
كتاب سيبويه لم يتمه ، مقداره خمسون كراسة.
وكتاب «تفسير
أمثلة سيبويه وغريبها» عريت من الكتاب. لا أعلم مقداره ، وهو في مجلد.
__________________
وكتاب شرح فيه
خطبة أدب الكاتب عمله لأبي الرضى سالم بن الحسن بن علي الحلبي ، وهو ابن اخت
الوزير أبي نصر محمد بن النحاس الحلبي ، وكان من الفضلاء الأدباء الشعراء. لا أعلم
مقداره
وكتاب في
العروض يعرف ب «مثقال النظم». لا أعرف مقداره ، وهو في مجلد.
وكتاب في
القوافي مجلد.
وكتاب «اللامع
العزيزي» في تفسير شعر المتنبي ، ويقال «الثابت العزيزي» عمله للأمير عزيز الدولة
أبي الدوام ثابت بن ثمال بن صالح بن مرداس بن إدريس بن نصر بن حميد الكلابي ، وبعض
الناس يغلط ويقول إنه وضعه لعزيز الدولة أبي شجاع فاتك العزيزي ، وليس الأمر كذلك.
ومقداره مائة وعشرون كراسة.
وكتاب في معاني
شعر المتنبي. مقداره ست كراريس.
وكتاب يعرف ب «ذكرى
حبيب» في تفسير شعر أبي تمام حبيب بن أوس الطائي. مقداره ستون كراسة.
وكتاب يتعلق
بشعر أبي عبادة البحتري يعرف ب «عبث الوليد» . وكان سبب وضعه أن بعض الرؤساء وهو أبو اليمن المسلم بن
الحسن بن غياث الكاتب الحلبي النصراني ، وكان صاحب الديوان بحلب ، أنفذ إليه نسخة
من شعر أبي عبادة البحتري ليقابل له بها ، فأثبت ما جرى من الغلط ليعرض ذلك عليه ،
وبعض الغلط من الناسخ وبعضه من البحتري. ومقداره عشرون كراسة.
وكتاب يعرف ب «الرياشي
المصطنعي» في شرح مواضع من الحماسة الرياشية ، عمله لرجل من الأمراء يلقب مصطنع
الدولة وهو أبو غالب كليب بن علي فسّر فيه ما لم يفسره أبو رياش ، وكان قد أنفذ
إليه نسخة من الحماسة وسأله أن يخرج في حواشيها ما لم يفسره أبو رياش ، فجعله
كتابا مفردا لخوفه من أن تضيق الحواشي عنه. مقداره أربعون كراسة.
وكتاب جمع فيه
فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام. لا أعلم مقداره.
__________________
وكتاب فيه
أمالي من حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن شيوخه. وهي سبعة أجزاء سبع كراريس.
ومن الأمالي
التي لم تتم ولم يفرد لها اسما ما مقداره مائة كراسة ، منها تفسير شواهد الجمهرة.
وجمع شعر أخيه
أبي الهيثم عبد الواحد لولده زيد.
وجمع شعر
الأمير أبي الفتح بن أبي حصينة السلمي وشرح مواضع منه ، في ثلاث مجلدات ، فذلك
جميعه سبع وستون مصنفا .
فصل
(في ذكر رحلته إلى بغداد وعوده إلى معرة النعمان وانقطاعه في منزله)
(عن الناس وتسمية نفسه رهن المحبسين رحمهالله)
رحل إلى بغداد
لطلب العلم والاستكثار منه والإطلاع على الكتب ببغداد ، ولم يرحل لطلب دنيا ولا
رفد. وقد ذكر ذلك في قصيدته التي قرأتها على شيخنا أبي علي الحسن ابن عمرو الموصلي
بحلب قال : أنشدنا الخطيب أبو الفضل عبد الله بن أحمد الموصلي قال : أخبرنا الخطيب
أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي إجازة قال : أنشدنا أبو العلاء أحمد بن عبد الله
بن سليمان لنفسه وكتبها من بغداد إلى أهله ـ يريد بالمعرة ـ :
أإخواننا بين
الفرات وجلّق
|
|
يد الله لا
خبّرتكم بمحال
|
أنبئكم أني
على العهد سالم
|
|
ووجهي لمّا
يبتذل بسؤال
|
__________________
وأني تيمّمت
العراق لغير ما
|
|
تيمّمه غيلان
عند بلال
|
فأصبحت
محسودا بفضلي وحده
|
|
على بعد
أنصاري وقلة مالي
|
وغيلان هو ذو
الرمة ، قصد بلال بن أبي بردة بن أبي موسى. يريد أنه لم يستجد أحدا ا ه.
وكان ترك
والدته بمعرة النعمان ولما عاد إلى المعرة وجدها قد ماتت.
أخبرنا أبو
الحسن محمد بن أحمد بن علي عن أبي جعفر محمد بن مؤيد بن حواري ، أخبرني جدي أبو
اليقظان قال : ولزم يعني أبا العلاء منزله عند منصرفه من بغداد منذ سنة أربعمائة
وسمى (نفسه) رهن المحبسين للزومه منزله وذهاب عينيه.
وقرأت بخط أبي
محمد الحسن بن الفرج البحتري الأديب في آخر سقط الزند بروايته عن الخطيب التبريزي
وخط التبريزي عليه : ورحل يعني أبا العلاء إلى بغداد سنة ثمان وتسعين ودخلها سنة
تسع وتسعين ، وأقام بها سنة وستة أشهر ، ولزم منزله عند منصرفه من بغداد منذ سنة
أربعمائة وسمى نفسه رهن المحبسين لهذا ولذهاب عينيه.
أنبأنا أبو عبد
الله محمد بن محمود النجار قال : كتب إلينا الوزير أبو غالب عبد الواحد ابن مسعود
بن الحصين قال : ورحل إلى بغداد في سنة ثمان وتسعين فدخلها في سنة تسع وتسعين
وأقام بها سنة ونصفا ، ثم عاد إلى المعرة في سنة أربعمائة ولزم منزله بها وأمسك عن
أكل اللحم خمسا وأربعين سنة.
سمعت والدي أبا
الحسن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة فيما تأثره عن أسلافه قال : رحل أبو العلاء
المعري من المعرة إلى بغداد ، واتفق يوم وصوله إليها موت الشريف الطاهر يعني أبا
أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد ابن علي
بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضياللهعنهم ، وهو والد الشريفين الرضي والمرتضى ، فدخل أبو العلاء
إلى التعزية والناس مجتمعون والمجلس غاص بأهله ، فتخطى بعض الناس فقال له بعضهم
ولم يعرفه : إلى أين يا كلب؟ فقال؟ الكلب من لا يعرف للكلب كذا وكذا اسما ، ثم جلس في أخريات المجلس إلى أن قام الشعراء وأنشد ،
فقام
__________________
أبو العلاء وأنشد قصيدته الفائية التي أولها :
أودى فليت
الحادثات كفاف
|
|
مال المسيف
وعنبر المستاف
|
يرثي بها
الشريف المذكور ، فلما سمعه الرضي والمرتضى قاما إليه ورفعا مجلسه وقالا له : لعلك
أبو العلاء المعري ، قال : نعم ، فأكرماه واحترماه. ثم إنه بعد ذلك طلب أن تعرض
عليه الكتب التي في خزائن بغداد ، فأدخل إليها وجعل لا يقرأ عليه كتاب إلا حفظ
جميع ما يقرأ عليه.
سير إليّ قاضي
المعرة شهاب الدين أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سليمان جزءا فيه أخبار سلفه من بني
سليمان وكتبه لي بخطه قال ـ وذكر أبا العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان ـ :
ورحل إلى بغداد سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة ودخلها سنة تسع وتسعين وأقام بها سنة
وسبعة أشهر ولقي بها أبا أحمد عبد السلام بن الحسين البصري المعروف بالواجكا صاحب
الرواية رحمهالله. وكتب إليه أخوه أبو الهيثم عبد الواحد بن عبد الله ابن
سليمان يستعطفه على مخلفيه بالشام ويسأله العود :
يا ربّ قد
جنح الوميض وغارا
|
|
فاسق المواطر
زينبا ونوارا
|
أختين صاغهما
الشباب وعصره
|
|
ماء يصفّقه
النعيم ونارا
|
من نسوة
بالبخل أصبح فخرها
|
|
ومعاشر كرموا
ندى ونجارا
|
أسديتين ترى
القليل عليهما
|
|
شرفا وصمّ
السمهرية زارا
|
يضعون أوزار
الوغى وتراهم
|
|
متلفّعين
مهابة ووقارا
|
مستبشرين إلى
الطراد وإنما
|
|
يلقون منه
أسنة وشفارا
|
لا يفهم
النجوى لسان وليدهم
|
|
حتى يشق على
العدوّ مغارا
|
نحروا العشار
فما تمدّ مداهم
|
|
يوما وإن غدت
الرمال عشارا
|
لا يألفون
محلة وسواهم
|
|
يصفي الوداد
مآلفا وديارا
|
بغداد لا
سقيت ربوعك ديمة
|
|
وغدت رياضك
حنظلا ومرارا
|
أنت العروس
يروق ظاهر أمرها
|
|
وتكون شينا
في اليقين وعارا
|
أضرمت قلبي
باجتذابك ماجدا
|
|
كالسيف أعجب
رونقا وغرارا
|
__________________
منّيته محضا
فلما شفّه
|
|
ظمأ أتاك به
سقيت سمارا
|
وجلبته فنحاك
يعتسف الردى
|
|
ويخوض منه
لجّة وغمارا
|
شغفا بدار
العلم فيك وقلبه
|
|
ما زال ربعا
للعلوم ودارا
|
ما زدت عما
عنده فسقاك من
|
|
رفع السماء
نقيصة وعثارا
|
وأجار أهلك
في المعاد فإنهم
|
|
أوفى الخلائق
ذمة وجوارا
|
لولاك ما خطت
البرية عنسة
|
|
وأثرن من ذاك
الحزيز غبارا
|
متلفعات
بالحميم كأنما
|
|
يبدو على وضح
الركايب قارا
|
فلئن أقمن
بسيف دجلة رتّعا
|
|
فبما قطعن
مفاوزا وحرارا
|
قيّدن في أسر
الكلال وطالما
|
|
أحيين ليلا
بالسرى ونهارا
|
أأبا العلاء
نداء عبد أدركت
|
|
منه النوى
لما نأت بك دارا
|
تحوي بأربعها
النجاء كأنما
|
|
يعجلن نهبا
أو يطأن جمارا
|
وتعلّ بعد
الظمء غمرة آجن
|
|
أبدا يرشح
نفسه الأطمارا
|
يروي الوجوه
فإن تروّى شارب
|
|
منه تأوّد
سكرة وخمارا
|
ولعل فضلك
ينثني بك طالبا
|
|
برا تبذّ
بفعله الأبرارا
|
وأتت صروف
الدهر قبل ندامة
|
|
تذكي الغليل
وتنجز الأقدارا
|
حاشاك أن
تبدي الجفاء لخلة
|
|
وتعيد أقران
الوفاء قصارا
|
أدرك بإدراك
المعرة مهجة
|
|
تفنى عليك
مخافة وحذارا
|
أغرت نواك
بها الحمام مناجزا
|
|
ونجابها حسن
الرجاء مرارا
|
بلغت بك
الهمم المراد فأيأست
|
|
منك الحسود
ولم تنط بك عارا
|
فأقمت في
الزوراء ثم غدوت في
|
|
أفق المفاخر
كوكبا سيّارا
|
فاجنح على
مرضاة ربك طالبا
|
|
منه الجزاء وجانب
الإصرارا
|
واسلم لقومك
إذ غدوت لمجدهم
|
|
تاجا تشرّف
فضله وسوارا
|
ولما قدم من
بغداد عزم على العزلة والانقضاب من العالم فكتب إلى أهل المعرة :
«بسم الله
الرحمن الرحيم. هذا كتاب إلى السكن المقيم بالمعرة شملهم الله بالسعادة ،
__________________
من أحمد بن عبد الله بن سليمان خص به من عرفه وداناه ، سلم الله الجماعة
ولا أسلمها ولمّ شعثها ولا آلمها. أما الآن فهذه مناجاتي بعد منصرفي عن العراق
مجتمع أهل الجدل وموطن بقية السلف ، بعد أن قضيت الحداثة فانقضت وودعت الشبيبة
فمضت ، وحلبت الدهر أشطره وجربت خيره وشره ، فوجدت أقوى ما أصنعه أيام الحياة أن
اخترت عزلة تجعلني من الناس كبارح الأروى من سانح النعام ، وما ألوت نصيحة لنفسي
ولا قصرت في اجتذاب المنفعة إلى خيري ، فأجمعت على ذلك واستخرت الله فيه بعد جلائه عن نفر
يوثق بخصائلهم ، فكلهم رآه حزما وعده إذا تم رشدا ، وهو أمر أسري عليه بليل قضي
ببقّة وخبّت به النعامة ، ليس بنتيج الساعة ولا ربيب الشهر والسنة ، ولكنه غذي
الحقب المتقادمة ، وسليل الفكر الطويل. وبادرت إعلامهم ذلك مخافة أن يتفضل منهم
متفضل بالنهوض إلى المنزلة الجارية عادتي بسكناه ، ليلقاني فيه فيتعذر ذلك عليه ،
فأكون قد جمعت بين سمجين سوء الأدب وسوء القطيعة ، ورب ملوم لا ذنب له ، والمثل
السائر : خلّ أمرأ وما اختار ، وما أسمحت القرون بالإياب حتى وعدتها أشياء ثلاثة :
نبذة كنبذة فتيق النجوم ، وانقضابا من العالم كانقضاب القائبة من القوب ، وثباتا
في البلد إن جلا أهله من خوف الروم ، فإن أبى من يشفق علي أو يظهر الشفق إلا
النفرة مع السواد كانت نفرة الأعصب أو الأدماء.
وأحلف ما سافرت
أستكثر من النشب ولا أتكثر بلقاء الرجال ، ولكن آثرت الإقامة بدار العلم فشاهدت
أنفس ما كان لم يسعف الزمن بإقامتي فيه ، والجاهل مغالب القدر ، فلهيت عما استأثر
به الزمان ، والله يجعلهم أحلاس الأوطان لا أحلاس الخيل والركاب ، ويسبغ عليهم
النعمة سبوغ القمراء الطلقة على الظبي الغرير ، ويحسن جزاء البغداديين ، فلقد
وصفوني بما لا أستحق ، وشهدوا لي بالفضيلة على غير علم ، وعرضوا علي أموالهم عرض
الجد ، فصادفوني غير جذل بالصفات ولاهش إلى معروف الأقوام ، ورحلت وهم لرحلتي
كارهون وحسبي الله وعليه فليتوكل المتوكلون» ا ه.
وإنما قيل له «رهن
المحبسين» للزومه منزله وكف بصره ، فأقام مدة طويلة في منزله مختفيا لا يدخل عليه أحد
، ثم إن الناس تسببوا إليه حتى دخلوا عليه. فكتب الشيخ أبو
__________________
صالح محمد بن المهذب إلى أخيه أبي الهيثم عبد الواحد بن عبد الله بن سليمان
رحمهماالله في ذلك :
بشمس زرود لا
ببدر معان
|
|
ألمّا وإن
كان الجميع شجاني
|
أراها أبت
إلا النوى بي مغرما
|
|
ولو رضيت
هجرانها لكفاني
|
تمنّ بإهداء
السلام تجاهلا
|
|
ولو علمت أن
الرقاد جفاني
|
هبي هجعة
كيما أرى الطيف مرة
|
|
بها تحت
أرواق الدجى ويراني
|
لعلي أشفي
علتي بلقائه
|
|
فكم من خليل
زارني فشفاني
|
لقد أولع
الدهر المشتت بيننا
|
|
ليالي لا
يعبثن بالرشقان
|
وفكّ قيود
اليعملات مقيدا
|
|
مدى الدهر لا
يغني من الرشفان
|
فما رجّعت
إلا النحيب حمامة
|
|
لا خيّمت إلا
بأيكة بان
|
أمسمعة لم
تشف ما بي من الجوى
|
|
تعاني الهوى
من أربع ومغان
|
ليهنك لو
أسمعتني رهج الوغى
|
|
بقضب قيون لا
بقضب قيان
|
تخيّلن حتى
كل نجم بدا لها
|
|
سهيل بحكم
الوخد والذملان
|
نصافنها دون
الصوافن وردنا
|
|
وما هو إلا
من نطاف شنان
|
أبرق كليل
لاح من جانب الحمى
|
|
أم السيف
هزته يمين جبان
|
بجهلك شمت
السيف والسيف مغمد
|
|
وكلّ رقيق
الشفرتين يمان
|
أبى ذاك لي
إلا الأوام وإن ذا
|
|
ليردي الردى
من غلّة الشنآن
|
وبرد حداد قد
طويت منمنم
|
|
وهل بردة
تطوى بغير بنان
|
تلفعته حتى
إذا ما ألفته
|
|
رمى الصبح في
أثنائه بسنان
|
وسابغة نضو
المعالي وقفتها
|
|
ليوم جراء لا ليوم طعان
|
تقول إذا
ماجبتها ألغارة
|
|
أتيت وإلا
جبتني لرهان
|
فكم صاحب لي
جئته من مراده
|
|
بأمنيّة أو
من أذى بأمان
|
أشيم حسامي
دونه إن أرابه
|
|
مريب وإن لم
يرضه فلساني
|
وودّ كريم لو
ينال خلايقا
|
|
هي النجم
زادته علوّ مكان
|
__________________
تخير قلبي
والحشا ثم إنه
|
|
ثوى بمحل عن
سواه مصان
|
أبا الهيثم
اسمع ما أقول فإنما
|
|
تعين على ما
رمت خير معان
|
قريضي هجاء
إن حرمت مديحه
|
|
لأروع وضاح
الجبين هجان
|
أطل على
بغداد كالغيث جاءها
|
|
به سعد نجم
في أجلّ أوان
|
نضاها ثياب
المجد وهي لباسها
|
|
وبدّ لها من
شدّة بليان
|
فيا طيب
بغداد وقد أرجت به
|
|
على بعدها
الأطراف من أرجان
|
غدا بكم
المجد المضيء وإنه
|
|
ليقمر من
أضوائه القمران
|
مسرّ المعالي
دوننا هل تسرّها
|
|
بطون وهاد أو
ظهور رعان
|
نأى ما نأى
والموت دون فراقه
|
|
فما عذره في
النأي إذ هو دان
|
فكن حاملا
مني إليه رسالة
|
|
تبين إلينا
في هضاب أبان
|
فإن قال أخشى
من فلان تشبها
|
|
فقل ما فلان
عندنا كفلان
|
هو الخلّ ما
فيه اختلال مودة
|
|
فلا تخش منه
زلة بضمان
|
فإن خنت عهدا
أو أسأت خليقة
|
|
ولم يك شأني
في المودة شاني
|
فلا أحسنت في
الحرب إمساك مقبضي
|
|
يميني ولا
يسراي حفظ عناني
|
لعل حياتي أن
تعود نضيرة
|
|
لديه كما
كانت وطيب زماني
|
وهذا أبو صالح
قائل هذا الشعر هو أبو صالح محمد بن المهذب بن علي بن المهذب ابن أبي حامد بن محمد
بن همام التنوخي المعري ، كان كبير القدر جليل الأمر ، فاضلا عالما زاهدا محدثا
شاعرا ، حدث بالكثير عن أبي العلاء المعري وجده علي بن المهذب بن محمد ، والقاضي
أبي عمرو وعثمان بن عبد الله بن إبراهيم قاضي معرة النعمان وجماعة سواهم. وكان ابن
عمة أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان.
فصل
(في ذكر ذكاء أبي العلاء وفطنته وسرعة حفظه وألمعيته وتوقد خاطره وبصيرته)
أخبرنا أبو
الحسن محمد بن أحمد بن علي القرطبي ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن مؤيد ابن حواري
كتابة قال : أخبرني جدي أبو اليقظان قال : كان مولد الشيخ أبي العلاء بن
سليمان بمعرة النعمان ، وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة أو اثنتي عشرة
سنة رحمهالله.
وقرأت بخط أبي
محمد الحسن بن القاسم البحتري في آخر سقط الزند وقد قرأه على التبريزي وعليه خطه
وذكر أبا العلاء فقال : وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة أو اثنتي عشرة سنة ا ه.
وسمعت والدي
أبا الحسن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة يقول فيما يأثره عن أسلافه قال : كان أبو
العلاء على غاية من الذكاء والحفظ. وقيل له : بم بلغت هذه الرتبة في العلم؟ فقال :
ما سمعت شيئا إلا وحفظته ، وما حفظت شيئا فنسيته ا ه.
أخبرنا أبو
هاشم عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب مشافهة عن أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن
منصور السمعاني قال في ذكر أبي العلاء بن سليمان : وحكى تلميذه أبو زكريا التبريزي
أنه كان قاعدا في مسجده بمعرة النعمان بين يديه يقرأ عليه شيئا من تصانيفه ، قال :
وكنت قد أتممت عنده سنتين ولم أر أحدا من بلدي ، فدخل مغافصة المسجد بعض جيراننا
للصلاة ، فرأيته وعرفته وتغيرت من الفرح ، فقال لي أبو العلاء : ما أصابك؟ فحكيت
له أني رأيت جارا لي بعد أن لم ألق أحدا من بلدي منذ سنتين ، فقال لي : قم وكلمه ،
فقلت حتى أتمم السبق ، فقال : قم أنا أنتظرك ، فقمت وكلمته بالأذربيجيّة شيئا
كثيرا إلى أن سألت عن كل ما أردت ، فلما عدت وقعدت بين يديه قال لي : أي لسان هذا؟
قلت : هذا لسان أهل آذربيجان ، فقال : ما عرفت اللسان ولا فهمته ، غير أني حفظت ما
قلتما ، ثم أعاد لفظنا بلفظ ما قلنا ، فجعل جاري يتعجب غاية العجب ويقول : كيف حفظ
شيئا لم يفهمه ا ه.
قرأت في كتاب «جنان
الجنان ورياضة الأذهان» لابن الزبير المصري (هو القاضي الرشيد أبو الحسن أحمد بن
علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسين بن الزبير) قال : حدثني القاضي أبو الفتح محمود
بن القاضي إسماعيل بن حميد الدمياطي قال : حدثني أبي قال : حدثني هبة الله بن موسى
المؤيد في الدين ، وكانت بينه وبين أبي العلاء صداقة ومراسلة قال : كنت أسمع من
أخبار أبي العلاء وما أوتيه من البسطة في علم اللسان ما يكثر تعجبي منه ، فلما
وصلت المعرة قاصدا الديار المصرية لم أقدم شيئا على لقائه ، فحضرت إليه ،
واتفق حضور أخي معي ، وكنت بصدد أشغال يحتاج إليها المسافر ، فلم أسمح
بمفارقته والاشتغال بها ، فتحدثت مع أخي حديثا باللسان الفارسي ، فأرشدته إلى ما
يعمله فيها ، ثم عدت إلى مذاكرة أبي العلاء ، فتجارينا الحديث إلى أن ذكرت ما وصف
به من سرعة الحفظ وسألته أن يريني من ذلك ما أحكيه عنه ، فقال : خذ كتابا من هذه
الخزانة قريبة منك واذكر أوله ، فإني أورده عليك حفظا ، فقلت : كتابك ليس بغريب إن
حفظته ، قال : قد دار بينك وبين أخيك كلام بالفارسية إن شئت أعدته ، قلت : أعده ،
فأعاده ما أخل والله بحرف منه ، ولم يكن يعرف اللغة الفارسية ا ه.
وأخبرني عنه
بمثل هذه الحكاية والدي رحمهالله تعالى فيما يأثره عن الشيوخ الحلبيين قال : كان لأبي
العلاء جار أعجمي بمعرة النعمان ، فغاب في بعض حوائجه عن معرة النعمان ، فحضر رجل
غريب أعجمي قد قدم من بلاد العجم يطلبه فوجده غائبا ، وهو مجتاز لم يمكنه المقام ،
وذلك القادم لا يعرف اللسان العربي ، فأشار إليه أبو العلاء أن يذكر حاجته إليه ،
فجعل يتكلم بالفارسية وأبو العلاء يصغي إليه ، إلى أن فرغ من كلامه وهو لا يفهم ما
يقول ، ومضى الرجل وقدم جار أبي العلاء العجمي الغائب وحضر عند أبي العلاء ، فذكر
له حال الرجل وطلبه له ، وجعل يعيد عليه بالفارسية ما قال والرجل يبكي ويستغيث
ويلطم على رأسه ، إلى أن فرغ أبو العلاء ، وسئل عن حاله ، فأخبرهم أنه أخبر بموت
أبيه وإخوته وجماعة من أهله ، أو كما قال.
قال لي والدي :
وبلغني من ذكاء أبي العلاء وحسن حفظه أن جارا له سمّانا كان بينه وبين رجل من أهل
المعرة معاملة ، فجاءه ذلك الرجل فدفع إليه السمان رقاعا كتبها إليه يستدعي فيها
حوائج له ، وكان أبو العلاء في غرفة مشرفة عليهما يسمع محاسبته له ، وأعاد الرجل
الرقاع إلى السمان ، ومضى على ذلك أيام ، فسمع أبو العلاء ذلك السمان وهو يتأوه
ويتململ ، فسأله على حاله فقال : كنت حاسبت فلانا برقاع كانت له عندي وقد عدمتها
ولا يحضرني حسابه ، فقال : لا عليك ، تعال إلي فأنا أحفظ حسابكما ، وجعل يملي عليه
معاملته جميعها وهو يكتبها ، إلى أن فرغ وقام ، فلم يمض إلا أيام يسيرة فوجد
السمان الرقاع وقد جذبها الفأر إلى زاوية في الحانوت ، فقابل بها ما أملاه عليه
أبو العلاء فلم يخط في حرف واحد.
وأخبرني قاضي
معرة النعمان شهاب الدين أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سليمان فيما تأثره عن
المعريين أن الشيخ أبا العلاء لما دخل بغداد لم يعرض عليه شيء من الكتب إلا وحفظها
، وأخبرهم أنه يحفظ كل شيء سمعه ، وطلبوا كتابا لا يعرفه ليمتحنوه به ، فأحضروا
دستور الخراج الذي في الديوان وجعلوا يوردون ذلك عليه مياومة وهو يسمع ، إلى أن
فرغوا من ذلك ، فابتدأ أبو العلاء وسرد عليهم كل ما أوردوه عليه.
وقفت على كتاب
سيّره إلي بعض الرؤساء بحلب وضعه الشريف أبو علي المظفر بن الفضل بن يحيى العلوي
الإسحاقي الحسيني نزيل بغداد ، وهو من ولد الشريف أبي إبراهيم العلوي الحراني ،
وأصله من حلب ، وكان أبوه حاجب الباب ببغداد ، ورد هذا الشريف علينا حلب زائرا أهله
بها ، فذكر فيه قال : حدثني والدي رضياللهعنه وأرضاه يرفعه إلى ابن منقذ قال : كان بأنطاكية خزانة
كتب ، وكان الخازن بها رجلا علويا ، فجلست يوما إليه فقال : قد خبأت لك غريبة
ظريفة لم يسمع بمثلها في تاريخ ولا كتاب منسوخ ، قلت : وما هي؟ قال : صبي دون
البلوغ ضرير يتردد إليّ وقد حفّظته في أيام قلائل عدة كتب ، وذلك لأنني قرأت عليه
الكراسة والكراستين مرة واحدة فلا يستعيد إلا ما يشك فيه ، ثم يتلو عليّ ما قد
سمعه كأنه كان محفوظه ، قلت : فلعله يكون يحفظ ذلك ، قال : سبحان الله ، كل كتاب
في الدنيا محفوظ له؟ وإن كان كذلك فهو أعظم. ثم حضر المشار إليه وهو صبي دميم
الخلقة مجدور الوجه على عينيه بياض من أثر الجدري كأنه ينظر بإحدى عينيه قليلا ،
وهو يتوقد ذكاء ، يقوده رجل طوال من الرجال أحسبه يقرب من نسبه ، فقال له الخازن ،
يا ولدي ، هذا رجل شريف القدر ، وقد وصفتك عنده ، وهو يحب أن تحفظ اليوم ما يختاره
لك ، فقال : سمعا له وطاعة فليختر ما يريد ، قال ابن منقذ : فاخترت شيئا وقرأته
على الصبي وهو يموج ويستزيد ، فإذا مر به شيء يحتاج إلى تقريره في خاطره يقول :
أعد هذا ، فأورده عليه مرة واحدة ، حتى انتهيت إلى ما يزيد على كراسة ، ثم قلت له
: يقنع هذا من قبل نفسي ، قال : أجل حرسك الله ، قلت : كذا وكذا وتلا عليّ ما
أمليته عليه وأنا أعارضه بالكتاب حرفا حرفا حتى انتهى إلى حيث وقفت عليه ، فكاد
عقلي يذهب لما رأيت منه ، وعلمت أن ليس في العالم من يقدر على ذلك إلا أن يشاء
الله ، وسألت عنه فقيل لي : هذا أبو العلاء التنوخي من بيت العلم والقضاء والثروة
والغناء.
وهذه الحكاية
فيها من الوهم ما لا يخفى ، وذلك أنه قال : كان بأنطاكية خزانة كتب إلى آخر ما
ذكره ، وهذا شيء لا يصح ، فإن أنطاكية أخذها الروم من أيدي المسلمين في ذي الحجة
من سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ، وولد أبو العلاء بعد ذلك بأربع سنين وثلاثة أشهر
في ربيع الأول من سنة ثلاث وستين وثلاثمائة ، وبقيت أنطاكية في أيدي الروم إلى أن
فتحها سليمان بن قطلمش في سنة سبع وسبعين وأربعمائة ، وكان أبو العلاء قد مات قبل
ذلك في سنة تسع وأربعين وأربعمائة ، وأخلاها الروم من المسلمين حين استولوا عليها
، فلا يتصور أن يكون بها خزانة كتب وخازن وتقصد للاشتغال بالعلم. ويحتمل عندي أن
يكون هذا بكفر طاب ، فقد كانت كفر طاب مشحونة بأهل العلم ، وكان بها من يقرأ الأدب
ويشتغل به قبل أن يهجمها الفرنج في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة ، وكانت لأبي
المتوج مقلد بن نصر بن منقذ في أيام أبي العلاء ، فلعله تصحف كفر طاب بأنطاكية ،
وتصحيفها بها غير مستبعد ، فإن كان كذلك فابن منقذ الحاكي لهذه الحكاية هو أبو
المتوج مقلد بن نصر بن منقذ وأبوه نصر ، وكفر طاب قريبة من معرة النعمان. ويحتمل
أن ذلك كان بحلب ، فإن أبا العلاء دخل حلب وهو صبي ، واجتمع بمحمد بن عبد الله بن
سعد النحوي ورد عليه خطأه في شعر المتنبي على ما ذكرناه في ذكر شيوخه الذين أخذ
عنهم ، فيحتمل أن هذه الحكاية التي حكاها ابن منقذ كانت بحلب ، وأبو المتوج بن
منقذ كان بحلب وله بها دار ومنزل ، وكان بها خزانة كتب في الشرفية التي بجامع حلب
في موضع خزانة الكتب اليوم ، واتفقت فتنة في بعض أيام عاشوراء بين أهل السنة
والشيعة ونهبت خزانة الكتب ، وكان ذلك في زمن أبي العلاء ، ولم يبق في خزانة الكتب
إلا القليل ، وجدد الكتب فيها بعد ذلك الوزير أبو النجم هبة الله بن بديع وزير
الملك رضوان ، ثم وقف غيره كتبا أخربها. وقد ذكر أبو محمد عبد الله بن محمد بن
سعيد بن سنان الخفاجي هذه الخزانة في قصيدته التائية التي كتبها من القسطنطينية
يداعب أحد أصدقائه بها ، قال فيها :
أبلغ أبا
الحسن السلام وقل له
|
|
هذا الجفاء
عداوة الشيعية
|
فلأطرفنّ بما
صنعت مكابرا
|
|
وأبث ما
لاقيت منك لبنكة
|
ولأجلسنّك
للقضية بيننا
|
|
في يوم
عاشوراء بالشرفية
|
حتى أثير
عليك فيها فتنة
|
|
تنسيك يوم
خزانة الصوفية
|
وهذا أبو الحسن
سالم بن علي بن تميم الفقيه ابن الكفر طابي المعروف بالحمّامي ، وكان
من فضلاء حلب ، وكان سنّي المذهب وأبو محمد الخفاجي شيعيّ ، وكان بينهما
مودة ، ومكابر وبنكة من غوغاء الشيعة ، فيحتمل أن أبا العلاء لما دخل حلب وهو صبي
اتفق له بخزانة الكتب ما ذكره ابن منقذ.
وقد ذكر بعض
المصنفين أن أبا العلاء رحل إلى دار العلم بطرابلس للنظر في كتبها ، واشتبه عليه
ذلك بدار العلم ببغداد ، ولم يكن بطرابلس دار علم في أيام أبي العلاء ، وإنما جدد
دار العلم بها القاضي جلال الملك أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن عمار في سنة
اثنتين وسبعين وأربعمائة ، وكان أبو العلاء قد مات قبل الملك في سنة تسع وأربعين
وأربعمائة ، ووقف ابن عمار بها من تصانيف أبي العلاء الصاهل والشاحج ، والسجع
السلطاني ، والفصول والغايات ، والسادن ، وإقليد الغايات ، ورسالة الإغريض.
قرأت في كتاب
تتمة اليتمية لأبي منصور الثعالبي ، وذكر أبا العلاء المعري فقال : وكان حدثني أبو
الحسن الدلفي المصيّصي الشاعر ، وهو ممن لقيته قديما ، وحديثا في مدة ثلاثين سنة
قال : لقيت بمعرة النعمان عجبا من العجب ، رأيت أعمى شاعرا ظريفا يلعب بالشطرنج
والنرد ، ويدخل كل فن من الجد والهزل ويكنى أبا العلاء ، وسمعته يقول : أنا أحمد
الله على العمى كما يحمده غيري على البصر ، وقد صنع لي وأحسن بي إذ كفاني رؤية
الثقلاء والبغضاء. وهذا إن صح عن أبي العلاء فقد كان ذلك في حال حداثته ، فإن أبا
العلاء رحمهالله كان بعيدا من اللعب والهزل.
أخبرنا قاضي
المعرة شهاب الدين أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سليمان قال : سمعت جماعة من أهلنا
يقولون : كان أبو العلاء متوقد الخاطر على غاية من الذكاء من صغره ، وتحدث الناس
بذلك وهو إذ ذاك صبي صغير يلعب مع الصبيان ، فكان الناس يأتون إليه ليشاهدوا منه
ذلك ، فخرج جماعة من أهل حلب إلى ناحية معرة النعمان وقصدوا أن يشاهدوا أبا العلاء
وينظروا ما يحكى عنه من الفطنة والذكاء ، فوصلوا إلى المعرة وسألوا عنه فقيل لهم :
هو يلعب مع الصبيان ، فجاؤوا إليه وسلموا عليه فرد عليهمالسلام ، فقيل له : إن هؤلاء جماعة من أكابر حلب جاؤوا لينظروك
ويمتحنوك ، فقال لهم : هل لكم في المقافاة بالشعر؟ فقالوا : نعم ، فجعل كل واحد
منهم ينشد بيتا وهو ينشده على قافية حتى فرغ محفوظهم بأجمعهم وقهرهم ، فقال لهم :
أعجزتم أن يعمل كل واحد منكم بيتا
عند الحاجة إليه على القافية التي يريد؟ فقالوا له : فافعل أنت ذلك ، قال :
فجعل كلما أنشده واحد منهم بيتا أجابه من نظمه على قافيته حتى قطعهم كلهم ، فعجبوا
منه وانصرفوا.
ومن أعجب ما
بلغني عن فطنته وذكائه ما سمعت والدي رحمهالله يحكيه عنه فيما تأثره عن مشايخ أهل حلب أن أبا العلاء
لما نظر إلى بغداد واجتاز في طريقه وهو راكب على جمل بشجرة فقيل له : طأطىء رأسك ،
ففعل ، وأقام ببغداد مدة إقامته بها ، فلما عاد من بغداد إلى معرة النعمان اجتاز
بذلك الموضع وقد قطعت تلك الشجرة ، فطأطأ رأسه ، فسئل عن ذلك فقال : ههنا شجرة ،
فقيل له : ما ههنا شيء ، فقال : بلى قد كان ههنا شجرة حين عبرت هذا منحدرا إلى
بغداد ، فحفروا في ذلك الموضع فوجدوا أصلها ا ه.
وأخبرني بعض آل
المهذب المعريين أن أهل المعرة يذكرون فيما ينقلونه عن سلفهم أن أبا العلاء بن
سليمان لما سافر إلى بغداد دفع بعض أهله إلى خادمه الذي كان سافر معه لخدمته ماء
من بئر بالمعرة يقال له بئر القراميد ، وقال له : إذا أراد العود من بغداد فاسقه
من هذا الماء ، قال : فلما خرج من بغداد متوجها إلى معرة النعمان سقاه ذلك الماء ،
فقال أبو العلاء : ما أشبه هذا الماء بماء بئر القراميد ا ه.
أخبرنا القاضي
شهاب الدين أحمد بن مدرك بن سليمان قاضي المعرة قال : أخبرني جماعة من سلفنا أن
بعض أمراء حلب قيل له : إن اللغة التي ينقلها أبو العلاء إنما هي من الجمهرة ،
وعنده من الجمهرة نسخة ليس في الدنيا مثلها ، وأشاروا عليه بطلبها منه قصدا لأذاه
، فسيّر أمير حلب رسولا إلى أبي العلاء يطلبها منه ، فأجابه بالسمع والطاعة وقال :
تقيم عندنا أياما حتى نقضي شغلك ، ثم أمر من يقرأ عليه كتاب الجمهرة فقرئت عليه حتى
فرغوا من قراءتها ، ثم دفعها إلى الرسول وقال له : ما قصدت بتعويقك إلا أن أعيدها
على خاطري خوفا من أن يكون قد شذ منها شيء عن خاطري ، فعاد الرسول وأخبر أمير حلب
بذلك فقال : من يكون هذا حاله لا يجوز أن يؤخذ منه هذا الكتاب. وأمر برده إليه. ا
ه.
وقرأت في بعض مطالعاتي
في الكتب ووجدته معلقا عندي بخطي أن رجلا من طلبة
العلم باليمن وقع إليه كتاب في اللغة سقط أوله وأعجبه جمعه وترتيبه ، فاتفق
أنه حج ، فحمله معه ، وكان إذا اجتمع بأديب أراه ذلك الكتاب وسأله عنه هل يعرفه أو
يعرف مصنفه ، فلم يجد أحدا يخبره بذلك ، فأراه في بعض الأحيان لبعض الأدباء وكان
ممن يعلم حال أبي العلاء بن سليمان وتبحره في العلم ، فدله عليه ، فخرج ذلك الرجل
إلى الشام ووصل إلى معرة النعمان واجتمع بأبي العلاء بن سليمان وعرفه ما حمله على
الرحلة إليه ، وأحضر إليه ذلك الكتاب وهو مقطوع الأول ، فقال له أبو العلاء : اقرأ
منه شيئا ، فقرأه عليه ، فقال له أبو العلاء : هذا الكتاب اسمه كذا ومصنفه فلان بن
فلان ، ثم ابتدأ أبو العلاء فقرأ له أول الكتاب إلى أن انتهى إلى ما هو عند ذلك
الرجل ، فنقل ذلك الرجل ما نقص من الكتاب عن أبي العلاء وأكمل النسخة ، وانفصل إلى
اليمن وأخبر أهل العلم بذلك. وقيل إن هذا الكتاب المذكور هو ديوان الأدب للفارابي
والله أعلم.
وذكر القاضي
الرشيد أبو الحسين أحمد بن علي بن إبراهيم ابن الزبير المصري في كتاب «جنان الجنان»
قال : حدثني القاضي أبو عبد الله محمد بن سندي القنّسريّ بمصر قال : حدثني أبي قال
: بتنا عند أبي العلاء المعري في الوقت الذي كان يملي فيه شعره المعروف بلزوم ما
لا يلزم ، فأملى في ليلة واحدة ألفي بيت كان يسكت زمانا ثم يملي قريبا من خمسمائة
بيت ، ثم يعود إلى الفكرة والعمل ، إلى أن أكملت العدة المذكورة.
أخبرني ناصر بن
موفق بن فرج السّلمي المراكشي بالقاهرة ، وكان من أهل الأدب قال : نقلت من طرة على
كتاب الأغاني للرقيق : قال محمد بن أبي بكر ويعرف بالحاتمي : ارتحلت أريد المعرة
لألقى أبا العلاء بن سليمان ، فبينما أنا في بعض طريقي وإذا بشاب حسن الصورة وسيم
الوجه وهو أعور وهو راكب على عير ومعه شخص وضيء الوجه حسن الصورة يعتبه عتابا
لطيفا ، فلما انتهى إلى آخر عتابه قال له الشاب الأعور منشدا :
إن كنت خنتك
في الهوى
|
|
فحشرت أقبح
من فضيحه
|
قال الحاتمي :
فرمت أن أزيد على هذا البيت شيئا فلم أستطع لكثرة طربي به ، إلى أن انتهيت إلى
المعرة ودخلت على أبي العلاء بن سليمان ، وكان أول حديثي معه أن تذاكرنا في أبيات
من الشعر ذكر منها بيت جهل قائله وهو :
إنما تسرح
آساد الشرى
|
|
حيث لا تنصب
أشراك الحدق
|
فقال : لقد
أضاء بصيرة وإن عمي بصرا ، فقلنا له : أتعرف لمن الشعر؟ فقال : لا ، فبحثنا معه
فوجدناه لبشار بن برد ، ثم خلوت معه فسألني : من أنت؟ فقلت : أنا فلان ، فقال :
أنشدني شيئا من شعرك ، فأنشدته ، ثم انتهى حديثي معه إلى أن حكيت له حكاية الشاب
الذي لقيته في طريقي وأنسيت أن أقول له إنه كان أعور فقال : فلما أنشدته :
إن كنت خنتك
في الهوى
|
|
فحشرت أقبح
من فضيحه
|
فقلت له : لم
أستطع أن أزيد على هذا البيت شيئا ، فأسرع أن قال لي : فألّا زدت عليه :
وجحدت نعمة
خالقي
|
|
وفقدت مقلتي
الصحيحه
|
قال : فقلت :
والله ما كان إلا أعور ، فمن أين لك هذا؟ قال : شمت إحدى عينيه على بيته.
أخبرنا أبو
يوسف يعقوب بن محمود بن الحسين الساوي بالديار المصرية عن الحافظ أبي طاهر أحمد بن
محمد الأصبهاني قال : سمعت أبا الحسن علي بن بركات بن منصور التاجر الرحبي بالذنبة
من مضافات دمشق يقول : سمعت أبا عمران المغربي يقول : عرض على أبي العلاء التنوخي
الكفيف كف من اللوبياء ، فأخذ منها واحدة ولمسها بيده ثم قال : ما أدري ما هي ،
إلا أني أشبهها بالكلية ، فتعجبوا من فطنته وإصابة حدسه.
سمعت القاضي
بهاء الدين أبا محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بن الخشاب الحلبي رحمهالله يقول : بلغني أن أبا العلاء بن سليمان قال لجماعة حضروا
عنده : عدّوا علي الألوان ، فقالوا : أبيض وأخضر وأصفر وأسود وأحمر ، فقال : هو
ملكها ، يعني الأحمر.
وسمعت والدي رحمهالله وغيره قال : بلغني أن أبا العلاء قال : أذكر من الألوان
الحمرة وأعرفه ، وذلك أنني لما جدرت ألبست ثوبا أحمر ، فأنا أعرف لون الحمرة من
ذلك الثوب ، وهذا من فرط ذكائه ، فإنه لما جدّر كان عمره أربع سنين وشهرا.
وحكي أن أبا
محمد الخفاجي الحلبي لما دخل على أبي العلاء بن سليمان بالمعرة سلم عليه ولم يكن
يعرفه أبو العلاء ، فرد عليهالسلام وقال : هذا رجل طوال ، ثم سأله عن صناعته فقال : أقرأ
القرآن ، فقال : اقرأ علي شيئا منه ، فقرأ عليه عشرا ، فقال له : أنت
أبو محمد الخفاجي الحلبي؟ فقال : نعم ، فسئل عن ذلك فقال : أما طوله فعرفته
بالسلام ، وأما كونه أبا محمد فعرفته بصحة قراءته وأدائه بنغمة أهل حلب ، فإنني
سمعت بحديثه.
وقد ذكر ابن
بسّام المغربي في كتابه المعروف بالذخيرة أن أبا الفضل محمد بن عبد الواحد
البغدادي نفذ من بغداد رسولا عن الخليفة القائم بأمر الله إلى المعز بن باديس
الصنهاجي ملك القيروان حين رام الخطبة لبني العباس ومخالفة ملوك مصر العبيديين ،
فلما اجتاز بالمعرة اجتمع بأبي العلاء المعري فاستنشده ، فأنشده قصيدة لامية يمدح
بها صاحب حلب ، فقبل المعري بين يديه وقال له : بأبي أنت من ناظم ، وما أراك إلا رسول أمير
المؤمنين القائم إلى المعز ملك القيروان ، فاطو خبرك فالعيون لم ترك. فلحق بالمعز.
سمعت والدي رحمهالله يقول : بلغني أن أبا العلاء بن سليمان كان يعجبه قصيدة
التهامي التي يرثي بها ولده ، وأولها :
حكم المنية
في البرية جار
|
|
ما هذه
الدنيا بدار قرار
|
قال : فكان لا
يرد عليه أحد من أهل العلم إلا ويستنشده إياها لإعجابه بها ، فقدم التهامي معرة
النعمان ودخل على أبي العلاء فاستنشده إياها ، فأنشدها ، فقال له : أنت التهامي؟
فقال : نعم ، وكيف عرفتني؟ فقال : لأنني سمعتها منك ومن غيرك فأدركت من حالك أنك
تنشدها من قلب قريح ، فعلمت أنك قائلها.
هذا معنى ما
ذكره لي والدي رحمهالله ا ه.
نقلت من خط أبي
الحسن علي بن مهند بن علي بن مقلد بن منقذ في كتابه الموسوم بالبداية والنهاية قال
: وحدثني أبي قال : حدثني جد أبي رحمهالله قال : وصل إنسان عراقي إلى المعرة ، فأنفذ يختبر الشيخ
أبا العلاء مع بعض تلاميذه فقال : قل للشيخ : ما في هذه الأبيات الرجز من المعاني
واللغة :
صلب العصا
بالضرب قد دمّاها
|
|
إذا أرادت
رشدا أغواها
|
يود
أن الله قد أفناها
|
__________________
فلما طرحت على
الشيخ فكر فيها ساعة ثم قال : غريبة والله! هذا يصف راعيا بصلابة عصاه أنه يضرب
الإبل ليتخير لها المرعى ، فقد دمّاها : أي يجعلها مثل الدمى ، إذا أرادت رشدا :
وهو حبّ الرشاد ، وهو أغواها : رعاها في حبّ ، يود أن الله قد أفناها : أي أطعمها
حبّ الفنا وهو عنب الثعلب. فمضى تلميذه فعرّف الرجل العراقي فلم يبت الرجل في
المعرة .
فصل
(في ذكر حرمته عند الملوك والخلفاء والأمراء والوزراء)
وما زالت حرمة
أبي العلاء في علاء وبحر فضله موردا للوزراء والأمراء ، وما علمت أن وزيرا مذكورا
وفاضلا مشهورا مرّ بمعرة النعمان في ذلك العصر والزمان إلا وقصده واستفاد منه ، أو
طلب شيئا من تصنيفه ، أو كتب عنه. وسيأتي في أثناء فصول هذا التصنيف ما يدل على
علو مرتبته وقدره المنيف.
وقد كان
المستنصر المتولي على مصر أحد العبيديين الذين ادعوا الخلافة بذل لأبي العلاء ما
ببيت المال بمعرة النعمان من الحلال ، فلم يقبل منه شيئا ، وسنذكر ذلك في موضعه. وكذلك
داعي دعاتهم بمصر أبو نصر هبة الله بن موسى المؤيد في الدين حين بلغه أن الذي يدخل
لأبي العلاء في السنة من ملكه نيف وعشرون دينارا ، كتب إلى تاج الأمراء ثمال ابن
صالح ، وكان إذ ذاك نايبا عن العبيديين بحلب وبمعرة النعمان بأن يجري له ما تدعو
إليه حاجته بجميع مهامه وأسبابه ، وما يحتاج إليه مما هو بلغة له من ألذ الطعام ،
وأن يضاعف حرمته ويرفع منزلته عند الخاص والعام ، فامتنع من قبول ذلك ، وسنذكره
أيضا في موضعه عند الحاجة إلى ذكره.
__________________
وكان الأمير
عزيز الدولة أبو شجاع فاتك بن عبد الله أمير حلب يطلب منه أن يصنف له تصانيف
ويحترمه ويرفع رتبته ويقبل شفاعته ، وقدم إليه إلى معرة النعمان. وقد أشرنا في
الفصل المتضمن ذكر مصنفاته إلى شيء من ذلك. وكذلك أمير الجيوش أنوشتكين الدزبري
أمير حلب ودمشق كان يثني على أبي العلاء ويخفي المسألة عنه ويوجه إليه بالسلام ،
فعمل له كتاب شرف السيف.
وأخبرني بهاء
الدين أبو إسحق إبراهيم بن شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد قال :
أخبرني أبي قال : أخبرني جدي أبو المجد محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله قال
: كان ظهر بمعرة النعمان منكر في زمان صالح بن مرداس ، فعمد شيوخ البلد إلى إنكار
ذلك المنكر ، فأفضى إلى أن قتلوا الضامن بها وأهرقوا الخمر وحافوا ، فجمعهم إلى
حلب واعتقلهم بها ، وكان فيهم بعض بني سليمان ، فجاء الجماعة إلى الشيخ أبي العلاء
وقالوا له : إن الأمر قد عظم وليس له غيرك ، فسار إلى حلب ليشفع فيهم ، فدخل إلى
بين يدي صالح ولم يعرفه صالح ثم قال له : السلام عليك أيها الأمير ، الأمير أبقاه
الله كالسيف القاطع لان وسطه وخشن جانباه ، وكالنهار الماتع قاظ وسطه وطاب جانباه (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ
وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) فقال له : أنت أبو العلاء؟ فقال : أنا ذاك ، فرفعه إلى
جانبه وقضى شغله وأطلق له من كان من المحبّسين من أهل المعرة ، فعمل فيه قال : قال
لي أبي : قال لي جدي : وأنشدها أبو العلاء لنفسه :
ولما مضى
العمر إلا الأقلّ
|
|
وحان لروحي
فراق الجسد
|
بعثت رسولا
إلى صالح
|
|
وذاك من
القوم رأي فسد
|
فيسمع مني
هديل الحمام
|
|
وأسمع منه
زئير الأسد
|
فلا يعجبنّي
هذا النفاق
|
|
فكم نفّقت
محنة ما كسد
|
كذا ذكر لي
بهاء الدين أبو إسحق أنه سار إلى حلب ، وما أظن أن أبا العلاء بعد رجوعه إلى معرة
النعمان من بغداد خرج عن المعرة ، ولهذا سمى نفسه رهن المحبسين.
وقد قرأت هذه
الحكاية في تاريخ سيّره إليّ بعض الهاشميين بحلب لأبي غالب همام بن الفضل بن جعفر
بن المهذب قال : سنة سبع عشرة وأربعمائة : فيها صاحت امرأة في الجامع يوم الجمعة
يعني بمعرة النعمان ، وذكرت أن صاحب الماخور أراد أن يغصبها نفسها ، فنفر
كل من في الجامع إلا القاضي والمشايخ وهدموا الماخور وأخذوا خشبه ونهبوه ،
وكان أسد الدولة صالح في نواحي صيدا. ثم قال في هذا التاريخ : سنة ثمان عشرة
وأربعمائة : فيها وصل الأمير أسد الدولة صالح بن مرداس إلى حلب وأمر باعتقال مشايخ
المعرة وأماثلها ، فاعتقل سبعون رجلا في محبس الحصن سبعين يوما ، وذلك بعد عيد
الفطر بأيام ، وكان أسد الدولة غير مؤثر لذلك ، وإنما غلب تاذرس على رأيه ، وكان
يوهمه أنه يقيم عليهم الهيبة. ولقد بلغنا أنه خاطبه في ذلك فقال له : أقتل المهذب
وأبا المجد يعني أخا أبي العلاء بسبب ماخور ، فما أفعل. وقد بلغني أنه دعي لهم في
آمد وميّافارقين ، وقطع عليهم ألف دينار ، واستدعى الشيخ أبا العلاء بن عبد الله
بن سليمان رحمهالله بظاهر معرة النعمان ، فلما حصل عنده في المجلس قال له
أبو العلاء : مولانا الأمير السيد الأجل أسد الدولة ومقدمها وناصحها ، كالنهار
الماتع اشتد هجيره وطاب أبرداه ، وكالسيف القاطع لأن صفحه وخشن حداه (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ
وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) فقال صالح : قد وهبتهم لك أيها الشيخ ، ولم يعلم الشيخ
أبو العلاء أن المال قطع عليهم ، وإلا كان قد سأل فيه. ثم قال الشيخ أبو العلاء
بعد ذلك شعرا :
تغيبت في
منزلي برهة
|
|
ستير العيوب
فقيد الحسد
|
فلما مضى
العمر إلا الأقلّ
|
|
وحمّ لروحي
فراق الجسد
|
بعثت شفيعا
إلى صالح
|
|
وذاك من
القوم رأي فسد
|
فيسمع مني
سجع الحمام
|
|
وأسمع منه
زئير الأسد
|
فلا يعجبنّي
هذا النفاق
|
|
فكم نفّقت
محنة ما كسد
|
وقد ذكر بعض
الرواة أن صالحا قال له عند ما أنشده هذا الشعر : نحن الذين تسمع منا سجع الحمام
وأنت الذي نسمع منك زئير الأسد.
وهذا تاذرس
المشار إليه في هذه الحكاية هو تاذرس بن الحسن النصراني ، وكان وزير صالح بن مرداس
وصاحب السيف والقلم ، وكان متمكنا عنده ، وكان في نفسه من أهل المعرة شيء لأنهم
قتلوا حماه الخوري ، وكان يؤذيهم فتتتبع قتلته وصلبهم وقتلهم ، فلما أنزلوا عن
الخشب ليصلى عليهم ويدفنوا قال الناس حينئذ يكايدون النصارى : قد رأينا عليهم
طيورا بيضا ، وما هي إلا الملائكة. فبلغت هذه الكلمة تاذرس فنقمها على أهل المعرة
واعتدّها ذنبا لهم ، فلما اتفقت هذه الواقعة من نهب الماخور شدد تاذرس عليهم لذلك.
والمهذب
المذكور هو الشيخ أبو الحسن المهذب ابن ... في أكل الطيبات وقهرا للنفس ، وقال له في آخر كلامه
: وما حثني على ترك أكل الحيوان أن الذي لي في السنة نيف وعشرون دينارا ، فإذا أخذ
خادمي بعض ما يجب بقي لي ما لا يعجب ، واقتصرت على فول وبلسن وما لا يعذب على
الألسن. فأجابه بجواب يطلب فيه تحقيق القول ويقول في آخر رسالته : وقد كاتبت مولاي
تاج الأمراء يعني ثمال بن صالح أن يتقدم بإزالة العلة فيما هو بلغة مثله من ألذ
الطعام ومراعاته به على الإدرار والدوام ، لتكشف عنه غاشية هذه الضرورة ، ويجري في
أمر معيشته على أحسن ما يكون من الصورة. فامتنع أبو العلاء من قبول ذلك وأجابه
بجواب دفع ذلك عنه . وسنذكر المراسلات بينهما إن شاء الله تعالى فيما يجيء
من فصول هذا الكتاب ، والله الموفق للصواب.
فصل
في ذكر اضطلاعه
بالعلم والأدب ومعرفته باللغة ولسان العرب
أخبرنا أبو
اليمن زيد بن الحسن الكندي فيما أذن لنا فيه ، وقد قرأت عليه غير ذلك فقال :
أخبرنا أبو السعادات هبة الله بن العلوي المعروف بابن الشجري قال : حدثني أبو
زكريا التبريزي قال : ما أعرف أن العرب نطقت بكلمة ولم يعرفها المعري ، ولقد اتفق
قوم ممن يقرأ عليه ووضعوا حروفا وألّفوها كلمات وأضافوا إليها من غريب اللغة
ووحشيها كلمات أخرى ، وسألوه عن الجميع على سبيل الامتحان ، فكان كلما وصلوا إلى
كلمة مما ألّفوه ينزعج لها وينكرها ويستعيدها مرارا ، ثم يقول : دعوا هذه ،
والألفاظ اللغوية
__________________
يشرحها ويستشهد عليها ، حتى انتهت الكلمات. ثم أطرق ساعة مفكرا ورفع رأسه
وقال : كأني بكم وقد وضعتم هذه الكلمات لتمتحنوا بها معرفتي وثقتي في روايتي ، وو
الله لئن لم تكشفوا لي الحال وتدعوا المحال وإلا فهذا فراق ما بيني وبينكم. فقالوا
له : والله الأمر كما قلت ، وما عدوت ما قصدناه. فقال : سبحان الله : والله ما
أقول إلا ما قالته العرب ، وما أظن أنها نطقت . والرايد لا يكذب أهله. وأما العبد إذا كذب سيده فبعد
ولا سعد والجاهل من لا يعرف نفسه ، والذاهل من لا يذكر أمسه. ولنفسي الجانية أقول
: أعييتني بأشر وكيف بدردر ، أعيت رياضة الهرم وعصر الماء من الجمر المضطرم ، إن
كذبت فعن الخير أعذبت ، ما اعتزلت حتى جددت وهزلت ، فوجدتني لا أصلح لجدّ ولا هزل
، فعندما قنعت بالأزل.
وما حمامة ذات
طوق يضرب بها المثل في الشوق ، كانت في وكر مصون بين الشجر والغصون ، تألف من
أبناء جنسها ريدا فيتراسلان تغريدا ، أسكنها نعمان الأراك ، تأمن به غوايل الأشراك
، تمرّ في بكرتها بالبيت الحرام ، لا تفرق لطريق صايد ولا رام ، فغرّها القدر
فخرجت من الأرض المحرّمة ، فأصبحت وهي جدّ مغرمة ، صادها وليد في الحلّ ما حفظ لها
من إلّ ، فأودعها سجنا للطير ، ومنعها من كل مير ، فإذا رأت من خصاص القفص بواكر
الحمام ظلت تمارس من جرع الحمام ، تسأل بطرفها أخاها : ما فعل بعدها فرخاها ،
فيقول : أصبحا ضائعين قد سترهما الورق عن كل عين.
فريخان
ينضاعان في الفجر كلما
|
|
أحسّا دويّ
الريح أو صوت ناعب
|
بأشوق إلى
العيشة النضرة مني إلى تلك الحضرة ، لكن صنع الزمان ما هو صانع ، واعترض دون الخير
مانع ، حال الغصص دون القصص والجريض دون القريض. المورد نمير أزرق ولكن المدنف
بالشراب يشرق.
__________________
لما رأى لبد
النسور تطايرت
|
|
رفع القوادم
كالفقير الأعزل
|
انهض لبد ،
هيهات صدّك الأبد ولما ورد الكتاب المشتمل اوليه (هكذا) على ما لا يستوجبه من حسن
الظن ، عكفت به عليّ الغربان مبشّرات ، مثلّثات بالنعيب ومعشّرات ، لو أنس إليّ
ابن دأية لم أخله إن رغب في الحلي من حجل في الرجل ، أو تقليد يقع بالجيد ،
ولضمّخت جناحه مسكا وعنبرا ، وكسوته وشيا وحبرا ، على أنه يختال من لون الشبيبة في
أحسن سبيبة ، يا غراب لغيرك بعدها التراب ، إن قضى الله نبذت لك ما تؤثره من
الطعام ، إتاوة في كل يوم لا في كل عام ، كأن كتابه الكريم قسيمة من الطيب تضوّع
بالأناب القطيب ، وكأنما طرقتني منه روضة نجدية ، سقتها الأنواء الأسدية ، فعمد
ثراها وأرجت رباها ، وأبدى بهارها للأبصار ، كدنانير ضربت قصار ، وازدانت من
الشقيق ، بمشبه العقيق ، ولعب فيها الماء ، وهي أرض وكأنها سماء ، ولها من النجم
نجوم ، ومن طل الشجر دمع مسجوم ، ولقد سألت الوارد أن يؤنسني بتركه (لدي) لكي
أستمع في ناجر ، بمشابه خبيئة الحاجر ، ولأن أكون جليس الروضة بينا يرى لها منظرا
مبهجا ، ساف منها عرفا متأرّجا ، وإن العامة عهدتني في صدر الأمور أستصحب شيئا من
أساطير الأولين ، فقالت : عالم ، والناطق بذلك الظالم. ورأتني مضطرا إلى القناعة ،
فقالت : هذا زاهد ، وأنا في طلب الدنيا جاهد. وزاد تقوّل القوم عليّ حتى خشيت أن
أكون كأحد الجهال الذين ورد فيهم الخبر المأثور عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا من صدور الناس ، ولكن
يقبض العلم بموت العلماء ، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا
فأفتوا بغير علم ، فضلّوا وأضلّوا» فغدوت حلس ربع كالميت بعد ثلاث أو سبع. ثم حدثت
علّة كنّي عنها في المستمع ، وعاقت عن الحضور في الجمع. وفي الكتاب العزيز (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا
نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ).
وإنما ذكرت لك
ذلك لينتهي إلى الموقف الأشرف أن تخلفي لمرض ، عاق عن أداء
__________________
المفترض. والارتغاء لا توجبه للشيء الأسمآء. وإن الذكر ليطير للرجل وغيره
الخطير. رب شجرة شايكة ظلها غير رحب ، وماؤها غير عذب ، اسمها السمرة وكنيتها أم
غيلان ، تذكر في آفاق البلاد ، وغيرها من أشجار الثمر ، إن ذكر نكر. رب أسود كريه
الرائحة يدعى كافورا وعنبرا ، وقبيح الصورة يدعى هلالا وقمرا. وكيف يتأدّى العلم
إليّ وأنا رجل ضرير نشأت في بلد لا علم فيه ، وإنما نشبت الرامية بالجوارح
السامية. وكيف الهداية بغير دوس ، والإنباض مع قصر القوس. فإن بلغ سيرنا الورى لينزلن
ساري الليل قبض على سهيل ، وأن الأرض أنبتت وشيا وحريرا ، والسحاب
أمطر مداما وعصيرا ، فهو أعرف بردّه على المبطلين. حسب الأرض أن تخلو بخلة وحمض.
وعادة السحاب المرتفع في الهواء أن يأتي بري الظماء. والدلجة بلغت إلى البلجة ،
ومن للورقاء بمنازل الخرقاء ، وللغرقد أن يضحي مجاورا للفرقد : لهفي على فوات هذه
المنزلة ، ولمثلها سهر من أهل العلم الساهرون. أعرض النوفل وغاب العايم وأومض ،
البارق فأين الشايم (يا لَيْتَنِي كُنْتُ
مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) هل آمل من الله ثوابا وأنا كقتلى بدر أسمع ولا أملك جوابا.
لقد أسمعت لو
ناديت حيا
|
|
ولكن لا حياة
لمن تنادي
|
وعزيز الدولة
يعين الكسير بالجبر ، فكيف يأمر بإخراج ميت من قبر ، لو كنت بارئا من العلة لشرفت
نفسي بزيارة تلك الحضرة ، غير أني عنها راض ، وما أقربني إلى انقراض ، وأنا حليف
التمراض وقد غدوت في قوم قيل فيهم : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ
خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا
يَعْمَلُونَ) فإن سعدت أو شقيت فإن دعائي متصل بها ما بقيت. وتمثل
بقوله :
ماذا أؤمل
بعد آل محرّق
|
|
تركوا
منازلهم وبعد إياد
|
أهل الخورنق
والسدير وبارق
|
|
والقصر ذي
الشرفات من سنداد
|
جرت الرياح
على محلّ ديارهم
|
|
فكأنما كانوا
على ميعاد
|
__________________
والوزير
الفلاحي هو علي بن جعفر بن فلاح وزير الحاكم المستولي على مصر ، وليس بأبي نصر
صدقة بن يوسف الفلاحي ، فإنه أيضا تولى الوزارة ، والأول منسوب إلى جده والثاني
منسوب إلى الأول.
فصل
في ذكر كرم أبي العلاء وجوده على قلة ماله ونزارة موجوده
قد ذكرنا في
الفصل المتقدم أنه لما بلغ أبا نصر هبة الله بن موسى داعي الدعاة أن (الذي) لأبي
العلاء في السنة نيف وعشرون دينارا كتب إلى ثمال بن صالح بأن يجزي عليه ما يزيح به
علته ، وأنه امتنع من قبول ذلك ، وهذا كان مقدار ما يدخل له من ملكه في معرة
النعمان. وقد كان مع هذا يجري منه على جماعة من الكتاب يكتبون عنه ما يمليه وما
ينظمه وينشيه ، وكان يعطي منه لخادم يخدمه ، ولا يقنع بالدفع إلى هؤلاء ، حتى إنه
كان يدفع منه شيئا لأولي الحاجة ممن يتردد إليه. فقد أخبرنا عمر بن محمد بن معمر
المؤدب في كتابه ، وقد سمعت منه بحلب عن أبي الفضل محمد بن ناصر الحافظ قال :
حدثنا أبو زكريا التبريزي قال : كان المعري يجري رزقا على جماعة ممن كان يقرأ عليه
ويتردد لأجل الأدب إليه.
وقرأت بخط أبي
الفرج محمد بن أحمد بن الحسن الكاتب الوزير زورنامج أنشأه لولده الحسن يذكر فيه
رحلته في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة إلى الحج من آذربيجان وعبوره بمعرة النعمان ،
ويذكر اجتماعه بأبي العلاء ، وذكر فصلا في تقريظه والثناء ، وسنورده بكماله في بعض
الفصول التي ترد في هذا الكتاب. ومن جملة ذلك قوله : وقصر همّه على أدب يفيده وتصنيف
يجيده ومتعلم يفضل عليه ومسترفد صعلوك يحسن إليه.
قال : وله دار
حسنة يأويها ، ومعاش يكفيه ويمونه ، وأولاد أخ باق يخدمونه ويقرؤون بين يديه
ويدرسون عليه ويكتبون له ، وورّاق برسمه مستأجر. ثم ينفق على نفسه من دخل معاشه
نفقة طفيفة ، وما يفضل عنه يفرقه على أخيه وأولاده واللائذين به وللفقراء
والقاصدين له من الغرباء.
وأخبرني القاضي
شهاب الدين أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سليمان يأثره عن المعريين أن الخطيب أبا
زكريا التبريزي قدم على الشيخ أبي العلاء وأقام عنده مدة يقرأ عليه ، وأعطاه
الخطيب صرة فيها ذهب وقال له : أوثر من الشيخ أن يدفعها إلى بعض من يراه ليشتري لي
بها خبزا ولحما وما تدعو حاجتي إليه ، ويجري ذلك علي في كل يوم لأتناوله مدة مقامي
عنده للقراءة ، وأتوفر بذلك على الاشتغال ، ويتفرغ بالي للاستفادة ، ويترفه خاطري
، ولا يكون لي شغل غير ما أنا بصدده. فأخذ الشيخ أبو العلاء الصرة منه ووضعها عنده
، وتقدم إلى وكيله وأجرى للخطيب ما تدعو إليه حاجته ، فتناول ذلك مدة مقامه بمعرة
النعمان وهو يظن أنه من ذهبه الذي دفعه إلى الشيخ ، فلما أراد الانصراف ودّع الشيخ
أبا العلاء فدفع إليه صرته بعينها ، فقال الخطيب للشيخ : ما ظننت أنك تفعل هذا ولا
أردت التثقيل عليك بغير الاستفادة من علمك. وعرّض له بأخذه ، فقال الشيخ : قد كان
ذلك ولا سبيل إلى ردّ هذه الصرة عليّ ، وهذا ذهبك بعينه. فأخذه الخطيب وانصرف رحمهماالله تعالى. وكان الخطيب فقيرا محتاجا.
فصل
في ذكر قناعة نفسه وشرفها وعفّتها عن أخذ صلات الناس وظلفها
قد ذكر أبو
العلاء في مقدمة سقط الزند أنه لم يكن من طلاب الرفد والصلة ، ولم يمدح أبو العلاء
إلا اليسير من الناس في صدر عمره قبل انقطاعه عن الناس ، وكان ذلك في مقارضة تقع
بينه وبين رجل كبير فاضل مثل الشريف أبي إبراهيم ، أو أن يكون ذلك الرجل من أهله
من تنوخ مثل أبي الرضا الفصيصي التنوخي ، أو الملك مطاع أو وزير معظم. ولم يمدحهم
لعطاء ولا نايل ، ولم يقبل هدية ولا صلة من شريف ولا وضيع.
وقد ذكر في
رسالته التي ذكرناها فيما قبل وكتبها إلى أهل معرة النعمان حين عزم على الانقطاع
في منزله والاحتجاب عن الناس : «وأحلف ما سافرت أستكثر من النشب ولا أتكثر بلقاء
الرجال» ثم قال بعد ذلك فيها : «ويحسن جزاء البغداديين ، فلقد وصفوني بما لا أستحق
وشهدوا لي بالفضيلة على غير علم ، وعرضوا عليّ أموالهم عرض الجد ، فصادفوني غير
جذل بالصفات ولا هشّ إلى معروف الأقوام» ا ه.
وقد ذكرنا في
الفصل المتقدم أن الوزير الفلاحي كتب إلى عزيز الدولة أبي شجاع فاتك متولي حلب
وأعمالها بحمل هذا العالم إلى مصر ليبنى له دار غلم يكون متقدما فيها ، وسمح بخراج
معرة النعمان له في حياته وبعده ، وأن عزيز الدولة نهض للوقت وسار إلى معرة
النعمان واجتمع بأبي العلاء وقرأ السجل وكتب إلى الوزير الفلاحي يستعفيه من ذلك ،
فأعفاه وسومح بترك ذلك كله.
وقرأت بخط أبي
اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي في ذكر أبي العلاء
بن سليمان رحمهالله قال : ولم يكن من شأنه أن يلتمس من أحد من خلق الله
شيئا. وكان كثير الأمراض فقال :
لا أطلب
السيب من الناس بل
|
|
أطلبه من
خالق السيب
|
ويشهد الأول
أني امرؤ
|
|
لي جسد يفرق
في عيبي
|
تضرب
أضراسي وظني بها التعطيس بالكندس في جيبي
|
ويلي
مما أنا فيه وجلّ الأمر عن ويح وعن ويب
|
لو أن أعمالي
محمودة
|
|
لقلت حوطي بي
واعني بي
|
ونقلت أيضا من
خط أبي اليسر في ذكره قال : وذكر أن المستنصر بالله صاحب مصر بذل له ما لبيت المال
بمعرة النعمان من الحلال فلم يقبل منه شيئا ، وقال :
كأنما غانة
لي من غنى
|
|
فعدّ عن معدن
أسوان
|
سرت برغمي عن
زمان الصبا
|
|
يعجلني وقتي
وأكواني
|
انتهى ما
وجدناه من الكتاب ولم يخل من أغلاط إذ ليس لدينا سوى نسخة واحدة.
العثور على جزء من كتاب الفصول والغايات :
قبيل انتهائنا
من طبع كتاب الإنصاف اطلعنا على العدد الثاني والعشرين من جريدة الميزان التي تصدر
في دمشق ، فإذا فيها : في سنة ١٩١٩ عثر محب الدين الخطيب صاحب مجلة الزهراء على
الجزء الأول من كتاب الفصول والغايات. فابتاعه من كتبي في مكة.
__________________
ثم ذكرت انتقال ذلك الكنز الثمين إلى الخزانة التيمورية في مصر. ثم وصفته
وذكرت نماذج منه فقالت :
قطع وسط وخط
جميل مقروء مضبوط بالحركات ضبطا تاما محكما ، وقد فقد من أوله ورقة أو اثنتان وكتب
في آخره أنه القسم الأول من كتاب الفصول والغايات في تمجيد الله ، تأليف أبي
العلاء أحمد بن عبد الله الخ. وهو مرتب على حروف الهجاء ، وكل فصوله تحتوي على
غايات تنتهي بالحرف الذي سمي به ذلك الفصل. فيقول مثلا فصل (غاياته همزة) و (فصل
غاياته الألف) و (فصل غاياته الباء) وهلم جرّا ، ويورد غايات كل فصل منتهية بالحرف
الذي سمي به الفصل. وقد جرى على أن يذكر وراء كل فصل غاية تفسيرا لما فيها من
الغريب. ولا يبعد أن يكون ذلك التفسير هو الشرح الذي ذكر المؤرخون أن المعري نفسه
شرح به كتاب الفصول.
والكتاب غير
مقصور على موضوع واحد ، بل هو بستان فيه من كل شجر أثر ومن كل فاكهة ثمر ، تعرض
فيه مؤلفه لكثير من المسائل الاجتماعية والدينية ، سالكا في أسلوبه مسالكه
المعروفة بين الجد والهزل ، مع الإغراب في بعض الأحايين والجنوح إلى استعمال
الاصطلاحات العلمية لفنون اللغة والأدب التي كان المعري من أبرع العالمين بها.
نماذج من الكتاب
(١) أحلف بسيف
هبّار ، وفرس ضبّار ، (تقع يداه مجتمعتين إذا وثب) يدأب في طاعة الجبّار ، وبركة
غيث المدرار ، تترك البسيطة حسنة الحبار (الهيئة) ، لقد خاب مضيع الليل والنهار ،
في استماع القينة وشرب العقار. أصلح قلبك بالأذكار ، صلاح النخلة بالإبار. لو كشف
ما تحت الأحجار ، فنظرت إلى الصديق المختار ، أكبرت ما نزل به كل الإكبار. نحن من
الزمن في خبار (أرض يصعب السير فيها). كم في نفسك من اعتبار. ألا تسمع قديمة
الأخبار ، أين ولد يعرب ونزار ، ما بقي لهم من إصار (وتد أو طنب) لا وخالق النار.
ما يرد الموت بالآباء. غاية.
(٢) الجسد بعد
فراق الروح كما قصّ من يدك ، وقصّر من فودك إذا ألقي فسيط (قلامة
__________________
الظفر) في النار ، لم تباله ، وإذا غرق قليل في اللجج فكذلك. هكذا يقول
المعقول. ولله نظر في العالم دقيق. لا يمتنع أن يكون جسد الصالح إذا قبر في نعيم ،
وجسد الكافر في عذاب أليم ، لا يعلم به الزائرون ، وعابد الله ليس بغبين. ليت
أنفاسي أعطين تمثّلا فتمثل كل نفس رجلا قائما يدعو الله تبتلا. يمنع جفنه لذيذ
الإغفاء. غاية.
(٣) أأسألك رب
أم أمسك ، فأنت العالم بضمائر الصدور. أما الدنيا فحظوظ ضاع فيها تعب الحريص ، فإن
كانت الآخرة كذلك ، فياويح المجتهدين. والخير عند ربنا لا يضيع. ليس قضاء الحاجة
باللجاجة. ولا الغلب بكثرة الجلب. إن مدلجا (المسافر في الليل) نبح ، حتى أصبح
ليجيبه كلب ، فأجابه أحصّ (ذئب) لا يردّه الألب. (الطرد) والله مخلف الظنون. نزلت
رحمة من الرقيع (السماء) إلى أهل البقيع ، (مقبرة في المدينة) فأضاءت السدف (الظلمة)
، في الجدف (القبر). وذلك من نور الله يسير. فارحمني رب إذا أدرجت ، ثم أخرجت ، من
الوطن ، إلى أضيق عطن. وخفت الأليل (أنين المريض) واستراح المعلّل من التعليل.
فالحرب الحرب. لقد أكرمت ووقيت. ثم أسلمت فألقيت ، في زوراء بعيدة المزار ، مورد
من يعرب ونزار ، وسكنى التربة ، أغرب من الغربة. انقضبت الآراب ، من أهل التراب ،
وغدر بهم أهل الوفاء. غاية.
(٤) كفرت
البرية وربها حليم. صوم الآبد (ذرق ذكر النعام) أفضل من صوم المفطر على حرام. فإذا
صمت عن المآثم فعند ذلك صم عن الطعام ، واحجج (الحجج هو أن يختلط الدم بالدماغ
فيجمع الدم بقطنة) كلوم جرائمك ، فإذا برئت فاحجج (زر) عند ذلك مشاهد الصالحين ،
واعلم أن صلاة المنافق صلاء النار ، وطهارة الخلد أبلغ من طهارة الجسد بالماء.
غاية.
(٥) قل للملك
الأرضي : ما فعلت بمرضي. أريت العبر ، وأوقدت العنبر ، وكان الليل بفنائك يشبه من
المصابيح الصباح. وكل نور ليس من عند الله فهو سريع الانطفاء.
غاية.
(٦) يا بغاة
الآثام ، وولاة أمور الأنام ، مرتع الجور وخيم. وغبه ليس بحميد. والتواضع أحسن
رداء. والكبر ذريعة المقت. والمفاخرة شر الكلام. كلنا عبيد الله ، فما بال الرجل
يقول : عبدي فلان. والعبودية له ألزم من طوق الحمامة؟ ومؤتي الملك
ملكه قاصر الصعلوك على عدمه ، وكاسي الجميل حلة الجمال هو سالبها القبيح.
فاحمد أيها البهج خاصك ، ولا تغمط سواك ، فبيد الله العطية والحرمان. يتيه الأنسي
، والسّرفة (دويبة) أصنع من الآدمي ، تتخذ لنفسها بيتا من حطام الشجر ورفات النبات
، يعجب له الراؤون ويعجز عنه العاملون. والجارسة (النحلة) تبني من الشمع أحسن مسكن
، وتودعه طيّب الأري. وزمازمها تسبيح لملهم الخير من أراد. فما فضيلة الصنع إذا
اتخذ قميصا للحرب كبارد الحبب (الفقاقيع التي تعلو وجه الماء) أو برد الحباب (الحية).
غاية.
(٧) خافوا الله
وتجنبوا المسكرات ، حمراء مثل النار. وصفراء كالدينار. وبيضاء تشبه الآل (السراب).
وكميتا وصهباء ، وكلّ ما أدرك من الألوان. ولو كانت أقسام اللب (العقل) كرهاق (كمقدار)
الحصى ، والسكرة من الجرع بمثل ذاك ، لقلت إن النغبة الواحدة حرام. ولو هجر أب
لجناية ولد لحرم العنب لجريرة المدام. وهل لها من ذنب. إنما الذنب لعاصر الجون ،
ومستخرجها وردية اللون ، وحابسها في الدن ، ومنتظرها برهة من الدهر ، وشاربها ورد
العطشان ، وتفوّق الرضيع. فاجتنبوا ما يذهب العقول ، فبها عرف الصواب. غاية.
(٨) أصدق
فأغضب. ويعجبني الكذب حين أكذب. إن عذّبت فبحق أعذّب. لو أنصفت لما غضبت من شتم
السواب. غاية.
(٩) اتق الله ،
فإنه جعلك عبد واحد ، فلا تكن عبد جميع ، تنصب وتجهد ولا يرضى منهم أحد. فاز
بالخريص (التمر) غير الحريص. ما لم تنله بجدك لم تنله بطعان ولا ضراب. غاية.
(١٠) أملك من
شداد بن عاد. ساعة تفتقر الأملاك. رجل اشترى كرّا وقصد منابت الشجر محتطبا ، فرجع
بالعضد (ما قطع من الشجر) مكتسبا ، فأحل في المكسب وأطاب. غاية.
(١١) أمر لا
يضرك الجهل به ، ولا يسألك عنه مولاك ، قولك : أخوك والزيدان ، أين منهما حرف
الإعراب. غاية.
(١٢) لا يسخط
الله عليك والملكان ، إذا لم تدر لم ضمّت تاء المتكلم أو فتحت تاء
الخطاب. غاية.
(١٣) أبصر آدم
القمر وطلعت عليه الشمس ففني المسكين وبنوه وبقيا على ممر الأحقاب. غاية.
(١٤) ألا أدلك
على أخلاق إذا فعلتها أطعت الله ، وأحبك الناس ، وبربنا اهتدى كل دليل. اسكت ما
استطعت إلا عن ذكر الله. فإذا نطقت فلا تصدق الكاذب ، ولا تكذب الصادقين. واعلم أن
الفقراء بطعامك أحق من الأغنياء. ولا تلم على شيء كان بقضاء الله. ولا تهزأن بأحد
ولا تر مع الهازلين. ولا توافد الظالم ولا تجالس المغتاب. غاية.
انتهى ما ذكرته
جريدة الميزان.
جاه أبي العلاء عند الملوك
وممن أطال في
ترجمته ياقوت في معجم الأدباء ، فإنه ترجمه في نحو ٤٠ صحيفة. وقد ذكر فيه أسرته
ومؤلفاته التي ذكرناها. ثم نقل من شعره في لزوم ما لا يلزم ما يدل على سوء عقيدته
، ثم نقل رسائل دارت بين أبي العلاء وبين أبي نصر بن أبي عمران داعي الدعاة بمصر ،
ثم قال بعدها : وكنا بحضرة القاضي الأكرم الوزير جمال الدين أبي الحسن علي ابن
يوسف بن إبراهيم الشيباني حرس الله مجده وفيه جماعة من أهل الفضل والأدب ، فقال
أبو الحسن علي بن عدلان النحوي الموصلي : حضرت بدمشق عند محمد بن نصر ابن عنين
الشاعر وزير المعظم ، فجاءته رقعة طويلة عريضة خالية من معنى فارغة من فائدة ،
فألقاها إليّ قائلا : هل رأيت قط رقعة أسقط أو أدبر من هذه مع طول وعرض؟ فتناولتها
فوجدتها كما قال ، وشرعت أخاطبه ، فأومأ إلي بالسكوت وهو مفكر ، ثم أنشدني لنفسه :
وردت منك
رقعة أسأمتني
|
|
وثنت صدري
الحمول ملولا
|
كنهار المصيف
ثقلا وكربا
|
|
وليالي
الشتاء بردا وطولا
|
فاستحسن أهل
المجلس هذه البديهة وعجبوا من حسن المعنى ، فقال القاضي الأكرم : ما زلت أستحسن
كلاما وجدته على ظهر كتاب ديوان الأعشى في مدينة قفط في سنة ٨٥ يتضمن لأبي العلاء
المعري يشبه ما في هذين البيتين من المقابلة ضدا بضد في
__________________
موضعين ، ولعل هذين البيتين يفضلان على ذلك ، فقلنا له : وما ذلك الكلام؟
فقال : حكي أن صالح بن مرداس صاحب حلب نزل على معرة النعمان محاصرا ونصب عليها
المناجيق ، واشتد في الحصار لأهلها ، فجاء أهل المدينة إلى الشيخ أبي العلاء
لعجزهم عن مقاومته ، لأنه جاءهم بما لا قبل لهم به ، وسألوا أبا العلاء تلافي
الأمر بالخروج إليه بنفسه وتدبير الأمر برأيه ، إما بأموال يبذلونها أو طاعة
يعطونها ، فخرج ويده في يد قائده ، وفتح الناس له بابا من أبواب معرة النعمان ،
وخرج منه شيخ قصير يقوده رجل ، فقال صالح : هو أبو العلاء فجيئوني به ، فلما مثل
بين يديه سلم عليه ثم قال : الأمير أطال الله بقاءه كالنهار الماتع قاظ وسطه وطاب
أبرداه ، أو كالسيف القاطع لان متنه وخشن حداه (خُذِ الْعَفْوَ
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) فقال صالح : (لا تَثْرِيبَ
عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) قد وهبت لك المعرة وأهلها ، وأمر بتقويض الخيام
والمناجيق فنقضت ، ورحل ، ورجع أبو العلاء وهو يقول :
نجّى المعرة
من براثن صالح
|
|
رب يعافي كلّ
داء معضل
|
ما كان لي
فيها جناح بعوضة
|
|
الله ألحفهم
جناح تفضّل
|
ذكاء أبي العلاء :
ومما يذكر من
شدة ذكائه ما ذكره في ثمرات الأوراق لابن حجة الحموي نقلا عن الحافظ اليعمري قال :
إن أبا نصر المنازي ، واسمه أحمد بن يوسف ، دخل على أبي العلاء المعري في جماعة من
أهل الأدب ، فأنشد كل واحد منهم من شعره ما تيسر ، فأنشد أبو نصر في وادي بطنان (في
الباب) :
وقانا لفحة
الرمضاء واد
|
|
سقاه مضاعف
الغيث العميم
|
نزلنا دوحة
فحنا علينا
|
|
حنوّ
الوالدات على الفطيم
|
وأرشفنا على
ظمأ زلالا
|
|
ألذّ من
المدامة للنديم
|
يصد الشمس أنّى
واجهتنا
|
|
فيحجبها
ويأذن للنسيم
|
تروع حصاه
حالية العذارى
|
|
فتلمس جانب
العقد النظيم
|
فقال أبو
العلاء : أنت أشعر من بالشام ، ثم رحل أبو العلاء إلى بغداد فدخل المنازي عليه في
جماعة من أهل الأدب ببغداد ، وأبو العلاء لا يعرف منهم أحدا ، فأنشد كل واحد
ما حضر من شعره ، حتى جاءت نوبة المنازي فأنشد :
لقد عرض
الحمام لنا بسجع
|
|
إذا أصغى له
ركب تلاحى
|
شجى قلب
الخليّ فقيل غنّى
|
|
وبرّح
بالشجيّ فقيل ناحا
|
وكم للشوق في
أحشاء صب
|
|
إذا اندملت
أجدّ لها جراحا
|
ضعيف الصبر
عنك وإن تقاوى
|
|
وسكران
الفؤاد وإن تصاحى
|
بذاك بنو
الهوى سكرى صحاة
|
|
كأحداق المها
مرضى صحاحا
|
فقال أبو
العلاء : ومن بالعراق ، عطفا على قوله ومن بالشام. انتهى.
قصة أبي العلاء مع صاحب حلب :
قال الصلاح
الصفدي في كتابه نكت الهيمان : قال سبط بن الجوزي في المرآة : قال الغزالي : حدثني
يوسف بن علي بأرض الهركار قال : دخلت معرة النعمان وقد وشى وزير محمود بن صالح
صاحب حلب إليه بأن المعري زنديق لا يرى إفساد الصور ، ويزعم أن الرسالة تحصل بصفاء
العقل ، فأمر محمود بحمله إليه وبعث خمسين فارسا ليحملوه ، فأنزلهم أبو العلاء دار
الضيافة ، فدخل عليه عمه مسلم بن سليمان وقال : يا بن أخي ، قد نزلت بنا هذه
الحادثة ، الملك محمود يطلبك ، فإن منعناك عجزنا ، وإن أسلمناك كان عارا علينا عند
ذوي الذمام ويركب تنوخا الذل والعار ، فقال له : هوّن عليك يا عم ، فلا بأس علينا
، فلي سلطان يذب عني. ثم قام فاغتسل وصلى إلى نصف الليل ، ثم قال لغلامه : انظر
إلى المريخ أين هو ، قال : في منزلة كذا وكذا ، قال : زنه واضرب تحته وتدا وشد في
رجلي خيطا واربطه إلى الوتد ، ففعل غلامه ذلك ، فسمعناه وهو يقول : يا قديم الأزل
، يا علة العلل ، يا صانع المخلوقات وموجد الموجودات ، أنا في عزك الذي لا يرام ،
وكنفك الذي لا يضام ، الضيوف الضيوف ، الوزير الوزير ، ثم ذكر كلمات لا تفهم ،
وإذا بهدة عظيمة ، فسئل عنها فقيل : وقعت الدار على الضيوف الذين كانوا بها فقتلت
الخمسين.
وعند طلوع
الشمس وقعت بطاقة من حلب على جناح طائر : لا تزعجوا الشيخ فقد وقع الحمّام على
الوزير.
قال يوسف بن
علي : فلما شاهدت ذلك دخلت على المعري فقال : من أنت؟ قلت : أنا من أرض الهركار ،
فقال : زعموا أني زنديق. ثم قال : اكتب ، وأملي علي وذكر أبياتا من قصيدة ذكرتها
أنا ، وأولها :
أستغفر الله
في أمني وأوجالي
|
|
من غفلتي
وتوالي سوء أعمالي
|
قالوا هرمت
ولم تطرق تهامة في
|
|
مشاة وفد ولا
ركبان أجمال
|
فقلت إني
ضرير والذين لهم
|
|
رأي رأوا غير
فرض الحج أمثالي
|
ما حج جدي
ولم يحجج أبي وأخي
|
|
ولا ابن عمي
ولم يعرف منى خالي
|
وحج عنهم
قضاء بعدما ارتحلوا
|
|
قوم سيقضون
عني بعد ترحالي
|
فإن يفوزوا
بغفران أفز معهم
|
|
أو لا فإني
بنار مثلهم صالي
|
ولا أروم
نعيما لا يكون لهم
|
|
فيه نصيب وهم
رهطي وأشكالي
|
فهل أسرّ إذا
حمّت محاسبتي
|
|
أم يقتضي
الحكم تعتابي وتسآلي
|
من لي برضوان
أدعوه فيرحمني
|
|
ولا أنادى مع
الكفار أمثالي
|
باتوا وحتفي
أمانيهم مصورة
|
|
وبت لم
يخطروا مني على بال
|
وفوّقوا لي
سهاما من سهامهم
|
|
فأصبحت وقّعا
عني بأميال
|
فما ظنونك إذ
جندي ملائكة
|
|
وجندهم بين
طوّاف وبقّال
|
لقيتهم بعصا
موسى التي منعت
|
|
فرعون ملكا
ونجّت آل إسرال
|
أقيم خمسي
وصوم الدهر آلفه
|
|
وأدمن الذكر
أبكارا بآصال
|
عيدين أفطر
في عامي إذا حضرا
|
|
عيد الأضاحيّ
يقفو عيد شوال
|
إذا تنافست
الجهال في حلل
|
|
رأيتني وخسيس
القطن سربالي
|
لا آكل
الحيوان الدهر مأثرة
|
|
أخاف من سوء
أعمالي وآمالي
|
وأعبد الله
لا أرجو مثوبته
|
|
لكن تعبد
إكرام وإجلال
|
أصون ديني عن
جعل أؤمله
|
|
إذا تعبّد
أقوام بأجعال
|
قال الدكتور طه
حسين المصري في كتابه الذي وضعه في ترجمة أبي العلاء وسماه ذكرى أبي العلاء في
صحيفة (٢٠٧) : إن هذه القصة تكذب نفسها ، فإن عم أبي العلاء مات قبل أبيه ، ولم
يكن أبو العلاء ينتحل السحر ولا يعرف الطلسمات.
أقول : لم أجد
بين أقارب أبي العلاء الذين ذكرهم ابن العديم وياقوت أن له عما تسمى بمسلم بن
سليمان ، ولم أقف على ترجمة لهذا الرجل ، وكان على صاحب الذكرى أن يذكر لنا ذلك
ولو ملخصا ويذكر تاريخ وفاته.
وهذه الحكاية
نقلها صاحب «سكردان السلطان» عن طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة
وقال : إنه دخل عليه مسلم بن سليمان فقال : يا بن أخي إلخ ، ولم يذكر كلمة
العم ، فيظهر منها أن مسلم ليس عمه ، ومناداته له يا بن أخي إنما كانت جريا على
العادة المعروفة من مناداة الكبير لمن كان أصغر منه بيا بن أخي.
وإني أكذب هذه
القصة من جهة أخرى ، وذلك أنه قال هو وصاحب السكردان : إنها وقعت في زمن محمود بن
صالح بن مرداس صاحب حلب ، ومحمود تولى حلب سنة ٤٥٢ كما تقدم ، وأبو العلاء كان قد
توفي قبل ذلك بنحو أربع سنوات ، لأن وفاته سنة ٤٤٩.
ذكر من قال إنه فاسد العقيدة :
قال ياقوت في
المعجم : كان أبو العلاء متهما في دينه ، يرى رأي البراهمة ، لا يرى إفساد الصورة
ولا يأكل لحما ولا يؤمن بالرسل والبعث والنشور. وعاش شيئا وثمانين سنة ، لم يأكل اللحم منها خمسة وأربعين سنة.
وحدثت أنه مرض
مرة ، فوصف له الطبيب الفرّوج ، فلما جيء به لمسه بيده وقال : استضعفوك فوصفوك ،
هلا وصفوا شبل الأسد. (ثم قال) : وكان يحرم إيلام الحيوان ويقتصر على ما تنبت
الأرض ، ويلبس خشن الثياب ، ويظهر دوام الصوم. قال : ولقيه رجل فقال له : لم لا
تأكل اللحم؟ قال : أرحم الحيوان ، قال : فما تقول في السباع التي لا طعام لها إلا
لحوم الحيوان ، فإن كان لذلك خالق فما أنت بأرأف منه ، وإن كانت الطبائع المحدثة
لذلك فما أنت بأحذق منها ولا أتقن عملا ، فسكت.
قال ابن الجوزي
: وقد كان يمكنه أن لا يذبح رحمة ، وأما ما قد ذبحه غيره فأي رحمة بقيت.
قال : وحدّثنا عن
أبي زكريا (التبريزي تلميذه) أنه قال : قال لي المعري : ما الذي تعتقد؟ فقلت في
نفسي : اليوم أقف على اعتقاده ، فقلت له : ما أنا إلا شاكّ ، فقال : وهكذا شيخك.
__________________
قال القاضي أبو
يوسف عبد السلام القزويني : قال لي المعري : لم أهج أحدا قط ، فقلت له : صدقت ،
إلا الأنبياء عليهمالسلام ، فتغير وجهه.
(ثم قال) :
والناس في أبي العلاء مختلفون ، فمنهم من يقول إنه كان زنديقا وينسبون إليه أشياء
مما ذكرناها ، ومنهم من يقول كان زاهدا عابدا متقللا يأخذ نفسه بالرياضة والخشونة
والقناعة باليسير والإعراض عن أعراض الدنيا.
وذكر ابن خلكان
في ترجمة أحمد بن يوسف بن نصر المنازي الكاتب : اجتمع المنازي بأبي العلاء بمعرة
النعمان ، فشكا أبو العلاء إليه حاله وأنه منقطع عن الناس وهم يؤذونه ، فقال : ما
لهم ولك ، وقد تركت لهم الدنيا والآخرة ، فقال أبو العلاء : والآخرة أيضا ، وجعل يكررها ويتألم
لذلك ، وأطرق فلم يكلمه إلى أن قام.
وقال الجلال
السيوطي في «بغية الوعاة» في ترجمة أبي حيان التوحيدي : قال ابن الجوزي : زنادقة
الإسلام ثلاثة : ابن الراوندي والتوحيدي وأبو العلاء المعري.
وقال الصلاح
الصفدي في «نكت الهميان» : وأما الشيخ شمس الدين الذهبي فحكم بزندقته في ترجمة له
طولها في «تاريخ الإسلام» وذكر فيها عنه قبائح ، وأظن الحافظ السلفي قال : إنه تاب
وأناب. (ثم قال) :
قال ابن العديم
: وقرأت بخط أبي اليسر المعري في ذكره : وكان رضياللهعنه يرمي من أحل الحسد له بالتعطيل ، ويعمل تلامذته وغيرهم
على لسانه الأشعار يضمنونها أقاويل الملحدة قصدا لهلاكه وإيثارا لإتلاف نفسه ،
فقال رضياللهعنه :
حاول إهواني
قوم فما
|
|
واجهتهم إلا
بإهواني
|
يحرّبوني
بسعاياتهم
|
|
فغيروا نيّة
إخواني
|
لو استطاعوا
لوشوا بي إلى
|
|
المريخ في
الشهب وكيوان
|
وقال أيضا :
غريت بذمي
أمة
|
|
وبحمد خالقها
غريت
|
__________________
وعبدت ربي ما
استطعت
|
|
ومن بريته
بريت
|
وفرتني الجهال حاشدة
علي وما فريت
سعروا عليّ فلم أحس وعندهم أني هريت
وجميع ما فاهوا به كذب لعمري حنبريت
قال الصلاح :
أما الموضوع على لسانه فلعله لا يخفى على من له لب ، وأما الأشياء التي دوّنها
وقالها في «لزوم ما لا يلزم» وفي «استغفر واستغفري» فما فيه حيلة ، وهو كثير ، فيه
ما فيه من القول بالتعطيل والاستخفاف بالنبوات ، ويحتمل أنه أرعوى وتاب بعد ذلك.
وسألت الحافظ
فتح الدين محمد بن سيد الناس (فقلت له) : ما كان رأي الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في أبي
العلاء؟ فقال : كان يقول : هو في حيرة. (قلت : وهذا أحسن ما يقال في أمره) ، لأنه قال في داليته التي في سقط الزند :
خلق الناس
للبقاء فضلّت
|
|
أمة يحسبونهم
للنفاد
|
إنما ينقلون
من دار أعما
|
|
ل إلى دار
شقوة أو رشاد
|
ثم قال في لزوم
مالا يلزم :
ضحكنا وكان
الضّحك منا سفاهة
|
|
وحقّ لسكان
البسيطة أن يبكوا
|
تحطّمنا
الأيام حتى كأننا
|
|
زجاج ولكن لا
يعاد لنا سبك
|
فالأول اعتراف
بالمعاد ، والثاني إنكار له. وهذه الأشياء في كلامه كثيرة ، وهي تناقض منه ، وإلى
الله ترجع الأمور.
وقال قبل ذلك :
والناس مختلفون في أمره ، والأكثرون على إكفاره وإلحاده.
أورد له الإمام
فخر الدين الرازي في كتاب «الأربعين» قوله :
قلتم لنا
صانع قديم
|
|
قلنا صدقتم
كذا نقول
|
ثم زعمتم بلا
زمان
|
|
ولا مكان ألا
فقولوا
|
__________________
هذا كلام له
خبيء
|
|
معناه ليست
لنا عقول
|
قال الإمام بعد
ذلك : وقد هذى هذا في شعره.
ذكر من أثنى عليه وقال إنه صحيح العقيدة :
قال الصلاح :
وحكي عن الشيخ كمال الدين بن الزملكاني رحمهالله تعالى أنه قال في حقه : هو جوهرة جاءت إلى الوجود
وذهبت.
وقال ابن خلكان
في ترجمة أبي الحسن علي الهكاري : إن الهكاري لقي الشيخ أبا العلاء المعري وسمع
منه ، فلما انفصل عنه سأله بعض أصحابه عما رآه منه وعن عقيدته فقال : هو رجل من
المسلمين.
ووجدت في
مجموعة للشيخ محمد المواهبي الحلبي فيها ترجمة أبي العلاء قال : قال السلفي (محدث
الإسكندرية) : ومما يدل على صحة عقيدته ما سمعت الخطيب حامد بن بختيار النميري
يحدث بالشمسانية : مدينة بالخابور قال : سمعت القاضي أبا المهذب عبد المنعم ابن
أحمد السروجي يقول : سمعت أخي القاضي أبا الفتح يقول : دخلت على أبي العلاء المعري
التنوخي بالمعرة ذات يوم في وقت صلاة بغير علم منه ، وكنت أتردد عليه وأقرأ عليه ، فسمعته
ينشد من قوله :
كم غودرت
غادة كعاب
|
|
وعمّرت أمها
العجوز
|
أحرزها
الوالدان خوفا
|
|
والقبر حرز
لها حريز
|
يجوز أن
تبطىء المنايا
|
|
والخلد في
الدهر لا يجوز
|
ثم تأوه مرات
وتلا (إِنَّ فِي ذلِكَ
لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ
وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ. وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ يَوْمَ
يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) ثم صاح وبكى بكاء شديدا وطرح وجهه على الأرض زمانا ، ثم
رفع رأسه ومسح وجهه وقال : سبحان من تكلم بهذا في القدم ، سبحان من هذا كلامه. فصبرت
ساعة ، ثم سلمت عليه فرد وقال : متى أتيت؟ فقلت : الساعة ، ثم قلت : يا سيدي ، أرى
في وجهك أثر غيظ ، فقال : لا يا أبا الفتح ، بل أنشدت شيئا من كلام
__________________
المخلوق ، وتلوت شيئا من كلام الخالق ، فلحقني ما ترى. فتحققت صحة دينه
وصحة يقينه.
شعر أبي العلاء في نظر العلماء والأدباء :
قال الإسكندري : وكان أبو العلاء أحكم من رأى الناس بعد المتنبي ،
ويزيد عليه في الغريب والأخيلة الدقيقة والتكلم في الطبائع ووسائل الاجتماع وعادات
الناس وأخلاقهم ومكرهم وظلمهم ، ونظام الحكومات والقوانين والشرائع والأديان ،
ولذلك يفضله الإفرنج ومستعربوهم عليه ، وهو في هذه الأمور معدوم النظير ، ولم ينظم
في الملة أحد غيره فيها.
وشعره في
المدائح والمراثي والوصف وبقية أغراض الشعر الأدبية أرق من شعره في النقد
والفلسفة. إلا أن أكثر شعره من هذا القبيل ضمنه لزوم ما لا يلزم ، فتقيد فيه بقيود
حبست أفكاره ونهكت معانيه ، فجاءت ألفاظه فيه غريبة وأساليبه معقدة ، وعندنا أن
هذا أمقت شذوذ له ، وإلا فما للفيلسوف والقيود اللفظية ، وقد كان له في نظم
الأفكار التي لم تخطر على قلب أحد سواه غنية وشهادة على براعته وسبقه. ولله في
خلقه شؤون ا ه.
ذكر وفاته وبعض ما رثي به :
قال ابن خلكان
: توفي ثاني شهر ربيع الأول ، وقيل ثالث عشرة سنة تسع وأربعين وأربعمائة بالمعرة.
وبلغني أنه أوصى أن يكتب على قبره هذا البيت :
هذا جناه أبي
علي
|
|
وما جنيت على
أحد
|
وكان مرضه
ثلاثة أيام ، ومات في اليوم الرابع ، ولم يكن عنده غير بني عمه ، فقال لهم في
اليوم الثالث : اكتبوا عني ، فتناولوا الدويّ والأقلام ، فأملى عليهم غير الصواب. فقال
القاضي أبو محمد عبد الله التنوخي : أحسن الله عزاءكم في الشيخ ، فإنه ميت. فمات
ثاني يوم. ولما توفي رثاه تلميذه أبو الحسن علي بن همام بقوله :
إن كنت لم
ترق الدماء زهادة
|
|
فلقد أرقت
اليوم من جفني دما
|
__________________
سيّرت ذكرك
في البلاد كأنه
|
|
مسك فسامعة
يضمّخ أو فما
|
وأرى الحجيج
إذا أرادوا ليلة
|
|
ذكراك أوجب
فدية من أحرما
|
قال الصلاح في «نكت
الهميان» : قال أبو الرضا عبد الواحد بن نوت المعري يرثيه :
سمر الرماح
وبيض الهند تشتور
|
|
في أخذ ثأرك
والأقدار تعتذر
|
والدهر ناقد
أهل العلم قاطبة
|
|
كأنهم بك في
ذا القبر قد قبروا
|
فهل ترى بك
دار العلم عالمة
|
|
أن قد تزعزع
منها الركن والحجر
|
والعلم بعدك
غمد فات منصله
|
|
والفهم بعدك
قوس ماله وتر
|
وممن رثاه (كما
في ذكرى أبي العلاء) أبو الفتح الحسن بن عبد الله بن حصينة المعري الذي رثاه
بقصيدة طويلة يقول فيها :
العلم بعد
أبي العلاء مضيّع
|
|
والأرض خالية
الجوانب بلقع
|
أودى وقد ملأ
البلاد غرائبا
|
|
تسري كما
تسري النجوم الطلّع
|
ما كنت أعلم
وهو يودع في الثرى
|
|
أن الثرى فيه
الكواكب تودع
|
جبل ظننت وقد
تزعزع ركنه
|
|
أن الجبال
الراسيات تزعزع
|
وعجبت أن تسع
المعرة قبره
|
|
ويضيق بطن
الأرض عنه الأوسع
|
لو فاضت
المهجات يوم وفاته
|
|
ما استكثرت
فيه فكيف الأدمع
|
تتصرم الدنيا
وتأتي بعده
|
|
أمم وأنت
بمثله لا تسمع
|
لا تجمع
المال العتيد وجد به
|
|
من قبل تركك
كلّ شيء تجمع
|
فإن استطعت
فسر بسيرة أحمد
|
|
تأمن خديعة
من يغر ويخدع
|
رفض الحياة
ومات قبل مماته
|
|
متطوعا بأبرّ
ما يتطوع
|
عين تسهّد
للعفاف وللتقى
|
|
أبدا وقلب
للمهيمن يخشع
|
شيم تجمّله
فهن لمجده
|
|
تاج ولكن
بالثناء يرصّع
|
جادت ثراك
أبا العلاء غمامة
|
|
كندى يديك
ومزنة لا تقلع
|
ما ضيّع
الباكي عليك دموعه
|
|
إن الدموع
على سواك تضيّع
|
__________________
قصدتك طلّاب
العلوم ولا أرى
|
|
للعلم بابا
بعد بابك يقرع
|
مات النهى
وتعطلت أسبابه
|
|
وقضى التأدّب
والمكارم أجمع
|
قال الشيخ
المواهبي الحلبي في مجموعته : قال السلفي : سمعت أبا المكارم بأبهر ، وكان من
أفراد الزمان ثقة مالكي المذهب ، قال : لما توفي أبو العلاء اجتمع على قبره ثمانون
شاعرا وختموا في أسبوع واحد على القبر مائتي ختمة.
كلمتنا في أبي العلاء رحمهالله :
إن ما قيل إنه
له مما يدل على التعطيل وإنكار المعاد إما أن يكون مدسوسا عليه بقصد إيذائه ، كما
ذكر ذلك الكمال بن العديم ، وقد وقع ذلك لغيره من العلماء كالشيخ محيي الدين بن
عربي والشيخ عبد الوهاب الشعراني ، ولما علم أن الناس قد افتروا عليه أنشد :
وقد نطقوا
مينا على الله وافتروا
|
|
فما لهم لا
يفترون عليكا
|
وإما أن يكون
مما قاله لكنه يكون قابلا للتأويل ، ويمكن حمله على معنى صحيح إذا تأمله المتأمل ذو
البصيرة ودقق في المعنى الذي قصده.
وإما أن يكون
مما قاله في أول نشأته وفي عنفوان شبابه ، وقد استولت في ذلك الحين عليه الحيرة
وداخلته الشكوك والظنون ، كما قاله ابن دقيق العيد ، ولذا كان يناقض نفسه في شعره
، يسلم تارة وينفي أخرى.
ومنشأ ذلك أن
الكثير من الطلاب الأذكياء يفتح عليهم في مبدأ أمرهم باب الغرور والإعجاب بالنفس ،
وذلك حينما يرون أنفسهم أنهم قد حصلوا في مدة قليلة ما لم يحصله غيرهم في سنين
كثيرة ، فتثور في نفوسهم ثائرة الدعوى والتطاول على الأقران ، ويؤديهم الإعجاب
بالرأي إلى التكلم بمقتضى أهوائهم وعلى حسب ما توحيه إليهم ضمائرهم ، وإن كان ذلك
من الحقيقة في مكان بعيد.
تبقى هذه
حالتهم يتخبطون في دياجي الشكوك وتتقاذفهم أمواج الحيرة والأوهام ، إلى أن تتوسع
فيهم دائرة المعرفة وينضج علمهم ويبعد بواسطة كثرة الاطلاع وإعمال الفكر نظرهم ،
فهناك ينتبهون بعد غفلتهم ، ويستيقظون بعد رقدتهم ، ويعودون إلى الطريقة المثلى
والمنهاج القويم.
ومن هؤلاء
الناس أبو العلاء المعري ، فإنه لذهنه المتوقد وذكائه المفرط سار في ميدان الدعوى
وأبعد في الجولان فيه ، حتى أدّاه ذلك أن يقول بيته المشهور :
وإني وإن كنت
الأخير زمانه
|
|
لآت بما لم
تستطعه الأوائل
|
وما زال يجدّ
في ذلك إلى أن وقع في وادي الحيرة وهوى في هوة الشكوك والأوهام ، فكان يذهب تارة
إلى التسليم بالنبوات واعتقاد الحشر والمعاد وأن هناك جنة ونارا وثوابا وعقابا ،
وتارة يذهب إلى نفي ذلك وإنكاره. ظل على ذلك إلى أن تقدم سنه ونضج علمه ، ورأى
بعين البصيرة أن ما ظهر له من الحقائق الكونية بالنسبة إلى ما بقي تحت طي الخفاء
ما هو إلا كقطرة من بحر ، فهناك استبان له عجزه وتجلى له قصور المدارك الإنسانية
وأنها مهما اتسعت فإن لها حدا لا تتعداه ، وعلم أن وراء الأكمة ما وراءها ، وتحقق
معنى قوله تعالى : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ
الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) ودعاه ذلك أن يقول :
ماذا تريدون
لا مال تيسّر لي
|
|
فيستماح ولا
علم فيقتبس
|
أتسألون
جهولا أن يفيدكم
|
|
وتحلبون
سفيّا ضرعها يبس
|
وعند ذلك تاب
إلى طريق الرشد وعاد إلى منهاج الحق ولازم الذكر والعبادة مع التقشف والزهد في
الدنيا والتباعد عن أهلها ، إلى أن أتاه اليوم الموعود والأجل المحتوم.
ونحن نذكر لك
من نظمه مما ذكره في «لزوم ما لا يلزم» ما تستدل به على صحة إيمانه ودينه ويجعلك
مطمئن القلب على حسن عقيدته ويقينه ، كقوله :
أرائيك
فليغفر لي الله زلتي
|
|
بذاك ودين
العالمين رئاء
|
إذا قومنا لم
يعبدوا الله وحده
|
|
بنصح فإنّا
منهم برآء
|
وقوله :
للمليك
المذكرات عبيد
|
|
وكذاك
المؤنثات إماء
|
فالهلال
المنيف والبدر والفر
|
|
قد والصبح
والثرى والماء
|
والثريا والشمس
والنار والنثرة والأرض والضحى والسماء
هذه كلها لربك ما
عابك في قول ذلك الحكماء
وقوله :
خلني يا أخيّ أستغفر الله فلم يبق فيّ إلا الذماء
وقوله :
تقواك زاد
فاعتقد أنه
|
|
أفضل ما
أودعته في السقاء
|
آه غدا من
عرق نازل
|
|
ومهجة مولعة
بارتقاء
|
وقوله :
انفرد الله
بسلطانه
|
|
فما له في كل
حال كفاء
|
قد خفيت
قدرته عنكم
|
|
وهل لها عن
ذي رشاد خفاء
|
وقوله :
بعلم إلهي
يوجد الضعف شيمتي
|
|
فلست مطيقا
للغدوّ ولا المسرى
|
غبرت أسيرا
في يديه ومن يكن
|
|
له كرم تكرم
بساحته الأسرى
|
أأصبح في
الدنيا كما هو عالم
|
|
وأدخل نارا
مثل قيصر أو كسرى
|
وإني لأرجو
منه يوم تجاوز
|
|
فيأمر لي ذات
اليمين إلى اليسرى
|
وقوله :
لا تكذبنّ
فإن فعلت فلا تقل
|
|
كذبا على ربّ
السماء تكسّبا
|
فالله فرد
قادر من قبل أن
|
|
تدعى لآدم
صورة أو تحسبا
|
وقوله :
لك الملك إن
تنعم فذاك تفضّل
|
|
عليّ وإن
عاقبتي فبواجب
|
يقوم الفتى
من قبره إن دعوته
|
|
وماجر مخطوط
له في الرواجب
|
عصا النسك
أحمى ثمّ من رمح عامر
|
|
وأشرف عند
الفخر من قوس حاجب
|
وقوله :
الحمد لله ما
في الأرض وادعة
|
|
كلّ البرية
في همّ وتعذيب
|
جاء النبي
بحق كي يهذبكم
|
|
فهل أحس لكم
طبع بتهذيب
|
وقوله :
عاقبة الميّت
محمودة
|
|
إذا كفى الله
أليم العقاب
|
ليس عذاب
الله من خانه
|
|
كالقطع
للأيدي وضرب الرقاب
|
لكنه متصل
فاحتقب
|
|
ما شئت لا
يوضع كوضع الحقاب
|
وناره لا
تشبه النار في
|
|
أفنائها ما
أطعمت من ثقاب
|
كم عمل أهمله
عامل
|
|
يحفظه خالقنا
بارتقاب
|
وقوله :
وصاغني الله
من ماء وها أنا ذا
|
|
كالماء أجري
بقدر كيف جرّيت
|
بريت للأمر
لم أعرف حقائقه
|
|
فليتني من
حساب الله برّيت
|
وقوله :
الحمد لله قد
أصبحت في دعة
|
|
أرضى القليل
ولا أهتم للقوت
|
وشاهد خالقي
أن الصلاة له
|
|
أجلّ عندي من
درّي وياقوتي
|
وقوله :
وقدرة الله
حقّ ليس يعجزها
|
|
حشر لخلق ولا
بعث لأموات
|
فاعجب
لعلويّة الأجرام صامتة
|
|
فيما يقال
ومنها ذات أصوات
|
وقوله :
أثبتّ لي
خالقا حكيما
|
|
ولست من معشر
نفاة
|
وقوله :
أومّل عفو
الله والصدر جائش
|
|
إذا خلجتني
للمنون الخوالج
|
هناك تودّ
النفس ان ذنوبها
|
|
قليل وأن
القدح بالخير فالج
|
وقوله :
أما الحياة
فلا أرجو نوافلها
|
|
لكنني لإلهي
خائف راجي
|
ربّ السماك
وربّ الشمس طالعة
|
|
وكلّ أزهر في
الظلماء خرّاج
|
وقوله :
والتاج تقوى
الله لا ما رصّعوا
|
|
ليكون زينا
للأمير التائج
|
وقوله :
عجبي للطبيب
يلحد في الخا
|
|
لق من بعد
درسه التشريحا
|
وقوله :
تنسّكت بعد
الأربعين ضرورة
|
|
ولم يبق إلا
أن تقوم الصوارخ
|
فكيف ترجي أن
تثاب وإنما
|
|
يرى الناس
فضل النسك والمرء شارخ
|
وقوله :
مولاك مولاك
الذي ماله
|
|
ندّ وخاب
الكافر الجاحد
|
آمن به
والنفس ترقى وإن
|
|
لم يبق إلا
نفس واحد
|
ترجو بذاك
العفو منه إذا
|
|
ألحدت ثم
انصرف اللاحد
|
وقوله :
وإن لحق
الإسلام خطب يغضّه
|
|
فما وجدت
مثلا له نفس واجد
|
وإن أعظموا
كيوان عظّمت واحدا
|
|
يكون له
كيوان أول ساجد
|
وقوله :
إذا كنت من
فرط السفاه معطّلا
|
|
فيا جاحد
اشهد أنني غير جاحد
|
أخاف من الله
العقوبة آجلا
|
|
وأزعم أن
الأمر في يد واحد
|
فإني رأيت
الملحدين تعودهم
|
|
نداماتهم عند
الأكفّ اللواحد
|
وقوله :
تعالى الله
كم ملك مهيب
|
|
تبدّل بعد
قصر ضيق لحد
|
أقرّ بأن لي
ربّا قديرا
|
|
ولا ألقى
بدائعه بجحد
|
وقوله :
اركع لربك في
نهارك واسجد
|
|
وإذا أطقت
تهجّدا فتهجّد
|
وإذا غلا
البر النقيّ فشارك ال
|
|
فرس الكريم
وساو طرفك تمجد
|
وقوله :
أما المجاور
فارعه وتوقّه
|
|
واستعف ربك
من جوار الملحد
|
ليس الذي جحد
المليك وقد بدت
|
|
آياته بأخ
لمن لم يجحد
|
وأرى التوحّد
في حياتك نعمة
|
|
فإن استطعت
بلوغه فتوحّد
|
وقوله :
الله صوّرني
ولست بعالم
|
|
لم ذاك سبحان
القدير الواحد
|
فلتشهد
الساعات والأنفاس لي
|
|
أني برئت من
الغويّ الجاحد
|
وقوله :
اذكر إلهك إن
هببت من الكرى
|
|
وإذا هممت
لهجعة ورقاد
|
واحذر مجيئك
في الحساب بزائف
|
|
فالله ربك
أنقد النقّاد
|
تغشى جهنم
دمعة من نائب
|
|
فتبوخ وهي
شديدة الإيقاد
|
وقوله :
نبذتم
الأديان من خلفكم
|
|
وليس في
الحكمة أن تنبذا
|
لا قاضي
المصر أطعتم ولا
|
|
الحبر ولا
القسّ ولا الموبذا
|
إن عرضت
ملّتكم بينهم
|
|
قال جميع
القوم : لا حبذا
|
وقوله :
لا ملك للملك
المقصور نعلمه
|
|
وكل ملك على
الرحمن مقصور
|
مضت قرون
وتمضي بعدنا أمم
|
|
والسرّ خاف
إلى أن ينفخ الصور
|
لم يحص أعداد
رمل الأرض ساكنها
|
|
وكلّ ذلك عند
الله محصور
|
وقوله :
فمجدوا ربكم
إلى أن
|
|
تلفظ أمواتها
القبور
|
فكل ما تفعل
البرايا
|
|
إلا تقى
ربّها يبور
|
وقوله :
فلك يدور
بحكمة
|
|
وله بلا ريب
مدير
|
إن منّ
مالكنا بما
|
|
نهوى فمالكنا
قدير
|
أولا فعالم
آدم
|
|
بإهانة المولى
جدير
|
وقوله :
نحن عبيد
الله في أرضه
|
|
وأعوز
المستعبد الحرّ
|
بفضل مولانا
وإحسانه
|
|
يماط عنا
البؤس والضرّ
|
أما يرى
الإنسان في نفسه
|
|
آيات ربّ
كلّها غرّ
|
في فمه عذب
وفي عينه
|
|
ملح وفي
مسمعه مرّ
|
يكر موتانا
إلى الحشر إن
|
|
قال لهم بارئهم
كرّوا
|
وقوله :
إذا تم فيما
يؤنس العين مضجعي
|
|
فزدني هداك
الله من سعة شبرا
|
وإن سألوا عن
مذهبي فهو خشية
|
|
من الله لا
طوقا أبث ولا جبرا
|
وقوله :
فلا تنسوا
الله الذي لو هديتم
|
|
إلى رشدكم ما
زال منكم على ذكر
|
وقوله :
عش مجبرا أو
غير مجبر
|
|
فالخلق مربوب
مدبّر
|
إن شاء من
خلق السماك
|
|
أعاشني فنهضت
أغبر
|
عجلان أنفض
لمتي
|
|
لتحد أعمالي
وتسبر
|
وقوله :
ومتى شاء
الذي صوّرنا
|
|
أشعر الميت
نشورا فنشر
|
فافعل الخير
وأمّل غبّه
|
|
فهو الذخر
إذا الله حشر
|
وقوله :
أمر الخالق
فاقبل ما أمر
|
|
واشكر الله
إذا العذب أمرّ
|
أضمر الخيفة
واضمر قلّما
|
|
أحرز الطّرف
المدى حتى ضمر
|
أيها الملحد
لا تعص النهى
|
|
فلقد صحّ
قياس واستمرّ
|
إن تعد في
الجسم يوما روحه
|
|
فهو كالربع
خلا ثم عمر
|
وقوله :
وموّه الناس
حتى ظنّ جاهلهم
|
|
أن النبوة تمويه
وتدليس
|
جاءت من
الفلك العلويّ حادثة
|
|
فيها استوى
جبناء القوم والليس
|
وقوله :
الحمد لله قد
أصبحت في لجج
|
|
مكابدا من
هموم الدهر قاموسا
|
قالت معاشر
لم يبعث إلهكم
|
|
إلى البرية
عيساها ولا موسى
|
وإنما جعلوا
للقوم مأكلة
|
|
وصيّروا
لجميع الناس ناموسا
|
ولو قدرت
لعاقبت الذين طغوا
|
|
حتى يعود
حليف الغيّ مرموسا
|
وقوله :
إذا أنت لم
تحضر مع القوم مسجدا
|
|
فصلّ إلى أن
يقضي الجمعة الجمع
|
ولا تأمنن أن
يحشر اليوم ربّه
|
|
له بصر من
قدرة وله سمع
|
فيخبر
بالتقصير عنك مؤنبا
|
|
وتسكب دمعا
حيث لا ينفع الدمع
|
هنالك لا
ترجو صريخا مزعزعا
|
|
صدور عوال
فوقها للردى لمع
|
وقوله :
لو لا حذاري
أن الله يسألني
|
|
عما فعلت
لقلّت عندي الكلف
|
وقوله :
سرفت والله
يرجى أن يسامحنا
|
|
وفي القديم
خلا من أهله سرف
|
أأنكر الله
ذنبا خطّه ملك
|
|
وبالذي خطّه
الإنسان أعترف
|
وقوله :
عليك بتقوى
الله في كل مشهد
|
|
فلله ما أذكى
نسيما وما أبقى
|
إذا ما ركبت
الحزم مستبطنا له
|
|
سبقت به من
لا تظن له سبقا
|
وقوله :
هو الفلك
الدوّار أجراه ربّه
|
|
على ما ترى
من قبل أن يجري الفلك
|
له العز لم
يشركه في الملك غيره
|
|
فيا جهل
إنسان يقول لي الملك
|
وقوله :
أزول وليس في
الخلّاق شك
|
|
فلا تبكوا
عليّ ولا تبكّوا
|
خذوا سيري
فهنّ لكم صلاح
|
|
وصلّوا في
حياتكم وزكّوا
|
وقوله :
تسمّت رجال
بالملوك سفاهة
|
|
ولا ملك إلا
للذي خلق الملكا
|
أرى فلكا ما
دار إلا لحكمة
|
|
فلا تنس من
أجرى لحاجتك الفلكا
|
وقوله :
الملك لله من
يظفر بنيل غنى
|
|
يردده قسرا
وتضمن نفسه الدركا
|
لو كان لي أو
لغيري قدر أنملة
|
|
فوق التراب
لكان الأمر مشتركا
|
وقوله :
أمّ الكتاب
إذا قدّمت محكمها
|
|
وجدتها لأداء
الفرض تكفيكا
|
لم يشف قلبك
فرقان ولا عظة
|
|
وآية لو أطعت
الله تشفيكا
|
وقوله :
يا خالق
البدر وشمس الضحى
|
|
معوّلي في كل
حال عليك
|
وكلّ ملك لك
عبد وما
|
|
يبقى له ملك
فيدعي مليك
|
قد رامت
النفس لها موئلا
|
|
فقلت مهلا
ليس هذا إليك
|
إن الذي صاغك
يقضي بما
|
|
شاء ويمضي
فازجري عاذليك
|
البحر في
قدرته نغبة
|
|
والفلك
الأعظم فيها فليك
|
وقوله :
وأعلم أن
الأول الفرد قادر
|
|
على أن يمير
المؤمنين من الرمل
|
عفا الله عني
ربّ ريح تهبّ لي
|
|
فتذري ترابي
من جنوب ومن شمل
|
وشغل فم
يستغفر الله ذنبه
|
|
أحقّ به من ذكر
زينب أو جمل
|
وقوله :
دعاكم إلى
خير الأمور محمد
|
|
وليس العوالي
في القنا كالسوافل
|
حداكم على
تعظيم من خلق الضحى
|
|
وشهب الدجى
من طالعات وآفل
|
وألزمكم ما
ليس يعجز حمله
|
|
أخا الضعف من
فرض له ونوافل
|
وحثّ على
تطهير جسم وملبس
|
|
وعاقب في قذف
النساء الغوافل
|
وحرّم خمرا
خلت ألباب شربها
|
|
من الطيش
ألباب النعام الجوافل
|
يجرّون ثوب
الملك جر أوانس
|
|
لدى البدو
أذيال الغواني الروافل
|
فصلّى عليه
الله ما ذرّ شارق
|
|
وما فتّ مسكا
ذكره في المحافل
|
وقوله :
قد طال في
العيش تقييدي وإرسالي
|
|
من اتقى الله
فهو السالم السالي
|
يا صاحب
الضأن سلّم حق معدلها
|
|
ولا تقل ضلّ
إنساني بإبسالي
|
وارقب إلهك
في عسر وفي يسر
|
|
واترك جدالك
في بعث وإرسال
|
وقوله :
والله يغفر
في الحساب لنسوة
|
|
جاهدن إذ فقد
الحيا بمغازل
|
فكسبن منها
ما يقوم بأنفس
|
|
والصبر يبدن
في الزمان الهازل
|
إن البعوضة
من تقى موزونة
|
|
بالفيل عند
مليكها والبازل
|
وتصون حبة
خردل قدم الفتى
|
|
عن زلة
واليوم حلف زلازل
|
خف دعوة
المظلوم فهي سريعة
|
|
طلعت فجاءت
بالعذاب النازل
|
وقوله :
حكم تدل على
حكيم قادر
|
|
متفرّد في
عزّة بكمال
|
إلى أن قال :
ومن الجهات
الستّ ربي حائطي
|
|
لا عن يمين
مرة وشمال
|
دنياك أرزاق
تذكّر بعدها
|
|
أخرى تنال
بصالح الأعمال
|
وقوله :
أيها الدنيا لحاك الله من ربة دلّ
إلى أن قال :
لك أوقاتي
فخليني إذا قمت أصلّي
|
|
ودعيني ساعة
فيك لمولاي الأجلّ
|
وقوله :
قال المنجّم
والطبيب كلاهما
|
|
لا تحشر
الأجساد قلت إليكما
|
إن صحّ
قولكما فلست بخاسر
|
|
أو صح قولي
فالخسار عليكما
|
طهّرت ثوبي
للصلاة وقبله
|
|
طهر فأين
الطهر من جسديكما
|
وذكرت ربي في
الضمائر مؤنسا
|
|
خلدي بذاك
فأوحشا خلديكما
|
وبكرت في
البردين أبغي رحمة
|
|
منه ولا
ترعان في برديكما
|
إن لم تعد
بيدي منافع بالذي
|
|
آتي فهل من
عائد بيديكما
|
برد التقيّ
وإن تهلّل نسجه
|
|
خير بعلم
الله من برديكما
|
وقوله :
إلهنا الحقّ
خفّف واشف من وصب
|
|
فإنها دار
أثقال وآلام
|
يسّر علينا
رحيلا لا يلبّثنا
|
|
إلى الحفائر
من أهل وأخلام
|
وجازنا عن
خطايانا بمغفرة
|
|
فكم حلمت
ولسنا أهل أحلام
|
ويح لجيلي
والأجيال إن بعثوا
|
|
إلى حساب
قديم اللطف علّام
|
محصي الجرائم
فعّال العظائم نصّار
|
|
الهضائم جاز
غير ظلّام
|
وقوله :
سلي الله
ربّك إحسانه
|
|
فإنك إن
تنظري تألمي
|
وليس اعتقادي
خلود النجوم
|
|
ولا مذهبي
قدم العالم
|
وقوله :
إذا مدحوا
آدميا مدحت
|
|
مولى الموالي
وربّ الأمم
|
وذاك الغنيّ
عن المادحين
|
|
ولكن لنفسي
عقدت الذمم
|
له سجد
الشامخ المشمخرّ
|
|
على ما بعرنينه
من شمم
|
ومغفرة الله
مرجوة
|
|
إذا حسبت
أعظمي في الرمم
|
مجاور قوم
تمّشى الفنا
|
|
ء ما بين
أقدامهم والقمم
|
فياليتني
هامد لا أقوم
|
|
إذا نهضوا
ينفضون اللّمم
|
ونادى
المنادي على غفلة
|
|
فلم يبق في
أذن من صمم
|
وجاءت صحائف
قد ضمّنت
|
|
كبائر آثامهم
واللّمم
|
فليت العقوبة
تحريقة
|
|
فصاروا رمادا
بها أو حمم
|
وقوله :
ما أقدر الله
أن يدعى بريّته
|
|
من تربهم
فيعودوا كالذي كانوا
|
إن كان رضوى
وقدس غير دائمة
|
|
فهل تدوم
لهذا الشخص أركان
|
وقوله :
وأعجز أهل
هذي الأرض غاو
|
|
أبان العجز
عن خمس فرضنه
|
وصم رمضان
مختارا مطيعا
|
|
إذ الأقدام
من قيظ رمضنه
|
وقوله :
تهجّد معشر
ليلا ونمنا
|
|
وفاز بجندس
متهجدوه
|
إلهك أوجد
الأشياء جمعا
|
|
فلا يفخر
بشيء موجدوه
|
وربّك أنجد
الأقوام حتى
|
|
بنى أعلى
القصور منجّدوه
|
فمجّده فلم
يخسر أناس
|
|
أنابوا
للمليك ومجّدوه
|
وقوله :
حسبي من
الجهل علمي أن آخرتي
|
|
هي المآل
وأني لا أراعيها
|
وأن دنياي
دار لا قرار بها
|
|
وما أزال
معنىّ في مساعيها
|
وقال في ديوانه
«سقط الزند» في قصيدته الميمية التي رثى بها إبراهيم العلوي :
تقرّب جبريل
بروحك صاعدا
|
|
إلى العرش
يهديها لجدّك والأمّ
|
فدونك مختوم
الرحيق فإنما
|
|
لتشرب منه
كان يحفظ بالختم
|
ولا تنسني في
الحشر والحوض حوله
|
|
عصائب شتى
بين غرّ إلى بهم
|
لعلك في يوم
القيامة ذاكري
|
|
فتسأل ربي أن
يخفف من إثمي
|
وإذا تأملت
قوله في اللامية المتقدمة :
وأعبد الله
لا أرجو مثابته
|
|
لكن تعبد
إعظام وإجلال
|
علمت أن الرجل
بلغ من المعرفة بالله تعالى منزلة رفيعة ، وأنه ممن تربع في مقامات الإحسان ، وممن
عبد الله كأنه يراه ، وهذه أسمى درجات العبودية وأعظم ما تطمح إليه أنظار السالكين
والعبّاد المخلصين.
٦٤ ـ أحمد بن يحيى بن العديم المتوفى في عقد الخمسين وأربعمائة ظنا
أحمد بن يحيى
بن زهير بن هارون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد القاضي أبو الحسن بن أبي
جعفر العقيلي. وأبو الحسن هذا جد والد الصاحب كمال الدين ابن العديم. مولده بحلب
سنة ثمانين وثلاثمائة. وهو أول من تولى القضاء من هذا البيت بمدينة حلب ،
وليه في سنة خمس وثلاثين وأربعمائة. قرأ الفقه على القاضي الفقيه أبي جعفر
محمد بن أحمد السمناني بحلب وعلق عنه التعليق المنسوب إليه. روى عنه
ابنه أبو الفضل هبة الله بن أحمد بن أبي جرادة ويأتي قاضي حلب ، ألف كتابا ذكر فيه
الخلاف بين أبي حنيفة وأصحابه وما تفرد به عنهم. وحج سنة أربع وعشرين وأربعمائة ، وأخذته العرب بتبوك مع جماعة من الحلبيين ا
ه (طبقات الحنفية للقرشي).
٦٥ ـ الأمير مقلّد بن منقذ المتوفى سنة ٤٥٠
أبو المتوّج
مقلّد بن نصر بن منقذ الكناني الملقب مخلص الدولة ، والد الأمير سديد الدولة أبي
الحسن علي صاحب قلعة شيزر.
قال ابن خلكان
: كان رجلا نبيل القدر سائر الذكر ، رزق السعادة في بنيه وحفدته. وكان مقلّد
المذكور في جماعة كثيرة من أهل بيته مقيمين بالقرب من قلعة شيزر عند جسر بني منقذ
المنسوب إليهم ، وكانوا يترددون إلى حماة وحلب وتلك النواحي ولهم بها الدور
النفيسة والأملاك المثمنة ، وذلك كله قبل أن يملكوا قلعة شيزر ، وكان ملوك الشام
يكرمونهم ويجلون أقدارهم ، وشعراء عصرهم يقصدونهم ويمدحونهم ، وكان فيهم جماعة
أعيان رؤساء كرماء أجلاء علماء. ولم يزل مخلص الدولة في رياسته وجلالته إلى أن
توفي في ذي الحجة سنة خمسين وأربعمائة بحلب ، وحمل إلى كفر طاب. ورأيت في ديوان
ابن سنان الخفاجي الشاعر عقيب أشعار له في المذكور يقول ما صورته : وقال يرثيه وقد
توفي في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وأربعمائة والله أعلم بالصواب رحمهالله تعالى. ورثاه القاضي أبو يعلى حمزة بن عبد الرزاق بن
أبي حصين بهذه القصيدة ، وهي من فائق الشعر ، وأنشدها لولده أبي الحسن علي ،
وسأذكرها كلها إن شاء الله تعالى وإن كانت طويلة لكنها غريبة قليلة الوجود بأيدي
الناس ، وما رأيت أحدا قط يحفظ منها إلا أبياتا يسيرة ، فأحببت
__________________
ذكرها لذلك ،
وهي هذه :
ألا كل حيّ
مقصدات مقاتله
|
|
وآجل ما يخشى
من الدهر عاجله
|
وهل يفرح
الناجي السليم وهذه
|
|
خيول الردى
قدّامه وحبائله
|
لعمر الفتى
إن السلامة سلّم
|
|
إلى الحين
والمغرور بالعيش آمله
|
فيسلب أثواب
الحياة معارها
|
|
ويقضي غريم
الدين من هو ماطله
|
مضى قيصر لم
تغن عنه قصوره
|
|
وجدّل كسرى
ما حمته مجاد له
|
وما صدّ هلكا
عن سليمان ملكه
|
|
ولا منعت منه
أباه سرابله
|
ولم يبق إلا
من يروح ويغتدي
|
|
على سفر ينأى
عن الأهل قافله
|
وما نفس
الإنسان إلا خزامة
|
|
بأيدي
المنايا والليالي مراحله
|
فهل غال بدءا
مخلص الدولة الردى
|
|
وهل تنزوي
عمن سواه غوائله
|
ولكنه حوض
الحمام ففارط
|
|
إليه وتال
مسرعات رواحله
|
لقد دفن
الأقوام أروع لم تكن
|
|
بمدفونة طول
الزمان فضائله
|
سقى جدثا
هالت عليه ترابه
|
|
أكفّهم طلّ
الغمام ووابله
|
ففيه سحاب
يرفع المحل هدبه
|
|
وبحر ندى
يستغرق البرّ ساحله
|
كأنّ ابن نصر
سائرا في سريره
|
|
حياء من
الوسمّي أقشع هاطله
|
يمرّ على
الوادي فتثني رماله
|
|
عليه
وبالنادي فتبكي أرامله
|
سرى نعشه فوق
الرقاب وطالما
|
|
سرى جوده فوق
الركاب ونائله
|
أناعيه إن
النفوس منوطة
|
|
بقولك فانظر
ما الذي أنت قائله
|
بفيك الثرى
لم تدر من حلّ بالثرى
|
|
جهلت وقد
يستصغر المرء جاهله
|
هو السيّد
المهتزّ للتم بدره
|
|
وللجود عطفاه
وللطعن عامله
|
أفاض عيون
الناس حتى كأنما
|
|
عيونهم مما
تفيض أنامله
|
فيا عين سحّي
لا تشحّي بسائل
|
|
على ماجد لم
يعرف الشحّ سائله
|
متى سألوه
المال تبدو بنانه
|
|
وإن سألوه
الضيم تبدو عوامله
|
وكم عاد عنه
بالخسار مقنّع
|
|
وكم نال منه
قانع ما يحاوله
|
__________________
له الغلب
القاضي على كل باسل
|
|
يجالده أو كل
خصم يجادله
|
مجالسه في
روضة طلها الندى
|
|
ولكنه في المجد
مات مساجله
|
فيا عمره
أنّى قصرت ولم تطل
|
|
منازله بل
كفه بل حمائله
|
جرت تحت
العلياء ملء فروجها
|
|
إلى غاية
طالت على من يطاوله
|
فما مات حتى
نال أقصى مراده
|
|
كما يستسرّ
البدر تمّت منازله
|
فتى طالما
يعتاده الجيش عافيا
|
|
فينزله أو
عاديا فينازله
|
صفوح عن
الجاني وصفحة سيفه
|
|
إذا هي لم
تقتله فالصفح قاتله
|
وأدمى عسيب
الطرف بعدك هلبه
|
|
وعادته أن
يقذف الدم كاهله
|
فيا طرفه ما
كان عجزك حاملا
|
|
أذى صارم لو
أن ظهرك حامله
|
لقد كثر
الملبوس بعد مروّع
|
|
جرت ببيان
المشكلات شواكله
|
إذا ظن لا
يخطي كأن ظنونه
|
|
على ما يضلّ الناس عنه دلائله
|
فلا رحلت عنه
نوازل رحمة
|
|
ضحاه بها
موصولة وأصائله
|
وروّى ثراه
منهل العفو في غد
|
|
فقد روت
العافين أمس مناهله
|
قضى الله أن
يردى الأمير وهذه
|
|
صوافنه
موقورة ومناصله
|
وكل فتى
كالبرق إبريق غمده
|
|
إذا شامه أو
كالذبالة ذابله
|
فليت ظباه
صلّت اليوم خلفه
|
|
فظلت على غير
الصيام صواهله
|
بني منقذ
صبرا فإن مصابكم
|
|
يصاب به حافي
الأنام وناعله
|
لقد جلّ حتى
كلّ واجد لوعة
|
|
إذا لج فيها
ليس يوجد عاذله
|
إذا صوّحت
أيدي الرجال فأنتم
|
|
بني منقذ روض
الندى وخمائله
|
وإن فرّ من
وزر الزمان مفرّح
|
|
فإنكم أوزاره
ومعاقله
|
وصاحب عليّ
الصبر عنه فما غوى
|
|
مصاحب صبر عن
حبيب يزايله
|
وما نام حتى
قام منك وراءه
|
|
أخو يقظات
وافر العزم كامله
|
كأنكما نوءان
في فلك العلا
|
|
فطالعه هذا
وذلك آفله
|
وما كلّفوك
الأمر إلا لعلمهم
|
|
قيامك بالأمر
الذي أنت كافله
|
سعيت إلى نيل
المكارم سعيه
|
|
ولو كنت لا
تسعى كفتك فواضله
|
__________________
ولم تر أن
ترقى بما كان فاعلا
|
|
أجل إنما
المرفوع بالفعل فاعله
|
لعمرك إني في
الذي عنّ كله
|
|
شريك عنان
ناصح الود ناهله
|
وكيف خلوّ
القلب من ذلك الهوى
|
|
وقد خلدت بين
الشغاف دواخله
|
وتوفي أخوه أبو
الغيث منقذ بن نصر بن منقذ سنة تسع وثلاثين وأربعمائة ، ورثاه الشيخ الأديب أبو
محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن يحيى بن الحسين بن محمد بن الربيع ابن سنان بن
الربيع الخفاجي الحلبي الشاعر المشهور صاحب الديوان بقوله ، وهو من شعره القديم
زمن الصبا :
غربت خلائقك
الحسان غريبة
|
|
ورمى الزمان
دنوّها ببعاد
|
ذهبت كما ذهب
الربيع وخلّفت
|
|
فيض الدموع
حرارة الأكباد
|
والخفاجي
المذكور رثى مخلص الدولة المذكور بقصيدة طويلة رائية ومدحه بأخرى حائية أجاد فيها
والله تعالى أعلم بالصواب ا ه.
وبمناسبة هذه
القصيدة ، والشيء بالشيء يذكر ، ننقل لك هنا حكاية لطيفة ذكرها العلامة ابن الأثير
في حوادث سنة ٥٥٩ عند ذكر وفاة الوزير الجليل جمال الدين أبي جعفر محمد بن علي بن
أبي منصور الأصفهاني وزير صاحب الموصل في ذلك العصر ، قال : لما مات الوزير دفن في
الموصل نحو سنة ، ثم نقل إلى المدينة فدفن بالقرب من حرم النبي صلىاللهعليهوسلم في رباط بناه لنفسه ، وقال لأبي القاسم : بيني وبين أسد
الدين شيركوه عهد ، من مات منا قبل صاحبه حمله إلى المدينة فدفنه بها في التربة
التي عملها ، فإذا أنا مت فامض إليه وذكّره. فلما توفي سار أبو القاسم إلى شيركوه
في المعنى فقال له شيركوه : كم تريد؟ فقال : أريد أجرة جمل يحمله وجمل يحملني
وزادي ، فانتهره وقال : مثل جمال الدين يحمل هكذا إلى مكة! وأعطاه مالا صالحا
ليحمل معه جماعة يحجون عن جمال الدين وجماعة يقرؤون عليه بين يدي تابوته إذا حمل
وإذا نزل عن الجمل ، وإذا وصل إلى مدينة يدخل أولئك القراء ينادون للصلاة عليه
فيصلي عليه في كل بلدة يجتاز بها. وأعطاه أيضا مالا للصدقة عنه ، فصلي عليه في
تكريت وبغداد والحلة وفيد ومكة والمدينة. وكان يجمع
__________________
له في كل بلد من الخلق ما لا يحصى. ولما أرادوا الصلاة عليه بالحلة صعد شاب
على مرتفع وأنشد بأعلى صوته :
سرى نعشه فوق
الرقاب وطالما
|
|
سرى جوده فوق
الركاب ونائله
|
يمر على
الوادي فتثني رماله
|
|
عليه
وبالنادي فتثني أرامله
|
(البيتين المذكورين في القصيدة
المتقدمة) قال : فلم نر باكيا أكثر من ذلك اليوم. فطافوا به حول الكعبة وصلوا عليه
بالحرم الشريف ، وبين قبره وقبر النبي صلىاللهعليهوسلم خمسة عشر ذراعا. ثم ساق ابن الأثير ترجمته وآثاره
الجليلة في كثير من البلاد وخدماته الجزيلة للعلم والعلماء وما كان يبذله من
الأموال للمساكين والأرامل والأيتام وما كان عليه من مكارم الأخلاق وعلو الشان.
ويتجلى لك إذا قرأت تلك الترجمة أنه جدير بأن ينشد فيه هذا البيتان اللذان هما
الدرتان اليتيمتان في عقد تلك القصيدة الغراء.
٦٦ ـ أحمد الموازيني الشاعر المعروف بابن الماهر المتوفى سنة ٤٥٢
أحمد بن عبيد
الله بن فضال أبو الفتح الحلبي الموازيني الشاعر المعروف بالماهر. روى عنه من شعره
أبو عبد الله الصوري وأبو القاسم النسيب ، ومنه :
يا من له سيف
لحظ
|
|
تدب فيه
المنون
|
ومن لجسمي
وقلبي
|
|
منه ضنى
وشجون
|
ما فكرتي في
فؤاد
|
|
سبته منك
الجفون
|
وإنما فكرتي
في
|
|
هواك أين
يكون
|
وله بيت مفرد :
إذا امتطى
قلم يوما أنامله
|
|
سد المفاقر
واستولى على الفقر
|
وكان موازينيا
بحلب ، ثم ترك الصنعة وأقبل على الشعر ومدح الملوك والأمراء. وله يرثي :
برغمي أن
أعنف فيك دهرا
|
|
قليلا همّه
بمعنفيه
|
__________________
وأن أرعى
النجوم ولست فيها
|
|
وأن أطأ
التراب وأنت فيه
|
ا ه ذهبي من
وفيات سنة أربعمائة واثنتين وخمسين.
وذكره ابن شاكر
في فوات الوفيات ولم يذكر تاريخ وفاته ، لكنه أورد من شعره قوله :
أرى نفسي
تحدثها الظنون
|
|
بأن البين
بعد غد يكون
|
وما ترك
الفراق عليّ دمعا
|
|
يسحّ ولا
تشحّ به الجفون
|
وجيش الصبر
منهزم فقل لي
|
|
عليك بأي دمع
أستعين
|
كأني من حديث
النفس عندي
|
|
جهينة عنده
الخبر اليقين
|
وقوله :
من صحّ قبلك
في الورى ميثاقه
|
|
حتى تصحّ ومن
وفى حتى تفي
|
عرف الهوى في
الخلق مذعرف الهوى
|
|
بمذلّة
الأقوى وعزّ الأضعف
|
يا من توقّد
في الحشا بصدوده
|
|
ناري بغير
وصاله لا تنطفي
|
وأورد له في
مجلة الشعلة الحلبية نقلا عن تتمة اليتيمة للثعالبي ، وهي من الكتب التي لم تطبع ،
هذه الأبيات من قصيدة :
ترى منهم يوم
الوغى كلّ ناشر
|
|
من النقع فوق
الدارعين مطاردا
|
ينالون ما
أمسى بعيدا مناله
|
|
كأنهم أعطوا
الرماح سواعدا
|
ومن أخرى يشبب
فيها بغلام أثرت فيه الحمى ويحسن في التخلص إلى المدح ويظرف جدا :
وأسيل الخد
شاحبه
|
|
كحلت عيناه
بالفتن
|
تركت حمّاه
وجنته
|
|
في اصفرار
اللون يشبهني
|
وأرى خدّيه
وردهما
|
|
ما جنى ذنبا
فكيف جني
|
ومنها :
نهبا حتى
كأنهما
|
|
ما حوت كفا
أبي الحسن
|
ذو جفون
تشتري أبدا
|
|
غبرات النقع
بالوسن
|
ويد تندى ندى
وردى
|
|
تجمع الضدين
في قرن
|
وله في الغزل :
جس الطبيب
يدي جهلا فقلت له
|
|
إليك عني
فهذا اليوم بحراني
|
فقال ماذا
الذي تشكو فقلت له
|
|
أشكو إليك
جوى من بعض جيراني
|
فظل يعجب من
قولي وقال لهم
|
|
إنسان طرف
فداووه بإنسان
|
ومن منثور
كلامه :
خلص من سبل
النقد خلوص الذهب من اللهب ، واللجين من يد القين ، والمدام من نسج الفدام.
وقوله : أين
السمك من السماك والغرقد من الفرقد ، والسراب من الشراب.
ثم ذكرت المجلة
ابن الفتح الموازيني الحلبي وأوردت بعض شعره مما يفيد أنه غير أبي محمد الماهر.
وقد علمت مما تقدم أن الفتح الموازيني هو المعروف بالماهر. قالت نقلا عن صاحب تتمة
اليتيمة : لم أسمع في هجاء قوال أملح من قوله :
ومغن عن غيره
غير مغن
|
|
جاء في لحنه
القبيح بلحن
|
كاد في كفّه
القضيب من الغي
|
|
ظ ينادي يا
أثقل الناس دعني
|
وله في فصد بعض
الرؤساء :
على اليمن
باكرت الفصاد مشمرا
|
|
يمين جواد
للعطاء مشمّره
|
مددت أبا سعد
إلى صدر مبضع
|
|
يدا تصدر
الآمال عنها منشّره
|
وما خلت أن
الجود يجري له دم
|
|
فما كان أجرا
ذا الطبيب وأجسره
|
أظن له مع
لطفه بلياقة
|
|
بصيرة بقراط
وإقدام عنتره
|
وله في مرثية
القاضي الهاشمي بحلب :
ناعي أبي
جعفر القاضي دعوت إلى ال
|
|
ردى فلم يدر
ناع أنت أم داعي
|
تنعى
العظيمين من حلم ومن شرف
|
|
بعد الرحيبين
من خلق ومن باع
|
مهلا فلم تبق
عينا غير باكية
|
|
ولا تركت
فؤادا غير مرتاع
|
وله :
كم حمار هو
أولى
|
|
بنهيق وشهيق
|
يكتسي في
الشتوة الخ
|
|
زّ وفي الصيف
الدبيقي
|
٦٧ ـ الحسن بن أبي حصينة المعري
المتوفى سنة ٤٥٦
الحسن بن عبد
الله بن أحمد بن عبد الجبار بن أبي حصينة أبو الفتح السلمي المعري الشاعر. ذكر لنا
أبو عبد الله محمد بن المحسن بن الملجي أنه قدم دمشق وله في وصفها أبيات من قصيدة
ذكرها ابن ابنه أبو المظفر نصر بن منصور بن الحسن بدمشق عنه ، منها :
لو أن دارا
أخبرت عن ناسها
|
|
لسألت رامة
عن ظباء كناسها
|
بل كيف تسأل
دمنة ما عندها
|
|
علم بوحشتها
ولا إيناسها
|
ممحوة
العرصات يشغلها البلى
|
|
عن ساحبات
الريط فوق دهاسها
|
بيض إذا
انضاع النسيم من الصبا
|
|
خلناه ما
ينضاع من أنفاسها
|
يا صاحبيّ
سقي منازل جلّق
|
|
غيث يروّي
ممحلات طساسها
|
فرواق جامعها
فباب بريدها
|
|
فمشارب
القنوات من باناسها
|
فلقد قطعت
بها زمانا للصبا
|
|
واللهو مخضرا
كخضرة آسها
|
قبل النوى
وسهامه مشغولة
|
|
الأفواق لم
تبلغ إلى برجاسها
|
من لي برد
شبيبة قضيّتها
|
|
فيها وفي حمص
وفي ميماسها
|
وزمان لهو
بالمعرة مونق
|
|
بسياثها
وبجانبي هرماسها
|
وجدت بخط أبي
الفرج غيث بن علي الأرمنازي شيخنا أبياتا من قصيدة ذكر أنها للأمير أبي الفتح
الحسن بن عبد الله بن أبي حصينة المعري يمدح بها منيع بن شبيب بن وثّاب بن جعفر بن
سابق بن هياج بن بشار في سنة ٤٥٣ :
أتجزع كلما
خفّ القطين
|
|
وشطّت
بالخليط نوى شطون
|
وهم صرموا
حبالك يوم سلع
|
|
وخانك منهم
الثقة الأمين
|
__________________
وما أسفوا
عشية بنت عنهم
|
|
فتأسف أن
يشطوا أو يبينوا
|
تسلّ عن
الحسان وكيف تسلو
|
|
وبين ضلوعك
الداء الدفين
|
وفي الأظعان
من جشم بن بكر
|
|
ظباء حشو
أعينها فتون
|
عليهن
الهوادج مطبقات
|
|
كما انطبقت
على الحدق الجفون
|
كأن قد ودهنّ
قدود سمر
|
|
مثقفة بهن
جفا ولين
|
تهفهفت الصدور
فهن لدن
|
|
وأفعمت
الروادف والبطون
|
حلين لنا
برامة كلّ حين
|
|
ألا إن
الحوائن قد تحين
|
عشية مسن غير
مصنعات
|
|
كما ماست من
الأيك الغصون
|
وعنّ لهن سرب
مهى بواد
|
|
مريع فالتقى
عين وعين
|
كلا السربين
ليس له وفاء
|
|
ولا حبل يشد
به متين
|
ضنينات عليك
وكيف يرجى
|
|
نوال يد
وصاحبها ضنين
|
جننا بالحسان
البيض دهرا
|
|
وإن هوى
الحسان هو الجنون
|
تناسين
العهود فلا عهود
|
|
وألوين
الديون فلا ديون
|
كأن أمامة
حلفت يمينا
|
|
لنا أن لا
يصحّ لها يمين
|
أغي بعدما
ذهب التصابي
|
|
وشابت بعد حنكتها
القرون
|
وعندك لابن
وثّاب جميل
|
|
فإن نشكر
فمحقوق قمين
|
فتى أولاك
مكرمة وفضلا
|
|
وعزّ به حماك
فلا يهون
|
أبا الزمّام
صنت عليّ وجهي
|
|
ومثلك من
يذبّ ومن يصون
|
وراعيت الذي
راعى شبيب
|
|
سقت مثواه
سارية هتون
|
ولو لا أنت
لاتسعت خروق
|
|
على ما في
يدي وجرت شؤون
|
ولكن أنت لي
وزر منيع
|
|
وحصن أستجير
به حصين
|
وقرأت بخط أبي
الفرج أيضا مما علقه عن أبي الحسن يحيى بن علي بن عبد اللطيف ابن زريق المعري أن
أبا الفتح كانت وفاته سنة ست وخمسين وأربعمائة ، أو في سنة سبع بحلب ، ويقتضي أن
يكون مولده قبل التسعين وثلاثمائة ا ه. (ابن عساكر).
__________________
أقول : ومن
نظمه البديع ما ذكره العلامة ابن خلكان في تاريخه في ترجمة أبي البقاء يعيش النحوي
من قوله :
ولما التقينا
للوداع وقلبها
|
|
وقلبي يفيضان
الصبابة والوجدا
|
بكت لؤلؤا
رطبا ففاضت مدامعي
|
|
عقيقا فصار
الكل في نحرها عقدا
|
ثم ظفرت في
تتمة المختصر لابن الوردي بأبيات من القصيدة المتقدمة التي مطلعها (لو أن دارا) ..
إلخ ، فألحقتها هنا لنفاستها وندرة وجودها. قال بعد قوله (وزمان لهو بالمعرة مونق)
:
أيام قلت لذي
المودة أسقني
|
|
من خندريس
حناكها أو حاسها
|
حمراء تغنينا
بساطع لونها
|
|
في الليلة
الظلماء عن نبراسها
|
وكأنما حبب
المزاج إذا طفا
|
|
در ترصع في
جوانب طاسها
|
رقت فما أدرى
أكاس زجاجها
|
|
في جسمها أم
جسمها في كاسها
|
وكأنما
زرحونة جاءت بها
|
|
سقيت مذاب
التبر عند غراسها
|
فأتت مشعشعة
كجذوة قابس
|
|
راعت أكف
القوم عند مساسها
|
لله أيام
الصبا ونعيمها
|
|
وزمان جدّتها
ولين مراسها
|
مالي تعيب
البيض بيض مفارقي
|
|
وسبيلها تصبو
إلى أجناسها
|
نور الصباح
إذا الدجنة أظلمت
|
|
أبهى وأحسن
من دجى أغلاسها
|
إن الهوى دنس
النفوس فليتني
|
|
طهّرت هذي
النفس من أدناسها
|
ومطامع
الدنيا تذل ولا أرى
|
|
شيئا أعز
لمهجة من باسها
|
من عفّ لم
يذمم ومن تبع الخنا
|
|
لم تخله
التبعات من أو كاسها
|
زيّن خصالك
بالسماح ولا ترد
|
|
دنيا تراك
وأنت بعض خساسها
|
وإذا بنيت من
الأمور بنيّة
|
|
فاجعل فعال
الخير بدو أساسها
|
ومتى رأيت يد
امرىء ممدودة
|
|
تبغي مواساة
الجميل فواسها
|
خير الأكف
الفاخرات بجودها
|
|
كفّ تجود ولو
على إفلاسها
|
تلقى المذمة
مثلما تلقى العدى
|
|
فيكون بذل
المال خير تراثها
|
ومنها :
أما نزار
كلها فكريمة
|
|
لكنّ أكرمها
بنو مرداسها
|
٦٨ ـ المختار بن الحسن بن عبدون
الطبيب النصراني المتوفى سنة ٤٥٨
قال القاضي
الأكرم يوسف القفطي في تاريخه أخبار العلماء : المختار بن الحسن بن عبدون الحكيم
أبو الحسن الطبيب البغدادي المعروف بابن بطلان ، طبيب منطقي نصراني من أهل بغداد ،
قرأ على علماء زمانه من نصارى الكرخ. وكان مشوه الخلقة غير صبيحها كما شاء الله
فيه ، وفضل في علم الأوائل يرتزق بصناعة الطب. وخرج عن بغداد إلى الجزيرة والموصل
وديار بكر ، ودخل حلب وأقام بها مدة وما حمدها ، وخرج عنها إلى مصر وأقام بها مدة
قريبة ، واجتمع فيها بابن رضوان المصري الفيلسوف في وقته ، وجرت بينهما منافرة
أحدثتها المغالبة في المناظرة ، وخرج ابن بطلان عن مصر مغضبا على ابن رضوان ، وورد
أنطاكية راجعا عن مصر ، فأقام بها وقد سئم كثرة الأسفار وضاق عطنه عن معاشرة الأغمار
، فغلب على خاطره الانقطاع فنزل بعض ديرة أنطاكية ، وترهب وانقطع إلى العبادة إلى
أن توفي بها في شهور سنة أربع وأربعين وأربعمائة (الصواب ما يأتي). وهنا ذكر
رسالته التي أرسلها للرئيس هلال بن المحسن بن إبراهيم التي يصف فيها البلاد التي
مر بها إلى أن وصل إلى أنطاكية ، وقد قدمنا في الجزء الأول وصفه لحلب ، وهناك قال
:
وصف ابن بطلان لأنطاكية
خرجنا من حلب
طالبين أنطاكية ، وبين حلب وبينها يوم وليلة ، فبتنا في بلدة للروم تعرف بعمّ فيها
عين جارية يصاد منها السمك ويدور عليها رحا ، وفيها من الخنازير والنساء العواهر والزنا
والخمور أمر عظيم. وفيها أربع كنائس وجامع يؤذن فيه سرا. والمسافة التي بين حلب
وأنطاكية أرض ما فيها خراب أصلا إلا أرض زرع للحنطة والشعير بجنب شجر الزيتون.
وقراها متصلة ورياضها مزهرة ومياهها متفجرة.
وأنطاكية بلد
عظيم ذو سور وفصل. ولسوره ثلاثمائة وستون برجا يطوف عليها أربعة آلاف حارس ينفذون
من القسطنطينية من حضرة الملك ، فيضمنون حراسة البلد سنة
ويستبدل بهم في الثانية. وشكل البلد كنصف دائرة قطرها يتصل بجبل ، والسور
يصعد من الجبل إلى قلعة ويستتم دائرة.
وفي رأس الجبل
داخل السور قلعة تبين لبعدها من البلد صغيرة وهذا الجبل يستر عنها الشمس فلا تطلع
عليها إلا في الساعة الثانية. وللسور المحيط بها دون الجبل خمسة أبواب ، وفي وسطها
بيعة القسيان ، وكانت دار قسيان الملك الذي أحيا ولده بطرس رئيس الحواريين ، وهو
هيكل طوله مائة خطوة وعرضه ثمانون ، وعليه كنيسة على أساطين ، ودائر الهيكل أروقة
يجلس فيها القضاة للحكومة ومعلمو النحو واللغة. وعلى أحد أبواب هذه الكنيسة فنجان
الساعات يعمل ليلا ونهارا دائما اثنتي عشرة ساعة ، وهو من عجائب الدنيا. وفي أعلاه
خمس طبقات في الخامسة منها حمامات وبساتين ومقاصير حسنة ، وتخر منها المياه ، وهناك
من الكنائس مالا يحد كثرة ، كلها معمولة بالفص المذهب والزجاج الملون والبلاط
المجزع.
وفي البلد
بيمارستان يراعي البطريق المرضى فيه بنفسه. وفي المدينة من الحمّامات مالا يوجد
مثله في مدينة من اللذاذة والطيبة ، فإن وقودها من الآس. وماؤها سيح ، وفي ظاهر
البلد نهر يعرف بالمقلوب يأخذ من الجنوب إلى الشمال. وخارج البلد دير سمعان وهو
مثل نصف دار الخليفة ، يضاف فيها المجتازون ، ويقال إن دخله في السنة أربعمائة ألف
دينار ، ومنه يصعد إلى جبل الكام ، وفي هذا الجبل من الديارات والصوامع والبساتين
والمياه المتفجرة والأنهار الجارية والزهاد والسياح وضرب النواقيس في الأسحار
وألحان الصلوات ما يتصور معه الإنسان أنه في الجنة. وفي أنطاكية شيخ يعرف بأبي نصر
ابن العطار قاضي القضاة فيها له يد في العلوم مليح الحديث والإفهام .
وصفه لمدينة اللاذقية
وخرجت من
أنطاكية إلى اللاذقية ، وهي مدينة يونانية ولها ميناء وملعب وميدان خيل مدور ،
وبها بيت كان للأصنام وهو اليوم كنيسة ، وكان في أول الإسلام مسجدا. وهي
__________________
راكبة البحر. وفيها قاض للمسلمين وجامع يصلون فيه وأذان في أوقات الصلوات
الخمس. وعادة الروم إذا سمعوا الأذان أن يضربوا الناقوس. وقاضي المسلمين الذي بها
من قبل الروم. ومن عجائب هذا أن المحتسب يجمع القحاب والغرباء المؤثرين للفساد من
الروم في حلقة وينادي كل واحدة منهن ، ويتزايد الفسقة فيهن لليلتها تلك ، ويؤخذن
إلى الفنادق التي هي الخانات لسكنى الغرباء بعد أن تأخذ كل واحدة منهن خاتما هو
خاتم المطران حجة بيدها من تعقب الوالي لها ، فإنه متى وجد خاطيا مع خاطية بغير
ختم المطران ألزمه جناية.
وفي البلد من
الحبساء والزهاد في الصوامع والجبال كل فاضل يضيق الوقت عن ذكر أحوالهم والألفاظ
الصادرة عن صفاء عقولهم.
ومن مشاهير
تصانيف ابن بطلان كتاب تقويم الصحة في قوى الأغذية ودفع مضارها مجدول. كتاب دعوة
الأطباء مقامة ظريفة. رسالة اشتراء الرقيق.
وهنا ذكر
القفطي فصولا من رسالة أرسلها ابن بطلان لابن رضوان بمصر وهي طويلة الذيل وليست من
غرضنا.
ثم قال : ولما
دخل ابن بطلان إلى حلب وتقدم عند المستولي عليها سأله رد أمر النصارى في عبادتهم
إليه ، فولاه ذلك وأخذ في إقامة القوانين الدينية على أحوالهم وشروطهم فكرهوه.
وكان بحلب رجل كاتب طبيب نصراني يعرف بالحكيم أبي الخير بن شرارة ، وكان إذا اجتمع
به وناظره في أمر الطب يستطيل عليه ابن بطلان بما عنده من التقاسيم المنطقية
فينقطع في يده ، وإذا خرج عنه حمله الغيظ على الوقيعة فيه ، ويحمل عليه نصارى حلب
، فلم يمكن ابن بطلان المقام بين أظهرهم ، وخرج عنهم ، وكان ابن شراراة بعد ذلك
يقول : لم يكن اعتقاده مرضيا. ويذكر عن راهب أنطاكي أنه حكى له أن الموضع الذي فيه
قبر ابن بطلان من الكنيسة التي قد استوطنها وجعلها معبدا لنفسه متى ما أوقد فيه
سراج انطفأ. ويقول عنه أمثال هذه الأقوال. وللحلبيين النصارى هجو قالوه عندما تولى
أمرهم في كنائسهم وتقرير صلواتهم وعباداتهم على أصولهم ا ه.
عناية ابن بطلان ببناء البيمارستانات بأنطاكية وحلب
قال أبو ذر في
كنوز الذهب : اعلم أن المختار بن الحسن المتطبب دخل حلب سنة
أربعين وأربعمائة. قال : وبها بيمارستان صغير ، كذا نقلته من خط الصاحب ،
ثم رأيت في تاريخ الصاحب من خطه أيضا ما لفظه : المختار بن الحسن بن عبدون بن
سعدون بن بطلان الطبيب أبو الحسن البغدادي ، طبيب حاذق نصراني ، له مصنفات حسنة في
الطب ، وعدّدها ، وله شعر ، وهو الذي بنى البيمارستان بأنطاكية ، وقيل هو وضع
البيمارستان بحلب وجدد نور الدين عمارته ، وإنه اختار له هذه البقعة التي هو الآن
فيها بحلب دون سائر بقاعها وإنه اختبر صحتها بلحم علقه في أماكن حلب بأسرها فلم
يجد أصلح من هذا المكان لبناء البيمارستان ، فإن اللحم لم يتغير.
وقفت له على
مقالة وضعها في علة نقل الأطباء تدبير أكثر الأمراض التي كانت تعالج قديما
بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد كالفالج واللقوة ومخالفتهم في ذلك لمسطور
القدماء ، صنفها في سنة خمس وخمسين وأربعمائة بأنطاكية ، وقال في آخرها وأظنه بخطه
: قال المختار ابن الحسن : صنفت هذه المقالة لصديق لي في سنة ٤٥٥ وأنا يومئذ مكدود
الجسم منقسم الفكر في جميع الآلات لبناء بيمارستان بأنطاكية. وقال في أثناء هذه
المقالة : ومما يدل أيضا على اختلاف أحوال البلاد بتنقل القرانات ما حكاه لنا
مشايخ أهل حلب أن شجرة النارنج ما كانت تنبت بحلب لشدة بردها ، وأن الدور القديمة
كلها لم تكن تستطاع السكنى في الطبقة السفلى منها ، وأن البادهنجات حدثت منذ زمن
قريب ، حتى إن لادار إلا وفيها عدة بادهنجات بعد أن لم يكن بحلب ولا واحد.
ووجدت في تعليق
لي : خرج ابن بطلان من بغداد سنة تسع وثلاثين وأربعمائة وسافر إلى الشام ودخل مصر
في سنة أربعين وأربعمائة وأقام بها ثلاث سنين ، ثم عاد إلى القسطنطينية وأقام بها
سنة ، ثم خرج منها إلى حلب وأقام بها مدة وبأنطاكية ، وكان يتردد من إحداهما إلى
الأخرى إلى أن ترهب بأنطاكية ومات بها بعد خمس وخمسين.
وكان القاضي
كسرى قاضي حلب قد أسن وانحدر إلى ركبته مرض أزمنه ومنعه المشي ، فجاء أبو غانم وهو
ابن بنت القاضي كسرى بابن بطلان الطبيب ، فنظر إلى موضع الألم وقال : أدخلوه إلى
حمّام حارة واتركوه بها حتى يغشاه الكرب ويضيق نفسه ، ولا تمكنوه من الخروج ، فإذا
غلبكم على رأيكم وقام خارجا بنفسه فخذوا ماء باردا واضربوا به فخذه إلى ركبته ،
فإنه يبرأ ، فأدخلوه إلى حمّام الكنيسة عند باب الجامع ، وهي حمام النطّاعين وقد
دثرت الآن. وفعلوا به ما قال ، فأراد أن يستريح وطلب ذلك منهم ، فقالوا
له : ها هنا جماعة وعوراتهم مكشوفة ، فاصبر إلى أن نزيلهم من طريقك ،
ودافعوه عن الخروج إلى أن زاد كربه ولم يطق الصبر ، فنهض قائما فرموه بماء بارد
كما أمرهم ، فاستمر ماشيا على عادته الأولى. فسئل ابن بطلان عن ذلك فقال : رأيت
هذا شيخا مسنا ولا يحمل مزاجه أن يسقى أدوية ويعمل له ضمادات وربما يؤذيه ، فلم أر
له دواء ألطف من هذا.
قال لي بهاء
الدين أبو محمد الحسن بن الخشاب : إنه وجد بخط بعض بني شرارة النصارى الحلبيين أن
ابن بطلان توفي بأنطاكية يوم الجمعة الثامن من شوال سنة ثمان وخمسين وأربعمائة انتهى.
وعلى بابه (أي
على باب البيمارستان) مكتوب : عمره السلطان نور الدين بتولي ابن أبي الصعاليك.
وفي هذا
البيمارستان قاعة للنساء مكتوب عليها : عمر هذا المكان في دولة صلاح الدين بن يوسف
بن العزيز محمد بتولي أبي المعالي محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن العجمي
الشافعي في شهر رمضان سنة ٦٥٥.
وعلى إيوانه
أنه عمر في أيام الأشرف شعبان وأن هذا الإيوان وقاعة النساء الصيفية أنشأهما صالح
سبط ابن السفاح. وعلى الشباك الذي على بابه أنه أحدث في سنة أربعين وثمانمائة على
يد الحاج محمد البيمارستاني.
وقاعة
المتسهلين كانت سماوية فأسقفها القاضي شهاب الدين بن الزهري.
ومن جملة
أوقافه قرية معراتا وأرض خارج حلب وهو بيمارستان مبارك يستشفي به ، وهو نير شرح ومفروش من
الرخام ، وبه بركتا ماء يأتي إليهما الماء الحلو من قناة حيلان انتهى.
ثم قال في آخر
الكلام على البيمارستان : (خاتمة) نقلت من كلام ابن حجة (الحموي صاحب البديعة) في
توقيع لعلاء الدين بن أبي الحسن علي الحنبلي بنظر البيمارستان النوري
__________________
بحلب : وصفت مشارب الضعفاء بعد الكدر (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ
شَراباً طَهُوراً) وتلا لمن سعى لهم في ذلك وجزي بالخيرات (إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ
سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) ودار شراب العافية على أهل تلك الحضرة بالطاس والكاس.
وحصل لهم البرء من تلك البراني التي يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء
للناس ، ونمت الصحة في مفاصل ضعفائه ، وقيل لهم جوزيتم بما صبرتم ، وامتدت
مقاصيرهم (وَفُتِحَتْ
أَبْوابُها ، وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ) ا ه. وقدمنا الكلام عليه في الجزء الثاني (ص ٦٨).
كلامه على بقية البيمارستانات التي كانت بحلب
قال : وكان
بحلب بيمارستان آخر قديم معروف ببني الدقاق ، وقد دخل الآن في دار سودون الدوادار
التي غربي الحلاوية التي يسكنها أركان الدولة انتهى.
وعلى باب
الجامع الكبير الشمالي بيمارستان وله بوابة عظيمة ينسب لابن خرخاز ، والآن قد أغلق
بابه ، ورأيته وهو يجلس فيه الكحّالون وقد صار مسكنا ا ه.
تتمة الكلام على البيمارستان الأرغوني
قال أبو ذر في
كنوز الذهب بعد أن ذكر نحو ما قدمناه في الجزء الثاني في الكلام على هذا
البيمارستان في صحيفة (٣٥٣). ومحل هذا البيمارستان كان بيتا لأمير ، فتوصل إليه
بطريق شرعي ، ولم يغير بوابة تلك الدار عن حالها ، إنما كتب عليها وهي معمورة ،
وهذا البيمارستان له أوقاف مبرورة ، منها قرية بنّش من عمل سرمين وغيرها ، وكتاب
وقفه موجود ، وقد رتب فيه قراء يقرؤون القرآن طرفي النهار وخبزا يتصدق به ، ورتب
له جميع ما يحتاج إليه من أشربة وكحل ومراهم ودجاج وجميع الملطفات ، ووقفه وافر
بذلك. وكان هذا البيمارستان في كفالة تغري برمش على أتم الوجوه ، وشرط واقفه أن
يكون النظر فيه لمن يكون كافل حلب.
ولما تولى جانم
الأشرفي كفالة حلب جعل أمامه متكلما على هذا البيمارستان فصنع له سحابة على إيوانه
القبلي على قاعدة بيمارستان القاهرة إذ في هذه السحابة منفعة للضعفاء تقيهم الحر
والبرد انتهى.
٦٩ ـ ثابت بن أسلم الشيعي المتوفى سنة ٤٦٠
ثابت بن أسلم
بن عبد الوهاب أبو الحسن الحلبي ، أحد علماء الشيعة ، وكان من كبار النحاة. صنفت
كتابا في تعليل قراءة عاصم وأنها قراءة قريش. وكان من كبار تلامذة أبي الصلاح.
تصدر للإفادة بعده ، وتولى خزانة الكتب بحلب ، فقال من بحلب من الإسماعيلية : إن
هذا يفسد الدعوة. وكان قد صنف كتابا في كشف عوارهم وابتداء دعوتهم ، فحمل إلى صاحب
مصر فأمر بصلبه فصلب وأحرقت خزانة الكتب التي بحلب وكان فيها عشرة آلاف مجلدة من
وقف سيف الدولة بن حمدان ا ه. (ذهبي من وفيات حدود ستين وأربعمائة).
أقول : ويجدر
أن أذكر هنا ما ذكره ابن خلكان في تاريخه في ترجمة تاج الدين الخراساني المسعودي
قال : حكى أبو البركات الهاشمي الحلبي قال : لما دخل صلاح الدين إلى حلب سنة تسع
وسبعين وخمسمائة نزل المسعودي المذكور إلى جامع حلب وقعد في خزانة كتبها للوقف ،
واختار منها جملة أخذها لم يمنعه منها مانع ، ولقد رأيته يحشوها في عدل ا ه.
٧٠ ـ علي بن منصور بن طالب الملقب بدوخلة. كان حيا في سنة ٤٦١
علي بن منصور
بن طالب الحلبي الملقب بدوخلة ، يعرف بابن القارح ، وهو الذي كتب إلى أبي العلاء
المعري رسالة مشهورة تعرف برسالة ابن القارح ، وأجابه عنها أبو العلاء برسالة
الغفران. يكنى أبا الحسن.
قال ابن عبد
الرحيم : هو شيخ من أهل الأدب شاهدناه ببغداد ، راوية للأخبار وحافظا لقطعة كبيرة
من اللغة والشعر ، قؤوما بالنحو. وكان ممن خدم أبا علي الفارسي في داره وهو صبي ،
ثم لازمه وقرأ عليه على زعمه جميع كتبه وسماعاته. وكانت معيشته التعليم بالشام
ومصر. وكان يحكى أنه كان مؤدبا لأبي القاسم المغربي الذي وزر ببغداد ، لقّاه الله
سيىء أفعاله ، كذا قال. وله فيه هجو كثير ، وكان يذمه ويعدد معايبه ، وشعره يجري
مجرى المعلمين قليل الحلاوة خاليا من الطلاوة. وكان آخر عهدي به بتكريت في سنة ٤٦١
، فإنا كنا مقيمين بها ، واجتاز بنا وأقام عندنا مدة ، ثم توجه إلى الموصل ،
وبلغني وفاته من بعد. وكان يذكر أن مولده بحلب سنة ٣٥١ ، ولم يتزوج ولا أعقب. وجمع
ما أورده من شعره مما أنشدنيه لنفسه ، فمنه في الشمعة :
لقد اشبهتني
شمعة في صبابتي
|
|
وفي طول ما
ألقى وما أتوقّع
|
نحول وحرق في
فناء ووحدة
|
|
وتسهيد عين
وإصفرار وأدمع
|
ومنه في هجو
المغربي :
لقّبت
بالكامل سترا على
|
|
نقصك كالباني
على الخصّ
|
فصرت كالكنف
إذا شيدت
|
|
بيّض أعلاهن
بالجصّ
|
يا عرّة
الدنيا بلا غرّة
|
|
ويا طويس
الشؤم والحرص
|
قتلت أهليك
وأنهبت بي
|
|
ت الله
بالموصل تستعصي
|
وله :
يا رمحها
العسّال بل يا سيفها ال
|
|
فصّال نارك
ليس تخبو
|
يا عاقد
المنن الرغا
|
|
ب على الرقاب
لهن سحب
|
كفروك ما
أوليتهم
|
|
والرب يشكر
ما تربّ
|
وسئل أن يجيز
قول الشاعر :
لعل الذي
تخشاه يوما به تنجو
|
|
ويأتيك ما
ترجوه من حيث لا ترجو
|
فقال :
فثق بحكيم لا
مردّ لحكمه
|
|
فمالك في
المقدور دخل ولا خرج
|
وله :
الصيمري دقيق
الفكر في اللقم
|
|
يقول كم
عندكم لون وكم وكم
|
يسعى إلى من
يرى إكثاره وكذا
|
|
يراه ذاك وما
هذاك من عدم
|
يلقي الوعيد
بما يلقي الحشوش به
|
|
وذاك والله
بخل ليس بالأمم
|
قال : وحدثني
قال : كنت أؤدب ولدي الحسين بن جوهر القائد بمصر ، وكانا مختصين بالحاكم وآنسين به
، فعملت قصيدة وسألت المسمى منهما جعفرا ، وكان من أحسن الناس وجها ، ويقال إن
الحاكم كان يميل إليه ، أن يوصلها ، ففعل وعرضها عليه فقال :
من هذا؟ قال : مؤدبي ، قال : يعطى ألف دينار. واتفق أن المعروف بابن مقشر
الطبيب كان حاضرا فقال : لا تثقلوا على خزائن أمير المؤمنين ، يكفيه النصف ،
فأعطيت خمسمائة دينار ، فحدثني ابن جوهر بالحديث وكانت القصيدة على وزن منهوكة أبي
نواس أقول فيها :
إن الزمان قد
نصر
|
|
بالحاكم
الملك الأغر
|
في كفّه عضب
ذكر
|
|
فقد غدا على
القصر
|
من غرّة على
الغرر
|
|
يمضي كما
يمضي القدر
|
في سرعة
الطرف نظر
|
|
أو السحاب
المنهمر
|
بادر إنفاق
البدر
|
|
بدر إذا لاح
بهر
|
وهي طويلة.
واتفق أن الطبيب المذكور لحقته بعد هذا بأيام شقفة وهي التي تسمى التراقي ويقال
لها قملة النسر ، فمات منها ، وكان نصرانيا ، فقلت :
لما غدا
يستخفّ رضوى
|
|
تيها وكبرا
لجحد ربّه
|
أصماه صرف
الردى بسهم
|
|
عاجله قبل
وقت نحبه
|
بشقفة بين
منكبيه
|
|
رشاؤها في
قليب قلبه
|
ا ه معجم
الأدباء.
٧١ ـ الأمير عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي الشاعر المتوفى سنة ٤٦٦
الأمير عبد
الله بن محمد بن سعيد بن سنان أبو محمد الخفاجي ، الشاعر الأديب ، كان يرى رأي
الشيعة الإمامية ، وكان قد عصى بقلعة عزاز من أعمال حلب ، وكان بينه وبين أبي نصر
محمد بن الحسن بن النحاس الوزير لمحمود بن صالح مودة مؤكدة ، فأمر محمود أبا نصر ابن
النحاس أن يكتب إلى الخفاجي كتابا يستعطفه ويؤنسه ، وقال : إنه لا يؤمن إلا إليك
ولا يثق إلا بك ، فكتب إليه كتابا ، فلما فرغ منه وكتب : «إن شاء الله تعالى» شدد
النون من إن ، فلما قرأه الخفاجي خرج من عزاز قاصدا حلب ، فلما كان في الطريق أعاد
النظر في الكتاب ، فلما رأى التشديد على النون أمسك رأس فرسه وفكر في نفسه وأن ابن
النحاس لم يكتب هذا عبثا ، فلاح أنه أراد (إِنَّ الْمَلَأَ
يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) فعاد إلى عزاز وكتب الجواب : أنا الخادم المعترف بإنعام
، وكسر الألف
من أنا وشدد النون وفتحها ، فلما وقف أبو نصر على ذلك سرّ وعلم أنه قصد به (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما
دامُوا فِيها) وكتب الجواب يستصوب رأيه ، فكتب إليه الخفاجي :
خف من أمنت
ولا تركن إلى أحد
|
|
فما نصحتك
إلا بعد تجريب
|
إن كانت
الترك فيهم غير وافية
|
|
فما تزيد على
غدر الأعاريب
|
تمسكوا
بوصايا اللؤم بينهم
|
|
وكاد أن
يدرسوها بالمحاريب
|
واستدعي محمود
بأبي نصر بن النحاس وقال : أنت أشرت عليّ بتولية الخفاجي ، وما أعرفه إلا منك ،
ومتى لم يفرغ بالي منه قتلتك وألحقت بك جميع من بينك وبينه صلة وحرمة. فقال : مرني
بأمر أمتثله ، قال : تمضي إليه وفي صحبتك ثلاثون فارسا ، فإذا قاربته عرّفه بحضورك
فإنه يلتقيك ، فإذا حضر وسألك النزول عنده والأكل معه ، فامتنع وقل له : إني
حلّفتك ألا تأكل زاده ولا تحضر مجلسه حتى يطيعك في الحضور عندي ، وطاوله في الحديث
حتى يقارب الظهر ، ثم ادّع أنك جعت وأخرج هذه الخشكنانجتين ، فكل أنت هذه وأطعمه
هذه ، فإذا استوفى أكلها عجّل الحضور إلي ، فإن منيته فيها. ففعل ما أمره به. ولما
أكلها الخفاجي رجع أبو نصر إلى حلب ورجع الخفاجي إلى عزاز ، فلما استقر بها وجد
مغصا شديدا ورعدة شديدة فقال : قتلني والله أخي أبو نصر. ثم أمر بالركوب خلفه ورده
، ففاتهم إلى حلب ، فصبح من الغد محمود فجاءه من عزاز من أخبره أن الخفاجي في
السياق ومات. وكانت وفاته في سنة ست وستين وأربعمائة ، وحمل إلى حلب.
ومن شعره :
وقالوا قد
تغيّرت الليالي
|
|
وضيّعت
المنازل والحقوق
|
فأقسم ما
استجد الدهر خلقا
|
|
ولا عدوانه
إلا عتيق
|
أليس يردّ عن
فدك عليّ
|
|
ويملك أكثر
الدنيا عتيق
|
وقال أيضا :
بقيت وقد
شطّت بكم غربة النوى
|
|
وما كنت أخشى
أنني بعدكم أبقى
|
وعلمتموني
كيف أصبر عنكم
|
|
وأطلب من رقّ
الغرام بكم عتقا
|
فما قلت يوما
للبكاء عليكم
|
|
رويدا ولا
للشوق بعدكم رفقا
|
وما الحب إلا
أن أعدّ قبيحكم
|
|
إليّ جميلا
والقلى منكم عشقا
|
وقال أيضا :
هل تسمعون
شكاية من عاتب
|
|
أو تقبلون
إنابة من تائب
|
أوكل ما يتلو
الصديق عليكم
|
|
في جانب
وقلوبكم في جانب
|
أما الوشاة
فقد أصابوا عنكم
|
|
شوقا ينفّق
كلّ قول كاذب
|
فمللتم من
صابر ورقدتم
|
|
عن ساهر
وزهدتم في راغب
|
وأقلّ ما حكم
الملال عليكم
|
|
سوء القلى
وسماع قول العائب
|
وقال أيضا :
ما على
محسنكم لو أحسنا
|
|
إنما نطلب
شيئا هيّنا
|
قد شجانا
اليأس من بعدكم
|
|
فادركونا
بأحاديث المنى
|
وعدوا بالوصل
من طيفكم
|
|
مقلة تنكر
فيكم وسنا
|
لا وسحر بين
أجفانكم
|
|
فتن الحب به
من فتنا
|
وحديث من
مواعيدكم
|
|
تحسد العين
عليه الأذنا
|
ما رحلت
العبس من أرضكم
|
|
فرأت عيناي
شيئا حسنا
|
وقال أيضا :
سلا ظبية
الوعساء هل فقدت خشفا
|
|
فإنا لمحنا من
مرابعها ظلفا
|
وقولا لخوط
البان فلتمسك الصبا
|
|
علينا فإنّا
قد عرفنا بها عرفا
|
سرت من هضاب
الشام وهي مريضة
|
|
فما ظهرت إلا
وقد كاد أن تخفى
|
عليلة أنفاس
تداوي بها الجوى
|
|
وضعفا ولكنّا
نرجي بها ضعفا
|
وهاتفة في
البان تملي غرامها
|
|
وتتلو علينا
من صبابتها صحفا
|
عجبت لها
تشكو الفراق جهالة
|
|
وقد جاوبت من
كل ناحية إلفا
|
ويشجي قلوب
العاشقين حنينها
|
|
وما فهموا
مما تغنّت به حرفا
|
ولو صدقت
فيما تقول من الأسى
|
|
لما لبست
طوقا ولا خضبت كفّا
|
أجارتنا
أذكرت من كان ناسيا
|
|
وأضرمت نارا
للصبابة لا تطفا
|
وفي جانب
الماء الذي تردينه
|
|
مواعيد لا
ينكرن ليّا ولا خلفا
|
ومهزوزة
للبان فيها تمايل
|
|
جعلن لها في
كل قافية وصفا
|
لعمري لئن
طالت علينا فإننا
|
|
بحكم الثريّا
قد قطعنا لها كفّا
|
ونسلبها في
العرف وهي ضعيفة
|
|
ولم نبق
للجوزاء عقدا ولا شنفا
|
كأن الدجى
لما تولت نجومه
|
|
مدبّر حرب قد
هزمنا له صفّا
|
كأن عليه
للمجرة روضة
|
|
مفتحة
الأنوار أو نثرة زغفا
|
كأن السها
إنسان عين غريقة
|
|
من الدمع
تبدو كلما ذرفت ذرفا
|
كأن سهيلا
فارس عاين الوغى
|
|
ففر ولم يشهد
طرادا ولا زحفا
|
كأن سنا
المرّيخ شعلة قابس
|
|
تخطّفها
عجلان يقذفها قذفا
|
كأن أفول
النسر طرف تعلّقت
|
|
به سنة ما
هبّ منها ولا أغفى
|
ا ه فوات
الوفيات لابن شاكر الدمشقي.
وديوانه طبع في
بيروت سنة ١٣١٦.
وذكر محمود
باشا البارودي في مختاراته المطبوعة في مصر ٧٨٥ بيتا من شعره : في الأدب ١٠ ، في
المديح ٥٨٧ ، في الرثاء ٥٦ ، في الصفات ١١ ، في النسيب ١١٦ ، في الهجاء ٢ ، في
الزهد ٣.
وكتابه «سرّ
الفصاحة» منه نسخة في برلين ، ونسخة في الخزانة البارودية في بيروت في ٢٦٨ ص بقطع
الربع ، نسخت في القرن السادس للهجرة ، لكنها مخرومة من الأول والآخر. وكانت مجلة
المقتبس كتبت أن أحمد زكي باشا سكرتير مجلس النظار في مصر عزم على طبعه ، وهذا
يفيد أنه وجد منه نسخ في الديار المصرية ، فتوجهت الآمال لظهوره لعالم الطبع.
٧٢ ـ مشرق العابد المتوفى في هذا العقد
مشرق بن عبد
الله الحلبي الفقيه الزاهد أبو الحسن. روي الأصل. تفقه على أبي جعفر السمناني ،
وسمع بحلب ودمشق ، وحدث في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة. روى عنه أبو بكر الخطيب
وأبو الغنايم محمد بن علي بن ميمون الزينبي وأبو الوليد سليمان بن خلف ابن سعيد
التاجي في آخرين. مات سنة نيف وستين وأربعمائة ودفن خارج باب قنسرين.
وكان له مال
وغلمان يتجرون ، ويصوم ويفطر على ثردة بماء الباقلا لا يأكل غيرها. ورؤي رجل مسرف
على نفسه من أصحابه بعد موته فقيل له : ما فعل الله بك؟ فقال : غفر لي ربي بمشرق
لما دفن إلى جانبي ، وكذلك غفر لجميع من في جواره ، وأنبت الله علينا شجرة من لوز تظل
جميع الموتى حوله ويأكلون من ثمارها.
قال ابن العديم
: سمعت عبد الله بن العجمي يقول : كان للشيخ مشرق العابد عنز مع راع يأتيه كل يوم
بلبنها ، فماتت ، فقال الراعي : هذا الشيخ رأيت منه البركة ، فما ضرني أن آتيه
باللبن من عندي ، فأتاه بلبن فدق عليه الباب فخرج الشيخ مشرق وقال : من هذا العنز
ماتت ا ه (ط ح ق).
٧٣ ـ أبو الفتيان محمد بن حيّوس الشاعر المشهور المتوفى سنة ٤٧٣
أبو الفتيان
محمد بن سلطان بن محمد بن حيّوس بن محمد بن المرتضى بن محمد بن الهيثم بن عدي بن
عثمان الغنوي الملقب بصفي الدولة الشاعر المشهور. كان يدعى بالأمير لأن أباه كان
من أمراء العرب. وهو أحد الشعراء الشاميين المحسنين ومن فحولهم المجيدين ، له
ديوان شعر كبير. لقي جماعة من الملوك والأكابر ومدحهم وأخذ جوائزهم. وكان منقطعا
إلى بني مرداس أصحاب حلب. ذكر الجوهري في الصحاح في فصل ردس :
المرداس : حجر
يرمي به في البئر ليعلم أفيها ماء أم لا ، وبه سمي الرجل. وله فيهم القصائد
الأنيقة. وقصته مشهورة مع الأمير جلال الدولة وصمصامها أبي المظفر نصر بن محمود
ابن شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس الكلابي صاحب حلب ، فإنه كان قد مدح أباه
محمود بن نصر فأجازه بألف دينار ، فلما مات وقام مقامه ولده نصر المذكور قصده ابن
حيّوس المذكور بقصيدته الرائية يمدحه بها ويعزيه عن أبيه ، وهي :
كفى الدين
عزا ما قضاه لك الدهر
|
|
فمن كان ذا
نذر فقد وجب النذر
|
ومنها :
ثمانية لم
تفترق مذ جمعتها
|
|
فلا افترقت
ماذبّ عن ناظر شفر
|
يقينك والتقوى
وجودك والغنى
|
|
ولفظك
والمعنى وعزمك والنصر
|
ويذكر فيها
وفاة أبيه وتوليته الأمر بعده بقوله :
صبرنا على
حكم الزمان الذي سطا
|
|
على أنه
لولاك لم يكن الصبر
|
غزانا ببؤسى
لا يماثلها الأسى
|
|
تقارن نعمى
لا يقوم بها الشكر
|
ومنها :
تباعدت عنكم
حرقة لا زهادة
|
|
وسرت إليكم
حين مسّني الضر
|
فلاقيت ظل
الأمن ما عنه حاجز
|
|
يصد وباب
العرف ما دونه ستر
|
وطال مقامي
في إسار جميلكم
|
|
فدامت
معاليكم ودام لي الأسر
|
وانجز
لي رب السموات وعده الكريم بأن العسر يتبعه اليسر
|
فجاد ابن نصر
لي بألف تصرّمت
|
|
وإني عليم أن
سيخلفها نصر
|
لقد كنت
مأمولا ترجى لمثلها
|
|
فكيف وطوعا
أمرك النهي والأمر
|
ومالي إلى
الالحاح والحرص حاجة
|
|
وقد عرف
المبتاع وانفصل السعر
|
وإني بآمالي
لديك مخيم
|
|
وكم في الوري
ثاو وآماله سفر
|
وعندك ما
أبغي بقولي تصنعا
|
|
بأيسر ما
توليه يستعبد الحر
|
فلما فرغ من
إنشادها قال الأمير نصر : والله لو قال عوض قوله سيخلفها نصر سيضعفها نصر لأضعفتها
له ، وأعطاه ألف دينار في طبق فضة.
وكان قد اجتمع
على باب الأمير نصر المذكور جماعة من الشعراء وامتدحوه وتأخرت صلته عنهم ، ونزل
بعد ذلك الأمير نصر إلى دار بولص النصراني ، وكانت له عادة بغشيان منزله ، وعقد
مجلس الأنس عنده ، فجاءت الشعراء الذين تأخرت جوائزهم إلى باب بولص وفيهم أبو
الحسن أحمد بن محمد بن الدويدة المعري الشاعر المعروف ، فكتبوا ورقة فيها أبيات
اتفقوا على نظمها ، وقيل بل نظمها ابن الدويدة المذكور ، وسيروا الورقة إليه ،
والأبيات المذكورة هي :
على بابك
المحروس منا عصابة
|
|
مفاليس فانظر
في أمور المفاليس
|
وقد قنعت منك
الجماعة كلها
|
|
بعشر الذي
أعطيته لابن حيّوس
|
وما بيننا
هذا التفاوت كله
|
|
ولكن سعيد لا
يقاس بمنحوس
|
__________________
فلما وقف عليها
الأمير نصر أطلق لهم مائة دينار ، فقال : والله لو قالوا : بمثل الذي أعطيته لأبن
حيّوس لأعطيتهم مثله.
وذكر العماد
الكاتب في الخريدة أن هذه الأبيات لأبي سالم عبد الله بن أبي الحسن أحمد ابن محمد
بن الدويدة ، وأنه كان يعرف بالواقي ، والله أعلم.
وكان الأمير
نصر سخيا واسع العطاء ، ملك حلب بعد وفاة أبيه محمود في سنة سبع وستين وأربعمائة.
وقدم ابن حيّوس
حلب في شوال سنة أربع وستين وأربعمائة ، وداره بها هي الدار المعروفة الآن بالأمير
علم الدين سليمان بن جندر.
ومن محاسن شعر
ابن حيّوس القصيدة اللامية التي مدح بها أبا الفضائل سابق بن محمود وهو أخو الأمير
نصر المذكور ، ومن مديحها قوله :
طالما قلت
للمسائل عنكم
|
|
واعتمادي
هداية الضلّال
|
إن ترد علم
حالهم عن يقين
|
|
فالقهم في
مكارم أو نزال
|
تلق
بيض الوجوه سود مثار النقع خضر الأكناف حمر النصال
|
وما أحسن هذا
التقسيم الذي اتفق له ، وقد ألم فيه بقول أبي سعيد محمد بن محمد ابن الحسين
الرستمي الشاعر المشهور من جملة قصيدة يمدح بها الصاحب بن عباد ، وهي من فاخر
الشعر ، وذلك قوله :
من النفر
العالين في السلم والوغى
|
|
وأهل المعالي
والعوالي وآلها
|
إذا نزلوا
اخضرّ الثرى من نزولهم
|
|
وإن نازلوا
أحمر القنا من نزالها
|
هذا والله
الشعر الخالص الذي لا يشوبه شيء من الحشو.
ومن غرر قصائد
ابن حيّوس السائرة قوله :
هو ذاك ربع
المالكية فاربع
|
|
واسأل مصيفا
عافيا عن مربع
|
__________________
واستسق للدمن
الخوالي بالحمى
|
|
غرّ السحائب
واعتذر عن أدمعي
|
فلقد فنين
أمام دان هاجر
|
|
في قربه
ووراء ناء مزمع
|
لو يخبر
الركبان عني حدّثوا
|
|
عن مقلة عبرى
وقلب موجع
|
ردّي لنا زمن
الكثيب فإنه
|
|
زمن متى يرجع
وصالك يرجع
|
لو كنت عالمة
بأدنى لوعتي
|
|
لرددت أقصى
نيلك المسترجع
|
بل لو قنعت
من الغرام بمطهر
|
|
عن مضمر بين
الحشا والأضلع
|
أعتبت إثر
تعتّب ووصلت
|
|
غبّ تجنّب
وبذلت بعد تمنّع
|
ولو أنني
أنصفت نفسي صنتها
|
|
عن أن أكون
كطالب لم ينجع
|
ومنها :
إني دعوت ندى
الكرام فلم يجب
|
|
فلأشكرن ندى
أجاب وما دعي
|
ومن العجائب
والعجائب جمة
|
|
شكر بطيء عن
ندى متسرّع
|
ومن شعره أيضا
:
قفوا في
الفلا حيث انتهيتم تذمّما
|
|
ولا تقتفوا
من جار لما تحكّما
|
أرى كل معوجّ
المودة يصطفى
|
|
لديكم ويلقى
حتفه من تقوّما
|
فإن كنتم لم
تعدلوا إذا حكمتم
|
|
فلا تعدلوا
عن مذهب قد تقدّما
|
حتى الناس من
قبل القسيّ لتقتنى
|
|
وثقّف منآد
القنا ليقوّما
|
وما ظلم
الشيب الملمّ بلمتي
|
|
وإن بزّني
حظي من الظّلم واللمى
|
ومحبوبة عزت
وعز نصيرها
|
|
وإن أشبهت في
الحسن والعفة الدمى
|
أعنف فيها
صبوة قطّ ما ارعوت
|
|
واسأل عنها
معلما ما تكلّما
|
سلي عنه تخبر
عن يقين دموعه
|
|
ولا تسألي عن
قلبه أين يمما
|
فقد كان لي
عونا على الصبر برهة
|
|
وفارقني أيام
فارقتم الحمى
|
فراق قضى أن
لا تأسي بعد أن
|
|
مضى منجدا
صبري وأوغلت متهما
|
وفجعة بين
مثل صرعة مالك
|
|
ويقبح بي أن
لا أكون متمّما
|
خليليّ إن لم
تسعداني على الأسى
|
|
فما أنتما
مني ولا أنا منكما
|
وحسّنتما لي
سلوة وتناسيا
|
|
ولم تذكرا
كيف السبيل إليهما
|
سقى الله
أيام الصبا كلّ هاطل
|
|
ملثّ إذا ما
الغيث أنجم أنجما
|
وعيشا سرقناه
برغم رقيبنا
|
|
وقد ملّ من
طول السهاد فهوّما
|
وهي طويلة. (أقول
وهي القصيدة التي مدح بها الأمير عز الدولة محمود بن نصر. انظر حوادث سنة ٤٦٥).
وذكر الحافظ
ابن عساكر في تاريخ دمشق قال : أنشدنا أبو القاسم علي بن إبراهيم العلوي من حفظة
سنة سبع وخمسمائة قال : أخذ الأمير أبو الفتيان ابن حيّوس بيدي ونحن بحلب وقال :
اروعني هذا البيت وهو في شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب حلب :
أنت الذي نفق
الثناء بسوقه
|
|
وجرى الندى
بعروقه قبل الدم
|
وهذا البيت في
غاية المدح.
وكانت ولادة
ابن حيّوس سنة أربع وتسعين وثلثمائة بدمشق ، وتوفي في شعبان سنة ثلاث وسبعين
وأربعمائة. و (حيّوس) بفتح الحاء المهملة والياء المشددة من تحتها المضمومة والواو
الساكنة وبعدها سين مهملة ا ه (ابن خلكان).
أقول : وقول
ابن حيّوس : (وفجعة بين مثل صرعة مالك) ... إلخ ، البيت يعني به مالك بن نويرة
الذي قتله خالد بن الوليد رضياللهعنه ورثاه أخوه متمم المذكور في آخر البيت عدة مراث ، وقد
أكثر الشعراء في شعرهم من الإشارة إلى هذه القصة ومنهم ابن حيّوس.
يوجد نسخة من
ديوان شعره في المكتبة السلطانية بمصر مرتب على الأبجدية في ٣٥٠ صحيفة. وذكر محمود بك البارودي في مختاراته
المطبوعة ١١٢٨ بيتا من شعره : في الأدب ٢ ، في المديح ١٠٤٨ ، في الرثاء ٢٣ ، في
الصفات ٢١ ، في النسب ٣٤.
٧٤ ـ الأمير علي بن منقذ صاحب شيزر المتوفى سنة ٤٧٥
أبو الحسن علي
بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الملقب سديد الملك صاحب قلعة شيزر ، كان شجاعا
مقداما قوي النفس كريما ، وهو أول من ملك قلعة شيزر من بني
__________________
منقذ ، لأنه كان نازلا مجاور القلعة بقرب الجسر المعروف اليوم بجسر بني
منقذ ، وكانت القلعة بيد الروم ، فحدثته نفسه بأخذها ، فنازلها وتسلمها بالأمان في
رجب سنة أربع وسبعين وأربعمائة ، ولم تزل في يده ويد أولاده إلى أن جاءت الزلزلة
سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة فهدمتها وقتلت كل من فيها من بني منقذ وغيرهم تحت
الهدم وشغرت ، فجاء نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام في بقية السنة وأخذها.
وكان سديد الملك المذكور مقصودا وخرج من بيته جماعة نجباء أمراء فضلاء كرماء.
ومدحه جماعة من الشعراء كابن الخياط والخفاجي وغيرهما ، وكان له شعر جيد أيضا ،
فمنه قوله وقد غضب على مملوك له وضربه :
أسطو عليه
وقلبي لو تمكن من
|
|
كفيّ غلهما
غيظا إلى عنقي
|
وأستعير إذا
عاقبته حنقا
|
|
وأين ذل
الهوى من عزة الحنق
|
وكان موصوفا بقوة
الفطنة. وينقل عنه حكاية عجيبة وهي أنه كان يتردد إلى حلب قبل تملكه شيزر ، وصاحب
حلب يومئذ تاج الملوك محمود بن صالح بن مرداس ، فجرى أمر خاف سديد الملك المذكور
على نفسه منه ، فخرج من حلب إلى طرابلس الشام وصاحبها يومئذ جلال الملك بن عمار ،
فأقام عنده ، فتقدم محمود بن صالح إلى كاتبه أبي نصر محمد ابن الحسين بن علي بن
النحاس الحلبي أن يكتب إلى سديد الملك كتابا يتشوقه ويستعطفه ويستدعيه إليه ، وفهم
الكاتب أنه يقصد له شرا ، وكان صديقا لسديد الملك ، فكتب الكتاب كما أمر إلى أن
بلغ إلى «إن شاء الله تعالى» فشدد النون وفتحها ، فلما وصل الكتاب إلى سديد الملك
عرضه على ابن عمار صاحب طرابلس ومن في مجلسه من خواصه فاستحسنوا عبارة الكتاب
واستعظوا ما فيه من رغبة محمود فيه وإيثاره لقربه ، فقال سديد الملك : إني أرى في
الكتاب ما لا ترون ، ثم أجابه عن الكتاب بما اقتضاه الحال وكتب في جملة الكتاب :
أنا الخادم المقر بالإنعام وكسر الهمزة من أنا وشدد النون ، فلما وصل الكتاب إلى
محمود ووقف عليه الكاتب سر بما فيه وقال لأصدقائه : قد علمت أن الذي كتبته لا يخفى
على سديد الملك ، وقد أجاب بما طيب نفسي. وكان الكاتب قد قصد قول الله تعالى (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ
لِيَقْتُلُوكَ) فأجاب سديد الملك بقوله تعالى : (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما
دامُوا فِيها) فكانت هذه معدودة من تيقظه وفهمه. هكذا ساق هذه الحكاية
أسامة في مجموعه إلى الرشيد بن الزبير في ترجمة ابن النحاس. وكانت وفاته في سنة خمس
وسبعين
وأربعمائة رحمهالله ا ه (ابن خلكان). أقول : تقدم آنفا في ترجمة عبد الله
بن سنان الخفاجي المتوفى سنة ٤٦٦ أن هذا الكتاب كتبه الكاتب أبو نصر المذكور عن
لسان محمود ابن نصر صاحب حلب إلى عبد الله بن سنان الخفاجي صاحب قلعة عزاز ، وتقدم
أن هذا الجواب كان من ابن سنان المذكور ، ونقلنا ذلك عن فوات الوفيات لابن شاكر. وابن
خلكان ذكر هنا أن المرسل إليه الكتاب هو علي بن مقلد بن منقذ صاحب قلعة شيزر
والجواب له ، فالله أعلم أيهما أصح ، غير أن ابن خلكان متثبت أكثر.
٧٥ ـ المبارك بن شرارة الطبيب المتوفى سنة ٤٩٠
المبارك بن
شرارة أبو الخير الطبيب الكاتب الحلبي ، هذا رجل كاتب طبيب من أهل حلب نصراني يعرف
من الطب أوائله ، ولم يكن له يد في علم المنطق ، وكان ارتزاقه بطريق الكتابة ، وله
جرائد مشهورة بحلب عند أهلها يحفظونها لأجل الخراج المستقر على الضياع ، وكان قوي
الصنعة في علم الكتابة ، وتعرف جرائده بالجرائد الحكميات ، وإذا اختلف النواب في
شيء من هذا النوع رجعوا إليها.
وكان أبو الخير
هذا قد اجتمع بابن بطلان الطبيب عند وروده إلى حلب وجرت بينهما مذاكرات أدت إلى
المناقرة ، وقد مر ذكرها في ترجمة ابن بطلان.
ولم يزل ابن
شرارة هذا مقيما بحلب يتقلب في صناعته إلى أن دخلت دولة الترك ووليها رضوان بن تتش
، وحضر يوما عنده وهو يشرب ، فحمله السكر على أن قال له : أسلم ، فامتنع فضربه
بسيف كان في يده أثّر في جسمه بعض أثر ، ونزل من بين يديه ولم يعد إلى داره ، ومر
على وجهه إلى أنطاكية وخرج عنها إلى مدينة صور ، وأقام هناك إقامة الغريب المسكين
، وأدركته وفاته بصور ، فنودي عليه نداء الغريب ، ودفن بها في حدود سنة تسعين
وأربعمائة.
ولأبي الخير
هذا كتاب في التاريخ ذكر فيه حوادث ما قرب من أيامه يشتمل على قطعة حسنة من أخبار
حلب في أوانه ، ولم أجد منه سوى مختصر جاءني في مصر اختصره بعض المتأخرين اختصارا
لم يأت فيه بطائل ا ه. (أخبار العلماء بأخبار الحكماء للوزير القفطي).
٧٦ ـ ظافر بن جابر السكّري الطبيب المتوفى في عقد التسعين وأربعمائة
ظافر بن جابر
السكري هو أبو حكيم ظافر بن جابر بن منصور السكري ، كان مسلما فاضلا في الصناعة
الطبية ، متقنا للعلوم الحكمية ، متحليا بالفضائل وعلم الأدب ، محبا للاشتغال
والتضلع بالعلوم. وكان قد لقي أبا الفرج بن الطيّب ببغداد واجتمع به واشتغل معه ،
وكان ظافر بن جابر قد عمر مثل أبيه ، وكان موجودا في سنة اثنتين وثمانين
وأربعمائة. وهو موصلي ، وإنما انتقل من الموصل إلى مدينة حلب وأقام بها إلى آخر
عمره ، ومن خلفه جماعة مشتغلون بصناعة الطب ومقامهم بحلب. ومن شعره :
ما زلت أعلم
أولا في أول
|
|
حتى علمت
بأنني لا علم لي
|
ومن العجائب
أن كوني جاهلا
|
|
من حيث كوني
أنني لم أجهل
|
ولظافر بن جابر
من الكتب مقالة في أن الحيوان يموت مع أن الغذاء يخلف عوض ما يتحلل منه ا ه (عيون
الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة).
٧٧ ـ موهوب بن ظافر السكري الطبيب المتوفى أواخر الخامس
موهوب أبو
الفضل بن ظافر بن جابر السكري أحد الأطباء المشهورين في حلب ، له اختصار كتاب
المسائل لحنين. توفي في حلب أواخر القرن الخامس ، ووالده ظافر تقدمت ترجمته. (ا ه
من قاموس الأعلام).
ولموهوب ولد
اسمه جابر ، قال في عيون الأنباء في طبقات الأطباء : هو جابر بن موهوب بن ظافر بن
جابر بن منصور السكري ، كان أيضا مشهورا في صناعة الطب خبيرا بها ، وأقام بحلب ا
ه. ولم يذكر تاريخ وفاته ، ويظهر أنه توفي أواخر القرن الخامس.
٧٨ ـ الحسن بن شيبان المتوفى سنة ٤٩٣
الحسن بن شيبان
بن الحسن الحلبي أبو محمد. قال ابن النجار : أحد الفقهاء الحنفية ، وأبوه شيبان بن
الحسن يأتي إن شاء الله تعالى ، شهد عند قاضي القضاة أبي الحسن علي ابن محمد
الدامغاني في الخامس والعشرين من شعبان سنة تسع وثمانين وأربعمائة ، فقبل
شهادته ، وسمع الحديث من أبي الغنايم محمد بن علي بن أبي عثمان وغيره. مات
شابا لم يرو شيئا. ذكر أبو الحسن الهمداني أنه توفي في سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة
ولم يبلغ الثلاثين ، وكان من أحسن الناس وجها ا ه.
٧٩
ـ شيبان بن الحسن بن شيبان الحنفي المتوفى سنة ٤٩٤
شيبان بن الحسن
بن شيبان أبو القاسم الحلبي. قال الهمداني : قرأ الفقه على قاضي القضاة أبي عبد
الله ، وقرأ القرآن بقراءات ، وقرأ النحو على أبي القاسم بن برهان ، والكلام على
أبي علي بن الوليد ، وصار أحد الشهود وأحد الباعة ، ووصف بالفقه والأمانة والتحري
والمزوءة. وكان له ولد يكنى بأبي محمد مليح الصورة ، فرباه أحسن تربية وقبلت
شهادته وهو حديث السن ورد إليه أمور تجارته ، ففرط الابن تفريطا زائدا ، ووصل
وأعطى وأنفق مال أبيه وتعدى إلى ودائع كانت عنده ، وبلغ الأب فعله فهجره ، وكان
يقول : قتلني وقتل نفسه. ومات الابن في الحريق الواقع في سنة ثلاث وتسعين
وأربعمائة وبلغ من العمر سبعا وعشرين سنة ، وقضى أبوه عظيم ما أتلفه على الناس.
وكان يقال لوالده : لو ترجمت عليه ، فكان يقول : وما ينفعه ترحمي عليه وفي رقبته
المظالم التي تقع لأجلها المضايقة ويجري بسببها المناقشة.
مات في شعبان
سنة أربع وتسعين وأربعمائة وبلغ سبعا وسبعين سنة. وكان محسنا في الشهادة محتاطا
فيها ولا يشهد على امرأة ، وعمر مسجدا. قلت : هذا الابن هو الحسن وقد تقدم ا ه (ط
ح ق).
٨٠
ـ المطهّر بن المفضّل التنوخي المعري المتوفى سنة ٤٩٥
المطهر بن
المفضل بن عبد الله أبو الحسن التنوخي المعري ، كان يزعم أنه ابن عم أبي العلاء
المعري. قدم بغداد وقرأ بها على أبي الحسن علي بن فضال المجاشعي وجالس أبا سعد ابن
الموصلايا وابن الشبل وعاد ، ثم قدمها ثانيا في سنة خمس وتسعين وأربعمائة وروى بها
شيئا من شعره ، وتوفي بها. وكتب عنه السلفي :
ويك يا نفسي
ذري الدنيا التي
|
|
قرن الحرص
بها والشره
|
واطلبي النسك
فما أربحه
|
|
واتركي الغيّ
فما أخسره
|
أي عذر في
التصابي لامرىء
|
|
فاته من عمره
أكثره
|
يسمع الوعظ
فلا يقبله
|
|
قتل الإنسان
ما أكفره
|
(ا ه عيون التواريخ لابن شاكر).
٨١ ـ الحسن بن إبراهيم التنوخي المتوفى سنة ٥٠٠
الحسن بن
إبراهيم بن الحسن أبو محمد التنوخي الحلبي الشاعر ، دخل بغداد وأقام بها إلى أن
توفي سنة خمسمائة أو التي بعدها. ومن شعره :
يا من كساني
سقاما
|
|
وجسمه منه
عار
|
رضيت لو كنت
ترضى
|
|
فيه بذلّي
وعاري
|
ومن شعره :
إذا طيف
بالثور السمين وفوقه
|
|
ثياب وأجراص
وقطن مزعفر
|
فلا شك أن
الثور من بعد ساعة
|
|
سيسلب ما قد
خوّلوه وينحر
|
هذا من قول
الآخر :
خلعوا عليه
وزينوه وأهّلوه لكل رفعه
|
|
وكذاك يفعل
في الجمال لنحرها في كل جمعه
|
(ا ه عيون التواريخ لابن شاكر من
حوادث سنة ٥٠٠)
* * *
(أعيان القرن السادس)
٨٢ ـ محمد بن يوسف الكفر طابي المتوفى سنة ٥٠٣
أبو عبد الله
الشيخ محمد بن يوسف الكفر طابي المعروف بابن المنيرة ، كانت له اليد الطولى في
سائر العلوم ، وانقطع في جامع حلب أربعين سنة يصلي بالناس احتسابا ويقرىء العلوم
والقرآن. وله شعر كثير لا يحفل به ولا يثبته ولا يحفظه اطراحا واشتغالا عنه بسواه
، فمن شعره :
حضرت فكنت في
بصري مقيما
|
|
وغبت فكنت في
ضمن الفؤاد
|
وما شطّت بنا
دار ولكن
|
|
نقلت من
السواد إلى السواد
|
ومن شعره :
وبدر تمام
يشبه الماء جسمه
|
|
ولكن له قلب
أفض من الصخر
|
رمى فأصاب
القلب وهو محلّه
|
|
وأحرق صدري
بالأسى وهو في صدري
|
فيا من رمى
أنت المصاب بسهمه
|
|
ويا محرقي
أنت احترقت وما تدري
|
ومن شعره من
مرثية :
لو أنصفوك
لكان قبرك كائنا
|
|
فوق السماك
وفوق ذلك يحفر
|
فالسحب دون
علو قدرك رفعة
|
|
والغيث عن
جدوى يديك يقصّر
|
اليوم جاز من
التراب تيمم
|
|
طيبا وقصّر
عن ذكاه العنبر
|
ا ه (عيون
التواريخ في حوادث سنة ثلاث وخمسمائة).
٨٣ ـ عبد الرزاق بن أبي حصين المعري المتوفى سنة ٥٠٥
عبد الرزاق بن
عبد الله القاضي أبو غانم بن أبي حصين المعري الشاعر ، وهو من بيت
يعرفون ببني أبي حصين ، وإخوته عبد الغالب وعبد الباقي وعبد الله ، كل
هؤلاء شعراء ، فمن شعر عبد الرزاق هذا يصف الفقاع :
ومحبوس بلا
جرم جناه
|
|
له حبس بباب
من رصاص
|
يضيّق بابه
خوفا عليه
|
|
ويوثق بعد
ذلك بالرصاص
|
إذا أطلقته
خرج ارتقاصا
|
|
وقبل فاك من
فرح الخلاص
|
ا ه. ولم أقف
على ترجمة إخوته ، لكن قال ياقوت في معجمه في الكلام على سياث :
إنها كانت
بليدة بظاهر معرة النعمان وهي القديمة ، والمعرة اليوم محدثة ، كذا ذكره ابن
المهذب في تاريخه. اجتاز بها القاضي أبو يعلى عبد الباقي بن أبي حصين المعري
والناس ينقضون بنيانها ليعمروا به موضعا آخر ، فقال :
مررت برسم في
سياث فراعني
|
|
به زجل
الأحجار تحت المعاول
|
تناولها عبل
الذراع كأنما
|
|
رمى الدهر فيما
بينهم حرب وائل
|
أتتلفها شلّت
يمينك خلّها
|
|
لمعتبر أو
زائر أو مسائل
|
منازل قوم
حدثتنا حديثهم
|
|
ولم أر أحلى
من حديث المنازل
|
(ا ه عيون التواريخ في حوادث سنة
خمس وخمسمائة).
٨٤ ـ الحسين بن عقيل بن سنان الخفاجي المتوفى سنة ٥٠٧
الحسين بن عقيل
بن سنان الخفاجي الحلبي المعدل الأصولي الشيعي. له كتاب «المنجي من الضلال في
الحرام والحلال» ، فقه ، بلغ عشرين مجلدة ذكر فيه خلاف الفقهاء ، يدل على تبحره ا
ه (ذهبي من وفيات سنة سبع وخمسمائة).
٨٥ ـ شمس الخواص لؤلؤ الخادم المقتول سنة ٥١١
قدمنا في الجزء
الأول في حوادث سنة ٥١١ خبر قتله. قال في كنوز الذهب في الكلام على خانكاه البلّاط
: كان شمس الخواص لؤلؤ الخادم يتولى حلب نيابة ، فسمت نفسه إلى التغلب عليها ،
فقتل ، وكان مملوكا لتاج الرؤساء ، ثم صار إلى الملك رضوان ، وولي تدبير حلب مع
ابنه آلب أرسلان الأخرس ، وخاف منه فقتله مع جماعة من أمرائه ، وأجلس
أخاه صبيا صغيرا يقال له سلطان شاه ، وتولى أمر حلب ، وباع أملاكا كثيرة من
بلد حلب ، تولى بيعها الحاكم بحلب ومولى لؤلؤ قبض ثمنها وحكم فيها منفردا بالأمر ،
إلى أن قتل وهو متوجه إلى قلعة جعبر ، قتله جماعة من مماليك رضوان بأمر مولاهم.
وفي عنوان السير : وآلب أرسلان محمد استولى على حلب وله من العمر سبع عشرة سنة ،
وقتل خلقا من أصحاب أبيه ، فاغتاله خادم كان خصيصا به اسمه لؤلؤ في رجب سنة ثمان
وخمسمائة. وكان ملكه بحلب سنة واحدة ، واستولى هذا الخادم على حلب والمال ومزقه ،
وظهرت منه شهامة ، وخرج من حلب للصيد ، فرماه تركي بسهم فقتله في محرم سنة إحدى
عشرة وخمسمائة. وقال بعضهم : لما عمل لؤلؤ عمل آلب أرسلان وقتله أخذ الأموال من
القلعة وسار هاربا يطلب بلاد الشرق ، فلما وصل إلى دير حافر قال سنقر : تتركونه
يقتل تاج الدولة ويأخذ الأموال ويمضي ، فصاح بالتركية يعني الأرنب الأرنب ، فضربوه
بالسهام فقتلوه ، ولما هرب لؤلؤ أقامت القلعة في يد آمنة خاتون بنت رضوان يومين ،
فلما قتل ملكوا سلطان شاه بن رضوان. انتهى.
آثاره في حلب
خانكاه البلاط وهي أول خانكاه بنيت في حلب
قال أبو ذر في
كنوز الذهب في باب ذكر الخوانك والزوايا والتكايا على اختلاف طرائقهم : ونبتدىء
بتعريف الخانكاه ، وهي بالكاف ، وهي بالعجمية ومعناها ديار الصوفية ، ولم يتعرض
الفقهاء للفرق بينهما وبين الزاوية والرباط ، وهو المكان المسبل للأفعال الصالحة
والعبادة.
وأعلم أنه يجوز
للفقهاء الإقامة في الربط وتناول معلومها ، ولا يجوز للمتصوف القعود في المدارس
وأخذ جرايتها ، لأن المعنى الذي يطلق على المتصوف موجود في الفقيه ولا عكس. ونشرع
الآن بذكر أول خانكاه بنيت بحلب فنقول :
(خانكاه
البلّاط) سوق البلّاط هو سوق الصابون الآن ، ولها بابان أحدهما من السوق المذكور
والآخر من شارع شرقيها أنشاها شمس الخواص لؤلؤ الخادم عتيق رضوان ، وذلك
في سنة تسع وخمسمائة ، واسمه مكتوب في عتبة بابها الشرقي ، ووقف هذه على
الفقراء المتجردين دون المتأهلين بحلب. كذا رأيته في مسودة تاريخ الصاحب (ابن
العديم) بخطه.
وهذه الخانكاه
كانت مركزا للفقراء ومجمعا لأهل الطريق ، فممن كان بها شيخ الطريقة بقية السلف
الصالحين نجم الدين أبو محمد عبد اللطيف شيخ الشيوخ بحلب ، وقد لبس والدي منه خرقة
التصوف المنسوبة إلى جدهم الشيخ العارف أبي الخير الميهني الصوفي في سنة ست وسبعين
وسبعمائة بباب منزله بالقرب من الخانكاه المذكورة. وقد توفي الشيخ عبد اللطيف
المذكور سنة سبع وثمانين وسبعمائة (ستأتي ترجمته).
وأعلم أن هذه
الخانكاه لم تزل بأيدي هذا البيت لما مات عبد اللطيف شيخ والدي أخذها ولده سراج
الدين عمر ، وبعده أخذها ولده أبو الخير ، وكانوا يقيمون بها الذكر والأوراد ،
ولها صوفية مرتبون تجري عليهم المعاليم من وقفها وبيدهم إشهاد عليه خط الشيخ علي
الهروي المتقدم ذكره يشهد لهم بذلك.
ثم سد باب
الخانكاه الذي من السوق وجعل صغيرا وهو باق إلى الآن على تلك الهيئة ، وهجرت وردم
التراب خلف بابها الشرقي ، وردمت بركتها وانقطع الماء عنها ، وسكنها من جعلها بيتا
من جملة البيوت. ثم لما قدم الشيخ الصالح الزاهد العامل علاء الدين بن يوسف
الجبرتي حلب وستأتي ترجمته وما اتفق له في الحوادث وعمر الصاحبية والحدادية صار
يتردد من الحدادية إلى هذه الخانكاه ، وأقام لها مؤذنا وإماما ، وأخرج التراب من
بركتها وأجرى إليها الماء من رأس القناة ، فإن قناتها القديمة أخذت تبرع بمصروفها
الأمير تغري بردي بن يونس نائب السلطنة بقلعة حلب إذ ذاك ، وأصرف عليها جملة كبيرة
، وعزل مرتفقها ، وزاد فيه بيوتا ، وهم أن يجري إليه فائض الماء من البركة ، وفتح
بابها الشرقي وفتح لها في صدر إيوانها اشباكا إلى الشارع لئلا يتطرق لإبطال هذه
الخانكاه كما كانت ، وفتح شباكا آخر تجاه بابها الغربي في جانب رواقها بحيث إن من
كان في السوق يعلم أن هناك مسجدا ، ومن مر في الشارع يعلم ذلك. وأخبرني من أثق به
أن الجمل بحمله كان يدخل من باب هذه الخانكاه الذي في السوق ، فلما اختصر كان لا
يعلم أن هناك خانكاه إلا من يدخلها ، وهذا كان سبب فتح الشباكين المذكورين ا ه.
أقول : أدركنا
هذه الخانكاه وهي على الصفة التي ذكرها الشيخ أبو ذر رحمهالله ، إلا أن المكان الغربي منها من صحنها إلى بابها الغربي
الذي يلي السوق اتخذته الحكومة مخفرا ،
وكان يقعد به بعض الجند للمحافظة ، ولعلها فعلت ذلك من نحو سبعين أو ثمانين
عاما. وكان ما بين الصحن إلى الباب رواقان كبيران في وسطهما قبو كبير ويعلوهما على
الطرفين حجر كثيرة ، إلا أنه لقدمه وعدم العناية به كان سائرا في طريق الخراب ،
فمنذ اثنتي عشرة سنة استاجر التاجر محمد زين الدين هذا المكان أعني من الصحن إلى
الباب مدة تسع سنوات من دائرة الأوقاف على أن يعمره مخزنا كبيرا مرتفع السقف على
صفة مخصوصة ، وقد قام بذلك ولا زال هو المستأجر له. وظهر عند تخريب الحجر العلوية
في بعضها قبر فيه جمجمة لعل المدفون به هو الواقف. وبقي من هذه الخانكاه جهتها
الشرقية وهي مشتملة على صحن في وسطه حوض مؤلف من ثمانية أحجار ضخمة شمالية قاعة
واسعة فيها قبة مرتفعة مبنية من الحجر ، وقبلي الصحن قبلية حسنة البناء من الحجر
الأصفر الذي كان يجلب من بعادين ، وبعضه من الحجر الأسود الذي كان يجلب من الأحص ،
طولها ١٥ ذراعا وعرضها ١٧ ذراعا ، في وسطها قبة عظيمة الارتفاع من الحجر أيضا ،
وفي محرابها عمودان من الرخام الأبيض يعلوهما تاجان من المرمر منقوشان نقشا بديعا
، وشرقي القبلية قبة واسعة فيها ثلاثة قبور لا كتابة عليها ، يغلب على الظن أن
المتوسط منها هو قبر أصلان دده المجذوب من رجال القرن الحادي عشر ستأتيك ترجمته
هناك ، وقد عرف هذا المكان الآن باسم هذا الرجل لطول إقامته به ودفنه فيه.
وحينما عمر
المخزن المتقدم نقل باب الخانقاه القديم إلى شمالي باب المخزن وبني وراءه دهليز
طويل ليتوصل بذلك إلى الصحن والقبلية من جهة السوق ، وقد سعى منذ ثلاث سنين مجاور
وهذا المكان من أهل السوق فجمعوا من بعضهم ومن أهل المعروف ما رمموا به بعض المكان
، وعملوا هناك مواسير للماء ، وكذلك اهتم به مدير الأوقاف الحالي السيد يحيى
الكيالي فرمم قسما كبيرا منه داخلا وخارجا ، وذلك منذ عامين ، وعسى أن يوجه عنايته
لإكمال ترميمه ليعود إلى هذا الأثر القديم بهجته الأولى والله الموفق.
٨٦ ـ أحمد بن هبة الله بن العديم المتوفى سنة ٥١٤
أحمد بن هبة
الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن هرون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن
عامر بن أبي جرادة بن ربيعة بن خويلد بن عوف بن عامر بن عقيل أبو
الحسن عم جد الرئيس أبي حفص عمر بن العديم. مولده سنة أربع وخمسين
وأربعمائة. حدث عن أبيه. مات سنة أربع عشرة وخمسمائة ا ه (ط ح ق).
٨٧ ـ سعيد بن لولو أبو الغنايم المتوفى سنة ٥١٧
سعيد بن علي بن
لولو أبو الغنايم الحلبي. كان أديبا يقول الشعر ، وله معرفة بالفلسفة ، وعمر
طويلا. مولده سنة أربع وعشرين وأربعمائة وتوفي في هذه السنة.
ومن شعره :
نفت التسعون
عني شرتي
|
|
وأعاضتني من
خير بشر
|
أضعفت آلات
جسمي كلها
|
|
عند ذوق
وسماع ونظر
|
وإذا ما رمت
سعيا خانني
|
|
عظم ساق
ورباط ووتر
|
ترعش الأقدام
مني فأنا
|
|
من صعودي
وحدوري في خطر
|
وإذا استنجدت
عزمي قال لي
|
|
عندما أدعوه
كلا لا وزر
|
(ا ه عيون التواريخ في حوادث سنة
سبع عشرة وخمسمائة)
٨٨ ـ علي بن إبراهيم الناتلي المتوفى سنة ٥١٩
علي بن إبراهيم
بن عمر أبو الحسن الناتلي الحلبي التاجر. سمع بنيسابور من موسى بن عمران ومحمد بن
إسماعيل التفليسي وأبي بكر بن خلف ، وكان يفهم ويعرف. سمع منه ابن ناصر ، وحدث عنه
أبو محمد بن الخشاب ويحيى بن بوش (لعله يونس). وكان مولده بحلب. وعاش سبعين سنة ا
ه (ذهبي من وفيات سنة تسع عشرة وخمسمائة).
٨٩ ـ عبد المنعم ابن العبية المتوفى أوائل السادس
عبد المنعم بن
الحسن أبو الفضل المعروف بابن العبية الحلبي. حدثنا أبو عبد الله محمد ابن المحسن
بن أحمد ابن الملجي من لفظه وكتبه بخطه في تسمية من اجتمع به بدمشق من أهل الأدب
قال : عبد المنعم ابن العبية رجل من أهل حلب محب للأدب ، نصيبه منه وافر
وهو بما يحاوله منه ظاهر ، سريع الخاطر في النظم والنثر ، مائل إلى الشجاعة
ومعاناتها ، حتى إنه يرمي عن المنجنيق ويضاهي فيه كل عريق ، وله في الموسيقى يد
جيدة طويلة ، ويلحن شعره ويتغنى به لنفسه. وهو القائل في صبي اسمه حسن :
أيا حسنا
وجهه كاسمه
|
|
ويا طلعة
البدر في تمه
|
ويا ظالما
أنا عبد له
|
|
ولا أتشكّاه
من ظلمه
|
فلا يعجل
الناس في حربه
|
|
فإن السلامة
في سلمه
|
قال : وسمعته
أيضا يتغنى بقوله :
قبلت إثر
مطاياهم لتشفيني
|
|
يوم الرحيل
وهل يشفي الجوى العفر
|
ثم انثنيت من
الأشجان منطويا
|
|
على مآثر في
قلبي لها أثر
|
ا ه (ابن عساكر)
ولم يذكر تاريخ وفاته ، ويظهر أنها أوائل السادس.
٩٠ ـ حمدان بن عبد الرحيم الأثاربي الشاعر المتوفى في نواحي سنة ٥٢٠
قال ياقوت في
معجم البلدان في الكلام في الأثارب : حمدان بن عبد الرحيم الأثاربي طبيب متأدب ،
وله شعر وأدب ، وصنف تاريخا ، كان في أيام طغتكين صاحب دمشق بعد الخمسمائة.
وقال في الكلام
على الجزر ودير حشيان : والجزر أيضا كورة من كور حلب ، قال فيها حمدان بن عبد
الرحيم من أهل هذه الناحية ، وهو شاعر عصره بعد الخمسمائة بزمان :
يا لهف نفسي
مما أكابده
|
|
إن لاح برق
من دير حشيان
|
وإن بدت نفحة
من الجانب الغر
|
|
بيّ فاضت
غروب أجفاني
|
وما سمعت
الحمام في فنن
|
|
إلا وخلت
الحمام فاجاني
|
ما اعتضت مذ
غبت عنكم بدلا
|
|
حاشا وكلا ما
الغدر من شاني
|
كيف سلويّ
أرضا نعمت بها
|
|
أم كيف أنسى
أهلي وجيراني
|
لا جلّق رقن
لي معالمها
|
|
ولا اطّبتني
أنهار بطنان
|
__________________
ولا ازدهتني
في منبج فرص
|
|
راقت لغيري
من آل حمدان
|
لكن زماني
بالجزر أذكرني
|
|
طيب زماني به
فأبكاني
|
يا حبذا
الجزر كم نعمت به
|
|
بين جنان
ذوات أفنان
|
واورد له في
الكلام على دير عمان هذين البيتين وهما من هذه القصيدة :
دير عمان
ودير سابان
|
|
هجن غرامي
وزدن أشجاني
|
إذا تذكرت
منهما زمنا
|
|
قضيته في
عرام ريعاني
|
وأورد له في
الكلام على عرشين القصور ودير مرقس وقال ثمة : إنهما من نواحي الجزر من نواحي حلب
:
أسكان عرشين
القصور عليكم
|
|
سلامي ما هبت
صبا وقبول
|
ألا هل إلى
حثّ المطايا إليكم
|
|
وشمّ خزامى
حربنوش سبيل
|
وهل غفلات
الدهر في دير مرقس
|
|
تعود وظلّ
اللهو فيه ظليل
|
إذا ذكرت
لذاتها النفس عندكم
|
|
تلاقى عليها
زفرة وعويل
|
بلاد بها
أمسى الهوى غير أنني
|
|
أميل مع
الأقدار حيث تميل
|
وأورد له ياقوت
في الكلام على معرة مصرين وابن شداد في تاريخه هذه الأبيات :
جادت معرة
مصرين من الديم
|
|
مثل الذي جاد
من دمعي لبينهم
|
وسالمتها
الليالي في تغيّرها
|
|
وصافحتها يد
الآلاء والنعم
|
ولا تناوحت
الأعصار عاصفة
|
|
بعرضتيها كما
هبّت على إرم
|
حاكت يد
القطر في أفنانها حللا
|
|
من كل نور
شنيب الثغر مبتسم
|
إذا الصبا
حركت أنوارها اعتنقت
|
|
وقبلت بعضها
بعضا فما لفم
|
فطال ما
نشّرت كفّ الربيع بها
|
|
بهار كسرى
مليك العرب والعجم
|
كم وقفة لي
بباب السوق أذكرها
|
|
مع أسرة ماتت
الدنيا لموتهم
|
وكم على تل
باب الحصن من أرب
|
|
أدركته عند
حل من بني حشم
|
وكم على
الجانب الشرقي لي خلس
|
|
في فتية
يدرؤون الهمّ بالهمم
|
__________________
مهلهليون لا
يألون في كرم
|
|
جهدا ويرعون
حقّ الجار والذمم
|
عاقرتهم
وجلابيب الصبا قشب
|
|
وعارضي غير
محتاج إلى الكتم
|
يا ليت شعري
وليت أصبحت غصصا
|
|
هل يجمع الله
شملي بعد بينهم
|
وما كفى
الدهر مني أن نأى بكم
|
|
عني وغادرني
لحما على وضم
|
حتى أراني
حصار الكفر ثانية
|
|
بناظر غرق
تحت الدموع عم
|
صبرا لعلّي
أرى للدهر عاطفة
|
|
تدبّ فينا
دبيب البرء في السقم
|
فالله يعقب
أهل الصبر إن صبروا
|
|
وصابروا
بنعيم غير منصرم
|
٩١ ـ يحيى بن علي التنوخي المتوفى
أوائل السادس المعروف بابن زريق
يحيى بن علي بن
محمد بن عبد اللطيف بن سعيد بن يحيى بن عبد اللطيف بن يحيى ابن عتلة بن صالح بن
نعيم بن عدي بن عمرو بن عدي بن الساطع أبو الحسن التنوخي المعري المعروف بابن زريق
، أخو أبي اليمن ، كان شيخا له عناية بالأخبار ويحفظ منها طرفا صالحا. وجمع تاريخا
على ترتيب السنين ذكر فيه مبدأ دولة الترك وخروج الفرنج واستيلاءهم على بلاد
الشام.
وسمعته يذكر
أنه دخل على أبي العلاء بن سليمان وهو صغير وسمع منه بيتين من شعره ، وأنه يروي
الأربعين حديثا التي كان يرويها محمد بن همام عن أبي هدية عن أنس بن أبي صالح محمد
بن المهذب ، ووعدني بإخراجها فلم يتفق. وذكر أن مولده في ثامن عشر شوال سنة اثنتين
وأربعين وأربعمائة بمعرة النعمان.
كتب عنه شيخنا
أبو الفرج غيث بن علي ، وسمع منه أبو محمد بن صابر. قرأت بخط أبي الفرج غيث بن علي
فيما علقه عن أبي الحسن التنوخي أبياتا لأبي محمد عبد الله بن سعيد ابن سنان
الخفاجي الحلبي رحمهالله :
بقيت وقد
شطّت بكم غربة النوى
|
|
وما كنت أخشى
أنني بعدكم أبقى
|
وعلمتموني
كيف أصبر عنكم
|
|
وأطلب من رقّ
الغرام بكم عتقا
|
فما قلت يوما
للبكاء عليكم
|
|
رويدا ولا
للشوق نحوكم رفقا
|
وما الحب إلا
أن أعدّ قبيحكم
|
|
إليّ جميلا
والقلى منكم عشقا
|
ا ه (ابن عساكر)
ولم يذكر تاريخ وفاته ، ويظهر أنه في أوائل السادس.
٩٢ ـ القاضي محمد بن عبد الله المعري المتوفى سنة ٥٢٣
القاضي أبو
المجد محمد بن عبد الله ابن أخي أبي العلاء المعري. ذكره العماد في الخريدة فقال :
ذكر لي ابنه القاضي أبو اليسر الكاتب أنه كان فاضلا أديبا فقيها على مذهب الشافعي
، أريبا مفتيا خطيبا ، أدرك عم أبيه أبا العلاء وروى عنه مصنفاته وأشعاره ، وولي
القضاء بالمعرة إلى أن دخلها الفرنج في سنة ٤٩٢ ، فانتقل إلى شيزر وأقام بها مدة ،
ثم انتقل إلى حماة فأقام بها إلى أن مات في محرم سنة ٥٢٣. ومولده سنة ٤٤٠. وله
ديوان ورسائل ، ومن شعره :
رأيتك في
نومي كأنك معرض
|
|
ملالا فداويت
الملالة بالترك
|
وأصبحت أبغي
شاهدا فعدمته
|
|
فعدت فغلّبت
اليقين على الشكّ
|
وعهدي بصحف
الودّ تنشر بيننا
|
|
فإن طويت
فاجعل ختامك بالمسك
|
لئن كانت
الأيام أبلى جديدها
|
|
جديدي وردّت
من رحيب إلى ضنك
|
فما أنا إلا
السيف أخلق جفنه
|
|
وليس بمأمون
الغرار على الفتك
|
قال : وأنشدني
بعض أهل المعرة :
جسّ الطبيب
يدي جهلا فقلت له
|
|
إليك عني فإن
اليوم بحراني
|
فقال لي ما
الذي تشكو فقلت له
|
|
إني هويت
بجهلي بعض جيراني
|
فقام يعجب من
قولي وقال لهم
|
|
إنسان سوء
فداووه بإنسان
|
قال : وأنشدني
مؤيد الدولة أسامة بن منقذ قال : أنشدني القاضي أبو المجد المعري لنفسه :
وقائلة رأت
شيبا علاني
|
|
عهدتك في قميص
صبا بديع
|
فقلت فهل
ترين سوى هشيم
|
|
إذا جاوزت
أيام الربيع
|
قال الأمير
أسامة : ولما فارق أهله بالمعرة وبقي متفردا وكان له غلام اسمه شعيا قال :
زمان غاض أهل
الفضل فيه
|
|
فسقيا للحمام
به ورعيا
|
أسارى بين
أتراك وروم
|
|
وفقد أحبة
ورفاق شعيا
|
ومن شعره :
قد أوسع الله
البلاد وللفتى
|
|
إلى بعضها عن
بعضها متزحزح
|
فخل الهوينا
إنها شر مركب
|
|
ودونك صعب
الأمر فالصعب أنجح
|
فإن نلت ما
تهوى فذاك وإن تمت
|
|
فللموت خير
للكريم وأروح
|
٩٣ ـ يحيى بن محمد الحلاوي المتوفى
سنة ٥٣٠
يحيى بن محمد بن
المسلم أبو غانم الحلبي المعروف بابن الحلاوي ، متأدب قدم دمشق في سنة بضع وعشرين
وخمسمائة وأقام بها إلى أن مات. وكان صديقا لأخي أبي الحسين الحافظ رحمهالله.
حدثنا أبو عبد
الله بن المحسن بن أحمد السلمي من لفظه وكتبه لي بخطه قال : أبو غانم ابن الحلاوي
سمعت من شعره ما يتغنى به :
يا غربة أنفقت فيها أدمعي جهد المقلّ
وله غير ذلك
أشياء يسأل عنها. أنشدنا أبو الضوء أحمد بن الحسين البعلبكي بها ، أنشدني أبو غانم
ابن الحلاوي لنفسه بدمشق :
يا دهر مهلا قد بلغت مناك في تشتيت شملي
وأذقتني ثكل الأحبة وهو غاية كل ثكل
حللت فرقة
شملنا
|
|
ما أنت من
قبلي بحلّ
|
أيام ألبس للنعيم وطيبه ثوب المذلّ
وأتيت تسليني كؤوس اللهو في الأوطار عقلي
لهفي على عزي
الذي
|
|
بدلتني منه بذلي
|
يا غربة أنفقت فيها
أدمعي جهد المقلّ
وبليت شوقا
نحوهم
|
|
وكذلك
الأشواق تبلي
|
هل لي إليهم
أوبة
|
|
ومن التعلل
قول هل لي
|
وله :
لأسمحنّ
لأيامي بما التمست
|
|
من البعاد عن الأحباب
والوطن
|
وأستكين لما
يقضيه معتديا
|
|
دهري ومن
يختصمه الدهر يستكن
|
أحبابنا هان
عندي بعد فرقتكم
|
|
من الدموع
عزيز قط لم يهن
|
أشتاقكم شوق
مشغوف بحبكم
|
|
خالي الفؤاد
من الأحقاد والإحن
|
فليت بين
فؤادي والغرام بكم
|
|
مثل الذي بين
جفن العين والوسن
|
أنشدنا أبو
الوحش سبع بن خلف يرثي أبا غانم ، وقد توفي يوم السبت بعد قتل الرئيس أبي الذواد
المفرج ابن الصوفي في ثامن عشر رمضان سنة ٥٣٠ :
أبا غانم يا
فريد الورى
|
|
لقد كنت
للعلم والمجد ذاتا
|
وقيت بموتك
بعد الوجيه
|
|
فسقّاك ربك
ماء فراتا
|
وطلقت دنياك
من بعده
|
|
فلله أنت
ثلاثا بتاتا
|
وكان قسيمك
طيب الحياة
|
|
فقاسمته موته
حين ماتا
|
ا ه (ابن عساكر).
٩٤ ـ أسد بن علي العساني المتوفى سنة ٥٣٤
أسد بن علي بن
عبد الله أبي الحسن ابن القائد محمد بن الحسن العساني الحلبي أبو الفضل ، ذكره
يحيى بن أبي طي في تاريخه فقال : هو عم والدي ، وكان فقيها قارئا ، ولد سنة خمس
وثمانين وتوفي ببلاد قم ولم يعقب. قرأ الأصول على مذهب الإمامية ، وصنف كتابا في
مناقب أهل البيت ، وشرح ديوان أبي تمام ا ه (ذهبي من وفيات سنة أربع وثلاثين
وخمسمائة).
٩٥ ـ محمد بن هبة الله بن العديم المتوفى سنة ٥٣٤
محمد بن هبة
الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن هرون بن موسى بن العديم العقيلي الحلبي أبو غانم
، كان فقيها زاهدا ، سمع أباه وغيره ، وولي قضاء حلب سنة ثمان وثمانين وأربعمائة
في دولة تاج الدولة تتش ، ثم عزل وأعيد. كان قد صلى بالجامع وخلع نعليه قرب المنبر
وكانا جديدين ، فلما قضى الصلاة وقام ليلبسهما وجد نعليه العتيقين مكانهما ، فسأل
غلامه عن ذلك فقال : جاء إلينا واحد الساعة وطرق الباب وقال : يقول لكم القاضي :
أنفذوا إليه مداسه العتيق فقد سرق مداسه الجديد ، فضحك وقال : جزاه الله خيرا فإنه
لص شفوق وهو في حل منه ، توفي سنة أربع وثلاثين وخمسمائة ا ه (ط ح ق).
٩٦ ـ أحمد بن محمد التنوخي المعري المتوفى في عشر الأربعين وخمسمائة
أحمد بن محمد
بن أحمد أبو اليقظان التنوخي المعري الأديب ، شاعر محسن ، عمر سبعا وتسعين سنة ،
وانتقل بأولاده إلى حلب حين هجم الفرنج المعرة سنة ست وتسعين.
سمع من أبي
العلاء المعري ثلاث قصائد رواها عنه حفيده محمد بن مؤيد بن أحمد وتوفي في سنة بضع
وثلاثين (ذهبي فيمن توفي في عشر الأربعين وخمسمائة).
٩٧ ـ عبد الله بن علي القصري المتوفى سنة ٥٤٢
عبد الله بن
علي سعد بن أبي محمد القصري الفقيه. قال الحافظ في التاريخ : تفقه ببغداد وأدرك
أبا بكر الشاشي والكيا وعلق المذهب والخلاف والأصولين على الشيخ سعد الميهني وأبي
الفتح بن برهان وأبي عبد الله الفراوي ، وسمع الحديث من أبي القاسم بن بيان الرزاز
وأبي علي بن نبهان وأبي طالب الزينبي ، وأقام بالعراق مدة ، ثم قدم دمشق ولحق
بالمسجد الجامع مدة ، وكان نظارا جيدا ، ثم انتقل إلى حلب لتتفقه أهلها (أي على
مذهب الإمام الشافعي رضياللهعنه لأن أهل حلب كانوا في ذلك العصر يتفقهون على مذهب أبي
حنيفة
رضياللهعنه) فأقام بها إلى أن مات ، سمعت درسه. قال : وتوفي سنة
اثنتين وأربعين وخمسمائة بحلب. وقال ابن السمعاني في الأنساب : توفي سنة سبع أو
ثمان وثلاثين وخمسمائة ا ه (ط ك س).
وترجمه ياقوت
في معجمه في الكلام على قصر حيفا ، ومما قاله : أنه انتقل إلى حلب فبنى له ابن
العجمي بها مدرسة درس بها إلى أن مات في سنة ٤٣ أو ٥٤٤. وقال الحافظ أبو القاسم :
مات سنة ٥٤٢ ا ه.
الكلام على مسجد خان الطاف بمحلة الجلّوم
للمترجم ولد
اسمه أحمد نقش اسمه على مسجد خان الطاف الملاصق للخان من جهة الغرب ، وهو مسجد
صغير يؤدب فيه بعض المشايخ الأطفال ، وبابه مؤلف من ثلاثة أحجار سود كتب على
أعلاها :
(١) البسملة :
أمر بعمارته مولانا الملك العادل سيف الدنيا والدين.
(٢) ركن
الإسلام أبو بكر محمد بن أيوب خليل أمير المؤمنين.
(٣) أدام الله
أيامه بتولي الفقير أحمد بن عبد الله القصري الشافعي في سنة إحدى وخمسين وخمسماية
ا ه.
وهذا الزقاق
يعرف قديما بدرب الزجّاجين ـ انظر ترجمة شرف الدين ابن العجمي المتوفى سنة ٥٦١.
٩٨ ـ علي بن سليمان الأندلسي القرطبي المتوفى سنة ٥٤٤
علي بن سليمان
بن أحمد بن سليمان الأندلسي أبو الحسن المرادي القرطبي الشقوري القرغليطي ،
وقرغليط من أعمال (شقورة) ، الحافظ الفقيه. ولد قبل الخمسمائة بقريب وخرج من
الأندلس بعد العشرين وخمسمائة ، ورحل إلى بغداد وخراسان وسكن نيسابور مدة ، وتفقه
على الإمام محمد بن يحيى صاحب الغزالي وجماعة. روى عنه أبو القاسم ابن عساكر وأبو
القاسم بن الخرستاني وجماعة ، وصحب الشيخ عبد الرحمن بن الأكاف الزاهد ، وقدم دمشق
بعد الأربعين وخمسمائة ، وفرح بقدومه رفيقه حافظ الدنيا أبو القاسم ابن عساكر لما
كان معه من مسموعاته ، وحدث بدمشق بالصحيحين.
قال ابن
السمعاني : كنت آنس به كثيرا ، وكان أحد عباد الله الصالحين ، خرجنا جملة إلى
نوقان لسماع تفسير الثعلبي ، فلمحت منه أخلاقا وأحوالا قلما تجتمع في أحد من
الورعين.
وقال الحافظ
ابن عساكر : ندب للتدريس بحماة فمضى إليها ، ثم ندب للتدريس بحلب فمضى ودرس بها
المذهب بمدرسة ابن العجمي وكان ثبتا صلبا في السنة. توفي بحلب في ذي الحجة سنة
أربع وأربعين وخمسمائة ا ه (الطبقات الكبرى للسبكي).
٩٩ ـ علي بن عبد الله بن أبي جرادة العقيلي المتوفى سنة ٥٤٦
علي بن عبد
الله بن محمد بن عبد الباقي بن أبي جرادة أبو الحسن العقيلي الحلبي المعروف
بالأنطاكي لسكناه بحلب عند باب أنطاكية.
قال ابن
السمعاني : غزير الفضل وافر العقل دمث الأخلاق ، له معرفة بالأدب واللغة والحساب
والنجوم ، وله خط حسن. سمع من عبد الله بن إسماعيل الحلبي وهو أجود شيخ له وأبي
الفتيان محمد بن سلطان بن حيّوس. قال : وقرأت عليه أجزاء في منزله وعلقت عنه قصائد
وخرجت من عنده يوما فرآني بعض الصالحين فقال : أين كنت؟ قلت : عند أبي الحسن بن
أبي جرادة ، قرأت عليه شيئا من الحديث ، فأنكر عليّ قال : ذاك يقرأ عليه الحديث ،
قلت : ولم؟ هل هو إلا متشيع يرى رأي الحلبيين ، فقال : ليته اقتصر على هذا ، بل
يقول بالنجوم ويرى رأي الأوائل ا ه (ذهبي من وفيات سنة خمسمائة وست وأربعين).
أقول : والذهبي
نقل ترجمته عن ياقوت في معجم الأدباء ، وقد قال ياقوت بعد قوله ويرى رأي الأوائل :
وسمعت (هذا من كلام السمعاني) بعض الحلبيين يتهمه بذلك ، وسألته عن مولده فقال في
محرم سنة ٤٦١ بحلب. وأنشدني لنفسه :
يا ظباء
البان قولا بيّنا
|
|
من لنا منكم
بظبي ملّنا
|
يشبه البدر
بعادا وسنا
|
|
من نفى عن
مقلتيّ الوسنا
|
فتكت ألحاظه
من مهجتي
|
|
فتك بيض
الهند أو سمر القنا
|
يصرع الأبطال
في نجدته
|
|
إن رمى عن
قوسه أو إن رنا
|
دان أهل الدل
والحسن له
|
|
مثل ما دانت
لمولانا الدنا
|
ا ه. وستأتي له
ترجمة أخرى مع ترجمة آبائه في ترجمة الصاحب كمال الدين عمر ابن العديم المتوفى سنة
٦٦٠ ، إلا أنه قال ثمة : إن وفاته سنة ٥٤٨. ولعل التحريف هناك من النساخ.
١٠٠ ـ أحمد بن المنير الطرابلسي الشاعر المتوفى سنة ٥٤٨
أحمد بن منير
بن أحمد بن مفلح الطرابلسي أبو الحسين الملقب مهذب الدين عين الزمان الشاعر
المشهور بالرفا صاحب الديوان المعروف. ولد بأطرابلس سنة ثلاث وسبعين ، وكان أبوه
ينشد في أسواق طرابلس ويغني ، فنشأ أبو الحسين وتعلم القرآن والنحو واللغة وقال
الشعر الفايق ، وكان يلقب مهذب الدين ، ويقال له عين الزمان.
قال ابن عساكر
: سكن دمشق ورأيته غير مرة ، وكان رافضيا خبيثا ، خبيث الهجو والفحش ، فلما كثر ذلك منه سجنه الملك بوري بن طغتكين مدة وعزم
على قطع لسانه ، فاستوهبه يوسف بن فيروز الحاجب فوهبه له ونفاه ، فخرج إلى البلاد
الشمالية. وقال غيره : فلما ولي ابنه إسماعيل بن بوري عاد إلى دمشق ، ثم تغير عليه
لشيء بلغه عنه ، فطلبه وأراد صلبه ، فهرب واختفى في مسجد الوزير أياما ، ثم لحق
بحماة وتنقل إلى شيزر وحلب ، ثم قدم دمشق في صحبة السلطان نور الدين محمود ، ثم
رجع مع العسكر إلى حلب فمات بها.
قال العماد :
كان شاعرا مجيدا مكثرا هجّاء معارضا لأبي عبد الله محمد بن نصر بن صغير المعروف
بابن القيسراني الشاعر المشهور ، وكان بينهما مكاتبات وأجوبة ومهاجاة ، وكانا
مقيمين بحلب ومتنافسين في صناعتهما كما جرت عادة المتماثلين ، وهما كفرسي رهان
وجواري ميدان. وكان القيسراني سنّيا متورّعا وابن منير غاليا متشيّعا ، وكان مقيما
بدمشق إلى أن أحفظ أكابرها وكدر بهجوه مواردها ومصادرها ، فأوى إلى شيزر وأقام بها
وروسل مرارا في العود إلى دمشق فأبى ، وكتب رسائل في ذم أهلها ، واتصل في آخر عمره
بخدمة نور الدين ووافى إلى دمشق رسولا من جانبه قبل استيلائه عليها. ومن شعره :
__________________
أحلى الهوى
ما تحلو به التهم
|
|
باح به
العاشقون أو كتموا
|
ومعرض صرّح
الوشاة له
|
|
فعلموه قتلي
وما علموا
|
يا ربّ خذ لي
من الوشاة إذا
|
|
قاموا وقمنا
إليك نحتكم
|
سعوا بنا لا
سعت لهم قدم
|
|
فلا لنا
أصلحوا ولا لهم
|
انتهى كلام
الذهبي.
وقال ابن خلكان
في ترجمة المذكور : نقلت من خط الشيخ الحافظ المحدث زكي الدين عبد العظيم بن عبد
القوي المنذري المصري رحمهالله تعالى قال : حكى لي أبو المجد قاضي السويداء قال : كان
بالشام شاعران ابن منير وابن القيسراني ، وكان ابن منير كثيرا ما يبكت ابن
القيسراني بأنه ما صحب أحدا إلا نكب ، فاتفق أن أتابك عماد الدين زنكي صاحب الشام
غنّاه مغن على قلعة جعبر وهو يحاصرها قول الشاعر :
ويلي من
المعرض الغضبان إذ نقل ال
|
|
واشي إليه
حديثا كله زور
|
سلمت فازورّ
يزوي قوس حاجبه
|
|
كأنني كأس
خمر وهو مخمور
|
فاستحسنهما
زنكي وقال : لمن هذان؟ فقيل لابن منير وهو بحلب ، فكتب إلى والي حلب يسيّره إليه ،
فسيّره ، فليلة وصل ابن منير قتل أتابك زنكي ، فعاد ابن منير صحبة العسكر إلى حلب
، فلما دخلها قال له ابن القيسراني : هذه بجميع ما كنت تبكتني به.
قلت : ولابن
القيسراني المذكور في ابن منير وكان قد هجاه :
ابن منير
هجوت مني
|
|
خيرا أفاد
الورى صوابه
|
ولم تضيّق
بذاك صدري
|
|
فإن لي أسوة
الصحابه
|
وذكره الحافظ
ابن عساكر في تاريخ دمشق فقال في ترجمته : حدث الخطيب السديد أبو محمد عبد القاهر
بن عبد العزيز خطيب حماة قال : رأيت أبا الحسين بن منير الشاعر في النوم بعد موته
وأنا على قرنة بستان مرتفعة ، فسألته عن حاله وقلت له : اصعد إلي ، فقال : ما أقدر
من رائحتي ، فقلت : تشرب الخمر؟ فقال : شرا من الخمر يا خطيب ، فقلت : ما هو؟ فقال
: تدري ما جرى عليّ من هذه القصائد التي قلتها في مثالب الناس؟ فقلت له ما جرى
عليك منها؟ فقال : لساني قد طال وثخن حتى صار مد البصر ، وكلما قرأت قصيدة منها قد
صارت كلابا تتعلق في لساني. وأبصرته حافيا عليه ثياب رثة إلى
غاية وسمعت قارئا يقرأ من فوقه (لَهُمْ مِنْ
فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ.) الآية ثم انتبهت مرعوبا.
وكانت ولادته
سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة بطرابلس ، وكانت وفاته في جمادى الآخرة سنة ثمان
وأربعين وخمسمائة بحلب ، ودفن في جبل جوشن بقرب المشهد الذي هناك رحمهالله تعالى ، وزرت قبره فرأيت عليه مكتوبا :
من زار قبري
فليكن موقنا
|
|
أن الذي
ألقاه يلقاه
|
فيرحم الله
امرأ زارني
|
|
وقال لي
يرحمك الله
|
وأشعاره لطيفة
فائقة ، ومن شعره من جملة قصيدة :
وإذا الكريم
رأى الخمول نزيله
|
|
في منزل
فالحزم أن يترحلا
|
كالبدر لما
أن تضاءل جد في
|
|
طلب الكمال
فحازه متنقلا
|
سفها لحلمك
إن رضيت بمشرب
|
|
رنق ورزق
الله قد ملأ الملا
|
ساهمت عيسك
مرّ عيشك قاعدا
|
|
أفلا فليت
بهن ناصية الفلا
|
فارق ترق
كالسيف سلّ فبان في
|
|
متنيه ما
أخفى القراب وأخملا
|
لا تحسبن
ذهاب نفسك ميتة
|
|
ما الموت إلا
أن تعيش مذللا
|
للقفر لا
للفقر هبها إنما
|
|
مغناك ما
أغناك أن تتوسلا
|
لا ترض من
دنياك ما أدناك من
|
|
دنس وكن طيفا
جلا ثم انجلى
|
وصل الهجير
بهجر قوم كلما
|
|
أمطرتهم شهدا
جنوا لك حنظلا
|
من غادر خبثت
مغارس ودّه
|
|
فإذا محضت له
الوداد تأولا
|
لله علمي
بالزمان وأهله
|
|
ذنب الفضيلة
عندهم أن تكملا
|
طبعوا على
لؤم الطباع فخيرهم
|
|
إن قلت قال
وإن سكت تقولا
|
أنا من إذا
ما الدهر همّ بخفضه
|
|
سامته همته
السماك الأعزلا
|
واع خطاب الخطب
وهو مجمجم
|
|
راع أكلّ
العيس من عدم الكلا
|
زعم كمنبلج
الصباح وراءه
|
|
عزم كحد
السيف صادف مقتلا
|
ومن غرر قصائده
قوله :
__________________
من ركّب
البدر في صدر الردينيّ
|
|
وموّه السحر
في حد اليمانيّ
|
وأنزل النيّر
الأعلى إلى فلك
|
|
مداره في
القباء الخسروانيّ
|
طرف رنا أم
قراب سلّ صارمه
|
|
وأغيد ماس أم
أعطاف خطّيّ
|
وبرق غادية
أم برق مبتسم
|
|
يفتر من خلل
الصدغ الدجوجيّ
|
ويلاه من
فارسي النجر مفترس
|
|
بفاتر أسديّ
الفتك ريميّ
|
يكنّ ناظره
ما في كنانته
|
|
فليس ينفكّ
من إقصاد مرميّ
|
أذلني بعد
عزي والهوى أبدا
|
|
يستعبد الليث
للظبي الكناسيّ
|
ما مان مانيّ
لو لا ليل عارضه
|
|
ما شد خيل
المنايا بالأمانيّ
|
تكنّف الحسن
منه وجه مشتمل
|
|
نفار أحور في
تأنيس حوريّ
|
أما وذائب
مسك من ذوائبه
|
|
على أعالي
القضيب الخيزراني
|
وما يجن عقيقيّ
الشفاه من الريق الرحيقيّ والثغر الجمانيّ
لو قيل للبدر
من في الأرض تحسده
|
|
إذا تجلى
لقال ابن الفلاني
|
أربى عليّ
بشتّى من محاسنه
|
|
تألفت بين
مسموع ومرئيّ
|
إباء فارس مع لين
الشآم مع الظرف العراقيّ في النطق الحجازيّ
وما المدامة
بالألباب ألعب من
|
|
فصاحة البدو
في ألفاظ تركيّ
|
أشبهته
ببعادي ثم كان له
|
|
مزية الخلق
والأخلاق والزيّ
|
من أين لي
لهب يجري على ذهب
|
|
من صحن أبيض
صافي الماء فضيّ
|
وروضة لم
تحكها كفّ سارية
|
|
ولا شكا خدها
من لثم وسميّ
|
يحفها سوسن
غض يغازله
|
|
بنرجس بنطاف
السحر موليّ
|
من منقذي أو
مجيري من هوى رشأ
|
|
أفتى وأفتك
من عمرو بن معديّ
|
لا يعشق
الدهر إلا ذكر معركة
|
|
أو خوض مهلكة
أو ضرب هنديّ
|
ولا يحدث إلا
عن رباءته
|
|
من المهار
العوالي والمهاريّ
|
والصافنات ولبس
الضافيات وشرب الصافيات وإطراب الأغانيّ
أشهى إليه من الدوح
الظليل على الروح العليل وتعزيد القماريّ
شدّ الجياد لأيام
الجلاد وإرشاد الصعاد إلى طعن الأناسي
وحثّ باز على ناز
وحمل قطاميّ تكدر منه عيش كدريّ
في غلمة
كغصون البان يحملها
|
|
كثبان برّ
على عادات برديّ
|
يمشون في
الوشي أسرابا فتحسبهم
|
|
روض الربيع
على بيض الأداجي
|
والساحر
الساخر الغرار بينهم
|
|
كالشمس تكسف
أنوار الدراريّ
|
مهفهف
القدّ سهل الخدّ أغرب في الجمال من لثغة في لفظ نجديّ
|
تلهيه عن كتب
تروى ونضرته
|
|
لشافعيّ فقيه
أو حنيفيّ
|
عوج
القسيّ وقبّ الأعوجية والشهب الهماليج تربى في الأورايّ
|
والشعر
في الشعر الداجي على الغنج الساجي بلين منه قلب حوشيّ
|
فلو بصرت به
يصغي وأنشده
|
|
قلت النواسيّ
يشجي قلب عذريّ
|
أو صائد
الأنس قد ألقى حبائله
|
|
ليلا فأوقع
فيها صيد وحشيّ
|
أغراه بي
بعدما شذ النفار به
|
|
شدو القريض
وألحان السريجيّ
|
فصار أطوع لي
منه لمقلته
|
|
وصرت أعرف
فيه بالعزيزي
|
وهذه القصيدة
أورد ابن خلكان البعض منها ، وقد ظفرت بها بتمامها محررة في بعض الأوراق مع
الأبيات التي قبلها وأسطر من ترجمة ابن منير فأثبتها جميعها.
أين كان يسكن ابن منير
قال أبو ذر في
الكلام على درب الخابوري : وهو على باب الجامع الكبير الشمالي وهو غير نافذ منسوب
إلى شمس الدين أحمد بن عبد الله بن الزبير بن أحمد بن سليمان الخابوري الشافعي
خطيب الجامع ، توفي بحلب في سنة تسعين وستمائة عن تسعين سنة ، وبه كان سكن ابن
منير الطرابلسي. وخربت داره فجددها الشيخ سعيد المؤدب وبه آدر الخواجا علاء الدين
شبانو واسمه علي بن حسام الدين محمود بن كوكب نزيل حلب جده ، وكان إنسانا حسنا ذا
مال كثير ، وكان بمسكنه قبّان للذهب ، وشرى في هذه الدور للتوسعة كل ذراع بألف ،
وتوفي في مدة إقامة التتار بحلب ودفن بجامعها مع القتلي ، وهم بيت حشمة أصلهم
قوالعية ، منهم الخواجا عز الدين ، وكان سكنه عند الصاحبية بالقرب من المصبغة عند
بيوت الظاهر غازي وهي قاعة عظيمة ا ه.
١٠١ ـ محمد بن نصر القيسراني الشاعر المشهور المتوفى سنة ٤٤٨
أبو عبد الله
محمد بن نصر بن صغير بن داغر بن محمد بن خالد بن نصر بن داغر
ابن عبد الرحمن بن المهاجر بن خالد بن الوليد المخزومي الخالدي الحلبي
الملقب شرف المعالي عدة الدين المعروف بابن القيسراني. (قال ابن خلكان : هكذا أملى
عليّ نسبه بعض حفدته) ، الشاعر المشهور ، وكان من الشعراء المجيدين والأدباء
المتفننين ، قرأ الأدب على توفيق بن محمد وأبي عبد الله بن الخياط الشاعر ، وكان
فاضلا في الأدب وعلم الهيئة ، سمع بحلب من الخطيب أبي طاهر وهاشم بن أحمد الحلبي
وغيره ، وسمع منه الحافظان أبو القاسم بن عساكر وأبو سعيد سفيان بن السمعاني وذكراه
في كتابيهما ، وكذلك أبو المعالي الحظيري وذكره في كتاب الملح أيضا. وكان هو وابن
منير (المذكور قبله) شاعري الشام في ذلك العصر ، وجرت بينهما وقائع وماجريات وملح
ونوادر ، وكان ابن منير ينسب إلى التحامل على الصحابة رضياللهعنهم ويميل للتشيع ، فكتب إليه القيسراني المذكور وقد بلغه
أنه هجاه قوله :
ابن منير
هجوت مني
|
|
خيرا أفاد
الورى صوابه
|
ولم تضيّق
بذاك صدري
|
|
فإن لي أسوة
الصحابه
|
ومن محاسن شعره
قوله :
كم ليلة بت
من كاسي وريقته
|
|
نشوان أمزج
سلسالا بسلسال
|
وبات لا
تحتمي عني مراشفه
|
|
كأنما ثغره
ثغر بلا وال
|
وظفرت بديوانه
وجميعه بخطه وأنا يومئذ بحلب ، ونقلت منه أشياء حسنة رائقة ، فمن ذلك قوله في مدح
خطيب :
شرح المنبر
صدرا
|
|
لتلقّيك
رحيبا
|
أترى ضمّ
خطيبا
|
|
منك أم ضمّخ
طيبا
|
وهذا الجناس في
غاية الحسن. ثم وجدت هذين البيتين لأبي القاسم بن زيد بن أبي الفتح أحمد بن عبيد
بن فضل الموازيني الحلبي المعروف أبوه بالماهر وأن ابن القيسراني المذكور أنشدهما
للخطيب ابن هاشم لما تولى خطابة حلب فنسبا إليه.
ورأيت الأول
على هذه الصورة ، وهو :
قد زها
المنبر عجبا
|
|
إذ ترقّيت
خطيبا
|
وله في الغزل :
بالسفح من
لبنان لي
|
|
قمر منازله
القلوب
|
حملت تحيته
الشما
|
|
ل فردّها عني
الجنوب
|
فرد الصفات
غريبها
|
|
والحسن في
الدنيا غريب
|
لم أنس ليلة
قال لي
|
|
لما رأى جسدي
يذوب
|
بالله قل لي
يا فتى
|
|
ما تشتكي قلت
الطبيب
|
وله أيضا :
وقالوا لاح
عارضه
|
|
وما ولت
ولايته
|
فقلت عذار من
أهوى
|
|
أمارته
إمارته
|
ومن معانيه
البديعة قوله من جملة قصيدة رائقة :
هذا الذي سلب
العشاق نومهم
|
|
أما ترى عينه
ملأى من الوسن
|
وهذا البيت
ينظر إلى قول المتنبي في مدح سيف الدولة بن حمدان :
نهبت من
الأعمال ما لو حويته
|
|
لهنئت الدنيا
بأنك خالد
|
وكان كثير
الإعجاب بقوله من جملة قصيدة :
وأهوى الذي
أهوى له البدر ساجدا
|
|
ألست ترى في
وجهه أثر الترب
|
وحضر مرة في
سماع وكان المغني حسن الغناء ، فلما طربت الجماعة وتواجدوا قال :
والله لو
أنصف العشاق أنفسهم
|
|
فدوك منها
بما عزّوا وما صانوا
|
ما أنت حين
تغني في مجالسهم
|
|
إلا نسيم
الصّبا والقوم أغصان
|
وكانت ولادة
ابن القيسراني المذكور سنة ثمان وسبعين وأربعمائة بعكا ، وتوفي سنة ثمان وأربعين
وخمسمائة بمدينة دمشق ، ودفن بمقبرة باب الفراديس. والخالدي نسبة إلى خالد بن
الوليد رضياللهعنه ، هكذا يزعم أهل بيته ، وأكثر المؤرخين وعلماء الأنساب
يقولون : إن خالدا رضياللهعنه لم يتصل نسبه بل انقطع منذ زمان ، والله أعلم. والقيسراني
بفتح القاف نسبة إلى قيسارية وهي بليدة بالشام على ساحل البحر ا ه.
وأورد له ياقوت
في الكلام على (الأثارب) قوله :
عرّجا
بالأثارب
|
|
كي أقضّى
مآربي
|
وا سرقا نوم
مقلتي
|
|
من جفون
الكواعب
|
وا عجبا من
ضلالتي
|
|
بين عين
وحاجب
|
١٠٢ ـ محمد بن عبد الصمد الطرسوسي
المتوفى سنة ٥٤٩
محمد بن عبد
الصمد بن الطرسوسي القاضي فخر الدين أبو منصور الحلبي. كان ذا همة ومروءة ظاهرة ،
له أمر نافذ في تصرفه في أعمال حلب وأثر صالح في الوقوف ا ه.
قال في كنوز
الذهب في الكلام على الحلوية : ومتولي عمارتها القاضي فخر الدين أبو منصور محمد بن
عبد الصمد بن الطرسوسي ، وكان ذا همة ... إلخ ما هنا.
الكلام على جامع الطرسوسي
من آثار
المترجم الباقية مسجد واسع أنشأه في محلة باب قنسرين بالقرب من باب البلد ، وكان
هذا الدرب قديما يعرف بالرحبة كما في ابن شداد. وقال أبو ذر : (درب الرحبة) : هو
الذي به الأسدية ، ومسجد ابن الطرسوسي قبلي المدرسة في سوق ، وجدده (أي المسجد)
أحمد بن محمد التاجر في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.
والمسجد باق
إلى يومنا هذا ويعرف بالطرسوسي ، والباقي له من الأوقاف داران وستة دكاكين. طول
قبيلته نحو ٢٦ ذراعا وعرضها أربعة أذرع ونصف ، في آخرها في جدار القبلة مصطبة
صغيرة فيها قبر كتب على لوحيه أنه قبر أحمد بن زين العابدين المتوفى سنة ٩٩٢ ، لم
أقف له على ترجمة ، ولعلها توجد في تاريخ الشيخ عمر العرضي المسمى بمعادن الذهب.
وبجانب باب
المسجد حجرة فيها صهريج يستقى منه أهل المحلة زمن الصيف.
ومن جملة
الأماكن التي وقف المترجم على عمارتها الخانكاه القديم التي بناها الشهيد نور
الدين محمود وقد ذكرناها في جملة آثاره بحلب في الجزء الثاني (ص ٦٨) ثم وقف على
تفصيل حالها في كنوز الذهب لأبي ذر فذكرتها هنا قال :
الخانكاه القديم
هذه الخانكاه تحت القلعة إلى جانب الخندق ملاصقة لدار العدل ، أنشأها
نور الدين وتولى النظر على عمارتها شمس الدين أبو القاسم بن الطرسوسي. قلت : وهي
وقف على الصوفية المتجردين. وأنشأها في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ، وهي نيرة
كبيرة متسعة الأرجاء بها قاعة للشيخ وقبة للفقراء وإيوان كبير وقبلية ، وبشرقها في
صحن الخانكاه باب تنزل منه إلى بركة ماء من قناة حيلان ، وبوابتها عظيمة وهي من
زمن الواقف. وأما بابها الذي على الشارع وله دكتان فهو من إنشاء حسام الدين
البرغالي لما كان شيخا بها قبل فتنة تمر. وهذه الخانكاه كان لها مطبخ يطبخ فيه
للفقراء فسد الآن وخرب. وكان بها سجادة الشيخ شهاب الدين عمر ابن محمود السهروردي
صاحب «عوارف المعارف» المتوفى سنة ٦٣٢ وقد آلت هذه الخانكاه مشيخة ونظرا بعد حسام الدين
البرغالي إلى العلامة عز الدين الحاضري ، ثم من بعده إلى أولاده ، وشاركهم تاج
الدين الكركي وقاضي المسلمين أبو بكر بن إسحق الحنفي ، ثم استقل بها ولد ولد الشيخ
عز الدين علاء الدين الحاضري فرمم ما استهدم منها وشرى لها رخاما ملونا ليرخمها به
، فإن رخامها القديم تكسر غالبه ، وسد باب الماء الذي كان في صحنها وفتح بابا في
دهليزها وانتقل إليها وسكن فيها ومات كما سيأتي في الحوادث. ولها أوقاف مبرورة
منها قرية بديثا من جبل السمّاق بالقرب من أريحا ، ولها حمام خلف دار العدل. ولما
دثرت عمرها المؤيد بالنصف ودثرت الآن أيضا ، ولها حوانيت على بابها وغير ذلك ا ه.
(أقول) : وفي
هامش أبي ذر بخط بعضهم : هذه الآن تعرف بالمقشاتية ا ه.
ويظهر أنها
تخربت في الزلزلة التي حصلت سنة ١٢٣٧ ، وقد دخلت الآن في عمارة المستشفى الوطني ،
وقد كانت في جنوبه آخذة إلى الشرق إلى قرب الخندق ، وسيأتيك في ترجمة الأمير مسعود
بن أيبك المتوفى سنة ٦٤٩ ما كان هنا من المدارس.
__________________
١٠٣ ـ أحمد أبو المكارم الأسكافي المتوفى في عقد الخمسين تقديرا
أحمد أبو
المكارم الأسكافي باني المسجد الملاصق للمارستان الأرغوني في محلة باب قنسرين ، لم
أقف له على ترجمة ولا على تاريخ وفاته ، وهذا المسجد يعرف الآن بمسجد الشيخ حمود
ومكتوب على الحجر المدور الموضوع فوق باب المسجد بالخط الكوفي ما نصه : (بسم الله
الرحمن الرحيم. هذا ما عمر ابتغاء ثواب الله تعالى أبو المكارم الأسكافي عفا الله
عنه سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة) اه.
الكلام على درب البنات في محلة باب قنسرين وما فيه من الآثار
قال أبو ذر :
هو شمالي البيمارستان تجاه الخان ، وبه مسجد إنشاء بني شنقس ، قاله ابن شداد.
قال ابن العديم
: وأظن أن درب البنات تعرف بأم ولد كانت لعبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح اسمها
بنات ، وهي أم ولده داود ، وبهذا الدرب قبلي المارستان مسجد منتخب الدين أحمد ابن
الأسكافي وعليه دائرة بها كتابة كوفية.
وقال في الكلام
على الخوانك : خانكاه بدرب البنات ، ودرب البنات شمالي البيمارستان الكاملي
أنشأتها زمرد خاتون وأختها بنتا حسام الدين لاجين. قاله ابن شداد. قال أبو ذر :
وبهذا الدرب مكان مكتوب عليه : هذا ما وقفه ست العراق ابنة نجم الدين أيوب بن شادي
عن ولدها سيف الدين في سنة أربع وسبعين وخمسمائة. فلينظر في هذا وفي كلام ابن شداد
. وبالدرب المذكور بيت كمال الدين المعري قاضي حلب ، وكان مدفونا به فنقل
ودفن عند الفردوس. والخان الذي تجاه هذا الدرب أسسه كمال الدين
__________________
المذكور مدرسة فجاءت رسالة من النائب لشخص أن يقرره إماما فيها فقال : إنما
أسسته خانا. ورجع عن نيته وانقرضوا ا ه.
١٠٤ ـ أبو الرضا بن النحاس المتوفى في عقد الخمسين وخمسمائة
أبو الرضا بن
النحاس الحلبي ، شاعر قدم دمشق. حدثنا أبو عبد الله محمد بن المحسن ابن أحمد
السلمي بلفظه ، وكتب لي بخطه قال أبو الرضا : ابن النحاس شيخ حلبي هو ابن أخت أبي
نصر الوزير العالم المفيد الكاتب الشاعر المجيد ، وكان أبو الرضا وصل إلى دمشق عند
القبض على خاله لأخذ خاله فاجتمعت به وتحدثت معه ، وأنشدني أبو الرضا لخاله :
يا قلب أنت
أذنت لي في هجره
|
|
وزعمت أني
قاصر عن ذكره
|
وضمنت أعدائي
عليه بسلوة
|
|
لا أتقي فيها
عواقب غدره
|
ورجعت تطلبه
وأنت أضعته
|
|
هيهات فات
الحزم فارط أمره
|
فاستحسنت هذه
الأبيات حتى غنى بها الفتيان وهام بها الشيوخ والشبان.
قال ابن الملجي
: وكتب إلى يوما :
يا من إذا ما
البليغ الحبر جاذبه
|
|
على الفصاحة
منشورا إلى النوك
|
وابن الألى
غمر الإخوان فضلهم
|
|
حتى لقد
أصبحوا مثل المماليك
|
الواهبي كل
مصقول ومسمعة
|
|
وكل أجرد
كالسرحان محبوك
|
قوم إذا ترك
الأجواد مكرمة
|
|
فمجدهم
لسواهم غير متروك
|
ما زلت تدأب
في العلياء تعمرها
|
|
مجاهدا في
طريق غير مسلوك
|
دعوتنا دعوة
بالأمس معجزة
|
|
فثنّ لا
تجعلنها سيمة الديك
|
ا ه (ابن عساكر)
هكذا هذه الأبيات.
١٠٥ ـ محمد بن علي بن حميدة المتوفى سنة ٥٥٠
محمد بن علي بن
أحمد أبو عبد الله النحوي الحلّي يعرف بابن حميدة ، نحوي بارع
حاذق في الفن بصير به عارف باللغة ، له شعر ، شرح أبيات الجمل وشرح اللمع
وكتاب التصريف لابن جني ، وشرح المقامات.
قال الشيخ شمس
الدين : هو شاب فيما أظن (هكذا ، والصواب : شيعي ، لأن بني حميدة شيعة ، وسيأتي
منهم ابن أبي طي بن حميدة المؤرخ). توفي سنة خمسين وخمسمائة : قال ابن النجار :
وله كتاب في الفرق بين الظاء والضاد وكتاب الأدوات.
أورد ابن
النجار في تاريخه قول ابن حميدة الحلبي :
سلام على تلك
المعالم والربى
|
|
وأهلا بأرباب
القباب ومرحبا
|
وسقيا لربات
الحجال بضارج
|
|
ورعيا لأرباب
الخدور بيثربا
|
أحن لذيّاك
الجمال وإن غدا
|
|
ربيبته عن
روضتيّ مجنبا
|
وأصبو لربع
العامرية كلما
|
|
تذكرت من
جرعائها لي ملعبا
|
فلا همّ إلا
دون همي غدوة
|
|
إذا جرت
النكباء أو هبت الصبا
|
قلت : شعر
متوسط. وقال ياقوت : له كتاب «الروضة» فيها مسائل نحو منثورة رحمهالله ا ه (الوافي بالوفيات للصفدي).
١٠٦ ـ الحسن بن علي بن العديم المتوفى سنة ٥٥١
الحسن بن علي بن
عبد الله بن محمد بن عبد الباقي بن محمد بن عبد الله بن موسى ابن عيسى بن عبد الله
بن محمد بن عامر بن أبي جرادة الحلبي أبو عبد الله ، من بيت قضاة وفقهاء. ولد بحلب
سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة ، وقيل غير ذلك ، وسمع وأفاد ومات في أيام الظاهر سنة
إحدى وخمسين وخمسمائة. وله من العمر تسع وخمسون سنة ا ه (ط ح للقرشي).
وذكره ياقوت في
معجم الأدباء في ترجمة والده وقال : سافر إلى مصر في أيام ابن رزيك ومدحه وحظي
عنده ، ثم مات بمصر سنة ٥٥١ ، وهو القائل :
يا صاحبيّ
أطيلا في مؤانستي
|
|
وذكراني
بخلّان وعشاق
|
وحدثاني حديث
الخيف إن به
|
|
روحا لقلبي
وتسهيلا لأخلاقي
|
ما ضر ريح
الصبا لو ناسمت حرقي
|
|
واستنقذت
مهجتي من أسر أشواقي
|
داء تقادم
عندي من يعالجه
|
|
ونفثة بلغت
مني من الراقي
|
يفنى الزمان
وآمالي مصرّمة
|
|
ممن أحب على
مطل وإملاق
|
واضيعة العمر
لا الماضي انتفعت به
|
|
ولا حصلت على
أمر من الباقي
|
انتهى. وسيأتي
له ترجمة أخرى مع أسرته في ترجمة الكمال ابن العديم المتوفى سنة ٦٦٠.
١٠٧ ـ عبد القاهر أبو الفرج الشيباني المعروف بالوأواء
الشاعر المتوفى سنة ٥٥١
عبد القاهر بن
عبد الله بن الحسن أبو الفرج الشيباني الحلبي النحوي الشاعر المعروف بالوأواء ،
أصله من بزاعا ، ونشأ بحلب وتأدب بها ، وكانت بينه وبين أبي عبد الله الطليطلي
النحوي نزيل شيزر مكاتبات ، وتردد إلى دمشق غير مرة ، وكان يقرىء بها النحو ويشرح
شعر المتنبي ويعربه ، وامتدح بها جماعة ، رأيته وجالسته ولكن لم أسمع منه شيئا
فأنشدني له ابنه أبو محمد عبد الصمد قال : أنشدني أبي لنفسه :
أظنوا أنهم
بانوا
|
|
وهم في القلب
سكان
|
تولى النوم
إذا ولّوا
|
|
وكان العيش
إذ كانوا
|
أناديهم وقد
حثوا
|
|
ودمع العين
هتّان
|
أحب البعد
أحباب
|
|
وخان العهد
إخوان
|
وقالوا شفّك
الدهر
|
|
وهم للدهر
أعوان
|
ويحيا المرء
إذا راعت
|
|
ه أسياف
وخرصان
|
ولا يحيا إذا
راعت
|
|
ه أحداق
وأجفان
|
وأغيد فاتك
الألحا
|
|
ظ صاح وهو
نشوان
|
وريان من
الحسن
|
|
إلى الأنفس
ظمآن
|
إذا لاح فما
البدر
|
|
وإن ماس فما
البان
|
قال : وأنشدني
لنفسه :
خلوت بمن
أهواه بعد تفرّق
|
|
بأرض أبي صوب
الندى أن يصوبها
|
فكان عويلي
رعدها وابتسامه
|
|
وميضا وأهواء
القلوب جنوبها
|
وجاد غمام من
دموعي لروضها
|
|
فضوّع أنفاس
الخزامى وطيبها
|
وقرّب مني
الدهر حبا رجوته
|
|
وأبعدت
الأيام عني رقيبها
|
تواصله
كالبدر أبدى صيانة
|
|
وإعراضه
كالشمس أبدت غروبها
|
غدوت أمنّي
بعد وصل لقاءه
|
|
إذا نفس
محزون تمنت حبيبها
|
وكنا نرى
الأيام قدما تعيبنا
|
|
فما بالنا
صرنا الغداة نعيبها
|
قال : وأنشدني
أبي لنفسه :
هلال بدا
نقصي لفرط تمامه
|
|
وحتفي دنا من
لحظه لا حسامه
|
إذا ما
ادلهمّ الليل من لام صدغه
|
|
أبى الصبح
حثا من بروق ابتسامه
|
تكاد تقوم
النائحات بشجوها
|
|
عليّ إذا
عاينت حسن قوامه
|
فأضعف عن ردّ
الكلام لسائل
|
|
إذا صدّعني
مانعا لكلامه
|
سقاني وقال
الخمر أودت بلبه
|
|
وسكري من
عينيه لا من مدامه
|
وطال عذابي
إذ فنيت لشقوتي
|
|
بمن ليس
يرضاني غلام غلامه
|
ظلوم رشفت
الظّلم من فيه لاهجا
|
|
به ولقيت
البدر تحت لثامه
|
قال : وأنشدني
أبي لنفسه :
أبى زمني أن
تستقر بي الدار
|
|
وأقسم لا
تقضى لنفسي أوطار
|
أخلّاي كيف
العذل والدهر حاكم
|
|
وكيف دنوّي
والمقدّر أقدار
|
فما غبتم عن
ناظري فيراكم
|
|
ولم ينسكم
قلبي فيحدث تذكار
|
لئن عفتم
نصري إذا حلّ حادث
|
|
فلي من دموعي
في الحوادث أنصار
|
وإن غربت شمس
النهار فمنكم
|
|
شموس بقلبي
لا تغيب وأقمار
|
ولي فرق باد
ذا ما تفرّقوا
|
|
ولي مدمع جار
ما هم جاروا
|
وتوجد نفسي
حين تلقي عصا النوى
|
|
وتفقد إن
شدّت على العيس أكوار
|
وإن يك
إقلالا تواصل كتبكم
|
|
ففي حسراتي
نحوكم لي إكثار
|
وماء شؤوني
طار عن نار مهجتي
|
|
فمن مخبري هل يجمع الماء والنار
|
نحولي شهيد
عن حنيني إليكم
|
|
وإن حضر
الأشهاد لم يغن إنكار
|
لحدّ حسام
الدهر فيّ مضارب
|
|
بدت ولذاك
الإثر في القلب آثار
|
تفاني عن
الأوطان ما لم أبح به
|
|
فصرت كفعل
ظاهر فيه إضمار
|
وكنت كغصن
بات يمنع ريّه
|
|
وقد رويت
حولي من الماء أشجار
|
فقلت ألا إن
الممات بغربة
|
|
لأفضل عند
الضيم والناس أطوار
|
وعرضت من
صحبي أناسا بهم غدا
|
|
يبعّد ذو فضل
ويعبد دينار
|
فعندهم ذو
الفضل من فاق طمره
|
|
ترى عند حسن
القول تنطق أطيار
|
وأعسر داء
للفتى في حياته
|
|
قتير بدا في
العارضين وإقتار
|
وكم نالت
الخسران عند طلابها
|
|
بصائر في كسب
الحظوظ وأبصار
|
فإن يغلط
الدهر استعدت وصالكم
|
|
وإلا فكيف
الوصل والدهر غدّار
|
وإن ... دار
شكوت إليكم
|
|
صروفا وإلا
فالقبور لنا دار
|
وأنشدني أبو
محمد قال : أنشدني أبي يرثي صبيا :
أضرمت نيرانا
بغير زناد
|
|
فبدا تأججها
على الأكباد
|
وأتى الطبيب
فما شفى لك غلة
|
|
ولطالما قد
كنت تشفي الصادي
|
قد كان لي
عين وكنت سوادها
|
|
فاليوم لي
عين بغير سواد
|
قال عبد الصمد
بن أبي الفرج : توفي والدي أبو الفرج في آخر شوال سنة إحدى وخمسين وخمسمائة بحلب ا
ه (ابن عساكر).
وذكره السيوطي
في «بغية الوعاة» وقال : إنه تردد إلى دمشق وأقرأ بها النحو ، وكان حاذقا فيه ،
شرح ديوان المتنبي. ومن شعره :
طال فكري في
جهول
|
|
وضميري فيه
حائر
|
يستفيد القول
مني
|
|
وهو في زيّ
مناظر
|
__________________
١٠٨ ـ أبو الفضل بن أبي الوقار الطبيب المتوفى سنة ٥٥٤
أبو الفضل بن
أبي الوقار هو الشيخ الأجل العالم أبو الفضل إسماعيل بن أبي الوقار ، أصله من
المعرة ، وأقام بدمشق وسافر إلى بغداد ، وقرأ على أفاضل الأطباء من أهلها ، واجتمع
بجماعة من العلماء بها وأخذ عنهم ، ثم عاد إلى دمشق. وكان متميزا في صناعة الطب
علمها وعملها ، كثير الخير محمود الطريقة حسن السيرة وافر الذكاء. وكان في مة
الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي ويعتمد عليه في صناعة الطب ، وكان لا يفارقه
في السفر والحضر ، وله الحظ الوافر والإنعام الكثير. وتوفي مع الملك العادل نور
الدين وهو في حلب في العشر الأول من شهر ربيع الأول سنة أربع وخمسين وخمسمائة ا ه (عيون
الأنباء في طبقات الأطباء).
١٠٩ ـ محمد بن علي بن محمد العظيمي المؤرخ المتوفى بعد الخمسين ظنا
محمد بن علي بن
محمد بن أحمد بن نزار أبو عبد الله التنوخي الحلبي المعروف بابن العظيمي ، كان له
عناية بالتاريخ وتأليفه ، وألف عدة تآليف. قال ياقوت : لكنها مختلة كثيرة الخطأ.
وكان معلم صبيان بحلب ، وسافر إلى دمشق وامتدح بها واجتدى بشعره.
قال أبو سعد
السمعاني : سألت ابن العظيمي عن ولادته فقال : سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة بحلب.
ومن شعره :
يلقى العدى
بجنان ليس يرعبه
|
|
خوض الحمام
ومتن ليس ينفصم
|
|
فالبيض تبسم
والأوداج دامية
|
|
والخيل ترقص
والأبطال تلتطم
|
والنقع غيم
ووقع المرهفات به
|
|
لمع البوارق
والغيث الملثّ دم
|
ومنه :
أيا بانة
الوادي الذي بان عرفه
|
|
ألا حبذا واد
وأنت قرين
|
هواك قديم ليس
يبلى جديده
|
|
إذا مر حين
منه أقبل حين
|
وحبك حيّ في
دوارس أعظمي
|
|
وسرّك ميت في
الفؤاد دفين
|
ووجدي بكم
عفّ بغير خيانة
|
|
ومؤتمن في
الحب كيف يخون
|
حمتني أسود
عن حماك ضراغم
|
|
لها من وشيج
السمهريّ عرين
|
قلت : شعر جيد
ا ه (الوافي بالوفيات).
أقول : لم يذكر
في الواقي تاريخ وفاته ، ويغلب على الظن أنها كانت في أواسط هذا القرن فأثبتناه مع
من توفي ما بين الخمسين والستين. وبعد كتابة ما تقدم وجدت الحافظ ابن عساكر ترجمة
في تاريخه فقال : قدم دمشق وامتدح بها جماعة بشعر لا بأس به ، وسمع معنا شيئا من
الحديث على الفقيه نصر ، ثم عاد إلى حلب وتردد إلى دمشق دفعات. أنشدني شيئا من
شعره وكتبها لي بخطه ، أنشدني أبو عبد الله لنفسه من قصيدة (يلقى العدى ...
إلخ) الأبيات
المتقدمة. ثم قال : وأنشدني لنفسه :
صبابة من
حلال المال تكفيني
|
|
وبلغة من
قوام العيش تكفيني
|
وأنشدني لنفسه
أيضا :
جفون لأسياف
اللحاظ جفون
|
|
لها فتن بين
الورى وفتون
|
أعانت على
قتلي فكيف تعينني
|
|
وديّنتها
قلبي فكيف أدين
|
ألين لها ...
فتبدي قساوة
|
|
وتزداد عزا
بالهوى وأهون
|
من اللآء
منهن البدور تعلمت
|
|
كمالا وتعديل
القدود غصون
|
حظون لقلبي
لا لبستان خله (هكذا)
|
|
فاغوت عيابات
وجن جنون
|
وأومض عن وضح
الثغور بوارقا
|
|
بحيث توارى
خيفة وتبين
|
غرامي بكم
والدار مني قريبة
|
|
فكيف إذا
مجّت وشطّ قرين
|
ويزداد
تهيامي بكم وتثور بي
|
|
وساوس وجدي
والجنون فنون
|
ولا أنا كالحرباء
عندي تقلّب
|
|
رياء ولا من
في اليمين يمين
|
وأنشدني لنفسه (أيا
بانة الوادي ... إلخ ما تقدم).
وله كما وجدته
في بعض المجاميع الحلبية :
أيا قاتلي من
غير جرم جنيته
|
|
سوى أنه يدري
بأني أهواه
|
أراك لعيني
قرة ولمهجتي
|
|
شفاء وعند
القلب غاية شكواه
|
فإن لم تكن
عيني فأنت سوادها
|
|
وإن لم تكن
قلبي فأنت سويداه
|
١١٠ ـ فتيان أبو السخاء الحائك
النحوي المتوفى سنة ٥٦٠
فتيان أبو
السخاء الحلبي النحوي الحائك ، ذكره القفطي وقال : من عوام حلب. قرأ شيئا من النحو
على مشايخ بلده وفهم أوائله وعدم في زمنه من يعرف هذا الشان بسبب خراب حلب بنزول
الفرنج عليها في سنة ثمان عشرة وخمسمائة ، وأقامت بعد ذلك برهة لا عالم بها ، فأخذ
عنه الناس النحو بمقدار ما عنده. ومن تلامذته الشيخ موفق الدين ابن يعيش. مات في
حدود سنة ستين وخمسمائة ا ه (بغية الوعاة).
١١١ ـ شرف الدين عبد الرحمن العجمي المتوفى سنة ٥٦١
أبو طالب شرف
الدين عبد الرحمن بن الحسن بن عبد الرحمن الحلبي ، ويعرف أيضا بابن العجمي. رحل
إلى بغداد فتفقه بها على أبي بكر الشاشي وأسعد الميهني وسمع من جماعة ، ثم عاد إلى
بلده وساد بها وبنى للشافعية مدرسة. وكان فيه همة وعصبية ومحبة للعلماء. سمع منه
أبو سعد السمعاني وغيره. ولد بحلب سنة ثمانين وأربعمائة وتوفي بها في شعبان سنة
إحدى وستين وخمسمائة ، قاله في العبر ا ه (ط ش أسنوي).
وترجمة الإمام
السبكي في طبقاته وزاد على ما قاله في العبر أنه سمع من أبي القاسم بن بيان ، وقدم
إلى دمشق رسولا من صاحب حلب.
وترجمه الملافي
مختصره لتاريخ الذهبي وزاد على ما هنا أنه تولى عمارة المسجد الذي ببعلبك في أيام
أتابك زنكي بن آقسنقر ، وتولى عمارة المسجد الحرام من قبل صاحب الموصل ا ه.
آثاره في حلب
قدمنا في الجزء
الأول في صحيفة (٣٩٢) أن أول مدرسة بنيت في حلب هي المدرسة الزجاجية ، بنيت سنة
٥١٧ وأن بانيها سليمان بن عبد الجبار صاحب حلب ، ثم لما وصل إليّ كنوز الذهب لأبي
ذر وجدت فيه فصلا مسهبا في الكلام على هذه المدرسة وأنها من
بناء المترجم ، والذي يغلب على الظن أنهما اشتركا في بنائها ، ولذا كان
ينسب بناؤها لسليمان تارة ولابن العجمي تارة. وإليك ما ذكره أبو ذر عنها قال :
المدرسة الزجاجية الشافعية
سميت باسم
السوق الذي هي فيه ، وكان هناك معمل للزجاج ، ولما حفر أساس الفرن الموجود الآن
تجاه الحمّام وجدوا آثار المعمل المذكور. وهذه المدرسة أول مدرسة بنيت بحلب ، وكانت
قديما تدعى بالشرفية باسم بانيها شرف الدين عبد الرحمن ابن العجمي وترجمته مذكورة
مع أقاربه ، وكذا أخبرني شيخنا ابن الضياء بذلك ، ورأيت في تاريخ ابن خلكان أنها
من بناء أبي الربيع سليمان بن عبد الجبار صاحب حلب. ورأيت في كلام الصاحب في زبدة
الحلب : وجدد بدر الدولة المدرسة التي بالزجاجين بحلب المعروفة ببني العجمي بإشارة
ابن العجمي ، وذكر لي أنه عزم أن يقفها على الفرق الأربع ونقل آلتها من كنيسة
داثرة كانت بالطحانين بحلب انتهى.
وبدر الدولة هو
سليمان المذكور. ووجدت في تاريخ الإسلام ما يشهد أنها من بناء عبد الرحمن بن
العجمي المتقدّم ذكره ، لأنه قال في ترجمته : وبنى بحلب مدرسة مليحة ووقف عليها.
وفي كلام ابن السبكي في ترجمته أيضا : وبنى بحلب مدرسة تعرف به .
ورأيت في
الروضتين قال في سنة ثلاث وستين وخمسمائة : إن الشهيد شتا بقلعة حلب ومعه أسد
الدين شيركوه وصلاح الدين ، ونزل العماد بمدرسة ابن العجمي. وإذا نظرت إلى تاريخ
صاحب الشرفية التي بالقرب من باب الجامع الشرقي علمت أنها لم تكن موجودة إذ ذاك.
وقال ابن عساكر : إن المرادي قدم حلب ودرس بمدرسة ابن العجمي. والمرادي لما قدم لم
تكن الشرفية موجودة.
قال بعض
المؤرخين : ولما بنى سليمان الزجاجية كان كلما بنى شيئا أخربته الشيعة
__________________
ليلا ، فأحضر الشريف زهرة بن علي وأمره أن يباشر البناء بنفسه ، فباشر ذلك
، فلما كملت فوض أمرها تدريسا ونظرا إلى عبد الرحمن بن العجمي.
ولم يزل شرف
الدين المذكور مدرسا بها إلى أن توفي (أي في التاريخ المتقدم) وتولى بعده التدريس
حفيداه مجد الدين طاهر بن نصر بن جهبل وأخوه زين الدين أبو الحسين عبد الكريم ، وقيل
عبد الملك ، وكانا من العلماء المتميزين والفضلاء المبرزين ، ولم يزالا مدرسين بها
إلى أن أخرجهما منها الملك الناصر صلاح الدين (سيأتي ذلك) وولي فيها الشيخ كمال
الدين عمر بن أبي صالح عبد الرحيم ابن الشيخ شرف الدين أبي طالب ، وكان حافظا
لكتاب المهذب ، ولم يزل بها مدرسا إلى أن توفي يوم الأربعاء حادي عشر شهر رجب سنة
اثنتين وأربعين وستمائة. ثم ولي عماد الدين محمد ولم يزل مدرسا بها إلى أن توفي
يوم الاثنين ثالث عشر شعبان سنة تسع وأربعين وستمائة ، وكان مولده ليلة الخميس
ثالث عشر رمضان سنة إحدى عشرة وستمائة. ثم ولي بعده أخوه محيي الدين عبد الله ولم
يزل مدرسا بها إلى أن توفي في أواخر ذي القعدة سنة خمس وخمسين وستمائة ، وكان
مولده رابع المحرم سنة تسع وستماية. ثم وليها بعده ولده بهاء الدين أحمد ولم يزل
بها مدرسا إلى أن كانت فتنة التتر بحلب سنة ثمان وخمسين وستمائة فخرج عنها ا ه.
ثم آل التدريس
إلى الشيخ كمال الدين بن العجمي شيخ والدي ، وكان قد زوج ابنته من ابن عمه الشيخ
شهاب الدين وهو من أولاد كمال الدين المذكور أولا ، وكان شهاب الدين قد اشتغل وبرع
كما في ترجمته مع أقاربه ، فقال الشيخ كمال الدين لابنته : زوجك لا يدع التدريس لي
ولا تدريس الشرفية فادخلي بيني وبينه ولك عليّ شقة ، فدخلت بينهما فنزل عن
التدريسين المذكورين لابن عمه وهو صهره ، ثم قتل شهاب الدين المذكور كما في ترجمته
، ثم صارتا من بعده لأخيه شمس الدين محمد إذ ولده أبو جعفر إذ ذاك كان صغيرا ،
فتوفي شمس الدين المذكور في محنة تيمر فاستقل أبو جعفر المذكور بالتدريسين
المذكورين ، وسيأتي متى مات ا ه.
وهذه المدرسة
عظيمة كبيرة ولها إيوان من أعاجيب الدنيا ، ولها قبلية عجيبة وشمالية ، وأرضها
مفروشة بالرخام الأبيض والأسود ، ولها أعمدة أخذ تغري برمش كافل حلب من أعمدتها
بدلالة ابن الحصوني مباشرة فجعلها أحجارا للمكحلة التي عملها ليرمي بها على القلعة
، فلم ينجح بسبب ذلك ، وفي طرازها مكتوب بالكوفي : كملت عمارتها في
سنة سبع عشرة وخمسمائة. قال ابن شداد : وابتدىء بعمارتها سنة ست عشرة.
وحائطها الشمالي اندثر غالبه وجدد بعد ذلك ، والبقية التي فيه من الكتابة هي من
العمارة القديمة ، ولها باب صغير إلى جانب الباب الكبير يدخل منه المدرس ، وبها
كانت القسيمية وقد تقدم الكلام عليها وعلى وقفها (أي في الجزء الأول وهو لم يصل
إلىّ) ووقف صاحب الزجاجية عليها قرية كارس وكانت الجمعة تقام بهذه القرية ، ولم
تزل هذه المدرسة قائمة الشعار عامرة إلى محنة تمر ، فانهدم غالبها وبقي إيوانها ،
وسيأتي في الحوادث متي خرب ، وقد غير أساسها الأمير علاء الدين علي بن الشيباني
وزعم أنه رأى النبي صلىاللهعليهوسلم في المنام وأمره بعمارتها ، وأحضر كافل حلب ووقفه عليها
، ثم إنه شرع في حفر الأساس ثم أمسك عن عمارتها. ولما قدم ابن الضياء إلى حلب بعد
فتنة تمر أشار عليه والدي بعمارتها شيئا فشيئا فلم يقبل ، ثم ندم عند الموت. ولقد
حصل من رائع وقفها شيء فدفعه إلى دوادار كافل حلب قرقماش ولم يلتمس منه شيئا ،
والآن المدرسة خراب والضيعة عامرة ا ه. قال في الدر المنتخب : وهي الآن خراب وقد
عمر بها دور للسكنى ا ه.
موقع هذه المدرسة
قال أبو ذر في
الكلام على درب الزجاجين : وبهذا الدرب حمّام يعرف الآن بالزجاجين ، وبه مسجد غربي
المدرسة أمر بعمارته العادل أبو بكر محمد بن أيوب بتولي أحمد بن عبد الله الشافعي
في سنة إحدى وخمسين ا ه.
وهذا المسجد لم
يزل موجودا ، وقد تقدم ذكره وصورة ما كتب عليه في ترجمة عبد الله القصري المتوفى
سنة ٥٤٢ ، فعلى هذا يكون مكان المدرسة هو نفس الخان المعروف الآن بخان الطاف لا ما
ذكرناه في حوادث سنة ٥١٨ من أنه في أوائل زقاق أبي درجين الذي هو غربي هذا المسجد.
والذي يغلب على الظن أن بقية الأحجار الكبيرة التي هي في الخان وفي مدخله وفي
قناطر بعض مخازنه هي من بقايا آثار تلك المدرسة ولله الأمر.
سبب بناء شرف الدين ابن العجمي لهذه المدرسة
الذي ظهر لي في
سبب بناء شرف الدين ابن العجمي رحمهالله لهذه المدرسة أنه كان كما علمت ممن رحل إلى بغداد وتفقه
بها على أبي بكر الشاشي ، واسمه محمد بن أحمد المعروف بالمستظهري الملقب فخر
الإسلام ، وعلى أبي الفتح أسعد بن أبي نصر الميهني الملقب مجد
الدين ، وكلاهما من مدرسي المدرسة النظامية المشهورة في بغداد كما ذكره ابن
خلكان في ترجمتهما ، ولما شاهد المترجم تلك المدرسة العظيمة ورقّي العلم في بغداد
في ذلك العصر الزاهر أثر ذلك في نفسه ، ولما عاد إلى وطنه أشار على صاحب حلب وقتئذ
سليمان بن عبد الجبار في ذلك وشرعا في بنائها ونسبت إليهما ، وتهافت الناس بعد ذلك
على تشييد المدارس والخوانك وغير ذلك من الآثار الخيرية ، فانتشر العلم ونفقت
أسواقه في هذه البلاد وتقدمت به تقدما عظيما ، والفضل في ذلك يرجع إلى هذا الإمام
الكبير. فرحمهالله رحمة واسعة وأجزل له الثواب بمنه وكرمه.
ولا بأس بهذه
المناسبة أن نذكر أول من بنى المدارس في الإسلام فإنه مما تتوق إلى معرفته النفوس
فنقول : قال أبو ذر في أول كلامه على مدارس حلب :
أول من بنى المدارس في الإسلام
قال بعضهم :
أول من بنى المدارس نظام الملك قوام الدين الحسن بن علي الطوسي. بنى مدرسة
بنيسابور ومدرسة بالبصرة ومدرسة بمرو ومدرسة بآمد طبرستان ومدرسة بالموصل. قال
الحافظ الذهبي : زعم بعضهم أنه أول من بنى المدارس وليس كذلك ، فقد كانت المدرسة
البيهقية بنيسابور قبل أن يولد نظام الملك ، والمدرسة السعدية بنيسابور أيضا بناها
الأمير نصر بن سبكتكين أخو السلطان محمود لما كان واليا بنيسابور ، ومدرسة ثالثة
بنيسابور بناها إسماعيل بن علي المثنى الأسترابادي الواعظ الصوفي شيخ الخطيب ،
ومدرسة رابعة أيضا بنيسابور بنيت للأستاذ أبي إسحق الأسفرايني. وقال الحاكم في
ترجمة الأستاذ أبي إسحاق : لم يبن بنيسابور مدرسة قبلها مثلها. وهذا صريح في أنه
بني قبلها غيرها ، والغالب على الظن أن نظام الملك أول من رتب فيها المعاليم
للطلبة ، فإنه لم يكن لهم في المدارس التي قبلها معلوم ، وكان بناء النظامية
ببغداد سنة تسع وخسمين وأربعمائة.
ورأيت في كلام
بعضهم : فتحت يوم السبت عاشر ذي القعدة من السنة المذكورة ، وشرع في عمارتها سنة
سبع وخمسين.
وترجمة نظام
الملك طويلة ، قتل في رمضان سنة خمس وثمانين وأربعمائة بقرية قريبة من نهاوند ،
وقيل إن السلطان ملكشاه دس عليه من قتله ، ولم يعش السلطان بعده إلا خمسة وثلاثين
يوما والله تعالى أعلم.
١١٢ ـ حميد بن منقذ المتوفى سنة ٥٦٤
حميد بن مالك
بن مغيث بن نصر بن منقذ بن محمد بن منقذ بن نصر بن هاشم أبو الغنايم الكناني
المنقذ الملقب بمكين الدولة ، ولد بشيزر سنة إحدى وتسعين وأربعمائة ونشأ بها ،
وانتقل إلى دمشق فسكنها مدة طويلة ، واكتتب في العسكر ، وكان يحفظ القرآن ، وذكر
أنه حفظه في مدة قريبة. وله شعر حسن فيه شجاعة وعفاف. أنشدنا أبو الغنائم لنفسه :
ما بعد جلّق
للمرتاد منزلة
|
|
ولا كسكانها
في الأرض سكان
|
فكلها بمجال
الطرف منتزه
|
|
وكلهم لصروف
الدهر أقران
|
وهم وإن
بعدوا مني بنسبتهم
|
|
إذا بلوتهم
بالودّ إخوان
|
وله فيها :
وبلدة جمعت
من كل مبهجة
|
|
فما يفوت
لمرتاد بها وطر
|
بكل مشترف من
ربعها أفق
|
|
وكل مشترف من
أفقها قمر
|
قال لنا أبو
الغنائم : واشتقت إلى تربة أخي يحيى رحمهالله وأنا بماردين فعملت :
بالشام لي
جدث وجدت بفقده
|
|
وجدا يكاد
القلب منه يذوب
|
فيه من البأس
المهيب صواعق
|
|
تخشى ومن ماء
السماء قليب
|
فارقت حتى
حسن صبري بعده
|
|
وهجرت حتى
النوم وهو حبيب
|
قال : وعملت
شعرا وقد خرجنا إلى الحرب وتذكرت أخي يحيى رحمهالله :
يذكرني يحيى
الرماح شوارعا
|
|
وبيض المواضي
جرّدت للوقائع
|
وأقسم ما
رؤياه في العين بهجة
|
|
بأحسن من
أوصافه في المسامع
|
قال : وعملت في
الخمر لسبب أوجب لي ذلك :
وقهوة كدموع
الصبّ صافية
|
|
تكاد بالكاس
بين الشرب تلتهب
|
يطفو الحباب
عليها وهي راسية
|
|
كأنه فضة من
تحتها ذهب
|
قال : وعملت
فيها أيضا :
وسلافة أزرى
احمرار شعاعها
|
|
بالورد
والوجنات والياقوت
|
جاءت مع
الساقي تنير بكأسها
|
|
فكأنها
اللاهوت في الناسوت
|
قال : وعملت في
معاتبة صديق :
أدنو بودّي
وحظّي منك يبعدني
|
|
هذا لعمرك
عين العين والغبن
|
وإن توخيتني
يوما بلائمة
|
|
رجعت باللوم
إيفاء على الزمن
|
وحسن ظني
موقوف عليك فهل
|
|
غيرت بالظن
بي عن رأيك الحسن
|
حدثني الأمير
أبو الحارث عبد الرحمن بن محمد بن مرشد المنقذي قال : توفي الأمير مكين الدولة
حميد ليلة النصف من شعبان سنة أربع وستين وخمسمائة بحلب على ما بلغني رحمهالله تعالى ا ه (ابن عساكر).
١١٣ ـ عبد الرحمن الغزنوي الحنفي المتوفى سنة ٥٦٤
الإمام عبد
الرحمن بن محمود بن محمد بن جعفر الغزنوي أبو الفتح ، وقيل أبو محمد الحنفي الملقب
علاء الدين ، مدرس المدرسة الحلوية ، تولى تدريسها سنة ٥٤٨ وبقي إلى أن توفي بحلب
لسبع بقين من شوال سنة أربع وستين وخمسمائة. (ا ه كنوز الذهب) وسيأتي ذلك في ترجمة
الكمال بن العديم المتوفى سنة ٦٦٠.
١١٤ ـ ياروق التركماني المتوفى سنة ٥٦٤
ياروق بن
أرسلان التركماني. قال ابن خلكان : كان مقدما جليل القدر في قومه وإليه تنسب
الطائفة الياروقية من التركمان. وكان عظيم الخلقة هائل المنظر ، سكن بظاهر حلب في
جهتها القبلية وبنى على شاطىء قويق فوق تل مرتفع هو وأهله وأتباعه أبنية مرتفعة
وعمائر متسعة وتعرف الآن بالياروقية ، وهي شبه القرية ، وسكنها هو ومن معه ، وهي
إلى اليوم معمورة مسكونة آهلة يتردد إليها أهل حلب في أيام الربيع ويتنزهون هناك
في الخضرة على قويق ، وهو موضع كثير الانشراح والأنس (هذه القرية تدعى الآن قرية
الأنصاري). وتوفي ياروق المذكور في المحرم سنة أربع وستين وخمسمائة رحمهالله تعالى. هكذا ذكره بهاء الدين المعروف بابن شداد في سيرة
السلطان صلاح الدين رحمهماالله تعالى.
وياروق بفتح
الياء المثناة من تحتها وبعد الألف راء مضمومة ثم واو ساكنة وفي الآخر قاف. وقويق
بضم القاف وفتح الواو وسكون الياء المثناة وبعدها قاف وهو نهر صغير بظاهر حلب يجري
في الشتاء والربيع وينقطع في الصيف (علة قديمة) وقد ذكرته الشعراء في أشعارهم
كثيرا خصوصا أبا عبادة البحتري فإنه كرر ذكره في عدة قصائد ، فمن ذلك قوله في جملة
قصيدة :
يا برق أسفر
عن قويق فطرّتي
|
|
حلب فأعلى
القصر من بطياس
|
عن منبت
الورد المعصفر صبغه
|
|
في كل ناحية
ومجنى الآس
|
أرض إذا
استوحشت ثم أتيتها
|
|
حشدت علي
فأكثرت إيناسي
|
وبطياس بفتح
الباء الموحدة (في المعجم بكسر الباء) وسكون الطاء المهملة وفتح الياء المثناة من
تحتها وبعد الألف سين مهملة ، وهي قرية كانت بظاهر حلب ودثرت ولم يبق لها اليوم
أثر. وكان صالح بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضياللهعنهم قد بنى بها قصرا وسكنه هو وبنوه ، وهو بين النيرب
والصالحية ، وهما قريتان في شرقي حلب ، وكان القصر على الرابية المشرفة على النيرب
ولم يبق منه في هذا الزمان سوى آثار دارسة. هكذا وجدته مضبوطا بخط بعض الفضلاء من
أهل حلب ا ه.
١١٥ ـ أسد الدين شيركوه المتوفى سنة ٥٦٤
الأمير أسد
الدين شيركوه بن شاذي عم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ، تقدم شيء من ترجمته في
ترجمة ابن أخيه في الجزء الأول وأنه كان مقدما عند السلطان نور الدين الشهيد ثم
عند ابن أخيه السلطان صلاح الدين أيوب ، وقد كان ابن أخيه أرسله للبلاد المصرية ،
وسبب ذلك كما ذكره ابن خلكان في ترجمته أن الفرنج لما وصلوا إلى بلبيس (من بلاد
مصر) وملكوها وقتلوا أهلها في سنة أربع وستين سيروا إلى أسد الدين وطلبوه ومنّوه
ودخلوا في مرضاته لأن ينجدهم ، فحضر إليهم وطرد الفرنج عنهم ، وكان وصوله إلى مصر
في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة ، وعزم شاور على قتله وقتل الأمراء الكبار
الذين معه ، فبادروه وقتلوه. وتولى أسد الدين الوزارة في ربيع الآخر وأقام بها
شهرين وخمسة أيام ، ثم توفي فجأة في الثالث والعشرين من جمادى الاخرة سنة أربع
وستين
وخمسمائة بالقاهرة ودفن بها ، ثم نقل إلى مدينة الرسول صلىاللهعليهوسلم بعد مدة بوصية منه رحمهالله تعالى.
قال السمهودي
في تاريخ المدينة المنورة : وفي قبلة رباط الوزير جمال الدين محمد بن أبي المنصور
الأصفهاني وزير بني زنكي من دار عثمان أيضا بالقرب من المسجد النبوي تربة اشترى
أرضها أسد الدين شيركوه بن شافدي وحمل إليها هو وأخوه نجم الدين أيوب والد صلاح الدين
بعد موتهما ودفنا فيها سنة ست وسبعين وخمسمائة ا ه.
آثاره بحلب
المدرسة الأسدية الجوانية
قال أبو ذر في
كنوز الذهب : المدرسة الأسدية الشافعية التي داخل باب قنسرين وتعرف محلتها بالرحبة
أنشأها أسد الدين شيركوه بن شاذي بن مروان ، وهذه المدرسة مشتملة على إيوان كبير
وخلاوي للفقهاء وبركة ماء ، وتاريخها مكتوب في رخامة فوق إيوانها لا أستطيع قراءته
لعلوه . وأول من درس بها قطب الدين مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري (ستأتي
ترجمته قريبا) ، ثم تولاها شمس الدين أبو المظفر حامد بن أبي العميد عمر بن أميري
بن ورشي القزويني ، ولم يزل بها إلى أن رحل عن حلب إلى مدينة حمص سنة ستمائة ،
فوليها بعده الشيخ شمس الدين عبد الله الكشوري ولم يزل بها إلى أن توفي سادس عشر
ربيع الأول سنة ثمان وستمائة ، ووليها العلامة تقي الدين أبو عمر عثمان بن عبد
الرحمن بن عثمان بن موسى ابن أبي نصر المعروف بابن الصلاح ، ثم وليها بعده أخوه
سديد الدين إبراهيم ، ثم رحلا ، ووليها بعد سديد الدين ولده ، وولي تدريسها بعده
الفقيه صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان الشهروزوري الكردي ، ولم يزل بها إلى أن
توفي ليلة الخميس ثامن عشرين ذي الحجة سنة ثمان عشرة وستماية ، وكانت ولادته سنة
تسع وثلاثين وخمسمائة. ثم وليها شرف الدين محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح
ولم يزل بها إلى أن توفي بالاستسقاء ، ثم وليها معين الدين بن المنصور بن القاسم
__________________
الشهرزوري مدة شهر واحد ، ثم رحل إلى حمص ووليها نجم الدين محمد بن محمد بن
عبد الله بن علوان الأسدي ، ولم يزل بها إلى أن تزهد في سنة تسع وثلاثين وستماية
وخرج منها ، فوليها قوام الدين أبو العلاء المفضل بن السلطان المعروف بابن حادور
الحموي ، ولم يزل مدرسا بها إلى أن ولي قضاء معرة النعمان في سنة ست وأربعين ، ثم
عزل عن المعرة وعاد إلى حلب فولي المدرسة الشعيبية مدة.
ثم ولي قضاء
حمص سنة خمس وخمسين وستماية ، ثم عزل عن حمص وتوفي سنة ستين وستماية بحماة ، ثم
وليها رشيد الدين عمر بن إسماعيل الفارقاني سنة ست وأربعين وستماية ، ولم يزل
مدرسا بها إلى سنة ثلاث وخمسين وستماية ، ثم خرج إلى دمشق ووليها مدة بدر الدين
محمد بن إبراهيم بن خلكان ، ولم يزل بها إلى أن كانت وقعة التتر فخرج من حلب إلى
ديار مصر فمات بالفيوم.
قلت : وهذه
المدرسة لها وقف بدمشق كبير ووقف بحلب وهو حصة بقرية سارد وحوانيت خارج بانقوسا
استبدلها ابن الحسفاوي بحانوت في سويقة حاتم.
قال لي والدي :
إن درسها كان يقام قبل تيمور على الشمع الموكبي بعد صلاة الصبح ، ثم نخرج إلى باب
قنسرين فنسمع زفة القلعة ونحن قاصدون بقية المدارس التي خارج البلد لأجل الدروس.
ودرّس بها جماعة كالسيد عبد الله وآخرا الشيخ شرف الدين الأنصاري وانتقل بعده
التدريس لولده ثم لولد ولده ، وعنه أخذ شيخنا المؤرخ ، وكان يدرس أولا نيابة عنه.
ودرّس بها الشريف الحسيني قاضي حلب وجماعة ا ه كلام أبي ذر.
أقول : موقع
هذه المدرسة في محلة باب قنسرين فوق الجامع المعروف بجامع الكريمية بقليل أمام
الزقاق الذي يأخذ بك إلى جامع الرومي ولم تزل معروفة بهذا الاسم ، والباقي من
بنائها القديم القبلية وطولها نحو ٢٢ ذراعا وعرضها نحو ٩ أذرع ، وهناك فوق المحراب
قبة عظيمة الارتفاع لكنها سائرة إلى الخراب ، وفي يمين القبلية مخدعان قبلة وشمالا
كان بهما قبور درست الآن ، وفي صحن المدرسة مصطبة أمام القبلية وحوض كبير يملأ من
القناة وبجانبه صهريج ماء كان مردوما عثر عليه منذ عشرين سنة ، فاصلح من قبل أهل
الخير وصار يملأ من القناة أيضا. وكانت حجر المدرسة متهدمة فجددت سنة ١٣١٦ ، وهي
مع حجرة التدريس ثماني حجر ، وشيخها الآن الشيخ عبد الله المعطي الفرضي وهو مشهور
بعلم الفرائض ، وهي تحت يد دائرة الأوقاف ، والباقي من أوقافها فرن ودكان
بجانبها وبدل تخميس أراض عشرية. وهذه المدرسة يقال لها الأسدية الجوانية ،
وكان لها مدرسة أخرى يقال لها الأسدية وهي :
المدرسة الأسدية تجاه القلعة
قال أبو ذر :
هذه المدرسة على باب بني الشحنة داخل القنطرة : أنشأها بدر الدين بدر الخادم عتيق
أسد الدين شيركوه. كانت دارا يسكنها فوقفها بعد موته. وأول من درس بها صائن الدين
أيوب بن خليل بن كامل ولم يزل إلى أن توفي في غرة شعبان المعظم سنة ثلاث وخمسين
وستمائة ، فوليها بعده قطب الدين محمد بن عبد الكريم بن عبد الصمد ابن هبة الله بن
أبي جرادة ، ولم يزل بها إلى أن توفي ، فوليها بعده الشيخ مجد الدين الحسن ابن
أحمد بن هبة الله بن أمين الدولة ، ولم يزل بها إلى أن قتل في وقعة التتر ، والآن
تدريسها بيد بني علاء الدين بن الشحنة. وعلى بابها مكتوب : جددت هذه المدرسة
المباركة للفقهاء المشتغلين في دولة السلطان العزيز الطواشي بدر الظاهري الأسدي في
ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ا ه.
قال في الدر
المنتخب : إن هذه المدرسة خربها الملا محمد ناظر الأوقاف بحلب كان سنة خمس وثلاثين
وتسعمائة ولم يبق لها عين ولا أثر ، ودخلت في العمارة التي أنشأها الوزير خسرو
باشا المشتملة على مسجد وجامع ومدرسة وخانكاه معدة للضيوف ، وهي أول عمارة أنشئت
بحلب منذ الفتح العثماني ا ه.
أقول : وقد
تقدمت الإشارة إلى ذلك في الكلام على المدرسة الخسروية في الجزء الثالث.
١١٦ ـ علي بن محمد
التنوخي المتوفى بعد ستين وخمسمائة
علي بن محمد بن
علي بن محمد بن يزيد أبو الحسن التنوخي الحلبي ، قدم دمشق مرة.
أنشدنا أبو
اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد بن سليمان وكتب لي بخطه : أنشدني علي بن محمد
لنفسه بحلب في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وستين وخمسمائة وكتب بها إلى دمشق :
طيف سرى
موهنا والليل ما انقضبا
|
|
إليّ سرا
ونجم الغرب ما غربا
|
فلى الفلا
وجلا جنح الدجى وخلا
|
|
من الرقيب
وولّى ممعنا هربا
|
ظن الدجنّة
تخفيه وكيف وقد
|
|
وشى بمسراه
نور مزّق الحجبا
|
كأنه بدر تمّ
لاح في غسق
|
|
وهنا فلما
رأته الأعين احتجبا
|
أفديه من
زائر زور زيارته
|
|
يبدو لعيني
وتخفي جفنه الرقبا
|
أودى بصبري
وأشجاني وأرقني
|
|
لما به وأراق
الدمع فانسكبا
|
وأودع الروع
أحشائي وأذهب ما
|
|
أبقى الفراق
وما رد الذي ذهبا
|
وكنت أحسبه
وافي يبشرني
|
|
بلمّ شمل
شتيت طالما انشعبا
|
وأن قد قرب
الترحال عن حلب
|
|
والدار عما
قليل تجمع الغربا
|
فكان لمح
سراب لاح بارقه
|
|
فاشتد إذ بصر
الظامي به طلبا
|
حتى إذا جاءه
لم يلق موضعه
|
|
فما يسكّن من
أحشائه لهبا
|
فعاد باليأس
والنفس النفيسة قد
|
|
طارت شعاعا
وأنضى جسمه تعبا
|
كذاك حظي من
الأحباب إن وصلوا
|
|
صدوا وإن
سئلوا أضنوا بما طلبا
|
يجزون بالعرف
نكرا من أحبهم
|
|
وبالقطيعة لا
بالقرب من قربا
|
وإن هم مرة
سرّوا بوصلهم
|
|
ضرّوا بهجرهم
أضعافه حقبا
|
كالدهر يرضي
بما يولي وشيمته
|
|
أن يسترد الذي
أعطى كما وهبا
|
وعاذل عادل
عن مذهبي سفها
|
|
يروم بالعذل
تسهيل الذي صعبا
|
يقول لي وهو فيما قال متهم
|
|
عندي ولو كان
صدقا خلته كذبا
|
إلى م تشتاق
دارا بان ساكنها
|
|
عنها وتندب
ربعا دارسا خربا
|
إذا رآه
الخليّ البال مرّ به
|
|
بكى له رحمة
بالدمع فانتحبا
|
مستبدلا من
ظباء الأنس وحشته
|
|
فلا وكم
أوانس انسانا بها عذبا
|
عينا تصيد
أسود الغيد أعينها
|
|
تلك الظباء
اللواتي لحظهن ظبا
|
فقلت والشوق
يطويني وينشرني
|
|
طيّ السجل
إذا ما فض أو كتبا
|
أصخ بسمعك
نحوي واجتنب نفسي
|
|
تسمع حديثا
له في الخافقين نبا
|
__________________
ما كنت أول
مشتاق إلى وطن
|
|
بكى وحنّ إلى
أحبابه وصبا
|
ولا بأول من
لجّ الغرام به
|
|
فباح لمّا
شكى من قلبه وصبا
|
صبّ إذا لاح
برق من ديارهم
|
|
كأنما خلته
من قلبه حلبا
|
يجانب النوم
إن مرت بجانبه
|
|
ريح الجنوب
ويصبو أن تهب صبا
|
ويستطير
اشتياقا كلما لمع ال
|
|
برق اليمانيّ
من تلقائهم وخبا
|
فهل معين لذي
عين مسهدة
|
|
عين من الدمع
منها الماء ما نضبا
|
بادي الصبابة
لا يصبو إلى عذل
|
|
حلف الكآبة
لا ينفك مكتئبا
|
أغراه بالوجد
من أغراه بعدهم
|
|
من التصبّر
عنهم فاستحال هبا
|
يريك ظاهره
بالعين باطنه
|
|
فغير خاف سوى
ما في الضمير خبا
|
قد كان يأمل
أن يقضي الزمان له
|
|
إليهم رجعة
يقضي بها أربا
|
فعاقه قذل
عما يحاوله
|
|
فإن قضى بهم
وجدا فلا عجبا
|
لو خيّر
الخلد من أوطانه بدلا
|
|
لم يرضها
بدلا منها فدع حلبا
|
ولو تزف إليه
الأرض قاطبة
|
|
لم يرض أرضا
سواها مسرحا وربا
|
وكيف أرضى
بأرض ما وجدت بها
|
|
صديق صدق حوى
فضلا ولا أدبا
|
إلا أناسا
سئمت العيش بعدهم
|
|
إذا غدا
الناس رأسا خلتهم ذنبا
|
لا يأمرون
بمعروف كذاك ولا
|
|
ينهون عن
منكر خوفا ولا رعبا
|
إذا بلوتهم
ألفيتهم نفرا
|
|
وإن بلوتهم
ألفيتهم أدبا
|
وإن نثرت
عليهم كلما انتظموا
|
|
در القريض
جزوني عنه مشخلبا
|
وكلما حضروا
أحضرت من أدبي
|
|
مآدبا حار في
آدابها الأدبا
|
طلس الدباب
أضل الله سعيهم
|
|
تطيلسوا
اللؤم لما استعذبوا العذبا
|
وشر ما نالني
فيها وأعجبه
|
|
أني اتخذت
الأعادي وصلة قربا
|
أقمت حولين
في أكناف أكنفها
|
|
حلف السقام
أقاسي الهم والوصبا
|
لم أحظ منهم
بحظ مذ حللت بها
|
|
أغنى من الود
لا مالا ولا نشبا
|
فقرب الله في
الترحال عن بلد
|
|
فيه الأجانب
خير لي من القربا
|
وباعد الله
داري من ديارهم
|
|
ولا لقيّ لي
إن سميتهم نسبا
|
__________________
ومزقت يد دهر
السوء شملهم
|
|
في كل شعب
كشمل فرقت شعبا
|
فما أقلهم
نفعا وأكثرهم
|
|
قطعا لذي رحم
ثوب الغنى سلبا
|
ا ه (ابن عساكر)
والمشخلب كلمة عراقية : خرز بيض يشاكل اللؤلؤ والحلي ويتخذ من الليف والخرز.
١١٧ ـ الحسين بن محمد المعروف بالنجم المتوفى في هذا العقد ظنا
الحسين بن محمد
بن أسعد الفقيه المعروف بالنجم. تفقه على أبيه محمد بن أسعد وسمع منه الحديث. قال
ابن العديم : ولي التدريس بالحلاوية ، وله تصانيف في الفقه ، منها شرح الجامع
الصغير لمحمد بن الحسن ، فرغ من تصنيفه بمكة ، وله الفتاوي والواقعات. وكان فقيها
فاضلا عالما متدينا ، وحكى حكاية طويلة عنه في حضوره عند نور الدين محمود ابن زنكي
وقد سأله عن لبس خاتم في يده كانت فيه لوزات من ذهب فقال له : تتحرز من هذا وتحمل
إلى خزانتك من المال الحرام في كل يوم كذا وكذا. وإن نور الدين أمر بتبطيل ذاك. ا
ه (ط ح ق).
١١٨ ـ محمد بن أحمد السمرقندي المتوفى في عقد السبعين ظنا
محمد بن أحمد
بن أبي أحمد أبو منصور السمرقندي صاحب تحفة الفقهاء . تفقهت عليه ابنته فاطمة العالمة الصالحة ، وكانت تحفظ
التحفة. وتفقه عليه زوجها أبو بكر الكاساني صاحب كتاب البدائع ، وسيأتي له زيادة
في ترجمة تلميذه أبي بكر بن مسعود الكاساني في الكنى. ا ه (ط ح ق).
وترجمه اللكنوي
في الفوائد البهية وقال : إنه تفقه على أبي المعين ميمون المكحولي وعلى صدر
الإسلام أبي اليسر البزدوي. ولم يذكر تاريخ وفاته وعلى الظن أنها في نواحي هذه
السنين.
__________________
١١٩ ـ منصور بن أبي الدميك النحوي الشاعر
منصور بن
المسلّم بن علي بن أبي الخرجين أبو نصر الحلبي النحوي المؤدب الشاعر ، يعرف بابن
أبي الدميك. قال ياقوت : كان أديبا فاضلا نحويا له تصانيف وردود على ابن جني ،
منها تتمة ما قصر فيه ابن جني في شرح أبيات الحماسة ، وديوان شعر وقفت عليه بخطه
الرائق ، فوجدته مشحونا بالفوائد النحوية ، وقد شرح ألفاظه اللغوية وأعربها فدل
على تبحره في علم العربية. ومن نظمه :
أأحبابنا إن
خلف البين بعدكم
|
|
قلوبا ففيها
للتفرق نيران
|
رحلتم على أن
القلوب دياركم
|
|
وأنكم فيها
على البعد سكان
|
عسى مورد من
سفح جوشن نافع
|
|
فإني إلى تلك
الموارد ظمآن
|
وما كل ظنّ
ظنّه المرء كائن
|
|
يقوم عليه
للحقيقة برهان
|
وعيش الفتى
طعمان قند وعلقم
|
|
كما حاله
قسمان رزق وحرمان
|
ا ه (بغية
الوعاة). ولم يذكر وفاته ، وعلى الظن أنها في هذا القرن.
وقال ياقوت في
معجم البلدان : (أشمونيث) : عين في ظاهر حلب في قبلتها تسقي بستانا يقال له
الجوهري وإن فضل منها شيء صب في قويق ، ذكرها منصور بن مسلم ابن أبي الخرجين يتشوق
حلب :
أيا سائق
الأظعان من أرض جوشن
|
|
سلمت ونلت
الخصب حيث ترود
|
أبن لي عنها
تشف ما بي من الجوى
|
|
فلم يشف ما
بي عالج وزرود
|
هل العوجان
الغمر صاف لوارد
|
|
وهل خضبّته
بالخلوق مدود
|
وهل عين
أشمونيث تجري كمقلتي
|
|
عليها وهل
ظلّ الجنان مديد
|
إذا مرضت ودت
بأن ترابها
|
|
لها دون
أكحال الأساة برود
|
ومن جرّب
الدنيا على سوء فعلها
|
|
يعيب ذميم
العيش وهو حميد
|
إذا لم تجد
ما تبتغيه فخض بها
|
|
غمار السرى
أمّ الطلاب ولود
|
١٢٠ ـ نجم بن عبد المنعم المعروف بابن أبي درهم
الشاعر المتوفى سنة ٥٧٠
نجم بن عبد
المنعم بن الحسن بن الخضر أبو الثريا الحلبي المعروف بابن أبي درهم الشاعر. كان
متعصبا في السنة مظهرا لها بحلب ، وقدم دمشق وأقام بها مدة ثم عاد إلى حلب ، ثم
قدمها مرة أخرى. كتبت عنه شيئا من شعره ، أنشدني نجم لنفسه :
ما ازداد
واشوك إلا ازددت فيك هوى
|
|
تأبى مقاصد
قلبي منك ما قصدوا
|
والله ما
زهّدوني فيك إذ عذلوا
|
|
وإنما
رغّبوني في الذي زهدوا
|
سعوا إليّ
بمكروه كما شهدت
|
|
في صدق ودّك
أحشائي بها شهدوا
|
حتى إذا
استيأسوا من طاعتي لهم
|
|
جاؤوا إليك
سعاة فيّ واجتهدوا
|
فما وثقت
بصدقي إن تكذبهم
|
|
ولا اعتقدت
بعهدي كالذي اعتقدوا
|
يا قلب مت كمدا
ممن تظن به
|
|
أو عش فريدا
فكل الناس قد فسدوا
|
حدثنا أبو عبد
الله محمد بن الحسن بن أحمد بن الملجي وكتبه لي بخطه قال : الناجم ابن الشائم
المعروف بابن أبي درهم رجل في البديهة لا يجارى وفي البحر لا يضاهى ، أشد الناس
أنفاسا في مذهب السنة وأقواهم فيها مهاجرا للباطنية ، وله معهم مقامات يعجز عن
مثلها الأسود ويلين عندها الجلمود ، سلم فيها ونصره الله عليهم. أنشدني أبياتا
حائية استجدت منها بيتا هو :
أنا صاحي
الفؤاد ما دمت سكران
|
|
وسكران إذا
ما كنت صاحي
|
وأبوه الشائم
شيخ من أهل بالس ا ه (ابن عساكر).
١٢١ ـ هاشم بن أحمد الأسدي المتوفى سنة ٥٧٧
هاشم بن أحمد
بن عبد الواحد بن هاشم بن محمد بن هاشم الأسدي الخطيب. قال ياقوت : أصلهم من الرقة
وانتقلوا إلى حلب ، وكان حسن القراءة والعبادة والزهد ، صنف
__________________
«اللحن الخفي» ، و «أفراد أبي عمرو بن العلاء» وغير ذلك ، وولي خطابة حلب ،
ولما خطب اعتنقه أبو عبد الله محمد بن نصر القيسراني وقال له :
شرح المنبر
صدرا
|
|
لتلقيك رحيبا
|
أترى ضمّ
خطيبا
|
|
منك أم ضمّخ
طيبا
|
ولد سنة ست
وتسعين وأربعمائة ومات في جمادى الآخرة سنة سبع وسبعين وخمسمائة ا ه (بغية الوعاة).
وقال الملا في
مختصره لتاريخ الذهبي في ترجمته : شيخ خير زاهد بارع في العربية ، كتب عنه أبو سعد
بن السمعاني والخطيب يونس بن محمد الفارقي ، وروى عنه أبو القاسم ابن صصري وقال :
كان خطيب حلب جامعا لفنون شتى.
وترجمه أبو ذر
في كنوز الذهب ، ومما قاله : أنه خطيب حلب وابن خطيبها ، وهم أسديون وأصلهم من
الرقة وانتقلوا إلى حلب أيام الملك رضوان ، وأول من انتقل منهم علي بن هاشم ، ومن
تصانيف هاشم المترجم كتاب مناجاة العارفين وكتاب خطب وغير ذلك. وورد إلى بغداد حاجا
وسمع عليه بها خطبة وخلع عليه ببغداد في الأيام المستنجدية وشرف بسيف مكتوب عليه :
شرفي على كل
البيوت لأنني
|
|
قدما سكنت
خزانة المستنجد
|
درب الخطيب هاشم شرقي الجامع
قال أبو ذر :
هو منسوب إلى الخطيب أبي طاهر هاشم بن أحمد بن عبد الواحد بن هاشم الأسدي ، وهذا
الدرب كان يعرف قديما بدرب التميمي وهو الذي يفتح إليه بابا المدرسة الشرفية ،
وكان على رأس الدرب حوض ماء وبه مسجد ، وبهذا الدرب مكان عظيم البناء وقد جعل
قاسارية ، وبهذه القاسارية حصة وقف على الشرفية ، ثم اتخذت دارا في سنة ثمان
وسبعين. ورأيت في بعض التواريخ أنه كان على باب الجامع دير ولا أدري محله الآن ،
ثم صار غالب الدرب المذكور لعماد الدين بن الترجمان ، وكان لبني الترجمان
__________________
ثروة وانقرضوا ، ولهم مساكن بدرب الديلم تجاه أمكنتهم التي هي شرقي المدرسة
انتهى.
١٢٢ ـ الإمام علوان بن عبد الله الأسدي
المعروف بابن الأستاذ المتوفى سنة ٥٧٨
علوان بن عبد
الله بن علوان أبو عبد الله الأسدي الحلبي ابن الأستاذ ، إمام زاهد عابد ، علق عنه
أبو المواهب بن صصري وقال : أقام بالحجاز سنين وكان للمجاورين به راحة مات في
شعبان ا ه (مختصر الذهبي من وفيات سنة ثمانية وسبعين وخمسمائة). قال الدحلاني في
تاريخ مكة : وفي أيام مكثر بن عيسى أبطل السلطان صلاح الدين الأيوبي صاحب مصر
المكس المأخوذ من الحجاج في البحر على طريق عيذاب ، وكان من لم يؤد بعيذاب يؤخذ
منه بجدة وهو سبعة دنانير مصرية على كل إنسان ، وكان يأخذ ذلك أمير مكة ، وكان سبب
إبطاله أن الشيخ علوان الأسدي الحلبي حج ، فلما وصل إلى جدة طولب بذلك فأبى أن
يسلم لهم شيئا وأراد الرجوع ، فلا طفوه وبعثوا إلى صاحب مكة ، وكان الشريف مكثر بن
عيسى ، فأمر بإطلاقه ومسامحته ، فلما طلع إلى مكة اجتمع به واعتذر إليه بأن مدخول
مكة لا يفي بمصالحنا ، وهذا الحامل لنا على هذا ، فكتب الشيخ علوان إلى السلطان
صلاح الدين وذكر له حاجة أمير مكة وعرّفه أن البلد ضعيفة وأنها ما تدخل ما يكفيه
وأن ذلك هو الذي حمله على هذه البدعة الشنيعة ، فأنعم عليه مولانا السلطان صلاح
الدين بثمانية آلاف إردب قمح ، وقيل بألفي دينار وألفي إردب وأمره بترك هذه
المظلمة.
١٢٣ ـ مسعود بن محمد النيسابوري المتوفى سنة ٥٧٨
أبو المعالي
مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري الطرثيثي الفقيه الشافعي الملقب قطب الدين ،
تفقه بنيسابور ومرو على أئمتهما وسمع الحديث من غير واحد ، ورأى الأستاذ أبا نصر
القشيري ، ودرّس بالمدرسة النظامية بنيسابور نيابة عن الجويني ، وكان قد قرأ
القرآن الكريم والأدب على والده ، وقدم بغداد ووعظ بها وتكلم في المسائل فأحسن ،
وقدم دمشق سنة أربعين وخمسمائة ووعظ بها وحصل له قبول ، ودرّس بالمدرسة المجاهدية
بالزاوية الغربية من جامع دمشق بعد موت الفقيه أبي الفتح نصر الله المصيّصي. وذكره
الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق ، ثم خرج إلى حلب وتولي التدريس في
المدرستين اللتين بناهما له نور الدين محمود وأسد الدين شيركوه ، ثم مضى إلى همدان
وتولى التدريس بها ، ثم رجع إلى دمشق ودرّس بالزاوية الغربية وتفرد برياسة أصحاب
الشافعي رضياللهعنه.
وكان عالما
صالحا ، صنف كتاب «الهادي» في الفقه وهو مختصر نافع لم يأت فيه إلا بالقول الذي
عليه الفتوى ، وجمع للسلطان صلاح الدين عقيدة تجمع جميع ما يحتاج إليه في أمر دينه
وأحفظها أولاده الصغار حتى ترسخ في أذهانهم من الصغر.
قال ابن شداد
في سيرة السلطان : ورأيته يعني السلطان وهو يأخذها عليهم وهم يقرؤونها بين يديه من
حفظهم.
وكان متواضعا
قليل التصنع مطرحا للتكليف. وكانت ولادته سنة خمس وخمسمائة ، وتوفي سنة ثمان
وسبعين وخمسمائة بدمشق ودفن بالمقبرة التي أنشأها جوار مقبرة الصوفية غربي دمشق
وزرت قبره غير مرة ا ه (ابن خلكان).
أقول : المدرسة
التي بناها نور الدين محمود هي المدرسة النفرية وقد تقدم ذكرها في الجزء الثاني في
صحيفة (٦٧). وقد ذكر أبو ذر في الكلام عليها من تولى التدريس بها وأولهم المترجم ،
ثم قال في الآخر : وتولى التدريس بها الشيخ زين الدين عبد الملك بن الشيخ شرف
الدين عبد الله العجمي سنة ست وخمسين وستمائة ، ولم يزل مدرسا بها إلى أن استولت
التتر على حلب ، واستمر بها بعد ذلك إلى أن خرج من حلب. وهذه المدرسة آل أمرها إلى
التاج الكركي قاضي حلب (المتوفى سنة ٨٤٠) وكان يسكن بقاعتها ، والمدرسة المذكورة
تجاه المدرسة الصاحبية التي أنشأها ابن شداد الآتي ذكرها بالقرب من جامع المرحوم
تغري بردي (جامع الموازيني) ومن وقفها تل باجر ا ه. ومدرسة أسد الدين شيركوه هي
الأسدية الجوانية في محلة باب قنسرين وقد تقدم الكلام عليها.
١٢٤ ـ محمد بن حمزة المتوفى سنة ٥٧٩
محمد بن أحمد
بن حمزة الحلبي أبو الفرج الملقب شرف الكتاب. قال ياقوت : كان نحويا لغويا فطنا
شاعرا مترسلا قدم بغداد وقرأ على ابن الخشاب وابن الشجري ، وصحب الوزير ابن هبيرة
، وسمع الحديث من أبي جعفر الثقفي ، ومات سنة تسع وسبعين وخمسمائة ا ه (بغية
الوعاة).
١٢٥ ـ محمد بن حرب أبو الرجا المتوفى سنة ٥٨٠
محمد بن حرب بن
عبد الله النحوي الحلبي أو المرجّى أحد أعيان حلب والمشهورين منهم بعلم الأدب ،
مات بدمشق في سنة ٨١ أو ٨٢. وحدثني ابن الجبراني قال : مات شيخنا بدمشق في سنة
٥٨٠. وحدثني كمال الدين أبو القاسم عمر بن أبي جرادة أدام الله أيامه قال : حدثني
محمد بن عبد الواحد بن حرب الخطيب خطيب قلعة حلب إملاء من لفظه قال : حدثني أبو
المرجّى محمد بن حرب أبو عبد الله النحوي قال : رأيت في النوم إنسانا ينشدني هذا
البيت :
أروم عطا
الأيام والدهر مهلكي
|
|
ممرّ لها
والدهر رهن عطاها
|
فأجزته بأبيات
:
أيا طالب
الدنيا الدنية إنها
|
|
سترديك يوما
إن علوت مطاها
|
صن النفس لا
تركن إليها فإن أبت
|
|
فردد عليها
آي آخر طاها
|
ودع روضي
الآمال والحرص إنه
|
|
إذا ردع
النفس الهدى سطّاها
|
فلابد يوما
أن تلم ملمة
|
|
فتبسط منا
عقدة نشطاها
|
أنشدني الأخ
أبو القاسم أحمد بن هبة الله بن سعد الجبراني النحوي الحلبي قال : أنشدني شيخي أبو
الرجا محمد بن حرب الإنابي ، وإناب قرية من بلد أعزاز من نواحي حلب لنفسه في صفة
الرمان :
ولما فضضت
الختم عنهن لاح لي
|
|
فصوص عقيق في
بيوت من التبر
|
ودر ولكن لم
يدنسه غائص
|
|
وماء ولكن في
مخازن من خمر
|
وأنشدني قال :
أنشدني المذكور لنفسه :
لما بدا ليل
عارضيه لنا
|
|
يحكي سطورا
كتبن كالمسك
|
تلا علينا
العذار سورة وال
|
|
ليل وغنّى
لنا (قفا نبك)
|
__________________
وأنشدني له :
يجلى سنا
شمعة تشابهني
|
|
وقدا ولونا
وأدمعا وفنا
|
قال : وله
أرجوزة في مخارج الحروف ا ه (معجم الأدباء).
١٢٦ ـ عالي بن إبراهيم الغزنوي المتوفى سنة ٥٨١
عالي بن
إبراهيم بن إسماعيل الغزنوي أبو علي. قال ابن مكتوم : له تفسير مختصر سماه «تفسير
التفسير» فرغ منه بحلب في رمضان سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة ، فيه أعاريب ومسائل
نحوية ا ه (بغية الوعاة).
قال ابن العديم
في ترجمة الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين الشهيد : سمعت شيخنا موفق الدين يعيش
بن علي قال : أخبرني الأمير حسام الدين محمود بن الختلو شحنة حلب قال : لما عزل
محيي الدين بن الشهرزوري عن قضاء حلب وتوجه إلى الموصل جاء إليّ الفقيه عالي
الغزنوي وكان يدرّس بمدرسة الحدادين إلى داري وكانت تحت القلعة فقال لي : قد توجه محيي
الدين بن الشهرزوري إلى الموصل وتحتاجون قاضيا فتأخذ لي قضاء حلب ، قال : فصعدت
إلى الملك الصالح وقلت له : هنا عالي الغزنوي فقيه جيد والمصلحة أن يوليه المولى
قضاء حلب ، فالتفت إلي وقال : بالله وبحياتي هو سألك في هذا؟ فقلت له : إي والله
هو جاءني وسألني في ذلك ، فقال : والله ما وقع في خاطري أن أولي قضاء حلب أحدا
غيره ، ولكن حيث سأل هو الولاية والله لا وليته إياه ا ه.
١٢٧ ـ أبو اليسر شاكر بن عبد الله المعري المتوفى سنة ٥٨١
أبو اليسر شاكر
بن عبد الله بن محمد بن أبي المجد بن عبد الله بن محمد بن سليمان المعري. قال
العماد : كان كاتب الإنشاء لنور الدين محمود بن زنكي قبلي ، فلما استعفى وقعد في
بيته توليت الإنشاء بعده ، ومولده بشيزر في جمادى الآخرة سنة ٤٩٦ ، وكان
__________________
قد تولى ديوان الإنشاء سنين كثيرة ، قال : وأنشدني لنفسه :
وردت بجهلي
مورد الصب فارتوت
|
|
عروقي من محض
الهوى وعظامي
|
ولم تك إلا
نظرة بعد نظرة
|
|
على غرة منها
ووضع لثام
|
فملت بقلبي
من تثني طماعه
|
|
أقرت بها حتى
الممات عظامي
|
وله أيضا :
سارقته نظرة
أطال بها
|
|
عذاب قلبي
وما له ذنب
|
يا جور حكم
الهوى ويا عجبا
|
|
تسرق عيني
ويقطع القلب
|
وله :
يا لقومي من
عارض دبّ في الخد
|
|
دبيبا من تحت
عقرب صدغ
|
قعد القلب
منهما في بلاء
|
|
وعذاب ما بين
قرص ولدغ
|
وله :
غريت بهم نوب
الليالي فاغتدوا
|
|
ما تستقر لهم
بأرض دار
|
حتى كأنهم
طريف بضائع
|
|
وكأن أحداث
الزمان تجار
|
وله :
تعمم رأسي
بالمشيب فساءني
|
|
وما سرني
تفتيح نور بياضه
|
وقد أبصرت
عيني خطوبا كثيرة
|
|
فلم أر خطبا
أسودا كبياضه
|
وتقدم بعض
ترجمته في كتاب الإنصاف (ص ٩٦) وذكر ثمة أن وفاته كانت سنة ٥٨١ ا ه (معجم الأدباء).
__________________
١٢٨ ـ فاطمة السمرقندية العالمة الفاضلة زوجة صاحب البدائع
المتوفاة في هذا العقد
فاطمة بنت محمد
بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي مؤلف التحفة ، وهي زوجة الإمام علاء الدين أبي بكر
بن مسعود الكاساني صاحب البدائع ، تفقهت على أبيها وحفظت مصنفة التحفة.
قال ابن العديم
: حكى والدي أنها كانت تنقل المذهب نقلا جيدا ، وكان زوجها الكاساني ربما يهم في
الفتوى فترده إلى الصواب وتعرفه وجه الخطأ ، فيرجع إلى قولها.
قال : وكانت
تفتي ، وكان زوجها يحترمها ويكرمها ، وكانت الفتوى أولا تخرج عليها خطها وخط أبيها
السمرقندي ، فلما تزوجت بالكاساني كانت الفتوى تخرج بخط الثلاثة.
قال داود بن
علي أحد فقهاء الحلاوية بحلب : هي التي سنت الفطر في رمضان للفقهاء بالحلاوية. كان
في يديها سواران فأخرجتهما وباعتهما وعملت بثمنهما الفطور كل ليلة ، واستمر على
ذلك إلى اليوم.
قال ابن العديم
: أخبرني الفقيه أحمد بن يوسف بن محمد الأنصاري الحنفي قال : كان الكاساني عزم على
العود من حلب إلى بلاده فإن زوجته حثته على ذلك ، فلما علم الملك العادل نور الدين
محمود استدعاه وسأله أن يقيم بحلب ، فعرفه سبب السفر وأنه لا يقدر أن يخالف زوجته
ابنة شيخه ، فاجتمع رأي الملك وزوجها الكاساني على إرسال خادم بحيث لا تحجب عنه ويخاطبها
عن الملك في ذلك ، فلما وصل الخادم إلى بابها استأذن عليها ، فلم تأذن له واحتجبت
منه ، وأرسلت إلى زوجها تقول له : بعد عهدك بالفقه إلى هذا الحد أما علمت أنه لا
يحل أن ينظر إليّ هذا الخادم ، وأي فرق بينه وبين الرجال في جواز النظر. فعاد
الخادم وذكر ذلك لزوجها بحضرة الملك ، فأرسلوا إليها امرأة برسالة نور الدين ،
فخاطبتها فأجابتها إلى ذلك. وأقامت بحلب إلى أن ماتت ، ثم مات الكاساني بعدها ودفن
عندها رحمة الله عليهما ا ه (طبقات الحنفية للقرشي).
١٢٩ ـ سكرة اليهودي الطبيب
سكرة الحلبي :
كان شيخا قصيرا من يهود مدينة حلب ، وكانت له دربة بالعلاج
وتصرف في المداوة. حدثني الشيخ صفي الدين خليل بن أبي الفضل بن منصور
التنوخي الكاتب اللاذقي قال : كان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بحلب ،
وكانت له في القلعة بها حظية يميل إليها كثيرا ، ومرضت مرضا صعبا ، وتوجه الملك
العادل إلى دمشق وبقي قلبه عندها وكل وقت يسأل عنها ، فتطاول مرضها ، وكان يعالجها
جماعة من أفاضل الأطباء ، وأحضر إليها الحكيم سكرة فوجدها قليلة الأكل متغيرة
المزاج لم تزل جنبها إلى الأرض ، فتردد إليها مع الجماعة ، ثم استأذن الخادم في
الحضور إليها وحده فأذنت له ، فقال لها : يا ستي أنا أعالجك بعلاج تبرئين به في
أسرع وقت إن شاء الله تعالى وما تحتاجين معه إلى شيء آخر ، فقالت : افعل ، فقال :
أشتهي أن مهما أسألك عنه تخبريني به ولا تخفيني ، فقالت : نعم ، وأخذ منها أمانا ،
فقال : تعرفيني ما جنسك ، فقالت : علانية ، فقال : العلان في بلادهم نصارى ،
فعرفيني أيش كان أكثر أكلك في بلدك ، فقالت : لحم البقر ، فقال : يا ستي ، وما كنت
تشربين من النبيذ الذي عندهم؟ فقالت : كذا كان ، فقال : أبشري بالعافية. وراح إلى
بيته واشترى عجلا وذبحه وطبخ منه وجاب معه في زبدية منه قطع لحم مصلوق وقد جعلها
في لبن وثوم وفوقها رغيف خبز فأحضره بين يديها وقال : كلي ، فمالت نفسها إليه
وصارت تجعل اللحم في اللبن والثوم وتأكل حتى شبعت ، ثم بعد ذلك أخرج من كمه برنية
صغيرة وقال : يا ستي هذا شراب ينفعك فتناوليه ، فشربته وطلبت النوم وغطيت بفرجية
فرو سنجاب فعرقت عرقا كثيرا وأصبحت في عافية ، وصار يجيب لها من ذلك الغذاء
والشراب يومين آخرين ، فتكاملت عافيتها ، فأنعمت عليه وأعطته صينية مملوءة حليا ،
فقال : أريد مع هذا أن تكتبي لي كتابا إلى السلطان وتعرفيه ما كنت فيه من المرض
وأنك تعافيت على يدي ، فوعدته بذلك وكتبت كتابا إلى السلطان تشكر منه وتقول له فيه
: إنها كانت قد أشرفت على الموت وإن فلانا عالجني وما وجدت العافية إلا على يديه ،
وجميع الأطباء الذين كانوا عندي ما عرفوا مرضي ، وطلبت منه أن يحسن إليه ، فلما
قرأ الكتاب استدعاه واحترمه وقال له : هم شاكرون من مداواتك ، فقال : يا مولانا
كانت من الهالكين وإنما الله عزوجل جعل عافيتها على يدي لبقية أجل كان لها ، فاستحسن قوله
وقال : أيش تريد أعطيك؟ فقال : يا مولانا تطلق لي عشرة فدادين خمسة في قرية صمع
وخمسة في قرية عندان ، فقال : نطلقها لك بيعا وشراء حتى تبقى مؤبدة لك. وكتبت له
ذلك وخلع عليه ، وعاد إلى
حلب وكثرت أمواله ولم يزل في نعمة طائلة هو وأولاده بعده ا ه (طبقات
الأطباء).
ولم يذكر تاريخ
وفاته وهي تخمينا في نواحي هذه السنين.
١٣٠ ـ أسامة بن مرشد صاحب شيزر المتوفى سنة ٥٨٤
أبو المظفر
أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الكلبي الشيزري الملقب مؤيد
الدولة مجد الدين ، من أكابر بني منقذ أصحاب قلعة شيزر وعلمائهم وشجعانهم ، له
تصانيف عديدة في فنون الأدب.
ذكره أبو
البركات بن المستوفي في تاريخ إربل وأثنى عليه وعده في جملة من ورد عليه ، وأورد
له مقاطيع من شعره.
وذكره العماد
الكاتب في الخريدة وقال بعد الثناء عليه : سكن دمشق ثم نبت به كما تنبو الدار
بالكريم ، فانتقل إلى مصر فبقي بها مؤمرا مشارا إليه بالتعظيم إلى أيام الصالح بن
رزيك (من وزراء مصر) ، ثم عاد إلى الشام وسكن دمشق ، ثم رماه الزمان إلى حصن كيفا
فأقام به حتى ملك السلطان صلاح الدين رحمهالله تعالى دمشق ، فاستدعاه وهو شيخ قد جاوز الثمانين.
وقال غير
العماد : إن قدومه مصر كان في أيام الظافر بن الحافظ والوزير يومئذ العادل ابن
السلار فأحسن إليه وعمل عليه حتى قتل حسبما هو مشروح في ترجمته. وله ديوان شعر في
جزأين موجود في أيدي الناس ورأيته بخطه ونقلت منه قوله :
لا تستعر
جلدا على هجرانهم
|
|
فقواك تضعف
من صدود دائم
|
وأعلم بأنك
إن رجعت إليهم
|
|
طوعا وإلا
عدت عودة راغم
|
ونقلت منه في
أبن طليب المصري وقد احترقت داره :
انظر إلى
الأيام كيف تسوقنا
|
|
قسرا إلى
الإقرار بالأقدار
|
ما أوقد ابن
طليب قط بداره
|
|
نارا وكان
خرابها بالنار
|
وله يصف ضعفه :
فاعجب لضعف
يدي عن حملها قلما
|
|
من بعد حطم
القنا في لبّة الأسد
|
أقول : راجع في
حوادث سنة ٥٥٢ في أخبار بني منقذ حكاية قتله للأسد.
قال ابن خلكان
: ونقلت من ديوانه أيضا أبياتا كتبها إلى أبيه مرشد جوابا عن أبيات كتبها أبوه وهي
:
وما أشكو
تلون أهل ودي
|
|
ولو أجدت
شكيّتهم شكوت
|
مللت عتابهم
ويئست منهم
|
|
فما أرجوهم
فيمن رجوت
|
إذا أدمت
قوارضهم فؤادي
|
|
كظمت على
أذاهم وانطويت
|
ورحت عليهم
طلق المحيّا
|
|
كأني ما سمعت
ولا رأيت
|
تجنّوا لي
ذنوبا ما جنتها
|
|
يداي ولا
أمرت ولا نهيت
|
ولا والله ما
أضمرت غدرا
|
|
كما قد
أظهروه ولا نويت
|
ويوم الحشر
موعدنا وتبدوا
|
|
صحيفة ما
جنوه وما جنيت
|
ويحكم بيننا
المولى بعدل
|
|
فويل للخصوم
إذا ادّعيت
|
وله بيتان في
هذا الروي والوزن كتبهما في صدر كتاب إلى بعض أهل بيته في غاية الرقة والحسن وهما
:
شكا ألم
الفراق الناس قبلي
|
|
وروّع بالنوى
حيّ وميت
|
وأما مثل ما
ضمت ضلوعي
|
|
فإني ما سمعت
ولا رأيت
|
ونقلت من خط
الأمير أبي المظفر أسامة بن منقذ المذكور لنفسه وقد قلع ضرسه وقال : عملتهما ونحن
بظاهر خلاط وهو معنى غريب ويصلح أن يكون لغزا في الضرس :
وصاحب لا
أملّ الدهر صحبته
|
|
يشقى لنفعي
ويسعى سعي مجتهد
|
لم ألقه مذ
تصاحبنا فحين بدا
|
|
لناظريّ
افترقنا فرقة الأبد
|
قال العماد
الكاتب : وكنت أتمنى أبدا لقياه وأشيم على البعد حياه ، حتى لقيته سنة إحدى وسبعين
وسألته عن مولده فقال : سنة ثمان وثمانين وأربعمائة بقلعة شيزر ، وتوفي
__________________
في الثالث والعشرين من شهر رمضان سنة أربع وثمانين وخمسمائة بدمشق ودفن في
جبل قاسيون ، وتوفي والده أبو أسامة مرشد سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة. وشيزر بفتح
الشين والزاي قلعة بالقرب من حماة وهي معروفة بهم ا ه (ابن خلكان).
قال جرجي زيدان
في تاريخه آداب اللغة العربية (صحيفة ١٦ مجلد ٣) : ويمتاز المترجم عمن سواه من المؤرخين
أنه أرخ نفسه ووصف سيرة حياته ورحلاته وذكر كثيرا من حوادث تلك الأيام وعادات
أهلها وآدابها ، وشاهد في أسفاره أمورا وصفها ، وفي جملتها وقائع مع الصليبيين.
وهاك مؤلفاته :
(١) ـ كتاب
الاعتبار : هو رحلته المشار إليها ، نشرت في باريس سنة ١٨٨٦ واستخرج المستشرقون
منها فوائد اجتماعية عن ذلك العصر.
(٢) ـ البديع :
رتبه على ٩٥ بابا أولها التجنيس وآخرها التهذيب ، منه نسخة في المكتبة السلطانية (بمصر)
ا ه.
وفي مجلة
المجمع العلمي الدمشقي في المجلد الأول أن كتاب الاعتبار طبع بعناية هتربوغ درنبرغ
في ليدن (هولندة) سنة ١٨٨٤ وعليه تعاليق إفرنسية في ٢٠٢ صفحة وله فهارس مفيدة ا ه.
فعلى هذا يكون كتاب الاعتبار طبع مرتين.
١٣١ ـ عبد الله بن أبي عصرون المتوفى سنة ٥٨٥
أبو سعد عبد
الله بن أبي السري محمد بن هبة الله بن مطهر بن علي بن أبي عصرون ابن أبي السرى
التميمي الحديثي ثم الموصلي الفقيه الشافعي الملقب شرف الدين ، كان من أعيان
الفقهاء وفضلاء عصره وممن سار ذكره وانتشر أمره ، قرأ في صباه القرآن الكريم
بالعشر على أبي الغنائم السلمي السروجي والبارع أبي عبد الله بن الدباس وأبي بكر
المرزقي وغيرهم ، وتفقه أولا على القاضي المرتضي أبي محمد عبد الله بن القاسم
الشهرزوري وعلى أبي عبد الله الحسن بن خميس الموصلي ثم على أسعد الميهني ببغداد ،
وأخذ الأصول عن أبي الفتح بن برهان الأصولي وقراء الخلاف. وتوجه إلى مدينة واسط
وقرأ على قاضيها الشيخ أبي علي الفارقي وأخذ عنه فوائد المهذب ، ودرس بالموصل في سنة
ثلاث وعشرين وخمسمائة ، وأقام بسنجار مدة ، ثم انتقل إلى حلب في سنة خمس وأربعين ،
ثم قدم دمشق
لما ملكها الملك العادل نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي في صفر سنة تسع
وأربعين وخمسمائة ، ودرس بالزاوية الغربية من جامع دمشق ، وتولى أوقاف المساجد ،
ثم رجع إلى حلب وأقام بها وصنف كتبا كثيرة في المذهب منها : «صفوة المذهب في نهاية
المطلب» في سبع مجلدات وكتاب «الانتصار» (لمذهب الإمام الشافعي كما في كشف الظنون)
في أربع مجلدات ، وكتاب «المرشد» في مجلدين ، وكتاب «الذريعة في معرفة الشريعة» ،
وصنف «التيسير في الخلاف» أربعة أجزاء ، وكتابا سماه «مأخذ النظر» و «مختصرا في
الفرائض» وكتابا سماه «الإرشاد المعرب في نصرة المذهب» ولم يكمله ، وذهب فيما نهب
له بحلب ، واشتغل عليه خلق كثير وانتفعوا به. وتعين بالشام وتقدم عند نور الدين
صاحب الشام وبنى له المدارس بحلب وحمص وحماة وبعلبك وغيرها ، وتولى القضاء بسنجار
ونصيبين وحران وغيرها من ديار بكر ، ثم عاد إلى دمشق سنة سبعين وخمسمائة وتولى
القضاء بها في سنة ثلاث وسبعين ، ثم عمي في آخر عمره قبل موته بعشر سنين ، وابنه
محيي الدين محمد ينوب عنه وهو باق على القضاء ، ثم صنف جزءا لطيفا في جواز قضاء
الأعمى وهو على خلاف مذهب الإمام الشافعي. ورأيت في كتاب الزوائد تأليف أبي الحسن
العمراني صاحب كتاب «البيان» وجها أنه يجوز وهو غريب ، لم أره في غير هذا الكتاب.
ووقع لي كتاب جميعه بخط السلطان صلاح الدين رحمهالله قد كتبه من دمشق إلى القاضي الفاضل وهو بمصر وفيه فصول
من جملتها حديث الشيخ شرف الدين المذكور وما حصل له من العمى وأنه يقول : إن قضاء
الأعمى جائز وإن الفقهاء قالوا إنه غير جائز ، فتجتمع بالشيخ أبي الطاهر بن عوف
الإسكندراني وتسأله عما ورد من الأحاديث في قضاء الأعمى هل يجوز أم لا. وبالجملة
فلا شك في فضله.
وقد ذكره أبو
القاسم بن عساكر في تاريخ دمشق ، وذكره العماد الكاتب في كتاب الخريدة وأثنى عليه
وقال : ختمت به الفتاوي ، وذكر له شيئا من الشعر. وأنشدني بعض المشايخ قال : سمعته
كثيرا ما ينشد ولا أعلم هل هماله أم لا. وذكرهما العماد الكاتب في الخريدة :
أؤمل أن أحيا
وفي كل ساعة
|
|
تمر بي
الموتى تهز نعوشها
|
وهل أنا إلا
مثلهم غير أن لي
|
|
بقايا ليال
في الزمان أعيشها
|
وأورد له أيضا
في الخريدة قوله :
أؤمل وصلا من
حبيب وإنني
|
|
على ثقة عما
قليل أفارقه
|
تجاري بنا
خيل الحمام كأنما
|
|
يسابقني نحو
الردى وأسابقه
|
فيا ليتنا
متنا معا ثم لم يذق
|
|
مرارة فقدي
لا ولا أنا ذائقه
|
وأورد له أيضا
:
يا سائلي كيف
حالي بعد فرقته
|
|
حاشاك مما
بقلبي من تنائيكا
|
قد أقسم
الدمع لا يجفو الجفون أسى
|
|
والنوم
لازارها حتى ألاقيكا
|
وأورد له أيضا
:
وما الدهر
إلا ما مضى وهو فائت
|
|
وما سوف يأتي
وهو غير محصّل
|
وعيشك فيما
أنت فيه فإنه
|
|
زمان الفتى
من مجمل ومفصّل
|
وكانت ولادته
سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة بالموصل ، وتوفي في رمضان سنة خمس وثمانين وخمسمائة
بمدينة دمشق ودفن في مدرسته التي أنشأها داخل البلد وهي معروفة به ، وزرت قبره
مرارا (ا ه ابن خلكان).
وقال الصلاح
الصفدي في «نكت الهميان» : وبنى له نور الدين المدارس بحلب وحماة وحمص وبعلبك ،
وبنى هو لنفسه مدرسة بحلب وأخرى بدمشق وأضر آخر عمره وهو قاض ، فصنف جزءا في قضاء
الأعمى وجوازه ، وقد تقدم الكلام على هذه المسألة في مقدمة الكتاب (أي نكت الهميان).
ثم ذكر له من المؤلفات بعد التي تقدمت كتاب «التنبيه في معرفة الأحكام» و «فوائد
المهذب» في مجلدين ، وقال إن له غير ذلك. (ثم قال) : وكتب القاضي الفاضل رحمة الله
جوابا لمن كتب إليه بموت القاضي : وصل كتاب حضرة القاضي جمع الله شملها ، وسر بها
أهلها ، ويسر إلى الخيرات سبلها ، وجعل في ابتغاء رضوانه قولها وفعلها ، وفيه
زيادة وهي نقص الإسلام ، وثلم في البرية تتجاوز رتبة الانثلام إلى الانهدام ، وذلك
ما قضاه الله تعالى من وفاة الإمام شرف الدين أبي عصرون رحمة الله عليه وما حصل بموته
من نقص الأرض من أطرافها ، ومن مساءة أهل الملة ومسرة أهل خلافها ، فلقد كان علما
للعلم منصوبا ، وبقية من بقايا السلف الصالح محسوبا.
__________________
وقد علم الله اغتمامي لفقد حضرته ، واستيحاشي لخلو الدنيا من بركته ،
واهتمامي بما عدمت من النصيب الموفور من أدعيته ا ه.
الكلام على المدرسة العصرونية
قال أبو ذر في
كنوز الذهب : كانت روضة العلماء ، وكانت أولا دارا لأبي الحسن علي بن أبي الثريا
وزير بني مرداس ، فانتقلت إلى نور الدين بالطريق الشرعي فجعلها مدرسة وجعل فيها
مساكن للمرتبين بها من الفقهاء ، وذلك في سنة خمسين وخمسمائة ، واستدعى لها من حلّ
بناحية سنجار ابن أبي عصرون ، فلما وصل إلى حلب ولي تدريس المدرسة المذكورة والنظر
فيها ، وهو أول من درّس بها فعرفت به. وبنى له نور الدين مدرسة بمنبج وبحماة وحمص
وبعلبك ودمشق ، وفوض إليه أن يولي التدريس فيها من شاء ، قاله ابن شداد. قلت :
وعلى بابها مكتوب بتولي ابن أبي عصرون. وهذه المدرسة بلغني من المتقدمين أنها
محصورة ، والدليل على ذلك ما تقدم من قول ابن شداد أنه جعل فيها مساكن للمرتبين
بها. وهذه المدرسة يدخل إلى داخلها بدرج ، ولها باب آخر من الغرب ، وبها قاعة
لمدرسها ، ووقف لها واقفها أوقافا حوانيت وقرى داخل حلب وخارجها. ثم بعد المحنة
التيمرية لما قدم المؤيد إلى حلب جدد سوقها وجعله نصفين نصفا لمدرسته بالقاهرة
ونصفا لهذه المدرسة وذلك بطريق شرعي ، فجزاه الله خيرا لأنه كان قادرا على
استيجاره بأجرة بخسة ، وذلك بإشارة شيخنا المؤرخ وتكلمه مع القاضي ناصر الدين بن
البارزي كاتب سره ، وقام بعمارته القاضي شهاب الدين بن السفاح ، ورتب والدي
الفقهاء على السوق المذكور. وفي سنة أربع وسبعين (وثمانمائة) عدد الفقهاء المرتبين
بها فوق المائة. ثم قال ما خلاصته :
أن القاضي عبد
الله بن عصرون لم يزل متوليا أمر تدريس هذه المدرسة تدريسا ونظرا إلى أن خرج إلى
دمشق سنة سبعين وخمسمائة ، ولما خرج استخلف فيها ولده نجم ، ولم يزل بها إلى أن
ولي قضاء حماة ، فخرج عنها واستناب فيها ابن أخيه عبد السلام. وهنا ساق أبو ذر
أسماء من ولي التدريس بها بما يطول ذكره إلى أن قال : وبعد المحنة التيمورية درّس
بها شيخنا المؤرخ دروسا حافلة سيما لما أن كافل حلب قصروه اعتنى بعمارة المدارس ،
فعمر شيخنا المدرسة المذكورة ودرّس بها وحضر معه الكافل وفضلاء حلب
كوالدي والشيخ عبيد والشيخ بدر الدين بن سلامة ، ثم درّس بها القاضي جمال
الدين الباعوني وعمر المدرسة في أيامه ولم يستثن أحدا من القطع بل قطع معلومه
أولا. ودرّس فيها الشريف الحسيني قاضي حلب دروسا محكمة تدل على سعة اطلاعه وهذا
آخر من درّس بها ا ه.
أقول : موقع هذه
المدرسة في محلة الفرافرة جنوبي الجامع المعروف الآن بجامع الحيّات ، وكانت خربة
مهجورة ، ففي سنة ١٢٩٩ سعى جميل باشا والي حلب في عمارة قبو كبير في غربيها عن
يمين الداخل من بابها واتخذ مكتبا ابتدائيا ، ثم عمر في جهتها الشرقية بعض حجر صار
يسكنها بعض الطلبة الغرباء ، ثم هجرت وصارت مسكنا للفقراء وبجانبها من جهة القبلة
قاسارية تدل هيئتها على أنها كانت حجر مدرسة ، ويغلب على الظن أنها كانت حجر
المدرسة الناصرية الآتي ذكرها ، وهذه القاسارية مع المدرسة العصرونية خربتهما
إدارة الأوقاف في هذه السنة (سنة ١٣٤٣) وهي مباشرة بتعميرهما دورا للسكنى يضاف
ريعها لواردات الأوقاف العامة.
المدرسة الناصرية
قال أبو ذر :
هذه المدرسة كانت قديما كنيسة لليهود تعرف بكنيسة مثقال ، ثم في سنة سبع وعشرين
وسبعمائة حكم قاضي القضاة كمال الدين بن الزملكاني بوجوب انتزاع هذه الكنيسة من
أيديهم وجعلها فيئا للمسلمين بعد أن ثبت عنده أنها محدثة في دار الإسلام ، وعمل
بها درسا يتعلق بهذه المسألة ، ثم بنيت الكنيسة المذكورة مدرسة للعلم ، وكتب إلى
السلطان الناصر فأمر بعمارة منارة لها وجعل فيها خطبة ، وسبب ذلك أنه كان يدرس
بالعصرونية التي إلى جانبها ، فسمع صوت اليهود فسأل عن ذلك فقيل له : إنها كنيسة ،
فتقدم بعض الحاضرين وشهد بما تقدم فحكم بذلك ا ه.
أقول : وقد نظم
الزين عمر بن الوردي قصيدة غراء في أخذ هذه الكنيسة وجعلها مدرسة للحديث مادحا بها
القاضي كمال الدين بن الزملكاني ، وهي في ديوانه المطبوع في صحيفة ٢٤٩ ومطلعها :
علا لك ذكر
ليس يشبهه ذكر
|
|
وأحرزت فخرا
ليس يدركه الفخر
|
وهي طويلة جدا.
وهذه المدرسة
تعرف الآن بجامع الحيّات كما تقدم ، وذلك لرسوم حيّات من الحجر في قنطرة بابها
الباقي إلى الآن ، وقد تقدم ذكرها وما كتب بالقلم العبراني على حجرة مبنية في
جدارها الشرقي في الجزء الأول (ص ٨٥) ، ولا يدرس فيها الآن ، وقبليتها عامرة تقام
فيها الصلوات والجمعة ، وأطراف صحنها من الجهات الثلاث خرب في حاجة إلى الترميم
لتعود إلى ما كانت عليه.
المدرسة الشهابية وتربتها
قال في الدر
المنتخب : هي تجاه الناصرية ، وهي من مدارس الحنفية بحلب ا ه.
وفي هذه
المدرسة تربة تدعى التربة الشهابية ذكرها أبو ذر في الكلام على الترب.
درب الدقصلارية
قال أبو ذر :
كانوا تسعة إخوة تجارا قبل فتنة تيمور يتجرون بسوق العصرونية ، وربما نسب السوق
إليهم ، ونزل عليهم السخومي شارح المصابيح وكان عالما دينا منقطعا عن الناس توفي
قبل تيمور. وارتحلوا من حلب قبل فتنة تيمور إلى القدس ، وسببه أن واحدا منهم لبس
تفصيلة جاءته من العجم ، فجسها شخص وسأله عن مقدار ثمنها ، فقال لأخوته : هذا بلد
لا يسكن ، وارتحلوا ، ولهم دار عظيمة واسعة الأرجاء ، وبهذا الدرب مسجد قديم له
منارة وبه المدرسة الكاملية ا ه.
المدرسة الكاملية
هذه المدرسة
بالقرب من الناصرية تجاه الدقصلارية ، أنشأها ابن كامل وسكنها الشيخ جمال الدين
يوسف الملطي الحنفي ، وترجمته في تاريخ والدي ا ه أبو ذر والدر المنتخب.
أقول : ولا أثر
لهذه المدارس الآن ، والذي هو أمام المدرسة الناصرية المعروفة الآن بجامع الحيّات
هو سبيل ماء وهو معطل الآن ، فعلى هذا تكون هذه المدارس قد دخلت في عمارة الخان
الكبير المعروف بخان الوزير في الجهة الشرقية منه.
١٣٢ ـ الشريف حمزة بن زهرة الإسحاقي الحسيني المتوفى سنة ٥٨٥
الشريف حمزة بن
زهرة الإسحاقي الحسيني أبو المكارم ، السيد الجليل الكبير القدر العظيم الشأن
العالم الكامل الفاضل ، المدرس المصنف المجتهد ، عين أعيان السادات والنقباء بحلب
، صاحب التصانيف الحسنة والأقوال المشهورة ، له عدة كتب ، وقبره بحلب بسفح جبل
جوشن عند مشهد الحسين له تربة معروفة مكتوب عليها اسمه إلى الإمام الصادق عليهالسلام وتاريخ موته أيضا. وجدهم محمد الممدوح الحراني بن أحمد
الحجازي ممدوح أبي العلاء المعري. وجمهور عقب إسحق المؤتمن ينتهي إلى محمد هذا.
قال العمري :
كان أبو إبراهيم لبيبا عاقلا ، ولم تكن له حال واسعة ، فزوجه الحسين الحراني ابن
عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن علي الخطيب العلوي العمري بنته خديجة المعروفة
بأم سلمة ، وكان أبو عبد الله الحسيني العمري متقدما بحرّان مستوليا عليها ، وقوي
أمر أولاده حتى استولوا على حرّان وملكوها على آل وثّاب. قال : فأيد أبو عبد الله
الحسين العمري أبا إبراهيم بماله وجاهه ، ونبغ أبو إبراهيم وتقدم وخلف أولادا سادة
فضلاء علماء نقباء وقضاة ذوي وجاهة وتقدم وجلالة. هذا كلامه. وعقبه الآن من رجلين
أبي عبد الله جعفر نقيب حلب ، وأبي سالم محمد ، ولأعقابهما توجه وعلم وسيادة ، فهم
أجلاء نقباء حلب وعلماؤها وقضاتها. ولهم تربة معروفة مشهورة ، رحمهمالله تعالى.
انتقل جدهم
محمد بن الحسين بن إسحق من المدينة إلى الكوفة ثم إلى الري ثم إلى حران ثم إلى حلب
وديارها.
هذا ما وقفت
عليه من ترجمة هذا الشريف الكبير في بعض الكتب ، وهي موجزة كما ترى ، ويغلب على
الظن أن له ترجمة واسعة في تاريخ الصاحب ابن العديم المسمى بغية الطلب ، ولم يصل
إلي إلا بعض هذا الكتاب كما ذكرت ذلك في المقدمة.
وقد أبقت أيدي
الزمان قبر المترجم في تربتهم الكائنة في سفح جبل جوشن جنوبي المشهد ، وبينه وبين
التربة أذرع ، وقد كانت تلك التربة مردومة فاكتشفت في شهر جمادى الأولى سنة ١٢٩٧.
وقد حاط المرحوم جميل باشا ما بقي من هذه التربة بجدران حفظا لها ، وقبر المترجم
ظاهر فيها ، وعلى أطرافه كتابة حسنة الخط وهذا نصها :
(بسم الله
الرحمن الرحيم هذه تربة الشريف الأوحد الطاهر ركن الدين بن أبي المكارم حمزة بن
علي بن زهرة بن علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحق ابن جعفر
الصادق صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الأئمة الطاهرين. وكانت وفاته في رجب
سنة خمس وثمانين وخمسمائة رضياللهعنه).
الكلام على نقابة الأشراف
قد علمت أن
المترجم كان نقيب الطالبيين في مدينة حلب. وسيأتيك في كتابنا الكثير من ذريته ممن
تولوا نقابة الأشراف فيها. ويظهر أن هذه الوظيفة دامت في هذا البيت الرفيع إلى ما
بعد الألف.
ونقابة الأشراف
وظيفة هامة في العالم الإسلامي ، وقد كان لها تأثير كبير في تربية البيوتات
الشريفة وإصلاح أحوالها وتدبير شؤونها مما أدى إلى إجلال الناس لهم واحترامهم
وتوقيرهم ووضعهم بالمكان الذي يليق بشرف نسبهم وكرم محتدهم ، فكان من ذلك اقتداء
الناس بهم واقتفاؤهم لأثرهم وطاعتهم لهم ونفوذ كلمتهم فيهم ، وكانوا يأتمرون
بأوامرهم ويذعنون لرغائبهم إلى غير ذلك مما يعود بعظيم الفائدة على هذا المجتمع.
ولما كان
الكثير من الناس لا يعلمون وظيفة نقابة الأشراف ولا الشروط التي يجب أن يتصف بها
النقباء أحببت أن أذكر ذلك هنا ناقلا هذا البحث الهام عن كتاب الآداب السلطانية
للإمام الماوردي رحمهالله ، قال :
(الباب الثامن في ولاية النقابة على ذوي الأنساب)
وهذه النقابة
موضوعة على صيانة ذوي الأنساب الشريفة عن ولاية من لا يكافئهم في النسب ولا
يساويهم في الشرف ليكون عليهم أحبي وأمره فيهم أمضى.
روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : (اعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم) فإنه لاقرب
بالرحم إذا قطعت وإن كانت قريبة ، ولا بعد بها إذا وصلت وإن كانت بعيدة.
وولاية هذه
النقابة تصح من إحدى ثلاث جهات ، إما من جهة الخليفة المستولي على كل الأمور ،
وإما ممن فوّض الخليفة إليه تدبير الأمور كوزير التفويض وأمير الإقليم ، وإما من
نقيب عام الولاية استخلف نقيبا خاص الولاية ، فإذا أراد المولى أن يولي على
الطالبيين
نقيبا أو على العباسيين نقيبا يخير منهم أجلهم بيتا وأكثرهم فضلا وأجزلهم
رأسا فيولى عليهم لتجتمع فيه شروط الرياسة والسياسة ، فيسرعوا إلى طاعته برياسته ،
وتستقيم أمورهم بسياسته.
والنقابة على
ضربين خاصة وعامة ، فأما الخاصة فهو أن يقتصر بنظره على مجرد النقابة من غير تجاوز
لها إلى حكم وإقامة حد ، فلا يكون العلم معتبرا في شروطها ويلزمه في النقابة على
أهله من حقوق النظر اثنا عشر حقا.
أحدها : حفظ
أنسابهم من داخل فيها وليس منها أو خارج عنها وهو منها ، فيلزمه حفظ الخارج منها
كما يلزمه حفظ الداخل فيها ليكون النسب محفوظا على صحته معزوا إلى جهته.
الثاني : تمييز
بطونهم ومعرفة أنسابهم حتى لا يخفى عليه منهم بنوات ولا يتداخل نسب في نسب ،
ويثبتهم في ديوانه على تمييز أنسابهم.
والثالث :
معرفة من ولد منهم من ذكر أو أنثى فيثبته ، ومعرفة من مات منهم فيذكره ، حتى لا
يضيع نسب المولود إن لم يثبته ولا يدعي نسب الميت غيره إن لم يذكره.
والرابع : أن
يأخذهم من الآداب بما يضاهي شرف أنسابهم وكرم محتدهم ، لتكون حشمتهم في النفوس
موفورة ، وحرمة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيهم محفوظة.
والخامس : أن
ينزههم عن المكاسب الدنيئة ، ويمنعهم من المطالب الخبيثة ، حتى لا يستقل منهم
مبتذل ، ولا يستضام منهم متذلل.
والسادس : أن
يكفهم عن ارتكاب المآثم ، ويمنعهم من انتهاك المحارم ، ليكونوا على الدين الذي
نصروه أغير ، وللمنكر الذي أزالوه أنكر ، حتى لا ينطق بذمهم إنسان ، ولا يشنأهم لسان.
والسابع : أن
يمنعهم من التسلط على العامة لشرفهم والتشطط عليهم لنسبهم ، فيدعوهم ذلك إلى المقت
والبغض ويبعثهم على المناكرة والبعد ، ويندبهم إلى استعطاف القلوب وتأليف النفوس ،
ليكون الميل إليهم أوفى والقلوب لهم أصفى.
والثامن : أن
يكون عونا لهم في استيفاء الحقوق حتى لا يضعفوا عنها ، وعونا عليهم في أخذ الحقوق
منهم حتى لا يمنعوا منها ، ليصيروا بالمعونة لهم منتصفين وبالمعونة عليهم منصفين ،
فإن من عدل السير فيهم إنصافهم وانتصافهم.
والتاسع : أن
ينوب عنهم في المطالبة بحقوقهم العامة في سهم ذوي القربى في الفيء والغنيمة الذي
لا يختص به أحدهم ، حتى يقسم بينهم بحسب ما أوجبه الله تعالى لهم.
والعاشر : أن
يمنع أياماهم أن يتزوجن إلا من الأكفاء لشرفهن على سائر النساء ، صيانة لأنسابهن
وتعظيما لحرمتهن إن يزوجن غير الولاة أو ينكحن غير الكفاة.
والحادي عشر :
أن يقوّم ذوي الهفوات منهم فيما سوى الحدود بما لا يبلغ به حدا ولا ينهر به دما ،
ويقيل ذا الهيئة منهم عثرته ويغفر بعد الوعظ زلته.
والثاني عشر :
مراعاة وقوفهم بحفظ أصولها وتنمية فروعها ، وإذا لم يرد إليه جبايتها راعى الجباة
لها فيما أخذوه وراعى قسمتها إذا قسموه ، وميز المستحقين لها إذا خصت ، وراعى
أوصافهم فيها إذا شرطت ، حتى لا يخرج منها مستحق ، ولا يدخل فيها غير محق.
وأما النقابة
العامة فعمومها أن يرد إليه في النقابة عليهم ما قدمناه من حقوق النظر خمسة أشياء
:
أحدها : الحكم
بينهم فيما تنازعوا فيه.
والثاني :
الولاية على أيتامهم فيما ملكوه.
والثالث :
إقامة الحدود عليهم فيما ارتكبوه.
والرابع :
تزويج الأيامى اللاتي لايتعين أولياؤهن أو قد تعين فعضلوهن.
والخامس :
إيقاع الحجر على من عته منهم أو سفه ، وفكّه إذا أفاق ورشد.
فيصير بهذه
الخمسة عام النقابة ، فيعتبر حينئذ في صحة نقابته وعقد ولايته أن يكون عالما من
أهل الاجتهاد ليصح حكمه وينفذ قضاؤه.
ثم ذكر هنا
الإمام الماوردي رحمهالله حكم قضائه وقضاء القضاة بين الأشراف بما فيه طول ،
فارجع إليه إن شئت.
وفي هذه
الأزمنة قد تبدلت هذه الأحوال وتغيرت تلك الأوضاع ، ولا يراعى في النقباء
شيء من هذه الشروط ، ولا يقومون بشيء من هذه الأعمال. وقد درست معالم تلك
الوظيفة الجليلة ولم يبق منها سوى اسمها ولله في خلقه شؤون.
١٣٣ ـ الأمير الفقيه عيسى الهكاري المتوفى سنة ٥٨٥
الفقيه أبو
محمد عيسى بن محمد بن عيسى بن محمد بن أحمد بن يوسف بن القاسم ابن عيسى بن محمد بن
القاسم بن محمد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضياللهعنه ، ويقال له الهكاري الملقب ضياء الدين.
كان أحد
الأمراء بالدولة الصلاحية كبير القدر وافر الحرمة معولّا عليه في الآراء
والمشورات. وكان في مبدأ أمره يشتغل بالفقه بالمدرسة الزجاجية بمدينة حلب ، فاتصل
بالأمير أسد الدين شيركوه عم صلاح الدين وصار إمامه يصلي به الفرائض الخمس. ولما
توجه الأمير أسد الدين إلى الديار المصرية وتولى الوزارة بها كان في صحبته. ولما
توفي أسد الدين اتفق الفقيه عيسى المذكور والطواشي بهاء الدين قراقوش على ترتيب
السلطان صلاح الدين موضعه في الوزارة ، ودققا الحيلة في ذلك حتى بلغا المقصود ،
فلما تولى صلاح الدين رأى له ذلك واعتمد عليه ولم يكن يخرج عن رأيه ، وكان كثير
الإدلال عليه يخاطبه بما لا يقدر عليه غيره من الكلام. وكان واسطة خير للناس نفع
بجاهه خلقا كثيرا.
ولم يزل على
مكانته وتوفر حرمته إلى أن توفي يوم الثلاثاء التاسع من ذي القعدة سنة خمس وثمانين
وخمسمائة بالمخيم بمنزلة الخرّوبة ، ثم نقل إلى القدس ودفن بظاهرها.
وكان يلبس زي
الأجناد ويعتم بعمائم الفقهاء فيجمع بين اللباسين. والخرّوبة بفتح الخاء وتشديد
الراء موقع بالقرب من عكا ا ه ابن خلكان.
وترجمه السبكي
في طبقاته فقال : هو الأمير ضياء الذين عيسى بن محمد الهكاري الفقيه المحقق أكبر
أمراء الدولة الصلاحية ، تفقه بالجزيرة على الإمام أبي القاسم بن البرزي ، ثم
انتقل إلى حلب وسمع الحديث من الحافظين أبي طاهر السلفي وأبي القاسم بن عساكر وحدث.
سمع منه القاضي محمد بن علي الأنصاري وغيره.
وكان من مبادي
سعده أنه اتصل بخدمة الملك أسد الدين شيركوه وصار إمامه في
الصلوات ، وتوجه معه إلى مصر. وكان أحد الأسباب المعينة على سلطنة صلاح
الدين بعد عمه ، فمن ثم رعى له السلطان هذه الخدمة ، وكان ذا شجاعة وشهامة فأمّره
أسد الدين ، ثم رفع صلاح الدين منزلته ونقله من إمرة إلى إمرة حتى صار أكبر أمراء
الدولة ، وأسر مرة.
مات بمخيمه على
حصار عكا وهو مجاهد للفرنج ا ه.
آثاره بحلب
قال أبو ذر في
كلامه على الجوامع : وفي بانقوسا جامع تقام فيه الخطبة يعرف بعيسى الكردي الهكاري
، كان شحنة الشرطة بحلب ا ه. ومثله في الدر المنتخب ولا أدري أي جامع هو.
١٣٤ ـ الشيخ عبد الله الحراكي المتوفى سنة ٥٨٦
عبد الله بن
محمد بن علي بن الحسين بن أبي القاسم بن أبي الحسن علي بن كمال الدين محمد بن
الحسن بن محمد بن علي الزاهد بن محمد الأقساسي بن يحيى ذي الدمعة بن الحسين ذي
العبرة بن زيد الشهيد بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضياللهعنه ، السيد الشريف الحسيب الشيخ الصالح الجليل الأصيل
العريق القدوة الزاهد العابد الورع الناسك السالك المسلك المحقق المدقق.
(قال بعد أن
أطال في وصفه) :
تعبد في جبال
فلسطين بعد نزوله من المدينة المشرفة ، ثم نزل قرية من حوران تسمى بحراك فنسب
إليها ، ونزل إلى الشام في أيام الشيخ رسلان الدمشقي ، وكان شيخ التصوف بها ، حتى
غارت منه مشايخ الشام ، وظهر له من الكرامات ما لا يمكن العبارة عنه من الكشف
الحقيقي والإلهام الرباني والإتصال النبوي. واجتمع عليه عالم كبير من المترددين
عليه ما خشي به على نفسه أن يشغله ذلك عن حال المراقبة.
وكان من مناقبه
رحمهالله أنه ما رفع طرفه إلى السماء أبدا من الحياء من الله.
فلما كثر عليه
الناس ارتحل منها إلى حمص فكثر عليه الناس وتلمذ له الغالب من أهلها
واشتهرت كراماته ، حتى خشي على نفسه أن يشغله ذلك عن حال المراقبة من
ازدحام الناس عليه ، فارتحل منها وتوجه إلى معرة النعمان ، فازدحم عليه الناس فخشي
أن يشغله ذلك عن حال المراقبة ، فارتحل منها إلى الغرزل من عملها ، فأقام بها
واستوطنها. وأتته الناس من العراق وأطراف الشام وتلمذ له مالا يمكن حصرهم ، وتوفي
بها سنة ست وثمانين وخمسمائة ، وبني عليه مشهد ، وأسلم يوم وفاته جماعة من النصارى
، ولم يعقب سوى خلفه أبي الحسن علي ، وكان مقاربا لوالده في الزهد والعبادة والعلم
والحال ، رحمهماالله تعالى ، ومنه الطائفة الطاهرة القاطنة بمعرة النعمان
ولهم الزاوية المشهورة بها ا ه (من بعض المجامع الحلبية).
١٣٥ ـ أبو الفتوح يحيى بن حبش السهروردي المتوفى سنة ٥٨٧
قال ابن خلكان
: أبو الفتوح يحيى بن حبش بن أميرك الملقب شهاب الدين السهروردي الحكيم المقتول
بحلب ، وقيل اسمه أحمد ، وقيل كنيته اسمه ، وهو أبو الفتوح.
وذكر أحمد بن
أبي أصيبعة في «طبقات الأطباء» أن اسم السهروردي المذكور عمر ولم يذكر اسم أبيه.
والصحيح الذي ذكرته أولا ، فلهذا بنيت الترجمة عليه ، فإني وجدته بخط جماعة من أهل
المعرفة بهذا الفن ، وأخبرني به جماعة أخرى لا أشك في معرفتهم ، فقوي عندي ذلك
فترجمت عليه والله أعلم.
كان المذكور من
علماء عصره ، قرأ الحكمة وأصول الفقه على الشيخ مجد الدين الجيلي بمدينة المراغة
من أعمال آذربيجان إلى أن برع فيهما. ومجد الدين الجيلي هذا هو شيخ فخر الدين
الرازي وعليه تخرج وبصحبته انتفع ، وكان إماما في فنونه.
وقال في «طبقات
الأطباء». كان السهروردي المذكور أوحد أهل زمانه في العلوم الحكمية ، جامعا للعلوم
الفلسفية ، بارعا في الأصول الفقهية ، مفرط الذكاء فصيح العبارة ، وكان علمه أكثر
من عقله. ثم ذكر أنه قتل في أواخر سنة ست وثمانين وخمسمائة. والصحيح ما سنذكره في
أواخر هذه الترجمة إن شاء الله تعالى وعمره نحو ست وثلاثين سنة.
ثم قال هو وابن
أبي أصيبعة : وله تصانيف ، فمن ذلك كتاب التنقيحات في أصول
الفقه. وكتاب التلويحات اللوحية والعرشية . كتاب الألواح العمادية ألفه لعماد الدين أبي بكر بن قرا
أرسلان بن داود بن أرتق صاحب خرت برت. كتاب المقاومات وهو لواحق على كتاب
التلويحات. كتاب هياكل النور . كتاب المطارحات . كتاب المعارج. كتاب اللمحة. كتاب حكمة الإشراق. وله
الرسالة المعروفة بالغربة الغريبة على مثال رسالة الطير لأبي علي بن سينا ورسالة
حي بن يقظان لابن سينا أيضا وفيها بلاغة تامة أشار فيها إلى حديث النفس وما يتعلق
بها على اصطلاح الحكماء.
قال ابن أبي
أصيبعة : حدثني الشيخ سديد الدين محمود بن عمر قال : كان شهاب الدين السهروردي قد
أتى إلى شيخنا فخر الدين المارديني ، وكان يتردد إليه في أوقات وبينهما صداقة ،
وكان الشيخ فخر الدين يقول لنا : ما أذكى هذا الشاب وأفصحه ، ولم أجد أحدا مثله في
زماني ، إلا أني أخشى عليه لكثرة تهوره واستهتاره وقلة تحفظه أن يكون ذلك سببا
لتلافه. قال : فلما فارقنا شهاب الدين السهروردي من الشرق وتوجه إلى الشام أتى إلى
حلب وناظر بها الفقهاء ولم يجاره أحد ، فكثر تشنيعهم عليه ، فاستحضره السلطان
الملك الظاهر غازي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ، واستحضر الأكابر من
المدرسين والفقهاء والمتكلمين ليسمع ما يجري بينهم وبينه من المباحث والكلام ،
فتكلم معهم بكلام كثير وبان له فضل عظيم وعلم باهر ، وحسن موقعه عند الملك الظاهر
وقربه وصار مكينا عنده مختصا به ، فازداد تشنيع أولئك عليه وعملوا محاضر بكفره
وسيروها إلى دمشق إلى الملك الناصر صلاح الدين وقالوا : إن بقي هذا فإنه يفسد
اعتقاد الملك الظاهر ، وكذا إن أطلق فإنه يفسد أي ناحية كان بها من البلاد ،
وزادوا عليه أشياء كثيرة من ذلك ، فبعث صلاح إلى ولده الملك الظاهر بحلب كتابا في
حقه بخط القاضي الفاضل وهو يقول فيه : إن هذا السهروردي لابد من قتله ولا سبيل أنه
يطلق ولا يبقى بوجه من الوجوه.
__________________
ولما بلغ شهاب
الدين السهروردي ذلك وأيقن أنه يقتل وليس جهة إلى الافراج عنه اختار أنه يترك في
مكان منفرد ويمنع من الطعام والشراب إلى أن يلقى الله تعالى ، ففعل به ذلك. وكان
في أواخر سنة ست وثمانين وخمسمائة بقلعة حلب ، وكان عمره نحو ست وثلاثين سنة.
قال الشيخ سديد
الدين محمود بن عمر : ولما بلغ شيخنا فخر الدين المارديني قتله قال لنا : أليس كنت
قلت عن هذا من قبل وكنت أخشى عليه منه.
أقول (من كلام
ابن أبي أصيبعة) : ويحكى عن شهاب الدين السهروردي أنه كان يعرف علم السيميا وله
نوادر شوهدت عنه من هذا الفن ، ومن ذلك حدثني الحكيم إبراهيم ابن أبي الفضل بن
صدقة أنه اجتمع به وشاهد منه ظاهر باب الفرج وهم يتمشون إلى ناحية الميدان الكبير
ومعه جماعة من التلاميذ وغيرهم ، وجرى ذكر هذا الفن وبدائعه وما يعرف الشيخ منه
وهو يسمع ، فمشى قليلا وقال : ما أحسن دمشق وهذه المواضع! قال : فنظرنا وإذا من
ناحية الشرق جواسق عالية متدانية بعضها إلى بعض مبيضة وهي من أحسن ما يكون بناية
وزخرفة ، وبها طاقات كبار فيها نساء ما يكون أحسن منهن قط ، وأصوات مغان وأشجار
متعلقة بعضها مع بعض ، وأنهر جارية كبار لم نكن نعرف ذلك من قبل. فبقينا نتعجب من
ذلك وتستحسنه الجماعة وانذهلوا لما رأوا. قال الحكيم إبراهيم : فبقينا كذلك ساعة.
ثم غاب عنا وعدنا إلى رؤية ما كنا نعرفه من طول الزمان ، قال لي : إلا أني عند
رؤية تلك الحالة الأولى العجيبة بقيت أحس في نفسي كأنني في سنة خفية ، ولم يكن
إدراكي كالحالة التي أتحققها مني.
وحدثني بعض
فقهاء العجم قال : كنا مع الشيخ شهاب الدين عند القابون ونحن مسافرون عن دمشق ،
فلقينا قطيع غنم مع تركمان فقلنا للشيخ : يا مولانا ، نريد من هذه الغنم رأسا
نأكله ، فقال : معي عشرة دراهم خذوها واشتروا بها رأس غنم. وكان ثم تركماني
فاشترينا منه رأسا بها ومشينا ، فلحقنا رفيق له وقال : ردوا الرأس وخذوا أصغر منه
، فإن هذا ما عرف يبيعكم ، يسوى هذا الرأس البختي الذي معكم أكثر من الذي قبض
منكم. وتقاولنا نحن وإياه. ولما عرف الشيخ ذلك قال لنا : خذوا الرأس وامشوا وأنا
أقف معه وأرضيه ، فتقدمنا وبقي الشيخ يتحدث معه ويمنيه ، فلما أبعدنا قليلا تركه
وتبعنا وبقي التركماني يمشي خلفه ويصيح به وهو لا يلتفت إليه ، ولا لم
يكلمه لحقه بغيظ وجذب يده اليسرى وقال : أين تروح وتخليني؟ وإذا بيد الشيخ قد
انخلعت من عند كتفه وبقيت في يد التركماني ودمها يجري ، فبهت التركماني وتحير في
أمره ، ورمى اليد وخاف ، فرجع الشيخ وأخذ تلك اليد بيده اليمنى ولحقنا ، وبقي
التركماني راجعا وهو يتلفت إلينا حتى غاب ، ولما وصل الشيخ إلينا رأينا في يده
اليمنى منديله لا غير.
وحدثني صفي
الدين خليل بن أبي الفضل الكاتب قال : حدثنا الشيخ ضياء الدين ابن صقر رحمهالله تعالى أن في سنة خمسمائة وتسع وسبعين قدم إلى حلب الشيخ
شهاب الدين السهروردي ونزل في مدرسة الحلاوية ، وكان مدرسها يومئذ الشريف رئيس
الحنفية افتخار الدين رحمهالله ، فلما حضر شهاب الدين الدرس وبحث مع الفقهاء وكان لابس
دلق وهو مجرد بإبريق وعكاز خشب ، وما كان أحد يعرفه ، فلما بحث وتميز بين الفقهاء
وعلم افتخار الدين أنه فاضل أخرج له ثوبا عتابيا وغلالة وبقيارا وقال لولده : تروح
إلى هذا الفقير وتقول له : والدي يسلّم عليك ويقول لك : أنت رجل فقيه وتحضر الدرس
بين الفقهاء ، وقد سير لك شيئا تكون تلبسه إذا حضرت ، فلما وصل إلى الشيخ شهاب
الدين وقال له ما أوصاه سكت ساعة وقال : يا ولدي حط هذا القماش وتفضل اقض لي حاجة
، وأخرج له فص بلخش في قدر بيضة الدجاجة رمّاني ما ملك أحد مثله في قده ولونه وقال
: تروح إلى السوق تنادي على هذا الفص ، ومهما جاب لا تطلق بيعه حتى تعرفني. فلما
وصل به إلى السوق قعد عند العريف ونادى على الفص ، فانتهى ثمنه إلى مبلغ خمسة
وعشرين ألف درهم ، فأخذه العريف وطلع إلى الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين وهو
يومئذ صاحب حلب وقال : هذا الفص قد جاب هذا الثمن ، فأعجب الملك الظاهر قده ولونه
وحسنه فبلغه إلى ثلاثين ألف درهم ، فقال العريف : حتى أنزل إلى ابن افتخار الدين
وأقول له. وأخذ الفص ونزل إلى السوق وأعطاه له وقال له : رح شاور والدك على هذا
الثمن. واعتقد العريف أن الفص لافتخار الدين ، فلما جاء إلى شهاب الدين السهروردي
وعرفه بالذي جاب الفص صعب عليه وأخذ الفص وجعله على حجر وضربه بحجر آخر حتى فتته ،
وقال لولد افتخار الدين : خذ يا ولدي هذه الثياب ورح إلى والدك قبّل يده عني وقل
له : لو أردنا الملبوس ما غلبنا عنه ، فراح إلى افتخار الدين وعرّفه صورة ما جرى ،
فبقي حائرا في قضيته.
وأما الملك الظاهر
فإنه طلب العريف وقال : أريد الفص ، فقال : يا مولانا أخذه صاحبه ابن الشريف
افتخار الدين مدرس الحلاوية ، فركب السلطان ونزل إلى المدرسة وقعد في الإيوان وطلب
افتخار الدين إليه وقال : أريد الفص ، فعرّفه أنه لشخص فقير نازل عنده ، قال :
فأفكر السلطان ثم قال : يا افتخار الدين ، إن صدق حدسي فهذا شهاب الدين السهروردي.
ثم قام السلطان
واجتمع بشهاب الدين وأخذه معه إلى القلعة وصار له شأن عظيم وبحث مع الفقهاء في
سائر المذاهب وعجّزهم ، واستطال على أهل حلب وصار يكلمهم كلام من هو أعلى قدرا
منهم ، فتعصبوا عليه وأفتوا في دمه حتى قتل. وقيل إن الملك الظاهر سير إليه من
خنقه.
قال : ثم إن
الملك الظاهر بعد مدة نقم على الذين أفتوا في دمه وقبض على جماعة منهم واعتقلهم
وأهانهم وأخذ منهم أموالا عظيمة.
وذكر الشيخ
أحمد الملا في مختصره لتاريخ الذهبي ومن خطه نقلت قال : ونقل عن الموفق يعيش
النحوي قال : لما تكلموا في السهروردي قال له تلميذ له : قد كثر القول بأنك تقول
النبوة مكتسبة فاخرج بنا ، فقال : اصبر عليّ أياما حتى نأكل البطيخ ونروح ، فإن بي
طرفا من السل وهو يوافقه ، ثم خرج إلى قرية دوير ابن الخشاب وبها محفرة تراب وبها
بطيخ مليح ، فأقام بها عشرة أيام ، فجاء يوما المحفرة وحفر في أسفلها فطلع له حصى
، فأخذه ودهنه بدهن معه ولفه في قطن وتحمله في وسطه ووسط أصحابه أياما ، ثم أحضر
بعض من يحك الجوهر فحكه فظهر كله ياقوتا أحمر ، فباع منه ووهب ، ولما قتل وجد منه
شيء في وسطه ا ه.
وقال ابن أبي
أصيبعة : حدثني سديد الدين محمود بن عمر المعروف بابن رقيقة قال : كان الشيخ شهاب
السهروردي رث البزة لا يلتفت إلى ما يلبسه ولا له احتفال بأمور الدنيا ، قال :
وكنت أنا وإياه نتمشى في جامع ميّافارقين وهو لابس جبة قصيرة مصرية زرقاء وعلى
رأسه فوطة مفتولة وفي رجليه زربول ، ورآني صديق لي فأتى إلى جانبي وقال : ما جئت
تماشي إلا هذه الخربندا؟ فقلت له : اسكت ، هذا سيّد الوقت شهاب الدين السهروردي ،
فتعاظم قولي وتعجب ومضى.
وحدثني بعض أهل
حلب قال : لما توفي شهاب الدين رحمهالله ودفن بظاهر مدينة حلب وجد مكتوبا على قبره (الشعر قديم)
:
قد كان صاحب
هذا القبر جوهرة
|
|
مكنونة قد
براها الله من شرف
|
فلم تكن تعرف
الأيام قيمته
|
|
فردها غيرة
منه إلى الصدف
|
ومن كلامه قال
في دعاء : اللهم يا قيام الوجود وفائض الجود ، ومنزل البركات ومنتهي الرغبات ،
منور النور ومدبر الأمور ، واهب حياة العالمين ، امددنا بنورك ووفقنا لمرضاتك ،
وألهمنا رشدك وطهرنا من رجس الظلمات ، وخلصنا من غسق الطبيعة إلى مشاهدة أنوارك
ومعاينة أضوائك ، ومجاورة مقربيك وموافقة سكان ملكوتك ، واحشرنا مع الذين أنعمت
عليهم من الملائكة والصديقين والأنبياء والمرسلين.
قال ابن خلكان
: ومن كلامه : الفكر في صورة قدسية يتلطف بها طالب الأريحية ، ونواحي القدس دار لا
يطأها القوم الجاهلون ، وحرام على الأجساد المظلمة أن تلج ملكوت السموات ، فوحد
الله وأنت بتعظيمه ملآن ، واذكره وأنت من ملابس الأكوان عريان ، ولو كان في الوجود
شمسان لانطمست الأركان ، وأبى النظام أن يكون غير ما كان.
(مفرد).
فخفيت حتى
قلت لست بظاهر
|
|
وظهرت من سعي
على الاكوان
|
آخر :
لو علمنا
أننا ما نلتقي
|
|
لقضينا من
سليمى وطرا
|
اللهم خلص
لطيفي من هذا العالم الكثيف.
وتنسب إليه
أشعار ، فمن ذلك ما قاله في النفس على مثال أبيات ابن سينا العينية ، وهي مذكورة
في ترجمته فقال هذا الحكيم :
خلعت هياكلها
بجرعاء الحمى
|
|
وصبت لمغناها
القديم تشوّقا
|
وتلفتت نحو
الديار فشاقها
|
|
ربع عفت
أطلاله فتمزّقا
|
وقفت تسائله
فرد جوابها
|
|
رجع الصدى أن
لا سبيل إلى اللقا
|
فكأنها برق
تألق بالحمى
|
|
ثم انطوى
فكأنه ما أبرقا
|
ومن شعره
المشهور قوله :
أبدا تحن
إليكم الأرواح
|
|
ووصالكم
ريحانها والراح
|
وقلوب أهل
ودادكم تشتاقكم
|
|
وإلى لذيذ
لقاكم ترتاح
|
وارحمة
للعاشقين تكلفوا
|
|
ستر المحبة
والهوى فضّاح
|
بالسرّ إن
باحوا تباح دماؤهم
|
|
وكذا دماء
العاشقين تباح
|
وإذا هم
كتموا تحدّث عنهم
|
|
عند الوشاة
المدمع السفّاح
|
وبدت شواهد
للسقام عليهم
|
|
فيها لمشكل
أمرهم إيضاح
|
خفضوا الجناح
لكم وليس عليهم
|
|
للصب في خفض
الجناح جناح
|
فإلى لقاكم
نفسه مرتاحة
|
|
وإلى رضاكم
طرفه طمّاح
|
عودوا بنور
الوصل من غسق الجفا
|
|
فالهجر ليل
والوصال صباح
|
صافاهم فصفوا
له فقلوبهم
|
|
في نورها
المشكاة والمصباح
|
وتمتعوا
فالوقت طاب بقربكم
|
|
راق الشراب
ورقّت الأقداح
|
مترنحا وهو
الغزال الشارد
|
|
وبخده
الصهباء والتفاح
|
وبثغره الشهد
الشهيّ وقد بدا
|
|
في أحسن
الياقوت منه أفاح
|
يا صاح ليس
على المحب ملامة
|
|
إن لاح في
أفق الوصال صباح
|
لا ذنب
للعشاق إن غلب الهوى
|
|
كتمانه فنمى
الغرام فباحوا
|
سمحوا
بأنفسهم وما بخلوا بها
|
|
لما دروا أن
السماح رباح
|
ودعاهم داعي
الحقائق دعوة
|
|
فغدوا بها
مستأنسين وراحوا
|
ركبوا على
سنن الوفا ودموعهم
|
|
بحر وشدّة
شوقهم ملّاح
|
والله ما
طلبوا الوقوف ببابه
|
|
حتى دعوا
وأتاهم المفتاح
|
لا يطربون
لغير ذكر حبيبهم
|
|
أبدا فكل
زمانهم أفراح
|
حضروا وقد
غابت شواهد ذاتهم
|
|
فتهتكوا لما
رأوه وصاحوا
|
أفناهم عنهم
وقد كشفت لهم
|
|
حجب البقا
فتلاشت الأرواح
|
فتشبهوا في
أن تكونوا مثلهم
|
|
إن التشبه
بالكرام فلاح
|
قم يا نديم
إلى المدام فهاتها
|
|
في كاسها قد
دارت الأقداح
|
من كرم إكرام
بدنّ ديانة
|
|
لا خمرة قد
داسها الفلّاح
|
وله في النظم
والنثر أشياء لطيفة لا حاجة إلى الإطالة بذكرها.
وكان شافعي
المذهب ، ويلقب بالمؤيد بالملكوت ، وكان يتهم بانحلال العقيدة والتعطيل ويعتقد
مذهب الحكماء المتقدمين ، واشتهر ذلك عنه ، فلما وصل إلى حلب أفتى علماؤها بإباحة
قتله بسبب اعتقاده وما ظهر لهم من سوء مذهبه. وكان أشد الجماعة عليه الشيخان زين
الدين ومجد الدين أبناء جهبل.
وقال الشيخ سيف
الدين الآمدي المقدم ذكره في حرف العين : اجتمعت بالسهروردي في حلب فقال لي : لابد
أن أملك الأرض ، فقلت له : من أين لك هذا؟ قال : رأيت في المنام كأني شربت ماء
البحر ، فقلت : لعل هذا يكون اشتهار العلم وما يناسب هذا ، فرأيته لا يرجع عما وقع
في نفسه ، ورأيته كثير العلم قليل العقل.
ويقال إنه لما
تحقق القتل كان كثيرا ما ينشد :
أرى قدمي
أراق دمي
|
|
وهان دمي فها
ندمي
|
والأول مؤخوذ
من قول أبي الفتح علي بن محمد البستي :
إلى حتفي مشى
قدمي
|
|
أرى قدمي
أراق دمي
|
فلم أنفكّ من
ندم
|
|
وليس بنافعي
ندمي
|
وكان ذلك في
دولة الملك الظاهر صاحب حلب ابن السلطان صلاح الدين رحمهالله ، فحبسه ثم خنقه بإشارة والده السلطان صلاح الدين ،
وكان ذلك في خامس رجب سنة سبع وثمانين بقلعة حلب وعمره ثمان وثلاثون سنة.
وقال القاضي
بهاء الدين المعروف بابن شداد قاضي حلب في أوائل سيرة صلاح الدين : وكان رحمهالله عليه كثير التعظيم لشعائر الدين ، يقول ببعث الأجسام
ونشورها ، ومجازاة المحسن بالجنة والمسيء بالنار ، مصدقا بجميع ما وردت به الشرائع
، منشرحا بذلك صدره ، مبغضا للفلاسفة والمعطلة ومن يعاند الشريعة. ولقد أمر ولده
صاحب حلب الملك الظاهر أعز الله أنصاره بقتل شاب نشأ يقال له السهروردي قيل عنه
إنه كان معاندا للشرائع مبطلا ،
وكان قد قبض عليه ولده المذكور لما بلغه من خبره وعرّف السلطان به ، فأمر
بقتله فطلبه أياما فقتله .
ونقل سبط ابن
الجوزي في تاريخه عن ابن شداد المذكور أنه قال : لما كان يوم الجمعة بعد الصلاة
سلخ ذي الحجة سنة سبع وثمانين وخمسمائة أخرج الشهاب السهروردي ميتا من الحبس بحلب
، فتفرق عنه أصحابه. قلت : وأقمت بحلب سنين للاشتغال بالعلم الشريف ورأيت أهلها
مختلفين في أمره وكل واحد يتكلم على قدر هواه ، فمنهم من ينسبه إلى الزندقة
والإلحاد ، ومنهم من يعتقد فيه الصلاح وأنه من أهل الكرامات ، ويقولون ظهر لهم بعد
قتله ما يشهد له بذلك . وأكثر الناس على أنه كان ملحدا لا يعتقد شيئا نسأل
الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة ، وأن يتوفانا
على مذهب أهل الحق والرشاد.
وهذا الذي
ذكرته في تاريخ قتله هو الصحيح وهو خلاف ما نقلته في أول هذه الترجمة.
وحبش بفتح
الحاء المهملة والباء الموحدة وبالشين المعجمة ، وأميرك بفتح الهمزة وبعدها ميم
مكسورة ثم ياء مثناة من تحتها ساكنة وبعدها راء مفتوحة ثم كاف ، وهو إسم أعجمي
معناه أمير تصغير أمير ، وهم يلحقون الكاف في آخر الأسم للتصغير. وسهرورد بضم
السين وسكون الهاء وفتح الراء والواو وسكون الراء الثانية وفي آخرها دال مهملة ،
وهي بليدة من أعمال زنجان من عراق العجم ا ه ما في ابن خلكان.
وقال ابن أبي
أصيبعة في طبقاته عيون الأنباء : ومن نظمه :
فز بالنعيم
فإن عمرك ينفد
|
|
وتغنّم
الدنيا فليس مخلّد
|
وإذا ظفرت
بلذة فانهض بها
|
|
لا يمنعنّك
عن هواك مفنّد
|
وصل الصبوح
مع الغبوق فإنما
|
|
دنياك يوم
واحد يتردد
|
وعدوك تشرب
في الجنان مدامة
|
|
ولتندمنّ إذا
أتاك الموعد
|
كم أمة هلكت
ودار عطلت
|
|
ومساجد خربت
وعمر معهد
|
__________________
ولكم نبي قد
أتى بشريعة
|
|
قدما وكم
صلوا لها وتعبدوا
|
وقال أيضا :
أقول لجارتي
والدمع جار
|
|
ولي عزم
الرحيل عن الديار
|
ذريني أن
أسير ولا تنوحي
|
|
فإن الشهب
أشرفها السواري
|
وإني في
الظلام رأيت ضوءا
|
|
كأن الليل
زيّن بالنهار
|
إلى كم أجعل
الحيّات صحبي
|
|
إلى كم أجعل
التنّين جاري
|
وكم أرضى
الإقامة في فلاة
|
|
وفوق
الفرقدين رأيت داري
|
ويأتيني من
الصنعاء برق
|
|
يذكرني بها
قرب المزار
|
وقال عند وفاته
وهو يجود بنفسه لما قتل :
قل لأصحاب
رأوني ميّتا
|
|
فبكوني إذ
رأوني حزنا
|
لا تظنوني
بأني ميّت
|
|
ليس ذا
الميّت والله أنا
|
أنا عصفور
وهذا قفصي
|
|
طرت عنه
فتخلّى رهنا
|
وأنا اليوم
أناجي ملأ
|
|
وأرى الله
عيانا بهنا
|
فاخلعوا
الأنفس عن أجسادها
|
|
لترون الحق
حقا بيّنا
|
لا ترعكم
سكرة الموت فما
|
|
هي إلا
إنتقال من هنا
|
عنصر الأرواح
فينا واحد
|
|
وكذا الأجسام
جسم عمّنا
|
ما أرى نفسي
إلا أنتم
|
|
واعتقادي
أنكم أنتم أنا
|
فمتى ما كان
خيرا فلنا
|
|
ومتى ما كان
شرا فبنا
|
فارحموني
ترحموا أنفسكم
|
|
واعلموا أنكم
في إثرنا
|
من رآني
فليقوّي نفسه
|
|
إنما الدنيا
على قرن الفنا
|
وعليكم من
كلامي جملة
|
|
فسلام الله
مدح وثنا
|
أقول : إن قبر
السهروردي المترجم ضمن مسجد خارج باب الفرج ، وذلك المكان مشهور عند العوام
بالساليوردي ، وهو عن يسار الزقاق المعروف ببوابة القصب الذي يرحل منه إلى محلة
الجديدة ، وللمسجد صحن متسع خرب. وفي سنة ١٣٢٨ وضعت دائرة المعارف يدها على هذا
المكان واعتبرته من الأوقاف المندرسة ، وعمرت هذا الصحن
مع جانب من المسجد طابقين أضافتهما إلى عقارات دائرة المعارف وآجرتهما إلى
دائرة البرق والبريد. وقبر السهروردي درس وهو أمام باب الدائرة المذكورة بينه وبين
الباب نحو خمسة أذرع ، واتخذ له قبر آخر ضمن ما أبقي من المسجد مسجدا تغطية وتعمية
كي لا يقال إنهم درسوا القبر ، والمكان الذي أبقي من المسجد هو عن يسار الداخل من
الباب الثاني الذي يصعد منه إلى الطابق العلوي المتخذ الآن دائرة البرق.
وبعد كتابة ما
تقدم كتب لنا بعض من نثق به من الواقفين على أحوال هذا المكان ما خلاصته : لما فتحت
جادة الخندق وأنشئ فيها المنازل والحوانيت صار بعض ذوي النفوذ يؤجرون الأرض التي
هي أمام المسجد المذكور لباعة الفحم والحطب أملا بأن يتملكوها ويصير لهم حق التصرف
، ولما شعر بذلك مفتش المعارف وقتئذ السيد نجيب أفندي الباقي فحص عن حقيقة هذا
المسجد فوجد أنه زاوية يقام فيها الذكر ، وفي ذلك حجج وأوامر سلطانية وجدت عند
صبوحي داده شيخ التكية المولوية بكلّز ، وبموجب قانون الأوقاف المندرسة وضع مجلس
المعارف يده على هذه الزاوية وأرضى صبوحي داده بمبلغ ٧٥ ليرة عثمانية لقاء مصاريف
أدعى أنه وضعها منه ، وعمرت الزاوية المذكورة مع صحنها الواسع طابقين من غلة
الأوقاف المندرسة وذلك في سنة ١٣٢٨ و١٣٢٩ بقصد أن تؤجر الحوانيت التي في الطابق
السفلي وتتخذ الطابق العلوي دائرة للمعارف ، وهكذا تم الأمر وقتئذ ، واتخذت الغرفة
التي فوق المسجد للقراءة وجلب إليها كثير من الكتب العلمية والأدبية ، وبقيت دائرة
المعارف فيها سنة كاملة. ثم إن ناظر البرق والبريد في ذلك العهد حينما زار حلب
استحسن هذا المحل وطلب أن يتخذ دائرة للبرق والبريد ، وكان الوالي حينئذ جلال
الدين بك ، فوافقه على ذلك وأرغم إدارة المعارف أن تؤجره ب ٥٠٠ ليرة عثمانية سنويا
إلى إدارة البرق والبريد ، وتضعضعت تلك الكتب وصارت دائرة المعارف تنتقل من مكان
إلى آخر داخل دار الحكومة.
ثم الذي وجدنا
عليه أسلافنا من أهل حلب أنهم يعتقدون في السهروردي كل بركة وخير ، ولم نجد في
كلامه الذي قدمناه ما يستحق أن يفتى بحل دمه ، هذا دعاؤه الذي يقول فيه : اللهم يا
قيام الوجود ... إلخ. صريح في أنه مؤمن بالله وملائكته ورسله معلن فيه أن ثمة حشرا
ونشرا ، وما أشبه كلامه المنقول عن ابن خلكان بحكم ابن عطاء الله الإسكندري. ومعنى
قوله :
لو علمنا
أننا ما نلتقي
|
|
لقضينا من
سليمى الوطرا
|
أي لو علمنا
أننا بعد الخلاص من أقفاص هذه الحياة لا نجد شيئا أي لا حشر هناك ولا نشر لتركنا
هذه النفس تشرح في ميادين الشهوات وتتمتع بملاذ هذه الحياة ، ولكن لعلمنا أن الحشر
والنشر والعذاب والنعيم أمور واقعة لا محالة أعرضنا عن زهرة الحياة الفانية ووجهنا
القلوب إلى ما فيه البقاء السرمدي والنعيم الأبدي وهو الحياة الأخروية كما قال
الله تعالى : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ
لَكَ مِنَ الْأُولى).
وماذا نطلب منه
رعاك الله بعد إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وقد تقرر أنه لا
يخرج الإنسان من الإيمان إلا ما أدخله فيه.
وربما يشتم من
قوله : (فز بالنعيم فإن عمرك ينفد) إنكاره لأمر المعاد ، مع أن تأويل هذه الأبيات
وحملها على محمل حسن بل على معنى شريف عمل سهل على من تأمل فيها قليلا وكان له
أدنى ذوق في فهم المعاني.
والخلاصة أن من
تأمل في أدعية هذا الرجل وكلامه هنا وفي كتابه «هياكل النور» ونظمه الذي أوردناه
خصوصا الأبيات التي أنشدها عند مماته يستدل على أنه كان رجلا من أعاظم الرجال
الذين سمت إلى العلياء نفوسهم ، وزهدوا في هذه الحياة الفانية ، وتيقنوا أنها عرض
، ووجهوا قلوبهم إلى الله تعالى ، وأقبلوا بكليتهم إلى جناب قدسه.
والذي يتراءى
لنا من شعره أنه شعر رجل صدّيق لا شعر رجل زنديق والله أعلم بخفايا الصدور وضمائر
القلوب.
١٣٦ ـ أبو بكر بن مسعود الكاساني
صاحب بدائع الصنائع المتوفى سنة ٥٨٧
أبو بكر بن
مسعود بن أحمد الكاساني ملك العلماء علاء الدين ومصنف «البدايع» الكتاب الجليل.
أنشدني من شعره في منتصف شوال سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ووجد ذلك بخطه على نسخة
بخط يده من البدايع :
__________________
سبقت
العالمين إلى المعالي
|
|
بصائب فكرة
وعلوّ همّه
|
ولاح بحكمتي
نور الهدى في
|
|
ليال
بالضلالة مدلهمّه
|
يريد
الجاهلون ليطفئوه
|
|
ويأبى الله
إلا أن يتمّه
|
تفقه صاحب
البدايع على محمد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي المنعوت بعلاء الدين ، وقرأ عليه
معظم تصانيفه مثل «التحفة» في الفقه وغيرها من كتب الأصول ، وزوجه شيخه المذكور
بإبنته فاطمة الفقيهة العالمة. قيل إن سبب تزويجه بابنة شيخه أنها كانت من حسان
النساء ، وكانت حفظت التحفة تصنيف والدها ، وطلبها جماعة من ملوك بلاد الروم
فامتنع والدها ، فجاء الكاساني ولزم والدها واشتغل عليه وبرع في علمي الأصول
والفروع وصنف كتاب البدايع وهو شرح التحفة وعرضه على شيخه ، فازداد فرحا به وزوجه
ابنته وجعل مهرها منه ذلك ، فقال الفقهاء في عصره : شرح تحفته وتزوج ابنته. وأرسل
رسولا من ملك الروم إلى نور الدين محمود بحلب ، وسبب ذلك أنه تناظر مع فقيه ببلاد
الروم في مسألة المجتهدين هل هما مصيبان أم أحدهما مخطىء ، فقال الفقيه : المنقول
عن أبي حنيفة أن كل مجتهد مصيب ، فقال الكاساني : لا ، بل الصحيح عن أبي حنيفة أن
المجتهدين مصيب ومخطىء والحق في جهة واحدة ، وهذا الذي تقوله مذهب المعتزلة ، وجرى
بينهما كلام في ذلك ، فرفع الكاساني على الفقيه المقرعة ، فقال ملك الروم : هذا
افتيات على الفقيه ، فاصرفه عنا ، فقال الوزير : هذا رجل كبير ومحترم ولا ينبغي أن
يصرف ، بل ننفذه رسولا إلى الملك نور الدين محمود ، فأرسل إلى حلب ، وكان قبل ذلك
قدم الرضي السرخسي صاحب «المحيط» إلى حلب فولاه نور الدين الحلاوية ، واتفق عزله
كما ذكرته في ترجمته ، فولى السلطان صاحب البدايع الحلاوية عوضه بطلب الفقهاء ذلك
منه ، فتلقاه الفقهاء بالقبول ، وكانوا في غيبته يبسطون له السجادة ويجلسون حولها
في كل يوم إلى أن يقوم.
وله غير «البدايع»
من المصنفات منها «السلطان المبين» في أصول الدين.
قال ابن العديم
: سمعت أبا عبد الله محمدا قاضي العسكر يقول : لما قدم الكاساني إلى دمشق حضر إليه
الفقهاء وطلبوا منه الكلام معهم في مسألة. فقال : لا أتكلم في مسألة فيها خلاف
أصحابنا ، فعينوا مسائل كثيرة ، فجعل كلما ذكروا مسألة يقول : ذهب إليها من
أصحابنا فلان وفلان ، فلم يزل كذلك حتى إنهم لم يجدوا مسألة إلا وقد ذهب إليها
واحد من أصحاب أبي حنيفة ، فانفض المجلس على ذلك.
قال ابن العديم
: سمعت ضياء الدين محمد بن خميس الحنفي يقول : حضرت الكاساني عند موته فشرع في
قراءة سورة إبراهيم حتى انتهى إلى قوله : (يُثَبِّتُ اللهُ
الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي
الْآخِرَةِ) خرجت روحه عند فراغه من قوله وفي الآخرة.
قال ابن العديم
: وسمعت خليفة بن سليمان يقول : مات علاء الدين يوم الأحد عاشر رجب سنة سبع
وثمانين وخمسماية ، وولي التدريس بعده افتخار الدين الهاشمي في سابع عشر رجب. ودفن
علاء الدين الكاساني عند زوجته فاطمة داخل مقام إبراهيم الخليل بظاهر حلب ، وكان
الكاساني لم يقطع زيارة قبرها في كل ليلة جمعة إلى أن مات. والدعاء عند قبرهما
مستجاب وذلك مشهور بحلب ، ويعرف قبرهما عند الزوار بحلب بقبر المرأة وزوجها. وخلف
ولدا ذكرا ا ه (ط ح ق).
وقال في آخر
الطبقات في كتاب الأنساب : الكاساني بفتح الكاف وسكون الألفين بينهما سين مهملة
نسبة إلى كاسان بلدة وراء الشاش ا ه.
وقال اللكنوي
في تراجم الحنفية : الأشعار التي نسبها إليه قد نسبها حسن جلبي في حواشي التلويح
إلى الحكيم عمر الخيام والله أعلم.
أقول : وقبره
في حجرة عن يمين الداخل إلى مقام إبراهيم الخليل ومحرر على بابها :
(١) بسم الله
الرحمن الرحيم. أمر بعمارته مولانا الملك.
(٢) الظاهر
غياث الدنيا والدين أبو الفتح غازي.
(٣) ابن الملك
الناصر خلد الله ملكه في سنة أربع وتسعين وخمسمائة.
الكلام على كتابه بدايع الصنايع
قال في كشف
الظنون في الكلام على «تحفة الفقهاء» لعلاء الدين السمرقندي : أولها : الحمد لله
حق حمده ... إلخ. وصنف تلميذه الإمام أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي المتوفى
سنة ٥٨٧ شرحا عظيما في ثلاث مجلدات وسماه «بدائع الصنائع في ترتيب
__________________
الشرائع» ، وهذا الشرح تأليف يطابق اسمه معناه ، أوله : الحمد لله العالي
القادر ... إلخ ، ذكر فيه أن المشايخ لم يصرفوا الهمم إلى الترتيب سوى أستاذه ،
والغرض الأصلي من التصنيف في كل فن هو تيسير سبيل الوصول إلى المطلوب ، ولا يلتئم
هذا المرام إلا بترتيب تقتضيه الصناعة ، وهو التفحص عن أقسام المسائل في هذا الشرح
بالترتيب الصناعي الذي يرتضيه أرباب الصنعة ا ه.
وقال العلامة
ابن عابدين في حاشيته : هذا الكتاب جليل الشأن لم أر له نظيرا في كتبنا ا ه.
وقد طبع في مصر
سنة ١٣٢٨ في سبع مجلدات في المطبعة الجمالية لمحمد أمين الخانجي الكتبي الحلبي نزيل
مصر على نفقة محمد أسعد باشا الجابري رحمهالله وابن عمه الحاج مراد أفندي من وجهاء الشهباء ، وذلك
بتحسين بعض أهل العلم والفضل جزاهما الله خيرا. وكان طبعه على نسخة في خزانة كتب
الحاج عبد القادر أفندي الجابري رحمهالله والد الحاج مراد أفندي ، إلا أن الكتاب لم يخل من
الأغلاط عسى أن تتدارك في الطبعة الثانية. ويوجد منه نسخ كثيرة في مكاتب الآستانة
في المكتبة العمومية ومكتبة داماد إبراهيم باشا وغيرها يطول الكلام لو ذكرنا
تفصيلها. ويوجد نسخة في ستة أجزاء في المكتبة السلطانية بمصر ، ونسخة في ثلاثة
أجزاء في التكية الإخلاصية بحلب مما وقفه الشيخ إسحق البخشي على التكية أخذ جزء
منها حين الطبع. وبالجملة فهو كتاب جليل في بابه لا يستغني عنه من يرغب التوسع في
فقه السادة الحنيفة والوقوف على أدلتهم في المذهب وقواعدهم.
١٣٧ ـ محمد بن علي المازندراني الشيعي المتوفى سنة ٥٨٨
محمد بن علي بن
شهراسوب أبو جعفر السروري المازندراني رشيد الدين الشيعي أحد شيوخ الشيعة ، حفظ
القرآن وله ثماني سنين وبلغ النهاية في أصول الشيعة. كان يرحل إليه من البلاد ، ثم
تقدم في علم القراءات والغريب والنحو ، ووعظ على المنبر أيام المقتفي ببغداد ،
فأعجبه وخلع عليه. وكان بهي المنظر حسن الوجه والشيبة صدوق اللهجة مليح المحاورة
واسع العلم كثير الخشوع والعبادة والتهجد لا يكون إلا على وضوء. أثنى عليه ابن أبي
طي في تاريخه ثناء كثيرا. توفي سنة ثمان وثمانين وخمسمائة.
ومن تصانيفه :
كتاب في النحو سماه الفصول جمع فيه أمهات المسائل. وكتاب المكنون المخزون في عيون
الفنون. كتاب أسباب نزول القرآن. كتاب متشابه القرآن. كتاب الأعلام والطرايق في
الحدود والحقايق. كتاب مناقب آل أبي طالب. كتاب المثالب. كتاب المائدة والفائدة ،
جمع فيه أشياء من النوادر والفوائد.
عاش تسعا
وتسعين سنة وشهرين ونصف وتوفي بحلب في التاريخ المذكور رحمهالله ا ه (الوافي بالوفيات).
وترجمه الملا
في مختصره لتاريخ الإمام الذهبي فقال : قال ابن أبي طي في تاريخه في ترجمة
المازندراني المذكور : نشأ في العلم والدراسة وحفظ القرآن وله ثماني سنين ، واشتغل
بالحديث ولقي الرجال ، ثم تفقه وبلغ النهاية في فقه أهل البيت ، ونبغ في علم
الأصول حتى صار رحلة ، ثم تقدم في علوم القرآن والقرآءات والغريب والتفسير والنحو
، وركب المنبر للوعظ ونفقت سوقه عند الخاصة والعامة. وكان مقبول الصورة مستعذب
الألفاظ مليح الغوص على المعاني. حدثني قال : صار لي سوق بمازندران حتى خافني
صاحبها ، فأرسل يأمرني بالخروج عن بلاده ، فصرت إلى بغداد في أيام المقتفي ، ووعظت
فعظمت منزلتي واستدعيت وخلع علي ، وناظرت واستظهرت على خصومي فلقبت برشيد الدين
وكنت ألقب بعز الدين ، ثم خرجت إلى الموصل ، ثم أتيت حلب. قال : وكان نزوله على
والدي فأكرمه وزوجه بنت أخته فربيت في حجره وغذاني من علمه وبصرني في ديني. وكان
إمام عصره وواحد دهره. وكان الغالب عليه علم القرآن والحديث ، كشف وشرح وميز
الرجال وحقق طريق طالبي الإسناد وأبان مراسيل الأحاديث من الآحاد ، وفرق بين رجال
الخاصة والعامة ، يعني بالخاصة الشيعة وبالعامة السنة.
حدثني أبي قال
: ما زال أصحابنا بحلب لا يعرفون الفرق بين ابن بطة الشيعي من ابن بطة الحنبلي ،
حتى قدم الرشيد فقال : ابن بطة الحنبلي بالفتح والشيعي بالضم.
وكان عند
أصحابنا بمنزلة الخطيب للعامة ويحيى بن معين في معرفة الرجال. وقد عارض كل علم من
علوم العامة بمثله وبرز عليهم بأشياء حسنة لم يصلوا إليها. وكان بهي المنظر حسن
الوجه والشيبة صدوق اللهجة مليح المحاورة واسع العلم كثير الفنون كبير الخشوع
والعبادة والتهجد لا يجلس إلا على وضوء. توفي ليلة سادس عشر شعبان ودفن بجبل
الجوشن عند مشهد الحسين ا ه.
١٣٨ ـ خالد بن محمد القيسراني الوزير المتوفى سنة ٥٨٨
خالد بن محمد
بن نصر بن صغير الرئيس موفق الدين أبو البقا ابن الأديب البارع أبي عبد الله
المخزومي الخالدي بن القيسراني الكاتب وزير السلطان نور الدين. كان صدرا نبيلا
وافر الجلالة بارع الكتابة يكتب الخط المحقق كتابة ينفرد بها. بعثه نور الدين
رسولا إلى الديار المصرية فسمع من عبد الله بن رفاعة والسلفي ، وبدمشق من ابن
عساكر ، وحدث بحلب. روى عنه الموفق يعيش النحوي وغيره. ومات بها في جمادى الآخرة ا
ه (مختصر الذهبي في وفيات سنة ثمان وثمانين وخمسمائة).
وقال ابن كثير
في تاريخه في الفصل الذي عقده في وفاة السلطان نور الدين : إن وزيره المذكور قص
عليه أنه رأى في منامه أنه يغسل ثياب الملك نور الدين ، فأمره أن يكتب مناشير بوضع
المكوسات والضرائب عن البلاد وقال : هذا تفسير رؤياك ، وكتب إلى الناس يستعجل منهم
في حل مما كان أخذ منهم ويقول : إنما صرف في قتال أعدائكم من الكفرة. وكتب بذلك
إلى سائر ممالكه وبلدان سلطانه وأمر الوعاظ أن يستحلوا من التجار لنور الدين ا ه.
١٣٩ ـ إبراهيم بن سعيد بن الخشاب المتوفى سنة ٥٨٩
إبراهيم بن
سعيد بن يحيى بن الخشاب القاضي الرئيس أبو طاهر الحلبي ، من أعيان الحلبيين
وكبرائهم ، كان فاضلا أديبا شاعرا منشئا له نظر في العلوم إلا أنه كان من أجلّاء
الشيعة المعروفين ، وكان دمث الأخلاق ظريفا مطبوعا ، وهو والد المولى الصدر بهاء
الدين الحسن بن الخشاب. توفي في ذي القعدة ا ه (ذهبي من وفيات سنة تسع وثمانين
وخمسمائة).
١٤٠ ـ عبد الملك بن جهبل الملقب زين الدين المتوفى سنة ٥٩٠
عبد الملك بن
نصر الله بن جهبل بفتح الجيم والباء الموحدة ، ويعرف أيضا بالزين ، فقيه فاضل
متدين ، سمع بمكة وحدث ودرس بحلب بالمدرسة البدرية وبمدرسة الزجاجين
وانتفع به جماعة. ومات بها سنة تسعين وخمسمائة ، ذكره التفليسي ا ه (ط ش
أسنوي).
وذكره الإمام
السبكي في طبقاته المطبوعة ، ووقع اسمه حرمل وهو سهو من الطبع ، والصواب أنه ابن
جهبل كما هنا.
١٤١ ـ يوسف بن الخضر المتوفى سنة ٥٩٢
يوسف بن الخضر
بن عبد الله الحلبي والد محمد المعروف ولده بابن الأبيض ، مولده سنة إحدى وعشرين
وخمسمائة ، تفقه على ابن الحسن المعروف ببرهان الدين البلخي.
قال ابن العديم
: روى لنا عنه ولده أبو عبد الله محمد بن يوسف : تولى القضاء والتدريس بشيزر مدة ،
ثم أقام بحلب إلى أن استدعي إلى دمشق وولي قضاءها نيابة عن محمد ابن علي القرشي
قاضي دمشق ، ولم يزل بها إلى أن مات بها في رمضان سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة ،
ودفن بتربة خارج باب الفراديس ا ه (طبقات الحنفية للقرشي).
١٤٢ ـ أحمد بن محمد الغزنوي المتوفى سنة ٥٩٣
أحمد بن محمد
بن محمود بن سعيد الغزنوي ، معيد درس الإمام الكاساني صاحب البدايع. تفقه على أحمد
بن يوسف الحسني العلوي ، وانتفع به جماعة من الفقهاء وتفقهوا به ، وصنف في الفقه
والأصول كتبا حسنة مفيدة منها : كتاب الروضة في اختلاف العلماء ، ومقدمته المختصرة
في الفقه المشهورة ، وكتابه في أصول الفقه ، وكتاب في أصول الدين وسمه بروضة
المتكلمين ، واختصره ووسمه بالمنتقي من روضة المتكلمين.
توفي بحلب بعد
سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة ودفن بمقابر الفقهاء الحنفية قبل مقام إبراهيم عليه
الصلاة والسلام ا ه (ط ح ق).
قال اللكنوي في
كتابه الفوائد البهية في طبقات الحنفية في ترجمة المذكور : قد طالعت من تأليفه المقدمة
، وهو مصغّر حجما مكبّر علما ، أوله : الحمد لله الذي عم البلاد بنعمته ... إلخ.
ونسبة الغزنوي إلى غزنة بفتح الغين وسكون الزاي المعجمة ثم نون مفتوحة : بلدة من
أول بلاد الهند ، ذكره السمعاني ا ه.
١٤٣ ـ عبد السلام الفارسي المتوفى سنة ٥٩٦
عبد السلام بن
محمد الشيخ ظهير الدين الفارسي أحد الائمة المعتبرين.
قال ابن باطيش
: قدم الموصل فصادف من صاحبها قبولا وفوض إليه تدريس الفريقين الشافعية والحنفية ،
وبقي بها مدة يدرس وافر الحرمة. ثم توجه إلى حلب على عزيمة العود إلى الموصل. ثم
مات بها سنة ست وتسعين وخمسمائة ا ه (ط ك للسبكي).
وترجمه ابن
كثير في وفيات هذه السنة فقال : الشيخ ظهير الدين عبد السلام الفارسي شيخ الشافعية
بحلب ، أخذ الفقه عن محمد بن يحيى تلميذ الغزالي وتلمذ للفخر الرازي ، وقد رحل إلى
مصر وفرض عليه أن يدرس بتربة الشافعي فلم يقبل ، وصار إلى حلب فأقام بها إلى أن
توفي في هذه السنة ا ه.
١٤٤ ـ علوان الشاعر المعروف بالباز الأشهب المتوفى سنة ٥٩٦
علوان بن عبد
الله بن عبيد الشاعر الحلبي المعروف بالباز الأشهب ، كان أديبا متفننا مليح
الإيراد. توفي سنة ست وتسعين وخمسمائة ببغداد. ومن شعره :
سل البانة
الغناء هل مطر الحمى
|
|
وهل آن
للورقاء أن تترنما
|
وهل عذبات
الرند نبهها الصبا
|
|
لذكر الصّبا
قدما فقدكنّ نوّما
|
وإن تكن
الأيام قصت جناحها
|
|
فقد طالما
مدت بنانا ومعصما
|
بكتها
الغوادي رحمة فتنفست
|
|
وأعطت رياض
الحسن سرا مكتمّا
|
وشقّت ثيابا
كنّ سترا لأمرها
|
|
فلما رآها
الأقحوان تبسما
|
خليليّ هل من
سامع ما أقوله
|
|
فقد منع
الجهال أن أتكلما
|
عرفت المعالي
قبل تعرف نفسها
|
|
ولا سفرت
وجها ولا ثغرت فما
|
وأوردتها ماء
البلاغة منطقا
|
|
فصارت الجيد
الدهر عقدا منظّما
|
وكانت
تناجيني بألسن حالها
|
|
فأدرك سرّ
الوحي منها توهما
|
فما لليالي
لا تقرّ بأنني
|
|
خلقت لها
منها بدورا وأنجما
|
وربّ جهول
قال لو كان صادقا
|
|
لأمكنت
الأيام أن يتقدما
|
ولم يدر أني
لو أشاء حويتها
|
|
ولكن صرفت
النفس عنها تكرّما
|
أبى الله أن
ألفى بخيلا بمدحه
|
|
وقد جعل
الشكوى إلى المدح سلّما
|
إن المرء لم
يحكم على النفس قادرا
|
|
يمت غير
مأجور ويحيا مذمّما
|
سلام على
الماء الذي طاب موردا
|
|
وإن صيرته
وقفة الذل علقما
|
فقد كنت لا
أبغي سوى العز مطعما
|
|
ولا أرتضي
ماء ولو بلغ الظما
|
وكنت متى
مثلّت للنفس حاجة
|
|
أرى وجه
إعراض ولو كنت أينما
|
وأحسب أن
الشيب غيّر حالتي
|
|
وصيّر كل
الغانيات محرما
|
ا ه (فوات
الوفيات لابن شاكر).
١٤٥ ـ طاهر بن نصر الله بن جهبل المتوفى سنة ٥٩٦
مجد الدين طاهر
بن نصر الله بن جهبل أخو عبد الملك. كان عالما زاهدا فاضلا في الفقه والحساب
والفرائض. سمع الحديث من جماعة. حدث وصنف للسلطان نور الدين كتابا في فضل الجهاد ،
ودرّس بحلب بالمدرسة النورية ، وهو أول من درّس في الصلاحية بالقدس الشريف ، وهو
أول والد بني جهبل الفقهاء الدمشقيين. مات في سنة ست وتسعين وخمسمائة عن أربع
وستين سنة. ذكره الذهبي في العبر. ا ه (ط ش أسنوي).
وترجمه في «الأنس
الجليل بتاريخ القدس والخليل» بنحو ما هنا ، وذكر أن وفاته بالقدس الشريف.
والمترجم وأخوه زين الدين المتقدم آنفا هما اللذان اعتصبا على الشيخ السهروردي إلى
أن كان من أمره ما هو مذكور في ترجمته.
زيادة بيان في ترجمته مع مزيد كلام على المدرسة الزجاجية
قال في كنوز
الذهب في الكلام على المدرسة الزجاجية : وقد رأيت بخط أبي المعالي ابن عشائر ما
ملخصه : طاهر بن نصر الله بن جهبل بن نصير بن زيد بن جناب بن نصير ابن عمرو بن
عصمة بن هريرة بن قريط بن عبد الله بن أبي بكر عبيد بن كلاب بن ربيعة ابن عامر بن
صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن أبو محمد الحلبي المعروف بالمجد. كان من كبار
الفقهاء الشافعية بحلب. كان عنده ديانة. ولي التدريس بالزجاجية ، واتصل
إلى قطب الدين النيسابوري وصاهره وفوض إليه تدريس النورية المعروفة بالنفري
، فدرّس بها إلى أن جرت له حالة مع النائب في القضاء بحلب أبي البركات محمد بن
منصور الشهرزوري أوجبت ضيق صدره ، فسار من حلب وأقام بالقدس ، وولي التدريس بها
بالمدرسة الناصرية. وكان سمع الحديث من كمال الدين عمر بن حموية وأبي بكر الجيلي.
وكان سبب رحيله
من حلب أن الضياء بن الشهرزوري رجمت داره أياما ، فاتهم بذلك أبا الفتح بن مجد
الدين طاهر وشكاه إلى السلطان الملك الظاهر ، وتكرر ذلك منه ، فاستدعاه السلطان
ليلة من الليالي إلى القلعة فصعد فالتقاه حسام الدين محمود شحنة حلب فأجلسه في دهليز القلعة إلى أن مضى الربع من الليل ،
فصعدت رقعة من الضيا ابن الشهرزوري يشكو فيها صدر الدين ويقول : إننا في هذه
الساعة رجمنا ، فاستدعى السلطان حسام الدين الشحنة وطلب منه إحضار الصدر فقال : يا
مولاي والله إنه قاعد عندي من أول الليل ، فأمر بإنزاله إلى منزل أبيه ، فقال له
أبوه : يا بني ما بقى يمكننا القعود بحلب ، فأصبحا وسافرا. ثم بدا له في الطريق
فرد ابنه ليأتيه بأهله وما يحتاج إليه ، وكان قد آذاه عمر بن العجمي وطلب مشاركته
في الزجاجية ، فجاء إليّ وقال : نخرج إلى الشيخ علي الفاسي ، فخرجت معه فذكر ما
عامله عمر بن العجمي وقال : إنه قد رشا جماعة وإنه استعان عليّ بذلك وأنا أستعين
عليه برفع الأيدي في الأسحار.
وكتب الدولعي
إلى الناصر صلاح الدين بسبب الكمال عمر بن العجمي شفاعة يذكر فيها حال الزجاجية
وأن المجد بن جهبل هو ابن بنت جد الكمال ابن العجمي (الذي هو الباني والواقف
للمدرسة) وعنه تلقى تدريس المدرسة وأن من جملة من درّس بها الحافظ المرادي شيخ
الدولعي وأقام بها إلى أن مات. قال : وكان قبل المرادي بها شيخ متصوف يدعى الظهير
، وكان قبل هذا الظهير الإمام عبد الله القصيري ، وكان ممن صحب الغزالي والكيا
الهراسي وأسعد الميهني .
قال الدولعي :
وبعد موت شيخنا المرادي استدعى السلطان نور الدين لشيخنا شرف الدين مكانة يعني ابن
أبي عصرون وابتنى له المدرسة التي هي الآن تحت يد ولده ، ووصل
__________________
إلى حلب وما كملت فاستعار له مدرسة جد هذا الكمال ابن العجمي ، وكان جده إذ
ذاك مجاورا بيت الله الحرام ، فقدم ومنع شرف الدين عن مدرسته ومنعه دخولها والأخذ
من وقفها بعدما سئل أن يصبر عليه حتى تنجز مدرسته ، فما فعل وما اعترض عليه نور
الدين ولا مجد الدين ، بل مكّناه من أمر مدرسته ، واستناب لها فقيها يقال له البرهان
، فلما درج بالوفاة استنابوا هذا المجد بن جهبل (أي المترجم) ولدهم ، ولما توفي جد
الكمال ابن العجمي عهد قبل وفاته إلى ولده أبي صالح شهاب الدين بالعهد الشرعي
والإسناد الشرعي ، وكان جاريا في المدرسة وما لها والمدرس على قاعدة والده في غير
معارض ، إلى أن حضرته الوفاة فعهد إلى ابن عمه القطب فجرى فيها على سنن ابن عمه.
ومن العجب أن
يذكر الغير أن الوقف عليها من وقف أتابك زنكي ، وجد هذا الكمال على أكمل سعادة
عمّر هذه المدرسة قبل أن يلي أتابك حلب بدهر وجرت بسبب ذلك شدائد وأخذ منه مصادرة
من أجلها مرتين بسعي الوشاة خمسة وعشرون ألف دينار على ما حكاه للخادم من هو عنده
صدوق ، وكان وحيدا في حلب مع شدة شوكتهم في ذلك الوقت وتمكنهم من الدول ، وأحرقوا
عمارة هذه المدرسة مرتين ، إلى أن ملك أتابك حلب فاستعان عليهم بأن توصل إلى أن
أذن له أن ينقل قسيم الدولة آقسنقر (والده) إلى مدرسته كفا لأيدي الحلبيين (الشيعة)
واستظهارا عليهم ، فأذن له في ذلك لا أن أتابك نقل أباه إليها وبناها ووقف عليها ،
وفحوى الشفاعة طلب النظر في هذه المدرسة للكمال عمر بن العجمي ، وليس فيها تصريح
ولا تلويح بطلب التدريس له ا ه. وهذه المكاتبة التي كتبها الدولعي قال ابن عشائر
أخرجها إليّ بعض أحفاد كمال الدين عمر المذكور فنقلت منها هذا والله تعالى أعلم.
انتهى ما رأيته بخط أبي المعالي بن عشاير في بعض مجاميعه ومختاراته من تاريخ
الصاحب كمال الدين بن العديم ا ه.
١٤٦ ـ الشيخ شعيب الأندلسي المتوفى سنة ٥٩٦
قال ابن شداد
في الكلام على مدارس الشافعية : (المدرسة الشعيبية) : كانت هذه مسجدا يقال أول ما
اختطه المسلمون عند فتحها من المساجد ، وعرف بأبي الحسن علي ابن عبد الحميد
الغضايري أحد الأولياء من أصحاب السري السقطي ، فلما ملك نور الدين حلب وأنشأ بها
المدارس وصل الشيخ شعيب بن أبي الحسن الأندلسي الفقيه فصير
له هذا المسجد مدرسة وجعله مدرسا بها فعرفت به إلى عصرنا هذا ، ولم يزل
مدرسا بها إلى أن توفي سنة ست وتسعين وخمسمائة ا ه.
قال أبو ذر :
وكانت وفاته في طريق مكة ودفن بين تيما وبين جفر بني عنزة ، وكان من الفقهاء
المعتبرين والزهاد المعروفين من أصحاب الحافظ أبي الحسن علي بن سليمان المرادي ،
وانقطع في هذا المسجد فعرف به وانقطع عنه اسم الغضايري ، وكان نور الدين يعتقده
فرتبه ليدرس على مذهب الإمام الشافعي رضياللهعنه ا ه.
ثم وليها بعده
الشيخ شمس الدين محمد بن موسى الجزري ، ولم يزل بها إلى أن توفي سنة ثلاث وثلاثين
وستمائة. ثم وليها موفق الدين أبو القاسم الكردي الحميدي ، ولم يزل بها إلى أن ولي
قضاء المعرة في أوائل سنة اثنتين وأربعين وستمائة ، فوليها بعده قوام الدين أبو
العلاء الفضل بن سلطان بن شجاع ، ثم خرج عنها إلى حمص سنة خمس وخمسين فوليها بدر
الدين محمد بن إبراهيم بن خلكان المعروف بقاضي تل باشر ، وقد وليها قبل فتنة تيمر
الإمام ناصر الدين أبو المعالي بن عشائر ، ولما عزل نفسه عن نظرها أنشد :
تشعب قلبي
بالشعيبية التي
|
|
بها أشعب
الطماع يبدو ويخطر
|
سأترك مغناها
غنى وتعففا
|
|
(وكم مثلها فارقتها وهي تصفر)
|
كذا رأيته بخط
ابن القرناص.
وهذه المدرسة
الآن شاغرة عن الشعاير والدرس بل ولا يعلم أحد أنها مدرسة ، وعليها وقف ببلد أعزاز
، وقد استولى الناس على وقفها وتركوها خالية صفراء كغيرها من المدارس لا مدرس ولا
أنيس ولا فقيه ولا جليس ، مقفرة العرصات خالية من إقامة الصلاة ، ولها منارة محكمة
قصيرة وعليها كتابة كوفية لا أدري ما هي. ا ه.
الكلام على هذه المدرسة
موقعها في آخر
محلة باب أنطاكية ، وإذا كنت داخلا من باب البلد واستقبلت الشرق فإنها تقابلك
ويبقى بينك وبينها قدر ٢٥ ذراعا ، وفوق بابها حجرة عليها كتابة كوفية هذه صورتها :
الله
صنعه سعيد
المقدسي بن عبد
الله رحمه
وفوق هذا الباب
منارة صغيرة ، وتحتها على طول الجدار قبلة وشمالا وغربا حجارة ضخمة عليها كتابة
كوفية بديعة من النوع المسمى بالمزهر تدلك على عناية أهل ذاك العصر بالخط وترقيه
في عصرهم. وقد استحضرت من له إلمام بقراءة هذا الخط فصعب عليه ذلك ، لأن الأيام
ذهبت بكثير من الحروف وشوهت الأحجار فتعسر قراءتها ، غير أنه تمكن من قراءة بعض ما
كتب على الجدار من الجهة الشمالية وهي : (في سنة خمس وأربعين وخمسمائة) وذلك تاريخ
بناء نور الدين الشهيد رحمهالله لها. وللمدرسة صحن صغير وراءه قبلية عرضها ٢٦ قدما
وطولها ٥٦ في وسطها عمودان من الحجر الأصفر علو الواحد ثلاثة أذرع. وقل من الناس
من يعرف أن هذا الموضع كان مدرسة ، لأنه منذ أزمنة متطاولة مسجد تصلى فيه الأوقات
الخمس لا غير. وهو الآن في حوزة دائرة الأوقاف ، وله من العقارات أربع دور وسبعة
حوانيت تقوم بلوازمه.
ذكر ما كان بجوارها من الآثار
المدرسة الزيدية :
قال أبو ذر :
وتعرف الآن بالألواحية ، وهي داخل باب أنطاكية ، أنشأها إبراهيم ابن إبراهيم
المعروف بأخي زيد الكيال الحلبي ، انتهت سنة خمس وخمسين وستمائة ، ودرس فيها شمس
الدين أحمد بن محيي الدين محمد بن أبي طالب العجمي وعليه انقضت الدولة ، ولما نزل
بها الألواحي نسبت إليه ا ه.
وقال في الكلام
على الدروب : (درب الزيدية) : هو الدرب الذي به المدرسة ويرأسه مسجد تحت الساباط ،
وكان هذا المسجد قد جعل دارا وأبيع وانتزعه قاضي القضاة السوبيني وأعاذه مسجدا كما
كان. وعلى بابه سبيل ماء وعلى علوه طبقة ا ه.
أقول : لا أثر
الآن لهذه المدرسة ولا لهذا المسجد ولا يعلم موقعهما.
الكلام على درب البزادرة وما فيه :
قال أبو ذر :
هو الملاصق لسور باب أنطاكية إلى ناحية القبلة ، سمي بذلك لأن الذين يحملون طيور الكفال
يسكنون هناك. وبه حجر ينفع للبرقة ا ه.
وقال : في باب
الخواصات بدرب البزادرة داخل باب أنطاكية إلى ناحية الجلّوم تجاه البرج المعروف
بالشيخ شمس الدين محمد النواوي الشافعي بحائط هناك حجر أبيض عليه كتابة قيمة ينفع
للمبروق ظهره ا ه.
أقول : لم تزل
هذه الحجرة موجودة وهي معروفة عند أهل المحلة ، إلا أن اعتقاد الناس بنفعها لذلك
قد زال ولله الحمد.
١٤٧ ـ عفيف بن سكرة الطبيب اليهودي المتوفى آخر هذا القرن
عفيف بن سكرة
هو عفيف بن عبد القاهر بن سكرة ، يهودي من أهل حلب عارف بصناعة الطب مشهور
بأعمالها وجودة النظر فيها ، وله أولاد وأهل أكثرهم مشتغلون بصناعة الطب ، ومقامهم
بمدينة حلب ، ولعفيف بن سكرة من الكتب مقالة في القولنج ألفها للملك الناصر صلاح
الدين يوسف بن أيوب وذلك في سنة أربع وثمانين وخمسمائة ا ه (عيون الأنباء).
* * *
(أعيان القرن السابع)
١٤٨ ـ محمود بن النحاس المتوفى سنة ٦٠٢
والكلام على المدرسة الشاذبختية
قال أبو ذر :
هذه المدرسة بدرب العدول وهو سوق النشّابين ، أنشأها الأمير جمال الدين شاذبخت
الخادم الهندي الأتابكي وكان نائبا عن نور الدين بحلب بقلعتها. ومحرابها عجيب وبها
إيوان وخلاوي للفقهاء. وشاذبخت المذكور استمر أمره بالقلعة وحفظها على ولد نور
الدين الصالح مدة حياته. وكان شاذبخت شهما من الرجال ذا رأي سديد وعقل وافر وتدبير
حسن ، وله اليد البيضاء في فعل المعروف وبناء الربط والمدارس ، بنى بحلب مدرستين
هذه والأخرى ظاهر حلب شماليها ، وكان يعرف بمشهد الزرازير ، ورأيته وهو عامر ثم إن
الدولة هدمته وأخذت أحجاره لعمارة سور حلب ، والفاعل لذلك باك نائب السلطنة بقلعة
حلب في زمن الأشراف. ونقل ابن العديم عز الدين وقفه بمربع شريف إلى الشاذبختية
المذكورة. ووقف شاذبخت المذكور أوقافا على الصدقات وعلى خانقاه شنقرجا. ووقف
بحرّان خانقاه للصوفية ، ولما توفي الصالح حفظ حلب ولم يزل يأمر فيها وينهى إلى أن
قدم عز الدين. انتهى ما رأيته بخط ابن عشائر.
ولما كملت هذه
المدرسة استدعي من سنجار نجم الدين مسلم بن سلامة ليوليه تدريسها ، فقدم حلب وأصبح
ليذكر بها الدرس ، واحتفل شاذبخت لوليمة يعملها فسير الظاهر غازي إليه وسأله أن
يوليها موفق الدين بن النحاس ، فلم يسعه مخالفة الظاهر وانعكس عليه مقصوده ، فتولى
الموفق المدرسة ، وسار النجم عن حلب. ولم يزل الموفق متوليها إلى أن توفي يوم
الأربعاء ثالث عشر ربيع الآخر سنة اثنتين وستمائة بتل عبده من عمل حرّان عائدا من
رسالة حملها لصاحب تبريز من جهة الظاهر غازي ونقل إلى حلب فدفن بها.
وتولى بعده
تدريسها القاضي شمس الدين محمد بن يوسف بن الخضر المعروف بابن
القاضي الأبيض قاضي العسكر العادلي ، ولم يزل مدرسا بها إلى أن توفي ليلة
الخميس سابع عشري شهر رمضان سنة أربع عشرة وستمائة. وتولى تدريسها بعده الصاحب
كمال الدين أبو القاسم عمر بن أبي جرادة ولم يزل مدرسا بها وولده مجد الدين عبد
الرحمن ، ولم يزل ينوب عن والده إلى أن استقل بها أخوه جمال الدين محمد ولد الصاحب
كمال الدين ، إلى أن كانت فتنة التتر سنة ثمان وخمسين والتدريس بأيديهم إلى
زماننا. وقد نزل بها الشيخ باكير الحنفي وكان يدرس بها متبرعا علوما شتى ا ه (كنوز
الذهب).
ذكر ما كان بجوارها من الآثار
خانكاه نور الدين :
قال أبو ذر : (خانكاه
نور الدين) : خانكاه أنشأها نور الدين محمود بن زنكي في سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة
في غلبة ظني. قاله ابن شداد : قلت : أظنها التي إلى جانب مدرسة شاذبخت التي بدرب
العدول وهو سوق النشابين ، وعلى بابها حوانيت كانت من مصالح هذه الخانكاه من
داخلها فأخرجت وجعلت حوانيت ا ه.
وفي الهامش بخط
محمد بن عمر الموقع : هذه تعرف الآن بالشيجرية ا ه.
اليشبكية :
قال أبو ذر : (اليشبكية)
: تربة ومسجد ومكتب أيتام ، أنشأها يشبك كافل حلب إلى جانب الحوض الذي أنشأه
ألطنبغا العلائي ، وجعل في المسجد قارىء حديث وذلك في خامس المحرم سنة ثلاث وعشرين
وثمانمائة ، ووقف عليها السوق المنسوب إليه استأجره من أربابه وعمره ووقفه ، ووقف
عليها الجنينة التي يسكنها كافل حلب وغير ذلك ا ه.
وتقدم بعض ذلك
في الكلام على تولية حلب للأمير يشبك اليوسفي في الثاني (ص ٤١٩) ولا أثر الآن لهذه
التربة ولا لهذا المكتب ، والمسجد باق يسمى جامع سوق العبي تقام به الصلوات ، ولا
مدرس فيه ، وهو ما بقي من أوقافه وهي عبارة عن ثمانية حوانيت ونصف تحت يد دائرة
الأوقاف.
الشاذبختية التي بظاهر حلب :
قد تقدم اسم
بانيها وأين كانت في الشاذبختية التي داخل حلب. أول من درس بها موفق الدين أبو
الثنا محمود بن النحاس باعتبار شرط الواقف أن من درس في الجوانية كان إليه التدريس
في البرانية ، ولم يزل مدرسا بهما إلى أن توفي في التاريخ الذي قدمنا ذكره.
ثم وليها بعده
صفي الدين محمد بن أحمد بن يوسف الأنصاري السلاوي ولم يزل مدرسا بها إلى أن مات في
شهر رجب سنة ست عشرة وستمائة ، فوليها بعده ولده شمس الدين محمد ولم يزل مدرسا بها
إلى أن توفي ، فوليها بعده نجم الدين أحمد بن الصاحب كمال الدين ابن العديم ولم
يزل مدرسا بها إلى أن مات ببلاد الروم وحمل إلى حلب فدفن بها سنة ثمان وثلاثين
وستمائة ، فوليها افتخار الدين أبو المفاخر محمد بن يحيى بن محمد بن أبي جرادة
المعروف بابن العديم وعليه انقضت الدولة ، وقتل بحلب. وهذه المدرسة لم يبق منها
إلا الرسوم ا ه.
وقد تكلمنا على
المدرستين في الجزء الثان ي (ص ٧٣).
١٤٩ ـ الملك المسعود
بن صلاح الدين يوسف المتوفى سنة ٦٠٣
قال الصلاح
الصفدي في حوادث سنة ٦٠٣ : فيها توفي الملك المسعود بن صلاح الدين يوسف بن أيوب
بمدينة رأس عين ، وكان قد نام في بيت ومعه ثلاث من خدمه وعندهم منقل نار ولا منفذ
في البيت ، فانعكس البخار فأخذ على أنفاسهم فماتوا جميعا ، فحمل المسعود في محفة
إلى حلب ودفن فيها ا ه.
١٥٠ ـ أبو الفضل بن
يامين الطبيب اليهودي المتوفى سنة ٦٠٤
أبو الفضل بن
يامين اليهودي الحلبي المعروف بالشريطي من يهود حلب ، قرأ على شرف الدين الطوسي
عند وروده إلى حلب ، وكان الشرف مع إحكامه لعلم الرياضة يحكم أشياء أخر من أصول ،
فأخذ هذا اليهودي عنه أطرافا من علوم القوم أحكم منها علم العدد وعلم حل الزيج
وتسيير المواليد وعملها ، وشارك في غير ذلك مشاركة غير مفيدة ، وكان يعاني
في أول أمره جر الشريط ، وكان مجفوا من اليهود ، وربما عانى شيئا من الطب
لأوساط الناس ، ثم غلبت عليه السوداء فأفسدت منه محل التخيل. ومات في شهور سنة
أربع وستمائة ولم يخلف وارثا ا ه (أخبار العلماء).
١٥١ ـ الحسين بن هبة الله الموصلي المتوفى بعد الستمائة
الحسين بن هبة
الله الموصلي المعروف بضياء الدين بن زاهر ، ويعرف بدهن الحصا ، النحوي الأديب
الشاعر. قال في البدر السافر : تصدر لإقراء العربية في الموصل وتقرب عند ملكها ،
ثم تغير فسافر إلى صلاح الدين وخدم ابنه بحلب ، فرتب له راتبا على الإقراء إلى أن
مات بعد الستمائة. ومن شعره :
يبتهج الناس
بأعيادهم
|
|
لأجل ذبح
ولإفطار
|
وإنما عظم
سروري بها
|
|
للثم من أهوى
بلا عار
|
أرقبها حولا
إلى قابل
|
|
لأنها غاية
أوطاري
|
ا ه (بغية
الوعاة).
١٥٢ ـ القاضي أسعد بن ممّاتي المصري المتوفى بحلب سنة ٦٠٦
القاضي الأسعد
أبو المكارم أسعد بن الخطير أبي سعيد مهذب بن مينا بن زكريا بن أبي قدامة بن أبي
مليح مماتي المصري الكاتب الشاعر. كان ناظر الدواوين بالديار المصرية ، وفيه فضائل
وله مصنفات عديدة ، ونظم سيرة السلطان صلاح الدين ونظم كتاب كليلة ودمنة ، وله ديوان شعر رأيته بخط ولده
، فمن ذلك قوله :
__________________
تعاتبني
وتنهى عن أمور
|
|
سبيل الناس
أن ينهوك عنها
|
أتقدر أن
تكون كمثل عيني
|
|
وحقك ما عليّ
أضر منها
|
وله في شخص
ثقيل رآه بدمشق :
حكى نهرين ما
في الأر
|
|
ض من يحكيهما
أبدا
|
حكى في خلقه
ثورا
|
|
وفي أخلاقه
بردى
|
وله في غلام
نحوي :
وأهيف أحدث
لي نحوه
|
|
تعجبا يعرب
عن ظرفه
|
علامة
التأنيث في لفظه
|
|
وأحرف العلّة
في طرفه
|
وله :
سمراء قد
أزرت بكل أسمر
|
|
بلونها
ولينها وقدّها
|
أنفاسها دخان
ندّخالها
|
|
وريقها من
ماء ورد خدّها
|
لو كتب البدر
إلى خدمتها
|
|
رسالة ترجمها
بعبدها
|
وله :
وأكتم السر
حتى عن إعادته
|
|
إلى المسرّ
به من غير نسيان
|
وذاك أن
لساني ليس يعلمه
|
|
سمعي بسرّ
الذي قد كان ناجاني
|
وكان الأسعد
المذكور قد خاف على نفسه من الوزير صفي الدين بن شكر ، فهرب من مصر مستخفيا وقصد
مدينة حلب لائذا بجناب السلطان الملك الظاهر رحمهالله ، وأقام بها حتى توفي سنة ست وستمائة وعمره اثنتان
وستون سنة ودفن في المقبرة المعروفة بالمقام على جانب الطريق بالقرب من مشهد الشيخ
علي الهروي. ومماتي بفتح الميمين والثانية منهما مشددة وهو لقب أبي مليح المذكور ،
وكان نصرانيا أسلم هو وجماعته في ابتداء الملك الصالحي ، وإنما قيل له مماتي لأنه
وقع في مصر غلاء عظيم وكان كثير الصدقة والإطعام وخصوصا لصغار المسلمين ، فكانوا
إذا رأوه ناداه كل واحد منهم مماتي فاشتهر به.
وقال أبو طاهر
بن مكنة المغربي يرثيه بهذين البيتين :
طويت سماء
المكرما
|
|
ت وكوّرت شمس
المديح
|
من ذا أؤمل
أو أرجّي
|
|
بعد موت أبي
المليح
|
ا ه (ابن خلكان).
وله في معجم
الأدباء لياقوت ترجمة حافلة نقتضب منها ما ذكره من حين خروجه من مصر قاصدا حلب
وسبب ذلك ، قال :
كان بين الأسعد
وبين الصفي عبد الله بن علي بن شكر ذحل قديم أيام رئاسته عليه ، ووقعت من الأسعد
إهانة في حق ابن شكر فحقدها عليه إلى أن تمكن منه ، فلما ورد مصر أحضر الأسعد إليه
وأقبل بكليته عليه وفوض إليه جميع الدواوين التي كانت باسمه قديما ، وبقي على ذلك
سنة كاملة ، ثم عمل له المؤامرات ووضع عليه المحالات وأكثر فيه التأويلات ولم
يلتفت إلى أعذاره ولا أعاره طرفا لاعتذاره ، فنكبه نكبة قبيحة ووجه عليه أموالا
كثيرة وطالبه بها ، فلم يكن له وجه لأنه كان عفيفا ذا مروءة ، فأحال عليه الأجناد
فقصدوه وطالبوه ، وأكثروا عليه وآذوه ، واشتكوه إلى ابن شكر فحكمهم فيه. فحدثني
المؤيد إبراهيم بن يوسف الشيباني قال : سمعت الأسعد يقول علّقت في المطالبة على
باب داري بمصر على ظهر الطريق في يوم واحد إحدى عشرة مرة ، فلما رأوا أنني لا وجه
لي قيل لي : تحيّل ونجّم هذا المال عليك في نجوم ، فقلت : أما المال فلا وجه له
عندي ، ولكن إن أطلقت وملكت نفسي استجديت من الناس وسألت من يخافني ويرجوني ،
فلعلي أحصل من هذا الوجه ، فأما من وجه حاصل فليس لي بعد ما أخذتموه مني درهم واحد
، فنجّم المال عليّ وأطلقت وبقيت مديدة إلى أن حل بعض نجوم المال عليّ ، فاختفيت
واستترت وقصدت القرافة وأخفيت نفسي في مقبرة الماذرائيين وأقمت بها مدة عام كامل ،
وضاق الأمر عليّ فهربت قاصدا للشام على اجتهاد من الأستاذ ، فلحقني في بعض الطريق
فارس مجد فسلم علي وسلم إليّ مكتوبا ، ففضضته وإذا هو من الصفي بن شكر يذكر فيه : لا
تحسب أن اختفاءك عني كان بحيث لا أدري أين أنت ولا أين مكانك ، فأعلم أن أخبارك
كانت تأتيني يوما يوما ، وأنك كنت في قبور الماذرائيين بالقرافة منذ يوم كذا ،
وأنني اجتزت هناك واطلعت فرأيتك بعيني ، وأنك لما خرجت هاربا عرفت خبرك ، ولو أردت
ردّك لفعلت ، ولو علمت أنك قد بقي لك مال أو حال لما تركتك ، ولم يكن ذنبك عندي
مما يبلغ أن أتلف معه نفسك ، وإنما كان مقصودي أن أدعك تعيش خائفا فقيرا
ممججا في البلاد ، فلا تظن أنك هربت مني بمكيدة صحت لك عليّ ، فاذهب إلي غير دعة
الله. قال : وتركني القاصد وعاد ، فبقيت مبهوتا إلى أن وصلت إلى حلب. فحدثني
الصاحب جمال الدين الأكرم أدام الله علّوه : لما ورد إلى حلب نزل في داري فأقام
عندي مدة وذلك في سنة ٦٠٤ ، وعرف الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين خبره فأكرمه
وأجرى عليه. في كل يوم دينارا صوريا وثلاثة دنانير أخرى أجرة دار ، فكان يصل إليه
في كل ثلاثة أشهر ثلاثون دينارا غير بر وألطاف ما كان يخليه منها ، وأقام عنده على
قدم العطلة إلى سنة ٦٠٦ كما ذكرنا ، ومات فدفن بظاهر حلب بمقام بقرب قبر أبي بكر
الهروي. وله تصانيف كثيرة يقصد بها قصد التأدب وفي معرض وقائع تجري ويعرضها على
الأكابر لم تكن مفيدة إفادة علمية ، وإنما كانت شبيهة بتصانيف الثعالبي وأضرابه (سردها
في المعجم جميعها وهي تزيد على عشرين مؤلفا) ثم قال :
وكان له نوادر
حسنة حادة ، منها ما حدثني به الصاحب القاضي الأكرم قال : ركبنا وخرجنا يوما نسير
بظاهر حلب ، فكان خروجنا من أحد أبوابها ، ودرنا سور البلد جميعه ثم دخلنا من ذلك
الباب فقال : اليوم تسييرنا تدليك ، قلت : كيف؟ قال : من برّا برّا.
وكان السديد بن
المنذر وهو رجل فقيه اتصل بالسلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بعض الاتصال ، فجعل
لنفسه بذلك سوقا واستجلب بما يمتّ به من ذلك وإن كان باطلا رزقا ، وكان أعور رديئا
قليل الدين بغيضا ، ولما أحدث الملك الظاهر غازي قناة الماء بحلب وأجراها في
شوارعها ودور الناس فوض إلى ابن المنذر النظر في مصالحها ورزق على ذلك رزقا حسنا
نحو ثلاثمائة درهم في الشهر ، فسأل عنه الأمير فارس الدين ميمون القصري والأسعد بن
مماتي حاضر ، فقال له مسرعا : هو اليوم مستخدم على قناة ، فأعجب بحسن هذه النادرة
الحاضرين.
وقيل للأسعد
يوما : أي شيء يشبه ابن المنذر؟ فقال : يشبه الزب ، فاستبردوا ذلك وظنوا أنه إنما
ذهب إلى عورة فقط ، فقال : مالكم لا تسألونني كيف يشبهه؟ فقالوا :
__________________
كيف؟ قال : هو أقرع أصلع أعور ، يسمع بلا أذن ، يدخل المداخل الرديئة بحدة
واجتهاد ويرجع منكسرا. فاستحسن ذلك.
وله شعر ، من
ذلك قوله في الثلج في رجب سنة ٦٠٥ :
قد قلت لما
رأيت الثلج منبسطا
|
|
على الطريق
إلى أن ضلّ سالكها
|
ما بيّض الله
وجه الأرض في حلب
|
|
إلا لأن غياث
الدين مالكها
|
وقال أيضا فيه
:
لما رأت عيني الثلج ساقطا كالأقاحي
وصار ليل الثرى منه أبيضا كالصباح
حسبت ذلك من ذوب در عقد الوشاح
أو من حباب
الحميّا
|
|
أو من ثغور الملاح
|
فما على داخل النار
بعد ذا من جناح
وقال أيضا فيه
:
بسيف غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب دام القتل واتصل الفتح
وشاهدته في الدست
والثلج دونه
|
|
فقلت سليمان
بن داود والصرح
|
وقال أيضا فيه
:
مذ رأينا
الصبح يزدا
|
|
ن ويزداد
انفراشا
|
وحسبنا نوره
يط
|
|
رد من خلف
الفراشا
|
نثر الثلج
علينا
|
|
ياسمينا
وفراشا
|
ورأى أن يرسل
الأس
|
|
هم بالبرد
فراشا
|
فغدا الكافور
في عن
|
|
برة الأرض
فراشا
|
وقال أيضا فيه
:
لما رأت عيني الثلج خلته الياسمينا
__________________
وقلت من عجب منه أصبح الآس مينا
وخلته من ثغور الملاح للّاثمينا
فما أرادوا
من الد
|
|
ر قطّ إلا ثمينا
|
|
وقال فيه أيضا
:
لما رأيت
الثلج قد
|
|
أصحت به
الأرض سما
|
وأنست الصبي
الصبا
|
|
وأذكرت جهنما
|
خفت فما فتحت
من
|
|
تعاظم الخوف
فما
|
فإن نما صبري
وه
|
|
وناقص فإنما
|
وقال فيه أيضا
:
لما رأيت
الثلج قد
|
|
غطّى الوهاد
والقنن
|
سألت أهل حلب
|
|
هل تمطر
السما اللبن
|
نقل من خطه ومن
شعره أيضا :
وحياة ذاك
الوجه بل وحياته
|
|
قسم يريك
الحسن في قسماته
|
لأرابطنّ على
الغرام بثغره
|
|
لأفوز
بالمرجوّ من حسناته
|
وأجاهدن
عواذلي في حبّه
|
|
بالمرهفات
عليّ من لحظاته
|
قد صيغ من
ذهب وقلّد جوهرا
|
|
فلذاك ليس
يجوز أخذ زكاته
|
وله أيضا :
يعاهدني أن
لا يخون وينكث
|
|
ويحلف لي ألا
يصدّ ويحنث
|
ومن أعجب
الأشياء أنك ساكن
|
|
بقلبي وأني
عن مكانك أبحث
|
وللحسن يالله
طرف مذكّر
|
|
يتيه به عجبا
وطرف مؤنّث
|
١٥٣ ـ علي بن محمد بن خروف النحوي
الأندلسي المتوفى سنة ٦٠٩
علي بن محمد بن
خروف الأندلسي ، حضر من إشبيلية وكان إماما في العربية محققا مدققا ماهرا عارفا
مشاركا في علم الأصول ، صنف شرحا لكتاب سيبويه جليل الفائدة
وحمله إلى صاحب المغرب فأعطاه ألف دينار ، وشرحا للجمل ، وكتابا في
الفرائض. وله رد على أبي زيد السهيلي وعلى جماعة في العربية. أقرأ النحو في بلاد
عديدة ، وأقام بحلب مدة ، واختل عقله بأخرة حتى مشي في الأسواق عريانا بادي العورة
مكشوف الرأس. وتوفي سنة تسع وستماية.
ومن شعره في
كأس :
أنا جسم
للحميّا
|
|
والحميّا لي
روح
|
بين أهل
الظرف أغدو
|
|
كلّ يوم
وأروح
|
وقال في مليح
حبسه القاضي :
أقاضي
المسلمين حكمت حكما
|
|
أتى وجه
الزمان به عبوسا
|
حبست على
الدرهم ذا جمال
|
|
ولم تحبسه إذ
سلب النفوسا
|
كتب إلى قاضي
القضاة محيي الدين بن الزكي يستقيله من مشارفة مارستان نور الدين ، وكان بوابه
يسمى السّيد وهو في اللغة الذئب :
مولاي مولاي
أجرني فقد
|
|
أصبحت في دار
الأسى والحتوف
|
وليس لي صبر
على منزل
|
|
بوّابه
السّيد وجدّي خروف
|
ودعاه نجم
الدين بن اللهيب إلى طعامه فلم يجبه وكتب إليه :
ابن اللهيب
دعاني
|
|
دعاء غير
نبيه
|
إن سرت يوما
إليه
|
|
نوى الذي في
أبيه
|
وقال أيضا :
يا ابن
اللهيب جعلت مذهب مالك
|
|
يدعو الأنام
إلى أبيك ومالك
|
يبكى الهدى ملء
الجفون وإنما
|
|
ضحك الفساد
من الصلاح الهالك
|
وقد قال فيه
أيضا :
لابن اللهيب
مذهب
|
|
في كل غي قد
ذهب
|
يتلو الذي
يبصره
|
|
تبّت يدا أبي
لهب
|
وقال في نيل
مصر :
ما أعجب
النيل ما أحلى شمائله
|
|
في ضفتيه من
الأشجار أرواح
|
من جنة الخلد
فيّاض على ترع
|
|
تهبّ فيها
هبوب الريح أرواح
|
ليست زيادته
ماء كما زعموا
|
|
وإنما هي
أرزاق وأرواح
|
ا ه من فوات
الوفيات (لابن شاكر).
وذكر ابن خلكان
في ترجمة القاضي بهاء الدين بن شداد المتوفى سنة ٦٣٢ قال : أخبرني جماعة ممن كانوا
عنده قبل وصولنا إليه أنه قدم عليه الأديب نظام الدين علي بن محمد القيسي القرطبي
المعروف بابن خروف الشاعر المشهور ، فكتب إليه رسالة وفي أولها أبيات يستجديه فروة
قرظ ، وهي :
بهاء الدين
والدنيا
|
|
ونور المجد
والحسب
|
طلبت مخافة
الأنوا
|
|
ء من نعماك
جلد أبي
|
وفضلك عالم
أني
|
|
خروف بارع
الأدب
|
حلبت الدهر
أشطره
|
|
وفي حلب صفا
حلبي
|
ذو الحسب
الباهر ، والنسب الزاهر ، يسحب ذيول سيراء السرّاء ، ويحب النحاة من أجل الفرّاء ،
ويمن على الخروف النبيه ، بجلد أبيه ، قاني الصباغ ، قريب عهد بالدباغ ، ما ضل
طالب قرظة ولا ضاع ، بل ذاع ثناء صانعه وضاع ، أثيث خمائل الصوف ، يهزأ من الرياح
بكل هوجاء عصوف ، إذا ظهر إهابه ، يخافه البرد ويهابه ، ما في الثياب له ضريب ،
إذا نزل الجليد والضريب ، ولا في اللباس له نظير ، إذا عري من ورقه الغصن النضير ،
لا كطيلسان ابن حرب ، ولا جلد عمرو الممزق بالضرب ، كأنه من جلد حمل الحربا ، الذي
يراعي البدور والنجم لا من جلد السخلة الجربا ، التي ترعى الشجر والنجم ، فرجي
النوع ، أرجي الضوع ، ليكون تارة لحافا وتارة بردا ، وهو في الحالين يحيي حرا
ويميت بردا ، لا يزال مهديه سعيدا ، ينجز للأولياء وعدا وللأعداء وعيدا ، إن شاء
الله تعالى والسلام.
قال ابن خلكان
: وفي هذه الرسالة كلام يحتاج إلى ايضاح ، وهو قوله : (لاكطيلسان
ابن حرب) ، وهو مثل مشهور بين الأدباء ، فإذا كان الشيء باليا شبهوه
بطيلسان ابن حرب ، ولذلك سبب لابد من ذكره وهو أن أحمد بن حرب ابن أخي يزيد المهلي
أعطى أبا علي إسماعيل بن إبراهيم بن حمدويه البصري الحمدوي الشاعر الأديب طيلسانا
خليعا ، فعمل فيه الحمدوي مقاطيع عديدة ظريفة سارت عنه وتناقلتها الركبان ، فمن
ذلك قوله من أبيات :
يا ابن حرب
كسوتني طيلسانا
|
|
ملّ من صحبة
الزمان فصدّا
|
طال ترداده
إلى الرفو حتى
|
|
لو بعثناه
وحده لتهدّا
|
وساق ابن خلكان
ما قاله الحمدوي من الشعر في هذا الطيلسان ويطول الشرح لو نقلنا هنا جميع ما قاله.
ثم قال : ويقال إنه عمل في هذا الطيلسان مائتي مقطوع في كل مقطوع معنى بديع. وأما
قوله : (ولا جلد عمر والممزق بالضرب) فيريد قول النحاة : ضرب زيد عمرا ، فإنهم
أبدا يستعملون هذا المثال ولا يمثلون بغيره ، فكأنهم يمزقون جلده لكثرة الضرب ا ه.
أقول : يوجد
نسخة من شرحه لكتاب سيبويه في الخزانة التيمورية بمصر ، إلا أنها ناقصة من أولها.
١٥٤ ـ أبو الحجاج يوسف الإسرائيلي الطبيب المتوفى أوائل هذه المائة
أبو الحجاج
يوسف الإسرائيلي مغربي الأصل من مدينة فاس ، وأتى إلى الديار المصرية ، وكان فاضلا
في صناعة الطب والهندسة وعلم النجوم ، واشتغل في مصر بالطب على الرئيس موسى بن
ميمون القرطبي ، وسافر يوسف بعد ذلك إلى الشام وخدم الملك الظاهر غازي ابن الملك
الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ، وكان يعتمد عليه في الطب ، وخدم أيضا الأمير
فارس الدين ميمون القصري.
ولم يزل أبو
الحجاج يوسف مقيما في حلب ويدرس في صناعة الطب إلى أن توفي بها.
وله من الكتب
رسالة في ترتيب الأغذية اللطيفة والكثيفة في تناولها. شرح الفصول لأبقراط ا ه (طبقات
الأطباء).
١٥٥ ـ عيسى بن سعدان الشاعر المتوفى بعد الستمائة
قال ياقوت في
المعجم في الكلام على جبل السمّاق : إنه جبل عظيم من أعمال حلب الغربية ، يشتمل
على مدن كثيرة وقرى وقلاع عامتها للإسماعيلية الملحدة ، وأكثرهم في طاعة صاحب حلب
، وفيه بساتين ومزارع كلها عذي ، والمياه الجارية به قليلة إلا ما كان من عيون
ليست بالكثيرة في مواضع مخصوصة ، ولذلك تنبت فيه جميع أشجار الفواكه وغيرها حتى
المشمش والقطن والسمسم وغير ذلك. وقيل إنه سمي بذلك لكثرة ما ينبت فيه من السمّاق.
وقد ذكره شاعر حلبي عصري يقال له عيسى بن سعدان ولم أدركه فقال :
وليلة بتّ
مسروق الكرى أرقا
|
|
ولهان أجمع
بين البرء والخبل
|
حتى إذا نار
ليلي نام موقدها
|
|
وأنكر الكلب
أهليه من الوهل
|
طرقتها ونجوم
الليل مطرقة
|
|
وحلت عنها
وصبغ الليل لم يحل
|
عهدي بها في
رواق الصبح لامعة
|
|
تلوي ضفائر
ذاك الفاحم الرجل
|
وقولها وشعاع
الشمس منخرط
|
|
حييت يا جبل
السمّاق من جبل
|
يا حبذا
التلعات الخضر من حلب
|
|
وحبذا طلل
بالسفح من طلل
|
يا ساكني
البلد الأقصى عسى نفس
|
|
من سفح جوشن
يطفي لاعج الغلل
|
طال المقام
فواشوقا إلى وطن
|
|
بين الأحصّ
وبين الصحصح الرمل
|
ماذا يريد
الهوى مني وقد علقت
|
|
إني أنا
الأرقم ابن الأرقم الدغل
|
البيت الأخير
من تاريخ ابن شداد.
وأورد له في
الكلام على باب الجنان قوله :
يا لبرق كلما
لاح على
|
|
حلب مثّلها
نصب عياني
|
بات كالمذبوب
في شاطي قويق
|
|
ناشر الطرّة
مسحوب الجران
|
كلما مرت به
ناسمة
|
|
موهنا جنّ
على باب الجنان
|
ليت شعري من
ترى أرسله
|
|
أنسيم البان
أم رفع الدخان
|
وأورد له في
الكلام على فامية وليلون :
يا دار علوة
ما جيدي بمنعطف
|
|
إلى سواك ولا
قلبي بمنجذب
|
ويا قرى
الشام من ليلون لا بخلت
|
|
على بلادكم
هطّالة السحب
|
ما مر برقك
مجتازا على بصري
|
|
إلا وذكرني
الدارين من حلب
|
ليت العواصم
من شرقي فامية
|
|
أهدت إليّ
نسيم البان والغرب
|
ما كان أطيب
أيامي بقربهم
|
|
حتى رمتني
عوادي الدهر من كثب
|
وأورد له في
الكلام على الدارين ، وهو ربض الدارين بحلب ، وهو مكان نزه خارج باب أنطاكية قوله
:
يا سرحة
الدارين أية سرحة
|
|
مالت ذوائبها
عليّ تحنّنا
|
أرسى بواديك
الغمام ولا غدا
|
|
نفس الخزامى
الحارثيّ وجوشنا
|
أمنفّرين
الوحش من أبياتكم
|
|
حبا لظبيكم
أسا أو أحسنا
|
أشتاقه
والأعوجية دونه
|
|
ويصدني عنه
الصوارم والقنا
|
وأورد له
أبياتا في الكلام على دابق ذكرناها في الجزء الأول (ص ١٢٠).
١٥٦ ـ علي بن أبي بكر الهروي المتوفى سنة ٦١١
أبو الحسن علي
بن أبي بكر بن علي الهروي الأصل الموصلي المولد السايح المشهور نزيل حلب. طاف
البلاد وأكثر من الزيارات ، وكاد يطبق الأرض بالدوران ، فإنه لم يترك برا ولا بحرا
ولا سهلا ولا جبلا من الأماكن التي يمكن قصدها ورؤيتها إلا رآه ، ولم يصل إلى موضع
إلا كتب خطه في حائطه ، ولقد شاهدت ذلك في البلاد التي رأيتها مع كثرتها. ولما سار
ذكره بذلك واشتهر به ضرب به المثل فيه.
ورأيت لبعض
المعاصرين وهو ابن شمس الخلافة جعفر بيتين في شخص يستجدي من الناس بأوراقه ، وقد
ذكر فيهما هذه الحالة ، وهما :
أوراق كديته
في بيت كل فتى
|
|
على اتفاق
معان واختلاف روي
|
قد طبّق
الأرض من سهل ومن جبل
|
|
كأنه خطّ ذاك
السائح الهروي
|
__________________
وإنما ذكرت
البيتين استشهادا بهما على ما ذكرته من كثرة زيارته وكتب خطه.
وكان مع هذا
فيه فضيلة وله معرفة بعلم السيميا ، وبه تقدم عند الملك الظاهر بن السلطان صلاح
الدين صاحب حلب ، وأقام عنده وكان كثير الرعاية له.
وبنى له مدرسة
بظاهر حلب وفي ناحية منها قبة وهو مدفون فيها ، وفي تلك المدرسة بيوت كتب على باب
كل بيت منها ما يليق به. ورأيته كتب على باب الميضاة : بيت المال في بيت الماء ،
ورأيت في قبته معلقا عند رأسه غصنا وهو حلقة خلقية ليس فيه صنعة وهو أعجوبة ، وقيل
إنه رآه في بعض سياحاته فاستصحبه وأوصى أن يكون عند رأسه ليعجب منه من يراه.
وله مصنفات
منها : «كتاب الإشارات في معرفة الزيارات» ، وكتاب «الخطب الهروية» ، وغير ذلك.
ورأيت في بعض
حائط الموضع الذي يلقي فيه الدروس من المدرسة المذكورة بيتين مكتوبين بخط حسن
وكأنهما كتابة رجل فاضل نزل هناك قاصدا الديار المصرية ، فأحببت ذكرهما لحسنهما
وهما :
رحم الله من
دعا لأناس
|
|
نزلوا ها هنا
يريدون مصرا
|
نزلوا
والخدود بيض فلما
|
|
أزف البين
عدن بالدمع حمرا
|
وتوفي في شهر
رمضان في العشر الأوسط سنة إحدى عشرة وستمائة في المدرسة المذكورة ، ودفن في القبة
رحمهالله تعالى.
والهروي بفتح
الهاء والراء وبعدها واو وهذه النسبة إلى مدينة هراة وهي إحدى كراسي مملكة خراسان
، بناها الإسكندر ذو القرنين عند مسيره إلى المشرق ا ه (ابن خلكان).
قال في كنوز
الذهب : قال جمال الدين بن واصل : كان عارفا بأنواع الحيل والشعبذة ،
__________________
وصنف خطبا وقدمها للناصر لدين الله ، فوقّع له بالحسبة في سائر البلاد
وإحياء ما شاء من الموات والخطابة بحلب.
وكان هذا
التوقيع بيده له به شرف ولم يباشر شيئا من ذلك. انتهى. قلت : قد سمع من عبد المنعم
الفراوي تلك الأربعين السباعية ، وروى عنه الصدر البكري وغيره ، ورأيت له المزارات
والمشاهد التي عاينتها في البلاد ا ه.
أقول : موضع
المدرسة وراء الرباط المشهور الآن بجامع الفردوس خارج محلة باب المقام ، بين
المدرسة والرباط مقدار رمية سهم ، ولم يبق منها إلا آثار جدرانها وأحجار بابها ،
وحولها كرم ، وقبره باق ضمن القبة مكتوب عليه وعلى أطرافه آية : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ... إلخ ، فسبحان الباقي بعد فناء خلقه.
وذكر له في
الكشف من المؤلفات : «منازل الأرض ذات الطول والعرض». قال : وذكر في إشاراته أنه
كتبه واستوعب فيه ما قدر عليه ووصل إليه في سياحته.
وذكر له جرجي
زيدان في تاريخ آداب اللغة العربية (صحيفة ٨٨ جلد ٣) من المؤلفات «التذكرة الهروية
في الحيل الحربية» قال : وهو من كتب السياسة والحرب ضمنه ما يحتاج إليه الملوك في
سياسة الرعية وما يعتمدون عليه في الحرب وما يدخرونه لدفع المشكلات مما يؤول إلى
بقاء دولتهم وحفظ بلادهم ، في (٢٤) بابا في واجبات السلطان والوزراء والحجاب
والولاة والقضاة وأرباب الديوان والجلساء والرسل والحيلة في إرسالهم والجواسيس
وأصحاب الأخبار وجمع المال والذخائر وآلة الحرب وبناء الحصون وغير ذلك. منه نسخة
في المكتبة السلطانية في جملة كتب أحمد زكي باشا في ١٥٦ صحيفة ا ه.
تتمة الكلام على المدرسة الهروية
تكلمنا في
الجزء الثاني في صحيفة (١٨٤) على هذه المدرسة. ثم وجدت أبا ذر في كنوز الذهب تكلم
عليها فأحببت إلحاق ما ذكره هنا تتمة للفائدة ، قال :
هذه المدرسة
خارج باب المقام. قال ابن شداد : أنشأها الشيخ أبو الحسن علي بن
__________________
أبي بكر الهروي. وأعلم أن الشيخ عليا المذكور مدفون في قبة جانب هذه
المدرسة ، وبناء القبة قيل هو كهيئة الكعبة ، فلذلك كانت خاملة في الزايات ، ومكتوب عليها حكم ومواعظ ، وبها بئر من خارجها تنسب
إلى سيدنا الخليل عليهالسلام ، وقد قال الهروي المذكور : إن هذه البئر ظهرت بهذه
التربة. ومن المواعظ التي على تربته من كلامه :
قل لمن يغترّ
بالدنيا وقد طال عناه
|
|
هذه تربة من
شيد هذا وبناه
|
طال ما أتعبه
الحرص وقد هدّ قواه
|
|
طلب الراحة
في الدنيا فما نال مناه
|
سلكت القفار
وطفت الديار وركبت البحار ، ورأيت الآثار وسافرت البلاد وعاشرت العباد ، فلم أجد
صديقا صادقا ، ولا رفيقا موافقا ، فمن قرأ هذا الخط فلا يغتر بأحد قط. ابن آدم دع
الاحتيال فما يدوم حال ، ولا تغالب التقدير فلن يفيد التدبير ، ولا تحرص على جمع
مال ينتقل إلى من لا ينفعك شكره ويبقى عليك وزره. سبحان مشتت العباد في البلاد ،
وقاسم الأرزاق في الآفاق ، هذه تربة الغريب الوحيد علي بن أبي بكر الهروي ، عاش
غريبا ومات وحيدا ، لا صديق يدنيه ولا خليل ينعيه ، ولا أهل يرونه ولا إخوان
يقصدونه ، ولا ولد يطلبه ولا زوجة تنادمه. آنس الله وحدته ورحم غربته. وهو القائل
:
طفت البلاد
مشارقا ومغاربا
|
|
ولكم صحبت
لسائح وحبيس
|
ورأيت كلّ
غريبة وعجيبة
|
|
ورأيت هولا
في رخا وبؤوسي
|
أصبحت من تحت
الثرى في وحدة
|
|
أرجو إلهي أن
يكون أنيسي
|
الطمع يذل
الأنفس العزيزة ويستخدم العقول الشريفة.
(وعلى قبره) :
يا عزيز أرحم الذليل ، يا قادر ارحم العاجز. يا باقي ارحم الفاني ، يا حي ارحم
الميت. اللهم إني ضيفك ونزيلك وفي جوارك وفي حرمك. وأنت أول من أكرم ضيفه ورحم
جاره وأعان نزيله ، يا رب يا مغيث.
__________________
(وعلى باب خارج
تربته في الحوش) : فرّ من الخلق فرارك من الأسد.
(وعلى باب
الميضاة) : بيت المال في بيت الماء.
وأول من درّس
بها في زمانه موفق الدين أبو القاسم بن عمر الكردي الحميدي ، ولم يزل مدرسا بها
إلى أن خرج عنها ، وكانت وفاته سنة عشر وستماية. ثم درّس فيها الشيخ الإمام شمس
الدين حامد بن أبي العميد القزويني ، ولم يزل مدرسا بها إلى أن توفي ثامن عشري
جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وستماية ، ومولده سنة ٥٤٧ ، ووليها بعده ولده عماد
الدين محمد ولم يزل بها إلى أن كانت فتنة التتر ، فدثر بعضها ولم يبق بها ساكن ،
وخرب وقفها لأنه كان سوقا بالحاضر ا ه.
١٥٧ ـ عبد القادر الرهاوي ثم الحرّاني المتوفى سنة ٦١٢
عبد القادر بن
عبد الله الفهمي الرهاوي ثم الحراني المحدث الحافظ الرحّال أبو محمد محدث الجزيرة.
ولد في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين وخمسمائة بالرها.
صنف في الفرائض
والحساب وجمع مجاميع مفيدة ، منها كتاب «الأربعين» الذي خرجه بأربعين إسنادا لا
يتكرر فيه رجل واحد من أولها إلى آخرها مما سمعه في أربعين مدينة ، وهو كبير في
مجلدتين ، وكتاب «المادح والممدوح» يتضمن ترجمة شيخ الإسلام الأنصاري وذكر من مدحه
وكذلك مادحو مادحيه ، وقد طال الكتاب بذلك. توفي يوم السبت ثاني جمادى الأولى سنة
اثنتي عشرة وستماية بحران رحمهالله ا ه (الدر المنضد).
وترجمة ابن عبد
الهادي في طبقات الحفاظ فقال : هو عبد القادر بن عبد الله الإمام الحافظ الرحّال
أبو محمد الرهاوي الحنبلي محدث الجزيرة. ولد بالرها سنة ست وثلاثين وخمسماية ونشأ
بالموصل ، وكان مملوكا لبعض التجار فأعتقه ، فطلب العلم وأقبل على الحديث ، وسمع
مسعود بن الحسن الثقفي وأبا جعفر محمد بن الحسن الصيدلاني ومعمر ابن الفاخر وعبد
الرحيم بن أبي الوفا وطبقتهم بأصبهان ، وأبا العلاء الحافظ بهمذان ، وعبد الجليل
بن أبي سعد بهراة ، وأبا محمد بن الخشاب وخلقا ببغداد ، وابن عساكر بدمشق ،
والسلفي أبا طاهر بالإسكندرية ، وسمع بنيسابور ومرو وسجستان وواسط والموصل وغيرها
، وعمل الأربعين المتباينة الإسناد في مجلد. حدث عنه ابن نقطة وزكي الدين البرزالي
والحافظ الضياء بن خليل والصريفيني وإسمعيل بن ظفر وابن عبد الكريم وعبد
العزيز بن الصيقل وابن حمدان الفقيه وآخرون.
قال ابن نقطة :
كان عالما ثقة مأمونا صالحا إلا أنه كان عسرا في الرواية لا يكثر عنه إلا من أقام
عنده.
وقال يوسف بن
خليل : كان حافظا ثبتا كثير السماع كثير التصنيف متقنا ختم به علم الحديث.
وقال أبو محمد
المنذر : كان حافظا ثقة راغبا في الإنفراد عن أرباب الدنيا. وقال أبو شامة : كان
صالحا مهيبا زاهدا ناسكا خشن العيش ورعا.
مات بحران في
جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وستماية ا ه.
وترجمه ياقوت
في معجم البلدان في الكلام على الرها ، ومما قاله : أنه سكن بالموصل بدار الحديث
المظفرية مدة يحدث ، وسكن بأخرة بحرّان ، وكان ثقة صالحا ، وأكثر سفره في طلب
الحديث والعلم كان على رجله ، وخلف كتبا وقفها بمسجد كان يسكنه بحرّان ا ه.
١٥٨ ـ مسعود بن الفضل النقاش الشاعر المتوفى سنة ٦١٣
مسعود بن الفضل
بن أبي الحسن الكامل الأديب أبو الفتح الحلبي النقاش الشاعر. كان مختصا بالظاهر
غازي. توفي بحلب سنة عشر وستمائة عن أربع وسبعين سنة ، وقيل وفاته سنة ثلاث
وستمائة والصحيح الأول. ومن شعره :
أصل تلافي من
تلافيكم
|
|
فعلموني كيف
أرضيكم
|
قلبتم قلبي
وما خلته
|
|
يشقى وقد
أصبح يؤويكم
|
أحبابنا هذا
الظلوم الذي
|
|
يقتلني في
الحب يفتيكم
|
وأيّ خلق
الله يرضى لكم
|
|
بفتّ أكباد
محبّيكم
|
لا متّعت
عيني بكم إن رأت
|
|
واستحسنت غير
معانيكم
|
ولا أسفت روحي بلقياكم
|
|
إن حدثتني
بتسليكم
|
وقال أيضا :
مالي سوى
حبكم مذهب
|
|
ولا إلى
غيركم مذهب
|
بددتم شملي
فيا هل ترى
|
|
يجمعني يوما
بكم مذهب
|
وساح دمعي في
هواكم دما
|
|
فصرت فيكم
مثلا يضرب
|
أبكي وأنتم
نصب عيني كما
|
|
يغصّ بالماء
الذي يشرب
|
وقال أيضا :
أيّ يد عندي
وأيّ منّه
|
|
للركب إن
بشّرني بهنّه
|
صاحوا الرحيل
فظللت والها
|
|
أنشد قلبي
بعد عنسهنّه
|
كالتي بالحي
قد شدوا العرى
|
|
ليلهم وأرخوا
الأعنّه
|
وما سمعت قبل
أن يرتحلوا
|
|
بمطلع الشهب
من الأسنّه
|
يا حادي
الأظعان ربّ فرج
|
|
أحدثه طيب حد
يثهنّه
|
شرعت السجوف
عن بهيّ
|
|
تحسبها
الأقمار في الدجنّه
|
وشعره كثير
منسجم من هذه النسبة.
قال أبو الفتح
المذكور : اشتريت من دمشق فاكهة بأربعين درهما وقوسين بأربعين وقصدت شيزر ، فنزلت
بخان في الربض فأخبر صاحبها مسعود بخبري فاستدعاني فدخلت عليه وقدمت له الهدية
وانشدته أبياتا غزلا ومديحا ، فلما أنهيتها أخرج من تحت طراحته خمسة دراهم وقال :
أنفق هذه عليك الليلة فطباخنا مريض ، فنزلت إلى الخان ، فلما كان صبيحة ذلك اليوم
جاءني أستاداره وقال : الأمير يسلم عليك ويقول لك : كم ثمن الفاكهة والقوسين؟ قلت
: معاذ الله أن أذكر ثمنا ، وإنما أهديتهما للأمير ، فقال : لابد ، فقلت : اشتريتهما
من دمشق بثمانين واكتريت لي ولهما بعشرين درهما ، فمضى وعاد ومعه مائة
__________________
درهم وقال : هو يعتذر إليك وما في الخزانة شيء ، فامتنعت من أخذها وخرجت من
شيزر ولم أبت بها وقلت :
ما أليق
النحس بمسعودكم
|
|
على الورى يا
ساكني شيزر
|
فيا ملوك
الأرض هموا به
|
|
فإنه والله
شيء زري
|
ا ه (الوافي
بالوفيات للصفدي).
قال في الكشف :
ديوان مسعود بن الفضل الحلبي المعروف بابن فطيس في مجلدين.
١٥٩ ـ محمد بن يوسف بن الخضر المتوفى سنة ٦١٤
محمد بن يوسف
بن الخضر بن عبد الله الحلبي ، عرف بابن الأبيض. كان والده نائبا عن قاضي القضاة
محيي الدين بن الزكي ، وتولى قضاء العسكر ثم انتقل إلى حلب ودرس بالشاذبختية. وولد
بحلب في صفر سنة ستين وخمسمائة ، ومات بحلب في رمضان سنة أربع عشرة وستمائة. وهو
القائل :
ألا كل من لا
يقتدي بأئمة
|
|
فقسمته ضيزى
عن الحق خارجه
|
فخذهم : عبيد
الله عروة قاسم
|
|
سعيد أبو بكر
سليمان خارجه
|
قال المنذري في
التكملة : مات فجأة ، صلى التراويح وسلم. وقيل إنه توفي وهو ساجد.
قال : وسمع
بحلب من والده ، وبدمشق من أبي طاهر بركات الخشوعي ، وقدم مصر وسمع بها من الحافظ
علي بن المفضل المقدسي ، ودرس بدمشق بمسجد خاتون وغيرها وحدث ا ه (ط ح قرشي).
وقال أيضا في
آخر الكتاب في باب من عرف بابن فلان : ابن الأبيض ، تفقه على والده يوسف وعلى
العلامة أبي بكر الكاساني صاحب البدايع وعلى برهان الدين مسعود ، وتفقه عليه أبو
القاسم عمر بن أحمد بن العديم مؤرخ حلب ا ه.
١٦٠ ـ عبد المطلب الهاشمي العباسي المتوفى سنة ٦١٦
عبد المطلب بن
الفضل بن عبد الملك بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن عبد الرحمن
بن عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس الحلبي الإمام افتخار الدين
المشهور بالهاشمي ، كنيته أبو هاشم ، إمام أصحاب أبي حنيفة رضياللهعنه في وقته بحلب وفقيهها. ويأتي ذكر ولده الفضل بن عبد
المطلب.
وقال ابن
العديم : ذكر أن مولده ببلخ سادس جمادى الآخرة سنة ست عشرة وستمائة ، وولي ابنه
الفضل التدريس مكانه بالحلاوية والمقدمية ا ه (ط ح قرشي).
وقال ابن
الأثير في الكامل في حوادث سنة ٦١٦ : فيها توفي عبد المطلب افتخار الدين ابن الفضل
الهاشمي العباسي الفقيه الحنفي رئيس الحنفية بحلب. روى الحديث عن عمر البسطامي
نزيل بلخ وعن أبي سعد السمعاني وغيرهما انتهى.
أقول : وهو أول
من درّس بالمدرسة الطمانية. وبهذه المناسبة أتكلم عليها فأقول :
المدرسة الطمانية :
قال أبو ذر :
هذه المدرسة بدرب الأسفريس بالقرب من حمّام الهذباني ، وقد خط سليمان بن صالح بن
علي بن عبد الله بن عباس المولود ببطياس وموته كان بحلب منازله بهذه المحلة ،
فولده بها إلى اليوم. أنشأها الأمير حسام الدين طمان النوري. وأول من درس بها
الشريف افتخار الدين عبد المطلب ، ثم آثر بها أبا حفص عمر بن حفاظ بن خليفة ابن
حفاظ المعروف بابن العقاد الحموي أحد طلبة علاء الدين الكاساني ، ثم سافر عنها
فوليها شهاب الدين أحمد بن يوسف المقدم ذكره ، ولم يزل بها إلى أن رحل إلى بغداد
سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ، فوليها بعده ضياء الدين محمد بن ضياء الدين عمر بن
حفاظ المعروف بالنحوي ، ولم يزل بها إلى أن توفي سنة اثنتين وأربعين وستمائة ،
فوليها الفقيه نجم الدين عبد الرحمن بن إدريس بن حسن الخلاطي مولدا الحلبي منشأ
وعليه انقضت الدولة الناصرية.
ثم إن تدريسها
ونظرها كان بيد شمس الدين بن أمير حاج الحنفي ، فادعى أبو بكر
من بني ابن مهاجر وله اتصال بطومان الذي بنى الخان المعروف المسبل أن هذه المدرسة لجده طومان ، فصولح بينهما وأخذ نظرها
واستقر تدريسها بيد شمس الدين المذكور. واسم بانيها على بابها طمان لا طومان.
ومن جملة
أوقافها بستان ظاهر حلب بالقرب من الكلّاسة يعرف ببستان الجورة ا ه. قال في الدر
المنتخب : وهي الآن مسكن للنساء.
أقول : درب
الأسفريس هو الزقاق الذي عن يمين جامع منكلي بغا المعروف بجامع الرومي الذي تخرج
منه إلى قلعة الشريف.
قال أبو ذر :
والدرب الآخذ إلى جامع منكلي بغا من رأس درب الأسفريس به مسجد قديم ، وجدده بعد
خرابه الحسن بن الجلّى ، وله منارة قصيرة ، وبالقرب من جامع منكلي تجاه الحمام
مسجد الأعزازي كمال الدين. وبالحضرة تكية أنشأها أخو الأبار وأبوه ا ه.
أقول : لا أثر
الآن لهذه المدرسة ولا للحمام ولا يعرف مكانهما. وأما المسجد الذي جدده ابن الجلّى
فيغلب على الظن أنه المسجد المعروف بمسجد الديري الكائن في آخر هذا الزقاق ، لأن
منارته قصيرة وآثار القدم بادية عليها وعلى المسجد. وأما التكية فلا أثر لها ولا
يعرف مكانها أيضا.
١٦١ ـ محمد بن أحمد
السلاوي الفقيه المتوفى سنة ٦١٦
محمد بن أحمد
بن يوسف بن غياث السلاوي أبو عبد الله.
قال ابن العديم
: قدم حلب في حدود الستماية وحدث بها بسيرة ابن هشام ، شيخ حسن ، وكتب الكثير ،
وله مصنفات في الفقه. وقال شيخنا قطب الدين في تاريخ مصر : قدم من المغرب واشتغل
بمصر على مذهب أبي حنيفة علي بن الشاعر وغيره ويأتي ابنه محمد. قال ابن العديم :
مات بحلب في رجب سنة ست عشرة وستمائة ودفن خارج باب الأربعين ا ه (ط ح ق).
__________________
١٦٢ ـ عبد الرحمن الكردي والد ابن الصلاح المتوفى سنة ٦١٨
أبو القاسم
صلاح الدين عبد الرحمن الكردي الشهرزوري والد الإمام أبي عمرو عثمان المشهور بابن
الصلاح صاحب كتاب المصطلح في علوم الحديث. تفقه أبو القاسم هذا على ابن عصرون ونقل
عنه ولده في نكته على المهذب. سكن حلب ودرس بالمدرسة الأسدية إلى أن مات في ذي
القعدة سنة ثمان عشرة وستمائة ا ه (ط ش للأسنوي).
زاد ابن خلكان
في تاريخه وفيات الأعيان في ترجمة ولده أبي عمرو عثمان المشهور بابن الصلاح أنه
دفن خارج باب الأربعين في الموضع المعروف بالجبيل بتربة الشيخ علي بن محمد
الفارسي. وكان مولده في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة تقديرا. وذكر أيضا أنه كان قد
دخل بغداد واشتغل بها.
١٦٣ ـ الحسن بن زهرة الحسيني المتوفى سنة ٦٢٠
أبو علي الحسن
بن زهرة الحسيني النقيب رأس الشيعة بحلب وغيرهم وجاههم وعالمهم. كان عارفا بالقرآن
والعربية والأخبار والفقه على رأي القوم ، وكان متعينا للوزارة ، بعث رسولا إلى
العراق وغيرها ، انتكب بموته الشيعة. ا ه (العبر في خبر من غبر) في وفيات سنة عشرين
وستماية.
١٦٤ ـ سليمان بن عمر الحرّاني المتوفى بعد سنة ٦٢٠
سليمان بن عمر
بن سالم بن المشبك الحرّاني الفقيه الأصولي كمال الدين أبو الربيع. له تصانيف
كثيرة في الأصلين والخلاف والمذهب ، منها : عبادات ، ومختصر الهداية ، والوفاق
والخلاف بين الأئمة الأربعة ، ومسائل خلاف في أصول فقه ، وكتاب الراجح في أصول
الفقه ، واعتقاد أهل حران ، ونفي الآفات عن آيات الصفات ، وصرف الالتباس عن بدعة
قرا الأخماس ، وغير ذلك . توفي بحرّان بعد العشرين والستماية ا ه (الدر النضيد).
__________________
١٦٥ ـ محمد بن أبي القاسم الخضر بن تيميّة الحرّاني المتوفى سنة ٦٢١
أبو عبد الله
محمد بن أبي القاسم الخضر بن علي بن عبد الله المعروف بابن تيمية الحرّاني الملقب
فخر الدين الخطيب الواعظ الفقيه الحنبلي. كان فاضلا تفرد في بلاده بالعلم ، وكان
المشار إليه في الدين ، لقي جماعة من العلماء وأخذ عنهم العلوم ، وقدم بغداد وتفقه
بها على أبي الفتح بن المني ، وسمع الحديث بها من شهدة بنت الإبري وابن البطي
وغيرهم ، وصنف في مذهب الإمام أحمد بن حنبل مختصرا أحسن فيه. وله ديوان خطب مشهور
وهو في غاية الجودة ، وله تفسير القرآن الكريم ، وله نظم حسن. وكانت إليه الخطابة
بحران ولأهله من بعده. ولم يزل أمره جاريا على سداد وصلاح حال. ومولده في أواخر
شعبان سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة بمدينة حران ، وتوفي بها في حادي عشر صفر سنة
إحدى وعشرين وستماية رحمهالله تعالى.
قال المظفر سبط
ابن الجوزي في حقه : كان ضغينا بحران ، متى نبغ فيها أحد لا يزال وراءه حتى يخرجه
منها ويبعده عنها ، وسمعته في جامع حران يوم الجمعة بعد الصلاة ينشد :
أحبابنا قد
نذرت مقلتي
|
|
لا تلتقي
بالنوم أو تلتقي
|
رفقا بقلب
مغرم واعطفوا
|
|
على سقام
الجسد المعرق
|
كم تمطلوني
بليالي اللقا
|
|
قد ذهب العمر
ولم نلتق
|
وذكره أبو يوسف
محاسن بن سلامة بن خليفة الحراني في تاريخ حران وأثنى عليه ثم قال : توفي يوم
الخميس بعد العصر عاشر صفر سنة اثنتين وعشرين وستماية .
وذكره أبو
البركات ابن المستوفي في تاريخ إربل فقال : ورد إربل حاجا في سنة أربع وستماية.
وذكر فضله وقال : كان يدرس التفسير في كل يوم ، وهو حسن القصص حلو الكلام مليح
الشمائل وله القبول التام عند الخاص والعام ، وكان أبوه أحد الأبدال والزهاد ،
وتفقه بحران وببغداد ، وكان صادقا في المناظرات ، صنف مختصرات في الفقه وخطبا سلك
__________________
فيها مسلك ابن نباتة. وكان بارعا في تفسير القرآن وجميع العلوم له فيها يد
بيضاء ، وسمع من مشايخ الحديث ببغداد ، وأنشد له :
سلام عليكم
مضى ما مضى
|
|
فراقي لكم لم
يكن عن رضا
|
سلوا الليل
عني مذ غبتم
|
|
أجفني بالنوم
هل أغمضا
|
أأحباب قلبي
وحقّ الذي
|
|
بمرّ الفراق
علينا قضى
|
لئن عاد عيد
اجتماعي بكم
|
|
وعوفيت من
كارث أمرضا
|
لألتقين
مطاياكم
|
|
بوجهي وأفرشه
في الفضا
|
ولو كان حبوا
على جبهتي
|
|
ولو لفح
الوجه جمر الغضى
|
فأحيا وأنشد
من فرحتي
|
|
سلام عليكم
مضى ما مضى
|
ثم قال : سألته
عن اسم تيمية ما معناه فقال : حج أبي أو جدي ، أنا أشك أيهما ، قال : وكانت إمرأته
حاملا ، فلما كان بتيماء رأى جويرية حسنة الوجه قد خرجت من خباء ، فلما رجع إلى
حران وجد امرأته قد وضعت جارية ، فلما رفعوها إليه قال : يا تيميّة يا تيميّة ،
يعني أنها تشبه التي رآها بتيماء ، فسمي بها ، أو كلاما هذا معناه.
وتيماء بفتح
التاء بليدة في بادية تبوك إذا خرج الإنسان من خيبر إليها تكون على منتصف طريق
الشام ، وتيمية منسوبة إلى هذه البليدة ، وكان ينبغي أن تكون تيماويّة لأن النسبة
إلى تيماء تيماويّ ، لكنه هكذا قال واشتهر كما قال ا ه (ابن خلكان).
١٦٦ ـ محمد الموصلي المتوفى سنة ٦٢٢
محمد بن أحمد
بن محمد بن خميس الموصلي الحلبي. مولده سنة اثنتين وأربعين وخمسماية بالموصل ، قرأ
الفقه على مذهب أبي حنيفة بحلب على الإمام علاء الدين أبي بكر الكاساني. مات بحلب
سنة اثنتين وعشرين وستماية ا ه (ط ح قرشي).
١٦٧ ـ الأمير سيف الدين علي بن جندر المتوفى سنة ٦٢٢
الأمير سيف
الدين علي بن الأمير علم الدين سليمان بن جندر. كان من أكابر الآمراء بحلب ، وله
الصدقات الكثيرة ، ووقف بها مدرستين إحداهما على الشافعية وأخرى على
الحنفية ، وبنى الخانات والقناطر وغير ذلك من سبل الخيرات ، وغزا غزوات.
توفي سنة
اثنتين وعشرين وستماية ا ه (النهاية لابن كثير).
آثاره بحلب
المدرسة السيفية :
قال أبو ذر في
كنوز الذهب : هذه المدرسة بالحاضر السليماني خارج باب قنسرين ، أنشأها الأمير سيف الدين علي بن سليمان بن جندر ،
وكان إلى جانب هذه المدرسة المسجد الجامع المتقدم ذكره ، وكان قبل أن يبني مسجدا
تربة لبني أبي جرادة ، وكان فيها القاضي أبو الفضل وأبوه أبو الحسن أحمد وجماعة من
سلفه والشيخ أبو الحسن علي بن أبي جرادة ، فلما جدده سيف الدين مسجدا حولت القبور
إلى جبل جوشن ، وكانت التربة بالقرب من خان السلطان في السوق انتهى. وسيف الدين
المذكور كان كثير الصدقات ، توفي سنة اثنتين وعشرين وستماية ، وأبوه سليمان الأمير
علم الدين صاحب عزاز وبغراص له مواقف مشهورة في الجهاد. توفي في أواخر ذي الحجة
بقرية غباغب سنة سبع وثمانين وخمسماية .
ورأيت بخط ابن
عشائر وذكر أنه نقله من بغية الطلب من كلام الصاحب ما لفظه : سليمان بن جندر وهو
الذي وقف المدرسة بالحاضر تجاه المسجد الجامع على أصحاب أبي حنيفة. وقال ابن شداد
: إن ابنه عليا وقفها فانظر هذا.
(لطيفة) : قال
الزكي أبو العباس أحمد بن مسعود بن شداد الموصلي : كنت مع علم الدين سليمان بن
جندر بحارم وأنا وإياه تحت شجرة ، وكنت إذ ذاك أؤم به في سنة سبع وسبعين وخمسماية
، فقال لي : كنت ومجد الدين أبو بكر بن الداية وصلاح الدين يوسف بن أيوب تحت هذه
الشجرة ، وأشار إلى شجرة هناك ، ونور الدين محمود
__________________
ابن زنكي إذ ذاك يحاصر حارم وهي في يد الفرنج ، فقال مجد الدين بن الداية :
كنت أشتهي من الله أن يأخذ نور الدين حارم ويعطيني إياها ، وقال صلاح الدين : كنت
أنا أشتهي مصر ، ثم قالا لي : تمن أنت شيئا ، فقلت : إذا كان مجد الدين صاحب حارم
وصلاح الدين صاحب مصر ما أضيع بينكما ، فقالا : لابد أن تتمنى ، فقلت : إذا كان
ولابد فأريد (عمّ) ، فقدر الله أن نور الدين كسر الفرنج وفتح حارم وأعطاها مجد
الدين وأعطاني (عمّ) ، فقال صلاح الدين : أخذت أنا مصر فإننا كنا ثلاثة وقد بقيت
أمنيتي فقدر الله تعالى أن فتح أسد الدين مصر ، ثم آل الأمر إلي أن ملكها صلاح
الدين وهذا من غرائب الاتفاقات ا ه.
ولما عدد ابن
شداد المساجد التي بالحاضر السليماني قال : مسجد الأمير سيف الدين ابن علم الدين.
قال : ومسجد أنشأه المذكور أيضا انتهى. فالحاصل أن له مسجدين أحدهما كان إلى جانب
هذه المدرسة وقد اندثر وبقي محرابه ، والثاني هو الذي تقام الآن فيه الجمعة
المعروف بجامع السلطان المذكور في الجوامع انتهى.
وهذه المدرسة
عظيمة كثيرة البيوت للفقهاء ، ولها منارة محكمة ، وكان بها بركة ماء وقد صارت الآن
في الخراب لا مدرس ولا باب ، وربما سد بابها في بعض الأحيان لخلو البقعة من السكان
، وكانت أولا قائمة الشعار. وأول من درس بها عز الدين محمد بن أبي الكرم بن عبد
الرحمن السنجاري ، انتقل إلى حلب سنة ثمان وتسعين وخمسماية فتولى تدريس المدرسة
المذكورة ، ثم خرج منها إلى دمشق وأقام إلى أن توفي سنة ست وأربعين بعد أن تولى
نيابة الحكم بها سنة سبع عشرة ، فوليها (أي المدرسة) بعد خروجه شرف الدين أبو بكر
بن أبي بكر الرازي ، ولم يزل مدرسا بها إلى أن توفي سنة ست وعشرين وستماية ،
فوليها بعده نجم الدين أحمد بن شمس الدين محمد بن يوسف وتقدم ذكره ، ولم يزل بها
مدرسا إلى أن مات قريبا من فتنة التتر.
وفي الدر
المنتخب : (المدرسة السيفية) : أنشأها الأمير سيف الدين علي بن علم الدين سليمان
بن جندر ، انتهت سنة سبع عشرة وستماية مشتركة بين الشافعية والحنفية وهي خراب داثر
ا ه.
وقال أبو ذر في
كنوز الذهب في كلامه على الجوامع : الجامع الذي بالحاضر السليماني
أنشأه أسد الدين شيركوه بن شادي صاحب حمص ووسع بناءه الأمير سيف الدين علي
ابن علم الدين سليمان بن جندر ، وبنى إلى جانبه مدرسة وتربة ودفن بها تقام بها
الخطبة ا ه.
أقول : موقع
هذا الجامع جنوبي تربة الكليباتي بينهما الطريق وشرقي تنانير الكلس الآن ، ويعرف
عند أهل محلة الكلّاسة بجامع حسان ، ولا أدري من أين أتت له هذه النسبة. وهذا
الجامع كان خربا لم يبق منه سوى محرابه وبعض أنقاضه ، فاهتم بشأنه أهل المحلة سنة
١٢٩٩ وعمروا قبلته وجدران صحنه وحجرتين في الصحن عن يسار باب الجامع. والذي ظهر لي
أنه عمر أصغر مما كان ، والتصغير من جهة الشرق ، وطول صحنه ٢٠ ذراعا وعرضه ١٧ ،
وذلك مع رواقيه الجنوبي الذي هو أمام باب القبلية والشمالي الذي على يمين باب
الجامع ، وقد كان مبنيا من أحجار ضخمة وأعمدة عظيمة ظهر لي ذلك من قاعدة عمود
مبنية في الجدار عن يمين باب الجامع.
ورواقه الشمالي
بني هذه السنة وهي سنة ١٣٤٣ ، وفرش معظم الصحن بالرخام الأبيض ، وذلك باهتمام أهل
الخير من أهل هذه المحلة جزاهم الله خيرا.
وشمالي هذا
الجامع بنحو أربعين مترا قبة قديمة سقفها خرب في وسطها قبر عظيم هو قبر الأمير علي
بن سليمان المترجم ، والمدرسة كانت أمام هذه التربة من جهتي الغرب والشمال ولم يبق
من آثارها شيء ، ولا أثر للعمران حول هذا الجامع من جهاته الأربع ، إلا ما أحدث في
هذا القرن من البنايات غربي الجامع وراء تنانير الكلس ، وربما اتصلت الأبنية عما
قريب من هذه الجهة.
بقية آثاره بحلب :
وفي الدر
المنتخب في باب ذكر ما بحلب من مدارس المالكية والحنابلة : مدرسة أنشأها الأمير
سيف الدين علي بن علم الدين سليمان بن جندر تحت القلعة لتدريس مذهبي مالك وأحمد بن
حنبل ، وهذه المدرسة كانت قد نسيت وأغلق بابها ففتحته ، وما أدري ما فعل الله بها
بعد خروجي من حلب.
وقال هو وأبو
ذر في تعداد الخانقاهات والربط : رباط أنشأه سيف الدين ... إلخ
بالرحبة الكبيرة وهي داخل باب قنسرين ، وكانت في دار تعرف ببدر الدين محمود
بن شكري الذي خنقه الملك الظاهر غياث الدين غازي ا ه. قلت : وتجاه مسجد المحصب (الكريمية)
مكان كان يسكنه شيخ تاج الدين السراج فلعله هذا الرباط ا ه.
ذكر ما كان بجوار هذا المكان من الآثار
المدرسة البلدقية الشافعية :
قال أبو ذر :
هذه المدرسة ظاهر حلب بالقرب من الكلّاسين ، وكانت كبيرة فاختصرت ، وقد دثرت بعد
شيخنا المؤرخ ، فإنه كان يرممها. أنشأها الأمير حسام الدين بلدق عتيق الظاهر ،
وكان من أعيان الأمراء. وأول من درس بها ركن الدين جبريل بن محمد التركماني ،
وتوفي بها ودرس فيها بعده ولده عز الدين أحمد ، ولم يزل بها إلى أن ولي قضاء الشغر
، ووليها بعده جمال الدين محمد المعري ، وبعد فتنة تمر آل تدريسها للشيخ شرف الدين
حمزة الحبيشي الشافعي ، وتوفي عن ولد لا يعرف شيئا فوضع القضاة أيديهم عليها
ودرسوا بها ، ثم استنزل ابن الحبيشي عنها القاضي برهان الدين الحسفاوي ولم يدرس
بها ، وحضرت دروسها مع القاضي زين الدين بن الخرزي. وتقدم أن من جملة وقف هذه
المدرسة ثلث طاحون شركة الفردوس . ومكتوب على بابها أنها وقف على الفقهاء والمتفقهة
والمشتغلين بالعلم على مذهب الإمام الشافعي رضياللهعنه وأنها بنيت في سنة خمس وثلاثين وستمائة في أيام صلاح
الدين يوسف بن العزيز بن غازي ا ه.
المدرسة البلدقية الحنفية :
قال البتروني
في حواشي الدر المنتخب (ص ١١٤) : هذه المدرسة خربها رجل يقال له الخواجا بكر سكن
حلب بعد أن كان بمدينة الرها وصار له بحلب شأن ، فاستعمله أحمد باشا المعروف بابن
الأكمكجي على عمارة دار السعادة ، ونقلت حجارة المدرسة المذكورة إليها ، وكانت
المدرسة قد أشرفت على الخراب ، وكان ذلك في حدود ١٠٢٤ ا ه.
__________________
وهذه المدرسة
كانت بالحاضر ملاصقة للبلدقية الشافعية المتقدم ذكرها ، وقد أخذت حجارة هذه
المدرسة ولم يبق لها أثر في عمارة السور في دولة المؤيد ، وحمى شيخنا البلدقية
الشافعية ولم يمكنهم من نقضها ، وقد تقدم اسم بانيها. وأول من درس بها رشيد الدين
المعروف بتكملة ، ثم رحل عنها إلى دنيسر فوليها بعده شمس الدين محمد بن مصطفى
المارداني ، ولم يكن من ماردين وإنما هو من خلاط ، ثم خرج عنها إلى الروم فوليها
شرف الدين بن العفيف شيخ خانكاه ابن المقدم وعليه انقرضت الدولة ا ه.
وفي الدر
المنتخب في الكلام على المدارس الحنفية التي بظاهر حلب : المدرسة البلدقية بالحاضر
تقدم لنا اسم بانيها ، ثم هجرت أخيرا لانفرادها وخرب الجامع الذي كان بجانبها
المنسوب إلى أسد الدين
ا ه.
١٦٨ ـ أبو القاسم هبة الله بن رواحة المتوفى سنة ٦٢٣
أبو القاسم هبة
الله بن محمد بن أبي الوفا المعروف بابن رواحة الملقب بركن الدين. كان أحد التجار
ذوي الثروة والمعدلين بدمشق ، وكان في غاية الطول والعرض ، وقد ابتنى المدرسة
الرواحية داخل باب الفراديس بدمشق وأوقفها على الشافعية وفوض تدريسها ونظرها إلى
الشيخ تقي الدين بن الصلاح الشهرزوري. وله بحلب مدرسة أخرى مثلها. وقد انقطع في
آخر عمره في المدرسة التي بدمشق ، وكان يسكن البيت الذي في إيوانها من الشرق ،
ورغب فيما بعد أن يدفن فيه إذا مات ، فلم يمكن من ذلك بل دفن بمقابر الصوفية ا ه (البداية
والنهاية لابن كثير) من وفيات سنة ثلاث وعشرين وستمائة.
وتقدم الكلام
على المدرسة الرواحية في صحيفة (٤٥) وسيأتي في ترجمة الإمام أبي البقا يعيش بن علي
شارح المفصل المتوفى سنة ٦٤٣ أنه كان من مدرسيها. وفي هذه المدرسة تلقى العلامة
ابن خلكان صاحب التاريخ العلم عن أبي البقا المذكور كما ذكره في ترجمته.
١٦٩ ـ يوسف بن يحيى الطبيب اليهودي المتوفى سنة ٦٢٣
يوسف بن يحيى
بن إسحق السبتي المغربي أبو الحجاج نزيل حلب ، وهو في سبتة يعرف بابن سمعون وهو
جده العاشر أو التاسع. هذا كان طبيبا من أهل فاس من أرض المغرب مدينة بسواحل البحر
الرومي كبيرة جامعة ، وكان أبوه يعاني الحرف السوقية.
وقرأ يوسف هذه الحكمة ببلاده فساد فيها وعانى شيئا من علوم الرياضة وأجادها
وكانت حاضرة على ذهنه عند المحاضرة ، ولما ألزم اليهود والنصارى في تلك البلاد
بالإسلام أو الجلاء كتم دينه وتحيل عند إمكانه من الحركة في الإنتقال إلى الإقليم
المصري ، وتم له ذلك فارتحل بماله ووصل واجتمع بموسى بن ميمون القرطبي رئيس اليهود
بمصر وقرأ عليه شيئا وأقام عنده مدة قريبة ، وسأله إصلاح هيئة ابن أفلح الأندلسي ،
فإنها صحبته من سبتة ، فاجتمع هو وموسى على إصلاحها وتحريرها. وخرج من مصر إلى
الشام ونزل حلب وأقام بها مدة وتزوج إلى رجل من يهود حلب يعرف بابن العلاء الكاثب
مارذكا ، وسافر عن حلب تاجرا إلى العراق ، ودخل الهند وعاد سالما وأثري حاله ، ثم
ترك السفر وأخذ في التجارة واشترى ملكا قريبا وقصده الناس للاستفادة منه ، فأقرأ
جماعة من المقيمين والواردين وخدم في أطباء الخاص في الدولة الظاهرية بحلب. وكان ذكيا
حاد الخاطر ، وكانت بيننا مودة طالت مدتها. وقد شكا إليّ يوما أمره وقال : لي
ابنتان وأخشى عليهما من مشاركة السلطان لهما في الميراث وأود أن يكون لي ولد ذكر ،
فذكرت له شيئا منقولا من أقوال بعض الحكماء في التحيل على طلب الولد الذكر عند
النكاح ، فقال : أريد عمل ذلك ، وكان قد تزوج امرأة أخرى غير الأولى بحكم موت
الأولى ، وبعد مدة أخرى إنها قد علقت وقال : لقد فعلت ما قلت لي ، ثم إنها كما شاء
الله ولدت له ولدا ذكرا فجاءني ، وقد طار سرورا. بعد مدة بلغني أن أم الولد أدخلته
الحمّام وأكثرت عليه الماء الحار فهلك فأدركه لذلك أمر مزعج. ولما اجتمعت به
معزّيا له هوّنت عليه ما جرى وقلت له : اصبر وراجع العمل ، ففعل وعلقت فجاءته بولد
وسماه عبد الباقي وعاش ، ثم إنه ترك ما قلته له فعلقت وجاءته بابنة ، فلام نفسه
على ترك ما ذكرته له ، وعاود بعد مدة ففعل ذلك فجاءته بذكر فقال : لا أنكر بهذا
صحة ما يقال بالتجربة ، فقد استقر هذا عندي حتى لا أنكره.
وقلت له يوما :
إن كان للنفس بقاء تعقل به حال الموجودات من خارج بعد الموت ، فعاهدني على أن
تأتيني إن مت قبلي وآتيك إن مت قبلك ، فقال : نعم ، ووصيته أن لا يغفل ، ومات
وأقام سنتين ، ثم رأيته في النوم وهو قاعد في عرصة مسجد من خارجه في حظيرة له
وعليه ثياب جدد بيض من النصيفي فقلت له : يا حكيم ألست قررت معك أن تأتيني لتخبرني
بما لقيت؟ فضحك وأدار وجهه ، فأمسكته بيدي وقلت له : لابد أن تقول لي ماذا لقيت
وكيف الحال بعد الموت ، فقال لي : الكلّي لحق بالكل وبقي الجزئي
بالجزء ، ففهمت عنه في حاله كأنه أشار إلى أن النفس الكلية عادت إلى عالم
الكل والجسد الجزئي بقي في الجزء وهو المركز الأرضي ، فتعجبت بعد الاستيقاظ من
لطيف إشارته نسأل الله تعالى العفو عند العود إلى الباري جل وعز. وأقول كما قال
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ساعة الموت : اللهم الرفيق الأعلى.
وتوفي الحكيم
بحلب في العشرة الأول من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وستمائة ا ه. (أخبار الحكماء
للوزير القفطي).
١٧٠ ـ عبد الرحمن الأسدي المتوفى سنة ٦٢٣
عبد الرحمن بن
عبد الله بن علوان الأسدي المعروف بابن الأستاذ ، ويعرفون أيضا بأولاد علوان ،
والد عبد الله المتقدم. كان فقيها محدثا صالحا زاهدا خيرا معتنيا بالحديث ، رحل في
طلبه وحدث ، وتوفي في عاشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وعشرين عن تسعين سنة ا ه (طبقات
الشافعية للأسنوي).
١٧١ ـ الفتح نصر بن محمد القيسراني الشاعر المتوفى سنة ٦٢٥
قال الصفدي في
تاريخه المرتب على السنين في وفيات سنة ٦٢٥ : فيها توفي الفتح نصر ابن محمد بن نصر
بن صغير القيسراني الحلبي بن الشاعر المشهور ، وكان أيضا أديبا شاعرا : فمن شعره :
خلع العذار
أخو الوساوس
|
|
فيمن لثوب
الحس لابس
|
ظبي
يصيد بطرفه غلب الضراغم والقناعس
|
رشأ كغصن
أراكة
|
|
ريان لا ينفك
مائس
|
في
الليل يخرج كالعروس وحين يصبح في الفوارس
|
ما لاح في
جنح الدجا
|
|
إلا وأشرقت
الحنادس
|
طلق المحيا
باسم
|
|
لكن على
العشاق عابس
|
١٧٢ ـ حسنون الطبيب الرهاوي المتوفى سنة ٦٢٥
ذكره أبو الفرج
الملطي في تاريخه مختصر الدول قال : وفي سنة خمس وعشرين وستمائة توفي حسنون الطبيب
الرهاوي ، وكان فاضلا في فنه علما وعملا ، ميمون المعالجة حسن المذاكرة بما شاهده
من البلاد. وكان أكثر مطالعته في كتاب اللوكري في الحكمة. وكان بدينا بهيا ، دخل
إلى مملكة قلج أرسلان وخدم أمراء دولته كأمير آخور سيف الدين واختيار الدين حسن
واشتهر ذكره. ثم خرج إلى ديار بكر وخدم من حصل هناك من بيت شاه أرمن وهزار ديناري
ثم الداخلين على تلك الديار من بيت أيوب ، ورجع إلى الرها. ولما تحقق أن طغرل
الخادم تولى أتابكية حلب وله به معرفة من دار أستاذه اختيار الدين حسن في الديار
الرومية جاء إليه إلى حلب ولم يجد عنده كثير خير وخاب مسعاه ، فإنه كان منكسرا عند
اجتماعه به وانفصاله عنه. فلما عوتب الخادم على ذلك من أحد خواصه قال : أنا مقصر
بحقه لأجل النصرانية. ولما عزم على الارتحال إلى بلده أدركته حمى أوجبت له إسهالا
سحجيا ، ثم شاركت الكبد في ذلك فقضي نحبه ودفن في بيعة اليعاقبة بحلب ا ه.
١٧٣ ـ محمد بن الحسن العجمي المتوفى سنة ٦٢٥
لم أقف له على
ترجمة خاصة ، إنما ذكره أبو ذر في الكلام على المدرسة الظاهرية ، ونحن نذكر لك
كلامه عليها ويكون هذا تتمة لكلامنا عنها في الجزء الثاني في صحيفة (١٨٤). قال :
المدرسة الظاهرية الشافعية
هذه المدرسة
ظاهر حلب خارج باب المقام ، أنشأها السلطان الملك الظاهر غازي ، وانتهت عمارتها في
سنة عشرة وستمائة ، وفوض النظر فيها إلى القاضي بهاء الدين بن شداد وشرف الدين أبي
طالب بن العجمي ، وشرط أن يكون مشاركا للقاضي بهاء الدين مدة حياته ، وأن يستقل
بها بعد وفاته ثم لعقبه. وأول من درس بها ضياء الدين أبو المعالي محمد ابن الحسن
بن أسعد بن عبد الرحمن بن العجمي ، وحضر يوم تدريسه السلطان الملك الظاهر بنفسه
وعمل دعوة عظيمة حضرها الفقهاء. واستمر المذكور فيها إلى أن توفي
بدمشق حادي عشري صفر عند عوده من الحجاز سنة خمس وعشرين. وكان مولده سنة
أربع وستين وحمل إلى حلب فدفن بها. ووليها بعده الشيخ شرف الدين أبو طالب بن
العجمي ، ولم يزل بها مدرسا إلى سنة اثنتين وأربعين ، فاستخلف فيها ابن أخيه عماد
الدين عبد الرحيم ابن أبي الحسن عبد الرحيم ، ولم يزل نائبا عنه إلى سنة خمسين
فعزله عنها واستناب ولده محيي الدين محمد ، ولم يزل بها إلى أن زالت الدولة
الناصرية.
وهذه المدرسة
لم تزل في أيدي بني العجمي. ودرس بها منهم الشيخ كمال الدين عمر ابن التقي شيخ
والدي ، والتزم أن يدرس بها الحاوي الصغير في يوم واحد بالدليل والتعليل ، فحرج
الفقهاء معه لذلك وألزم لوالدي أن يشتري مؤنة الأكل ويأتي به إليه ، فاشترى والدي
ما أمر به وذهب إليه فوجده قد وصل إلى كتاب الحيض بالدليل والتعليل ، وقد ضجر
الفقهاء واعترفوا بفضله.
وكان يسكن بها
ويتنزه ببستانها ويقيم الدرس هناك. وأخذها من بني العجمي سراج الدين الفوي ، ثم
لما قتل عادت إليهم. وبلغني أن من شرط واقفها أن يصلي الفقيه الخمس فيها ، وهي
محصورة في خمسة عشر فقيها ، ولها مدرس في الفقه ومدرس في النحو القراءات ، ومن
جملة وقفها بستان إلى جانبها وقد استأجره شخص يقال له أقجا خازندار يشبك ودفن فيه
موتاه. ولها حمّام خارج باب المقام كانت سوقا داخل حلب ويعرف بسوق الظاهر ، ولما
تهدم عمره جقمق الدودار وجعله نصفين نصفا لها ونصفا لمدرسته بدمشق ، ولها غالب
ضيعة من عمل الباب يقال لها عين أرزة. وهذه المدرسة أنشأ صاحبها إلى جانبها تربة
ليدفن بها من يموت من الملوك والأمراء ، وبناؤها محكم وبها خلاوي للفقهاء وبركة
ماء ، وهي على ترتيب الشرفية. وقد استعصت مرة على التتار فأرادوا قلع عتبتها ،
فحفر المقيمون بها سقاطة من أعلى بابها ورموا عليها بالأحجار فاندفعوا عنها ا ه.
١٧٤ ـ عبد الرحمن بن محمد بن سنينيرة الشاعر المتوفى سنة ٦٢٦
عبد الرحمن بن
محمد بن عمر بن أبي القاسم جمال الدين الواسطي المعروف بابن السنينيرة الشاعر
المشهور. ولد سنة سبع وأربعين وخمسمائة ، وتوفي سنة ست وعشرين وستماية. طاف البلاد
وطلب حلب ومدح الملك الظاهر وجرى له قضية يجري ذكرها إن شاء الله
تعالى في ترجمة ابن خروف (قدمنا ترجمته نقلا عن ابن شاكر ولم يذكر ثمة شيئا).
وكان عسر الأخلاق صعب الممارسة كبير الدعاوي لا يعتقد في أحد من أقرانه من الشعراء
مثل الأبله وابن المعلم وغيرهما شيئا ، ويقول أنا أسحب ذيلي عليهم فضلا ومزية.
ومدح الملك
الظاهر بقصيدة يذكر فيها القناة التي أجراها بحلب وهي :
دون الصراة
بدت لنا صور الدمى
|
|
لا أدم صيران
الصريم ولا الحمى
|
غيد هززن من
القدود ذوابلا
|
|
لدنا ورشن من
النواظر أسهما
|
غنت وكم دون
الحريم أحلّ من
|
|
دم عاشق عان
وكان محرّما
|
فنهبن أنقاء
الصريم روادفا
|
|
ونهبن إيماض
البروق تبسّما
|
وأعرن أنفاس
النسيم من الصبا
|
|
أرجا أبت
أسراره أن تكتما
|
وعلى الصبابة
كم فتى يوم النوى
|
|
جلد وعهد قد
وهى وتصرما
|
وأهيم لو لا
فرط صدك لم أهم
|
|
ظمأ ولا ألمى
إلى رشف اللمى
|
لما وقفت
بسفح سلمى منشدا
|
|
أمحلّتي سلمى
بكاظمة اسلما
|
خلفتني بين
التجنّي والقلى
|
|
لا ممعنا
هربا ولا مستسلما
|
وتركتني بفنا
الزمان معلّلا
|
|
نفسي بذكر
عسى وسوف وربما
|
ولكم طرقتك
زائرا فجعلت لي
|
|
دون الوسادة
والمهاد المعصما
|
ومنحتني ظلما
ولثما لم يكن
|
|
حوض العفاف
بورده متهدّما
|
فاليوم طيفك
لو ألمّ لبخله
|
|
للصب في سنة
الكرى ما سلّما
|
يا سعد إن
حلاوة العشق التي
|
|
قد كنت
تعهدها استحالت علقما
|
سر بي فلي في
السرب قلب سار في
|
|
إثر الفريق
مقيّضا ومخيّما
|
قد فاز
بالقدح المعلّى من أتى
|
|
نهر المعلّى
زائرا ومسلّما
|
لو لم تكن
تلك القباب منازلا
|
|
ما قابلت فيه
البدور الأنجما
|
يا ساكني دار
السلام عليكم
|
|
مني التحية
معرقا أو مشئما
|
وعلى حمى حلب
فإن مليكها
|
|
ما زال صبّا
بالمكارم مغرما
|
قرم ترى في
الدرع منه لدى الوغى
|
|
أسدا على
الأعداء صلّا أرقما
|
ويضم منه
الدست في يوم الوغى
|
|
بحرا طما
كرما وطورا أيهما
|
روّى ثرى حلب
فعادت روضة
|
|
أنفا وكانت
قبله تشكي الظما
|
أحيا رفات
عفاتها فكأنه
|
|
عيسى بإذن
الله أحيا الأعظما
|
لا غرو إن
أجرى القناة جداولا
|
|
فلطالما
بقناته أجرى الدما
|
وبكفه
للآملين أنامل
|
|
منها العباب
أو السحاب إذا طما
|
١٧٥ ـ القاسم بن القاسم بن عمر
الواسطي المتوفى سنة ٦٢٦
القاسم بن
القاسم بن عمر بن منصور الواسطي أبو محمد. مولده بواسط العراق في سنة ٥٥٠ في ذي
الحجة ، ومات بحلب في يوم الخميس رابع ربيع الأول سنة ٦٢٦. أديب نحوي لغوي فاضل
أريب له تصانيف حسان ومعرفة بهذا الشأن ، قرأ النحو بواسط وبغداد على الشيخ مصدق
بن شبيب ، واللغة على عميد الرؤساء هبة الله بن أيوب ، وقرأ القرآن على الشيخ أبي
بكر الباقلاني بواسط وعلى الشيخ علي بن هياب الجماجمي بواسط أيضا ، وسمع كثيرا من
كتب اللغة والنحو والحديث على جماعة يطول شرحهم عليّ ، منهم أبو الفتح محمد بن
أحمد بن بختيار الماندائي وأحمد بن الحسين بن المبارك بن نغوبا ، سمع عليه
المقامات عن الحريري ، فانتقل من بغداد إلى حلب في سنة ٥٨٩ فأقام بها يقرىء العلم
ويفيد أهلها نحوا ولغة وفنون علوم الأدب ، وصنف بها عدة تصانيف.
وهي على ما
أملاه عليّ هو بباب داره من حاضر حلب في جمادي الآخرة سنة ٦١٣.
كتاب شرح اللمع
لأبن جني. كتاب شرح التصريف الملوكي لابن جني أيضا. كتاب فعلت وأفعلت بمعنى على
حروف المعجم. كتاب في اللغة لم يتم إلى هذه المدة. كتاب شرح المقامات على حروف
المعجم ترتيب العزيزي. كتاب شرح المقامات آخر على ترتيب المقامات. كتاب شرح
المقامات آخر على ترتيب آخر. كتاب خطب قليلة. كتاب رسالة فيما أخذ على ابن
النابلسي الشاعر في قصيدة نظمها في الإمام الناصر لدين الله أبي العباس صلوات الله
عليه أولها :
الحمدلله على
نعمة المتظاهرة والصلاة على خير خلقه محمد وعترته الطاهرة وبعد ، فإنه لما أخرت
الفضائل عن الرذائل ، وقدمت الأواخر على الأوائل ، ونبذ عهد القدماء ،
__________________
وجهل قدر العلماء ، وصار عطاء الأموال باعتبار الأحوال لا باختيار الأقوال
، وظهر عظيم الإجلال بالأسماء لا بالأفعال ، علمت أن الأقدار هي التي تعطي وتمنع
وتخفض وترفع ، فأخملت عند ذلك من ذكري وقدري ، وأخفيت من نظمي ونثري ، ولأمر ما
جدع قصير أنفه ، ومن شعر فقه :
ومالي إلى
العلياء ذنب علمته
|
|
ولا أنا عن
كسب المحامد باعد
|
وقلت اصبر على
كيد الزمان وكده ، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده.
فلو لم يعل
إلا ذو محل
|
|
تعالى الجيش
وانحط القتام
|
إلى أن بلغني
ممن يعول عليه ويرجع في القول إليه عن بعض شعراء هذا الزمان ممن يشار إليه بالبنان
أنه أنشد عنده بيت الوليد يشهد له بالفصاحة والتجويد ، وهو قوله :
إذا محاسني
اللائي أدلّ بها
|
|
صارت ذنوبي
فقل لي كيف أعتذر
|
فقال مقال
المفتري : كم قد خرينا على البحتري ، فصبرت قلبي على أذاته ، وأغضيت جفني على
قذاته ، حتى ابتدرني بالبادرة ، التي يقصر عنها لسان الحادرة ، فلو كان النابلسي
كابن هاني الأندلسي لزلزلت الأرض زلزالها ، وأخرجت الأرض أثقالها ، فيالله العجب ،
متى أشرفت الظلمة على الضياء أو علت الأرض على السماء ، وأين السها من القمر ،
وكيف يضاهى الغمر بالغمر ، فإنا لله وأفوض أمري إلى الله ، أفي كل سحابة أراع برعد
، وفي كل واد بنو سعد.
وإني شقيّ
باللئام ولا ترى
|
|
شقيّا بهم
إلا كريم الشمائل
|
لقد تحككت
العقرب بالأفعى ، واستنّت الفصال حتى القرعى .
وطاولت الأرض
السماء سفاهة
|
|
وفاخرت الشهب
الحصى والجنادل
|
وما ذلك التيه
والصلف ، والتجاوز للحد والسرف ، إلا لأنه كلما جر جريرا اعتقد أنه قد جر جريرا ،
وكلما ركب الكميت ظن أنه قد ارتكب الكميت ، وكلما أعظم
__________________
من غير عظم ، وأكرم من غير كرم ، شمخ بأنفه وطال ، وتطاول إلى ما لن ينال ،
وزعم أنه قد بلّد بليدا ، وعبّد عبيدا ، ولا والله ليس الأمر كما زعم ، ولا الشعر
كما نظم ، ولكنها المكارم السلطانية ، الملكية الظاهرية ، التي نوهت بذكره فسترها
، ورفعت من قدره فكفرها ، بقول سأذكره إذا انتهيت إليه ، ولما طلب العبد كراعا ،
فأعطي ذراعا ، خرج على من يعرفه ، وبهرج على من يكشفه ، فقلت لا مخبأ بعد بوس ،
ولا عطر بعد عروس.
وما أنا
بالغيران من دون جاره
|
|
إذا أنا لم
أصبح غيورا على العلم
|
وقصدت قصيدا من
شعره ، يزعم أنها من قلائد دره ، قد هذبها في مدة سنين ، ومدح فيها أمير المؤمنين
، وقال فيها : فانظر لنفسك أي در تنظم.
فكان لعمري
ناظما غير أنه
|
|
كحاطب ليل
فاته منه طائل
|
فواعجبا كم
يدعي الفضل ناقص
|
|
ووا أسفاكم
يظهر النقص فاضل
|
وتتبعت ما فيها
من غلطاته ، وأظهرت ما خفي من سقطاته ، ولبست له جلد النمر ، واندفقت عليه كالسيل
المنهمر ، بعد أن كتبها بخطه ، وزينها بإعرابه وضبطه.
وابن اللبون
إذا ما لزّ في قرن
|
|
لم يستطع
صولة البزل القنا عيس
|
فوجدته قد أخطأ
منها في واحد وعشرين مكانا ، عدم فيها تمكنا من العلم وإمكانا ، فمنها ستة عشر
موضعا توضحها الكتابة والنظر ، ومنها خمسة توضحها المجادلة والنظر ، فهذا من جيد
مختاره ، وما يظهر على اختباره ، وإن وقع إليّ شيء من مزوّق شعره أو منوّق مستعاره
، لأعصبنّه فيه عصب السلمة ، ولأعذبنه تعذيب الظلمة.
فإن قلتم إنا
ظلمنا فلم نكن
|
|
بدأنا ولكنا
أسأنا التقاضيا
|
ولو أنه اقتصر
على قصوره ، وأنفق من ميسوره ، وستر عواره ، ولم يبد شواره ، لطويته على غرّه ،
ولم أنبه على عاره وعرّه ، فإن من سلك الجدد أمن العثار ، وسلم من سالم النقع
المثار. ولكن كان كالباحث عن حتفه بظلفه فلحق بالأخسرين أعمالا (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي
الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) وخطؤه في هذه القصيدة ينقسم قسمين : قسم فاته فيه أدب
الدرس فيقسم أيضا قسمين : قسم لفظي وقسم
__________________
معنوي ، فأما القسم اللفظي فإنه ينقسم أيضا إلى قسمين : قسم لغوي وقسم
صناعي ، فأما القسم اللغوي فإنه كذا وكذا ... لم يحتمل هذا المختصر ذكره.
وأنشدني لنفسه
من قصيدة :
ديباج وجهك
بالعذار مطرّز
|
|
برزت محاسنه
وأنت مبرّز
|
وبدت على غصن
الصّبا لك روضة
|
|
والغصن ينبت
في الرياض ويغرز
|
وجنت على
وجنات خدّك حمرة
|
|
خجل الشقيق
بها وحار القرمز
|
لو كنت
مدّعيا نبوة يوسف
|
|
لقضى القياس
بأن حسنك معجز
|
وأنشدني لنفسه
من قصيدة :
زهر الحسن
فوق زهر الرياض
|
|
منه للغصن
حمرة في بياض
|
قد
حمى ورده ونرجسه الغضّ سيوف من الجفون مواضي
|
فإذا ما
اجتنيت باللحظ فاحذر
|
|
ما جنت صحة
العيون المراض
|
فلها في
القلوب فتكة باغ
|
|
رويت عنه
فتكة البرّاض
|
وإذا فوّقت
سهاما من الهدب
|
|
رمين السهام
بالأغراض
|
واغتنم بهجة
الزمان وقابل
|
|
شمس أيامه
الطوال العراض
|
بشموس الكؤوس
تحت نجوم
|
|
في طلوع من
أفقها وانقضاض
|
واجل من جوهر
الدنان عروسا
|
|
نطقت عن
جواهر الأعراض
|
كلما
أبرزت أرتك لها وجه انبساط يعطيك وجه انقباض
|
فعلى الأفق
للغمام ملاء
|
|
طرّزتها
البروق بالإيماض
|
وكأن الرعود
إرزام نوق
|
|
فصلت دونها
بنات المخاض
|
أو
صهيل الجياد للملك الظاهر تسري بالجحفل النهّاض
|
وأنشدني لنفسه
يهجو ابن النابلسي المذكور :
لا تعجبنّ لمدلويه إذا بدا شبه المريض
قد ذاب من بخر بفيه بذا من الخلق البغيض
__________________
وتكسرت أسنانه بالعضّ في جعس القريض
وتقطعت
أنفاسه
|
|
عرضا بتقطيع العروض
|
|
وأنشدني لنفسه
يهجو ابن النابلسي المذكور :
يا من تأمل
مدلوي
|
|
ه وشكّ فيما
يسقمه
|
انظر إلى بخر
بفيه
|
|
وما أظنك
تفهمه
|
لا تحسبنّ
بأنه
|
|
نفس يغيّره فمه
|
لكنما أنفاسه
|
|
نتنت بشعر
ينظمه
|
وأنشدنا لنفسه
في ذي الحجة سنة ٦٢٠ بحلب :
أرى بغضي على
الجهلاء داء
|
|
يموت ببعضه
القلب العليل
|
فهم موتى
النفوس بغير دفن
|
|
وأحياء
عزيزهم ذليل
|
يغطّون
السماء بكل كفّ
|
|
لها في الطول
تقصير طويل
|
ويبدون
الطلاقة من وجوه
|
|
كما يبدو لك
الحجر الصقيل
|
إذا قاموا
لمجد أقعدتهم
|
|
مسالك ما لهم
فيها سبيل
|
وإن طلبوا
الصعود فمستحيل
|
|
وإن لزموا
النزول فما يزول
|
كذاك السجل
في الدولاب يعلو
|
|
صعودا
والصعود له نزول
|
وأنشدنا لنفسه
بالتاريخ :
لنا صديق به
انقباض
|
|
ونحن بالبسط
نستلذّ
|
لا يعرف
الفتح في يديه
|
|
إلا إذا ما
أتاه أخذ
|
فكفّه «كيف»
حين يعطى
|
|
شيئا وبعد
العطاء «منذ»
|
وأنشدني لنفسه
أيضا :
لا ترد من
خيار دهرك خيرا
|
|
فبعيد من
السراب الشراب
|
رونق كالحباب
يعلو على الكا
|
|
س ولكن تحت
الحباب الحباب
|
عذبت في
النفاق ألسنة الق
|
|
وم وفي
الألسن العذاب العذاب
|
__________________
وأنشدني لنفسه
أيضا موشحة على طريق المغاربة :
في زهرة وطيب بستاني من أوجه ملاح
أجلو على القضيب ريحاني والورد والأقاح
ما روضة
الربيع
|
|
في حلة
الكمال
|
تزهو على
ربيع
|
|
مرّت به
الشمال
|
في الحسن كالبديع
|
|
بالحسن والجمال
|
ناهيك من حبيب نشوان بالدل وهو صاح
إن قلت والهيبي حياني من ثغره براح
كم بت
والكؤوس
|
|
تجلى من
الدنان
|
كأنها عروس
|
|
زفّت من
الجنان
|
تبدو لنا
الشموس
|
|
منها على
البنان
|
لم أخش من رقيب ينهاني ألهو إلى الصباح
مع شادن ربيب فتان زندي له وشاح
خيل الصبا
بركض
|
|
تجري مع
الغواه
|
في سنتي
وفرضي
|
|
لا أبتغي
سواه
|
وحجتي لعرضي
|
|
ما تنقل
الرواه
|
عن عاقل لبيب أفتاني أن الهوى مباح
والرشف من شنيب ريان ما فيه من جناح
وأنشدني لنفسه
أيضا موشحة :
أي عنبرية
|
|
في غلائل
الغلس
|
من زبرجديه
|
|
تنبه النعس
|
جادها الغمام
|
|
فانتشى بها
الزهر
|
وابتدا
الكمام
|
|
أعينا بها
سهر
|
وشدا الحمام
|
|
حين صفق
النهر
|
وارتدت عشيه
|
|
كملابس العرس
|
حللا سنيه
|
|
ما دنت من
الدنس
|
واملأ
الكؤوسا
|
|
فضة على
الذهب
|
وأجلها عروسا
|
|
توّجت من
الشهب
|
تطلع الشموسا
|
|
في سنا من
اللهب
|
فلها مزيّه
|
|
في الدجا على
القبس
|
بحلى شهية
|
|
كمحاسن اللعس
|
يخبرنا سناها
|
|
عن تطاير
الشرر
|
فاز من جناها
|
|
من قلائد
الدرر
|
فإذا تناهى
|
|
في الخلائق
الغرر
|
قلت ظهريّه
|
|
أظهرت لملتمس
|
من علا أبيّه
|
|
ما تنال
بالخلس
|
وأنشدني لنفسه
أيضا :
لا خير في
أوجه صباح
|
|
تسفر عن أنفس
قباح
|
كالجرح يبنى
على فساد
|
|
بظاهر ظاهر
الصلاح
|
فقل لمن ماله
مصون
|
|
أصبت في عرضك
المباح
|
وأنشدني لنفسه
أيضا :
جدّ الصّبا
في أباطيل الهوى لعب
|
|
وراحة اللهو
في حكم النهي تعب
|
وأقرب الناس
من مجد يؤثله
|
|
من أبعدته
مرامي العزم والطلب
|
وقادها كظلام
الليل حاملة
|
|
أهلّة طلعت
من بينها الشهب
|
منقضّة من
سماء النقع في أفق
|
|
شيطانه بغمام
الدرع محتجب
|
واسودّ وجه
الضحى مما أثار به
|
|
وأشرق
الأبيضان الوجه والنسب
|
في موقف يسلب
الأرواح سالبها
|
|
حيث المواضي
قواض والقنا سلب
|
لا يرهب
المرء ما لم تبد سطوته
|
|
لو لا
السنان استوى الخطّي والقصب
|
إن النهوض
إلى العلياء مكرمة
|
|
لها التذاذان
مشهود ومرتقب
|
والملك صنفان
محصول وملتمس
|
|
والمجد نوعان
موروث ومكتسب
|
والناس ضدّان
مرزوق ومحترم
|
|
تحت الخمول
ومغصوب ومغتصب
|
والطاهر
النفس لا ترضيه مرتبة
|
|
في الأرض إلا
إذا انحطت لها الرتب
|
والفضل كسب
فمن يقعد به نسب
|
|
ينهض به
الأفضلان العلم والحسب
|
لله درّ
المساعي ما استدرّ بها
|
|
خلف السيادة
إلا أمكن الحلب
|
وحبذا همة في
العزم ما انتدبت
|
|
لمبهم الخطب
إلا زالت الحجب
|
وموطن يستفاد
العزّ منه كما
|
|
أفادت العزّ
من سلطانها حلب
|
ومنها :
مؤيد الرأي
والرايات قد ألفت
|
|
ذوائب القوم
من راياتها العذب
|
إن نازلوه
وقد حقّ النزال فمن
|
|
أنصاره
الخاذلان الجبن والرعب
|
أو كاتبوه
فخيل من كتائبه
|
|
تجيب لا
المخبران الرسل والكتب
|
مغاور ينهب
الأعمار ذايله
|
|
في غارة
الحرب والأموال تنتهب
|
في جحفل
قابلوا شمس النهار على
|
|
مثل البحار
بمثل الموج يضطرب
|
حتى كأن شعاع
الشمس بينهم
|
|
فوق الدروع
على غدرانها لهب
|
ما أنكر
الهام من أسيافه ظبة
|
|
وإنما أنكرت
أسيافه القرب
|
ما يدفع
الخطب إلا كل مندفع
|
|
في مدحه
الأفصحان الشعر والخطب
|
ومن إذا ما
انتمى في يوم مفتخر
|
|
أطاعه
العاصيان العجم والعرب
|
وأنشدني من
قصيدة لنفسه أيضا :
أفي البان إذ
بان الخليط مخبّر
|
|
عسى ما انطوى
من عهد لمياء ينشر
|
فكم حركات في
اعتدال سكونها
|
|
أحاديث يرويها
النسيم المعطّر
|
يود ظلام
الليل وهو ممسّك
|
|
لذاذتها
والصبح وهو مزعفر
|
أحاديث لو أن
النجوم تمتعت
|
|
بأسرارها لم
تدر كيف تغوّر
|
يموت بها داء
الهوى وهو قاتل
|
|
ويحيا بها
ميت الجوى وهو مقبر
|
فيا لنسيم
صحتي في اعتلاله
|
|
وصحوي إذا ما
مر بي وهو مسكر
|
كأن به
مشمولة بابلية
|
|
صفت وهي من
غصن الشمائل تعصر
|
إذا نشأت
مالت بلبك نشوة
|
|
كما مال
مهزوز يماح ويمطر
|
وقال يمدح
الوزير جمال الدين القاضي الأكرم أبا الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني
القفطي من صعيد مصر ويلتمس منه أن يرتبه في خدمته :
يا سيدي قد
رميت من زمني
|
|
بحادث ضاق
عنه محتملي
|
وأنت في رتبة
إذا نظرت
|
|
إليّ صار
الزمان من قبلي
|
والنظم
والنثر قد أجدتهما
|
|
فيك فلا تترك
الإجادة لي
|
فداك قوم إذا
وقفت بهم
|
|
رأيتني واقفا
على طلل
|
تشغل أموالهم
مساعيهم
|
|
فهم عن المكرمات
في شغل
|
تحمي حماها
أعراضهم فإذا
|
|
ماتت حماها
سور من البخل
|
معاول الذم
فيه عاملة
|
|
أعمالها في
مغائر الجبل
|
نعلك تاج إذا
رفعتهم
|
|
لرأس حاف
منهم ومنتعل
|
فاسمع حديثي
في مغازلة
|
|
تبث شكوى في
موضع الغزل
|
قد كنت في
راحة مكملة
|
|
أحيي المعالي
بميّت الأمل
|
أرفل في عزة
القناعة في
|
|
ذيل على
النائبات منسدل
|
فعندما طالت
البطالة بي
|
|
وصار لي حاجة
إلى العمل
|
قال أناس نبه
لها عمرا
|
|
فقلت حسبي
رأي الوزير علي
|
يعني عمر بن
الوبار أحد حجاب أتابك طغرل شهاب الدين الخادم المستولي في أيامنا على حلب
وقلعتها.
قد بت من
وعده على ثقة
|
|
أمنت في
حليها من العطل
|
فالأكرم بن
الكرام لو سبقت
|
|
وعوده
بالشباب لم يحل
|
يفر من وعده
المطال كما
|
|
تفرّ أراؤه
من الزلل
|
أخلاقه حلوة
المذاق فلو
|
|
شبهتها ما
ارتضيت بالعسل
|
بمنطق لو سرت
فصاحته
|
|
في اللكن
لاستعصمت من الخطل
|
تمجّ أخلاقه
إذا كتبت
|
|
ماء المنى من
أسنة الأسل
|
وإن سطت في
ملمة نسيت
|
|
صفين منها
ووقعة الجمل
|
تنظم درّا
على الطروس كما
|
|
ينظم در
الحلّي في الحلل
|
مبيّن علمه
لسائله
|
|
مسائلا أشكلت
على الأول
|
لكل علم في
بابه علم
|
|
يهدي إلى
قبلة من القبل
|
أيّ جمال ما
فيه أجمله
|
|
على وجوه
التفصيل والجمل
|
جلّ الذي
أظهرت بدائعه
|
|
منه معاني
الرجال في رجل
|
ا ه (معجم
الأدباء لياقوت).
قال في الكواكب
المضية : ومن نظمه يمدح الملك الظاهر :
وقفنا على حكم
الهوى نعلن الهوى
|
|
بألفاظ دمع
تفضح السرّ والنجوى
|
وكانت لنا
دعوى من الصبر قبلها
|
|
ولكن دموع
العين أبطلت الدعوى
|
وقد كنت قبل
البين جلدا تهزني
|
|
تباريح شوق
سرّها في الحشا يطوى
|
وأحمل ثقل
الوجد والربع آهل
|
|
ولكن إذا ما
الربع أقوى فلا أقوى
|
ومنها :
وما ساعة
التوديع إلا بغيضة
|
|
ولكنها تهوى
لتقبيل من أهوى
|
ومنها :
كأن غياث
الدين غازي بن يوسف
|
|
أسرّ إليها
من خلائقه نجوى
|
دع الشمس
واستطلع شموس صفاته
|
|
تجد عند
تمييز النهى أنها أضوا
|
ومنها :
لقد ساد حتى
لم يجد طالبا علا
|
|
وجاد إلى أن
لم يدع طالبا جدوى
|
ومنها :
وفي مقبل
الآمال بالمال فابتدا
|
|
نداه وقد
أصمى الرمايا وما أشوى
|
ندى فاق في
الآفاق حتى لو أنه
|
|
سحاب أرانا
الحوت في موضع الأدوا
|
وما ضرنا أن
تبخل السحب دونه
|
|
ومن سحب
كفّيه لنا أكرم المثوى
|
شكونا فأعدانا
على الدهر نصره
|
|
وعدنا فلا
دعوى علينا ولا عدوى
|
ومنها :
فلولا معان
فيه للمدح أوضحت
|
|
معاني
القوافي ما عرفنا لها نحوا
|
ولو لا
المعاني الفائقات بعدله
|
|
عفا منزل
التقوى وربع الهدى أقوى
|
فلا برحت
أيامنا بدوامه
|
|
مهنّئة للملك
والدين والتقوى
|
١٧٦ ـ أبو عبد الله ياقوت الحموي المتوفى بحلب سنة ٦٢٦
أبو عبد الله
ياقوت بن عبد الله الرومي الجنس الحموي المولد البغدادي الدار الملقب شهاب الدين ،
أسر من بلاده صغيرا ، وابتاعه ببغداد رجل تاجر يعرف بعسكر ابن أبي نصر إبراهيم
الحموي وجعله في الكتاب لينتفع فيه في ضبط تجارته ، وكان مولاه عسكر لا يحسن الخط
ولا يعلم شيئا سوى التجارة ، وكان ساكنا ببغداد ، وتزوج بها وأولد عدة أولاد ،
ولما كبر ياقوت المذكور قرأ شيئا من النحو واللغة ، وشغله مولاه بالأسفار في
متاجره ، فكان يتردد إلى كيش وعمان وتلك النواحي ويعود إلى الشام. ثم جرت بينه
وبين مولاه نبوة أوجبت عتقه فأبعده عنه ، وذلك في سنة ست وتسعين وخمسمائة ، فاشتغل
بالنسخ بالأجرة ، وحصل بالمطالعة فوائد. ثم إن مولاه بعد مدة ألوى عليه وأعطاه
شيئا وسفره إلى كيش ، ولما عاد كان مولاه قد مات فحصل شيئا مما كان في يده وأعطى
أولاد مولاه وزوجته ما أرضاهم به ، وبقيت بيده بقية جعلها رأس ماله ، وسافر بها
وجعل بعض تجارته كتبا.
وكان متعصبا
على علي بن أبي طالب رضياللهعنه ، وكان قد طالع شيئا من كتب الخوارج فاشتبك في ذهنه منه
طرف قوي ، وتوجه إلى دمشق في سنة ثلاث عشرة وستمائة وقعد في بعض أسواقها وناظر بعض
من يتعصب لعلي رضياللهعنه ، وجرى بينهما كلام أدى إلى ذكره عليا رضياللهعنه بمالا يسوغ ، فثار الناس عليه ثورة كادوا يقتلونه ،
فسلم منهم وخرج من دمشق منهزما بعد أن بلغت القضية إلى والي البلد ، فطلبه فلم
يقدر عليه ، ووصل إلى حلب خائفا يترقب ، وخرج عنها في العشر الأول أو الثاني من
جمادي الآخرة سنة ثلاث عشرة وستماية ، وتوصل إلى الموصل ، ثم انتقل إلى إربل وسلك
منها إلى خراسان ، وتحامى دخول بغداد لأن المناظر له بدمشق كان بغداديا ، وخشي أن
ينقل قوله فيقتل ، فلما انتهى إلى خراسان أقام يتجر في بلادها ، واستوطن مدينة مرو
مدة وخرج عنها إلى نسا ومضى إلى خوارزم ، وصادفه وهو بخوارزم خروج التتر في سنة ست
عشرة وستمائة ، فانهزم بنفسه كبعثه يوم المحشر من رمسه ، وقاسى في طريقه من
المضايقة والتعب ما كان يكل عن شرحه إذا ذكره ، ووصل إلى الموصل وقد تقطعت به
الأسباب ، وأعوزه دنيء المآكل وخشن الثياب ، وأقام بالموصل مدة مديدة ، ثم انتقل
إلى سنجار ، وارتحل منها إلى حلب وأقام بظاهرها في الخان ، إلى أن مات في التاريخ
الآتي ذكره إن شاء الله تعالى.
ونقلت من تاريخ
إربل الذي عني بجمعه أبو البركات ابن المستوفي أن ياقوتا المذكور قدم إربل سنة سبع
عشرة وستمائة ، وكان مقيما في خوارزم ، وفارقها للواقعة التي جرت فيها بين التتر
والسلطان محمد بن بكش خوارزم ، وكان قد تتبع التواريخ وصنف كتابا سماه «إرشاد
الألباء إلى معرفة الأدباء» يدخل في أربعة جلود كبار ذكر في أوله قال :
وجمعت في هذا
الكتاب ما وقع إليّ من أخبار النحويين واللغويين والنسابين والقراء المشهورين
والإخباريين والمؤرخين والوراقين المعروفين والكتاب المشهورين وأصحاب الرسائل
المدونة وأرباب الخطوط المنسوبة المعينة وكل من صنف في الأدب تصنيفا أو جمع فيه
تأليفا ، مع إيثار الاختصار والإعجاز في نهاية الإيجاز. ولم آل جهدا في إثبات
الوفيات وتبيين المواليد والأوقات وذكر تصانيفهم ومستحسن أخبارهم والإخبار
بأنسابهم وشيء من أشعارهم في تردادي البلاد ومخالطتي للعباد. وحذفت الأسانيد إلا
ما قل رجاله وقرب مناله مع الاستطاعة لإثباتها سماعا وإجازة ، إلا أنني قصدت صغر
الحجم وكبر النفع. وأثبت مواضع نقلي ومواطن أخذي من كتب العلماء المعول في هذا
الشأن عليهم والرجوع في صحة النقل إليهم.
ثم ذكر أنه جمع
كتابا في أخبار الشعراء المتأخرين والقدماء.
ومن تصانيفه
أيضا كتاب «معجم البلدان» وكتاب «معجم الشعراء» وكتاب «معجم الأدباء» (هو إرشاد
الألباء المتقدم الذكر) وكتاب «المشترك وضعا المختلف صقعا» وهو من الكتب النافعة ،
وكتاب «المبدأ والمآل» في التاريخ وكتاب «الدول» و «مجموع كلام أبي علي الفارسي» و
«عنوان كتاب الأغاني» و «المقتضب في النسب» يذكر فيه أنساب العرب. وكتاب «أخبار
المتنبي». وكانت له همة عالية في تحصيل المعارف.
ثم ذكر ابن
خلكان رسالة أرسلها المترجم من الموصل إلى القاضي الأكرم جمال الدين أبي الحسن
القفطي وزير حلب يصف له حاله وما جرى له مع التتر وهربه منهم ، وهي طويلة جدا تدل
على رسوخ قدم ياقوت في صناعة الإنشاء وطول باعه فيها فليرجع إليها من أحب الوقوف
عليها. وقال بعد انتهائها : قال صاحبنا الكمال ابن الشعار الموصلي في كتاب «عقود
الجمان» : أنشدني أبو عبد الله محمد بن محمود المعروف بابن النجار البغدادي
صاحب «تاريخ بغداد» قال : أنشدني ياقوت المذكور لنفسه في غلام تركي وقد
رمدت عينه وعليها رفائد سوداء :
ومولّد للترك
تحسب وجهه
|
|
بدرا يضيء
سناه بالإشراق
|
أرخى على
عينيه فضل وقاية
|
|
ليرد فتنتها
عن العشاق
|
تالله لو أن
السوابق دونها
|
|
نفذت فهل
لوقاية من واق
|
وكانت ولادة
ياقوت المذكور في سنة أربع أو خمس وسبعين وخمسمائة ببلاد الروم ، وتوفي يوم الأحد
العشرين من شهر رمضان سنة ست وعشرين وستماية في الخان بظاهر مدينة حلب حسبما قدمنا
ذكره في أول الترجمة رحمهالله تعالى.
وكان قد وقف
كتبه على مسجد الزيدي الذي بدرب دينار ببغداد وسلمها إلى الشيخ عز الدين أبي الحسن
علي بن الأثير صاحب التاريخ الكبير ، فحملها إلى هناك. ولما تميز ياقوت المذكور
واشتهر سمى نفسه يعقوب ، وقدمت حلب للاشتغال بها في مستهل ذي القعدة سنة وفاته ،
وذلك عقيب موته والناس يثنون عليه ويذكرون فضله وأدبه ولم يقدر لي الاجتماع به ا ه
(ابن خلكان).
أقول : إن
المترجم كان كثير التردد إلى حلب والمقام بها ، فقد وجد فيها سنة ٦١٣ كما تقدم في
أول الترجمة ، ووجد فيها سنة ٦١٩ كما ذكره هو في ترجمة الكمال بن العديم المتوفى
سنة ٦٦٠ ، ووجد فيها سنة ٦٢٠ كما ذكر ذلك عن نفسه في ترجمة القاسم بن القاسم
المتقدمة قبل هذه. ويغلب على الظن أنه في هذه السنة ألقى عصا التسيار في حلب وعول
على البقاء فيها ، وحط رحاله في ساحة القاضي الأكرم ، وأهداه كتابه الموسوم بمعجم
البلدان ، وناله من إحسانه ووافر بره كما يستفاد من آخر خطبه كتابه المذكور. ويظهر
أنه بعد بقائه عدة سنوات سافر من حلب وعاد إليها في مستهل ذي القعدة سنة ست وعشرين
وستماية.
وقد تكلمنا في
المقدمة على كتابيه «معجم البلدان» و «معجم الأدباء» وأنهما قد طبعا. وقد طبع أيضا
من مؤلفاته «المشترك وضعا والمفترق صقعا». قال جرجي زيدان في تاريخ آداب اللغة
العربية (صحيفة ٨٨ جلد ٣) طبعه دوستنفليد في غوتنجن سنة ١٨٤٦ مع الفهارس في نيف
وخمسمائة صحيفة.
١٧٧ ـ أحمد بن هبة الله الجبراني سنة ٦٢٨
أحمد بن هبة
الله بن سعد الله بن سعيد الجبراني المغربي النحوي. حدث عن أبيه وعن أبي الفرج
يحيى بن محمود الثقفي. مولده سنة ثمان وعشرين وستماية ، ودفن تحت جبل جوشن. ذكره
المنذري في التكملة وقال لنا عنه إجازة كتبت لنا عنه من حلب سنة خمس وعشرين
وستماية. قلت : أنبأني شيخنا يوسف بن عمر الحيسي عن الحافظ عبد العظيم عنه ا ه (ط
ح قرشي).
وذكره ابن
خلكان في ترجمة تلميذه يوسف بن إسماعيل الشاعر المشهور بالشواء فقال : وأما شيخه ابن
الجبراني فهو طائي بحتري ، وكان من قرية من أعمال عزاز يقال لها جبرين فورسطايا
نسب إليها ، هكذا أخبر عن نفسه.
وكان متضلعا من
علم الأدب خصوصا اللغة فإنها كانت غالية عليه ، وكان متبحرا فيها. وكان له تصدر في
جامع حلب في المقصورة الشرقية المشرفة على صحن الجامع قبالة المقصورة التي يصلي
فيها قضاة حلب يوم الجمعة. ولقد كنت يوما قاعدا في هذه المقصورة عند الدارابزين
الذي إلى جهة الصحن وإذا به قد حضر ومعه جماعة من أصحابه وفيهم الشهاب أبو المحاسن
الشواء المذكور ، وجلس في المحراب الصغير الذي في المقصورة وهو موضع تصدره ، فجعلت
بالي من كلامه وأنا في ذلك الوقت مشتغل بالأدب ، فسمعته يتكلم في قاعدة الأفعال
الثلاثة التي أولها واو وهي على فعل بكسر العين مثل وجل وغيره وأن مضارعه فيه أربع
لغات : يوجل وييجل وياجل وييجل إلا ما شذ من الأفعال الثمانية التي هي ورم وورث
وورع وورى وومق ووثق ووفق وولي فإن مضارعها أيضا بالكسر كما ضبطها ، وشذ من ذلك
قولهم وسع يسع ووطىء يطأ ، وإنما يفتح هذان الفعلان في المضارع لأجل حرفي الحلق.
وأطال الكلام في ذلك بما لم أقدر على حفظه في ذلك الوقت ، ولم أسمع منه غير هذا
الفصل.
وكان مولده يوم
الأربعاء الثاني والعشرين من شوال سنة إحدى وستين وخمسمائة ، وتوفي يوم الاثنين
سابع رجب من سنة ثمان وعشرين وستماية بحلب ، ودفن في سفح جبل جوشن رحمهالله تعالى ا ه.
وذكره الجلال
السيوطي في «بغية الوعاة» فقال : أحمد بن هبة الله بن سعد الله بن
سعيد الجبراني بفتح الجيم وسكون الموحدة وبالراء ، تاج الدين أبو القاسم.
قال ياقوت : نحوي مقرىء فاضل إمام شاعر ، له حلقة بجامع حلب يقرأ بها العلم
والقرآن ، وله ثروة. ولد سنة إحدى وستين وخمسمائة ، وأخذ النحو عن أبي السخاء
فتيان الحلبي وأبي الرجاء محمد بن حرب. وقال الذهبي : روى عن أبيه ويحيى الثقفي
وعنه المجد بن العديم وسنقر القضائي. وكان بصيرا باللغة والعربية. مات في سابع رجب
سنة ثمان وعشرين وستماية ا ه.
١٧٨ ـ حماد البزاعي الشاعر من أهل بزاعة من معاصري ياقوت
لم أقف على
تاريخ وفاته. وذكره ياقوت في الكلام على بزاعة قال : وقد خرج منها حماد البزاعي
شاعر عصري وكان من المجيدين. ومن شعره في غلام اسم أبيه عبد القاهر :
نفّر نومي
ظبي الحمى النافر
|
|
ونام عما
يكابد الساهر
|
يا ليلة
بثّها وأوّلها
|
|
كأوّل الحب
ماله آخر
|
أرعى نجوما
ونت وسائرها
|
|
أحير منه
فليس بالسائر
|
مغرى
بظبي المواصل من بني الموصل وهو القاطع الهاجر
|
صرت
له أول اسم والده الأول إذ كان نصفه الآخر
|
شعراء بزاعة :
قال ياقوت :
ومن أدبائها أبو خليفة يحيى بن خليفة التنوخي البزاعي يعرف بابن الفرس ، له شعر
جيد ، منه :
حبيب جفاني
لا لذنب أتيته
|
|
على هجرة
أفديه بالمال والنفس
|
رضيت به فليهجر
العام كلّه
|
|
ويجعل لي
يوما من الوصل والأنس
|
ومنهم أبو فراس
بن أبي الفرج البزاعي. وأورد له في الكلام على دير سمعان قوله :
يا دير سمعان
قل لي أين سمعان
|
|
وأين بانوك
خبرني متى بانوا
|
وأين سكانك
اليوم الألى سلفوا
|
|
قد أصبحوا
وهم في الترب سكان
|
أصبحت قفرا
خرابا مثل ما خربوا
|
|
بالموت ثم
انقضى عمرو وعمران
|
وقفت أسأله
جهلا ليخبرني
|
|
هيهات من
صامت بالنطق تبيان
|
أجابني بلسان
الحال إنهم
|
|
كانوا ويكفيك
قولي إنهم كانوا
|
وقال في الكلام
على دير عمان : إنه بنواحي حلب ، وتفسيره بالسريانية دير الجماعة. ومر به أبو فراس
بن أبي الفرج البزاعي فقال ارتجالا :
قد مررنا
بالدير دير عمانا
|
|
ووجدناه
داثرا فشجانا
|
ورأينا
منازلا وطلولا
|
|
دارسات ولم
نر السكانا
|
وأرتنا
الآثار من كان فيها
|
|
قبل تفنيهم
الخطوب عيانا
|
فبكينا فيه
وكان علينا
|
|
لا عليه لما
بكينا بكانا
|
لست أنسى يا
دير وقفتنا في
|
|
ك وإن
أورثتني النسيانا
|
من أناس
حلّوك دهرا فخلّو
|
|
ك وأمسوا قد
عطّلوك الآنا
|
فرقتهم يد
الخطوب فأصبحت
|
|
خرابا من
بعدهم أسيانا
|
وكذا شيمة
الليالي تميت ال
|
|
حيّ منا
وتهدم البنيانا
|
حربا ما الذي
لقينا من الدهر
|
|
وماذا من
خطبها قد دهانا
|
نحن في غفلة
بها وغرور
|
|
وورانا من
الردى ما ورانا
|
١٧٩ ـ النحوي الشاعر سعيد بن سعيد
من ذرية البحتري من معاصري ياقوت
ذكره ياقوت في
الكلام على جبرين : (قرية قريبة من حلب) ورفع نسبه إلى البحتري الشاعر المشهور
ووصفه بالجبراني النحوي المقري ، فاضل إمام شاعر له حلقة في جامع حلب يقري بها
العلم والقرآن ، وله ثروة ، وسألته عن مولده فقال : في سنة ٥٦١ ، وقرأ النحو على
أبي السخاء فتيان الحلبي وأبي الرجاء محمد بن حرب ، وقرأ القرآن على الدقاق
المغربي. وأنشدني لنفسه :
ملك إذا ما
السلم شتت ماله
|
|
جمع الهياج
عليه ما قد فرقا
|
وأكفه تكف
الندى فبنانه
|
|
لو لامس
الصخر الأصم لأورقا
|
لكن قوله إنه
قرأ على أبي السخاء فتيان هذا ليس بصحيح ، لأن وفاة فتيان كانت
سنة ٥٦٠ كما تقدم ومولد سعيد سنة ٥٦١ ، إلا إذا كانت ولادته سنة ٥٤١ وهناك
سهو من النساخ أو الطبع فيكون ذلك صحيحا والله أعلم.
١٨٠ ـ محمد بن المنذر المغربي المراكشي المتوفى سنة ٦٢٨
محمد بن المنذر
بن محمد بن أبي عقيل عبد الرحمن بن المنذر المغربي المراكشي أبو منصور الفقيه
الشافعي نزيل حلب. قدم والده إلى بغداد واتصل بابن هبيرة قبل وزارته ، وتوفي
بالموصل ، وولد محمد المذكور ببغداد ، وسمع بها الحديث من أبي عبد الله بن خميس ،
وتفقه على أبي البركات الشيرجي وغيره ، وقرأ القرآن على أبي بكر القرطبي ، وصحب
أبا النجيب السهروردي ، وسمع منه الحديث ومن المظفر بن السبلي وابن المادح وابن
البطي وغيرهم ، وسمع كتاب اللالكائي من سعد الله بن حمدين في دار ابن هبيرة. ولقي
عبد القادر الجيلي. وسافر إلى الشام وقرأ قطعة من تاريخ دمشق على مصنفه علي أبي
القاسم بن عساكر. وكان يمتنع من الرواية ويقول : مشايخنا اسمعوا ، وهم صغار لا
يفهمون ، وكذلك مشايخهم ، وأنا لا أرى الرواية عمن هذه سبيله. وعمرت وعلت سنه ولم
يرو شيئا. وكان فقيها فاضلا غزير العلم عالما بالأدب. قال ابن النجار : اجتمعت به
بحلب غير مرة ، وكان حسن الأخلاق كيسا ممتّعا بإحدى عينيه. توفي سنة ثمان وعشرين
وستمائة بحلب ، ودفن خارج باب النصر وله شعر (ولم يذكر منه شيئا ومحلة بياض) ا ه. (الوافي
بالوفيات للصفدي).
أقول : وقد
تقدم شيء من أخباره في ترجمة القاضي أسعد بن مماتي.
١٨١ ـ سعيد بن أبي منصور المتوفى سنة ٦٢٨
سعيد بن أبي
منصور الحلبي النحوي التاج أبو القاسم. قال القفطي : قرأ النحو على أبي الرجاء بن
حرب ودخل إلى دمشق واجتمع بالتاج الكندي وتصدر بجامع حلب لإقراء العربية والقرآن ،
قرر له رزق من وقف الجامع. وكان بخيلا بعلمه شديد الطلب للدنيا يدخل في دنيئات
الأمور ويعامل المعاملات المخالفة للشرع إلى أن حصل منها جملة ولم ينتفع بها
وخلفها لولده. مات يوم الاثنين ثامن شهر رجب سنة ثمان وعشرين وستمائة ا ه (بغية
الوعاة).
١٨٢ ـ محمد بن هبة الله بن العديم المتوفى سنة ٦٢٨
محمد بن هبة
الله بن أبي جرادة أبو غانم عمر بن العديم عم الصاحب كمال الدين. مولده سنة ست
وأربعين وخمسمائة. تفقه على مذهب أبي حنيفة ، وتعبد وانقطع ، ومات سنة ثمان وعشرين
وستمائة ، ويأتي ولده يحيى. وكان يكتب على طريقة ابن البواب ويكتب في كل رمضان
ختمة أو ختمتين ا ه (ط ح قرشي).
وقال في الوافي
بالوفيات : وكتب تصانيف الترمذي الحكيم وعني بها ا ه.
أقول : رأيت
كتابا بخطه منها هو الآن في مكتبة المجلس البلدي في الإسكندرية.
وقال ابن
الأثير في حوادث سنة ثمان وعشرين وستمائة : وفيها توفي القاضي أبو غانم ابن العديم
الحلبي الشيخ الصالح ، وكان من المجتهدين في العبادة والرياضة والعاملين بعلمهم ،
فلو قال قائل : إنه لم يكن في زمانه أعبد منه لكان صادقا ، فرضياللهعنه وأرضاه ، فإنه كان من جملة شيوخنا ، سمعنا عليه الحديث
وانتفعنا بروايته وكلامه ا ه.
وسيأتي ذكره
ضمن ترجمة ابن أخيه الصاحب كمال الدين المتوفى سنة ٦٦٠ عند سياق تراجم بني العديم
نقلا عن معجم الأدباء.
١٨٣ ـ يحيى بن أبي طي بن حميدة المتوفى سنة ٦٣٠
يحيى بن حميدة
الشهير بابن أبي طي ، آية الله الكبرى في العلوم والفنون والأدب والشعر والتاريخ
ومعرفة أخبار الصحابة والعرب وغير ذلك. ومن آثاره البديعة «أخبار الشعراء الشيعة»
مرتب على الحروف الهجائية ، وكتاب «تهذيب الاستيعاب في معرفة الأصحاب» للقرطبي ، و
«تاريخ مصر» ، و «مختار تاريخ المغرب» ، وكتاب «حوادث الزمان» في خمس مجلدات ورتبه
على الحروف الهجائية ، وكتاب «سلك النظام في تاريخ الشام» في أربع مجلدات ، وكتاب «طبقات
العلماء» ، و «عقود الجواهر في سيرة الملك الظاهر بيبرس التركي» ، وكتاب «معادن
الذهب في تاريخ حلب» وهو كتاب كبير وقد ذيله ، وكتاب «كنز الموحدين في سيرة صلاح
الدين» وكتاب «مناقب الأئمة الاثني عشر» وفيها زجر البشر ، وكتاب «الآل والعذب
الزلال» ، و «بيان المعالم» وغير ذلك مما يطول شرحه.
وكانت وفاته سنة ستمائة وثلاثين ه (نهر الذهب). وذكر له في الكشف من
المؤلفات عند ذكره مناقب الأئمة الاثني عشر «الذخائر العقبى» وذكر له أيضا كتابا
في السير في ثلاث مجلدات.
وفي تذكرة
العلامة الشنقيطي اللغوي التي ذكر فيها المختار من نفائس المخطوطات الباقية في
الأندلس (الأسكوريال) : الكتاب السادس والخمسون «المنتخب في شرح لامية العرب» صنفه
يحيى بن أبي طي بن حميدة بن ظافر بن علي الحلبي الغساني ، وهو شرح لا نظير له
حقيقة يشفي العليل ويروي الغليل ، يحتاج إلى نسخه وطبعه لأنه جمع من الفوائد ما لا
يكاد يوجد في غيره ا ه.
وقال في هذه
التذكرة : الثاني والتسعون مجموع فيه «ملقي السبيل» لأبي العلاء ، الرابع والتسعون
مجموع فيه «الرسائل الإغريقية» و «الرسالة المنبجية» له أيضا كتب بها إلى الوزير
القاسم المغربي ا ه. وقد فاتني ذكر ذلك في ترجمته.
١٨٤ ـ يحيى الدامغاني البغدادي المتوفى سنة ٦٣٠
يحيى بن جعفر
بن عبد الله ابن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي الدامغاني ظهير الدين أبو
جعفر. مولده سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة ببغداد. قال المنذري : سمع من أبيه وحدث ،
ولنا منه إجازة كتب إلينا بها من حلب غير مرة إحداهن في شوال سنة عشرين وستماية.
وهو من بيت القضاء والعلم. توفي بحلب سنة ثلاثين وستمائة ا ه (ط ح قرشي).
الخانكاه الدامغانية :
قال أبو ذر :
هي داخل بيت ابن نفيس العجمي خارج باب الأربعين ، كان اندثر بعضها فجددها ابن نفيس
المذكور ، وهي وقف على البسطامية ، وهي نسبة إلى حسن الدامغاني وهو مدفون بها ،
وكان مكتوبا عليها : وقفها أحمد ولا أعرفه ا ه.
أقول : لا أعرف
مكان هذه الخانكاه ويغلب على الظن أنها دثرت.
١٨٥ ـ محمد بن أبي بكر الخباز النحوي المتوفى سنة ٦٣١
نجم الدين محمد
بن أبي بكر بن علي الموصلي المعروف بابن الخباز.
قال الذهبي :
كان من كبار العلماء ، ولد سنة سبع وخمسين وخمسمائة واشتغل وبرع في علم العربية ،
وقدم مصر فأقرأ الناس بها مدة وصنف كتبا مشهورة ، منها «شرح ألفية ابن معطي» ، ثم
عاد إلى حلب ومات بها في سابع ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وستمائة ا ه (ط ش للأسنوي).
وذكره العلامة
المؤرخ ابن خلكان في ترجمة القاضي بهاء الدين يوسف بن رافع بن شداد وهو من جملة
شيوخه الذين تلقى العلم عنهم في حلب ، قال ثمة : لما توفي شيخنا جمال الدين أبو
بكر الماهاني سنة سبع وعشرين وستمائة ترددت إلى الشيخ نجم الدين أبي عبد الله محمد
بن أبي بكر بن علي المعروف بابن الخباز الموصلي الفقيه الإمام ، وهو إذ ذاك مدرس
المدرسة السيفية ، فقرأت عليه من أول كتاب الوجيز للغزالي إلى الإقرار.
ثم قال في آخر
ترجمة البهاء بن شداد : وتوفي الشيخ نجم الدين بن الخباز المذكور في السابع من ذي
الحجة سنة إحدى وثلاثين وستمائة بحلب ودفن بظاهرها خارج باب الأربعين ، وحضرت
الصلاة عليه ودفنه رحمهالله تعالى.
١٨٦ ـ أبو بكر أحمد بن العجمي المتوفى سنة ٦٣١
لم أقف له على
ترجمة ، إنما ذكره في الدر المنتخب في الكلام على الخوانق وذكر ثمة وفاته حيث قال
: خانقاه أنشأها شمس الدين أبو بكر أحمد بن العجمي ، وكانت دارا يسكنها فوقفها
الشيخ شرف الدين أبو طالب أخوه على الصوفية عند موته ، وتوفي سنة إحدى وثلاثين ا
ه.
ومن آثاره مدرسة بالجبيل :
قال أبو ذر :
هذه المدرسة ذكرها ابن شداد من جملة المدارس التي خارج حلب وهي الآن داخل السور ،
لأن السور يصل إلى باب الأربعين ثم إلى خندق القلعة كما بيناه في سور حلب. أنشأها
شيخ الطائفة شمس الدين أبو بكر أحمد بن أبي صالح عبد الرحيم الشهيد
ابن العجمي على مذهب الإمام الشافعي والإمام مالك في سنة خمس وتسعين
وخمسمائة ، ولما توفي دفن بها ، وقد دفن عنده جماعة من أقاربه كالشيخ أبي حامد
ووالده عبد الرحيم وهم صالحون معتقدون ، وبنو العجمي إذا حزبهم أمر يأتون إلى قبور
هؤلاء يتبركون بالدعاء عندهم ، وأهل محلتهم يأخذون من تراب قبورهم لأجل الحمى.
ولما طلب جكم الذي تسلطن بحلب والدي ليحضر بيعته امتنع والدي وذهب إلى هذه المدرسة
ودعا هناك فصرف الله عنه كيده. وكان قد رسم بنهب بيت والدي.
وإنما وضع هذه
المدرسة هنا واقفها تبركا بخالد بن رباح أو بلال أخيه ، لأن أحدهما مدفون في مقبرة
الجبيل المعروفة قديما بمقبرة الأربعين كما تقدم في فضل الزيارات. وهذه المقبرة
فيها كثير من الصالحين ، وقد تقدم شرح بعضهم. وكانت هذه المقبرة متصلة بهذه
المدرسة لا بناء بينهما ، والآن جدد بينهما بيوت وغيرهم ، وأهل هذه البيوت إذا
حفروا أس دورهم وجدوا فيها الموتى. وهذه المدرسة الآن ملتصقة بالسور وفي إيوانها
الشمالي شباك مطل على خندق البلد ، وكان قبل فتنة تمر فوق هذا الإيوان قاعة معلقة
مرخمة عظيمة وبعد تيمر وجد غالبها.
وكان بنو
العجمي يأتون هذه المدرسة للتنزه ، وخارج هذه المدرسة من جهة الشرق مقبرة نصفها
مختص بأهل الواقف ونصفها لسائر المسلمين ، وكان بينهما حائط دثر في فتنة تيمر ،
وكان كل طائفة من بني العجمي لهم موضع مختص بهم لموتاهم ، وكان بهذه المقبرة أشجار
مختلفة تسقى من بركة المدرسة ، وغالب بني العجمي مدفونون في هذه المقبرة ، ووالدي
مدفون بها كما تقدم.
ومن جملة أوقاف
هذه المدرسة طاحون الدوير على نهر قويق من جهة القبلة وحصة من رحا المحدثة وحوانيت
بسوق الهواء وحوانيت بسويقة حاتم استبدلت عن بيت كان بالقرب من المدرسة المذكورة.
وكان المدرس بها أخو الواقف الشيخ شرف الدين صاحب الشرفية. وكان قبليّ هذه المدرسة
في زمن الواقف رحبة واسعة ، فوضع يده صاروخان عليها بغير طريق شرعي وجعلها إصطبلا
له ، وفي الغالب لا يوضع فيها دابة إلا ماتت ، وقد محا الله غالب ذرية هذا الرجل
ببركة الواقف ا ه.
الكلام على هذه المدرسة وهي في المحلة المعروفة بالجبيلة :
أقول : لم تزل
هذه المدرسة باقية وقد اشتهرت في زماننا بجامع أبي ذر وهو ممن دفن فيها كما سيأتي
في ترجمته. وقبليتها عامرة طولها نحو ٢٠ ذراعا وعرضها نحو ١٢ ذراعا ، وفيها منبر
للخطابة وتقام فيها الجمعة. وشرقي هذه القبلية بيت كبير قديم في وسطه قبة مرتفعة
في شرقيها شباك مطل على التربة التي هناك ، وفي هذا البيت ثمانية قبور مسنمة
بالتراب لا غير هي قبور بني العجمي ومعهم المحدث الكبير إبراهيم بن محمد سبط ابن
العجمي وولده أبو ذر ، لكن لا يعلم صاحب كل قبر على اليقين. وحول الصحن من جهتي
الشرق والغرب حجر مشرفة على الخراب ، وفي شماليه إيوان كبير خرب له ثلاثة شبابيك
مطلة على الخندق ، وحول المدرسة من جهتي الشرق والغرب دور للسكني يظهر أن بعضها
مقتطع من المدرسة ، وبعض أرض المدرسة مبلط بحجارة سوداء كبار تدل حالتها على أنها
مما كان مبنيا في جدران المدرسة. وشرقي المدرسة تربة واسعة آخذة نحو الشرق متصلة
بأحد أبواب حلب المعروف الآن بباب الحديد ، وقد بني في آخر هذه التربة مغفر لقعود
المحافظين وذلك سنة ١٢٦٥ ، وهو متصل بالباب ، وحين بنائه نبش منه عدة قبور منها
قبر كان فيه تابوت من دف نقل ذلك التابوت إلى مصطبة أمام المغفر ، وهناك اتخذ له
ضريح ، لكن لم يعلم صاحبه. وهذه المدرسة كما علمت هي في درب الجبيل ، وقد تكلم أبو
ذر على هذا الدرب حيث قال :
الكلام على درب الجبيل :
تكلمنا على
بعضه في غير هذا الموضع ولم يكن دورا وإنما كان مقابر ، وجدد بهذا الدرب مسجد قريب
من مدرسة الجبيل عمره أولا الحاج محمد بن الشكيزان أدركته وكان ذا مال كثير غرق
أكثره في البحر ، وبنى دارا على الخندق عظيمة فتقطع ثم أعاد ما بنى وأنفق عليه كما
أخبرني بعض الناس ثلاثة آلاف أشرفي ، ثم جدد المسجد بعد انهدامه الخواجا منصور
التاجر. وإلى جانبه مكتب وقعت الصاعقة عليه فاحترق ، ثم خرجت من الشباك إلى خندق
البلد ورأى الناس في الخندق نارا عظيمة ا ه. أقول : وهذا المسجد لازال موجودا ،
وقد جدد بعضه من سنين ويعرف الآن بمسجد أبي الشامات ، ومتولوه هم من هذه العائلة ،
وفي صحن المسجد عدة قبور قديمة.
١٨٧ ـ محمد بن محمد السلاوي المتوفى سنة ٦٣٢
محمد بن محمد
بن أحمد بن يوسف بن غياث السلاوي أبو عبد الله الحلبي. سمع بمصر من أبي عبد الله
الأرتاحي. ذكره المنذري في التكملة وقال : ما علمته حدث ، وكان فاضلا على مذهب أبي
حنيفة. وله معرفة بالشروط. وسكن حلب إلى أن مات بها. ودرس بها على مذهب أبي حنيفة.
قال ولده محمد بن محمد : توفي والدي يوم الأربعاء سادس عشر جمادى الآخرة سنة
اثنتين وثلاثين وستمائة. ويأتي ولده محمد ا ه (ط ح قرشي).
١٨٨ ـ القاضي بهاء الدين يوسف بن شداد المتوفى سنة ٦٣٢
أبو المحاسن
يوسف بن رافع بن تميم بن عتبة بن محمد بن عتاب الأسدي قاضي حلب المعروف بابن شداد
الملقب ببهاء الدين الفقيه الشافعي. توفي أبوه وهو صغير السن فنشأ عند أخواله بني
شداد فنسب إليهم. وكان شداد جده لأمه ، وكان يكنى أولا أبا العز ، ثم غير كنيته
وجعلها أبا المحاسن كما ذكرته. ولد بالموصل ليلة العاشر من شهر رمضان سنة تسع
وثلاثين وخمسماية وحفظ بها القرآن الكريم في صغره ، ثم قدم الشيخ أبو بكر يحيى بن
سعدون القرطبي المقدم ذكره (أي في ابن خلكان) إلى الموصل فلازمه وقرأ عليه بالطرق
السبع وأتقن عليه فن القراءات.
قال أبو
المحاسن المذكور في بعض تآليفه : أول من أخذت عنه شيخي الحافظ صائن الدين أبو بكر
يحيى بن سعدون القرطبي ، فإني لازمت القراءة عليه إحدى عشرة سنة فقرأت عليه معظم
ما رواه من كتب القراءات وقراءة القرآن العظيم ورواية الحديث وشروحه والتفسير ،
حتى كتب لي خطه بذلك ، وشهد لي بأنه ما قرأ عليه أحد أكثر مما قرأت ، وعندي خطه
بجميع ما قرأته عليه في قريب من كراسين ، وفهرست ما رواه جميعه عندي وأنا أرويه
عنه ، ومما يشتمل عليه فهرست البخاري ومسلم من عدة طرق ، وغالب كتب الحديث ، وغالب
كتب الأدب وغيره. وآخر روايتي عنه شرح الغريب لأبي عبد القاسم ابن سلام قرأته عليه
في مجالس آخرها في العشر الأخير من شعبان سنة سبع وستين وخمسمائة. ومنهم الشيخ أبو
البركات عبد الله بن الخضر بن الحسين المعروف بابن
الشيرجي ، سمعت عليه بعض تفسير الثعلبي وأجازني أن أروي عنه جميع ما رواه
على اختلاف أنواع الروايات ، وكتب لي خطه بذلك في فهرست سماعي مؤرخا بخامس جمادى
الأولى سنة ست وستين وخمسمائة. ومنهم الشيخ مجد الدين أبو الفضل عبد الله بن أحمد
الطوسي الخطيب بالموصل ، وهو مشهور بالرواية حتى يقصد لها من الآفاق ، وعاش نيفا
وتسعين سنة ، سمعت عليه كثيرا من مسموعاته وأجاز لي جميع ما رواه سنة ثمان وخمسين
وخمسماية. ومنهم القاضي فخر الدين أبو الرضا سعيد بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري
، سمعت عليه مسند الشافعي رضياللهعنه ومسند أبي عوانة ومسند أبي يعلى الموصلي وسنن أبي داود
، وكتب لي خطه بذلك وهو في فهرستي ، وسمعت عليه الجامع لأبي عيسى الترمذي وأجاز لي
رواية ما رواه وكتب لي خطه بذلك في شوال سنة سبع وستين وخمسمائة. ومنهم الحافظ مجد
الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن علي الأشيري الصنهاجي ، وأجاز لي
جميع ما يرويه على اختلاف أنواعه ، وفي فهرستي خطه بذلك مؤرخا بشهر رمضان سنة سبع
وخمسين وخمسمائة وفهرسته عندي بذلك. ومنهم الحافظ سراج الدين أبو بكر محمد بن
الجياني ، قرأت عليه صحيح مسلم من أوله إلى آخره بالموصل والوسيط للواحدي ، وأجاز
لي رواية ما يرويه في تاريخ سنة تسع وخمسين وخمسمائة. فهذه أسماء من حضر في خاطري.
وقد سمعت من جماعة لم يحضرني روايتهم عند جمع هذا الكتاب كشهدة الكاتبة في بغداد وأبي
المغيث في الحربية والشيخ رضى الدين القزويني المدرس بالنظامية وجماعة شذت عني
طرقهم فلم أذكرهم ، إذ كان في هؤلاء غنية. هذا آخر ما ذكره عن نفسه.
وقال غيره :
إنه قرأ الفقه علي أبي البركات عبد الله بن الشيرجي المذكور فقيه الموصل ، وكان
عالما زاهدا متقشفا ، وتوفي سنة أربع وسبعين بالموصل ، ثم اشتغل بالخلاف على
الضياء بن أبي حازم صاحب محمد بن يحيى الشهيد النيسابوري ، ثم باحث في الخلاف
متفنني أصحابه كالفخر التوقاني والبروي والعماد التوقاني والسيف الخواري والعماد
الميانجي ، ثم انحدر إلى بغداد بعد التأهل التام ونزل بالمدرسة النظامية وترتب
فيها معيدا بعد وصوله إليها بقليل ، وأقام معيدا نحو أربع سنين ، والمدرس بها يوم
ذاك أبو نصر أحمد ابن عبد الله بن محمد الشاشي ، ثم أصعد إلى الموصل في سنة تسع
وستين فترتب مدرسا في المدرسة التي أنشأها القاضي كمال الدين أبو الفضل محمد بن
الشهرزوري ولازم الاشتغال
وانتفع به ، وله كتاب سماه «ملجأ الحكام عند التباس الأحكام» ذكر في أوائله
أنه حج في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وزار بيت المقدس والخليل عليهالسلام بعد الحج والزيارة للرسول صلىاللهعليهوسلم ، ثم دخل دمشق والسلطان صلاح الدين محاصر قلعة كوكب ،
فذكر أنه سمع بوصوله فاستدعاه إليه فظن أنه يسأله عن كيفية قتل الأمير شمس الدين ،
فإنه كان أمير الحاج في تلك السنة من جهة صلاح الدين وقتل على جبل عرفات لأمر يطول
شرحه ، فلما دخل عليه ذكر أنه قابله بالإكرام التام ، وما زاد على السؤال عن الطريق
ومن كان فيه من مشايخ العلم والعمل وسأله عن جزء من الحديث ليسمعه عليه ، فأخرج له
جزءا جمع فيه أذكار البخاري وأنه قرأه عليه بنفسه ، فلما خرج من عنده تبعه عماد
الدين الكاتب الأصبهاني وقال له : السلطان يقول لك : إذا عدت من الزيارة وعزمت على
العود فعرّفنا بذلك فلنا إليك مهم ، فأجابه بالسمع والطاعة ، فلما عاد عرّفه
بوصوله فاستدعاه وجمع له في تلك المدة كتابا يشتمل على فضائل الجهاد وما أعد الله سبحانه وتعالى للمجاهدين ، يحتوي على
مقدار ثلاثين كراسة ، فخرج إليه واجتمع به بقيعة حصن الأكراد وقدم له الكتاب الذي
جمعه وقال : إنه كان عزم على الانقطاع في مشهد بظاهر الموصل إذا وصل إليها.
ثم إنه اتصل
بخدمة صلاح الدين في مستهل جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وخمسمائة ، ثم ولاه قضاء
العسكر والحكم بالقدس الشريف.
ولما توفي صلاح
الدين كان حاضرا وتوجه إلى حلب لجمع كلمة الإخوة أولاد صلاح الدين وتحليف بعضهم
لبعض ، فكتب الملك الظاهر غياث الدين بن صلاح الدين صاحب حلب إلى أخيه الملك
الأفضل نور الدين علي بن صلاح الدين صاحب دمشق يطلبه منه ، فأجابه إلى ذلك ،
فأرسله الظاهر إلى مصر لاستخلاف أخيه الملك العزيز عماد الدين عثمان ابن صلاح الدين
، وعرض عليه الظاهر الحكم بحلب فلم يوافق على ذلك ، فلما عاد من هذه الرسالة كان
القاضي بحلب قد مات فعرض عليه فأجاب. هكذا ذكره في كتاب «ملجأ الحكام».
__________________
وذكر القاضي
كمال الدين أبو القاسم عمر بن أحمد المعروف بابن العديم في تاريخه الصغير الذي
سماه «زبدة الحلب في تاريخ حلب» ما مثاله : وفي سنة إحدى وتسعين يعني وخمسمائة
اتصل القاضي بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم بخدمة الملك الظاهر وقدم
إليه إلى حلب وولاه قضاءها ووقوفها ، وعزل عن وقوفها زين الدين أبا البيان نبأ ابن
البانياسي نائب محيي الدين بن الزكي ، وحل عنده بهاء الدين في رتبة الوزارة
والمشاورة. انتهى كلامه.
ثم قال ابن
خلكان : وكانت حلب في ذلك الزمان قليلة المدارس وليس بها من العلماء إلا نفر يسير
، فاعتنى أبو المحاسن المذكور بترتيب أمورها وجمع الفقهاء بها وعمرت في أيامه
المدارس الكثيرة. وكان الملك الظاهر قد قرر له إقطاعا جيدا يحصل جملة مستكثرة ،
ولم يكن له خرج كثير ، فإنه لم يولد له ولا كان له أقارب ، فتوفر له شيء كثير ،
فعمر مدرسة للشافعية بالقرب من باب العراق قبالة مدرسة نور الدين محمود بن زنكي رحمهالله تعالى (هي المدرسة النفرية) ورأيت تاريخ عمارتها مكتوبا
على سقف مسجدها وهو الموضع المعد لإلقاء الدروس وذلك في سنة إحدى وستمائة ، ثم عمر
في جوارها دارا للحديث النبوي وجعل بين المكانين تربة برسم دفنه فيها ، ولها بابان
باب إلى المدرسة وباب إلى دار الحديث وشباكان إلى الجهتين وهما متقابلان بحيث إن
الذي يقف في أحد المكانين يرى من يكون في المكان الآخر. ولما صارت حلب على هذه
الصورة قصدها الفقهاء من البلاد وحصل بها الاشتغال والاستفادة وكثر الجمع بها.
ثم ذكر ابن
خلكان هنا مجيئه مع أخيه إلى حلب ونزوله في هذه المدرسة واشتغاله بالعلم إلى أن
قال : ولم نزل عنده إلى أن توفي في التاريخ الآتي ذكره ، ولم يكن في مدرسته في ذلك
الزمان درس عام لأنه كان المدرس بنفسه ، وكان قد طعن في السن وضعف عن الحركة وحفظ
الدروس وإلقائها ، فرتب أربعة من الفقهاء الفضلاء برسم الإعادة والجماعة يشتغلون
عليها. ثم قال :
وكان القاضي
أبو المحاسن المذكور بيده حل الأمور وعقدها ، ولم يكن لأحد معه في الدولة كلام ،
وكان سلطانها الملك العزيز أبو المظفر محمد بن الملك الظاهر بن السلطان صلاح الدين
وهو صغير السن تحت حجر الطواشي شهاب الدين أبي سعيد طغرل وهو أتابكه ومتولي أمور
الدولة بإشارة القاضي أبي المحاسن لا يخرج عنهما شيء من الأمور.
وكان للفقهاء
في أيامه حرمة تامة ورعاية كبيرة ، خصوصا جماعة مدرسته فإنهم كانوا يحضرون مجالس
السلطان ويفطرون عنده في شهر رمضان على سماطه ، وكنا نسمع عليه الحديث ونتردد إليه
في داره. وقد كانت له قبة تختص به وهي شتوية لا يجلس في الصيف إلا فيها لأن الهرم
كان قد أثر فيه حتى صار كفرخ الطائر من الضعف لا يقدر على الحركة للصلوات وغيرها
إلا بمشقة عظيمة ، وكانت النزلات تعتريه في دماغه فلا يفارق تلك القبة ، وفي
الشتاء يكون عنده منقل كبير عليه من الفحم والنار شيء كثير ، ومع هذا كله لا يزال
مزكوما وعليه الفرجية البرطاسي والثياب الكثيرة وتحته الطراحة الوثيرة فوق البسط ذوات
الخمائل الثخينة بحيث إنا كنا نجده عنده الحر والكرب وهو لا يشعر به لكثرة استيلاء
البرودة عليه من الضعف. وكان لا يخرج لصلاة الجمعة إلا في شدة القيظ ، وإذا قام
إلى الصلاة بعد الجهد يكاد يسقط ، ولقد كنت أنظر إلى ساقيه إذا وقف للصلاة كأنهما
عودان دقيقان لا لحم فيهما ، وكان عقيب صلاة الجمعة يسمع المصلون عنده الحديث عليه
، وكان يعجبه ذلك. وكان حسن المحاضرة جميل المذاكرة ، والأدب غالب عليه ، وكان
كثيرا ما ينشد في مجالسه :
إن السلامة
من ليلى وجارتها
|
|
أن لا تمرّ
على حال بناديها
|
وكان يتمثل
أيضا كثيرا يقول صرّدر الشاعر :
وعهودهم
بالرمل قد نقضت
|
|
وكذاك ما
يبنى على الرمل
|
فأنشده في بعض
الأيام فقال له بعض الحاضرين : يا مولانا قد استعمل ابن المعلم العراقي هذا المعنى
استعمالا مليحا ، فقال : ابن المعلم هو أبو الغنائم ، فقال : نعم ، فقال : صاحبنا
كان فكيف قال : فأنشده :
نقضوا العهود
وحقّ ما يبنى على
|
|
رمل اللوى
بيد الهوى أن ينقضا
|
فقال : ما أقصر
، ولقد تلطف في قوله بيد الهوى ، فقال له : يا مولانا ، وقد استعمله في قصيدة أخرى
، فقال : هات فأنشده :
ولم يبن على
الرمل
|
|
فكيف انتقض
العهد
|
فاستحسنه.
ثم قال : وكان
كلما نظر إلى نفسه على تلك الحالة من الضعف والعجز عن القيام والقعود والصلاة
وسائر الحركات ينشد :
من يتمنّ
العمر فليدّرع
|
|
صبرا على فقد
أحبّائه
|
ومن يعمّر ير
في نفسه
|
|
ما يتمناه
بأعدائه
|
ودخل عليه يوما
رجل من أهل المغرب يقال له أبو الحجاج يوسف (تقدمت ترجمته في وفيات سنة ٦٢٣) وكان
قريب العهد ببلاده ، ورد حلب في تلك الأيام ، وكان فاضلا في الأدب والحكمة ، فلما
رآه على تلك الهيئة من الهزال والنحافة أنشده :
لو يعلم
الناس ما في أن تعيش لهم
|
|
بكوا لأنك من
ثوب الصبا عار
|
ولو أطاقوا
انتقاصا من حياتهم
|
|
لما فدوك
بشيء غير أعمار
|
فأعجبه ذلك
ودمعت عيناه وشكر له. ثم قال :
وكان القاضي
أبو المحاسن المذكور سلك طريق البغاددة في تربيتهم وأوضاعهم حتى إنه كان يلبس
ملبوسهم ، والرؤساء يترددون إليه ، وكانوا ينزلون عن دوابهم على قدر أقدارهم ، لكل
واحد منهم مكان معين لايتعداه.
ثم إنه تجهز
إلى الديار المصرية لإحضار ابنة الملك الكامل ابن الملك العادل للملك العزيز صاحب
حلب ، وكان قد عقد نكاحه عليها. فسار في أول سنة تسع وعشرين أوآخر سنة ثمان وعشرين
وستماية وعاد وقد جاء بها في شهر رمضان من السنة. ولما وصل كان قد استقل الملك
العزيز بنفسه ورفعوا عنه الحجز ونزل الأتابك طغرل من القلعة إلى داره تحت القلعة
واستولى على الملك العزيز جماعة من الشبان الذين كانوا يعاشرونه ويجالسونه ،
فاشتغل بهم ، ولم ير القاضي أبو المحاسن وجها يرتضيه فلازم داره إلى حين وفاته ،
وهو باق على الحكم وإقطاعه جار عليه ، غاية ما في الباب أنه لم يبق له حديث في
الدولة ولا كانوا يراجعونه في الأمر ، فكان يفتح بابه لإسماع الحديث كل يوم بين
الصلاتين ، وظهر عليه الخرف بحيث إنه صار إذا جاءه الإنسان لا يعرفه ، وإذا قام
سأل عنه ولا يعرفه. واستمر على هذا الحال مديدة ، ثم مرض أياما قلائل وتوفي يوم
الأربعاء رابع عشر صفر سنة اثنتين
__________________
وثلاثين وستماية رحمهالله تعالى بحلب ودفن في التربة المقدم ذكرها ، وحضرت الصلاة
عليه ودفنه وما جرى بعد ذلك.
وصنف كتاب «ملجأ
الحكام عند التباس الأحكام» يتعلق بالأقضية في مجلدين (موجود في المكتبة السلطانية).
وكتاب «دلائل الأحكام» (موجود في مكتبة باريس وفي الأحمدية بحلب) تكلم فيه على
الأحاديث المستنبط منها الأحكام في مجلدين ، وكتاب «الموجز الباهر» في الفقه وغير
ذلك ، وكتاب «سيرة صلاح الدين بن أيوب» رحمهالله (هذه مطبوعة وقد تكلمت عليها في المقدمة).
وجعل داره
خانقاه للصوفية لأنه لم يكن له وارث. ولازم الفقهاء والقراء تربته مدة طويلة
يقرؤون عند قبره ، وكان قد قرر قدام كل واحد من الشباكين المذكورين اللذين للتربة
سبعة قراء ، وكان غرضه أن يقرأ عنده كل ليلة ختمة كاملة ، فكان كل واحد من القراء
الأربعة عشر يقرأ نصف سبع بعد صلاة العشاء الآخرة.
وفارقت حلب
متوجها إلى الديار المصرية في الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين
وستماية والأمور جارية على هذه الأوضاع. ثم بعد ذلك تغيرت تلك الأمور وانتقضت
قواعدها وزال جميع ذلك على ما بلغني ا ه (ابن خلكان).
قال أبو الحسن
علي بن هذيل في كتابه «عين الأدب والسياسة» : قال ابن سعيد : حكى لي الصاحب كمال
الدين بن العديم أن القاضي بهاء الدين بن شداد قاضي حلب الذي بلغ عند صلاح الدين
وابنه الظاهر ما لم يبلغه أحد من نظرائه مرض بحلب ، قال : فمشيت في جماعة من
الشبان المبتدئين في القراءة والظهور إلى عيادته ، فعند ما دخلنا عليه قام لنا
فجعلنا نحلف أن لا يفعل ، فقال : يا سبحان الله ، تتفكرون في مرضي وتتعنون من
أماكنكم إلى منزلي ، ثم أبخل عليكم بقومة ، هذا والله غير طريق المروءة. ثم قال :
يا أولادي ، لقد دخلت على كبير وأنا في سنكم فلم يحتفل بي ، فإلى الآن ما أذكر
ذلكم إلا أسأت ذكره وندمت على وصولي إليه ، ولا يتجنب المعائب إلا أهل التجارب.
قال : وكنت أتردد إلى مجلس كمال الدين بن يغمور وهو نائب السلطنة بالشام وكان يقوم
لي كلما دخلت عليه ، فدخلت يوما فإذا به مضطجع فلم يقم ، وأخذ فيما كان يأخذ فيه ،
فلما دخلت في اليوم الثاني قام ثم جلس ، ثم قام ثم جلس ، وقال : هذه الأخيرة عن
قومة أمس ، كانت
عليّ دينا لعذر تتفضل بقبوله دون مطالبة بذكره ، فعجبت من فضله وقلت : ما
سار لهذا الرجل ما سار في الأقطار من باطل ا ه.
تتمة الكلام على المدرسة الصاحبية :
قال في كنوز
الذهب : المدرسة الصاحبية الشافعية : أنشأها الشيخ الإمام العالم العامل العلامة
أبو المحاسن وأبو العز يوسف بن رافع قاضي حلب المعروف بابن شداد تجاه المدرسة
النفرية بالقرب من جامع تغري بردي (جامع الموازيني المشهور في محلة السفاحية) وقد
درس بها واقفها ، واستناب القاضي زين الدين أبا محمد عبد الله بن الحافظ عبد
الرحمن ابن علوان الأسدي ، ولما توفي القاضي ولي القاضي زين الدين ودرس استقلالا ،
ولم يزل بها إلى أن توفي سنة خمس وثلاثين ، فوليها ولده القاضي كمال الدين أبو بكر
أحمد ، ولم يزل بها مدرسا إلى أن كانت حادثة التتر ، فخرج عنها إلى ديار مصر ، ثم
عاد إلى حلب في أواخر سنة إحدى وستين وستماية وولي تدريس هذه المدرسة وتدريس
الظاهرية والقضاء ، ولم يزل بها إلى أن توفي ليلة الأحد رابع وقيل خامس عشر شوال
سنة اثنتين وستين وستماية ، وولي تدريسها وحدها جده القاضي محيي الدين أبو المكارم
محمد بن قاضي القضاة جمال الدين محمد بن عمر ، فلم يزل بها إلى أن توفي سنة تسع
وستين ، ووليها أخوه افتخار الدين عثمان ، فلم يزل مدرسا بالصاحبية فقط إلى أن
توفي بالديار المصرية ، ووليها ولده شرف الدين عبد المجيد مع الأوقاف بحلب وهو
مستمر بها إلى تاريخ سنة سبع وسبعين وستماية.
وهذه المدرسة
كانت قبل فتنة تيمر عامرة بالعلماء ، ودرس بها الشيخ شرف الدين الأنصاري وغيره ،
وبعد تيمر سكن شيخنا الشيخ علاء الدين بن الوردي ، وكان يقرىء بها «الحاوي» و «البهجة»
والناس يترددون إليه.
وكان شيخنا
المؤرخ يدرس بها الأحد والأربعاء دائما ، وكنت أحضر معه ، ومن جملة من درس قبل
الفتنة التيمرية ابن بنت الباريني. قال لي الشيخ علاء الدين بن مكتوم : إنه كان
يتصفح كراسا من «الروضة» وكراسا من «المهمات» مرة واحدة ويوردهما ، وإنه لما تكرر
ذلك منه أصيب بالعين فأخذته الحمى ومات.
ودرس بهذه
المدرسة جماعة من القضاة كالسيد وشيخنا زين الدين بن الخرزي
والباعوني. ثم تعطلت هذه المدرسة وصارت مسكنا للنساء ، حتى قدم الشيخ
الصالح الزاهد علاء الدين الجبرتي فحضر إلى هذه المدرسة ورأى ما حل بها من التعطيل
، فشرع في إخراج النساء منها وفي عمارتها وتبييضها وترخيم ما تقلع من رخامها
وتعزيل خلاويها وعمارة مرتفقها وفتح بركتها ، ولما فتح إيوانها الشمالي وعزله ظهر
فيه قبر فأبقاه في مكانه.
وأقام شعار هذه
المدرسة من ترتيب إمام ومؤذن وحصر ومصابيح وغير ذلك ، وعزم على أن يسوق إلى بركتها
الماء من القناة كعادتها فما طالت مدته.
وقال ابن
الوردي في ترجمة ابن شداد : وعمر بحلب دار حديث ومدرسة متلاصقتين وجعل تربة بينهما
، فقال الناس : هذه تربة بين روضتين ، ورجا أن تشمله بركة العلم ميتا كما شملته
حيا ، وأن يكون في قبره من سماع الحديث والفقه بين الري والريّا.
ربما أنعش
المحبّ عيان
|
|
من بعيد أو
زورة من خيال
|
أو حديث وإن
أريد سواه
|
|
فسماع الحديث
نوع وصال
|
ومن وقفها كفر
سلوان من عمل عزاز وحصة بالسوق الذي أنشأه دقماق ويباع فيه الزموط قبلي الحبالين.
وقال قبل ذلك : وهذه المدرسة ليست محكمة البناء وهي صغيرة قليلة البيوت للفقهاء
وبها ثلاثة أواوين ا ه.
الكلام على دار الحديث خاصة :
قال أبو ذر في
الكلام على دار الحديث : ومنها دار أنشأها القاضي بهاء الدين بن شداد إلى جانب
مدرسته المتقدم ذكرها في المدارس ، وهذه الدار كانت إلى محنة تيمر مجمعا لأهل
الحديث يسكنون بها ويقرؤون ويسمعون ويكتبون الطباق ويدخلون إلى الآفاق ، ثم يرجعون
، وطالما مكث فيها والدي والشيخ عز الدين الحاضري والشيخ شرف الدين الأنصاري
وقرؤوا ودأبوا وكتبوا ، وبعد تيمر انطوى ذلك البساط وآل أمرها إلى أن سكنها شخص
حوّا وأخذ منها قطعة أرض وأضيفت إلى بيوت الجيران ، وأغلق بابها واستولى عليها من
لا معرفة له ولا ألم بشيء من أمور دينه ، فضلا عن الحديث. ومن وقفها قرية كرمايل
ببلد عزاز ا ه.
أقول : موضع
هذه المدرسة ودار الحديث بين محلة السفاحية ومحلة ساحة بزة شمالي القسطل الواقع
تجاه مسجد الخريزاني ، قسم منها في الجنينة المعروفة الآن بجنينة الفريق في
غربيها ، وقسم منها في العرصة التي أمامها من جهة الغرب أيضا ، وقد دثرتا
ولم يبق منهما سوى حجرة كبيرة بنيت منذ عهد قريب في جدار قصير في داخله آثار قبور
، ولعل بينهما قبر الواقف رحمهالله ، ومكتوب على هذه الحجرة :
(١) بسم الله
الرحمن الرحيم. هذه دار حديث أنشأها لقراءة الحديث وإقرائه وحفظه وسماعه.
(٢) وإسماعه
وتلقين القرآن العظيم وإقامة الصلوات الخمس في الجماعة على ما شرط في كتاب الوقف.
(٣) في أيام
السلطان الملك العزيز وأخيه الملك الصالح وأتابكهما الملك الرحيم الزاهد العابد.
(٤) طغرل بن
عبد الله عتيق والدة السلطان الملك الظاهر غازي بن يوسف تغمده الله برحمته.
(٥) وكذلك يفعل
بوالدة الملك الناصر بتولي دولتهم يوسف بن رافع بن تميم من قضا لنا.
(٦) نعمة في
مدة وقع لحقنا. (هكذا) في شهر ربيع الآخر سنة ثمان عشر وستمائة تقبل الله منه.
وقد اطلعت على
وقفية الناصري الركابي الأمير ناصر الدين محمد الشهير بابن برهان وتاريخها سنة ٩٣١
التي وقف فيها مسجدا ودورا ثلاثة وغير ذلك ، وموقع المسجد والدور في جنينة الفريق
، وقد جاء في تحديد دار الواقف : وشمالا المدرسة الصاحبية ، وتمام الحد بيت جار في
وقف الصاحبية المذكورة. ثم قال : وجميع الفرن الكائن تجاه الصاحبية بمحلة ساحة
بزه. وقد ظهر لي أن موضع هذا الفرن في العرصة الخالية الآن الواقعة تجاه زاوية
الشيخ تراب ، وقد علمنا من هذا أن المدرسة ودار الحديث كانتا في القرن العاشر
عامرتين في الجملة ، ولعلهما خربتا في الزلزلة التي حصلت سنة ١٢٣٧ والله أعلم.
الخانكاه البهائية :
ومن آثاره
الخانكاه البهائية. قال أبو ذر : وهي بالقرب من دار الحديث التي أنشأها إلى جانب
مدرسته وتربته كانت دارا يسكنها ا ه.
ذكر ما كان هناك من الآثار :
قال أبو ذر في
الكلام على الرباطات : رباط بالقرب من صاحبية ابن شداد يعرف بإقامة عبد الولي
البعلبكي ا ه.
أقول : ولا أثر
الآن لتلك الخانقاه ولا لهذا الرباط.
تتمة الكلام على المدرسة السلطانية تجاه القلعة :
تكلمنا في
الجزء الثاني في صحيفة (١٨١) على المدرسة السلطانية وقلنا ثمة : إن أول مدرس بها
كان القاضي بهاء الدين بن شداد. ثم رأيت أبا ذر في كنوز الذهب تكلم على هذه
المدرسة فأحببت ذكره هنا لما فيه من الفوائد قال :
هذه المدرسة
تعرف قديما بالظاهرية ، وهي تجاه باب القلعة ، وهي مشتركة بين الطائفتين الشافعية
والحنفية ، كان الملك الظاهر قد أسسها وتوفي ولم يتمها ، وبقيت مدة حتى شرع طغريل
أتابك العزيز فيها فعمرها وكملها سنة عشرين وستماية. وهذه المدرسة مبنية بالحجارة
الهرقلية المحكمة ومحرابها من أعاجيب الدنيا في جودة التركيب وحسن الرخام ، وأراد
تيمور أخذه فقيل له إنه إذا أزيل لا يتركب على حاله الأول فأبقاه.
وهي كثيرة
الخلاوي للفقهاء ، وبركتها ينزل إليها بدرج. وأول من درس بها وافتتحت به القاضي
بهاء الدين بن شداد فذكر فيها الدرس يوما واحدا وهو يوم السبت ثامن عشر شعبان من
السنة المذكورة وولي نظرها ، فولاها القاضي زين الدين أبا محمد عبد الله الأسدي
قاضي القضاة بحلب ، فلم يزل مدرسا بها إلى أن توفي سنة خمس وثلاثين وستماية ، وكان
يدرس بها المذهبين ، فوليها بعده ولده القاضي كمال الدين أبو بكر بن أحمد ، ولم
يزل بها إلى استيلاء التتر على حلب ، وكان أيضا يدرس المذهبين الشافعية والحنفية.
ثم قال : وأعلم
أن هذه المدرسة قبل محنة تيمر لما كان والدي مشتغلا بالعلم كانت
روضة الأدباء ودوحة العلماء. كان أولاد حبيب الثلاثة وهم محمد والحسن
والحسين يسكنون بها وينظمون وينثرون ويحدثون ، ويأتي إليهم الناس أفواجا للأخذ
عنهم ، وتراجم الثلاثة في تاريخ والدي وشعرهم كثير مشهور.
وكان يسكن هناك
القصاص الفاصل ، قص مصحفا بنقطة وإعرابه وجعل بين كل ورقتين ورقة سوداء ليظهر
القص. ودرس بها الشيخ شرف الدين الأنصاري وغيره من القضاة ، ورزقها متوافر دارّ
على أهلها.
ولم تزل
المدرسة على ذلك إلى محنة تيمور فصارت كما قال الشاعر :
وتنكرت صفة
الغوير فلم يكن
|
|
ذاك الغوير
ولا النقا ذاك النقا
|
ودرس بها شيخنا
بعد فتنة تيمور عند ولايته القضاء ، وأخذها عنه التاج الكركي وكذلك
العصرونية لينكف عن طلب القضاء ثم عادتا إليه. ودرس بها بعد شيخنا جماعة منهم
العلامة السيد الحسيني قاضي حلب وضبط متحصلها من جهاتها في سنتين. ومن جهاتها عين
دفنا من بلد عزاز وقمري والقيسية وحصة في أصعا وحصة في نبّل وحصة في حربثا ، ولها
جهات بحلب ، وصرفها على المستحقين ولم يأخذ منها شيئا حتى سأل الفقهاء عن قدر ما
يأخذ ، وبيض المدرسة وخبأ للفقهاء الذين توجهوا للحجاز وأحسن للحاضرين ونقل
الفضلاء فجزاه الله خيرا ا ه.
١٨٩ ـ سليمان بن مسعود الطوسي الشاعر المتوفى سنة ٦٣٤
قال الصلاح
الصفدي في حوادث سنة ٦٣٤ : فيها توفي أبو داود سليمان بن مسعود ابن الحسن بن أحمد
الطوسي الحلبي شاعر لطيف ، ومن نظمه :
ألا زد غراما
بالحبيب وداره
|
|
وإن لجّ واش
فاحتمله وداره
|
وإن قدح
اللوّام فيك بلومهم
|
|
زناد الهوى
يوما فأورى فواره
|
عسى زورة
يشفي بها منه خلسة
|
|
فإنك لا
يشفيك غير ازدياره
|
وذي هيف فيه
يقول لعاذلي
|
|
بعذري إذا ما
لام لام عذاره
|
__________________
بوجه يضاهي
البدر عند كماله
|
|
بعيد المدى
من تقصه وسراره
|
فلا بدر إلا
ما بدا من جيوبه
|
|
ولا غصن إلا
ما انثنى في إزاره
|
فسبحان من
أجرى الطلا من رضابه
|
|
ومن أنبت
الريحان في جلّناره
|
وقد دبّ عنها
صدغه بعقارب
|
|
وناظره من
سيفه بشفاره
|
وله أيضا عفا
الله عنه :
أبدى لنا من
صنوف الحسن أصنافا
|
|
تروى فتسترق
الألفاظ أوصافا
|
زبرجدا في
عقيق زانه سبج
|
|
ولؤلؤا في
زلال الريق شفّافا
|
كأنه حينما
يجلو لمبسمه
|
|
يشقّ من
شفتيه عنه أصدافا
|
يريش من
مقلتيه أسهما وكذا
|
|
يسلّ منها
إذا ما شاء أسيافا
|
ريم من الروم
مطبوع على صلف
|
|
يفوق غصن
النقا قدّا وأعطافا
|
تجاذب الريح
فيه لين معطفه
|
|
كما يجاذب
خصر منه أردافا
|
أمير حسن
تراه واحدا وترى
|
|
في طرفه من
جنود الحسن آلافا
|
وكانت وفاته
بحلب رحمهالله تعالى ا ه.
١٩٠ ـ يوسف بن إسماعيل الشاعر المشهور بالشوّاء المتوفى سنة ٦٣٥
أبو المحاسن
يوسف بن إسماعيل بن علي بن أحمد بن الحسين بن إبراهيم المعروف بالشواء الملقب شهاب
الدين الكوفي الأصل الحلبي المولد والمنشأ والوفاة. كان أديبا فاضلا متقنا لعلم
العروض والقوافي ، شاعرا يقع له في النظم معان بديعة في البيتين والثلاثة ، وله
ديوان شعر كبير يدخل في أربع مجلدات ، وكان زيه على زي الحلبيين الأوائل في اللباس والعمامة
المشقوقة ، وكان كثير الملازمة لحلقة الشيخ تاج الدين أحمد بن هبة الله بن سعد ابن
سعيد بن المقلد المعروف بابن الجبراني الحلبي النحوي اللغوي الفاضل (تقدمت ترجمته
في وفيات سنة ٦٢٨) ، وأكثر ما أخذ الأدب عنه وبصحبته انتفع. وعاشر التاج أبا الفتح
مسعود بن أبي الفضل النقاش الحلبي الشاعر المشهور زمانا (تقدمت ترجمته في وفيات سنة
٦١٣) وتخرج عليه في عمل الشعر.
__________________
وكان بيني وبين
الشهاب الشواء مودة أكيدة ومؤانسة كثيرة ، ولنا اجتماعات في مجالس نتذاكر فيها
الأدب ، وأنشدني كثيرا من شعره. وما زال صاحبي منذ أواخر سنة ثلاث وثلاثين وستمائة
إلى حين وفاته. وقبل ذلك كنت أراه قاعدا عند ابن الجبراني المذكور في موضع تصدره
في جامع حلب ، وكان يكثر التمشي في الجامع أيضا على جاري عادتهم في ذلك كما يعملون
في جامع دمشق ، ولم يكن بيننا إذ ذاك معرفة. وكان حسن المحاورة مليح الإيراد مع
السكون والتأني.
وأول شيء
أنشدني من شعره قوله :
هاتيك يا صاح
ربا لعلع
|
|
ناشدتك الله
فعرّج معي
|
وأنزل بنا
بين بيوت النقا
|
|
فقد غدت آهلة
المربع
|
حتى
نطيل اليوم وقفا على الساكن أو عطفا على الموضع
|
وأنشدني لنفسه
أيضا :
ومهفهف عفّى
الزمان بخدّه
|
|
فكساه ثوبي
ليله ونهاره
|
لا مهّدت
عذري محاسن وجهه
|
|
إن غضّ عندي
منه غضّ عذاره
|
وكان كثيرا ما
يستعمل العربية في شعره ، فمن ذلك قوله ولا أدري هل أنشدنيه أم لا ، فإنه أنشدني
كثيرا من شعره ، وما ضبطت كل ما أنشدنيه ، وكذلك كل شيء أذكره بعد هذا لا أتحقق
الحال في سماعي منه فأورده مهملا ، فمن ذلك قوله :
وكنا خمس
عشرة في التئام
|
|
على رغم
الحسود بغير آفه
|
فقد أصبحت
تنوينا وأضحى
|
|
حبيبي لا
تفارقه الإضافه
|
وله أيضا في
غلام أرسل أحد صدغيه وعقد الآخر :
أرسل صدغا
ولوى قاتلى
|
|
صدغا فأعيا
بهما واصفه
|
فخلت ذا في
خدّه حية
|
|
تسعى وذا
عقربة واقفه
|
__________________
ذا ألف ليست
لوصل وذا
|
|
واو ولكن
ليست العاطفه
|
وله :
ناديت وهو
الشمس في شهرة
|
|
والجسم
للخفية كالفي
|
يا زاهيا أعرف
من مضمر
|
|
صل واهيا
أنكر من لاشي
|
وله في المديح
:
فتى فاق
الورى كرما وبأسا
|
|
عزيز الجار
مخضرّ الجناب
|
ترى في السلم
منه غيث جود
|
|
وفي يوم
الكريهة ليث غاب
|
إذا ما سلّ
صارمه لحرب
|
|
أراك البرق
في كفّ السحاب
|
وله أيضا في
شخص لا يكتم السر :
لي صديق غدا وإن كان لا ينطق إلا بغيبة أو محال
أشبه الناس بالصدى إن تحدثه حديثا أعاده في الحال
وله أيضا :
قالوا حبيبك
قد تضوّع نشره
|
|
حتى غدا منه
الفضاء معطّرا
|
فأجبتهم
والخال يعلو خدّه
|
|
أوما ترون
النار تحرق عنبرا
|
وله :
هواك يا من
له اختيال
|
|
مالي على
مثله احتيال
|
قسمة أفعاله
لحيني
|
|
ثلاثة مالها
انتقال
|
وعدك مستقبل
وصبري
|
|
ماض وشوقي
إليك حال
|
وله أيضا :
إن كان قد
حجبوه عني غيرة
|
|
منهم عليه
فقد قنعت بذكره
|
كالمسك ضاع
لنا وضاع مكانه
|
|
عنّا فأغنى
نشره عن نشره
|
__________________
وله أيضا :
فديت بنفسي
رأس عين ومن فيها
|
|
وبيض السواقي
حول زرقى سواقيها
|
إذا راقني
منها جواري عيونها
|
|
أراق دمي
منها عيون جواريها
|
وله في غلام قد
ختن :
هنأت من
أهواه عند ختانه
|
|
فرحا وقلبي
قد عراه وجوم
|
يفديك من ألم
ألم بك امرؤ
|
|
يخشى عليك
إذا ثناك نسيم
|
أمعذبي كيف
استطعت على الأذى
|
|
جلدا وأجزع
ما يكون الريم
|
لو لم تكن
هذي الطهارة سنّة
|
|
قد سنّها من
قبل إبراهيم
|
لفتكت جهدي
بالمزيّن إذ غدا
|
|
في كفّه موسى
وأنت كليم
|
ومعظم شعره على
هذا الأسلوب ، وقد أوردت منه أنموذجا فيه كفاية.
وكان من
المغالين في التشيع ، وأكثر أهل حلب ما كانوا يعرفونه إلا بمحاسن الشواء ، والصواب
فيه هو الذي ذكرته ههنا ، وأن اسمه يوسف وكنيته أبو المحاسن. وبعد هذا رأيت في
كتاب عقود الجمان الذي وضعه صاحبنا الكمال ابن الشعار الموصلي وقد بنى ترجمة
المذكور على يوسف وكنيته أبو المحاسن ، وكان صاحبه وأخذ عنه كثيرا من شعره ، وهو
من أخبر الناس بحاله وأعلم ذلك في وقته. وكان مولده تقريبا في سنة اثنتين وستين
وخمسمائة ، وتوفي يوم الجمعة تاسع عشر المحرم سنة خمس وثلاثين وستمائة بحلب ودفن
ظاهرها بمقبرة باب أنطاكية غربي البلد (أي في تربة السنابلة) ، ولم أحضر الصلاة
عليه لعذر عرض لي في ذلك الوقت رحمهالله تعالى فقد كان نعم الصاحب ا ه (ابن خلكان).
وفي الكشف
قصيدة فيما يقال بالياء والواو للأديب أبي المحاسن إسماعيل (الصواب يوسف بن
إسماعيل) ابن علي الشواء الحلبي أولها : (قل إن نسيت عزوته وعزيته) وشرحها محمد بن
إبراهيم بن النحاس الحلبي المتوفى سنة ٦٩٧ ا ه. وسماه هدي أمهات المؤمنين ا ه.
١٩١ ـ عبد الله بن عبد الرحمن الأسدي المتوفى سنة ٦٣٥
عبد الله بن
عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان بن رافع الأسدي أبو محمد المعروف
بابن الأستاذ ، من أهل حلب. أسمعه والده في صباه من يحيى بن محمود الثقفي
وغيره ، ثم سمع هو بنفسه وكتب بخطه ، وتفقه على قاضي حلب أبي المحاسن يوسف بن رافع
بن تميم ، وعني القاضي أبو المحاسن به لما رأى من نجابته ومخائل الفلاح اللائحة
عليه واستفرغ جهده في تعليمه واتخذه ولدا وصاهره وجعله معيد مدرسته وله نيف وعشرون
سنة. ثم ولي التدريس بعده بمدارس ونبل مقداره عند الملوك والسلاطين وارتفع شأنه
وعظم جاهه ، ودخل بغداد وناظر بها. ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة وتوفي سنة خمس
وثلاثين وستماية ا ه (طبقات الكبرى للسبكي).
١٩٢ ـ حامد القزويني المتوفى سنة ٦٣٦
شمس الدين أبو
الرضى حامد بن أبي المظفر القزويني المعروف بابن العميد ، ذكره التفليسي فقال :
ولد بقزوين سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ، وتفقه بمراغة على المجد الجيلي ، وببغداد
على السديد السلماسي والفخر التوقاني ، وسمع وحدث. وزاد غيره فقال : قرأ على القطب
النيسابوري وقدم معه الشام سنة ست وسبعين وولي قضاء حمص ، ثم انتقل إلى حلب ودرس
بها إلى أن توفي سنة ست وثلاثين وستماية ا ه (ط ش للأسنوي).
١٩٣ ـ يعقوب بن إبراهيم بن النحاس المتوفى سنة ٦٣٧
يعقوب بن
إبراهيم بن النحاس. لم نقف له على ترجمة خاصة. وكان أول مدرس في المدرسة الحسامية
، ولم يزل مدرسها إلى أن توفي سنة ٦٣٧ كما ذكره أبو ذر في كلامه على هذه المدرسة.
الكلام على المدرسة الحسامية :
قال أبو ذر :
هذه المدرسة غربي القلعة على رأس القناة ، أنشأها الأمير حسام الدين محمود بن ختلو
والي حلب. كان أول من درس بها الشيخ بدر الدين يعقوب بن إبراهيم ابن محمد بن
النحاس الحلبي ، ولم يزل مدرسا بها إلى أن توفي سنة سبع وثلاثين وستمائة ، فوليها
بعده ولده محيي الدين محمد ، ولم يزل بها إلى انقضاء دولة الملك الناصر انتهى.
وإلى جانبها مسجد لحسام الدين المشار إليه ، وبالقرب منهما خانكاه يقال لها
العادلية بنيت في سنة ست وسبعمائة ا ه.
أقول : لم تزل
هذه المدرسة موجودة ، وهي كما قال أبو ذر غربي القلعة ، وشمالي مكتب الصنائع الآن
بينهما الجادة ودار للسكنى ، وأمام بابها القديم باب حادث أحدث في القرن الماضي
وكتب عليه : (جددت مدرسة بني الشحنة في أيام صاحب الدولة حضرة ثريا باشا والي حلب
أدام الله تعالى إجلاله عن يد الحاج يوسف والحاج عبد القادر حسني الحسبي سنة ١٢٨١).
ومتى دخلت هذا
الباب تجد وراءه بابا آخر هو الباب القديم وهو من ثلاث أحجار سوداء كبار يعلو نجفة
الباب حجرة كبيرة مكتوب عليها :
(١) بسم الله
الرحمن الرحيم. عمر هذا المسجد في أيام عبد ...
(٢) السلطان
الملك العزيز ابن الملك ...
(٣) وذلك
بالإشارة الأتابكية السعيدية ... عبد الله.
(٤) الظاهرية
محمود الختلو رحمهالله في سنة خمس عشرة (أو خمسة وعشرين) وستمائة. ا ه .
والذي ظهر لي
أن هذه المدرسة انتقصت من طرفي الغرب والشمال ودخل ما كان فيها من الحجرات وقسم من
صحنها في الدور المبنية ثمة ، لأن صحنها الموجود الآن صغير جدا ، والباقي من
المدرسة قبليتها وطولها نحو ١٦ ذراعا وعرضها نحو خمسة أذرع وفي الجهة الغربية منها
حجرتان صغيرتان مبنيتان حديثا بناء غير محكم إحداهما أكبر من الأخرى ، وعلى
الكبيرة قنطرة ذات حجارة ضخمة تدل على أن ما وراءها من البناء كان داخلا فيها. وشرقيها
حجرة صغيرة في طرفها درج تصعد منه إلى حجرة مبنية فوق باب المدرسة وهي مشرفة على
الخراب. وكان يسكن المدرسة بعض النساء الفقيرات ، ثم أخرجن منذ عهد قريب وأقفل باب
المدرسة. وهي الآن مهجورة بتاتا ، وهي تحت يد دائرة الأوقاف. والذي يظهر أنه لم
يبق لها شيء من الأوقاف. وأما الخانكاه العادلية التي ذكرها أبو ذر فلا أثر لها الآن.
__________________
١٩٤ ـ خليفة بن سليمان القرشي المتوفى سنة ٦٣٨
خليفة بن
سليمان بن خليفة بن محمد القرشي أبو السرايا الخوارزمي الأصل الحلبي المولد
والدار. مولده بحلب سنة ست وستين وخمسمائة ، وقيل سنة خمس.
قال ابن العديم
: وكتب بخطه في إجازة أن مولده سنة ثلاث وخمسين.
قرأ الفقه بحلب
على الإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني صاحب البدائع ، ورحل إلى بلاد العجم
، تفقه بها على جماعة منهم الصفي الأصفهاني صاحب الطريقة.
توفي ثالث
عشرين شوال سنة ثمان وثلاثين وستماية بحلب ودفن بجبانة مقام إبراهيم الخليل صلىاللهعليهوسلم خارج باب العراق ا ه (ط ح للقرشي).
١٩٥ ـ محمد بن عبد الرحمن ابن الأستاذ المتوفى سنة ٦٣٨
محمد بن عبد
الرحمن بن علوان بن رافع قاضي القضاة جمال الدين أبو عبد الله ابن الأستاذ الأسدي.
ولد بحلب وسمع وحدث وناب عن أخيه القاضي زين الدين عبد الله. وتوفي بحلب سنة ثمان
وثلاثين وستماية ا ه (الوافي بالوفيات).
١٩٦ ـ محمد بن عبد الله الأنصاري المتوفى في هذا العقد
محمد بن عبد
الله بن ماجد جمال الدين الأنصاري الحلبي.
أنشدني الشيخ
أثير الدين من لفظه قال : أنشدنا المذكور لنفسه بمصر بمكتب ابن عبد الحميد :
قف الركب يا
صاح بالأجرع
|
|
قليلا لتندب
قلبي معي
|
فقد كان يسكن
بين الضلوع
|
|
وقد صار يربع
بالأربع
|
دعاه الغرام
إلى حتفه
|
|
فلبّى المنية
لما دعي
|
فآه له من
قطيع اللحاظ
|
|
ومن بالنواظر
لم يقطع
|
ومن ذا الذي
قاده طرفه
|
|
فلا يستفاد
ولم يتبع
|
فمن ينس لا
أنس يوم الوداع
|
|
غداة الثنيّة
من لعلع
|
وقولي لها
بلسان الخضوع
|
|
وقد كدت أغرق
في الأدمع
|
قفي ساعة
نشتكيك الغرام
|
|
وما شئت من
بعدها فاصنعي
|
ولم يبق لي
الدهر أمنيّة
|
|
سوى أن أقول
وأن تسمعي
|
وفي ساعة
البين يا هذه
|
|
يبين المحقق
من أدمعي
|
وصح الفراق
وسار الرفاق
|
|
ولم يبق في
الوصل من مطمع
|
وبيت القصيدة
أني رجعت
|
|
سليبا وما
عاد قلبي معي
|
فيا حب إياك
أن تستقرّ
|
|
ويا عين إياك
أن تهجعي
|
كان مولده سنة
إحدى وسبعين وخمسماية ا ه. (الوافي بالوفيات) فتكون وفاته في هذا العقد تقديرا.
١٩٧ ـ الأمير عبد القاهر بن عيسى التّنبي المتوفى سنة ٦٣٩
هو الأمير جمال
الدين أبو الثناء عبد القاهر بن عيسى المعروف بابن التنبي. كانت وفاته رابع عشر
المحرم سنة تسع وثلاثين وستمائة.
آثاره بحلب : الخانكاه التنبيّة :
قال أبو ذر :
هذه الخانكاه بذيل العقبة بدرب المتوجه إلى جب السدلة ، أنشأها الأمير جمال الدين
أبو الثناء عبد القاهر بن عيسى المعروف بابن التنبي. كانت دارا يسكنها فوقفها عند
وفاته ، وبهذه الخانكاه قبر فلعله قبر واقفها ، وهذه الخانكاه أخذ بعضها وأضيف إلى
مساكن الجيران. وسكن في هذه الخانكاه العبد الصالح الشيخ شمس الدين الغزي وكان من
الأخيار ويقرىء في الجامع الكبير الأيتام لله تعالى ويطعمهم ، وللناس فيه اعتقاد
ويقفون عليه مساكن ، فكان يأخذ ريعها ويطعم به الفقراء. توفي تاسع عشر ربيع الأول
سنة ست وعشرين وثمانمائة ودفن بمقبرة ابن الأطعاني غربي الناعورة ا ه.
أقول : موضع
هذه الخانكاه قبيل الزقاق الذي تصعد منه إلى محلة العقبة وتجاه الزقاق المعروف بزقاق
الخواجه ، وقد أدركنا هذا المكان وهو خرب بتاتا ، وقد عمره منذ خمس
__________________
سنوات التاجران صالح المكتبي ومحمد عرب خانا فوقه داران لهما ، وقبر الواقف
أبقي مكانه داخل حجرة صغيرة ، وهو بجانب مطلع الدارين ومحرر عليه بخط حديث : هذا
ضريح الشيخ محمد التنبي ، وهو غلط والصواب في اسمه ما تقدم.
١٩٨ ـ أرسلان شاه بن العادل المتوفى سنة ٦٣٩
أرسلان شاه بن
الملك العادل. قال ابن الوردي في تتمة المختصر في حوادث سنة ٦٣٩ : فيها في ذي
الحجة توفي الملك الحافظ نور الدين أرسلان شاه بن العادل بن أيوب بعزاز ، فإنه
تعوض بها عن قلعة جعبر ، ونقل إلى حلب فدفن في الفردوس ، وتسلم نواب الناصر يوسف
صاحب حلب عزاز وقلعتها وأعمالها ا ه.
١٩٩ ـ عبد الغني بن تيميّة الحراني المتوفى سنة ٦٣٩
عبد الغني بن
محمد بن أبي القاسم بن محمد بن تيميّة الحراني خطيب حران وابن خطيبها سيف الدين
أبو محمد بن الشيخ فخر الدين أبي عبد الله المتقدم ذكره. ولد في ثاني صفر سنة إحدى
وثمانين وخمسمائة بحران. له «تصنيف الزوائد على تفسير الوالد» و «أهدى القرب إلى
ساكني الترب». توفي بحران في سابع عشر المحرم سنة تسع وثلاثين وستمائة ا ه (الدر
المنضد).
٢٠٠ ـ الفضل بن عبد المطلب الهاشمي المتوفى في هذا العقد تقديرا
الفضل بن عبد
المطلب أبو المعالي. تقدم نسبه في ترجمة أبيه شيخ الإسلام عبد المطلب ولد بحلب سنة
اثنتين وسبعين وخمسمائة. سمع والده وغيره وحدث بحلب.
قال ابن العديم
: فقيه فاضل له يد في علم الكلام والخلاف ، وتفقه بحلب على والده وغيره ، وله يد
باسطة في علم العربية والأدب مع الشعر وصناعة الإنشاء ، وكان فصيحا كثير المعروف ا
ه (ط ح قرشي). لم يذكر تاريخ وفاته فتكون في هذا العقد تقديرا.
٢٠١ ـ محمد بن هاشم الخطيب المتوفى سنة ٦٤١
قال في كنوز
الذهب : محمد بن هاشم بن أحمد بن عبد الواحد بن هاشم أبو عبد الرحمن الحلبي. له
محلة بحلب. كان خطيب الجامع الأموي بحلب ، وكان يخطب بالحاضر في ورقة بيده. توفي
في شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وستمائة.
ومن نظمه :
إن غرّبت حلب
الشآم وغرّبت
|
|
سكنى المقيم
بها عن الأبصار
|
[هكذا]
فلنعم عوني دمع عيني إن تفانت أسرتي وتخاذلت أنصاري
قال في الكواكب
المضية : ومن نظمه يمدح الظاهر غازي :
أحبابنا بان
صبري يوم بينكم
|
|
لهفا على طيب
عيش لي بكم سلفا
|
لله أيامنا
والشمل مشتمل
|
|
وحادث الدهر عنا
صرفه صرفا
|
يا آمري
الصبر إني بعد بعدهم
|
|
والله أستعذب
التعذيب والتلفا
|
ويا مكلفي
السلوان حسبك بي
|
|
يكفيك ما حل
بي من فقدهم وكفى
|
وحق سالف عيش
مر لي بهم
|
|
ما لذ عيشي
ولا ورد الحياة صفا
|
يا قاتل الله
يوم البين كم كبد
|
|
ذابت وكم
مدمع فيه دما ذرفا
|
دعني بوجدي
على فقد ... وإن
|
|
... برّح بي التبريح
واعتسفا
|
داء بقلب
المعنّى الصبّ ليس له
|
|
سوى مديح
غياث الدين قطّ شفا
|
يعطي رغائب
آمال إليه سرت
|
|
غرائب الجود
حتى يوهم السرفا
|
وقال أبو ذر في
الكلام على درب الخطيب هاشم : أما الخطيب هاشم فهو ابن أحمد ابن عبد الواحد خطيب
حلب وابنه محمد خطيبها أيضا ، وهم أسديون. ولد ابنه (المترجم) في حدود الستين
وخمسمائة ونيف على الثمانين ، وحدث عن أبيه. ولأبيه ديوان خطب. وكانا شافعيين
وتوفي في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وستمائة. وكان له (أي الهاشم) ولد آخر يسمى
سعيدا خطب بحلب أيضا. سمع عبد الرحمن بن الحسن بن العجمي وسمع آباءه وعبد الواحد
بن عبد الماجد القشيري وأبا بكر محمد بن علي بن ياسر الجياني.
مولده في رجب سنة ست وأربعين وخمسمائة بحلب ، وتوفي يوم الجمعة خامس ربيع
الآخر سنة إحدى وعشرين وستمائة.
وللخطيب عم
يقال له سعيد بن عبد الواحد ، روى عن أبي محمد عبد الله بن محمد ابن سعيد بن سنان
شيئا من شعره ، وروى عنه أخوه أحمد. ولأبي محمد بن سنان إليه أبيات يعرض فيها بذكر
روشن عمله أبو طاهر بحلب ، وكان من ظرفاء الحلبيين ، والأبيات :
بحياة زينب
يا ابن عبد الواحد
|
|
وبحقّ كل
نبيّة في ياقد
|
وزينب هذه التي
أقسم عليه بحياتها هي بنت الشيخ أبي نصر بن هاشم ، والقسم عليه بالنبية هو أن أبا
نصر كان له ملك بقرية ياقد من قرى حلب وكان له فلاح فيها له بنت تدعي أنها نبية
تبصر في المنام الوحي ، وكان الفلاح أقل عقلا من ابنه ، وكان يقسم بحق النبية ،
وكان أبو نصر يحكي عن خرافات هذا الفلاح ، فلذلك أقسم عليه بها. وقلة العقل في أهل
هذه القرية باق إلى الآن. وقد ادعى رجل منهم النبوة يقال له ابن الدربي وأخته أيضا
تدعي النبوة.
٢٠٢ ـ الأمير إقبال الظاهري المتوفى سنة ٦٤١
قال أبو ذر :
قال ابن العديم : إنه عتيق ضيفة خاتون ، وكان عنده ظلم ، ولما قدم التتار إلى ظاهر
حلب سنة إحدى وأربعين وستمائة مرض من خوفه في صفر وتوفي فيه ، ودفن في التربة التي
أنشأها وهي هذه ووقفها مدرسة على الحنفية.
آثاره في حلب : المدرسة الجمالية :
هذه المدرسة
قبلي حلب خارج باب المقام قبلي الفردوس ، بقربها بئر ماء على جادة الطريق ، أنشأها
جمال الدولة إقبال الظاهري. وقيل إنه انتخب أحجارها من أحجار الفردوس لما عمر ،
فلذلك جاءت حسنة البناء محكمة النحت والآلة.
أول من درس بها
شمس الدين عيسى الدمشقي ، ولم يزل بها إلى أن توفي فوليها بعده جمال الدين يوسف ،
إلى أن مات فوليها قطب الدين محمد بن عبد الكريم بن عبد الصمد
المعروف بابن العديم ، إلى أن مات فوليها نجم الدين سالم إلى أن توفي
فوليها قاضي البلستين من بلاد الروم ، ولم يزل بها إلى أن مات فوليها بدر الدين
محمد بن نجم الدين أبي الحسن علي بن إبراهيم المعروف بابن خشنام ، وعليه انقرضت
الدولة ، وآل تدريسها بعد هؤلاء لبني العديم. ومن جملة أوقافها بعض حمام العتيق
ببانقوسا ا ه (كنوز الذهب).
قال في الدر
المنتخب : ووقفها ثلاثة أرباع حمّام العتيق ببانقوسا شركة الطواشية وأربع أفدنة من
النيرب وأربع أفدنة من دابق. وهذه المدرسة أيضا من المدارس التي انتزعها والدي من
القاضي جمال الدين بن العديم بحكم جهلة ، وأدركت والدي وكان يقيم بها بأهله وعياله
أيام الصيف في كل سنة.
الخانكاه الجمالية :
هذه الخانكاه
أنشأها جمال الدولة إقبال الظاهري تحت القلعة في حدود الأربعين وستمائة.
قلت : هي برأس
درب المبلط تجاه تربة الظاهر بالسلطانية. ومن وقفها ربع حمّام ببانقوسا المعروفة
بحمام العتيق ا ه.
٢٠٣ ـ عبد المحسن التنوخي المتوفى سنة ٦٤٣
عبد المحسن بن
حمود بن عبد المحسن بن علي أمين الدين التنوخي الحلبي الكاتب المنشيء البليغ. ولد
سنة سبعين وخمسمائة وتوفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة. رحل وسمع بدمشق من حنبل وابن
طبرزد والكندي وغيرهم. وعني بالأدب. جمع كتابا في الأخبار والنوادر في عشرين مجلدا
روي فيه بالسند. وله ديوان شعر وديوان ترسل وكتاب «مفتاح الأفراح في امتداح الراح».
وكتب لصاحب صرخد عز الدين أيبك ووزر له. وكان ذكيا خيرا كامل الأدوات.
ومن شعره :
اشتغل بالحديث إن كنت ذا فهم ففيه المراد والإيثار
وهو للعلم معلم وبه بين ذوي الدين تحسن الآثار
إنما الرأي
والقياس ظلام
|
|
والأحاديث
للورى أنوار
|
كن بما قد
علمته عاملا
|
|
فالعلم دوح
منهن تجنى الثمار
|
وإذا كنت
عالما وعليما
|
|
بالأحاديث لم
تمسّك نار
|
وقال يعاتب
صديقا له :
سألتك حاجة
ووثقت فيها
|
|
بقول نعم وما
في ذاك عاب
|
ولم أعلم
بأني من أناس
|
|
ظموا قلبي
وعندهم الشراب
|
وقال في المعنى
:
ظننت به
الجميل فجئت أرضى
|
|
إليه بهمتي
طولا وعرضا
|
فلما جئته
ألفيت شخصا
|
|
حمى عرضا له
وأباح عرضا
|
وقال أيضا :
كأنما نارنا
وقد خمدت
|
|
وجمرها
بالرماد مستور
|
دم جرى من
فواخت ذبحت
|
|
من فوقه
ريشهن منثور
|
وقال أيضا :
أتانا بكانون
يشب ضرامه
|
|
كقلب محب أو
كصدر حسود
|
كأن احمرار
النار من تحت فحمه
|
|
خدود عذارى
في معاجر سود
|
وقال في غلام
جميل الصورة لابس أصفر :
قد قلت لما
أن بصرت به
|
|
في حلة صفراء
كالورس
|
أو ما كفاه
أنه قمر
|
|
حتى تدرّع
حالة الشمس
|
وقال أيضا :
أقول لنفسي
حين نازل لمتي
|
|
مشيبي ولما
يبق غير رحيلي
|
أيا نفس قد
مر الكثير فأقصري
|
|
ولا تحرصي لم
يبق غير قليل
|
ولا تأملي
طول البقاء فإنني
|
|
وجدت بقاء
الدهر غير طويل
|
وقال أيضا :
لله هل يا
ملول
|
|
إلى الوصال
وصول
|
أم هل إلى
سلسبيل
|
|
من ريق فيك
سبيل
|
صلني فما ذا
التجافي
|
|
من ذا الجمال
جميل
|
ساءت لبعدك
حالي
|
|
ولست عنك
أحول
|
قضى اعتدالك
فينا
|
|
أن ليس عنك
عدول
|
ما مال قدّك
إلا
|
|
ظلما عليّ
يميل
|
فهل شمائل
ريح
|
|
مرّت به أم
شمول
|
إن كنت تنكر
أني
|
|
بمقلتيك قتيل
|
فهل
دمي كاد من خدك الأسيل يسيل
|
وذا الدلال
على ما
|
|
بي من هواك
دليل
|
لكن
يهون على الغمر في الهوى ما يهول
|
ا ه فوات
الوفيات لابن شاكر.
قال جرجي زيدان
في تاريخ آداب اللغة العربية (صحيفة ٢٢ جلد ٣) : لم نقف على كتابة في الأخبار
والنوادر ، وإنما وصلنا ديوانه المسمى «مفتاح الأفراح في امتداح الراح» على نسق
أبي نواس ، وفيه مجون. منه نسخ خطية في برلين وفينا ا ه.
٢٠٤ ـ أبو البقا بن يعيش شارح المفصّل المتوفى سنة ٦٤٣
أبو البقا يعيش
بن علي بن يعيش بن أبي السرايا بن محمد بن علي بن المفضّل بن عبد الكريم بن محمد
ابن يحيى بن حيان القاضي بن بشر بن حيان الأسدي الموصلي الأصل الحلبي المولد
والمنشأ الملقب موفق الدين النحوي ، ويعرف بابن الصائغ.
قرأ النحو على
أبي السخا فتيان الحلبي وأبي العباس المغربي والنيروزي ، وسمع الحديث على أبي
الفضل عبد الله بن أحمد الخطيب الطوسي بالموصل ، وعلى أبي محمد عبد الله بن عمرو
بن سويد التكريتي ، وبحلب من أبي الفرج يحيى بن محمود الثقفي والقاضي أبي الحسن
أحمد بن محمد الطرسوسي وخالد بن محمد بن نصر بن صغير القيسراني ، وبدمشق على تاج
الدين الكندي وغيرهم ، وحدث بحلب. وكان فاضلا ماهرا في النحو والتصريف.
رحل من حلب في
صدر عمره قاصدا بغداد ليدرك أبا البركات عبد الرحمن بن محمد المعروف بابن الأنباري
وتلك الطبقة بالعراق وبلاد الجزيرة ، فلما وصل إلى الموصل بلغه خبر وفاته فأقام
بالموصل مديدة وسمع الحديث بها ، ثم رجع إلى حلب. ولما عزم على التصدر للإقراء
سافر إلى دمشق واجتمع بالشيخ تاج الدين أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي الإمام
المشهور وسأله عن مواضع مشكلة في العربية وعن إعراب ما ذكره أبو محمد الحريري في
المقامة العاشرة المعروفة بالرحبية وهو قوله في أواخرها : (حتى إذ لألأ الأفق ذنب
السرحان ، وآن انبلاج الفجر وحان) ، فاستبهم جواب هذا المكان على الكندي ، هل
الأفق وذنب السرحان مرفوعان أو منصوبان ، أو الأفق مرفوع وذنب السرحان منصوب ، أو
على العكس ، وقال له : قد علمت قصدك وأنك أردت إعلامي بمكانتك من هذا العلم. وكتب
له خطه بمدحه والثناء عليه ووصف تقدمه في الفن الأدبي.
قلت (القائل
ابن خلكان) : وهذه المسألة يجوز فيها الأمور الأربعة ، والمختار منها نصب الأفق
ورفع ذنب السرحان.
ولما وصلت إلى
حلب لأجل الاشتغال بالعلم الشريف وكان دخولي إليها يوم الثلاثاء مستهل ذي القعدة
سنة ست وعشرين وستمائة ، وهي إذ ذاك أم البلاد ، مشحونة بالعلماء والمشتغلين ،
وكان الشيخ موفق الدين المذكور شيخ الجماعة في الأدب لم يكن فيهم مثله ، فشرعت في
القراءة عليه ، وكان يقري بجامعها في المقصورة الشمالية بعد العصر ، وبين الصلاتين
بالمدرسة الرواحية ، وكان عنده جماعة قد تنبهوا وتميزوا به وهم ملازمون مجلسه لا
يفارقونه في وقت الإقراء. وابتدأت بكتاب اللمع لأبن جني فقرأت عليه معظمها مع
سماعي لدروس الجماعة الحاضرين ، وذلك في أواخر سنة سبع وعشرين وما أتممتها إلا على
غيره لعذر اقتضى ذلك. وكان حسن التفهيم لطيف الكلام طويل الروح على المبتدي
والمنتهي ، وكان خفيف الروح ظريف الشمائل كثير المجون مع سكينة ووقار. ولقد حضرت
يوما حلقته وبعض الفقهاء يقرأ عليه اللمع لابن جني فقرأ بيت ذي الرمة في باب
النداء :
أيا ظبية
الوعساء بين جلاجل
|
|
وبين النقا
آانت أم أمّ سالم
|
فقال له الشيخ
: إن هذا الشاعر لشدة وله في المحبة وعظم وجده بهذه المحبوبة أم سالم وكثرة
مشابهتها للغزال كما جرت عادة الشعراء في تشبيههم النساء الصباح الوجوه بالغزلان
والمها اشتبه عليه الحال فلم يدر هل هي امرأة أم ظبية فقال : آانت أم أم
سالم. وأطال الشيخ موفق الدين القول في ذلك وبسط بأحسن عبارة بحيث يفهمه البليد
البعيد الذهن ، وذلك الفقيه منصت مقبل على كلامه بكليته ، حتى يتوهم من يراه على
تلك الصورة أنه قد تعقل جميع ما قاله الشيخ من شرحه ، فلما فرغ الشيخ من قوله قال
له الفقيه : يا مولانا أيش في هذه المرأة الحسناء يشبه الظبية؟ فقال له الشيخ قول
منبسط : تشبهها في ذنبها وقرونها ، فضحك الحاضرون وخجل الفقيه ، وما عدت رأيته حضر
مجلسه.
وكنا يوما نقرا
عليه بالمدرسة الرواحية فجاءه رجل من الأجناد وبيده مسطور بدين ، وكان الشيخ له
عادة بالشهادة في المكاتيب الشرعية ، فقال : يا مولانا أشهد على ما في هذا المسطور
، فأخذه الشيخ من يده وقرأ أوله : أقرت فاطمة ، فقال له الشيخ : أنت فاطمة؟ فقال
الجندي : يا مولانا الساعة تحضر ، وخرج إلى باب المدرسة فأحضرها وهو يتبسم من كلام
الشيخ.
وكنا يوما نقرأ
عليه في داره فعطش بعض الحاضرين وطلب من الغلام ماء ، فأحضره ، فلما شرب قال : ما
هذا إلا ماء بارد ، فقال له الشيخ : لو كان خبزا حارا كان أحب إليك.
وكنا يوما عنده
بالمدرسة الرواحية فجاء المؤذن وأذّن قبل العصر بساعة جيدة ، فقال الحاضرون : أيش
هذا يا شيخ وأين وقت العصر؟ فقال الشيخ موفق الدين : دعوه عسى أن يكون له شغل فهو
مستعجل.
وكان يوما عنده
القاضي بهاء الدين المعروف بابن شداد قاضي حلب ، فجري ذكر زرقاء اليمامة وأنها
كانت ترى الشيء من المسافة البعيدة حتى قيل : تراه من مسيرة ثلاثة أيام ، فجعل
الحاضرون يقولون ما علموه من ذلك ، فقال الشيخ موفق الدين : أنا أرى الشيء من
مسيرة شهرين ، فتعجب الكل من قوله وما أمكنهم أن يقولوا له شيئا ، فقال له القاضي
: كيف هذا يا موفق الدين؟ فقال : لأني أرى الهلال ، فقلت له : كان قلت مسافة كذا
وكذا سنة ، فقال : لو قلت هذا عرف الجماعة الحاضرون (غرضي ، وكان قصدي الإبهام
عليهم) .
__________________
وكان الشيخ موفق
الدين المذكور كثيرا ما ينشد هذه الأبيات :
وقد كنت لا
آتي إليك مخاتلا
|
|
لديك ولا
أثني عليك تصنّعا
|
ولكن رأيت
المدح فيك فريضة
|
|
عليّ إذا كان
المديح تطوّعا
|
ففهت بما لم
يخف عنك مكانه
|
|
من القول حتى
ضاق مما توسّعا
|
فلا تتخالجك
الظنون فإنها
|
|
مآثم واترك
فيّ للصلح موضعا
|
فلو غيرك
الموسوم عندي بريبة
|
|
لأعطيت فيه
مدّعي القول ما ادّعى
|
فو الله ما
طوّلت بالقول فيكم
|
|
لسانا ولا
عرّضت للذم مسمعا
|
ولكنني أكرمت
نفسي فلم تهن
|
|
وأجللتها من
أن تذلّ وتخضعا
|
فباينت لا
أنّ العداوة باينت
|
|
وقاطعت لا
أنّ الوفاء تقطّعا
|
وشرح الشيخ
موفق الدين كتاب «المفصل» لأبي القاسم الزمخشري شرحا مستوفيا وليس في جملة الشروح
مثله ، وشرح «التصريف الملوكي» لابن جني شرحا جيدا وانتفع به خلق كثير من أهل حلب وغيرها ، حتى إن الرؤساء
الذين كانوا بحلب ذلك الزمان كانوا تلامذته.
وكانت ولادته
لثلاث خلون من شهر رمضان سنة ست وخمسين وخمسمائة بحلب ، وتوفي بها في سحر الخامس
والعشرين من جمادى الأولى سنة ثلاث وأربعين وستمائة ، ودفن من يومه بتربته بالمقام
المنسوب إلى إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه ا ه (ابن خلكان).
__________________
٢٠٥ ـ القاضي الأكرم علي بن يوسف القفطي المتوفى سنة ٦٤٦
قال ياقوت في
معجم الأدباء : علي بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد بن موسى ابن أحمد بن محمد بن
إسحاق بن محمد بن ربيعة بن الحارث بن قريش بن أبي أوفى بن أبي عمرو بن عادية بن
حيان بن معاوية بن تيم بن شيبان بن ثعلبة بن عكاشة بن صعب ابن علي بن بكر بن وائل
أبو الحسن القفطي ، يعرف بالقاضي الأكرم ، أحد الكتاب المشهورين المبرزين في النظم
والنثر.
وكان أبوه
القاضي الأشرف كاتبا أيضا ومنشئا.
وكانت أمه
امرأة من بادية العرب من قضاعة وأمها جارية حبشية كانت لأخت أبي عزيز قتادة الحسني
أمير مكة ، تزوجها أحد بني عمها العلويين وجاءت منه بأولاد ، ثم مات عنها فتزوجها
رجل من بليّ فجاءت منه ببنين وبنات منهم أم القاضي الأكرم أدام الله علوه ، وكان
والده الأشرف خرج يشتري فرسا من تلك البوادي وقد قاربوا أرض مصر للنجعة ، فرآها
فوقعت منه بموقع فتزوجها ونقلها إلى أهله ، وكانت ربما خرجت في الأحيان إلى
البادية استرواحا على ما ألفته ونشأت عليه ويخرج ابنها معها مدة ، قال :
وكانت امرأة
صالحة مصلية حسنة العبادة فصيحة اللهجة ، وكانت إذا أردت سفرا اشتغلت بما يصلح أموري
في السفر وهي تبكي وتقول :
أجهّز زيدا
للرحيل وإنني
|
|
بتجهيز زيد
للرحيل ضنين
|
وحدثني أطال
الله بقاءه قال : كنت وأنا صبي قد قدمت من مصر واستصحبت سنّورا أصبهانيا على ما
تقتضيه الصبوة ، واتفقت أن ولدت عدة من الأولاد في دارنا ، فنزل سنّور ذكر فأكل بعض
تلك الجراء ، فغمني ذلك وأقسمت أن لابد لي من قتل الذي أكلها ، فصنعت شركا ونصبته
في علّيّة في دارنا وجلست ، فإذا بالسنّور قد وقع في الحبالة ، فصعدت إليه وبيدي
عكاز وفي عزمي هلاكه ، وكان لنا جيرة وقد خرب الحائط بيننا وبينهم ونصبوا فيه
بارية إلى أن يحضر الصناع ، وكان لرب تلك الدار بنتان لم يكن فيما أظن أحسن منهما
صورة وجمالا وشكلا ودلالا ، وكانتا معروفتين بذلك في بلدنا وكانتا بكرين ، فلما
هممت بقتله إذا قد انكشف جانب البارية فوقعت عيني على ما بهر المشايخ فيكف الشبان
حسنا وجمالا. وإذاهما تومئان إليّ بالأصابع تسألاني إطلاقه ، قال : فأطلقته
ونزلت وفي قلبي ما فيه لكوني كنت أول بلوغي ، والوالدة جالسة في الدار لمرض
كان بها فقالت لي : ما أراك قتلته كما كان عزمك ، فقلت لها : ليس هو المطلوب إنما
هو سنّور غيره ، فقالت : ما أظن الأمر على ذلك ، ولكن هل أومىء إليك بالأصابع حتى
تركته؟ فقلت : من يومئ إليّ؟ ولا أعرف معنى كلامك ، فقالت على ذلك : يا بنيّ اسمع
مني ما أقول لك :
ثنتان لا
أرضى انتهاكهما
|
|
عرس الخليل
وجارة الجنب
|
وكان مع هذا
البيت بيت آخر أنسيته ، قال : فو الله لكأن ماء وقع على نار فأطفأها ، فما صعدت
بعد ذلك إلى سطح ولا غرفة إلى أن فارقت البلاد ، ولقد جاء الصيف فاحتملت حره ولم
أصعد إلى سطح تلك الصيفية. ثم وجدت هذا البيت في أبيات الأحوص بن محمد ، منها :
قالت وقلت
تخرّجي وصلي
|
|
حبل امرىء
كلف بكم صبّ
|
صاحب إذا
بعلي فقلت لها
|
|
الغدر أمر
ليس من شعبي
|
ثنتان لا
أصبو لوصلهما
|
|
عرس الخليل
وجارة الجنب
|
الشوق أقتله
برؤيتكم
|
|
قتل الظما
بالبارد العذب
|
قال لي : ولدت
في أحد ربيعي سنة ٥٦٨ بمدينة قفط من الصعيد الأعلى إحدى الجزائر الخالدات حيث
الأرض الأربعة وعشرون في أول الإقليم الثاني ، وبها قبر قبط بن مصر ابن سام بن
نوح.
ونشأ بالقاهرة.
اجتمعت بخدمته في حلب فوجدته جم الفضل كثير النبل عظيم القدر سمح الكف طلق الوجه
حلو البشاشة ، وكنت ألازم منزله ويحضر أهل الفضل وأرباب العلم ، فما رأيت أحدا
فاتحه في فن من فنون العلم كالنحو واللغة والفقه والحديث وعلم القرآن والأصول
والمنطق والرياضة والنجوم والهندسة والتاريخ والجرح والتعديل وجميع فنون العلم على
الإطلاق إلا وقام به أحسن قيام ، وانتظم في وسط عقدهم أحسن انتظام. وله تصانيف
أذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
أنشدني لنفسه
بحلب في جمادى الآخرة سنة ٦١٣ :
ضدان عندي
قصّرا همّتي
|
|
وجه حييّ
ولسان وقاح
|
إن رمت أمرا
خانني ذو الحيا
|
|
ومقولي
يطمعني في النجاح
|
فأنثني في
حيرة منهما
|
|
لي مخلب ماض
وما من جناح
|
شبه جبان فر
من معرك
|
|
خوفا وفي
يمناه عضب الكفاح
|
وأنشدني أدام
الله علوه في أعور لنفسه :
شيخ لنا يعزى
إلى منذر
|
|
مستقبح
الأخلاق والعين
|
من عجب الدهر
فحدث به
|
|
بفرد عين
ولسانين
|
ومما أملاه
عليّ أدام الله علوه من فضل :
وأما سؤاله عن
سبب التأخر والتجمع والتوقف عن التطاول في طلب الرياسة والتوسع ، والتعجب من
التزامي قعر البيت ، وارتضائي بعد السابق بأن أكون السكّيت ، فلا تنسبني في ذلك إلى تقصير ، وكيف ولساني في اللسن
غير ألكن ، وبناني في البيان غير قصير. ولقد أعددت للرياسة أسبابها ، ولبست لكفاح
أهلها جلبابها ، وملكت من موادها نصابها ، وتسلمت لأحلاسها وضاربت أضرابها ،
وباريتهم في ميدان الفضائل ، فكنت السابق وكانوا الفساكل . وظننت أني قد حللت من الدولة أمكن مكانها ، وأصبحت
إنسان عينها وعين إنسانها ، فإذا الظنون مخلفة ، وشفار عيون الأعداء مرهفة ،
والفرقة المظنونة بالإنصاف غير منصفة. وصار ما اعتمدته من أسباب التقريب مبعدا ،
ومن اعتقدته لي مساعدا غدا عليّ مسعدا ، وأصبح لمثالبي موردا من أعددته لمرادي
موردا ، وجسست مقاصد المراشد فوجدتها بهم مقفلة ، ومتى أظهرت فضيلة اعتمدوا فيها
تعطيل المشبهة وشبه المعطلة ، وإذا ركبت أشهب النهار لنيل مرام ، ركبوا أدهم الليل
لنقض ذلك الإبرام ، وإن سمعوا مني قولا أذاعوا ، وإن لم يسمعوا اختلقوا من الكذب
ما استطاعوا. وقد صرت كالمقيم وسط أفاع لا يأمن لسعها ، وكالمجاور لنار يتقي شررها
ويستكفي لذعها ، والله المسؤول توسيع الأمور إذا ضاقت مسالكها ، وهو المرجو لإصلاح
قلوب الملوك على مماليكهم إذا هو ربّ المملكة ومالكها.
وها أنا جاثم
جثوم الليث في عرينه ، وكامن كمون الكميّ في كمينه ، وأعظم ما كانت النار لهبا إذا
قل دخانها ، وأشد ما كانت السفن جريا إذا سكن سكانها ، والجياد تراض
__________________
ليوم السباق ، والسهام تكن في كنائنها لإصابة الأحداق ، والسيوف لا تنتضى
من الأغماد إلا ساعة الجلاد ، واللآلىء لا تظهر من الأسفاط إلا للتعليق على
الأجياد. وبينما أنا كالنهار الماتع طاب أبرداه ، إذ تراني كالسيف القاطع خشن حداه
، ولكل أقوام أقوال ، ولكل مجال أبطال نزال ، وسيكون نظري بمشيئة الله الدائم
ونظرهم لمحة ، وريحي في هذه الدولة المنصورة عادية وريحهم فيها نفحة ، وها أنا
مقيم تحت كنف إنعامها ، راج وابل إكرامها من هاطل غمامها ، منتظر لعدوي وعدوها
أنكأ سهامها من وبيل انتقامها.
وأملى عليّ قال
:
كتبت إلى أبي
القاسم بن أبي الحسن شيث ، وكان قد انصرف عن الملك الظاهر ثم رجع إليه بأمر من
الملك الظاهر : مقدم سعد مؤذن بسمو ومجد للمجلس الجمالي لا زال غاديا في السعادة
ورائحا ، ممنوحا من الله بالنعم مانحا ، ميسرا له أرجح الأعمال كما لم يزل على
الأماثل راجحا ، موضحا له قصد السبيل كوجهه الذي ما برخ مسفرا واضحا ، وقد رد الله
بأوبته ما نزح من السرور ، وأعاد بعودته الجبر إلى القلب المكسور ، ولأم بإلمامه
صدوعا في الصدور ، والواجب التفاؤل بالعود إذ العود أحمد ، وألا يخطر الطيرة ببال
إذ نهى عن التطير أحمد ، بل يقال انقلب إلى أهله مسرورا ، وتوطن من النعمة
الظاهرية جنة وحريرا ، ودعا عدوه لعوده ثبورا ، وصلي من نار حسده سعيرا ، أسعد
الله مصادره وموارده ، ووفر مكارمه ومحامده ، وأيد ساعده ومساعده.
وأنشدني لنفسه
أدام الله علّوه من قصيدة قالها في الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب صاحب حلب ،
مطلعها :
لا مدح إلا
لمليك الزمان
|
|
من المنى في
بابه والأمان
|
غياث دين
الله في أرضه
|
|
إن أخلف
البرق وضن العنان
|
في كفّه
ملحمة للندى
|
|
مثل التي
تعهد يوم الطعان
|
فالعسر مصروع
بساحاته
|
|
واليسر سام
في ظهور الرعان
|
وراحتاه راحة
للورى
|
|
على كريم
الخلق مخلوقتان
|
فكفّه اليمني
لبسط الغنى
|
|
وكفّه اليسر
لقبض العنان
|
تعرب في
الهيجاء أسيافه
|
|
عن حركات مثل
لفظ اللسان
|
كسر وفتح
ببلاد العدى
|
|
وبعده ضمّ
لمال مهان
|
ومنها في صفة
ولديه :
بكران بل
بدران ما يكسفان
|
|
روحان للملك
وريحانتان
|
لؤلؤتا بحر
وإن شئت قل
|
|
ياقوتتا نحر
وعقدا لبان
|
فرعان في
دوحة عزّ سمت
|
|
غيثان بل
بحران بل رحمتان
|
سيملكان
الأرض حتى يرى
|
|
لي منهما
حرّان والرقّتان
|
ومنها :
فاسلم على
الدهر شديد القوى
|
|
ذا مرة ما
شدّ كفّ بنان
|
واستوطن
الشهباء في عزّة
|
|
واخسس بغمدان
وقعبي لبان
|
وأنشدني أدام
الله علّوه لنفسه من قصيدة :
إذا وجفت منك
الخيول لغارة
|
|
فلا مانع إلا
الذي منع العهد
|
نزلت
بأنطاكية غير حافل
|
|
بقلّة جند إذ
جميع الورى جند
|
فكم أهيف
حازته هيف رماحكم
|
|
وكم ناهد
أودى بها فرس نهد
|
لئن حل فيها
ثعلب الغدر لاون
|
|
فسحقا له قد
جاءه الأسد الورد
|
وكان قد اغتر
اللعين بلينكم
|
|
وأعظم نار
حيث لا لهب يبدو
|
جنى النحل
مغترا وفي النحل آية
|
|
فطورا له سمّ
وطورا له شهد
|
تمدّك أجناد
الملوك تقربا
|
|
وجند السخين
العين جزر ولا مدّ
|
تهنّ بها
بكرا خطبت ملاكها
|
|
فأعطت يد
المخطوب وانتظم العقد
|
فجيشك مهر
والبنود حموله
|
|
وأسهمكم نثر
وسمر القنا نقد
|
وله من
التصانيف : «كتاب الضاد والظاء» وهو ما اشتبه في اللفظ واختلف في الخط. كتاب «الدر
الثمين في أخبار المتيمين». كتاب «من ألوت الأيام عليه فرفعته ثم التوت عليه فوضعته».
كتاب «أخبار المصنفين وما صنفوه». كتاب «أخبار النحويين» كبير. كتاب «تاريخ مصر»
من ابتدائها إلى ملك صلاح الدين إياها في ست مجلدات. كتاب «تاريخ المغرب ومن
تولاها من بني تومرت». كتاب «تاريخ اليمن»
منذ اختطت وإلى الآن. كتاب «المجلى في استيعاب وجوه كلّا» كتاب «الإصلاح
لما وقع من الخلل في كتاب «الصحاح» للجوهري. كتاب «الكلام على الموطأ» لم يتم إلى
الآن. كتاب «الكلام على الصحيح» للبخاري لم يتم. «تاريخ محمود بن سبكتكين وبنيه
إلى حين انفصال الأمر عنهم». كتاب «أخبار السلجوقية منذ ابتداء أمرهم إلى نهايته».
كتاب «الإيناس في أخبار آل مرداس». كتاب «الرد على النصارى وذكر مجامعهم». كتاب «مشيخة
زيد بن الحسن الكندي». كتاب «نهزة الخاطر ونزهة الناظر» في أحسن ما نقل من على
ظهور الكتب. وكتاب «أشعار اليزيديين» .
وكان الأكرم
القاضي المذكور جمّاعة للكتب حريصا عليها جدا ، لم أر مع اشتمالي على الكتب وبيعي
لها وتجارتي فيها أشد اهتماما منه بها ولا أكثر حرصا منه على اقتنائها ، وحصل له
منها ما لم يحصل لأحد.
وكان مقيما
بحلب ، وذلك أنه نشأ بمصر وأخذ بها من كل علم بنصيب.
ولي والده
القاضي الأشرف النظر بالبيت المقدس من قبل الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين بن
أيوب ، وصحبه القاضي الأكرم ، وذلك في سنة ٥٩١ وأقام بها مع والده مدة ، فآنس ولاة
المقدس من القاضي الأكرم أدام الله عزه شرف نفس وعلو همة ، فأحبوه واشتملوا عليه ،
وكانوا يسألونه أن يتسم بخدمة أحد منهم فلم يكن يفعل ذلك مستقلا ، وإنما كان يسأم
العمل ويعتمد على رأيه في تدبير الأحوال ، وكان لا يدخل معهم إلا فيما لا يقوم
غيره فيه مقامه.
واتفق ما اتفق
بين الملك العادل أبي بكر بن أيوب وبين ابن أخيه الملك الأفضل علي ابن صلاح الدين
يوسف بن أيوب والأكرم حينئذ بالبيت المقدس ، فاقتضت الحال لاتسامه بخدمة في حيز
الملك أن خرج من القدس فيمن خرج منها من العساكر في سنة ٦٠٨ وصحب فارس الدين
ميمونا القصري والي القدس ونابلس فالتحقا بالملك الظاهر غازي بن يوسف ابن أيوب
بحلب في قصة يطول شرحها. فلما حصل بحلب كان معه ميمون القصري على سبيل الصداقة
والمودة لا على سبيل الخدمة والكتابة. واتفق أن كاتب ميمون ووزيره مات ، فألزمه
ميمون خدمته والاتسام بكتابته ، ففعل ذلك على مضض واستحياء ودبر أموره
__________________
أحسن تدبير وساس جنده أحسن سياسة وتدبير ، وفرغ بال ميمون من كل ما يشغل به
بال الأمراء وأقطع الأجناد إقطاعات رضوا بها وانصرفوا شاكرين له ، لم يعرف منذ
تولى أمره إلى أن مات ميمون جندي اشتكى أو تألم. وكان وجيها عند ميمون المذكور
يحترمه ويعظم شأنه ويتبرك بآرائه ، إلى أن مات ميمون في ليلة صبيحتها ثالث عشر
رمضان سنة ٦١٠ فأقر الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين خزانته عليه وهو ملازم لبيته
متشاغل بالعلم وتصنيف الكتب ، إلى أن احتاج ديوانه إليه فعول في إصلاحه عليه وهو
مع ذلك مجتنب غير راض.
ثم ساق ياقوت
حكاية جرت له في القطر المصري وفصلا من إنشائه عن المقر الأشرف الملكي الظاهري عند
رحيل عسكر الفرنج عن حصن الخوابي. وقال بعد ذلك :
حدثني الصاحب
الوزير الأكرم أدام الله تمكينه قال : ركبت يوما سنة ٦١٨ للطلوع إلى القلعة ،
فاستقبلني رجل صعلوك فقال : انظر في حالي نظر الله إليك يوم ينظر إليه المتقون ،
فقلت له : ما خبرك؟ قال : أنا رجل صعلوك وكان لي دابة أسترزق عليها للعائلة ،
فاتهمني الوالي بالجبّول بسرقة ملح فأخذ دابتي ثم طالبني بجباية ، فقلت : خذ
الدابة ، فقال : قد أخذتها وأريد جباية أخرى ، فقلت له : أبشر بما يسرك. وطلعت إلى
صاحب الأمر يومئذ وهو الأمير الكبير أتابك طغرل الظاهري وقلت : روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : ثلاثة أشياء مباحة للناس مشتركون فيها :
الكلأ والماء والملح. وقد جرى كيت وكيت ، ولا يليق بمثلك وأنت عامة وقتك جالس على
مصلاك مستقبل القبلة والسبحة في يدك أن تكون مثل هذه الأشياء في بلدك ، فقال :
اكتب الساعة إلى جميع النواحي برفع الجبايات ومحو اسمها أصلا. وأمر الولاة أن
يعملوا بكتاب الله وسنة رسوله ، ومن وجب عليه حد من الحدود الشرعية يقام فيه على
الفور ولا يلتمس منه شيء آخر ، ومر الساعة بإراقة كل خمر في المدينة ورفع ضمانها ،
واكتب إلى جميع النواحي التي تحت حكمي بمثل ذلك ، وأوعد من يخالف ذلك عقوبتنا في
الدنيا عاجلا وعقوبة الخالق في الآخرة آجلا. فخرجت وجلست في الديوان وكتبت بيدي
ولم أستعن بأحد من الكتاب في شيء من ذلك ثلاثة عشر كتابا إلى ولاة الأطراف. ثم
أنشد :
ولا تكتب
بكفّك غير شيء
|
|
يسرّك في
القيامة أن تراه
|
وكان المحصول من
ضمان ما أطلق ما مقداره مائتا ألف درهم في السنة ، وأن أضيف
إليه ما يستقبل في السنة الآتية من رخص الكروم وتعطيل ضماناتها وقلة دخلها
بهذا السبب ألف ألف درهم أو ما يقاربها.
وحدثني أدام
الله علوه قال : حججت في موسم ٦٠٨ وكان والدي في صحبتي ، فصادفت بمكة جماعة من أهل
بلدنا ، وكنت بعيد العهد بلقاء أحد منهم ، فرآني رجل فالتحق بي كما جرت العادة ،
ثم عاد إلى من في صحبته من بلدنا فأخبرهم بنا فجاءوهم إلى منزلنا فقضوا حقنا
بالسلام والسؤال والحرمة ، ثم انصرفوا إلى رحالهم ، فجاء كل واحد منهم بما حضره لم
يحتفلوا له ، وكان فيما جاؤونا به ظرف كبير مملوء عسلا وآخر سمنا على جمل وهو وقره
، فألقاه في خيمتنا ، فأمرت الغلمان أن يعملوا منه حيسا فيكثروا على عادة تلك
البلاد ، وأكلنا وأكثرنا زيادة على ما جرت به عادتنا ، ثم طفنا بالبيت وعدنا إلى
رحالنا ونمت ، فرأيت في النوم كأني في الحرم أطوف وإذا رجل شديد الأدمة مشوه
الخلقة فأخذ بيدي وأخرجني من الحرم من باب إبراهيم ، فإذا به قد وقفني على الظرفين
بعينهما لا أرتاب بهما ، فقال لي : أتعرف هذين؟ فقلت : نعم ، هذان ظرفان جاءنا
بهما رجل على سبيل الهدية أحدهما سمن والآخر عسل ، فقال لي : ليس الأمر كذلك ، ثم
حط يده على بطنهما وعصر فخرج من فمهما نار أحسست بلفحها في وجهي ، وجعلت أمسح فمي
من شدة حرهما ، وانزعجت من هول ما رأيت وقمت من فراشي خائفا فما استطعت النوم إلى
الغداة.
واجتمعت
بمهديهما وكان يعرف بابن أبي شجاع ، فقلت له : أخبرني عن هذين الظرفين ما خبرهما؟
فقال : اشتريتهما وجئت بهما ، فقلت : يا هذا ، هل فيهما شبهة؟ فحلف أنهما من خالص
ماله ، فأخبرته بالحال فبكى حينئذ ومد يده فأخذ بيدي وعاهدني أن يخرج من عهدته
وقال : والله ما أعرف أن في مالي شبهة ، إلا أن لي أختين ما أنصفتهما في تركة
أبيهما ، وأنا أعاهد الله أنني أرجع من وجهي هذا وأعطيهما حتى أرضيهما. قال الصاحب
أدام الله علوّه : فعلمت أنها لي موعظة ، فعاهدت الله أن لا آكل بعدها من طعام لا
أعرف وجهه. فكان لا يأكل لأحد طعاما ، ويقول الناس لا يعرفون بواطن الأمور
ويظنونني أقول ذلك كبرا ، ومن أين لي بما يقوم بعذري عندهم.
ثم كنت بعد ذلك
في حضرته بمنزله المعمور وقد عاد من القلعة بحلب فقال لي : جرت اليوم ظريفة ، فقلت
: هات خبرها أدام الله إمتاعنا بك ، فما زلت تأتي بالظرائف
والطرف ، فقال : حضرت اليوم في مجلس الملك الرحيم أتابك طغرل الظاهري وحضرت
المائدة وفيها طعام الملوك ، شواء وشرائح وسنبوسج وحلاوات وغيرها كما جرت العادة ،
فتأملته فنفرت نفسي منه ولم تقبله مع كوني قد قارب الظهر ولم أتغد ، فلم أنبسط ولا
مددت يدي إليه ، فقال لي : مالك لا تأكل؟ وكان قد عرف عادتي ، فقلت له : إن نفسي
لا تقبل هذا الطعام ولا تشتهيه ، فقال : لعلك شبعان ، قلت : لا والله ، إلا أنني
أجد في نفسي نفرة منه ، فأشار إلى غلام فدخل داره وجاء بمائدة عليها عدة غضائر من
الدجاج ، فلم تقبل نفسي إلا دجاجة واحدة معمولة تحت رمان ، فمددت يدي إليها
وتناولت منها ، قال : فرأيت أتابك وهو يتعجب ، فقلت له : ما الخبر؟ فقال : أعلم
أنه ليس في هذا الطعام شيء أعلم من أين وجهه ، وهو من عمل منزلي غير هذه الدجاجة ،
والباقي فجاءنا من جهة ما نفسي بها طيبة ، وتشاركت أنا وهو في تلك الدجاجة مع بغضي
لحب الرمان. وكان أتابك لا يأكل إلا من مال الجوالي فقط ، فجعلت أعجب من ذلك ،
فقال : أعلم أنني لا أحسب هذا كرامة لي ، ولكني أعده نعمة من الله في حقي ، فإن
امتناعي لم يكن عن شيء كرهته ، ولا ريب اطلعت عليه ، ولكن كان انقباضا ونفرة لا
أعرف سببها ولا الإبانة عن معناها.
ثم ختم ياقوت
ترجمته برسالة أرسلها المترجم إلى صديق له تتعلق بشراء كتاب يعرف بالتذكرة لابن
مسلمة في اثني عشر مجلدا لم نجد في ذكرها عظيم فائدة ، غير أنها تنبىء عن شعف صاحب
الترجمة بشراء الكتب النفيسة واقتنائها كما سنتلوه عليك.
وقد تأخرت وفاة
صاحب الترجمة عن وفاة المترجم له وهو ياقوت عشرين سنة ، لأن وفاة ياقوت كانت سنة
٦٢٦ ووفاة المترجم كانت سنة ٦٤٦ كما سيأتي.
وترجمة ابن
شاكر في فوات الوفيات فقال : هو علي بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد بن موسى
وزير حلب القاضي الأكرم جمال الدين أبو الحسن القفطي أحد الكتاب المشهورين. وكان
أبوه القاضي الأشرف كاتبا أيضا. إلى أن قال :
وكان صدرا محتشما
كامل السؤدد ، جمع من الكتب مالا يوصف وقصد بها من الآفاق ، وكان لا يحب من الدنيا
سواها ، ولم يكن له دار ولا زوجة ، وأوصى بكتبه للناصر صاحب حلب وكانت تساوي خمسين
ألف دينار ، وله حكايات غريبة في غرامه بالكتب.
ولد سنة ٥٦٠ وتوفي سنة ست وأربعين وستمائة. ثم ساق ما له من
المؤلفات وقد قدمنا ذكرها نقلا عن ياقوت.
وفي هامش معجم
الأدباء ما نصه : وتوفي علي بن يوسف القفطي في شهر رمضان سنة ٦٤٦ بحلب ودفن بظاهر
حلب بالقرب من مقام إبراهيم عليهالسلام .
وقال الصلاح
الصفدي في تاريخه المرتب على السنين في حوادث سنة ٦٤٦ في ترجمة الوزير المذكور بعد
أن ترجمه بعين ما نقلناه عن فوات الوفيات : وله حكايات عجيبة في غرامه بالكتب ،
منها أنه وقع له نسخة مليحة من كتاب الأنساب لابن السمعاني بخطه يعوزها مجلد من
أصل خمسة ، فلم يزل يبحث عليه ويطلبه من مظانه فلم يحصل له ، فبعد أيام اجتاز بعض
من يعرفه بسوق القلانسيين فوجدوا أوراقا منه ، فأحضرها إليه ، وذكر القصة ، فأحضر
الصانع وسأله عنه فقال : اشتريته في جملة أوراق وعملته قوالب للقلانس. فحدث عنده
من الهم والغم والوجوم ما لا يمكن التعبير عنه ، حتى إنه بقي أياما لا يركب إلى
القلعة وقطع جلوسه ، وأحضر من ندب على الكتاب كما يندب على الميت المفقود المؤيس
منه ، وحضر عنده الأعيان يسلونه كما يسلى من فقد له عزيز. والحكايات الدالة على
عشقه بالكتب كثيرة ا ه.
قال في «الطالع
السعيد» : وذكره ابن سعيد وقال : نظم بيتين في جارية اشتراها وهما :
تبدت فهال
البدر من كلف بها
|
|
وحقك مثلي في
دجى الليل حائر
|
وماست فشق
الغصن غيظا ثيابه
|
|
ألست ترى
أوراقه تتناثر
|
قال : وزعم أنه
لا يؤتى لهما بثالث ، فأنشدته في الحال :
وعاجت فألقى
العود في النار نفسه
|
|
كذا نقلت عنه
الحديث المحابر
|
وقالت فغار
الدر واصفرّ لونه
|
|
لذلك ما زالت
تغار الضرائر
|
__________________
وذكرنا في
المقدمة في تعداد مؤلفاته التاريخية أن من جملتها «تاريخ آل بويه» و «وأخبار
العلماء بأخبار الحكماء». وهذان التاريخان لم يذكرهما ياقوت ولا ابن شاكر ولا الصلاح
الصفدي ، والأول معذور لأنه توفي قبل المترجم بعشرين سنة كما قدمناه ، فلعله
ألفهما بعد وفاته. وقلنا في المقدمة : إن أخبار العلماء بأخبار الحكماء قد طبع
وإنا قد التقطنا ما فيه من تراجم أطباء الشهباء وأثبتناها في مواضعها.
٢٠٦ ـ إسماعيل بن سودكين المتوفى سنة ٦٤٦
إسماعيل بن
سودكين بن عبد الله أبو الطاهر النوري. صحب الشيخ أبا عبد الله محمد ابن علي بن
العربي مدة وكتب عنه كثيرا من تصانيفه. وسمع بمصر من أبي الفضل محمد ابن يوسف
الغزنوي وأبي عبد الله محمد بن حامد الأرتاحي ، وبحلب من الشريف أبي هاشم عبد
المطلب بن الفضل الهاشمي وحدث. وكان فقيها فاضلا محدثا شاعرا ، له نظم حسن وكلام
في التصوف. مولده بالقاهرة سنة ثمان أو تسع وأربعين وخمسماية. ومات بحلب سنة ست
وأربعين وستماية ا ه (ط ح للقرشي).
وقال الحافظ
الذهبي في تاريخ الإسلام في ترجمة المذكور : إن أباه كان من مماليك السلطان نور
الدين فتزهد هو وتصوف ا ه.
٢٠٧ ـ مفضّل بن بصيلة المتوفى سنة ٦٤٦
مفضّل بن أبي
محمد بن أبي المكارم أبو المكارم الحلبي المعروف بابن بصيلة. كتب عنه الحافظ
الدمياطي وذكر في معجم شيوخه أن وفاته سنة ست وأربعين وستماية ، ومولده بحلب سنة
اثنتين وستين وخمسماية ا ه (ط ح للقرشي).
٢٠٨ ـ صدّيق بن رمضان المتوفى سنة ٦٤٧
صديق بن رمضان
بن علي بن عبد الله أبو الفضل وأبو بكر الدمشقي الصوفي نزيل حلب. ولد سنة اثنتين
وسبعين وخمسماية ، وسمع من القاضي أبي سعد بن عصرون ويحيى الثقفي. روى عنه شيوخنا
ابن الظاهري والدمياطي وإسحق النحاس. وتوفي في السادس
والعشرين من شوال رحمهالله تعالى ا ه. (ذهبي من وفيات سنة سبع وأربعين وستماية) ا
ه.
٢٠٩ ـ الحسن بن أبي طاهر الخشاب المتوفى سنة ٦٤٨
الحسن بن أبي
طاهر إبراهيم بن سعيد بن يحيى بن محمد بن الخشاب الحلبي من كبراء الحلبيين ، وهم
بيت حشمة وتشيع. مات في جمادى الآخرة ا ه (ذهبي من وفيات سنة ثمان وأربعين وستمائة).
الكلام على درب بني الخشاب :
قال أبو ذر :
هو الآخذ من رأس درب الزجاجين إلى ناحية باب قنسرين. وكان بهذا الدرب بيوتهم وهي
باقية ، وبأوله بيت عليه بوابة عظيمة كان لبني القطب بن العجمي ، وكان به مكتب
أيتام تقدم الكلام عليه . وفي أول هذا الدرب حوض ماء وقد عطل ، وبهذا الدرب باب
صغير يسمى باب الخوخة يأخذ إلى ناحية الجلّوم ، وبهذا الدرب تربة بني الخشاب ،
وبهذا الدرب قاعة تسمى قاعة الجوهري ، وبرأس هذا الدرب مسجد يعرف بابن مشكور وقد جعل حبسا الآن. ا ه.
الكلام على التربة الخشابية :
قال أبو ذر :
التربة الخشابية بالقرب من باب قنسرين والجرن الأصفر ، جددها الحسن ابن إبراهيم بن
الخشاب في سنة ثلاث وثلاثين وستماية ، وهو مذكور مع أقاربه ، ولبني الخشاب تربة
أخرى بالقرب من مصبغة حلب جعلت الآن معصرة ، ثم صارت فرنا ، قيل لي إنها تربة أم
الذي بني المئذنة (مئذنة الجامع الكبير). وأخبرني من رآها متهدمة وبها شبابيك ،
والأولى عليها وقف من جملته مزرعة الدوير عند بلّيرمون ا ه.
__________________
أقول : هذا
الزقاق يعرف الآن بزقاق أبي درجين في محلة باب قنسرين ، والتربة كانت خربة يضع
فيها من يستأجر الفرن الذي وراءها المعروف بفرن الأصفر القش والحطب. وفي سنة ١٣١٥
عمرها الشيخ مصطفى بن الشيخ إبراهيم الهلالي الدار عزاني القادري الخلوتي زاوية
وجمع ما صرفه على عمارتها من أهل الخير واليسار وصار يقيم فيها الذكر مساء كل يوم
جمعة ، إلى أن توفي رحمهالله يوم الاثنين لأربع مضت في ربيع الآخر سنة ١٣٣٧. وقد كان
قبل ذلك يقيم الذكر في المسجد المعروف بمسجد الأصفر وهو مسجد قديم كان أنشأه أبو
الحسن محمد بن الخشاب كما ذكره أبو ذر في الكلام على درب الخانكاه.
وفي أثناء
عمارة الزاوية وجد عدة قبور قديمة درست كلها وهي في الموضع الذي يقام فيه الذكر ،
ولم يبق من آثار التربة المذكورة سوى جدارها الشرقي ، وهناك حجرة قديمة كتب عليها
بعد البسملة : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ
اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ). جدد عمارة هذه التربة المعروفة ببني الخشاب تغمد الله
ساكنيها بالرحمة الفقير إلى رحمة الله الحسن بن الخشاب (أي المترجم) في شهور سنة
ثلاث وثلاثين وستمائة ا ه.
٢١٠ ـ أحمد بن يوسف الحسيني المتوفى سنة ٦٤٨
أحمد بن يوسف
بن علي بن محمد بن أحمد أبو نصر ، وقيل أبو العباس ، عماد الدين الحسيني. تفقه على
أحمد بن محمود الغزنوي. مولده سنة نيف وستين وخمسمائة بحلب. نقله ابن العديم. وسمع
الحديث من أبي هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي شيخ الحنفية. وخرج من حلب إلى مصر
جافلا من التتر لما وصل التتار إلى بلاد الروم سنة أربعين وستمائة ، وحدث بمصر
فأضر بها ، ثم عاد إلى حلب فأقام بها صابرا محتسبا إلى أن مات في سنة ثمان وأربعين
وستمائة بحلب. وذكره شيخنا قطب الدين في تاريخ مصر ، كتب عنه الحافظ الدمياطي ا ه.
(ط ح للقرشي).
٢١١ ـ الحافظ يوسف بن خليل بن قراجا المتوفى سنة ٦٤٨
يوسف بن خليل
بن قراجا بن عبد الله الحافظ شمس الدين أبو الحجاج الدمشقي الآدمي
نزيل حلب. ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة بدمشق ، وكان مشتغلا بصنعته إلى أن
صار ابن نيف وثلاثين سنة ، فأخذ يسمع الحديث ، فسمع من يحيى الثقفي وأحمد بن حمزة
بن الموازيني وابن صدقة الحراني. ثم طلب الحديث وكتب الطباق ونسخ أجزاء ، وتخرج
عند الحافظ عبد الغني وسمع منه الكثير. وكان شابا فطنا مليح الخط فحسن له الحافظ
الرحلة وإدراك الأسانيد العراقية ، فرحل إلى بغداد سنة ثمان وثمانين وسمع بها
الكثير من ذاكر بن كامل ويحيى بن بوش وابن كليب ورجب بن مذكور وأبي منصور وعبد
الله بن المبارك الأزجي وخلق من أصحاب ابن الحصين وغيره ، ورجع إلى بلده بحديث
كثير وقد فهم وحفظ وصار من خيار الطلبة ، فبقي متطلعا إلى ما بأصبهان من العوالي
في هذا الوقت ، فرحل إليها في سنة إحدى وتسعين وأدرك بها أسنادا في غاية العلو.
أكثر عن أصحاب أبي علي الحداد وسمع الكثير من مسعود الحمال وخليل بن بدر الداراني
وأبي الفضائل عبد الرحيم الكاغدي وأبي جعفر محمد بن إسماعيل الطرسوسي وأبي طاهر بن
فارشاه وأبي المكارم اللبان والكراني وناصر الويدح ومحمد بن أحمد المعاد ومحمد بن
الحسن الأصفهيد وخلق. وكتب الكتب الكبار والأجزاء ، وحسن خطه واتسع حفظه وجلب إلى
الشام خيرا كثيرا. ثم رحل إلى مصر وسمع من البوصيري وإسمعيل بن ياسين وأبي الجود
المقري وفاطمة بنت سعد الخير وجماعة.
قال عمر بن
الحاجب : سألت أبا إسحق الصريفيني عنه فقال : حافظ ثقة عالم بما يقرأ عليه ، لا
يكاد يفوته اسم رجل.
وقال ابن
الحاجب : وسألت الضياء عنه فقال : حافظ سمع وحصل الكثير ، وهو صاحب رحلة وتطواف.
قال ابن الحاجب : هو أحد الرحالين بلد أحدهم فضلا (هكذا) وأوسعهم رحلة ، نقل بخطه
المليح ما لا يدخل تحت الحصر. وهو طيب الأخلاق مرضي الطريقة متقن حافظ ثقة. قلت :
روى عنه جماعة من كبار الحفاظ ، وأنبأ عنه الحافظ الدمياطي وابن الظاهري ومحمد بن
سليمان المغربي ومحمد بن جوهر المقري وعلي بن أحمد الهاشمي والبها أيوب بن النحاس
وأخوه إسحق وعز الدين عبد العزيز بن العديم الحاكم وأخوه عبد المحسن وطاهر بن عبد
الله بن العجمي وعبد الملك بن عنيفة وسنقر الزيني وعبد الله ابن محمد المخزومي
وأبو حامد المؤذن وتاج الدين صالح الفرضي وأبو بكر الدشتي وآخرون. وممن يروي عنه
في هذا الوقت وهو سنة أربع عشرة ابن ساعد بمصر ونخوة بنت النصيبي
بحماة وابن أخيها محمد بن أحمد وأحمد بن محمد العجمي وإبراهيم وأسعد وعبد
الرحمن بنو صالح بن العجمي بحلب ، والعتيق إسحق الآمدي والأمين محمد بن النحاس
بدمشق. وقد خرج لنفسه معجما سمعته من ابن الظاهري وعوالي وفوائد كثيرة سمعنا
عامتها ، وتفرد بأشياء كثيرة من حديث أصبهان لخرابها واستيلاء الهلاك عليها مع أنه
ما رحل إليها حتى مضى من عمره عنفوان الشبيبة وصار ابن ست وثلاثين سنة. توفي رحمهالله تعالى في ليلة عاشر جمادى الآخرة بحلب ا ه (ذهبي من
وفيات سنة ثمان وأربعين وستمائة).
٢١٢ ـ تاج الدين جعفر المعروف بالسراج المتوفى سنة ٦٤٩
ترجمه ابن
الوردي في تتمة المختصر قال في حوادث سنة ٦٤٩ : فيها توفي الشيخ تاج الدين جعفر بن
محمد بن سيف الحلبي المعروف بالسراج صاحب الكرامات الخارقة والأنفاس الصادقة في
العشر الآخر من شعبان بحلب ودفن بمقابر الصالحين. وقبر الشيخ أبي المعالي الحداد
والشيخ جعفر المذكور والشيخ أبي الحسين النوري متقاربات ظاهرة تزار. صحب الشيخ
جعفر المذكور الشيخ شهاب الدين السهروردي وروى عنه «عوارف المعارف» ، وتخرج به خلق
من أعيان الصلحاء مثل الشيخ مهنا بن كوكب الفوعي ومثل شيخنا الشيخ عبس بن عيسى بن
علي السرجاوي وغيرهم. وربى المريدين على عادة الصوفية ، وكان يكاشفهم بالأحوال في
خلواتهم ويحل ما أشكل عليهم. ورجع بسببه خلق كثير إلى الله في جبل السمّاق وبلد
سرمين والباب وبزاعة وحلب وغيرها. وقرب العهد به وبمن لقينا من أصحابه وشهرة
كراماته عندهم تغني عن ذكرها. وكان له رحمة الله عليه مريدون أعزة عليه بالبارة ،
فكان إذا رأى البارة من بعيد ينشد :
وأحبها وأحب
منزلها الذي
|
|
نزلت به وأحب
أهل المنزل
|
٢١٣ ـ الخضر بن الحسن بن عامر
المتوفى سنة ٦٤٩
الخضر بن عامر
شمس الدين أبو القاسم الحلبي ابن قاضي الباب ، ويدعى بعبد المجيد. سمع يحيى الثقفي
وعنه ابن الظاهري والدمياطي وإسحق النحاس وجماعة. مات في ذي القعدة ا ه (ذهبي من
سنة تسع وأربعين وستمائة).
٢١٤ ـ أحمد بن يوسف الأنصاري المتوفى سنة ٦٤٩
أحمد بن يوسف
بن عبد الواحد بن يوسف أبو الفتح الأنصاري السعدي المنعوت بشهاب الدين. كان إماما
عالما محدثا مفتيا ، حدث بجزء الأنصاري بإجازة من ابن طبرزد وأبي اليمن الكندي
وغيرهما. مات في تاسع شعبان سنة تسع وأربعين وستمائة. وولد بحلب وتفقه بها ، ثم
سافر إلى الموصل وتفقه بها على الجلال الرازي وسمع الحديث. سمع منه أبو حفص عمر بن
العديم. وقرأ علم النظر والخلاف وبرع فيهما.
قال ابن العديم
: استدعي في أيام المستنصر بالله إلى بغداد ليدرس بالمدرسة المستنصرية ، فتوجه
إليها ودرس بها في يوم الخميس العشرين من جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وستمائة ،
وهو ثاني مدرس بها ذكر التدريس بها ، ثم عاد إلى بلده في صفر سنة خمس وثلاثين.
وأول من درس بها من أصحابنا (أي الحنفية) عمر بن محمد الفرغاني ، وهو (أي المترجم)
والد يوسف وحفيده محمد يأتي كل منهما في موضعه ا ه (ط ح للقرشي).
وقال الحافظ
الذهبي في تاريخه : إنه درس بحلب في المقدمية وبمدرسة الحدادين وولي مشيخة رباط
سنقر شاه بعد موت أبيه ، وروى عن شيخه الافتخار الهاشمي وغيره. توفي في شعبان.
٢١٥ ـ محمد بن محمد بن عمرون النحوي المتوفى سنة ٦٤٩
محمد بن محمد
بن أبي علي بن أبي سعيد بن عمرون الشيخ جمال الدين أبو عبد الله الحلبي النحوي ولد
سنة ست وتسعين وخمسماية وتوفي سنة تسع وأربعين وستماية سمع من ابن طبرزد وأخذ
النحو عن الموفق بن يعيش وغيره وبرع في العربية وتصدر لإقرائها وجالسه الإمام جمال
الدين ابن مالك وأخذ عنه الشيخ بهاء الدين ابن النحاس وحدث عنه الشيخ شرف الدين
الدمياطي وشرح المفصل شرحا مفصلا ا ه وافي بالوفيات.
٢١٦ ـ الأمير مسعود بن أبيك المتوفى سنة ٦٤٩
آثاره بحلب : المدرسة الفطيسية :
قال أبو ذر :
هذه المدرسة دخلت في دار العدل ولم يبق لها أثر ، أنشأها سعد الدين مسعود بن
الأمير عز الدين أيبك المعروف بفطيس عتيق عز الدين فرخشاه بن شاهنشاه ابن أيوب
صاحب بعلبك. كانت دارا يسكنها فوقفها بعد عينه مدرسة. وتوفي المذكور سنة تسع
وأربعين وستماية.
وأول من درس
بها أحمد بن محمد بن يحيى القراولي المارداني المعروف بالفصيح ، وعليه انقضت
الدولة الناصرية ، وحكم القاضي شمس الدين بن أمين الدولة الحنفي بانتقال وقفها إلى
القليجية إذ هي أقرب مدرسة إليها ، ومن جملة وقفها حصة بدير الجمال.
قال في الدر
المنتخب بعد أن ذكر نحو ما تقدم : دثرت من الفتنة التيمورية ولم يبق لها الآن عين
ولا أثر ، وكذا صار في مدارس عديدة ، فإنني ما زلت أسمع أنه كان بحلب أربعون مدرسة
للحنفية خاصة ، على أن ابن شداد لم يستوعب ولا ادعى ذلك ، فإنه كان في باطنها
مدارس غير ما ذكر.
الخانكاه الفطيسية :
أنشأها سعد
الدين المذكور في مدرسته التي دخلت في دار العدل ا ه.
وبمناسبة ما
تقدم نذكر المدرسة القليجية وما كان داخل دار العدل وفي جوارها من الآثار فنقول :
قال أبو ذر :
المدرسة القليجية :
هذه المدرسة
غربي دار العدل ملاصقة لها ، أنشأها الأمير مجاهد الدين محمد بن شمس الدين محمود
بن قليج النوري ، وانتهت عمارتها سنة خمسين وستماية. وأول من درس بها الشيخ مجد
الدين الحسن المتقدم ذكره جامعا بينها وبين المدرسة الأسدية ، وعليه
__________________
انقضت الدولة الناصرية ، والآن هي في تملك أولاد الغان ويدعون أنهم من ذرية
الواقف. انتهى. وفي كفالة جانيبك الناجي توفي أبو زوجته فدفنه بهذه المدرسة.
قال في الدر
المنتخب : قلت : وهذه المدرسة قد تجدد من جوانبها الثلاثة دور مضافة إلى دار العدل
وفتح إليها باب منها وقل الانتفاع بها ، وطالما أردنا حضور الدرس بها فوجدنا بابها
الذي يشرع إلى الطريق الذي كان نافذا وسدّ وأضيف إلى دار العدل مغلقا من داخل ،
وقد أصاروها كالحاصل ، ثم إنها خرجت ودثرت رأسا ا ه.
جامع الناصري :
جامع الناصري
داخل دار العدل وإلى جانبه مسجد السيدة بنت وثاب النميري ، وقد تقدم الكلام عليها
في فصل المزارات. وهذا الجامع كان أولا خانا يسمى خان البيض ، فعمره يلبغا الناصري
جامعا ووقف عليه وقفا ، فلما قتل أخرج السلطان وقفه وبنى يلبغا المذكور حماما تحت
القلعة وإلى جانبه مكتب أيتام وحوض ماء ، والآن إنما يصرف على الجامع من مال
الحمّام وفي كل أوان يأتي أقارب الناصري من القاهرة ويتنازعون أرباب وظائف الجامع
ويقولون : إن الحمّام ليست وقفا على الجامع إنما هي لنا ، وإن وقف الجامع أخرجه
السلطان وهما قرية شيخ الحد وقرية زعرعين.
خانكاه طاي بغا :
هذه الخانكاه
أنشأها الأمير علاء الدين طاي بغا : كانت دارا يسكنها فوقفها على الصوفية عند
موته. وتوفي سنة خمسين وستماية.
قلت : وهذه
الخانكاه قبلي دار العدل ، مكتوب على بابها : وقف هذا الرباط في أيام الناصر يوسف
بن العزيز محمد بن الظاهر غازي علاء الدين أبو سعيد طاي بغا الظاهري على الصوفية
المستعربة المقيمين بها من أهل الدين والصلاح والسنة والجماعة في شهر رجب سنة خمسين
وستمائة. وإلى جانبها قاعة مكتوب عليها : هذا ما وقفه علاء الدين طيبغا على
الخانكاه.
خانكاه سنقرجاه النوري :
هذه الخانكاه
بالقرب من المتقدمة. أنشأها سنقر جاه النوري ومكتوب عليها : عمر
هذا الرباط في دولة أبي القاسم محمود بن زنكي مولاه سنقر جاه من ماله ووقفه
على فقراء العرب وزهادهم سنة أربع وخمسين وخمسماية. صنعة عيسى بن علي. وتقدم في
الشاذبختية أن شاذبخت له وقف على هذا الرباط انتهى.
وإلى جانب هذا
الرباط قاسارية مكتوب عليها : أسست هذه البنية في أيام العادل محمود برسم منافع
الخانكاه المجاهدية الملاصقة المتولي شاذبخت وقفا مؤبدا في سنة أربع وستين
وخمسماية ا ه.
أقول : تقدم أن
دار العدل ، ويقال لها دار السعادة أيضا ، كانت موضع بناء المستشفى الوطني الآن
آخذة إلى جهة الغرب. ويغلب على الظن أن الجنينة المعروفة الآن بجنينة شلم والدار
التي داخلها هي من دار العدل أيضا. وهذه المدارس والخانكاه الفطيسية والخانكاه
القديم التي قدمنا الكلام عليها في ترجمة ابن الطرسوسي المتوفى سنة ٥٤٩ هي في هذا
المكان.
٢١٧ ـ محمد بن الوزان المتوفى سنة ٦٥٠
محمد بن محمد
بن سعد الله بن رمضان بن إبراهيم الحلبي ، عرف بابن الوزان مولده بحلب سنة ثمان
وستين وخمسمائة. سمع بمصر والإسكندرية ودمشق وخرج له الحافظ أبو حامد الصابوني
مشيخة وحدث بها بدمشق ودرس بالأسدية ظاهر دمشق. وكان فيه دين وسكون. مات بدمشق سنة
خمسين وستمائة ا ه (ط ح القرشي).
١٢٨ ـ الملك الصالح أحمد بن غازي صاحب عينتاب المتوفى سنة ٦٥١
أحمد بن غازي
بن يوسف بن أيوب الملك صلاح الدين صاحب عين تاب ابن السلطان الملك الظاهر ابن
السلطان الكبير صلاح الدين بن أيوب ، هو أخو السلطان الملك العزيز أبو الملك
الناصر صاحب الشام. والملك الصالح هذا هو الأسن ، وإنما أخره عن سلطنة حلب لأن أمه
أم ولد ، والعزيز كانت أمه الصاحبة ابنة الملك العادل. مولد الملك الصالح المذكور
سنة ستمائة ، وكان ملكا شجاعا مهابا وقورا مبجلا وافر الحرمة ، وعنده فضيلة تامة
وذكاء. حدث عن الافتخار الهاشمي ، وروى عنه الحافظ شرف الدين الدمياطي وذكر أنه
امتنع من الرواية. وقال : ما أنا أهل لذلك ، بل أنا أسمع عليك ، إلى أن ألح عليه
وسمع
منه ووصله. ولم يزل الملك الصالح بعينتاب إلى أن توفي بها سنة إحدى وخمسين
وستماية ، وعمل له الملك الناصر صاحب الشام العزاء بدار السعادة. ورثاه الشعراء
وخلف ولدا واحدا ذكرا رحمهالله تعالى ا ه (المنهل الصافي).
٢١٩ ـ محمد بن طلحة القرشي المتوفى سنة ٦٥٢
محمد بن طلحة
بن محمد بن الحسن الشيخ كمال الدين أبو سالم القرشي العدوي النصيبي الشافعي
المفتي. ولد بالعمرية من قرى نصيبين سنة اثنتين وثمانين ، وتفقه وبرع في المذهب.
وسمع بنيسابور من المؤيد الطوسي وزينب الشعرية ، وحدث بحلب ودمشق. وكان صدرا معظما
محتشما ، وترسل عن الملوك. ولي الوزارة بدمشق ثم تركها وتزهد وخرج عن ملبوسه
وانكمش عن الناس وترك مماليكه ودوابه ولبس ثوب قطن وتخفيفة ، وكان يسكن الأمينية
فخرج منها واختفى ولم يعلم مكانه ، وسبب ذلك أن الناصر عينه للوزارة وكتب تقليده ،
فكتب إلى الناصر يعتذر إليه. قال الشيخ شمس الدين : ودخل في شيء من الهذيان
والضلال ، وعمل دائرة للحروف ، وادعى أنه استخرج علم الغيب وعلم الساعة. توفي بحلب
سنة اثنتين وخمسين وستماية وقد جاوز السبعين ا ه (من الوافي بالوفيات للصلاح
الصفدي).
وقال الصلاح
المذكور في تاريخه المرتب على السنين في حوادث سنة ٦٥٢ : وفيها توفي الشيخ الإمام
العلامة القدوة كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد القرشي. ولد في سنة اثنتين
وثمانين وخمسمائة. وكان فاضلا عالما ، تولى القضاء بنصيبين والخطابة بدمشق ، ثم
طلب ليولوه الوزارة بدمشق فأيقظه الله تعالى وزهده في الدنيا ، وانقطع وحج في هذه
السنة. فلما رجع أقام بدمشق قليلا ، ثم سافر إلى حلب فتوفي بها رحمهالله. وله كتاب سماه «العقد الفريد» جمع فيه كل شيء ، وكتاب «في علم الحرف» ، وكتاب «الدر المنظم في اسم الله الأعظم» .
__________________
ومن شعره :
ولمياء يسبي
حسنها كلّ ناسك
|
|
وينسيه أوراد
العبادة والزهد
|
نعمت بها
والعمر في عنفوانه
|
|
بشرخ شباب
فوده حالك البرد
|
وكان بها ضعف
الذي بي من الهوى
|
|
وقد وجدت
أرواحنا لذة الوجد
|
إلى أن بدا
في ليل فودي أنجم
|
|
من الشيب
أبدت نبوة الخلق الجعد
|
وكان عذاري
عندها عند وصلها
|
|
فشبت فأضحى
العذر في صدّها عندي
|
فأعجب لأمر كان داعية الهوى
|
|
زمانا فأضحى
وهو داعية الصدّ
|
ومن شعره في
المنجم :
إذا حكم
المنجّم في القضايا
|
|
بحكم جازم
فاردد عليه
|
فليس بعالم
ما الله قاض
|
|
فقلدني ولا
تركن إليه
|
ومن شعره في
المعنى :
لا تركننّ
إلى مقال منجّم
|
|
وكل الأمور
إلى الإله وسلّم
|
وأعلم بأنك
إن جعلت لكوكب
|
|
تدبير حادثة
فلست بمسلم
|
انتهى.
أقول : وله من
المؤلفات «مطالب السول في مناقب آل الرسول» ذكر صاحب الكشف اسم الكتاب فقط هكذا (مطالب
السول في مناقب الرسول صلىاللهعليهوسلم) وهذا سهو منه أو من الناسخ ، وهو في مجلد واحد وسط يجيء
في نحو ٢٥ كراسة موجود في مكتبة المدرسة الأحمدية بحلب محرر سنة ٨٩٦ ، وهو مضبوط
جميعه بالشكل. قال محرره في آخره : نقلت من نسخة نقلت بخط المصنف مؤرخة في ذي
القعدة سنة خمسين وستمائة ا ه. والكتاب في مناقب الأئمة الأثني عشر ، ويظهر في
خلال كلامه أن المصنف من الشيعة.
__________________
٢٢٠ ـ النصر أبو الفتح ابن السلطان صلاح الدين المتوفى سنة ٦٥٢
النصر أبو
الفتح ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شادي. توفي بحلب وقد قارب السبعين
أو جاوزها ا ه (ذهبي من وفيات سنة اثنتين وخمسين وستمائة).
٢٢١ ـ عبد السلام بن عبد الله بن تيميّة الحرّاني المتوفى سنة ٦٥٢
عبد السلام بن
عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن علي الشيخ الإمام العلامة مجد الدين أبو
البركات ابن تيميّة الحرّاني الحنبلي جد الشيخ تقي الدين ابن تيميّة. ولد في حدود
التسعين وخمسمائة ، وتفقه في صغره على عمه الخطيب فخر الدين ، ورحل إلى بغداد وهو
ابن بضع عشرة سنة في صحابة ابن عمه ، وسمع بها وبحران ، وروى عنه الدمياطي وشهاب
الدين عبد الحليم وجماعة. وكان إماما حجة بارعا في الفقه والحديث ، وله يد طولى في
التفسير ومعرفة تامة بالأصول وإطلاع على مذاهب الناس ، وله ذكاء مفرط ، ولم يكن في
زمانه مثله. وله مصنفات نافعة كالأحكام وشرح الهداية ، وبيض منه ربعه الأول. وصنف
أرجوزة في القراءات وكتابا في أصول الفقه.
قال الحافظ أبو
عبد الله الذهبي : وحدثني الشيخ تقي الدين ابن تيميّة قال : كان الشيخ جمال الدين بن
مالك يقول : ألين للشيخ مجد الدين الفقه كما ألين لداود الحديد. وشيخه في الفرائض
والعربية أبو البقا ، وشيخه في القراءات عبد الواحد ، وشيخه في الفقه أبو بكر بن
غنيمة صاحب ابن المنى.
وحكى البرهان
الراعي أنه اجتمع به فأورد نكتة عليه ، فقال مجد الدين : الجواب عنها من مائة وجه
، الأول كذا والثاني كذا ، وسردها إلى آخرها ، ثم قال للبرهان : قد رضينا منك
بالإعادة ، فخضع له البرهان وانبهر. انتهى. قلت : توفي الشيخ مجد الدين المذكور
سنة اثنتين وخمسين وستماية رحمهالله تعالى ا ه (المنهل الصافي).
وترجمه صاحب
الدر المنضد فقال : هو مجد الدين أبو البركات شيخ الإسلام وفقيه الوقت وأحد
الأعلام ابن أخي الشيخ فخر الدين محمد بن أبي القاسم المتقدم ذكره ، ولد سنة تسعين
وخمسمائة تقريبا بحران ، صار من أئمة المذهب (ذكر تصانيفه) : «أطراف أحاديث
التفسير» رتبها على السور معزوة. «أرجوزة في علم القراءات». «الأحكام
الكبرى» في عدة مجلدات. «المنتقى من أحاديث الأحكام» وهو الكتاب المشهور
انتقاه من الأحكام الكبرى. «المحرر في الفقه» . «منتهى الغاية في شرح الهداية» بيض منه أربع مجلدات
كبار إلى أوائل الحج والباقي لم يبيض. «مسودة في أصول الفقه» مجلد وزاد فيها ولده
ثم حفيده أبو العباس. «مسودة في العربية» على نمط المسودة في الأصول.
توفي بعد العصر
من يوم الجمعة يوم عيد الفطر سنة ثلاث وخمسين وستماية ودفن بكرة السبت بمقبرة
الجبانة من مقابر حران. وقيل توفي يوم عيد الفطر بعد صلاة الجمعة منه سنة اثنتين
وخمسين وستماية ولم يبق في البلد من لم يشهد جنازته إلا معذور. وتوفيت ابنة عمه
زوجته بدرة بنت فخر الدين بن تيميّة قبله بيوم واحد رحمهماالله تعالى ا ه.
وله ترجمة في «طبقات
الحفاظ» لابن عبد الهادي.
٢٢٢ ـ محمد بن محمد البلخي المتوفى سنة ٦٥٣
محمد بن محمد
بن محمد بن عثمان أبو عبد الله البلخي ثم البغدادي الحلبي الحنفي المنعوت بالنظام.
كان من أعيان فقهاء المذهب ، عالما فاضلا ذكيا ، درس بحلب وسمع بنيسابور من المؤيد الطوسي ، قال الذهبي : وحدث
عنه بصحيح مسلم ، وسمع ببخارى وسمرقند وبالري من ابن مسعود بن موجود بن محمود ومن
أحمد بن محمد الحسن الأسترابادي الحنفيين ، وتفقه بخراسان على المحيوي ، وحدث بحلب
وأفتى. وكتب عنه الحافظ الدمياطي وذكره في معجم شيوخه وقال : توفي بحلب ليلة
الأربعاء التاسع والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثلاث وخمسين وستمائة ، ودفن بالجبل
خارج باب الأربعين. مولده ببغداد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. قلت : وولده عبد
الوهاب بن محمد حدث عنه بجزء أبي حنيفة رضياللهعنه ، سمعته عليه وقد تقدم في بابه ا ه. (ط ح للقرشي)
والمنهل الصافي.
__________________
٢٢٣ ـ صقر بن يحيى المتوفى سنة ٦٥٣
أبو المظفر صقر
بن يحيى بن سالم بن عيسى بن صقر الكلبي الحلبي. كان إماما بارعا في المذهب دينا
سمع وحدث ، وأضر في آخر عمره. ولد قبل الستين وخمسمائة ، وتوفي بحلب في سابع عشر
صفر سنة ثلاث وخمسين وستمائة. ذكره في العبر ا ه (ط ش للأسنوي).
وقال السبكي في
طبقات الشافعية : سمع من يحيى الثقفي والخشوعي وابن طبرزد وحنبل وغيرهم. روى عنه
الدمياطي وابن الظاهري وسنقر القضائي وغيرهم ا ه.
وذكره ابن كثير
في البداية والنهاية في وفيات هذه السنة وقال : ومن شعره :
من ادعى أن
له حالة
|
|
تخرجه عن منه
الشرع
|
فلا تكوننّ
له صاحبا
|
|
فإنه ضرّ بلا
نفع
|
٢٢٤ ـ الشريف أحمد الحسيني نقيب
الأشراف المتوفى سنة ٦٥٣
الشريف المرتضي
أبو الفتوح عز الدين بن أبي طالب أحمد بن محمد بن جعفر بن زيد ابن جعفر بن أبي
إبراهيم محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحق بن جعفر الصادق ابن محمد الباقر
العلوي الحسيني الإسحاقي الحلبي نقيب الأشراف بحلب.
ولد سنة تسع
وسبعين وخمسمائة ، وسمع من النسابة أبي علي محمد بن أسعد الحراني والافتخار
الهاشمي وأبي محمد بن علوان ، وأجاز له يحيى الثقفي ، وحدث بدمشق وحلب.
وكان صدرا
رئيسا وافر الحرمة ، وهو الذي شهر ابن العود (المتوفى سنة ٦٧٩ وستأتي ترجمته) على
حمار بحلب لما سب الصحابة. روى عنه الدمياطي وغيره ، وروى عنه بالثغر البرهان.
توفي فجأة في شوال بحلب ا ه (ذهبي من وفيات سنة ثلاث وخمسين وستمائة).
وترجمه الصلاح
الصفدي في تاريخه المرتب على السنين في هذه السنة وقال : ومن شعره :
كيف السبيل
إلى خلّ أصاحبه
|
|
يرعى المودة
في حلّي وترحالي
|
لي عنده مثل
ما عندي له وله
|
|
حفظ الوداد
بترك القيل والقال
|
آثاره بحلب وبقية ترجمته
مدرسة النقيب :
قال أبو ذر في
كنوز الذهب : هذه المدرسة في أعالي جبل جوشن متاخمة لدار المعز ، وهي غاية في
العمارة يقال لها تاج حلب ، وهي كثيرة المساكن والمنافع ، وهي منتزه حلب ، وفيها
بئر ماء يستقى منه من صحنها ومن درجها ومن أعلاها ، ولها صف خلاوي في أعلاها
وقدامهم رواق وبه قناطر مطل على قويق وحلب وبساتينها ، ولها قاعتان إحداهما عن
يمين هذه الخلاوي والأخرى عن يساره ، وبها عدة قاعات غير هاتين بأعلاها وأسفلها ،
وهي غاية في الارتفاع. وكان بأعلاها قصر فأخذت أحجاره ، وكان قد أنشأها مشهدا ثم
صيرها مدرسة ، وقبليتها في غاية الجودة ، وقبوها يتحير الناظر إليه من حسن
التركيب. ولما عمر السور في أيام المؤيد راموا أخذ حجارتها فمنعها الله من النقض
لإخلاص نية بانيها ومحبة الشيخين رضياللهعنهما. ووقف عليها وقفا ودرس واقفها فيها سنة أربع وخمسين
وستمائة . وهذا النقيب هو الإمام الشريف المرتضي أحمد بن محمد ...
إلخ النسب المتقدم ، تولى نقابة الطالبيين بحلب بعد موت أخيه وبقي على ذلك مدة ،
ثم عزله الظاهر غازي بسبب أنه أخذ الخراج واستدرك عليه فيه وولى النقابة شمس الدين
أبا علي بن زهرة. ثم إن أتابك طغرل ولاه الحسبة بحلب في أيام العزيز محمد ، ودام
على ذلك إلى أن مات أبو علي بن زهرة ، فولاه نقابة الطالبيين واستمر فيها ، وولي
بعد ذلك في دولة الناصر يوسف نقابة العباسيين مضافة إلى نقابة العلويين. هو شهير
الترجمة كثير المناقب والمفاخر سني الاعتقاد ، وهو من نسل أبي بكر الصديق أيضا من
جهة الأم ، وسيأتي بقية الكلام على نسبته إلى أبي بكر في ترجمة الأشراف .
توفي الشريف
النقيب فجأة بحلب ليلة الخميس سادس عشر شوال سنة ثلاث وخمسين وستمائة ، وترك ثلاثة
أيام حتى تيقنوا موته ، ثم دفن بمدرسته المذكورة في جانب قبليتها. ومولده بحلب في
سنة تسع وسبعين وخمسمائة. ومن شعره في الإمام المستعصم بالله :
__________________
إمام لنا
يهدي إلى منهج الهدى
|
|
ويوضح في
أدياننا كلّ مشكل
|
إذا عجزت
أفهامنا عن صفاته
|
|
عدلنا إلى آي
الكتاب المنزّل
|
قال في الدر
المنتخب بعد ذكره لهذه المدرسة في المدارس الحنفية : هذا القول من ابن شداد يقتضي
أن الشريف المذكور كان حنفيا ، إذ صريحه أن المدرسة المذكورة من مدارس الحنفية
التي بظاهر حلب ، ولم يعرف أن الشريف المذكور كان حنفيا ولا أحد من أهل بيته والله
أعلم ا ه.
الآثار التي كانت في الفيض
وبمناسبة ذكرنا
لمدرسة ابن النقيب نذكر ما كان هناك من الآثار فنقول :
المدرسة الدقاقية :
قال أبو ذر :
هذه المدرسة كانت شمالي الفيض ، أنشأها مهذب الدين أبو الحسن علي ابن فضل الله بن
الدقاق ، وبها يعرف ذلك المكان. أول من درس بها رشيد الدين المعروف بتكملة ، وذلك
في سنة ثلاثين وستمائة ، ثم رحل عنها إلى دنيسر فوليها برهان الدين إسحاق
التركماني ، ولم يزل بها إلى أن رحل عنها إلى دمشق ، فوليها شمس الدين المارداني
ففوضها لصهره بدر الدين محمد الكنجي ، ثم رحل عنها بدر الدين ففوضها شمس الدين
لفخر الدين عبد الرحمن بن إدريس بن حسن الخلاطي وعليه انقرضت الدولة الناصرية.
وهذه المدرسة
لم يبق لها أثر ولم يعرف مكانها ، بل ظهر في هذه الأزمان تجاه الفيض مكان أخرج منه
أحجار هرقلية ، فيحتمل أنه من أسها ويحتمل غيره ، فإنه كان على الفيض عمائر كثيرة
كما سيأتي ، ولما خربت أخذت أوقافها وجعلت أملاكا كغيرها.
تربة ابني أيبك :
قال أبو ذر :
تربة ابني أيبك بالفيض ، وهما أحمد وعمر ولكل منهما وقف ، قد اندثرت وبقي هناك قبر
من الرخام الأصفر تجاه الجنينة المعروفة بالشريفية ا ه.
أقول : ولا أثر
لذلك الآن.
القبة التي كانت هناك :
وقال في الكلام
على الزاوية الدقماقية : إن أبا بكر دوادار السيفي بردبك المتولي على هذه الزاوية
عمر قبة عند مرمى النشاب غربي الفيض ، وتحت هذه القبة صهريج ماء ليس من عمارته
إنما تساعد عليه أهل الخير من الرماة الذين يرمون هناك بالنشاب ا ه.
أقول : يظهر
أنه لذلك اشتهر هذا المكان إلى الآن بالقبة والعامود ، ولا أثر الآن لهذه القبة
لكن هناك عمود ملقى في الأرض وعليه كتابة يعسر قراءة ما كتب عليه.
٢٢٥ ـ أبو بكر بن يوسف بن هلال المتوفى سنة ٦٥٣
أبو بكر بن
يوسف بن أبي بكر بن أبي يوسف بن هلال المحدث المقري ناصح الدين الحراني الحنبلي
المعروف بابن الرزاز. ولد بحران سنة أربع عشرة وستماية تقديرا ، وقرأ القراءات
وتفقه. وسمع بدمشق من أبي عمرو بن الصلاح وأبي الحسن السخاوي ، وبحلب من ابن خليل
وابن رواحة والطبقة ، وأخذ القراءات عن الشيخ بن عبد الله الفاسي وغيره ، وكتب
الكثير وخطه معروف. وكان دينا فاضلا ، روى عنه الدمياطي في معجمه وكان رفيقه في
الطلب. توفي في التاسع والعشرين من جمادى الأولى ا ه (ذهبي من وفيات سنة ثلاث
وخمسين وستماية).
٢٢٦ ـ المبارك بن أبي بكر بن حمدان المتوفى سنة ٦٥٤
المبارك بن أبي
بكر بن حمدان بن أحمد بن علوان ، واسم أبي بكر أحمد ، المؤرخ الأديب كمال الدين
أبو البركات ابن الشعار الموصلي مصنف كتاب «عقود الجمان في شعراء هذا الزمان». سمع
من يعقوب بن صابر والمنجنيقي ومن غيره ، هو من شيوخ الدمياطي وتاريخه موجود
بالسميساطية ، وتوفي في سابع جمادى الآخرة بحلب وله إحدى وستون سنة ا ه (ذهبي من
وفيات سنة أربع وخمسين وستماية).
٢٢٧ ـ علاء الدين بن أبي الرجا المتوفى سنة ٦٥٤
علاء الدين علي
بن أبي الرجا. قال في الدر المنتخب : كان شاد ديوان الملكة ضيفة
خاتون بنت الملك العادل. ومن آثاره المدرسة العلائية ، ولم أقف على ذكر من
درس بها ا ه.
أقول : إنها
ليست مدرسة بل هي مسجد ، وموقعه خارج محلة الكلاسة في قبليها في التربة التي هناك
، وهو مسجد صغير كتب على باب القبلية :
(١) البسملة.
أمر بعمارة هذا.
(٢) المسجد
المبارك في أيام مولانا السلطان.
(٣) الملك
العزيز غياث الدنيا والدين سلطان.
(٤) الإسلام
والمسلمين أبو المظفر.
(٥) محمد بن الملك
غازي بن يوسف.
(٦) ابن أيوب
خلد الله ملكه العبد الفقير.
(٧) إلى حرمة
الله تعالى علي بن أبي الرجا.
(٨) في مستهل
رمضان سنة ثلاث وثلاثين وستماية ا ه.
وداخل القبلية
من شرقيها حجرة واسعة فيها قبر المترجم ، وقد كتب على باب الحجرة :
(١) البسملة
هذه تربة العبد الفقير إلى الله تعالى.
(٢) علاء الدين
علي بن أبي الرجا بن ترخم غفر الله له ولجميع.
(٣) المسلمين.
توفي يوم الاثنين في اثنين وعشرين يوما.
(٤) من شهر
المحرم سنة أربعة وخمسين وستمائة غفر.
(٥) له
ولوالديه ولجميع المسلمين رحمة من الله من قال رحمة الله ا ه.
وشاد الديوان
معناه ناظر الديوان ورئيسه ، وأهل المحلة هناك يعتقدون أنه كان من كبار الأولياء
ويزورونه وينذرون له النذور ، خصوصا النساء فإنهن يكثرن من زيارته يوم الجمعة ،
وقد علمت ما كانت وظيفته.
٢٢٨ ـ محمد بن محمد بن الخضر المتوفى سنة ٦٥٥
محمد بن محمد
بن إبراهيم بن الخضر مهذب الدين أبو نصر بن الدهان المنجم الحلبي الحاسب الشاعر
الأبلي الموصلي. ولد بحلب سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. توفي بصرخد
في آخر السنة. له ديوان شعر ومقدمة في الحساب ا ه (ذهبي من وفيات سنة خمس
وخمسين وستماية).
٢٢٩ ـ سليمان بن عبد المجيد العجمي الكاتب المتوفى سنة ٦٥٦
سليمان بن عبد
المجيد بن الحسن بن أبي غالب عبد الله بن الحسن بن عبد الرحمن الأديب البارع عون
الدين بن العجمي الحلبي الكاتب. ولد سنة ست وستماية. سمع من الافتخار الهاشمي
وجماعة ، وروى عنه الدمياطي وفتح الدين بن القيسراني ومجد الدين العقيلي. وكان
كاتبا مجيدا مترسلا ، ولي الأوقاف بحلب وتقدم عند الملك الناصر وحظي عنده ، وولي
نظر الجيوش بدمشق ، وكان متأهلا للوزارة كامل الرئاسة لطيف الشمائل. وله نظم ونثر
، ومن شعره :
لهيب الخد
حين بدا لعيني
|
|
هفا قلبي
إليه كالفراش
|
فأحرقه فصار
عليه خالا
|
|
وها أثر
الدخان على الحواشي
|
توفي سنة ست
وخمسين وستماية بدمشق رحمهالله تعالى ا ه (المنهل الصافي).
٢٣٠ ـ محمد بن الحسن القاسمي المتوفى سنة ٦٥٦
محمد بن الحسن
بن محمد بن يوسف أبو عبد الله الفاسي المغربي الفقيه الحنفي العلامة المقرىء نزيل
حلب ، وبها تفقه على مذهب أبي حنيفة. ولد بفاس بعد الثمانين وخمسماية ، وقدم ديار
بكر وقرأ بها القراءات على أبي موسى عيسى بن يوسف المقدسي وأبي القاسم الشاطبي.
وكان مليح الخط على طريقة المغاربة كثير الفضائل وافر الديانة فاضلا في الفقه ،
وروى عن عبد العزيز بن زيدان النحوي والقاضي يوسف بن شداد وتفقه عليه وأخذ عنه
الجم الغفير ، منهم محمد بن أيوب التادفي الفقيه الحنفي ومحمد بن إبراهيم النحاس
النحوي. وشرح «حرز الأماني» شرحا عظيما . وكان يتكلم في الأصول على طريقة الأشعرية ، وله تصانيف
هائلة في المذهب وغيره. قال أبو شامة : مات بحلب سنة ست وخمسين وستماية ا ه (ط
القرشي).
__________________
٢٣١ ـ يحيى بن محمد بن العديم المتوفى سنة ٦٥٦
يحيى بن محمد
بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن هرون ابن موسى بن
عيسى بن عبيد بن محمد بن عامر بن أبي جرادة أبو الفتح. ذكره الدمياطي في معجم
شيوخه وذكر أنه توفي سنة ست وخمسين وستماية. ودفن في تربته بالمقام ظاهر باب
العراق. ومولده بحلب سنة ثمانين وخمسمائة. قلت : ويحيى هذا منعوت بالتاج ويعرف
بابن العديم ، سمع من أبيه وعمه أبي الحسن أحمد ، ومن الشريف أبي هاشم بن المفضل
الهاشمي في آخرين. وسمع بدمشق من أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي وأجاز له أبو
الفرج يحيى بن محمود الثقفي وحدث ا ه (ط القرشي).
٢٣٢ ـ محمد بن أحمد بن العديم المتوفى سنة ٦٥٦
محمد بن أحمد
بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن هرون ابن موسى بن
عيسى بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة أبو عبد الله بن أبي جرادة. تقدم والده
أحمد. ذكره الدمياطي في معجمه ، وهو أخو الصاحب كمال الدين بن العديم أبو القاسم
عمر. مات سنة ست وخمسين وستماية بحلب ، ومولده بها سنة تسعين وخمسماية. سمع من
أبيه وعمه أبي غانم وأبي حفص عمر بن طبرزد والشريف أبي هاشم عبد المطلب ابن الفضل
الهاشمي وأبي اليمن الكندي وحدث ا ه (ط القرشي).
وقال في المنهل
الصافي : كان فقيها من الفقهاء المعدودين من العلماء كان فاضلا أصوليا فقيها نحويا
، تفقه على القاضي صاعد بن محمد وغيره وأفتى ودرس وأقرأ سنين ا ه.
٢٣٣ ـ محمد بن محمد الأنصاري المتوفى سنة ٦٥٦
محمد بن محمد
بن محمد بن عبد المجيد نظام الدين أبو عبد الله الأنصاري البغدادي الأصل الحلبي
المولد والمنشأ والمعروف بابن المولى. ولد بحلب في الثالث والعشرين من جمادى
الأولى سنة خمس وتسعين وخمسمائة ، وتوفي في سنة ست وخمسين وستمائة بدمشق ليلة
الخامس من جمادى الآخرة ، ودفن من الغد بجبل قاسيون. كان صاحب ديوان الإنشاء للملك
الناصر صلاح الدين مقدما على جماعة الكتاب فاضلا رئيسا له الوجاهة العظيمة
والمنزلة المكينة عند مخدومه ، وله الترسل والنظم الحسن. وروى عنه الدمياطي
ا ه (وافي بالوفيات).
٢٣٤ ـ فاطمة خاتون المتوفية سنة ٦٥٦
آثارها بحلب : الخانكاه الكاملية :
قال أبو ذر :
هذه الخانكاه أنشأتها الصاحبة فاطمة خاتون بنت الملك العادل بالقرب من البيمارستان
النوري. مكتوب على بابها : وقفت هذه الخانكاه فاطمة بنت الملك الكامل محمد بن
العادل أبي بكر بن أيوب على الفقيرات المقيمات بها وإظهار الصلوات الخمس بها
والمبيت بها. ووقفت عليها كفر تعال [كفر ديعل] من جبل سمعان بنظر إدريس بن محمد ا
ه.
توفيت فاطمة
خاتون سنة ست وخمسين وستمائة ا ه.
أقول : موقع
هذه الخانكاه أمام مدفن بني الجلبي ، وهي خراب الآن وأنقاضها مكومة ، وفيها الآن
ثلاث حجر صغيرة مشرفة على الخراب يسكنها بعض الفقراء ، ويظهر من وضعيتها أن
الجيران قد انتقصوها من أطرافها الثلاثة ، ولم يزل الكثير من أحجارها الكبيرة
وقواعدها العظيمة ملقى في أرضها.
٢٣٥ ـ أبو بكر بن محمد بن السلطان صلاح الدين المتوفى سنة ٦٥٧
أبو بكر بن
الملك الأشرف أبي الفتح محمد ابن السلطان الكبير صلاح الدين يوسف. ولد بمصر في سنة
سبع وتسعين وخمسمائة ، ونشأ بحلب وسمع بها من عمر بن طبرزد وحنبل ، دخل بغداد في
الأيام المستنصرية وسمع بها من أصحاب أبي بكر بن الزاغوني وأبي الوقت السجري ،
وكان أميرا جليلا له حرمة وافرة. توفي بحلب في ذي الحجة وله ستون سنة ا ه (ذهبي من
وفيات سنة سبع وخمسين وستمائة).
٢٣٦ ـ أحمد بن محمد بن الخضر المتوفى سنة ٦٥٨
أحمد بن محمد
بن يوسف بن الخضر أبو الطيب الحلبي الحنفي الفقيه. روى عن عمر
ابن طبرزد ودرس واشغل. توفي بحلب بعد أخذها بالسيف وقتل أكثر أهلها بأيام ا
ه (ذهبي من وفيات سنة ثمان وخمسين وستمائة).
٢٣٧ ـ إبراهيم بن يوسف القفطي المتوفى سنة ٦٥٨
إبراهيم بن
يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد بن موسى بن أحمد الوزير مؤيد الدين أبو إسحق
الشيباني المقدسي ثم المصري المعروف بابن القفطي أخو الصاحب جمال الدين علي بن
يوسف المؤرخ. ولد ببيت المقدس سنة أربع وتسعين وخمسمائة ، وسمع بحلب في سنة نيف
وعشرة من الافتخار عبد المطلب الهاشمي ، ووزر بحلب بعد أخيه الأكرم مدة. روى عنه
الدمياطي. ومات بحلب بعد أخذها بيسير في أحد الربيعين ا ه (ذهبي من وفيات سنة ثمان
وخمسين وستماية).
وقال اليونيني
في الذيل : حدث بحلب ودمشق ، ووزر بحلب بعد أخيه القاضي الأكرم مدة إلى أن انقضت
الدولة الناصرية وملك التتر حلب ، فأمروه بالاستمرار في تنفيذ الأشغال ، فباشر على
كره منه ، وتوقي عقيب ذلك في أحد الربيعين. وكان من الصدور الرؤساء الفضلاء
الأعيان. ا ه.
وقال في «الطالع
السعيد» في ترجمته : قال الحافظ عبد المؤمن الدمياطي : أنشدنا لنفسه هذه الأبيات :
يا قمرا حاز
كل ظرف
|
|
وحار فيما
حواه وصف
|
منزلك القلب
إن زمان
|
|
عارض في أن
يراك طرف
|
ضمّك جبر
لكسر قلب
|
|
عليه فتح
الهموم وقف
|
آثاره بحلب :
قال أبو ذر في
الكلام على دور الحديث : ومنها دار أنشأها الصاحب مؤيد الدين إبراهيم ابن يوسف
القفطي تجاه الفردوس ، وكانت قديما تعرف بالبدرية ، ووقف عليها كتبا من جملتها «المجمل»
ورأيته ا ه.
٢٣٨ ـ الحافظ إبراهيم بن خليل الآدمي المتوفى سنة ٦٥٨
إبراهيم بن
خليل بن عبد الله نجيب الدين الدمشقي الآدمي أبو إسحق أخو الشيخ شمس الدين يوسف بن
خليل. ولد يوم عيد الفطر سنة خمس وسبعين. وسمع من عبد الرحمن ابن علي الخرقي
وإسماعيل الجنروبي ويحيى الثقفي ومنصور الطبري ويوسف بن معالي الكيان وعبد اللطيف
بن أبي سعيد وعمر بن يوسف الحموي وأبي طالب محمد بن الحسين بن عبدان وأبي المحاسن
محمد بن كامل التنوخي والخشوعي وجماعة.
وحدث بدمشق
وحلب وطال عمره واشتهر اسمه ، وكان له أجزاء ومنها يحدث حصلها له أخوه. وكان سماعه
صحيحا. وكان يعمل المداسات. حمل عنه خلق كثير وحفاظ ، وحدث عنه الشيخ تاج الدين
عبد الرحمن وأخوه شرف الدين وتاج الدين صالح الجعبري وبدر الدين محمد بن الجوهري
الحلبي والشيخ نصر المنبجي والعماد ابن البالسي وصفية بنت الحلوانية ومحمد بن أحمد
النجدي وأبو الفدا بن الخباز وزينب خالة ابن المحب والجمال علي بن الشاطبي والشمس
محمد بن الفخر بن البخاري والتقي أحمد بن العز إبراهيم وآخرون. قال لنا الدمياطي :
بعثته إلى حلب لينوب عني في التسميع في وظيفتي فعدم في وقعة التتر في صفر ا ه (ذهبي
من وفيات سنة ثمان وخمسين وستماية).
٢٣٩ ـ محمد بن أبي القاسم القزويني المتوفى سنة ٦٥٨
محمد بن أبي
القاسم بن محمد بن أبي بكر بن عمر الضياء أبو عبد الله القزويني الأصل الحلبي
المولد الصوفي. ولد سنة اثنتين وسبعين وسمع من يحيى الثقفي. روى عنه الدمياطي
والقاضي عز الدين العديمي وأخوه عبد الله والكمال إسحق الأسدي وحفيده عبد الله بن
إبراهيم بن محمد الصوفي نزيل القاهرة وغيرهم وتاج الدين صالح الجعبري ، وحدث بدمشق
وحلب. توفي بحلب في أوائل ربيع الآخر بعد رحيل التتار خذلهم الله ا ه (ذهبي من
وفيات سنة ثمان وخمسين وستماية).
٢٤٠ ـ محمد بن يحيى بن العديم المتوفى سنة ٦٥٨
محمد بن يحيى
بن محمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير
ابن هرون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة عامر أبو
المفاخر بن أبي الفتح بن أبي غانم بن أبي الفضل بن أبي الحسن العقيلي الحلبي
الفقيه. قتل شهيدا في وقعة التتار بحلب في صفر سنة ثمان وخمسين وستماية. وكان
مولده بها سنة تسع أو عشر وستمائة ا ه (ط ح للقرشي).
٢٤١ ـ تورانشاه ابن السلطان صلاح الدين المتوفى سنة ٦٥٨
تورانشاه الملك
المعظم أبو المفاخر ابن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ، آخر من
بقي من أخوته. ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة ، وسمع بدمشق من يحيى الثقفي وابن صدقة
الحراني ، وأجاز له عبد الله بن بري النحوي وغيره ، وانتقى له الدمياطي جزءا ،
وحدث بحلب ودمشق ، وروى عنه الدمياطي وسنقر القضائي وغيرهما ، وفي قيد الحياة من
الرواة عنه أحمد وعبد الرحيم ابنا محمد بن عبد الرحمن بن العجمي والتاج محمد بن
أحمد بن محمد بن النصيبي والقاضي أحمد بن عبد الله القرشي وغيرهم. وكان كبير البيت
الأيوبي. وكان السلطان الملك الناصر وهو ابن ابن أخيه يحترمه ويجله ويثق به ويتأدب
معه ، فكان يتصرف في الخزائن والأموال والغلمان ، وقد حضر غير مصاف. وكان ذا شجاعة
وعقل وغور. وكان مقدم الجيش الحلبي من زمان طويل ، وهو كان المقدم لما التقوا هم
والخوارزمية سنة ثمان وثلاثين بقرب الفرات ، فأسر يومئذ وهو مثخن بالجراح وانهزم
عساكره هزيمة قبيحة وقتل منهم خلق ، وقتل في هذه الكائنة الصالح ولد الملك الأفضل
علي بن يوسف ، وأغارت الخوارزمية على بلاد حلب وفعلوا كل قبيح فلا حول ولا قوة إلا
بالله.
ولما استولى
التتار خذلهم الله على حلب وبذلوا فيها السيف اعتصم بقلعتها وحماها ، ثم سلمها
بالأمان ، وأدركه الأجل على أثر ذلك. ولم يكن عدلا وربما تعاطى المحرم ، فإن الدمياطي
يقول : أخبرنا في حال الاستقامة. توفي سامحه الله في السابع والعشرين من ربيع
الأول بحلب ودفن بدهليز داره وله ثمانون سنة ا ه (ذهبي من وفيات سنة ثمان وخمسين
وستمائة).
وترجمه في
المنهل الصافي بنحو ما قدمناه قال : ومما كتب إليه أسامة بن مرشد بن علي ابن مقلد
بن نصر بن منقذ الكناني في ضرس قلعة ملغزا :
وصاحب لا
أملّ الدهر صحبته
|
|
يشقى لنفعي
ويسعى سعي مجتهد
|
لم ألقه مذ
تصاحبنا فمذ وقعت
|
|
عيني عليه
افترقنا فرقة الأبد
|
٢٤٢ ـ عبد اللطيف السعدي الأنصاري
المتوفى سنة ٦٥٨
عبد اللطيف بن
أبي الفتح أحمد بن يوسف بن عبد الواحد الأنصاري السعدي الحلبي الإمام نجم الدين.
قتل في وقعة حلب في العشر الأوسط من صفر سنة ثمان وخمسين وستمائة ، وقتل معه في
الوقعة أخوه شيخ الإسلام فخر الدين يوسف أبو الفضل ، ويأتي إن شاء الله تعالى ا ه (ط
ح للقرشي).
٢٤٣ ـ عمر بن عبد المنعم المتوفى سنة ٦٥٨
عمر بن عبد
المنعم بن أمين الدولة الحلبي. تفقه وسمع من أبي هاشم عبد المطلب الهاشمي وحدث ،
وكان إماما فقيها. مات بحلب في العشر الأوسط من صفر سنة ثمان وخمسين في الوقعة ،
وهو ابن عم إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم المذكور فيما تقدم ا ه. (ط ح للقرشي).
٢٤٤ ـ عبد الواحد بن العديم المتوفى سنة ٦٥٨
عبد الواحد بن
عبد الله بن عبد الصمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير
بن هرون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن عامر بن أبي جرادة أبو محمد الفقيه
الشاعر. مولده بحلب سنة اثنتين وعشرين وستمائة ، وقتل بها في وقعة التتار في صفر
سنة ثمان وخمسين وستمائة ا ه. (ط ح للقرشي).
٢٤٥ ـ شيخ الإسلام علي بن خشنام المتوفى سنة ٦٥٨
علي بن إبراهيم
بن خشنام بن أحمد الحلبي شيخ الإسلام. قتل في وقعة حلب سنة ثمان وخمسين وستماية.
سمع من داود بن الحافظ معمر بن عبد الواحد بن الفاخر أربعين
الجوزقي بسماعه من أم البها فاطمة بنت محمد بن أبي سعد البغدادي. أنبأ أبو
عثمان سعيد ابن أبي سعيد أحمد بن محمد العيار ، أنبأ أبو بكر محمد بن زكريا
الجوزقي ، قلت : أنبأني الحافظ الدمياطي عن علي بن خشنام وحدث
بها عنه بحلب ، سمع من جمال الدين الظاهري. روى عنه الدمياطي في معجم شيوخه ا ه. (ط
ح ق).
وترجمه صاحب
المنهل فقال : علي بن إبراهيم بن خشنام شيخ الإسلام جمال الدين أبو الحسن الحميدي
الكردي الحنفي. كان إماما بارعا مفتيا ، أفتى ودرس واشتغل عدة سنين وتفقه به جماعة
من الأعيان والطلبة ، وكان ممن اجتمع فيه العلم والعمل ، وانتهت إليه رئاسة السادة
الحنفية في زمانه. روى عنه الدمياطي والبدر محمد بن التوزي وغيرهما ا ه.
٢٤٦ ـ أحمد بن الخضر المتوفى سنة ٦٥٨
أحمد بن محمد
بن يوسف بن الخضر بن عبد الله بن عبد الرحيم أبو الطيب الحلبي الفقيه. مولده بحلب
سنة ثمان وخمسين وخمسماية. كتب عنه الدمياطي ويأتي أبوه محمد ابن يوسف وأخوه عبد
الله بن محمد بن يوسف وجدهما يوسف بن الخضر. ودرس مدة بحلب ، وسمع من أبي حفص عمر
بن طبرزد وحدث ، ومات سنة ثمان وخمسين وستماية بحلب ا ه (ط ح للقرشي).
٢٤٧ ـ الحسن بن أمين الدولة المتوفى سنة ٦٥٨
الحسن بن أحمد
بن هبة الله بن أبي القاسم الوزير هبة الله بن محمد بن عبد الباقي كنيته أبو محمد
الملقب مجد الدين ، عرف بابن أمين الدولة ، وهبة الله الملقب أمين الدولة تقدم في
الهمزة إبراهيم بن أمين الدولة. فقيه فرضي محدث ، شرح مقدمة الإمام سراج الدين
شرحا حسنا ، وحدث بحلب ، سمع منه الشيخ جمال الدين الظاهري. وقتل في وقعة حلب في
العشر الأوسط من صفر سنة ثمان وخمسين وستماية.
__________________
أنبأني الحافظ عبد المؤمن الدمياطي أنشده الحسن بن أحمد لنفسه :
كأن البدر
حين يلوح طورا
|
|
وطورا يختفي
تحت السحاب
|
فتاة كلما
سفرت بوجه
|
|
توارت خوف
واش بالحجاب
|
وله رحمة الله
تعالى :
عليك بصحبة
الأخيار والزم
|
|
طريقهم وكن
فطنا نبيها
|
وأهل الشر لا
تقرب إليهم
|
|
فهم كالنار
تحرق ما لديها
|
ا ه (ط ح
للقرشي).
٢٤٨ ـ يوسف بن أحمد الأنصاري المتوفى سنة ٦٥٨
يوسف بن أحمد
بن يوسف بن عبد الواحد أبو الفضل الأنصاري الحلبي الحنفي الفقيه. كان إماما فاضلا
متميزا من المشهورين بحلب. سمع من ابن اللتي والقاضي بهاء الدين يوسف ابن رافع بن
شداد وجماعة ، وببغداد من ابن بهروز وأبي طالب ابن القبيطي ، وبدمشق من مكرم
وجماعة وحدث ، وراح في الوقعة ا ه ذهبي (من وفيات سنة ثمان وخمسين وستماية).
وفي المنهل
الصافي : هو أحد فقهاء الحنفية في زمانه ، وهو من بيت علم وفضل ، سمع ببغداد من
أبي المنجا عبد الله بن أحمد ابن اللتي وغيره ، وسمع بحلب ودمشق ورحل وكتب وحصل
ودأب ودرس وتصدى للإشغال سنين وانتفع به عامة الطلبة ، وكان إمام وقته وشيخ
الحنفية في زمانه ا ه.
٢٤٩ ـ الأمير الكبير أبو علي حسام الدين الغرياني المتوفى سنة ٦٥٨
أبو علي بن
محمد الأمير أبي علي بن باساك الأمير الكبير حسام الدين الغرياني المعروف بابن أبي
علي. كان رئيسا مدبرا خبيرا قوي النفس. قال قطب الدين : طلبه الملك الناصر يوما
فقال : وددت الموت الساعة ، فإن ناصر الدين القيمري عن يساره وابن يغمور عن يمينه
والموت أهون من القعود تحت أحدهما. وأما ناصر الدين القيمري فإنه سمح له بالقعود
فوقه وفهم ذلك قبل وصوله فتهلل وجهه ودخل فأكرموه كرامة عظيمة وجلس إلى
جانب السلطان ، وكان له اختصاص بالملك الصالح نجم الدين الأيوبي ، فلما تملك
الصالح إسماعيل حبسه وضيّق عليه ، ثم أفرج عنه وتوجه إلى مصر ، وقد ناب في السلطنة
بدمشق لنجم الدين أيوب عقيب الخوارزمية وجاء فحاصر بعلبك سنة أربع وأربعين وبها
أولاد الصالح إسماعيل فسلموها بالأمان. ثم ناب في السلطنة بمصر ، وتوفي أبوه عنده
فبنى على قبره قبة ، وكان على نيابة السلطنة عند موته للصالح نجم الدين ، فجهز
القصاد إلى حصن كيفا إلى الملك المعظم ليسرع. ثم حج الأمير حسام الدين سنة تسع
وأربعين وأصابه في أواخر عمره صرع وتزايد به وكثر ، فكان سبب موته. وكان مولده
بحلب سنة اثنتين وتسعين وخمسماية ، وأصله من إربل : وله شعر جيد وأدب ا ه (ذهبي من
وفيات سنة ثمان وخمسين وستماية).
٢٥٠ ـ عبد الرحمن بن عبد الرحيم العجمي باني الشرفية المتوفى سنة ٦٥٨
عبد الرحمن بن
عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن بن عبد الرحمن بن طاهر بن محمد بن الحسين بن
علي أبو طالب شرف الدين بن العجمي الحلبي الشافعي من بيت العلم والرياسة بحلب. درس
بالظاهرية ووقف مدرسة بحلب ودفن بها ، وكانت وفاته حين دخلت التتار حلب في صفر سنة
ثمان وخمسين وستماية ، فعذبوه بأن صبوا عليه ماء باردا في الشتاء فتشنج حتى مات رحمهالله تعالى ا ه. (من البداية والنهاية لابن كثير).
وقال اليونيني
في الذيل : سمع من ابن طبرزد وغيره ، وكان من الرؤساء المشهورين ، معروف بجلالة
القدر ومكارم الأخلاق ، وله بر ومعروف (لعله لذلك عرف بقاضي الحاجات واشتهر به إلى
زماننا هذا). وكانت وفاته في الرابع والعشرين من صفر بعد وقعة التتر. ولما هجم
التتر حلب عذبوه في الشتاء بأن صبوا عليه الماء البارد ليدفع لهم المال ، فتشنج
وأقام أياما ثم مات. وكان يدرس بالمدرسة الظاهرية خارج حلب. ومولده في سنة تسع
وستين وخمسمائة بحلب وبيته مشهور بالتقدم والجلالة والسنة والعلم والحديث رحمهالله تعالى ا ه.
آثاره بحلب
المدرسة الشرفية الشافعية :
قال أبو ذر في
كنوز الذهب : أنشأها الشيخ الإمام شرف الدين أبو طالب عبد الرحمن ابن العجمي وصرف
على عمارتها ما ينيف على أربعمائة ألف كذا. قال ابن شداد : وهذه المدرسة حسنة
مليحة وهي غاية الارتفاع وحسن البناء والصنعة ، فالبوابة (أي الباب) لم ينسج على
منوالها ، وإيوانها فرد في بابه ، ومحرابها غاية في الجودة ، ورخام أرضها محكم ،
وبركتها من أعاجيب الدنيا لا يهتدي لتركيبها إلا الحذاق ، وعمقها الآن قامة وبسطة
، وقيل كانت أعمق من ذلك ، وكان يأتي الماء إليها من دولاب تجاه باب المدرسة
الكبير ، وصنع لها واقفها سربا لأجل خلائها من المدرسة إلى خارج البلد لم يشارك
أحدا فيه بل مختص بهذه المدرسة ، وقد خسفت تنورتها التي خارج المدرسة شماليها
وأسقفت ، وبهذه التنورة جباب لأجل القاذورات إذا امتلأت سرحت في السراب.
وهذه المدرسة
مبنية بالحجر الهرقلي وعليها نورانية ظاهرة ، ورؤيتها تورث فرحا وانشراح صدر ،
وكيف لا ومعلم بنائها هو العبد الصالح شيخ الطريقة أبو بكر النصبة المدفون بمقام
الشيخ فارس في جبل بابلّي واسمه مكتوب على محرابها ، واسم النحات
__________________
مكتوب على بابها واسمه أبو الثنا بن ياقوت. وصنع لها طرازا على حائطها
الأعظم ليكتب عليه ما أراد ، وكذلك على إيوانها فلم يتفق ذلك لأن واقفها اخترمته
المنية ولم يكملها ، ومدة عمارتها أربعون سنة. وكان رحمهالله لا يجلس على دككها التي خارج بابها لئلا تنسب إليه إنما
كان يجلس على دككها داخل الباب وفي إيوانها.
وهذه المدرسة
بها ثلاثة أدوار من الخلاوي المحكمة البناء والأبواب والخزائن. وبها بأعلى الإيوان
مع أعلى حاصلها المعروف الآن بالمغارة قاعة مليحة للمدرس ، ولهذه القاعة باب من
الإيوان وباب من أرض المدرسة ، وبصدر هذا الإيوان بادهنج له ثلاثة أبواب ، ثم سد
بابان منهم لأجل الزلزلة خوفا على الإيوان. وفي هذه المدرسة بئران وصهريجان على
بئر منهم قنطرة من الحديد مكتوب عليها : (وقف هذه القنطرة واقف هذه المدرسة عبد
الرحمن بن عبد الرحيم بن العجمي على مصالح الجب في شهر ربيع الأول سنة أربعين
وستماية) واسم صانعها علي بن أبي بكر بن مسلم. وعليها خط بالكوفي لا أدري ما هو. وهذه
الكتابة ليست حفرا إنما هي بالقلم المجوز وعليها صنعة حفر من بدائع الرسم ، وهذه
القنطرة الحديد من العجائب ومشاهدتها تورث الفكرة كيف صنعت .
وإلى جانب هذه
المدرسة تربة الواقف وهو مدفون بها بوصية منه. وعليها وقف وزاد وقفها بنت ابنة
عائشة.
وإلى جانب
قبليتها مسجد قديم لم يغيره الواقف بل عمر حائطه وأبقى باب المسجد في مكانه وفتح
له إلى قبلية المدرسة بابا آخر ، كذا قيل لي. ورأيت في كتاب وقفها أن الواقف هو
الذي بناه ووقفه مسجدا. وإلى جانب هذا المسجد بيت كان إصطبلا للعجول التي كانت
تجذب الأحجار لبناء المدرسة. وكان الواقف رحمهالله إذا عاقه في طريق العجول الذي تجذب الأحجار عائق من
بناء اشتراه من مالكه وهدمه حتى تمر العجول هناك. وكان
__________________
بهذه المدرسة من الأبواب المنجورة على الخلاوي من أحسن الصنايع المطعم والحفر
والخيط والمكوك وغير ذلك مما يفتخر به الصناع ، وقد ذهب غالبها من عدم التعهد.
وكان بالمغارة المذكورة في هذه المدرسة من الرخام الملون والفصوص الملونة ما لا
مزيد عليه ليرخم به الإيوان وحائطه والقبلية وحائطها ، فلما توفي واقفها رحمهالله تعالى أخذه أقاربه واقتسموه وجعلوه في بيوتهم. وقد وقف
الواقف رحمهالله تعالى على هذه المدرسة الكتب النفيسة من كل فن من حديث
وتفسير وفقه ونحو وغير ذلك ، فمن كتبها مسند الإمام الشافعي والأم وجميع كتب
الإمام الشافعي وكتب الأصحاب كتفسير الثعلبي وغيره من التفاسير ، وكالنهاية والحاوي
الكبير والإبانة والتتمة والذخائر والشامل ، ومن الحديث الكتب الستة. وكان بها
جميع كتب المذاهب ولم يفته شيء سوى كتب الرافعي والنووي لأنهما لم تصل كتبهما إذ
ذاك إلى حلب.
وكان بها
أربعون نسخة من التنبيه وجميع كتب الغزالي ، وكانت أسماء الكتب مثبتة عند أقاربه
في درج كبير فذهب في محنة تيمر.
وبلغني أنه شرط
واقفها أن يشتري لأبواب المدرسة الحصر من عبدان والبسط من أقصراي ، وأقاربه يقولون
إن من شرطه أن لا يتعرض على الناظر في أمر المدرسة وإن اعترض معترض يغلق بابها
ويعود وقفها وقفا على أهليه . وقد وقف لها الأوقاف الجليلة كالقرشية في طريق بالس
وغير ذلك ، ولها مؤذن يؤذن على بابها. ومن جملة الموقوف على المؤذنين حصة بقرية
حربيل. ووقف غير واقفها عليها وهو الطرسوسي حصة بقرية ديد حين آلت إليها. ولها باب
من جهة القبلة يفتح إلى بيوت الخطيب هاشم.
وقد درس فيها
ولده محيي الدين محمد واسمه مكتوب على الكتب الموقوفة عليها ، وأعاد له فيها عشرة
أنفس لم يكن في عصرهم في سائر البلاد مثلهم إلى أن قتل شهيدا بأيدي التتر بعد
استيلائهم على حلب. وأما الواقف فإنه توفي بعد استيلاء التتر على حلب في رابع عشري
صفر سنة ثمان وخمسين وستمائة. ثم قيض الله لهذه المدرسة من درس بها تبرعا قبل فتنة
تيمر وبعدها والدي الحافظ برهان الدين ، ورحل إليه الحفاظ من البلاد للأخذ
__________________
عنه بها كشيخ الإسلام ابن حجر والحافظ العلامة شمس الدين بن ناصر الدين.
وهذه المدرسة من شرط واقفها أن يقرأ بها البخاري وقرأه والدي بعد اللنك بها. وإذا
تذكرت ما كانت عليه هذه المدرسة من كثرة الفضلاء وتردادهم إليها للسماع عليهم
ولسماعهم وما هي عليه الآن تذكرت قول الشاعر :
هذي منازل
قوم قد عهدتهم
|
|
في رغد عيش
رغيد ما له خطر
|
صاحت بهم
نائبات الدهر فانقلبوا
|
|
إلى القبور
فلا عين ولا أثر
|
ا ه.
أقول : موقع
المدرسة المذكورة شرقي الجامع الكبير بدرب يعرف قديما بدرب الديلم.
قال أبو ذر :
درب الديلم هو الآخذ من باب الجامع (الشرقي) إلى عقبة الياسمين وبه المدرسة
الشرفية.
وهي مشهورة عند
الناس الآن بالأشرفية وهو غلط ، وبانيها رحمهالله مدفون في قبة داخل المدرسة من الجهة الشمالية ، ولها
شباكان على الجادة من جهتي الغرب والشمال وللناس فيه اعتقاد عظيم يقصدونه كثيرا
للزيارة خصوصا النساء ، وهو مشهور لديهم بقاضي الحاجات ، حتى إن هذا الإسم صار
علما على هذا المكان.
ولما عرضت
الجادة وذلك سنة ١٣٣٥ خربت هذه القبة القديمة وحول قبره من وسطها إلى طرفها من
الجهة القبلية ، ولما بنيت الحوانيت ثمة كما سيأتي اتخذ له حجرة صغيرة بين هذه
الحوانيت ولها شباكان كما تقدم.
وهذه المدرسة
كانت عامرة بالعلم والتدريس آهلة بالطلاب والعلماء ، وسيمر بك الكثير من مدرسيها ،
ونخص بالذكر منهم المحدث الكبير الشيخ إبراهيم بن محمد سبط بني العجمي المتوفى سنة
٨٤١ وستأتيك ترجمته الواسعة.
ثم أهمل أمر
التدريس فيها وانحطت عن شأنها وذلك من أكثر من مئتي سنة. وفي أواخر القرن الماضي
اتخذ قبليتها الشيخ محمد العريف الخطاط المشهور مكتبا يؤدب فيه الأطفال ويعلمهم
الخط ، واشتهر بشيخ الأشرفية وصار ذلك لقبا له.
وفي سنة ١٢٩٩
عمر متولي وقف أحمد مطاف باشا من الجهة الشرقية قبوا كبيرا وبيتا اتخذ مكتبا وذلك
بدلا عن مكتب كان شرقي مدفن أحمد مطاف باشا الكائن في محلة الجلّوم ، وعند ذلك
غادر الشيخ محمد الأشرفي هذا المكان إلى المسجد المعروف بالقرموطية في محلة
باحسيتا.
ولم يزل هذا
المكتب يؤدب فيه الأطفال ويدفع الراتب لمعلمه من واردات وقف أحمد مطاف باشا
المعروف الآن بوقف بني الغنام إلى سنة ١٣٤٢ ، ففي هذه السنة اهتم مدير الأوقاف
السيد يحيى الكيالي بأمر هذه المدرسة العظيمة فخرب حجرها الغربية التي عن يمين باب
المدرسة ويسارها وكان يسكنها بعض الفقراء الغرباء ، والرواق والمطهرة اللذين كانا
في الجهة الشمالية وكانت كلها مشرفة على الخراب ، وعمر مكانها عشرة حوانيت كبيرة ،
وعرضت الجادة من الجهة الغربية ذراعين ومن الجهة الشمالية ثلاثة أذرع ، فتحسن
المكان تحسنا عظيما وأوجرت هذه الحوانيت بنحو ثلاثمائة ليرة عثمانية ذهبا.
وفي سنة ١٣٤٣
وهي السنة الماضية شرع أيضا بعمارة قاعة كبيرة فوق ذلك القبو الكبير والبيت الذي
بجانبه ، وأخذ لهذه القاعة غرفة من الطابق العلوي من خان الصابون الذي ثلثاه ملك
لجون دويك من تجار اليهود وثلثه تابع لدائرة الأوقاف ، ودفع له قيمة حصته من هذه
الغرفة ، وذلك لتكون القاعة مربعة ، وبني في الجهة الشرقية بيت كبير له من جهته
القبلية أربعة عواميد ضخمة ، والقصد من ذلك أن تتخذ هذه القاعة لإلقاء المحاضرات
العلمية ، وذلك القبو الكبير والبيتان اللذان بجانبه لوضع خزائن الكتب والمطالعة.
ورمم القبلية
أيضا ودهنها بحيث عادت إليها بهجتها الأولى ، وقبتها تعد من الآثار العربية الهامة
لما فيها من بديع الصنعة وحسن الهندام. والمسجد الصغير الذي كان غربي هذه القبلية
الذي ذكره أبو ذر في كلامه المتقدم عليها دخل في عمارة الحوانيت المتقدمة.
وهذه الهمة
القعساء التي أبرزها مدير الأوقاف السيد يحيى الكيالي وصارت سببا لعمران هذه
المدرسة بعد أن كادت تدرس يستحق عليها مزيد الثناء والشكر وقد خلدت له ذكرى حسنة
على ممر الدهور والأحقاب.
وقد دخلت هذه
السنة وهي سنة ١٣٤٤ ونحن الآن في أوائل شهر ربيع الثاني منها
والعمل قائم في المدرسة ، غير أنه على إثر ترك السيد يحيى الكيالي لمديرية
دائرة الأوقاف وذلك منذ شهرين لأسباب يطول شرحها وليس هنا موضع بسطها عدلت دائرة
الأوقاف عن الغاية التي قدمناها ، وفي عزمها أن تقسم تلك القاعة إلى غرف وتتخذ هذه
المدرسة مركزا لدائرتها.
وعسى أن تهتم
الدائرة ببناء حجر للطلاب فوق تلك الحوانيت بدلا من الحجر التي كانت تحت ، ويعين
لهذه المدرسة المدرسون فيحيا هذا المكان بالعلم والدراسة كما حيي بالعمران ، ويكون
قد تحقق بذلك أيضا غرض الواقف ومقاصده.
(استدراك) :
شمالي هذه المدرسة الزقاق المعروف الآن بزقاق الزهراوي وكان يعرف قديما بدرب البازيار
، وقد تكلمنا على هذا الدرب في ترجمة البازيار في أوائل هذا الجزء وذكرنا ما كان
هناك من الآثار ، وفاتنا أن نذكر أن بهذا الدرب كان سكن سليمان بن عبد الملك وعمر
بن عبد العزيز ، وكان به أيضا مدرسة يقال لها المدرسة البدرية.
المدرسة البدرية :
قال أبو ذر : هذه
المدرسة في صدر درب البازيار وبابها باق وهي خراب ، وبها الآن بيت عمر في هذه
الأزمان ، أنشأها بدر الدين عتيق عماد الدين شادي بن الملك الناصر صلاح الدين بن
أيوب ولها وقف وصار وقفها ملكا. كذا قاله ابن شداد ا ه.
الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد بن العديم المتوفى
سنة ٦٦٠ وترجمة أسرته
عمر بن أحمد بن
أبي جرادة ، يعرف بابن العديم العقيلي ، يكنى أبا القاسم ويلقب كمال الدين ، من
أعيان أهل حلب وأفاضلهم ، وهو عمر بن أحمد بن هبة الله بن محمد ابن هبة الله بن
أحمد بن يحيى بن زهير بن هارون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد ابن أبي جرادة
صاحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.
واسم أبي جرادة
عامر بن ربيعة بن خويلد بن عوف بن عامر بن عقيل أبي القبيلة ابن كعب بن عامر بن
صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان بن منصور بن عكرمة بن
حفصة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وبيت أبي جرادة
بيت مشهور من أهل حلب ، أدباء شعراء فقهاء عباد زهاد قضاة يتوارثون الفضل كابرا من
كابر وتاليا من غابر. وأنا أذكر قبل شروعي في ذكره شيئا من مآثر هذا البيت وجماعة
من مشاهيرهم ، ثم أتبعه بذكره ناقلا ذلك كله من كتاب ألفه كمال الدين أطال الله
بقاءه وسماه «الأخبار المستفادة في ذكر بني أبي جرادة» وقرأته عليه فأقرّ به.
سألته أولا :
لم سميتم ببني العديم؟ فقال : سألت جماعة من أهلي عن ذلك فلم يعرفوه ، وقال : هو
اسم محدث لم يكن آبائي القدماء يعرفون بهذا ، ولا أحسب إلا أن جد جدي القاضي أبا
الفضل هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن أبي جرادة مع ثروة واسعة ونعمة شاملة
كان يكثر في شعره من ذكر العدم وشكوى الزمان فسمي بذلك ، فإن لم يكن هذا سببه فلا
أدري ما سببه.
حدثني كمال
الدين أبو القاسم قال : حدثني جمال الدين أبو غانم محمد بن هبة الله ابن محمد بن
أبي جرادة عمي قال : لما ختمت القرآن قبّل والدي رحمهالله بين عيني وبكى وقال : الحمد لله يا ولدي هذا الذي كنت
أرجوه فيك ، حدثني جدك عن أبيه عن سلفه أنه مامنا أحد إلى زمن النبي صلىاللهعليهوسلم إلا من ختم القرآن. قال المؤلف : وهذا منقبة جليلة لا
أعرف لأحد من خلق الله شرواها ، وسألت عنها قوما من أهل حلب فصدقوها. وقال لي زين
الدين محمد بن عبد القاهر النصيبي : دع الماضي واستدل بالحاضر فإنني أعد لك كل من
هو موجود في وقتنا هذا وهم خلق ليس فيهم أحد إلا وقد ختم القرآن وجعل يتذكرهم
واحدا واحدا فلم يخرم بواحد.
حدثني كمال
الدين أطال الله بقاءه قال : وكان عقب بني أبي جرادة من ساكني البصرة في محلة بني
عقيل بها ، فكان أول من انتقل منهم عنها موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عامر
بن أبي جرادة إلى حلب بعد المائتين للهجرة وكان وردها تاجرا.
وحدثني قال :
حدثني عمي أبو غانم محمد بن هبة الله بن محمد بن أبي جرادة قال : سمعت والدي يذكر
فيما تأثره عن سلفه أن جدنا قدم من البصرة في تجارة إلى الشام فاستوطن حلب. قال :
وسمعت والدي يذكر أنه بلغه أنه وقع طاعون بالبصرة فخرج منها جماعة
من بني عقيل وقدموا الشام فاستوطن جدنا حلب. قال : وكان لموسى من الولد
محمد وهارون وعبد الله ، فأما محمد فله ولد اسمه عبد الله ولا أدري أعقب أم لا ،
وأما العقب الموجود الآن فلهارون وهو جدنا ولعبد الله وهم أعمامنا.
فمن ولد عبد
الله القاضي أبو طاهر عبد القاهر بن علي بن عبد الباقي بن محمد بن عبد الله بن
موسى بن أبي جرادة وهو من سادات هذا البيت وأعيانهم ، ومات في جمادى الأولى من سنة
٤٦٣. فقال القاضي أبو الفضل هبة الله بن أحمد بن أبي جرادة يرثيه وكانت قد توفيت
قبل وفاة والده القاضي أبي الفضل أخته بأيام قلائل فتوجع للماضين :
صبرت لا عن
رضى مني وإيثار
|
|
وهل يرد
بكائي حتم أقدار
|
أروم كف
دموعي وهي في صبب
|
|
وأبتغي برد
قلبي وهو في نار
|
ما لليالي
تعرّي جانبي أبدا
|
|
من أسرتي
وأخلائي وأوزاري
|
تلذ طعم
مصيباتي فأحسبها
|
|
تظمى فيروي
صداها ماء أشفاري
|
محاسن جدّت
الأرض الفضاء بها
|
|
وطالما صنتها
عن لحظ أبصار
|
وواضح كسنا
الإصباح أنقله
|
|
من رأي عيني
إلى سري وإضماري
|
إن الردى
أقصدتني غير طائشة
|
|
سهامها في
فتى كالكوكب الواري
|
رمته صائبة
الأقدار عن كثب
|
|
وما رعت عظم أقدار وأخطار
|
وهي قصيدة غراء
طويلة.
ومنهم أبو
المجد عبد الله بن محمد بن عبد الباقي بن محمد ، شيخ فاضل أديب شاعر له معرفة
باللغة والعربية ، سمع بحلب أستاذه أبا عبد الله الحسين بن عبد الواحد بن محمد ابن
عبد القادر القنسريني المقرىء مؤلف كتاب «التهذيب في اختلاف القراء السبعة» وسمعه
ولده الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله ، وله أشعار حسان منها :
توسوس عن
عليّ الزمان
|
|
ففي كل يوم
له معضله
|
فلو جعلوا
أمره ليلة
|
|
إليّ لأصبح
في سلسله
|
ومات الشيخ أبو
المجد بحلب في حدود سنة ٤٨٠.
__________________
ومنهم ولده
الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة صدر زمانه وفرد أوانه ، ذو
فنون من العلوم ، وخطه مليح جدا على غاية من الرطوبة والحلاوة والصحة ، وله شعر
يكاد يختلط بالقلب ويسلب اللب لطافة ورقة ، تصدر بحلب لإفادة العلوم الدينية
والأدبية متفردا بذلك كله ، ورتب غريب الحديث لأبي عبيد على حروف المعجم رأيته
بخطه ، وشرع في شرح أبياته شروعا لم يقصر فيه ظفرت منه بكراريس من مسوداته لأنه لم
يتم. سمع بحلب والده أبا المجد وأبا الفتح عبد الله بن إسماعيل الحلّي وأبا
الفتيان محمد بن سلطان بن حيّوس الشاعر وغيرهم ، ورحل عن حلب قاصدا للحج في ثالث
شعبان سنة ٥١٦ ، ووصل إلى بغداد وسمع بها أبا محمد عبد الله بن علي المقرئ وغيره.
ولم يتيسر للناس في هذا العام حج فعاد من بغداد إلى حلب ، ثم سافر إلى الموصل بعد
ذلك في سنة ٣١ وسمع بها ، وأدركه تاج الإسلام أبو سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني
فسمع منه بحلب هو وجماعة وافرة. وذكره السمعاني في المذيل لتاريخ بغداد. قال
المؤلف : وقد ذكرته في هذا الكتاب في موضعه بما ذكره السمعاني به.
حدثني كمال
الدين قال : سمعت والدي رحمهالله يقول : كتب الشيخ أبو الحسن بن أبي جرادة بخطه ثلاث
خزائن من الكتب لنفسه وخزانة لابنه أبي البركات وخزانة لابنه أبي عبد الله. ومن
شعره (أنبأنا به تاج الدين زيد بن الحسن الكندي) من قصيدة يصف فيها طول الليل :
فؤاد بالأحبة
مستطار
|
|
وقلب لا يقرّ
له قرار
|
وما أنفك من
هجر وصدّ
|
|
وعتب لا يقوم
له اعتذار
|
وعيني دمعها
جم غزير
|
|
ولكن نومها
نزر غرار
|
كأن جفونها
عند التلاقي
|
|
تلاقيها
الأسنة والشفار
|
وهذا حالها
وهم حلول
|
|
فكيف بها إذا
خلت الديار
|
أبيت الليل
مرتفقا كئيبا
|
|
لهمّ في
الضلوع له أوار
|
كأن كواكب
الفلك اعتراها
|
|
فتور أو
تخوّنها المدار
|
منها :
فيا لك ليلة
طالت ودامت
|
|
فليس لصبحها
عنها انسفار
|
أسائلها
لابلغ منتهاها
|
|
لعل الهم
يذهبه النهار
|
ومات الشيخ أبو
الحسن في سنة ٥٤٨ عن ٨٨ سنة .
ومنهم ولده أبو
علي الحسن بن علي بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة ، وكان فاضلا كاتبا شاعرا
أديبا يكتب النسخ على طريقة أبي عبد الله بن مقلة والرقاع على طريقة علي ابن هلال
، وخطه حلو جيد جدا خال من التكلف والتعسف ، سمع أباه بحلب وكتب عنه السمعاني عند
قدومه حلب ، وسار في حياة أبيه إلى الديار المصرية واتصل بالعادل أمير الجيوش وزير
المصريين وأنس به ، ثم نفق بعده على الصالح بن رزيك وخدمه في ديوان الجيش ، ولم
يزل بمصر إلى أن مات في سنة ٥٥١ . ومن شعره في صدر كتاب كتبه إلى أخيه عبد القاهر في سنة
٥٤٦ :
سرى من أقاصي
الشام يسألني عني
|
|
خيال إذا ما
راد يسلبني مني
|
تركت له قلبي
وجسمي كليهما
|
|
ولم يرض إلا
أن يعرّس في جفني
|
وإني ليدنيني
اشتياقي إليكم
|
|
ووجدي بكم لو
أن وجد الفتي يدني
|
وأبعث آمالي
فترجع حسّرا
|
|
وقوفا على
ضنّ من الوصل أو ظنّ
|
فليت الصبا
تسري بمكنون سرنا
|
|
فتخبرني عنكم
وتخبركم عني
|
وليت الليالي
الخاليات عوائد
|
|
علينا فتعتاض
السرور من الحزن
|
ومن شعره :
ما ضرهم يوم
جدّ البين لو وقفوا
|
|
وزوّدوا كلفا
أودى به الكلف
|
تخلفوا عن
وداعي ثمت ارتحلوا
|
|
وأخلفوني
وعودا مالها خلف
|
وواصلوني
بهجر بعدما وصلوا
|
|
حبلي وما
أنصفوني لكن انتصفوا
|
فليتهم عدلوا
في الحكم إذا ملكوا
|
|
وليتهم أسعفوا
بالطيف من شغفوا
|
ما للمحب
وللعذّال ويحهم
|
|
خانوا وماتوا
ولما عنّفوا عنفوا
|
أستودع الله
أحبابا ألفتهم
|
|
لكن على تلفي
يوم النوى ائتلفوا
|
__________________
عمري لئن
نزحت بالبين دارهم
|
|
عني فما
نزحوا دمعي وما نزفوا
|
يا حبذا نظرة
منهم على عجل
|
|
تكاد تنكرني
طورا وتعترف
|
سقت عهودهم
غدّاء واكفة
|
|
تهمي ولو
أنها من أدمعي تكف
|
أحبابنا ذهلت
ألبابنا ومحا
|
|
عتابنا لكم
الإشفاق والأسف
|
بعدتم فكأن
الشمس واجبة
|
|
من بعدكم
وكأن البدر منخسف
|
يا ليت شعري
هل يحظى برؤيتكم
|
|
طرفي وهل
يجمعن ما بيننا طرف
|
ومضمر في
حشاه من محاسنكم
|
|
لفظا هو
الدرّ لا ما يضمر الصدف
|
كنا كغصنين
حال الدهر بينهما
|
|
أو لفظتين
لمعنى ليس يختلف
|
فأقصدتنا
صروف الدهر نابلة
|
|
حتى كأن
فؤادينا لها هدف
|
فهل تعود
ليالي الوصل ثانية
|
|
ويصبح الشمل
منا وهو مؤتلف
|
ونلتقي بعد
يأس من أحبتنا
|
|
كمثل ما
يتلاقى اللام والألف
|
وما كتبت على
مقدار ما ضمنت
|
|
مني الضلوع
ولا ما يقتضي اللهف
|
فإن أتيت
بمكنوني فمن عجب
|
|
وإن عجزت فإن
العذر منصرف
|
ومنهم أخوه أبو
البركات عبد القاهر بن علي بن عبد الله بن أبي جرادة ، كان ظريفا لطيفا أديبا
شاعرا كاتبا له الخط الرائق والشعر الفائق والتهذيب الذي تبحر في جودته ويلتحق
بالنسبة إلى ابن البواب ، والتأنق في الخط المحرر الذي يشهد بالتقدم في الفضل وإن
تأخر. سمع بحلب أباه أبا الحسن وغيره وكتب عنه جماعة من العلماء. وكان أمينا على
خزائن الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي وذا منزلة لطيفة منه ، ومن شعره (وكتبه
بليقة ذهب) :
ما اخترت إلا
أشرف الرتب
|
|
خطا أخلّد
منه في الكتب
|
والخط
كالمرآة ننظرها
|
|
فترى محاسن
صورة الأدب
|
هو وحده حسب
يطال به
|
|
إن لم يكن
إلاه من حسب
|
ما زلت أنفق
فيه من ذهب
|
|
حتى جرى
فكتبت بالذهب
|
وقال أيضا وهو
بدمشق في سنة ٥٤٩ :
أمتّ ببذلي
خالصا من مودتي
|
|
إلى من سواء
عنده المنع والبذل
|
وتحسب نفسي
والأمانيّ ضلّة
|
|
بأني من شغل
الذي هو لي شغل
|
ألا إن هذا
الحب داء موافق
|
|
وإن شفاء
الداء ممتنع سهل
|
عفا الله عمن
إن جنى فاحتملته
|
|
تجنّى فعاد
الذنب لي وله الفضل
|
ومن كلما
أجمعت عنه تسليا
|
|
تبينت أن
الرأي في غيره جهل
|
سأعرض إلا عن
هواه فإنه
|
|
جميل بمثلي
حبّ من ماله مثل
|
وألقى مقال
الناصحين بمسمع
|
|
ضربت عليه
بالغواية من قبل
|
فعندي وإن
أخفيت ذاك عن العدا
|
|
عزيمة هم لا
تكلّ ولا تألو
|
ولي في حواشي
كل عذل تلفّت
|
|
إلى حب من في
حبه قبح العذل
|
وإني لأدنى
ما أكون من الهوى
|
|
إذا أرجف
الواشون بي أنني أسلو
|
هذا لعمري
والله الغاية في الحسن والطلاوة والرونق والحلاوة.
وقال أيضا :
عاد قلبي إلى
الهوى من قريب
|
|
ما محبّ
بمنته عن حبيب
|
طال يا همتي
تماديك في الرش
|
|
د خذي من
غواية بنصيب
|
وإذا ما رأيت
حسنا غريبا
|
|
فاستعدي له
بوجد غريب
|
يا غزالا
مالت به نشوة العج
|
|
ب فهزّت
عطفيه هزّ القضيب
|
بين ألحاظك
المراض وبيني
|
|
نسب لو رعيت
حقّ النسيب
|
أنت أجريت
أعين الدمع من عي
|
|
ني وأوريت
زند قلبي الكئيب
|
لا تقل ليس
لي بذلك علم
|
|
فعلى مقلتيك
سيما مريب
|
ما تعدّيك في
الذي أنت فيه
|
|
إن حظي لديك
حظّ أديب
|
ومات في سنة
٥٥٢.
ومنهم ابن أخيه
أبو الفتح عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي جرادة ، وكان يجيد الكتابة ، وجمع
مجاميع حسنة ، وجمع شعر والده أبي عبد الله الحسن وشعر عمه أبي البركات عبد القاهر
، وله شعر لا بأس به ، منه :
من ذا مجيري
من يدي شادن
|
|
مهفهف القدّ
مليح العذار
|
قد كتب الشعر
على وجهه
|
|
أسطر مسك
طرسها جلّنار
|
فهؤلاء من بني
عبد الله بن موسى بن عيسى.
وأما أخوه
هارون بن موسى فهو أول من اشترى بحلب ملكا في قرية تعرف بأورم الكبرى. وكان له
ولدان زهير وأحمد والعقب لزهير ، وهو الذي اشترى أكثر أملاك بني جرادة مثل أورم
الكبرى ويحمول وأقذار ولؤلؤة والسين وهي قرى ، ووقف وقفا على شري فرس يجاهد به في
سبيل الله وتوفي في حدود سنة ٣٤٠.
فمن ولد زهير
أبو الفضل وهو أبو الفضل عبد الصمد بن زهير بن هارون بن موسى ، ولادته في حدود ال
٣٢٠. سمع بحلب أبا بكر محمد بن الحسين الشيعي وغيره ، وروى عنه ابن أخيه القاضي
أبو الحسن أحمد ومشرق العابد وجماعة. ولعله مات في حدود سنة ٣٩٠ وليس له عقب.
ومنهم أبو جعفر
يحيى بن زهير بن هارون بن موسى وهو العديم إليه ينسبون ، وقد ذكرنا أنهم لا يعرفون
لم سموا ذلك.
ومنهم ولده
القاضي أبو الحسين أحمد بن يحيى بن زهير ، وهو أول من ولي القضاء بمدينة حلب من
هذا البيت ، وقد سمع الحديث ورواه ، وقرأ الفقه على القاضي أبي جعفر محمد بن أحمد
السمعاني ، وكان السمعاني إذ ذاك قاضي حلب. أنشدني كمال الدين أبو القاسم عمر بن
أحمد بن جرادة ، أنشدني والدي لجد أبيه القاضي هبة الله أحمد بن يحيى يذكر أباه
ويفتخر به :
أنا ابن
مستنبط القضايا
|
|
وموضح
المشكلات حلّا
|
وابن
المحاريب لم تعطّل
|
|
من الكتاب
العزيز تتلى
|
وفارس المنبر
استكانت
|
|
عيدانه من
حجاه ثقلا
|
توفي بعد سنة
٤٢٩ (قدمنا ترجمته وقلنا إن وفاته في عقد الخمسين ظنا).
ومنهم ابنه
القاضي أبو الفضل هبة الله بن أحمد ، كان كبير القدر جميل الأمر مبجلا
__________________
عند آل مرداس ، له شعر جزل فصيح ذو معان دقاق يترفع قدره عنه ، وإنما يقول
ببلاغته وبراعته. سمع الحديث من أبيه ولعله لقي أبا العلاء المعري وقرأ عليه شيئا
، وولي القضاء بحلب وأعمالها في سنة ٤٧٣ وبقي على ذلك إلى أن مات ، وكانت ولايته
للقضاء في أوائل دولة شرف الدولة أبي المكارم مسلم بن قريش بعد وفاة حميه القاضي
كسرى بن عبد الكريم ابن كسرى ، وكتب تقليده من بغداد عن المقتدي بالله. ومن شعره :
لي بالغوير
لبانات ظفرت بها
|
|
قد سدّ من
دونها لي أوضح الطرق
|
وبالثنية بدر
لاح في غصن
|
|
أصمى فؤادي
لها سهم من الملق
|
سرّاقة لقلوب
الناظرين لها
|
|
وما يقام
عليها واجب السرق
|
لا يفلت
المرء من أشراك مقلتها
|
|
وإن تخلّص لم
يفلت من العقق
|
وأبرزت من
خلال السجف ذا شعل
|
|
لولا بقا
الليل قلنا غرة الفلق
|
ولائم ودموع
العين واكفة
|
|
لا يستبين
لها جفن من الفرق
|
تقول أفنيته
والشمل مجتمع
|
|
ولم تصنه
لتوديع ومفترق
|
وله :
ربع لهند
باللوى مصروم
|
|
أقوى فما آو
به منهوم
|
أخفاه إلحاح البلى
فظلت في
|
|
إنشاده لو لا
النسيم تهوم
|
تضياف طرفي
فيه دمع ساجم
|
|
وقرى فؤادي
في ذراه هموم
|
هل عاذر في
الربع رائي عيسهم
|
|
تحدى لها وخد
بهم ورسيم
|
وهوى تبعّده
الليالي والنوى
|
|
إن قربته
خواطر ورسوم
|
يا صاحبيّ
خذا المطايا وحدها
|
|
بدمي فما
اغتالته إلا الكوم
|
أمضين أحكام
الهوى وأعنّه
|
|
ومساعد المرء
الظلوم ظلوم
|
__________________
وله :
وما عسى يطلب
الرجال من رجل
|
|
كاس من الفضل
إن عرّي من المال
|
كالبارد
العذب يوم الورد من ظمأ
|
|
والصارم
العضب في روع وأوجال
|
همومه في
جسيمات الأمور فما
|
|
يلفى مصاحب
أطماح وآمال
|
ألذ من ثروة
تأتي بإذلال
|
|
عزّ القناعة
مع صون وإقلال
|
وما يضر امرأ
أثرت مناقبه
|
|
إن أكسبته
الليالي رقة الحال
|
وقال أيضا يمدح
أبا الفضائل سابق بن محمود بن نصر بن صالح بن مرداس صاحب حلب ويشكره إذ لم يسمع فيه
قول حساد وشوا به إليه :
خلّها إن
ظمئت تشكو الأواما
|
|
لا تقلها
الأين إن طال وداما
|
واجعل السرج
إذا ما سغبت
|
|
كلأ والمورد
العذب اللجاما
|
أو تراها
كالحنايا بالسرى
|
|
وبإسراع إلى
المرمى سهاما
|
قصرت ظهرا
ورسغا وعسيبا
|
|
مثل ما طالت
عنانا وحزاما
|
تنصب الأذنين
حتى خيلت
|
|
بهما تبصر ما
كان أماما
|
وإذا ما بارت
الريح اغتدت
|
|
خلفها
النكباء حسرى والنعامى
|
كم مقامي بين
أحكام العدى
|
|
أتبع القائد
لا أعصي الزماما
|
أكلة الطاعم
لا يرهب إثما
|
|
أو أسير
المنّ إن كفّ احتشاما
|
وإلى م الحظ
لا ينصفني
|
|
من زمان جار
في قصدي إلى ما
|
تعتلي أرؤسه
أذنابه
|
|
فترى الأرجل
تعلو فيه هاما
|
أتمنى راحة
تنقذني
|
|
منهم عزت ولو
كنت هماما
|
ومنها :
كم رموني
عامدا في هوة
|
|
نارها تعلو
اشتعالا واضطراما
|
قاصدي حتفي
فكانت بك لي
|
|
نار إبراهيم
بردا وسلاما
|
وله في المعنى
في قصيدة :
هنئت يا أرض
العواجم دولة
|
|
روّى ثراك
بها أشمّ أروع
|
قد عاد في
الأيام ماء شبابها
|
|
وتسالمت حرق
الأسى والأضلع
|
أشكو إليك
عصابة نبذوا الحيا
|
|
حسدا وشدوا
في أذاي وأوضعوا
|
راموا
ابتزازي مورثي عن أسرتي
|
|
وتأزروا في
قبضه وتجمعوا
|
يتطلبون لي
الذنوب كأنني
|
|
ممن عليه
بالسنان يقعقع
|
لم أخش قهرهم
ونصرك مصلت
|
|
دوني ولي من
حسن رأيك مرجع
|
وله :
وما الذل إلا
أن تبيت مؤملا
|
|
وقد سهرت
عيناك وسنان هاجعا
|
أأخشى امرأ
وأشتكي منه جفوة
|
|
إذا كنت
بالميسور في الدهر قانعا
|
إذا ما رآني
طالبا منه حاجة
|
|
ففي حرج إن
لم يكن لي مانعا
|
وكان المنجمون
قد حكموا له أن يموت في صدور الرجال ، فاتفق أنه اعتقل بالقلعة مدة لتهمة اتهم بها
بالممالاة لبعض الملوك ، ثم أطلق بعد مدة فنزل راكبا وأصحابه حوله ، فبينما هو
سائر إذ وجد ألما فقال لأصحابه : أمسكوني أمسكوني ، فأخذوه في صدورهم من على فرسه
، فلما وصل إلى منزله بقي على صدورهم إلى أن مات بحلب في سنة ٤٨٨.
ومنهم ولده
القاضي أبو غانم محمد ابن القاضي أبي الفضل هبة الله ابن القاضي أبي الحسن أحمد ،
وكان فقيها فاضلا زاهدا عفيفا ، سمع أباه وغيره ، وولي قضاء حلب وأعمالها وخطابتها
بعد موت أبيه في أيام تاج الدولة تتش في سنة ٤٨٨ ، ولم يزل قاضيا بها إلى أن عزله
رضوان لما خطب للمصريين وولي القضاء القاضي الزورني العجمي في شوال من سنة ٤٩٠ ،
ثم عاود الملك رضوان الخطبة لبني العباس ، فأعاد القاضي أبا غانم إلى ولايته وجاءه
التقليد من بغداد بالقضاء والحسبة عن القاضي علي بن الدامغاني بأمر المستظهر في
صفر سنة ٤٩٦ ، وكان مولد القاضي أبي غانم في رجب سنة ٤٤٦ ، وهو الذي شرع في عمارة
المسجد الذي بحلب يعرف ببني العديم ، وأتمه ابنه القاضي أبو الفضل هبة الله ، وكان
يتولى الخطابة في المسجد الجامع والإمامة بحلب ، وكان حنفي المذهب ، وكان يؤمّ
__________________
الناس ثلاثين سنة وهو متكتف تحت ثيابه ويسبل أكمامه فارغة خوفا من الولاة
في أيامه لأنهم كانوا إسماعيليين يرون رأي المصريين ، وكانوا يفطرون قبل العيد
بيوم ويجتمع أكابر حلب في يوم عيدهم يهنؤونهم ، فصعد القاضي أبو غانم للهناء في من
صعد وقدم للناس سكّرا ولوزا ، وأخذ القاضي أبو غانم لوزة ووضعها في فيه ، فقال له
صاحب حلب : أيها القاضي لم لا تأكل من السكر؟ فقال : لأنه يذوب ، وتبسم فضحك
الوالي وأعفاه من ذلك.
حدثني كمال
الدين قال : حدثني عمي حدثني أبي قال : نزل جدك القاضي أبو غانم في بعض الأيام
يصلي بالجامع وخلع نعليه قرب المنبر وكانا جديدين ، فلما قضى صلاته قام للبسهما
فوجد نعله العتيق مكانهما ، فقال لغلامه : ألم أنزل إلى الجامع بالمدارس الجديد ،
فأين هو؟ فقال الغلام : بلى ، ولكن جاءنا الساعة رجل وطرق الباب وقال : القاضي
يقول لكم أنفذوا إليه مداسه العتيق إلى الجامع فقد سرق مداسه الجديد ، فضحك وقال :
هذا والله لص شفيق جزاه الله خيرا وهو في حل منه.
والقاضي أبو
غانم هذا هو الذي نهض من حلب في سنة ٥١٨ وقد حصرها الفرنج ودبيس بعد قتل بلك على
منبج حتى أقدم البرسقي من الموصل فاستنقذها من الحصار ، وهربوا لما سمعوا بقدومه.
وكان أهل حلب لقوا شدة وأكلوا الميتة ولم يكن عندهم أمير وإنما تولوا حفظ البلد
بأنفسهم وأبلوا بلاء حسنا حسنت به العاقبة.
ومنهم أبنه
القاضي أبو الفضل هبة الله سمي باسم جده وكني بكنيته. وكان فقيها مرضيا ورعا زاهدا
، سمع الحديث ورواه ، وولي بحلب وأعمالها بعد موت أبيه القاضي أبي غانم وكتب له
عهده من أتابك زنكي بن آقسنقر في سنة ٥٣٤ ، ثم جاء له العهد من بغداد من قاضي
القضاة الزينبي وأمر المقتفي. وكان مولده في ذي القعدة سنة ٤٩٩ ، فلما قتل أتابك
زنكي وولي ابنه نور الدين وولي القضاء كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري قضاء
الشام ورزق البسطة والتحكم في الدولة وقاوم الوزراء بل الملوك التمس من القاضي أبي
الفضل هذا أن يكتب في كتب سجلاته ذكر النيابة عنه ، فامتنع القاضي أبو الفضل ولج
ابن الشهرزوري ، وساعده مجد الدين بن الداية وهو والي حلب لشيء كان في نفسه على
القاضي أبي الفضل لأمور كان يخالفه فيها في أقضية يوفر فيها جانب الحق على أغراضه.
وترددت المراسلات بين نور الدين وبينه في قبول النيابة وهو يأبى إلى أن قال ابن
الداية : هذا تحكم منه في الدولة وفيك إذ تأمر بشيء ولا يمتثله فاعزله وولّ محيي
الدين ابن كمال
الدين. فقال نور الدين : (بياض في الأصل) يستناب له قاض حنفي ، فعزل القاضي
أبو الفضل وولي محيي الدين قضاء حلب واستنيب له الكودري وذلك في سنة ٥٥٧ ، وحج في
تلك السنة.
وكتب أبو
الحسين أحمد بن منير الطرابلسي للقاضي أبي الفضل هبة الله يلتمس منه كتاب الوساطة
بين المتنبىء وخصومه للقاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني ، وكان قد وعده بها ودافعه
:
يا حائزا غاي
كل فضل
|
|
تضل في كنهه
الإحاطه
|
ومن ترقّى
إلى محلّ
|
|
أحكم فوق
السها مناطه
|
إلى متى أسعط
التمني
|
|
ولا ترى
المنّ بالوساطه
|
ومات القاضي
أبو الفضل لعشر بقين من ذي الحجة سنة ٥٦٢.
ومنهم ابن أخته
أبو المكارم محمد بن عبد الملك بن أحمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى ابن زهير بن
أبي جرادة. سمع بحلب ورحل إلى بغداد وسمع بها محمد بن ناصر السلامي وغيره. وحدثني
كمال الدين أيده الله قال : قال لي شيخنا أبو اليمن زيد الكندي : كان أبو المكارم
محمد بن عبد الملك بن أبي جرادة ، سمع ببغداد الحديث معنا على مشايخنا فسمعت
بقراءته ، وورد إلينا إلى دمشق بعد ذلك وكنا نلقبه (القاضي بسعادتك) وذلك أن
القلانسي دعاه في وليمة وكنت حاضرها فجعل لا يسأله عن شيء فيخبر عنه بما سر أو ساء
إلا وقال في عقبه : بسعادتك ، فإن قال له : ما فعل فلان؟ قال : مات بسعادتك ، وإن
قال له : ما خبر الدار الفلانية؟ يقول : خربت بسعادتك ، فسميناه القاضي بسعادتك ،
وكان يقولها لاعتياده إياها لا لجهل كان فيه. وكان له أدب وفضل وفقه وشعر جيد. وقد
روى الحديث. ولأبي المكارم شعر منه :
لئن تنائيتم
عني ولم تركم
|
|
عيني فأنتم
بقلبي بعد سكان
|
لم أخل منكم
ولم أسعد بقربكم
|
|
فهل سمعتم
بوصل فيه هجران
|
وله أشعار
كثيرة. ومات بحلب في سنة ٥٦٥ أو سنة ٦٦ .
__________________
ومنهم جمال
الدين أبو غانم محمد ابن القاضي أبي الفضل هبة الله ابن القاضي أبي غانم محمد ابن
القاضي أبي الفضل ابن القاضي أبي الحسين يحيى ، وهو عم جمال الدين أحد الأولياء
العبّاد وأرباب الرياضة والاجتهاد ، عامل كثير الصوم والصلاة ، وهو حي يرزق إلى
وقتنا هذا. وكان قد تولى الخطابة بجامع حلب ، وعرض عليه القضاء في أيام الملك
الصالح إسماعيل بن محمود بن زنكي بعد القاضي ابن الشهرزوري ، فامتنع منه ، فقلد
القضاء أخوه القاضي أبو الحسن والد كمال الدين أيده الله. وكتب جمال الدين هذا
بخطه الكثير ، وشغف بتصانيف أبي عبد الله محمد بن علي بن الحكيم الترمذي فجمع معظم
تصانيفه عنده وكتب بعضها بخطه ، وكتب من كتب الزهد والرقائق والمصاحف كثيرا ، وكان
خطه في صباه على طريقة ابن البواب القديمة ، ووهب لأهله مصاحف كثيرة بخطه ، وكان
إذا اعتكف في شهر رمضان كتب مصحفا أو مصحفين وجمع براوات الأقلام فيكتب بها تعاويذ
للحمى وعسر الولادة فتعرف بركتها. قال : وسألت عمي عن مولده فقال : في سنة ٥٤٠.
وقد سمع أباه وعمه أبا المجد عبد الله وغيرهما ، وروى الحديث وتفقه على العلاء
الغزنوي ، واجتمع بجماعة من الأولياء وكوشف بأشياء مشهورة ، وهو الآن يحيا في محرم
سنة ٦٢٠ .
ومنهم القاضي
أبو الحسن أحمد ابن القاضي أبي الفضل هبة الله ابن القاضي أبي غانم محمد بن أبي
الفضل هبة الله ابن القاضي أبي الحسن أحمد بن أبي جرادة. كل هؤلاء ولوا قضاء حلب ،
وهذا هو والد كمال الدين صاحب أصل هذه الترجمة ، كان يخطب بالقلعة بحلب على أيام
نور الدين محمود بن زنكي ، ثم ولي الخزانة في أيام ولده الملك الصالح إسماعيل إلى
أن عرض القضاء على أخيه كما ذكرنا فامتنع منه ، فقلده القاضي هذا بحلب وأعمالها في
سنة ٥٧٥ ، ولم يزل واليا للقضاء في أيام الملك الصالح ومن بعده في دولة عز الدين
ثم عماد الدين بن قطب الدين مودود بن زنكي وصدرا من دولة الملك الناصر صلاح الدين
يوسف بن أيوب إلى أن عزل عن منزلي الخطابة والقضاء ونقل إلى مذهب الشافعي ، وكان
عزله عن القضاء في سنة ٥٧٨ ، ووليه القاضي محيي الدين محمد بن علي بن الزكي قاضي
دمشق الشافعي ، وكان صرف أخوه الأصغر أبو المعالي عبد الصمد عن الخطابة
__________________
قبله ، فعلم أن الأمر يؤول إلى عزله عن القضاء ، لأن الدولة شافعية فاستأذن
في الحج والإعفاء عن القضاء ، فصرف عن ذلك بعد مراجعات. وسمع الحديث من أبيه وأبي
المظفر سعيد بن سهل الفلكي وغيرهما. ومولده سنة ٥٤٢ ، ومات رحمهالله ليلة الجمعة ال ٢٧ من شعبان سنة ٦١٣.
هذا ما كتبته
من الكتاب الذي ذكرته آنفا على سبيل الاختصار والإيجاز ، وهو قليل من كثير من
فضائلهم. وأنا الآن أذكر من أنا بصدده.
٢٥١ ـ ترجمة الصاحب كمال الدين عمر بن العديم
هو كمال الدين
أبو القاسم عمر ابن القاضي أبي الحسن أحمد ابن القاضي أبي الفضل هبة الله ابن
القاضي أبي غانم محمد ابن القاضي أبي سعيد هبة الله ابن القاضي أبي الحسن أحمد بن
أبي جرادة ، كل هؤلاء من آبائه. ولي قضاء حلب وأعمالها ، وهم حنفيون ، وهو الذي
نحن بصدده. وإلى معرفة حاله ركبنا سنن المقال وجدده. فإنه من شروط هذا الكتاب
لكتابته التي فاقت ابن هلال وبلغت الغاية في الجودة والإتقان ، ولتصانيفه في الأدب
التي تذكر آنفا إن شاء الله تعالى. فأما أوصافه بالفضل فكثيرة ، وسماته بحسن الأثر
أثيرة. وإذا كان هذا الكتاب لا يتسع لأوصافه جميعا ، وكان الوقت يذهب بحلاوة ذكر
محاسنه سريعا ، ورأيت من المشقة والإتعاب ، التصدي لجميع فضائله والاستيعاب ،
فاعتمدت على القول مجملا لا مفصلا (وضربة) لا مبوبا ، فأقول :
إن الله عزوجل عني بخلقته فأحسن خلقه وخلقه وعقله وذهنه وذكاءه ، وجعل
همته في العلوم ومعالي الأمور ، فقرأ الأدب وأتقنه ، ثم درس الفقه فأحسنه ، ونظم
القريض فجوده ، وأنشأ النثر فزينه ، وقرأ حديث الرسول وعرف علله ورجاله ، وتأويله
وفروعه وأصوله ، وهو مع ذلك قلق البنان ، جواد بما تحوي اليدان ، وهو كاسمه كمال في
كل فضيلة لم يعتن بشيء إلا وكان فيه بارزا ، ولا تعاطى أمرا إلا وجاء فيه مبّرزا ،
مشهور ذلك عنه لا يخالف فيه صديق ولا يستطيع دفاعه عدو. وأما قراءته للحديث في
سرعته وصحة إيراده وطيب صوته وفصاحته ، فهو الغاية التي أقر له بها كل من سمعها ،
فإنه يقرأ الخط
__________________
العقد كأنه يقرأ من حفظه. وأما خطه في التجويد والتحرير والضبط والتقييد
فسواد مقلة لأبي عبد الله بن مقلة ، وبدر ذو كمال عند علي بن هلال.
خلال الفضل
في الأمجاد فوضى
|
|
ولكن الكمال
لها كمال
|
وإذا كان
التمام من خصائص عالم الغيب ، وكان الإنسان لابد له من عيب ، فعيبه لطالب العنت
والشين ، أنه يخاف عليه من إصابته العين ، هذا مع العفاف والزمت ، والوقار وحسن
السمت ، والجلال المشهور ، عند الخاص والجمهور.
قاد الجيوش
لسبع عشرة حجة
|
|
ولداته عن
ذاك في أشغال
|
سألته أدام
الله علوه عن مولده فقال لي : ولدت في ذي الحجة سنة ٥٨٨. قال : فلما بلغت سبعة
أعوام حصلت إلى المكتب فأقعدت بين يدي المعلم ، فأخذ يمثل لي كما يمثل للأطفال ،
ويمد خطا ويرتب عليه ثلاث سينات ، فأخذت القلم وكنت قد رأيته وقد كتب «بسم» ومد
مدته ، ففعلت كما فعل ، وجاء ما كتبته قريبا من خطه ، فتعجب المعلم فقال لمن حوله
: لئن عاش هذا الطفل لا يكون في العالم أكتب منه. وصحت لعمري فراسة المعلم فيه فهو
أكتب من كل من تقدمه بعد ابن البواب بلاشك.
وقال : وختمت
القرآن ولي تسع سنين ، وقرأت بالعشر ولي عشر سنين ، وحبب إليّ الخط وجعل والدي
يحضني عليه. فحدثني الشيخ يوسف بن علي بن زيد الزهري المغربي الأديب معلم ولده
بحضرة كمال الدين قال : حدثني والدي هذا (وأشار إليه) قال : ولد لي عدة بنات وكبرن
ولم يولد لي غير ولد واحد ذكر ، وكان غاية في الحسن والجمال والفطنة والذكاء ،
وحفظ من القرآن قدرا صالحا وعمره خمس سنين ، واتفق أن كنت يوما جالسا في غرفة لنا
مشرفة على الطريق ، فمرت بنا جنازة فاطلع ذلك الطفل ببصره نحوها ثم رفع رأسه إليّ
وقال : يا أبت ، إذا أنا مت بم تغشي تابوتي؟ فزجرته وأدركني في الوقت استشعار شديد
عليه ، فلم يمض إلا أيام حتى مرض ودرج إلى رحمة الله ولحق بربه ، فأصابني عليه ما
لم يصب والدا على ولده ، وامتنعت عن الطعام والشراب وجلست في بيت مظلم وتصبرت فلم
أعط عليه صبرا ، فحملني شدة الوله على قصد قبره وتوليت حفره بنفسي وأردت استخراجه
والتشفي برؤيته ، فلمشيئة الله ولطفه بالطفل أوبي لئلا أرى به ما أكره صادفت حجرا
ضخما وعالجته فامتنع عليّ قلعه ، مع قوة وأيد كنت
معروفا بهما ، فلما رأيت امتناع الحجر عليّ علمت أنه شفقة من الله على
الطفل أو عليّ ، فزجرت نفسي ورجعت ولهان بعد أن أعدت قبره إلى حاله التي كان عليها
، فرأيت بعد ذلك في النوم ذلك الطفل وهو يقول : يا أبتاه عرّف والدتي أني أريد
أجيء إليكم ، فانتبهت مرعوبا وعرفت والدته ذلك ، فبكينا وترحمنا واسترجعنا. ثم إني
رأيت في النوم كأن نورا خرج من ذكري حتى أشرف على جميع دورنا ومحلتنا وعلا علوا
كبيرا ، فانتبهت وأوّلت ذلك فقيل لي : أبشر بمولود يعلو قدره ويعظم أمره ويشيع بين
الأنام ذكره بمقدار ما رأيت من النور ، فابتهلت إلى الله عزوجل ودعوته وشكرته وقويت نفسي بعد الإياس لأني كنت قد جاوزت
الأربعين ، فلم تمض إلا هنيهة حتى اشتملت والدة ولدي هذا (وأشار إلى كمال الدين
أيده الله) على حمل وجاءت به في التاريخ المقدم ذكره ، فلم يكن بقلبي بحلاوة ذلك
الأول لأنه كان نحيفا جدا ، فجعل كلما كبر نبل جسما وقدرا ، ودعوت له عدة دعوات
وسألت الله له عدة سؤالات ، ورأيت فيه والحمد لله أكثرها. ولقد قال له رجل يوما
بحضرتي كما يقول الناس : أراكه الله قاضيا كما كان آباؤه ، فقال : ما أريد له ذلك
، ولكني أشتهيه أن يكون مدرسا ، فبلغه الله ذلك بعد موته ، وسمع الحديث على جماعة
من أهل حلب والواردين إليها ، وأكثر السماع على الشيخ الشريف افتخار الدين عبد
المطلب الهاشمي.
ورحل به أبوه
إلى البيت المقدس مرتين في سنة ٦٠٣ وفي سنة ٦٠٨ ولقي بها مشايخ وبدمشق أيضا ، وقرأ
على تاج الدين أبي اليمن في النوبتين كثيرا من مسموعاته.
حدثني كمال
الدين أدام الله معاليه قال : قال لي والدي : احفظ اللمع حتى أعطيك كذا وكذا ،
فحفظته وقرأته على شيخ حلب يومئذ وهو الضياء بن دهن الحصا. ثم قال لي : احفظ
القدوري حتى أهب لك كذا وكذا من الدراهم كثيرة أيضا ، فحفظته في مدة يسيرة وأنا في
خلال ذلك أجود ، وكان والدي رحمهالله يحرضني على ذلك ويتولى صقل الكاغد لي بنفسه ، فإني
لأذكر مرة وقد خرجنا إلى ضيعة لنا فأمرني بالتجويد ، قلت : ليس هاهنا كاغد جيد ،
فأخذ بنفسه كاغدا كان معنا رديا وتناول شربة أسفيدز كانت معنا فجعل يصقل بها
الكاغد بيده ويقول لي : اكتب ، ولم يكن خطه بالجيد ، وإنما كان يعرف أصول الخط ،
فكان يقول لي : هذا جيد وهذا رديء. وكان عنده خط ابن البواب فكان يريني أصوله إلى
أن أتقنت منه ما أردت. ولم أكتب على أحد مشهور ،
إلا أن تاج الدين محمد بن أحمد بن البرفطي البغدادي ورد إلينا إلى حلب
فكتبت عليه أياما قلائل لم يحصل منه فيها طائل. ثم إن الوالد رحمهالله خطب لي وزوجني بقوم من أعيان أهل حلب وساق إليهم ما جرت
العادة بتقدمته في مثل ذلك ، ثم جرى بيننا وبينهم ما كرهته وضيق صدري منهم ، فوهب
لهم الوالد جميع ما كان ساقه إليه وطلقتهم. ثم إنه وصلني بابنة الشيخ الأجل بهاء
الدين أبي القاسم عبد المجيد بن الحسن بن عبد الله المعروف بابن العجمي ، وهو شيخ
أصحاب الشافعي وأعظم أهل حلب منزلة وقدرا ومالا وحالا وجاها ، وساق إليهم المهر
وبالغ في الإحسان.
وكان والدي رحمهالله بارا بي ، لم يكن يلتذ بشيء من الدنيا التذاذه بالنظر
في مصالحي ، وكان يقول : أشتهي أرى لك ولدا ذكرا يمشي ، فولد أحمد ولدي ورآه وبقي
إلى أن كبر ومرض مرضة الموت ، فيوم مات مشى الطفل حتى وقع في صدره. ثم مات والدي رحمهالله في الوقت الذي تقدم ذكره.
وكان الملك
الظاهر غازي بن صلاح الدين صاحب حلب رحمهالله كثير الإكرام لي ، وما حضرت مجلسه قط فما أقبل على أحد
إقباله عليّ مع صغر السن. واتفق أن مرضت في شهور سنة ٦١٨ مرضا أيس مني فيه ، فكان
يخطر ببالي وأنا مريض أن الله تعالى لابد وأن يمن بالعافية لثقتي بصحة رؤية الوالد
، وكنت أقول : ما بلغت بعد مبلغا يكون تفسيرا لتلك الرؤيا إلى أن منّ الله
بالعافية وله الحمد والمنة ، فذهب عني ذلك الخيال ، وليس يخطر منه في هذا الوقت
ببالي شيء لأن نعم الله عليّ سابغة وأياديه في حقي شائعة.
قلت (قال في
الحاشية : يظهر أن ياقوت جمع بين كلامه وكلام المترجم) : ولما مات والدي بقي بعده
مدة ومات مدرس شاذبخت وهي من أجل مدارس حلب وأعيانها ، ولي التدريس بها في ذي الحجة سنة ٦١٦ وعمره يومئذ ٢٨
سنة ، هذا وحلب أعمر ما كانت بالعلماء والمشايخ والفضلاء الرواسخ ، إلا أنه رؤي
أهلا لذلك دون غيره ، وتصدر وألقى الدرس بجنان قوي ولسان لوذعي فأبهر العالم وأعجب
الناس ، وصنف مع هذا السن كتبا منها كتب «الدراري في ذكر الذراري» جمعه للملك الظاهر وقدمه إليه يوم ولد
__________________
ولده الملك العزيز الذي هو اليوم سلطان حلب. كتاب «ضوء الصباح في الحث على
السماح» ، صنفه للملك الأشرف وكان قد سير من حران يطلبه ، فإنه لما وقف على خطه
اشتهى أن يراه ، فقدم عليه فأحسن إليه وأكرمه وخلع عليه وشرفه. كتاب «الأخبار
المستفادة في ذكر بني أبي جرادة» وأنا سألته جمعه فجمعه لي وكتبه في نحو أسبوع وهو
عشرة كراريس. كتاب «في الخط وعلومه ووصف آدابه وأقلامه وطروسه وما جاء فيه من
الحديث والحكم» ، وهو إلى وقتي هذا لم يتم. كتاب «تاريخ حلب» في أخبار ملوكها
وابتداء عمارتها ومن كان بها من العلماء ومن دخلها من أهل الحديث والرواية
والدراية والملوك والأمراء والكتاب.
وشاع ذكره في
البلاد ، وعرف خطه بين الحاضر والباد ، فتهاداه الملوك وجعل مع اللآلي في السلوك ،
وضربت به في حياته الأمثال وجعل للناس في زمانه حذوا ومثالا. فما رغب في خطه أنه
اشترى وجهة واحدة بخط ابن البواب بأربعين درهما ونقلها إلى ورقة عتيقة ووهبها من
حيدر الكتبي فذهب بها وادعى أنها بخط ابن البواب وباعها بستين درهما زيادة على
الذي بخط ابن البواب بعشرين درهما. ونسخ لي هذه الرقعة بخطه فدفع فيها كتاب الوقت
على أنها بخطه دينارا مصريا ، ولم يطب قلبي ببيعها. وكتب لي أيضا جزءا فيه ثلاث
عشرة قائمة نقلها من خط ابن البواب ، فأعطيت فيها أربعين درهما ناصرية قيمتها
أربعة دنانير ذهبا فلم أفعل ، وأنا أعرف أن ابن البواب لم يكن خطه في أيامه بهذا
النفاق ولا بلغ هذا المقدار من الثمن ، وقد ذكرت ما يدل على ذلك في ترجمة ابن
البواب. فممن كتب إليه يسترفده شيئا من خطه سعد الدين منوجهر الموصلي ، ولقد سمعته
مرارا يزعم أنه أكتب من ابن البواب ويدعي أنه لا يقوم له أحد في الكتابة ، ويقر
لهذا كمال الدين بالكمال ، فوجه إليه على لسان القاضي أبي علي القيلوي وهو المشهور
بصحبة السلطان الأشرف يسأله سؤاله في شيء من خطه ولو قائمة أو وجهة ، وكان اعتماده
على أن ينقل له الوجهة المقدم ذكرها.
وممن كتب إليه
يسترفده خطه أمين الدين ياقوت المعروف بالعالم ، وهو صهر أمين الدين ياقوت الكاتب
الذي يضرب به المثل في جودة الخط وتخرج به ألوف وتتلمذ له من لا يحصى. كتب إلي
كمال الدين رقعة وهو حي يرزق نسختها :
(الذي حض
الخادم على عمل هذه الأبيات وإن لم يكن من أرباب الصناعات أن
الصدر الكبير الفاضل عز الدين حرس الله مجده لما وصل إلى الموصل خلد الله
ملك مالكها نشر من فضائل المجلس العالي العالمي الفاضلي كمال الدين كمل الله
سعادته كما كمل سيادته ، وبلغه في الدارين مناه وإرادته ما يعجز البليغ عن فهمه
فضلا عن أن يورده ، لكن فضائل المجلس كانت تملى على لسانه وتشغله ، فطرب الخادم من
استنشاق رياها ، واشتاق إلى رؤية حاويها عند اجتلاء محياها ، فسمح عند ذلك الخاطر
مع تبلده بأبيات تخبر المجلس محبة الخادم له وتعبده ، وهي :
حيا نداك
كمال الدين أحيانا
|
|
ونشر فضلك عن
محياك حيّانا
|
وحسن أخلاقك
اللائي خصصت بها
|
|
أهدت على
البعد لي روحا وريحانا
|
حويت يا عمر
المحمود سيرته
|
|
خلقا وخلقا
وأفضالا وإحسانا
|
إن كان نجل
هلال في صناعته
|
|
ونجل مقلة
عينا الدهر قد كانا
|
فأنت مولاي
إنسان الزمان وقد
|
|
غدوت في الخط
للعينين إنسانا
|
قد بث فضلك
عز الدين مقتصدا
|
|
ونث شكرك
إسرارا وإعلانا
|
فضاع نشرك في
الحدباء واشتهرت
|
|
آيات فضلك
أرسالا ووحدانا
|
أثني عليك
وآمالي معلقة
|
|
بحسن عفوك ترجو
منك غفرانا
|
وإن تطفلت في
صدق الوداد ولم
|
|
يقض التقلاقي
لنا عفوا ولا حانا
|
فما ألام على
شيء أتيت به
|
|
فالأذن تعشق
قبل العين أحيانا
|
يا أفضل
الناس في علم وفي أدب
|
|
وأرجح الخلق
عند الله ميزانا
|
قد شرف الله
أرضا أنت ساكنها
|
|
وشرف الناس
إذ سوّاك إنسانا
|
قد هجم الكلام
على المجلس العالي بوجه وقاح ، ولم يخش مع عفو المولى وصمة الافتضاح ، فليلق عليها
المولى ستر المعروف ، فهو أليق بكرمه المألوف والسلام).
فكتب إليه كمال
بخطه الدري ولفظه السحري وأنشدنيها لنفسه :
يا من أبحت
حمى قلبي مودته
|
|
ومن جعلت له
أحشاي أوطانا
|
أرسلت نحوي
أبياتا طربت بها
|
|
والفضل
للمبتدي بالفضل إحسانا
|
فرحت أختال
عجبا من محاسنها
|
|
كشارب ظل
بالصهباء نشوانا
|
رقت وراقت
فجاءت وهي لابسة
|
|
من البلاغة
والترصيع ألوانا
|
حكت بمنثورها
والنظم إذ جمعا
|
|
بأحرف حسنت
روضا وبستانا
|
جرّت على
جرول أثواب زينتها
|
|
إذ أصبحت وهي
تكسو الحسن حسّانا
|
أضحت تغبّر
وجه العنبريّ فما
|
|
بنو اللقيطة
من ذهل بن شيبانا
|
يمسي لها ابن
هلال حين ينظرها
|
|
يحكي أباه
بما عاناه نقصانا
|
كذاك أيضا لها
عبد الحميد غدا
|
|
عبدا يجر من
التقصير أردانا
|
أتت وعبدك
مغمور بعلته
|
|
فغادرته
صحيحا خير ما كانا
|
وكيف لا تدفع
الأسقام عن جسدي
|
|
وهي الصّبا
حملت روحا وريحانا
|
فما على
طيفها لو عاد يطرقنا
|
|
فربما زار
أحيانا وأحيانا
|
فاسلم وأنت
أمين الدين أحسن من
|
|
وشّى الطروس
بمنظوم ومن زانا
|
ولا تخطت
إليك الحادثات ولا
|
|
حلت بربعك يا
أعلى الورى شانا
|
وأنشدني كمال
الدين أدام الله علاءه لنفسه في الغزل فاعتمد فيه معنى غريبا :
وأهيف معسول
المراشف خلته
|
|
وفي وجنتيه
للمدامة عاصر
|
يسيل إلى فيه
اللذيذ مدامة
|
|
رحيقا وقد
مرت عليه الأعاصر
|
فيسكر منه
عند ذاك قوامه
|
|
فيهتز تيها
والعيون فواتر
|
كان أمير
النوم يهوى جفونه
|
|
إذا همّ رفعا
خالفته المحاجر
|
خلوت به من
بعد ما نام أهله
|
|
وقد غارت
الجوزاء والليل ساتر
|
فوسدته كفي
وبات معانقي
|
|
إلى أن بدا
ضوء من الصبح سافر
|
فقام يجر
البرد منه على تقى
|
|
وقمت ولم
تحلل لإثم مآزر
|
كذلك أحلى
الحب ما كان فرجه
|
|
عفيفا ووصل
لم تشنه الجرائر
|
وأنشدني لنفسه
بمنزله بحلب في ذي الحجة سنة ٦١٩ وإملائه :
وساحرة
الأجفان معسولة اللمى
|
|
مراشفها تهدي
الشفاء من الظما
|
حنت لي قوسي
حاجبيها وفوّقت
|
|
إلى كبدي من
مقلة العين أسهما
|
فواعجبا من
ريقها وهو طاهر
|
|
حلال وقد
أضحى عليّ محرّما
|
فإن كان خمرا
أين للخمر لونه
|
|
ولذته مع
أنني لم أذقهما
|
لها منزل في
ربع قلبي محله
|
|
مصون به مذ
أوطنته لها حمى
|
جرى حبها
مجرى حياتي فخالطت
|
|
محبتها روحي
ولحمي والدما
|
تقول إلى كم
ترتضي العيش أنكدا
|
|
وتقنع أن
تضحي صحيحا مسلّما
|
فسر في بلاد
الله واطّلب الغنى
|
|
تفز منجدا إن
شئت أو شئت متهما
|
فقلت لها إن
الذي خلق الورى
|
|
تكفل لي
بالرزق منّا وأنعما
|
وما ضرني أن
كنت رب فضائل
|
|
وعلم عزيز
النفس حرا معظّما
|
إذا عدمت
كفاي مالا وثروة
|
|
فقد صنت نفسي
أن أذل وأحرما
|
ولم أبتذل في
خدمة العلم مهجتي
|
|
لأخدم من
لاقيت لكن لأخدما
|
لا يظنن الناظر
في هذه الأبيات أن قائلها فقير وقير ، فإن الأمر بعكس ذلك لأنه رب ضياع واسعة
وأملاك جمة ونعمة كثيرة وعبيد كثيرة وإماء وخيل ودواب وملابس فاخرة وثياب ، ومن
ذلك أنه بعد موت أبيه اشترى دارا كانت لأجداده قديما بثلاثين ألف درهم ، ولكن نفسه
واسعة وهمته عالية والرغبات في الدنيا بالنسبة إلى الراغبين ، والشهوة لها على قدر
الطالبين.
وأنشدني لنفسه
بمنزله في التاريخ :
احذر من ابن
العم فهو مصحّف
|
|
ومن القريب
فإنما هو أحرف
|
القاف من قبر
غدا لك حافرا
|
|
والراء منه
ردى لنفسك يخطف
|
والياء يأس
دائم من خيره
|
|
والباء بغض
منه لا يتكيّف
|
فاقبل نصيحتي
التي أهديتها
|
|
إني بأبناء
العمومة أعرف
|
وأنشدني أيضا
لنفسه بمنزله سالكا طريق أهله في الافتخار :
سألزم نفسي
الصفح عن كل من جنى
|
|
عليّ وأعفو
حسبة وتكرما
|
وأجعل مالي
دون عرضي وقاية
|
|
ولو لم يغادر
ذاك عندي درهما
|
وأسلك آثار
الألى اكتسبوا العلا
|
|
وحازوا خلال
الخير ممن تقدما
|
أولئك قومي
المنعمون ذوو النهى
|
|
بنو عامر
فاسأل بهم كي تعلّما
|
إذا ما دعوا
عند النوائب إن دجت
|
|
أناروا بكشف
الخطب ما كان أظلما
|
__________________
وإن جلسوا في
مجلس الحكم خلتهم
|
|
بدور ظلام
والخلائق أنجما
|
وإن هم ترقوا
منبرا لخطابة
|
|
فأفصح من
يوما بوعظ تكلّما
|
وإن أخذوا
أقلامهم لكتابة
|
|
فأحسن من
وشّى الطروس ونمنما
|
بأقوالهم قد
أوضح الدرّ واغتدى
|
|
بأحكامهم علم
الشريعة محكما
|
دعاؤهم يجلو
الشدائد إن عرت
|
|
وينزل قطر
الماء من أفق السما
|
وقائلة يا بن
العديم إلى متى
|
|
تجود بما
تحوي ستصبح معدما
|
فقلت لها عني
إليك فإنني
|
|
رأيت خيار
الناس من كان منعما
|
أبى اللؤم لي
أصل كريم وأسرة
|
|
عقيلية سنّوا
الندى والتكرما
|
وأنشدني لنفسه
وقد رأى في عارضه شعرة بيضاء وعمره ٣١ سنة :
أليس بياض
الأفق بالليل مؤذنا
|
|
بآخر عمر
الليل إذ هو أسفرا
|
كذاك سواد
النبت يقرب يبسه
|
|
إذا ما بدا
وسط الرياض منوّرا
|
ودخلت إلى كمال
الدين المذكور يوما فقال لي : ألا ترى أنا في السنة الحادية والثلاثين من عمري وقد
وجدت في لحيتي شعرات بيضا؟ فقلت أنا فيه :
هنيئا كمال
الدين فضلا حبيته
|
|
ونعماء لم
يخصص بها أحد قبل
|
لداتك في شغل
بداعية الصبا
|
|
وأنت بتحصيل
المعالي لك الشغل
|
بلغت لعشر من
سنّينك رتبة
|
|
من المجد لا
يسطيعها الكامل الكهل
|
ولما أتاك
الحكم والفهم ناشئا
|
|
أشابك طفلا
كي يتم لك الفضل
|
انتهى ما قاله ياقوت
في معجم الأدباء في ترجمة الكمال المذكور وتراجم آبائه وأجداده وأعمامه ، وقد
وجدنا من المناسب نقل جميع ما ذكره ياقوت في تراجم بني العديم وإن كان بعضها قد
تقدم لتتصل سلسلة الكلام على هذا البيت الكبير ، على أنها لا تخلو من فوائد زائدة
على ما ذكرناه فيما تقدم من تلك التراجم. وقد ترجمه ياقوت بما ترجمه به سنة ٦١٩
وهو في الحادية والثلاثين من عمره كما علمت ، وقد كانت وفاة ياقوت سنة ٦٢٦ ووفاة
المترجم سنة ٦٦٠ كما سيأتي ، فتأخرت وفاته عن وفاة مترجمه أربعة وثلاثين سنة ، ولا
ريب أن تلك المدة الطويلة زادته علما وفضلا وجاها وقدرا. وجلالة فضل هذا الرجل
وماله على الشهباء من الأيادي البيضاء بذلك التاريخ العظيم المسمى ب «بغية الطلب
في تاريخ
حلب» الذي بسطنا الكلام عليه في المقدمة قضت علينا أن نستقصي أخباره ونذكر
جميع ما نقف عليه من تراجمه ، وهي وإن طالت وتكرر بعضها ولكنك تجد في كل واحدة
منها من الزيادات والفوائد ما لا تجده في الأخرى ، وجدير أن يبسط بأمثال هذا الرجل
المقال وإن طال. على أنك إذا تأملت قليلا فيما ترجمه به ياقوت وهو في هذا السن
لتيقنت أنه لو تأخرت وفاته عنه لأفرد لترجمته مجلدا على حدة ، ولحكمت على من ترجمه
بعده بأنه قد قصر في ترجمته غاية التقصير ولم يوفه بعض ما يستحقه. والعجب كل العجب
كيف أهمل ابن خلكان في تاريخه وفيات الأعيان ذكره وذكر ابن أبي طي بن حميدة مع
أنهما من معاصريه ويعرفهما حق المعرفة ، لأنه بقي في حلب لتلقي العلوم فيها من سنة
٦٢٦ إلى سنة ٦٣٥ كما تقدم في ترجمة أبي البقا يعيش وترجمة القاضي بهاء الدين بن
شداد. والأغرب من ذلك أنه نقل عنهما في غير موضع من تاريخه هذا ، ولا ندري ما هو
العذر الذي نلتمسه لابن خلكان على ذلك ، ولا ريب أنه أهمل ترجمتهما لشيء كان في
نفسه مما لا يخلو عنه المتعاصرون.
وهنا نذكر لك
ما ذكره في كشف الظنون في الكلام على وفيات الأعيان لابن خلكان من الانتقاد عليه
حيث قال : وقد شنع عليه بعض المؤرخين من جهة اختصاره تراجم كبار العلماء في أسطر
يسيرة وتطويله في تراجم الشعراء والأدباء في أوراق وصحائف ، وربما يكون من طول
ترجمته مطعونا بانحلال العقيدة وهو يثني عليه ويذكر أشعاره وقصائده ، ولعل العذر
فيه ما أشار إليه من أن اشتهار ذلك العالم كالشمس لا يخفي وعدم اشتهار ذلك الشاعر
ا ه. أقول : وهذا العذر ليس بشيء إذا تأملت أدنى تأمل.
ولنعد إلى ذكر
ما وعدنا به فنقول :
قال في فوات
الوفيات : (عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة) الصاحب العلامة رئيس الشام كمال
الدين العقيلي الحلبي المعروف بابن العديم. ولد سنة ثمان وثمانين وخمسماية وتوفي
سنة ستين وستماية ، وسمع من أبيه ومن عمه أبي غانم محمد وابن طبرزد والافتخار (أي
افتخار الدين عبد المطلب الهاشمي المتوفى سنة ٦١٦) والكندي والخرستاني ، وسمع
جماعة كثيرة بدمشق وحلب والقدس والحجاز والعراق. وكان محدثا فاضلا حافظا مؤرخا
صادقا فقيها مفتيا منشيا بليغا كاتبا محمودا ، درس وأفتى وصنف وترسل عن الملوك.
وكان رأسا في الخط لا سيما النسخ والحواشي ، أطنب الحافظ شرف الدين (عبد المؤمن
الدمياطي) في وصفه وقال : ولي قضاء حلب خمسة من آبائه متتالية ، وله الخط
البديع أو الحظ الرفيع والتصانيف الرائقة ، منها تاريخ حلب أدركته المنية قبل
إكمال تبييضه. روى عنه الدواداري وغيره. ودفن بسفح المقطم في القاهرة ا ه. ثم ذكر
سؤال ياقوت له لم سميتم ببني العديم. ثم ذكر مؤلفاته التي ذكرها ياقوت ، لكنه نقص
منها «ضوء الصباح في الحث على السماح» ، وزاد على ما ذكره ياقوت كتاب «دفع الظلم
والتجري عن أبي العلاء المعري» ، وكتاب «تبريد حرارة الأكباد على فقد الأولاد».
ثم قال : وكان
إذا سافر يركب في محفة تشيله بين بغلين ويجلس فيها ويكتب. وفد إلى مصر رسولا وإلى
بغداد ، وكان إذا قدم إلى مصر يلازمه أبو الحسين الجزار ، فقال بعض أهل العصر :
يا ابن
العديم عدمت كل فضيلة
|
|
وغدوت تحمل
راية الإدبار
|
ما إن رأيت
ولا سمعت بمثلها
|
|
نفس تلذ
بصحبة الجزّار
|
قال : ومن شعر
الصاحب كمال الدين :
بدا يسحر
الألباب بالحسن والحسنى
|
|
هلالا إليه
آية المقصد الأسنى
|
وزرّر أزرار
القميص ترائبا
|
|
وضم إليه
الدعص والغصن اللدنا
|
وقال : وكتب
بها إلى نور الدين بن سعيد :
يا أحسن
الناس نظما غير مفتقر
|
|
إلى شهادة
مثلي مع توحده
|
إن كان حظي
كسا خطا كتبت به
|
|
إلي حسنا بدا
في لون أسوده
|
فقد أتت منك
أبيات تعلّمني
|
|
نظم القريض
الذي يحلو لمنشده
|
أرسلتها
تقتضيني ما وعدت به
|
|
والحر حاشاه
من إخلاف موعده
|
وما نسيت
ولكن عاقني ورق
|
|
يجيد خطي
فآتيه بأجوده
|
وسوف أسرع
فيه الآن مجتهدا
|
|
حتى يوافيك
بدرا في مجلّده
|
بأحرف حسنت
كالوجه دارية
|
|
مثل الحواشي
عذار في مورّده
|
وكتب إلى ولده قاضي القضاة مجد الدين :
__________________
هذا كتابي
إلى من غاب عن نظري
|
|
وشخصه في
سويدا القلب والبصر
|
ولا يمنّ
بطيف منه يطرقني
|
|
عند المنام
ويأتيني على قدر
|
ولا كتاب له
يأتي فأسمع من
|
|
أنبائه عنه
فيه أطيب الخبر
|
حتى الشمال
التي تسري على حلب
|
|
ضنّت عليّ
فلم تخطر ولم تسر
|
أخصه بتحياتي
وأخبره
|
|
أني سئمت من
الترحال والسفر
|
أبيت أرعى
نجوم الليل مكتئبا
|
|
مفكرا في
الذي ألقى إلى السحر
|
وليس لي أرب
في غير رؤيته
|
|
وذاك عندي
أقصى السول والوطر
|
ا ه ما في فوات
الوفيات لابن شاكر.
ومن لطائفه
الدالة على مكارم أخلاقه وعلو همته ما ذكره ابن أبيك الصفدي في شرحه للامية العجم
عند قول الطغرائي (أريد بسطة كف ... إلخ) أن إنسانا رفع قصته إلى الصاحب كمال
الدين ابن العديم فأعجبه خطه فأمسكها وقال لرافعها : هذا خطك؟ قال : لا ولكن حضرت
إلى باب مولانا فوجدت بعض مماليكه فكتبها لي ، فقال : عليّ به ، فلما حضر وجده
مملوكه الذي يحمل مداسه ، وكان عنده في حال غير مرضية فقال : هذا خطك؟ قال : نعم ،
قال : هذه طريقتي ، من هو الذي أوقفك عليها؟ فقال : يا مولانا كنت إذا وقعت لأحد
على قصة أخذتها منه وسألته المهلة عليّ حتى أكتب عليها سطرين أو ثلاثة ، فأمره أن
يكتب بين يديه ليراه فكتب :
وما تنفع
الآداب والعلم والحجا
|
|
وصاحبها عند
الكمال يموت
|
فكان إعجاب
الصاحب بالاستشهاد أكثر من الخط ، ورفع منزلته عنده حينئذ ا ه.
ومما قاله في
منتخب شذرات الذهب في أخبار من ذهب في حقه : كان قليل المثل عديم النظر فضلا ونبلا
ورأيا وحزما وذكاء وبهاء وكتابة وبلاغة ، درّس وأفتى وصنف وعلّم وناب عن الملك
الناصر في سلطنة دمشق ، وكان خطه في غاية الحسن ، وكان له معرفة تامة بالحديث
والتاريخ وأيام الناس ، وكان حسن الظن بالفقراء والصالحين.
وذكره ابن كثير
في حوادث سنة ٦٦٠ ومما قاله في حقه : الأمير الوزير الرئيس الكبير صنف لحلب تاريخا
مفيدا يقرب من أربعين مجلدا ، وكان جيد المعرفة بالحديث حسن الظن
بالفقراء والصالحين كثير الإحسان إليهم ، وقد أقام بدمشق في الدولة
الناصرية المتأخرة ، وكانت وفاته بمصر ، ودفن بسفح المقطم بعد الشيخ عز الدين
بعشرة أيام. وقد أورد له الشيخ قطب الدين (أي اليونيني) في الذيل أشعارا حسنة ا ه.
وقال أبو الفدا
في حوادث سنة ٦٦٠ : وفيها في ذي الحجة توفي الصاحب كمال الدين عمر ابن عبد العزيز (صوابه
بن أحمد كما تقدم غير مرة ، ويظهر أن الخطأ من النساخ) المعروف بابن العديم ،
انتهت إليه رياسة أصحاب أبي حنيفة. وكان فاضلا كبير القدر ، ألف تاريخ حلب وغيره
من المصنفات . وكان قدم إلى مصر لما جفل الناس من التتر ، ثم عاد بعد
خراب حلب إليها ، فلما نظر ما فعله التتر من خراب حلب وقتل أهلها بعد تلك العمارة
قال في ذلك قصيدة طويلة منها :
هو الدهر ما
تبنيه كفاك يهدم
|
|
وإن رمت
إنصافا لديه فتظلم
|
أباد ملوك
الفرس جمعا وقيصرا
|
|
وأصمت لذي
فرسانها منه أسهم
|
وأفنى بني
أيوب مع كثر جمعهم
|
|
وما منهم إلا
مليك معظّم
|
وملك بني
العباس زال ولم يدع
|
|
لهم أثرا من
بعدهم وهم هم
|
وأعتابهم
أضحت تداس وعهدها
|
|
تباس بأفواه
الملوك وتلثم
|
وعن حلب ما
شئت قل من عجائب
|
|
أحل بها يا
صاح إن كنت تعلم
|
ومنها :
فيالك من يوم
شديد لغامه
|
|
وقد أصبحت
فيه المساجد تهدم
|
وقد درست تلك
المدارس وارتمت
|
|
مصاحفها فوق
الثرى وهي ضخّم
|
__________________
وهي طويلة
وآخرها :
ولكنما لله
في ذا مشيئة
|
|
فيفعل فينا
ما يشاء ويحكم
|
وترجمة علاء
الدين ابن خطيب الناصرية في تاريخه «الدر المنتخب» فقال : مولده بحلب في العشر
الأول من ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. سمع بحلب من ابن طبرزد والافتخار (عبد
المطلب الهاشمي) وعبد الرحمن بن علوان وبهاء الدين يوسف بن رافع ابن شداد قاضي حلب
وثابت وابن دوربه وجماعة كثيرة من أهل البلد والقادمين إليه ، وبدمشق من الكندي
والقاضي ابن الخرستاني وابن طاووس وابن البنا والحسين بن صصري والبها عبد الرحمن
وابن المنى وأحمد بن عبد الله العطار والعماد إبراهيم بن عبد الواحد وغيرهم ،
وببغداد من عبد العزيز بن محمود بن الأخضر وغيره ، وحدث. سمع منه ولده المجد وابن
مسدي وابن الحاجب وذاكراه في معجمها والدمياطي وذكره في معجمه وأبو القاسم أحمد بن
محمد بن الحسين وغيرهم. وحدث بالكثير في بلاد متعددة ، ودرس وأفتى وصنف. قال
الذهبي : وكان عديم النظر فضلا ونبلا وذكاء ورأيا ودهاء ومنظرا ورواء وجلالة ومهابة
، وكان محدثا حافظا ومؤرخا صادقا وفقيها مفتيا ومنشئا بليغا. وذكره الدمياطي في
معجمه وأثنى عليه ، وكذلك الشيخ شهاب الدين محمود ، قال في تاريخه : وكان إماما
عالما فاضلا متفننا في العلوم جامعا لها ، أحد الرؤساء المشهورين والعلماء
المذكورين ، وترسل الى الخليفة والملوك مرارا كثيرة ، وكانت له الوجاهة العظيمة
عند الخلفاء والملوك وهو مع ذلك كثير التواضع لين الجانب حسن الملتقى والبشر لسائر
الناس مع ما هو منطو عليه من الديانة الوافرة والتحري في أقواله وأفعاله. وأما خطه
ففي الغاية العليا من الجودة ، ومعرفته بالحديث والتاريخ وأيام الناس على أكمل ما
يكون. وجمع لحلب تاريخا أبدع فيه ما شاء ومات وبعضه مسودة ، ولو كمل تبييضه كان
أربعين مجلدا. وكان حسن الظن بالفقراء والصالحين كثير البر لهم والإحسان إليهم.
وحضر عند الشيخ عبد الله اليونيني الكبير وطلب منه أن يلبسه الخرقة فأعطاه قميصه
كأنه تفرس فيه الخير والصلاح انتهى.
ومن نظمه ما
أنشده له الحافظ أبو محمد الدمياطي قال : أنشدنا الصاحب يعني كمال الدين بن العديم
لنفسه بسر من رأى :
نزلنا سر من
را فازدهتنا
|
|
محاسنها
الدوارس إذ نزلنا
|
وخاطبنا لسان
الحال منها
|
|
حللنا قبلكم
ثم ارتحلنا
|
قال : وأنشدني
ببغداد لنفسه وقد التمس منه بها مقال من خطه البديع :
يا من له همة
تسمو إلى الرتب
|
|
ورغبة في
بديع الخط والأدب
|
أسهرت ليلك
في تحرير أحرفه
|
|
وفي نهارك لا
تصبو إلى تعب
|
طلبت مني
مثالا تستعين به
|
|
على إجادة ما
تبقيه في الكتب
|
فلم أجد منع
ما حاولته حسنا
|
|
إذ كنت أهلا
لنيل النجح في الطلب
|
فهاك خطا
كزهر الروض باكره
|
|
طلّ الندى
وسقته أعين السحب
|
يبدي لنا غرس
بغداد به ثمر
|
|
حكاه في
الحسن منسوب إلى حلب
|
أقلامه سبعة
تزري برونقها
|
|
وحسن منظرها
بالسبعة الشهب
|
قال الشيخ شهاب
الدين محمود : ولما وصل إلى الديار المصرية في بعض سفراته رسولا إليها حمل إليه
أيدمر مولى محيي الدين الجزري المسمى بعد ذلك إبراهيم الصوفي شعره ليتصفحه ،
فطالعه وكتب عليه لنفسه :
وكنت أظن
الترك تختص أعين
|
|
لهم إن رنت
بالسحر فيها وأجفان
|
إلى أن أتاني
من بديع قريضهم
|
|
قواف هي
السحر الحلال وديوان
|
فأيقنت أن
السحر أجمعه لهم
|
|
يقر لهم
هاروت فيه وسحبان
|
فكتب إليه
أيدمر يشكره ويسأله أن يكتب اسمه تحت الشعر الذي كتب على الديوان :
لك الفضل
أولى الناس بالحمد منعم
|
|
تعرّف
بالإحسان إذ رثّ عرفان
|
وبارقة من
فضل علياك خبّرت
|
|
بأن سحاب
الفضل عندك هتّان
|
أتتني على
الديوان أبياتك التي
|
|
يفصّل منها
للبلاغة ديوان
|
فدلت وإن
قلّت على ما وراءها
|
|
كما شفّ عن
سر الصحيفة عنوان
|
فلو عاينت
عينا ابن مقلة خطكم
|
|
لغضّ أناة أو
رنا وهو خزيان
|
فكيف يكون
السحر فينا وعندنا
|
|
وخطك هاروت
ولفظك سحبان
|
فيا ملكا
أبدى ندى كن متمما
|
|
ليشفع من
يمناك بالحسن إحسان
|
وتوّجه
والمأمور غيرك باسمك ال
|
|
كريم فأسماء
الأكارم تيجان
|
بحوك وشى
الرياض ويتثنى [هكذا]
|
|
ويبقى شهيدا
عندها منه غدران
|
وإن امرأ
أضحى الكمال بعينه
|
|
فمن أين
يعروه وحاشاه نقصان
|
على أنه
الصبح المنور شهرة
|
|
وليس بمطلوب
على الصبح برهان
|
ولما جاء
التتار إلى حلب في سنة ثمان وخمسين وستمائة جفل الصاحب كمال الدين إلى مصر مع من
جفل ، ولما أزاح التتار عن حلب عاد إليها فوجدها خرابا بعد تلك العمارة ، فقال
فيها قصيدة لنفسه ميمية (قدمنا ما وجد منها) ثم رجع إلى القاهرة واستمر بها إلى أن
توفي بها في العشرين من جمادى الأولى ، وقيل تاسع عشر سنة ستين وستمائة بظاهر مصر
ودفن من يومه بسفح المقطم تغمده الله تعالى برحمته ا ه.
وترجمه الشيخ
محمد العرضي (من رجال القرن الحادي عشر) في مجموعته وذكر أن من جملة مؤلفاته «الإشعار
بما للملك من النوادر والأشعار» ، و «مراد المراد ومواد المواد».
(ثم قال) : قال
الذهبي : وبحسن خطه يضرب المثل ، من ذلك ما أنشدنيه ابن القيسراني :
بخدّ معذّبي
آيات حسن
|
|
فقل ما شئت
فيه ولا تحاشي
|
ونسخة حسنه
قرنت فصحّت
|
|
وها خط
الكمال على الحواشي
|
وقال فيه بدر
الدين بن حبيب :
وعذار مزخرف
الخدّ يهوى
|
|
طائر القلب
ناره كالفراش
|
فهو كالمسك
أو كنمل بعاج
|
|
أو كخط
الكمال فوق الحواشي
|
وقال علي بن عثمان
الإربلي :
وميّز بين
فوديه وفرق
|
|
دقيق كالصراط
المستقيم
|
حروف ملاحة
دقت وجلّت
|
|
معانيها كخط
ابن العديم
|
وكتب إليه سعد
الدين بن عربي يطلب منه شيئا من خطه :
ألا يا سيد
الوزراء طرّا
|
|
نوالك سابق
مني السؤالا
|
يرجي العبد
منك سطور نسخ
|
|
يزيل بنورها
عنه الضلالا
|
فخطك فيه
للظمآن ريّ
|
|
إذا ما خط
غيرك كان آلا
|
ولا أرضى بخط
فيه نقص
|
|
وعندي همة
ترجو الكمالا
|
ومن عجب وأنت
بلا مثيل
|
|
بأني أبتغي
منك المثالا
|
وله أيضا :
شغلت يمينك
يا ذا المعالي
|
|
بقبض اليراع
وفيض النوال
|
فلا ابن هلال
ولا غيره
|
|
يدانيك يا
ابن العديم المثال
|
فأنت الهلال فكيف ابنه
|
|
غدا قاصرا عن
محل الكمال
|
وقال الصاحب
كمال الدين (اي المترجم) : أنشدني الملك الناصر لنفسه :
البدر يجنح
للغروب ومهجتي
|
|
لفراق مشبهة
أسى تتقطّع
|
والشرب قد
خاط النعاس جفونهم
|
|
والصبح من
جلبابه يتقطّع
|
قال : وأنشدني
لنفسه يتشوق إلى حلب :
لك الله إن
شارفت أعلام جوشن
|
|
ولاحت لك
الشهبا وتلك المعالم
|
فبلّغ سلاما
من محب متيم
|
|
ينوح اشتياقا
حين تشدو الحمائم
|
قال العرضي بعد
أن ذكر وفاته بالتاريخ المتقدم : ودفن بسفح المقطّم من القرافة بالقرب من المسجد
المعروف بالعارض بتربة موسى بن يغمور.
قال جمال الدين
يحيى بن مطروح يمدح المترجم وهما في ديوانه المطبوع :
خرجت من
النعيم إلى النعيم
|
|
إلى المولى
الكمال بن العديم
|
ولو لا أن
أسيء لقلت إني
|
|
خرجت من
الجحيم إلى النعيم
|
آثاره بحلب
قال في كنوز
الذهب : (المدرسة العديمية) : هذه المدرسة خارج باب النيرب ، أنشأها الصاحب كمال
الدين عمر بن العديم وبنى إلى جوارها تربة وجوسقا وبستانا ، ابتدأ
__________________
في عمارتها سنة تسع وثلاثين وستمائة وتمت في سنة تسع وأربعين ولم يدرّس بها
أحد ، لأن الدولة الناصرية انقرضت قبل استيفاء غرضه فيها ، وهي الآن تقام فيها
الجمعة ، وكان يخطب بها الشيخ الصالح أحمد الزركشي ا ه.
وقد أبقت أيدي
الزمان من خطه البديع ما هو مكتوب على أطراف محراب المدرسة الحلوية ، ونص ما كتب :
(بسم الله الرحمن الرحيم. جدد هذا المحراب في أيام مولانا السلطان الملك الغازي
المجاهد المرابط المؤيد المنصور الملك الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام
والمسلمين منصف المظلوم من الظالمين رافع العدل في العالمين قامع الكفرة والملحدين
أبي المظفر يوسف بن محمد ناصر أمير المؤمنين خلد الله ملكه وأعز أنصاره وأعلا
رايته وأنار برهانه بولاية الفقير إلى رحمة الله تعالى عمر بن أحمد بن هبة الله بن
محمد بن أبي جرادة غفر الله له ولوالديه سنة ثلاث وأربعين وستمائة).
تتمة الكلام على المدرسة الحلوية :
تكلمنا على هذه
المدرسة في الجزء الثاني (ص ٦٣) في تعداد آثار الملك العادل نور الدين الشهيد ، ثم
وجدت أبا ذر في كنوز الذهب عقد لها فصلا مسهبا وفيه زوائد كثيرة عما ذكرناه ثمة
فوجدنا من المناسب إيراده هنا تتميما للفائدة ، قال :
ولما حاصرت
الفرنج حلب في سنة ثمان عشرة وخمسماية وملكها يومئذ إيلغازي بن أرتق صاحب ماردين ،
فهرب منها وقام بأمر البلد ومن فيه القاضي أبو الحسن محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد
بن الخشاب ، فعمد الفرنج إلى قبور المسلمين فنبشوها ، فلما بلغ القاضي ذلك عمد إلى
أربع كنائس من الكنائس التي كانت بها وصيرها مساجد إحداها هذه (أي الحلوية) ،
والثانية تأتي في الحدادية ، والثالثة في المقدمية ، والرابعة على ما يغلب عليه
ظني هي المسجد الذي بقرب حمّام موغان. قلت : وبالقرب من حمّام موغان مسجد بينها
وبين الجاولية الحنفية مكتوب على حائطه أنه عمر في أيام الناصر بن العزيز بتولية
محمد ابن عبد الرحمن بن العجمي الشافعي في رمضان سنة خمس وخمسين وستماية.
قال ابن شداد :
وكان بموضع الدار التي هي الآن دار الزكاة ، وهذه الدار وهذه الحمّام المجاورة لها
من إنشاء ذكا وكان متوليا بحلب من سنة اثنتين وتسعين ومائتين بيت
المذبح
__________________


لكنيسة هيلانة التي هي الحلوية ، وبينها ساباط معقود البناء تحت الأرض يخرج
منها من الكنيسة إلى المذبح ، وكان النصارى يعظمون هذا المذبح ويقصدونه من سائر
البلاد ، وكانت حمّام موغان حمّاما للهيكل ، وكان حوله قريبا من مائتي قلاية تنظر
إليه ، وكان في وسطه كرسي ارتفاعه إحدى عشرة ذراعا من الرخام الملكي الأبيض. وذكر
ابن شرارة النصراني في تاريخه أن عيسى عليهالسلام جلس عليه ، وقيل جلس موضعه لما دخل حلب ، وذكروا أن
جماعة من الحواريين دخلوا هذا الهيكل ، وكان في ابتداء الزمان معبدا لعبّاد النار
، ثم صار إلى اليهود فكانوا يزورونه ، ثم صار إلى النصارى ، ثم صار إلى المسلمين. وذكروا
أيضا أنه كان بهذا الهيكل قس يقال له برسوما تعظمه النصارى وتحمل إليه الصدقات من
سائر الأقاليم ، يذكر في سبب تعظيمهم له أنه أصاب أهل حلب وباء في أيام الروم فلم
يسلم منهم غيره.
قال : وكانت
هذه المدرسة تعرف قديما بمسجد السرّاجين ، ولما ملك نور الدين حلب وقفه مدرسة وجدد
فيه مساكن يأوي إليه الفقهاء وإيوانا ، وكان مبدأ عمارته ، قال ابن شداد ، في سنة
أربع وأربعين وخمسماية ، ومكتوب على بابها في سنة ثلاث وأربعين ، ومتولي عمارتها
القاضي فخر الدين أبو منصور محمد بن عبد الصمد بن الطرسوسي الحلبي ، وكان ذا همة
ومروءة ظاهرة له أمر نافذ في تصرفه في أعمال حلب وأثر صالح في الوقوف ، ثم انعزل
عن ذلك أجل انعزال ومات في وسط سنة تسع وأربعين وخمسماية. والمحراب الذي في
إيوانها منجور فرد في بابه جدد في أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن محمد في سنة
ثلاث وأربعين وستماية ، وكان بها خزانة كتب فذهبت.
وكان على قبتها
طائر من نحاس يدور مع الشمس فذهب. ورأيت في كلام داود بن علي أحد الفقهاء بها ما
لفظه : فاطمة زوجة الكاساني هي التي سنت الفطر في رمضان للفقهاء بالحلاوية ، كان
في يديها سواران فأخرجتهما وباعتهما وعملت بثمنهما الفطور كل ليلة فاستمر ذلك إلى
اليوم. قلت : بل انقطع ذلك بالكلية. (ثم قال) : ولما فرغ من بنائها استدعى لها من
دمشق الفقيه الإمام برهان الدين أبا الحسن علي بن الحسن بن محمد ابن أبي جعفر ،
وقيل جعفر البلخي فولاه تدريسها. واستدعى الفقيه برهان الدين أبا العباس أحمد بن
علي الأصولي السلفي من دمشق ليجعله نائبا عن برهان الدين فامتنع من القدوم ، فسير
إليه برهان الدين كتابا ثانيا يستدعيه فيه ويشدد عليه في الطلب ، فأجابه عن كتابه
بكتاب استفتحه بعد البسملة :
ولو قلت طأ
في النار أعلم أنه
|
|
رضى لك أو
مدن لنا من وصالك
|
لقدمت رجلي
نحوها فوطئتها
|
|
هدى منك لي
أو ضلة من ضلالك
|
ثم قدم حلب بعد
كتابه فاستنابه برهان الدين ولم يزل نائبا عنه إلى أن مات ، فحزن عليه برهان الدين
حزنا غلب عليه ، ولما فرغ من الصلاة عليه التفت إلى الناس وقال : شمت الأعداء بعلي
لموت أحمد.
ولم يزل برهان
الدين مدرسا إلى أن خرج من حلب لأمر جرى بينه وبين مجد الدين أبي بكر محمد بن محمد
بن نوشتكين بن الداية لما كان نائبا عن السلطان بحلب ، وقصد دمشق فأقام بها إلى أن
توفي في شعبان سنة ثمان وأربعين وخمسماية ، وتولى المدرسة بعد خروجه الفقيه الإمام
عبد الرحمن بن محمود بن محمد بن جعفر الغزنوي أبو الفتح ، وقيل أبو محمد الحنفي
الملقب علاء الدين ، فأقام بها مدرسا إلى أن توفي بحلب لسبع بقين من شوال سنة أربع
وستين وخمسماية.
وولي بعده ولده
محمود وكان صغيرا ، فتولى تدبيره الحسام علي بن أحمد بن مكي الرازي الورودي ، ثم
ولي بعده الإمام رضي الدين محمد بن محمد بن محمد أبو عبد الله السرخسي ، وكان في
لسانه لكنه فتعصب عليه جماعة من الفقهاء الحنفية وصغروا أمره عند نور الدين ،
وكانت وفاته يوم الجمعة آخر جمعة في رجب سنة إحدى وسبعين وخمسماية ، فكتب نور
الدين إلى عالي بن إبراهيم بن إسماعيل أبي علي الغزنوي وكان بالموصل ليقدم إلى حلب
ليوليه تدريس المدرسة ، واتفق أن أبا بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الملقب علاء
الدين سير رسولا من الروم إلى نور الدين فعرض عليه المقام بحلب والتدريس بالحلوية
، فأجابه إلى ذلك ووعده أن يعود إلى حلب بعد رد جواب الرسالة ، فعاد إلى الروم ثم
قدم حلب فولي عالي تدريس الحلاوية يوما واحدا.
ثم إن نور
الدين استحيا من علاء الدين الكاساني فاستدعى ابن الحكيم مدرس مدرسة الحدادين إلى
دمشق وولى عالي الغزنوي مكان ابن الحكيم ، ثم ولي علاء الدين الحلاوية ، ولم يزل
بها إلى أن توفي يوم الأحد بعد الظهر عاشر رجب سنة سبع وثمانين وخمسماية.
وولي بعده عبد
المطلب بن الفضل بن عبد المطلب بن الحسين بن أحمد بن الحسين
ابن محمد بن الحسين ابن عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد
الله بن العباس ، ولم يزل مدرسا إلى أن توفي في جمادى الآخرة سنة ست عشرة وستماية.
فولي بعده ولده
تاج الدين أبو المعالي الفضل ، واستمر مدرسا إلى أن توفي فجأة في أواخر سنة ثلاث
وثلاثين وستماية ، وخلع في يوم تدريسه عشرين خلعة على من حضر درسه من متميزي
الفقهاء.
فولي بعده كمال
الدين أبو القاسم عمر بن قاضي القضاة نجم الدين أحمد بن هبة الله ابن أبي جرادة
المعروف بابن العديم ، ولم يزل مستمرا على تدريسها إلى أن قصد دمشق في خدمة الملك
الناصر ، فولي تدريسها استقلالا ولده مجد الدين أبو المجد عبد الرحمن وتدريسها بيد
بني العديم إلى الآن صورة. انتهى.
وكانت هذه
المدرسة أخيرا في أيامي يستحي الشخص أن يمر على بابها من الفضلاء والعلماء
والجالسين على دككها كالشيخ عز الدين الحاضري وجماعته ، وقد حضرت بها الدرس في
أيام السيفي قصروه درس بها الشيخ أبو بكر بن إسحق الحنفي القاضي درسا حافلا في
قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ورتبه على علوم ، وحضر قضاة البلد وشيخنا وفضلاء البلد
إذ ذاك والكافل. فلما أخذ في الدرس سأله شيخنا مسألة فأرتج عليه بقية الدرس ، ودرس
بعده في المجلس مدرسها عز الدين بن العديم.
ودرس في هذه
المدرسة أيضا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن أمين الدولة وهو
مذكور مع أقاربه. ودرس بها أيضا الحسين بن محمد أسعد الفقيه المعروف بالنجم ، وله
تصانيف في الفقه منها «شرح الجامع الصغير» لمحمد بن الحسن فرغ من تصنيفه بمكة ، وله
«الفتاوي والواقعات». وكان دينا ، وله حكاية طويلة في حضوره عند نور الدين وقد
سأله عن لبس خاتم في يده كان فيه لوزات من ذهب ، فقال له : تتحرز عن هذا ويحمل إلى
خزائنك من المال الحرام كل يوم كذا وكذا ، فأمر نور الدين بإبطال ذلك. وسميت
الحلاوية لأنه كان عندها سوق الحلوانيين ا ه.
وقال أبو ذر في
أول الفصل الحادي عشر في خطط حلب وقلعتها : ولنبدأ في الكلام
__________________
على الخطط بالقصبة العظمى التي يدخل إليها من باب أنطاكية وينتهي إلى تحت
القلعة وما يتشعب منها بعد أن نعلم أن السلطان نور الدين الشهيد تغمده الله برحمته
وقف نصف قرية لفخناز بالقرب من معرة مصرين على إصلاح الشوارع والبقية وقف على
الحلوية.
وبهذه المناسبة
نتكلم على المدرستين الحدادية والمقدمية وعلى المسجد الذي بين حمّام موغان وبين
المدرسة الجاولية فنقول :
الكلام على المدرسة الحدّادية :
قال أبو ذر :
هذه المدرسة سميت بالحدادية وهي بدرب المتوجه إلى السفاحية ، أنشأها حسام الدين
محمد بن عمر بن لاجين أخت صلاح الدين ، كانت من الكنائس الأربع التي تقدم ذكرها
فهدمها وبناها بناء وثيقا. وأول من درس بها الفقيه الإمام الحسين بن محمد بن أسعد
بن حليم المنعوت بالنجم ، ولم يزل بها إلى أن استدعاه نور الدين إلى دمشق ، وولي
مكانه عالي بن إبراهيم بن إسماعيل الغزنوي ، ولم يزل بها إلى أن توفي إما في سنة
إحدى أو اثنتين وثمانين وخمسماية. وهذان القولان حكاهما كمال بن العديم ، وعلى
المذكور صنف كتاب «التقشير في التفسير» . قال أبو اليمن الكندي : صحف حتى في اسمه وفيه أوهام
كثيرة إذا تعرض في النحو.
ثم وليها بعده
موفق الدين أبو الثنا محمود بن طارق النحاس الحلبي ، ولم يزل مدرسا إلى أن توفي في
السنة التي قدمنا ذكرها عند ذكره في الشاذبختية. ثم وليها بعده ولده كمال الدين
إسحق ، ولم يزل بها مدرسا إلى أن توفي ليلة الأربعاء مستهل شعبان سنة أربع وأربعين
وستماية. ووليها بعده الشيخ شهاب الدين أحمد بن يوسف بن عبد الواحد الأنصاري ، ولم
يزل بها مدرسا إلى أن توفي يوم الخميس سادس عشر شعبان سنة تسع وأربعين وستماية. ووليها
بعده ولده فخر الدين يوسف ، ولم يزل إلى أن قتلته التتر عند استيلائهم على حلب.
قلت : وهذه
المدرسة بعد الفتنة التيمرية تعطلت عن إقامة الشعائر فيها وسكنها النساء وأغلق
بابها حتى قدم الشيخ الصالح الزاهد العامل علاء الدين الجبرتي نفع الله به المتقدم
ذكره في مدرسة الصاحبية فحضر إلى هذه المدرسة بعد أن عمر الصاحبية كما تقدم وأخرج
__________________
النساء منها وصار يتردد إليها فأقام شعارها وعمر ما دثر منها وفتح خلاويها
بعد أن كانت مردومة بالتراب وبيّض إيوانها وفتح بركتها وأجرى إليها الماء من الحوض
الذي خلف دار العدل ، واتخذ له فيها خلوة وكان يتعبد بها ، وعمر مرتفقها وحفره حتى
بلغ الماء ، وكان ينزل إليه بنفسه وينزح التراب منه ، وعمره عمارة متقنة ، ولما
حفروا المرتفق وجدوا فيه حجرا أسود على قبر وعليه صلبان ، وكان أصل هذا المرتفق
ناووسا للكنيسة فتعاونوا على هذا الحجر وربطوه بالحبال وجبذوه إلى خارج هذا
المرتفق ، وبنى إلى جانب هذا المرتفق مستحما وأحضر إليه جرنا أسود من خارج وقفه
بعض أهل الخير على هذا المكان ، والجرن الأبيض الذي على جانب البركة نقله من
الحمّام الخراب التي خلف دار العدل بأمر مالكتها بنت المؤيد ، وكان قد أخرجه بعض
الناس من الحمّام إلى مسجد هناك مهجور ليأخذه إلى منزله ، فسمع الشيخ بذلك فأرسل
إلى القاهرة واستأذن بنت المؤيد في نقله إلى هذه المدرسة فأذنت له فيه فنقله ،
وفتح في هذه المدرسة بعض الناس صهريجا وأنفق عليه جملة وأقيم شعار هذه المدرسة
بالذكر والصلوات الخمس والمؤذنين والحصر والبسط والمصابيح وغير ذلك.
ومن جملة ما
نقم الأعداء على الشيخ علاء الدين واستفتوا عليه أنه كان يصلي في هذه المدرسة وهو
شافعي المذهب ، فهلا كانوا استفتوا على النساء الساكنات بها وعلى من عطل معاهدها. ولقد رأيت بعيني النساء
سافرات بها فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وسيأتي ما اتفق للشيخ في خانقاه الملكي.
ولما ألزم
قصروه المدرسين بالتدريس ألزم شيخنا ابن الرسام الحنبلي بالتدريس فلم يجد له مكانا
، فدرس بها ، وهذه المدرسة من جملة وقفها حوانيت بسوق الحرير وآل تدريسها إلى
المالكية ا ه.
وقال ابن
الشحنة في الكلام عليها : لم يزل يتولاها المدرسون إلى أن وصلت إلى يدي ونزلت
عليها لولديّ ، وهي الآن بيدهما. وقال بعده : إنها الآن معطلة ا ه.
أقول : هذه
المدرسة كانت عامرة في أواخر القرن العاشر كما ذكره رضي الدين الحنبلي في تاريخه ،
وقدمنا ذلك في الجزء الثالث في صحيفة (٢٠٤) ، ثم اتخذت دورا ولا أدري
__________________
متى كان ذلك ، وهي قبلي بيوت بني راغب آغا ، وبقي من آثارها عضادتا بابها
الكبير ومكتوب على طرفه الأيمن (الحمد لله) بقلم جاف جدا ولله الأمر.
الكلام على درب الحدّادين :
قال أبو ذر :
درب الحدادين هو الذي به المدرسة الحدادية ، وبه مسجدان كان أحدهما فوق الحوض الذي
كان على باب المدرسة. ورأيت أقجا الخازندار وهو يخربه ولا ينكر عليه أحد بلسانه ،
وجدد هناك حوضا كبيرا ، والمسجد الآخر باق كان قد جددته زوج الحمزاوي كافل حلب ،
ثم جدده بعض التجار. وبرأس هذا الدرب بالقرب من السفاحية حمّام ميخان. قال ابن
شداد : وبهذا الدرب مشهد يعرف بعلي رضي الله تعالى عنه ، ولعله هو هذا المسجد
المتقدم الذي هو باق الآن ا ه.
أقول : ولا أثر
الآن لهذه المساجد ، أما الحمّام فلم تزل موجودة.
المدرسة المقدّمية :
هذه المدرسة
بدرب كان يسمى قديما درب الحطّابين والآن يسمى بدرب ابن سلار ، أنشأها عز الدين
عبد الملك المقدم وكانت إحدى الكنائس الأربع التي صيرها القاضي أبو الحسن ابن
الخشاب مساجد في سنة ثمان عشرة وخمسمائة وأضاف إليها دارا كانت إلى جانبها ،
وابتدأ في عمارتها سنة خمس وأربعين وخمسمائة. وهذه المدرسة على هيئة الشرفية ،
وقيل إنه أخذ ترتيب الشرفية منها ، وشماليتها الآن داثرة. وأول من درس بها برهان
الدين أبو العباس أحمد بن علي الأصولي المقدم ذكره ، ثم وليها بعده الشريف افتخار
الدين عبد المطلب بن الفضل الهاشمي المقدم ذكره في الحلاوية ، ولم يزل بها إلى أن
توفي. ووليها بعده ولده أبو المعالي الفضل ، ولم يزل بها إلى أن توفي. وتولاها
بعده شهاب الدين أحمد بن يوسف بن عبد الواحد الأنصاري ، ولم يزل بها إلى أن توفي.
ووليها بعده افتخار الدين أبو المفاخر محمد بن تاج الدين أبي الفتح يحيى بن القاضي
أبي غانم محمد بن أبي جرادة المعروف بابن العديم ، ولم يزل بها مدرسا إلى أن قتل
عند استيلاء التتر على حلب.
ومن جملة
أوقافها رحا الجوهري قبلي حلب على قويق وحصة بقرية كفتان ا ه.
خانكاه المقدّمية :
هذه الخانكاه
أنشأها عبد الملك بن المقدم بدرب الحطّابين المعروف الآن بدرب ابن سلار سنة أربع
وأربعين وخمسمائة. قلت : خرب بعضها وقد شرع في عمارته في هذه الأيام. ومن جملة
أوقافها حصتان بقريتي جسرين والمحمدية من عمل دمشق وحصة بقرية كفتان من حواضر حلب
ا ه.
أقول : موقع
هذه المدرسة وهذه الخانقاه في محلة الجلّوم في الزقاق المعروف الآن بزقاق خان
التتن ، والإسمان السابقان هجرا بتاتا ، وباب المدرسة لم يزل باقيا من عهد الواقف
وفيه هندسة حسنة لكنه آخذ إلى الخراب وفي حاجة إلى الترميم. وقد كتب عليه :
(١) البسملة.
هذا ما وقفه تقربا إلى الله تعالى.
(٢) في أيام
الملك العادل محمود بن زنكي بن آقسنقر عز نصره.
(٣) الفقير إلى
رحمة الله محمد بن عبد الملك بن محمد في.
(٤) سنة أربع
وستين وخمسمائة فرحم الله من قرأه ودعا بالمغفرة.
والباقي من
المدرسة قبليتها وهي في حاجة إلى الترميم أيضا ، وفيها شخص يؤدب الأطفال ويعلمهم
حساب الدفاتر التجارية ، والحجر التي كانت هناك في أطرافها الثلاثة كلها تخربت
ومكانها خال أصبح عرصة واسعة ما عدا حجرتين في الجهة الغربية وهما مشرفتان على
السقوط وربما سكنهما بعض الفقراء ، وتنوي دائرة المعارف الآن بناء مكتب في تلك
العرصة الواسعة لاحتياج هذه المحلة إلى ذلك. وأما الخانقاه فلا أثر لها الآن ،
وربما كانت في الجانب الشرقي من هذه المدرسة. ووقفها الذي بدمشق ليس خاصا بها بل
هو موقوف على المدرسة المقدمية التي بدمشق ، وهو لم يزل باقيا ، وهي من آثار عز
الدين عبد الملك أيضا ، والمتولي عليها وعلى وقفها صديقنا الفاضل الشيخ محمد حمدي
السفرجلاني الدمشقي ، وقد ذكر لي غير مرة أنه يود أن يشرع في عمارة المدرسة التي
في حلب ليقدم لها ما يخصها من ريع وقفها الذي بدمشق.
الكلام على درب الحطّابين :
قال أبو ذر :
هو الذي به المدرسة والخانقاه المقدمتان ، وبرأسه من جهة الشرق مسجد معلق أنشأه
الحاج جعفر بن مزاحم ، قاله ابن شداد. وقد جدد هذا المسجد يوسف بن
أحمد أحد رجال الحلقة سنة تسع وثلاثين وسبعماية ، وقد هجر الآن وسد بابه
وجعل ملكا ثم جدد في زماننا. وهذا الدرب يعرف الآن ببني سلار ، لأن دار الأمير
ناصر الدين محمد بن سلار كافل قلعة حلب به ، وكان مقدما عند الظاهر برقوق ، وكذلك
ولده ، وهي الآن بيد بني السفاح.
وخارج هذا
الدرب من القبلة مسجد أنشأه محمد بن دفاع بن أبي نصر سنة أربع عشرة وستماية ا ه.
أقول : لا أثر
الآن للمسجد الذي بناه يوسف بن أحمد ، وأما المسجد الذي أنشأه محمد بن دفاع فهو
باق تقام فيه الصلوات الجهرية وهو شرقي المدار الذي تجاه زقاق خان التتن.
بقي علينا من
الأماكن الأربعة التي اتخذت مساجد المسجد الذي بقرب حمّام موغان ، هذا المسجد في
آخر السوق الذي فيه الخان المعروف بخان الحرير من جهة الشمال ويعرف بمسجد اليتامى
قد خربته دائرة الأوقاف سنة ١٣٤٠ وبنت موضعه حانوتين كبيرين وبنت فوقهما المسجد ،
وجعلت له منارة صغيرة ، وهو من هذه الجهة يلاصق الحوانيت التي بنيت حديثا عوضا من
الحمّام التي كانت هناك وتعرف بحمام البيلوني التابعة لوقف بني البيلوني ، وقبليها
زقاق ضيق غير نافذ فيه بعض الدور يعرف ببوابة الياسمين ، وقبلي هذا الزقاق المدرسة
الجاولية.
المدرسة الجاولية :
هذه المدرسة
بالقرب من السهلية وهي سويقة حاتم الآن ، لها بوابة عظيمة مبنية بالحجر الهرقلي
أنشأها عفيف الدين عبد الرحمن ... الجاولي النوري وشرط أن يقرأ الفقهاء والمدرس
شيئا من القرآن ويجعل هذا للسلطان نور الدين.
وأول من درس
بها الشيخ العالم علاء الدين أبو بكر بن مسعود أحمد أمير كاسان الكاساني المقدم
ذكره ، ولم يزل بها إلى أن توفي ، ووليها بعده الشيخ جمال الدين خليفة ابن سليمان
بن خليفة القرشي المقدم ذكره ، إلى أن مات ، فوليها بعده نجم الدين أبو الحسن علي
بن إبراهيم بن حسام الكردي الهكاري المعروف بالجلي ، ولم يزل بها إلى أن كانت
فتنة التتر فقتل فيها ، وآل تدريسها إلى شيخنا الشيخ شمس الدين بن سلامة
وسكن بها ، وآلت بعد وفاته لشيخنا العلامة محب الدين بن الشحنة الحنفي ، فدرس بها
درسا حافلا من أول سورة البقرة ، ونقل كلام الزمخشري عليه لوالده ... (هنا سطور
على الهامش ممحوة بتاتا). ومن جملة أوقافها حصة في لفحناز من عمل معرة مصرين ا ه.
وفي الدر المنتخب : شرط منشئها لمدرسها كفايته وكفاية عياله.
أقول : الباقي
من هذه المدرسة قبليتها ، وعمر في الجهة الشرقية منها بعض حجر صغيرة ليست محكمة
البناء ، وما عدا ذلك فهو عرصة. وقد شرعت دائرة الأوقاف هذه السنة وهي سنة ١٣٤٤ في
هدمها لتبنيها خانا أو حوانيت.
٢٥٢ ـ أحمد بن عبد الله الأسدي المعروف بابن الأستاذ المتوفى سنة ٦٦٢
أحمد بن عبد
الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان بن رافع أبو العباس كمال الدين الأسدي
الحلبي الشافعي المعروف بابن الأستاذ ، قاضي القضاة بحلب وأعمالها. مولده ليلة
الثامن عشر من جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وستماية. سمع من أبي هاشم عبد المطلب بن
الفضل الهاشمي ومن جماعة كثيرة غيره ، وحدث ودرس ، وولي الحكم بحلب وأعمالها سنة
ثمان وثلاثين وستماية وهو في عنفوان شبابه ، فحمدت سيرته وشكرت طريقته ، وكان سديد
الأحكام وله المكانة العظيمة عند الملك الناصر صلاح الدين يوسف رحمهالله وسائر أرباب الدولة ، وكلمته نافذة وحرمته وافرة
ومكارمه مشهورة ومناقبه مذكورة. ولم يزل على ذلك حتى تملك التتر حلب وقلعتها في
سنة ثمان وخمسين ومن الله تعالى بكسرهم في رمضان من السنة المذكورة ، وكان قاضي
القضاة كمال الدين قد نكب وأصيب بأهله وماله وبلده ، فقدم إلى الديار المصرية ودرس
بالمدرسة المعزية بمصر وبالمدرسة الكنهارية بالقاهرة ، وأقام على ذلك إلى أول هذه
السنة فوض إليه الحكم بحلب وأعمالها على عادته ، فحمله حب الوطن على الإجابة فعاد
إلى حلب وأقام بها مدة أشهر وتوفي بها في نصف شوال ودفن من الغد رحمهالله.
كان رئيسا
جليلا عظيم المقدار جوادا سمحا دينا تقيا حسن الاعتقاد بالفقراء والصالحين كثير
المحبة لهم والميل إليهم والبر بهم والإيمان بكراماتهم ، لا ينكر ما يحكى عنهم من
خرق
العادات. وكان أحد المشايخ الأجلاء المشهورين بالفضل والدين وحسن الطريقة
ولين الجانب وكثرة التواضع وجمال الشكل وحلاوة المنطق. حضر إلى زيارة والدي ببعلبك
، فترجل عن بغلته من أول الدرب ، ولما دخل الدار قعد بين يدي والدي متأدبا إلى
الطرف الأقصى ولم يستند إلى الحائط ، وسمع عليه شيئا من الحديث النبوي. وكان من
حسنات الدولة الناصرية بل من محاسن الدهر ، وهو من بيت معروف بالعلم والدين والحديث
، وأبوه القاضي زين الدين أبو محمد عبد الله تولى القضاء بحلب وأعمالها مدة وسمع
من غير واحد وحدث ، وكان من العلماء الفضلاء الصدور الرؤساء ، وجده عبد الرحمن أحد
المشايخ المعروفين بالزهد والصلاح والدين رحمهمالله تعالى ، وبيتهم أحد البيوت المشهورة في حلب بالسنة
والجماعة ا ه. (من الذيل لليونيني في وفيات سنة ٦٦٢).
وقال الأسنوي
في طبقاته : شرح الوجيز في نحو عشر مجلدات وقفت عليه. وقال السبكي في طبقاته في
ترجمة المذكور : وله حواش على فتاوي ابن الصلاح فيها فوائد ، وكلامه يدل على فضل
كبير واستحضار للمذهب جيد ا ه.
٢٥٣ ـ أبو بكر بن الزرّاد الحرّاني المتوفى سنة ٦٦٣
أبو بكر بن
يوسف بن أبي بكر بن أبي الفرج بن يوسف بن هلال بن يوسف الحراني المقري الفقيه
المحدث ناصح الدين المعروف بابن الزرّاد. ولد سنة أربع عشرة وستماية تقديرا بحرّان
، وتوفي في تاسع عشرين جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وستماية بحلب ا ه (الدر المنضد
في أصحاب الإمام أحمد).
٢٥٤ ـ عبد الله بن محمد بن الخضر المتوفى سنة ٦٦٥
عبد الله بن
محمد بن يوسف بن الخضر بن عبد الله بن القاسم بن عبد الرحيم أبو محمد الحلبي
الفقيه. تقدم أخوه أحمد ، ويأتي أبوهما محمد بن يوسف وجدهما يوسف. ذكره الدمياطي
في معجم شيوخه وقال : مولده بحماه سنة تسع وستماية ، وتوفي بقاعة الخطابة من
القاهرة سنة خمس وستين وستماية ، ودفن بسفح المقطم ، حضرت الصلاة عليه ا ه. (ط ح
للقرشي).
٢٥٥ ـ الحسن بن علي التاجر المعروف بابن عمرون المتوفى سنة ٦٦٦
الحسن بن علي بن
أبي نصر بن النحاس أبو البركات شهاب الدين الحلبي المعروف بابن عمرون ، منسوب إلى
جهة الأم التاجر المشهور. كانت له نعمة ضخمة ومتاجر كثيرة وأموال عظيمة وحرمة
وافرة ومكانة عند الملك الناصر صلاح الدين يوسف وسلفه وأكابر أمراء دولته ،
ومنزلته لديهم رفيعة. ولما ملك الناصر دمشق كان المذكور إذا قدم عليه بالغ في
إكرامه وتلقيه وإقامة حرمته وإنزاله في أحد الأماكن وترتيب الإقامات له مدة مقامه
، وسائر أرباب الدولة يعاملونه بما يناسب ذلك.
ولما استولى
التتار على حلب في سنة ثمان وخمسين لم يتعرضوا لداره وما جاورها من الدرب كافة ،
كأنه ضمن لهم مبلغا كبيرا على أن يحموها من النهب ففعلوا ، وأوى إليها وإلى دربه
من أهل حلب وغيرهم ومن الأموال ما لا يحصى كثرة ، فشملت السلامة لذلك جميعه ، وقام
لهم بما كان التزمه من صلب ماله ولم يستعن على ذلك بمال أحد ممن أوى إليه ، فكانت
هذه مكرمة له ، وتمزق معظم أمواله وخربت أملاكه وبقي معه اليسير بالنسبة إلى أصل
ماله ، فتوجه إلى الديار المصرية في أوائل الدولة الظاهرية فلزمه مغرم عظيم
السلطان (هكذا ولعله سقط لفظ من) أتى على قطعة وافرة مما تبقى معه. واستوطن ثغر
الإسكندرية إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى بالإسكندرية في يوم الجمعة ثالث
وعشرين شعبان ودفن هناك رحمهالله وقد نيف على الثمانين سنة تقريب ثلاث سنين. وكان عنده
رياسة وسعة صدر وكرم طباع يسمح بما تشح نفس التجار ببعضه إطلاقا وقرضا ، وأكابر
الحلبيين يعرفون رياسته وتقدمه لا ينكرون ذلك.
وأبو نصر
المذكور هو فيما أظن محمد بن الحسين بن علي بن النحاس الحلبي كاتب تاج الملوك
محمود بن صالح بن مرداس وهو صاحب المكاتبة إلى سديد الملك بن منقذ صاحب شيزر (وهنا
ساق اليونيني حكايته مع سديد الملك علي بن منقذ صاحب شيزر المتوفى سنة ٤٧٥ وقد
قدمناها في ترجمة المذكور).
٢٥٦ ـ عبد الرحيم بن عبد الرحيم العجمي المتوفى سنة ٦٧٠
عبد الرحيم بن
عبد الرحيم بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن طاهر بن محمد بن الحسين
ابن علي أبو الحسين عماد الدين الحلبي الشافعي المعروف بابن العجمي. تفقه
على مذهب الإمام الشافعي رضياللهعنه وسمع وحدث ودرس ، وتولى الحكم بمدينة الفيوم وغيرها ،
وناب في الحكم مدة. وكان مشكور السيرة سديد الأحكام عارفا بفصل الحكومات. وتوفي
بحلب رحمهالله. وبيته مشهور بالعلم والحديث والرياسة والسنة والجماعة
ا ه. (ذيل اليونيني من وفيات سنة ٦٧٠).
أقول : وهو ممن
تولى على مسجد المحصّب المعروف الآن بجامع الكريمية في محلة باب قنسرين واسمه
منقوش على بابه القديم ، ونص ذلك بعد البسملة :
(جدد هذه
البنية المباركة في دولة مولانا السلطان الأعظم والملك المعظم مالك رقاب الأمم سيد
ملوك العرب والعجم العالم العادل المجاهد المرابط المؤيد المظفر المنصور الملك
الناصري صلاح الدنيا والدين حافظ بلاد الله ناصر عباد الله معين خليفة الله أبو
المظفر يوسف بن محمد بن يوسف خليل أمير المؤمنين خلد الله ملكه أعز الله أنصاره
بمحمد وآله بتولي مملوكه العبد الفقير إلى رحمة الله عبد الرحيم بن عبد الرحيم بن
العجمي الشافعي في شهور سنة أربع وخمسين وستماية من الهجرة النبوية) ا ه.
وسيأتي مزيد
الكلام على هذا الجامع في ترجمة الشيخ عبد الكريم الخوافي من أعيان القرن التاسع.
٢٥٧ ـ أحمد بن سعيد بن الأثير المتوفى سنة ٦٧١
أحمد بن سعيد
بن محمد الصاحب تاج الدين بن شرف الدين بن شمس الدين بن الأثير الحلبي الموقع.
وأولاد ابن الأثير هؤلاء غير بني الأثير الموصليين. وكان تاج الدين المذكور بارعا
فاضلا معظما في الدول باشر الإنشاء بدمشق ، ثم بمصر للملك الظاهر بيبرس ، ثم للملك
المنصور قلاوون. وكان له نظم ونثر ، وعلى كلامه رونق وطلاوة. ومن عجيب ما اتفق أن
الأمير عز الدين أيدمر السناني النجيبي الدوادار أنشد تاج الدين المذكور عند قدومه
إلى القاهرة في الأيام الظاهرية أول اجتماعه به ولم يكن يعلم اسمه ولا اسم أبيه
قول الشاعر :
كانت مساءلة
الركبان تخبرني
|
|
عن أحمد بن
سعيد أطيب الخبر
|
حتى التقينا
فلا والله ما سمعت
|
|
أذني بأحسن
مما قد رأى بصري
|
فقال له تاج
الدين : يا مولانا ، أتعرف أحمد بن سعيد؟ فقال : لا. فقال : المملوك أحمد بن سعيد.
ودام تاج الدين
إلى أن ولي كتابة السر بعد فتح الدين بن عبد الظاهر شهرا. ومات بغزة ذاهبا إلى
القاهرة في شوال سنة إحدى وسبعين وستماية ، وولي بعده ابنه عماد الدين إسماعيل كتابة السر ا ه. (المنهل
الصافي).
وستأتي ترجمة
ولده إسماعيل في وفيات سنة ٦٩٩.
أقول :
وللمترجم مؤلف سماه «المختصر المختار من وفيات الأعيان لابن خلكان» ، وهو موجود في
مكتبة المدرسة العثمانية بحلب ، انظر ما كتبته عنه في المقدمة ص (٦٥) وقلت ثمة :
إني لم أقف على ترجمة لأحمد بن سعيد ، ثم وجدتها في المنهل الصافي لما أرسله إلي
من مصر الوجيه المفضال أحمد باشا تيمور فجزاه الله عني خيرا.
٢٥٨ ـ محمد بن محمد الأسدي المتوفى سنة ٦٧٢
محمد بن محمد
بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان بن رافع قاضي القضاة بحلب محيي الدين أبو
المكارم الأسدي الشافعي. ولد بحلب خامس شعبان سنة اثنتي عشرة وستماية وسمع وحدث ،
ودرس بالمدرسة المسرورية بالقاهرة ، وتولي قضاء حلب وأعمالها إلى حين وفاته. وبيته
معروف بالعلم والدين والتقدم والسنة والجماعة. توفي ثالث عشر جمادى الأولى بحلب
سنة اثنتين وسبعين وستماية ، ودفن بتربة جده ، وقيل في وفاته غير ذلك. وقد ولي
قضاء حلب من بيتهم جماعة ا ه. (الوافي بالوفيات للصلاح الصفدي).
٢٥٩ ـ عبد الرحمن بن العديم المتوفى سنة ٦٧٧
عبد الرحمن بن
عمر بن أحمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن هرون بن
__________________
موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة ولد الصاحب أبو المجد مجد
الدين. مات سنة سبع وسبعين وستماية ، ومولده سنة أربع عشرة وستماية. وخرج له
الحافظ أبو العباس الظاهري معجما في عشرة أجزاء ذكر فيه شيوخه وحدث به بدمشق ومصر.
انتهت إليه رياسة الحنفية في وقته. (ط الحنفية).
وذكره الشيخ
محمد العرضي في مجموعته فقال : قال حافظ الإسلام الذهبي : كان إماما مفتيا مدرسا
عالما صدرا معظما ذا دين وتعبد وسيرة حميدة وأوراد. وسمع بمكة ومصر والإسكندرية
ودمشق وحلب وبغداد ، وقدم على قضاء الشام وهو بزي الأمراء والرؤساء لم يعبأ
بالمنصب ولم يغير زيه ولم يوسع كمه. ومر بوادي ربيعة وهو مخوف فلم يسر منه حتى نزل
وصلى فيه وقرأ ورده.
وقال الصلاح
الصفدي في تاريخه بعد أن أثنى عليه : وهو أول حنفي ولي خطابة جامع الحاكم ودرس
بظاهرية القاهرة وحضره السلطان وهو لم يحضر بعد ، فطلبه السلطان فقيل له حتى يقضي
ورد الضحى ، ثم جاء وقد تكامل الناس فقام له كلهم وهو لم يقم لأحد.
مولده سنة ثلاث
عشرة وستماية. ومن نظمه :
شهود ودي
تؤدي وهي صادقة
|
|
وحاكم الشوق
بالأسجال قد حكما
|
هب أنني مدع
غابت شواهده
|
|
أليس ظرفك
يقضي بالذي علما
|
وله رحمهالله :
ما بعد رامة
للمطايا موقف
|
|
فقفوا بها إن
رمتم أن تسعفوا
|
ربع الصبا
ومهب أنفاس الصبا
|
|
وغضارة العيش
الذي يترشّف
|
يا صاحبيّ
قفا بها واستشرفا
|
|
فعسى غزال من
رباها يعطف
|
وسلوا غصون
البان هل مرت بها
|
|
ريح الصبا أم
رنحتها قرقف
|
وترقبوا سحرا
لعل نسيمه
|
|
من جانب
الوادي يرقّ ويلطف
|
إن أوردت
خبرا فأخبار الهوى
|
|
أبدا به أسماعنا
تتشنّف
|
أو رامت
الكتمان عن أهل الحمى
|
|
فبطيها نشر
به يتعرّف
|
أنا إن شغلت
برامة عن جلق
|
|
ونسيت ذكراها
فما أنا منصف
|
ما في الهوى
العذري إن أنسى بها
|
|
أيام أنس
مثلها لا يخلف
|
هي جنة
المأوى ومصر بلادها
|
|
والنيل
نائلها ويوسف يوسف
|
هذي شهود
الكون تشهد أنني
|
|
من بعدكم
متلهف متأسف
|
ومتى سرت ريح
الشمائل سحرة
|
|
فسقامها
ينبيك أني مدنف
|
وإذا تسحّ
على الرياض غمامة
|
|
فهي التي من
بحر دمعي تغرف
|
لا يحسب
الدهر الخؤون بأنني
|
|
بالبين لما
غالني متلهف
|
فأنا العزيز
على الزمان بيوسف
|
|
وعلى الزمان
من الورى لا يؤسف
|
وله عفا الله
عنه :
أحن إلى قلبي
ومن فيه نازل
|
|
ومن أجل من
فيها تحبّ المنازل
|
وأشتاق لمع
البرق من نحو أرضكم
|
|
ففي البرق من
تلك الثغور رسائل
|
يرنحني مرّ
النسيم لأنه
|
|
بأعطاف ذاك
الرند والبان مائل
|
وإن مال بان
الدوح ملت صبابة
|
|
فبين غصون
البان منكم شمائل
|
ولي أرب أن
ينزل الركب بالحمى
|
|
ليسأل دمعي
وهو بالركب سائل
|
ولي أنّه لا
تنقضي أو أراكم
|
|
وأنظر نجدا
وهو بالحي آهل
|
ترى هل أراكم
أو أرى من يراكم
|
|
وأبلغ منكم
بعض ما أنا آمل
|
وأحظى بقرب
الطيف منكم وإنه
|
|
ليقنعني من
وصلكم وهو باطل
|
تطيلون
تعذيبي بكم وأطيله
|
|
ومالي منكم
بعد ذلك طائل
|
وله رحمهالله :
قف بالمطيّ
فلي في الحيّ أوطار
|
|
واحبس قليلا
فقد لاحت لي الدار
|
هذا الحمى
فاح لي من نشره أرج
|
|
كأنه عن أهيل
الحيّ إخبار
|
سرى وللركب
أرواح يسرّ بها
|
|
طيبا وفي طيه
المصب أسرار
|
إيه نسيم
الصبا كرر حديثهم
|
|
في مسمعي
فحديث القوم أسمار
|
بالله يا
نسمة الوادي عسى خبر
|
|
يهديه عنهم
إلينا الشيخ والغار
|
ولا تقولي
غدا آتي به سحرا
|
|
فكل أوقات من
أهواه أسحار
|
توفي إلى رحمة
الله سنة سبع وسبعين وستمائة ، ورثاه شهاب الدين محمود الحلبي بقوله :
أقم يا ساري
الخطب الذميم
|
|
فقد أدركت
مجد بني العديم
|
هدمت وكنت
تقصر عنه بيتا
|
|
له شرف يطول
على النجوم
|
منها :
عثرت وقد
ضللت بطود علم
|
|
أما تمشي على
السنن القويم
|
وهي طويلة جدا
ا ه.
وترجمه في
المنهل الصافي وقال في آخر ترجمته : ودرس في دمشق في عدة مدارس ، وسمع منه ابن
الظاهري والدمياطي وشرف الدين الحسن الصيرفي وقطب الدين القسطلاني وبهاء الدين
يوسف بن العجمي وابن العطار وابن جعوان وجماعة ، وأجاز للحافظ الذهبي. وتوفي سادس
عشر شهر ربيع الآخر سنة سبع وسبعين وستماية ، ودفن بتربته قبالة جوسق ابن العديم
عند زاوية الحريري ، وكان يوما مشهودا ا ه.
٢٦٠ ـ أبو القاسم ابن العود المتوفى سنة ٦٧٩
أبو القاسم بن
حسين بن العود الشيخ نجيب الدين الأسدي الحلبي الفقيه المتكلم رئيس الرافضة وشيخ
الشيعة. وكان قد أسن وعمر وانهرم ، وعاش نيفا وتسعين سنة. كان عالما متقنا مشاركا
في أنواع من الفضائل. قدم حلب وتردد إلى الشريف عز الدين مرتضى نقيب الأشراف ،
فاسترسل معه يوما ونال من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فزبره النقيب وأمر بجره من بين يديه ، وأركب حمارا
مقلوبا وصفع في الأسواق ، فحدثني أبو الفضل ابن النحاس الأسدي أن فاميا [نسبة إلى
بلدة فامية] نزل من حانوته وجاء إلى مزبلة فاغترف غائطا ولطخ به ابن العود ، وعظم
النقيب عند الناس ، وتسحب ابن العود من حلب. ثم إنه أقام بقرية جزّين مأوى الرافضة
، فأقبلوا عليه وملكوه بالإحسان.
وبلغني أنه كان
في الأخير متدينا متعبدا يقوم الليل. وقد رثاه إبراهيم بن الحسام أبي الغيث بأبيات
أولها :
عرّس بجزّين
يا مستبعدّ النجف
|
|
ففضل من
حلّها يا صاح غير خفي
|
مات ليلة النصف
من شعبان بجزّين ، قاله قطب الدين ، وقيل إنه توفي سنة سبع وسبعين
ا ه. (ذهبي من وفيات سنة تسع وسبعين وستماية).
وقد ذكر قصة
الفقيه ابن العود أبو ذر في كنوز الذهب في كلامه على مدرسة ابن النقيب التي تقدم
ذكرها ، وقال بعد ذلك : قال العلامة قطب الدين : وعمل في هذه الواقعة أشعار كثيرة.
وقال القاضي شهاب الدين محمود : أنا أذكر هذه الوقعة وأنا بحلب في الكتّاب بعد
الخمسين وستماية ، وكان استؤذن فيها يوسف الظاهري فتوقف خوف الفتنة ، وأمضاها
المرتضي وفعلها بيده فلم يجسر أحد من الشيعة أن يعارضه في ذلك.
وابن العود
المذكور كان من الحلّة وهو عندهم إمام يقتدي به في مذهبهم ، وفيه مشاركة في علوم
شتى وحسن عشرة ومحاضرة بالأشعار والتواريخ والحكايات والنوادر ، ولما توفي رثاه
الجمال إبراهيم العاملي فقال :
عرّس بجزّين
يا مستبعد النجف
|
|
ففضل من
حلّها يا صاح غير خفي
|
نور ترى في
ثراها فاستنار به
|
|
وأصبح الترب
منها معدن الشرف
|
فلا تلومنّ
إن خفتم على كبدي
|
|
صبرا ولو
أنها ذابت من اللهف
|
لمثل يومك
كان الدمع مدّخرا
|
|
بالله يا
مقلتي سحّي ولا تقفي
|
لا تحسبن جود
دمعي بالبكا سرفا
|
|
بل شحّ عيني
محسوب من السرف
|
وهي أكثر من
هذه الأبيات ، ولما بلغت هذه الأبيات جمال الدين محمد بن يحيى بن مبارك الحمصي وهو
من أكابر أهل مذهبهم قال رادا على ناظمها :
أرى تجاوز حد
الكفر والسخف
|
|
من قاس مقبرة
ابن العود بالنجف
|
ما راقب الله
أن يرمى بصاعقة
|
|
من السموات
أو يهوي بمنخسف
|
وأعجب لجزّين
ما ساخت بساكنها
|
|
بجاهل لعظيم
الزور مقترف
|
وقد تحيّرت
فيما فاه من سفه
|
|
ومن ضلال
وإلحاد ومن شرف
|
ومنها :
ما أنت إلا كمن
قد قاس منطقة البيت المحرّم ذي الأستار بالكنف ولا أقول كمن قاست جهالته الدرّ
الثمين بمكسور من الخزف
أو من يقيس
الجبال الشامخات بمن
|
|
حطّ الحطيم
وعرف المسك بالجيف
|
أو من يقيس
النجوم الزاهرات إذا
|
|
سمت إلى
أوجها والسعد بالخزف
|
ولم أوفّك ما
استوجبت من قدع
|
|
ولست أجمع
سوء الكيل والحشف
|
وما أردت
بهذا الغضّ من رجل
|
|
بمثله خلف من
غابر السلف
|
ما كان هجوي
له إلا ليقلع عن
|
|
تكفير أهل
الهوى والدين والصلف
|
وإن عتبت
عليه وهو يسمعني
|
|
لقد بكيت
عليه وهو في الجذف
|
ومنها :
فإن حملتم
على ما قلته غرضي
|
|
لقد لجأتم من
الحسنى إلى كنف
|
وإن ظننتم بي
السوءى فلست إذا
|
|
رضيت حيدرة
الهادي بذي أسف
|
قلت : اختلف في
مكان قبر علي رضياللهعنه. وقال سفيان الثوري : أعز الخلق خمسة أنفس : عالم زاهد
، وفقيه صوفي ، وغني متواضع ، وفقير شاكر ، وشريف سني ا ه.
٢٦١ ـ أحمد بن عمر بن أحمد بن العديم المتوفى في هذا العقد ظنا
أحمد بن عمر بن
أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة ولد الصاحب كمال الدين بن العديم. قال والده في «الأخبار
المستفادة في مناقب بني جرادة» : ولد قبل صلاة الصبح من يوم الأربعاء لأربع بقين
من جمادى الأولى من سنة اثنتي عشرة وستماية في حياة والدي وسماه باسمه ا ه. (ط ح ق).
وهو أخو عبد
الرحمن المتقدم قبل هذا وأكبر منه بسنتين ، ولم يذكر القرشي تاريخ وفاته ، وسيأتي
ذكر أخيهما محمد بن عمر المتوفى سنة ستماية وخمس وتسعين.
٢٦٢ ـ عبد الحليم بن تيميّة الحرّاني المتوفى سنة ٦٨٢
عبد الحليم بن
عبد السلام بن تيميّة أبو محمد ، وقيل أبو المحاسن الحراني الحنبلي أحد علماء
الحنابلة. ولد في حران في ثاني عشر شوال سنة سبع وعشرين وستماية ، وسمع من عمار بن
منيع وسرايا بن معالي وأسعد بن أبي الفهم وإبراهيم بن الزيات وعبد الرزاق بن أحمد
بن أبي الوفا والمرجي بن شقيرة وعلوان بن جميع وصدقة بن الطواجهيلي وأحمد بن
سلامة النجار وجماعة غيرهم ، وسمع من والده وابن اللتي وابن الأميري
القزويني وابن رواحة وابن خليل ، وسماعه من ابن اللتي بحلب ، وتفقه وبرع في الفقه
وتميز في عدة فنون من الفضائل ، ودرس ببلده وأفتى وخطب ووعظ وفسر ، وولي هذه
المناصب عقيب موت والده وعمره خمس وعشرون سنة ، إلى أن نزع عن البلد وهاجر إلى
دمشق واستوطنها بعد استيلاء التتر على حران. وكان أبوه مجد الدين من العلماء
الأعلام ، وهو والد الشيخ الإمام العلامة تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيميّة
الإمام المشهور. ولعبد الحليم هذا إجازة من ابن الزبيدي والسهروردي وعمر بن كرم
وعبد اللطيف ابن الطبري وعز الدين ابن الأثير وابن الأنجب الحمامي وأبي صالح نصر
بن الجيلي ، وأجازه الموفق عبد اللطيف البغدادي سنة ثمان وعشرين وستمائة (هكذا وهو
سهو لأن مولده سنة ٦٢٧ فليحرر). ومن ابن العماد وعيسى من الإسكندرية ومن جماعة من
ديار مصر ودمشق وحلب. مات ليلة الأحد سلخ ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وستمائة
ودفن بمقابر الصوفية بدمشق رحمهالله تعالى ا ه. (المنهل الصافي).
٢٦٣ ـ عيسى بن مهنا أمير العرب المتوفى سنة ٦٨٣
عيسى بن مهنا
بن مانع بن حديثة بن غضيّة بن فضل بن ربيعة الأمير شرف الدين أمير آل فضل. قال ابن
خطيب الناصرية : كان ملك العرب في وقته والمشار إليه منهم ، وكان له منزلة عظيمة
عند الملك الظاهر بيبرس ، ثم تضاعفت عند الملك المنصور قلاوون بحيث ضاعف حرمته
وإقطاعه وملكه مدينة تدمر بعقد البيع والشراء وأورد عنه ثمنها لبيت المال المعمور
ليأمن غائلة ذلك. وكان عيسى المذكور كريم الأخلاق حسن الجوار مكفوف الشر مبذول
الخير ، ولم يكن في العرب وملوكها من يضاهيه ، وعنده ديانة وصدق لهجة ، ولا يسلك
مسالك العرب في النهب وغيره. وكان به نفع للمسلمين ، منها أنه كان يكف العدو عن
حلب ومعاملتها ، ومنها في وقعة الملك المنصور قلاوون مع التتار بحمص سنة ثمانين
وستمائة فإنه جاء وقت الوقعة واعترض التتار من خلفهم فتمت هزيمة التتار به. وكانت
البلاد في زمانه في غاية الأمن إلى أن توفي سنة ثلاث وثمانين وستمائة وولي بعده
ولده حسام الدين مهنا رحمهالله تعالى ا ه. (المنهل الصافي).
٢٦٤ ـ محمد بن عبد الله بن الخضر المتوفى سنة ٦٨٤
محمد بن عبد
الله بن محمد بن يوسف بن الخضر بن عبد الله الحلبي قطب الدين حفيد أبي عبد الله
محمد بن يوسف قاضي العسكر ، وهو أخو قاضي القضاة مجد الدين ابن العديم. ولد سنة
تسع وأربعين وستماية ، وكان فقيها فاضلا ذا فنون ، ودرس ومات سنة أربع وثمانين
وستماية ا ه (ط ح ق). هكذا ويظهر أن بعض النساخ خلط ترجمة بأخرى.
٢٦٥ ـ محمد بن إبراهيم بن شدّاد المتوفى سنة ٦٨٤
محمد بن
إبراهيم ، وقيل محمد بن علي بن إبراهيم بن شدّاد عز الدين أبو عبد الله الحلبي. ولد
بحلب سادس ذي الحجة سنة ثلاث عشرة وستماية ، وتوفي سنة أربع وثمانين ودفن من الغد
بسفح المقطّم. كان رئيسا حسن المحاضرة ، صنف تاريخا لحلب وسيره للملك الظاهر قبل
قدومه إلى الديار المصرية ، وكان من خواص الملك الناصر ، وترسل عند هولاكو وغيره
من الملوك ، واستوطن الديار المصرية بعد أخذ التتار حلب. وكانت له مكانة عند الملك
الظاهر بيبرس والملك المنصور قلاوون ، وحرمته وافرة ، وله توصل ومداخلة وعنده بشر
كثير ومسارعة إلى قضاء حوائج من يقصده ا ه. (الوافي بالوفيات).
وترجمه ابن
خطيب الناصرية بنحو ما تقدم وقال : إنه صنف تاريخا لحلب وسيرة الملك الظاهر
وتاريخا سماه «الدرة الخطيرة في أمراء الشام والجزيرة». فعلى هذا تكون مؤلفاته
التاريخية ثلاثة منها تاريخ لحلب خاصة ، وقد اقتصرنا في المقدمة (ص ٦٢) على ذكر
الدرة الخطيرة الذي يسمي «الأعلاق الخطيرة» أيضا ، وفاتنا ثمة ذكر هذين التاريخين.
٢٦٦ ـ محمد بن يعقوب الأسدي المتوفى سنة ٦٨٥
محمد بن يعقوب
بن إبراهيم بن هبة الله بن طارق بن سالم الإمام العلامة محيي الدين أبو عبد الله
ابن القاضي الإمام بدر الدين بن النحاس الأسدي الحلبي الحنفي. ولد بحلب سنة أربع
عشرة ، وسمع من ابن شداد وجده لأمه موفق الدين يعيش شيئا يسيرا ، وكأنه كان مكبا
على الفقه والاشتغال. قال الشيخ شمس الدين : لم أجده سمع من ابن روزبة ولا من
الموفق عبد اللطيف ولا هذه الطبقة ، واشتغل ببغداد وجالس بها العلماء وناظر
وبان فضله ، وسمع من أبي إسحق الكاشغري وأبي بكر بن الخازن. وكان صدرا
معظما متبحرا في المذهب وغوامضه موصوفا بالذكاء وحسن المناظرة ، انتهت إليه رياسة
المذهب بدمشق ، ودرس بالريحانية والظاهرية ، وولي نظر الدواوين ، وولي نظر
الأوقاف. وكان معمارا مهندسا كاتبا موصوفا بحسن الإنصاف في البحث. وكان يقول : أنا
على مذهب الإمام أبي حنيفة في الفروع ومذهب الإمام أحمد في الأصول. وكان يحب
الحديث والسنة. سمع منه ابن الخباز وابن العطار والفرضي والمزي والبرزالي وابن
تيميّة وابن حبيب والمقاتلي وأبو بكر الرحبي وابن النابلسي. وتوفي سنة خمس وثمانين
وستماية ودفن بتربته بالمزة ، وحضر جنازته نائب السلطنة والقضاة والأعيان. وفيه
يقول علاء الدين الوداعي وقد قرر قواعد مذهب أبي حنيفة رضياللهعنه ويعرض بذكر ولده شهاب الدين يوسف ومن خطه نقلت :
ومن مثل محيي
الدين دامت حياته
|
|
إلى مذهب
الدين الحنيفيّ يرشد
|
لقد أشبه
النعمان وهو حقيقة
|
|
أبو يوسف في
علمه ومحمد
|
ا ه (الوافي
بالوفيات).
وذكره القرشي
في طبقات الحنفية وقال : إنه ولي قضاء حلب ، لكن قال : إن وفاته ليلة سلخ ذي الحجة
مستهل الحرم سنة ست وتسعين وستمائة. ولا أدري أيهما أصح ، ما قاله القرشي أو ما
قاله الصلاح الصفدي.
وقال القرشي :
مات له ولد فرثاه بأبيات ثلاثة وهي :
الله يعلم ما
في القلب من أسف
|
|
على فراقك يا
سمعي ويا بصري
|
إذا تذكرت
شملا كان مشتملا
|
|
فإن نفسي في
الدنيا على خطر
|
وإن حللت
محلا كنت مؤنسه
|
|
ناديت لا
أوحش الرحمن من عمر
|
٢٦٧ ـ محمد بن عبد السلام بن أبي
عصرون المتوفى سنة ٦٨٥
محمد بن عبد
السلام بن المطهر بن أبي عصرون الفقيه المسند أبو عبد الله التميمي الشافعي. ولد
سنة عشر وستماية بحلب ، وسمع بها من أبي الحسن بن روزبه ومكرم بن
أبي الصقر والمعلم ابن الصابوني ووالده القاضي شهاب الدين والعز بن رواحة
وعبد الرحمن ابن أبي القاسم الصوري. وأجاز له المؤيد الطوسي وعبد العزيز الهروي
وسعد بن الرزاز وأحمد بن سليمان بن الأصفر وطائفة. وكان فقيها فاضلا مدرسا. توفي
سنة خمس وثمانين وستماية رحمهالله تعالى ا ه. (المنهل الصافي).
٢٦٨ ـ أحمد بن الزبير المتوفى سنة ٦٩٠
قال في المنهل
الصافي : أحمد بن عبد الله بن الزبير الإمام المقري المجود شمس الدين الحلبي
الخابوري. مولده بالخابور سنة ستماية. خطيب حلب. كان إماما فاضلا ماهرا في
القراءات ووجوهها وعللها ، وكان مليح الشكل قوي الكتابة. قرأ القراءات على السخاوي
وغيره ، وسمع بحران من الخطيب فخر الدين بن تيميّة ، وبحلب من أبي محمد ابن
الأستاذ ويحيى الدامغاني وابن روزبه ، وببغداد من عبد السلام الداهري ، وبدمشق من
أبي صادق بن صباح. وأسند عنه القراءات والشاطبية الشيخ يحيى المنبجي ورواها سنة
أربع وستين وستماية وذلك قبل موته بدهر. وسمع منه الحافظ جمال الدين المزي وابن
الظاهري وولده أبو عمرو والبرزالي وابن شامة وغيرهم.
وكان له محاسن
وظرف ونوادر وخلاعة ، وله في ذلك حكايات لطيفة ، منها أنه كان في أيام قراسنقر
نائب حلب مستوفي على الأوقاف يهودي ، فضايق الفقهاء وأهل الأوقاف وشدد عليهم ،
فشكوه إلى قراسنقر فعزله ، ثم إنه سعى وبرطل وولي وعاملهم أشد من الأول ، فشكوه
فعزله ، ثم سعى وتولى فاجتمع الفقهاء وقالوا : ما لنا في الخلاص منه إلا الخطيب
فجاؤوا إليه فقال : ما أصنع به؟ فقالوا : ما له غيرك ، فقال : يدبر الله ، وأمر
غلامه أن يأخذ سجادته ودواة وأقلاما وورقا ومصحفا على كرسي وقال له : توجه بهذا
إلى كنيسة اليهود وافرش السجادة ، وكان ذلك بعد عصر الجمعة ، فحضر الشيخ إلى
الكنيسة وجلس على السجادة وفتح المصحف من أوله وأخذ يكتب ، فجاءه اليهود ورأوه وما
أمكنهم يقولون له شيئا لأنه خطيب البلد وهو ذو وجاهة ، وضاق عليهم الوقت وأرادوا
الدخول في السبت وانحصروا فقالوا له : يا سيدي قد قرب أذان المغرب ونريد نغلق
الكنيسة ، فقال : أبيت فيها لأني نذرت أن أنسخ هذا المصحف هنا ، فضاقوا وضجوا
وقالوا : يا سيدي والله ما نطيق هذا وغدا السبت ، فقال : كذا اتفق ولابد من المقام
هنا
إلى أن يفرغ هذا المصحف ، فدخلوا عليه وقبلوا أقدامه وأقسموا عليه فقال :
ولابد؟ قالوا : نعم ، قال : التزموا لي بأن تحرموا هذا المستوفي حتى لا يعود يباشر
الأوقاف ، فالتزموا له بذلك واستراح المسلمون منه. وكان له من هذا النمط أشياء
لطيفة. توفي بحلب سنة تسعين وستماية.
٢٦٩ ـ إبراهيم بن عبد المنعم بن أمين الدولة المتوفى سنة ٦٩١
إبراهيم بن عبد
الله بن عبد المنعم بن أمين الدولة الحلبي أبو إسحق. مولده بحلب سنة عشرين
وستمائة. ذكره البرزالي في معجم شيوخه وقال : سمع من ابن خليل ، ودخل بغداد وسمع
من الكاشغري ودرس بالحلاوية بحلب. قال : وكان شيخا حسنا فقيها على مذهب أبي حنيفة
من بيت الرياسة والتقدم. مات بالقاهرة سنة إحدى وتسعين وستمائة وصلي عليه بجامع
الحاكم ودفن بباب النصر ا ه. (ط ح للقرشي).
وقال في المنهل
الصافي بعد ذكر ما قدمناه : قال الحافظ تقي الدين ابن رافع في التذييل : كان إماما
بارعا في الفقه ، رحل إلى بغداد وسمع من الكاشغري الثلاثيات في سنة اثنتين وأربعين
وستماية ، ومن فضل الله بن عبد الرزاق وموهوب الجواليقي وغيرهم ، وبحلب من أبي
الحجاج يوسف بن خليل وكتب عنه ، وأبي القاسم عبد الله بن الحسين بن رواحة ومن
الشيخ موفق الدين بن علي النحوي ، وذكر أيضا جماعة كثيرة إلى أن ساق وفاته في
التاريخ المذكور انتهى. قلت : وأثنى على الشيخ أبي إسحق المذكور جماعة من العلماء
الحنفية والمشايخ ، وعلمه مشهور وفضله مأثور رحمهالله تعالى ا ه.
٢٧٠ ـ محمد بن يوسف أبو الفضل المتوفى سنة ٦٩٢
محمد بن يوسف
بن أحمد بن يوسف بن عبد الواحد الشيخ أبو الفضل الحلبي الحنفي. كان جده شيخ
الحنفية في زمانه. مولده بحلب سنة تسع وثلاثين وستمائة ، وبها تفقه وسمع من ابن
رواحة وابن خليل وغيرهما ، وبرع في الفقه وغيره. قال البرزالي : سمعت عليه بحلب
جزء المخرمي والمروزي والسابع من الثقفيات. وكان شيخا جليلا رئيسا أصيلا فاضلا
فقيها حنفيا ، ومات رحمهالله سنة اثنتين وتسعين وستمائة.
قلت : وهو غير
محمد بن يوسف بن الخضر الحلبي القائل في فقهاء المدينة البيتين :
ألا كل من لا
يقتدي بأئمة
|
|
فقسمته ضيزى
عن الحق خارجه
|
فخذهم عبيد
الله عروة قاسم
|
|
سعيد أبو بكر
سليمان خارجه
|
(ا ه منهل).
٢٧١ ـ إسماعيل بن هبة الله بن العديم المتوفى سنة ٦٩٤
إسماعيل بن هبة
الله بن محمد بن هبة الله بن يحيى بن زهير بن هرون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن
محمد بن عامر بن أبي جرادة أبو صالح ، عرف بابن العديم الحنفي الحلبي ، من بيت
كبير مشهور. مولده سنة عشر وستماية بحلب. وسمع بها من جده أبي غانم محمد ، وقدم
مصر وحدث بها بجزء أبي علي الكندي بسماعه من الحسين بن صصري. مات في المحرم سنة
أربع وتسعين وستماية ا ه. (ط ح ق).
٢٧٢ ـ عبد الملك بن عبد الله بن العجمي المتوفى سنة ٦٩٤
عبد الملك بن
عبد الله بن عبد الرحمن بن الحسن بن عبد الرحمن أبو المظفر بن أبي حامد الحلبي ،
هو ابن العجمي. سمع من عبد المطلب بن الفضل الهاشمي.
أنشدنا الشيخ
الإمام الرحلة شهاب الدين أحمد بن المرحل الحراني إجازة عن الحافظ أبي محمد
الدمياطي إجازة إن لم يكن سماعا ، أنشدنا عبد الملك بن عبد الله لنفسه بدمشق :
تجلت كالهلال
لناظريها
|
|
وغصن قوامها
غضّ نضير
|
وألقت
بالنقاب فعاد بدرا
|
|
منيرا ما له
أبدا نظير
|
لعيني لاح
ظاهره جليا
|
|
فعاد عليه من
قلبي الضمير
|
ومنه قال :
أنشدني أيضا لنفسه :
وهيفاء مثل
البدر يزهر وجهها
|
|
وقد تبدت من خدرها للنواظر
|
__________________
تغنّى لها
خلخالها حين أوقفت
|
|
بمشيتها تيها
لرقص الضفاير
|
مولده منتصف ذي
القعدة سنة إحدى وتسعين وخمسمائة بحلب ، وتوفي بالقاهرة سنة أربع وتسعين وستمائة
في ذي القعدة ودفن بسفح المقطّم قريبا من ضريح الشافعي رحمهالله تعالى ا ه (الدر المنتخب).
٢٧٣ ـ محمد بن عمر بن العديم ابن صاحب التاريخ المتوفى سنة ٦٩٥
محمد بن عمر بن
أحمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن أبي جرادة الصاحب العالم البارع جمال الدين
غانم بن الصاحب كمال الدين بن العديم العقيلي الحلبي الحنفي الكاتب. حضر على
الحافظ أبي عبد الله البرزالي وسمع من ابن رواحة وابن قميرة وابن خليل وجماعة بحلب
، ورحل به والده قبل الخمسين مع الدمياطي إلى بغداد وأسمعه من شيوخها ، وطلع من
أذكياء العالم وتأدب وشارك في الفضائل ، وبرغ في كتابة المنسوب. وسكن حماة وحدث
بها. ومشى الملك المظفر ومن دونه في جنازته. وهو والد القاضي نجم الدين عمر ، ودفن
بتربته بقبة بقيرين سنة خمس وتسعين وستماية ا ه (الوافي بالوفيات). وذكره القرشي
في طبقات الحنفية ولم يذكر تاريخ وفاته ، بل ذكر ولادته وقال : إنها كانت سنة خمس
وثلاثين وستمائة. ومن مؤلفاته «الرائض في علم الفرائض» ذكره في الكشف.
٢٧٤ ـ الحافظ أحمد بن محمد الظاهري المتوفى سنة ٦٩٦
الإمام المحدث
الحافظ الزاهد مفيد الطلبة جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله الحلبي
مولى الملك الظاهر غازي بن يوسف. ولد في شوال سنة ست وعشرين وستمائة بحلب ، وسمع
من ابن اللتي والإربلي وكريمة وابن رواحة وابن يعيش وصفية الحموية والشيخ الضيا
وشعيب الزعفراني ويوسف الساوي والنّشتبري وخلق بحلب ودمشق ومصر والحرمين وماردين
وحران والإسكندرية وحمص. وشيوخه سبعمائة شيخ وجمع أربعين البلدان ، وكتب الكثير
وخرج لخلق. وكان حسن الانتخاب خبيرا بالموافقات والمصافحات صدوقا دينا خيرا سهل
العارية ذا كرم وحياء وتعفف. تفقه على مذهب أبي حنيفة
وتلا بالسبع وأخذ عنه الحفاظ المزي والذهبي والبرزالي والحلبي واليعمري
وغيرهم. وتوفي في ربيع الأول سنة ست وتسعين وستمائة ، وكان قد جاءته ضربة سيف على
عنقه في كائنة حلب ووقع بين القتلى ثم سلم ، فكان في عنقه ميلة منها رحمهالله ا ه. (مختصر طبقات الحفاظ لمحمد بن عبد الهادي الحنبلي).
٢٧٥ ـ فاخرة بنت عبد الله العجمي المتوفاة سنة ٦٩٧
فاخرة بنت عبد
الله بن عمر بن عبد الرحيم بن العجمي أم الفضل الحلبية. روت عن أبي القاسم بن
رواحة. أجازت للذهبي وذكرها في معجمه. توفيت بشيزر سنة سبع وتسعين وستمائة ا ه. (الدر
المنتخب).
٢٧٦ ـ علاء الدين أيدكين الشهابي
المتوفى سنة ٦٩٧ ومتولي حلب سنة ٦٦٠
قال في المنهل
الصافي : أيدكين بن عبد الله الشهابي الأمير علاء الدين نائب حلب ، نسبته بالشهابي
إلى أستاذه الأمير الطواشي شهاب الدين رشيد النجمي الصالحي. تنقل بعد موت أستاذه
المذكور حتى صار من جملة أمراء دمشق ، ثم ولي نيابة حلب في شهر شوال سنة ستين
وستمائة فباشر نيابة حلب بحرمة وعدل في الرعية ، وغزا بلاد سيس وغيرها غير مرة ،
وتكرر منه ذلك وهو ينتصر ويغنم منهم ويعود بالأسرى والسبايا. ولم يزل على ذلك إلى
أن عزل عن نيابة حلب ثم تعطل مدة ، ثم ولي بعد ذلك عدة ولايات إلى أن توفي سنة سبع
وتسعين وستمائة. وكان من خيار الأمراء عزما وحزما وخيرا ودينا ، وكان له محبة في
أهل العلم والدين والصلاح والخير وله فيهم حسن ظن. وهو صاحب الخانقاه داخل باب
الفرج بدمشق ووقف عليها أوقافا جيدة رحمهالله تعالى وعفا عنه.
٢٧٧ ـ عبد اللطيف بن نصر الميهني المتوفى سنة ٦٩٧
عبد اللطيف بن
نصر بن سعيد بن سعيد بن محمد بن ناصر بن أبي سعيد الشيخ نجم الدين أبو محمد بن
شهاب الدين أبو الفتوح الشيخي الميهني الشافعي الكلابي الصوفي شيخ
الشيوخ بحلب. سمع من جده لأمه حامد القزويني ومن ابن روزنة ويحيى بن
الدامغاني وعبد الحميد بن نعيمان سبط الحافظ أبي العلاء الهمداني. وحج سنة سبع
وثلاثين وستماية ، وسمع بالمدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام على
الحسن بن سلام بقراءة الضياء السبتي. مولده سنة تسع وستماية بمدينة حمص ، ومات
أوائل سنة سبع وتسعين وستمائة بحلب فجأة من غصة بلقمة. سمع من البرزالي وذكره في
معجمه ، وذكره شيخنا الإمام بدر الدين أبو محمد بن حبيب في تاريخه وقال فيه : كان
دينا خيرا لا مبدلا ولا مغيرا ، مشمولا بالبركة مقبولا في السكون والحركة ، مقيما
بخانقاه البلاط ، مسموعا قوله عند من سكن الزاوية وحل الرباط. بيته في المشيخة
عريق ، وعقده بين الفقراء وثيق ، سمع وحدث وورى ، واستمر بين أهل التصوف إلى أن
ثوى. وكانت وفاته بحلب عن ثمان وثمانين سنة ا ه (الدر المنتخب).
٢٧٨ ـ محمد بن
إبراهيم بن النحاس المتوفى سنة ٦٩٨
محمد بن
إبراهيم بن محمد بن أبي نصر الإمام أبو عبد الله بهاء الدين بن النحاس الحلبي
النحوي شيخ الديار المصرية في علم اللسان. ولد في سلخ جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين
وستماية ، وأخذ العربية عن الجمال بن عمرون والقراءات عن الكمال الضرير ، وسمع
الحديث من ابن اللتي وابن يعيش وأبي القاسم بن رواحة وابن خليل وطائفة. ودخل مصر
وأخذ عن بقايا شيوخها ، ثم جلس للإفادة وتخرج به جماعة من الأئمة وفضلاء الأدب. وكان
من الأذكياء وله خبرة بالمنطق وإقليدس ، وكتب الخط المنسوب. وهو مشهور بالدين
والصدق والعدالة مع إطراح الكلفة وصغر العمامة ، حسن الأخلاق فيه ظرف النحاة
وانبساطهم ، وله صورة كبيرة في صدور الناس. وكان بعض القضاة إذا انفرد بشهادة
حكّمه فيها وثوقا بدينه . وكان معروفا بحل المشكلات والمعضلات ، وله أوراد من
العبادة والتلاوة والذكر والصلاة ، ثقة حجة يسعى في مصالح الناس ، واقتنى كتبا
نفيسة ولم يتزوج ولم يأكل العنب قط. قال : لأني أحبه فآثرت أن يكون نصيبي في
الجنة. ولما كملت المنصورية بين القصرين فوض إليه تدريس التفسير بها.
__________________
قال أثير الدين
أبو حيان وهو من تلامذته : كان هو والشيخ محيي الدين المازوتي شيخي الديار المصرية
ولم ألق أحدا أكثر سماعا منه لكتاب الأدب ، وتفرد بسماع صحاح الجوهري ، وكان لا
يأكل شيئا وحده ، وينهى عن الخوض في العقائد. ولي تدريس التفسير بالجامع الطولوني
ولم يصنف شيئا إلا ما أملاه شرحا لكتاب المقرب . مات يوم الثلاثاء سابع جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين
وستماية. وله :
اليوم شيء
وغدا مثله
|
|
من نخب العلم
التي تلتقط
|
يحصّل المرء
بها حكمة
|
|
وإنما السيل
اجتماع النقط
|
نقلنا عنه في
أول جمع الجوامع قوله : إن الحرف معناه في نفسه على خلاف قول النحاة قاطبة إن
معناه في غيره ا ه. (بغية الوعاة للجلال السيوطي).
وترجمه ابن
شاكر في فوات الوفيات بنحو ما هنا وقال : دخل مصر لما خربت حلب ولم يصنف شيئا إلا
إملاء على كتاب «المقرّب» لابن عصفور من أول الكتاب إلى باب الوقف. قال الشيخ أثير
الدين أبو حيان : كنت أنا وإياه نمشي بين القصرين ، فعبر علينا صبي يسمى بجمال
وكان مصارعا ، فقال الشيخ بهاء الدين : من ينظم منا في هذا المصارع؟ فنظم الشيخ
بهاء الدين رحمهالله :
مصارع تصرع
الآساد سمرته
|
|
تيها فكل
مليح دونه همج
|
لما غدا
راجحا في الحسن قلت لهم
|
|
عن حسنه
حدثوا عنه ولا حرج
|
وقلت :
سباني جمال
من مليح مصارع
|
|
عليه دليل
للملاحة واضح
|
لئن عزّ منه
المثل فالكل دونه
|
|
وإن خف منه
الخصر فالردف راجح
|
وأنشدني لنفسه
:
__________________
إني تركت لذي
الورى دنياهم
|
|
وظللت أنتظر
الممات وأرقب
|
وقطعت في
الدنيا العلائق ليس لي
|
|
ولد يموت ولا
عقار يخرب
|
ثم قال : وقرأ
عليه شمس الدين الذهبي ، وكان يحفظ ثلث صحاح الجوهري رحمهالله ا ه.
قال صاحب
المنهل الصافي بعد أن ترجمه بنحو ما تقدم : وله نظم ونثر ، ومن شعره في مليح شرط :
قلت لما
شرطوه وجرى
|
|
دمه القاني
على الخدّ اليقق
|
ليس بدعا ما
أتوا في فعله
|
|
هو بدر ستروه
بالشفق
|
٢٧٩ ـ أحمد بن إسماعيل التبلي
المتوفى سنة ٦٩٨
أحمد بن
إسماعيل بن منصور الشيخ المحدث نجم الدين الحلبي المعروف بابن التبلي وبابن
الجلال. ولد بحلب سنة إحدى وثلاثين وستمائة ، وسمع من ابن رواحة وابن خليل وجماعة
أخر ، ولازم السماع مع الدمياطي فأكثر ، وكتب الطباق وقرأ بنفسه ودأب وحصل. قرأ
عليه علم الدين البرزالي جزء ابن حرب رواية العباداني. توفي سنة ثمان وتسعين
وستمائة رحمهالله ا ه. (المنهل الصافي).
٢٨٠ ـ أيوب بن أبي بكر بن النحاس المتوفى سنة ٦٩٩
أيوب بن أبي
بكر بن إبراهيم بن هبة الله بن طارق بن سالم بن النحاس الحلبي الإمام العلامة بهاء
الدين أبو صابر. مولده بحلب سنة سبع عشرة وستمائة. سمع بمكة من ابن الحميدي ،
وبالقاهرة من يوسف الساوي ، وببغداد من ابن الخازن. درس وأفتى وحدث. ومات في ليلة
ثاني شوال سنة تسع وتسعين وستمائة. ويأتي ابن عمه محمد بن يعقوب (تقدم آنفا) ابن
إبراهيم الإمام محيي الدين بن النحاس ا ه (ح ق ط).
٢٨١ ـ إسماعيل بن أحمد بن الأثير المتوفى سنة ٦٩٩
إسماعيل بن
أحمد بن سعيد بن محمد بن سعيد عماد الدين أبو الفداء ابن الرئيس تاج
الدين أبي العباس ابن الأثير الحلبي. ولي صحابة ديوان الإنشاء بالديار
المصرية من قبل السلطان الملك الأشرف خليل بن قلاوون سنة إحدى وتسعين عن والده بعد
موته ، ثم تركها تدينا وتورعا. وكان رئيسا فاضلا كثير الفضائل ينظم الشعر وينشيء
الرسائل والخطب ، كاتبا مجيدا دينا. وفيه يقول السراج الوراق وفي مخدومه الأشرف
خليل :
وكان لأملاك
الزمان ذخيرة
|
|
كما اذخر
السيف المهند في الغمد
|
فما زال
يوليه الخليل محبة
|
|
ولا زال
إسماعيل يفدى ولا يفدي
|
وهو الذي كتب
شرح «العمدة في الأحكام» عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد ، وعليه أملاه المشار
إليه لما قرأ العمدة عليه. مات بالقاهرة سنة تسع وتسعين وستمائة ا ه. (من مختصر
الدر المنتخب لأحمد بن الملا ومن خطه نقلت).
قال في كشف
الظنون في الكلام على «عمدة الأحكام» لتقي الدين عبد الغني بن عبد الواحد
الجماعيلي المقدسي : وممن شرحه الشيخ إسماعيل بن أحمد بن الأثير الحلبي الشافعي ،
ذكر فيه أنه حفظ العمدة التي رتبها على أبواب الفقه وفيها خمسمائة حديث ، فقرأه
على الشيخ ابن دقيق العيد ثم شرحه إملاء وسماه «إحكام الأحكام في شرح حديث سيد
الأنام» ا ه.
وترجمه صاحب
المنهل الصافي ومما قاله فيه : أنه كان فاضلا من بيت كتابة ونظم ونثر ، وله خطب
مدونة ، وشرح قصيدة ابن عبدون الرائية التي رثى بها بني الأفطس. عدم المذكور في
وقعة التتار سنة تسع وتسعين وستماية ا ه. وأول القصيدة :
الدهر يفجع
بعد العين بالأثر
|
|
فما البكاء
على الأشباح والصور
|
ومن مؤلفاته «عبرة
أولي الأبصار في ملوك الأمصار» في مجلدين ، انظر ما كتبناه في الجزء الأول (ص ٦٥) و
«كنز البلاغة» في مجلد وقد اختصره ولده ، ذكره في الكشف. قال أحمد تيمور باشا في
مقالته نوادر المخطوطات : «جواهر الكنز» مختصر «كنز البراعة في آداب ذوي اليراعة»
لابن الأثير الحلبي اختصار ولد المؤلف بخزانة عارف بك وعندنا ، ويقال إن الأصل
موجود في مجلدين بإحدى خزائن الشام.
٢٨٢ ـ محمد بن منصور الحاضري المتوفى سنة ٧٠٠
محمد بن منصور
بن موسى الشيخ شمس الدين أبو عبد الله الحاضري الحلبي المقري النحوي. قرأ القراءات
على الكمال والضرير والشيخ علي الدهان ، والعربية على ابن مالك جمال الدين. وله
تصدير في الجامع متوسطا في النحو والقراءات. توفي سنة سبعمائة. والحاضري بالحاء
المهملة وبين الألف والراء ضاد معجمة. (الوافي بالوفيات).
* * *
(أعيان القرن الثامن)
٢٨٣ ـ عبد الله بن محمد القيسراني المتوفى سنة ٧٠٣
عبد الله بن
محمد بن أحمد بن خالد بن محمد بن نصر بن صغير القيسراني الحلبي الصاحب فخر الدين.
ولد سنة ٢٣ وسمع الكثير من ابن الجميزي ويوسف الساوي ويوسف بن خليل وأبي القاسم بن
رواحة وغيرهم ، وحدث واشتغل وتعانى الأدب وكتب الخط الحسن ، وعمل كتابا في الصحابة
وخرج من أحاديثه عنهم بأسانيده. وكان حسن المذاكرة وخرج لنفسه أربعين
حديثا. روى عنه الحافظ الدمياطي من نظمه ، وكان قد ولي الوزارة بدمشق في أيام
السعيد بن الظاهر ستة أشهر ، وكان القضاة يركبون في خدمته وفي أيام كتبغا أيضا.
وله نظم حسن ، فمنه :
بوجه معذبي
آيات حسن
|
|
فقل ما شئت
فيه ولا تحاشي
|
ونسخة حسنة
قرئت وصحّت
|
|
وها خط
الكمال على الحواشي
|
وله من أبيات
كتبها إلى محيي الدين بن عبد الظاهر :
يا ذا الذي
أوتي الكتاب بقوة
|
|
فأتي به وهو
الأخير الأول
|
لا فاضل
ساواه فيه ولا مشى
|
|
في مثل منطقة
البديع الأفضل
|
مات في ربيع
الآخر سنة ٧٠٣.
__________________
٢٨٤ ـ عبد المحسن بن محمد بن العديم المتوفى سنة ٧٠٤
عبد المحسن بن
محمد بن أحمد بن هبة الله العقيلي الحنفي الشهير بابن العديم الحلبي.
مولده سنة
اثنتين وثلاثين وستماية. واشتغل وصحب الفقراء.
قال الذهبي في
معجمه : وكان ينعت بذكاء مفرط : لكنه ما استعمل ذهنه. سمع ابن خليل وأخويه يونس
وإبراهيم وهدية بنت خميس ، وحدث بمصر والشام. وكان يدخل في ترهات الصوفية.
وذكره البرزالي
في معجمه وقال : إنه سمع من صقر أيضا وإن مولده سنة اثنتين وثلاثين وستمائة بحلب.
قال : وأنفق ماله على خدمة الفقراء وسافر معهم وعنده فهم في كلامهم.
وذكره شيخنا
ابن حبيب في تاريخه وقال فيه : إمام جمع بين العلم والعمل وبلغ من صحبة الفقراء
غاية الأمل ، وأعرض عن المناصب ولم يلتفت إلى أرباب المراتب. كان حسن الشكل والخلق
سالكا من الزهد والورع أوضح الطرق ، لابسا زي القوم ملازما حلية أهل الصلاة والصوم
، أنس به الراحل من الطلبة والمقيم ، وأضاء بنور تقاه بيت بني العديم. سمع وحفظ
وروى ، واستمر يقيد ويتلطف بالمريد إلى أن ثوى ، وكانت وفاته بالرباط العديمي ظاهر
القاهرة وتوفي رحمهالله تعالى في يوم الخميس ثاني عشري رجب سنة أربع وسبعمائة ،
وكانت جنازته مشهودة رحمهالله تعالى ا ه. (الدر المنتخب).
٢٨٥ ـ محمد بن الحسين التيتي المتوفى سنة ٧٠٤
محمد بن الحسين
الأمير شمس الدين المعروف بابن التيتي الآمدي الحنبلي. قال ابن الخطيب : شيخ فاضل
يحفظ فوائد حسنة من اللغة والحديث والأسماء ، وله معرفة بالعربية وينظم الشعر
الجيد. والظاهر أنه قدم حلب (إلى أن قال) : ومن نظمه :
سقى حلبا ومن
فيها سحاب
|
|
كدمعي حين
يهمي بانسجام
|
فإن بها وإن
شطّت مغاني
|
|
أحباء على
قلبي كرام
|
سلام كلما
هبت قبول
|
|
عليهم من
محبّ ذي ذمام
|
سلام متيم صب
كئيب
|
|
معنىّ مدنف
حلف السقام
|
وله :
سقى الله
وادي بانقوسا من الحيا
|
|
سماء تروّي تربه
وتصيب
|
وحيّ به قوما
كراما أعزة
|
|
عليّ وذكراهم
إليّ حبيب
|
صحبتهم
والفود أسود حالك
|
|
وغصن التصابي
والشباب رطيب
|
إذ العيش غضّ
والزمان مساعد
|
|
وقد غاب عنا
حاسد ورقيب
|
توفي بالقاهرة
سنة أربع وسبعمائة ودفن بالقاهرة ا ه. (الدر المنتخب).
أقول : وقد
ذكرت ترجمته للأبيات المتقدمة.
٢٨٦ ـ إبراهيم بن علي بن خشنام المتوفى سنة ٧٠٥
إبراهيم بن علي
بن إبراهيم بن خشنام بن أحمد الكردي الحميدي الحنفي شمس الدين. ولد في رجب سنة ٦٢٩
وتفقه ، وسمع من أبي البقا يعيش النحوي وابن رواحة ومكي ابن علان ويوسف بن خليل
والعماد بن النحاس وغيرهم في صحبة ابن العديم. ثم ولي قضاء حمص ثم إمامة الجامع
بها ، ونظر المشهد الخالدي. وكان شهما شجاعا جريئا ، فلما وصل التتار إلى حمص دخل
غازان وولي عنه قضاء حمص وحكم وظلم ، ثم سافر مع التتار فولوه قضاء خلاط ، فأقام
بها ست سنين ، ومات سنة خمس وسبعمائة ، ذكر ذلك البرزالي.
٢٨٧ ـ محمد بن أيوب بن عبد القاهر التادفي المتوفى سنة ٧٠٥
محمد بن أيوب
بن عبد القاهر التادفي الحنفي الحلبي. ولد سنة ٦٢٨ وسمع من ابن علان وابن العديم
وتلا على الفاسي وتقدم في القراءات وأقرأ بالروايات وكان عارفا بها حسن المناظرة
والبحث ، وأقرأ الناس زمانا بدمشق وأعاد بمدارس الحنفية ، وأقرأ بالعربية ، وشرح
قصيدة الصرصري الطويلة في مجلدات. وكان ينسخ المصاحف على الرسم. مات في حماة سنة
خمس وسبعمائة ا ه.
وذكر له في
الكشف من المؤلفات «مختصر الراشف من زلال الكاشف» من التفاسير
اختصره من الكشاف مع المحاكمات من فوائد أبي العباس أحمد المهدوي ومن كتاب
أبي الليث السمرقندي ومن الكشف والبيان للثعلبي ا ه.
٢٨٨ ـ سنقر الزيني المتوفى سنة ٧٠٦
سنقر بن عبد
الله الزيني علاء الدين أبو سعيد الأرمني القضائي الحلبي. اشتراه قاضي حلب زين
الدين ابن الأستاذ سنة ٦٢٤ وسمعه مع أولاده من الموفق عبد اللطيف وعز الدين بن
الأثير وابن شداد وابن روزنه وابن الزبيدي والأنجب الحمامي وعبد اللطيف بن القبيطي
وعبد الرحيم بن الطفيل ويوسف بن خليل وغيرهم بدمشق وحلب ومصر والإسكندرية ، وحدث
بالكثير ، وتفرد بأشياء.
قال الذهبي : كان
طويل الروح فيه سكون وحياء ومروءة ، وكانوا يثنون عليه ، وخرجت له مشيخة ومات في
شوال سنة ست وسبعمائة ا ه.
٢٨٩ ـ محمد بن عبد الله بن القيسراني المتوفي سنة ٧٠٧
محمد بن عبد
الله بن محمد بن أحمد بن خالد بن محمد بن نصر المخزومي الحلبي الأصل المعروف بابن
القيسراني شرف الدين ابن الصاحب فتح الدين المخزومي. ولد بحلب سنة ٤٨ ، وسمع من
ابن عبد الدايم وإبراهيم بن خليل والفقيه اليونيني وغيرهم ، وتعانى الكتابة ، وولي
كتابة السر بحلب. وكان كثير التلاوة حسن النظم والنثر.
قال الذهبي :
كان رئيسا دينا متواضعا كيّسا كثير المحاسن. مات في رمضان سنة سبع وسبعمائة.
وذكر الصفدي عن
ابن سيد الناس أن ابن القيسراني توجه مع السلطان في وقعة غازان أو غيرها ، قال :
فرأيته في المنام كأنه منصرف عن الوقعة وقد انتصر فأخبرني بالفتح فنظمت بيتين
فاستيقظت وأنا أحفظهما :
الحمد لله
جاء النصر والظفر
|
|
واستبشر
النيران الشمس والقمر
|
(لم يذكر البيت الثاني) وكتبت إليه
أعلمه بذلك ، فكتب لي جوابا منه :
له آمر
بالرشد في يقظاته
|
|
وفي النوم
تهديه لخير الحقايق
|
فإن قام لم
يدأب لغير فضيلة
|
|
وإن نام لم
يحلم بغير الحقائق
|
٢٩٠ ـ شهدة بنت الصاحب بن العديم
المتوفاة سنة ٧٠٩
شهدة بنت
الصاحب كمال الدين عمر بن العديم. ولدت يوم عاشوراء سنة ٦٢١ وسمعت من الكاشغري ،
وأجاز لها ثابت بن مشرف ، وسمعت أيضا من عمر بن بدر بن سعيد الموصلي حضورا وتفردت
عنه. وكانت قد تزهدت وتركت اللباس الفاخر بعد وفاة أخيها مجد الدين. وماتت في حلب
سنة تسع وسبعمائة.
٢٩١ ـ حسن بن علي بن زهرة المتوفى سنة ٧١١
حسن بن علي بن
الحسن بن زهرة الحلبي نقيب الأشراف بحلب. أثنى عليه ابن حبيب. مات سنة ٧١١ وقد
جاوز السبعين ، وهو أخو حمزة والد علاء الدين الآتي ذكره.
٢٩٢ ـ حسين بن علي بن زهرة المتوفى سنة ٧١١
حسين بن علي بن
الحسن بن زهرة الحلبي الشريف شمس الدين نقيب الأشراف بحلب.
مات بعد عوده
من الحج في المحرم سنة ٧١١.
٢٩٣ ـ عبد العزيز ابن العديم المتوفى سنة ٧١١
عبد العزيز بن
محمد ابن قاضي القضاة أبي الحسن أحمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أبي
جرادة المعروف بابن العديم ، الإمام عز الدين قاضي القضاة بحماة. مولده سنة ثلاث
وثلاثين وستمائة. ومات ثاني ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وسبعمائة بحماة. سمع من ابن
خليل وحدث ، وكان له معرفة بالكشاف ا ه. (ط ح ق).
٢٩٤ ـ عمر بن مسعود الكتاني الشاعر المتوفى سنة ٧١١
عمر بن مسعود
الأديب سراج الدين أبو الخطاب الحلبي الكتاني المختار الشاعر المشهور. سكن حماة
واختص بمدائح أهل البيت التقوي المنصور والمظفر والأفضل وابنه المؤيد وأخيه حسن.
ولما كان الملك المظفر محمود بحلب وفد عليه سراج الدين المختار المذكور ومدحه
بقصيدة وأنشده إياها بحلب وتوجه معه إلى العمق ، وستأتي القصيدة في ترجمة المظفر
محمود.
ومن نظم السراج
المختار من قصيدة :
يا راكبا
يطوي الفلا
|
|
بين المهامه
والخروم
|
والمقتفي
أثر الفضايل والفواضل والعلوم
|
من فوق جائلة
النسو
|
|
ع أخف سعيا
من ظليم
|
بالله إن
شاهدت جلّق
|
|
موطن العز
المقيم
|
وبدت لك
الأنوار من
|
|
ديوان واديها
الوسيم
|
فقل السلام
عليك يا
|
|
دار الكرامة
للكريم
|
وله في قصيدة
في الملك المظفر في وصف سيف :
مجيد طريق
النظم والنثر والوغى
|
|
إذا طابق
الأقران بالسمر والقضب
|
يفرّق ما بين
الأخادع والطلى
|
|
ويجمع ما بين
الترائب والترب
|
ومن نظمه في
قنديل من أبيات :
أضاء كالكوكب
الدرّيّ متقدا
|
|
فراق باطنه
نورا وظاهره
|
يزيده ظلمة
الليل البهيم سفا
|
|
كأنما الليل
طرف وهو باصره
|
وقال وأحسن :
انظر إلى
النهر في تطرده
|
|
وصغره قد وشى
على السمك
|
توهم الريح
صيدها فغدا
|
|
ينسج متن
الغدير كالشبك
|
وله :
لما تألق
بارق من ثغره
|
|
جادت جفوني
بالسحاب الممطر
|
فكأن عقد الدمع
حل قلائد العقيان منه على صحاح الجوهر وله فيمن قبلته الحمّى :
لا أحسد
الناس على نعمة
|
|
لكنني أحسد
حمّاكا
|
أما هناها
أنها عانقت
|
|
قدّك حتى
قبّلت فاكا
|
توفي سنة إحدى
عشرة أو اثنتي عشرة وسبعماية رحمهالله تعالى ا ه. (الدر المنتخب).
٢٩٥ ـ إبراهيم بن عبد الله البيري المتوفى سنة ٧١٢
إبراهيم بن عبد
الله بن محمد بن زكريا بن فضايل بن يحيى البيري الحلبي أحد الشهود بباب الجامع
الشرقي بحلب وسبط الشيخ قمر. سمع من بيبرس مشيخة ابن شادان والأول من الثاني من
فوائد الحاج للنجاد ، والأول من ابن السماك وغير ذلك. وسمع من أبي المكارم النصيبي
وأولاد صالح بن العجمي الثلاثة وشهدة بنت العديم ورشيد بن كامل وغيرهم. وحدث. سمع
منه الأعيان بحلب. ومات سنة ١٢ أي و٧٠٠.
٢٩٦ ـ إسماعيل بن عبد اللطيف العجمي المتوفى سنة ٧١٢
إسماعيل بن عبد
اللطيف بن يوسف بن إسماعيل بن عبد الكريم بن عثمان بن عبد الرحيم عماد الدين ابن
العجمي. ولي نظر الجيش بحلب. ثم صحابة الديوان بحماة. وكان استمع على سنقر صحيح
البخاري بقوت ، وعلى ابن العجمي سادس المحامليات ، وعلى إبراهيم ابن عبد الرحمن
الشيرازي جزء سفيان. وحدث ومات سنة ١٢.
٢٩٧ ـ غازي بن أحمد الواسطي المتوفى سنة ٧١٢
غازي بن أحمد
الوزير الكاتب شهاب الدين الواسطي. ولد بحلب في سنة بضع وثلاثين ، وخدم بديوان
الإنشاء ثم في كتابة السر بحلب ، ثم كتب الإنشاء بالقاهرة ، وكان
يكتب خطا حسنا. وولي نظر الصحبة في الأيام المنصورية ، ثم ولي نظر الدواوين
بحلب ثم بدمشق عوضا عن شرف الدين بن مزهر ، وولي نظر الدولة بديار مصر. فلما صار
التاج بن سعيد الدولة مشير الدولة عمل عليه لأنه كان السبب إلى أن ضربه سنقر
الأعشر حتى أسلم ، فعمل عليه حتى أخرجه إلى حلب ، فلما نظر إلى توقيعه قال : والله
لقد كنت راضيا بسنقر خيرا لي من مرافقة ابن تعيس الدولة. وكانت لديه فضيلة وأدب
ونكت ، وكان حسن الخط طويل اللسان قوي القلب كثير الزهو ويعرف اللسان التركي. وأضر
في آخر عمره ، ومات بحلب في ربيع الآخر سنة ٧١٢ عن نحو ثمانين سنة.
وأنشد له ابن
حبيب قوله :
إن الزمان
الذي قد كان يجمعني
|
|
بكم وينشي
مسراتي وأفراحي
|
هو الذي صار
ينشي بعد بعدكم
|
|
حزني ويجعل
دمعي مزج أقداحي
|
وترجمه الصلاح
الصفدي في «نكت الهميان» بنحو ذلك وقال : إنه كان يكتب خطا حسنا ، رأيت بخطه نسخة «المثل
السائر» في غاية الحسن ، وكان عنده فضيلة وله تصانيف وشعر ا ه.
٢٩٨ ـ أحمد بن محمد العجمي المتوفى سنة ٧١٤
أحمد بن محمد
بن أبي طالب عبد الرحمن بن الحسن شمس الدين أبو بكر بن العجمي. ولد سنة ٦٣٧ ، وسمع
من جده وأبي القاسم بن رواحة ويوسف بن خليل وغيرهم. وحضر الموفق بن يعيش وحدث
بالكثير. وكان قد وقع في قبضة هولاكو فأخذوا منه أموالا جمة وعذبوه عذابا صعبا
فحصلت له بسبب ذلك غفلة وغلب عليه النسيان في أغلب أحواله. وكان قد اشتغل كثيرا
وتميز وصار صدرا كبيرا موقرا مع الدين وسلامة الصدر. أثنى عليه ابن حبيب وذكره
البرزالي والذهبي في معجميهما. ومات بحلب في ذي الحجة سنة ٧١٤.
٢٩٩ ـ علي بن صالح السحوجي المتوفى سنة ٧١٤
علي بن صالح بن
أبي بكر بن محمد بن علي علاء الدين السحوجي الغزي نزيل حلب.
__________________
وكان عارفا بالفقه والتفسير. أقام بحلب مدة يشغل وينفع الناس إلى أن مات
بها سنة ١٤ عن بضع وستين سنة.
ذكره ابن حبيب
وقال في حقه : عالم جليل القدر يسر القلب ويشرح الصدر. وكان عارفا بالفقه والتفسير
والأصول والعربية. وكان كثير الانجماع مقبلا على شأنه.
وقال القاضي
علاء الدين في تاريخ حلب : كان دينا كثير العبادة وانتفع به الطلبة.
وفي المنهل
الصافي : كان إماما فقيها مفسرا عارفا بالمعاني والبيان. أقام بحلب يفتي ويدرس
سنين ، وصنف تفسير القرآن الكريم وكتابا بالأصول ا ه.
٣٠٠ ـ يوسف بن مظفر الكاتب المتوفى سنة ٧١٤
يوسف بن مظفر
بن مزهر الصاحب شرف الدين. ولد سنة ٦٢٨ وباشر النظر بدمشق وحلب وطرابلس وغيرها.
وكان من شيوخ الكتاب المعروفين بالكتابة. مات في شعبان سنة ٧١٤ بحلب.
٣٠١ ـ الحسن بن علي السغناقي المتوفى سنة ٧١٤
الحسن بن علي
بن حجاج بن علي حسام الدين السغناقي نسبة إلى سغناق بكسر السين المهملة وسكون
الغين المعجمة ثم نون بعدها ألف بعدها قاف : بلدة في تركستان. تفقه على حافظ الدين
الكبير محمد بن محمد بن نصر البخاري ، وفوض إليه الفتوى وهو شاب ، وتفقه أيضا على
فخر الدين محمد بن محمد بن إلياس المايمرغي ، وشرح «الهداية» وسماه «النهاية» ،
فرغ منه سنة سبعماية. ومن مصنفاته «شرح التمهيد في قواعد التوحيد» لأبي المعين
ميمون بن محمد النسفي المكحولي ، و «الكافي شرح أصول البزدوي».
وكان فقيها
جدليا نحويا ، أخذ النحو عن الغجدواني وغيره ، ودخل بغداد ودرس بها بمشهد الإمام
أبي حنيفة ، ثم توجه إلى دمشق حاجا فدخلها سنة عشرة وسبعمائة ، واجتمع بقاضي
القضاة ناصر الدين محمد بن عمر بن العديم وأجاز له جميع مروياته ومسموعاته. وممن
تفقه عليه قوام الدين محمد بن محمد بن أحمد الكاكي صاحب «معراج
الدراية» شرح الهداية والسيد جلال الدين الكرلاني صاحب «الكفاية».
قال الجامع (يعني
صاحب الفوائد البهية) : ذكر صاحب كشف الظنون عند ذكر تمهيد المكحولي أن اسمه حسين
بن علي يعنى مصغرا وأنه توفي سنة عشرة وسبعماية. وذكر عند ذكر الهداية أنه تلميذ
صاحب الهداية.
وذكره السيوطي
في بغية الوعاة فيمن اسمه حسين وقال : كان عالما فقيها نحويا جدليا أخذ عن عبد
الجليل بن عبد الكريم. قال في «الدرر» : هو أول من شرح الهداية : وله «شرح المفصل»
ذكر في أوله أنه قرأه على حافظ الدين البخاري سنة سبعين وستمائة انتهى. وكذا سماه
صاحب مدينة العلوم بحيث قال : ومن شروح الهداية النهاية لحسام الدين الحسين ابن
علي بن حجاج بن علي السغناقي ، قدم حلب وصنف الكافي شرح البزدوي ، وقدم دمشق سنة
عشرة وسبعمائة وشرح «منتخب الأخسيتكي» وشرح «التمهيد في الأصول». وتوفي في رجب سنة
إحدى عشرة أو أربع عشرة وسبعمائة بحلب. وله تصنيف في الصرف سماه «النجاح» انتهى.
قلت : وقد طالعت من تصانيفه النهاية وهو أبسط شروح الهداية وأشملها قد احتوى على
مسائل كثيرة وفروع لطيفة ا ه. (الفوائد البهية في تراجم الحنفية).
٣٠٢ ـ علي بن علي بن سوادة المتوفى سنة ٧١٤
قال أبو ذر في
الكلام على درب بني سوادة : هو الدرب الآخذ إلى المارستان الكاملي يعرف ببني سوادة
لأن منازلهم كانت به ، وهم بيت فضل ورياسة وكتابة ونثر ونظم ، لكن فيهم التشيع ،
وقد انقرضوا ، ومنهم بهاء الدين علي بن علي بن محمد بن علي بن أبي سوادة الحلبي
صاحب ديوان الإنشاء بحلب من الصدور الأماثل والكتاب الأفاضل. وله نظم منه :
جد لي بأيسر
وصل منك يا أملي
|
|
فالصبر عنك
عذاب غير محتمل
|
مالي بليت
بأمر لا أطيق له
|
|
حملا وبدّلت
بعد الأمن بالوجل
|
وكان هذان
البيتان فالا عليه فأمسك بعد نظمهما ثاني يوم وصادروه ، وقال لسان حاله :
إذا جادت
الدنيا عليك فجد بها
|
|
على الناس
طرا قبل أن تتفلت
|
فلا الجود
يفنيها إذا هي أقبلت
|
|
ولا البخل
يبقيها إذا هي ولت
|
وتوفي سنة أربع
عشرة وسبعماية في منتصف رجب وقد قارب سبعين سنة.
قال ابن حبيب
في ترجمته : ماجد ظهرت بهجة بهائه ، وسفرت عقيلة رأيه وروائه ، وحسنت كتابته ،
وعرفت حرمته ومهابته ، وطالت أقلامه ، وصالت به أقوامه. كان ذا نسب رفيع المنار ،
وفضل موارده غزار ، ونظم منسق العقود ، ونثر تميس به الطروس في حلل السعود ، وعزم
أجرى في ميدان المعالي طرفه وجواده ، وعرض نشر بياضه على منازل بني سواده. وقال في
أول رسالة أنشأها في وقعة غازان :
يا من غدا
ناظرا فيما جمعت ومن
|
|
أضحى يردد
فيما قلته نظرا
|
ناشدتك الله
إن عاينت لي خطأ
|
|
فاستر عليّ
فخير الناس من سترا
|
وقرأت بخط ابن
عشائر قال : قرأت بخط أبي العباس بن جمعة الأنصاري مما يغلب على الظن أنهما لبهاء
الدين علي بن محمد بن سوادة :
شبّهت وجه
معذبي لما بدا
|
|
كالروض وهو
مبهّج ومدلّج
|
فالخد ورد
واللواحظ نرجس
|
|
والثغر نور
والعذار بنفسج
|
ولما مات بهاء
الدين حزنت عليه زوجته حزنا شديدا ولازمت البكاء سنة ، فلما كان بعد السنة طلبوا
منها دارها ليعملوا بها فرحا فأعطتهم ، فلما دخلت المغنية غنت :
تفارق من
تهوى وقلبك صابر
|
|
وتلهو ومنك
الطرف ناه وناهر
|
فواعجبا لم
لا يلازمك البكا
|
|
وتمسي ومنك
الطرف ساه وساهر
|
رعى الله من
ساروا وفي القلب بعدهم
|
|
من الشوق نار
وهو شاك وشاكر
|
ترى تسمح
الأيام منك بنظرة
|
|
ويصبح غصن
الوصل زاه وزاهر
|
فلما سمعت ذلك
صاحت ووقعت مغشية عليها ، فحركوها فوجدوها ميتة ، فجهزت ودفنت عند زوجها ، قاله
الصلاح الكتبي ا ه .
__________________
وترجمه ابن
خطيب الناصرية في الدر المنتخب وقال بعد أن ذكر بعض ما تقدم : ومن نظمه في وقعة
غازان ومدح السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وذلك في شهر رمضان سنة اثنتين
وسبعمائة عندما كسر التتار بشقح :
ألا من مبلغ
قازان قولا
|
|
يحقق عنده
الخبر اليقينا
|
لقينا جيشه
في يوم سبت
|
|
وكنا عند ذلك
لا بسينا
|
كسرنا حزبهم
لما التقينا
|
|
وأردينا
الجحافل والكمينا
|
رميناهم إلى
جبل فباتوا
|
|
يعضّون
الأنامل نادمينا
|
فلما لاح ضوء
الصبح أضحوا
|
|
على روس
الثنايا حائرينا
|
زحفنا نحوهم
بالجيش نبغي
|
|
قتالهم فولوا
هاربينا
|
وملنا عن
طريقهم فماجوا
|
|
وعادوا
للهزيمة طالبينا
|
هزمنا
قطلوشاه يوم حرب
|
|
وأردينا
بعزمتنا النوينا
|
وأتبعا به
لولاي طردا
|
|
وجوبانا
وهيتوم اللعينا
|
وسقنا خلفهم
في كل واد
|
|
نذيقهم من
البلوى فنونا
|
وأفنينا جيوش
المغل قهرا
|
|
وعدنا
بالسلامة غانمينا
|
وكان الذل
والخذلان فيهم
|
|
وكان الناصر
المنصور فينا
|
وللأديب شهاب
الدين أحمد بن البردي (هكذا) من قصيدة يمدح الرئيس بهاء الدين عليا المذكور :
أنخ في ذرى
الشهباء وانزل بأرضها
|
|
وقبّل ثرى
تلك المعاهد والربى
|
ولذ ببهاء
الدين ذي الفضل والحجا
|
|
فكل الورى من
دون ذاك البها هبا
|
تضيء لساري
الليل نار نواله
|
|
ويعذب للظمآن
وردا ومشربا
|
له العلم
الأعلى الذي جلّ خطبه
|
|
ففي كل إقليم
لموقعه نبا
|
إذا ركب
القرطاس أرخى عنانه
|
|
وصال فأزرى
بالعوالي وبالظبا
|
فإن قلت غيثا
كان أهمى سحائبا
|
|
وإن قلت ليثا
كان أسطى وأرهبا
|
وإن تر خطا كان
خطا مذهبّا
|
|
وإن تر لفظا
كان لفظا مهذّبا
|
ولو شئت أن
أحصي مناقب فضله
|
|
لكنت كمن
يبغي على النجم مركبا
|
وقدمنا أبياتا
من نظم المترجم في الجزء الثاني (ص ٢٩٧) يمدح بها قراسنقر المنصوري كافل حلب.
٣٠٣ ـ نخوة بنت محمد النصيبي المتوفاة سنة ٧١٩
نخوة بنت زين
الدين محمد بن عبد العال بن هبة الله بن عبد القاهر بن عبد الواحد ابن النصيبي
الحلبي ، أم محمد بنت النصيبي. ولدت سنة ٣٤ وسمعت من يوسف بن الخليل التاسع
والعاشر من «المستخرج على صحيح البخاري» لأبي نعيم ، وتفردت برواية ذلك. وماتت في
جمادى الأولى سنة ٧١٩.
قال الذهبي :
ما أظن روى عن ابن خليل بالسماع امرأة سواها.
٣٠٤ ـ عبد الوهاب البلخي المتوفى سنة ٧٢٠
عبد الوهاب بن
محمد بن محمد بن محمد بن عثمان البلخي الأصل الحلبي المولد نظام الدين شيخنا. كان
فقيها حنفيا إماما بالمدرسة الأشرفية للطائفة الحنفية ، وكان عنده نباهة وقوة ذهن
مع كبر سن ، وهو من بيت العلم ، أبوه من كبار فقهاء الحنفية يأتي في بابه. حدث عن
والده بجزء ابن عيد سمعته عليه ، وتفقه على والده. مولده نصف ربيع الأول سنة ثمان
وثلاثين وستماية. ومات في سابع عشر رجب سنة عشرين بالمدرسة الأشرفية خارج القاهرة
ا ه. (ط ح ق).
٣٠٥ ـ عمر بن عبد العزيز بن العديم المتوفى سنة ٧٢٠
عمر بن عبد
العزيز بن أحمد بن هبة الله بن أحمد الشهير بابن العديم. ولي قضاء حلب في سنة عشرة
وسبعماية حاكما نائبا وكان بها قاض واحد إلى هذا التاريخ ، فتولى بها القاضي
المذكور قاضيا ثانيا ، واستمر من هذا التاريخ بحلب قاضيان إلى سنة ثمان وأربعين
وسبعماية ، تولى بها مالكي وحنبلي.
وذكره الإمام
ابن حبيب فقال فيه : إمام كماله زاهر ، وهمام جلاله باهر ، وحاكم علم
علمه مائد ، وماجد نيل فضله زائد ، ورئيس خضعت الرؤوس لرفعة نسبه ، وأصيل
كم أذهب خلة سائل لسائل ذهبه. كان ذا همة علا نجمها ، وأحكام مضى سيفها ونفذ سهمها
، وبيت بناؤه مشيّد ، وبنان راجيه لإطلاق مقيّد ، وأخبار حسن خبرها ، وسيرة سار
بالجميل ذكرها. رأيت شخصه مرات ، وسمعت بماله من الأيادي والمبرات. وحكم بحلب عشرة
أعوام ، ثم لحق بمن سلف من آبائه الكرام. وفيه يقول الشيخ جمال الدين محمد ابن
نباتة المصري من قصيدة :
لم أنس في
حبيه كم ليلة
|
|
خلفني أرعى
دجاها البهيم
|
نظرت في
أنجمها نظرة
|
|
فقال لي جسمي
إني سقيم
|
ما الشمس إلا
وجهك المجتلى
|
|
ولا الحيا
إلا ندى ابن العديم
|
كمال دين
الله من غيثه
|
|
قد ألحق
الساري بخصب المقيم
|
من معشر
سادوا وساسوا الورى
|
|
ببأس قاس
وبجدوى رحيم
|
مثل النجوم
الزهر كم مهتد
|
|
بها من الناس
وكم من رحيم
|
يا عمر الخير
لقد نبّهت
|
|
منك المعالي
طرف راع حليم
|
إنا وجدناك
لنظم الثنا
|
|
أبا فجئناك
بدرّ نظيم
|
انتهى. ومولده
سنة ثلاث وسبعين وستمائة ، وتوفي سنة عشرين وسبعمائة بحلب تغمده الله برحمته.
قال القرشي في
طبقات الحنفية : وتولى بعده قاضي القضاة ناصر الدين محمد ويأتي ا ه.
وقال في المنهل
الصافي في ترجمته : تولى قضاء حلب سنة عشر وسبعمائة ، وهو أول من ولي قضاء الحنفية
بحلب ، ولم يكن قبل تاريخه بحلب غير قاض واحد شافعي منذ ولي بنو أيوب بعد الخلفاء
الفاطميين ، وأما العصر الأول فكانت الحنفية هم قضاة سائر الأقطار. وكان كمال
الدين المذكور إماما عالما فقيها ا ه.
__________________
٣٠٦ ـ علي بن الحسن الهروي المتوفى سنة ٧٢٢
علي بن الحسن
بن محمد الهروي الإمام علاء الدين أبو الحسن الحنفي. قرأت في تاريخ الإمام محمد بن
حبيب في ذكر من مات سنة اثنتين وعشرين وسبعماية قال : وفيها توفي الشيخ علاء الدين
أبو الحسن علي بن الحسن بن الهروي إمام تقدم على الأقران ، وأنعم النظر في مذهب
النعمان ، وسلك طريق التصوف ، وأكثر من التطلع في كتب العلم والتشوف. كان ذا همة
وشجاعة ، وعزم يحسر عن النجدة قناعه ، طاف البلاد ثم أقام بحلب ، وتصدر للإفتاء
والتدريس وشغل ذوي الطلب ، وباشر بها مشيخة الخانكاه المقدمية ، واستمر بها على
شهبائها إلى أن أدركته المنية. من إنشاده :
كم حسرات في
الحشا
|
|
من ولد لنا
نشا
|
كنا نشاء
رشده
|
|
فما نشا كما
نشا
|
وكانت وفاته
بحلب وهو من أبناء السبعين تغمده الله برحمته ا ه. (الدر المنتخب).
٣٠٧ ـ محمد بن عثمان بن الحداد المتوفى سنة ٧٢٤
محمد بن يوسف
بن محمد بدر الدين المعروف بابن الحداد الأموي الأصل المصري خطيب حلب. تفقه واشتغل
وسمع الحديث من الشيخ شمس الدين محمد بن العماد ، وحفظ المحرر لأبن تيميّة وعرضه
على النجم بن حمدان ، وخطب بجامع دمشق ، وولي الحسبة ونظر المارستان والجامع بدمشق
، وولي نظر الأوقاف والخطابة بجامع حلب. ومات في جمادى الأولى سنة ١٧٢٤ ا ه.
أقول : واسمه
منقوش على باب منبر الجامع الكبير بحلب وقد ذكرنا ذلك في الجزء الثاني في صحيفة (١٤٠).
٣٠٨ ـ الشهاب محمود بن سليمان بن فهد المتوفى بدمشق سنة ٧٢٥
قال ابن كثير
في تاريخه البداية والنهاية في حوادث سنة خمس وعشرين وسبعماية : فيها توفي الصدر
الكبير الشيخ الإمام العالم العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود بن سليمان
ابن فهد الحلبي ثم الدمشقي شيخ صناعة الإنشاء الذي لم يكن بعد القاضي
الفاضل مثله في صنعة الإنشاء ، وله خصائل ليست للفاضل من كثرة النظم والقصائد
المطولة الحسنة البليغة. ولد سنة أربع وأربعين وستماية بحلب ، وسمع الحديث وعني
باللغة والأدب والشعر. وكان كثير الفضائل بارعا في علم الإنشاء نظما ونثرا ، وله
في ذلك كتب ومصنفات حسنة فائقة. وقد مكث في ديوان الإنشاء نحوا من خمسين سنة ، ثم
عمل كتابة السر بدمشق نحوا من ثماني سنين ، إلى أن توفي ليلة السبت ثاني عشرين
شعبان في منزله قريب من باب الناطفانيين وهي دار القاضي الفاضل وصلي عليه بالجامع
ودفن بتربة له أنشأها بالقرب من اليعمورية وقد جاوز الثمانين سنة ا ه.
قال أبو الفداء
في تاريخه في حوادث سنة ست عشرة وسبعماية لما أنعم عليه بمدينة المعرة : ومدحني
شهاب الدين محمود كاتب الإنشاء الحلبي بقصيدة ذكر فيها صدقات السلطان وعود المعرة
أضربنا عن غالبها خوف التطويل ، فمنها :
بك تزهى
مواكب وأسرّه
|
|
ولك الشمس
والقواضب أسره
|
وبأيامك التي
هي روض
|
|
للأماني تجنى
ثمار المسرّه
|
بك كل الدنيا
تهنّى ويضحي
|
|
قدرها عاليا
وكيف المعرّه
|
وترجمه ابن
شاكر في فوات الوفيات وقال : إن مولده كان بدمشق ، وهو سهو منه ، فإن جمع المؤرخين
والأدباء نعتوه بالحلبي ومنهم أبو الفدا كما قدمنا ، وعبارة ابن كثير صريحة بأن
مولده بحلب. وأورد له ابن شاكر ثمة عدة قصائد ، قال : ومن نظمه :
رأيت في
بستان خل لنا
|
|
بدر دجى يغرس
أشجارا
|
فقلت إن أنجب
هذا الذى
|
|
يغرسه أثمر
أقمارا
|
ومنه :
رأتني وقد
نال مني النحول
|
|
وفاضت دموعي
على الخدّ فيضا
|
فقالت بعيني
هذا السقام
|
|
فقلت صدقت
وبالخصر أيضا
|
ومنه :
ورأيته في
الماء يسبح مرة
|
|
والشعر قد
رفت عليه ظلاله
|
فظننت أن
البدر قابل وجهه
|
|
وجه الغدير
فلاح فيه خياله
|
وأورد له الشيخ
محمد العرضي الحلبي في مجموعته قوله :
وسرت به في
البحر جارية
|
|
سوداء يسبق
سيرها الشهبا
|
لو أن ملك
البحر طوع يدي
|
|
لأخذت كل
سفينة غصبا
|
وقوله :
إذا البرق من
تلقاء كاظمة عنّا
|
|
أذاب الحشا
منا وزاد الكرى عنّا
|
حسبناه إيماض
الثغور على النقا
|
|
وليس به لكنه
قارب المعنى
|
متى قال
حادينا رويدا فبينكم
|
|
وبين الحمى
مقدار يومين أو أدنى
|
وهبنا له شطر
الحياة فإن أبى
|
|
ولم يرضه ما
قد وهبنا له زدنا
|
أقول : وقد طبع
من مؤلفاته «حسن التوسل في صناعة الترسل» وهو كثير متداول. وأورد له الشيخ يوسف
النبهاني البيروتي في مجموعته المطبوعة في بيروت المسماة بالمجموعة النبهانية في
المدائح النبوية أزيد من عشرين قصيدة تقرب من ألفي بيت ، وكلها من غرر الشعر. ومن
مؤلفاته «منازل الأحباب ومباراة الألباب» ذكره في الكشف.
٣٠٩ ـ عبد
الوهاب بن أمين الدولة المتوفى سنة ٧٢٥
عبد الوهاب بن
عمر بن عبد المنعم بن هبة الله بن أمين الدولة الحلبي الحنفي الإمام النحوي الزاهد
ظهير الدين. كذا ذكره الصفدي وقال : ولد سنة أربعين وستماية ، وسمع من حبيبة
الحرانية ، وأجاز له ابن الجميزي. وسمع منه محمد بن طغريل. مات سنة خمس وعشرين
وسبعماية ا ه. (بغية الوعاة).
وقال في المنهل
الصافي : كان رحمهالله من أعيان فقهاء السادة الحنفية ، ذكره الحافظ عبد
القادر في طبقاته وأثنى عليه ، وتوفي بحلب في صفر. ا ه.
٣١٠ ـ طلحة بن
يوسف المتوفى سنة ٧٢٥
قال ابن الوردي
: في رجب من هذه السنة توفي بحلب الشيخ علم الدين طلحة بن
يوسف. كان رحمهالله فاضلا في النحو والتصريف والقراءات ، حسن الوجه والخلق
والصوت ، مشاركا في علوم. وكان إليه تدريس المدرسة الرواحية بحلب ا ه.
٣١١ ـ الحافظ عمر بن حسن بن حبيب المتوفى سنة ٧٢٦
عمر بن الحسن
بن عمر بن حبيب بن عمر بن شونج أبو القاسم الدمشقي نزيل حلب الإمام العالم الحافظ
زين الدين الشافعي. ولد تقريبا سنة ثلاث وستين وستماية ، وسمع من الفخر أحمد وابن
شيبان وبنت مكي وطبقتهم ، وبمصر ابن حمدان وخلقا ، وقدم حلب صحبة القاضي زين الدين
الخليلي الشافعي بعد سنة سبعمائة بقليل وأقام بها ، وسمع بها من شرف الدين أبي
محمد يعقوب ابن الصابوني وأبي إسحق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم المقدسي وعبد الله
بن عمر بن سعيد وسنقر بن عبد الله ومحمد بن علي البالسي قدم حلب ، وعبد العزيز بن
عمر بن أبي بكر بن الأزدي الغساني الحموي قدم حلب ، وبيبرس العديمي وإبراهيم بن
أبي بكر بن عبد الرحمن الشيرازي قدم حلب ، ورشيد بن كامل بن رشيد الرقي ومحمد بن
أحمد بن محمد النصيبي وغيرهم من أهلها والقادمين عليها. وكتب وعني بالحديث وتميز.
وأول سماعه في سنة خمس وسبعين. وكان إماما عالما حافظا ، وخرج له أبو عبد الله
الذهبي الحافظ مشيخة فيها أكثر من خمسمائة شيخ ، وحدث سمع منه أولاده الإمام بدر
الدين الحسن وشرف الدين حسين وكمال الدين محمد وغيرهم. وذكره ولده الإمام بدر
الدين الحسن في تاريخه وقال فيه : إمام علي المقام ، ومحدث عن خير الأنام ، وعالم
لا يغفل عن الاحتراز ، وعامل يقابل فرص الفوائد بالانتهاز. كان حسن الأخلاق غزير
الأرفاد والأرفاق ، محبا للفقراء وأهل الخير ، معينا لمن ورد عليه بما لديه من
المير ، متمسكا بأفنان الفنون ، خبيرا بعلل المسانيد والمتون ، رحل وطلب ، وألف
وكتب ، وسمع الكثير ، وروى عن الجم الغفير ، وسار إلى لقاء المرشدين ، وقرأ بمصر والشام
على الحفاظ المسندين. ثم أقام بحلب ملازما خدمه السنة النبوية ، وباشر بها نظر
الحسبة ومشيخة الحديث وعدة من الوظائف الدينية. خرج له الحافظ أبو عبد الله الذهبي
معجما وكتبه بخطه ، يشتمل على أكثر من خمسمائة شيخ قيدهم بتحريره وضبطه. سمعت منه
وقرأت عليه جملة مما يرويه عن الحفاظ ، وأفادني كثيرا من تنقيح المعاني وتصحيح
الألفاظ. وهو القائل في مرضه المتصل بموته من أبيات :
أبعد ثلاثين
انقضت لي ومثلها
|
|
وخمس أرجّي
صحة وشفاء
|
على العيش
مني والغواني تحية
|
|
وأوقات لذات
ذهبن جفاء
|
انتهى. ومن
نظمه أيضا من قصيدة :
ما ضرهم لو
سامحوا بخيالهم
|
|
إن كان عزّ
على البعاد لقاهم
|
وأظنهم سمحوا
ولكن طيفهم
|
|
منع الزيارة
خائنا حاشاهم
|
أنشدني الإمام
أبو الوفا إبراهيم بن محمد الحلبي قال : أنشدني شيخنا الإمام المحدث المخرج شرف
الدين الحسين بن الحافظ أبي القاسم عمر بن حبيب الشافعي الدمشقي ثم الحلبي قال :
أنشدنا والدي أبو القاسم عمر قراءة عليه وأنا أسمع سنة ست عشرة وسبعماية قال :
أنشدنا الشيخ الأجل الفاضل الأديب سراج الدين أبو حفص عمر بن عبد النصير ابن محمد
بن هاشم بن عز العرب القرشي السهمي عرف بالزاهد القوصي الحريري لنفسه بالقاهرة
رابع عشر صفر سنة ثلاث وتسعين وستماية بدار الحديث الكاملية :
أحاديث عشقي
بين أهل الهوى تروى
|
|
يعنعنها عني
التأوه والشكوى
|
مسلسلها وجدي
وصبري غريبها
|
|
وأحسنها ذلي
لعز الذي أهوى
|
ومرفوعها عن
مقلتي سنة الكرى
|
|
وموقوفها
لهفي على ساكني حزوى
|
ومتروكها ذكر
السلوّ لخاطري
|
|
ومقطوعها
وصلي من الرشأ الأحوى
|
وأما أحاديث
الوشاة بأسرها
|
|
فموضوعة لا
حكم فيها ولا فتوى
|
خذوا متنها
عني فإن شروحها
|
|
تطول ببعدي
في الهوى عن حمى علوى
|
وإن كنت أبدي
في دنوي تجلدا
|
|
فإني عليه في
التباعد لا أقوى
|
وخلّ لما
ألقاه من ألم النوى
|
|
ضلوعي على
مبسوط نار الجوى تطوى
|
على أن من
أهوى تجنّيه لم يزل
|
|
ألذّ على
قلبي من المنّ والسلوى
|
قال ولده شيخنا
أبو محمد بن حبيب في تاريخه : وقال يعني والده أبا القاسم وأنشدنا أبو حفص عمر بن
إبراهيم بن الحسين الغنيمي لنفسه أبياتا منها :
تبدّي بإكليل
على نور وجهه
|
|
فحلّ محل
البدر في القلب والطرف
|
تود الدراري
أن تكون نطاقه
|
|
وترجو الثريا
أنها موضع الشنف
|
نصبت على
التمييز إنسان مقلتي
|
|
أشاهد قدا
منه نصبا على الظرف
|
أأخشى لديه
فرقة وقساوة
|
|
وقد جاء واو
الصدغ للجمع والعطف
|
توفي سنة ست
وعشرين وسبعمائة بمراغة حيث رحل إليها لأمر عرض له. وقال فيه ولده أبو محمد الحسن
:
لوالدي قلت
حين ولّى
|
|
مفارقا نفسه
العفيفه
|
أبشر من
المصطفى بخير
|
|
يا خادم
السنة الشريفه
|
ا ه (الدر
المنتخب).
وترجمه في
الدرر الكامنة ببعض ما تقدم وقال : ثم رحل إلى الروم وعمل لنفسه فهرست مروياته في
مجلد وقفت عليها ، ثم وصل إلى مراغة فمات بها في شهور سنة ٧٢٦. ومن شعره :
كتمت الهوى
صونا لكم فوشت به
|
|
مدامع لا
تدري بمن أنا مغرم
|
٣١٢ ـ محمد بن إسحق بن صقر المتوفى
سنة ٧٢٦
محمد بن إسحق
بن محمد بن محمد بن نصر بن صقر الحلبي شمس الدين ناظر الأوقاف. ولد سنة ٦٣٣ ، وكان
يذكر أنه سمع من أبيه الضيا صقر ومن يوسف بن خليل وغيرهما ، ولم يوجد له إلا عن
النجيب عبد اللطيف سمع منه بالقاهرة مشيخة ابن كليب. وكان شيخا أبيض أحمر الوجه
تقي الشيبة نظيف الثياب ، وكان يلبس لبس الفقراء وهمته همة الأمراء ، يقوم بحقوق
الواردين إلى حلب ، ويمدحه الشعراء فيجيزهم أحسن الجوائز ، وكان يأخذ القصيدة من
ناظمها فيكتب فيها اسم شاعرها وتاريخ وصولها إليه ومقدار الجائزة ، فإذا تقدم ذلك
الشاعر أو صارت له دولة أو صورة أخرج تلك الورقة وكان أهل حلب يشكون في شهاداته.
مات في شعبان سنة ٧٢٦ وقد جاوز التسعين.
ثم رأيت ترجمته
في الدر المنتخب ومما قاله فيه : أنه كان رئيسا كبيرا ممدوحا ، باشر نظر الأوقاف
بحلب وكانت له هبات ولبسه لبس الفقراء ، وكان فيه كرم وسماحة وقيام بحقوق الواردين
، والناس يقصدونه. وكان سافر مع قرا سنقر إلى دمشق وأقام بها مدة ،
وكان يقول : ما يحملني إلا تلك الخربة يعني حلب ، ثم عاد إلى حلب واستمر
بها. وفيه يقول الإمام جمال الدين أبو بكر محمد بن نباتة المصري :
يا سائلي عن
حلب لا تطل
|
|
والله لو لا
شمسها المجتبى
|
لم يلق راجي
حلب زبدة
|
|
ولم يصادف
لبنا طيّبا
|
وقوله فيه :
أقول لساكني
حلب جميعا
|
|
نعم وبني
دمشق وأهل مصر
|
دعوا صيد
المحامد والمعالي
|
|
فقد صاد
الجميع ندى ابن صقر
|
وقال فيه وقد
أسن :
حمى الله شمس
المكرمات من الأذى
|
|
ولا نظرت
عيناي يوم مغيبه
|
لقد أبقت
الأيام منه لأهلها
|
|
بقية ما في
المزن غير مشوبه
|
كأن سجاياه
اللطيفة قهوة
|
|
حباب حمياها
بياض مشيبه
|
توفي في شعبان
سنة ست وعشرين وسبعماية بحلب تغمده الله برحمته ا ه.
وفي ديوان ابن
نباته : ومما كتبه إلى ابن صقر الحلبي :
أما والله قد
شرّفت شعري
|
|
فأصبح كل بيت
مثل قصر
|
وقد لاقيت من
علياك بحرا
|
|
يلذ مديحه في
كل بحر
|
وصدرا فيه
للرحمن سرّ
|
|
كذاك الصدر
موطن كل سرّ
|
ولم أر فيك
عيبا غير نعمى
|
|
بها استعبدت
منا كل حرّ
|
وبرا إن
تقاصر عنه شكري
|
|
فأقسم ما
تقاصر عنه أجري
|
أقول لساكني
حلب جميعا
|
|
مقالة مجتلي
خبر وخبر
|
دعوا صيد
المحامد والمعالي
|
|
فقد صادتهما
همم ابن صقر
|
والبيتان
الأخيران تقدما وفيهما مغايرة لما هنا.
٣١٣ ـ طلحة النحوي المقري المتوفى سنة ٧٢٦
طلحة الشيخ
الإمام الحلبي النحوي المقري الشافعي. كان أصله مملوكا يدعى سنجر فغيره بذلك. وكان
إماما في النحو يعرف الحاجبية جيدا ومختصر ابن الحاجب والتعجيز. قال ابن أيبك :
قرأت عليه بحلب مدة إقامتي بها قطعة جيدة من كتاب البيوع من التعجيز ، وكان يراعي
الإعراب في كلامه وبحثه. وكان شيخا طوالا حسن القراءة جيد الصوت طيبه يعرف
القراءات جيدا ، سافر إلى الشيخ برهان الجعبري وأخذ التعجيز عنه. وتوفي سنة ست
وعشرين وسبعماية رحمهالله تعالى ا ه (المنهل الصافي).
٣١٤ ـ علي بن أحمد الحداد الشاعر المتوفى سنة ٧٢٦
علي بن أحمد بن
حسن بن علي أبو الحسن الحداد المؤذن المنشد. مولده سنة خمس وخمسين بحلب تقريبا ،
وله شعر حسن ذكره الذهبي في معجمه وقال : أنشدنا الشيخ علي الحداد لنفسه أبياتا
مدح بها أمين الدين الرئيس ووالده مطلعها :
هوّن الله
كلّ صعب شديد
|
|
وطوى شقّة
القفار البيد
|
للمطايا
إذا طلبن حمى سلع وجدّت بكل جهد جهيد
|
بارك الله
للمطايا إذا ما
|
|
جزن أعلام
حاجر وزرود
|
ورأت بانة
العقيق وربعا
|
|
حل فيه كل
الندى والجود
|
خاتم
المرسلين أكرم خلق الله من والد ومن مولود
|
وذكره ابن رافع
في معجمه. توفي سنة ست وعشرين وسبعماية تغمده الله برحمته ا ه. (الدر المنتخب).
٣١٥ ـ يعقوب بن عبد الكريم ناظر الجيش المتوفى سنة ٧٢٩
يعقوب بن عبد
الكريم بن أبي المعالي الحلبي شرف الدين ناظر الجيش بحلب ثم طرابلس. تنقل في هاتين
الولايتين مرارا عديدة ، ثم قدر أن مات بحماة. وكان رئيسا نبيلا جوادا يحب الفضلاء
ويرعاهم ، متجملا في زيه وملبسه ، وهو والد الرئيس ناصر الدين محمد
ابن يعقوب الذي كان ولي كتابة السر بحلب وبدمشق (سيأتي ذكره في وفيات سنة
٧٦٣).
وقال ابن كثير
: كان محبا لأهل الخير وفيه كرم وإحسان. مات بحماة في جمادى سنة ٧٢٩.
٣١٦ ـ إبراهيم بن صالح بن العجمي المتوفى ٧٣١
إبراهيم بن
صالح بن هاشم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحسن بن عبد الرحمن بن العجمي الحلبي
عز الدين. ولد بعد الأربعين ، وكتب بخطه سنة أربعين وأرخه غيره سنة اثنتين وقيل
ثلاث (أي وأربعين). وسمع من يوسف بن خليل ثلاثة أجزاء منها عشرة الحداد ومنتقي
الحرث وتفرد بها بالسماع منه. وسمع من خطيب بردي وابن عبد الدايم ونصر الله بن أبي
العز وابن (السعسعة) لكن لم يكثر. وكان من بيت العلم والرياسة والوجاهة.
قال ابن رافع :
كان جنديا أولا ، ثم ترك ذلك وجلس مع الشهود. وكان سهلا في التحديث بشوشا سريع
الدمعة. ورحل الناس إليه. ومات في ١٦ جمادى الآخرة سنة ٧٣١ ، وهو آخر من حدث عن
يوسف بن خليل. وسمع منه البرزالي والذهبي وابن حبيب وأولاده ا ه.
٣١٧ ـ يوسف بن محمد النصيبي المتوفى سنة ٧٣١
يوسف بن محمد
بن محمد بن عبد القاهر بن هبة الله بن عبد القاهر بن عبد الواحد ابن هبة الله بن
طاهر بن يوسف بن العز أبو بكر ابن النصيبي الحلبي. ولد في رمضان سنة ٤٥ بها ، وسمع
من شيخ الشيوخ بحماة مسند العشرة من مسند أحمد وحدث سمع منه عبد القادر المقريزي
وعبد الرحمن بن محمد البعلي وابن رافع. ومات في ربيع الآخر سنة ٧٣١.
٣١٨ ـ محمد بن ناهض المتوفى سنة ٧٣١
بدر الدين محمد
بن ناهض إمام الفردوس بحلب. سمع عوالي الغيلانيات الكبير على القطب ابن عصرون وحدث
، وله نظم. مات تاسع عشري ربيع الآخر سنة سبعمائة وإحدى وثلاثين ا ه (أبو الفدا).
قال في الكشف :
«بستان الناظر وأنس الخاطر» للشيخ محمد بن ناهض ، ولم يذكر تاريخ وفاته فلا أدري
هو لهذا أو لحفيده محمد بن ناهض المتوفى سنة ٨٤١.
٣١٩ ـ الشريف حسن بن محمد بن زهرة المتوفى سنة ٧٣٢
حسن بن محمد بن
علي بن زهرة الحسيني الحلبي بدر الدين نقيب الأشراف بحلب وناظر المارستان بها. قتل
غيلة في المحرم سنة ٧٣٢.
٣٢٠ ـ محمد بن أبي حامد الطبيب المتوفى سنة ٧٣٢
محمد بن أبي
حامد بن هاشم بن نصار الحلبي الحكيم بدر الدين. كان فائقا في فنه. أثنى عليه ابن
حبيب فقال : كان قدوة الأطباء في معالجة الأبدان ، ورحلة الألباء المعروفين
بالعرفان. مات بحلب سنة ٧٣٢ عن نيف وثمانين سنة.
٣٢١ ـ عبد الرحمن سبط الأبهري المتوفى سنة ٧٣٣
عبد الرحمن
الفقيه الشافعي المواقيتي سبط الأبهري الملقب أمين الدين. كان له يد طولى في
الرياضي والوقت والعمليات ومشاركة في فنون. وكان عنده لعب فنفق عند الملك المؤيد
بحماة وتقدم ، ثم بعده تأخر وتحول إلى حلب ومات بها ، وأهل حماة يطعنون في عقيدته.
ويعجبني بيتان الثاني منهما مضمن لا لكونهما فيه ، فإن سريرته عند الله ، بل لحسن
صناعتهما ، وهما :
إلى حلب خذ
عن حماة رسالة
|
|
أراك قبلت
الأبهري المنجما
|
فقولي له
ارحل لا تقيمن عندنا
|
|
وإلا فكن في
السر والجهر مسلما
|
ا ه (ابن
الوردي في ذيل تاريخ أبي الفدا من حوادث سنة ٧٣٣).
٣٢٢ ـ أحمد بن يحيى بن جهبل المتوفى سنة ٧٣٣
أحمد بن يحيى
بن إسماعيل الشيخ شهاب الدين بن جهبل الكلّابي الحلبي الأصل. سمع من أبي الفرج عبد
الرحمن بن الزيني المقدسي وأبي الحسن بن النجاري وعمر بن عبد المنعم ابن القواس
وأحمد بن هبة الله بن عساكر وغيرهم. ودرس وأفتى وشغل بالعلم مدة بالقدس ودمشق ،
وولي تدريس البادرانية بدمشق ، وحدث وسمع منه الحافظ علم الدين القاسم ابن محمد بن
البرزالي. مات سنة ثلاث وثلاثين وسبعماية ا ه. (الطبقات الكبرى للسبكي). ثم قال :
ووقفت له على تصنيف في خبر الجهة ردا على ابن تيميّة وهو هذا ، وساقه بتمامه وهو
في ثلاثين صحيفة.
وذكره ابن
الوردي في ذيل تاريخ حماة فيمن توفي في هذه السنة وقال : إن وفاته بدمشق.
٣٢٣ ـ شرف الدين عبد الرحمن العجمي المتوفى سنة ٧٣٤
شرف الدين أبو
طالب عبد الرحمن ابن القاضي عماد الدين بن العجمي. سمع الشمائل على والده ، وحدث
وأقام مع والده بمكة في صباه أربع سنين. وكان شيخا محترما من أعيان العدول وعنده
سلامة صدر. توفي في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وسبعماية ا ه (ذيل الوردي).
٣٢٤ ـ عمر بن محمد بن العديم المتوفى سنة ٧٣٤
عمر بن محمد بن
عمر بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن أبي جرادة العقيلي الحلبي الحنفي نجم الدين بن
جمال الدين بن الصاحب كمال الدين بن العديم. ولد بحلب سنة ٦٨٩ ، وسمع من الأبرقوهي
وحدث عنه وتفقه ، وولي عدة تداريس ، ثم ولي القضاء في حماة سنة ٧٢١ إلى أن مات
بحماة في صفر سنة ٧٣٤. ولا يحفظ أنه سب أحدا طول ولايته. وكان المؤيد يثني عليه
وعلى فضائله. ومن نظمه :
كأنما النهر
وقد حفت به
|
|
أشجاره
فصافحته الأغصن
|
مرآة غيد قد
وقفن حولها
|
|
ينظرن فيها
أيّهن أحسن
|
ورثاه ابن
الوردي بقوله :
قد كان نجم
الدين شمسا أشرقت
|
|
بحماة للداني
بها والقاصي
|
عدمت ضياء
ابن العديم فأنشدت
|
|
مات المطيع
فيا هلاك العاصي
|
ومن نظمه كما
في مجموعة الشيخ محمد العرضي وفي ترجمته في الدر المنتخب :
من بعد بعدك
يا من كان يؤنسني
|
|
ما أبصرت
حسنا عيني ولا رمقت
|
سواك ما مرّ
في بالي ولا شفتي
|
|
بغير ذكرك يا
أقصى المنى نطقت
|
أشكو إليك
غراما فيك أقلقني
|
|
فدتك نفسي
على طول المدى ووقت
|
وفرط شوق
ووجد ناره وقدت
|
|
بين الأضالع
والأحشاء فاحترقت
|
أستودع الله
وجها مشرقا بهجا
|
|
كأن منه بدور
التمّ قد خلقت
|
مهلا فإن
الليالي ربما قبضت
|
|
بنانها
والأماني ربما صدقت
|
وذكره صديقنا
الشيخ أحمد الصابوني رحمهالله في تاريخ حماة فقال : كان علامة زمانه وزينة دهره ،
مجيدا في أكثر العلوم ، عنده من الفنون وعلوم الأدب ما قل أن يكون لغيره ، وكان
جيد الخط والشعر ، ذا مروءة طبيعية وتحفظ عجيب بحيث لم يحفظ عنه أنه شتم أحدا مدة
ولايته. وكان قاضي حماة معتبرا عند الملوك ذا مكانة عظيمة مشي أهل البلد كلهم في
جنازته ، وقد آثر صاحب حماة بعد وفاة ابن العديم أن لا ينقطع أمر تولية القضاء من
هذا البيت لأهل حماة فولى بعده ابنه جمال الدين عبد الله وهو شاب أمرد لا نبات
بعارضيه ا ه.
وله من
المؤلفات «منهاج على مذهب الحنفية» وهو مشتمل على أصول وفروع جمع فيه بين الجامع
الصغير وبين الطحاوي والقدوري بأوجز لفظ وأحسن بيان ، قاله في الكشف.
٣٢٥ ـ قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور المتوفى سنة ٧٣٥
عبد الكريم بن
عبد النور بن منير بن عبد الكريم بن علي بن عبد الحق بن عبد الصمد ابن عبد النور
الحلبي الأصل والمولد المصري الإمام. كتب بخطه وسمع الكثير وحدث وأفاد وأحسن ودرس
لطائفة المحدثين بالجامع الحاكمي ، وأعاد بالقبة المنصورية لطائفة الحديث ، وصنف
وجمع. وكان سمحا بعارية الكتب والأجزاء. مولده سنة أربع وستين وستماية ، ومات في
سلخ رجب سنة خمس وثلاثين وسبعماية بمنزله خارج باب النصر جوار زاوية خاله شيخنا
نصر المنبجي ودفن بها ا ه. (ط ح ق).
وعلى هامش
النسخة نقلا عن تاج التراجم أنه شرح البخاري بلغ النصف ، وعمل تاريخ مصر فبلغ
مجلدات دون التمام ، وشرح السيرة النبوية للحافظ عبد الغني ، وله غير ذلك ا ه.
وذكره ابن
الوردي فيمن توفي هذه السنة وقال : كان كيّسا حسن الأخلاق مطّرحا للتكلف طاهر
اللسان مضبوط الأوقات ، شرح معظم البخاري وعمل تاريخا لمصر لم ينته ودرس الحديث
بجامع الحاكم وخلف تسعة أولاد ودفن عند خاله نصر المنبجي ا ه.
وترجمه ابن
خطيب الناصرية في الدر المنتخب وذكر بعض من أخذ عنهم وقال :
قال بعض أهل
العلم : إن أشياخه تبلغ الألف ، وجمع عدة أربعينيات منها بلدانية وتساعيات ، وصنف
عدة تصانيف منها «المورد العذب الهني في الكلام على سيرة الحافظ عبد الغني» و «القدح
المعلّى في الكلام على بعض أحاديث المحلّى» و «الاهتمام في أحاديث الأحكام» وقطعة
كبيرة من شرح البخاري وتاريخ لمصر عدة مجلدات. وقرأت أنا الأربعين التساعية تخريجه
على ابن ابنه شيخنا المعمر قطب الدين عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بسماعه لها
من أبيه محمد بسماعه لها من أبيه قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور بخانقاه سعد
السعداء في القاهرة المعزية في سنة ثمان وثمانماية في رحلتي الأولى إليها ا ه.
٣٢٦ ـ مهنّا بن إبراهيم المتوفى سنة ٧٣٦
قال ابن الوردي
في الذيل في حوادث سنة ست وثلاثين وسبعمائة : فيها توفي العارف
الزاهد (مهنا ابن الشيخ إبراهيم) بن القدوة مهنا الفوعي بالفوعة في خامس
عشر شوال ، ورثيته بقصيدة أولها :
اسأل الفوعة
الشديدة حزنا
|
|
عن مهنّا
هيهات أين مهنّا
|
أين من كان
أبهج الناس وجها
|
|
فهو أسمى من
البدور وأسنى
|
ومنها :
أين شيخي
وقدوتي وصديقي
|
|
وحبيبي وكل
ما أتمنى
|
كيف لا يعظم
المصاب لصدر
|
|
نحن منه مودة
وهو منّا
|
جعفريّ
السلوك والوضع حتى
|
|
قال عبس عنه
مهنّا مهنّا
|
أي قلب به
ولو كان صخرا
|
|
ليس يحكي
الخنساء نوحا وحزنا
|
أذكرتنا
وفاته بأبيه
|
|
وأخيه أيام
كانوا وكنّا
|
وهي طويلة .
كان جده مهنا
الكبير من عبّاد الأمة وترك أكل اللحم زمانا طويلا لما رأى من اختلاط الحيوانات في
أيام هولاكو لعنه الله ، وكان قومه على غير السنة فهدى الله الشيخ مهنا من بينهم
وأقام مع التركمان راعيا ببرية حران ، فبورك للتركمان في مواشيهم ببركته وعرفوا
بركته ، وحصل له نصيب من الشيخ حياة بن قيس بحران وهو في قبره وجرت له معه كرامات
، فرجع مهنا إلى الفوعة وصحب شيخنا تاج الدين جعفر السراج الحلبي وتلمذ له وانتفع
به وصرفه مهنا في ماله وخلفه على السجادة بعد وفاته ، ودعا إلى الله تعالى ، وجرت
له وقائع مع الشيعة وقاسى معهم شدائد وبعد صيته وقصد بالزيارة من البعد ، وجاور
بمكة شرفها الله تعالى سنين ثم بالمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، وجرت له
هناك كرامات مشهورة بين أصحابه وغيرهم ، منها أن النبي صلىاللهعليهوسلم رد عليهالسلام من الحجرة وقال : وعليك السلام يا مهنا. ثم عاد إلى
الفوعة وأقام بها إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى في المحرم سنة أربع وثمانين
وستمائة.
وجلس بعده على
سجادته ابنه الشيخ إبراهيم ، فسار أحسن سيرة ودعا إلى الله تعالى
__________________
على قاعدة والده ، ورجع من أهل بلد سرمين خلق إلى السنة ، وقاسى من الشيعة
شدائد ، وسبه قتل ملك الأمراء بحلب يومئذ سيف الدين قبحق الشيخ الزنديق منصورا من
تار ، وجرت بسبب قتله فتن في بلد سرمين. ولم يزل الشيخ إبراهيم على أحسن سيرة
وأصدق سريرة إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى في ذي الحجة سنة ست عشرة وسبعمائة.
وجلس بعده على
سجادته ابنه الشيخ الصالح إسماعيل ابن الشيخ إبراهيم بن القدوة ، فسار أحسن سيرة
وقاسى من الشيعة غبونا ، ولم يزل على أحسن طريقة إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى
في ثامن صفر سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة.
وجلس بعده على
السجادة أخوه لأبويه الشيخ الصالح مهنا بن إبراهيم بن مهنا ، إلى أن توفي في خامس
عشر شوال سنة ست وثلاثين وسبعمائة كما مر ، وتأسف الناس لموته فإنه كان كثير
العبادة حسن الطريقة عارفا.
وجلس بعده على
السجادة أخوه لأبيه الشيخ حسن ، وكان شيخنا عبس يحب مهنا هذا محبة عظيمة ويعظمه
ويقول عنه : مهنا مهنا ، يعني أنه يشبه في الصلاح والخير جده. وهم اليوم ولله
الحمد بالفوعة جماعة كثيرة وكلهم على خير وديانة ، وقد أجزل الله عليهم المنة
وجعلهم بتلك الأرض ملجأ لأهل السنة. ولو ذكرت تفاصيل سيرة الشيخ مهنا الكبير
وأولاده وأصحابه وكراماتهم لطال القول والله تعالى أعلم ا ه.
٣٢٧ ـ الأمير إزبك الحموي المتوفى سنة ٧٣٧
قال ابن الوردي
في الذيل في حوادث سنة سبع وثلاثين وسبعمائة : فيها في ذي الحجة توفي الأمير
العابد الزاهد صارم الدين إزبك المنصوري الحموي بمنزلة نزلها مع العسكر عند أياس ،
وحمل إلى حماة فدفن بتربته. وكان من المعمرين في الإمارة ومن ذوي العبادة والمعروف
، وبنى خانا للسبيل بمعرة النعمان شرقيها وعمل عنده مسجدا وسبيلا للماء ، وله غير
ذلك رحمهالله.
ذكر لي جماعة
بحلب وهو مسافر إلى بلاد الأرمن أنه رؤي له بحماة منام يدل على
__________________
موته في الجهاد وحمله إلى حماة وحوله الملائكة. قلت : ولقد تجمل لهذا
الجهاد وتحمل وتكلف لمهمه وتكفل ، حتى كأنه توهم فترة سلاحه عن الكفاح ، فرسم أن
تحد السيوف وتعتقل الرماح ، فلاح على حركاته الفلاح ، وسيحمد سراه عند الصباح
والله أعلم ا ه.
٣٢٨ ـ محمد بن عبد الرحمن بن النصيبي المتوفى سنة ٧٣٧
محمد بن عبد
الرحمن بن محمد بن محمد بن عبد القاهر بن هبة الله الحلبي بن النصيبي ضياء الدين.
ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة ، وسمع من سنقر الزيني وحدث ، وولي حسبة حلب وقضاء
البيرة ، وأثنى عليه ابن حبيب ، ومات رابع المحرم سنة سبع وثلاثين وسبعماية.
٣٢٩ ـ أحمد بن إبراهيم المشهور بابن البرهان الحلبي المتوفى سنة ٧٣٨
أحمد بن
إبراهيم بن داود التركي أبو العباس القاضي محيي الدين. تقدم والده إبراهيم. مولده
سنة أربع وسبعين وستماية بالقاهرة. تفقه على والده إبراهيم ، ثم ورد حلب ودرس في
عدة مدارس بها ، وولي مشيخة الخانقاه المقدمية ، وأذن له والده في الفتوى ، وانتهت
إليه رياسة الحنفية بحلب في وقته. كان حيا بحلب سنة ثمان وعشرين وسبعماية ا ه. (ط
ح ق).
وقال قبل ذلك :
أحمد بن إبراهيم بن داود المقرىء شهاب الدين أبو العباس المعروف بابن البرهان شيخ
الحنفية بحلب. كان فقيها فاضلا له مشاركة في علوم عديدة ومصنفات مفيدة. شرح الجامع
الكبير. وكانت وفاته في عاشر رجب سنة ثمان وثلاثين وسبعماية ا ه.
وذكره ابن
الوردي في الذيل فقال في حوادث هذه السنة : وفيها في رجب مات بحلب فاضل الحنفية
بها الشيخ شهاب الدين أحمد بن البرهان إبراهيم بن داود ، ولي قضاء أعزاز ثم نيابة
القضاء بحلب مدة ، ثم انقطع إلى العلم. وله مصنفات. وولي ابنه داود جهاته ا ه.
وترجم القرشي
في طبقاته أباه إبراهيم وقال : إن جده اسمه داد ، ونص عبارته إبراهيم ابن داد بن
ديكه أبو إسحق التركي والد أبي العباس أحمد ، تفقه عليه ولده أبو العباس.
وداد بدالين مهملتين بينهما الألف وهو اسم مشترك بين لسان الفارسية
والتركية معناه العدل ، نقلا عن شيخنا شجاع الدين هبة الله التركستاني ا ه.
٣٣٠ ـ عثمان بن علي بن خطيب جبرين المتوفى سنة ٧٣٨
عثمان بن علي
بن عمر بن إسماعيل بن إسماعيل بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب بن علي بن عبد الله بن
ناجية الطائي الحلبي فخر الدين بن خطيب جبرين الفقيه الشافعي. ولد كما وجد بخطه في
ربيع الأول سنة ٦٦٢ ومهر في الفنون حتى كان يدرس لكل من قصده في أي كتاب أراد من
أي علم أحضره ، ولم ير الناس له في ذلك نظيرا إلا ما حكي عن ابن يونس. وكان يقري
في الحاوي وغيره من الفروع ، وفي المحصول وغيره من أصول الفقه ، وفي الشاطبية
وغيرها من القراءات ، وفي الفرائض وأنواع الحساب ، وفي العربية والتصريف ، وفي
الحكمة والطب وغير ذلك ، وناب في الحكم. وكان في خلال الدرس وفي خلال الحكم يلازم
السبحة. ومن شيوخه في العلم نجم الدين ابن مكي وشمس الدين بهرام ، قرأ عليه
التعجيز بقراءته له على مصنفه ابن يونس ، وقرأ الحاوي على تاج الدين محمد بن أحمد
الآملي عن قراءته على جلال الدين ولد مؤلفه عنه سماعا.
ومن تصانيفه
شرح التعجيز ، وشرح الشامل الصغير ، وشرح مختصر ابن الحاجب ، وشرح البديع لأبن الساعاتي ، وشرح على الحاوي كالحاشية ، ونظم في
الفرائض ، وصنف في المناسك وفي اللغة وغير ذلك ، وشرح مختصر مسلم للمنذري.
وولي قضاء حلب
بعد الشيخ شمس الدين بن النقيب في جمادى الآخرة سنة ٣٦ ، ثم طلب إلى القاهرة فمثل
بين يدي السلطان هو وولده ، فبدر من السلطان في حقه كلام أغلظ له فيه ، فرجع
مرعوبا فمرض هو وولده وماتا جميعا بالمارستان المنصوري بعد جمعة وذلك في المحرم
سنة ٣٨ ، هكذا قال الصفدي. وقال غيره : كان عزم السلطان أن يوليه القضاء بعد
القزويني لما أراد نقله إلى الشام ، فقدمه (لعله فاستقدمه) وقد استقر عن العز ابن
جماعة.
__________________
وقد أنشد له
الصفدي من نظمه في أسماء الولائم (أبيات هنا مع سطور بعدها بعضها غير ظاهر
فتركناها لذلك) ثم قال : وهو الجد الأعلى لقاضي حلب الإمام علاء الدين ابن خطيب
الناصرية من قبل أمه وعم جده لأبيه ا ه.
وترجمه الإمام
السبكي في طبقاته الكبرى بنحو ما قدمناه عن الدرر الكامنة وأورد من نظمه في أسماء
الولائم وهو :
بوليمة سم كل دعوة
مأكل
|
|
بتقيّد لكن
لعرف أطلق
|
ولدى الختان
فتلك إعذار وما
|
|
للطفل فهي
عقيقة بتحقق
|
وسلامة
الحبلى من الطلق اجعلا
|
|
خرسا لها
ولأجل غائب انطق
|
بنقيعة
ووكيرة لعمارة
|
|
ووضيمة
لمصيبة بتصدّق
|
وسم
اللتيا ما لها سب بمأدبة وخذ يا صاح قول محقّق
|
وليمة الختان
إعذار بالعين المهملة والذال المعجمة والراء ، عذرت الغلام إذا ختنته ، ووليمة
سلامة الحبلى خرس بضم الخاء المعجمة وسكون الراء وبعدها سين مهملة ، ووليمة قدوم
الغائب نقيعة بفتح النون وكسر القاف ثم سكون آخر الحروف ثم عين ، وطعام المآتم
وضيمة بفتح الواو وكسر الضاد ثم ياء وميم وهاء. والطعام الذي بلا سبب مأدبة بفتح
الميم وسكون الهمزة وضم الدال المهملة وفتح الباء الموحدة وبعدها هاء ا ه .
وترجمه ابن
الوردي في ذيل تاريخه لأبي الفداء في حوادث سنة تسع وثلاثين وسبعماية حيث قال :
فيها في المحرم توفي بمصر شيخنا قاضي القضاة فخر الدين عثمان بن زين الدين علي بن
عثمان المعروف بابن خطيب جبرين قاضي حلب ، وذلك أن الشناعات كثرت عليه ، فطلبه
السلطان على البريد إليه ، فحضر عنده وقد طار لبه ، وخرج وقد انقطع قلبه ، وتمرض
بمصر مدة ، وأراحه الله بالموت من تلك الشدة ، وحسب المنايا أن يكن أمانيا. ولقد
كان رحمهالله فاضلا في الفقه والأصول والنحو والتصريف والقراءات ،
مشاركا في المنطق والبيان وغيرهما ، وله شرح الشامل الصغير ويدل حله إياه على ذكاء
مفرط ، وشرح مختصر ابن الحاجب في الأصول ، وشرح البديع لأبن الساعاتي في الأصول
أيضا ، وفرائض نظم
__________________
وفرائض نثر ومجموع صغير في اللغة وغير ذلك. وكان رحمهالله سريع الغضب سريع الرضى كثير الذكر لله تعالى. قلت :
من هو فخر
الدين عثمان في
|
|
مراحم الله
وإحسانه
|
مات غريبا
خائفا نازحا
|
|
عن أنس أهليه
وأوطانه
|
وبعض هذي فيه
ما ترتجى
|
|
له به رحمة
ديّانه
|
فقل لشانيه
ترفّق ففي
|
|
شأنك ما
يغنيك عن شانه
|
ورأيت مكتوبا
بخطه هذه الكلمات وكنت سمعتها من لفظه قبل ذلك وهي : الالتفات إلى الأسباب شرك في
التوحيد ، والإعراض عن الأسباب في الكلية قدح في الشرع ، ومحو الأسباب أن تكون
أسبابا نقص في العقل ، فمن جعل السبب موجبا فقد أخطأ ، ومن محاه ولم يجعل له أثرا
فقد أخطأ ، ومن جعل السبب سببا والمسبب هو الفاعل فقد أصاب.
ومولده رحمهالله بمصر في العشر الأواخر من شهر ربيع الأول سنة اثنتين
وستين وستماية. ا ه ما ذكره ابن الوردي.
وقوله إن مولده
بمصر هذا سهو من الطبع أو من النساخ ، فقد ترجمه الأسنوي في طبقات الشافعية
بالحلبي. وجبرين قرية من قرى حلب ، ويؤيد ذلك قول السبكي في صدر ترجمته إنه تفقه
بقاضي حلب شمس الدين بن بهرام ، ويؤيد ذلك أيضا قول ابن الوردي إنه مات غريبا
خائفا نازحا ... إلخ البيت. ونعته صاحب كشف الظنون في غير موضع بالحلبي. قال
الأسنوي في طبقاته : إنه دفن بمقابر الصوفية رحمهالله تعالى رحمة واسعة.
٣٣١ ـ الشريف محمد بن الحسن بن زهرة المتوفى سنة ٧٣٩
محمد بن الحسن
بن علي بن الحسن بن زهرة بن الحسن بن زهرة الحسيني الحلبي نقيب الأشراف بحلب ،
يلقب بدر الدين. أثنى عليه ابن حبيب. وكان أيضا وكيل بيت المال بها ، ومات بها في
سنة ٧٣٩ عن نيف وسبعين سنة ا ه.
وذكره ابن
الوردي في الذيل في حوادث سنة تسع وثلاثين وسبعماية قال : وفيها في العشر الأوسط
من ربيع الآخر توفي السيد الشريف بدر الدين محمد بن زهرة الحسيني
نقيب الأشراف وكيل بيت المال بحلب ، ومن الاتفاق أنه مات يوم ورود الخبر
بعزل ملك الأمراء علاء الدين ألطنبغا عن نيابة حلب ، وكان بينهما شحناء في الباطن.
قلت :
قد كان كل
منهما
|
|
يرجو شفا
أضغانه
|
فصار كل واحد
|
|
مشتغلا بشانه
|
كان السيد رحمهالله حسن الشكل وافر النعمة معظما عند الناس شهما ذكيا. وجده
الشريف أبو إبراهيم هو ممدوح أبي العلاء المعري كتب إلى أبي العلاء القصيدة التي
أولها :
غير مستحسن
وصال الغواني
|
|
بعد ستين حجة
وثمان
|
ومنها :
كل علم مفرق
في البرايا
|
|
جمعته معرة
النعمان
|
فأجابه أبو
العلاء بالقصيدة التي أولها :
عللاني فإن
بيض الأماني
|
|
فنيت والظلام
ليس بفان
|
يا أبا
إبراهيم قصّر عنك الشع
|
|
ر لما وصفت
بالقرآن
|
ا ه.
٣٣٢ ـ عبد المؤمن بن العجمي المتوفى سنة ٧٤١
عبد المؤمن بن
عبد الرحمن بن محمد بن عمر بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن ابن العجمي ، عز
الدين الكاتب صاحب الخط المنسوب ابن قطب الدين أبي طالب بن عماد الدين أبي بكر بن
أبي القاسم زين الدين. ولد عز الدين في رجب سنة ٦٦٤ بحلب ، وسمع من الكمال النصيبي
الشمائل وحدث بها. وممن سمع منه البرزالي وهو من بيت كبير بحلب ، وقدم القاهرة
فحظي بها واتجر في الكتب فحصل منها مالا جما. وكان له فضل ومروءة وتودد وللناس فيه
اعتقاد. وانقطع مدة في آخر عمره لا يخرج إلا إلى صلاة أو عيادة مريض أو سوق الكتب.
ومات في جمادى الأولى سنة ٧٤١ بالقاهرة. وهو أخو الخطيب شمس الدين أحمد بن عبد
الرحمن المتقدم ذكره.
وترجمه
المقريزي في تاريخه «السلوك إلى معرفة الملوك» بنحو ما تقدم ، ومما قاله أنه حج
ماشيا وجاور بمكة مرارا ، وقدم مصر سنة اثنتين وثلاثين وأقام بها حتى مات. وكان لا
يقبل لأحد شيئا ويقيم حاله من وقف أبيه بحلب ويتزيا بزي الصوفية ، وكانت فيه مروءة
وله مكارم وصدقات وله شعر جيد.
٣٣٣ ـ ألطنبغا باني الجامع في محلة ساحة الملح المتوفى سنة ٧٤٢
قال في المنهل
الصافي : ألطنبغا بن عبد الله الصالحي العلائي الأمير علاء الدين نائب حلب ثم نائب
دمشق. هو ممن أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاوون حتى صار من جملة أمراء الألوف
بديار مصر ، ثم ولاه نيابة حلب عوضا عن الأمير سودي في سنة سبع أربع عشرة وسبعماية
، فباشرها ثلاث عشرة سنة إلى أن نقل منها إلى نيابة دمشق في سنة سبع وعشرين
وسبعماية ، ثم أعيد إلى حلب ثانيا في سنة إحدى وثلاثين ، واستمر في هذه النيابة
الثانية ثمانية أعوام وعزل في سنة تسع وثلاثين ، وولي نيابة دمشق أيضا ، كل ذلك من
قبل الملك الناصر محمد بن قلاوون. وفي نيابته الأولى بحلب دخل إلى بلاد سيس وحاصر
حصونها وفتح قلاعها ، ثم غزاها ثانيا في سنة اثنتين وعشرين وسبعماية وصحبته
العساكر المصرية والشامية ، وتوجه إلى فتح مدينة أياس وهي على ساحل البحر ولها فيه
ثلاثة حصون ، وهن أطلس وشمعة وأياس وبه تعرف المدينة ، فنازلوها ونصبوا عليها آلات
الحصار وجدوا في القتال إلى أن فتحوا المدينة ، ثم شرعوا في حصار الحصن الأطلس وهو
حصن منيع في قاموس البحر ، فنصبوا عليه أيضا آلات الحصار ، ثم صنعوا جسرا على
البحر طوله ثلثمائة ذراع ، فلما رأى الأرمن ذلك ارتاعت قلوبهم وهربوا بأموالهم
وأولادهم ، فدخل العسكر في هذه الحصون المذكورة وحرقوا وهدموا وقتلوا ثم رجعوا
فرحين مسرورين إلى أوطانهم. وفي هذا المعنى يقول الشيخ بدر الدين بن حبيب :
نحو أياس
فرقة من جيشنا
|
|
توجهوا كي
يملكوا بقعتها
|
فاقتلعوا
قلعتها وفصّلوا
|
|
أطلسها
وفصلوا شمعتها
|
ثم غزا تلك
البلاد في نيابته الثانية في سنة خمس وثلاثين وسبعماية وجرت بينهم حروب وخطوب يطول
شرحها ، ثم غزاها ثالث مرة في سنة ست وثلاثين ، وتوجه إلى قلعة النقير
من بلاد سيس ونزل القلعة المذكورة وجد في حصارها إلى أن أخذها بالأمان ورجع
إلى محل كفالته. وفي هذا المعنى يقول العلامة زين الدين أبو حفص عمر بن الوردي
قصيدة طنانة منها :
جهادك مقبول
وعامك قابل
|
|
ألا في سبيل
المجد ما أنت فاعل
|
ألا إن جيشا
للنقيّر فاتحا
|
|
لآت بما لم
تستطعه الأوائل
|
رميتم حجار
المنجنيق عليهم
|
|
ففاخرت الشهب
الحصار والجنادل
|
لعمري لقد
كان النقيّر مانعا
|
|
ويقصر عن
إدراكه المتناول
|
بغى فبغى
ألطنبغا الفتح قائلا
|
|
ويا نفس جدّي
إن دهرك هازل
|
فأنشده الحصن
المنيع ملكتني
|
|
ولو أنني فوق
السماكين نازل
|
وقصّر طولي
عندكم حسن صبركم
|
|
وعند التناهي
يقصر المتطاول
|
ثم غزاها رابع
مرة. وكان هذا دأبه في ولايته مع العدل بالرعية والنظر في أمورهم.
وبنى بحلب من
شرقيها جامعه المعروف به ، وكان فراغه في سنة ثلاث وعشرين وسبعماية ولم يكن إذ ذاك
داخل سور حلب جامع تقام فيه الجمعة سوى الجامع الكبير الأموي ، ووقف عليه أوقافا
كثيرة.
ولما ولي نيابة
دمشق في سنة تسع وثلاثين وسبعماية لم تطل مدته وقبض عليه إلى أن توفي سنة اثنتين
وأربعين وسبعماية وقد جاوز خمسين سنة.
وكان مشكور
السيرة معدودا من الشجعان ذوي الآراء رحمهالله تعالى ا ه.
أقول : تكلمنا
على هذا الجامع في الجزء الثاني (ص ٣٠٠) ولم أذكر ثمة ترجمة بانيه ، ثم ظفرت بها
في المنهل الصافي لذا أثبتها هنا في سنة وفاته.
٣٣٤ ـ إبراهيم بن خليل الرسعني ٧٤٢
إبراهيم بن
خليل بن إبراهيم الرسعني ثم الحلبي الشافعي. ولد قبل سنة سبعين ، ثم
__________________
رأيته محررا ليلة السبت ثاني رمضان سنة ٦٢. وتفقه وبرع وقدم إلى حلب ودرس
بالعصرونية ، وناب في الحكم مدة طويلة ، ثم ولي قضاء حلب استقلالا بعد البلفيائي
سنة أربعين فسار سيرة حسنة. وكان متواضعا بصيرا بالأحكام ملازما للصلاة في الجماعة
مثابرا على مصالح الرعية. مات في ثامن جمادي الأولى سنة ٧٤٢ ، ورثاه ابن حبيب. ومن
نظمه يتشوق لبلده (بعيني وراسي راس عين ومن فيها) يقول منها :
إذ راق لي
منها جواري عيونها
|
|
أراق دمي
فيها عيون جواريها ا ه
|
وراجع ما
كتبناه في القسم الأول في حوادث سنة ٧٤٠ نقلا عن ابن الوردي.
٣٣٥ ـ شيخ الإسلام الحافظ الكبير جمال الدين يوسف المزّي
المتوفى سنة ٧٤٢
قال أبو ذر في
كنوز الذهب في الكلام على باب النصر : تنتهي قصبة هذا الباب إلى قطيعة جامع
المهمندار ، ويتشعب في هذه القصبة درب آخذ إلى المعقلية . وأما المعقلية فكانت أولا تعقل بها خيل المجاهدين وإبلهم ، وكانت رحبة
متسعة ولها بوايك ، ونصب في بعض حروب القلعة بها منجنيق ورمي بها شخص يقال له
عبدون على القلعة ، وقد جعلت الآن دورا ومزدرعا. وقد ولد بهذه المحلة شيخ الإسلام
خاتمة الحفاظ جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف بن علي
بن أبي الزهر المزّي.
__________________
قال الذهبي :
وهو خاتمة سماط أهل الحديث الإمام أعجوبة الزمان شيخنا العلامة الحافظ الناقد
المحقق المفيد محدث الشام أبو الحجاج بن الزكي أبي محمد ، القضاعي الكلبي الحلبي
ثم الدمشقي. مولده في ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستماية. برع في طلب الحديث وله
عشرون سنة. وسمع ورحل وعني بهذا الشأن فصار نسيج وحده وفريد دهره والفزع والمهرع ،
وأقر له الحفاظ بذلك والتقدم على أبناء عصره. وسمع منه الحفاظ وولي مشيخة دار
الحديث الأشرفية ثلاثا وعشرين سنة ونصفا.
قال شيخ
الإسلام ابن تيميّة : لما باشرها لم يلها من حين بنيت إلى الآن أحق بشرط الواقف
منه لقول الواقف ، فإن احتج من فيه الرواية ومن فيه الدراية قدم من فيه الرواية. وكان
خطه مليحا ، وهو الذي قرأ سنن ابن ماجة بحلب لانتفاع الناس به ، ومن نظر في كتاب «تهذيب
الكمال» علم محله من الحفظ. وبالجملة فما رأى أحد مثله ولا رأى مثل نفسه. وكان
صالحا سليم الباطن متواضعا قليل الكلام ، وقد بالغ في الثناء عليه أبو حيان وابن
سيد الناس وغيرهما من العلماء. وإذا نظرت في كتابه «الأطراف» عرفت علمه وقضيت
بالعجب العجاب. توفي رحمهالله في صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعماية ، وقد زرت قبره عند
ابن تيميّة قدس الله سرهما. ولما توفي أراد أن يلي دار الحديث الأشرفية الحافظ
الذهبي فلم يكن من ذلك لفقد شرط الواقف في اعتقاد الشيخ فيه ا ه.
وترجمه محمد بن
عبد الهادي في مختصر طبقات الحفاظ فقال : شيخنا الإمام الحافظ الحجة الناقد الأوحد
البارع محدث الشام جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن عبد
الملك القضاعي الكلبي الدمشقي. ولد بظاهر حلب سنة أربع وخمسين وستمائة ، ونشأ
بالمزة ظاهر دمشق ، وحفظ القرآن في صغره وقرأ شيئا من الفقه ، وتعلم العربية
والتصريف واللغة ، وشرع في طلب الحديث بنفسه في سنة خمس وسبعين ، فسمع من أول شيء
كتاب الحلية كله على ابن أبي الخير وأكثر عنه ، وسمع مسند الإمام أحمد والكتب
الستة ومعجم الطبراني والأجزاء الطبرزدية والكندية ، وسمع صحيح مسلم من الإربلي ،
وسمع من خلق كثير منهم الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وفخر الدين بن النجاري وابن
علان وابن شيبان ، ولم يزل يسمع إلى أن سمع من أصحاب ابن عبد الدايم. ورحل سنة
ثلاث وثمانين فسمع من العز الحراني وأبي بكر الأنماطي وغازي الحلاوي وخلق ،
وسمع بمصر والإسكندرية والحرمين وحلب وحماة وحمص وبعلبك والقدس ونابلس
وغيرها. ونسخ بخطه المليح المتقن كثيرا لنفسه ولغيره ، وقرأ الكثير ، وبرع في
اللغة والتصريف ، وانتهت إليه الإمامة في علم الحديث ، مع الصدق والإتقان وحسن
الأخلاق وكثرة السكون وقلة الكلام وكثرة التواضع والحلم والصبر والإقتصاد في
المأكل والملبس ، وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية وغيرها ، وصنف كتاب «تهذيب
الكمال في أسماء الرجال» في مائتين وخمسين جزءا ، وهو كتاب حافل عديم النظير ،
وكتاب «الإطراف» في ستة وثمانين جزءا. وأوضح في هذين الكتابين مشكلات لم يسبق
إليها ، وقد ملكت الكتابين بخطه والحمد لله وهو شيخي الذي انتفعت به كثيرا في هذا
العلم. وكان إماما في السنة ماشيا على طريقة سلف الأمة ، ممرا للآيات والأحاديث
كما جاءت من غير تشبيه ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل. وكان صحيح الذهن حسن
الفهم سريع الإدراك يرد في الإسناد والمتن ردا ينبهر له فضلاء الحاضرين ، وربما
يكون في أثناء ذلك يطالع وينقل الطاق. وقد ترافق هو وشيخنا العلامة أبو العباس [ابن
تيميّة] كثيرا في الطلب وسماع الحديث وانتفع كل واحد منهما بالآخر.
وذكره الحافظ
فتح الدين أبو الفتح بن سيد الناس اليعمري فقال : ووجدت بدمشق من أهل هذا العلم
الإمام المقدم ، والحافظ الذي فاق من تأخر من أقرانه وتقدم ، أبا الحجاج يوسف ابن
الزكي عبد الرحمن المزي بحر هذا العلم الزاخر ، وحبره الذي يقول من رآه : كم ترك
الأول للآخر ، أحفظ الناس للتراجم ، وأعلمهم بالرواة من أعارب وأعاجم ، لا يخص
معرفته مصرا دون مصر ، ولا ينفرد علمه بأهل عصر دون عصر ، معتمدا آثار السلف
الصالح ، مجتهدا فيما نيط به في حفظ السنة من النصايح ، معرضا عن الدنيا وأسبابها
، مقبلا على طريقته التي أربى بها على أربابها ، لا يبالي ما ناله من الأزل ، ولا
يخلط جده بشيء من الهزل. وضع كتابه «تهذيب الكمال في أسماء الرجال» وضعا استخرج به
العلم من معادنه ، واستنبطه من مكامنه ، وأثبته كما ينبغي في أماكنه ، فاستولى به
على أمد الإحسان ، واحتوى به من السبق ما لم يدركه في عصره إنسان ، ولم يقع له
أبدع من هذا التصنيف ، ولا أبرع من هذا التأليف ، وإن كان بما يصنعه بصيرا ،
وبالسبق في كل ما يأتيه جديرا ، وهو أيضا في حفظ اللغة إمام ، وله بأوزان القريض
معرفة وإلمام ، فكنت أحرص على فوائده لأحرز منها ما أحرز ، وأستفيد من حديثه الذي
إن طال لم يمل وإن أوجز وددت أنه لم يوجز.
وذكره الحافظ
شمس الدين الذهبي فقال : هو الإمام الأوحد العالم الحجة المأمون شرف المحدثين عمدة
النقاد شيخنا وصاحب معضلاتنا ، بارك الله في عمره وحسناته ورفع في عليين درجاته ،
شرع في طلب الحديث وله عشرون سنة ، فسمع ورحل وبرع في فنون الحديث معانيه ولغاته
وفقهه وعلله وصحيحه وسقيمه ورجاله ، فلم نر مثله في معناه ولا هو رأى مثل نفسه ،
مع الإتقان والصدق وحسن الخط والديانة وحسن الأخلاق والسمت الحسن والهدي الصالح
والتصون والخير والاقتصاد في المعيشة واللباس والملازمة للأشغال والسماع ، مع
العقل التام والرزانة والفهم وصحة الإدراك. قال : وأما كتاب تهذيب الكمال الذي
جمعه في أسماء الرجال فهو كتاب جامع كامل عديم المثل فارغ المؤنة ، كلما ازداد به
المحدث تبحرا ازداد به عجبا وتحيرا ، وكلما رأى الحافظ فيه وشيئا محبرا يزداد
بمطالعته إعجابا وتبخترا ، ومهما رام الناقد له تفتيشا وتتبعا أعياه ذلك وانقلب
خاسئا متفكرا ، وقال : عز والله وجود من يعرف مقداره وعدم نظير مصنفه.
وذكره الحافظ
علم الدين (البرزالي) في معجم شيوخه فقال : قرأ الكثير ولازم ذلك مع معرفته
بالعربية واللغة والتصريف ، وسمع من جماعة من شيوخنا بالشام وديار مصر ، وروى
الكثير ، وله سمت حسن واقتصاد ، وفيه تواضع وحلم وعدم شر. وولي مشيخة دار الحديث
الأشرفية وصار أحد أئمة الحديث الموصوفين بالحفظ والإتقان وصحة النقل وضبط الأسماء
والأنساب وتحقيق الألفاظ ومعرفة التواريخ والثبت والثقة والصدق ، وكان الناس
يرجعون إلى قوله ويعتمدون على ضبطه ونقله ، واعترف له بالتقدم في الوقت حفاظ مصر
والشام. توفي رحمهالله ليلة الأحد الثالث عشر من صفر سنة اثنتين وأربعين
وسبعمائة ودفن في مقابر الصوفية ا ه.
وله في آخر
طبقات السبكي ترجمة حافلة في خمس عشرة ورقة ، فارجع إليها إن شئت.
٣٣٦ ـ علي بن معتوق الدنيسري المتوفى سنة ٧٤٣
قال ابن الوردي
في الذيل في حوادث سنة ثلاث وأربعين وسبعماية : فيها توفي بحلب الحاج علي بن معتوق
الدنيسري ، وهو الذي عمر الجامع بطرف بانقوسا ودفن بتربته بجانب الجامع ا ه.
قال أبو ذر : (جامع
العتيق ببانقوسا) : أنشأه الحاج علي بن معتوق الدنيسري ، وهو جامع نير أصغر من
جامع الجديد الذي في هذه المحلة ا ه.
قال ابن خلكان
في ترجمة الوزير جمال الدين محمد بن علي الأصفهاني : (دنيسر) بضم الدال المهملة
وفتح النون وسكون الياء المثناة وفتح السين وبعدها راء ، وهي مدينة بالجزيرة
الفراتية بين نصيبين ورأس عين تطرقها التجار من جميع الجهات ، وهي مجمع الطرقات ،
ولهذا قيل لها دنيسر ، وهي لفظ مركب عجمي وأصله دنياسر ومعناه رأس الدنيا ، وعادة
العجم في الأسماء المضافة أن يؤخروا المضاف عن المضاف إليه ، وسر بالعجمي رأس ا ه.
٣٣٧
ـ كمال الدين المهمازي المتوفى سنة ٧٤٣
قال ابن الخطيب
: قرأت في تاريخ محمد بن حبيب في ذكر من مات سنة ثلاث وثلاثين وسبعماية (سيأتي أن
وفاته كانت سنة ٧٤٣). قال : وفيها توفي الشيخ كمال الدين المهمازي ، عجمي الدار ،
وحسن الإيراد والإصدار ، جميل المنظر ، ملازم لما يحمد عليه ويشكر ، كان صالحا
عارفا راجيا خائفا زاهدا عابدا لطيف الذات والخلق ، سالكا أوضح المناهج والطرق ،
ذا وقار وسكينة ، ومكانة عند أرباب الدولة مكينة. ورد إلى حلب ملتحفا بزياطها ،
وسكن تربة ابن قراسنقر شيخا لرباطها ، واستمر منقطعا عن الناس ، مقتنعا بالجذوة من
النبراس ، وهو مع ذلك يقصد ويزار ، ويأتي إليه الفقراء من الأمصار. زرته وحظيت
ببركته بحلب ، وكانت وفاته بها وقد جاوز سبعين سنة تغمده الله برحمته.
وقال ابن
الوردي في الذيل في حوادث سنة ثلاث وأربعين وسبعماية : فيها توفي بحلب الشيخ كمال
الدين المهمازي ، وكان له قبول عند الملك الناصر محمد ، ووقف عليه حمّام السلطان
بحلب ، وسلم إليه تربة ابن قراسنقر بها. وكان عنده تصون ومروءة. قلت :
لوفاة الكمال
في العجم وهن
|
|
فلقد أكثروا
عليه التعازي
|
قل لهم لو
يكون فيكم جواد
|
|
كان في غنية
عن المهمازي
|
الكلام على التربة المهمازية :
قال أبو ذر في
الكلام على الترب : (تربة محمد بن قراسنقر) هذه التربة تعرف
بالمهمازية. وأنشأ قراسنقر رباطا أيضا بحلب ، قاله شيخنا. وقد كان الشيخ عز
الدين الحاضري شيخ القراء بهذه التربة ، فتوزع في ذلك لأنه لا يقرأ السبع ، ومن
شرط واقفها قراءة السبع ، فرحل إلى القاهرة وقرأ السبع ورجع. وقد وقفت على كتاب
الوقف وفيه قراء. وهذا المكان له أوقاف كثيرة غير أنها في يد أولاد مواليه ولا
يصرف منها شيء فلا حول ولا قوة إلا بالله ا ه.
أقول : هذه
التربة تعرف الآن بجامع المقامات ، ولا زال عامرا تقام فيه الجمعة. وله منارة
مرتفعة مربعة الشكل على بابه الشمالي ، وبجانب هذا الباب جرنان كبيران كان وراءهما
سبيل وهو معطل الآن ، وقد كتب في الجدار فوق هذا السبيل :
(١) البسملة.
أمر بإنشاء هذا السبيل المبارك المولى الأمير الكبير المجاهد المرابط الخاضع لربه
المنان المفتقر إلى.
(٢) عفو الله
والرضوان شمس الدنيا والدين قراسنقر الجوكندار المنصوري الناصري نائب السلطنة
الشريفة بحلب المحروسة أثابه.
(٣) الله تعالى
وضاعف له الحسنات وجعل ذخره الباقيات الصالحات. كتب في المحرم سنة ثلاث وسبع ماية
من الهجرة النبوية.
وللجامع قبلية
صغيرة فيها أربعة قبور ، اثنان في شرقيها وقد كتب على أحدهما وهو الذي يلي جدار
القبلة :
(١) هذه تربة
العبد الفقير إلى رحمة الله ورضوانه الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير.
(٢) شمس الدين
قراسنقر الجوكندار الملكي المنصوري توفي الليلة.
(٣) المسفرة عن
الخميس سلخ جمادى الآخرة سنة تسع وسبعماية غفر الله له ولوالديه ا ه.
والقبر الثاني
لا كتابة عليه.
والقبران
اللذان في غربي القبلية هما قبر قشتمر المنصوري وقبر ولده محمد ، وقد ذكرت ذلك في
الجزء الثاني في صحيفة (٣٦٤). وشرقي القبلية قبة داخلها خمسة قبور قديمة لا كتابة
على ألواحها ، أحدها قبر المترجم المهمازي ، لكني لا أعلمه على التعيين. وهذه
القبلية
صغيرة وقد ضاقت بالمصلين من أهل المحلة وعولوا على توسيعها وإضافة الرواق
الذي أمامها إليها ، وهم يسعون في جمع دراهم من أهل الخير لهذه الغاية.
وللجامع صحن
واسع لكنه في حاجة إلى الترميم ، وله من جهة الغرب صحن آخر وباب صغير ومنه دخول
الناس ، وأما بانيه وهو قراسنقر الجوكندار فقد قدمنا ترجمته وأخباره في الجزء
الثاني في حوادث سنة ٧١١ وقلنا ثمة : إنه بنى في القاهرة مدرسة مشهورة وبحلب رباطا
معروفا به ، وله وقف كبير وإن وفاته كانت بمراغة سنة ٧٢٨. والجامع الآن تحت يد
دائرة الأوقاف وأوقافه يسيرة جدا.
٣٣٨ ـ إبراهيم بن أحمد الأسدي المتوفى سنة ٧٤٤
إبراهيم بن
أحمد بن يوسف بن يعقوب بن إبراهيم بن هبة الله بن طارق بن سالم الأسدي الحلبي أبو
إسحق بن النحاس نجم الدين بن جمال الدين الحنفي. كتب الحكم عن ابن العديم ، ودرس
بالجرديكية بحلب ، وكان من أعيان أهل بيته. توفي سنة ٧٤٤ وقد جاوز التسعين.
٣٣٩ ـ كمال الدين عمر بن محمد العجمي المتوفى سنة ٧٤٤
عمر بن محمد بن
عثمان بن عبد الله بن عمر بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن الإمام العلامة
كمال الدين أبو القاسم بن العجمي الحلبي الشافعي ، من بيت العلم والرياسة والوجاهة
والتقدم. اشتغل بحلب على جدي قاضي القضاة فخر الدين بن خطيب جبرين ، وتفقه وصار
إماما عالما. ذكره الإمام ابن حبيب وقال فيه : ماجد أنار بدر كماله ، وعالم أناف
علم جداله ، وفاضل جد واجتهد ، وحاذق إلى ركن الدأب مال واستند ، تقدم في عدة فنون
، وتكلم فشرح الصدور وأقر العيون. كان قوي المناظرة ، حسن المجالسة والمذاكرة ،
تصدر للإفتاء والإفادة ، وتنقل في مراتب السعادة والسيادة ، ودرس بظاهرية حلب
ورواحيتها. توفي رحمهالله سنة أربع وأربعين وسبعمائة وهو من أبناء الأربعين. ا ه (الدر
المنتخب).
قال ابن الوردي
في الذيل في حوادث هذه السنة : وفيها توفي كمال الدين عمر بن شهاب
الدين محمد بن العجمي الحلبي. كان قد تفنن وعرف أصولا وفقها ، وبحث على شرح
الشافية الكافية في النحو مرة وبعض أخرى ، ودفن ببستانه رحمهالله وما خرج من بني العجمي مثله ا ه.
ورثاه العلامة
ابن الوردي بقصيدة غراء وهي موجودة بتمامها في ديوانه ومطلعها :
يا مربعا لك
في فؤادي مربع
|
|
أتذلّ بعد
ابن الضياء وتخضع
|
حاشاك من ذلّ
فشمس كماله
|
|
كانت علينا
من سمائك تطلع
|
أصل وفرع في
ثلاثة أشهر
|
|
ذويا فحق لكل
عين تدمع
|
من ذا يطيق
يرى خليليه معا
|
|
في الترب قد
رميا بما لا يدفع
|
٣٤٠ ـ محمد بن محمد السفاقسي
المتوفى سنة ٧٤٤
محمد بن محمد
السفاقسي. ولد سنة نيف وسبعمائة ، وقدم دمشق ، وكان فاضلا ، له تصنيف على مختصر
ابن الحاجب في الفروع وشرع في شرح على مختصره في الأصول.
وكان تقي الدين
السبكي يثني عليه. وسكن بأخرة مدينة حلب وحظي بها. ومات في رمضان سنة ٤٤ ولم يكمل
الأربعين ، وهو أخو الشيخ برهان الدين السفاقسي صاحب الإعراب.
٣٤١ ـ محمد بن نبهان الجبريني المتوفى سنة ٧٤٤
محمد بن نبهان
الشيخ الصالح الزاهد. كان مقيما ببيت جبرين من بلاد حلب ، شاع ذكره بالصلاح واشتهر
بالخير وإطعام كل وارد يرد عليه من المأمور والأمير الكبير والصغير ، ولم يقبل
لأحد شيئا. فلما كان الأمير سيف الدين طشتمر بحلب اشترى للزاوية أرضا وألزمه
بإيقافها عليه ، فبعد جهد شديد حتى وافق على ذلك. ثم إن الأمير طقرتمر لما جاء إلى
حلب اشترى له مكانا آخر ووقفه على الزاوية ، فاتسع الرزق عليه وفاض الخير على
أولاده وجماعته. ولم نسمع عنه إلا صلاحا وخيرا وبركة وانقطاعا عن الناس وانجماعا. وهو
كان فقير البلاد الحلبية وشيخها المشار إليه بالصلاح. وجاء الخبر إلى دمشق بوفاته رحمهالله تعالى في شعبان سنة أربع وأربعين وسبعمائة ، وصلي عليه
بالجامع الأموي يوم
الجمعة صلاة الغائب.
أخبرني القاضي
ناصر الدين محمد بن الصاحب شرف الدين يعقوب قال : كان كثير التلاوة ، وكان له يوم
ختمة ومن لا يراه لا يحسبه يتلو شيئا ا ه. (الوافي بالوفيات).
وترجمه ابن
الوردي في الذيل في حوادث هذه السنة فقال : وفيها في العشرين من رجب توفي بجبرين
الشيخ محمد ابن الشيخ نبهان ، كان له القبول التام عند الخاص والعام ، وناهيك أن [طشتمر
حمص أخضر] على قوة نفسه وشممه وقف على زاويته بجبرين حصة من قرية حريتان لها مغل
جيد ، وبالجملة فكأنما ماتت بموته مكارم الأخلاق وكاد الشام يخلو من المشهورين على
الإطلاق. قلت :
وكنت إذا
قابلت جبرين زائرا
|
|
يكون لقلبي
بالمقابلة الجبر
|
كأن بني
نبهان يوم وفاته
|
|
نجوم سماء
خرّ من بينها البدر
|
زرته قبل وفاته
رحمهالله فحكى لي قال : حضرت عند الشيخ عبس السرجاوي وأنا شاب
وهو لا يعرفني ، فحين رآني دمعت عينه وقال مرحبا بشعار بني نبهان وأنشد :
وما أنت إلا
من سليمى لأنني
|
|
أرى شبها
منها عليك يلوح
|
وحكى لي مرة
أخرى قال : حضرت بالفوعة غسل الشيخ إبراهيم بن الشيخ مهنا لما مات وقرأنا عنده
سورة البقرة وهو يغسل ، فلما وصلنا إلى قوله تعالى : (رَبَّنا لا
تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) رفعنا أيدينا للدعاء فرفع الشيخ إبراهيم يديه معنا
للدعاء وهو ميت على المغتسل. ومحاسن الشيخ محمد وتلقيه للناس وتواضعه ومكاشفاته
كثيرة مشهورة رحمهالله ورحمنا به آمين ا ه.
٣٤٢ ـ محمد بن علي بن أبيك السروجي المتوفى سنة ٧٤٤
محمد بن علي بن
أيبك السروجي الشيخ الإمام شمس الدين. سألته عن مولده فقال : في ذي الحجة سنة أربع
عشرة وسبعماية بالديار المصرية. عرض القرآن وهو ابن تسع سنين ، وارتحل إلى دمشق
وحلب وغيرها من بلاد الشام مرات ، وأخذ عن الشيخ فتح الدين وأثير الدين ومن عاصره
من أشياخ العلم ، وصار من الحفاظ ، أتقن المتون وأسماء
الرجال وطبقات الناس والوقائع والحوادث ، وضبط الوفيات والمواليد ، ومال
إلى الأدب وحفظ من الشعر القديم والمحدث جملة ، وكتب الأجزاء والطباق ، وحصل ما
يرويه عن أهل عصره في البلاد التي ارتحل إليها ، ولم أر بعد الشيخ فتح الدين رحمهالله تعالى من يقرأ أسرع منه ولا أفصح. سألته عن أشياء من
تراجم الناس ووفياتهم وأعصارهم وتصانيفهم فوجدت حفظه مستحضرا لا يغيب عنه ما حصله
، وهذا الذي رأيته منه في هذه السن القريبة كثير على من علت سنه من كبار العلماء ،
ومع ذلك فله ذوق الأدباء وفهم الشعراء وخفة روح الظرفاء. توفي رحمهالله تعالى بحلب ليلة ثامن شهر ربيع الأول سنة أربع وأربعين
وسبعماية ودفن ثاني يوم بكرة الجمعة ا ه. (الوافي الوفيات).
٣٤٣ ـ أيدمر بن عبد الله الشماع المتوفى سنة ٧٤٤
من آثاره جامع
كان مسمى باسمه.
قال أبو ذر : (جامع
أيدمر) : هو في ذيل عقبة بني المنذر تجاه حمّام الخواجا. وكان مسجدا قديما عمر في
أيام السلطان غازي ، ثم دثر فجدده أيدمر بن عبد الله الشماع ، وهو مكان مبارك تقام
فيه الجمعة ، ومكتوب على بابه أن أيدمر جدده في سنة ثلاث وأربعين وسبعماية وتوفي
سنة أربع وأربعين. وفي داخل هذا الجامع قبر في إيوانه الشمالي ، والصندوق الرخام
الذي كان عليه نقل إلى جانب الشمالية ولعله قبر أيدمر المذكور. وجدد في سقف صحنه
القاضي شهاب الدين ابن الزهري في أيام ولايته حلب. انتهى.
أقول : هذا
الجامع يعرف الآن بجامع الخواجا وهو في زقاق مسمى بهذا الاسم ، والحمّام كانت تجاه
هذا الجامع ولا أثر لها الآن ، وموضعها دار في قبليها عرصة كبيرة خالية. وهذا
الجامع صغير وقبلته لازالت باقية من عهد مجدده أمامها صحن صغير ، والقبر الذي كان
داخل القبلية الذي ذكره أبو ذر نقل إلى الصحن ملاصقا للجدار.
وهذا الجامع
كان قد توهن فسعى في عمارته الرجل الصالح المعمر الحاج خليل إكريّم من سكان محلة
العقبة ، فرمم قبليته وبلط صحنه وجدد بابه وحفر فيه صهريجا كبيرا تحت الصحن بلغ
فيه إلى نصف القبلية فعمم به النفع لأهل المحلة ، وكان ذلك في نواحي سنة ١٣٠٠ ،
وجمع مصاريف ذلك من أهل الخير ، وكان في طليعة المحسنين المرحوم الحاج
عبد القادر الميسر فقد دفع فيه أزيد من خمسين ليرة عثمانية ذهبا. وكانت
وفاة الحاج خليل سنة ١٣٣٥ ودفن في تربة الجبيلة وكتب على باب الجامع ما نصه : [وقد
وقف لهذا الجامع خمسة دكاكين وراء محرابه في سوق الهوى المشهور الآن بسوق خان
التتن].
وتبلغ واردات
هذه الدكاكين الآن ٢٥ ليرة عثمانية ذهبا. والحجرة التي كانت فوق الباب القديم بنيت
في جدار الجامع الشرقي بين الشباكين ، وهذا نص ما كتب عليها :
(١) البسملة.
وإنما يعمر ... إلخ.
(٢) جدد هذا
المسجد المبارك بعد دثوره ابتغاء رضوان الله وعفوه وغفرانه.
(٣) العبد
الفقير إلى الله تعالى عز الدين أيدمر بن عبد الله الشماع رحمهالله.
(٤) وذلك في
شهر رمضان المعظم سنة ثلاث وأربعين وسبعماية ، وتوفي في جمادى الأولى سنة أربع
وأربعين. عفا الله عنه وعن من كان السبب وصلى الله على محمد.
٣٤٤ ـ سليمان بن مهنا أمير العرب المتوفى سنة ٧٤٤
سليمان بن مهنا
بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن غضية بن فضل بن ربيعة أمير عرب آل فضل. ولي
الإمرة بعد موت أخيه موسى في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة عقيب موت الملك الناصر
محمد بن قلاوون ، واستمر في الإمرة إلى أن قتل في شهر ربيع الأول سنة أربع وأربعين
وسبعمائة ، وقيل سنة ثلاث.
وقال ابن حبيب
في تاريخه : أمير حسن الشيم ، زائد الكرم ، رفيع الهمة ، وافر الحرمة ، بطل شجاع ،
عربي الطباع ، فارس الخيل ، يسير في بر البر سير الليل ، كان غالبا علمه ، مورقا
فضله وسلمه ، معيشته راضية ، نافذة رماحه قاطعة ماضية ، لبث مدة في بلاد التتار ،
ثم رجع طويل النجاد كريم النجار ، باشر الأمر حينا من الدهر ، واستمر إلى أن جرد
له الحتف سيف القهر. انتهى فشار ابن حبيب وركيك ألفاظه ، وربما كان إذا ضاقت عليه
القافية يذم المشكور ويشكر المذموم لما ألزم به نفسه في جميع تاريخه بهذا النوع
السافل في فن التاريخ. انتهى. (المنهل الصافي).
أقول : تقدم
شيء من أخبار المترجم في الجزء الثاني في حوادث سنة ٧٤٣.
٣٤٥ ـ الحاج إسماعيل العزازي المتوفى سنة ٧٤٨
قال ابن الوردي
في حوادث هذه السنة : وفيها توفي الحاج إسماعيل بن عبد الرحمن العزازي بعزاز. وكان
له منزلة عند ألطنبغا الحاجب نائب حلب ، وبنى بعزاز مدرسة حسنة وساق إليها القناة
الحلوة وانتفع الجامع وكثير من المساجد بهذه القناة ، وله آثار حسنة غير ذلك رحمهالله تعالى ا ه.
٣٤٦ ـ محمد بن الصائغ المتوفى سنة ٧٤٩
قال ابن الوردي
في الذيل في حوادث سنة أربع وأربعين وسبعمائة : في هذه السنة في رمضان وصل إلى حلب
قاضي القضاة نور الدين محمد بن الصائغ على قضاء الشافعية ، وهو قاض عفيف حسن
السيرة عابد. وقال في حوادث سنة تسع وأربعين وسبعمائة : فيها في سلخ شوال توفي
قاضي القضاة نور الدين محمد بن الصائغ بحلب ، وكان صالحا عفيفا دينا لم يكسر قلب
أحد ، ولكنه لخيريته طمع قضاة السوء في المناصب وصار المناحيس يطلعون إلى مصر ويتولون
القضاء في النواحي بالبذل ، وحصل بذلك وهن في الأحكام الشرعية. قلت :
مريد قضا
بلدة
|
|
له حلب قاعده
|
فيطلع في
ألفه
|
|
وينزل في
واحده
|
وكان رحمهالله من أكابر أصحاب ابن تيميّة وكان حامل رايته في وقعة
الكسروان المشهورة ا ه.
٣٤٧ ـ عبد الرحمن بن هبة الله المعري المتوفى سنة ٧٤٩
قال ابن الوردي
في الذيل في حوادث سنة تسع وسبعمائة : وفيها في عاشر ذي القعدة توفي بحلب صاحبنا
الشيخ الصالح زين الدين عبد الرحمن بن هبة الله المعري المعروف بإمام الزجاجية ،
من أهل القرآن والفقه والحديث ، عزب منقطع عن الناس. كان له بحلب دويرات وقفهن على
بني عمه ، وظهر له بعد موته كرامات ، منها أنه لما وضع في الجامع
ليصلى عليه بعد العصر ظهر من جنازته نور شاهده الحاضرون ، ولما حمل لم يجد
حاملوه عليهم منه ثقلا حتى كأنه محمول عنهم ، فتعجبوا لذلك ، ولما دفن وجلسنا نقرأ
عنده سورة الأنعام شممنا من قبره رائحة طيبة تغلب رائحة المسك والعنبر ، وتكرر ذلك
فتواجد الناس وبكوا وغلبتهم العبرة. وله محاسن كثيرة رحمهالله ورحمنا به آمين ، ومكاشفاته معروفة عند أصحابه ا ه.
٣٤٨ ـ علي بن محمد بن نبهان الصوفي المتوفى سنة ٧٤٩
علي بن محمد بن
نبهان بن عمر بن نبهان الشيخ الصالح أبو الحسن الحلبي الجبريني ، من بيت المشيخة
والصلاح. كان مقيما بزاوية جده بقرية جبرين ، ومن جاء من أمير وكبير وصغير وفقير
أضافه بحسب حاله على قاعدة أبيه ، وكذلك بنوه. وكانت له ثروة وحشمة وخدم.
وذكره الإمام
بدر الدين بن حبيب في تاريخه وقال فيه : صدره متسع ، وقدره مرتفع ، وشمله مجتمع ،
وسيل نواله غير منقطع ، مقيم بقرية جبرين في زاوية أبيه وجده ، مديم على الواردين
والصادرين من ديم رفقه ورفده ، مشى على طريق أسلافه الواضح الجلي ، واقتفي أثر أبي
والده الذي كان في الكرم والكرامات نعم الولي. انتهى. وقال ابن حبيب : توفي سنة
خمس وأربعين وسبعمائة عن نيف وخمسين سنة بجبرين.
وقال ابن كثير
في تاريخه في شهر ذي الحجة يعني سنة تسع وأربعين وسبعمائة : صلي في مستهله على
الشيخ علي بن نبهان بحلب. فمقتضاه أنه توفي في ذي العقدة سنة تسع وأربعين ا ه.
وقال ابن الوردي في ذيل تاريخ أبي الفدا سنة تسع وأربعين وسبعماية : في شهر ذي
العقدة توفي الشيخ علي بن الشيخ محمد بن القدوة نبهان الجبريني بجبرين ، وجلس على
السجادة ابنه الشيخ محمد الصوفي. كان الشيخ علي بحرا في الكرم رحمهالله تعالى ا ه. (الدر المنتخب).
٣٤٩ ـ عبد اللطيف بن يوسف العجمي الكاتب المتوفى سنة ٧٤٩
عبد اللطيف بن
إسماعيل بن يوسف بن عبد الكريم بن عثمان بن عبد الرحيم بن عبد
الرحمن بن الحسن الرئيس معين الدين أبو محمد بن تاج الدين أبي المحاسن بن
العجمي الحلبي. قرأت في تاريخ شيخنا أبي محمد بن حبيب رحمهالله تعالى سنة تسع وأربعين وسبعمائة : وفيها توفي الرئيس
معين الدين أبو محمد بن عبد اللطيف بن تاج الدين أبي المحاسن يوسف ابن إسماعيل بن
عبد الكريم بن عثمان بن الشهيد شهاب الدين أبي صالح عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن
الحسن العجمي الحلبي. كان ماجدا أصيلا كاتبا جليلا ، حسن المحاضرة والطريقة ،
معينا لأصحابه على الحقيقة ، نازلا عن النعمة في روضها المريع ، معدودا من أكابر
بيته الرفيع. باشر كتابة الإنشاء وغيرها من الوظائف ، ثم أعرض عن ذلك في آخر عمره
واشتغل بما ينجيه من المخاوف. انتهى.
أنشدنا الشيخ
بدر الدين أبو محمد الحسن بن حبيب إجازة ، أنشدنا يعني معين الدين عبد اللطيف بن
العجمي بالمدرسة الشرفية من حلب لبعض أهل الأدب :
أما الديار
فإن عندي شاغلا
|
|
عنها لمعظم
لوعتي ومصابي
|
ما كنت
أنظرها فأدرك حسنها
|
|
إلا بأعين
رفقتي وصحابي
|
ماتوا وشبت
فما انتفاعي بالبقا
|
|
بعد المشيب
وفرقة الأحباب
|
وكانت وفاته
بحلب وقد نيف على السبعين تغمده الله برحمته ا ه. (الدر المنتخب).
٣٥٠ ـ يوسف بن مظفر بن الوردي المتوفى سنة ٧٤٩
يوسف بن مظفر
بن عمر بن أبي الفوارس محمد المعري جمال الدين بن الوردي أخو زين الدين عمر ، وهو
الأكبر. ولد قبل سنة ثمانين وستمائة ، وسمع المسلسل على ابن السكري (أنا) ابن
الحميري. وكان فقيها ماهرا حفظ التنبيه واشتغل بالحاوي ، وكان ينقل من الرافعي
الكبير مع فقه نفس وجود يد. وولي قضاء بلاد معاملات حلب. وكان ضعيفا في العربية
طويل القامة. ولأخيه زين الدين فيه عدة مقطعات من مديح ومعاتبة وغير ذلك. مات في
أواخر ذي القعدة سنة ٧٤٩ في الطاعون أيضا ، وفيه يقول أخوه :
أخ أبقى ببذل
المال ذكرا
|
|
وإن لاموه
فيه ووبّخوه
|
أزال فراقه
لذات ذكري
|
|
وكلّ أخ
مفارقه أخوه
|
وذكره أخوه زين
الدين عمر فيمن توفي في هذه السنة ، وأنشد في رثائه البيتين المذكورين وقال : إنه
دفن في مقابر الصالحين قبلي المقام رحمهالله تعالى.
* * *
عدد تراجم هذا الجزء
أعيان القرن
الثاني (١) ، الثالث (٧) ، الرابع (٤٨) ، الخامس (٢٥) ، السادس (٦٤) ، السابع (١٩٨)
، من الثامن (٦٢) ، المجموع : (٤٠٥)
تم بتوفيقه تعالى طبع الجزء الرابع من [إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء].
ويليه
الجزء الخامس وأوله ترجمة زين الدين عمر بن مظفر بن الوردي المتوفى سنة
٧٤٩.
وبالله التوفيق
__________________
الفهرس
الصفحة
|
|
الوفاة
|
|
أعيان القرن الثاني
|
|
٩
|
تمّام بن نجيح الأسدي المتوفى أواسط القرن
الثاني
|
|
|
أعيان القرن الثالث
|
|
١٠
|
موسى بن خالد المحدث
|
٢٢٠
|
١٠
|
عبيد بن جنّاد المحدث
|
٢٣٠
|
١٠
|
يعقوب بن كعب الأنطاكي
|
٢٤٠
|
١١
|
أبو توبة المحدث
|
٢٤١
|
١١
|
أحمد بن خليل الكندي المحدث المتوفى بعد
|
٢٨٠
|
١١
|
الوليد بن عبيد البحتري الشاعر المشهور
|
٢٨٤
|
١٩
|
محمد بن معاذ البصري
|
٢٩٤
|
|
أعيان القرن الرابع
|
|
٢٠
|
عمر بن طرخان المحدث
|
٣٠٧
|
٢٠
|
يحيى بن علي بن مرداس المحدث
|
٣١٠
|
٢٠
|
يحيى بن عمران المحدث
|
٣١٠
|
٢٠
|
علي بن أحمد الجرجاني المحدث
|
٣١١
|
٢١
|
علي بن عبد الحميد الغضايري
|
٣١٣
|
٢٢
|
سعيد بن مروان المحدث
|
٣١٨
|
٢٢
|
جعفر بن أحمد الوزان
|
٣٢٠
|
لصفحة
|
|
الوفاة
|
٢٢
|
عبد الرحمن بن عبيد الله المحدث
|
٣٢٠
|
٢٣
|
عبد الرحمن بن عبيد الله الهاشمي
|
٣٢٠
|
٢٤
|
إسحق بن محمد المحدث المتوفى بعد
|
٣٢٠
|
٢٥
|
الحسن بن علي المعروف بابن كوجك المتوفى بعد
|
٣٢٠
|
٢٦
|
محمد بن بركة القنسريني المحدث
|
٣٢٧
|
٢٦
|
جعفر بن سليمان الشحلاوي
|
٣٣٠
|
٢٦
|
محمد بن جعفر الغرياني المتوفى بعد
|
٣٣٠
|
٢٧
|
أحمد بن علي الحبّال المحدث بعد
|
٣٣٠
|
٢٧
|
أبو بكر أحمد بن محمد الصنوبري الشاعر المشهور
|
٣٣٤
|
٣٦
|
يحيى بن علي الكندي المحدث
|
٣٣٤
|
٣٧
|
خلّاد بن محمد الأسدي المتوفى بعد
|
٣٤٠
|
٣٨
|
محمد بن العباس البزّاز المحدث
|
٣٥٠
|
٣٨
|
نظيف بن عبد الله المقري
|
٣٥٠
|
٣٨
|
عبد الواحد أبو الطيب اللغوي النحوي
|
٣٥١
|
٤٢
|
أحمد بن نصر البازيار القاضي
|
٣٥٢
|
٤٤
|
الكلام على درب البازيار
|
|
٤٤
|
الخانكاه الشمسية
|
|
٤٥
|
خانكاه الخادم
|
|
٤٥
|
المدرسة الرواحية
|
|
٤٦
|
محمد بن إسحق المحدث
|
٣٥٤
|
٤٧
|
الأمير أبو فراس الحمداني الشاعر المشهور صاحب
منبج
|
٣٥٧
|
٥٢
|
علي بن عبد الملك الرقي القاضي من قضاة سيف
الدولة
|
|
٥٣
|
أبو الفرج سلامة القاضي
|
|
٥٣
|
عبد الله الفياض من كتاب سيف الدولة
|
|
٥٤
|
علي بن محمد الوزان النحوي في أيام سيف الدولة
|
|
٥٤
|
عيسى الرقّي الطبيب من أطباء سيف الدولة
|
|
٥٥
|
الناشي الأحصّي الشاعر من شعراء سيف الدولة
|
|
الصفحة
|
|
الوفاة
|
٥٦
|
عبد الله بن أحمد السراج المتوفى بعد
|
٣٦٨
|
٥٦
|
الحسين بن أحمد بن خالويه النحوي المشهور
المتوفى سنة
|
٣٧٠
|
٥٩
|
الحسن بن أحمد السبيعي المحدث الكبير
|
٣٧١
|
٦١
|
محمد بن أحمد بن طالب الفقيه الأديب المتوفى
بعد
|
٣٧٢
|
٦١
|
عبد الرحيم بن محمد بن نباتة الخطيب المشهور
|
٣٧٤
|
٦٣
|
محمد بن العباس الأموي المحدث نزيل الأندلس
|
٣٧٦
|
٦٣
|
محمد بن محمد النيسابوري المحدث الشاعر
المتوفى في نواحي
|
٣٨٠
|
٦٣
|
الحسن بن علي العبسي المحدث
|
٣٨٠
|
٦٤
|
أحمد بن إسحق من قضاة سيف الدولة
|
|
٦٤
|
صالح بن جعفر الهاشمي المتوفى أواخر هذا القرن
|
|
٦٤
|
عبد المنعم بن غلبون الحلبي المقري نزيل مصر
|
٣٨٩
|
٦٥
|
الحسين بن علي أبو العباس المحدث
|
٣٩٠
|
٦٥
|
الحسين بن محمد العين زربي
|
٣٩٢
|
٦٥
|
أحمد بن علي الوراق المحدث المؤدب المتوفى
أواخر هذا القرن
|
|
٦٦
|
علي بن محمد بن إسحق المحدث القاضي
|
٣٩٦
|
٦٩
|
عبد الواحد بن نصر النصيبي الشاعر من شعراء
سيف الدولة
|
٣٩٦
|
٧٠
|
طاهر بن عبد المنعم بن غلبون المقري
|
٣٩٩
|
٧٠
|
أحمد بن محمد أبو العباس النامي الشاعر من
شعراء سيف الدولة
|
٣٩٩
|
|
أعيان القرن الخامس
|
|
٧٣
|
أسد بن
القاسم العبسي
|
٤١٥
|
٧٤
|
المحسّن بن عبد الله القاضي أبو القاسم
التنوخي المعري الشاعر
|
٤١٩
|
٧٤
|
عبد الرزاق بن عبد السلام الشيخ نمير صاحب
المزار المشهور
|
٤٢٥
|
٧٦
|
ظفر بن مظفر بن الفقيه
|
٤٢٩
|
٧٧
|
عبد الرحمن بن عبد العزيز أبو القاسم السراج
المحدث
|
٤٣١
|
٧٧
|
التقي بن نجم أبو الصلاح الشيعي
|
٤٤٧
|
٧٨
|
أحمد بن عبد الله أبو العلاء المعري سنة
|
٤٤٩
|
الصفحة
|
|
الوفاة
|
٧٩
|
نشر ما وجدناه من كتاب الإنصاف والتحري في دفع
الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري تأليف الكمال عمر بن أحمد بن العديم
|
|
٨١
|
ذكر نسب أبي العلاء وتفصيل هام عن قبيلة تنوخ
|
|
٨٣
|
ترجمة أسرته أولهم سليمان بن أحمد المعري
|
|
١٠٠
|
مولده ومنشأه وعماه وصفة خلقه
|
|
١٠٢
|
فصل في ذكر اشتغاله بالعلم وذكر شيوخه الذين
أخذ عنهم
|
|
١٠٤
|
فصل في ذكر من قرأ على أبي العلاء أو روى عنه
من العلماء والأدباء والمحدثين من أهل المعرة وغيرهم
|
|
١٠٦
|
فصل في ذكر شيء مما وقع إلينا من حديث أبي
العلاء مسندا
|
|
١٠٨
|
فصل في ذكر كتّاب أبي العلاء الذين كانوا
يكتبون له ما ينشئه من النظم والنثر والتصنيف والإملاء
|
|
١١٠
|
فصل في ذكر تصانيفه ومجموعاته وتآليفه وأشعاره
المدونة
|
|
١٢١
|
فصل في ذكر رحلته إلى بغداد وعوده
|
|
١٢١
|
ذكر ما طبع من مؤلفاته (في الحاشية)
|
|
١٢٧
|
فصل في ذكر ذكاء أبي العلاء وفطنته وسرعة حفظه
|
|
١٣٧
|
فصل في ذكر حرمته عند الملوك والخلفاء
والأمراء والوزراء
|
|
١٤٠
|
فصل في ذكر اضطلاعه بالعلم والأدب ومعرفته
باللغة ولسان العرب
|
|
١٤٤
|
فصل في كرم العلاء وجوده على قلة ماله ونزارة
موجوده
|
|
١٤٥
|
فصل في ذكر قناعة نفسه وشرفها وعفتها
|
|
١٤٦
|
العثور على جزء من كتاب الفصول والغايات من
مؤلفات أبي العلاء وذكر نماذج منه
|
|
١٥٠
|
جاه أبي العلاء عند الملوك
|
|
١٥١
|
ذكاء أبي العلاء
|
|
١٥٢
|
قصته مع صاحب حلب
|
|
الصفحة
|
|
الوفاة
|
١٥٤
|
ذكر من قال إنه فاسد العقيدة
|
|
١٥٧
|
ذكر من أثنى عليه وقال إنه صحيح العقيدة
|
|
١٥٨
|
شعر أبي العلاء في نظر العلماء والأدباء
|
|
١٥٨
|
ذكر وفاته وبعض ما رثي به
|
|
١٦٠
|
كلمتنا في أبي العلاء رحمهالله
|
|
١٦١
|
ذكر جملة من نظمه مما يستدل به على صحة إيمانه
ودينه
|
|
١٧٢
|
أحمد بن يحيى بن العديم المتوفى في عقد
الخمسين وأربعمائة
|
|
١٧٣
|
الأمير مقلّد بن نصر بن منقذ الشيزري
|
٤٥٠
|
١٧٧
|
أحمد بن عبيد الله الموازيني الشاعر المعروف
بابن الماهر
|
٤٥٢
|
١٨٠
|
الحسن بن عبد الله بن أبي حصينة المعري
|
٤٥٦
|
١٨٣
|
المختار بن الحسن الطبيب النصراني
|
٤٥٨
|
١٨٣
|
وصف ابن بطلان لمدينة أنطاكية
|
|
١٨٤
|
وصفه لمدينة اللاذقية
|
|
١٨٥
|
عناية ابن بطلان ببناء البيمارستانات بأنطاكية
وحلب
|
|
١٨٨
|
كلام أبي ذر على بقية البيمارستانات التي كانت
بحلب
|
|
١٨٨
|
تتمة الكلام على البيمارستان الأرغوني في محلة
باب قنسرين
|
|
١٨٩
|
ثابت بن أسلم الشيعي
|
٤٦٠
|
١٨٩
|
علي بن منصور الملقب بدوخلة المتوفى بعد سنة
|
٤٩١
|
١٩١
|
الأمير عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي
الشاعر المشهور
|
٤٦٦
|
١٩٤
|
مشرق بن عبد الله العابد المتوفى في هذا العقد
|
|
١٩٥
|
الأمير أبو الفتيان محمد بن سلطان بن محمد بن
حيّوس الشاعر المشهور
|
٤٧٣
|
١٩٩
|
الأمير علي بن مقلد بن منقذ صاحب شيزر
|
٤٧٥
|
٢٠١
|
المبارك بن شرارة الطبيب النصراني
|
٤٩٠
|
٢٠٢
|
ظافر بن جابر السكري الطبيب المتوفى في هذا
العقد
|
|
٢٠٢
|
موهوب بن ظافر السكري المتوفى في هذا العقد
|
|
٢٠٢
|
الحسن بن شيبان الفقيه الحنفي
|
٤٩٣
|
الصفحة
|
|
الوفاة
|
٢٠٣
|
شيبان بن الحسن الفقيه الحنفي
|
٤٩٤
|
٢٠٣
|
المطهّر بن المفضّل التنوخي المعري الشاعر
|
٤٩٥
|
٢٠٤
|
الحسن بن إبراهيم التنوخي
|
٥٠٠
|
|
أعيان القرن السادس
|
|
٢٠٥
|
الإمام
الشاعر محمد بن يوسف الكفر طابي
|
٥٠٣
|
٢٠٥
|
عبد الرزاق بن عبد الله بن أبي حصين المعري
الشاعر
|
٥٠٥
|
٢٠٦
|
الإمام الحسين بن عقيد الشيعي
|
٥٠٧
|
٢٠٦
|
شمس الخواص
الأمير لؤلؤ الخادم
|
٥١١
|
٢٠٧
|
آثاره في حلب والكلام على خانقاه البلاط وهي
أول خانكاه بنيت في حلب
|
|
٢٠٩
|
أحمد بن هبة الله بن العديم المحدث
|
٥١٤
|
٢١٠
|
سعيد بن لؤلؤ أبو الغنايم الشاعر الفيلسوف
|
٥١٧
|
٢١٠
|
علي بن إبراهيم الناتلي المحدث التاجر
|
٥١٩
|
٢١٠
|
عبد المنعم بن الحسن بن العبية الأديب
الموسيقي المتوفى أوائل السادس
|
|
٢١١
|
حمدان بن عبد الرحيم الأثاربي الشاعر المؤرخ المتوفى
في نواحي سنة
|
٥٢٠
|
٢١٣
|
يحيى بن علي التنوخي الشاعر المؤرخ المتوفى
أوائل السادس
|
|
٢١٤
|
القاضي محمد بن عبد الله المعري الشاعر
|
٥٢٣
|
٢١٥
|
يحيى بن محمد الحلاوي الأديب الشاعر
|
٥٣٠
|
٢١٦
|
أسد بن علي الغساني الفقيه الشيعي
|
٥٣٤
|
٢١٧
|
محمد بن هبة الله بن العديم القاضي الفقيه
|
٥٣٤
|
٢١٧
|
أحمد بن محمد التنوخي المعري المتوفى في عشر
الأربعين وخمسمائة
|
|
٢١٧
|
عبد الله بن علي القصري الفقيه
|
٥٤٢
|
٢١٨
|
الكلام على مسجد خان الطاف بمحلة الجلّوم
|
|
٢١٨
|
علي بن سليمان الأندلسي القرطبي الفقيه
|
٥٤٤
|
٢١٩
|
علي بن عبد الله بن العديم العقيلي
|
٥٤٦
|
الصفحة
|
|
الوفاة
|
٢٢٠
|
أحمد بن المنير الطرابلسي الشاعر المشهور
|
٥٤٨
|
٢٢٤
|
محمد بن نصر القيسراني الشاعر المشهور
|
٥٤٨
|
٢٢٧
|
محمد بن عبد الصمد الطرسوسي
|
٥٤٨
|
٢٢٧
|
الكلام على جامع الطرسوسي في محلة باب قنسرين
|
|
٢٢٨
|
الكلام على الخانكاه القديم
|
|
٢٢٩
|
أحمد أبو المكارم الإسكافي المتوفى في عقد
الخمسين
|
|
٢٢٩
|
مسجد الشيخ حمود
|
|
٢٢٩
|
الكلام على درب البنات في محلة باب قنسرين وما
فيه من الآثار
|
|
٢٣٠
|
أبو الرضا بن النحاس المتوفى في عقد الخمسين
|
|
٢٣٠
|
محمد بن علي بن حميدة الشيعي
|
٥٥٠
|
٢٣١
|
الحسن بن علي بن العديم
|
٥٥١
|
٢٣٢
|
عبد القاهر بن عبد الله أبو الفرج الشيباني
الشاعر المعروف بالوأواء
|
٥٥١
|
٢٣٥
|
أبو الفضل بن أبي الوقار الطبيب
|
٥٥١
|
٢٣٥
|
محمد بن علي بن محمد العظيمي الأديب المؤرخ
المتوفى بعد الخمسين
|
|
٢٣٧
|
فتيان أبو السخاء الحائك النحوي
|
٥٦٠
|
٢٣٧
|
الإمام شرف الدين عبد الرحمن بن الحسن العجمي
الفقيه الشافعي
|
٥٦١
|
٢٣٨
|
المدرسة الزجّاجية وذكر أين كان معمل الزجاج
في حلب
|
|
٢٤٠
|
سبب بناء الإمام شرف الدين ابن العجمي لهذه
المدرسة
|
|
٢٤١
|
أول من بنى المدارس في الإسلام
|
|
٢٤٢
|
الأمير حميد بن مالك بن منقذ الشيزري الشاعر
|
٥٦٤
|
٢٤٣
|
عبد الرحمن بن محمود الغزنوي الفقيه الحنفي
|
٥٦٤
|
٢٤٣
|
الأمير باروق بن أرسلان التركماني
|
٥٦٤
|
٢٤٤
|
الأمير الكبير أسد الدين شيركوه بن شاذي عم
السلطان صلاح الدين بن أيوب
|
٥٦٤
|
٢٤٥
|
المدرسة الأسدية الجوانية في محلة باب قنسرين
|
|
٢٤٧
|
المدرسة الأسدية تجاه القلعة
|
|
الصفحة
|
|
الوفاة
|
٢٤٧
|
علي بن محمد التنوخي الشاعر المتوفى في هذا
العقد ظنا
|
|
٢٥٠
|
الحسين بن محمد المعروف بالنجم الفقيه المتوفى
في هذا العقد ظنا
|
|
٢٥٠
|
محمد بن أحمد السمرقندي الفقيه المتوفى في هذا
العقد ظنا
|
|
٢٥١
|
منصور بن المسلّم بن أبي الدميك النحوي الشاعر
|
|
٢٥٢
|
نجم بن عبد المنعم بن أبي درهم الشاعر
|
٥٧٠
|
٢٥٢
|
هاشم بن أحمد الأسدي النحوي خطيب حلب
|
٥٧٧
|
٢٥٣
|
درب الخطيب هاشم شرقي الجامع
|
|
٢٥٤
|
الإمام علوان بن عبد الله ابن الأستاذ
|
٥٧٨
|
٢٥٤
|
الامام مسعود بن محمد النيسابوري الفقيه
الشافعي
|
٥٧٨
|
٢٥٥
|
الكلام على المدرسة النفرية من آثار نور الدين
الشهيد
|
|
٢٥٥
|
محمد بن أحمد بن حمزة الشاعر الكاتب المتوفى
سنة
|
٥٧٩
|
٢٥٦
|
محمد بن حرب أبو الرجا النحوي الشاعر
|
٥٨٠
|
٢٥٧
|
عالي بن إبراهيم الغزنوي الفقيه الحنفي
|
٥٨١
|
٢٥٧
|
أبو اليسر شاكر بن عبد الله المعري
|
٥٨١
|
٢٥٩
|
فاطمة بنت محمد السمرقندية العالمة الفقيهة
المتوفاة في هذا العقد
|
|
٢٥٩
|
الطبيب سكرة اليهودي المتوفى في هذا العقد
|
|
٢٦١
|
الأمير أسامة بن مرشد الشاعر المؤرخ
|
٥٨٤
|
٢٦٣
|
الإمام أبو سعد عبد الله بن أبي عصرون الفقيه
الشافعي
|
٥٨٥
|
٢٦٦
|
الكلام على المدرسة العصرونية
|
|
٢٦٧
|
الكلام على المدرسة الناصرية المعروفة بجامع
الحيّات
|
|
٢٦٨
|
المدرسة الشهابية وتربتها
|
|
٢٦٨
|
درب الدقصلارية
|
|
٢٦٨
|
المدرسة الكاملية
|
|
٢٦٩
|
الشريف أبو المكارم حمزة بن زهرة الإسحاقي
المدفون قبلي المشهد
|
٥٨٥
|
٢٧٠
|
الكلام على نقابة الأشراف والوظائف المناطة
بالنقباء
|
|
٢٧٣
|
الأمير الفقيه عيسى بن محمد الهكاري
|
٥٨٥
|
الصفحة
|
|
الوفاة
|
٢٧٤
|
الشيخ عبد الله بن محمد الحراكي
|
٥٨٦
|
٢٧٥
|
أبو الفتوح يحيى بن حبش السهروردي
|
٥٨٧
|
٢٨٦
|
أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني صاحب بدائع
الصنائع
|
٥٨٧
|
٢٨٨
|
الكلام على بدائع الصنائع
|
|
٢٨٩
|
محمد بن علي المازندراني الشيعي
|
٥٨٨
|
٢٩١
|
خالد بن محمد القيسراني الوزير
|
٥٨٨
|
٢٩١
|
القاضي إبراهيم بن سعيد بن الخشاب
|
٥٨٩
|
٢٩١
|
عبد الملك بن نصر الله بن جهبل الفقيه الشافعي
|
٥٩٠
|
٢٩٢
|
يوسف بن الخضر الفقيه الحنفي
|
٥٩٢
|
٢٩٢
|
أحمد بن محمد الغزنوي الفقيه الحنفي
|
٥٩٣
|
٢٩٣
|
عبد السلام بن محمد الفارسي الفقيه الشافعي
|
٥٩٦
|
٢٩٣
|
علوان بن عبد الله المعروف بالباز الأشهب
الشاعر المتوفى سنة
|
٥٩٦
|
٢٩٤
|
طاهر بن نصر بن جهبل الفقيه الشافعي
|
٥٩٦
|
٢٩٦
|
زيادة بيان في ترجمته مع الكلام على المدرسة
الزجاجية أيضا
|
|
٢٩٦
|
الشيخ شعيب الأندلسي الفقيه
|
٥٩٦
|
٢٩٧
|
الكلام على المدرسة الشعيبية في محلة باب
أنطاكية
|
|
٢٩٨
|
ذكر ما كان بجوارها من الآثار
|
|
٢٩٨
|
المدرسة الزيدية
|
|
٢٩٩
|
الكلام على درب البزادرة وما فيه
|
|
٢٩٩
|
عفيف بن سكرة الطبيب اليهودي المتوفى في أواخر
هذا القرن
|
|
|
أعيان
القرن السابع
|
|
٣٠٠
|
محمود بن
النحاس الفقيه الحنفي
|
٦٠٢
|
٣٠٠
|
المدرسة الشاذبختية وذكر ما كان بجوارها من
الآثار
|
|
٣٠١
|
خانكاه نور الدين
|
|
٣٠١
|
المدرسة اليشبكية
|
|
٣٠٢
|
المدرسة الشاذبختية التي بظاهر حلب
|
|
لصفحة
|
|
الوفاة
|
٣٠٢
|
الملك المسعود بن صلاح الدين
|
٦٠٣
|
٣٠٢
|
أبو الفضل بن يامين الطبيب اليهودي
|
٦٠٤
|
٣٠٣
|
الحسين بن هبة الله الموصلي المتوفى بعد
الستمائة
|
|
٣٠٣
|
القاضي أسعد بن مماتي المصري
|
٦٠٦
|
٣٠٨
|
علي بن محمد بن خروف النحوي الأندلسي
|
٦٠٩
|
٣١١
|
أبو الحجاج يوسف الإسرائيلي الطبيب المتوفى
أوائل هذه المائة
|
|
٣١٢
|
عيسى بن سعدان الشاعر المتوفى بعد الستمائة
|
|
٣١٣
|
علي بن أبي بكر الهروي السائح
|
٦١١
|
٣١٥
|
تتمة الكلام على المدرسة الهروية
|
|
٣١٧
|
عبد القادر بن عبد الله الرهاوي ثم الحراني
|
٦١٢
|
٣١٨
|
مسعود بن الفضل النقاش الشاعر
|
٦١٣
|
٣٢٠
|
محمد بن يوسف بن الخضر الفقيه الحنفي
|
٦١٤
|
٣٢١
|
افتخار الدين عبد المطلب بن الفضل الهاشمي
العباسي
|
٦١٦
|
٣٢١
|
الكلام على المدرسة الطمانية وما كان هناك من
الآثار
|
|
٣٢٢
|
محمد بن أحمد السلاوي الفقيه
|
٦١٦
|
٣٢٣
|
عبد الرحمن الكردي والد ابن الصلاح
|
٦١٨
|
٣٢٣
|
الحسن بن زهرة الحسيني
|
٦٢٠
|
٣٢٣
|
سليمان بن عمر الحراني المتوفى بعد سنة
|
٦٢٠
|
٣٢٤
|
محمد بن أبي القاسم الخضر بن تيمية الحراني
|
٦٢١
|
٣٢٥
|
محمد بن أحمد الموصلي
|
٦٢٢
|
٣٢٥
|
الأمير سيف الدين علي بن جندر
|
٦٢٢
|
٣٢٦
|
آثاره وآثار أسد الدين شيركوه
|
|
٣٢٦
|
المدرسة السيفية
|
|
٣٢٩
|
ذكر ما كان هناك من الآثار
|
|
٣٢٩
|
المدرسة البلدقية الشافعية
|
|
٣٢٩
|
المدرسة البلدقية الحنفية
|
|
٣٣٠
|
أبو القاسم هبة الله بن محمد بن رواحة باني
المدرسة الرواحية في
|
|
الصفحة
|
|
الوفاة
|
|
حلب والمدرسة الرواحية في الشام
|
٦٢٣
|
٣٣٠
|
يوسف بن يحيى الطبيب اليهودي
|
٦٢٣
|
٣٣٢
|
عبد الرحمن بن عبد الله الأسدي
|
٦٢٣
|
٣٣٢
|
الفتح نصر بن محمد القيسراني
|
٦٢٥
|
٣٣٣
|
حسنون الطبيب الرهاوي
|
٦٢٥
|
٣٣٣
|
محمد بن الحسن العجمي المتوفى
|
٦٢٥
|
٣٣٣
|
الكلام على المدرسة الظاهرية خارج باب المقام
|
|
٣٣٤
|
عبد الرحمن بن محمد بن ستينيرة الشاعر
|
٦٢٦
|
٣٣٦
|
القاسم بن القاسم بن عمر الواسطي
|
٦٢٦
|
٣٤٦
|
أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي
|
٦٢٦
|
٣٤٩
|
أحمد بن هبة الله الجبراني
|
٦٢٨
|
٣٥٠
|
حماد البزاعي الشاعر من أهل بزاعة من معاصري
ياقوت
|
|
٣٥٠
|
شعراء بزاعة
|
|
٣٥١
|
سعيد بن سعيد من ذرية البحتري النحوي الشاعر
من معاصري ياقوت
|
|
٣٥٢
|
محمد بن المنذر المراكشي
|
٦٢٨
|
٣٥٢
|
سعيد بن أبي منصور
|
٦٢٨
|
٣٥٣
|
محمد بن هبة الله بن العديم
|
٦٢٨
|
٣٥٣
|
يحيى بن حميدة بن أبي طي
|
٦٣٠
|
٣٥٤
|
يحيى بن جعفر الدامغاني البغدادي
|
٦٣٠
|
٣٥٤
|
الخانكاه الدامغانية
|
|
٣٥٥
|
محمد بن أبي بكر الخباز النحوي
|
٦٣١
|
٣٥٥
|
أبو بكر أحمد بن العجمي
|
٦٣١
|
٣٥٥
|
الكلام على مدرسته المعروفة بجامع أبي ذر في
الجبيلة
|
|
٣٥٧
|
الكلام على درب الجبيل
|
|
٣٥٨
|
محمد بن محمد السلاوي
|
٦٣٢
|
الصفحة
|
|
الوفاة
|
٣٥٨
|
القاضي الصاحب بهاء الدين يوسف بن رافع بن
شداد
|
٦٣٢
|
٣٦٥
|
المدرسة الصاحبية
|
|
٣٦٦
|
دار الحديث
|
|
٣٦٨
|
الخانكاه البهائية
|
|
٣٦٨
|
تتمة الكلام على المدرسة السلطانية تجاه
القلعة
|
|
٣٦٩
|
سليمان بن مسعود الطوسي الشاعر
|
٦٣٤
|
٣٧٠
|
يوسف بن إسماعيل الشاعر المشهور بالشوّاء
|
٦٣٥
|
٣٧٣
|
عبد الله بن عبد الرحمن الأسدي
|
٦٣٥
|
٣٧٤
|
حامد القزويني
|
٦٣٥
|
٣٧٤
|
يعقوب بن إبراهيم بن النحاس
|
٦٣٧
|
٣٧٤
|
الكلام على المدرسة الحسامية تحت القلعة
|
|
٣٧٦
|
خليفة بن سليمان القرشي
|
٦٣٨
|
٣٧٦
|
محمد بن عبد الرحمن بن الأستاذ
|
٦٣٨
|
٣٧٦
|
محمد بن عبد الله الأنصاري المتوفى في هذا
العقد
|
|
٣٧٧
|
الأمير عبد القاهر بن عيسى التنبي وآثاره
|
٦٣٩
|
٣٧٧
|
الخانكاه التنبيّة
|
|
٣٧٨
|
أرسلان شاه بن العادل المتوفى
|
٦٣٩
|
٣٧٨
|
عبد الغني بن محمد بن تيميّة الحرّاني
|
٦٣٩
|
٣٧٨
|
الفضل بن عبد المطلب الهاشمي المتوفى في هذا
العقد ظنا
|
|
٣٧٩
|
محمد بن هاشم الخطيب
|
٦٤١
|
٣٨٠
|
الأمير إقبال الظاهري وآثاره
|
٦٤١
|
٣٨٠
|
المدرسة الجمالية
|
|
٣٨١
|
الخانكاه الجمالية
|
|
٣٨١
|
عبد المحسن بن حمود التنوخي
|
٦٤٣
|
٣٨٣
|
أبو البقا بن يعيش بن علي شارح المفصل
|
٦٤٣
|
٣٨٧
|
القاضي الأكرم علي بن يوسف القفطي
|
٦٤٦
|
الصفحة
|
|
الوفاة
|
٣٩٧
|
إسماعيل بن سودكين
|
٦٤٦
|
٣٩٧
|
مفضل بن بصيلة
|
٦٤٦
|
٣٩٧
|
صدّيق بن رمضان
|
٦٤٧
|
٣٩٨
|
الحسن بن أبي طاهر بن الخشاب
|
٦٤٨
|
٣٩٨
|
الكلام على درب بني الخشاب
|
|
٣٩٨
|
الكلام على التربة الخشابية
|
|
٣٩٩
|
أحمد بن يوسف الحسيني
|
٦٤٨
|
٣٩٩
|
الحافظ يوسف بن خليل بن قراجا
|
٦٤٨
|
٤٠١
|
تاج الدين جعفر بن محمد المعروف بالسراج
|
٦٤٩
|
٤٠١
|
الخضر بن الحسن بن عامر
|
٦٤٩
|
٤٠٢
|
أحمد بن يوسف الأنصاري
|
٦٤٩
|
٤٠٢
|
الإمام محمد بن عمرون النحوي
|
٦٤٩
|
٤٠٣
|
الأمير مسعود بن أيبك
|
٦٤٩
|
٤٠٣
|
ذكر ما كان حول دار العدل وهو موضع المستشفى
الآن من الآثار
|
|
٤٠٣
|
المدرسة الفطيسية
|
|
٤٠٣
|
الخانكاه الفطيسية
|
|
٤٠٣
|
المدرسة القليجية
|
|
٤٠٤
|
جامع الناصري
|
|
٤٠٤
|
خانكاه سنقرجاه النوري
|
|
٤٠٥
|
محمد بن محمد بن الوزان
|
٦٥٠
|
٤٠٥
|
الملك الصالح أحمد بن غازي صاحب عينتاب
|
٦٥١
|
٤٠٦
|
محمد بن طلحة القرشي الشيعي
|
٦٥٢
|
٤٠٨
|
النصر بن الملك صلاح الدين
|
٦٥٢
|
٤٠٨
|
عبد السلام بن عبد الله بن تيميّة الحرّاني جد
الشيخ تقي الدين
|
٦٥٢
|
٤٠٩
|
الإمام محمد بن محمد البلخي الحنفي
|
٦٥٣
|
٤١٠
|
صقر بن يحيى الفقيه الشافعي
|
٦٥٣
|
الصفحة
|
|
الوفاة
|
٤١٠
|
الشريف أحمد بن محمد الحسيني نقيب الأشراف
المتوفى سنة
|
٦٥٣
|
٤١١
|
الكلام على مدرسة النقيب التي كانت مبنية فوق
جبل الجوشن
|
|
٤١٢
|
الآثار التي كانت في الفيض
|
|
٤١٢
|
المدرسة الدقاقية
|
|
٤١٢
|
تربة ابني أيبك
|
|
٤١٣
|
القبة التي كانت هناك
|
|
٤١٣
|
أبو بكر بن يوسف بن هلال
|
٦٥٣
|
٤١٣
|
المبارك بن أبي بكر بن حمدان
|
٦٥٤
|
٤١٣
|
علاء الدين علي بن أبي الرجا
|
٦٥٤
|
٤١٤
|
محمد بن محمد بن الخضر سنة
|
٦٥٥
|
٤١٥
|
سليمان بن عبد المجيد العجمي
|
٦٥٦
|
٤١٥
|
محمد بن الحسن القاسمي
|
٦٥٦
|
٤١٦
|
يحيى بن محمد بن العديم
|
٦٥٦
|
٤١٦
|
محمد بن أحمد بن العديم
|
٦٥٦
|
٤١٦
|
محمد بن محمد الأنصاري
|
٦٥٦
|
٤١٧
|
فاطمة خاتون سنة
|
٦٥٦
|
٤١٧
|
الخانكاه الكاملية
|
|
٤١٧
|
أبو بكر محمد بن السلطان صلاح الدين
|
٦٥٧
|
٤١٧
|
أحمد بن محمد بن الخضر الفقيه الحنفي
|
٦٥٨
|
٤١٨
|
إبراهيم بن يوسف القفطي
|
٦٥٨
|
٤١٩
|
الحافظ إبراهيم بن خليل الآدمي
|
٦٥٨
|
٤١٩
|
محمد بن أبي القاسم القزويني
|
٦٥٨
|
٤١٩
|
محمد بن يحيى بن العديم
|
٦٥٨
|
٤٢٠
|
توران شاه بن السلطان صلاح الدين
|
٦٥٨
|
٤٢١
|
عبد اللطيف بن أحمد السعدي الأنصاري
|
٦٥٨
|
٤٢١
|
عمر بن عبد المنعم
|
٦٥٨
|
٤٢١
|
عبد الواحد بن عبد الله بن العديم
|
٦٥٨
|
الصفحة
|
|
الوفاة
|
٤٢١
|
شيخ الإسلام علي بن إبراهيم بن خشنام
|
٦٥٨
|
٤٢٢
|
أحمد بن محمد بن الخضر الفقيه الحنفي
|
٦٥٨
|
٤٢٢
|
الحسن بن أحمد بن أمين الدولة
|
٦٥٨
|
٤٢٣
|
يوسف بن أحمد الأنصاري
|
٦٥٨
|
٤٢٣
|
الأمير حسام الدين بن محمد الغرياني
|
٦٥٨
|
٤٢٤
|
عبد الرحمن بن عبد الرحيم العجمي باني الشرفية
المتوفى سنة
|
٦٥٨
|
٤٢٥
|
الكلام على المدرسة الشرفية الشافعية
|
|
٤٢٦
|
بقية الآثار التي في زقاق الزهراوي وأين كان
يسكن سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز
|
|
٤٣٠
|
المدرسة البدرية
|
|
٤٣٠
|
نسب الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد بن العديم
وترجمة أسرته
|
|
٤٤٤
|
ترجمة الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد العديم
|
٦٦٠
|
٤٦٠
|
المدرسة العديمية
|
|
٤٦١
|
تتمة الكلام على المدرسة الحلوية
|
|
٤٦٧
|
الكلام على المدرسة الحدادية في محلة السفاحية
|
|
٤٦٩
|
الكلام على درب الحدادين
|
|
٤٦٩
|
الكلام على المدرسة المقدمية في الجلّوم
|
|
٤٧٠
|
الكلام على درب الحطابين وما كان فيه من
الآثار
|
|
٤٧١
|
الكلام على المسجد المعروف بمسجد اليتامى
والمدرسة الجاولية
|
|
٤٧٢
|
أحمد بن عبد الله الأسدي المعروف بابن الأستاذ
|
٦٦٢
|
٤٧٣
|
أبو بكر بن يوسف بن الزرّاد الحراني
|
٦٦٣
|
٤٧٣
|
عبد الله بن محمد بن الخضر
|
٦٦٥
|
٤٧٤
|
الحسن بن علي التاجر المعروف بابن عمرون
|
٦٦٦
|
٤٧٤
|
عبد الرحيم بن عبد الرحيم العجمي
|
٦٧٠
|
٤٧٥
|
أحمد بن سعيد بن الأثير
|
٦٧١
|
٤٧٦
|
محمد بن محمد الأسدي
|
٦٧٢
|
٤٧٦
|
عبد الرحمن بن عمر بن العديم
|
٦٧٧
|
الصفحة
|
|
الوفاة
|
٤٧٩
|
أبو القاسم بن حسين ابن العود الشيعي
|
٦٧٩
|
٤٨١
|
أحمد بن عمر بن العديم المتوفى في هذه السنين
تقريبا
|
|
٤٨١
|
عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية
|
٦٨٢
|
٤٨٢
|
عيسى بن مهنا أمير العرب
|
٦٨٣
|
٤٨٣
|
محمد بن عبد الله بن الخضر
|
٦٨٤
|
٤٨٣
|
محمد بن إبراهيم بن شداد
|
٦٨٤
|
٤٨٣
|
محمد بن يعقوب الأسدي
|
٦٩٥
|
٤٨٤
|
محمد بن عبد السلام بن أبي عصرون
|
٦٨٥
|
٤٨٥
|
أحمد بن عبد الله بن الزبير
|
٦٩٠
|
٤٨٦
|
إبراهيم بن عبد المنعم بن أمين الدولة
|
٦٩١
|
٤٨٦
|
محمد بن يوسف أبو الفضل
|
٦٩٢
|
٤٨٧
|
إسماعيل بن هبة الله بن العديم
|
٦٩٤
|
٤٨٧
|
عبد الملك بن عبد الله بن العجمي
|
٦٩٤
|
٤٨٨
|
محمد بن عمر بن العديم
|
٦٩٥
|
٤٨٨
|
أحمد بن محمد الظاهري
|
٦٩٦
|
٤٨٩
|
فاخرة بنت عبد الله العجمي
|
٦٩٧
|
٤٨٩
|
علاء الدين أيدكين بن عبد الله الشهابي
|
٦٩٧
|
٤٨٩
|
عبد اللطيف بن نصر الميهني
|
٦٩٧
|
٤٩٠
|
محمد بن إبراهيم بن النحاس
|
٦٩٨
|
٤٩٢
|
أحمد بن إسماعيل التبلي
|
٦٩٨
|
٤٩٢
|
أيوب بن أبي بكر بن النحاس
|
٦٩٩
|
٤٩٢
|
إسماعيل بن أحمد بن الأثير
|
٦٩٩
|
٤٩٤
|
محمد بن منصور الحاضري
|
٧٠٠
|
|
أعيان القرن الثامن
|
|
٤٩٥
|
عبد الله بن محمد القيسراني
|
٧٠٣
|
٤٩٦
|
عبد المحسن بن محمد بن العديم
|
٧٠٤
|
الصفحة
|
|
الوفاة
|
٤٩٦
|
محمد بن الحسين التيتي
|
٧٠٤
|
٤٩٧
|
إبراهيم بن علي بن خشنام
|
٧٠٥
|
٤٩٧
|
محمد بن أيوب بن عبد القاهر التادفي
|
٧٠٥
|
٤٩٨
|
سنقر بن عبد الله الزيني
|
٧٠٦
|
٤٩٨
|
محمد بن عبد الله بن القيسراني
|
٧٠٧
|
٤٩٩
|
شهدة بنت الصاحب كمال الدين عمر بن العديم
المتوفاة
|
٧٠٩
|
٤٩٩
|
حسن بن علي بن زهرة
|
٧١١
|
٤٩٩
|
حسين بن علي بن زهرة
|
٧١١
|
٤٩٩
|
عبد العزيز بن محمد بن العديم
|
٧١١
|
٥٠٠
|
عمر بن مسعود الكناني سنة
|
٧١١
|
٥٠١
|
إبراهيم بن عبد الله البيري
|
٧١٢
|
٥٠١
|
إسماعيل بن عبد اللطيف العجمي
|
٧١٢
|
٥٠١
|
غازي بن أحمد الواسطي الكاتب
|
٧١٢
|
٥٠٢
|
أحمد بن محمد العجمي
|
٧١٤
|
٥٠٢
|
علي بن صالح السحوجي
|
٧١٤
|
٥٠٣
|
يوسف بن مظفر الكاتب
|
٧١٤
|
٥٠٣
|
الحسن بن علي السغناقي
|
٧١٤
|
٥٠٤
|
علي بن علي بن سوادة
|
٧١٤
|
٥٠٧
|
نخوة بنت محمد النصيبي
|
٧١٩
|
٥٠٧
|
عبد الوهاب بن محمد بن عثمان البلخي
|
٧٢٠
|
٥٠٧
|
عمر بن عبد العزيز بن العديم
|
٧٢٠
|
٥٠٩
|
علي بن الحسن الهروي
|
٧٢٢
|
٥٠٩
|
محمد بن عثمان بن الحداد المتوفى
|
٧٢٤
|
٥٠٩
|
الشهاب محمود بن سليمان بن فهد
|
٧٢٥
|
٥١١
|
عبد الوهاب بن عمر بن أمين الدولة
|
٧٢٥
|
٥١١
|
طلحة بن يوسف
|
٧٢٥
|
لصفحة
|
|
الوفاة
|
٥١٢
|
عمر بن حسن بن حبيب
|
٧٢٦
|
٥١٤
|
محمد بن إسحق بن صقر
|
٧٢٦
|
٥١٦
|
الإمام طلحة النحوي المقري
|
٧٢٦
|
٥١٦
|
علي بن أحمد الحداد
|
٧٢٦
|
٥١٦
|
يعقوب بن عبد الكريم ناظر الجيش
|
٧٢٩
|
٥١٧
|
إبراهيم بن صالح العجمي
|
٧٣١
|
٥١٧
|
يوسف بن محمد بن النصيبي
|
٧٣١
|
٥١٨
|
محمد بن ناهض
|
٧٣١
|
٥١٨
|
حسن بن محمد بن زهرة
|
٧٣٢
|
٥١٨
|
محمد بن أبي حامد الطبيب
|
٧٣٢
|
٥١٨
|
عبد الرحمن سبط الأبهري
|
٧٣٣
|
٥١٩
|
أحمد بن يحيى بن جهبل
|
٧٣٣
|
٥١٩
|
شرف الدين عبد الرحمن بن عماد الدين العجمي
|
٧٣٣
|
٥١٩
|
عمر بن محمد بن العديم
|
٧٣٤
|
٥٢١
|
الحافظ قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور
|
٧٣٥
|
٥٢١
|
مهنا بن إبراهيم الفوعي الصوفي
|
٧٣٦
|
٥٢٣
|
الأمير إزبك الحموي
|
٧٣٧
|
٥٢٤
|
محمد بن عبد الرحمن بن النصيبي
|
٧٣٧
|
٥٢٤
|
أحمد بن إبراهيم الفقيه المعروف بالبرهان
الحلبي
|
٧٣٨
|
٥٢٥
|
عثمان بن علي بن خطيب جبرين
|
٧٣٨
|
٥٢٧
|
الشريف محمد بن الحسن بن زهرة
|
٧٣٩
|
٥٢٨
|
عبد المؤمن بن عبد الرحمن بن العجمي
|
٧٤١
|
٥٣٠
|
ألطنبغا بن عبد الله باني الجامع في ساحة
الملح
|
٧٤٢
|
٥٣٠
|
إبراهيم بن خليل الرسعني
|
٧٤٢
|
٥٣١
|
شيخ الاسلام الحافظ يوسف بن عبد الرحمن المزي
الحلبي ثم الدمشقي
|
٧٤٢
|
الصفحة
|
|
الوفاة
|
٥٣٠
|
علي بن معتوق الدنيسري
|
٧٤٣
|
٥٣٥
|
كمال الدين المهمازي
|
٧٤٣
|
٥٣٥
|
التربة المهمازية
|
|
٥٣٥
|
جامع المقلمات
|
|
٥٣٧
|
إبراهيم بن أحمد الأسدي
|
٧٤٤
|
٥٣٧
|
عمر بن محمد العجمي
|
٧٤٤
|
٥٣٨
|
محمد بن محمد السفاقسي
|
٧٤٤
|
٥٣٨
|
محمد بن نبهان الجبريني
|
٧٤٤
|
٥٣٩
|
محمد بن علي بن أيبك السروجي
|
٧٤٤
|
٥٤٠
|
أيدمر بن عبد الله الشماع
|
٧٤٤
|
٥٤٠
|
جامع أيدمر (الخواجا)
|
|
٥٤١
|
أمير العرب سليمان بن مهنا
|
٧٤٤
|
٥٤٢
|
الحاج إسماعيل بن عبد الرحمن العزازي
|
٧٤٨
|
٥٤٢
|
القاضي محمد بن الصائغ
|
٧٤٩
|
٥٤٢
|
عبد الرحمن بن هبة الله المعري
|
٧٤٩
|
٥٤٣
|
علي بن محمد بن نبهان
|
٧٤٩
|
٥٤٣
|
عبد اللطيف بن يوسف العجمي
|
٧٤٩
|
٥٤٤
|
يوسف بن مظفر بن الوردي
|
٧٤٩
|
انتهى بعون الله الجزء الرابع ويليه الجزء الخامس
|