


مقدمة المصحح
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
الحمد لله رب
العالمين ، والصلاة والسّلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
وأشهد أن لا
إله إلا الله ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، أرسله بالهدى
ودين الحق.
وبعد :
فإن من فضل
الله سبحانه وتعالى علينا ، أن شرفنا بخدمة هذا الكتاب العظيم الفائدة ، وإخراجه
بحلة جديدة ، وأسأله سبحانه أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، إنه سميع قريب
مجيب.
وأخيرا ألفت انتباه القارئ الكريم إلى
أن هناك ركاكة في الحواشي ولعل سبب ذلك يرجع إلى أن الناسخ غير عربي.
وكتبه أحمد عزو عناية
|
وعلي مصطفى
|
بتاريخ / ٥ / ٤
/ ٢٠٠٩
سوريا ـ دمشق ـ
جوال : ٠٩٣٣٤٢٧٦٣٠
ترجمة ابن الحاجب
صاحب متن الكافية في النحو
هو عثمان بن
عمر بن أبي بكر بن يونس ، أبو عمرو جمال الدين ابن الحاجب ، فقيه مالكي ، من كبار
العلماء بالعربية.
كردي الأصل ،
ولد في أسنا (من صعيد مصر) سنة (٥٧٠ ه ـ ١١٧٤ م) ونشأ في القاهرة ، وسكن دمشق ،
ومات بالإسكندرية سنة (٦٤٦ ه ـ ١٢٤٩ م).
وكان أبوه
حاجبا فعرف به.
من تصانيفه :
الكافية في النحو ، والشافعية في الصرف ، ومختصر الفقه استخرجه من ستين كتابا في
فقه المالكية ، ويسمى جامع الأمهات ، والمقصد الجليل قصيدة في العروض ، والأمالي
النحوية ، ومنتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل في أصول الفقه ، ومختصر
منتهى السول والأمل ، والإيضاح في شرح المفصل للزمخشري.
مراجع الترجمة :
ـ وفيات
الأعيان لابن خلكان ١ / ٣١٤.
ـ غاية النهاية
١ / ٥٠٨.
ـ مفتاح
السعادة ١ / ١١٧.
ـ الأعلام
للزركلي ٤ / ٢١١.
ترجمة الملا جامي صاحب شرح الكافية
هو عبد الرحمن
بن أحمد بن محمد الجامي ، نور الدين ، مفسر ، فاضل.
ولد في جام (من
بلاد ما وراء النهر) سنة (٨١٧ ه ـ ١٤١٤ م) وانتقل إلى هراة.
وتفقه ، وصحب
مشايخ الصوفية ، وحج سنة (٨٧٧ ه) ، فطاف البلاد ، وعاد إلى هراة فتوفي بها سنة (٨٩٨
ه ـ ١٤٩٢ م).
له : تفسير
القرآن ، وشرح فصوص الحكم لابن عربي ، وشرح الكافية لابن الحاجب ، وهو أحسن شروحها
، سماه : الفوائد الضيائية ، والدرر الفاخرة في التصوف والحكمة ، وشرح الرسالة العضدية
في الوضع ، وغير ذلك.
وله كتب
بالفارسية.
مراجع الترجمة :
ـ الفوائد
البهية ص ٨٦.
ـ شذرات الذهب
٧ / ٣٦٠.
ـ الأعلام
للزركلي ٣ / ٢٩٦.
بسم الله الرحمن
الرحيم
[مقدمة المؤلف]
الحمد لوليّه ، والصلاة على نبيّه ، وعلى آله وأصحابه المتأدبين بآدابه.
__________________
أما بعد
، فهذه
فوائد وافية بحل
مشكلات الكافية للعلامة
المشتهر
في المشارق والمغارب الشيخ
ابن الحاجب ، تغمده الله تعالى بغفرانه ، وأسكنه بحبوحة جنانه ، نظمتها
في سلك
التقرير وسمط التحرير للولد العزيز ضياء الدين
__________________
يوسف ، حفظه الله سبحانه وتعالى عن موجبات التلهف والتأسف ، وسميتها
بالفوائد الضيائية ؛ لأنه لهذا الجمع والتأليف كالعلّة الغائيّة ، نفعه الله تعالى بها وسائر المبتدئين من أصحاب
التحصيل ، وما توفيقي إلا بالله ، وهو حسبي ونعم الوكيل.
اعلم أن الشيخ رحمهالله لم يصدر رسالته هذه بحمد الله سبحانه ، بأن جعله جزءا منها هضما لنفسه بتخيل أن كتابه هذا من حيث أن كتابه ليس ككتب السلفرحمهمالله تعالى حتى يصدر به على سننها ، ولا يلزم من ذلك عدم
الابتداء
__________________
به مطلقا ، حتى يكون بتركه أقطع لجواز إتيانه بالحمد من غير أن يجعله جزءا من كتابه.
وبدأ بتعريف الكلمة والكلام ؛ لأنه يبحث في هذا الكتاب عن أحوالهما ، فمتى لم يعّرفا ، كيف يبحث عن أحوالهما ؟ ...
__________________
وقدم الكلمة على الكلام ، لكون أفرادها جزءا من أفراد الكلام
، ومفهومها جزءا من مفهومه ، فقال :
* * *
__________________
(الكلمة)
(الكلمة) قيل :
هي والكلام مشتقان من الكلم ـ بتسكين اللام ـ : وهو الجرح ، لتأثير
معانيهما في النفوس كالجرح ، وقد عبر بعض الشعراء عن بعض تأثيراتهما بالجرح حيث قال :
جراحات
السّنان لها التئام
|
|
ولا يلتام ما
جرح اللسان
|
__________________
والكلم ـ بكسر اللام ـ : جنس
لا جمع
ك : (تمر وتمرة)
بدليل قوله تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ
الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ)
[فاطر : ١٠].
وقيل : جمع ،
حيث لا يقع إلا على الثلاث فصاعدا.
والكلم الطيب
يؤول ببعض الكلم ، واللام فيها للجنس والتاء للوحدة ، ولا منافاة بينهما ، لجواز
اتضاف الجنس بالوحدة والواحد بالجنسية ، يقال : (هذا الجنس واحد) و (ذلك
الواحد جنس). ويمكن حملها على العهد الخارجي بإرادة الكلمة المذكورة على السنة النحاة.
__________________
(لفظ) اللفظ في اللغة : الرمي يقال : (أكلت التمرة ولفظت النواة) أي : رميتها ، ثم نقل في عرف النحاة ابتداء أو بعد جعله بمعنى
الملفوظ ، ك : (الخلق) بمعنى المخلوق إلى ما يتلفظ به الإنسان
حقيقة كان أو
حكما مهملا كان أو موضوعا ، مفردا كان أو مركبا. واللفظ الحقيقي ك : (زيد) و (ضرب) والحكمي : كالمنوي في (زيد ضرب) و (أضرب)
إذ ليس من مقولة الحرف والصوت أصلا ، ولم يوضع له لفظ ، وإنما عبروا عنه باستعارة لفظ المنفصل له من نحو : (هو) و (أنت) وأجروا عليه
أحكام اللفظ ،
__________________
فكان لفظا حكما لا حقيقة والمحذوف لفظ حقيقة ؛ لأنه قد يتلفظ به
الإنسان في بعض الأحيان وكلمات الله تعالى داخله فيه ؛ إذ هي مما يتلفظ به الإنسان ،
وعلى هذا القياس كلمات الملائكة والجن .
والدوال الأربع
: وهي الخطوط والعقود والإشارات والنصب غير داخلة في اللفظ فلا حاجة إلى قيد زائد يخرجها. وإنما قال (لفظ)
ولم يقل
__________________
(لفظة) لأنه لم يقصد الوحدة .
والمطابقة غير
لازمة لعدم الاشتقاق مع كون اللفظ أخصر.
(وضع) الوضع : تخصيص شيء بشيء ، بحيث متى أطلق وأحسّ الشيء الأول فهم منه الشيء الثاني.
__________________
قيل : يخرج عنه
وضع الحرف ، حيث لا يفهم معناه متى أطلق ، بل إذا أطلق مع ضم
ضميمة ، وأجيب عنه بأن المراد متى أطلق إطلاقا صحيحا وإطلاق الحرف بلا ضم ضميمة غير صحيح ، ولا يبعد أن يقال
: أن المراد بإطلاق الألفاظ أن يستعملها أهل اللسان في محاوراتهم وبيان مقاصدهم ،
فلا حاجة إلى اعتبار قيد زائد.
(لمعنى) المعنى
: ما يقصد بشيء ، فهو إما (مفعل) اسم مكان بمعنى المقصد أو مصدر ميمي
بمعنى (المفعول) أو مخفف (معنى) اسم المفعول ، ك : (مرمي). ولما كان المعنى ...
__________________
مأخوذا في الوضع ، فذكر المعنى بعده مبنيّ على تجريده عنه ، فخرج به المهملات والألفاظ الدالة بالطب ع ؛ إذ لم
يتعلق بهما وضع وتخصيص أصلا ، وبقيت حروف الهجاء الموضوعة لغرض التركيب لا بإزاء المعنى ، وخرجت بقوله : (لمعنى) ؛ إذ وضعها لغرض التركيب لا بإزاء المعنى فإن قلت : قد وضع بعض الألفاظ بإزاء بعض آخر فكيف يصدق عليه أنه وضع لمعنى؟ قلنا : المعنى ما يتعلق به القصد ، وهو
__________________
أعم من أن يكون لفظا أو غيره.
فإن قلت : قد
وضع بعض الكلمات المفردة بإزاء الألفاظ المركبة ، كلفظ (الجملة) و (الخبر) ، فكيف يكون موضوعا لمفرد؟ قلنا : هذه الألفاظ وإن كانت بالقياس إلى معانيها مركبة ، لكنها بالقياس
إلى ألفاظها الموضوعة بإزائها مفردة. وقد أجيب عن الإشكالين : بأنه ليس هاهنا لفظ وضع بإزاء لفظ آخر مفردا كان أو مركبا بل بإزاء
مفهوم كلي أفراده ألفاظ كلفظة الاسم ...
__________________
والفعل والحرف والجملة والخبر وغيرها ، ولا يخفى عليك أن هذا الحكم منقوض بأمثال الضمائر الراجعة إلى ألفاظ مخصوصة مفردة أو مركبة. ، فإن الوضع فيها وإن كان عاما لكن الموضوع له خاص فليس هناك مفهوم كلي هو الموضوع له في الحقيقة .
__________________
(مفرد) وهو إمّا مجرور على أنه صفة لمعنى ، ومعناه حينئذ ما لا
يدل جزء لفظه على جزئه ، وفيه أنه يوهم أن اللفظ موضوع للمعنى المتصف بالأفراد والتركيب قبل
الوضع ، وليس الأمر كذلك ، فإن اتصاف المعنى بالأفراد والتركيب إنما هو بعد الوضع ، فينبغي أن يرتكب فيه تجوز كما يرتكب في مثل : (من قتل
قتيلا) أو مرفوع على أنه صفة اللفظ ومعناه حينئذ ما لا يدل جزؤه على جزء معناه ، ولا بد
__________________
حينئذ من بيان نكتة في إيراد أحد الوصفين جملة فعلية ، والآخر مفردا ،
وكأنّ النكتة فيه التنبيه على تقدم الوضع على الأفراد ، حيث أتى به بصيغة المضي بخلاف
الأفراد ، وأما نصبه ـ وإن لم يساعده رسم الخط ـ فعلى أنه حال من الضمير المستكن في (وضع) أو من المعنى ، فإنه مفعول به بواسطة اللام ووجه صحته ، أن الوضع وإن كان متقدما على الأفراد بحسب الذات لكنه مقارن له بحسب الزمان
__________________
وهذا القدر كاف لصحة الحالية ، وقيد الإفراد ، لإخراج المركبات مطلقا سواء كانت
كلامية أو غير كلامية ، فيخرج به عن حد الكلمة ، مثل : (الرجل) و (قائمة) و (بصري) وأمثالها مما يدل جزء اللفظ منه على جزء المعنى ، لكنه يعدّ لشدة الامتزاج لفظة واحدة ، وأعرب ...
__________________
بإعراب واحد. ويبقى مثل : (عبد الله) علما داخلا فيه مع أنه معرب بإعرابين ، ولا يخفى على الفطن العارف بالغرض من علم النحو أنه لو كان الأمر بالعكس لكان أنسب . وما أورده صاحب المفصل في تعريف الكلمة حيث قال : (هي اللفظة الدالة على معنى مفرد بالوضع) فمثل : (عبد الله) علما
خرج عنه ، فإنه لا يقال له لفظة واحدة وبقي مثل : (الرجل وقائمة وبصريّ) مما يعد
لشدة الامتزاج لفظة واحدة داخلا
__________________
فيه ، فأخرجه بقيد الأفراد ولو لم يخرجه بتركه لكان أنسب ، كما عرفت.
واعلم أن الوضع
يستلزم الدلالة ؛ لأن الدلالة كون الشيء بحيث يفهم منه شيء آخر. فمتى تحقق الوضع تحققت الدلالة. فبعد ذكر الوضع لا حاجة إلى ذكر الدلالة
، كما وقع في هذا الكتاب.
لكن الدلالة لا
تستلزم الوضع لا مكان أن يكون بالعقل كدلالة لفظ (ديز) المسموع من وراء الجدار على وجود اللافظ وأن تكون بالطبع كدلالة لفظ (أح أح) على وجع الصدر. فبعد ذكر الدلالة لا بد من ذكر الوضع
كما في (المفصل) (وهي) أي الكلمة : ...
__________________
(اسم وفعل وحرف) ، أي : منقسمة إلى هذه الأقسام الثلاثة ومنحصرة فيها (لأنها) أي
الكلمة : لما كانت موضوعة لمعنى والوضع يستلزم الدلالة فهي (إما) من صفتها (أن تدل على معنى ، كائن ، في نفسها) أي : في نفس الكلمة.
والمراد بكون
المعنى ...
__________________
في نفسها أن تدلّ الكلمة عليه بنفسها من غير حاجة إلى انضمام كلمة أخرى إليها لاستقلاله بالمفهومية (أو)
من صفتها أن (لا تدل) على معنى في نفسها بل تدل على معنى تحتاج في الدلالة عليه إلى انضمام كلمة
أخرى إليها لعدم استقلاله بالمفهومية ، وسيجيء تحقيق ذلك في بيان حد الاسم إن شاء
الله تعالى.
القسم (الثاني)
: وهو ما لا يدل على معنى في نفسها (الحرف) ك : (من) و (إلى) فإنهما يحتاجان في الدلالة على معنييهما ـ أعني :
الابتداء والانتهاء ـ إلى كلمة
__________________
أخرى ك : (البصرة والكوفة) في قولك : (سرت من البصرة إلى الكوفة). وإنما سمي هذا
القسم حرفا ؛ لأن الحرف في اللغة : الطرف وهو في طرف ، أي : في جانب مقابل للاسم
والفعل حيث يقعان عمدة في الكلام وهو لا يقع عمدة فيه كما ستعرف .
(و) القسم (الأول)
وهو ما يدل على معنى في نفسها ، (أما) من صفتها (أن يقترن) ذلك المعنى المدلول عليه بنفسها في الفهم عنها ...
__________________
بأحد الأزمنة الثلاثة : الماضي والحال والاستقبال ، أي : حين يفهم ذلك المعنى
عنها يفهم عنها أحد الأزمنة الثلاثة أيضا. مقارنا له (أو) من صفتها ، أن (لا) يقترن ذلك المعنى المدلول عليه بنفسها في الفهم
عنها مع أحد الأزمنة الثلاثة القسم (الثاني) : وهو ما يدل على معنى في نفسها غير
مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة.
(الاسم) وهو
مأخوذ من السموّ وهو العلو لاستعلائه على أخويه حيث
__________________
يتركب منه وحده الكلام دون أخويه أو قيل من الوسم وهو العلامة ؛ لأنه علامة على مسماه .
(و) القسم (الأول)
: وهو ما يدل على معنى في نفسها مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة.
(الفعل) : سمي
به لتضمنه معنى الفعل اللغوي وهو المصدر ، وقد علم بذلك
__________________
أي : بوجه حصر الكلمة في الأقسام الثلاثة (حدّ كل واحد منها) أي : من تلك الأقسام الثلاثة وذلك ؛ لأنه قد علم به ،
أي : بوجه الحصر أن الحرف كلمة لا تدل على معنى في نفسها بل تحتاج
إلى انضمام كلمة أخرى إليها والفعل كلمة تدل على معنى في نفسها لكنه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، والاسم كلمة تدل على معنى في
نفسها لكنه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة. فالكلمة مشتركة بين الأقسام الثلاثة ،
__________________
والحرف ممتاز عن أخويه بعدم الاستقلال في الدلالة ، والفعل ممتاز عن الحرف
بالاستقلال وعن الاسم بالاقتران والاسم ممتاز عن الحرف بالاستقلال وعن الفعل بعدم
الاقتران. فعلم لكلّ واحد منها معرّف جامع لأفراده ، مانع عن دخول غيرها فيه.
وليس المراد بالحدّ هاهنا إلا المعرّف الجامع المانع ، ولله درّ
المصنف حيث
__________________
).
أشار إلى حدودها في ضمن دليل الحصر ، ثم نبّه عليها بقوله : وقد علم بذلك
حد كل واحد منها ، ثم صرح بها فيما بعد بناء على تفاوت مراتب الطبائع .
(الكلام) في اللغة ما يتكلم به قليلا كان أو كثيرا ، وفي اصطلاح النحاة (ما
تضمّن) أي : لفظ تضمّن (كلمتين) ، حقيقة أو حكما ، أي : تكون كل واحدة
منهما في ضمنه. فالمتضمن ـ اسم فاعل ـ هو المجموع والمتضمن ـ اسم مفعول ـ هو كل
واحدة من الكلمتين ، فلا يلزم اتحادهما (بالإسناد) ، أي : تضمنا حاصلا بسبب إسناد
__________________
إحدى الكلمتين إلى الأخرى. والإسناد نسبة إحدى الكلمتين حقيقة أو حكما
إلى الأخرى بحيث تفيد المخاطب فائدة تامة. فقوله : (ما) لفظ يتناول المهملات والمفردات والمركبات الكلامية وغير الكلامية وبقيد (تضمن
الكلمتين) خرجت المهملات والمفردات ، وبقيد (الإسناد) خرجت المركبات غير الكلامية
، مثل : (غلام زيد) و (رجل فاضل) وبقيت المركبات الكلامية سواء كانت خبريّة ، مثل
: (ضرب زيد) و (ضربت هند) و (زيد قائم) أو إنشائية مثل : (اضرب) و (لا تضرب).
فإنّ كلّ واحد
منهما تضمّن كلمتين ، إحداهما : ملفوظة ، والأخرى : منويّة ،
__________________
وبينهما إسناد يفيد المخاطب فائدة تامة ، وحيث كانت الكلمتان أعم من أن تكونا كلمتين حقيقة أو حكما ،
دخل في التعريف مثل : (زيد أبوه قائم أو (قام أبوه) أو (قائم أبوه) ، فإن الأخبار فيها مع
أنها مركبات في حكم الكلمة المفردة أعني : (قائم الأب) . ودخل فيه أيضا مثل : (جسق مهمل) ، (ديز مقلوب زيد) مع أن
__________________
المسند إليه فيهما مهمل ، ليس بكلمة فإنه في حكم هذا اللفظ .
اعلم أن كلام المصنف ظاهر في أن ، نحو : (ضربت زيدا قائما) بمجموعه كلام بخلاف كلام صاحب المفصل ، حيث قال : (الكلام هو المركب من كلمتين أسندت إحداهما
إلى الأخرى) ، فإنه صريح في أن الكلام هو (ضربت) فقط والمتعلقات خارجة عنه . ثم اعلم ، أن صاحب المفصل وصاحب اللباب ذهبا إلى ترادف الكلام والجملة. وكلام المصنف أيضا ينظر إلى ذلك ، فإنه قد
اكتفى في تعريف الكلام. بذكر الإسناد مطلقا ولم يقيدّه بكونه مقصودا لذاته.
__________________
ومن جعله أخصّ
من الجملة قيده به فحينئذ تصدق الجملة على الجمل الخبرية الواقعة إخبارا أو أوصافا بخلاف الكلام . وفي بعض الحواشي : أن المراد بالإسناد هو الإسناد المقصود لذاته ،
وحينئذ يكون الكلام عند المصنف أيضا أخصّ من الجملة . (ولا يتأتّى) أي : لا يحصل (ذلك) أي : الكلام (إلّا في) ضمن
__________________
(اسمين) أحدهما مسند والآخر مسند إليه (أو) في ضمن (اسم) مسند
إليه (وفعل) مسند. وفي بعض النسخ (أو في فعل واسم) فإن التركيب الثنائي العقلي بين الأقسام الثلاثة يرتقي إلى ستة أقسام ، ثلاثة منها من جنس واحد ، اسم واسم ، فعل وفعل
، حرف وحرف. وثلاثة منها من جنسين مختلفين اسم وفعل ، اسم وحرف ، فعل وحرف. ومن
البيّن ، أنّ الكلام لا يحصل بدون الإسناد ، والإسناد لا بدّ
له من مسند ومسند إليه ، وهما لا يتحققان إلا في ضمن اسمين ، أو في اسم وفعل.
__________________
وأما الأقسام
الأربعة الباقية ، ففي الحرف والحرف كلاهما مفقودان ، وفي الفعل والفعل ، وفي
الفعل والحرف المسند إليه مفقود ، وفي الاسم والحرف أحدهما مفقود ، فإن الاسم إن
كان مسندا فالمسند إليه مفقود ، وإن كان مسندا إليه فالمسند مفقود. ونحو (يا زيد) بتقدير : أدعو زيدا ، فلم يكن من تركيب الحرف والاسم بل
من تركيب الفعل والاسم ، الذي هو المنويّ في (أدعو).
(الاسم)
الاسم (ما دلّ) أي : كلمة دلّت (على معنى) كائن في نفسه أي : في نفس ما دلّ ، يعني : الكلمة.
__________________
فتذكير
الضمير بناء على لفظ الموصول.
قال المصنف في الإيضاح شرح المفصل : الضمير في (ما دلّ على معنى في نفسه) يرجع
إلى (معنى) أي : ما دل على معنى باعتباره في نفسه وبالنظر إليه في نفسه ، لا
باعتبار أمر خارج عنه ، كقولك : الدار في نفسها حكمها كذا ، أي : لا باعتبار أمر
خارج عنها ، ولذلك قيل : الحرف ما دل على معنى في غيره أي : حاصل في غيره ،
أي: باعتبار متعلقه لا باعتباره في نفسه انتهى كلامه ، ومحصوله : ما ذكره بعض المحققين حيث قال : كما أن في الخارج موجودا قائما بذاته وموجودا قائما
بغيره
__________________
كذلك في الذهن معقول هو مدركّ قصدا ملحوظ في ذاته ، يصلح أن يحكم عليه وبه
، ومعقول هو مدرك تبعا وآلة لملاحظة غيره ، فلا يصلح لشيء منهما.
فالابتداء مثلا إذا لاحظه العقل قصدا وبالذات كان معنى مستقلا بالمفهوميّة ملحوظا
في ذاته ، ولزمه تعقّل متعلّقه إجمالا وتبعا من غير حاجة إلى ذكره وهو بهذا الاعتبار مدلول لفظ الابتداء فقط ، فلا حاجة في الدلالة عليه إلى ضمّ
كلمة أخرى إليه ليدل على متعلقه ، وهذا هو المراد بقولهم : أن للاسم والفعل معنى
كائنا في نفس الكلمة الدّالة عليه. وإذا لاحظه العقل من حيث هو حالة بين السير
والبصرة مثلا ، وجعله آلة لتعرّف حاليهما ، كان معنى غير مستقل بالمفهومية ولا
يصلح أن يكون محكوما عليه وبه ولا يمكن أن
__________________
يتعقّل إلا بذكر متعلقه بخصوصه ، ولا أن يدلّ عليه إلا بضمّ كلمة دالة على
متعلقه بخصوصه. والحاصل أن لفظ (الابتداء) موضوع لمعنى كلي ، ولفظة (من) موضوعة لكلّ واحد من جزئياته المخصوصة المتعقّلة ، من حيث إنها حالات
لمتعلقاتها ، وآلات لتعرّف أحوالها ، وذلك المعنى الكليّ يمكن أن يتعقّل قصدا ، ويلاحظ في
حد ذاته فيستقلّ بالمفهومية ، ويصلح أن يكون محكوما عليه ، وبه ، وأما تلك
الجزئيات فلا تستقلّ بالمفهوميّة ، ولا تصلح أن تكون محكوما عليها ، أو بها ؛ إذ
لا بدّ في كلّ منها أن يكون ملحوظا قصدا ، ليمكن أن تعتبر النسبة بينه
وبين غيره ، بل تلك الجزئيات لا تتعقّل إلا بذكر متعلقاتها ، لتكون آلات ، لملاحظة
أحوالها ، وهذا هو المراد بقولهم :
__________________
إنّ الحرف يدلّ على معنى في غيره ، وإذا عرفت هذا ، علمت أنّ المراد بكينونة المعنى في نفسه استقلاله بالمفهومية ، وبكينونة المعنى
، في نفس الكلمة ؛ دلالتها عليه من غير حاحة إلى ضمّ كلمة أخرى إليها لاستقلاله
بالمفهوميّة ، فمرجع كينونة المعنى في نفسه وكينونته في نفس الكلمة
، الدالة عليه إلى أمر واحد وهو ، استقلاله بالمفهوميّة.
ففي هذا الكتاب
، الضمير المجرور في (نفسه) ، يحتمل أن يرجع إلى (ما) الموصولة التي هي عبارة
عن الكلمة وهذا هو الظاهر ، ليكون على طبق ما سبق في وجه
__________________
الحصر من كينونة المعنى في نفس الكلمة ، ويحتمل أن يرجع إلى المعنى تنبيها
على صحة إرادة كلا المعنيين ، ولكن عبارة (المفصل) ظاهرة في المعنى الأخير ، وهو
إرجاع الضمير إلى المعنى ، لعدم مسبوقيّتها بما يدلّ على اعتبار
كينونة المعنى في نفس الكلمة ، ولهذا جزم المصنف هناك برجوعه إلى المعنى.
ومما سبق من التحقيق ظهر أنه لا يختلّ حدّ الاسم جمعا ، ولا حدّ
الحرف منعا بالأسماء اللازمة الإضافة ، مثل : (ذو ، وفوق ، وتحت ، وقدام ، وخلف) إلى غير
__________________
ذلك ؛ لأن معانيها مفهومات كلية مستقلة بالمفهوميّة ، ملحوظة في حدّ ذاتها
، ولزمها تعقّل متعلقاتها إجمالا من غير حاجة إلى ذكرها ، لكنّ لما جرت العادة
باستعمالها في مفهوماتها مضافة إلى متعلقات مخصوصة ؛ لأن الغرض من وضعها ، لزم ذكرها ، لفهم هذه
الخصوصيات ، لا لأجل فهم أصل المعنى فهي دالة على معانيها المعتبرة في حدّ نفسها
لا في غيرها ، فهي داخلة في حدّ الاسم خارجة عن حدّ الحرف. ولما كان الفعل دالّا
على معنى في نفسه باعتبار معناه التّضمّني أعني : الحدث وكان ذلك المعنى مقترنا مع أحد الأزمنة الثلاثة في الفهم عن لفظ الفعل أخرجه بقوله
،
__________________
(غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة) أي : غير مقترن مع أحد الأزمنة الثلاثة
في الفهم عن اللفظ الدالّ عليه فهو صفة بعد صفة (لمعنى) ، فبالصفة الأولى خرج الحرف عن حدّ
الاسم ، وبالثانية الفعل .
والمراد (بعدم الاقتران) أن يكون بحسب الوضع الأول ، فدخل فيه أسماء الأفعال جميعا
؛ لأن جميعها إمّا منقولة ، عن المصادر الأصليّة سواء كان النقل فيه صريحا نحو : (رويد) فإنه
قد يستعمل مصدرا أيضا ، أو غير صريح نحو : (هيهات)
__________________
فإنه وإن لم يستعمل مصدرا إلا أنه على وزن (قوقاة) مصدر (قوقى) أو عن
المصادر التي كانت في الأصل أصواتا نحو : (صه ومه) أو عن الظروف أو عن الجار والمجرور نحو : (أمامك
زيدا) ، و (عليك زيدا) فليس لشيء منها الدلالة على أحد الأزمنة الثلاثة ، بحسب
الوضع الأول ، وخرج عنه الأفعال المنسلخة عن الزمان نحو : (عسى وكاد) لاقتران معناها به بحسب أصل الوضع ، وخرج عنه
المضارع أيضا ، فإنه على تقدير اشتراكه بين الحال والاستقبال يدل على زمانين معينين من الأزمنة الثلاثة فيدل على
واحد معين أيضا في ضمنهما ؛ إذ لا يقدح في الدلالة على واحد معين الدلالة على ما
سواه ، نعم يقدح في إرادة المعين إرادة ما سواه ، ...
__________________
وأين الدلالة من الإرادة؟ ولما فرغ من بيان حد الاسم أراد أن يذكر
بعض خواصه ليفيد زيادة معرفة به ، فقال : (ومن خواصه) منبها بصيغة جمع الكثرة على كثرتها وب (من) التبعيضيّة
، على أن ما ذكره بعض منها.
وهي : جمع خاصّة
، وخاصّة الشيء ما يختص به ولا يوجد في غيره وهي ، إما شاملة لجميع أفراد ما هي
خاصة له كالكاتب بالقوة للإنسان ، أو غير شاملة كالكاتب بالفعل له ، فمن خواص الاسم (دخول اللام) أي :
لام التعريف ، ولو قال : دخول حرف التعريف لكان شاملا للميم في مثل : قوله عليهالسلام (ليس من امبر أمصيام ، في أمسفر) لكنه لم يتعرض له لعدم شهرته وفي اختياره اللام وحدها
__________________
إشارة إلى أن المختار عنده ما ذهب إليه سيبويه ، من أن أداة التعريف هي : اللام وحدها زينت عليها همزة الوصل لتعذر الابتداء بالساكن. وأما الخليل : فقد ذهب إلى أنها أل ك : (هل) والمبرد :
إلى أنها الهمزة المفتوحة وحدها ، زيدت
اللام للفرق بينهما وبين همزة الاستفهام وإنما اختص دخول حرف التعريف بالاسم ؛
لأنه موضوع لتعيين معنى
مستقل بالمفهومية يدلّ عليه اللفظ مطابقة ، والحرف لا يدلّ على المعنى المستقل
بالمفهوميّة والفعل يدلّ عليه تضمّنا لا مطابقة وهذه الخاصة ليست شاملة لجميع
أفراد الاسم ، فإن حرف التعريف لا
يدخل على الضمائر ، وأسماء الإشارة وغيرها ، كالموصولات
__________________
وكذلك سائر الخواص الخمس المذكورة هاهنا. (و) منها دخول (الجر) ، وإنما اختص دخول الجر بالاسم ؛ لأنه أثّر حرف الجرّ
في المجرور به لفظا وفي المجرور به تقديرا ، كما في الإضافة المعنويّة ، ودخول حرف
الجر لفظا أو تقديرا ، يختص بالاسم ؛ لأنه لا فضاء معنى الفعل إلى الاسم ، فينبغي
أن يدخل الاسم ليفضي معنى الفعل إليه ، وأما الإضافة اللفظية فهي فرع للمعنوية فينبغي أن لا تخالف الأصل ، بأن تختص
بما يخالف ما يختصّ به الأصل ـ أعني : الفعل ـ أو تزيد عليه بأن تعم الاسم والفعل.
(و) منها دخول (التنوين)
بأقسامه إلا تنوين الترنم ، وسيجيء في آخر الكتاب ـ
__________________
إن شاء الله تعالى ـ تعريفه وبيان أقسامه على وجه يظهر جهة اختصاص ما عدا
تنوين الترنم به وجهة عدم اختصاصه تنوين الترنم به. (و) منها (الإسناد إليه) هو
بالرفع عطف على (دخول) لا على مدخوله ؛ لأن المتبادر من الدخول الذكر في الأول أو
اللحوق بالآخر ، وكلاهما منتفيان في الإسناد وكذا في الإضافة. والمراد به كون الشيء المسند إليه ، وإنما اختص هذا المعنى بالاسم ؛ لأن الفعل وضع ؛
لأن يكون أبدا مسندا فقط ، فلو جعل مسندا إليه لزم خلاف وضعه. (و) منها (الإضافة)
أي : كون الشيء مضافا ، بتقدير حرف الجر لا بذكره لفظا. ووجه اختصاصها بالاسم
اختصاص ...
__________________
لوازمها من التعريف والتخصيص والتخفيف به. وإنما فسرنا الإضافة بكون الشيء مضافا ؛ لأن الفعل والجملة قد يقعان مضافا إليه ، كما في قوله تعالى : (يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ
صِدْقُهُمْ) [المائدة : ١١٩] ، وقد يقال هذا بتأويل المصدر، أي: يوم
__________________
نفع الصادقين ، فالإضافة بتقدير حرف الجر مطلقا تختص بالاسم وإنما قيدناها بقولنا : بتقدير حرف الجر ،
لئلا ينتقض بمثل قولنا : مررت بزيد ، فإن (مررت) مضاف إلى (زيد) بواسطة حرف الجر
لفظا.
(وهو) أي :
الاسم قسمان : (معرب ، ومبني) لأنه لا يخلو إما أن يكون مركبا مع غيره أو لا ، والأول
إما أن يشبه مبني الأصل أولا ، وهذا ـ أعني : المركب الذي لم يشبه مبني الأصل ـ وهو
المعرب ، وما عداه ـ أعني : غير المركب والمركب الذي يشبه مبني الأصل ـ مبني. (فالمعرب) الذي هو قسم من الاسم. (المركب) أي : الاسم الذي ركب مع
غيره تركيبا يتحقق معه عامله ، فيدخل فيه (زيد ، وقائم ، وهؤلاء) في قولك : (زيد
قائم) و (قام هؤلاء) بخلاف ما ليس بمركب أصلا من الأسماء المفردة المعدودة نحو : (ألف
، با ، تا ثا ، زيد ، عمرو ، بكر) وبخلاف ما هو مركب مع
__________________
غيره ، لكن لا تركيبا
يتحقق معه عامله ، ك : (غلام) ، في (غلام زيد) فإن جميع ذلك من قبيل المبنيات عند
المصنف.
(الذي لم يشبه)
أي : لم يناسب مناسبة مؤثرة في منع الإعراب (مبني الأصل) أي : المبني
الذي هو الأصل في البناء. فالإضافة بيانية ، وهو الماضي والأمر بغير اللام والحرف.
وبهذا القيد خرج مثل : (هؤلاء) في مثل : (قام هؤلاء) لكونه مشابها لمبني الأصل كما
سيجيء في بابه إن شاء الله تعالى.
اعلم أنّ صاحب الكشاف جعل الأسماء المعدودة العارية عن المشابهة المذكورة معربة. وليس النزاع في المعرب الذي هو اسم مفعول من قولك : (أعربت
الكلمة) فإن ذلك لا يحصل إلا بإجراء الإعراب على آخر الكلمة بعد التركيب ، بل
النزاع في المعرب اصطلاحا ، فاعتبر العلّامة مجرد الصلاحيّة ، لاستحقاق
__________________
الإعراب بعد التركيب ، وهو الظاهر من كلام الإمام عبد القاهر واعتبر المصنف
مع وجود الصلاحيّة حصول الاستحقاق بالفعل ، ولهذا أخذ التركيب في تعريفه ، وأما وجود الإعراب بالفعل في كون الاسم معربا ، فلم يعتبره أحد. ولذلك يقال : لم
تعرب الكلمة وهي معربة.
وإنما عدل
المصنف عما هو مشهور عند الجمهور من أن المعرب : ما اختلف آخره
باختلاف العوامل ؛ لأن الغرض من تدوين علم النحو أن يعرف به أحوال أواخر الكلم في التركيب من لم يتتبع لغة العرب ، ولم يعرف أحكامها بالسماع منهم ، فإن العارف بأحكامها
، كذلك مستغن عن النحو ولا فائدة له معتدا بها في معرفة اصطلاحاتهم.
__________________
فالمقصود من معرفة المعرب مثلا ، أن يعرف أنه مما
يختلف آخره في كلامهم
ليجعل آخره مختلفا فيطابق كلامهم. فمعرفته متقدمة على معرفة أنه مما يختلف آخره ،
فلو كان معرفته المتقدمة حاصلة بمعرفة هذا الاختلاف وتعريفه به ، وجب أن يعرف أولا
بأنه مما يختلف آخره في كلام العرب ، ليعرف أنه مما يختلف آخره فيلزم تقدم الشيء
على نفسه. فينبغي أن يعرّف أولا بغير ما عرّفه به الجمهور ويجعل ما عرّفوه به من
جملة أحكامه كما فعله المصنف. و (حكمه)
أي : من جملة
المعرب ، وآثاره المترتبة عليه
من حيث هو معرب ، (أن يختلف آخره) أي : الحرف الذي هو آخر المعرب ذاتا
، ...
__________________
بأن يتبدل حرف بحرف آخر حقيقة أو حكما ، إذا كان إعرابه بالحروف أو صفة بأن يتبدل صفة بصفة أخرى حقيقة أو حكما ، إذا كان
إعرابه بالحركة. (باختلاف العوامل) أي : بسبب اختلاف العوامل الداخلة عليه في العمل ، بأن يعمل بعض منها خلاف ما
يعمل البعض الآخر ، وإنما خصصنا اختلافها بكونه في العمل ، لئلا ينتقض بمثل قولنا
: (إن زيدا مضروب) وإني ضربت زيدا ، و (إني ضربت زيدا) ، (إني ضارب زيدا) فإن
العامل في (زيد) في هذه الصور مختلف بالاسمية والفعلية والحرفية مع أن آخر المعرب
لم يختلف باختلافه.
(لفظا أو
تقديرا) نصب على التمييز ـ أي : يختلف لفظ آخره ، أو تقديره ـ أو
__________________
على المصدرية ، أي : يختلف اختلاف لفظ أو تقدير. والاختلاف لفظا كما في قولك : (جاءني زيد) و
(رأيت زيدا) و (مررت بزيد) وتقديرا كما في قولك : (جاءني فتى) و (رأيت فتى) و (مررت بفتى)
، فإن أصله فتيّ ، وفتيا وفتي.
قلبت الياء
ألفا ، فصار الإعراب تقديريا ، والاختلاف اللفظي والتقديري أعم من أن يكون حقيقة ،
أو حكما كما أشرنا إليه ، لئلا ينتقض بمثل قولنا : رأيت أحمد ، ومررت بأحمد ، وقولنا :
رأيت مسلمين ومررت بمسلمين ، مثنى أو مجموعا ، فإنه قد اختلف العوامل فيه ، ولا
اختلاف في آخر (أحمد) حقيقة بل حكما ، فإن فتحة أحمد
__________________
بعد الناصب علامة النصب وبعد الجار علامة الجر ، وكذا الحال في التثنية
والجمع ، فآخر المعرب في هذه الصور يختلف باختلاف العوامل حكما لا حقيقة.
فإن قلت : لا يتحقق الاختلاف لا في آخر المعرب ولا في العوامل إذا ركب بعرض الأسماء المعدودة غير المشابهة لمبني
الأصل مع عامله الابتداء ؛ إذ لا يترتب عليه اختلاف الإعراب بل هناك حدوث الإعراب
بدخول العامل. قلت : هذا حكم آخر من أحكام المعرب ، والاختلاف حكم آخر فلو لم
يدخل أحد الحكمين في الآخر ، لا فساد فيه ، فإن للمعرب أحكاما كثيرة لم تذكر هاهنا ، فليكن
هذا الحكم أيضا من هذا القبيل ، غاية الأمر أن هذا الحكم لا يكون من خواصه
الشاملة.
(الإعراب : ما) أي : حركة ...
__________________
أو حرف (اختلف آخره) أي : آخر المعرب من حيث هو معرب ذاتا أو صفة (به) ، أي
: بتلك الحركة أو الحرف ، وحين يراد ب : (ما) الموصولة ، الحركة أو الحرف ، لا يرد
العامل والمقتضى. ولو أبقيت على عمومها خرجا بالسببية المفهومة
من قوله : (به) فإن المتبادر من السبب هو السبب القريب . والعامل ، والمقتضى من الأسباب البعيدة ، وبقيد
الحيثية خرج حركة نحو : (غلامي) لأنه معرب على اختيار المصنف ،
لكن اختلاف هذه الحركة على آخر المعرب ، ليس من حيث إنه معرب بل من حيث إنّه ما
قبل ياء المتكلم وبهذا القدر تم حد الإعراب جمعا ومنعا ، ولكن المصنف أراد أن
ينبّه على فائدة اختلاف وضع الإعراب فضم إليه قوله : (ليدل على المعاني المعتورة
عليه) وكأنه أراد هذا المعنى حيث قال : ليس هذا من تمام الحدّ ، لا
أنه خارج عن الحدّ ، واللام في (ليدل) متعلق بأمر خارج عن الحدّ ، يعني : وضع
الإعراب المفهوم
__________________
من فحوى الكلام ، فإنه بعيد عن الفهم غاية البعد .
فاللام فيه
متعلق بقوله : (اختلف آخره) ، يعني : اختلف آخره (ليدل)الاختلاف أو ما به الاختلاف.
(على المعاني)
، يعني : الفاعليّة والمفعوليّة والإضافة (المعتورة) ، على صيغة اسم الفاعل (عليه)
، أي : على المعرب متعلق بمعتورة على تضمين مثل : معنى الورود والاستيلاء.
يقال : اعتوروا
الشيء وتعاوروه ، إذا تداولوه ، أي : أخذه جماعة ، واحد بعد
__________________
واحد على سبيل المناوبة والبدلية ، لا على سبيل الاجتماع ، فإذا تداولت المعاني
المختلفة، المقتضية للإعراب على المعرب متعاقبة ، متناوبة غير مجتمعة لتضادّها ،
ينبغي أن تكون علاماتها أيضا كذلك ، فوقع بسببها اختلاف في آخر المعرب. فوضع أصل
الإعراب ، للدلالة على تلك المعاني ووضع بحيث يختلف به آخر المعرب لاختلاف تلك
المعاني. وإنما جعل الإعراب في آخر الاسم المعرب ؛ لأن نفس الاسم يدل على المسمى والإعراب يدل
على صفته .
ولا شك أن
الصفة متأخرة عن الموصوف ، فالأنسب أن يكون الدال عليها أيضا متأخرا عن الدال عليه
، وهو مأخوذ من أعربه إذا أوضحه. فإن الإعراب يوضح
__________________
المعاني المقتضية ، أو من (عربت معدته) إذا (فسدت) ، على أن تكون الهمزة
للسلب فيكون معناه حينئذ ، إزالة الفساد ، سمّي به ؛ لأنه يزيل فساد التباس بعض
المعاني ببعض.
(أنواع إعراب الاسم)
(وأنواعه) أي :
أنواع إعراب الاسم ثلاثة : (رفع ، ونصب ، وجر) هذه الأسماء الثلاثة مختصة بالحركات والحروف الإعرابية ولا تطلق على الحركات
البنائية أصلا بخلاف الضمة ، والفتحة ، والكسرة ، فإنها مستعملة في الحركات
البنائية غالبا ، وفي الحركات الإعرابية على قلّة (فالرفع) حركة كان أو حرفا (علم الفاعلية) أي :
__________________
علامة كون الشيء فاعلا حقيقة أو حكما ليشمل الملحقات به والجر حركة كان أو حرفا (علم الإضافة)
أي : علامة كون الشيء مضافا إليه.
وإذا كانت
الإضافة نفسها مصدرا لم يحتج إلى إلحاق الياء المصدرية إليها كما في الفاعلية
والمفعولية.
وإنما اختص الرفع بالفاعل والنصب بالمفعول ؛ لأن الرفع ثقيل ،
والفاعل قليل ؛ لأنه واحد فأعطى الثقيل للقليل ، والنصب خفيف والمفاعيل كثيرة ؛
لأنها خمسة ، فأعطى الخفيف للكثير ، ولما لم يبق للمضاف إليه علامة غير الجر جعل
علامة له.
(والعامل) لفظيا كان أو معنويا (ما به يتقوّم) أي : يحصل (المعنى
المقتضى)
__________________
أي : معنى من المعاني المعتورة على المعرب المقتضية (للإعراب) ففي (جاءني
زيد) جاء : عامل ؛ إذ به حصل معنى الفاعلية في (زيد) فجعل الرفع علامة لها وفي (رأيت
زيدا) ، رأيت : عامل ؛ إذ به حصل معنى المفعولية في (زيد) فجعل النصب علامة لها ،
وفي (مررت بزيد) ، الباء : عامل ؛ إذ به حصل معنى الإضافة في (زيد) ، فجعل الجر
علامة لها.
(فالمفرد المنصرف) أي : الاسم المفرد الذي لم يكن مثنى ولا
مجموعا ولا غير منصرف ك : (زيد ، ورجل) (و) وكذا (الجمع المكسر المنصرف) أي : الاسم الذي لم يكن ...
__________________
بناء الواحد فيه سالما ولم يكن غير منصرف ك : (رجال ، وطلبة) .
فالإعراب في
هذين القسمين من الاسم على الأصل ، من وجهين : أحدهما أن الأصل في الإعراب أن يكون بالحركة والإعراب فيهما بالحركة ، وثانيهما :
أنه إذا كان الإعراب بالحركة فالأصل أن يكون بالحركات الثلاث في الأحوال الثلاث
والإعراب فيهما بالحركات الثلاث في الأحوال الثلاث فالإعراب
فيهما (بالضمة رفعا) أي : حالة الرفع (والفتحة نصبا) أي : حالة النصب
، (والكسرة جرا) أي : حالة الجر ، فنصب قوله (رفعا ونصبا وجرا) على الظرفية بتقدير
مضاف ويحتمل النصب على الحالية أو المصدرية ، فالقسم الأول مثل : (جاءني رجل) و (رأيت
رجلا) و (مررت برجل) والقسم الثاني : مثل : (جاءني طلبة) ، و (رأيت طلبة) و (مررت
بطلبة).
(جمع المؤنث السالم) : وهو ما يكون بالألف والتاء. واحترز به عن المكسر ، فإنه قد علم (بالضمة)
رفعا ، (والكسرة) نصبا وجرا.
__________________
فإن النصب فيه تابع للجر إجراء
للفرع على وتيرة الأصل الذي هو (جمع المذكر السالم): فإن النصب فيه تابع للجر
كما سيجيء ذكره ، مثل : (جاءتني مسلمات) و (رأيت مسلمات) و (مررت بمسلمات) (غير
المنصرف
بالضمة) رفعا ، (والفتحة) نصبا وجرا. فالجر فيه تابع للنصب ، كما سنذكره ، نحو :
جاءني أحمد ، ورأيت أحمد ، ومررت بأحمد.
(أخوك ، وأبوك
، وحموك) ، بكسر الكاف ؛ لأن الحم قريب المرأة من جانب زوجها ، فلا يضاف إلا إليها. (وهنوك) والهن : الشيء المنكر الذي
يستهجن ذكره ،
__________________
كالعورة ، والصفات الذميمة ، والأفعال القبيحة ، وهذه الأسماء الأربعة
منقوصات واوية.(وفوك) وهو أجوف واوي ، لامه هاء ، إذ أصله (فوة) (وذو
مال) وهو (لفيف مقرون بالواوين ، إذ أصله (ذوو) وإنما أضيف (ذو) إلى الاسم
الظاهر دون الكاف ؛ لأنه لا يضاف إلا إلى أسماء الأجناس. فإعراب هذه الأسماء الستة بالواو رفعا ، والألف نصبا والياء
جرا ولكن لا مطلقا بل حال كونها مكبرة إذ مصغراتها معربة
بالحركات نحو : جاءني أخيّك ورأيت أخيّك ، ومررت بأخيّك. وموحدة ، إذ المثنى والمجموع منها معرب بإعراب التثنية ،
والجمع. وإنما لم يصرح بهذين القيدين اكتفاء بالأمثلة.
(مضافة) لأنها إذا كانت مكبرة ، وموحدة ولم تكن مضافة أصلا ،
فإعرابها
__________________
بالحركات نحو : جاءني أخ ، ورأيت أخا ، ومررت بأخ ، فينبغي أن
تكون مضافة ولكن (إلى غير ياء المتكلم) لأنها إذا كانت مضافة إلى ياء المتكلم.
فحالها كسائر
الأسماء المضافة إليها ، ولم يكتف في هذا الشرط بالمثال ، لئلا يتوهم اشتراط إضافتها
بكونها إلى الكاف. وإنما جعل إعراب هذه الأسماء بالحروف ؛ لأنهم لما جعلوا إعراب
المثنى وجمع المذكر السالم بالحروف أرادوا أن يجعلوا إعراب بعض الآحاد أيضا كذلك ،
لئلا يكون بينهما وبين الآحاد وحشه ومنافرة
__________________
تامة. وإنما اختاروا أسماء ستة ؛ لأن إعراب كل من المثنى والمجموع ثلاثة فجعلوا في
مقابلة كل إعراب اسما. وإنما اختاروا هذه الأسماء الستة ، لمشابهتها المثنى
والمجموع في كون معانيها منبئة عن تعدد ولوجود حرف صالح للإعراب في أواخرها ، حين الإعراب سماعا ،
بخلاف سائر الأسماء المحذوفة الأعجاز ك : (يد ، ودم) فإنه لم يسمع فيها من العرب
إعادة الحروف المحذوفة عند الإعراب.
(المثنى) وما
يلحق به : (و) هو (كلا) ، وكذا (كلتا) ولم يذكره لكونه فرع (كلا).
__________________
(مضافا) ، أي :
حال كون (كلا أو كلتا) مضافا (إلى مضمر) .
وإنما قيد بذلك
؛ لأن (كلا) باعتبار لفظة (مفرد) وباعتبار معناه (مثنى) فلفظه يقتضي الإعراب
بالحركات ، ومعناه يقتضي الإعراب بالحروف ، فروعي فيه كلا الاعتبارين فإذا أضيف
إلى المظهر الذي هو الأصل ، روعي فيه جانب لفظه الذي هو الأصل وأعرب بالحركات التي
هي الأصل ، لكي تكون حركاته تقديرية ؛ لأن آخره ألف تسقط بالتقاء الساكنين نحو : (جاءني كلا الرجلين) و (رأيت كلا
الرجلين) و (مررت بكلا الرجلين)، وإذا أضيف إلى المضمر الذي هو الفرع ، روعي جانب معناه الذي هو
الفرع ، وأعرب بالحروف التي هي الفرع ، نحو : (جاءني كلاهما) و (رأيت كليهما) و (مررت
بكليهما) ، فلذلك قيد كون إعرابه بالحروف بكونه مضافا إلى مضمر.
(واثنان) وكذا (اثنتان
وثنتان) فإن هذه الألفاظ وإن كانت مفردة لكن صورتها
__________________
صورة التثنية ، ومعناها معنى التثنية فألحقت بها (بالألف) رفعا ، (والياء)
المفتوح ما قبلها نصبا وجرا كما سيجيء.
(جمع المذكر السالك)
(جمع المذكر
السالم) والمراد به ما سمى به اصطلاحا ، وهو الجمع بالواو والنون ، أو
بالياء والنون فيدخل فيه نحو : (سنين ، وأرضين) مما لم يكن واحده مذكرا يجمع بالواو والنون. (و) ما ألحق به ـ وهو (ألو) ...
__________________
جمع (ذو) لا عن لفظه (عشرون وأخواتها) . أي نظائرها السبع وهي (ثلاثون إلى تسعين) وليس (عشرون) جمع عشرة ولا (ثلاثون) جمع ثلاثة ، وإلّا صحّ إطلاق (عشرين) على (ثلاثين)
؛ ؛ لأنه ثلاثة مقادير العشرة ، وإطلاق ثلاثين على التسعة ؛ لأنه ثلاثة مقادير
الثلاثة وعلى هذا القياس البواقي ، وأيضا هذه الألفاظ تدل على معان معينة ، ولا تعيين في الجمع.
فإعرابها (بالواو) رفعا (والياء) نصبا وجرا. وإنما جعل إعراب المثنى مع ملحقاته والجمع مع ملحقاته بالحروف ؛ لأنهما فرعان للواحد ، وفي
آخرهما حرف يصلح للإعراب وهو علامة التثنية والجمع .
فناسب أن يجعل
ذلك الحرف إعرابهما ليكون إعرابهما فرعا لإعرابه كما أنها فرعان له؛ لأن الإعراب
بالحروف فرع الإعراب بالحركة ، ولما جعل إعرابهما بالحروف ، وكان حروف الإعراب
ثلاثة ، وإعرابها ستة ، ثلاثة للمثنى وثلاثة للمجموع
__________________
فلو جعل إعراب كل واحد منهما بتلك الحروف الثلاثة لوقع الالتباس ولو خص
المثنى بها بقي المجموع بلا إعراب ولو خص المجموع بها بقي المثنى
بلا إعراب فوزعت عليهما بأن جعلوا الألف علامة الرفع في المثنى ؛ لأنه الضمير المرفوع للتثنية في الفعل نحو : (يضربان ، وضربا)
، والواو علامة الرفع في المجموع ؛ لأنه الضمير المرفوع للجمع في الفعل نحو : (يضربون
وضربوا) وجعلوا إعرابهما بالياء حال الجر على الأصل ، وفرقوا بينهما بأن فتحوا ما قبل الياء في التثنية ،
لخفة الفتحة وكسرة التثنية وكسروه في الجمع ، لثقل الكسرة وقلّة الجمع
وحملوا النصب على الجرّ لا على الرفع لمناسبة النصب الجر ، لوقوع كل منهما فضلة في
الكلام.
ولما فرغ من تقسيم الإعراب إلى الحركة والحرف ، وبيان مواضعهما
المختلة شرع في بيان مواضع الإعراب اللفظي والتقديري اللذين أشير إلى تقسيمه
إليهما فيما سبق ، ...
__________________
ولما كان التقديري أقل ، أشار إليه أولا ثم بين أن اللفظي ما
عداه ، فقال : (التقدير) : أي : تقدير الإعراب ـ (فيما) أي : في الاسم المعرب ، الذي (تعذر) الإعراب فيه ، أي : امتنع ظهوره في لفظه وذلك إذا لم يكن الحرف الذي هو محل
الإعراب قابلا للحركة الإعرابية ، كما في الاسم المعرب بالحركة الذي في آخره ألف مقصورة سواء كانت موجودة في اللفظ ك : (العصا) بلام التعريف أو
محذوفة بالتقاء
__________________
الساكنين (ك ـ (عصا) بالتنوين فإن الألف المقصورة في الصورتين غير قابلة
للحركة ، (و) كما في الاسم المعرب بالحركة ، المضاف إلى ياء المتكلم ، نحو : (غلامي)
فإنه لما اشتغل ما قبل ياء المتكلم بالكسرة للمناسبة قبل دخول العامل ،
امتنع أن يدخل عليه حركة أخرى بعد دخوله ، موافقة لها ، أو مخالفة .
فما ذهب إليه
بعض ، من أن إعراب مثل : هذا الاسم في حالة الجر لفظيّ ، غير مرضي ، (مطلقا) ، أي
: في الأحوال الثلاث يعني : كون الإعراب تقديريا هذين النوعين من الاسم المعرب ،
إنما هو في جميع الأحوال غير مختص ببعضها. (أو استثقل) عطف على قوله (تعذر) ، أي : تقدير الإعراب فيما تعذر أو
في الاسم الذي استثقل ظهور الإعراب في لفظه ، وذلك إذا كان محل
الإعراب قابلا للحركة الإعرابية ، ولكن يكون ظهوره في اللفظ ثقيلا على اللسان ، كما في الاسم الذي في آخره ياء
__________________
مكسور ما قبلها ، سواء كانت محذوفة بالتقاء الساكنين ك : (قاض)
أو غير محذوفة ك: (القاضي) (رفعا وجرا) أي : في حالتي (الرفع والجر) لا في حالة (النصب) ،
لاستثقال الضمة والكسرة على الياء دون الفتحة. (ونحو مسلميّ) عطف على قوله ك : (قاض) ، يعني : تقدير الإعراب للاستثقال ، قد يكون في الإعراب
بالحركة ، وقد يكون في الإعراب بالحروف نحو : (مسلميّ) بخلاف تقدير الإعراب للتعذر
، فإنه مختص بالإعراب بالحركة. (رفعا) يعني تقدير الإعراب في نحو : (مسلمي) إنما
هو في حالة الرفع فقط دون النصب والجر ، نحو : (جاءني مسلميّ) ، فإن أصله (مسلموي) بسقوط النون بالإضافة ، فاجتمع الواو والياء ، والسابق
منهما ساكن فانقلبت الواو ياء،
__________________
وأدغمت الياء في الياء كسر ما قبل الياء ، فلم تبق علامة الرفع التي هي الواو في اللفظ ، فصار الإعراب في
حالة الرفع (تقديريا) بخلاف حالتي النصب والجر فإن الإدغام لا يخرج الياء عن حقيقتها ،
فإن الياء المدغمة أيضا ياء ، وقد يكون الإعراب بالحروف تقديريا في الأحوال الثلاث
في مثل : (جاءني أبو القوم) و (رأيت أبا القوم) و (مررت بأبي القوم) ، فإنه لما
سقط حروف الإعراب عن اللفظ بالتقاء الساكنين لم يبق الإعراب (لفظا) بل صار (تقديريا)
. (واللفظي) أي : الإعراب المتلفظ به . (فيما عداه) يعني فيما عدا ما ذكر مما تعذر فيه الإعراب أو استثقل ، ...
__________________
ولم ذكر في تفصيل المعرب المنصرف وغير المنصرف وكان غير المنصرف
على قياس الأعراب التقديري واللفظي عرّف غير المنصرف واكتفى بتعريفه ، فقال :
(الممنوع في الصرف)
(غير المنصرف ما) أي : اسم معرب (فيه علّتان) تؤثّران باجتماعهما واستجماع شرائطهما فيه أثرا سيجيء ذكره. (من)
علل (تسع أو) علّة (واحدة منها) أي : من تلك التسع (تقوم) هذه العلة الواحدة (مقامهما)
أي : مقام هاتين العلتين بأن تؤثر وحدها تأثيرهما. (وهي) أي : العلل التسع مجموع
ما في هذين البيتين ومن الأمور
__________________
التسعة ، لا كل واحد منها حتى يقال لا يصح الحكم على العلل التسع بكل واحد
من هذه الأمور ، وذلك المجموع :
(عدل
ووصف وتأنيث ومعرفة
|
|
وعجمة ثمّ
جمع ثمّ تركيب)
|
والعدول في عطف
هاتين العلتين من الواو إلى (ثم) لمجرد المحافظة على الوزن.
(والنّون زائدة من قبلها ألف
|
|
ووزن فعل
وهذا القول تقريب)
|
فقوله زائدة ،
منصوب على أنه حال ، إذ المعنى : ويمنع النون الصرف حال كونها زائدة ، وقوله : (ألف)
فاعل الظرف ـ أعني : من قبلها ـ أو مبتدأ وخبره الظرف المتقدم عليه. ولا يخفى أنه لا يفهم من هذا التوجيه ...
__________________
زيادة الألف ، مع أنها أيضا زائدة ، ولهذا يعبر عنهما بالألف والنون الزائدتين ، ولو جعل (الألف)
فاعلا لقوله (زائدة) والظرف متعلقا بالزيادة ، وأريد بزيادة الألف قبل النون اشتراكهما في وصف الزيادة ، وتقدم الألف عليها في هذا الوصف ، لفهم
زيادتهما جميعا. وهذا كما إذا قلت : جاءني زيد راكبا من قبله أخوه ، فإنه يدل على
اشتراكهما في وصف الركوب ، وتقدم أخيه عليه في هذا الوصف. وقوله (وهذا
القول تقريب) يعني أن ذكر العلل بصورة النظم تقريب لها إلى الحفظ ؛ لأن حفظ النظم
أسهل ، أو القول بأن كل واحد من الأمور التسعة علة ، قول تقريبي لا
تحقيقي ، إذ العلة في الحقيقة اثنان منها لا واحد ، أو القول بأنها تسع تقريب لها إلى
__________________
الصواب ؛ لأن في عددها خلافا ، فقال بعضهم : إنها تسع ، وقال بعضهم : إنها
اثنتان ، وقال بعضهم : إنها (إحدى عشرة ، ولكن القول بأنها تسع تقريب لها إلى ما هو صواب من
المذاهب الثلاثة ، ثم أنه ذكر أمثلة العلل المذكورة على ترتيب
ذكرها في البيتين فقال : (مثل : عمر) مثال للعدل (وأحمر) مثال للوصف ، (وطلحة)
مثال للتأنيث (وزينب) مثال للمعرفة وفي إيراد (زينب) مثالا للمعرفة بعد (طلحة)
إشارة إلى قسمي التأنيث اللفظي والمعنوي (وإبراهيم) مثال للعجمة (ومساجد) مثال
للجمع (ومعد يكرب) مثال للتركيب (وعمران) مثال للألف والنون (وأحمد) مثال لوزن
الفعل. (وحكمه) أي وحكم غير المنصرف والأثر المترتب عليه من حيث اشتماله على علتين أو علة واحدة منها تقوم مقامهما (أن
لا كسر) ...
__________________
فيه (ولا تنوين) وذلك ؛ لأن لكل علة فرعية ، فإذا وقع في اسم علتان حصل فيه فرعيتان : فيشبه الفعل
من حيث إن له فرعيتين بالنسبة إلى الاسم :
أحداهما :
افتقاره إلى الفاعل.
وأخراهما :
اشتقاقه من المصدر.
فمنع منه
الإعراب المختص بالاسم وهو الجر والتنوين الذي هو علامة التمكن وإنما قلنا :
__________________
إنّ لكلّ علة فرعية ؛ لأن
العدل فرع المعدول عنه والوصف فرع الموصوف والتأنيث فرع التذكير ؛ لأنك تقول :
قائم ، ثم تقول : قائمة ، والتعريف فرع التنكير ؛ لأنك تقول : رجل ، ثم تقول :
الرجل ، والعجمة في كلام العرب فرع العربية إذ الأصل في كل كلام أن لا يخالطه لسان
آخر ، والجمع فرع الواحد والتركيب فرع الإفراد ، والألف والنون الزائدتين فرع ما
زيدتا عليه
، ووزن الفعل فرع وزن الاسم ؛ لأن أصل كل نوع أن لا يكون فيه الوزن المختص بنوع
آخر ، فإذا وجد فيه هذا الوزن كان فرعا لوزنه الأصلي (ويجوز) أي : لا يمتنع
سواء كان ضروريا أو غير ضروري (صرفه) أي : جعله في حكم المنصرف بإدخال الكسر
والتنوين فيه لا جعله منصرفا حقيقة فإن غير المنصرف عند المصنف ما فيه علتان
أو واحدة تقوم مقامهما وبإدخال الكسر
__________________
والتنوين لا يلزم خلو الاسم عنهما وقيل : المراد بالصرف هاهنا معناه
اللغوي لا الاصطلاحي والضمير في (صرفه) راجع إلى (حكمه) (للضرورة) أي : لضرورة وزن الشعر أو رعاية القافية فإنه إذا وقع غير المنصرف
في الشعر فكثيرا ما يقع من منع صرفه انكسار يخرجه عن الوزن ، أو انزحاف يخرجه عن
السلاسة ، أمّا الأول فكقوله :
(صبّت عليّ مصائب لو أنّها
|
|
صبّت على
الأيام صرن لياليا)
|
وأمّا الثاني
فكقوله :
__________________
(أعد ذكر نعمان لنا إنّ ذكره
|
|
هو المسك ما
كررته يتضوّع)
|
فإنه لو فتح
نون (نعمان) من غير تنوين يستقيم الوزن ولكن يقع فيه زحاف يخرجه عن السلاسة كما يحكم به سلامة الطبع
، فإن قلت : الاحتراز عن الزحاف ليس بضروري ، فكيف يشمله قوله : للضرورة. قلنا : الاحتراز
عن بعض الزحافات إذا أمكن الاحتراز عنه ضروري عند الشعراء ، وأما الضرورة الواقعة
لرعاية القافية ، فكما في قوله :
سلام على خير
الأنام وسيّد
|
|
حبيب إله
العالمين محمد
|
بشير نذير هاشميّ
مكرم
|
|
عطوف رؤف من
يسّمى بأحمد
|
فإنه لو قال : (بأحمد)
ـ بفتح الدال لا يخلّ بالوزن ولكنه يخل بالقافية فإن حرف الروي في سائر الأبيات ،
الدال المكسورة (أو للتناسب) أي : ويجوز صرف غير المنصرف، ليحصل التناسب بينه وبين المنصرف ؛ لأن رعاية التناسب بين
__________________
الكلمات أمر مهم عندهم وإن لم يصل إلى حد الضرورة .
(مثل : (سَلاسِلَ وَأَغْلالاً)) حيث صرف (سلاسلا) ليناسب المنصرف الذي يليه ـ أعني (أغلالا)
ـ فقوله : (سلالا وأغلالا) مثال لمجموع غير المنصرف الذي صرف ، والمنصرف الذي صرف
غير المنصرف لتناسبه (وما يقوم مقامهما) أي : العلة الواحدة التي تقوم مقام العلتين من العلل التسع ، علتان
مكررتان قامت كل واحدة منهما مقام علتين لتكررهما ، أحداهما : (الجمع) البالغ إلى
صيغة منتهى
__________________
الجموع ، فإنه قد تكرر فيه الجمعية حقيقة ك : (أكالب) و (أساور) و (أناعيم) أو
حكما كالجموع الموافقة لها في عدد الحروف والحركات والسكنات ك : (مساجد) و (مصابيح).
وثانيهما :
التأنيث لكن لا مطلقا بل بعض أقسامه (و) هو (ألفا التأنيث)المقصورة والممدودة أي : كل واحدة منهما ك : (حبلى) و (حمراء)
لأنهما لازمتان للكلمة وضعا ، لا تفارقانها أصلا قد يقال في (حبلى) : حبل ولا في (حمراء)
: حمر فيجعل لزومهما للكلمة بمنزلة تأنيث آخر ، فصار التأنيث مكررا ، بخلاف التاء
فإنها ليست لازمة للكلمة بحسب أصل الوضع ، فإنها وضعت فارقة بين المذكر والمؤنث ، فلو عرض اللزوم لها بعارض
كالعلمية مثلا ، لم يقوقوّة اللزوم الوضعي (فالعدل) مصدر مبني للمفعول أي : كون الاسم معدولا (خروجه) أي : خروج
الاسم ، أي :
__________________
كونه مخرجا (عن صيغته الأصلية) أي : عن صورته التي يقتضي الأصل والقاعدة أن
يكون ذلك الاسم عليها ، ولا يخفى عليك أن صيغة المصدر ليست صيغة المشتقات ، فبإضافة
الصيغة إلى ضمير الاسم خرجت المشتقات كلها.
وإن المتبادر
من خروجه عن صيغته الأصلية أن تكون المادة باقية ، والتغيير إنما وقع في الصورة
فقط ، فلا ينتقض بما حذف عنه بعض الحروف كالأسماء المحذوفة الإعجاز مثل : (يد ودم) فإن المادة ليست باقية فيهما ، وأن
خروجه عن صيغته الأصلية يستلزم دخوله في صيغة أخرى ـ أي : مغايرة للأولى ـ ولا يبعد أن يعتبر مغايرتها لها في كونها غير داخلة تحت أصل
وقاعدة كما كانت الأولى داخلة تحته ،
__________________
فخرجت عنه المغيرات القياسية. وأمّا المغيّرات الشاذة فلا نسلم أنها مخرجة عن الصيغ الأصلية
فإن الظاهر أن مثل : (أقوس) و (أنيب) من الجموع الشاذة ليست مخرجة عما هو القياس فيهما ـ أعني : (أقواسا)
و (أنيابا) بل إنما جمع (القوس) و (الناب) ابتداء على (أقوس) و (أنيب) على خلاف
القياس من غير أن يعتبر جمعهما أوّلا على (أقواس) و (أنياب) وإخراج (أقوس) و (أنيب)
عنهما .
__________________
وقال بعض
الشارحين : قد جوز بعضهم تعريف الشيء بما هو أعم منه إذا كان المقصود منه تمييزه
عن بعض ما عداه ، فيمكن أني قال : المقصود هاهنا تمييز العدل عن سائر العلل لا عن
كل ما عداه ، فحيث حصل بتعريفه هذا التمييز لا بأس بكونه أعم منه فحينئذ لا
حاجة في تصحيح هذا التعريف إلى ارتكاب تلك المتكلفات.
واعلم أنا نعلم
قطعا أنهم لما وجدوا (ثلاث ومثلث وأخر وجمع وعمر) غير منصرف ولم يجدوا فيها
سببا ظاهرا غير الوصفية أو العلمية احتاجوا إلى اعتبار سبب آخر ، ولما لم يصلح
للاعتبار إلا العدل ، اعتبروه فيها لا أنهم تنبهوا للعدل فيما عدا (عمر) من هذه
الأمثلة ، فجعلوه غير منصرف ، للعدل ، وسبب آخر ، ولكن لا بد في اعتبار العدل من
أمرين : أحدهما : وجود أصل للاسم المعدول. وثانيهما : اعتبار إخراجه عن ذلك
الأصل إذ لا تتحقق الفرعية بدون اعتبار ذلك الإخراج.
__________________
ففي بعض تلك
الأمثلة يوجد دليل غير منع الصرف يدل على وجود الأصل المعدول عنه ، فوجوده محقق
بلا شك ، وفي بعضها لا دليل غير منع الصرف ، فيفرض له أصل ، ليتحقق العدل بإخراجه
عن ذلك الأصل. فانقسام العدل إلى التحقيقي والتقديري إنما هو باعتبار كون ذلك
الأصل محقّقا أو مقدّرا ، وأما اعتبار إخراج
__________________
المعدول عن ذلك الأصل ليتحقق العدل ، فلا دليل عليه إلا منع الصرف. فعلى
هذا قوله (تحقيقا) معناه خروجا كائنا عن أصل محقق يدل عليه دليل غير منع
الصرف (كثلاث ومثلث) والدليل على أصلهما أن في معناهما تكرارا دون لفظهما والأصل
أنه إذا كان المعنى مكررا يكون اللفظ أيضا مكررا ، كما في (جاءني القوم ثلاثة ثلاثة).
فعلم أنّ
أصلهما لفظ مكرر وهو (ثلاثة ثلاثة) وكذا الحال في (أحاد) و (موحد) و (ثناء) و (مثنى)
إلى (رباع) و (مربع) بلا خلاف ، وفيما وراءها إلى (عشار ومعشر) خلاف ، والصواب
مجيئها والسبب في منع صرف (ثلاث ومثلث) ،
__________________
وأخواتهما العدل والوصف ؛ لأن الوصفية العرضية التي كانت في (ثلاثة ثلاثة).
صارت أصلية في (ثلاث
ومثلث) لاعتبارها في ما وضعا له . (وآخر) جمع أخرى مؤنث آخر ، وآخر اسم التفضيل ؛ لأن
معناه في الأصل : أشدّ تأخّرا ، ثم نقل إلى معنى (غير) وقياس اسم التفضيل أن يستعمل باللام أو بالإضافة أو كلمة (من)
__________________
وحيث لم يستعمل بواحد منها علم أنه معدول عن أحدها.
فقال بعضهم :
إنه معدول عما فيه اللام أي : عن الآخر. وقال بعضهم : هو معدول عما ذكر معه (من) أي : عن آخر من ، وإنما لم يذهبا إلى تقدير الإضافة ؛ لأنها توجب
التنوين أو البناء أو إضافة أخرى مثلها نحو : (حينئذ) و (قبل) و:
يا تيم تيم عديّ ...
وليس في (أخرّ)
شيء من ذلك فتعين أن يكون معدولا عن أحد الآخرين (وجمع) جمع (جمعاء) مؤنث (أجمع)
وكذلك (كتع وتبع وبصع) وقياس (فعلاء أفعل) إن كانت صفة أن تجمع على (فعل) ك : (حمراء) على (حمر)
وإن كانت اسما أن تجمع
__________________
على (فعالى) أو (فعلاوات) ك : (صحراء) على (صحاري) أو (صحراوات) فأصلها
إمّا (جمع) أو (جماعى وجمعاوات) فإذا اعتبر إخراجها عن واحدة منها تحقق العدل ،
فأحد السببين فيها العدل التحقيقي والآخر الصفة الأصلية وإن صارت بالغلبة في باب
التأكيد اسما ، وفي (أجمع) وأخواته أحد السببين ، وزن الفعل
والآخر الصفة الأصلية وعلى ما ذكرناه لا يرد الجموع الشاذة ك : (أنيب ، وأقوس) فإنه لم يعتبر
إخراجهما عما هو القياس فيهما ك : (أنياب وأقواس) كيف ولو اعتبر جمعهما أولا على (أنياب وأقواس) فلا شذوذ في
هذه الجمعية ولا قاعدة للاسم المخرج ، ليلزم من مخالفتها الشذوذ فمن ...
__________________
أين يحكم فيهما بالشذوذ؟ ومن هذا تبين الفرق بين الشاذ والمعدول (أو تقديرا) أي : خروجا كائنا عن
أصل مقدر مفروض يكون الداعي إلى تقديره وفرضه منع الصرف لا غير (كعمر) ، (و) كذلك (زفر) فإنهما لما وجدا غير
منصرفين ولم يوجد فيهما سبب ظاهر إلا العلمية اعتبر فيهما العدل ، لما
توقف اعتبار العدل على وجود الأصل ولم يكن فيهما دليل على وجوده غير منع الصرف قدر
فيهما أن أصلهما (عامر وزافر)
__________________
عدل عنهما إلى (عمر وزفر) (و) مثل : (باب قطام) المعدولة عن (فاطمة) وأراد ببابها كل ما هو على وزن (فعال)
علما للأعيان المؤنثة من غير ذوات الراء (في) لغة (بني تميم) فإنهم اعتبروا العدل
في هذه الباب حملا له على ذوات الراء في الأعلام المؤنثة مثل : (حضار وطمار ووبار) فإنها مبنية وليس فيها إلا سببان العلمية
والتأنيث ، والسببان لا يوجبان البناء فاعتبر فيها العدل لتحصيل سبب البناء ، فلما
اعتبر فيها العدل لتحصيل سبب البناء اعتبر فيما عداها مما جعلوه معربا غير منصرف
أيضا ، حملا على نظائره مع عدم الاحتياج إليه لتحقق السببين لمنع الصرف والعلمية
والتأنيث ، فاعتبار العدل فيه إنما هو للحمل على نظائره لا لتحصيل سبب منع الصرف
ولهذا يقال : (ذكر باب قطام) هاهنا ليس في محله ؛ لأن الكلام فيما قدر فيه العدل
لتحصيل سبب منع الصرف وإنما قال : (في بني تميم) لأن الحجازيين يبنونه) مطلقا فلا يكون مما
__________________
نحن فيه والمراد من (بني تميم) أكثرهم ، فإن الأقلين منهم لم يجعلوا ذوات
الراء مبنية بل جعلوها غير منصرف ، فلا حاجة إلى اعتبار العدل فيها ، لتحصيل سبب
البناء ، وحمل ما عداها عليها (الوصف) وهو كون الاسم دالا على ذات مبهمة مأخوذة مع بعض صفاتها سواء
كانت هذه الدلالة بحسب الوضع مثل : (أحمر) فإنه موضوع لذات ما أخذت مع بعض صفاتها
التي هي الحمرة أو بحسب الاستعمال مثل :
__________________
(أربع) في (مررت بنسوة أربع) فإنه موضوع لمرتبة معينة من مراتب العدد ، فلا
وصفية فيه بحسب الوضع ، بل قد تعرض له الوصفية كما في المثال المذكور فإنه لما أجرى فيه على (النسوة) التي هي من
قبيل المعدودات لا الإعداد علم أن معناه : مررت بنسوة موصوفة بالأربعيّة وهذا معنى وصفي عرض له
في الاستعمال لا أصلي بحسب الوضع والمعتبر في سببية منع الصرف هو الوصف الأصلي
لأصالته لا العرضي لعرضيته ، فلذلك قال المصنف : (شرطه) أي : شرط الوصف في سببية
منع الصرف (أن يكون وصفا في الأصل) الذي هو الوضع بأن يكون وضعه على الوصفية لا أن تعرض
__________________
له الوصفية بعد الوضع في الاستعمال سواء بقي على الوصيفة الأصلية أو زالت
عنه (فلا تضرّه) ، بأن تخرجه عن سببية منع الصرف (الغلبة) أي : غلبة الاسمية على الوصفية.
ومعنى الغلبة : اختصاصه ببعض أفراده بحيث لا يحتاج في الدلالة
عليه إلى قرينة كما أن (أسود) كان موضوعا لكل ما فيه سواد ثم كثر استعماله في
الحيّة السوداء بحيث لا يحتاج في الفهم عنه إلى قرينة (فلذلك) المذكور ، من اشتراط أصالة الوصفية وعدم مضرة الغلبة (صرف) لعدم
أصالة الوصفية (أربع في) قولهم : (مررت بنسوة أربع وامتنع) من الصرف لعدم مضرة
الغلبة (أسود وأرقم) حيث صار اسمين (للحيّة) الأول : للحية السوداء ، والثاني : للحية التي فيها سواد وبياض (وأدهم)
__________________
حيث صار اسما (للقيد) من الحديد ، لما فيه من الدهمة ، أعني : السواد ، فإن هذه الأسماء وإن خرجت عن الوصفية لغلبة الاسمية
لكنها بحسب أصل الوضع أوصاف لم يهجر استعمالها في معانيها الأصلية أيضا بالكلية فالمانع من الصرف في هذه الأسماء : الصفة الأصلية ووزن
الفعل.
وأما عند استعمالها
في معانيها الأصلية فلا إشكال في منع صرفها لوزن الفعل والوصف في الأصل والحال. (وضعف
منع أفعى) اسما (للحيّة) على زعم وصفيته
__________________
لتوهم اشتقاقه من الفعوة التي هي الخبث (و) كذلك منع (أجدل للصقر) على زعم
وصفيته لتوهم اشتقاقه من الجدل بمعنى القوّة (وأخيل للطائر) أي : لطائر ذي خيلان على زعم وصفيته لتوهم اشتقاقه من
الخال ، ووجه ضعف منع الصرف في هذه الأسماء عدم الجزم بكونها أوصافا أصلية فإنها
لم يقصد بها المعاني الوصفية مطلقا لا في الأصل ولا في الحال مع أن الأصل في الاسم الصرف .
(التأنيث) ...
__________________
اللفظي الحاصل (بالتاء) لا بالألف ، فإنه لا شرط له ، (شرطه) في سببية منع الصرف (العلمية) أي : علمية الاسم المؤنث ، ليصير التأنيث لازما ؛ لأن الأعلام
محفوظة عن التصرف بقدر الإمكان ولأن العلمية لها وضع ثان ، وكل حرف وضعت الكلمة عليه لا ينفك عن الكلمة (و)
التأنيث (المعنوي كذلك) أي : كالتأنيث اللفظي بالتاء في اشتراط العلمية فيه ، إلا أن بينهما
فرقا فإنها في التأنيث اللفظي بالتاء شرط لوجوب منع الصرف وفي المعنوي شرط لجوازه .
ولا بد في
وجوبه من شرط آخر كما أشار إليه بقوله : (وشرط تحتم تأثيره) أي : شرط وجوب تأثير التأنيث المعنوي منع
الصرف أحد أمور ثلاثة : (الزيادة على الثلاثة) أي: زيادة حروف الكلمة على الثلاثة
مثل : زينب ، (أو تحرك) الحرف (الأوسط) من
__________________
حروفها الثلاثة مثل : سقر (أو العجمة) مثل : ماه وجور.
وإنما اشترط في
وجوب تأثير التأنيث المعنوي أحد الأمور الثلاثة ليخرج الكلمة بثقل أحد الأمور الثلاثة عن الخفة التي من شأنها أن تعارض ثقل أحد السببين فتزاحم تأثيره
وثقل الأولين ظاهر وكذا العجمة ؛ لأن لسان العجم ثقيل على العرب (فهند
يجوز صرفه) نظر على انتفاء شرط تحتمّ تأثير التأنيث المعنوي أعني :
أحد الأمور
الثلاثة ، ويجوز عدم صرفه نظرا إلى وجود سببين فيه ، (وزينب) علما للمرأة (وسقر)
علما لطبقة من طبقات النار (وماه وجور) علمين لبلدتين (ممتنع)
__________________
صرفها ، أمّا (زينب)
فللعلميّة والتأنيث المعنوي مع شرط تحتّم تأثيره ، وهو الزيادة على الثلاثة ،
وأمّا (سقر) فللعلمية والتأنيث المعنوي مع شرط تحتّم تأثيره ، وهو تحرك الأوسط.
وأمّا (ماه) و
(جور) فللعلمية والتأنيث المعنوي مع شرط تحتمّ تأثيره ، وهو العجمة.
(فإن سمّى به)
أي : بالمؤنث المعنوي (مذكر فشرطه) في سببية منع الصرف (الزيادة على الثلاثة) لأن الحرف الرابع في حكم تاء التأنيث ، قائم مقامها (فقدم) وهو
مؤنث معنوي سماعي باعتبار معناه الجنسي إذا سمي به رجل (منصرف) لأن
__________________
التأنيث المعنوي الأصلي زال بالعلمية للمذكر من غير أن يقوم شيء مقامه
والعلمية وحدها لا تمنع الصرف (وعقرب) وهو مؤنث معنوي سماعي باعتبار معناه الجنسي إذا سمي به رجل (ممتنع) صرفها ؛ لأنه وإن زال التأنيث
بالعلميّة للمذكر فالحرف الرابع قائم مقامه ، بدليل أنه إذا صغّر (قدم) ظهر التاء
المقدر كما يقتضيه قاعدة التصغير ، فيقال : (قديمة) بخلاف (عقرب) فإنه إذا صغر
يقال : (عقيرب) من غير إظهار التاء ؛ لأن الحرف الرابع قائم مقامه. ف : (عقرب) إذا
سمى به رجل امتنع صرفه للعلمية والتأنيث الحكمي.
(المعرفة) أي :
التعريف ؛ لأن سبب منع الصرف هو وصف التعريف لا ذات المعرفة.
__________________
(شرطها) أي :
شرط تأثيرها في منع الصرف (أن تكون علميّة) أي : يكون هذا النوع من جنس التعريف علما على أن تكون (الياء)
مصدريّة أو منسوبة إلى العلم ، بأن تكون حاصلة في ضمنه على أن تكون الياء للنسبة
وإنما جعلت مشروطة بالعلمية ؛ لأن تعريف المضمرات والمبهمات لا يوجد إلا في المبنيات ومنع الصرف
من أحكام المعربات ، والتعريف باللام أو الإضافة يجعل غير المنصرف منصرفا أو في
حكم المنصرف كما سيجيء.
فلا يتصور كونه
سببا لمنع الصرف فلم يبق إلا التعريف العلمي .
وإنما جعل
المعرفة سببا لمنع الصرف والعلمية شرطها ، ولم يجعل العلمية
سببا
__________________
كما جعل البعض ؛ لأن فرعية التعريف للتنكير أظهر من فرعية العلمية له.
(العجمة) وهي كون اللفظ مما وضعه. غير العرب ، ولتأثيرها في منع
الصرف شرطان (شرطها) الأول : (أن تكون علميّة) أي : منسوبة إلى العلم (في) اللغة (العجمية)
بأن تكون متحققة في ضمن العلم في العجم حقيقة ك : (إبراهيم) ،
__________________
وحكما بأن ينقله العرب من لغة العجم إلى العلمية من غير تصرف
فيه قبل النقل ك : (قالون) فإنه كان في العجم اسم جنس سمى به أحد رواه القرّاء لجودة
قراءته قبل أن يتصرف فيه العرب ، فكأنه كان علما في العجمية.
وإنما جعلت
شرطا لئلا يتصرف فيها العرب مثل : تصرفاتهم في كلامهم فتضعف فيه العجمة ، فلا تصلح
سببا لمنع الصرف ، فعلى هذا لو سمى بمثل (لجام) لا يمتنع صرفه لعدم علميّته في
العجمية (و) شرطها الثاني : أحد الأمرين (تحرك) الحرف (الأوسط أو زيادة على
الثلاثة) أي على ثلاثة أحرف ، لئلا تعارض الخفة أحد السببين (فنوح منصرف) هذا
تفريع بالنظر إلى الشرط الثاني. فانصراف (نوح) إنما هو ؛ لانتفاء الشرط الثاني
وهذا اختيار المصنف ؛ لأن العجمة سبب ضعيف ؛ لأنه أمر معنوي فلا يجوز اعتبارها مع سكون الأوسط.
وأما التأنيث المعنوي فإن له علامة مقدرة تظهر في بعض التصرفات فله
نوع قوّة فجاز أن يعتبر مع سكون الأوسط وأن لا يعتبر.
فإن قلت : قد
اعتبرت العجمة في (ماه وجور) مع سكون الأوسط فيما سبق ، فلم لم يعتبر ههنا؟
__________________
قلنا : اعتبارها فيما سبق إنما هو
لتقوية
سببين آخرين لئلا
يقاوم سكون الأوسط أحدهما
ولا يلزم من اعتبارها لتقوية سبب آخر اعتبار سببيّتها بالاستقلال.
(وشتر) وهو اسم حصن بديار بكر (وإبراهيم ممتنع) صرفهما لوجود الشرط الثاني
فيهما فإن في (شتر) تحرك الأوسط وفي إبراهيم الزيادة على الثلاثة ، وإنما خص
التفريع بالشرط الثاني ؛ لأن غرضه التنبيه على ما هو الحق عنده من انصراف نحو : (نوح) ولهذا قدم انصرافه مع أنه
متفرع على انتفاء الشرط الثاني ، والأولى تقديم ما هو متفرع على وجوده كما لا يخفى.
__________________
واعلم أن أسماء الأنبياء عليهمالسلام ممتنعة عن الصرف إلا ستة (محمد ، وصالح ، وشعيب ، وهود)
لكونها عربية و (نوح ولوط) لخفتهما.
وقيل : إنّ
هودا كنوح ؛ لأن سيبويه قرنه معه ، ويؤيدّه ما يقال من أن العرب من ولد إسماعيل ومن كان
قبل ذلك فليس بعربي و (هود) قبل إسماعيل فيما يذكر فكان كنوح.
(الجمع) وهو
سبب قائم مقام السببين (شرطه) أي : شرط قيامه مقام السببين (صيغة منتهى الجموع) وهي الصيغة التي كان أولها مفتوحا وثالثها ألفا وبعد
الألف
__________________
حرفان متحركان أو ثلاثة أحرف أوسطها ساكن وهي التي لا تجمع جمع التكسير مرة أخرى ، ولهذا سميت صيغة منتهى الجموع ؛ لأنها جمعت في بعض الصور مرتين تكسيرا فانتهى تكسرها ، المغيّر للصيغة ، فأما جمع
السلامة فإنه لا يغيّر فيجوز أن يجمع جمع السلامة كما يجمع (أيا
من) جمع (أيمن) على (أيا منين) وصواحب جمع صاحبة على (صواحبات) وإنما اشترطت بذلك
لتكون صيغته مصونة عن قبول التغيير فتؤثر (بغير هاء) ...
__________________
منقلبة عن تاء التأنيث حالة الوقف أو المراد بها تاء التأنيث ، لكن عبّر بالهاء باعتباره ما يؤول
إليه حالة الوقف فلا يرد نحو : (فواره) جمع (فارهة) وإنما اشترط كونها بغير هاء؛ لأنها لو كانت مع هاء كانت
على زنة المفردات ك : (فرازنة) فإنها على زنة كراهية وطواعية بمعنى الكراهة
والطاعة فيدخل في قوة جمعيته فتور ولا حاجة إلى إخراج نحو : (مدائني) فإنه مفرد محض ليس جمعا ، لا
في الحال ولا في المآل وإنما الجمع (مدائن) وهو لفظ آخر بخلاف (فرازنة) فإنها (جمع فرزين أو فرزان)
بكسر الفاء ، فعلم مما سبق أن صيغة منتهى الجموع على قسمين ، أحدهما : ما يكون
بغير هاء ، وثانيهما ما يكون بهاء.
فأمّا ما يكون
بغير هاء فيمتنع صرفه ، لوجود شرط تأثيرها (كمساجد) مثال لما بعد ألفه حرفان
متحركان (ومصابيح) مثال لما بعد ألفه ثلاثة أحرف أوسطها ساكن (وأما فرازنة) وأمثالها مما هي على صيغة منتهى الجموع مع الهاء.
__________________
(فمنصرف)
لفوات شرط تأثير الجمعية وهو كونها بلا هاء (وحضاجر
علما للضّبع) هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره : أن يقال : إنّ حضاجر علم جنس للضبع
يطلق على الواحد ، والكثير كما أن (أسامة) علم جنس للأسد ، فلا جمعية فيه ، وصيغة
...
__________________
منتهى الجموع ليست من أسباب منع الصرف بل هي شرط للجمعية ، فينبغي أن يكون منصرفا
لكنه غير منصرف.
وتقدير الجواب
: أن حضاجر حال كونه علما للضبع (غير منصرف) لا للجمعيّة الحاليّة بل
للجمعيّة الأصلية ؛ (لأنه منقول عن الجمع) فإنه كان في الأصل جمع
(حضجر) بمعنى عظيم البطن ، سمى به الضّبع مبالغة في عظم بطنها ، كأنّ كل فرد منها
جماعة من هذا الجنس ، فالمعتبر في منع صرفه هو الجمعيّة الأصليّة فإن قلت : لا حاجة في منع صرفه إلى اعتبار
الجمعية الأصلية ، فإن فيه العلمية والتأنيث ؛ لأن الضّبع هي أنثى الضبعان .
__________________
قلنا : عمليته
غير مؤثرة وإلا لكان بعد التنكير منصرفا والتأنيث غير مسلّم ؛ لأنه علم الجنس
الضبع ، مذكرا كان أو مؤنثا .
وإنما اكتفى
المصنف في التنبيه على اعتبار الجمعية الأصلية بهذا القول ولم يقل : الجمع شرطه أن
يكون في الأصل كما قال في الوصف ، لئلا يتوهم أن الجمعية كالوصف ، قد تكون أصلية
معتبرة وقد تكون عارضة غير معتبرة وليس الأمر كذلك ؛ إذ لا يتصورالعروض في الجمعية.
(وسراويل) جواب
عن سؤال مقدر تقديره أن يقال : قد تقضيّت عن الإشكال الوارد على قاعدة الجمع
ب : (حضاجر) بجعل الجمع أعمّ من أن يكون في الحال أو في الأصل ، فما تقول في (سراويل)
فإنه اسم جنس يطلق على الواحد والكثير ولا جمعية فيه لا في الحال ولا في الأصل .
__________________
فأجاب عنه : بأنه قد اختلف في صرفه ومنعه منه ، فهو (إذا لم
يصرف وهو الأكثر) في موارد الاستعمال ، فيرد به الإشكال على قاعدة الجمع كما قلت : (فقد قيل) في
التقصّي عنه (أنه) اسم (أعجمي) ليس بجمع لا في الحال ولا في الأصل ، لكنه (حمل) في منع الصرف (على
موازنه) أي : ما يوازنه من الجموع العربية ك : (أناعيم ومصابيح) فإنه في
حكمهما من حيث الوزن ، فهو وإن لم يكن من قبيل الجمع حقيقة لكنه من قبيله حكما ، فالجمعية على هذا التقدير أعمّ من أن
تكون حقيقة أو حكما ، فبناء هذا الجواب على تعميم الجمعية لا على زيادة سبب آخر
على الأسباب التسعة ، وهو الحمل على الموازن (وقيل) هو اسم (عربي) ليس بجمع تحقيقا ؛ لأنه اسم جنس يطلق على
الواحد والكثير ، لكنه (جمع (سروالة تقديرا) وفرضا ، فإنه لمّا
__________________
وجد غير منصرف ومن قاعدتهم أنّ هذا الوزن بدون الجمعية لم يمنع الصرف ـ قدر
حفظا لهذه القاعدة أنه جمع (سروالة) فكأنه سمى كل قطعة من السراويل سروالة ، ثم
جمعت (سروالة) على (سراويل).
(فإذا صرف) أي
: سراويل لعدم تحقق الجمعية تحقيقا. والأصل في الأسماء الصرف (فلا إشكال) بالنقض به على قاعدة الجمع ، ليحتاج إلى التقصي عنه.
(ونحو : (جوار)
أي : كل جمع منقوص على وزن (فواعل) يائيا كان أو واويا ك : (الجواري
والدواعي) (رفعا وجرا) أي : في حالتي الرفع والجر (كقاض) أي :
__________________
حكمه حكم (قاض) بحسب الصورة في حذف الياء عنه وإدخال التنوين عليه تقول: (جاءتني جوار) و (مررت بجوار) كما تقول : (جاءني
قاض) و (مررت بقاض) وأمّا في حالة النصب فالياء متحركة مفتوحة نحو : (رأيت جواري)
فلا إشكال في حالة النصب ؛ لأن الاسم غير منصرف ، للجمعية مع صيغة منتهى الجموع ،
بخلاف حالتي الرفع والجر فإنه قد اختلف فيه .
فذهب بعضهم :
إلى أنّ الاسم منصرف والتنوين فيه تنوين الصرف ؛ لأن الإعلال المتعلق بجوهر الكلمة مقدم على منع الصرف الذي هو من
أحوال الكلمة
__________________
بعد تمامها فأصل (جوار) في قولك : (جاءتني جوار) (جواري) بالضم والتنوين ، بناء على أن
الأصل في الاسم الصرف فبنى الإعلال على ما هو الأصل ثم سقطت الضمة للثقل والياء لالتقاء الساكنين فصار (جوار)
على وزن (سلام وكلام) فلم يبق على صيغة منتهى الجموع فهو بعد الإعلال
أيضا منصرف والتنوين فيه للصرف كما كان قبل الإعلال كذلك.
وذهب بعضهم : إلى أنه بعد الإعلال غير المنصرف ؛ لأن فيه الجمعية مع صيغة منتهى الجموع ؛ لأن المحذوف
بمنزلة المقدر ، ولهذا لا يجري الإعراب على
__________________
الراء ، والتنوين فيه تنوين العوض فإنه لما سقط تنوين الصرف عوض عن الياء المحذوفة
أو عن حركتها هذا التنوين ، وعلى هذا القياس في حالة الجر بلا تفاوت ، وفي لغة بعض العرب : إثبات الياء في حالة الجر كما في حالة
النصب.
تقول : (مررت
بجواريّ) كما تقول : (رأيت جواري) وبناء هذه اللغة على تقديم منع الصرف على
الإعلال فإنه حينئذ تكون الياء مفتوحة في حالة الجر والفتحة
خفيفة فما وقع فيه الإعلال وأما في حالة الرفع فأصل (جوار) (جواري) بالضمة بلا
تنوين حذفت الضمة للثقل وعوض عنها التنوين ، فسقطت الياء لالتقاء الساكنين فصار (جوار)
وعلى هذه اللغة لا إعلال إلا في حالة واحدة ، بخلاف اللغة المشهورة ، فإنه فيه
الإعلال في الحالتين ، كما عرفت.
(التركيب) ...
__________________
وهو صيرورة كلمتين أو أكثر كلمة واحدة من غير حرفية جزء منه فلا يرد نحو : (النجم وبصريّ) علمين (شرطه العلمية) ليأمن
من الزوال فيحصل له قوة فيؤثر بها في منع الصرف (وأن لا يكون بإضافة) لأن الإضافة تخرج المضاف إلى الصرف أو إلى حكمه ، فكيف يؤثر في المضاف إليه ما يضاده؟ أعني : منع الصرف (ولا
__________________
إسناد) لأن الأعلام المشتملة على الإسناد من قبيل المبنيات نحو : (تأبّط شرا) فإنها باقية في حالة العلمية على ما كانت عليه قبل
العلمية ، فإن التسمية بها إنما هي لدلالتها على قصة غريبة ، فلو تطرق إليها
التغيير يمكن أن تفوت تلك الدلالة ، وإذا كانت من قبيل المبنيات فكيف يتصور فيها منع
الصرف الذي هو من أحكام المعربات؟ فإن قلت : كان على المصنف أن يقول : وأن لا يكون الجزء الثاني من المركب
صوتا ولا متضمنا لحرف العطف ليخرج مثل : (سيبويه ونفطويه) ومثل : (خمسة عشر وستة
عشر) علمين. قلنا : كأنه اكتفى بذلك بما ذكره فيما بعد ، إنهما من قبيل المبنيات
وأما الأعلام المشتملة على الإسناد فلم يذكر بناءها أصلا ، فلذلك احتاج إلى
إخراجها (مثل : بعلبك) فإنه علم لبلدة مركب من (بعل) وهو اسم صنم ، و (بك) هو
اسم
__________________
صاحب هذه البلدة ، جعلا اسما واحدا من غير أن يقصد بينهما نسبة إضافيّة أو
إسناديّة ، أو غيرهما.
(الألف والنون)
المعدودتان من أسباب منع الصرف تسميان مزيدتين ؛ لأنهما من الحروف الزوائد ، وتسميان مضارعتين أيضا ، لمضارعتهما لألفي
التأنيث في منعدخول تاء التأنيث عليهما.
وللنحاة خلاف في أن سببيتهما لمنع الصرف : إمّا كونهما مزيدتين
، وفرعيتهما للمزيد عليه وإمّا مشابهتهما لألفي التأنيث ، والراجح هو القول الثاني ، ثم أنهما (إن
__________________
كانا في اسم) يعني به : ما يقابل الصفة فإن الاسم المقابل للفعل والحرف إما أن لا يدل
على ذات ما ، لوحظ معها صفة من الصفات ك : (رجل وفرس) أو يدل ك : (أحمر وضارب
ومضروب) فالأول : يسمى اسما ، والثاني : صفة فالمراد بالاسم المذكور
هاهنا هو هذا المعنى لا الاسم الشامل للاسم والصفة. (فشرطه) أي : شرط الألف والنون
في منعهما من الصرف ، وإفراد الضمير باعتبار أنها سبب واحد ، أو شرط ذلك الاسم في امتناعه
من الصرف (العلميّة) تحقيقا للزوم زيادتهما ، أو ليمتنع التاء فيتحقق شبههما بألفي
التأنيث (كعمران أو) كانا (في صفة فانتفاء فعلانة) أي : إن كان الألف والنون في صفة فشرطه انتفاء (فعلانة)
يعني : امتناع دخول تاء التأنيث
__________________
عليه ، لتبقى مشابهتهما لألفي التأنيث على حالها ولهذا انصرف (عريان) مع
أنه صفة ؛ لأن مؤنثة (عريانة) ، (وقيل) : شرطه وجود (فعلى) لأنه متى كان مؤنثة (فعلى) لا يكون فعلانه فتبقى مشابهتهما لألفي
التأنيث على حالها (ومن ثمه) أي : ومن أجل المخالفة في الشرط (اختلف في رحمن) في أنه منصرف أو غير منصرف فإنه ليس له مؤنث ، لا رحمى ولا رحمانة ؛ لأنه صفة خاصة
لله تعالى لا يطلق على غيره ، لا على مذكر ولا على مؤنث ، فعلى مذهب من شرط انتفاء
(فعلانه) فهو غير منصرف وعلى مذهب من شرط وجود (فعلى) فهو منصرف (دون سكران) فإنه لا خلاف في منع
__________________
صرفه لوجود الشرط على المذهبين فإن مؤنثه (سكرى) لا (سكرانه) (و) دون (ندمان) فإنه لا خلاف في صرفه ؛ لأنتفاء الشرط على المذهبين ؛
لأن مؤنثة (ندمانة) لا (ندمى) هذا إذا كان (ندمان) بمعنى النديم ، وأما إذا كان بمعنى النادم فهو غير منصرف بالاتفاق ؛
لأن مؤنثة (ندمى) لا ندمانه.
(وزن الفعل)
وهو كون الاسم على وزن يعدّ من أوزان الفعل وهذا القدر لا
__________________
يكفي في سببيّة منع الصرف بل ((شرطه) فيها أحد الأمرين : (إمّا أن يختص) في
اللغة العربية (بالفعل) بمعنى أنه لا يوجد في الاسم العربي إلا منقولا من الفعل
(كشمّر) على صيغة الفعل الماضي المعلوم من التشمير ، فإنه نقل من هذه الصيغة ،
وجعل علما للفرس ، وكذلك (بذّر) لماء و (عثّر) لموضع و (خضم) لرجل ، أفعال نقلت
إلى الاسميّة ، وأما نحو : (بقّم) اسما لصبغ معروف ، وهو العندم و (شلّم) علما
لموضع بالشام فهو من الأسماء العجمية المنقولة إلى العربية فلا يقدح في ذلك الاختصاص (و) مثل : (ضرب)على البناء للمفعول إذا جعل علما لشخص ، فإنه أيضا غير
منصرف للعلمية ووزن الفعل وإنما قيدناه بالبناء للمفعول فإنه على البناء للفاعل
غير مختص بالفعل ، ولم يذهب إلى منع صرفه إلا بعض النحاة (أو يكون) غير مختص به ، لكن يكون (في أوّله) أي : في أوّل وزن الفعل أو أول ما كان على وزن الفعل
__________________
(زيادة) أي : زيادة حرف أو حرف زائد من حروف (أتين) (كزيادته) أي : مثل:
__________________
زيادة حرف أو حرف زائد من حروف (أتين) في أول الفعل (غير قابل) أي : حال
كون وزن الفعل أو ما كان على وزن الفعل غير قابل (للتاء) لأنه يخرج الوزن بهذه
التاء ، لاختصاصها بالاسم عن أوزان الفعل ، ولو قال : غير قابل للتاء قياسا بالاعتبار الذي امتنع من الصرف
لأجله لم يرد.
عليه (أربع)
إذا سمى به رجل فإن لحوق التاء للتذكير فلا يكون قياسا ولا (أسود) فإن مجيء التاء
في (أسودة) للحية الأنثى ليس باعتبار الوصف الأصلي الذي لأجله يمتنع من الصرف بل
باعتبار غلبة الاسمية العارضة (ومن ثم) أي : ومن أجل اشتراط عدم قبول التاء (امتنع أحمر) عن
الصرف لوجود الزيادة المذكورة مع عدم قبول التاء (وانصراف يعمل) لقبوله التاء
لمجيء (يعملة) للناقة القوية على العمل والسير.
(وما فيه علمية مؤثرة) أي : كل اسم غير منصرف تكون فيه علمية
مؤثرة في منع صرفه بالسببية المحضة أو مع شرطية سبب آخر واحترز بذلك عما يجامع
ألفي التأنيث أو صيغة منتهي الجموع فإن كل واحد منهما كاف في منع الصرف لا تأثير
فيه للعلمية (إذا نكّر) ...
__________________
بأن يؤول العلم بواحد من الجماعة المسماة به نحو : (هذا زيد) و (رأيت زيدا آخر) فإنه أريد به المسمى
بزيد ، أو يجعل عبارة عن الوصف المشتهر صاحبه به : كقولهم : (لكل فرعون موسى) أي : لكل مبطل محق. (صرف لما تبين) أي : ظهر حين بين أسباب منع الصرف وشرائطها فيما سبق (من أنها) أي :
العلمية (لا تجامع مؤثرة إلا ما) أي : السبب الذي (هي) أي : العلميّة (شرط فيه)
وذلك في التأنيث بالتاء لفظا أو معنى ، والعجمة والتركيب والألف والنون المزيدتين ، فإن كل واحد من هذه الأسباب الأربعة مشروط بالعلميّة (إلّا
العدل ووزن الفعل) استثناء مما بقي من الاستثناء الأول أي : لا تجامع مؤثرة غير ما هي شرط فيه إلا العدل ووزن الفعل ،
__________________
فإن العلمية تجامعهما مؤثرة ، كما في (عمر وأحمد).
وليست شرطا فيهما كما في (ثلاث وأحمر) ، أي : العدل ووزن الفعل (متضادّان)
لأن الأسماء المعدولة بالاستقراء على أوزان مخصوصة ، ليس شيء منها
من أوزان الفعل المعتبرة في منع الصرف (فلا يكون) أي : لا يوجد معها شيء من الأمر الدائر بين مجموع هذين الشيئين وبين أحدهما فقط (إلا
أحدهما) فقط لا مجموعهما.
__________________
(فإذا نكر) غير
المنصرف الذي أحد أسبابه العلمية (بقي بلا سبب) أي : لم يبق فيه سبب من حيث هو سبب
فيما هي شرط فيه من الأسباب الأربعة المذكورة ؛ لأنه قد انتفى أحد السببين الذي هو
العلمية بذاتها ، والسبب الآخر المشروط بالعلمية من حيث وصف سببيته ، فلا يبقى فيه
سبب من حيث هو سبب (أو على سبب واحد) فيما هي ليست بشرط فيه من العدل ووزن الفعل هذا وقد قيل
يرد على قوله : (وهما متضادان) أنّ (اصمت) بكسرتين علما للمفازة من أوزان
الفعل مع وجود العدل فيه فإنه أمر من (صمت يصمت) ، وقياسه أن يجيء بضمتين فلما جاء بكسرتين علم أنه معدول عنه.
__________________
والجواب : أن هذا أمر غير محقق ، لجواز ورود (اصمت) بكسرتين وإن لم يشتهر ، فالأوزان التي تحقق
فيها العدل تحقيقا كان أو تقديرا لم تجامع وزن الفعل ، وأيضا قد عرفت فيما تقدم أن مجرد وجود أصل محقق لا يكفي في اعتبار
العدل التحقيقي بدون اقتضاء منع الصرف إياه ، واعتبار خروج الصيغة عن ذلك الأصل ،
وهاهنا لا يقتضيه لوجود سببين في (اصمت) وراء العدل وهما العلمية
والتأنيث.
ثم إنه أشار
إلى استثناء مثل : (أحمر) علما إذا نكر عن هذه القاعدة على قول سيبويه بقوله : (وخالف
سيبويه الأخفش) الأخفش المشهور هو : أبو الحسن تلميذ سيبويه ،
__________________
ولما كان قول التلميذ أظهر مع موافقته لما ذكره من القاعدة جعله أصلا وأسند
المخالفة إلى الأستاذ وإن كان غير مستحسن ، تنبيها على ذلك. (في) انصراف (نحو :
أحمر ، علما إذا نكّر) والمراد بنحو (أحمر) : ما كان معنى الوصفية فيه قبل
العلمية ظاهرا غير خفي.
فيدخل فيه (سكران)
وأمثاله ، ويخرج عنه (أفعل) التأكيد ، نحو : (أجمع) فإنه منصرف عند التنكير
بالاتفاق لضعف معنى الوصفية فيه قبل العلمية ، لكونه بمعنى (كل) وكذلك (أفعل) التفضيل المجرد عن (من) التفضيلية ، فإنه بعد التنكير منصرف
بالاتفاق لضعف معنى الوصفية فيه حتى صار (أفعل) اسما.
وإن كان معه (من)
فلا ينصرف بلا خلاف ، لظهور معنى الوصفية فيه بسبب (من) التفضيلية (إذا نكر
اعتبارا ...
__________________
للصفة الأصلية بعد التنكير) أي : إنما خالف سيبويه الأخفش ، لأجل اعتباره الوصفية الأصلية بعد
التنكير ، فإنه لما زالت العلميّة بالتنكير ، لم يبق مانع من اعتبار الوصفية ،
فاعتبرها ، وجعله غير منصرف ، للصفة الأصلية وسبب آخر كوزن الفعل والألف والنون المزيدتين.
فإن قلت : كما
أنه لا مانع من اعتبار الوصفية الأصلية لا باعث على اعتبارها أيضا فلم اعتبرها وذهب إلى ما هو خلاف
الأصل فيه؟ أعني : منع الصرف.
قيل : الباعث
على اعتبارها امتناع (أسود وأرقم) مع زوال الوصفية عنهما ،
__________________
حينئذ وفيه بحث ؛ لأن الوصفية لم تزل عنهما بالكلية بل بقي فيهما شائبة من الوصفية ؛ لأن
الأسود اسم للحيّة السوداء والأرقم للحيّة التي فيها سواد وبياض ففيهما شمّة من
الوصفية ، فلا يلزم من اعتبار الوصفية فيهما اعتبارها في (أحمر) بعد التنكير ؛
لأنها قد زالت عنه بالكلية وأمّا (الأخفش) فذهب إلى أنه منصرف ، فإن الوصفية قد زالت عنه والعلمية
بالتنكير والزائل لا يعتبر من غير ضرورة ، فلم يبق فيه إلا سبب واحد وهو وزن الفعل أو الألف
والنون المزيدتان ، وهذا القول أظهر ولما اعتبر سيبويه الوصف الأصلي بعد التنكير وإن كان زائلا لزمه أن يعتبره في حال
__________________
العلمية أيضا فيمتنع نحو : (حاتم) من الصرف للوصف الأصلي والعلمية فأجاب
عنه المصنف بقوله : (ولا يلزمه) أي : سيبويه ، من اعتباره الوصفية الأصلية بعد التنكير
في مثل : (أحمر) علما (باب حاتم) أي : كل كان علم في الأصل وصفا مع بقاء العلميّة ، بأن اعتبر فيه أيضا الوصفية الأصلية
، وحكم بمنع صرفه للعلمية والوصفية الأصلية (لما يلزم) في (باب حاتم) على تقدير منعه من الصرف (من اعتبار
المتضادين) يعني : الوصفية والعلميّة فإن العلم للخصوص والوصف
للعموم (في حكم واحد) وهو منع صرف لفظ واحد بخلاف ما إذا اعتبرت الوصفية الأصلية
مع
__________________
سبب آخر كما في (أسود) و (أرقم) ، فإن قلت : التضاد إنما هو بين الوصفية
المحققة والعلمية لا بين الوصفية الأصلية الزائلة والعلمية ، فلو اعتبرت الوصفية
الأصلية والعلمية في منع صرف مثل : (حاتم) لا يلزم اجتماع المتضادين. قلنا : تقدير
أحد الضدين بعد زواله مع ضد آخر في حكم واحد ، وإن لم يكن من قبيل اجتماع التضادين
لكنه شبيه به ، فاعتبارهما معا غير مستحسن.
(وجميع الباب) أي : باب غير المنصرف (باللام) أي : بدخول لام التعريف عليه (أو الإضافة)
أي : إضافته
إلى غيره (ينجرّ) أي : يصير مجرورا (بالكسر) ، أي : بصورة الكسر لفظا أو تقديرا ، وإنما لم يكتف بقوله : (ينجرّ) لأن الانجرار قد يكون بالفتح ، ولا
__________________
بأن يقول : ينكسر ؛ لأن الكسر يطلق على الحركات البنائية أيضا.
وللنحاة خلاف
في أن هذا الاسم في هذه الحالة منصرف أو غير منصرف ، فمنهم : من ذهب إلى أنه منصرف
مطلقا ؛ لأن عدم انصرافه إنما كان لمشابهته الفعل ، فلما ضعفت هذه المشابهة بدخول ما هو من خواص الاسم أعني : اللام أو الإضافة. قويت جهة الاسمية ، فرجع إلى أصله الذي هو
الصرف فدخله الكسر دون التنوين ؛ لأنه لا يجتمع مع اللام أو الإضافة.
ومنهم : من ذهب
إلى أنه غير منصرف مطلقا ، والممنوع من غير المنصرف
__________________
بالأصالة هو التنوين وسقوط الكسر إنما هو بتبعية التنوين وحيث ضعفت مشابهته للفعل لم تؤثر إلا في سقوط التنوين دون
تابعه الذي هو الكسر ، فعاد الكسر إلى حاله ، وسقوط التنوين ، لامتناعه من الصرف ، ومنهم من ذهب إلى أن العلتين إن
كانتا باقيتين مع اللام أو الإضافة كان الاسم غير منصرف وإن زالتا معا أو زالت
إحداهما كان منصرفا ، وبيان ذلك : إن العلمية تزول باللام أو الإضافة فإن كانت
العلمية شرطا للسبب الآخر زالتا معا ، كما في (إبراهيم) وإن لم تكن شرطا كما في (أحمد)
زالت بإحداهما وإن لم تكن هناك علمية كما في (أحمر) بقيت العلتان على حالهما وهذا
القول أنسب بما عرف به المصنف غير المنصرف.
(المرفوعات)
(المرفوعات) ...
__________________
جمع المرفوع لا المرفوعة ؛ لأن موصوفه (الاسم) وهو مذكر لا يعقل ، ويجمع هذا الجمع مطردا صفة المذكّر الذي
لا يعقل كالصّافنات للذكور من الخيل و (جمال سبحلات) أي: ضخمات وكالأيام الخاليات (هو) أي : المرفوع الدال عليه المرفوعات ؛ لأن التعريف إنما يكون للماهية
لا للأفراد (ما اشتمل) أي : اسم اشتمل (على علم الفاعليّة) أي : علامة كون الاسم فاعلا وهي الضمة والواو والألف.
__________________
والمراد باشتمال الاسم عليها : أن يكون
موصوفا بها لفظا أو تقديرا أو محلا ولا شك
أن الاسم موصوف بالرفع المحلّي ؛ إذ معنى الرفع المحلّي أنه في محل لو كان ثمة
معرب لكان مرفوعا لفظا أو تقديرا ، وكيف يختص
الرفع بما عدا الرفع المحلي؟ وهو يبحث مثلا عن أحوال الفاعل إذا كان مضمرا متصلا
كما سيجيء (فمنه)
أي : من المرفوع أو مما اشتمل
على علم الفاعلية.
الفاعل وإنّما
قدّمه ؛ لأنه أصل المرفوعات عند الجمهور ؛ لأنه جزء الجملة الفعلية التي هي أصل الجمل ، ولأن عامله أقوى من عامل المبتدأ.
__________________
وقيل : أصل
المرفوعات المبتدأ ؛ لأنه باق على ما هو الأصل في المسند إليه وهو التقديم بخلاف
الفاعل ، ولأنه يحكم عليه بكل حكم ، جامد ومشتق ، فكان أقوى بخلاف الفاعل ، فإنه
لا يحكم عليه إلا بالمشتق.
(وهو) أي :
الفاعل (ما) أي : اسم حقيقة أو حكما ، ليدخل فيه مثل : قولهم:(أعجبني أن ضربت زيدا)
(أسند إليه الفعل) بالأصالة لا بالتبعية ، ليخرج عن الحد توابع
الفاعل ، وكذا لمراد في جميع حدود المرفوعات والمنصوبات والمجرورات غير التوابع ،
بقرينة ذكر التوابع بعدها (أو شبهه) أي : ما يشبهه في العمل ، وإنما قال ذلك ، ليتناول فاعل اسم الفاعل
والصفة المشبهة والمصدر واسم الفعل وأفعل التفضيل والظرف (وقدّم) أي : الفعل أو شبهه (عليه) أي : على ذلك الاسم ، واحترز
به عن نحو : (زيد) في (زيد ضرب) ؛ لأنه مما أسند إليه الفعل ؛ لأن الإسناد إلى ضمير شيء
__________________
إسناد إليه في الحقيقة لكنه مؤخر عنه ، والمراد تقديمه عليه وجوبا ، ليخرج عنه المبتدأ المقدم عليه
خبره نحو : (كريم من يكرمك) فإن قلت : قد يجب تقديمه إذا كان المبتدأ نكرة ، والخبر ظرفا
نحو : (في الدار رجل).
قلت : المراد وجوب تقديم نوعه وليس نوع الخبر مما يجب
تقديمه بخلاف نوع ما أسند إلى الفاعل (على جهة قيامه به) ...
__________________
أي : إسنادا واقعا على طريقيه قيام الفعل أو شبهه به ـ أي :
بالفاعل.
وطريقة قيامه
به أن يكون على صيغة المعلوم أو على ما في حكمها كاسم الفاعل والصفة المشبهة ، واحترز بهذا القيد عن مفعول ما لم يسمّ فاعله ك : (زيد)
في (ضرب زيد) على صيغة المجهول والاحتياج إلى هذا القيد إنما هو على مذهب من لم
يجعله داخلا في الفاعل كالمصنف ، وأما على مذهب من جعله داخلا فيه كصاحب المفصل فلا حاجة إلى هذا القيد ، بل يجب أن لا يقيد به ، (مثل)
زيد في (قام زيد) فهذا مثال لما أسند إليه الفعل (و) مثل : (أبوه) في (زيد قائم
أبوه) فهذا مثال لما أسند إليه شبه الفعل.
(والأصل) في
الفاعل ، أي : ما ينبغي أن يكون الفاعل عليه ، إن لم يمنع مانع ، (أن يلي فعله) المسند إليه ، ...
__________________
أي : يكون بعده من غير أن يتقدم عليه شيء آخر من معمولاته ؛ لأنه كالجزء من الفعل ، لشدّة احتياج الفعل إليه ، يدل على ذلك إسكان اللام في (ضربت)
؛ لأنه لدفع توالي أربع حركات فيما هو بمنزلة كلمة واحدة.
(فلذلك) الأصل الذي يقتضي تقديم الفاعل على سائر معمولات الفعل (جاز ضرب
غلامه زيد) لتقدم مرجع الضمير ، وهو (زيد) رتبه فلا يلزم الإضمار قبل
__________________
الذكر مطلقا ، بل لفظا فقط ، وذلك جائز (وامتنع ضرب غلامه زيدا) لتأخر مرجع
الضمير وهو (زيد) لفظا ورتبة ، فيلزم الإضمار قبل الذكر ، لفظا ورتبة ، وذلك غير
جائز خلافا للأخفش وابن جني ومستندهما في ذلك مقول الشاعر :
جزى ربّه
عنّي عديّ بن حاتم
|
|
جزاء الكلاب
العاويات وقد فعل
|
وأجيب عنه بأن
هذا لضرورة الشعر ، والمراد عدم جوازه في سعة الكلام وبأنه لا نسلم أن الضمير يرجع
إلى (عدي) بل إلى المصدر الذي يدل عليه الفعل ، أي : جزى رب الجزاء (وإذا انتفى الإعراب) الدال على
فاعلية الفاعل ومفعولية المفعول بالوضع (لفظا فيهما) أي : في الفاعل المتقدم ذكره صريحا ، وفي ضمن الأمثلة
والمفعول
__________________
المتقدم ذكره في ضمن الأمثلة ، (والقرينة) أي : الأمر الدال عليهما لا
بالوضع ؛ إذ لا يعهد أن يطلق على ما وضع بإزاء شيء أنه قرينة عليه فلا يرد أن ذكر
الإعراب مستغنى عنه إذ القرينة شاملة له ، وهي إما لفظية نحو : (ضربت موسى حبلى)
أو معنوية نحو : (أكل الكمثرى يحيى) (أو كان) الفاعل (مضمرا متصلا) بالفعل بارزا ك : (ضربت زيدا) أو مستكنا ك : (زيد
ضرب غلامه) بشرط أن يكون المفعول متأخرا عن الفعل ، لئلا ينتقض بمثل (زيدا ضربت) (أو
وقع مفعوله) أي : مفعول الفاعل بعد (إلّا) بشرط توسطها بينهما في
صورتيّ التقديم والتأخير ، نحو : (ما ضرب زيد إلا عمرا) (أو بعد معناها) نحو : (إنّما
ضرب زيد عمرا) (وجب تقديمه) أي : تقديم الفاعل على المفعول به في جميع هذه الصور ، أما في صورة انتفاء الإعراب والقرينة فيهما
فللتحرز عن الالتباس ، ...
__________________
وأمّا في صورة كون الفاعل ضميرا متصلا فلمنافاة الاتصال والانفصال .
وأما في صورة
وقوع المفعول بعد (إلا) لكن بشرط توسطها بينهما في صورتي التقديم والتأخير ـ فلئلا
ينقلب الحصر المطلوب ، فإن المفهوم من قوله : (ما ضرب زيد إلا عمرا) انحصار ضاربية (زيد) في (عمرو) مع جواز أن
يكون عمرو مضروبا
__________________
لشخص آخر والمفهوم من قوله : (ما ضرب عمرا إلا زيد) انحصار مضروبية (عمرو)
في (زيد) مع جواز أن يكون زيد ضاربا لشخص آخر ، فلو انقلب أحدهما بالآخر انقلب معنى الحصر المطلوب ، وإنما قلنا : بشرط توسطها بينهما في صورتي التقديم والتأخير ؛ لأنه لو قدم
المفعول على الفاعل مع (إلّا) فيقال : (ما ضرب إلا عمرا زيد) فالظاهر أن معناه
انحصار ضاربية زيد في عمرو إذ الحصر إنما هو فيما يلي (إلا) فلا ينقلب الحصر
المطلوب ، فلا يجب تقديم الفاعل لكن لم يستحسنه بعضهم ؛ لأنه من قبيل قصر الصفة على شيء قبل تمامها. وإنما قلنا : الظاهر أن معناه كذا
، لاحتمال أن يكون معناه (ما ضرب أحدا أحد إلا عمرا زيد) فيفيد انحصار صفة كلّ منهما في
__________________
الآخر وهو أيضا خلاف المقصود .
وأما وجوب
تقديمه عليه في صورة وقوع المفعول بعد معنى (إلّا) لأن الحصر هاهنا في الجزء
الأخير ، فلو أخر الفاعل انقلب المعنى قطعا (وإذا اتصل به) أي : بالفاعل (ضمير مفعول) نحو : (ضرب زيدا غلامه) (أو وقع)
أي : الفاعل بعد (إلّا) المتوسطة بينهما في صورتي التقديم والتأخير نحو : (ما
ضرب عمرا إلا زيد) وفائدة هذا القيد مثل : ما عرفت آنفا (أو) وقع الفاعل بعد (معناها) أي : معنى (إلا) نحو: (إنما ضرب عمرا زيد) (أو اتصل) به
(مفعوله) بأن يكون المفعول ضميرا متصلا
__________________
بالفعل (وهو) أي : الفاعل (غير) ضمير (متصل به) نحو : (ضربك زيد) (وجب
تأخيره) أي : تأخير الفاعل عن المفعول في جميع هذه الصور.
أما في صورة
اتصال ضمير المفعول به فلئلا يلزم الإضمار قبل الذكر لفظا ورتبة ، وأما في صورة وقوعه بعد
(إلا) أو معناها ، فلئلا ينقلب الحصر المطلوب ، وأما في صورة كون المفعول ضميرا متصلا والفاعل غير
متصل فلمنافاة الاتصال الانفصال ـ بتوسط الفاعل الغير المتصل بينه وبين الفعل
بخلاف ما إذا كان الفاعل أيضا ضميرا متصلا ، فإنه يجب حينئذ
تقديم الفاعل نحو : (ضربتك).
(وقد يحذف
الفعل) ...
__________________
الرافع للفاعل (لقيام قرينة) دالة على تعيين المحذوف (جوازا) أي : حذفا جائزا (في مثل) قولك : (زيد) أي : فيما كان جوابا لسؤال
محقق (لمن قال : من قام؟) سائلا عمن يقوم به القيام فيجوز أن تقول : (زيد) بحذف (قام)
أي : (قام زيد) ويجوز أن تقول : (قام زيد) بذكره ، وإنما قدر الفعل دون الخبر ؛ لأن تقدير الخبر يوجب حذف الجملة ،
وتقدير الفعل يوجب حذف أحد جزئيها والتقليل في الحذف أوّلي.
__________________
(و) كذا يحذف الفعل جوازا فيما كان
جوابا لسؤال مقدر ، نحو : قول الشاعر ، في مرثية يزيد بن نهشل.
(ليبك) ...
على البناء
للمفعول (يزيد) مرفوع على انه مفعول ما لم يسم فاعله (ضارع) أي : عاجز ذليل ، وهو
فاعل الفعل المحذوف ، أي : (يبكيه ضارع) بقرينة السؤال المقدر وهو (من يبكيه) ، وأمّا على رواية (ليبك
يزيد) على البناء للفاعل ونصب (يزيد) ، فليس مما نحن فيه (لخصومة) متعلق بضارع أي
يبكيه من يذلّ ويعجز عن مقاومة الخصماء؛ لأنه كان ظهيرا للعجزة ، والاذلاء وآخر
البيت :
(ومختبط مما
تطيح الطوائح)
المختبط :
السائل من غير وسيلة ، والإطاحة : الإهلاك ، والطوائح : جمع
__________________
مطيحة على غير القياس ك : (لواقح) جمع (ملقحة) و (مما) يتعلق بمختبط و (ما)
مصدرية ، يعني : ويبكيه أيضا من يسال بغير وسيلة من أجل إهلاك المهلكات ماله ، وما
يتوسل به إلى تحصيل المال ؛ لأنه كان معطي السائلين بغير وسيلة. (و) قد يحذف الفعل الرافع للفاعل لقرينة دالة على تعيينه (وجوبا) أي :
حذفا واجبا (في مثل) قوله تعالى : (إِنْ أَحَدٌ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) [التوبة : ٦] أي : في كل موضع حذف الفعل ، ثم فسر لرفع الإبهام الناشئ من الحذف ، فإنه لو ذكر المفسّر لم يبق
المفسّر مفسّرا ، بل صار حشوا بخلاف المفسّر الذي فيه إبهام بدون حذفه فإنه يجوز
الجمع بينه وبين مفسّره كقولك : (جاءني رجل ، أي : زيد) فتقدير الآية وإن
__________________
استجارك أحد من المشركين استجارك. ف : (أحد) فيها فاعل فعل محذوف وجوبا، وهو (استجارك) الأول
المفسّر باستجارك الثاني. وإنما وجب حذفه ؛ لأن مفسّره قائم مقامه مغن عنه ، ولا
يجوز أن يكون (أحد) مرفوعا بالابتداء ، لامتناع دخول حرف الشرط على الاسم ، بل
لا بد له من الفعل. (وقد يحذفان) أي : الفعل والفاعل (معا)دون الفاعل وحده (في مثل : نعم) جوابا (لمن قال : أقام زيد؟) أي :
نعم قام زيد ، فحذفت الجملة الفعلية ، وذكر (نعم) في مقامها.
وهذا الحذف
جائز بقرينة السؤال ، لا واجب ، لعدم قيام ما يؤدي مؤداه في مقامه كالمفسر ، فيلزم
في الكلام استدراك.
وإنما قدرا
لجملة الفعلية الاسمية بأن يقال : نعم زيد قام ، ليكون الجواب مطابقا للسؤال في
كونه جملة فعلية.
__________________
(وإذا
تنازع الفعلان) بل
العاملان
؛ إذ التنازع يجري في غير الفعل أيضا ، نحو : زيد معط ومكرم عمرا ، وبكر كريم وشريف
أبوه ، واقتصر على الفعل لأصالته في العمل
وإنما قال : (الفعلان مع أن التنازع قد يقع في أكثر من فعلين اقتصارا على أقل
مراتب التنازع ، وهو الاثنان (ظاهرا) أي
: اسما ظاهرا واقعا
(بعدهما) أي : بعد الفعلين ؛ إذ المتقدم عليهما والمتوسط
بينهما معمول للفعل الأول ، إذ هو يستحقه
قبل الثاني ، فلا يكون فيه مجال تنازع ومعنى تنازعهما
فيه : أنهما بحسب المعنى
__________________
يتوجهان إليه ، ويصح أن يكون هو مع وقوعه في ذلك الموضع معمولا لكل واحد
منهما على البدل فحينئذ لا يتصور تنازعهما في الضمير المتصل ؛ لأن المتصل
الواقع بعدهما يكون متصلا بالفعل الثاني ، وهو مع كونه متصلا بالفعل الثاني لا
يجوز أن يكون معمولا للأول كما لا يخفى .
وأما الضمير
المنفصل الواقع بعدهما ، نحو : ما ضرب وأكرم إلا أنا ، ففيه تنازع لكن لا يمكن
قطعه بما هو طريق القطع عندهم ، وهو اضمار الفاعل في الأول عند البصريين،وفي الثاني عند الكوفيين ؛ لأنه لا يمكن إضماره مع (إلّا)
لأنه حرف لا يصح اضماره ولا بدونه لفساده المعنى ؛ لأنه يفيد ، نفي الفعل عن
الفاعل ، والمقصود إثباته له.
ومراد المصنف ...
__________________
بالتنازع هاهنا : ما يكون طريق قطعة إضمار الفاعل ، فلهذا خصه بالاسم الظاهر ، وأما التنازع الواقع في الضمير المنفصل فعلى مذهب الكسائي : يقطع بالحذف ، وعلى مذهب الفراء : يعملان معا ، وأما على مذهب غيرهما فلا يمكن قطعه ؛ لأن طريق القطع عندهم الإضمار وهو ممتنع ، لما
عرفت ، (فقد يكون) أي : تنازع الفعلين (في الفاعلية) بأن يقتضى كل منهما أن يكون الاسم الظاهر فاعلا له ،
فيكونان متفقين في اقتضاء الفاعلية (مثل : ضربني وأكرمني زيد).
__________________
وقد يكون تنازعهما (في المفعولية) بأن
يقتضي كل منهما أن يكون الاسم الظاهر مفعولا له فيكونان متفقين في اقتضاء
المفعولية (مثل : ضربت وأكرمت
زيدا) ، (و) قد يكون
تنازعهما (في الفاعلية والمفعولية) وذلك
يكون على وجهين
:
أحدهما : أن
يقتضي كل منهما فاعلية اسم ظاهر ومفعولية اسم ظاهر آخر ، فيكونان متفقين في ذلك
الاقتضاء مثل : ضرب وأهان زيد عمرا ، وليس هذا قسما ثالثا من التنازع ، بل هو اجتماع القسمين الأولين.
وثانيهما : أن
يقتضي أحد الفعلين فاعلية اسم ظاهر ، والآخر مفعولية ذلك الاسم الظاهر بعينه ، ولا
شك في اختلاف اقتضاء الفعلين في هذه الصورة ، وهذا هو القسم الثالث المقابل
للأولين .
__________________
فقوله : (مختلفين)
لتخصيص هذه الصورة بالإرادة ، يعني : قد يكون تنازع الفعلين واقعا في الفاعلية
والمفعولية حال كون الفعلين مختلفين في الاقتضاء وذلك لا يتصور على وجوه كثيرة ، مثل : ضربني وضربت زيدا ، وأكرمني وأكرمت زيدا ،
وأكرمني وضربت زيدا ، وغير ذلك مما يكون الاسم الظاهر مرفوعا.
(فيختار) ...
__________________
النحاة (البصريون إعمال) الفعل (الثاني) أي إعمال الفعل الثاني لقربه مع
تجويز إعمال الأول (و) يختار النحاة (الكوفيون إعمال الأول) أي : إعمال الفعل الأول مع تجويز إعمال
الثاني لسبقه ،
وللاحتراز عن الإضمار قبل
الذكر (فأن أعملت)
الفعل (الثاني) كما هو مذهب البصريين.
وبدأ به ؛ لأنه
المذهب المختار الاكثر استعمالا (أضمرت الفاعل) في الفعل (الأول) إذا اقتضى الفاعل ، لجواز
الإضمار قبل الذكر في العمدة بشرط التفسير ، وللزوم التكرار بالذكر ، وامتناع
الحذف. (على وفق) الاسم (الظاهر) الواقع بعد الفعلين ، أي : على موافقته افرادا
وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا ؛ لأنه مرجع الضمير ، والضمير يجب أن يكون موافقا
للمرجع في هذه الأمور (دون الحذف) لأنه لا يجوز
__________________
حذف الفاعل إلا إذا سد شئ مسده (خلافا للكسائي) فإنه لا يضمر الفاعل في الفعل
الأول بل يحذفه تحرزا عن الإضمار قبل الذكر.
ويظهر أثر
الخلاف في نحو : (ضرباي وأكرمني الزيدان) عند البصريين ، وضربني وأكرمني الزيدان ، عند الكسائي.
(وجاز) أي :
اعمال الفعل الثاني مع اقتضاء الفعل الاول الفاعل (خلافا للفراء) فإنه لا يجوز أعمال الفعل الثاني عند اقتضاء الفعل
الأول الفاعل ؛ لأنه يلزلم على تقديره إعماله : إما الإضمار قبل الذكر كما هو مذهب الجمهور ،
أو حذف الفاعل كما هو مذهب الكسائي ، بل يجب عنده إعمال الفعل الأول ، فإن اقتضى
الثاني الفاعل أضمرته ، وإن اقتضى المفعول حذفته أو أضمرته ، تقول : ضربني
وأكرماني الزيدان ، وضربني واكرمت الزيدان ، أو ضربني وأكرمتهما الزيدان ولا يلزم
حينئذ محذور وهو الإضمار قبل الذكر أو حذف الفاعل.
__________________
وقيل : روى عنه
تشريك الرافعين ، أو إضماره بعد الظاهر كما في صورة تأخير الناصب ، تقول : ضربني وأكرمني زيد هو ،
وضربني وأكرمت زيدا هو.
ورواية المتن
غير مشهورة عنه (وحذفت المفعول) تحرزا عن التكرار لو ذكر ، وعن الإضمار قبل الذكر في الفضلة لو أضمر (أن استغنى عنه وإلا) أي : وإن لم يستغن عنه (أظهرت) أي : المفعول ، نحو :
حسبني منطلقا ، وحسبت زيدا منطلقا؛ لأنه لا يجوز حذف أحد مفعولي باب حسبت ، ولا يجوز إضماره ، لئلا يلزم
__________________
الإضمار قبل الذكر في الفضلة.
(إن أعلمت
الفعل الأول) كما هو مختار الكوفيين (أضمرت الفاعل في) الفعل الثاني لو اقتضاه نحو : ضربني وأكرمني زيد ، إذا
جعلت (زيدا) فاعل (ضربني) وأضمرت في أكرمني ضميرا رجعا إلى زيد ، إذا جعلت (زيدا)
فاعل (ضربني) وأضمرت في أكرمني ضميرا راجعا إلى زيد ، لتقدمه رتبة ، فلا محذور فيه
حينئذ ، لا حذف الفاعل ولا الإضمار قبل الذكر لفظا ورتبة بل لفظا فقط ، وهو جائز
(وأضمرت المفعول في) الفعل (الثاني) لو اقتضاه (على) المذهب (المختار) ولم تحذفه وإن جاز حذفه ، لئلا يتوهم أن مفعول الفعل
الثاني مغاير للمذكور ، ويكون الضمير حينئذ راجعا إلى لفظ متقدم رتبة ، كما تقول :
ضربني وأكرمته زيد (إلا أن يمنع مانع) من الإضمار كما
__________________
هو القول المختار ، ومن الحذف كما هو القول الغير المختار (فتظهر) المفعول فإنه إذا امتنع الإضمار والحذف لا سبيل إلا إلى الاظهار نحو : حسبني
وحسبتهما منطلقين الزيدان منطلقا ، حيث أعمل (حسبني) جعل (الزيدان) فاعلا له و (منطلقا)
مفعولا له ، وأضمر المفعول الأول في حسبتهما وأظهر المفعول الثاني وهو (منطلقين)
لمانع وهو أنه لو أضمر مفردا خالف المفعول الأول ، ولو أضمر مثنى خالف المرجع وهو قوله : منطلقا، ولا يخفى أنه لا يتصور التنازع في هذه الصورة إلا إذا لاحظت المفعول الثاني اسما دالا على اتصاف ذات
ما بالانطلاق من غير ملاحظة تثنيته
__________________
وإفراده ، وإلا فالظاهر أنه لا تنازع بين الفعلين في المفعول الثاني ؛ لأن
الأول يقتضي مفعولا مفردا والثاني مفعولا مثنى ، فلا يتوجهان إلى أمر واحد فلا
تنازع فيه.
ولما استدل
الكوفيين على أولوية أعمال الفعل الأول بقول امرئ القيس :
ولو أنّ ما أسعى لأدنى
معيشة
|
|
كفانى ولم
أطلب قليل من المال
|
حيث قالوا : قد
توجه الفعلان ، أعني : (كفاني ولم اطلب) إلى اسم واحد وهو قليل من المال ، فاقتضى
الأول رفعه بالفاعلية ، والثاني نصبه بالمفعولية ، وامرؤ القيس الذي هو أفصح شعراء العرب أعمل الأول ، فلو لم يكن أعمال الأول أولى لما اختاره ؛ إذ لا قائل
بتساوي الإعمالين ، فأجاب المصنف عن طرف البصريين وقال :
__________________
(قول امرئ القيس (كفاني
ولم أطلب قليل من المال) ليس منه) أي : من باب التنازع (لفساد
المعنى) على تقدير (
: توجه كل من كفاني ولم أطلب إلى (قليل من المال) لاستلزامه عدم السعي
لأدنى معيشة ، وانتفاء كفاية قليل من المال ، وثبوت
__________________
طلبه المنافي لكل منهما ، وذلك (لأن لفظ لو) يجعل مدخوله المثبت شرطا كان
أو جزاء أو معطوفا على أحدهما منفيا والمنفي من ذلك مثبتا ، فعلى هذا ينبغي أن
يكون مفعول (لم أطلب) محذوفا ، أي : لم أطلب العزّ والمجد ، كما يدل عليه البيت المتأخر ، أعني قوله
:
ولكنّما أسعى
لمجد مؤثل
|
|
وقد يدرك
المجد المؤثل أمثالي
|
وحينئذ يستقيم
المعنى ، يعني : أنا لا اسمى لأدنى معيشة ، ولا يكفيني قليل من المال ، ولكني أطلب
المجد الأصيل الثابت وأسمى له.
مفعول ما لم
يسمّ فاعله
أي : مفعول فعل
أو شبه فعل لم يذكر فاعله ، وإنما لم يفصله عن الفاعل ولم يقل: ومنه كما فصل المبتدأ حيث قال :
ومنها المبتدأ والخبر ، لشدة اتصاله بالفاعل حتى سماه بعض النحاة فاعلا.
(كل مفعول حذف فاعله) أي : فاعل ذلك المفعول وإنما أضيف إلى
__________________
المفعول لملابسة كونه فاعلا لفعل متعلق به.
(وأقيم هو) أي : المفعول (مقامة) أي : مقام الفاعل في إسناد الفعل
أو شبهه إليه (وشرطه) أي : شرط مفعول ما لم يسم فاعله في حذف فاعله ، وإقامته مقام
الفاعل ، إذا كان عامله فعلا.
(أن تغيّر صيغة
الفعل إلى فعل) أي : إلى الماضي المجهول (ويفعل) أي : إلى المضارع
المجهول فيتناول مثل : (افتعل واستفعل ، ويفتعل ويستفعل) وغيرها من الأفعال
المجهولة المزيد فيها.
(ولا يقع) موقع
الفاعل (المفعول الثاني من) مفعولي (باب علمت) لأنه مسند إلى المفعول الأول إسنادا
تاما ، فلو أسند الفعل إليه ولا يكون إسناده إلا تاما لزم كونه مسندا ومسندا إليه
معا ، مع كون كل من الإسنادين تامّا ، بخلاف : أعجبني ضرب
__________________
زيد ؛ لأن أحد الأسنادين ـ وهو إسناد المصدر ـ غير تام (ولا) المفعول (الثالث من) مفاعيل (باب (أعلمت) ؛ إذ حكمه حكم
المفعول الثاني من باب (علمت) في كونه مسندا (والمفعول له) بلا لام ؛ لأن النصب فيه مشعر بالعلّية وفلو أسند إليه الفعل فات النصب ، والإشعار بخلاف ما إذا كان مع اللام ، نحو : ضرب للتأديب. (والمفعول
معه كذلك) أي : كل من المفعول له والمفعول معه كذلك أي : كالمفعول الثاني والثالث
من باب (علمت وأعلمت) في أنهما لا يقعان موقع الفاعل.
أمّا المفعول
له فلما عرفت ، وأمّا المفعول معه فلانه لا يجوز إقامته مقام الفاعل
__________________
مع الواو التي أصلها العطف ـ وهي دليل الانفصال ، والفاعل كالجزء من الفعل ـ ولا بدون الواو فإنه لم
يعرف حينئذ كونه مفعولا معه.
(وإذا وجد المفعول به) في كلام مع غيره من المفاعيل التي يجوز
وقوعها موقع الفاعل (تعيّن) أي : المفعول به .
(له) أي :
لوقوعه موقع الفاعل ، لشدة شبهه بالفاعل في توقّف تعقّل الفعل عليهما ، فإن الضرب مثلا كما أنه لا يمكن
تعقله بلا ضارب كذلك لا يمكن تعقله بلا مضروب ، بخلاف سائر المفاعيل ، فإنها ليست
بهذه الصفة.
(تقول : ضرب
زيد) باقامة المفعول به مقام الفاعل.
__________________
(يوم الجمعة)
ظرف زمان.
(أمام الامير)
ظرف مكان.
(ضربا شديدا) مفعول مطلق للنوع باعتبار الصفة وفائدة وصف الضرب بالشدة التنبيه على أن المصدر لا يقوم مقام
الفاعل بلا قيد مخصّص ؛ إذ لا فائدة فيه لدلالة الفعل عليه (في داره) جار ومجرور شبيه بالمفاعيل أقيم مقام الفاعل مثلها ، (فتعيّن
(زيد) وأن لم يكن) أي : وإن لم يوجد في الكلام مفعول به (فالجميع)
أي : جميع ما سوى المفعول به (سواء) في جواز وقوعها موقع الفاعل (و) المفعول
(الأول : من باب أعطيت) أي : الفعل المتعدي إلى المفعولين.
ثانيهما غير
الأول (أولى) بأن يقام مقام الفاعل (من) المفعول (الثاني) لأن فيه
__________________
معنى الفاعلية بالنسبة إلى الثاني ؛ لأنه عاط ، أي : آخذ نحو : أعطي زيد درهما ، مع جواز (أعطي
درهم زيدا) وذلك عند الأمن من اللبس ، وأما عند عدمه فيجب إقامة المفعول
الأول نحو : أعطي زيد عمرا.
(المبتدأ والخبر)
(ومنها المبتدأ والخبر)
وفي بعض النسخ
، (ومنه) يعني : من جملة المرفوعات أو من جملة المرفوع المبتدأ والخبر. جمعهما في
فصل واحد ، للتلازم الواقع بينهما على ما هو الأصل فيهما ، واشتراكهما في العامل المعنوي.
فالمبتدأ (وهو
الاسم) ...
__________________
لفظا وتقديرا ، ليتناول نحو : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ
لَكُمْ) [البقرة : ١٨٤].
(المجرّد عن العوامل اللفظية) أي : الاسم الذي لم يوجد فيه عامل لفظي أصلا، واحترز به عن الاسم الذي فيه عامل لفظي ،
كاسمي (إنّ وكان) وكأنه أراد بالعامل اللفظي : ما يكون مؤثرا في المعنى ، لئلا
يخرج عنه مثل : بحسبك درهم ، (مسندا إليه) واحترز به عن الخبر ، وثاني قسمي المبتدأ الخارج عن هذا القسم ، فإنهما لا
يكونان إلا مسندين.
(أو الصفة) سواء كانت مشتقة كضارب ومضروب وحسن ، أو جارية مجراها
كقرشي (الواقعة بعد
حرف النفي) كما ولا (وألف الاستفهام) ونحوه ك : (هل وما ومن).
__________________
ونقل عن سيبويه
: جواز الابتداء بها من غير استفهام بها من غير استفهام وبقي مع قبح ، والأخفش يرى
ذلك حسنا ، وعليه قول الشاعر :
فخير نحن عند النّاس منكم
فخير : مبتدأ ،
ونحن فاعله ، ولو جعل (خير) خبرا عن (نحن) لفصل بين اسم التفضيل ومعموله الذي هو (من)
بأجنبي ، وهو غير جائز ، لضعف عمله ، بخلاف ما لو كان فاعلا ، لكونه كالجزء .
(رافعة لظاهر) أو ما يجري مجراه ، وهو الضمير المنفصل ، لئلا يخرج عنه
__________________
نحو : قوله تعالى : (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ
آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ) [مريم : ٤٧].
واحترز به عن
نحو : (أقائمان الزيدان) لأن (أقائمان) رافع لمضمر عائد إلى (الزيدان) ، ولو كان
رافعا لهذا الظاهر لم يجز تثنيته (مثل : زيد قائم) مثال للقسم الأول من المبتدأ (وما
قائم الزيدان) مثال للصفة الواقعة بعد حرف النفي (وأقائم الزيدان؟) مثال للصفة
الواقعة بعد حرف الاستفهام (فإن طابقت) أي : الصفة الواقعة بعد حرف النفي أو ألف الاستفهام اسما (مفردا) مذكورا بعدها ، نحو : ما قائم زيد وأقائم زيد؟
واحترز به عما
إذا طابقت مثنى نحو : أقائمان الزيدان؟ أو مجموعا نحو : أقائمون الزبدون؟ فإنها
حينئذ خبر ليس إلّا ، (جاز الأمران) ...
__________________
كون الصفة مبتدأ وما بعدها فاعلها يسد مسد الخبر ، وكون ما
بعدها مبتدأ والصفة خبرا مقدما عليه.
فههنا ثلاث صور
:
إحديها :
اقائمان الزيدان؟ ويتعين حينئذ أن يكون (الزيدان) مبتدأ و (أقائمان) خبرا مقدما
عليه.
ثانيها : أقائم
الزيدان؟ ويتعين حينئذ أن يكون الزيدان فاعلا للصفة قائما مقام الخبر.
وثالثها :
أقائم زيد ويجوز فيه الأمران كما عرفت.
(والخبر : هو
المجرّد) أي : هو الاسم المجرد عن العوامل اللفظية ؛ لأن الكلام
في مرفوعات الاسم ، فلا يصدق ...
__________________
على (يضرب) في (يضرب زيد) ، إنه المجرد المسند به المغاير للصفة المذكورة ؛
لأنه ليس باسم (المسند به) أي ما يوقع به الإسناد.
واحترز به عن
القسم الأول من المبتدأ ؛ لأنه مسند إليه لا مسند به.
(المغاير للصفة
المذكورة) في تعريف المبتدأ.
واحترز به عن
القسم الثاني من المبتدأ ، ولك أن تقول : المراد بالمسند به : المسند به إلى
المبتدأ ، أو يجعل الباء بمعنى (إلى) والضمير المجرور راجعا إلى المبتدأ ،
وعلى التقديرين يخرج به القسم الثاني من المبتدأ ويكون قوله : (المغاير للصفة
المذكورة) تأكيدا.
واعلم أن
العامل في المبتدأ والخبر هو الابتداء ، أي : تجريد الاسم عن
__________________
العوامل اللفظية ،
ليسند إلى شيء أو ليسند
إليه شيء ، فمعنى
الابتداء عامل في المبتدأ والخبر ، رافع لهما عند البصريين.
وأما عند غيرهم
، فقال بعضهم : الابتداء عامل في المبتدأ عامل في المبتدأ ، والمبتدأ عامل في
الخبر .
وقال آخرون كل
واحد من المبتدأ والخبر عامل في الآخر ، وعلى هذا لا يكونان مجردين عن العوامل
اللفظية.
وأصل المبتدأ
أي : ما ينبغي أن يكون المبتدأ عليه إذا لم يمنع مانع (التقديم) على الخبر لفظا ؛ لأن المبتدأ ذات والخبر حال من أحوالها ، والذات
متقدمة على
__________________
أحوالها (ومن ثمة) أي : ومن أجل أن الأصل في المبتدأ التقديم لفظا (جاز)
قولهم : (في داره زيد) مع كون الضمير عائدا إلى (زيد) ، المتأخر لفظا ، لتقدمه
رتبة ، لأصالة التقديم (وامتنع) قولهم (صاحبها في الدار) لعود الضمير إلى (الدار) ، وهو
في حيز الخبر الذي أصله التأخير ، فيلزم عود الضمير إلى المتأخر لفظا ورتبة ، وهو
غير جائز.
(وقد يكون
المبتدأ نكرة) وإن كان الأصل فيه أن يكون معرفة ؛ لأن للمعرفة معنى معينا ،
والمطلوب المهم الكثير الوقوع في الكلام إنما هو الحكم على الأمور المعنية ، ولكنه
لا يقع نكرة على الاطلاق بل (إذا تخصصت) ...
__________________
تلك النكرة (بوجه ما) من وجوه التخصيص يقل اشتراكهما فتقرب من المعرفة ، مثل
قوله تعالى : (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ
خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ) فإن العبد متناول للمؤمن والكافر ، وحيث وصف بالمؤمن
تخصص بالصفة ، فجعل مبتدأ (وخير) خبره (و) مثل قولك : (أرجل في الدار أم امرأة) ؟
فإن المتكلم
بهذا الكلام يعلم أن أحدهما في الدار ، فيسأل المخاطب عن تعيينه ، فكأنه قال : أيّ
من الأمرين المعلوم كون أحدهما في الدار كائن فيها؟ فكل واحد منهما تخصص بهذه
الصفة ، فجعل (الرجل) مبتدأ (وفي الدار) خبره (و) مثل : قولك : (ما أحد خير منك) فإن النكرة فيه وقعت في حيّز النفي ، فأفادت عموم الأفراد
__________________
وشمولها ، فتعينت وتخصصت ، فإنه لا تعدد في جميع الأفراد ، بل هو أمر واحد
، وكذاكل نكرة في الإثبات قصد بها العموم ، نحو : (تمرة خير من جرادة) (و) مثل : قولهم: (شر أهرّ ذا ناب) لتخصصه بما يتخصص به الفاعل ، لشبهه به إذ
يستعمل في موضعما أهرّ ذا ناب الأشرّ.
وما يتخصص به
الفاعل قبل ذكره هو صحة كونه محكوما عليه بما أسند اليه فإنك إذا قلت : قام ، علم
منه أن ما يذكره بعده أمر يصح أن يحكم عليه بالقيام ، فإذا قلت :
__________________
رجل ، فهو في قوّة قولنا : رجل موصوف بصحة الحكم عليه بالقيام.
واعلم أن المهرّ للكلب بالنباح المعتاد قد يكون خيرا ، كما
إذا كان مجئ حبيب مثلا ، وقد يكون شرا ، كما إذا كان مجئ عدوّه والمهرّ له بنباح
غير معتاد يتشاءم به يكون شرّا لا خيرا. فعلى الأول يصح القصر بالنسبة الى خير ،
فمعناه : شرّ لا خير أهر ذا ناب ، وعلى الثاني لا يصح ، فيقدر وصف حتى يصح القصر ، فيكون
المعنى : شرّ عظيم لا حقير أهر ذا ناب ، وهذا مثل : يضرب لرجل قوي أدركه العجز في
حادثة .
(و) مثل : قولك
: (في الدار رجل) ...
__________________
لتخصصه بتقديم الخبر ؛ لأنه إذا قيل : في الدار ، علم أن ما يذكر بعده
موصوف بصحة استقراره في الدار ، فهو في قوّة التخصيص بالصفة .
(و) مثل : قولك
: (سلام عليك) لتخصصه بنسبته إلى المتكلم إذ أصله : سلمت سلاما عليك ، فحذف الفعل وعدل إلى الرفع ، لقصد الدوام
والاستمرار ، فكأنه قال : سلامي ، أي : سلام من قبل عليك ، هذا هو المشهور فيما بين النحاة.
وقال بعض
المحققين منهم : مدار صحة الإخبار عن النكرة على الفائدة لا على ما ذكروه من
التخصيصات التي يحتاج في توجيهاتها الى هذه التكلفات الركيكة الواهية
__________________
الضعيفة ، فعلى هذا يجوز أن يقال : كوكب انقض الساعة ، لحصول الفائدة ولا يجوز أن يقال : رجل قائم ، لعدمها ، وهذا القول
أقرب إلى الصواب ، ولما كان الخبر المعرف ـ فيما سبق ـ مختصا بالمفرد ، لكونه
قسما من الاسم ، فلم تكن الجملة داخلة فيه ، أراد أن يشير إلى أن خبر المبتدأ قد
يقع جملة أيضا ، فقال (الخبر قد يكون جملة) اسمية (مثل: زيد أبوه قائم) (و) فعليه مثل : (زيد قام
أبوه) ولم يذكر الظرفية ؛ لأنها راجعة إلى الفعلية.
وإذا كان الخبر
جملة ، والجملة مستقلة بنفسها ، لا تقتضى الارتباط بغيرها (فلابدّ)في الجملة الواقعة خبرا عن المبتدأ (من عائد) يربطها به (وذلك) العائد : إمّا
__________________
ضمير ، كما في المثالين المذكورين ، أو غيره ، كاللام في : نعم الرجل ووضع
المظهر في موضع المضمر في نحو : (الْحَاقَّةُ مَا
الْحَاقَّةُ) [الحاقة : ١ ـ ٢] وكون الخبر تفسيرا للمبتدأ في نحو : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ). (وقد يحذف) العائد إذا كان ضميرا لقيام قرينة نحو : (البرّ
الكرّ بستين درهما) و (السمن منوان بدرهم) أي : الكرّ منه ومنوان منه ، بقرينة
أنّ بائع البر والسمن لا يسعر غيرهما .
(وما وقع ظرفا)
أي : الخبر الذي وقع ظرف زمان أو مكان أو جارا ومجرورا (فالأكثر) من النحاة ، وهم البصريون (على أنه) أي : الخبر الواقع ظرفا (مقدر)أي:
__________________
مؤول (بجملة) بتقدير الفعل فيه ؛ لأنه إذا قدر فيه الفعل يصير جملة فعلية بخلاف ما
إذا قدر فيه اسم الفاعل ، كما هو مذهب الأقل ، وهم الكوفيون ، فإنه يصير حينئذ
مفردا.
ووجه الأكثر أن الظرف لا بد له من متعلق عامل فيه ، والأصل في العمل
هو الفعل ، فإذا وجب التقدير فالأصل أولى.
ووجه الأقل أنه خبر ، والأصل في الخبر الإفراد.
ثم أنّ الأصل في المبتدأ التقديم ، وجاز تأخيره ، لكنه قد يجب لعارض كما أشار إليه بقوله : (وإذا
كان المبتدأ مشتملا على ماله صدر الكلام) أي : على معنى
__________________
وجب له صدر الكلام كالاستفهام ، فإنه يجب حينئذ تقديمه حفظا لصدارته (مثل:من أبوك؟) فإن (من) مبتدأ مشتمل على ماله صدر الكلام ، وهو الاستفهام فإن
معناه أهذا أبوك أم ذاك وأبوك خبره ، وهذا مذهب سيبويه وذهب بعض النحاة إلى أن (أبوك)
مبتدأ لكونه معرفة و (من) خبره الواجب تقديمه على المبتدأ ، لتضمنه معنى
الاستفهام.
(أو كانا) أي :
المبتدأ والخبر (معرفتين) متساويين في التعريف أو غير متساويين ، ولا قرينة على كون أحدهما مبتدأ والآخر خبرا نحو : زيد المنطلق .
(أو) كانا (متساويين)
في أصل التخصيص لا في قدره حتى لو قيل : غلام رجل صالح ...
__________________
خير منك ، لوجب تقديمه أيضا (مثل : أفضل منك أفضل مني) دفعا للاشتباه.
(أو كان الخبر
فعلا له) أي : للمبتدأ ، احتراز عما لا يكون فعلا له كما في قولك : زيد قام
أبوه ، فإنه لا يجب فيه تقديم المبتدأ على الخبر ، لجواز أن يقال : قام أبوه زيد ،
لعدم الالتباس (مثل : زيد قام ، وجب تقديمه) أي : تقديم المبتدأ على الخبر في هذه الصورة
أمّا في الصورة الأولى ، فلما ذكرناه .
وأما في الصورة
الأخيرة فلئلا يلتبس المبتدأ بالفاعل إذا كان الفعل مفردا ، مثل : زيد قام ، فإنه إذا قيل :
قام زيد ، التبس المبتدأ في الفاعل أو بالبدل عن
__________________
الفاعل إذا كان مثنى
أو مجموعا ، فإنه إذا قيل في مثل : الزيدان قاما ، والزيدون قاموا : قاما الزيدان
، وقاموا الزيدون ، يحتمل أن يكون (الزيدان) و (الزيدون) بدلا من الفاعل ، فالتبس
المبتدأ به أو بالفاعل على هذا التقدير ، أيضا على قول من يجوز كون الألف والواو حرفا دالا على تثنية
الفاعل وجمعه كالتاء في (ضربت هند).
(وإذا تضمن الخبر المفرد) أي : الذي ليس بجملة صورة ، سواء كان بحسب الحقيقة جملة
أو غير جملة (ماله صدر الكلام) أي : معنى وجب له صدر الكلام كالاستفهام (مثل : أين زيد؟) ف : (زيد) مبتدأ و (أين) اسم متضمن للاستفهام : خبره وهو ظرف.
__________________
()
فإن قدر بفعل
كان الخبر جملة حقيقة مفردا صورة ، وإن قدّر باسم الفاعل كان الخبر مفردا صورة وحقيقة ، وعلى التقديرين ليس
بجملة صورة ، واحترز به عن نحو : زيد أين أبوه؟ إذ لا يبطل بتأخيره صدارة ما له صدر الكلام لتصدره في جملته.
(أو كان) الخبر
بتقديمه (مصححا له) أي : للمبتدأ من حيث إنّه مبتدأ فتقديمه يصحح وقوعه
مبتدأ (مثل : في الدار رجل) فإن الدار خبر تخصص المبتدأ بتقديمه كما عرفت ، فلو
أخر بقي المبتدأ نكرة غير مخصصة.
(أو كان
لمتعلّقه) بكسر اللام ـ أي : كان لمتلّق الخبر التابع له تبغيّة
يمتنع معها ...
__________________
تقديمه على الخبر ، فلا يرد نحو : (وعلى الله عبده متوكل) (ضمير) كائن (في)جانب (المبتدأ) راجع إلى ذلك المتعلق ؛ إذ لو أخر لزم الإضمار قبل
الذكر لفظا ومعنى (مثل : على التمرة مثلها زبدا) فقوله : (مثلها) أي : مثل : التمرة ، مبتدأ
وفيه ضمير لمتعلق الخبر وهو التمرة ؛ لأن الخبر هو قوله : على التمرة ، و (التمرة)
متعلق به مثل: تعلق الجزء بالكل .
(أو) كان الخبر
(خبرا عن (أنّ) المفتوحة الواقعة مع اسمها وخبرها المؤول بالمفرد، مبتدأ ؛ إذ في
تأخيره خوف لبس (أنّ) المفتوحة بالمكسورة في التلفظ
__________________
لإمكان الذهول عن الفتحة ، لخفائها ، أو في الكتابة (مثل : عندي أنّك قائم ، وجب تقديمه) أي : تقديم الخبر على المبتدأ في
جميع هذه الصور ، لما ذكرنا.
(وقد يتعدّد
الخبر) من غير تعدد المخبر عنه فيكون اثنين فصاعدا ، وذلك التعدد إمّا بحسب اللفظ والمعنى جميعا ، ويستعمل ذلك على وجهين :
بالعطف ، مثل :
زيد عالم وعاقل.
وبغير العطف (مثل
: زيد عالم عاقل).
__________________
وإمّا بحسب
اللفظ فقط ، نحو : (هذا حلو حامض) ، فإنها في الحقيقة خبر واحد، أي : (مر) وفي هذه الصوّرة ترك العطف أولى.
ونظر بعض
النحاة إلى صورة التعدد وجوز العطف .
ولا يبعد أن
يقال : إنّ مراد المصنف بتعدد الخبر ما يكون بغير عاطف ؛ لأن التعدد بالعاطف لا
خفاء فيه لا في الخبر ولا في المبتدأ ، ولا في غيرهما ، وأيضا المتعدد بالعطف ليس بخبر ، بل هو من توابعه ،
ولهذا أورد في المثال الخبر المتعدد بغير عاطف ، ولو جعل التعدد أعم فالاقتصار عليه لذلك .
(وقد يتضمن
المبتدأ معنى الشرط) وهو سببية الأول للثاني أو للحكم به ، فلا
__________________
يرد عليه نحو : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ
فَمِنَ اللهِ) فيشبه المبتدأ الشرط في سببيته للخبر سببية الشرط
للجزاء.
(فيصح دخول
الفاء في الخبر) ويصح عدم دخوله فيه نظرا إلى مجرد تضمن المبتدأ معنى الشرط.
وأمّا إذا قصد
الدلالة على ذلك المعنى في اللفظ فيجب دخول الفاء فيه ، وأمّا إذا لم يقصد فلم يجب دخوله
فيه ، بل يجب عدمه ، (وذلك) المبتدأ المتضمن معنى الشرط.
إمّا (الاسم
الموصول بفعل أو ظرف) أي : الذي جعلت صلته بجملة فعلية أو ظرفية مؤولة بجملة فعلية هاهنا بالاتفاق .
وإنما اشترط أن
تكون صلته فعلا أو ظرفا مؤولا بالفعل ، ليتأكد مشابهته الشرط؛ لأن الشرط لا يكون إلا فعلا.
__________________
وفي حكم الاسم
الموصول المذكور الاسم الموصوف به (أو النكرة الموصوفة بهما) أي : بأحدهما .
وفي حكمها
الاسم المضاف إليها (مثل : الذي يأتيني) هذا مثال للاسم الموصول بفعل (أو) الذي (في الدار) هذا مثال للاسم الموصول بظرف (فله
درهم) وأمّا مثال الاسم الموصوف بالاسم الموصول المذكور فقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي
تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) (و) مثل : (كل رجل يأتيني) هذا مثال للاسم الموصوف بفعل (أو) كل رجل (في الدار) هذا مثال للاسم الموصوف بظرف (فله درهم).
__________________
وأما مثال
الاسم المضاف إلى النكرة الموصوفة بأحدهما فقولك : كلّ غلام رجل يأتيني ، أو في الدار فله درهم.
(وليت ولعلّ)
من الحروف المشبهة بالفعل ، إذا دخلا على المبتدأ الذي يصح دخول الفاء على خبره ـ على
ما مر (مانعان) عن دخوله عليه ؛ لأن صحة دخوله عليه إنما كان لمشابهة المبتدأ
والخبر للشرط والجزاء ، و (ليت ولعل) يزيلان تلك المشابهة ؛ لأنهما يخرجان الكلام من الخبرية إلى
الإنشائية والشرط والجزاء من قبيل الإخبار.
وذلك المنع
إنما هو (بالاتفاق) من النحاة فلا يقال : ليت أو لعل الذي يأتيني ، أو في الدار فله درهم.
__________________
فان قيل
: (باب كان
، وباب علمت) أيضا مانعان بالاتفاق فما وجه تخصيص (ليت ولعل) قيل : تخصيصهما ببيان
الاتفاق إنما هو من بين الحروف المشبهة بالفعل لا مطلقا
، ووجه
ذلك التخصيص الاهتمام ببيان الاختلاف الواقع فيها.
(وألحق بعضهم)
قيل : هو سيبويه المكسورة (بهما) أي : ب : (ليت ولعل) في المنع عن دخول
الفاء في الخبر.
والأصح أنها لا
تمنع عنه ؛ لأنها لا تخرج الكلام عن الخبرية إلى الانشائية يؤيده قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا
وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ) [آل عمران : ٩١].
فان قيل : قد
الحق بعضهم (أن) المفتوحة و (لكن) بليت ولعل ، فما وجه تخصيص (أن) المكسورة
بالالحاق. قيل : بعضهم الذي الحق (أن) ـ المكسورة بهما هو سيبويه ، فاعتد بقوله
وذكره ولم يعتد من سواه فلم يذكره مع أن كلا القولين لا يساعدهما القرآن وكلام الفصحاء.
__________________
فما يدل على
عجم منع (إنّ) المكسورة عن دخول الفاء على الخبر ما سبق وما يدل على عدم منع (أنّ) المفتوحة و (لكنّ) عن دخول الفاء قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما
غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) [الأنفال : ٤١] وقول الشاعر :
فو الله ما فارقتكم
قاليّا لكم
|
|
ولكنّ ما
يقضى فسوف يكون
|
(وقد يحذف المبتدأ ، لقيام قرينة)
لفظية أو عقلية (جوازا) أي : حذفا جائزا لا واجبا.
وقد يجب حذفه
إذا قطع النعت بالرفع ، نحو : (الحمد لله أهل الحمد) أي :
__________________
هو أهل الحمد.
وإنما وجب حذفه
، ليعلم أنه كان في الأصل صفة ، فقطع ، لقصد إنشاء المدح أو الذم أو غير ذلك فلو ظهر المبتدأ لم يتبين ذلك القصد وقد يجب
حذفه أيضا عند من قال في (نعم الرجل زيد) : إنّ تقديره (هو زيد) (كقول المستهل)
أي : المبتدأ المحذوف جوازا مثل : المبتدأ المحذوف في قول المستهل
المبصر للهلال الرافع صوته عند إبصاره (الهلال والله) أي : هذا الهلال والله بالقرينة الحالية وليس من باب حذف الخبر ، بتقدير
: الهلال هذا ؛ لأن مقصود للمستهل تعيين شئ بالإشارة ، والحكم عليه بالهلاليّة ،
ليتوجه إليه الناظرون ويروه كما يراه
وإنما أتي
بالقسم جريا على عادة المستهلين غالبا ولئلا يتوهم نصب (الهلال)
عند الوقف.
__________________
(و)
قد يحذف (الخبر جوازا) أي : حذفا جائزا ، لقيام
قرينة من غير إقامة شيئ مقامه
(مثل) الخبر المحذوف جوازا في قولك : (خرجت
فإذا السّبع) فإنّ : تقديره
على المذهب الصحيح كما
نص عليه صاحب اللباب : خرجت فإذا السّبع
واقف ، على أن يكون (إذا) ظرف زمان للخبر المحذوف غير سادة مسدة أي : ففي وقت خروجي السّبع واقف.
(و) قد يحذف
الخبر لقيام قرينة (وجوبا) أي : حذفا واجبا (فيما التزم) أي : في التركيب الذي التزم (في موضعه) أي : في موضع الخبر (غيره) أي : غير الخبر ، وذلك في أربعة أبواب على ما ذكره
المصنف.
أولها :
المبتدأ الذي بعد (لولا) (مثل : لولا ...
__________________
زيد لكان كذا) أي : لولا زيد موجود ؛ لأن (لولا) لامتناع الشئ لوجود غيره ، فيدل على الوجود.
وقد التزم في
موضع الخبر جواب (لولا) فيجب حذفه ، لقيام قرينة والتزام قائم مقامه، هذا إذا كان الخبر عامّا وأمّا إذا كان الخبر خاصّا فلا يجب
حذفه كما في قوله:
ولو لا الشعر
بالعلماء يزري
|
|
لكنت اليوم
أشعر من لبيد
|
__________________
ولو لا خشية
الرحمن عندي
|
|
جعلت الناس
كلّهم عبيدي
|
هذا على مذهب البصريين
.
وقال الكسائي :
الاسم بعدها فاعل لفعل مقدر أي : لولا وجد زيد .
وقال الفراء : (لولا)
هي الرافعة للاسم الذي بعدها.
وثانيها : كل
مبتدأ كان مصدرا صورة أو بتأويله منسوبا إلى الفاعل أو المفعول أو كليهما ، وبعده
حال ، أو كان اسم تفضيل مضافا إلى ذلك المصدر وذلك مثل : ذهابي راجلا ، وضرب
زيد قائما ، إذا كان (زيد) مفعولا به (و) مثل (ضربي زيدا قائما) أو قائمين ، وأن ضربت زيدا قائما ، وأكثر
شربي السويق ملتوتا ، وأخطب ما يكون الأمير قائما.
__________________
فذهب البصريون
إلى أن تقديره : ضربي زيدا حاصل إذا كان قائما ، فحذف حاصل كما يحذف متعلقات
الظروف ، نحو : زيد عندك ، فبقي (إذا كان) ، ثم حذف (إذا) مع شرطه العامل في الحال
، وأقيم الحال مقام الظرف ؛ لأن في الحال معنى الظرفية ، فالحال قائم مقام الظرف القائم الخبر ، فيكون الحال
قائما مقام الخبر .
قال الرضي : (هذا
ما قيل فيه ، وفيه تكلفات كثيرة) وهي حذف (إذا) مع الجملة المضاف إليها ، ولم يثبت
في غير هذا المكان ، والعدول عن ظاهر معنى (كان) الناقصة إلى معنى (كان)
التامة .
والذي يظهر لي
أن تقديره بنحو : ضربي زيدا يلابسه قائما ، إذا أردت : الحال عن المفعول ، وضربي
زيدا يلابسني قائما ، إذا كان عن الفاعل أولى ، ثم تقوله : حذف المفعول الذي هو ذو
الحال ، فبقي (ضربي زيدا يلابس قائما) ، ويجوز حذف ذي الحال مع قيام القرينة كما تقول : الذي ضربت
قائما زيد أي : ضربته ، ثم حذف (يلابس) الذي هو خبر المبتدأ ، والعامل في الحال ،
وقام الحال ، وقام الحال مقامه ،
__________________
كما تقول : راشدا مهديّا ، أي : سر راشد مهديا على هذا يكونون مستريحين من تلك
التكلفات البعيدة .
وقال الكوفيون
: تقديره : ضربى زيدا قائما حاصل ، يجعل (قائما) من متعلقات المبتدأ ، فيلزمهم حذف
الخبر من غيّر سد شيئ مسده وتقييد المبتدأ المقصود عمومه بدليل الاستعمال.
وذهب الأخفش :
إلى أن الخبر الذي سدت الحال محله مصدر مضاف إلى صاحب الحال ، أي : ضربى زيدا ضربه
قائما.
وذهب بعضهم إلى
أن هذا المبتدأ لا خبر له ، لكونه بمعنى الفعل ؛ إذ المعنى : ما أضرب زيدا إلا قائما.
__________________
وثالثها : كل
مبتدأ اشتمل خبره على معنى المقارنة وعطف عليه شئ بالواو التي بمعنى (مع) (و) ذلك
مثل : (كلّ رجل وضيعته) أي : كل رجل مقرون مع ضيعته فهذا الخبر واجب حذفه ؛ لأن
الواو تدل على الخبر الذي هو (مقرون) وأقيم المعطوف في موضعه.
ورابعها : كل
مبتدأ يكون مقسما به ، وخبره القسم (و) ذلك مثل : (لعمرك
__________________
لأفعلنّ كذا) أي : لعمرك وبقاؤك قسمي ، أي : ما أقسم به ، فلا شك أن (لعمرك) يدل على القسم المحذوف ،
وجواب القسم قائم مقامه ، فيجب حذفه و (العمر والعمر) بمعنى واحد ، ولا يستعمل مع
اللام إلا المفتوح ؛ لأن القسم موضع التخفيف لكثرة استعماله.
(خبر إن وأخواتها)
ومنها :
(خبر (إنّ)
وأخواتها) أي : من المرفوعات خبر (إنّ) وأخواتها ، أي : أشباهها من الحروف الخمس الباقية ، وهي : (أنّ وكأنّ ولكنّ
ولعلّ وليت) ، وهو مرفوع بهذه الحروف لا بالابتداء على المذهب الأصح ؛ لأنها لما
شابهت الفعل المتعدي ـ كما يجيئ ـ علمت رفعا ونصبا مثله ...
__________________
(هو) أي : خبر إنّ وأخواتها (المسند) إلى شئ آخر (بعد دخول) أحد (هذه الحروف) عليهما ، فقوله : (المسند) شامل لخبر كان وخبر المبتدأ ، وخبر (لا)
التي لنفي الجنس وغيرها .
وبقوله : (بعد
دخول هذه الحروف) أخرج جميعها عنه .
والمراد ب : (دخول
هذه الحروف عليهما) ورودها عليهما لإيراد أثرها فيهما لفظا أو معنى ، فلا ينتقض التعريف بمثل : (يقوم) في قولنا : إنّ زيدا يقوم أبوه ،
فإن (يقوم) هاهنا من حيث إسناده إلى (أبوه) ليس مما يدخل عليه (إن) بهذا المعنى ،
بل إنما دخل على جملة هي (يقوم أبوه) فلا يحتاج ...
__________________
إلى أن يجاب عنه : بأنّ المراد بالمسند المسند إلى أسماء هذه الحروف ، ويلزم منه استدراك قوله : بعد دخول هذه الحروف ، ولا إلى أن يجاب عنه : بأن المراد بالمسند : الاسم
المسند ، فيحتاج إلى تأويل الجملة بالاسم ، حيث يكون خبرها جملة ، مثل :
إنّ زيدا يقوم ، فإنه مؤول (بقائم) (مثل) قائم في (إن زيدا قائم) فإنه المسند بعد
دخول هذه الحروف (وأمره كأمر خبر المبتدأ) أي : حكمه كحكم خبر المبتدأ في
أقسامه ، من كونه مفردا ، وجملة ونكرة ومعرفة ، وفي أحكامه من كونه واحدا ومتعددا
، ومثبتا ومنفيا ومحذوفا ، وفي شرائطه من أنه إذا كان جملة فلا بد من عائد ، ولا يحذف إلا إذا علم.
__________________
والمراد
: أن أمره كأمره بعد أن صح كونه خبرا بوجود شرائطه وانتفاء موانعه
، ولا يلزم من ذلك أن كل ما يصح أن يكون خبرا للمبتدأ يصح أن يقع خبرا لباب (إنّ)
حتى يرد أنه يجوز أن يقال : أين زيد؟ ومن أبوك؟ ولا يجوز أن يقال : إنّ أين
زيدا ، وإنّ من أباك؟ (إلا في تقديمه)
أي : ليس
أمره كأمر خبر المبتدأ في تقديمه فإنه لا يجوز تقديمه على الاسم.
وقد جاز تقديم
الخبر على المبتدأ ، وذلك ؛ لأن هذه الحروف فروع على الفعل
__________________
في العمل ، فأريد أن يكون عملها فرعيا أيضا ، والعمل الفرعي للفعل أن يتقدم
المنصوب على المرفوع ، والأصل أن يتقدم المرفوع على المنصوب ، فلما أعلمت العمل
الفرعي لم يتصرف في معموليها بتقديم ثانيهما على الأول كما يتصرف في معمولي الفعل
لنقصانها عن درجة الفعل (إلّا أن يكون الخبر ظرفا) أي : ليس أمره كأمر خبر المبتدأ في
تقديمه إلا إذا كان ظرفا ، فإن حكمه إذن حكمه في جواز التقديم إذا كان الاسم
معرفة نحو : قوله تعالى : (إِنَّ إِلَيْنا
إِيابَهُمْ) [الغاشية : ٢٥].
وفي وجوبه إذا
كان الاسم نكرة نحو : (إنّ من البيان لسحرا) أو (إنّ من الشعر لحكمة) وذلك لتوسعهم في الظروف
ما لا يتوسع في غيرها.
__________________
(خبر (لا التي)
الكائنة (لنفي
الجنس)
أي : لنفي صفته ؛ إذ (لا رجل قائم) مثلا لنفي القيام عن الرجل ، لا لنفي الرجل
نفسه.
(هو المسند)
إلى شيئ آخر ، هذا شامل لخبر المبتدأ وخبر (إنّ ، وكأنّ) وغيرها (بعد دخولها) أي :
بعد دخول (لا) ، فخرج به سائر الأخبار.
والمراد بدخولها : ما عرفت في خبر (إنّ) فلا يرد نحو : (يضرب)
في (لا رجل يضرب أبوه).
(نحو : (لا
غلام رجل ظريف)) ...
__________________
إنما عدل عن المثال المشهور وهو قولهم : (لا رجل في الدار)
لاحتمال حذف الخبر ، وجعل (في الدار) صفة ، بخلاف ما ذكر ؛ لأن (غلام رجل) معرب
منصوب لا يجوز ارتفاع صفته على ما هو الظاهر.
(فيها) أي : في
الدار خبر بعد خبر ، لا ظرف ظريف ، ولا حال ؛ لأن الظرافة لا تتقيد بالظرف ونحوه
وإنما أتي به لئلا يلزم الكذب بنفي ظرافة كل غلام رجل ، وليكون مثالا لنوعي
خبرها ، الظرف وغيره.
(ويحذف) خبر (لا) هذه حذفا (كثيرا) إذا كان الخبر عامّا
كالموجود والحاصل لدلالة النفي عليه نحو : (لا إله إلا الله) أي : لا إله موجود إلا الله.
__________________
(وبنو تميم لا يثبتونه) أي : لا يظهرون
الخبر في اللفظ ؛ لأن الحذف عندهم واجب. أو المراد : أنهم لا يثبتونه أصلا ، لا
لفظا ولا تقديرا ، فيقولون معنى قولهم : لا أهل ولا مال ، انتفى الأهل والمال ،
فلا يحتاج إلى تقدير خبر.
وعلى تقديرين يحملون ما يرى خبرا في مثل : لا رجل قائم ، على
الصّفة دون الخبر.
(اسم (ما) و (لا)
المشبهتين ب : (ليس)
في معنى النفي
والدخول على المبتدأ والخبر ولهذا يعملان عملها .
(هو المسند
إليه) هذا شامل للمبتدأ ولكل مسند إليه.
(بعد دخولهما)
خرج به غير اسم (ماولا) وبما عرفت من معنى الدخول ، لا يرد (أبوه) في مثل : (ما
زيد أبوه قائم).
(مثل (ما زيد قائما ، ولا رجل أفضل منك) وإنما أتى بالنكرة بعد (لا)
لأن (لا) لا تعمل إلا في النكرة ، بخلاف (ما) فإنه يعمل في النكرة والمعرفة.
__________________
هذه لغة أهل
الحجاز ، وأمّا بنو تميم فلا يثبتون لهما العمل ويقولون : الاسم والخبر بعد دخولهما مرفوعان بالابتداء
كما كانا قبل دخولهما.
وعلى لغة أهل
الحجاز ورد القرآن نحو : (ما هذا بَشَراً) [يوسف : ٣١].
(وهو) أي : عمل
(ليس) (في لا) دون (ما) (شاذ) قليل ، لنقصان مشابهة (لا) ب : (ليس) لأن (ليس) لنفي
الحال ، و (لا) ليس كذلك ، فإنه للنفي مطلقا ، بخلاف (ما) فإنه أيضا لنفي الحال
فيقتصر عمل (لا) على مورد السماع نحو : قوله :
من صدّ عن نيرانها
|
|
فأنا ابن قيس
لا براح
|
أي : لا براح
لي ، ولا يجوز أن يكون لنفي الجنس ؛ لأنه إذا كان لنفي الجنس ، لا يجوز فيما بعده
الرفع ما لم يتكرر ولا تكرار في البيت.
اعلم أن المراد بالمسند والمسند إليه في هذه التعريفات ما يكون
مسندا أو
__________________
ـ من شرطية ، وصد عن نيرانها شرطها ، والفاء
جزائية ، وما بعده جزاء الشرط ، ولا براح يمكن أن يكون على الاستئناف ، وقال صدر
الأفاضل : محلها نصب على أنها حال مؤكدة من قوله : () ، والاستشهاد أنه استعمل لا بمعنى ليس
، قال الإمام المرزوقي في شرح الحماسة : قوله : () الوجه فيه النصب لكن الضرورة دعت إلى
رفعها ، وقال سيبويه : جعل لا كليس هنا ، وجعل غيره براح مبتدأ والخبر مضمر ،
وإنما يحسن ذلك إذا تكرر لا كقولك : لا درهم ولا دينارا ؛ لأنه جوز الشاعر الرفع
في النكرة بعد لا ، وإن لم يتكرر هذا كلامه ، ويعلم منه الاستشهاد إنما يستقيم على
مذهب سيبويه. (
مسندا إليه بالأصالة لا بالتبعية بقرينة ذكر التوابع فيما بعد ، فلا ينتقض
بالتوابع.
ولما فرغ من المرفوعات شرع في المنصوبات ، وقدمها على المجرورات
، لكثرتها ولخفة النصب ، فقال :
(المنصوبات)
(المنصوبات) (هو ما اشتمل على علم المفعولية)
قد تبين شرحه
بما ذكر في المرفوعات.
والمراد بعلم المفعولية : علامة كون الاسم مفعولا حقيقة أو حكما
، وهي :
__________________
أربع ، الفتحة والكسرة والألف والياء ، نحو : رأيت زيدا ، ومسلمات ، وأباك
، ومسلمين ، ومسلمين (فمنه) أي : من المنصوب أو مما اشتمل على علم المفعولية :
(المفعول المطلق)
(المفعول
المطلق)
سمي به ، لصحة
اطلاق صيغة المفعول عليه من غير تقييده بالياء ، أو في أو مع أو اللام بخلاف
المفاعيل الأربعة الباقية ، فإنه لا يصح اطلاق صيغة المفعول عليها إلا
بعد تقييدها بواحدة منها.
فيقال :
المفعول به أو فيه أو معه أو له.
(وهو) أي :
المفعول المطلق : (اسم ما فعله فاعل فعل) والمراد بفعل الفاعل إيّاه : قيامه به
بحيث يصح إسناده إليه ، لا أن يكون مؤثرا فيه موجدا إيّاه فلا يرد
__________________
عليه : مثل : مات موتا ، وجسم جسامة ، وشرف شرفا ، وإنما زيد لفظ (الاسم) لأن ما فعله الفاعل هو المعنى.
والمفعول
المطلق من أقسام اللفظ ، ويدخل فيه المصادر كلها.
(مذكور) صفة
للفعل ، وهو أعم من أن يكون مذكورا حقيقة ، كما إذا كان مذكورا بعينه ، نحو : ضربت
ضربا ، أو حكما كما ، إذا كان مقدرا نحو : (فضرب الرّقاب) ، أو اسما فيه معنى الفعل ، نحو : ضارب ضربا ، وخرج به المصادر التي لم يذكر فعلها لا حقيقة ولا حكما ، نحو : الضرب واقع على زيد.
(بمعناه) صفة ثانية للفعل ، وليس المراد به أن الفعل كائن بمعنى ذلك
__________________
الاسم ، فإن معنى ذلك الاسم جزء معناه ، بل المراد ، أن معنى الفعل مشتمل عليه اشتمال الكل على الجزء ،
فخرج به مثل : (تأديبا) في قولك : ضربته تأديبا ، فإنه وإن كان مما فعلة فاعل فعل
مذكور لكنه ليس مما يشتمل عليه معنى الفعل.
وكذلك خرج به
مثل : (كراهتي) في نحو : كرهت كراهتي ، فإن للكراهة اعتبارين، أحدهما : كونها بحيث قامت بفاعل الفعل
المذكور واشتقّ منها فعل أسند إليه ، ولا شكّ أنّ معنى الفعل مشتمل عليها حينئذ.
وثانيهما :
كونها بحيث وقع عليها فعل الكراهة فإذا ذكرت بعد الفعل بالاعتبار
__________________
الأول كما في قولك :
كرهت كراهتي ، فهو
مفعول به لا مفعول مطلق
؛ إذ ليس ذلك الفعل مشتملا عليه بهذا الاعتبار ، بل هو واقع عليه وقوع الفعل على
المفعول به. فخرج بهذا الاعتبار عن الحدّ ، وانطبق الحدّ على الحدود جامعا ومانعا.
(ويكون) المفعول المطلق (للتأكيد) إن لم يكن في مفهومه زيادة على ما يفهم من الفعل.
(والنّوع) إن
دلّ على بعض أنواعه .
(والعدد) إن
دلّ على عدده (مثل : جلست جلوسا) للتأكيد (وجلسة) ـ بكسر الجيم ـ للنوع وجلسة ـ بفتحها
ـ للعدد.
__________________
(فالأول) أي :
الذي للتأكيد ، لا يثنى ولا يجمع ؛ لأنه دال على الماهية المعرّاة عن الدلالة على التعدد. والتثنية والجمع
يستلزمان التعدد ، فلا يقال : جلست جلوسين ، أو جلوسات ، إلا إذا قصد به النوع أو
العدد (بخلاف أخويه) أي : اللذين هما للنوع والعدد ، نحو : جلست جلستين ، أو جلسات
بكسر الجيم وفتحها.
(وقد يكون) المفعول المطلق (بغير لفظة) أي : مغايرا للفظ
فعله ، إمّا بحسب المادة (مثل : قعدت جلوسا) (وأما بحسب الباب نحو : أنبته الله نباتا حسنا).
وسيبويه يقدر له عاملا من بابه أي : قعدت وجلست جلوسا ، وأنبته الله فنبت نباتا.
__________________
(وقد
يحذف الفعل) الناصب
للمفعول المطلق (لقيام قرينة جواز
كقولك :لمن قدم) من سفره (خير مقدم)
أي : قدمت
قدوما خير مقدم ، فخير اسم تفضيل ، ومصدريته باعتبار الموصوف والمضاف إليه ؛ لأن
اسم التفضيل له حكم ما أضيف إليه.
(ووجوبا) أي :
حذفا واجبا (سماعا) أي : سماعيا موقوف على السماع لا قاعدة له يعرف بها (نحو : سقيا) أي : سقاك الله سقيا ، (ورعيا) أي : رعاك الله رعيا (وخيبة)
أي : خاب خيبة ، من خاب الرجل خيبة ، ذا لم ينل ما طلبه (وجدعا) أي : جدع جدعا ،
والجدع : قطع الأنف والأذن والشفة واليد .
(وحمدا) أي :
حمدت حمدا ، (وشكرا) أي : شكرت شكرا ، (وعجبا) أي:عجبت عجبا.
__________________
فإنه
لم يوجد في كلامهم استعمال الأفعال العاملة في هذه المصادر. وهذا
معنى وجوب
الحذف سماعا ، قيل عليه : قد قالوا
، حمدت الله حمدا وشكرته شكرا ، وعجبت عجبا ، فأجاب بعضهم
: بأن ذلك ليس من كلام الفصحاء ، وبعضهم
: بأن وجوب الحذف إنما هو فيما استعمل باللام نحو : حمدا له ، وشكرا له ، وعجبا
له.
(و) قد يحذف
الفعل الناصب للمفعول المطلق حذفا واجبا (قياسا) أي : حذفا قياسيا ، يعلم له ضابط كلي يحذف معه الفعل لزوما (في مواضع) متعددة (منها) أي : من هذه المواضع موضع (ما وقع) أي :
المفعول المطلق وقع فيه (مثبتا) أي : أريد
__________________
إثباته لا نفيه ، فإنه لو أريد نفيه ، نحو : ما زيد سيرا لا يجب حذفه ، (بعد نفي)داخل على اسم لا يكون المفعول المطلق خبرا عنه (أو) بعد (معنى
نفي داخل على اسم لا يكون) المفعول المطلق (خبرا عنه) أي : عن ذلك الاسم
، وإنما قال : على اسم ؛ لأنه لو دخل على فعل نحو : ما سرت إلا سيرا ، وإنما سرت
سيرا ، لا يكون منه ، وإنما وصف الاسم بأن لا يكون المفعول المطلق خبرا عنه ؛ لأنه
لو كان خبرا عنه نحو : ما سيرى إلا سير شديد ، لكان مرفوعا على
الخبريّة.
(أو وقع) المفعول المطلق (مكررا) أي : في موضع الخبر عن اسم لا
يصلح وقوعه خبرا عنه ، فلا يرد عليه نحو : (إِذا دُكَّتِ
الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) وإنما جمع بين
__________________
الضابطتين ، لاشتراكهما في الوقوع بعد اسم لا يكون خبرا عنه (نحو
: ما أنت إلا سيرا) أي : تسيرا سيرا ، (وما أنت إلا سير البريد) أي : تسير سير البريد .
هذان مثالان
لما وقع مثبتا بعد نفي ، وإنما أورد مثالين تنبيها على أن الاسم الواقع موقع الخبر
ينقسم إلى النكرة والمعرفة ، أو إلى ما هو فعل للمبتدأ ، وإلى ما يشبه به فعله،أو إلى مفرد ومضاف.
(وإنما أنت
سيرا) أي : تسير سيرا ، مثال لما وقع بعد معنى النفي (وزيد سيرا سيرا أي : يسير سيرا ، مثال لما وقع مكررا.
(ومنها) أي :
من المواضع التي يجب حذف الفعل الناصب للمفعول المطلق فيها (ما وقع) أي : موضع
مفعول مطلق وقع (تفصيلا لأثر مضمون جملة متقدمة) والمراد
__________________
بمضمون الجملة مصدرها المضاف إلى الفاعل أو المفعول ، وبأثره غرضه المطلوب منه ، وبتفصيل الأثر : بيان أنواعه المحتملة ،
نحو : قوله تعالى : (فَشُدُّوا الْوَثاقَ
فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ) [محمد : ٤] أي : بعد شدّ الوثاق (وَإِمَّا فِداءً) فقوله : (فَشُدُّوا الْوَثاقَ) جملة مضمونها شد الوثاق ، والغرض المطلوب من شد الوثاق
إمّا المنّ أو الفداء ، ففصّل الله سبحانه هذا الغرض المطلوب بقوله : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً
،) أي : إمّا تمنون منّا بعد الشّدّ وإمّا تفدون فداء.
__________________
(ومنها) أي : ومن تلك المواضع (ما وقع)
أي : موضع مفعول مطلق وقع (للتشبيه)
أي : لأن
يشبّه به أمر آخر ، واحترز به عن نحو : لزيد صوت صوت
حسن ؛ لأنه لم يقع
لتشبيه ، (علاجا) أي : حال كونه دالا على فعل من أفعال الجوارح ، واحترز به عن نحو
: لزيد زهد
زهد الصّلحاء ؛ لأن الزهد ليس من أفعال الجوارح.
(بعد جملة)
واحترز به عن نحو : صوت زيد صوت حمار.
(مشتملة) أي : تلك الجملة (على اسم) كائن (بمعناه) أي : بمعنى
المفعول المطلق واحترز به عن نحو : مررت بزيد فإذا له ضرب صوت حمار. (و) على (صاحبه)
أي : على صاحب ذلك الاسم ، أي الذي قام به معناه ، واحترز به عن
__________________
(نحو : مررت بزيد فإذا له صوت صوت حمار) أي : يصوت صوت حمار ، من صات الشيء صوتا ، بمعنى صوّت تصويتا .
(فصوت حمار)
مصدر وقع للتشبيه علاجا بعد جملة هي قوله : (له صوت) وهي مشتملة على اسم بمعنى
المفعول المطلق وهو (صوت) ومشتملة على صاحب ذلك الاسم ، وهو الضمير المجرور في (له)
.
(و) نحو : مررت
به فإذا له (صراخ صراخ الثكلى) أي : يصرخ صراخ الثكلي ، وهي امرأة مات ولدها.
__________________
(ومنها) أي : من تلك المواضع (ما وقع)
أي : موضع مفعول مطلق وقع (مضمون جملة ولا محتمل
لها) أي : لهذه الجملة.
(غيره) أي :
غير المفعول المطلق (نحو : له عليّ ألف درهم اعترافا) أي : اعترفت اعترافا ف : (اعترافا)
مصدر وقع مضمون جملة ، وهي : (له على ألف درهم) ؛ لأن مضمونها الاعتراف ،
ولا محتمل لها سواه .
(ويسمى) هذا
النوع من المفعول المطلق (تأكيدا لنفسه) أي : لنفس المفعول المطلق ؛ لأنه إنما
يؤكد نفسه وذاته ، لا أمرا يغايره ولو بالاعتبار .
(ومنها) ما وقع
مضمون جملة لها أي : لهذه الجملة (محتمل غيره) أي : غير
__________________
المفعول المطلق (نحو : زيد قائم حقا) أي : حقّ حقا من حقّ يحقّ ، إذا ثبت
ووجب.
ف : (حقا) مصدر
وقع مضمون جملة ، وهي قوله : (زيد قائم) ولها محتمل غيره؛ لأنها تحتمل الصدق والكذب ، ولا حق والباطل. (ويسمى) هذا النوع من المفعول
المطلق (تأكيدا لغيره) ؛ لأنه من حيث هو منصوص عليه بلفظ المصدر يؤكد نفسه من حيث هو
محتمل الجملة فالمؤكّد ـ اسم مفعول ـ من حيث اعتبار وصف الاحتمال فيه يغاير
المؤكّد ـ اسم فاعل ـ من حيث انه منصوص عليه بالمصدر . ويحتمل أن يكون المراد : أنه تأكيد لأجل غيره ، ليندفع
الاحتمال ، وعلى هذا ينبغي أن يكون المراد بالتأكيد لنفسه أنه تأكيد
لأجل نفسه ، ليتكرر ويتقرر حتى يحسن التقابل.
__________________
(ومنها ما وقع
مثنى) أي : على صيغة التثنية وإنّ لم يكن للتثنية بل للتكرير والتكثير ، ولا بد من تتميم هذه القاعدة من قيد الإضافة ، أي :
مثنى مضافا إلى الفاعل أو المفعول لئلا يرد مثل : قوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) [الملك : ٤] أي : رجعا مكررا كثيرا ، وفي جعل المثالين من تتمة التعريف لإفادة هذا القيد تكلّف.
(مثل لبّيك) أصله : ألبّ لك إلبابين ، أي : أقيم لخدمتك
وامتثال أمرك ، ولا أبرح عن مكاني إقامة كثيرة متتالية ، فحذف الفعل وأقيم المصدر
مقامه وردّ إلى الثلاثي بحذف زوائده ، ثم حذف حرف الجر من المفعول ، وأضيف المصدر
إليه ، فصار (لبيك).
__________________
ويجوز أن يكون
من (لبّ بالمكان) بمعنى : ألبّ ، فلا يكون محذوف الزوائد (و) على هذا القياس (سعديك) أي : أسعدك إسعادا بعد إسعاد.
بمعنى أعينك
إلا أن (أسعد) يتعدى بنفسه بخلاف (ألبّ) فإنه ينعدى باللام.
(المفعول به)
(المفعول به)
(هو ما وقع) أي
: هو اسم ما وقع (عليه فعل الفاعل) ولم يذكره اكتفاء بما سبق في المفعول المطلق.
والمراد بوقوع فعل الفاعل عليه : تعلقه به بلا واسطة حرف جر ،
فإنهم
__________________
يقولون في (ضربت زيدا) إن الضرب واقع على زيد ، ولا يقولون في : (مررت بزيد) إنّ المرور واقع عليه ، بل متلبس به ،
فخرج به المفاعيل الثلاثة الباقية.
فإنه لا يقال
في واحد منها : إنّ الفعل واقع عليه ، بل فيه أوله أو معه والمفعول المطلق بما يفهم من مغايرته لفعل الفاعل ، فإن المفعول المطلق عين فعله.
والمراد بفعل
الفاعل : فعل اعتبر إسناده إلى ما هو فاعل حقيقة أو حكما ، فخرج به مثل : (زيد) في
(ضرب زيد) على صيغة المجهول ، فإنه لم يعتبر إسناده إلى فاعله ، ولا يشكل بمثل : أعطي زيد درهما ، فإنه يصدق على (درهما)
أنه واقع عليه فعل الفاعل الحكمي المعتبر إسناد الفعل إليه ، فإن مفعول ما لم يسم
فاعله في حكم الفاعل.
__________________
وبما ذكرناه ظهر فائدة ذكر الفاعل ، فلا يرد أنه لو قال : ما وقع عليه الفعل ، لكان أخصر.
(محو (ضربت
زيدا) و (أعطيت زيدا درهما) فإن (زيدا) وقع عليه بلا واسطة حرف جر فعل اعتبر
إسناده إلى الفاعل الذي هو ضمير المتكلم.
(وقد يتقدم)
المفعول به (على الفعل) العامل فيه ، لقوة الفعل في العمل فيعمل فيه متقدما
ومتأخرا ، إمّا جوازا مثل : (الله أعبد) و (وجه الحبيب أتمنى) وإمّا وجوبا فيما تضمن معنى الاستفهام أو الشرط نحو : (من رأيت؟) و (من تكرم
__________________
يكرمك) هذا إذا لم
يكن مانع من التقديم كوقوعه في حيّز (أنّ) نحو : (من البرّ أن تكفّ لسانك) .
(وقد يحذف
الفعل) العامل في المفعول به ، (لقيام قرينة) مقاليّة أو حالية (جوازا
نحو : قولك (زيدا) لمن قال : (من أضرب؟) أي : اضرب زيدا ، فحذف الفعل للقرينة
المقالية التي هي السؤال ، ونحو : (مكة) للمتوجة إليها أي : تريد مكة ، فحذف الفعل
للقرينة الحالية (ووجوبا في أربعة مواضع) تخصيصها بالذكر ليس للحصر ، لوجوب الحذف
في (باب الإغراء) و (المنصوب على المدح أو الذم أو الترحّم) بل لكثرة مباحثها بالنسبة إلى هذه الأبواب.
(الأول) من تلك
المواضع الأربعة (سماعي) أي : مقصور على السماع ، لا يتجاوز عن أمثلة محدودة
مسموعة بأن يقاس عليها أمثلة أخرى ، (نحو : (امرأ ونفسه).
__________________
أي : اترك امرأ
ونفسه (انْتَهُوا خَيْراً
لَكُمْ) [النساء : ١٧١] أي : انتهوا عن التثليث
واقصدوا خيرا
لكم ، وهو التوحيد (وأهلا وسهلا) أي : أتيت أهلا ، أي : مكانا مأهولا معمورا ، لا
خرابا ، أو أهلا لا أجانب، ووطئت سهلا من البلاد، لاحزنا
(و) الموضع (الثاني)
من تلك المواضع الأربعة :
(المنادى)
(المنادى) :
(وهو المطلوب إقباله) أي : توجهه اليك بوجهه أو بقلبه ، كما إذا ناديت
__________________
مقبلا عليك بوجهه حقيقة ، مثل : (يا زيد) أو حكما مثل : (يا سماء ويا أرض
ويا جبال فإنها نزلت أولا منزلة من له صلاحية النداء ثم أدخل عليها حروف النداء
وقصد نداؤها. فهي في حكم من يطلب إقباله بخلاف المندوب ؛ لأنه المتفجع عليه ، أدخل
عليه حرف النداء لمجرد التفجع ، لا لتنزيله منزلة المنادى ، وقصد نداؤه. فخرج بهذا القيد عن تعريف المنادى ، ولهذا افرد المصنف
أحكامه بالذكر فيما بعد ، وفيه تحكم ، فإن المندوب أيضا كما قال بعضهم (منادى مطلوب إقباله
حكما على وجه التفجع ، فاذا قلت (يا محمداه) فكأنك تناديه وتقول له : تعال ، فانا مشتاق إليك) فالأولى
ادخاله تحن المنادى كما فعله (صاحب المفصل).
وقيل : الظاهر
من كلام سيبويه أيضا أنه داخل في المنادى. (بحرف نائب مناب
__________________
أدعو) من الحروف الخمسة ، وهي (يا ، وأيا وهيا وأي) والهمزة.
واخترز به عن نحو : ليقبل زيد .
(لفظا أو
تقديرا) تفصيل للطلب أي : طلبا لفظيا بأن تكون آلة الطلب لفظيّة نحو : (يا زيد) ، أو تقدير
يا بان تكون آلته مقدرة نحو : (يوسف أعرض عن هذا) أو للنيابة أي : نيابة لفظية بأن يكون
النائب ملفوظا ، أو تقديرية بأن يكون النائب مقدرا ، كما في المثالين المذكورين ،
أو للمنادى والمنادى الملفوظ ، مثل : يا زيد ، والمقدر، مثل : (ألا
يا اسجدوا) أي : ألا يا قوم اسجدوا.
وانتصاب
المنادى عند سيبويه على أنه مفعول به ، وناصبه الفعل المقدر. وأصل
__________________
(يا زيد) : أدعو زيدا
، فحذف الفعل حذفا لازما ، لكثرة
استعماله ، ولدلالة حرف النداء
عليه ، وافادته فائدته. وعند المبرد
: بحرف النداء لسده مسد الفعل.
وقال أبو علي في بعض كلامه : أن (يا) وأخواته أسماء أفعال.
فعلى هذين
المذهبين لا يكون من هذا الباب ، أي : مما انتصب المفعول به بعامل واجب الحذف ،
وعلى المذاهب كلها ، مثل : (يا زيد) جملة وليس المنادى أحد جزئي الجملة.
فعند سيبويه
كلا جزئي الجملة ـ أي : الفعل والفاعل ـ مقدران.
وعند المبرد حرف النداء قائم مقام أحد جزئي الجملة ، أي : الفعل ،
والفاعل مقدر.
__________________
وعند أبي علي :
أحد جزئيها اسم الفعل والآخر ضمير مستتر فيه.
(ويبنى) اي : المنادى : قدم بيان البناء والخفض والفتح على
النصب لقلتها بالنسبة إلى النصب ، ولطلب الاقتصار في بيان النصب بقوله (وينصب ما سواهما).
(على ما يرفع
به) أي : على الضم أو الألف أو الواو التي يرفع بها المنادى في غير صورة النداء. والفعل مسند إلى الجار والمجرور ، أي : (به)
ولا ضمير فيه وارجاع الضمير إلى الاسم غير ملائم لسوق الكلام .
__________________
(إن كان) أي : المنادى (مفردا) أي : لا
يكون مضافا ولا شبه مضاف. وهو كل اسم لا يتم
معناه الا بانضمام
أمر آخر إليه.
(معرفة) قبل
النداء أو بعده.
وإنما بنى
المفرد المعرفة لوقوعه موقع الكاف الاسمية المشابهة لفظا ومعنى لكاف الخطاب
الحرفية ، وكونه مثلها افرادا أو تعريفا . وذلك ؛ لأن (يا زيد) بمنزلة (أدعوك) وهذه الكاف ككاف (ذلك) لفظا ومعنى.
وإنما قلنا ذلك ؛ لأن الاسم لا يبنى الا لمشابهته الحرف أو الفعل ولا
يبنى
__________________
لمشابهة الاسم المبني.
(مثل (يا زيد ،
ويا رجل) مثالان لما هو مبني على الضمة أولهما معرفة قبل النداء ، وثانيهما معرفة بعد النداء.
(ويا زيدان) مثال المبني على الألف (ويا زيدون) مثال المبني على
الواو (ويخفض) أي : ينجر المنادى (بلام الاستغاثة) أي : بلام تدخله وقت الاستغاثة وهي لام التخصيص أدخلت على المستغاث دلالة
على أنه مخصوص من بين أمثاله بدعاء (نحو يا لزيد) وإنما فتحت لئلا يلتمس بالمستغاث له إذا حذف
__________________
المستغاث نحو (يا للمظلوم) أي : يا قوم للمظلوم ، فإنه لو لم يفتح لام الاستغاثة لم يعلم
أنّ المظلوم في هذا المثال مستغاث أو مستغاث له ، ولم يعكس الأمر ؛ لأن المنادى
المستغاث واقع موقع كاف الضمير التي يفتح لام الجر معها ، نحو : (لك) بخلاف
المستغاث له ، لعدم وقوعه موقع الضمير.
فان عطفت على
المستغاث بغير (يا) نحو : يا لزيد ولعمرو ، كسرت لام المعطوف ؛ لأن الفرق بينه وبين
المستغاث له حاصل بعطفه على المستغاث.
وان عطفت مع (يا)
فلا بد من فتح لام المعطوف أيضا ، نحو : يا لزيد ويا لعمرو ، وإنما أعرب المنادى بعد دخول لام الاستغاثة ؛ لأن علة نبائه كانت مشابهته للحرف ، واللام الجارة من خواص
الاسم فبدخولها عليه ضعفت مشابهته للحرف ، فأعرب على ما هو الأصل فيه.
__________________
قيل : قد يخفض المنادى بلامي التعجب والتهديد أيضا ، فلام التعجب نحو : (يا للماء) و (يا للدّاهي) ، ولام التهديد نحو : (يا لزيد لأقتلنّك) ، فلم أهمل المصنف
ذكرهما؟ وكيف يصدق قوله فيما بعد وينصب ما سواهما كلّيا؟ وأجيب بأن
كلا من هاتين اللامين لام الاستغاثة ، كأن المهدّد ـ اسم فاعل ـ يستغيث بالمهدّد ـ أسم مفعول ـ ليحضر ،
فينتقم منه ، ويستربح من ألم خصومته ، وكأنّ المتعجب يستغيث بالمتعجب منه ليحضر ،
فيقضي منه التعجب ويتخلص منه.
وأجيب عن لام
التعجب بوجه آخر ذكره المصنف في (الإيضاح) وهو أن المنادى
__________________
في قولهم (يا للماء) و (يا للدواهي) ليس الماء ولا الدواهي وإنما المراد :
يا قومي أو يا هؤلاء اعجبوا للماء وللدواهي ولا يخفى عليك أن القول بحذف المنادى
على تقدير كسر اللام ظاهر ، وأما على تقدير فتحها فمشكل لانتفاء ما يقتضي فتحها ، كما هو الظاهر مما سبق (ويفتح) أي : يبنى المنادى على الفتح (لإلحاق ألفها) أي : ألف الاستغاثة بآخره لاقتضاء الأف فتح ما قبلها (ولا
لام) فيه حينئذ ؛ لأن اللام يقتضي الجر والألف الفتح فبين أثريهما تناف ، فلا يحسن الجمع بينهما (مثل : يا زيداه) بإلحاق الهاء
به للوقف (وينصب ما سواهما) أي : ينصب بالمفعوللية ما سوى المنادى المفرد المعرفة ، ...
__________________
والمنادى المستغاث مع اللام أو الألف لفظا أو تقديرا إن كان معربا قبل دخول حرف النداء ؛ لأن علة النصب وهي
المفعولية متحققة فيه ، وما غيّره مغير عن حال وما سوى المفرد المعرفة ، أما ما لا
يكون مفردا بأن يكون مضافا أو شبه مضاف ، وأما ما يكون مفردا ولكن لا يكون معرفة ،
وإما ما لا يكون مفردا ولا معرفة ، فالقسم الأول وهو ما لا يكون مفردا لكونه مضافا
(مثل : يا عبد الله) .
والقسم الثاني
: وهو ما لا يكون مفردا لكونه شبه مضاف (مثل : يا طالعا جبلا).
__________________
والقسم الثالث
: وهو ما يكون مفردا ولكن لا يكون معرفة (مثل : يا رجلا). مقولا (لغير معين) ، أي : لرجل غير معين وهو توقيت لنصب رجلا ، لا
تقييد له ؛ لأنه منصوبا لا يحتمل المعين.
والقسم الرابع
: وهو ما لا يكون مفردا ولا معرفة مثل يا حسنا وجهه ظريفا ، ولم يورد المصنف لهذا القسم مثالا ؛ إذ حيث اتضح انتفاء كل من القيدين بمثال سهل تصور
انتفائهما معا ، فلا حاجة إلى إيراد مثال له على انفراده مع أن المثال الثاني
يحتمله ، فيمكن أن يراد بقوله يا طالعا جبلا غير معين ؛ لأن هذه العبارة أعم من أن
يراد بها معين ، فأمثلة الأقسام بأسرها مذكورة وهذه الأمثلة كلها مثال لما سوى المستغاث أيضا ، فلا حاجة إلى إيراد
مثال له على حدة.
__________________
(وتوابع المنادى المبني)
على ما يرفع به (المفردة)
حقيقة أو حكما إنما قيد المنادى بكونه مبنيا ؛ لأن توابع المنادى المعرب تابعة
للفظه فقط ، وقيدنا
المبني بكونه على ما يرفع به ؛ لأن توابع المستغاث بالألف لا يجوز فيها الرفع ،
نحو : يا زيداه
وعمرا لا وعمرو ؛ لأن المتبوع مبني على الفتح ، وقيد التوابع بكونها مفردة لأنه لو
لم تكن مفردة لا حقيقة ولا حكما كانت مضافة بالإضافة المعنوية وحينئذ لا يجوز فيها
إلا النصب
، وإنما جعلنا
المفردة أعم من أن تكون مفردة حقيقة بأن لا تكون
__________________
مضافا معنويا ولا لفظيا ولا شبه مضاف ، أو حكما بأن تكون مضافا لفظيا أو مشبها بالمضاف
، فإنهما لما انتفت عنهما الإضافة المعنوية كانا في حكم المفرد ، ليدخل فيها المضافة بالاضافة اللفظية والمشبهة بالمضاف ؛
لأنها كالتوابع المفردة في جواز الرفع والنصب نحو : (يا زيد الحسن الوجه) و (الحسن
الوجه) و (يا زيد الحسن وجهه و (الحسن وجهه).
ولما لم يجز الحكم الآتي في التوابع كلها بل في بعضها ، ولم يجز
فيما هو جار فيه مطلقا بل لا بد في بعضها من قيد ، فصل التوابع الجاري هذا الحكم
فيها ، وصرح بالقيد فيما هو محتاج إليه ، فقال (من التأكيد) أي : المعنوي ؛ لأن التأكيد اللفظي ، حكمه ...
__________________
في الأغلب حكم الأول إعرابا وبناء ، نحو : يا زيد زيد ، وقد يجوز اعرابه
رفعا ونصبا.
وكأن المختار
عند المصنف ذلك ، لذلك لم يقيد التأكيد بالمعنوي (والصفة) مطلقا (وعطف البيان) كذلك (والمعطوف) بحرف (الممتنع دخول (يا) عليه) يعني: المعرف
باللام بخلاف البدل والمعطوف الغير الممتنع دخول (يا) عليه ، فإن حكمهما غير حكمها كما سيجيئ.
(ترفع حملا على لفظه) الظاهر ...
__________________
أو المقدر ؛ لأن بناء المنادى عرضي فيشبه المعرب فيجوز أن يكون تابعه تابعا
للفظه.
(وتنصب) حملا (على
محله) لا من حق تابع المبني أن يكون تابعا لمحله وهو ها هنا منصوب المحل على
المفعولية ، نحو : (يا تميم أجمعون ، وأجمعين) في التأكيد (مثل : يا زيد العاقل والعاقل) في الصفة ، واقتصر على مثالها ؛ لأنها أكثر
وأشهر استعمالا ، و (يا غلام بشر وبشرا) في عطف البيان ، و (يا زيد والحارث
والحارث) في المعطوف عليه بحرف الممتنع دخول (يا) عليه (والخليل بن أحمد ، وهو أستاذ سيبويه (في المعطوف) بحرف الممتنع
دخول (يا) عليه (يختار الرفع) مع تجويزه النصب ؛ لأن المعطوف بحرف في الحقيقة
منادى مستقل ، فينبغي أن يكون على حالة جارية عليه على تقديبر مباشرة حرف النداء
له وهي الضمة أو ما يقوم مقامها ، ولكن لما لم يباشره حرف النداء جعلت تلك الحالة
اعرابا فصارت رفعا.
(وأبو عمرو) بن العلاء النحوي القارئ المقدم على الخليل ، يختار فيه
__________________
(النصب) مع تجويزه الرفع فإنه لما امتنع فيه تقدير حرف النداء بواسطة اللام لا يكون منادى مستقلا ، فله حكم التبعيّة ، وتابع
المبني تابع لمحله ومحله النصب .
(وأبو العباس) المبرد (إن كان) المعطوف المذكور (كالحسن) أي : كاسم
الحسن في جواز نزع اللام عنه.
__________________
(فكالخليل) أي
: فأبو العباس مثل : الخليل في اختيار رفعه ، لإمكان جعله منادى مستقلا ، ينزع اللام عنه ، (وإلّا)
أي. وان لم يكن المعطوف المذكور ، كاسم الحسن في جواز نزع اللام عنه مثل : (النّجم
والصّعق) (فكأبي عمرو) أي : أبو العباس مثل : أبي عمرو في اختيار النصب ، لامتناع
جعله منادى مستقلا.
(والمضافة) عطف على المفرده. أي : وتوابع المنادى المبني على ما
يرفع به ، المضافة بالإضافة الحقيقية (تنصب) لأنها إذا وقعت منادى تنصب فنصها إذا وقعت توابع ...
__________________
أولى ؛ لأن حرف النداء لا يباشرها ، مثل : (يا تميم كلّهم) في التأكيد و (يا زيد ذا المال) في الصفة (ويا رجل أبا عبد الله) في عطف البيان.
ولا يجئ المعطوف بحرف الممتنع دخول (يا) عليه مضاف ؛ لأن اللام يمتنع دخولها على المضاف بالإضافة الحقيقية.
(والبدل
والمعطوف غير ما ذكر) أي : غير المعطوف الذي ذكر من قبل وهو الممتنع دخول (يا)
عليه ، فغيره المعطوف الذي لا يمتنع دخول (يا) عليه (حكمه) أي : حكم كل واحد منها (حكم) المنادى (المستقل) الذي
باشره حرف النداء ، وذلك؛ لأن البدل هو المقصود بالذكر والأول كالتوطئة لذكره ، والمعطوف المخصوص هو
__________________
المنادى المستقل في الحقيقة ، ولا مانع من دخول (يا) عليه ، فيكون حرف النداء مقدرا فيه (مطلقا)
أي : حال كون كل واحد منهما مطلقا في هذا الحكم غير مقيد بحال من الأحوال أي :
سواء كانا مفردين أو مضافين أو مضارعين للمضاف أو نكرتين. فالبدل مثل: (يا زيد
بشرّ) و (يا زيد أخا عمرو) و (يا زيد طالعا جبلا) و (يا زيد رجلا صالحا).
والمعطوف مثل :
(يا زيد وعمرو) و (يا زيد وأخا عمرو) و (يا زيد وطالعا جبلا) و (يا زيد ورجلا
صالحا).
(والعلم) أي : العلم المنادى المبني على الضم ، أما كونه منادى ،
فلأن الكلام فيه ، وأما كونه مبنيا على الضم فلما يفهم من اختيار فتحه المنبئ عن جواز ضمه ، فإن جواز الضمة ...
__________________
لا يكون إلا في
المبني على الضم (الموصوف ب : (ابن)
مجرد عن التاء أو ملحق بها ، أعني : ابنة ، بلا تخلل واسطة بين الابن وموصوفة ،
كما هو المتبادر إلى الفهم ، فيخرج عنه مثل : (يا زيد الظريف ابن عمرو).
(مضافا) أي : حال كون ذلك الابن مضافا (إلى علم آخر) فكل علم
يكون كذلك يجوز فيه الضّم لما عرفت من قاعدة بناء المفرد على ما يرفع به ، لكن (يختار
فتحه) لكثرة وقوع المنادى الجامع لهذه الصفات والكثرة مناسبة للتخفيف ، فخففوه بالفتحة ...
__________________
التي هي حركته الاصلية ، لكونه مفعولا به (وإذا نودي المعرف باللام) أي : إذا أريد نداؤه (قيل) مثلا : (يا أيها الرجل) بتوسيط (أي) مع (ها) التنبيه ، بين حرف النداء والمنادى المعرف باللام تحرزا عن
اجتماع التي التعريف بلا فاصلة (و (يا هذا الرجل) بتوسط (هذا) (ويا هذا الرجل) بتوسط الامرين معا.
(والتزموا)
يعني : العرب (رفع الرجل) مثلا وان كان صفة وحقها جواز الوجهين ، الرفع والنصب كما
مر (لانه) أي : الرجل مثلا (هو المقصود) بالنداء فالتزموا رفعه لتكون حركته
الاعرابية موافقة للحركة البنائية التي هي علامة المنادى فيدل على أنه هو المقصود
بالنداء.
وهذا بمنزلة
المستثنى عن قاعدة جواز الوجهين في صفة المنادى ، ولهذا لم
__________________
يذكر هناك ما يخرج
صفة الاسم المبهم
عن تلك القاعدة.
(وتوابعه) بالجر عطف على الرجل ، أي : والتزموا رفع توابع الرجل
مفردة أو مضافة نحو : (يا أيها الرجل الظريف) و (يا أيها الرجل ذو المال) (لأنها
توابع) منادى (معرب) وجواز الوجهين إنما يكون في توابع المنادى المبني.
(وقالوا) بناء على قاعدة تجويز اجتماع حرف النداء مع اللام ، وهي
اجتماع أمرين ، أحدهما : كون اللام عوضا عن محذوف.
__________________
وثانيهما :
لزومها للكلمة.
(يا ألله) لأن
أصله (الآله) فحذفت
الهمزة ، وعوضت اللام عنها ولزمت الكلمة ، فلا يقال في سعة الكلام (لاه).
ولما لم يجتمع هذان الامران في موضع آخر اختص هذا الاسم بذلك الجواز
ولهذا قال (خاصة).
وأما مثل : (النّجم
والصّعق وإن كانت اللام لازمة في مثلها لكن ليست عوضا عن محذوف ، وأما (الناس) وان
كانت اللام فيه عوضا عن الهمزة ؛ لأن أصله (أناس) لكن ليست لازمة للكلمة ؛ لأنه يقال : (ناس) في سعة
الكلام ، فلا يجوز أن يقال (يا النجم) و (يا الناس) ولعدم جريان هذه القاعدة في (التي)
في قولهم :
__________________
من أجلك يا
التي تيّمت قلبي
|
|
وأنت بخيلة
بالوصل عنّي
|
لأن لامها ليست
عوضا عن محذوف ، وان كانت لازمة للكلمة حكموا عليه بالشذوذ.
وفي (الغلامان)
في قولهم :
فيا الغلامان
اللذان فرّا
لانتفاء
الامرين كليهما حكموا بأنه أشدّ شذوذا .
(ولك) أي : وجاز لك (في مثل : (يا تيم تيم عديّ) أي : في تركيب تكرر فيه المنادى المفرد
المعرفة صورة وولى الثاني اسم مجرور بالإضافة في الأول (الغمّ والنصب)
وفي الثاني النصب فحسب.
أما الضم في الأول فلأنّه منادى مفرد معرفة كما هو الظاهر والنصب على أنه مضاف إلى (عدي) المذكور.
__________________
و (تيم) الثاني
: تأكيد لفظي فاصل بين المضاف والمضاف إليه وذلك مذهب سيبويه.
أو مضاف إلى (عدي)
المحذوف بقرينة المذكور ، وذلك مذهب المبرد والسيرافي : أجاز الفتح مكان النصب على أن يكون في الأصل : يا تيم ـ بالضم ـ تيم عدي ،
ففتح الأول اتباعا لنصب الثاني ، كما في : يا زيد بن عمرو.
وتعين النصب في
الثاني ؛ لأنه إما تابع مضاف أو تابع مضاف. وتمام البيت :
__________________
يا تيم تيم عدي لا أبا لكم
لا يلقينّكم في سؤءة عمر
البيت لجرير
حين أراد عمر التيمي الشاعر أن يهجوه ، فقال جرير خطابا لبني تيم لا تتركوا عمر أن
يهجوني ، فيلقينكم في سوءة ، أي : مكروه من قبلي ، يعني : مهاجاته إيّاهم.
(و) المنادى (المضاف
إلى ياء المتكلم يجوز فيه) وجوه أربعة : فتح الياء مثل : (يا غلامي) وسكونها مثل : (يا غلامي) واسقاط الياء اكتفاء بالكسرة ، إذا
كان قبله كسرة احتراز عن نحو : (يا فتاي) مثل : (يا (غلام).
وقلبها الفا ،
نحو : (يا غلاما) وهذان الوجهان يقعان غالبا في النداء ؛ لأن النداء موضع التخفيف ؛ لأن المقصود
غيره فيقصد الفراغ من النداء بسرعة ، ليتخلص منه ويتوجه الى المقصود من الكلام.
__________________
فخفف (يا غلامي)
بوجهين : حذف الياء وابقاء الكسرة دليلا عليه ، وقلب الياء الفا ؛ لأن الألف
والفتحة أخف من الياء والكسرة.
وهما أي : هذان
الوجهان ، وان كانا واقعين في المنادى المضاف إلى ياء المتكلم لكن لا
يقعان في كل منادى كذلك ، بل فيما غلب عليه الاضافة إلى ياء المتكلم ، واشتهر بها لتدل الشهرة على الياء
المغيرة بالحذف أو القلب فلا تقول : (يا عدوّ) و (يا عدوّا). وقد جاء شاذا في
المنادى (يا غلام) بالفتح اكتفاء بالفتحة عن الألف.
(و) يكون
المنادى المضاف إلى ياء المتكلم (بالهاء ) في هذه الوجوه كلها (وقفا) أي : في حال الوقف ، تقول : (يا
غلاميه) و (يا غلامية) و (يا غلامه) و (يا
__________________
غلاماه) ، فرقا بين الوقف والوصل.
(وقالوا) أي : العرب في محاوراتهم (يا أبي ، ويا أمّي) على الوجوه الأربعة كسائر ما أضيف إلى ياء المتكلم مع
وجوه أخر زائدة عليها ، لكثرة استعمال ندائيهما في كلامهم كما أشار اليها بقوله : (و (يا أبت ، ويا أمت معا) أي : قالوا : (يا أبت، ويا أمّت) أيضا بابدال الياء بالتاء (فتحا وكسرا) أي : حال كون التاء مفتوحةعلى وفق حركة الياء ، أو
مكسورة لمناسبة الياء.
وقد جاء بالضم
أيضا نحو : (يا أبت ، ويا أمّت) لاجرائه مجرى المفرد المعرفة ولم يذكره لقلته.
(و) قالوا : (يا
أبتا) ...
__________________
و (يا أمّتا) (بالالف) بعد التاء جمعا بين العوضين (دون الياء) فما قالوا : (يا أبتي) و (يا أمّتي) احترازا عن الجمع بين
العوض والمعوض عنه فإنه غير جائز.
(و) قالوا : (يا
ابن أمّ) و (يا ابن عمّ خاصة) هذا الاختصاص بالنظر إلى الأم والغمّ ، أي : لا يقال : (يا
ابن أخ ويا ابن خال) لا بالنظر إلى الابن أيضا.
فانهم يقولون :
(يا بنت أمّ) و (يا بنت عمّ) على الوجوه الأربعة (مثل باب ، يا غلامي) فقالوا : (يا ابن أمّي) و (يا ابن عمّي)
ـ بفتح الياء ويكونها ـ و (يا ابن عما) بابدال الياء ألفا.
(وقالوا)
بزيادة وجه آخر شذ في المضاف إلى ياء المتكلم (يا ابن ام ويا ابن عم) بحذف الألف والاكتفاء بالفتحة لكثرة الاستعمال ،
وطول اللغظ ، وثقل التضعيف.
ولما كان من
خصائص النداء الترخيم شرع في بيانه فقال : (و)
(الترخيم)
(ترخيم المنادى)
(جائز) ...
__________________
أي : واقع في سعة الكلام من غير ضرورة شعرية دعت إليه ، فإن دعت
اليه ضرورة فبالطريق الأولى.
(و) هو (في
غيره) أي : غير المنادى واقع (ضرورة) أي : الضرورة شعرية دعت اليه ... لا في سعة الكلام.
(وهو) أي :
ترخيم المنادى (حذف في آخره) أي : آخر المنادى ، تخفيف أي : لمجرد التخفيف لا لعلة أخرى مفضية إلى الحذف المستلزم للتخفيف.
__________________
فعلى هذا يكون ذلك التعريف مخصوصا
بترخيم المنادى ، ويعلم منه ترخيم غير المنادى بالمقايسة ، ويمكن حمله على تعريف
الترخيم مطلقا بارجاع الضمير المرفوع إلى الترخيم مطلقا ، والضمير المجرور في قوله
: (في آخره) راجع إلى الاسم.
(وشرطه) أي :
شرط ترخيم المنادى ، على التقدير الأول. أو شرط الترخيم إذ كان واقعا في المنادى
على التقدير الثاني أمور أربعة ، ثلاثة منها عدميّة وهي (أن لا يكون مضافا) حقيقة ، أو
حكما ، فيدخل فيه المشبه بالمضاف أيضا ، إذ لا يمكن الحذف من الأول ؛ لأنه ليس آخر اجزاء المنادى نظرا الى المعنى . ولا من الثاني ؛ لأنه ليس آخر اجزائه نظرا إلى اللفظ ، فامتنع الترخيم فيهما بالكلية.
(و) أن (لا
يكون) (مستغاثا) ...
__________________
لا مجرورا باللام لعدم ظهور أثر النداء فيه من النصب أو البناء فلم يرد عليه الترخيم الذي هو من خصائص المنادى ، ولا مفتوحا بزيادة الألف ؛ لأن الزيادة تنافي الحذف.
ولم يذكر
المصنف المندوب ؛ لأنه غير داخل في المنادى عنده ، وما وقع في بعض النسخ (ولا
مندوبا) فكأنه من تصرف الناسخين مع أن وجه اشتراطه عند دخوله في
المنادى ظاهر ، وهو أن الأغلب فيه زيادة الألف في آخره لمد الصوت اظهارا للتفجع
فلا يناسبه الترخيم للتخفيف.
(و) أن (لا)
يكون (جملة) لأن الجملة محكية بحالها فلا تغير.
والشرط الرابع
: أحد الأمرين الوجوديين.
(و) هو أن (يكون)
المنادى (أما علما زائدا على ثلاثة أحرف) لأنه لعلميته
__________________
ناسبه التخفيف بالترخيم ، لكثرة نداء العلم مع أنه لشهرته يكون فيما أبقى
منه دليل على ما ألقى عنه ، ولزيادته على الثلاثة لم يلزم نقص الاسم عن أقل أبنية المعرب بلا علة موجبة.
(وإمّا) اسما متلبسا (بتاء التأنيث) وان لم يكن علما ولا زائدا على الثلاثة ؛ لأن وضع التاء على الزوال
فيكفيه أدنى مقتضى للسقوط ، فكيف إذا وقع موقعا يكثر فيه سقوط الحرف الأصلي ؟
__________________
ولم يبالوا
ببقاء نحو : (ثبة) و (شاة) بعد الترخيم على حرفين ؛ لأن بقاءه كذلك ليس لأجل
الترخيم بل مع التاء أيضا كان ناقصا عن ثلاثة
اذ التاء كلمة أخرى برأسها .
ولا يرخم لغير
ضرورة منادى لم يستوف الشروط المذكورة إلّا ما شذّ من نحو : (يا صاح) في (يا صاحب) ومع شذوذه فالوجه في ترخيمه كثرة استعماله منادى.
ولما فرغ من بيان شرائط الترخيم شرع في بيان كمية المحذوف بسببه فقال : (فان كان في آخره) أي : في آخر المنادى (زيادتان)
كائنتان (في حكم) الزيادة (الواحدة) في أنهما زيدتا معا ، واحترز به عن نحو : (ثمانية)
__________________
و (مرجانة)
أسماء فإن الياء والنون فيهما زيدتا أولا ، ثم زيدت تاء التأنيث ، فلم يحذف منهما
إلّا الآخر (ك ـ (أسماء) إذا جعلتها (فعلاء) من الوسامه ، أي : الحسن ، كما هو مذهب سيبويه ، لا (أفعالا) جمع (اسم)
على ما هو مذهب غيره ؛ لأنه يكون حينئذ من باب (عمّار) (و (مروان) ، (أو) كان في آخره (حرف صحيح) أي : صحيح أصليّ لتبادره
إلى الذهن ؛ لأن الغالب في الحرف الصحيح الأصالة فيخرج منه نحو : (سعلاة) ؛ لأنه لا يحذف منه إلّا التاء ، وهو أعمّ من أن يكون
حقيقة أو حكما ، فيشمل مثل : (مرميّ) و (مدعوّ) فإن الحرف الأخير منهما في حكم
الصحيح في الاصالة.
(قبله مدة) أي : ألف ، أو واو ، أو ياء ساكنة ، حركة ما قبلها من
جنسها.
__________________
والمراد بها
المدة الزائدة ، لتبادرها إلى الذهن ، لخفتها وكثرتها ، فيخرج منه نحو : (مختار) فإنه لا يحذف منه إلّا الحرف
الأخير. (وهو) أي : والحال أنّ ما في آخره حرف صحيح قبله مدة (اكثر من أربعة) من
الحروف كمنصور ، وعمّار ، ومسكين ، لئلا يلزم من حذف حرفين منه عدم بقائه على أقل
أبنية المعرب ، وانما لم يأخذ هذا القيد في قوله (زيادتان في حكم الواحدة) لأن نحو : (ثبون) و (قلون) يرخم بحذف زيادتيه ؛ لأن بقاء الكلمة فيه على حرفين ليس للترخيم .
(حذفتا) أي :
الحرفان الأخيران في كلا القسمين أمّا في الأول : فلما
__________________
كانتا في حكم الواحدة ، فكما زيدتا معا ، حذفتا معا ، وأمّا في الثاني : فلأنه
لما حذفت الأخير مع صحته وأصالته ، حذفت المدة الزائدة ، لئلا يرد المثل السائر (صلت على الأسد وبلت عن النّقد).
(وان كان مركبا)
ويعلم من بيان شرط الترخيم أنه لا يكون مضافا ولا جملة مثل : (بعلبك
وخمسة عشر) علمين (حذف الاسم الأخير) فيقال في (بعلبك) (يا بعل) وفي (خمسة عشر) (يا خمسة) لنزوله منزلة تاء التأنيث في كون كل
منهما كلمة على حدة صارت بمنزلة الجزء.
(وأن كان غير
ذلك) المذكور من الأقسام الثلاثة (فحرف واحد) أي : فيحذف
__________________
حرف واحد ، لحصول الفائدة المقصودة وعدم موجب حذف الأكثر نحو : (يا حار) و
(يا مال) في : يا حارث ، ويا مالك.
(وهو) أي :
المنادى المرخم (في حكم) المنادى (الثابت) بجميع أجزائه فيبقى الحرف الذي صار آخر الكلمة بعد
الترخيم على ما كان عليه قبله (على) الاستعمال (الاكثر فيقال) في (يا حارث) (يا حار) بكسر الراء على ما كان عليه قبل
الترخيم (و) في (يا ثمود) (و (يا ثمو) بواو متطرفة بعد ضمة (و) في (يا كروان) (يا كرو) بواو متحركة بعد فتحة.
(وقد يجعل) (قد)
للتقليل أي : ويجعل المنادى المرخم على الاستعمال الأقل (اسما برأسه) كأنه لم يحذف منه شيء فيكون له في بنائه واعلاله
وتصحيحه حكم نفسه لا حكم الأصل ، (فيقال : (يا حار) بالضم ، كأنه اسم مفرد معرفة برأسه فيضم و (ياثمي)
لأنه لما جعل (ثمو) اسما برأسه صارت الواو طرفا بعد ضمة ، فلا جرم
__________________
قلبت الواو ياء وكسر ما قبله ك : (أدل) في (أدلو).
(ويا كرا) لأنه
لما جعل (كرو) اسما برأسه ارتفع مانع الإعلال ، وهو وقوع الساكن بعد الواو فانقلبت
الواو ألفا ، لتحركها وانفتاح ما قبلها.
(وقد استعملوا)
يعني : العرب (صيغة النداء) يعني (يا) خاصة (في المندوب) لأنه لا يدخل عليه سواها لكونها أشهر صيغها فكانت أولى بأن يتوسع فيها باستعمالها في
غير المنادى.
والمندوب في اللغة : ميت يبكي عليه أحد ، ويعد مجاسنه ليعلم الناس أن
__________________
موته أمر عظيم ، ليعذروه في البكاء ، ويشاركوه في التفجع.
وفي الاصطلاح (هو
المتفجع عليه) وجودا أو عدما (بيا أو ، وا) فالمتفجع عليه عدما : ما يتفجع على عدمه كالميت الذي يبكي عليه النادب.
والمتفجع عليه وجودا : ما يتفجع على وجوده عند فقد المتفجع عليه عدما ، كالمصيبة
والحسرة والويل اللاحقة للنادب لفقد الميت. فالحد شامل لقسمى
المندوب ، مثل : يا زيداه ، ويا عمراه ، ومثل : يا ويلاه ، ويا حسرتاه ، ويا مصيبتاه.
(واختص)
المندوب (بوا) ممتازا ...
__________________
به عن المنادى لعدم دخوله عليه ، بخلاف (يا) فإنه مشترك
بينهما.
(وحكمه) اي :
حكم المندوب (في الإعراب والبناء حكم المنادى) أي : مثل : حكمه ، يعني : إذا وقع المندوب على صورة قسم من أقسام
المنادى ، فحكمه في الإعراب والبناء مثل : حكم ذلك القسم من
المنادى ، كما إذا كان مفردا معرفة ، يضم ، وإذا كان مضافا مشبها به ينصب ، ولا يلزم من
ذلك جواز وقوعه على صورة جميع أقسام المنادى ، ليرد أنه لا يندب إلا المعرفة.
(و) جاز (لك زيادة الألف في آخره) أي : في آخر المندوب (فإن خفت اللبس) أي : التباس
ذلك اللفظ ـ عند زيادة الألف ـ بغيره عدلت الى حرف مد مجانس لحركة آخر المندوب من كسرة أو ضمة ، كما إذا أردت ندبة غلام
__________________
مخاطبة (قلت : وا
غلامكية)
لا غلامكاه لالتباسه بندبة (غلام) مخاطب.
واذا أردت ندبة
غلام جماعة مخاطبين قلت : واغلامكموه ، إذ الميم أصلها الضم (لاغلامكماه) لالتباسه
بندية (غلام) مخاطبين اثنين.
(و) جاز (لك الهاء) أي : الحاق (ها) بهذه المدات (في) حال (الوقف) لبيانها .
(ولا يندب) من
قسم المندوب المنوب المتفجع عليه عدما (إلا) الاسم (المعروف) الذي اشتهر المندوب به ، ليعذر النادب بمعرفته في ندبته ، والتفجع عليه.
(فلا يقال : (وا
رجلاه) إلا إذا اشتهر بهذا اللفظ مندوب خاص انتقل الذهن
__________________
اليه ويعرف به ، ليعذر النادب بالندبة عليه.
(وامتنع) إلحاق الألف بصفة المندوب ، بل يجب أن يلحق بالموصوف
مثل : وا زيداه الطويل ؛ لأن اتصاله بالصفة ليس كاتصال المضاف بالمضاف إليه ؛ لأنه جيء به لتمام المضاف ، فهو كالجزء ، بخلاف الصفة فإنه جئ
بها بعد تمام الموصوف للتخصيص أو للتوضيح فلهذا جاز مثل : (يا أمير المؤمنيناه) ولم يجز مثل : (وا
زيد الطويلاه) خلافا ليونس) فإنه يجوز الحاق الألف بآخر الصفة ، فإن اتصال الموصوف
بالصفة وان كان في اللفظ انقص من الاتصال بين المضاف والمضاف إليه ، إلا أنه أتم
منه من جهة المعنى لاتحادهما بالذات ، فإن الطويل هو زيد لا غير بحلاف
المضاف والمضاف إليه فإنها متغايران بالذات.
__________________
وحكى يونس : أن
رجلا ضاع له قدحان ، فقال : واجمجمتي الثاميتيناه. والجمجمة : القدح.
(ويجوز) لقيام
قرينة (حذف حرف النداء إلا) إذا كان مقارنا (مع اسم الجنس) ونعني به : ما كان نكرة قبل النداء ، سواء تعرف بالنداء ك : (يا رجل) أو لم يتعرف مثل : يا رجلا ؛ لأن نداءه لم يكثر كثرة نداء العلم ، فلو حذف منه حرف النداء لم يسبق الذهن الى أنه منادى.
(والإشارة) أي : وإلا مع اسم الإشارة ؛ لأنه كاسم الجنس في
الإبهام.
__________________
(والمستغاث
والمندوب) لأن المطلوب فيهما مد الصوت وتطويل الكلام.
والحذف ينافيه
، فبقى على هذا من المعارف التي يجوز فيها حذف حرف النداء ، العلم سواء كان مع بدل عن حرف النداء كلفظة (الله) فإنه لا يحذف
منه إلا مع إبدال الميم المشددة منه ، نحو : اللهم ، أو بغير بدل (نحو (يوسف
أعرض عن هذا) اي : يا يوسف (و) لفظة (أيّ) إذا وصفت بذى اللام نحو : (أيها الرجل) أي : يا أيها الرجل ، أو بالموصوف بذي اللام نحو : (أيهذا الرجل) أي : يا أيهذا الرجل ،
__________________
فلا يجوز الحذف من (أيهذا) من غير أن يوصف (هذا) بذي اللام .
والمضاف الى أي
معرفة كانت نحو : (غلام زيد افعل كذا).
والموصولات نحو
: (من لا يزال محسنا أحسن الي).
وأما المضمرات فشذ نداؤها نحو : (يا أنت) و (يا اياك) ،
(وشذ) حذف حرف
النداء من اسم الجنس في : (أصبح ليل) أي : صر صبحا يا ليل ، حذف حرف النداء من الليل مع أنه اسم جنس شذوذا ،
قالته امرأة امرئ القيس حين كرهته.
(و) في (افتد
مخنوق) أي : يا مخنوق.
قاله شخص وقع
في الليل على نائم مستلق فخنقه ، وقال : افتد مخنوق حذف حرف النداء من (مخنوق) مع
انه اسم جنس شذوذا.
(و) في (أطرق
كرآ) أي : يا كروان وفيه شذوذان : حذف حرف النداء من اسم الجنس وترخيم غير
العلم.
__________________
قيل : هي رقية يصيدون بها الكروان
يقولون (أطرق
كرا ، أطرق كرا ، إن النعام في القرى) فيسكن ويطرق حتى يصاد والمعنى : أن النعام الذي هو اكبر منك قد اصطيد وحمل الى القرى
فلا تخلى ايضا.
(وقد يحذف المنادى لقيام قرينة جوازا نحو : (ألا يا اسجدوا) بتخفيف (ألا) على أنه حرف تنبيه ، و (يا) حرف نداء ، أي
: يا قوم اسجدوا.
والقرينة :
امتناع دخول (يا) على الفعل بخلاف قراءاته (ألا يسجدوا) بتشديد اللام ـ ؛ لأنه ليس من هذا
الباب ، فإن (أن) ناصبه للمضارع ، أدغمت نونها في لام (لا يسجدوا) ، و (يسجدوا) فعل مضارع سقط نونه بالنصب.
(والثالث) من تلك المواضع الأربعة التي وجب حذف ناصب المفعول به
فيها
__________________
(ما) أي : مفعول به (أضمر) أي : قدر (عامله) الناصب له (على شريطة التفسير) الشريطة والشرط واحد ، واضافتها الى التفسير بيانية ، اي : أضمر عامله بناء على شرط ، وهو تفسيره اي : تفسير العامل بما
بعده.
وانما وجب حذفه
حينئذ احترازا عن الجمع بين المفسّر والمفسّر.
(وهو) اي : ما
أضمر عامله على شريطة التفسير (كل اسم بعده فعل أو شبهه)
__________________
احترز به عن نحو : (زيد أبوك) ولا يريد به أن يليه الفعل أو شبهه متصلا به
، بل أن يكون الفعل أو شبهه جزء الكلام الذي بعده نحو : (زيدا ضربه) و (زيدا انت
ضاربه) (مشتغل) ذلك الفعل أو شبهه (عنه) أي : عن العمل في ذلك الاسم (بضميره) أي :
بالعمل في ضميره (أو في متعلقه) أي : متعلق ذلك الاسم ، أو متعلق ضميره . وحاصله : أن يكون الفعل أو شبهه مشتغلا بالعمل في ضمير
ذلك الاسم أو متعلقه فارغا عن العمل فيه بسبب ذلك الاشتغال لا بسبب آخر بحيث (لوسلط) بمجرد رفع ذلك
الاشتغال (عليه) أي : على ذلك الاسم (هو) أي : أحد الأمرين ، الفعل أو شبهه بعينه (أو
مناسبه) أي : ما يناسبه بالترادف أو اللزوم (لنصبه) أي : لنصب أحد هذين الأمرين
__________________
الاسم بالمفعولية كما هو الظاهر المتبادر .
فبقيد الاشتغال
بالضمير أو متعلقه خرج نحو : (زيدا ضربت) وبقيد الفراغ عن العمل فيه بمجرد ذلك
الاشتغال خرج نحو : (زيد ضربته) ، فإن المانع من عمل (ضربته) في (زيد) ليس مجرد
اشتغاله بضميره ؛ لأن عمل معنى الابتداء فيه ورفعه إياه أيضا مانع عن ذلك.
وبتقييد النصب
بالمفعولية خرج خبر كان في نحو : (زيدا كنت إياه) وهنا صور أربع :
أحداها :
اشتغال الفعل بالضمير مع تقجير تسليطه بعينه.
والثانية :
اشتغاله بالضمير مع تقدير تسليط ما يناسب الفعل بالترادف.
والثالثة :
اشتغال الفعل بالضمير مع تقدير تسليط ما يناسب الفعل بالزوم.
والرابعة :
اشتغال الفعل بالمتعلق ، ولا يتصور حينئذ إلا تقدير تسليط الفعل
__________________
المناسب باللزوم ، ولهذا أورد المصنف أربعة أمثلة ، ثلاثة منها للمشتغل
بالضمير بإقامة الثلاثة ، وواحد للمشتغل بالمتعلق.
والأحسن في ترتيبها حينئذ تأخير مثال المشتغل بالمتعلق ، كما لا
يخفى وجهه(نحو : (زيدا ضربته) مثال الفعل المشتغل بالضمير مع
تقجير تسليطه بعينه.
(و (زيدا مررت
به) مثال الفعل المشتغل بالضمير مع تقدير تسليط ما يناسبه بالترادف ، فإن (مررت)
بعد تعديته بالبناء مرادف ل (جاوزت).
(و (زيدا ضربت
غلامه) مثال الفعل المشتغل بالمتعلق .
(و (زيدا حبست
عليه) مثال الفعل المشتغل بالضمير مع تقدير تسليط ما يناسبه باللزوم ، فإن حبس
الشيء على الشيء يلزمه ملابسته للمحبوس عليه .
__________________
(ينصب) (زيد) في هذه الأمثلة (بفعل يفسره ما بعده ، أي : ضربت) يعني : الفعل المفسر الناصب لزيد في :
زيدا ضربته (ضربت) المقدر.
فان الأصل فيه (ضربته) أضمر (ضربت) الأول لوجود مفسره ، أعني : (ضربت)
الثاني (و) على هذا القياس (جاوزت) فإنه مفسر بما يرادفه ، أعني : مررت به (وأهنت) فإنه مفسر بما يستلزمه أعني : ضربت غلامه ، فإن ضرب
الغلام يستلزم إهانة سيده.
(ولا بست) فإنه مفسر بما يستلزمه أعني : حبست عليه.
ثم أن الاسم
الواقع في مظان الاضمار على شريطه التفسير إما المختار ، أو الواجب فيه
الرفع ، أو النصب ، أو يستوى فيه الأمران.
__________________
وإلى هذه الصور
الخمس أشار المصنف فقال :
(ويختار) في الاسم المذكور (الرفع بالابتداء) أي : بكونه مبتدأ ؛ لأن تجرده عن العوامل اللفظية يصحح رفعه بالابتداء ويرجح (عند عدم قرينة خلافه) أي : قرينة ترجح
خلاف الرفع ، يعنى : النصب ؛ لأن قرينتي الصحة فيهما متساويتان ؛ لأن وجود ما له صلاحية التفسير
قرينة مصححة للنصب ، فمتى لم ترجح النصب قريبة أخرى يرجح الرفع لسلامته عن الحذف نحو : (زيد ضربته).
(أو عند وجود)
القرينة المرجحة من الجانبين ، ولكن تكون القرينة المرجحة للرفع (أقوى منها) أي : من القرينة المرجحة للنصب ...
__________________
(كأما) الداخلة على ذلك الاسم (مع غير الطلب) أي : بشرط أن لا يكون الفعل المشتغل عنه طلبا ، كالأمر والنهي ، والدعاء نحو : (لقيت القوم وأما زيد فأكرمته) فالعطف على الفعلية قرينة للنصب ، وكلمة (أما) قرينة للرفع وهي أقوى ؛ لأنها لا يقع
بعدها غالبا إلا المبتدأ بخلاف عطف الاسمية على الفعلية فإنه كثير الوقوع في كلامهم مع أنها تأيدت بالسلامة عن الحذف أيضا. وانما
قال (مع غير الطلب) احترازا عما إذا كانت مع الطلب نحو : (أما زيدا فاضربه) فإن
المختار حينئذ هو النصب ، فإن الرفع ...
__________________
يقتضى وقوع الطلب خبرا ، وهو لا يجوز الا بتأويل.
أو مثل (أما) مع غير الطلب (اذا) الواقع على الاسم المذكور (للمفاجأة) في كونه من
أقوى القرائن مثل : (خرجت فاذا زيد يضربه عمرو) فإن المختار فيه الرفع فإن (إذا المفاجأة) لا
تدخل إلا على الجملة الإسمية غالبا ، وما وقع في بحث الظروف من أن (اذا المفاجأة) يلزم
بعدها الاسمية فالمراد بلزوم الاسمية غلبة وقوعها بعدها فلا تناقض.
(ويختار النصب)
في الاسم المذكور (بالعطف) أي : بسبب عطف جملة هو فيها (على جملة فعلية) متقدمة (للتناسب) أي : لرعاية التناسب بين الجملة المعطوف ...
__________________
عليها في كونهما فعليتين نحو : (خرجت فزيدا لقيته) (وبعد حرف النفي) يعني : (ما ولا وإن) وليس (لم ولما ولن) من هذه الجملة
إذ هي عاملة في المضارع ، ولا يقدر معمولها لضعفها في العمل نحو : (ما زيدا ضربته) و (لا زيدا ضربته) ولا
عمرا و (إن زيدا
ضربته إلا تأديبا).
(و) بعد (حرف
الاستفهام) نحو : (أزيدا ضربته؟).
انما قال : (حرف
الاستفهام) لأنه يختار الرفع في اسم الاستفهام مثل : (من أكرمته؟)
ولم يقل همزة الاستفهام ، ليشمل مثل : (هل زيدا ضربته؟) فإنه يجوز وان
__________________
استقبحه النحاة لاقتضاء (هل) لفظ الفعل ؛ لأنه بمعنى (قد) في
الأصل ، فلا يكفي فيه تقدير الفعل.
(و) بعد (إذا
الشرطية) الدالة على المجازاة في الزمان ، نحو : (إذا عبد الله
تلقاه فأكرمه) (و) بعد (حيث) الدالة على المجازاة في المكان ، نحو : (حيث زيدا
تجده فأكرمه).
(وفي) ما قبل (الأمر والنهي) يعني : موضع وقوع الاسم المذكور قبل الأمر والنهي ، مثل : (زيدا
اضربه) و (زيدا لا تضربه) .
وإنما اختير في
هذه المواضع ـ أي : ما بعد حرف الاستفهام والنفي وإذا الشرطية وحيث ، وما قبل
الأمر والنهي ـ النصب في الاسم المذكور (إذ هي) أي : هذه
__________________
المواضع (مواقع الفعل) أي : مواضع وقوع الفعل فيها أكثر فإذا نصب الاسم المذكور وقع فيها
الفعل تقديرا ، وإلا فلا .
(و) كذلك يختار
النصب في الاسم المذكور (عند خوف لبس المفسر) أي : التباس ما هو مفسر في حال النصب ، لكن
لا من من حيث هو مفسر في هذه الحال بل من حيث هو خبر في حال الرفع (بالصفة) فلا يعلم أنه خبر عن الاسم المذكور في حال الرفع مع
موافقته للمعنى المقصود ، أو صفة له مع مخالفته للمعنى المقصود.
فالالتباس إنما هو بين خبرية ذات ما هو مفسر على تقدير النصب ـ ووصفيته
__________________
لا بينه ـ بوصف التفسير ـ وبين الصفة فإن التركيب لا يحتملهما معا مثل : قوله تعالى: (إِنَّا كُلَ شَيْءٍ
خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر : ٤٩] بنصب (كل شئ) على الإضمار بشريطة ، ولو رفع بالابتداء وجعل (خلقناه)
خبرا له لكان موافقا للنصب في أداء المقصود ولكن خيف لبسه بالصفة لاحتمال كون قوله
(بقدر) خبرا وهو خلاف المقصود فإن المقصود الحكم على (كل شيء) بانه نخلوق لنا
بقدر لا الحكم (على كل شيء) مخلوق لنا أنه (بقدر) فإنه يوهم كون بعض الاشياء الموجودة غير مخلوق لله ،
__________________
كما هو مذهب (المعتزلة) في الأفعال الاختيارية للعباد.
(ويستوى
الأمران) أي : الرفع والنصب ، فللمتكلم أن يختار كل واحد منهما بلا تفاوت (في) مثل
: (زيد قام وعمرا أكرمته) أي : عنده أو في داره ونحو ذلك ، وإلا لا يصح العطف على الصغرى
لعدم الضمير أي : يستوي الامران فيما إذا عطف الجملة التي وقع فيها الاسم المذكور
على جملة ذات وجهين أي : جملة اسمية خبرها جملة فعلية ، فيصبح رفعه
بالابتداء ونصبه بتقدير الفعل والوجهان مستويان لحصول التناسب فيهما.
ففي الرفع تكون
اسمية فتعطف على الجملة الكبرى وهي اسمية وفي النصب تكون فعلية فتعطف على الجملة
الصغرى وهي فعلية.
فان قلت : السلامة من الحذف مر جحة الرفع قلنا : هي معارضة بقرب المعطوف عليه.
__________________
فان قلت : لا تفاوت في القرب والبعد بينهما إذ الكبرى أيضا
قريبه غير مفصولة عنها ، قلنا : هذا باعتبار المنتهى وأما باعتبار المبتدأ
فالصغرى أقرب.
(ويجب النصب)
أي : نصب الاسم المذبكور (بعد حرف الشرط) والمراد به هنا (إن) و (لو) فإن (أما) وان كانت من حروف الشرط فحكمها ما سبق من اختيار
الرفع مع غير الطلي واختيار النصب مع الطلب (و) كذا يجب النصب بعد (حرف التحصيص) وهو (هلا وألا ولو لا ولو ما).
وانما وجب
النصب بعدهما لوجوب دخولهما على الفعل لفظا أو تقديرا (نحو (إن زيدا ضربته
ضربك) مثال لحرف الشرط (و (ألا زيدا ضربته) مثال لحرف التحصيص.
(وليس ...
__________________
مثل : (أزيد ذهب به؟) أي : من باب الاضمار على شريطة التفسير ، فإن (زيدا)
فيه وان كان يظن في بادئ النظر انه مما أضمر عامله على شريطة التفسير والمختار فيه
النصب لوقوع الاسم المذكور فيه بعد حرف الاستفهام ، لكن يظهر بعد تعمق النظر انه
ليس منه فإنه وان صجق عليه انه اسم بعده فعل مشتغل عنه بضميره لكنه ليس بحيث لو
سلط عليه هو أو مناسبه لنصبه ؛ لأن (ذهب به) لا يعمل النصب وكذا مناسبه ، أعني: (أذهب).
فان قلت : لا ينحصر المناسب في (أذهب) فليقدر مناسب آخر ينصبه
مثل : (يلابس) أو (أذهب) على صيغة المعلوم ، فيكون تقديره : أزيدا يلابسه الذهاببه،
__________________
أو يلابسه أحد بالذهاب به ، أو : أذهبه أحد .
قلنا : المراد
بالمناسب ما يرادف الفعل المذكور أو يلازمه مع اتحاد ما أسند إليه فالاتحاد فيما ذكرته مفقود وإذا كان الأمر
كذلك (فالرفع) أي : رفع (زيد) في المثال المذكور (واجب) بالابتداء ونصبه غير جائز بالمفعولية.
فليس من باب
الاضمار على شريطة التفسير فكيف يكون مما يختار فيه النصب؟ (وكذا) أي : مثل : (أزيد
ذهب به) (قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ ...
__________________
فِي
الزُّبُرِ) [القمر : ٥٢])
أي : في صحائف
اعمالهم فهو ليس من باب الاضمار على شريطة الفسير ؛ لأنه لو جعل منه لصار التقدير
فعلوا كلّ شيء في الزبر فقوله (فِي الزُّبُرِ) إن كان متعلقا (فعلوا) فسد المعنى ؛ لأن صحائف أعمالهم ليست محلا لفعلهم ؛ لأنهم لم يوقعوا فيها فعلا ، بل الكرام الكاتبون اوقعوا فيها كتابة أفعالهم.
وان كان صفة
لشيء ـ مع أنه خلاف ظاهر الآية ـ فات المعنى المقصود ، اذ المقصود أنّ كلّ شيء هو مفعول لهم كائن في الزبر مكتوب فيها
موافقا لقوله تعالى : ((وَكُلُّ صَغِيرٍ
وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) [القمر : ٥٣]) لا أنّ كل شيء كائن في صحائف أعمالهم هو مفعول لهم ،
فالرفع لازم على أن يكون (كل شيء) مبتدأ والجملة الفعلية صفة
لشيء والجار والمجرور في محل الرفع على أنه خبر المبتدأ تقديره : كلّ شيء هو مفعول لهم ثابت في الزبر بحيث لا يغادر صغيرة ولا كبيرة .
__________________
واعلم أنّه قد سبق أنّ بعد الاسم المذكور إذا كان الفعل
المشتغل عنه بضميره أو متعلقه أمرا أو نهيا فالمختار فيه النصب .
فالظاهر أن قوله تعالى : (الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) [النور : ٢] داخل تحت هذه القاعدة مع أن القراء اتفقوا فيه على الرفع إلّا في رواية شاذة عن بعضهم ، فاضطر النحاة إلى أن
تمحّلوا لاخراجه عن هذه القاعدة المذكورة لئلا يلزم اتفاق القراء على غير المختار.
فأشار المصنف
إلى ما تمحّلوا لاخراجه عنها فقال : (ونحو : (الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي
__________________
فَاجْلِدُوا
كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) (الفاء) فيه مرتبط (بمعنى الشرط عند المبرد) لكون الألف واللام في (الزانية والزاني) مبتدأ موصولا
فيه معنى الشرط واسم الفاعل الذي هو صلته كالشرط فخبر المبتدأ
كالجزاء والفاء الداخلة عليه مرتبطة بالشرط لدلالته على سببيته للجزاء.
ومثل هذا الفاء لا يعمل ما في حيزه فيما قبله فامتنع تسليط
الفعل المذكور بعده على ما قبله فتعين فيه الرفع.
__________________
(و) الآية (جملتان)
مستقلتان (عند سيبويه) إذ (الزانية) مبتدأ محذوف المضاف و (الزاني) عطف عليه والخبر محذوف
أي : حكم الزانية والزاني فيما يتلى عليكم بعد.
وقوله تعالى : (فَاجْلِدُوا) جملة ثانية لبيان الحكم الموعود ، والفاء عنده أيضا
للسببية أي : إن ثبت زناهما فاجلدوا.
وقيل : زائدة
أو للتفسير ، وجزء الجملة لا يعمل في جزء جملة أخرى فيمتنع التسليط فلا يدخل في
الضابط فتعين الرفع.
(والا) أي :
وان لم يكن الفاء بمعنى الشرط ولم تكن الآية جملتين أيضا فهي تكون داخلة تحت الضابطة (فالمختار) حينئذ فيها (النصب) واختيار النصب
__________________
باطل
لاتفاق القراء على الرفع فلا بد من جعل الفاء بمعنى الشرط أو جعل الآية جملتين
لتعين (الرفع).
(الرابع) من تلك المواضع التي وجب حذف ناصب المفعول به فيها :
(التحذير)
وانما وجب حذف الفعل فيه لضيق الوقت عن ذكره .
(وهو) في اللغة
: تخويف شيء من شيء. وتبعيده منه.
وفي اصطلاح
النحاة : (معمول) أي : اسم عمل فيه النصب بالمفعولية (بتقدير: اتق ، تحذيرا)
أي : حذر ذلك المعمول تحذيرا. فيكون مفعولا مطلقا ، أو ذكر تحذيرا ، فيكون مفعولا
له.
__________________
(مما بعده)
أي : مما بعد ذلك المعمول.
(أو ذكر المحذّر منه مكررا) على صيغة المجهول عطفا على (حذر) أو
(ذكر) المقدر ، فإن قلت : فعلى هذا لا بد من ضمير في المعطوف كما في المعطوف عليه قلنا: نعم ، لكنه وضع في المعطوف المظهر موضع المضمر العائد إلى
المعمول اشعارا بأنه محذر منه لا محذر (مثل : إيّاك والأسد ، وإيّاك وأن تحذف ،) هذان مثلان لأول :
نوعي التحذير ، ومعناهما : بعد نفسك من الأسد ، والأسد من نفسك ، وبعّد نفسك عن
حذف الأرنب ـ وهو ضربه بالعصا ـ وبعّد حذف الأرنب عن نفسك.
وعلى التقديرين
: المحذّر منه هو (الأسد) (والحذف).
فان المراد من
تبعيد الأسد أو الحذف ، من نفسك تحذيرها منهما لا تحذيرهما منها.
(والطريق
...
__________________
الطريق) مثال لثاني نوعيه ، أي : اتّق الطريق الطريق.
ولا يخفى عليك
أن تقدير (اتّق) في أوّل النوعين غير صحيح ؛ لأنه لا يقال : اتقيت زيدا من الأسد ، فينبغي أن يقدر فيه مثل : (بعد ، ونح).
وتقدير : (بعد)
في مثال النوع الثاني غير مناسب ؛ لأن المعنى على الاتّقاء عن الطريق لا على
تبعيده منه.
فالصواب أن
يقال : بتقدير (بعد أو اتّق) أو نحوهما ، فيقدر مثل : (بعد) في جميع أفراد النوع الأول ، وفي
بعض أفراد النوع الثاني مثل : (نفسك نفسك) فإن المعنى ...
__________________
عن هذا : بعد نفسك مما يؤذيك ، فالأسد ونحوه ، ويقدر مثل : (اتّق) في بعضها كالمثال
المذكور .
قيل : لفظ (الأسد)
في (إيّاك والأسد) خارج عن النوعين فينبغي أن لا يكون تحذيرا ، وليس كذلك ، فإنه أيضا تحذير ، وأجيب بأنه تابع للتحذير ،
والتوابع خارجة عن المحدود ، بدليل ذكرها فيما بعد.
(وتقول) في قسمي النوع الأول (إيّاك من الأسد) كما كنت تقول (إيّاك
والأسد) (و (من أن تحذف) كما كنت تقول : (إيّاك وأن تحذف).
__________________
وتقول في
المثال الأخير : (إياك أن تحذف) بتقدير (من) أي : إياك من أن تحذف ؛ لأن حذف حرف
الجر عن (أن ، وأنّ) قياس.
(ولا تقول) في
المثال الأول (إيّاك الأسد) لامتناع تقدير (من) وشذوذه مع غير (أن وأنّ)
فان قلت :
فليكن بتقدير العاطف قلنا : حذف العاطف أشد شذوذا ؛ ؛ لأن حذف حرف الجر قياس مع (أن
وأنّ) وشاذ كثير في غيرهما .
وأما حذف
العاطف فلم يثبت إلّا نادر .
(المفعول فيه)
(المفعول
فيه)
(هو ما فعل فيه
فعل) أي حدث (مذكور) تضمنا في ضمن الفعل الملفوظ أو المقدر أو شبهه ، ...
__________________
ـ تقديره : إياك إياك من المراء ، وحذف (
كذلك أو مطابقة ، إذا كان العامل مصدرا.
فقوله : (ما
فعل فيه فعل) شامل لأسماء الزمان والمكان كلها.
فانه لا يخلو
زمان أو مكان عن أن يفعل فيهما فعل ، سواء ذكر الفعل الذي فعل فيهما أو لا .
وقوله : (مذكور)
خرج به ما لا يذكر فعل فعل فيه ، نحو : (يوم الجمعة يوم طيّب)، فإنه وان كان فعل
لا محالة ، لكنه ليس بمذكور ، لكن بقي مثل : (شهدت يوم الجمعة)
داخلا فيه ، فإن (يوم الجمعة) يصدق عليه أنه فعل فيه فعل مذكور ، فإن شهود يوم
الجمعة لا يكون إلّا في يوم الجمعة ، فلو اعتبر في التعريف قيد الحيثية ، أي :
المفعول فيه، ما فعل فيه فعل مذكور من حيث إنّه فعل فيه فعل مذكور ، ليخرج مثل : هذا المثال عنه
فإن ذكر يوم الجمعة فيه ليس من حيث إنّه فعل فيه ، فعل مذكور ، بل من حيث إنه وقع
عليه فعل مذكور ، ولا يخفى عليك أنه على تقدير اعتبار قيد الحيثية لا حاجة إلى
قوله : (مذكور) الا لزيادة تصوير المعرّف.
__________________
وقوله (من زمان
أو مكان) بيان ل : (ما) الموصولة أو الموصوفة إشارة إلى قسمي المفعول فيه ، وتمهيد لبيان حكم كل منهما.
وهو ، أي :
المفعول فيه ، ضربان :
ما يظهر فيه (في)
وهو مجرور بها.
وما يقدر فيه (في)
وهو منصوب بتقديرها.
وهذا خلاف
اصطلاح القوم ، فإنهم لا يطلقون المفعول فيه إلّا على المنصوب ،
بتقدير (في).
وخالفهم المصنف
، حيث جعل المجرور أيضا مفعولا فيه ، ولذلك قال : (وشرط نصبه) أي : شرط نصب المفعول فيه (تقدير في) إيذ التّلفظ بها يوجب الجرّ ،
__________________
(وظروف الزمان كلها) مبهما كان الزمان أو محدودا (تقبل ذلك) أي : تقدير(في)؛ لأن المبهم منها جزء مفهوم الفعل فيصبح انتصابه بلا واسطة ،
كالمصدر.
والمحدود منها
محمول عليه أي : على المبهم ، لاشتراكها في الزمانية نحوه (صمت دهرا) و (أفطرت
اليوم).
(وظروف المكان
إن كان) المكان (مبهما قبل ذلك) أي : تقدير(في) حملا
__________________
على الزمان المبهم ، لاشتراكهما في الإبهام نحو : (جلست خلفك) (وإلا) أي :
وان لم يكن مبهما ، بل يكون محدودا (فلا) يقبل تقدير (في) اذ لم يمكن حملاه على
الزمان المبهم ، لاختلافهما ذاتا وصفة ؛ نحو :
(جلست في المسجد) (وفسر المبهم)
من المكان (بالجهات الستّ)
وهي: (أمام وخلف ويمين وشمال وفوق وتحت) وما في معناها ، فإن (أمام زيد) ، مثلا
يتناول جميع ما يقابل وجهه الى انقطاع الأرض ، فيكون مبهما.
ولما لم يتناول
هذا التفسير بعض الظروف المكانية) الجائز نصبها قال : (وحمل عليه) أي : على المبهم المفسر بالجهات الست
(عند ولدي ، وشبههما) نحو : دون ، وسوى (لإبهمامهما) أي : لإبهام (عند ولدي) ولم يذكر وجه حمل شبههما
__________________
عليه ؛ لأن حكمه حكمهما .
وفي بعض النسخ (لإبهامهما
كما هو الظاهر).
وكذا حمل على
المبهم من المكان (لفظ مكان) وإن كان معينا نحو : (جلست مكانك) (لكثرته) في
الاستعمال مثل : الجهات الست ، لا لابهامه.
(و) كذا حمل
عليه (ما بعد (دخلت) وان كان معينا (نحو (دخلت الدار) لكثرته في الاستعمال لا لابهامه (على الأصح) أي : على المذهب
الأصح.
فإنه ذهب بعض
النحاة إلى أنه مفعول به ، لكن الأصح أنه مفعول فيه ، والأصل
__________________
استعماله بحرف الجر ، لكنه حذف لكثرة استعماله ، وهذا محل تأمل ، فإن الفعل
لا يطلب المفعول فيه إلا بعد تمام معناه ، ولا شك أن معنى الدخول لا يتم بدون الدار.
وبعد تمام
معناه بها يطلب مفعول فيه كما إذا قلت : (دخلت الدار في البلد الفلاني) فالظاهر
أنه مفعول به لا مفعول فيه ، ومما يؤيد ذلك أن كل فعل نسب إلى مكان خاص بوقوعه فيه يصح أن ينسب
إلى مكان عام شامل له ولغيره ، فإنه إذا قلت : (ضربت زيدا في الدار) التي هي جزء من البلد ، فكما يصح أن تقول (ضربت زيدا في
الدار) كذلك يصح أن تقول : ضربته في البلد).
وفعل الدخول
بالنسبة إلى الدار ليس كذلك ، فإنه إذا قال الداخل في البلد : (دخلت الدار) لا يصح
أن يقول : (دخلت البلد) فنسبه الدخول إلى الدار ليست كنسبة
__________________
الأفعال إلى أمكنتها التي فعلت فيها.
فلا تكون الدار
مفعولا فيه ، بل مفعولا به .
وقيل معناه على
الاستعمال الأصح ، فيكون اشارة إلى أن استعمال (دخلت) مع (في) نحو : دخلت في الدار
، صحيح ، لكن الأصح استعماله بدون (في) وتقل عن سيبويه : أن
استعماله ب : (في) شاذ.
(وينصب) أي :
المفعول فيه (بعامل مضمر) بلا شريطة التفسير نحو : (يوم الجمعة) في جواب من قال : (متى
سرت؟) أي : سرت يوم الجمعة ، وبعامل مضمر (على شريطة التفسير) نحو : (يوم الجمعة
صمت فيه) والتفصيل فيه بعينه كما مرّ في المفعول به.
(المفعول له)
(المفعول له)
__________________
(هو ما فعل لأجله) أي : لقصد تحصيله
، أو بسبب وجوده.
وخرج به سائر
المفاعيل مما فعل مطلقا أو به أو فيه أو معه.
(فعل) أي : حدث
(مذكور) أي : ملفوظ حقيقة أو حكما.
فلا يخرج عنه
ما كان فعله مقدرا كما إذا قلت : (تأديبا) في جواب من قال :
(ولم ضربت زيدا؟)
فقوله : (مذكور)
احتراز به عن مثل : (أعجبني التأديب) فإن قلت : كيف يصح الاحتراز به عنه ، وهو ، أي : الفعل
الذي فعل لأجله مذكور في الجملة كما في (ضربت زيدا؟) .
قلنا : المراد
مذكور معه.
فان قلت : هو
مذكور معه في (ضربته تأديبا).
__________________
قلنا : المراد
: مذكور معه في التركيب الذي هو فيه ، ويرد حينئذ نحو :
(أعجبني
التأديب) الذي ضربت لأجله ، اللهم الا أن يراد بذكره معه إيراده معه للعمل فيه (مثل (ضربته
تأديبا) مثال لما فعل لقصد تحصيله فعل وهو الضرب ، فإن التأديب إنما يحصل بالضرب ويترتب عليه.
(وقعدت عن
الحرب جبنا) مثال لما فعل بسبب وجوده فعل ، وهو القعود. فإن القعود
إنما وقع بسبب الجبن.
والقائل يكون
المفعول له مفعولا مستقلا غير داخل في المفعول المطلق ، يخالف (خلافا) ...
__________________
ظاهرا (للزجاج فانه) أي : المفعول له (عنده) أي : عند الزجاج (مصدر) من غير لفظ فعله.
فالمعنى عنده
في المثالين المذكورين : أدبته بالضرب تأديبا ، وجبنت في القعود عن الحرب جبنا ،
أو ضربته ضرب تأديب ، وقعدت قعود جبن .
وردّ قول الزجاج : بأن صحة تأويل نوع بنوع لا تدخله في
حقيقته .
ألا ترى إلى
صحة تأويل الحال بالظرف من حيث أنّ معنى (جاءني زيد راكبا) جاءني زيد وقت الركوب ،
من غير أن تخرج عن حقيقتها.
(وشرط نصبه) أي
: شرط انتصاب المفعول له لا شرط كون الاسم مفعولا له.
__________________
فالسمن
والأكرام في قولك (جئتك للسمن) و (لاكرامك الزائر) عنده مفعول له على ما يدل عليه
حده ، وهذا كما قال في المفعول فيه : إنّ شرط نصبه تقدير (في) وهذا أيضا خلاف اصطلاح القوم.
(تقدير اللام) لأنها إذا أظهرت لزم الجر.
وخص اللام بالذكر ؛ لأنها الغالب في تعليلات الأفعال فلا
يقدر غيرها من (من أو الباء أو في) مع أنها من دواخل المفعول له كقوله تعالى : (خاشِعاً مُتَصَدِّعاً
مِنْ خَشْيَةِ اللهِ [الحشر : ٢١]) وقوله تعالى : ((فَبِظُلْمٍ مِنَ
الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا) [النساء : ١٦٠]) وقوله عليهالسلام : «إنّ أمرأة دخلت النار في هرة» البخاري : ٣٣١٨ أي : لأجلها.
ولما كان تقدير اللام عبارة عن حذفها عن اللفظ وابقائها في النية ،
وكان
__________________
لأصل إبقاءها في اللفظ والنية ، فلا حاجة في ابقائها في النية الى شرط ، بل
الحاجة اليه إنما تكون في حذفها من اللفظ ، ولهذا قال : (وإنما يجوز حذفها) ولم يكتف بارجاع ضمير الفاعل الى تقدير اللام ، فيجوز حذفها ،
كما يجوز ذكرها (إذا كان) المفعول له (فعلا) احتراز عما إذا كان عينا ، نحو : (جئتك
للسمن) .
(لفاعل الفعل ...
__________________
المعلل به) ، أي : اتّحد فاعله وفاعل عامله ، احترز به عمّا إذا كان فعلا لغيره
نحو : (جئتك لمجيئك إياي).
(ومقارنا له)
أي : للفعل المذكور (في الوجود) بأن يتحد زمان وجودهما ، نحو : (ضربته تأديبا) فإن
زمان الضرب والتأديب واحد ؛ إذ لا مغايرة بينهما إلا بالاعتبار.
أو يكون زمان
وجود أحدهما بعضا من زمان وجود الآخر نحو : (قعدت عن الحرب جبنا) فإن
زمان الفعل ـ أعني : القعود ـ بعض زمان المفعول له أعني ايقاع الصلح ـ بعض زمان الفعل
، أعنيك شهود الحرب.
واحترز بذلك
القيد عما إذا لم يكن مقارنا له في الوجود نحو :
(أكرمتك اليوم لوعدي بذلك أمس)
وإنما اشترط
هذه الشرائط ؛ لأنه بهذه الشرائط يشبه المصدر ، فيتعلق بالفعل بلا
واسطة. تعلق المصدر به ، بخلاف ما إذا اختل شئ منها.
__________________
(المفعول معه)
(المفعول معه) :
أي : الذي فعل
بمصاحبته ، بأن يكون الفاعل مصاحبا له في صدور الفعل عنه أو
المفعول به في وقوع الفعل عليه.
فقوله : (معه)
مفعول ما لم يسم فاعله ، أسند اليه المفعول كما أسند إلى الجار والمجرور في
المفعول به ، وفيه وله.
والضمير
المجرور راجع إلى اللام ، واعتذر عن نصبه (معه) بما جوزه بعض النحاة من إسناد الفعل إلى
لازم النصب ، وتركه منصوبا جريا على ما هو عليه في الأكثر ، واليه ذهب في قوله
تعالى : (لَقَدْ تَقَطَّعَ
بَيْنَكُمْ) [الأنعام : ٩٤] على قراءة النصب.
وفي بعض
الحواشي أنّ هذا الرأي شريف جدّا .
وقيل : الوجه
أن يجعل من قبيل (وقد حيل بين العير والنّزوان) فإن مفعول ما
__________________
لم يسمّ فاعله فيه الضمير الراجع إلى مصدره ، أي : حيل الحيلولة ؛ لأن (بين)
للزوم ظرفيته لا يقام الفاعل.
فعلى هذا معناه الذي فعل فعلّ بمصاحبته على ان يكون مفعول ما لم
يسم فاعله ضميرا راجعا إلى مصدره ، والضمير المجرور للموصول.
(هو المذكور
بعد الواو) احتراز عن المذكور بعد غيره كالفاء . (لمصاحبته معمول فعل) اللام متعلق بمذكور ، أي : يكون ذكره بعد الواو ، لأجل
مصاحبته معمول فعل ، وافادته اياها سواء كان ذلك المعمول فاعلا نحو : (استوى الماء
والخشبة) أو مفعولا نحو : (كفاك وزيدا درهم) .
__________________
وسواء كان ذلك
الفعل (لفظا) أي : لفظيا كالمثالين المذكورين (أو معنى).
أي : معنويا نحو : (ما لك وزيدا) أي : ما تصنع وزيدا.
والمراد
بمصاحبته لمعمول الفعل : مشاركته له في ذلك الفعل في زمان واحد ، نحو : (سرت وزيدا) أو مكان واحد نحو : (لو تركت الناقة وفصيلها ،
لرضعها).
فلا ينتقض
بالمذكور بعد الواو العاطفة نحو : (جاءني زيد وعمرو) ، فإنها لا تدلّ الّا على
المشاركة في أصل الفعل دون المصاحبة .
اعلم أن مذهب جمهور النحاة أن العامل في المفعول معه الفعل أو معناه بتوسط الواو التي بمعنى (مع).
__________________
وانما وضعوا
الواو موضع (مع) لكونها أخصر ، وأصلها واو العطف التي فيها معنى الجمع مناسب معنى المعيّة.
(فان كان) أي وجد (الفعل) أي : ما يدل على الحدث ، فيعمّ الفعل واسمى الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وغيرها.
(لفظا ، وجاز) أي : لم يجب (العطف) ولم يمتنع ، فلا ينتقض بمثل : (ضربت زيدا وعمرا) لوجوب العطف فيه (فالوجهان)
أي : العطف والنصب على
__________________
المفعولية جائزان ، (نحو (جئت أنا وزيد) بالرفع على العطف (وزيدا) بالنصب
على المفعولية.
(وإلّا) أي :
وان لم يجز العطف بل يمتنع (تعين النصب ، مثل : جئت وزيدا فإن العطف فيه ممتنع لعدم الفاصلة لا
بتأكيد المتصل بالمنفصل ولا بغيره.
(وإن كان)
الفعل (معنى) أي : أمرا معنويا مستنبطا من اللفظ (وجاز) أي : لم يمتنع (العطف تعين
العطف) حيث لا يحمل على عمل العامل المعنوي بلا حاجة مع جواز وجه آخر ، وهو العطف ، (نحو (ما لزيد وعمرو ،
وإلّا) أي : وإن لم يجز العطف ، بل امتنع (تعين النصب) حيث لا وجه سواه (نحو (مالك
وزيدا) و (ما شأنّك وعمرا) فإنه امتنع العطف فيها ؛ لأن العطف على الضمير المجرور بلا إعادة الجار غير جائز.
ولم يجز عطف (عمرا)
على الشأن إذ السؤال عن شأنهما ، لا عن شأن أحدهما ، ونفس الآخر.
وإنما حكمنا بمعنوية الفعل في هذه الأمثلة (لأن المعنى ما تصنع) وما
يماثله
__________________
فمعنى (ما شأنك وزيدا) ما تصنع وزيدا ، ومعنى (مالك وزيدا) ما تصنع وزيدا ،
ومعنى (ما لزيد وعمرو) ما يصنع زيد وعمرو.
(الحال)
(الحال)
لما فرغ من
المفاعيل شرع في الملحقات بها.
__________________
وهو (ما يبين
هيئة الفاعل أو المفعول به) أي : من حيث هو فاعل أو مفعول به، كما هو الظاهر.
فبذكر الهيئة
يخرج ما يبين الذات ، كالتمييز ، وبإضافتها إلى الفاعل أو المفعول به يخرج ما يبين
هيئة غير الفاعل أو المفعول به كصفة المبتدأ نحو : (زيد العالم أخوك) وبقيد الحيثية يخرج
صفة الفاعل أو المفعول به ، فإنها تدل على هيئة الفاعل أو المفعول به مطلقا ، لا
من حيث هو فاعل أو مفعول ، وهذا الترديد على سبيل منع الخلو ، لا الجمع ، فلا يخرج منه مثل : (ضرب
زيد عمرا راكبين) (لفظا) أي : سواء كان الفاعل أو المفعول به الذي وقع الحال عنه
لفظا ، أي : لفظيا بأن تكون فاعلية الفاعل أو مفعولية المفعول باعتبار لفظ الكلام
ومنطوقه من غير اعتبار معنى خارج عنه يفهم من فحوى ...
__________________
الكلام ، سواء كانا ملفوظين حقيقة أو حكما .
(أو معنى) أي :
معنويا بأن تكون فاعلية الفاعل أو مفعولية المفعول باعتبار معنى يفهم من فحوى
الكلام ، لا باعتبار لفظه ومنطوقه.
والمراد
بالفاعل أو المفعول به أعم من ان يكون حقيقة أو حكما ، فيدخل فيه الحال عن المفعول
معه ، لكونه في معنى الفاعل أو المفعول به وكذا عن المفعول المطلق مثل : (ضربت
الضرب شديدا) فإنه بمعنى ، أحدثت الضرب شديدا ، وكذا يدخل فيه الحال عن المضاف إليه ، كما إذا كان المضاف
فاعلا ، أو مفعولا يصح حذفه. ويقام المضاف إليه مقامه ، فكأنه الفاعل أو المفعول نحو : (بَلْ مِلَّةَ
إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [البقرة: ١٣٥]) و ((أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ
أَخِيهِ مَيْتاً) [الحجرات : ١٢]) انه يصح ان يقال :
__________________
(بل نتبع إبراهيم ، مقام (بل نتبع ملّة
إبراهيم) و (أن يأكل أخاه ميتا) مقام (أن
يأكل لحم أخيه).
أو كان المضاف فاعلا أو مفعولا ، وهو جزء المضاف إليه ، فكأن الحال عن
المضاف اليه هو الحال عن المضاف وان لم يصح قيامه مقامه كما في قوله تعالى : (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ
مُصْبِحِينَ) [الحجر : ٦٦].
فقوله (مصبحين)
حال من (هؤلاء) باعتبار أن (دابر) المضاف اليه جزؤه ، فإن دابر الشيء أصله ، والدابر : مفعول ما لم يسم فاعله باعتبار الضمير المستكن في (مقطوع) فكأنه حال عن مفعول ما لم يسم فاعله
.
ولو قرئ (تبيّن) على صيغة الماضي المعلوم من باب التفعل ، أو (يبيّن) على صيغة
المضارع المجهول من باب التفعيل ، أو (يبيّن) على صيغة المضارع المجهول من باب
التفعيل ، وجعل الجار والمجرور ، متعلقا به ، لا بالمفعول ، دخل فيه الحال من
__________________
المفعول معه أو المفعول المطلق من غير حاجة إلى تعميم الفاعل أو المفعول إلا لدخول ما وقع حالا عن المضاف إليه.
(مثل (ضربت
زيدا قائما) مثال اللفظي الملفوظ حقيقة فإن فاعلية تاء المتكلم
ومفعولية (زيدا) إنما هي باعتبار لفظ هذا الكلام ومنطوقه من غير اعتبار معنى خارج
عنه، وهما ملفوظان حقيقة (و (زيد في الدار قائما) مثال اللفظي الملفوظ حكما ان فاعلية الضمير المستكن في
الظرف إنما هي باعتبار لفظ هذا الكلام ومنطوقه من غير اعتبار معنى خارج عنه ، والضمير المستكن
ملفوظ حكما .
و (هذا ...
__________________
زيد قائما) مثال للمعنوي ؛ لأن مفعولية (زيد) ليست باعتبار لفظ هذا
الكلام ومنطوقه بل باعتبار معنى الإشارة ، أو التنبيه المفهومين من لفظ (هذا)
ولا شك أنهما ليسا مما يقصد المتكلم الإخبار بهما عن نفسه حتى
يقدر في نظم الكلام (أشير أو أنبه) ويصير (زيد) به مفعولا لفظيا ، بل مفعوليته
إنما هي باعتبار معنى (أشير أو أنّبه) الخارج عن منطوق الكلام المعتبر لصحة وقوع (القائم)
، حالا.
فهي معنوية لا
لفظية.
(وعاملها) أي : عامل الحال ، (إما الفعل) الملفوظ أو المقدر نحو : (ضربت زيدا قائما) و (وزيد في
الدار قائما) إن كان الظرف مقدرا بالفعل.
(أو شبهة) ...
__________________
وهو ما يعمل عمل الفعل ، وهو من تركيبه ، كاسم الفاعل نحو : (زيد ذاهب راكبا) و (زيد في الدار
قاعدا) إن كان الظرف مقدرا باسم الفاعل ، وكاسم المفعول ، نحو : (زيد مضروب قائما) والصفة المشبهة نحو
: (زيد حسن ضاحكا) (أو معناه) المستنبط من فحوى الكلام من غير التصريح به أو تقديره ،
كالإشارة والتنبيه في نحنو :
(هذا زيد قائما) كما مرّ ، وكالنداء
والتمنى والترجى والتشبيه في نحو : (يا زيد قائما)
و (ليتك عندنا مقيما) و (لعلّه في الدار قائما)
و (كأنّه أسد صائلا).
__________________
(وشرطها) أي : شرط الحال (أن تكون نكرة) لأن النكرة أصل والغرض هو تقييد الحديث المنسوب إلى صاحبها ـ يحصل بها ، والتعريف زائد على الغرض.
(و) أن (يكون صاحبها معرفة) لأنه محكوم عليه في المعنى فكان
الأصل فيه التعريف (غالبا) أي : ليس اشتراطها بكون صاحبها معرفة في جميع موادها بل
في غالب موادها ، أي : اكثرها ، وبيان ذلك :
أن مواد وقوع
الحال على قسمين :
أحدهما : ما
يكون ذو الحال فيه نكرة موصوفة ، نحو : (جاءني رجل من بني تميم فارسا) أو مغنية
غناء المعرفة ، لاستغراقها. نحو : قوله تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ
أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) [الدخان : ٤ ـ ٥] إن جعلت (أمرا) حالا من (كل أمر) ، أو
__________________
واقعة في حيز الاستفهام نحو : (هل أتاك رجل راكبا؟) أو بعد (إلّا) نقضا للنفي، نحو : (ما جاءني رجل إلا راكبا) أو مقدما عليه الحال
نحو : (جاءني راكبا رجل).
وثانيهما : ما
يكون ذو الحال فيه غير هذه الأمور.
وغالب مواد
وقوع الحال وأكثرها هو هذا القسم ، ووقوع الحال في هذا القسم مشروط بكون صاحبها
معرفة فقوله (غالبا) قيد لاشتراط كون صاحبها معرفة لا بكون صاحبها معرفة حتى يقال : إن غالبية كون (صاحبها معرفة) المنبئة عن تخلفه في بعض المواد تنافى الشرطيه ويحتاج إلى أن يصرف الكلام عن ظاهره ، ويجعل قوله (وصاحبها معرفة) : مبتدأ وخبرا معطوفا على
قوله (وشرطها ان تكون نكرة).
__________________
(وأرسلها العراك) ولم يذدها
|
|
ولم يشفق على
نغص الدّخال
|
البيت للبيد ،
يصف حمار الوحش والأتن يقول : ارسل حمار الوحش الأتن ، وكان المراد بالإرسال البعث ، أو التخلية بين المرسل وما يريد أي : أرسلها معتركة متزاحمة.
ولم يذدها ، أي
، لم يمنعها من العراك ، ولم يشفق ، أي : لم يخف على نغص الدخال، أي : على أنه لم
يتم شرب بعضها للماء بالدخال.
والدخال : هو
أن يشرب البعير ثم يرد من العطن ...
__________________
إلى الحوض ويدخل بين بعيرين عطشانين ، ليشرب منه ما عساه لم يكن
يشرب منه ولعل المراد به هنا : نفس متداخلة بعضها في بعض ، أو المعنى
على نغض مثل : نغض الدخال.
و (مررت به
وحده) ونحوه مثل : (فعلته جهدك) متأول بالنكرة ، فلا يرد نقضا على قاعدة اشتراط كونها
نكرة وتأويلها على وجهين :
أحدهما : أنها
مصادر محذوفة لأفعال محذوفة ، أي : تعترك العراك ، وينفرد وحده، أي : انفراده ، وتجهد جهدك
فهذه الجمل
الفعلية وقعت حالا ، وهذه المصادر منصوبة على المصدرية.
وثانيها : أنها
معارف موضوعة موضع النكرات ، أي : معتركة ، ومنفردا ، ومجتهدا.
__________________
فالصورة وإن
كانت معرفة فهي في التقدير نكرة ، كما أن (حسن الوجه) في صورة المعرفة وهي في المعنى
نكرة .
(فإن كان
صاحبها) أي : صاحب الحال (نكرة محضة) لم يكن فيها شائبة تخصيص بما سوى التقديم ، ولم تكن
الحال مشتركة بينها وبين معرفة نحو : جاءني رجل وزيد راكبين (وجب تقديمها) أي : تقديم الحال على صاحبها ، لتخصيص النكرة بتقديمها ؛ لأنها في المعنى مبتدأ وخبر ، ولئلا تلتبس بالصفة في النصب في مثل : قولنا:
(ضربت رجلا
راكبا) ثم قدمت في سائر المواضع ـ وإن لم تلتبس طرد الباب
__________________
(ولا تتقدم) أي : الحال فيما عدا مثل : (زيد قائما كعمرو قاعدا) (على العامل المعنوي) قد عرفت فيما قبل
العامل المعنوي ، وأنّ ما هو مقدر بالفعل أو اسم الفاعل مثل: الظرف وما يشبهه ـ أعني
: الجار والمجرور ـ خارج عنه داخل في الفعل أو شبهه.
فعلى هذا معنى الكلام أن الحال لا تتقدم على العامل المعنوي اتفاقا (بخلاف الظرف) أي : بخلاف ما إذا كان العامل ظرفا أو شبهه فإن
فيه خلافا. فسيبويه لا يجوزه أصلا ، نظرا إلى ضعف الظرف في العمل .
وجوزه الأخفش
بشرط تقدم المبتدأ على الحال ، نحو : (زيد قائما في الدار).
فأما مع تأخير
المبتدأ على الحال ، فإنه وافق سيبويه في المنع فلا يجوز :
__________________
(قائما زيد الدار)
ولا (قائما في الدار زيد) اتفاقا.
ويحتمل أن يكون معناه أن الحال وأن كان مشابها للظروف لما فيه من معنى
الظرفية ، إلا أن الظرف يتقدم على عامله المعنوي ، لنوسعهم في الظروف.
والحال لا
يتقدم عليه ، هذا إذا لم يكن الظرف داخلا في العامل المعنوي.
أما إذا جعلته
داخلا في العامل المعنوي ـ كما هو الظاهر من كلامهم ـ فالمراد هو الاحتمال الثاني لا غير.
(و) كما لا تتقدم الحال على العامل المعنوي ، كذلك لا تتقدم
(على) ذي الحال (المجرور) سواء كان مجرورا بالإضافة أو بحرف الجر ، فإن كان مجرورا
__________________
بالإضافة لم تتقدم الحال عليه اتفاقا نحو : (جاءتني مجردّا عن الثياب
ضاربة زيد) وذلك؛ لأن الحال تابع وفرع لذي الحال ، والمضاف إليه لا يتقدم على المضاف ،
فلا يتقدم تابعه أيضا.
وإن كان مجرورا
بحرف الجر ففيه خلاف فسيبويه وأكثر البصريين يمنعون تقديمها عليه للعلة المذكورة ، وهو الختار عند المصنف ، ولهذا قال : (على الأصح).
ونقل عن بعضهم
: الجواز استدلالا بقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ
إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ)[سبأ : ٢٨].
ولعل الفرق بين حرف الجر والإضافة أن حرف الجر معدّ للفعل
كهمزة والتضعيف، فكأنه من تمام الفعل ، وبعض حروفه ، فإذا قلت :
__________________
(ذهبت راكبة بهند) فكأنك قلت : أذهبت
راكبة هندا.
وأجاب بعضهم عن
هذا الاستدلال : بجعل (كافة) حالا عن الكاف والتاء للمبالغة.
وبعضهم يجعلها
صفة لمصدر أي : إرسالة كافة.
وبعضهم يجعلها
مصدرا ، كالكاذبة ، والعاقبة والكل تكلف وتعسف (وكلّ ما دلّ على هيئة) أي : صفة سواء كان الدال
مشتقا أو جامدا (صحّ أن يقع حالا) من غير أن يؤول الجامد بالمشتق ؛ لأن المقصود من
الحال بيان الهيئة ، وهو حاصل به ،
__________________
وهذا ردّ على جمهور النحاة ، حيث شرطوا اشتقاق الحال وتكلفوا في
تأويل الجامد بالمشتق ومع هذا فلا شك أن الأغلب في الحال الاشتقاق.
(مثل) (بسرا ورطبا)
في قولهم : (هذا بسرا) وهو ما بقي في حموضة.
(أطيب منه رطبا)
وهو ما فيه حلاوة صرفه ، فهما مع كونهما جامدين حالان ، لدلالتهما على صفة
البسريّة والرّطبية ، ولا حاجة إلى أن يؤول (البسر) بالمبسر و (الرطب) بالمرطب ، من أبسر النخل ، إذا صارما عليه بسرا ، وأرطب إذا
صارما عليه رطبا.
والعامل في (رطبا)
(أطيب) باتفاق النحاة ، وفي (بسرا) أيضا عند محققيهم
__________________
وتقدم (بسرا) على اسم التفصيل مع ضعفه في العمل ؛ لأنه إذا تعلق بشيء واحد
حالان باعتبارين مختلفين ، يلزم أن كل واحد منها متعلقة والبسرية تعلقت بالمشار
إليه ب : (هذا) من حيث إنّه مفضل وهذه الحيثية وان لم تكن معتبرة فيه إلا بعد
إضماره في (أطيب) لكنه لما كان الضمير بالنسبة إلى المظهر كالعدم أقيم المظهر
مقامه ، وأوجبوا أن يليه والرطبية تعلقت به من حيث إنه مفضل عليه ، وهو ضمير (منه)
فيجب أن يليه .
قال الرضي : (وأما
الضمير المستكن في (أفعل) فإنه وإن كان مفضلا لكنه لما لم يظهر كان كالعدم ، ومع
هذا فلا أرى بأسا بأن يقال :
وإن لم يسمع (زيد
أحسن قائما منه قاعدا).
وذهب بعضهم إلى
أنّ العامل في (بسرا) اسم الإشارة أي : أشير إليه حال كونه بسرا ، وهذا ليس بصحيح ؛ لأنه يمكن أن يكون المشار إليه التمر اليابس ، فلا
__________________
تتقيد الإشارة بحالة البسرية ولأنه يصح حيث وقع موقع اسم الإشارة اسم
لا يصح إعماله فيه ، نحو :
(تمر نخلتي بسرا
أطيب منه رطبا).
(وتكون) أي : الحال (جملة) لدلالتها على الهيئة كالمفردات فصح أن وقعت حالا مثلها
، ولكن يجب أن تكون الجملة الحالية (خبرية) محتملة للصدق والكذب ؛ لأن الحال بمنزلة الخبر عن ذي الحال واجراؤها عليه في قوة الحكم بها عليه ، والجمل الإنشائية لا تصلح أن يحكم بها على شيء.
__________________
ولما كانت
الجملة مستقلة في الإفادة لا تقتضي ارتباطها بغيرها ، والحال مرتبطة بغيرها ،
فإذا وقعت الجملة حالا لا بد لها من رابطة تربطها إلى صاحبها ، وهي : الضمير،والواو .
والجملة
الخبرية : إمّا اسمية أو فعلية ، والفعلية : إما أن يكون فعلها مضارعا مثبتا أو
مضارعا منفيا أو ماضيا منفيا ، فهذه خمس جمل.
(فالاسمية) أي : الجملة الإسمية الحالية متلبسة (بالواو والضمير)
معا لقوة الاسمية في الاستقلال ، فتطلب أن تكون الرابطة فيها في غاية القوة ، نحو
: (جئت وأنا راكب) و (جئت وأنت راكب) و (جاء زيد وهو راكب) (أو بالواو وحدها)
لأنها تدل على الربط في أول الأمر فأكتفي بها ، مثل : قوله عليه الصلاة والسّلام :
((كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين)) وهذا ، أي : الربط بالواو وحدها ، أو بها
مع الضمير إنما يكون
__________________
الحال المنتقلة ، وأما في الحال المؤكدة ، فلا يجوز بالواو ، تقول (هو
الحقّ لا شك فيه) وذلك ؛ لأن الواو لا تدخل بين المؤكد والمؤكد ،
لشدة الاتصال بينهما.
(أو الضمير) وحده (على ضعف) ؛ لأن الضمير لا يجب أن يقع في الابتداء . فلا يدل على الربط في أوّل الأمر نحو : (كلمته فوه إلى فيّ) فلا بدّ من الواو على الصحيح :
__________________
ـ أي ولو لا جنان أي : شدة مواده ، آب : أي :
يرجع ، سرباله : قميصه ، لم يمزق : تحريق السربال كناية عن السلامة أي : لو لم يكن
شدة مواده لم يرجع عامر سالما ، في اللباب : فلولا بالفاء ().
(والمضارع
المثبت) أي : الجملة الفعلية التي يكون الفعل فيها مضارعا مثبتا متلبسا (بالضمير
وحده) لمشابهته لفظا ومعنى لاسم الفاعل المستغني عن الواو نحو : (جاءني زيد يسرع).
(وما سواهما)
أي : ما سوى الجملة الإسمية والفعلية المشتملة على المضارع المثبت من الجمل
المشتملة على المضارع المنفي أو الماضي المثبت أو المنفي (بالواو والضمير معا
أو بأحدهما) وحده من غير ضعف عند الاكتفاء بالضمير ، لعدم قوّة استقلالها كالاسمية.
فالمضارع
المنفي ، نحو : (جاءني زيد وما يتكلم غلامه) أو (جاءني زيد ما يتكلم غلامه) أو (جاءني
زيد وما يتكلم عمرو).
والماضي المثبت
، نحو : (جاءني زيد وقد خرج غلامه) أو (جاءني زيد قد خرج غلامه) أو (جاءني زيد وقد
خرج عمرو) أو (جاءني زيد قد خرج عمرو).
والماضي المنفي
، نحو : (جاءني زيد وما خرج غلامه) أو (جاءني زيد ما خرج غلامه) أو (جاءني زيد وما
خرج عمرو) .
(ولا بد في
الماضي ...
__________________
المثبت) لا المنفي (من) دخول لفظه (قد) المقّربة زمان الماضي إلى الحال لغة على الماضي المثبت
الواقع حالا ، ليدل بها على قرب زمانه إلى زمان صدور الفعل من ذي الحال ،
أو وقوعه عليه تجوزا ؛ لأن المتبادر من الماضي المثبت إذا وقع حالا أن مضيّة
إنما هو بالنسبة إلى زمان العامل فلا بدّ من (قد) حتى تقربه إليه فيقارنه ، وهذا بخلاف مذهب الكوفيين ، فإنهم لا يوجبون (قد)
ظاهرة ولا مقدرة.
__________________
سواء كانت (ظاهرة) في اللفظ ، نحو : (جاءني زيد قد ركب غلامه) (أو مقدرة)
منوّية نحو : قوله تعالى ((أَوْ جاؤُكُمْ
حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) [النساء : ٩٠]) أي : قد حصرت صدورهم ، وهذا بخلاف مذهب سيبويه والمبرد ،
فإنهما لا يجوّزان حذف (قد).
فسيبويه : يؤول
قوله تعالى : (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) ب : (قوما حصرت صدورهم) فتكون جملة (حصرت) صفة موصوف
محذوف هو الحال والمبرد : يجعله جملة دعائية وإنما لم يشترط ذلك في المنفي ،
لاستمرار النفي بلا قاطع ، فيشتمل زمان الفعل.
(ويجوز حذف العامل) في الحال ، لقيام ، قرينة حالية (كقولك
للمسافر) أي : الشارع في السفر ، أو المتهيئ له : (راشدا مهديّا) أي : سر راشدا مهديّا بقرينة حال المخاطب ، قوله (مهديّا) : إما صفة ل
: (راشدا) ، أو حال بعد حال.
__________________
أو مقالية ،
كقولك : (راكبا) لمن يقول : كيف جئت راكبا.
بقرينة السؤال
، ومنه قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ
الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى) قادِرِينَ [القيامة : ٣ ـ ٤] أي : بلى نجمعها قادرين.
(ويجب) حذف العامل (في) بعض الأحوال (المؤكدة) وهي أي : الحال المؤكدة مطلقا ، هي التي لا تنتقل من
صاحبها ما دام موجودا غالبا بخلاف المنتقله.
والمنتقلة :
قيد للعامل بخلاف المؤكدة (مثل (زيد أبوك عطوفا فإن العطوفية
__________________
لا تنتقل عن الأب في غالب الأمر (أي : أحقّه) بفتح الهمزة أو ضمها من حققت
الأمر بمعنى : تحققته وصرت منه على يقين أو من أحققت الأمر بهذا المعنى بعينه ، أو
بمعنى أثبته ، أي :
تحققت أبّوته
لك ، وصرت منها على يقين ، أثبتها لك
عطوفا .
وقال صاحب (المفتاح)
: أحق التقديرات عندي أن يقدر (يجيء عطوفا) (وشرطها) أي : شرط وجوب حذف عاملها (أن تكون مقررة) أي : مؤكدة (لمضمون جملة) احترز به عما يؤكد بعض أجزائها كالعامل في قوله
تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ
لِلنَّاسِ رَسُولاً) [النساء : ٧٩] فإنه لا يجب حذفه.
__________________
(اسمية) احترز به عما إذا كانت فعلية ، فإنه لا يجب حذف عاملها
، كما قال صاحب الكشاف ففي قوله تعالى : (قائِماً بِالْقِسْطِ) [آل عمران : ١٨] : إنّه حال مؤكدة من فاعل (شهد) .
ولا بد هاهنا
من قيد آخر وهو : أن يكون عقد تلك الجملة الإسمية من اسمين لا يصلحان للعمل فيها ،
وإلا لكان عاملها مذكورا ، فكيف يكون حذفه واجبا؟ نحو : الله شاهد قائما بالقسط.
(التمييز)
التمييز
(ما يرفع) أي :
الاسم الذي يرفع (الإبهام) واحترز به عن البدل ، فإن المبدل منه في حكم التنحية ، فهو ليس يرفع الإبهام عن شيء ، بل هو ترك مبهم وإيراد
معين.
(المستقرّ) أي
: الثابت الراسخ في المعنى الموضوع له ، من حيث إنّه موضوع له.
فإن (المستقر)
وإن كان بحسب اللغة هو الثابت مطلقا ، لكن المطلق منصرف إلى
__________________
الكامل ، وهو الوضعي ، واحترز به عن نحو : (رأيت عينا جارية) فإن قوله (جارية) يرفع الإبهام
عن قوله : (عينا) ، لكنه غير مستقر بحسب الوضع ، بل نشأ في الاستعمال باعتبار تعدد الموضوع له.
وكذا يقع به
الاحتراز عن أوصاف المبهمات ، نحو : (هذا الرجل) فإن (هذا) مثلا : إما موضوع لمفهوم كلّي ...
__________________
بشرط استعماله في جزئياته ، أو لكل جزئي منه .
ولا إبهام في هذا المفهوم الكلي ، ولا في واحد من جزئياته بل الإبهام إنما نشأ من
تعدد الموضوع له أو المستعمل فيه ، فتوصيفه بالرجل يرفع هذا الإبهام ، لا الإبهام
الواقع في الموضوع له من حيث إنّه موضوع له.
وكذا يقع به
الاحتراز عن عطف البيان في مثل : قولك : (أبو حفص عمر) فإن كل واحد من أبي حفص ،
وعمر موضوع لشخص معيّن ، لا إبهام فيه ، لكن لما كان (عمر) أشهر منه زال بذكره الخفاء الواقع
في أبي حفص ، لعدم الاشتهار لا الإبهام الوضعي.
(عن ذات) لا عن وصف ، واحتراز به عن النعت ، والحال ، فإنهما
يرفعان
__________________
الإبهام المستقر الواقع في الوصف ، لا في الذات.
وتحقيق ذلك :
أنّ الواضع لمّا وضع (الرطل) مثلا لنصف (منّ) فلا شك أنّ الموضوع له معنى معين متميز عما هو أقل
من النصف كالربع ، وعما هو أكثر منه ، كمن ، ومنين ، ولا إبهام فيه إلا من حيث ذاته أي : جنسه ، فإنه لا يعلم منه بحسب
الوضع أنه من جنس العسل أو الخل أو غيرهما ، وإلا من حيث وصفه فإنه لا يعلم منه بحسب الوضع أنه بغدادي أو مكي ،
فإذا أريد رفع الإبهام الوصفي الثابت فيه بحسب الوضع أتبع بصفة أو حال .
فيقال : رطل
بغدادي ، أو بغداديا ، وإذا أريد رفع الإبهام الذاتي قيل : زيتا فزيتا يرفع
الإبهام المستقر عن الذات لا النعت والحال ، فإنهما يرفعان الإبهام عن الوصف.
(مذكور أو
مقدرة).
__________________
صفتان ل : (ذات)
اشارة إلى تقسيم التمييز ، فالمذكور ، نحو :
(رطل زيتا)
والمقدرة نحو : (طاب زيد نفسا) فإنه في قوة قولنا :
(طاب شيء منسوب
إلى زيد) و (نفسا) يرفع الإبهام عن ذلك الشيء المقدر فيه .
(فالأول) أي :
القسم الأوّل من التمييز وهو ما يرفع الإبهام عن ذات مذكورة ، يرفعه (عن مفرد) يعني : به ما يقابل الجملة وشبهها والمضاف (مقدار) صفة لمفرد ، وهو ما يقدّر به الشيء ، أي : يعرف به قدره ، ويبين (غالبا) أي : في غالب المواد وأكثرها ، أي : رفع الإبهام مطلقا يتحقق في ضمن هذا الرفع الخاص
__________________
في أكثر المواد وذلك ؛ لأن الإبهام فيه أكثر.
والمقدار : (إما)
متحقق (في) ضمن (عدد ، نحو : عشرون درهما) وسيأتي ذكر تمييز العدد وبيانه في باب أسماء العدد.
(وأما في) ضمن (غيره)
أي : غير العدد كالوزن (نحو : رطل زيتا) فإن الرطل نصف المنّ.
(و) نحو : (منوان
سمنا) وكالكيل ، نحو : قفيزان برّا وكالذراع نحو : (ذراع
__________________
ثوبا) (و) كالمقياس ، نحو : (على التّمرة مثلها زبدا) والمراد بالمقادير في هذه الصور : هو المقدّرات ؛ لأن قولك :
عندي (عشرون درهما) و (رطل زيتا) و (ذراع ثوبا) و (على التمرة مثلها زبدا) والمراد
بها المعدود ، والموزون والمذروع والنقيس لا غير.
وإنما اقتصر المصنف على الأمثلة الثلاثة ؛ لأنه كان مطمح نظرة التنبيه على بيان ما يتم به المفرد ، وهو التنوين ، كما في (رطل زيتا) أو النون كما في :
(منوان سمنا)
أو الإضافة كما في (على التمرة مثلها زبدا) ، ولهذا لم يستوف أقسام المقادير وكرر بعضها .
__________________
ومعنى تمام
الاسم : ان يكون على حالة لا يمكن إضافته معها.
والاسم مستحيل
الإضافة مع التنوين ونوني التثنية والجمع ومع الاضافة ؛ لأن المضاف لا يضاف
ثانية ، فإذا تم الاسم بهذه الأشياء شابه الفعل إذا تم بالفاعل وصار به كلاما
تاما ، فيشابه التمييز الأتي بعده المفعول ، لوقوعه بعد تمام الاسم كما أن
المفعول حقه أن يقع بعد تمام الكلام ، فينصه ذلك الاسم التام قبله لمشابهته الفعل
التام بفاعله.
وهذه الأشياء
إنما قامت مقام الفاعل لكونها في آخر الاسم كما كان الفاعل عقيب الفعل.
ألا ترى أن لام
التعريف الداخلة على أول الاسم وإن كان يتم بها الاسم فلا يضاف معها ، ولا ينتصب
التمييز عنه ، فلا يقال : (عندي الراقود خلا).
(فيفرد) ...
__________________
أي : التمييز وإن كان الاسم التام مثنى أو مجموعا .
(إن كان) أي : التمييز (جنسا) ، وهو ما تتشابه أجزاؤه ، ويقع مجردا عن التاء على القليل ، والكثير ،
فلا حاجة إلى تثنيته وجمعه ، كالماء والتمر والزيت والضرب ، بخلاف (رجل وفرس)
.
(إلا أن يقصد الأنواع أي : ما فوق النوع الواحد ، فيشمل المثنى أيضا ؛ لأنه
كما جاز أن يقال (طاب زيد جلستين) للنوع ، جاز أيضا أن يقال (طاب زيد جلستين)
للعدد ويمكن ...
__________________
أن يجاب عنه ، بأن المراد بالأنواع حصص الجنس سواء كانت بالخصوصيات الكلية ، أو الشخصية.
(ويجمع) أي : يورد التمييز على ما فوق الواحد جوازا ، حيث لم
يقصد الواحد (في غيره) أي : غير الجنس ، نحو : (عندي عدل ثوبين أو أثوابا) (ثم ان كان) أي : المفرد المقدار تاما (بتنوين أو بنون التثنية) أو المعنى : ان
وجد التمييز متلبسا بتنوين المفرد أو بالنون التي للتثنية فإنه لما تم الاسم بهما اقتضى التمييز.
(جازت الاضافة)
أي : إضافة المفرد المقدار إلى التمييز إضافة بيانه بإسقاط
__________________
التنوين ونون التثنية جوازا شائعا كثيرا ، لحصول الغرض ، وهو : رفع الإبهام
بذلك مع التخفيف نحو : (رطل زيت) و (منوا سمن) (وإلا) أي : وإن لم يكن بتنوين أو بنون التثنية بأن يكون بنون الجمع أو الإضافة (فلا)
تجوز الإضافة إلا بقلة في نون الجمع ، نحو : (عشرون درهم).
أما في الإضافة
فلئلا يلزم اضافة المضاف ، وأما في نون الجمع فلأنه جازان يضاف إلى غير المميز ، ونحو (عشريك وعشري رمضان) بالاتفاق لكثرة الحاجة إليه
فو اضيف إلى المميز لزم الالتباس في بعض الصور ؛ لأنه لا يعلم ، مثلا عند اضافة (عشرين) إلى (رمضان) أنه اراد عشرين
رمضان ، أو اراد اليوم العشرين من رمضان.
فلا يضاف في
غير صورة الالتباس أيضا إلا على قلة ، ليكون الباب اقرب الاطراد ...
__________________
(وعن غير مقدار) عطف على قوله (عن مفرد مقدار) أي : الأول كما يرفع الإبهام عن مفرد مقدار ، كذلك يرفعه عن مقدار
، أي : ما ليس بعدد ولا ذراع ولا كيل ولا مقياس (نحو (خاتم حديدا) فإن الخاتم مبهم باعتبار الجنس ، تام بالتنوين فاقتضى تمييزا.
(والخفض) أي :
خفض التمييز باضافة غير المقدار إليه (أكثر) استعمالا لحصول الغرض
مع الخفة.
ولقصور غير المقدار عن طلب التمييز ؛ لأن الأصل في المبهمات المقادير وغيرها ليس بهذه المثابة.
(والثاني)
أي : القسم
الثاني من التمييز ، وهو ما يرفع الإبهام عن ذات مقدرة يرفعه عن
__________________
نسبة كان الظاهر أن يقول عن ذات مقدرة في نسبة في جملة ، لكن لما كان الإبهام في طرف النسبة يستلزم الإبهام فيها ، ورفعه عنها يستلزم الرفع عنه.
قال (عن نسبة)
مقتصرا عليها على أن مقابلة ما في هذا القسم للمفرد المذكور في القسم الأول إنما
هي لمجرد النسبة لا غير (في جملة) أي : نسبة كائنة في جملة (أو ماضاهاها)
أي : ما شابهما ، عطف على جملة ، وهو اسم الفاعل نحو : (الحوض ممتلئ ماء) أو اسم المفعول ، نحو : (الأرض مفجرة عيونا) أو الصفة المشبهة ، نحو: زيد حسن وجها ، أو اسم التفضيل نحو : زيد أفضل أبا أو المصدر ، نحو :
__________________
(أعجبني طيبه أبا) وكذا كل ما فيه معنى الفعل ، نحو : (حسبك زيد رجلا) (نحو (طاب زيد نفسا) مثال للجملة والتمييز فيه خاص بالمنتصب عنه (و (زيد طيّب أبا) مثال لما يشبه الجملة ، والتمييز فيه يصلح أن يكون لما انتصب عنه ، لمتعلقه.
وحيث لا فرق في التمييز بين الجملة وما ضاهاها.
فهذان المثالان في قوة أربعة أمثلة ، فكأنه قال : طاب زيد ، وزيد طيب نفسا وأبا.
فقوله (وأبوة ودارا وعلما) عطف على (نفسا وأبا) بحسب المعنى فهو
__________________
ناظر إلى كل من المثالين المذكورين غير مختص بالأخير فهو بحسب الحقيقة أورد
لكل من التمييز الواقع في الجملة أو ماضاهاها خمسة أمثلة :
فالنفس : عين غير إضافي خاص بالمنتصف عنه ، والدار : عين غير إضافي
وهو متعلق بالمنتصب عنه والأب : عين إضافي محتمل لهما.
والأبوة : عرض إضافي.
والعلم : عرض
غير إضافي وكل منهما متعلق بالمنتصب عنه (أو في إضافة) عطف على قوله في جملة أو ما ضاهاها (مثل يعجبني طيبه نفسا)
وتركه ؛ لأنه أظهر التمييزات ولا خفاء به.
(وأبا وأبوة
ودارا وعلما) أورد هذه الأمثلة على وفق ما سبق وزاد عليه قوله (ولله ...
__________________
دره فارسا) اشارة إلى أن التمييز قد يكون صفة مشتقة وأيضا لما أورده صاحب لمفصل مثالا لتمييز المفرد على أن يكون
الضمير فيه مبهما كضمير (ربّه رجلا ويكون (فارسا) تمييزا عنه أرد أن ينبه على أنه
يصلح أن يكون تمييزا عن نسبة على ان يكون الضمير معينا معلوما ، والابهام يكون في نسبة الدر إليه والدر في الأصل : اللين ، وفيه خير كثير للعرب ، فأريد به الخير : أي لله خيره فارسا ، والفارس : اسم فاعل من
الفراسة ـ بالفتح ـ مصدر فرس ـ بالضم أي : حذق بأمر الخيل ،
وأما الفراسة بالكسر ـ فمن التفرس.
__________________
(ثم إن كان)
أي : التمييز بعد ما
لم يكن نصا
في المنتصب عنه (اسما) لا صفة (يصح جعله لما انتصب
عنه) والمراد بجعله له اطلاقة عليه والتعبير به عنه (جاز أن يكون) ذلك التمييز
تارة (له) أي : للمنتصب عنه بأن يكون تمييزا يرفع الإبهام عنه (و) تارة (لمتعلقه)
بأن يكون تمييزا يرفع الإبهام عن متعلقة
، وذلك بحسب القرائن والاحوال
مثل : (أبا) في (طاب زيد أبا)
فإنه يصح ان تجعله عبارة عن (زيد) فجاز أن يكون تارة تمييزا عن (زيد) إذا اريد
إسناد الطيب إليه ، باعتبار أنه أبو عمرو وجاز أن يكون تارة تمييزا عن متعلقة
باعتبار ان الطيب مسند إلى متعلقة وهو (أبوه) (وإلا)
أي : وان لم يكن
التمييز بعد ما لم يكن التمييز بعد ما لم يكن نصا في
__________________
المنتصب عنه اسما يصح جعله لما انتصب عنه (فهو لمتعلقه) خاصة ، نحو : (طاب زيد أبوة وعلما ودار) ، فإن
هذه الأسماء ليست نصا في المنتصب عنه ، ولا يصح جعلها له بالتعبير عنه بها ، فهي لمتعلق (زيد) وهو الذات المقدرة ، اعني :
الشيء المنسوب
إلى (زيد) (فيطابق) التمييز (فيهما) أي : فيما جاز أن يكون لما انتصب عنه ، سواء
نصا فيه أو محتملا له
ولمتعلقه وفيما تعين لمتعلقه (ما قصد)
من وحدة التمييز وتثنيته وجمعيته سواء كانت لموافقة ما انتصب عنه مثل : طاب زيد
أبا ، والزيدان أبوين والزيدون آباء ، أو لمعنى .
__________________
في نفسه ، مثل : قولك طاب زيد أبا ، إذا أردت أبا له فقط ، و (طاب زيد
أبوين) ، إذا أردت أبا ، وجدا له ، و (طاب زيد آباء) إذا أردت أبا وأجدادا له.
فعلى كل من
التقديرين ، إذا قصد وحدة التمييز أورد مفردا ، وإذا قصد تثنيته
أورد مثنى ، وإذا قصد جمعيته أورد جمعا ، فإن صيغة المفرد لا تصلح أن تطلق على المثنى والمجموع (إلا إذا
كان) التمييز (جنسا) يقع على القليل والكثير ، فإنه إذا قصد تثنيته وجمعيته
لا يلزم أن يثني ذلك الجنس أو يجمع بل يكفي أن يؤتي به مفردا ، لصحة اطلاقه على القليل والكثير فلا
حاجة إلى تثنيته وجمعه ، نحو : (طاب زيد علما) والزيدان علما والزيدون علما (إلا
أن يقصد) بالتمييز الذي هو الجنس
__________________
(الأنواع) من حيث امتيازاتها النوعية ، فإنه لا بد حينئذ من تثنيته أو جمعه نحو : (طاب
الزيدان علمين) والزيدون علوما) ، إذا أريد أن متعلق الطيب من
كل من الزيدان أو الزيدون نوع آخر من العلم ، فإن صيغة المفرد لا تفيد ذلك المعنى (وان كان) أي: التمييز (صفة) مشتقة مثل : (لله درّه فارسا) أو مؤولة بها ، نحو : (كفى زيد رجلا) فإن معناه كاملا في الرجولية (كانت)
الصفة (له) أي : لما انتصب عنه لا لمتعلقه؛ لأن الصفة تستدعي موصوفا ، والمذكور
أولى بالموصوفية .
فإذا قيل : (طاب
زيد والدا) كان الوالد (زيدا) ولا يحتمل أن يكون والده ، بخلاف الاسم ، نحو : (أبا).
(وطبقة) الواو
: بمعنى (مع) ، والطبق : مصدر بمعنى : المطابقة أي : كانت
__________________
الصفة صفة له مع مطابقتها إيّاه ، أو مطابقته إيّاها.
ويجوز أن يكون بمعنى اسم الفاعل ، والواو : للعطف على خبر (كانت)
أي : كانت الصفة صفة له ، ومطابقة إيّاه.
والمراد
بالمطابقة : الاتفاق في الإفراد ، والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، لكونها
حاملة لضميره.
(واحتملت) أي :
الصفة المذكورة (الحال) أيضا لاستقامة المعنى على الحال ، نحو : (طاب زيد فارسا)
ـ أي : من حيث إنّه فارس أو حال كونه فارسا ، لكن زيادة (من) فيها نحو : لله دره من فارس ، وقولهم : (عزّ من قائل) يؤيد التمييز ؛
لأن (من) تزاد في التمييز لا في الحال.
وأيضا ،
المقصود مدحه بالفروسية ، لا حال الفروسية ، إذ قد يمدح حال الفروسية بغيرها من الصفات .
__________________
(ولا يتقدم) التمييز (على عاملة) إذا كان اسما تاما بالاتفاق فلا يقال : (عندي درهما عشرون) و (لا زيتا رطل) لأن
عامله حينئذ اسم جامد ضعيف العمل مشابه للفعل مشابهة ضعيفة كما ذكرناه فلا يقوى أن يعمل فيما قبله.
(والأصح) أي :
أصح المذاهب (أن لا يتقدم) التمييز (على) ما هو عامل فيه من (الفعل) الصريح أو غير
الصريح ، لكونه من حيث المعنى فاعلا للفعل بنفسه، نحو : (طاب زيد أبا) أي : طاب أبوه ، أو فاعلا
له إذا جعلته لازما ، نحو : (وَفَجَّرْنَا
الْأَرْضَ عُيُوناً) ، أي انفجرت عيونها.
__________________
وإذا ، جعلته
متعديا نحو : (امتلأ الإناء ماء) أي : ملأه الماء.
والفاعل لا
يتقدم على الفعل ، فكذا ما هو بمعنى الفاعل.
وههنا بحث ، هو أن (الماء) في قولهم : (امتلأ الإناء ماء) من
حيث المعنى فاعل للفعل المذكور من غير حاجة إلى جعله متعديا ؛ لأن
المتكلم لما قصد إسناد الامتلاء إلى بعض متعلقات الاناة ، ولو على سبيل التجّوز وقدره ، وقع الإبهام فيه لا جرم ميّزه بقوله (ماء) فهو
في معنى : امتلأ ماء الإناء ، فالماء فاعل معنى ، وذلك بعينه مثل : قولك : (ربح
زيد تجارة) فإن التجارة تمييز يرفع الإبهام عن شيء منسوب إلى (زيد) وهو التجارة.
فالفاعل في
قصدك هو التجارة ، لا زيد ، وإن كان إسناد الربح إليه حقيقة وإليها مجازا ، وبهذا يندفع ما يورد على قاعدتهم المشهورة ، وهي أن التمييز
عن النسبة إمّا فاعل في المعنى أو مفعول ، من أن التمييز في هذا المثال ، وأمثاله
لا فاعل ولا مفعول ، فلا تطرد تلك القاعدة .
(خلافا للمازني
والمبرد) فإنهما يجوزان تقيم التمييز على الفعل الصريح ،
__________________
وعلى اسمي الفاعل والمفعول نظرا إلى قوة العامل ، بحلاف الصفة المشبهة ، واسم التفضيل والمصدر ، وما
فيه معنى الفعل ، لضعفها في العمل ، ومتمسكهما في هذا التجويز قول الشاعر.
أتهجر سلمى
بالفراق حبيبها
|
|
وما كاد نفسا
بالفراق تطيب
|
على تقدير
تأنيث الضمير في (تطيب) فإنه حينئذ يكون في (كاد) ضمير الشأن لتذكيره ، ويعود ضمير (تطيب) إلى سلمى ، ويكون (نفسا) تمييزا عن
نسبة (تطيب) إليها مقدمة عليه.
وأما على تقدير
تذكير الضمير ، فضمير (كاد) للحبيب ، ونفسا تمييز عن نسبة (كاد) إليه أي : وما كاد
الحبيب نفسا يطيب ، فلا تمسك حينئذ وما قيل : يحتمل أن يحمل البيت على تقدير
تأنيثه أيضا على هذا الوجه بأن يكون تأنيث الضمير الراجع إلى
__________________
الحبيب باعتبار النفس ؛ إذ المعنى : وما كادت نفس الحبيب تطيبت ، فتكلف وتعسف غير قادح في التمسك.
(المستثنى)
(المستثنى) أي : ما يطلق عليه لفظ المستثنى في اصطلاح النحاة على قسمين : ولما كان معلوميته بهذا الوجه الغير المحتاج إلى التعريف كافية
في تقسيمه ،
__________________
قسمة إلى قسمين ، وعرّف كل واحد منهما ؛ لأن لكل واحد منهما أحكاما خاصة لا
يمكن اجراؤها عليه إلا بعد معرفته فقال :
(متصل ومنقطع ، فالمتصل) هو (المخرج)
أي : الاسم الذي أخرج ، واحترز به عن غير المخرج كجزئيات المستثنى المنقطع.
(من متعدد) جزئياته نحو : (ما جائني أحد إلا زيدا) أو أجزاؤه ، مثل : (اشتريت العبد إلا نصفه) سواء كان ذلك المتعدد (لفظا) أي : ملفوظا ، نحو : (جاءني القوم لا زيدا) ، (أو تقديرا) أي : مقدارا نحو : (ما جاءني إلا زيد) أي : ما جاءني أحد إلا زيد (بإلا) ...
__________________
غير الصفة (وأخواتها) واحترز به عن نحو : (جاءني القوم لا زيد) (وما جاءني
القوم لكن زيد جاء) .
(و) والمستثنى (المنقطع
هو المذكور بعدها) أي : بعد (إلا) وأخواتها (غير مخرج) عن متعدد ، واحترز به عن جزئيات المستثنى المتصل.
فالمستثنى الذي
لم يكن داخلا في المتعدد قبل الاستثناء منقطع سواء كان من جنسه ، كقولك : (جاءني
القوم إلا زيدا) مشيرا بالقوم إلى جماعة خالية عن (زيد) أو لم يكن نحو : (جاءني القوم إلا حمارا) .
(وهو) أي : المستثنى مطلقا حيث علم.
__________________
أولا : بوجه يصحح تقسيمه ، كما عرفت.
وثانيا : بما
يتفطن له من تعريف قسيمة أعني : المذكور بعد (إلا) ، وأخواتها ، سواء كان مخرجا ، أو غير مخرج ، ولهذا لم يعرفه على
حده وروما للاختصار.
(منصوب) وجوبا (إذا كان) واقعا (بعد إلا) لا بعد (غير سوى)
وغيرهما (غير الصفة) قيد به ، وأن لم يكن الواقع بعد (إلا) التي للصفة داخلا في
المستثنى ، لئلا يذهل عنه (في كلام موجب) أي : ليس بنفي ، ولا نهي ، ولا استفهام ، نحو : (جاءني
__________________
القوم إلا زيدا) واحترز به عما إذا وقع في كلام غير موجب ؛ لأنه ليس حينئذ
واجب النصب ، على ما سيجيء ، ولا حاجة هاهنا إلى قيد آخر وهو أن يكون الكلام الموجب تاما ، بأن يكون المستثنى منه مذكورا فيه ، ليخرج نحو : (قرأت
إلا يوم كذا) فإنه منصوب على الظرفية لا على الاستثناء ؛ لأن الكلام في كونه منصوبا مطلقا لا في كونه منصوبا على الاستثناء ، بدليل قوله (أو كان
بعد خلا وعدا) إلا أن يقال : الحاجة إلى هذا القيد إنما هو لا خراج مثل : (قرئ
إلّا يوم كذا) فإنه مرفوع وجوبا لا منصوب.
والعامل في نصب المستثنى إذا كان منصوبا على الاستثناء ، عند
البصريين الفعل المتقدم ، أو معنى الفعل بتوسط (إلّا) ؛ لأنه شيء
يتعلق بالفعل أو معناه تعلقا معنويا ؛ إذ له نسبة إلى ما نسب إليه أحدهما.
__________________
وقد جاء بعد
تمام الكلام فشابه المفعول.
(أو مقدما) عطف
على قوله : (بعد إلا) ، أي : المستثنى منصوب وجوبا إذا كان
المستثنى مقدما (المستثنى منه) سواء كان في كلام موجب أو غيره نحو : (جاءني إلا
زيدا القوم) و (ما جاءني إلا زيدا أحد) لامتناع تقديم البدل على المبدل منه .
(أو منقطعا) أي
: المستثنى منصوب أيضا وجوبا إذا كان منقطعا بعد (إلا) نحو : (ما في الدار أحد إلا
حمارا)
(في الأكثر) أي : في أكثر اللغات ، وهي لغة أهل الحجاز ، فإنهم قبائل كثيرون ، أو في أكثر مذاهب النحاة ، فإن أكثرهم ذهبوا إلى
اللغة الحجازية.
فالمنقطع مطلقا
منصوب عندهم ؛ إذ لا يتصور فيه إلا بدل الغلط.
__________________
وهو لا يصدر
إلا بطريق السهو ، والغفلة.
والمستثنى
المنقطع إنما يصدر بطريق الرّويّة والفطانة.
وأما بنو تميم فقد قسموا المنقطع إلى قسمين :
أحدهما : ما
يكون قبله اسم يصح حذفه ، نحو : (ما جاءني القوم إلا حمارا) فهنا يجوزون البدل.
وثانيهما : ما
لا يكون قبله اسم يصح حذفه ، فهم هاهنا يوافقون الحجازيين في إيجاب نصبه
كقوله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ
مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) [هود : ٤٣].
__________________
ـ فإنهم أرادوا من الأنيس الإنسان واليعافير
والعيس مستثنى من منقطع عنه والجواب عنه تعميم الإرادة في الأنيس بإيراد منه ما
يؤانس المكان فيكون من قبيل بدل البعض من الكل. اعلم أن الخلاف المذكور بين
الفريقين فيما إذا كان المستثنى المنقطع مما يمكن إيقاعه موقع المستثنى منه بضرب
من التأويل كالمثال المذكور ، وأما إذا كان يمتنع إيقاعه ذلك الموضع فالنصب واجب
بالاتفاق كما في قوله تعالى : () على أحد الوجوه.
أي : من رحمهالله
، فمن رحمهالله هو
المرحوم المعصوم
، فلا يكون داخلا
في العاصم فيكون منقطعا.
(أو كان بعد خلا ، وعدا) أي : المستثنى منصوب أيضا وجوبا ، إذا كان بعد (عدا)
من : عدا ، يعدو ، عدوا ، إذا جاوزه ، مثل : (جاءني القوم عدا زيدا) أو بعد (خلا)
من خلا ، يخلو ، خلوا ، نحو : (جاءني القوم خلا زيدا) هو في
الأصل لازم ، يتعدى إلى المفعول ب : (من) نحو : (خلت الديار من الأنيس).
وقد تضمن معنى
جاوز ، أو يحذف (من) يوصل الفعل ، فيتعدى بنفسه.
والتزموا هذا
التضمن أو الحذف والإيصال في باب الاستثناء ليكون ما بعدها منصوبا كما في صورة
المستثنى (بإلا) التي هي أم الباب . وفاعلهما ضمير راجع : إمّا إلى مصدر الفعل المتقدم ،
أو إلى اسم الفاعل منه ، أو إلى بعض مطلق من المستثنى
__________________
منه ، والتقدير : جاءني القوم عدا ، أو خلا مجيئهم ، أو الجائي منهم أو
بعض منهم زيدا.
هما في محل
النصب على الحالية ، ولم يظهر معها (قد) ، ليكونا أشبه ب : (إلا) التي هي الأصل في
باب الاستثناء (في الأكثر) أي : النصب بهما إنما هو أكثر الاستعمالات ؛ لأنهما
فعلان ماضيان كما عرفت.
وقد أجيز الجر
بهما على أنهما حرفا جر.
قال السيرافي : لم أعلم خلافا في جواز الجر بهما إلا أن النصب بهما
إلا أن النصب بهما أكثر. (وما خلا ، وما عدا) أي : المستثنى منصوب أيضا وجوبا ؛ إذا
كان بعد (ما خلا) و (ما عدا) ؛ لأن (ما) فيهما مصدرية مختصة بالأفعال نحو : (جاءني قوم ما خلا زيدا ، وما عدا عمرا) تقديره ،
خلوّ زيد ، وعد وعمرو بالنصب على الظرفية ،
__________________
بتقدير مضاف أي : وقت خلوهم ، أو خلو مجيئهم من زيد ووقت مجاوزتهم ، أو مجاوزة مجيئهم عمرا.
أو على الحالية
بجعل المصدر بمعنى اسم الفاعل أي : جاؤوا خاليا بعضهم ، أو مجيئهم من زيد ، ومجاوزا
بعضهم أو مجيئهم عمرا.
وعن الأخفش : أنه أجاز الجر بهما على أن (ما) فيهما زائدة ، ولعل
هذا لم يثبت عند المصنف ، أو لم يعتد به ، ولهذا لم يقل في الأكثر.
(و) كذا
المستثنى منصوب (بعد (ليس) نحو : (جاءني القوم ليس زيدا) (و) بعد (لا يكون) نحو : (سيجيء
اهلك لا يكون بشرا) وإنما يكون النصب بعدهما واجبا؛ لأنهما من الأفعال الناقصة
الناصبة للخير ، ويلزم إضمار اسمهما في باب الاستثناء ، وهو ضمير راجع إلى اسم
الفاعل من الفعل المذكور ، أو إلى بعض من المستثنى منه مطلقا، وهما في
التركيب في محل المنصب على الحالية.
__________________
واعلم أنه لا تستعمل هذه الأفعال إلا في المستثنى المتصل
الغير المفرغ ، ولا يتصرف فيهما ؛ لأنها قائمة مقام (إلّا) وهي لا يتصرف فيها.
(ويجوز فيه) أي : في المستثنى (النصب) على الاستثناء ، (ويختار
البدل) عن المستثنى منه (فيما بعد إلا) حال من الضمير المجرور أي : حال كون المستثنى واقعا في محل يكون متأخرا عن (إلا) احتراز عما إذا كان بعد سائر أدوات الاستثناء ، مثل : عدا وخلا
وغيرهما (في كلام غير موجب) احتراز عما إذا وقع في كلام موجب ، فإنه منصوب وجوبا
كما مر.
(و) الحال أنه
قد (ذكر المستثنى منه) احترز عما إذا لم يذكر المستثنى منه ، فإنه حينئذ يعرب على
حسب العوامل.
وفي بعض النسخ (المستثنى
منه) بغير واو على أنه صفة لكلام غير موجب ، ولا مقدما على المستثنى منه ؛ لأن
حكمهما قد علم فيما سبق ، فاكتفى بذلك (نحو : (ما
__________________
فَعَلُوهُ
إِلَّا قَلِيلٌ) [النساء : ٦٦] بالرفع على البدلية ، (وإلا قليلا) بالنصب على الاستثناء ، (وما مررت بأحد
إلا زيد) بالجر على البدلية و (لا زيدا) بالنصب على الاستثناء ، (وما رأيت أحد إلا زيدا) بالنصب إما
بطريق البدلية وهو المختار ، أو بطريق الاستثناء وهو جائز غير مختار.
وإنما اختاروا البدل في هذه الصور ؛ لأن النصب على الاستثناء
، إنما هو بسبب التشبيه بالمفعول ، لا بالأصالة ، وبواسطة (إلا) واعراب البدل
بالاصالة وبغير واسطة.
(ويعرب) ...
__________________
أي : المستثنى (على حسب العوامل) أي : بما يقتضيه العامل ، من الرفع والنصب والجر (إذا كان المستثنى منه غير
مذكور) ويختص ذلك المستثنى باسم المفرّغ ؛ لأنه فرّغ له العامل عن المستثنى منه.
فالمراد بالمفرّغ : المفرّغ له ، كما يراد بالمشترك : المشترك
فيه.
(وهو) أي :
الحال أن المستثنى واقع (في غير) الكلام (الموجب) واشترط ذلك (ليفيد) فائدة صحيحة مثل : (ما ضربني إلا زيد) ؛ إذ يصح ألا
يضرب المتكلم أحد إلا زيد ، بخلاف (ضربني إلا زيد) ؛ إذ لا يصح أن يضر كلّ أحد المتكلّم إلا زيد .
__________________
(إلا أن
يستقيم المعنى) بأن يكون الحكم مما يصح أن يثبت على سبيل العموم
، نحو قولك : (كل حيوان يحرّك فكّه الأسفل عند المضغ إلا التمساح)
، أو يكون هناك قرينة دالة على أن المراد بالمستثنى منه بعض معين يدخل فيه
المستثنى قطعا (مثل : قرأت إلا اليوم كذا) أي : أوقعت القراءة كل يوم إلّا يوم كذا
، لظهور
أنه لا يريد المتكلّم جميع أيام الدنيا بل أيام الأسبوع
أو الشهر ، أو مثل ذلك .
ولقائل أن يقول
: كما لا يستقيم المعنى على تقدير عموم المستثنى منه في الموجب في بعض الصور ،
فربما ألا يستقيم المعنى على تقدير عموم المستثنى فيه في غير الموجب أيضا ، نحو : (مامات
إلا زيد) فينبغي أن يشترط في غير الموجب أيضا استقامة المعنى.
وأيضا لا يصح
مثل : (قرأت إلا يوم كذا) إلا بعد تخصيص اليوم بأيام الأسبوع مثلا ، فيجوز مثل : هذا التخصيص في (ضربني إلا زيد) بأن
يخصص المستثنى منه بكل واحد من جماعة مخصوصين ...
__________________
إذا كان هناك قرينة ، فلا فرق بين هاتين الصورتين في كون كل واحدة منهما جائزة مع القرينة ، وغير جائزة
بدونها .
وأجيب : بأن المعتبر هو الغالب ، والغالب في الإيجاب عدم
استقامة المعنى على العموم وفي النفي عكسه ؛ لأن اشتراك جميع أفراد الجنس في انتفاء تعلق الفعل بها ، ومخالفة واحد إياها في ذلك مما يكثر ويغلب.
وأما اشتراكها
في تعلق الفعل بها ، ومخالفة أحد إياها في ذلك فما يقل كمما في المثال المذكور
وبأن الفرق بين قولك : (قرأت إلا يوم كذا) و (ضربني إلا زيدا) ليس إلا بظهور
قرينة دالة على بعض معين من المستثنى منه مقطوع دخوله فيه في الأول ، وعدم
ظهورها في الثاني.
فلو قام في
الثاني أيضا قرينة ظاهرة الدلالة على بعض معين كما إذا قيل : (من ضربك من القوم) أي : القوم الداخل فيهم زيد ، فقلت : (ضربني إلا زيد)
فالظاهر أن ذلك أيضا مما يستقيم فيه المعنى ، لكن الغالب عدم وجدان قرينه كذلك في
الموجب فالغالب ...
__________________
فيه عدم استقامة المعنى .
(ومن ثمة) أي : ومن أجل أن المفرغ لا يكون في الموجب إلا أن يستقيم المعنى (لم يجز) مثل : (ما زال زيد إلا عالما) ؛ إذ معنى ما زال ثبت ؛ لأن نفي النفي إثبات ، فيكون المعنى : ثبت زيد دائما على جميع الصفات إلا على صفة العلم فلا يستقيم .
وقال الشارح
الرضي : (يمكن أن يحمل الصفات) على ما يمكن أن يكون زيد عليها مما لا يتناقض ،
ويستثنى من جملتها العلم ، أو يحمل ذلك على المبالغة في نفي صفة العلم ، كأنك قلت : أمكن أن يحصل فيه جميع الصفات إلا صفة العلم.
__________________
وعلى التقديرين
يندرج في صورة الاستقامة ، ولا يخفى على المتفطن أنه يمكن بمثل هذه التأويلات (إرجاع جميع المواد الإيجابية عند الاستثناء إلى صورة الاستقامة كما يقال
مثلا في قولك : (ضربني إلا زيد) المراد : كل من يتصور منه الضرب من معارفك ، أو
المقصود منه المبالغة في غلو المجتمعين على ضربك.
(وإذا تعذر
البدل) من حيث حمله (على اللفظ) أي : على لفظ المستثنى منه (فعلى الموضع) أي : يحمل على موضع المستثنى منه لا على لفظه
عملا بالمختار على قدر الإمكان مثل : (ما جاءني من أحد إلا زيد) فزيد بدل مرفوع محمول على موضع) (أحد)
لا مجرور محمول على لفظة.
(و) مثل : (لا أحد ...
__________________
فيها) أي : في الدار (إلا عمرو) فعمرو مرفوع محمول على محل (أحد) لا على لفظه، (و) مثل : (ما
زيد شيئا إلا شيء لا يعبأ به) أي : لا يعتد به.
ف : (شيء)
مرفوع محمول على محل (شيئا) لا منصوب محمول على لفظه.
وقوله : (لا
يعبأ به) ليس في كثير من النسخ ، وعلى ما وقع في بعضها ، فهو صفة لشيء المستثنى.
قيل : إنما وصفه به ، لئلا يلزم استثناء الشيء من نفسه ، ولا يخفى أنه لو جعل المستثنى منه شيئا أعم من أن يزيد عليه صفة
غير الشيئية أو لا ، وخص المستثنى بما لا يزيد عليه صفة غير الشيئية لكان أدق وألطف وإنما تعذر البدل على اللفظ
__________________
في الصورة الأولى (لأن من) الاستغراقية (لا تزاد) اتفاقا.
(بعد الإثبات)
أي : بعد ما صار الكلام مثبتا ؛ لانتقاض النفي ب : (إلا) لأنها لتأكيد
النفي ، ولا نفي بعد الانتقاض ، فلو أبدل على اللفظ ، وقيل : ما جاءني من أحد إلّا
زيد ، بالجر لكان في قوة قولنا : جاءني من زيد ، فلزم زيادة (من) في الإثبات،وذلك غير جائز.
وفي الصورتين الأخيرتين ؛ لأنه لو أبدل المستثنى على اللفظ ، وقيل (لا
أحد فيها إلا عمرا) ، بالنصب ؛ لأن فتحته شبيه بالحركة الأعرابية ؛ لأنها حصلت بكلمة
(لا).
فهي كالنصب
الحاصل بالعامل ـ فلا بد حينئذ من تقدير (لا) حقيقة أو حكما لتعمل فيه هذا العمل ، وكذا في قوله : ما زيد شيئا إلا
شيء ، لو حمل المستثنى على لفظ المستثنى منه لا بد حينئذ من تقدير (ما) كذلك ،
لتعمل فيه .
(وما ولا تقدران) حقيقة إذا لم يكن البدل إلا بتكرير العامل ولا حكما ،
__________________
إذا اكتفى بدخوله على المبدل منه ، واعتبر سراية حكمه إليه ، فإنه في قوة
التقدير حال كونها (عاملتين) في المستثنى المحمول على البدل (بعده) أي : بعد
الإثبات ، يعني : بعد ما صار الكلام مثبتا ؛ لانتقاض النفي بإلا (لأنهما) أي : (ما ، ولا) (عملتا للنفي وقد انتقض النفي بإلا) .
وحيث تعذر في
هاتين الصورتين البدل على اللفظ حمل على المحل ف : (عمرو) مرفوع على أنه محمول على محل (أحد) وهو الرفع بالإبتداء
(وشيء) مرفوع على أنه محمول : على محل (شيئا) وهو الرفع بالخبرية.
فإن قلت : ل : (أجحد)
في هذا المثال محلان من الاعراب ، محل قريب ، هو نصبه بكلمة (لا) ، ومحل بعيد ،
وهو رفعه بالابتداء ، فلم اعتبروا حملة على محلة البعيد ، لا القريب؟
قلت : لأن محله القريب إنما هو لعمل (لا) فيه بمعنى النفي ،
وقد انتقض
__________________
ب : (إلا) بخلاف محله البعيد فإنه لا دخل لعمل لا فيه (بخلاف ليس زيد شيئا إلا شيئا) مع أنه انتقض النفي فيه أيضا ب
: (إلا) (لأنها) أي : ليس (عملت للفعلية) لا للنفي (فلا أثر لنقض معنى النفي) في عملها (لبقاء الأمر العاملة) هي أي : ليس (لأجله) أي لأجل ذلك الأمر وهو الفعلية (ومن ثمة) أي : ومن أجل أن عمل (ليس) للفعلية لا للنفي وعمل (ما ،
ولا) بالعكس.
(جاز ليس زيد إلا قائما) بأعمال (ليس) في (قائما) وإن انتقض نفيها ب :
(إلّا) لبقاء فعليتها.
وامتنع (ما زيد
إلا قائما) بأعمال (ما) في (قائما) لأن عملها فيه إنما هو
__________________
ـ وأجيب عنه بأن المضاف محذوف من الأول أي :
دوران منجنونا وكذا معذبا مصدر (
للنفي وقد انتقض ب : (إلا) (و) المستثنى (مخفوض) أي : مجرور (بعد غير وسوى) بكسر السين
أو ضمها مع القصر (وسواء) بفتح السين وكسرها مع المد ، لكونه مضافا إليه.
(وبعد حاشا في
الأكثر) لكونها حرف جر في أكثر استعمالاتهم.
وأجاز بعضهم النصب بها على أنها فعل متعد فاعله مضمر ، ومعناها تبرئة المستثنى عما نسب إلى المستثنى منه ،
نحو : (ضرب القوم عمرا حاشا زيدا) أي : برأه الله عن ضرب عمرو.
(وإعراب (غير)
فيه) أي : في الاستثناء ، دون الصفة ؛ إذ هو حينئذ يعرب بإعراب موصوفه (كإعراب
المستثنى بإلا على التفضيل) المذكور فيما سبق فكأنه لما أنجز به المستثنى للإضافة انتقل إعرابه إليه.
__________________
ـ وأجيب عنه بأن التصرف لا يدل على فعلية لجواز
كون ما يتصرف فعلا مشتقا من حاشا حرفا كما اشتق سوّفت من سوف (.
(وغير) أي : كلمة (غير) في الأصل (صفة) لدلالتها على ذات ،
مبهمة ، باعتبار قيام معنى المغايرة بها ، فالأصل فيها أن تقع صفة ، كما تقول : (جاءني رجل غير
زيد) واستعمالها على هذا الوجه كثير في كلام العرب لكنها (حملت على إلا) واستعملت مثلها (في الاستثناء) على خلاف الأصل
وذلك لاشتراك كل منهما في مغايرة ما بعده لما قبله (كما حملت (إلا) عليها) أي : على كلمة (غير) في (الصفة) لكن لا تحمل (إلا) عليها الصفة غالبا إلا (إذا كانت) أي
: (إلا) تابعة لجمع) أي : واقعة بعد متعدد ، فوجب أن يكون موصوفها مذكورا لا مقدرا ،
كما قد يكون مقدرا في (غير) مثل : (جاءني غير زيد) وبعد ما كان مذكورا يكون
__________________
متعددا ، ليوافق حالها أداة الاستثناء ؛ إذ لا بد لها في الاستثناء من
مستثنى منه متعدد فلا تقول في الصفة :
(جاءني رجل إلا زيد) ، والمتعدد
أعم من أن يكون جمعا لفظا كرجل ، أو تقديرا ، ك : (قوم ورهط) ، وأن يكون مثنى ، فدخل فيه نحو : (ما جاءني رجلان إلا
زيد) (منكور) أي : منكر لا يعرف باللام ، حيث يراد به العهد أو الاستغراق ، فبعلم
التناول قطعا على تقدير الاستغراق ، وعلى تقدير أن يشار به إلى جماعة يكون (زيد)
منهم فلا يتعذر الاستثناء المتصل ، أو عدم التناول قطعا على تقدير أن يشار به إلى
جماعة لم يكن (زيد) منهم فلا يتعذر المنقطع.
(غير محصور) والمحصور : نوعان ، إما الجنس المستغرق ، نحو : (ما
جاءني رجل أو رجال وأما بعض منه معلوم العدد ، نحو : (له عليّ
عشرة دراهم أو
__________________
عشرون) وانما اشترط أن يكون غير محصور ؛ لأنه إن كان محصورا على أحد
الوجهين وجب دخول ما بعد (إلا) فيه ، فلا يتعذر الاستثناء ، نحو : (كلّ رجل إلا
زيد جاءني) و (له عليّ عشرة إلا درهما).
وإنما يصار عند
وجود هذه الشرائط إلى حمل (إلا) على غير ، (لتعذر الاستثناء) عند وجودها ، فيضطر إلى حملها على (غير).
وإنما قلنا في صدر هذا الكلام : إن (إلا) لا تحمل على الصفة غالبا
فقيدناه بقولنا : (غالبا) لأنه قد يتعذر الاستثناء في المحصور نحو : (جاءني مئة
رجل إلا زيد) وقد لا يتعذر في غير المحصور نحو : (ما جاءني رجال إلا واحدا ، أو
إلا رجلا أو إلا حمارا) ولكن لما كان ذلك نادرا لم يلتفت المصنف إليه في بيان هذه
القاعدة نحو :
__________________
(لو كان فيهما) ، أي : في السماء والأرض (آلهة) جمع إله ، ولا دلالة فيها
على عدد محصور (إلا الله) أي : غير الله (لفسدتا) أي : لخرجتا عن الانتظام.
ف : (إلا) في الآية صفة ؛ لأنها تابعة لجمع منكور غير محصور هي (آلهة).
ويتعذر
الاستثناء ، لعدم دخول (الله) في (آلهة) بيقين فلم يتحقق شرط صحة الاستثناء.
__________________
وفي الآية مانع
آخر عن حمل (إلا) على الاستثناء ، وهو أنه لو حملت عليه صار المعنى : لو كان فيهما
الهة مستثنى عنها الله لفسدتا.
وهذا لا يدل
إلا على أنه ليس فيهما آلهة مستثنى عنها الله ، وبهذا لا يثبت وحدانية الله تعالى ، لجواز أن يكون
حينئذ فيهما آلهة غير مستثنى الله عنها ، بخلاف ما إذا كانت للصفة بمعنى (غير) ،
فإنه يدل على أنه ليس فيهما آلهة غير الله.
وإذا لم يكن
فيهما آلهة غير الله يجب أن لا يتعدد الآلهة ؛ لأن التعدد يستلزم المغايرة.
(وضعف) حمل (إلا)
على (غير) (في غيره) أي : في غير جمع منكور غير محصور ، لصحة الاستثناء حينئذ.
ومذهب سيبويه :
جواز وقوع (إلا) صفة مع صحة الاستثناء ، قال يجوز في قولك : (ما أتاني أحد
إلا زيد) أن يكون (إلا زيد) صفة.
وعليه أكثر
المتأخرين تمسكا بقوله :
وكل أخ ...
__________________
ـ والبيت يحتمل وجوها من الإعراب أحدها : أن
يكون كل مبتدأ ومفارقة خبره وإخة وـ
مفارقه أخوه لعمر
أبيك إلّا الفرقدان
ف : (إلا)
الفرقدان صفة لكل أخ ، لا استئناء منه ، وإلا وجب أن يقال : إلا الفرقدين بالنصب ،
وحمل المصنف ذلك على الشذوذ وقال :
في البيت شذوذان
آخران ، أحدهما : وصف (كل) دون المضاف إليه والمشهور وصف المضاف إليه ؛ إذ هو المقصود ، و (كل) لإفادة الشمول فقط.
وثانيهما :
الفصل بالخبر بين الصفة والموصوف وهو قليل.
(إعراب سوى
وسواء النصب على الظرفية) أي : بناء على ظرفيتهما ؛
__________________
لأنك إذا قلت : جاءني القوم سوى أو سواء زيد) فكأنك قلت : (مكان
زيد) على المذهب (الأصح) وهو مذهب سيبويه فهما عنده لازما الظرفية.
وعند الكوفيين
: يجوز خروجهما على الظرفية ، والتصرف فيهما رفعا ونصبا وجرا ك : (غير) متمسكين بقول الشاعر :
ولم يبقى سوى العدوان دنّاهم كما دانوا
__________________
وزعم الأخفش : أن سواء إذا أخرجوه عن
الظرفية أيضا نصبوه استنكارا لرفعه فيقولون: (جاءني سواءك) وفي الدار سواك ومثل :
هذا في استنكار الرفع فيما غلب انتصابه على الظرفية قوله تعالى : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ)
[الأنعام : ٩٤] بالنصب.
(خبر كان وأخواتها)
(خبر كان
وأخواتها)
وستعرفها في
قسم الفعل إن شاء الله تعالى.
(وهو المسند
بعد دخولها) أي : بعد دخول (كان) أو إحدى أخواتها.
والمراد ببعدية المسند لدخولها : أن يكون إسناده إلى اسمها واقعا بعد دخولها على اسمها وخبرها ، ولا شك
أن ذلك إنما يتصور بعد تقرير الاسم والخبر.
__________________
فالإسناد
الواقع بين أجزاء الخبر المقدم على تقرره لا يكون بعد دخولها بل يكون قبله ، فلا ينتقض التعريف بمثل : (كان زيد يضرب أبوه) ولا
بمثل (كان زيد أبوه قائم) بأن يقال : يصدق على (يضرب ، وقائم) في هذين المثالين
المعرف وليسا من أفراد المعرف.
ويمكن أن يقال
في جواب هذا النقض : إن المراد بدخولها ورودها للعمل فيما وردت عليه ، كما سبقت الإشارة إليه في خبر إن
وأخواتها (مثل (كان زيد قائما) وأمره) أي : وأمر خبر كان وأخواتها ، كأمر خبر المبتدأ
، في أقسامه وأحكامه وشرائطه ، على ما سبق في بحث المبتدأ والخبر (و) لكنه (يتقدم) على اسمها حال كونه (معرفة) حقيقة أو حكما ، ...
__________________
كالنكرة المخصصة لاختلاف اسمها وخبرها في الإعراب ، فلا يلتبس أحدهما بالأخر وذلك إذا كان
الإعراب فيهما أو في أحدهما لفظيا ، نحو : (كان المنطلق زيد) أو (كان هذا زيد) بخلاف المبتدأ والخبر فإن الإعراب فيهما لا يصلح للقرينة
لاتفاقهما فيه ، بل لا بد من قرينة رافعة للبس.
وكذلك إذا انتفى الإعراب في اسم (كان) وخبرها جميعا ولا قرينة
هناك لا يجوز تقديم الخبر نحو : (كان الفتى هذا).
(وقد يحذف عامله) أي : عامل خبر كان ، وهو (كان) لا خبر كان وأخواتها ؛ لأنه لا يحذف من هذه
الأفعال إلا (كان) ، وإنما اختصت بهذا الحذف لكثرة استعمالها في مثل : (الناس مجزيّون بأعمالهم ...
__________________
إن خيرا فخير وإن شرا فشر) .
(ويجوز في
مثلها) أي : في مثل : هذه الصورة ، وهي أن يجيء بعد (إن) اسم ثم فاء بعده اسم (أربعة أوجه) نصب الأول ورفع الثاني وهو أقواها نحو : (إن خيرا فخير) أي : إن كان عمله خيرا فجزاؤه
خير.
ونصبهما ، نحو
: (إن خيرا فخيرا) على معنى : إن كان عمله خيرا ، فكان جزاؤه خيرا ، ورفعهما نحو :
(إن خير فخير) أي : إن كان في عمله خير فجزاؤه خير. وعكس الأول ، نحو : (إن خير
فخيرا) أي : إن كان في عمله خير جزاؤه خيرا ، وقوة هذه الوجوه وضعفها بحسب قلة الحذف وكثرته ، (ويجب الحذف أي : حذف عامله ، يعني : (كان) (في مثل : ...
__________________
أمّا أنت منطلقا انطلقت أي : ؛ لأن كنت) منطلقا انطلقت ، فأصل أما أنت ؛
لأن كنت ، حذفت للام قياسا ، ثم حذفت كلمة (كان) اختصارا ، فانقلب الضمير المتصل
منفصلا ، وزيدت لفظه (ما) بعد (إن) في موضع (كان) عوضا عنها وأدغمت
النون في الميم ، وأبقى الخبر على حاله ، فصار : أما أنت منطلقا انطلقت ، وهذا تقدير فتح الهمزة.
وأما على تقدير
كسرها ، فالتقدير : إن كنت منطلقا انطلقت ، فعمل به ما عمل بالأول من غير فرق
إلا حذف اللام ، إذ لا لام فيه ، واقتصر المصنف على الأول؛ لأنه أشهر.
__________________
(اسم إن وأخواتها)
وستعرفها في
قسم الحرف إن شاء الله تعالى.
(وهو المسند
إليه بعد دخولها) أي دخول (إن) أو إحدى أخواتها (مثل : إن زيدا قائم) وبما عرفت من
معنى البعدية ، والدخول فيما سبق اندفع انتقاض هذا التعريف هاهنا أيضا بمثل : (أبوه)
في مثل : (إن زيدا أبوه قائم).
(المنصوب ب : (لا) التي لنفي الجنس)
أي : لنفي صفة
الجنس ، وحكمه .
وإنما لم يقل
اسم (لا) لأنه ليس كله ولا أكثره من المنصوبات ، فلا يصح جعله مطلقا من
المنصوبات ، لا حقيقة ولا مجازا ، بل بالمنصوب منه أقل مما عداه ، فلا بد من التعبير بالمنصوب بها ، بخلاف ما عداه من
المنصوبات فإن بعضها وإن لم يكن كله من المنصوبات ، لكن أكثره منها ، فأعطى للأكثر
حكم الكل ، فعد الكل منها تجوزا.
__________________
ولا يبعد أن يقال : اسم (لا) هو المنصوب بها لفظا ، كالمضاف
وشبهه أو محلا كما هو مبني منه على الفتح.
وأما ما هو
مرفوع فليس اسما لها ، لعدم عملها فيه.
(هو المسند
إليه بعد دخولها لها) خرج به مثل : (أبوه) في (لا غلام رجل أبوه قائم) لما عرفت.
وهذا القدر كاف في حد اسمها مطلقا ، لكنه لما أراد حد
المنصوب منه زاد عليه قوله (يليها) أي : يلي المسند إليه لفظه (لا) أي : يقع بعدها بلا
فاصلة.
(نكرة مضافا أو
مشبها به أي بالمضاف في تعلقه بشيء هو من تمام معناه.
هذه أحوال مترادفة من الضمير المجرور في (إليه).
أو الأولى منه
، أو من الضمير المجرور في (دخولها ، وما بقى من الضمير المرفوع في (يليها) (مثل (لا
غلام رجل) مثال لما يليها نكرة مضافا.
__________________
وفي بعض النسخ (لا
غلام رجل ظريف فيها) وقد عرفت في المرفوعات تحقيق قوله (فيها) .
(ولا عشرين
درهما لك) مثال لما يليها نكرة مشبها بالمضاف.
قوله (لك) ـ على
النسخ المشهورة ـ من تتمة المثاليين كليهما.
(فإن كان) أي : المسند إليه بعد دخولها غير واقع على الأحوال المذكورة ، بل
كان (مفردا) بانتفاء الشرط الأخير فقط ، وهو كونه مضافا أو مشبها به ـ أي يليها
نكرة غير مضاف ولا مشبها به ـ ليترتب عليه قوله (فهو مبني على ما ينصب به) فإنه لو
كان مفردا معرفة أو مفعولا فحكمه غير ذلك.
وقوله (على ما
ينصب به) أي : على ما كان ينصب به المفرد قبل دخول (لا) عليه ، وهو الفتح
في الموحد نحو : (لا رجل في الدار) والكسر في جمع المؤنث
__________________
السالم بلا تنوين نحو : (لا مسلمات في الدار) والياء المفتوح ما قبلها في
المثنى والمكسور ما قبلها في جمع المذكر السالم ، نحو : (لا مسلمين ولا مسلمين لك) ونعني بالمفرد : ما ليس بمضاف ولا مضارع له ، فيدخل
فيه المثنى والمجموع.
وإنما بنى ،
لتضمنه معنى (من) ، إذ معنى (لا رجل في الدار) : لا من رجل فيها ؛ لأنه جواب لمن يقول هل من رجل في الدار؟ حقيقة أو تقديرا فحذف (من)
تحقيقا.
وإنما بنى على ما ينصب به ، ليكون البناء على حركته أو حرف استحقهما
النكرة في الأصل قبل البناء.
ولم يبن المضاف
ولا المضارع له ؛ لأن الإضافة ترجح جانب الاسمية ، فيصير الاسم بها مائلا إلى ما يستحقه في الأصل ، أعني
: الإعراب.
(وإن كان) أي :
المسند إليه بعد دخولها (معرفة) بانتفاء شرط النكارة (أو
__________________
مفصولا بينه) أي : بين ذلك المسند إليه (وبين لا) بانتفاء شرط
الاتصال علىسبيل منع الخلوّ ، سواء كانا مع انتفاء شرط كونه مضافا أو
مشبها به ، أولا.
وهي ست صور : نحو : (لا زيد في الدار ولا عمرو) و (لا غلام زيد في الدار ولا عمرو) و
(لا في الدار رجل ولا امرأة) و (لا في الدار غلام رجل ولا امرأة) ولا في الدار زيد ولا عمرو ولا في الدار غلام زيد ولا عمرو (وجب) في جميع هذه الصور الست (الرفع) على الابتداء ، أما في المعرفة فلامتناع أثر (لا) النافية للجنس فيها ، وأما في المفصول فلضعف (لا) عن التأثير مع الفصل.
__________________
(والتكرير) أي : وجب تكرير اسمها لكن مطلقا لا بعينه .
أما في المعرفة
فليكون كالعوض عما في التنكير من معنى نفي الآحاد وأما في النكرة فليكون مطابقا لما هو جواب له من مثل : قول السائل : أفي الدار
رجل أم امرأة ؟ وهذا التعليل جار في المعرفة أيضا.
(ومثل : قضية)
أي : هذه قضية : (ولا أبا حسن لها) أي : لهذه القضية.
هذا جواب دخل
مقدر على قوله (وإن كان معرفة وجب الرفع والتكرير) فإن اسم (لا) فيه معرفة ؛ لأن (أبا حسن) كنية
علي رضياللهعنه ولا رفع فيه ولا تكرير بل هو منصوب غير مكرر ، فأجاب
عنه بأنه (متأول) بالنكرة ، إما بتقدير المثل أي : ولا
__________________
مثل : أبي حسن لها ، فإن (مثلا) لتوغله في الإبهام لا يتعرف
بالإضافة إلى المعرفة.
أو بتأويله
بفيصل بين الحق والباطل ، لاشتهاره رضياللهعنه بهذه الصفة فكأنه قيل : لا فيصل لها ، ويقوي هذا التأويل إيراد (حسن) بحذف اللام ؛ لأن الظاهر أن تنوينه للتنكير.
(وفي مثل : ولا
حول ولا قوة إلا بالله) أي : فيما كررت فيه لا على سبيل العطف وكان عقيب كل منهما نكرة
بلا فصل ويجوز (خمسة أوجه) بحسب اللفظ لا بحسب التوجيه فإنها بحسب التوجيه تزيد عليها.
__________________
الأول : (فتحهما)
أي : (لا حول ولا قوة إلا بالله) على أن يكون (لا) في كل منهما لنفي الجنس (ولا
قوة) عطف على (لا حول) عطف مفرد على مفرد ، وخبرها محذوف ، أي : لا حول ولا قوة موجودة إلا بالله أو عطف جملة على جملة ـ أي : لا حول إلا
بالله ولا قوة إلا بالله ، فحذف خبر الجملة الأولى استغناء عنه بخبر الجملة
الثانية.
و (الثاني) :
فتح الأول ونصب الثاني) ، أي : (لا حول ولا قوة إلا بالله).
أما فتح الأول
فلأن (لا) الأولى لنفي الجنس ، وأما نصب الثاني فلأن (لا) الثانية مزيدة لتأكيد
النفي ، والثاني معطوف على الأول فيكون منصوبا حملا على لفظه لمشابهة حركته
الإعراب.
ويجوز ...
__________________
أن يقدر لهما خبر واحد ، وإن يقدر لكل منهما خبر على حدة .
(و) الثالث : (فتح
الأول ورفع الثاني) نحو : (لا حول ولا قوة إلا بالله) أما فتح الأول فلأن (لا)
الأولى لنفي الجنس وأما رفع الثاني فلأن (لا) الثانية زائدة ، والثاني معطوف على
محل الأول ؛ لأنه مرفوع بالابتداء ، عطف مفرد على مفرد ، بأن يقدر لها خبر واحد أو
عطف جملة على جملة بأن يقدر لكل منهما خبر.
(و) الرابع ، (رفعهما)
بالابتداء نحو ، (لا حول ولا قوة إلا بالله) لأنه جواب قولهم : (أبغير
الله حول وقوة؟) فجاء بالرفع فيهما مطابقة للسؤال ويجوز الأمران هاهنا أيضا.
(و) الخامس (رفع
الأول) على أن يكون (لا) بمعنى (ليس) (على ضعف) فإن عمل (لا) بمعنى (ليس) قليل (وفتح
الثاني) نحو : لا حول ولا قوة إلا بالله ، على أن يكون (لا) لنفي الجنس.
__________________
وضعّف وجه ضعف رفع الأول ، بأنه يجوز أن يكون رفعه لإلغاء عمل
(لا) ب : لتكرير ، لا لكونها معنى (ليس) لأن شرط صحة إلغائها التكرير فقط ، وقد حصل
ههنا ، ولا دخل فيها لتوافق الاسمين بعدها في الإعراب.
فهذا على
التوجيه الأول متعين لعطف جملة على جملة ، أي لا حول ولا قوة إلا بالله ، وإلا يلزم أن يكون
قوله (إلا الله) منصوبا ومرفوعا .
وعلى التوجيه
الثاني يحتمل أن يكون من قبيل عطف مفرد على مفرد ، أو عطف جملة على جملة ، كما لا يخفى .
__________________
(وإذا دخلت الهمزة)
على (لا) التي لنفي الجنس (لم تغير العمل
أي : عمل (لا) أي : تأثيرها
في مدخولها إعرابا وبناء ؛ لأن العامل لا يتغير عمله بدخول كلمة الاستفهام (معناها)
أي : معنى الهمزة الداخلة على (لا) ـ التي لنفي الجنس (إمّا الاستفهام
حقيقة ، فتقول : ألا رجل في الدار؟ مستفهما.
و (إما العرض مثل : (ألا نزول عندي) ولم يذكر سيبويه أن حال (ألّا)
في العرض كحاله قبل الهمزة ـ بل ذكره (السيرافي) وتبعه الجزولي والمصنف.
ورد ذلك
الأندلسي ، وقال : هذا خطأ ؛ لأنها إذا كانت عرضا كانت من حروف الأفعال ، مثل : (إن
ولو) وحروف التخصيص ، فيجب انتصاب الاسم بعدها نحو : (ألا زيدا تكرمّه).
__________________
(و) أمّا (التمني)
نحو : ألا ماء أشريه ، حيث لا يرجى ماء.
وأما قوله :
ألا رجلا جزاه
الله خيرا
فهذه عند
الخليل ليست (لا) الداخلة عليها حروف الاستفهام ، ولكنه حرف موضوع للتخضيض برأسه ،
فكأنه قال : ألا ترونني رجلا ، يعني : هلّا ترونني رجلا ، ولذلك نصب ونون.
وهي عند يونس (لا)
التي دخلت عليها همزة الاستفهام بمعنى التمني فكأنّ القياس (ألّا رجل) ولكنه نون لضرورة
الشعر.
(ونعت) اسم (لا)
(المبني) لا نعت اسمها المعرب احتراز عن مثل : (لا غلام رجل ظريفا).
(الأول) بالرفع
صفة للنعت ، أي : لا الثاني وما بعده ، احتراز عن مثل : (لا رجل ظريف كريم في الدار).
(مفردا) حال من
ضمير (مبني) ، والعامل فيه مبني على احتراز عن مثل : (لا رجل حسن
الوجه) ..
(يليه) حال بعد
حال ، أو صفة (مفردا) احتراز عن مفصول ، نحو : (لا غلام فيها
__________________
ظريف) وهذا القيد يغني عن الأول.
(مبنيّ) على
الفتح حملا على المنعوت ، لمكان الاتحاد بينهما والاتصال.
وتوجّه النفي
إليه ، أي : إلى النعت حقيقة .
والمبني في قوله : (ونعت المبني) إشارة إلى ما بيني على الفتح
بالأصالة لا بالتبعية، فإن المذكور سابقا ، فلا يرد أنّه إذا كرر اسم (لا) المبني وبني على الفتح
ثم جيء بنعت لا يجوز بناؤه مثل : (لا ماء لا ماء باردا) مع أنه يصدق عليه
أنه (نعت
__________________
المبني الأول مفردا يليه) فإن (باردا) في هذا المثال نعت للتابع لا للمتبوع
كما هو الظاهر ، ولو جعل نعتا للمتبوع ، فليس مما يليه لتوسط
التابع بينهما؟
(ومعرب) لأن الأصل في التوابع تبعيتها لمتبوعاتها في الإعراب
دون البناء (رفعا) حملا على محله البعيد (ونصبا) حملا على اللفظ أو على محله القريب (نحو لا رجل ظريف) بالفتح (وظريف)
بالرفع (وظريفا) بالنصب (وإلا) أي : وإن لم يكن النعت كذلك (فالإعراب) أي فحكمه الإعراب لا غير ، رفعا حملا على المحل ...
__________________
البعيد أو نصبا حملا على اللفظ ، أو المحل القريب ، وقد مرت أمثلته في بيان فوائد القيود (والعطف) على اسم (لا) المبني إذا كان المعطوف نكرة بلا تكرير (لا)
في المعطوف، فإنه إذا كان المعطوف معرفة وجب رفعه ، نحو : (لا غلام لك والفرس) .
وإذا كان (لا)
مكررا في المعطوف فحكمه ما علم في قوله : (لا حول ولا قوة) فيما سبق بأن يحمل (على
اللفظ) أي : لفظ اسم (لا) المبني ويجعل منصوبا.
(و) بأن يحمل (على
المحل) ويجعل مرفوعا (جائز) .
ولا يجوز فيه
البناء ، لمكان الفصل بالعاطف ولم يجعل في حكم المتصل لمظنة الفصل ب : (لا) المؤكدة ، إذ المعطوف على النفي تزاد فيه (لا) كثيرا نحو : (لا
حول ولا قوة).
__________________
(مثل) لا أب
وابنا وابن) في قول الشاعر :
ولا أب وابن مثل
مروان وابنه
|
|
إذ هو بالمجد
ارتدى وتأزرا
|
وسائر التوابع لا نص عنهم فيها ، لكن ينبغي أن يكون حكمها حكم
توابع المنادى كذا ذكره الأندلسي.
(ومثل : لا أباله ، ولا غلامي له) أي : كل تركيب يكون فيه بعد
اسم (لا) التي لنفي الجنس لام الإضافة وأجرى على ذلك الاسم أحكام الإضافة من إثبات الألف في هذا نحو : (أب) وحذف النون نحو : (لا غلامين) (جائز) يعني أن
الأصل في
__________________
مثل : هذين التركيبين أن يقال : لا أب له ولا غلامين له ، فيكون اسم (لا)
فيهما مبنيا على ما ينصب به ، والجار مع المجرور خبرا لها.
وقد جاء على
قلة مثل : (لا أبا له) و (غلامي له) بزيادة الألف في مثل : (أب) وإسقاط النون في
مثل : (غلامين) كما في حال الإضافة (تشبيها له) أي لاسم (لا) في هذين التركيبين ،
مع أنه ليس بمضاف ـ (بالمضاف) وإجراء لأحكام المضاف عليه بإثبات الألف وحذف النون ، فيكون معربا
وذلك التشبيه إنما هو (لمشاركته) أي : لمشاركة اسم (لا) حين يضاف بإظهار اللام
بينه وبين ما يضاف إليه (له) أي : للمضاف (في أصل معناه) أي : معنى المضاف من حيث هو مضاف ، يعني الإضافة وهو
الاختصاص أو المعنى : أن مثل : (لا أبا له) ، و (لا غلامي له) جائز تشبيها
له. أي : لمثل هذين التركيبين حيث لا إضافة فيه بالمضاف ، أي : بتركيب يشتمل على
__________________
الإضافة على الإضافة (لمشاركته) : أي : مشاركة هذين التركبين له ، أي : لما
يشتمل على الإضافة في أصل معناه أي : معنى ما يشتمل على الإضافة وهو الاختصاص إلا
أن بين الاختصاصين تفاوتا ، فإن الاختصاص المفهوم من التركيب الإضافي أتمّ
مما يفهم منغيره.
(ومن ثمة) أي :
لأجل أن جواز مثل : هذين التركيبيين إنما هو بتشبيه غير المضاف بالمضاف في معنى
الاختصاص (لم يجز) تركيب (لا أبا فيها) أي : في الدار ، لعدم الاختصاص فإن الاختصاص المفهوم من إضافة الأب إلى شيء إنما هو
بأبوّته له وهذا الاختصاص غير ثابت للأب بالنسبة إلى الدار فلا يصح إضافته إلى
الدار ، فكيف يشبّه تركيب (لا أبا فيها) بتركيب يضاف فيه الأب إلى
الدار ، لمشاركته له في أصل معناه؟
(وليس) أي :
مثل : هذين بين التركيبين (بمضاف) حقيقة (لفساد المعنى)
__________________
المراد المفاد بهما على تقدير الإضافة وهو نفي ثبوت جنس الأب أو الغلامين ، لمرجع الضمير المجرور
بالاستقلال من غير احتياج إلى تقدير خبر. وهذا المعنى يفسد من وجهين على
تقدير الإضافة.
أما أوّلا :
فلأن معنى هذا التركيب على تقدير الإضافة لا أباه ، ولا غلامية ، وهذا لا يتم إلا
بتقدير خبر أي : لا أباه موجود ، وغلامية موجودان.
وأما ثانيا :
فلأن المراد نفي ثبوت جنس الأب أو الغلامين له ، لا نفي الوجود عن أبيه المعلوم أو
غلامية المعلومين.
(خلافا لسيبويه)
والخليل وجمهور النحلة ، وإنما خصّ سيبويه بهذا الخلاف ؛ لأنه العمدة فيما بينهم ، أو ؛ لأن
المقصود بيان الخلاف لا تعيين المخالفين ، فمذهب سيبويه والخليل وجمهور النحاة أن مثل : هذا التركيب مضاف حقيقة
باعتبار المعنى ،
__________________
وإقحام اللام بين المضاف والمضاف إليه تأكيد للّام المقدرة.
وحكم المصنف
لفساده لما عرفت.
(ويحذف) اسم (لا) حذفا كثيرا (في مثل : لا عليك) أي لا بأس عليك. ولا
يحذف إلا مع وجود الخبر ، لئلا يكون إجحافا.
وقولهم : (لا
كزيد) إن جعلنا الكاف اسما جاز أن يكون (كزيد) اسما والخبر محذوفا. أي : لا مثله موجود ، وجاز أن يكون
خبرا ، أي لا أحد مثل : زيد وإن جعلناه حرفا فالاسم محذوف ، أي لا أحد كزيد.
(خبر ما ولا المشتبهين) في النفي والدخول على الجملة الاسمية (بليس).
__________________
(هو المسند بعد
دخولهما) أي : : دخول (ما ولا).
(وهي) أي :
خبرية خبر (ما ، ولا) لهما ، وكذا اسمية اسمها لهما (لغة حجازية) وخص الخبرية
بالذكر ؛ لأن أعمالهما وجعل اسمها وخبرهما اسما وخبرا لهما إنما يظهر باعتبار
الخبر فجعل الخبر خبرا لهما ، إنما هو في لغة أهل الحجاز.
وأما بنو تميم فحيث لا يذهبون إلى أعمالهما لا يجعلون الخبر خبرا لهما
، ولا الاسم اسما لهما ، بل هما مبتدأ وخبر على ما كانا عليه قبل دخولهما عليهما.
ولغة أهل
الحجاز هي التي جاء عليها التنزيل.
قال الله تعالى
: (ما هذا بَشَراً) [يوسف : ٣١] و (ما هُنَّ
أُمَّهاتِهِمْ) [المجادلة:٢] وإذا زيدت (إن) مع (ما) نحو : (ما إن زيد قائم) ، قيل : إنما خصصت (ما) بالذكر ؛ لأنها
لا تزاد مع (لا) في استعمالهم.
__________________
وهي زائدة عند البصريين ، نافية مؤكدة
عند الكوفيين.
(أو انتقض النفي بإلا) نحو : (ما زيد إلا قائم) (أو تقدم الخبر)
نحو : (ما قائم زيد) (بطل العمل) أي : عمل (ما) إذا كان مع واحد من هذه الأمور
الثلاثة.
أما إذا زيدت (إن)
فلأن (ما) عامل ضعيف عمل لشبهه ب : (ليس) فلما فصل بينهما وبين معمولها لم تعمل.
وأما إذا
انتقفض النفي ب : (إلّا) فلأن عملها لمعنى النفي ، فلما انتقض بطل العمل.
وأما إذا تقدم
الخبر فليتغيّر الترتيب مع ضعفها في العمل.
(وإذا عطف عليه)
أي : على خبرهما (بموجب) بكسر الجيم ، أي : بعاطف يفيد الإيجاب بعد النفي ، وهو (بل
، ولكن) نحو : (ما زيد مقيما بل مسافر) و (ما عمرو قائما لكن قاعد).
(فالرفع) أي : فحكم المعطوف الرفع لا غير لكونها بمنزلة (إلّا)
في نقض النفي.
__________________
ـ وأجيب بأن المضاف محذوف من الأول أي : دوران
منجنون وأن معذبا مصدر. (
(المجرورات)
(هو ما اشتمل) أي : اسم اشتمل ليخرج الحروف الآواخر التي هي محال الإعراب ، فإنه لا يطلق عليها المرفوعات
والمنصوبات والمجرورات اصطلاحا ؛ لأنها أقسام الاسم.
(على علم المضاف إليه) أي : على علامة المضاف إليه من حيث هو مضاف إليه ، يعني الجر ، سواء كان بالكسرة أو الفتحة أو الياء لفظا أو تقديرا
__________________
وإنما قلنا : (من حيث هو مضاف إليه) لأن
الجر ليس علامة لذات المضاف إليه بل لحيثية كونه مضافا إليه ، والمضاف
إليه وإن كان مختصا بما عرفه به لكن يشتمل على علامته أعم منه ، ومما هو مشّبه
به ، فيدخل في تعريف المجرور مثل ، (بحسبك درهم) وكفى
بالله.
وكذا المضاف إليه بالإضافة اللفظية وإن لم يكن داخلا في تعريفه.
(والمضاف إليه) وهو هاهنا غير ما هو المصطلح المشهور بينهم.
__________________
وذهب المصنف في
ذلك إلى مذهب سيبويه ، حيث أطلق المضاف إليه على المنسوب إليه بحرف الجر لفظا
أيضا.
(كل اسم) حقيقة
أو حكماء ليشمل الجمل التي يضاف إليها نحو : (يوم ينفع الصادقين صدقهم) فإنها في
حكم المصادر.
(نسب إليه شيء)
اسما كان ، نحو : (غلام زيد) أو فعلا نحو : (مررت بزيد) (بواسطة حرف الجر لفظا أو
تقديرا) أي ملفوظا كان ذلك الحرف كما في مثل : (مررت بزيد) أو مقدرا حال كون ذلك
المقدر (مرادا) من حيث العمل بإبقاء أثره ، وهو الجر، مثل : (غلام زيد)
و (خاتم فضة) و (ضرب اليوم) بخلاف نحو : (قمت يوم الجمعة) فإنه وإن نسب إليه القيام
بالحرف المقدر وهو (في) لكنه غير مراد ، إذ لو أريد لا ينجرّ به.
(فالتقدير) أي
: تقدير حرف الجر (شرطه أن يكون المضاف اسما) إذ لو كان فعلا لا بد من أن يتلفظ
بالحرف ، نحو : (مررت بزيد).
__________________
(مجردا) أي :
منسلخا عنه (تنوينه) أو ما قام مقامه من نوني التثنية والجمع.
(لاجلها) أي :
لأجل الإضافة ؛ لأن التنوين أو النون دليل تمام ما هي فيه.
فلما أرادوا أن
يمزحوا الكلمتين مزجا تكتسب به الأولى من الثانية التعريف أو التخصيص أو التخفيف ،
حذفوا من الأولى علامة تمام الكلمة ، وتموها بالثانية.
ثم المتبادر من
هذا التعريف نظرا إلى كلام القوم ، حيث ليسوا قائلين بتقدير حرف الجر في الإضافة
اللفظية أنه غير شامل للمضاف إليه بالإضافة اللفظية لكن الظاهر من كلام المصنف في
المتن والتصريح في شرحه له أن التقسيم إلى الإضافة المعنوية واللفظية إنما هو
للإضافة بتقدير حرف الجر ، لكنه لم يبين تقدير حرف الجر فيها لا في المتن ، ولا في
شرحه ولم ينقل عنه شيء فيه من سائر مصنفاته.
وقد تكلف بعضهم
في إضافة الصفة إلى مفعولها ، مثل ، ضارب زيد ، بتقدير اللام ، تقوية للعمل ، أي :
(ضارب لزيد) وفي بالإضافة إلى فاعلها مثل : (الحسن
__________________
الوجه) بتقدير (من) البيانية ، فإن ذكر الوجه في قولنا : (جاءني زيد الحسن
الوجه) بمنزلة التمييز ، فإن في إسناد (الحسن) إلى (زيد) إبهاما.
فإنه لا يعلم
أي شيء منه حسن ، فإذا ذكر الوجه فكأنه قال من حيث الوجه فإن قلت : هذا
في الحقيقة تخصيص ، فلا يصح أن يقال : إن الإضافة اللفظية لا تفيد إلا تخفيفا في
اللفظ قلنا : كان هذا التخصيص واقعا قبل الإضافة ، فلا يكون مما تفيده الإضافة فليست فائدة
الإضافة اللفظية إلا التخفيف في اللفظ.
(وهي) أي :
الإضافة بتقدير حرف الجر ب : (معنوية) أي : منسوبة إلى المعنى ؛
لأنها تفيد
معنى في المضاف
، تعريفا أو تخصيصا (ولفظية) أي : منسوبة إلى اللفظ فقط دون المعنى لعدم سرايتها إليه.
__________________
(فالمعنوية)
علامتها (أن يكون المضاف) فيها غير صفة كاسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة (مضافة
إلى معمولها) أي : فاعلها أو مفعولها قبل الإضافة ، سواء لم يكن صفة ك : (غلام زيد) أو كان صفة
ولكن غير مضافة إلى معمولها بل إلى غيرة ك : (مصارع مصر) و (كريم البلد).
واحترز به عن
نحو : (ضارب زيد) و (حسن الوجه)
(وهي) أي :
الإضافة المعنوية بحكم الاستقراء.
(إمّا بمعنى
اللام فيما) أي : في المضاف إليه (عدا جنس المضاف وظرفه) أي لا يكون صادقا على
المضاف وغيره ، ولا ظرفا له ، نحو : (غلام زيد) فإن زيدا ليس جنسا للغلام صادقا عليه ولا ظرفه.
فإضافة الغلام
إليه بمعنى اللام ، أي غلام لزيد.
(إما بمعنى (من)
البيانية (في جنس ...
__________________
المضاف) الصادق عليه وعلى غيره بشرط أن يكون المضاف أيضا صادقا على غير المضاف إليه ،
فيكون بينهما عموم وخصوص من وجه.
(إمّا بمعنى (في)
في ظرفه) أي : في ظرف المضاف.
والحاصل : أن
المضاف إليه إمّا مباين للمضاف ، وحينئذ إن كان ظرفا له فالإضافة بمعنى (في) وإلا
فهي بمعنى اللام.
وإمّا مساو له ك : (ليث أسد) أو اعم منه مطلقا ، ك : (أحد اليوم)
فالإضافة على التقديرين ممتنعة.
__________________
وإما أخص مطلقا
ك : (يوم الأحد) و (علم الفقه) ، و (شجر الأراك) فالإضافة حينئذ أيضا بمعنى اللام.
وأما أخص من
وجه ، فإن المضاف إليه أصلا ، للمضاف ، فالإضافة بمعنى (من) وإلا فهي أيضا
بمعنى اللام.
وأما أخص من
وجه ، فإن كان المضاف إليه أصلا ، للمضاف ، فالإضافة بمعنى (من) وإلا فهي أيضا
بمعنى اللام.
فالإضافة (خاتم)
إلى فضة) بمعنى (من) بيانية ، وإضافة (فضة) إلى (خاتم) بمعنى اللام ، كما يقال : (فضة
خاتمك خير من فضة خاتمي)
واعلم أنه لا يلزم فيما هو بمعنى اللام أن يصح التصريح بها بل
يكفي إفادة
__________________
الاختصاص الذي هو مدلول اللام ، فقولك : (يوم الأحد) ، و (علم الفقه) و (شجر
الأراك) بمعنى اللام ، ولا يصح إظهار اللام فيه. وبهذا الأصل يرتفع الإشكال عن كثير من مواد الإضافة
اللامية ، ولا يحتاج فيه إلى التكلفات البعيدة مثل : (كل رجل) و (كل واحد).
(وهو) أي : كون
الإضافة بمعنى (في) (قليل) في استعمالاتهم وردها أكثر النحاة إلى الإضافة بمعنى
اللام.
فإن معنى : (ضرب
اليوم) ، ضرب له اختصاص باليوم ، بملابسة الوقوع فيه.
فإن قلت : فعلى هذا يمكن رد الإضافة بمعنى (من) أيضا إلى
الإضافة بمعنى
__________________
اللام للاختصاص الوقع بين المبيّن والمبيّن ، قلنا : نعم ، لكن لما كانت
الإضافة بمعنى (في) قليلا ردوها إلى الإضافة بمعنى اللام ، تقليلا للاقسام وأما
الإضافة بمعنى (من) فهي كثيرة في كلامهم ، فالأولى بها أن تجعل قسما على حدة.
نحو (غلام زيد)
مثال للإضافة بمعنى اللام أي : لزيد (وخاتم فضة).
مثال للإضافة
بمعنى (من) أي : خاتم من فضة (وضرب اليوم) مثال للإضافة بمعنى (في) ، أي : ضرب واقع في اليوم.
(وتفيد) أي : الإضافة المعنوية (تعريفا) أي (: تعريف المضاف (مع)
المضاف إليه (المعرفة) ؛ لأن الهيئة التركيبية في الإضافة المعنوية موضوعة للدلالة
على معلومية المضاف ، لا أنّ نسبة أمر إلى معين يستلزم معلومية المنسوب ومعهوديته
، فإن ذلك غير لازم ، كما لا يخفى.
فإن قلت : قد
يقال (جاءني غلام زيد) من غير إشارة إلى واحد معين ، فلا تكون هيئة التركيب الإضافي موضوعة لمعلومية
المضاف.
__________________
قلنا : ذلك كما أن المعرف باللام في أصل الوضع لمعين ، ثم قد
يستعمل بلا إشارة إلى معين كما في قوله :
ولقد أمرّ
على اللّئيم يسبّني
|
|
فمضيت ثمّت
قلت : لا يعنيني
|
وذلك على خلاف
وضعه وليس يجري هذا الحكم في نحو : (غير ، ومثل) فإن بالإضافة لا
تفيد التعريف وإن كانا مع المضاف إليه المعرفة ، لتوغلهما في الإبهام إلا أن
__________________
يكون للمضاف إليه ضدّ واحد يعرف بغيريّته ، كقولك : (عليك بالحركة غير السكون) وكذلك إذا كان للمضاف إليه مثل : اشتهر بمماثلته في شيء
من الأشياء ، كالعلم والشجاعة فقيل : (جاء مثلك) كان معرفة إذا قصد الذي يماثله في الشيء الفلاني.
(و) تفيد
الإضافة المعنوية (تخصيصا) أي : تخصيص المضاف (مع) المضاف إليه (النكرة) نحو : (غلام
رجل) فإن التخصيص تقليل الشركاء.
ولا شك أن الغلام
قبل إضافته إلى (رجل) كان مشتركا بين (غلام رجل) (وغلام امرأة) فلما أضيف إلى (رجل) خرج عنه (غلام
امرأة) ، وقلت الشركاء فيه.
(شرطها) أي :
شرط الإضافة المعنوية (تجريد المضاف) إذا كان معرفة (من التعريف) فإن كان ذا لام حذف لامه ، وإن كان علما نكّر بأن يجعل واحدا من جملة من يسمى بذلك الاسم.
__________________
وإن لم يكن فلا
حاجة إلى التجريد ، بل لا يمكن.
أو المراد بالتجريد تجرده وخلوه من التعريف عند الإضافة سواء كان
ذكره في نفسه من غير تجريد ، أو كان معرفة جردت عن التعريف وإنما وجب التجريد ؛
لأن المعرفة لو أضيف إلى النكرة لكان طلبا للأدنى وهو التخصيص مع حصول الأعلى وهو
التعريف.
ولو أضيفت إلى
المعرفة لكان تحصيل الحاصل فتضيع الإضافة حيث لا تفيد تعريفا ولا تخصيصا.
فإن قيل : لا
فرق بين إضافة المعرفة وبين جعلها علما في نحو : (النّجم والثريا والصّعق وابن عباس) في لزوم تعريق المعرّف ، فما بالهم جوزوا هذا دون ذلك؟
__________________
قلنا : لا نسلم أن في هذه الأمثلة تعريف
المعرّف ، بل فيها زوال تعريف
وهو التعريف الحاصل باللام أو الإضافة ، وحصول تعريف آخر وهو التعريف بالعلميّة ،
فإنها حين صارت أعلاما لم يبق فيها الإشارة إلى معلوميتها باللام أو الإضافة ، فلا
يلزم فيها تعريف المعرّف ، بل تبديل تعريف بتعريف.
(وما أجازه الكوفيون من) تركيب (الثلاثة الأثواب) وشبهه من العدد)
المعرف باللام المضاف إلى معدودة ، نحو : (الخمسة الدراهم) و (المائة دينار) (ضعيف)
قياسا واستعمالا.
أمّا قياسا :
فلما ذكر من لزوم تحصيل الحاصل.
وأمّا استعمالا
: فلما ثبت من الفصحاء من ترك اللام.
قال ذو الرّمة
:
وهل يرجع
التسليم أو يكشف العمى
|
|
ثلاث الأثافي والدّيار
البلاقع
|
__________________
وأما ما جاء في الحديث من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: ((بالألف الدينار)) فعلى البدل دون
الإضافة.
(و) الإضافة (اللفظية)
علامتها (أن يكون) المضاف (صفة) احتراز عما إذا لم يكن صفة ، نحو : (غلام زيد) (مضافة
إلى معلولها) احتراز عما إذا كانت مضافة إلى غير معمولها ، نحو : (مصارع البلد ، وكريم العصر) مثل : (ضارب زيد) من قبيل إضافة
اسم الفاعل إلى مفعوله (وحسن الوجه) من قبيل إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها .
(ولا تفيد) أي
: الإضافة اللفظية فائدة : (إلا تخفيفا) لا تعريفا ولا تخصيصا. لكونها في تقدير
الانفصال (في اللفظ) ...
__________________
لا في المعنى ، بأن يقسط بعض المعاني عن ملاحظة العقل بإزاء ما يسقط من
اللفظ ، بل المعنى على ما كان عليه قبل الإضافة.
والتخفيف
اللفظي إمّا في لفظ المضاف فقط ، بحذف التنوين حقيقة ، مثل : (ضارب زيد) أو حكما مثل : (حواجّ بيت الله) أو بحذف (نوني) التثنية والجمع
مثل: (ضاربا زيد ، وضاربو زيد) ، وإمّا في لفظ المضاف إليه فقط ، بحذف .. الضمير
واستتاره في الصفة ك : (القائم الغلام) كان أصله : القائم غلامه حذف الضمير من غلامه واستتر في القائم وأضيف القائم إليه للتخفيف في المضاف إليه
فقط وإمّا في المضاف والمضاف إليه معا ، نحو : (زيد قائم الغلام) أصله (زيد قائم
غلامه) فالتخفيف في
__________________
المضاف بحذف التنوين وفي المضاف إليه بمضاف إليه بحذف الضمير واستتاره في
الصفة.
(ومن ثمة) أي : ومن جهة وجوب إفادة الإضافة اللفظية التخفيف
وانتفاء كل واحد من التعريف والتخصيص (جاز) تركيب (مررت برجل حسن الوجه) بإضافة الصفة إلى معمولها ، وجعلها صفة للنكرة.
فمن جهة أنها
لم تفد تعريفا جاز هذا التركيب (وامتنع) تركيب (مررت بزيد حسن الوجه) فلو أفادت تعريفا لم يجز الأول ، للزوم كون المعرفة صفة
للنكرة ،
__________________
ولجاز الثاني ، لكون المعرفة إذن صفة للمعرفة.
والمراد أن المشار إليه ب : (ثمة) وهو مجموع أمور ثلاثة : وجوب
إفادة الإضافة اللفظية التخفيف ، وانتفاء التعريف وانتفاء التخصيص يستلزم جواز
التركيب الأول وامتناع الثاني.
ولا يلزم من
ذلك أن يكون لكل واحد من تلك الأمور دخل في ذلك الاستلزام بل يجوز أن يكون باعتبار بعضها ، فلا يرد أنه لا دخل في
ذلك الاستلزام ؛ لانتفاء التخصيص.
(و) من جهة
أنها تفيد تخفيفا (جاز) تركيب (الضاربا زيد) و (الضاربو زيد) لحصول التخفيف بحذف
النون ، (وامتنع الضارب زيد) لعدم التخفيف ؛ لأن تنوين (الضارب) إنما
سقط للألف واللام لا للإضافة ، ...
__________________
ولا شك أنه لا دخل في هذا التفريع ؛ لانتفاء التعريف ، ولا لانتفاء التخصيص ، بل يكفي فيه
وجوب التخفيف فقط.
وعلى هذا كان
الأنسب تقديم هذا الفرع ، لكنه أخر ، لكثرة لواحقه (خلافا
للفراء) فإنه يجوز تركيب (الضارب زيد) ، إمّا ؛ لأنه توهم أنّ
دخول لام التعريف إنما هو بعد الإضافة فحصل التخفيف ، بحذف التنوين بسبب الإضافة ، ثم عرّف باللام.
وأجاب المصنف
عنه في شرحه : بأنه غير مستقيم ؛ لأن القول بتأخر اللام المتقدمة حسا على الإضافة مجرد ادعاء مخالف للظاهر .
__________________
وإمّا لما وقع
في شعر الأعشى من قوله :
الواهب المائة
الهجان وعبدها.
فإنّ قوله (وعبدها)
بالجرّ معطوف على المائة ، فصار المعنى باعتبار العطف : الواهب عبدها.
فهو من باب (الضارب
زيد) ، فكما لا يمتنع ذلك حيث أتى به بعض البلغاء لا يمتنع هذا.
فأجاب المصنف
عنه بقوله : (وضعف الواهب المائة الهجان وعبدها) يعني: هذا القول ضعيف لا يقوى في الفصاحة ،
بحيث يستدل به ، لما عرفت من امتناع مثل ، (الضارب زيد) لعدم الفائدة في الإضافة ،
ولا يخفى أن فيه شوّب مصادرة على المطلوب.
اللهم ...
__________________
إلا أن يقال : المراد به أنه ضعيف في الاستدلال به ، إذ لا نص فيه
على الجر ، فإنه يحتمل النصل حملا على المحل أو على أنه مفعول معه ، أو ؛ لأنه قد
يتحمّل في المعطوف مالا يتحمل في المعطوف عليه ، كما في : (ربّ شاة وسخلتها) حيث جاز هذا التركيب ، ولم يجز (ربّ سخلتها) بإدخال (رب)
على سخلتها بدون العطف.
والبيت بتمامه
:
الواهب
المائة الهجان وعبدها
|
|
عوذا تزجيّ خلفها
أطفالها
|
أي : ممدوحه
الواهب المائة الهجان : أي : البيض من النوق ، يستوي فيه الجمع الواحد ، صفة للمائة
أو بدل عنها ، أو من قبيل (الثلاثة الأثواب) كما هو مذهب الكوفيين.
وعبدها أي : راعيها تشبيها له بالعبد ، لقيامه بحق خدمتها ، أو
عبدها حقيقة بإضافته لأدنى ملابسة .
__________________
عوّذا ـ بالذال
المعجمة جمع عائذ ، أي : حديثات النتاج حال من المائة.
يزجيّ ـ بالزاي
المعجمة ، والجيم ـ على صيغة المعلوم المذكر ، أي : يسوق وفاعله ضمير العبد.
وأطفالها :
منصوب على المفعولية ، أو على صيغة المجهول المؤنث ، (وأطفالها) مرفوع على أن
مفعول ما لم يسم فاعله.
وحقيقة الأمر
لا تنكشف إلا بعد معرفة حركة حرف الروي من القصيدة؟
وإما ؛ لأنه
قاسه على (الضارب الرجل) و (الضاربك) ، فأجاب المصنف عنه بقوله : (وإنما جاز (الضارب الرجل) يعني : كان القياس عدم جوازه ؛ لانتفاء التخفيف لزوال
التنوين باللا لكنه جاز (حملا على) الوجه ...
__________________
(المختار في (الحسن الوجه) وهو جرّ (الوجه) بالإضافة.
وفيه وجهان
آخران : رفعه على الفاعلية ، ونصبه على التشبيه بالمفعول ووجه الحمل اشتراكهما في كون المضاف صفة والمضاف إليه
جنسا معرّفين باللام ، وهذا الاشتراك مفقود بين (الضارب زيد) و (الحسن الوجه) فقياسه عليه
قياسا مع الفارق؟
(والضاربك) يعني : إنما جاز (الضاربك) مع أن القياس عدم جوازه لما
عرفت.
(و) كذا (شبهه)
وهو (الضاربي ، والضاربة) وغيرهما (فيمن قال) أي : في قول من قال ،
يعني سيبويه وأتباعه.
__________________
(إنه) أي : (الضارب)
في : الضاربك (مضاف) دون من قال : إنّه غير مضاف والكاف منصوب المحل على
المفعولية ، والتنوين محذوف ، لاتصال الضمير لا للاضافة فإنه لا يحتاج في جوازه
إلى حمل.
(حملا) أي : لمحموليته (على ضاربك) فاتحد فاعل المفعول له الفعل المعللّ به ـ أعني : جاز ـ وبيانه
أنهم إذا أوصلوا أسماء الفاعلين والمفعولين مجردة عن اللام بمفعولاتها وكانت مضمرات
متصلات التزموا الإضافة ولم ينظروا إلى تحقيق تخفيف فقالوا : (ضاربك) وإن لم يحصل التخفيف بالإضافة
بل بنفس اتصال الضمير ، ثم لما لم يعتبروا التخفيف في (ضاربك وجوزوه بدونه حملوا (الضاربك) عليه ؛ لأنهما من باب
واحد ، حيث كان كل منهما اسم فاعل مضافا إلى مضمر متصل محذوفا تنوينه قبل الإضافة
لا للإضافة ، ولم يحملوا (الضارب زيد) عليه ؛ لأنهما ليسا من باب واحد ، والدليل على أن سقوط التنوين في (ضاربك) لاتصال الكاف
لا
__________________
للإضافة أنها لو سقطت للإضافة لكان ينبغي أن يتصور ذلك أولا على وجهه يكون
الضمير منصوبا بالمفعولية ثم يضاف ، ويقال : (ضاربك) كما يتصور (ضارب زيدا) ثم
يضاف ويقال : (ضارب زيد) ولن يتصور (ضاربك).
فعلم أنها سقطت
لاتصال الكاف لا للإضافة.
ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يكون أصل (ضاربك) ضارب إياك
__________________
بالمنفصل بالتنوين ، ثم لما أضيف حذف التنين فصار الضمير المنفصل متصلا ،
فصار (ضاربك) وحصل التخفيف حدا ، ثم حمل (الضاربك) عليه ؛ لأنهما من باب واحد ، حيث كان كل منهما اسم فاعل
مضافا إلى مضمر متصل من غير اعتبار حذف تنوينهما قبل الإضافة ، لا للإضافة .
ولم يحملوا (الضارب زيد) عليه ؛ لأنهما ليسا من باب واحد.
واعلم : أنا حملنا قوله (وضعف الواهب المائة الهجان وعبدها)
وقوله : (والضارب الرجل) و (الضاربك) حملا على نظريهما على الأجوبة عن استدلالات
الفراء على جواز (الضارب زيد) عن جانب المصنف على موافقة بعض الشارحين .
__________________
ذلك أن يجعل كل
واحد منها إشارة إلى مسألة على حدتها مناسبة للحكم بامتناع (الضارب
زيد).
فمعنى قوله (وضعف
: الواهب المائة الهجان وعبدها) أنه ضعف عطف المجرد عن اللام على المحلّى به
المضاف إليه ، صفة مصدرة باللام ؛ لأنه بتوسط العطف يصير مثل: (الضارب
زيد) كما عرفت.
وإنّما لم يحكم
عليه بالامتناع بل بالضعف ؛ لأنه قد يتحمل في المعطوف ما لا يتحمل في المعطوف عليه
، وحينئذ يندفع ما فيه من تووهم شائبة المصادرة على المطلوب على
التقدير الأول ، وإرجاع كل من الصورتين الأخيرتين إلى مسألة ظاهرة. ويتضمن الرد على الفراء في الاستدلال بهما.
ولا يضاف موصوف ...
__________________
إلى صفته) مع بقاء المعنى المفاد بالتركيب الوصفي بحاله ؛ لأن لكل
من هيئتي التركيب الوصفي والإضافي معنى آخر لا يقوم أحدهما مقام الآخر.
(و) لهذا
المعنى بعينه (لا) يضاف (صفة إلى موصوفها) ، فلا يقال : (مسجد الجامع) بمعنى (المسجد الجامع) و (جرد
قطيفة) بمعنة (قطيفة جرد) ، خلافا للكوفية فإن (مسجد الجامع) عندهم بمعنى : (المسجد
الجامع) و (جرد قطيفة) بمعنى : (قطيفة جرد) ، من غير فرق.
(و) يرد على القاعدة الأولى وهو قوله : (ولا يضاف موصوف إلى صفة)
مثل (مسجد ...
__________________
الجامع) و (جانب الغربي) و (صلاة الأولى) و (بقلة الحمقاء) فإن في كل واحد من هذه التراكيب أضيف موصوف إلى صفته.
فإن (الجامع)
صفة (المسجد) و (الغربي) صفة (الجانب) و (الأولى) صفى (الصلاة) و (الحمقاء) صفة (البقلة).
وقد أضيف إليها
موصوفاتها ، وأجيب : بأن مثل : هذه التراكيب متأول فمسجد الجامع ، متأول ، بمسجد الوقت الجامع.
وذلك يحتمل
معنيين :
أحدهما : أن
يكون الوقت مقدارا في نظم الكلام ، ويكون المسجد مضافا إليه والجامع صفة للوقت فيندفع الإيراد بوجهيين : فإن الجامع ليس مضافا
إليه ولا صفة للمضاف.
وثانيهما : أن
يكون (الوقت) محذوفا ، و (الجامع) قائما مقامه منطويا عليه ، فيكون بمنزلة الصفات الغالبة ، فيضاف المسجد إليه ، فيندفع الإيراد بوجه
واحد ، وهو أن
__________________
(الجامع) ليس صفة للمضاف.
وعلى هذا
القياس (صلاة الأولى) (وبقلة الحمقاء) متأول بصلاة الساعة الأولى وبقلة الحبة الحمقاء ، على الاحتمالين المذكورين ، ولكن هذا التأويل لا يتمشى في جانب الغربي)
فإنه لا شك أن المقصود توصيف (الجانب) بالغربية لا توصيف مكان هو جانبه
بها. .
اللهم إلا أن
يقال : هناك مكانان جزء وكل ، فالمكان الذي أضيف إليه الجانب وهو
جزء ، والإضافة بيانية ، والمكان الذي اعتبر الجانب بالنسبة إليه هو الكل فيستقيم
المعنى.
(و) يرد على
القاعدة الثانية ، وهو قوله : (ولا صفة إلى موصوفها) (مثل : جرد
__________________
قطيفة ، وأخلاق ثياب) فإن أصلها قطيفة جرّد ، وثياب أخلاق ،
قدمت الصفة على الموصوف وأضيفت إليه.
وأجيب عنه بأنه
(متأول) بأنهم حذفوا (قطيفة) من قولهم : قطيفة جرّد حتى صار
كأنه اسم غير صفة ، فلما قصدوا تخصيصه ، لكونه صالحا ؛ لأن يكون (قطيفة) وغيرها مثل : خاتم في كونه صالحا لأن يكون فضة وغيرها أضافوه
إلى جنسه الذي يتخصص به كما أضافوا (خاتما) إلى (فضة).
فليس إضافته
إليها من حيث أنه صفة لها ، بل من حيث أنه جنس مبهم أضيف إليها ليتخصص.
وعلى هذا
القياس (أخلاق ثياب)
(ولا يضاف اسم مماثل) أي : مشابه (للمضاف إليه في العموم والخصوص)
__________________
إلى ذلك المضاف إليه ، سواء كانا مترادفين (ك (ليث وأسد) في الأعيان والجثث (وحبس ومنع) في المعاني
والأحداث أو غير مترادفين بل متساويين في الصدق كالإنسان والناطق (لعدم الفائدة) في ذكر المضاف إليه فإنك إذا قلت : (رأيت ليث
أسد) لا يفيد إلا ما يفيده : رأيت ليثا ، بدون ذكر (الأسد) وأضاف الليث إليه.
فيكون ذكر (الأسد)
وإضافة الليث إليه لغوا لا فائدة فيه (بخلاف) إضافة العام إلى الخاص في مثل : (كل الدراهم ، وعين الشيء فإنه) أي : المضاف فيهما (يختص) أي : يصير خاصا بسبب
إضافته إلى المضاف إليه ، ولا يبقى على عمومه ، سواء أفادت الإضافة إلى التعريفات أو التخصيص.
وأعميه (العين)
عن (الشيء) إذا كان اللام فيه للعهد ظاهرة وأما إذا كان
__________________
للجنس ففيها خفاء.
(و) يرد على قوله
: (لا يضاف اسم مماثل للمضاف إليه في العموم والخصوص) (قولهم : سعيد كرز) فإن (سعيدا) و (كرزا) اسمان لمسمى واحد ك : (ليث ، وأسد)
مع أنه أضيف أحدهما إلى الآخر.
فأجيب ، بأنه (متأول)
بحمل أحدهما على المدلول والآخر على اللفظ.
فكأنك إذا قلت
: (جاءني سعيد كرز) قلت : جاءني مدلول هذا اللفظ.
ولم يقولوا :
كرز سعيد ؛ لأن قصدهم بالإضافة التوضيح ، واللقب أوضح من الاسم غالب.
__________________
(وإذا) أضيف
الاسم الصحيح) وهو في عرف النحاة : ما ليس في آخره حرف علّة ، (أو الملحق به) وهو ما في أخره واو أو ياء قبلها ساكن وإنما كان ملحقا بالصحيح ؛ لأن حرف العلة بعد
السكون لا يثقل عليها الحركة لمعارضة خفة السكون ثقل الحركة ولأن حرف العلة بعد
السكون مثلها بعد السكة في الوقوع بعد استراحة اللسان ، وكما لا يثقل عليها الحركة
بعد السكون ـ يعني : في الابتداء ـ كذا بعد السكون.
(إلى ياء
المتكلم كسر آخره) للتناسب مثل : (ثوبي وداري) في الصحيح و (ظبيي ودلوي) في الملحق به.
(والياء ...
__________________
مفتوحة أو ساكنة)
وقد اختلف في
أن أيّهما الأصل ، والصحيح أنه الفتح ، إذ الأصل في الكلمة التي على حرف واحد هو
الحركة ، لئلا يلزم الابتداء بالساكن حقيقة أو حكما . والأصل فيما يبني على الحركة الفتح ، والسكون إنما هو
عارض للتخفيف
(فإن كان آخره) أي : آخر الاسم المضاف إلى ياء المتكلم (ألفا
تثبت) أي : الألف على اللغة الفصيحة ، لعدم موجب الانقلاب ، نحو : (عصاي ورحاي) (وهذيل) وهي
قبيلة من العرب (تقلبها) أي : الألف حال كونها (لغير التثنية ياء) لمشاكلة ياء المتكلم ، وتدغم في الياء ، مثل : (عصي ، رحيّ) ولا تقلب ألف التثنية ك : (غلاماي) لالتباس المرفوع بغيره ، بسبب القلب.
__________________
(وإن كان) آخر
الاسم المضاف إلى ياء المتكلم (ياء أدغمت) في ياء المتكلم لاجتماع المثلين فيما هو كالكلمة
الواحدة : مثل : (مسلمين) إذا أضيف إلى ياء المتكلم وأسقط النون
للإضافة وأدغم الياء في الياء فصار : (مسلميّ).
(وإن كان آخره
واوا قلبت الواو ياء) لاجتماع الواو والياء والأولى ساكنة ، مثل : (مسلمون) إذا
أضيف إلى ياء المتكلم قلبت واوه ياء ، (وأدغمت الياء في الياء) وكسر ما قبلها ؛ لأنها لما انقلبت ياء ساكنة يوجب بقاء
الضمة قبلها تغيرها ، فحركت بالحركة المناسبة لها ، فقيل (مسلمي).
وإن كان قبل
الياء أو الواو فتحة بقي ما قبلها مفتوحا ، كقولك في (مسلمين) (مسلميّ) وفي (مصطفون)
(مصطفي) لخفة الفتحة.
(وفتحت الياء)
أي : ياء المتكلم في الصور الثلاث (للساكنين) أي : للزوم
__________________
التقاء الساكنين إن لم تتحرك واختير الفتح لخفته.
(وإما الأسماء
الستة) التي مرّ البحث عنها مضافة إلى ياء المتكلم (فأخي وأبي) أي : فالحال في أخ وأب منها إذا أضيفا إلى ياء المتكلم
أن يقال : أخي وأبي مثل : (يدي ودمي) بلا رد المحذوف ، بجعله
نسيا منسيا ،
(وأجاز المبرد)
فيهما (أخيّ وأبيّ) برد لام الفعل فيهما وهي الواو وجعلها ياء وإدغام الياء في
الياء.
وتمسك في ذلك
بقول الشاعر :
__________________
.....
وأبي مآلك ذو المجاز بدار
وحمل الأخ على الأب لتقاربها لفظا
ومعنى.
وأجاب عنه
المصنف في شرحه بأن ذلك خلاف القياس ، واستعمال الفصحاء مع أنه يحتمل أن يكون المقسم به ، أي
: (أبي) جمع (أب) فأصله (أبين) سقطت النون في الإضافة فاجتمعت ياءان ، فأدغمت الأولى
في الثانية ، فصار (أبيّ).
وقد جاء جمعه
هكذا في قول الشاعر :
فلما تبيّن أصواتنا
|
|
بكين وفديننا
بالأبينا
|
أي : لم سمعن
وعلمن أصواتنا بكين ، وقلن لنا : آباؤنا فداؤكم.
(وتقول) ...
__________________
أي : امرأة قائلة ، لامتناع إضافة (الحم) إلى المذكر ، (حمي وهني) بلا رد المحذوف عند الإضافة
إلى ياء المتكلم.
وإنما فصلهما
عن (أخي وأبي) لأنه لم ينقل عن المبرد فيهما في المشهور ما يخالف مذهب
الجمهور ، وإن نقل عنه بعضهم ذلك الخلاف في الأسماء الأربعة.
(ويقال) في (فم)
حال الإضافة إلى ياء المتكلم (في) بالرد والقلب والإدغام (في الأكثر) أي : في أكثر موارد
استعمالاته (وفمي) في بعضها إبقاء للميم المعوض عن الواو عند قطعة من
الإضافة (وإذا قطعت) هذه الأسماء الخمسة عن الإضافة (قيل: أخ وأب وحم وهن وفم) بالحركات الثلاث.
(و) ولكن (فتح
الفاء) أفصح منهما) أي : من الضم والكسر.
(وجاء (حم) مثل : (يد) فيقال : (هذا حم وحمك) و (رأيت حما وحمك) و
(مررت بحم وبحمك).
(ومثل (خبء)
بالهمزة فيقال : (هذا حمؤ وحمؤك) و (رأيت حماأ وحمأك) و (مررت بحم وحمئك).
__________________
(و) مثل : (دلو)
بالواو فيقال :
(هذا حمو وحمك)
و (رأيت حموا ، وحموك) و (مررت بحمو وحموك) (و) مثل : (عصا) بالألف فيقال :
(هذا حما وحماك)
و (رأيت حما وحماك) و (مررت بحما وبحماك)،
(مطلقا) أي :
جواز (حم) مثل : هذه الأسماء الأربعة مطلق غير مقيد بحال الأفراد أو الإضافة ، بل
تجيء هذه الوجوه فيه في كل من حالتي الافراد والاضافة (وجاء (هن) مثل : (يد) مطلقا)
أي : في الافراد والاضافة ، يقال : (هذا هن) و (رأيت هنا) و (مررت بهن) و (هذا هنك)
و (رأيت هنك) و (مررت بهنك).
و (ذو) لا يضاف إلى مضمر لأنه وضع وصلة إلى الوصف بأسماء الأجناس والضمير ليس باسم جنس.
وقد أضيف إليه
على سبيل الشذوذ ، كقول الشاعر :
إنما يعرف ذا
الفض
|
|
ل من الناس
ذووه
|
ولو قيل : لا
يضاف إلى غير اسم الجنس لكان أشمل.
وكأنه خص
المضمر بالذكر ؛ لأنه كان لبعض تلك الأسماء حكم خاص عند إضافته إلى ياء المتكلم ،
فنفى إضافته إلى المضمر نفيا ، لاختصاصه بحكم باعتبار
__________________
إضافته إليه.
(ولا يقطع) أي : ذو (عن الإضافة) لأن جعله وصله إلى وصف أسماء
الأجناس ليس إلا بالإضافة إليها.
(التوابع)
(التوابع)
وهي جمع (تابع)
منقول من الوصفية إلى الاسمية والفاعل الاسمي يجمع على (فواعل)
ك : (الكاهل) على (الكواهل).
والمراد بها : توابع المرفوعات والمنصوبات والمجرورات التي هي
من أقسام
__________________
الاسم فلا ينتقض حدها بخروج نحو : (إنّ إن) و (ضرب ضرب) لعدم كونهما من
أفراد المحدود.
(كل ثان) أي : متأخر متى لوحظ مع سابقة كان في الرتبة الثانية منه فدخل في
التابع الثاني والثالث فصاعدا.
متلبيس (بإعراب
سابقة) أي : بجنس اعراب سابقة بحيث يكون اعرابه من جنس اعراب سابقة.
ناشي كلاهما (من
جهة واحدة) شخصية مثل : (جاءني زيد العالم) فإن (العالم) إذا لوحظ مع (زيد)
كان في الرتبة الثانية منه.
وإعرابه من جنس
إعرابه وهو الرفع.
والرفع في كل
منهما ناشئ من جهة واحدة شخصية هي فاعلية (زيد العالم) لأن
__________________
المجئ المنسوب إلى (زيد) في قصد المتكلم إليه مع تابعه ، لا إليه مطلقا فقوله : (كل ثان) يشمل التوابع وخبر المبتدأ وخبري (كان
وإن) وأخواتهما ، وثاني مفعولي (ظننت) و (أعطيت).
وقوله : (بإعراب
سابقه) يخرج الكل إلا خبر المبتدأ وثاني مفعولي (ظننت وأعطيت).
وقوله : (من
جهة واحدة) يخرج هذه الأشياء ؛ لأن العامل في المبتدأ والخبر وإن كان هو الابتداء
أعني : التجريد عن العوامل اللفظية للاسناد لكن هذا المعنى من حيث أنه يقتضي مسندا إليه صار عاملا في
المبتدأ ومن حيث إنه يقتضي مسندا صار عاملا الخبر.
فليس ارتفاعهما
من جهة واحدة وكذا (ظننت) من حيث إنه يقتضي شيئا مظنونا فيه ومظنونا عمل في
مفعولية.
فليس انتصابهما
من جهة واحدة.
وكذلك (أعطيت)
من حيث إنه يقتضي أخذا ومأخوذا عمل مفعوليه فليس انتصابهما من جهة واحدة.
__________________
واعلم أن الإعراب المعتبر في هذا التعريف بالنسبة إلى اللاحق والسابق أعم من أن يكون لفظيا أو
تقديريا أو محليا حقيقة أو حكما ، فلا يرد نحو : (جاءني هؤلاء الرجال) و (يا
زيد العاقل) و (لا رجل ظريفا) ثم أن لفظة (كل) هاهنا ليست في موقعهما ؛ لأن التعريف إنما يكون للجنس وبالجنس لا
للأفراد وبالأفراد.
__________________
فالمحدود بالحقيقة التابع والحد مدخول (كل)
و (ثان بإعراب سابقه من جهة واحدة) ، لكنه لما أدخل (كل) عليه أفاد صدق المحدود
على كل أفراد الحد فيكون مانعا.
والظاهر أن
انحصار المحدود فيها لعدم ذكر غيرها ، فيكون جامعا فيحصل حد جامع مانع يكون جمعه
ومنعه كالمنصوص عليه.
النعت
(تابع) جنس
شامل للتوابع كلها.
وقوله (يدل على
معنى في متبوعه) أي : يدل بهيئته التركيبية مع متبوعه على حصول معنى في متبوعه (مطلقا)
أي : دلالة مطلقة غير مقيدة بخصوصية مادة من المواد ، احتراز عن سائر التوابع .
__________________
ولا يرد عليه
البدل في مثل : قولك : (أعجبني زيد علمه) ، والمعطوف في مثل : قولك : (أعجبني زيد
علمه) ولا التأكيد في مثل : قولك : (جاءني القوم كلهم) لدلالة كلهم على معنى
الشمول في القوم.
فإن دلالة
التوابع في هذه الأمثلة على حصول معنى في المتبوع إنما هي بخصوص موادها.
فلو جردت عن
هذه المواد ، كما يقال : (أعجبني زيد غلامه) أو (أعجبني زيد وغلامه) أو (جاءني زيد
نفسه) لا تجد لها دلالة على معنى في متبوعاتها ، بخلاف الصفة فإن الهيئة التركيبية بين الصفة والموصوف
تدل على حصول معنى في متبوعها في أي : مادة كانت .
(وفائدته) أي : فائدة النعت غالبا (تخصيص) في النكرة (تخصيص) في
__________________
النكرة ك : (رجل عالم) (أو توضيح) في المعرفة ك : (زيد الظريف) .
(وقد يكون
لمجرد الثناء) من غير قصد تخصيص أو توضيح ، نحو : (بسم
الله الرحمن الرحيم).
(أو) لمجرد (الذم)
نحو : (أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم).
(أو) لمجرد (التأكيد)
مثل : (نفخة واحدة) إذ الوحدة تفهم من التاء في (نفخة) فأكدت ب : (الواحدة).
ولما كان غالب
مواد الصفة المشتقات توهم كثير من النحويين أن الاشتقاق شرط النعت ، حتى تأولوا غير المشتق بالمشتق. ولم يكن هذا مرضيا للمصنف ورده
__________________
بقوله : (ولا فضل) أي : لا فرق (بين أن يكون) النعت (مشتقا أو غيره) في صحة وقوعه نعتا (إذا كان وضعه) أي : وضع غير المشتق (لغرض المعنى) أي : لغرض الجلالة على المعنى الواقع في المتبوع (عموما)
أي : في جميع الاستعمالات (مثل (تميمي وذي مال) فإن (التميمي) يدل دائما على أن لذات ما نسبة إلى قبيلة
تميم ، و (ذي مال) يدل على أن ذاتا ما صاحب مال. (أو خصوصا) في بعض الاستعمالات
بأن يدل في بعض الواضع على حصول معنى لذات ما وحينئذ يجوز أن يقع نعتا وفي بعضها
لا يدل على ذلك وحينئذ لا يصح جعله نعتا. (مثل (مررت برجل أي رجل) أي : كامل في الرجولية ، فأي رجل باعتبار دلالته
في مثل : هذا التركيب
__________________
على كمال الرجولية يصح أن يقع نعتا ، وفي مثل : (أي رجل عند؟) لا يدل على
هذا المعنى فلا يصح أن يقع نعتا.
(و) مثل : (مررت بهذا الرجل) فإن (هذا) يدل على ذات مبهمة ، و (الرجل) على ذات معينة
، وخصوصية الذات المعينة بمنزلة معنى حاصل في الذات المبهمة. فلهذا صح أن يقع
الرجل صفة ل : (هذا).
وفي المواضع
الأخر التي لا يدل على هذا المعنى لا يصح أن يقع صفة.
وهبي بعضهم إلى
أن (الرجل) يدل عن اسم الإشارة ، وبعضهم إلى أنه عطف بيان.
(و) مثل : (مررت
بزيد هذا) أي : بزيد المشار إليه.
__________________
ف : (هذا) في
هذا الموضع يدل على معنى حاصل في ذات (زيد) فوقع صفة له وفي المواضع الأخر التي لا
يدل على هذا المعنى لا يصح أن يقع صفة.
(برجل مصري
حمارة) فيرفع في الأول ضمير الموصوف وفي الثاني متعلقة مثل : سائر الصفات
المذكورة.
(وتوصف النكرة) لا المعرفة (بالجملة الخبرية) التي هي في حكم النكرة ؛ لأن الدلالة على معنى
في متبوعه كما توجد في المفرد كذلك توجد في الجملة الخبرية .
وإنما قيد
الجملة الخبرية ؛ لأن الإنشائية ...
__________________
لا تقع صفة إلا بتأويل بعيد ، كما إذا قلت : (جاءني رجل اضربه) أي
: مقول في حقه (اضربه) أي : مستحق ؛ لأن يؤمر بضربه.
(ويلزم) فيها (الضمير)
الراجع إلى تلك النكرة للربط ، نحو : (جاءني رجل أبوه قائم) وإذا لم يكن فيها
الضمير الرابط تكون أجنبية بالنسبة إلى الموصوف فلا يصح أن تقع صفة له ،
مثل : (جاءني رجل زيد عالم).
(ويوصف بحال
الموصوف) أي بحال قائمة به نحو : (مررت برجل حسن) إذ (الحسن) حال الرجل وصفته.
(وبحال متعلقة)
أي : متعلق الموصوف ـ يعني : بصفة اعتبارية تحصل له بسبب متعلقة (نحو : مررت برجل حسن غلامه) إذ كون الرجل حسن الغلام معنى فيه وإن كان اعتباريا.
(فالأول) أي :
النعت بحال الموصوف (يتبعه) أي : الموصوف في عشرة أمور
__________________
يوجد منها في كل تركيب أربعة .
(في الإعراب)
رفعا ونصبا وجرا (والتعريف والتنكير والافراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث)
إلا إذا كان صفة يستوي فيها المذكر والمؤنث ، ك : (فعول) بمعنى (فاعل) ، نخو (رجل
صبور) و (امرأة صبور) أو (فعيل) بمعنى (مفعول) ك : (رجل جريح) و (امرأة جريح) أو
كان صفة مؤنثة تجري على المذكر ك : (علامة) .
(والثاني) أي :
النعت بحال متعلق الموصوف (يتبعه في الخمسة الأول) وهي : الرفع النصب والجر والتعريف والتنكير ، ويوجد
منها في كل تركيب اثنان (وفي البواقي) . من تلك الأمور العشرة.
وهي أيضا خمسة
: الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث.
(كالفعل) لشبهه به ، يعني : ينظر إلى فاعله ، فإن كان مفردا أو
مثنى أو مجموعا أفرد كما يفرد الفعل.
__________________
وإن كان مذكرا
أو مؤنثا حقيقيا بلا فصل طابقه وجوبا ، كما يطابق الفعل فاعله في التذكير
والتأنيث.
وإن كان فاعله
مؤنثا غير حقيقي أو حقيقيا مفصولا ، يذكر أو يؤنث جوازا تقول : (مررت برجل قاعد غلامه) مثل : (يقعد غلامه) و (برجلين قاعد غلاماهما) مثل :
(يقعد غلاماهما) و (برجل قاعد غلمانهم) مثل : (يقعد غلمانهم) و (مررت بامرأة قائما أبوها) مثل : (يقوم أبوها) و (برجل قائمة
جاريته) مثل : (تقوم جاريته) و (برجل معمورة داره) مثل : (يعمر أو تعمر داره). و (قائم
أو قائمة في الدار جاريته) مثل : (يقوم في الدار جاريته).
فإن قلت : إذا
نظرت حق النظر وجدت (الأول) وهو الوصف بحال الموصوف أيضا في
الخمسة البواقي كالفعل ؛ لأن فاعله الضمير المستكن فيه الراجع إلى موصوفه.
والفعل إذا
أسند إلى الضمير يلحقه الألف في التثنية والواو في الجمع المذكر
__________________
العاقل. والنون في الجمع المؤنث ، ويؤنث في الواحدة المؤنثة ، ولذلك قلت : مررت برجل ضارب ، برجلين ضاربين ، وبرجال ضاربين
، وبامرأة ضاربية ، وبامرأتين ضاربتين وبنسوة ضاربات ، كما تقول في الفعل : يضرب
ويضربان ويضربون وتضرب وتضربان ويضربن. فلم خصصت الثاني بهذا الحكم؟
قلنا : المقصود
الأصلي في هذا المقام بيان نسبة الوصفين إلى الموصوف بالتبعية وعدمها .
ولما كان الوصف الأول يتبعه في الأمور العشرة ، وكان لا يخرجه
مشابهته للفعل في الخمسة البواقي عن هذه التبعية لما عرفت ، اكتفى فيه بالحكم عليه بالتبعية بخلاف الوصف الثاني
فإنه لما حكم عليه بالتبعية في الخمسة الأول لم يكتف فيه بالحكم بعدم التبعية فإنه غير مضبوط بل بين ضابطه عدم تبعيته له ، لكونه. كالفعل بالنسبة
إلى الظاهر بعده ليتبين حاله عند عدم التبعية له.
__________________
(ومن ثمة) أي : ومن أجل كون الوصف
الثاني في الخمسة البواقي كالفعل (حسن(قام رجل
قاعد غلمانه)
كما حسن (يقعد غلمانه) وحسن أيضا (قاعدة غلمانه) لأن الفاعل مؤنث غير حقيقي ، كما
حسن (تقعد غلمانه) (وضعف) (قام رجل (قاعدون )
غلمانه) لأنه بمنزلة
(يقعدون غلمانه).
وإلحاق علامتي
المثنى والمجموع في الفعل المسند إلى ظاهرهما ضعيف.
(ويجوز) من غير حسن ولا ضعف (قعود غلمانه) وإن كان (قعود) جمعا
أيضا
__________________
كقاعدون إذا كسرت الاسم المشابه للفعل خرج لفظا عن موازنة الفعل ومناسبته ؛
لأن الفعل لا يكسر.
فلم يكن (قعود
غلمانه) مثل : (يقعدون غلمانه) الذي اجتمع فيه فاعلان في الظاهر
، إلا أن يخرج الواو من الاسمية إلى الحرفية أو يجعل المظهر بدلا من المضمر ، أو يجعل الفعل خبرا مقدما على المبتدأ .
(والمضمر لا
يوصف) لأن ضمير المتكلم والمخاطب أعرف المعارف وأوضحها،فلا حاجة لهما إلى التوضيح ، وحمل عليهما غير الغائب. وعلى الوصف الموضح الوصف المادح والذام وغيرهما طردا للباب.
__________________
(ولا يوصف به)
لأنه ليس في المضمر معنى الوصفية وهو الدلالة على قيام معنى بالذات ؛ لأنه يدل على الذات
لا على قيام معنى بها.
وكأنه لم يقع في بعض النسخ قوله : (ولا يوصف به) ولهذا اعتذر
الشارح الرضي، وقال : (لم يذكر المصنف أنه لا يوصف بالمضمر ؛ لأنه يتبين ذلك بقوله (والموصوف أخص أو مساو) أي : الموصوف المعرفة أشد اختصاصا بالتعريف
والمعلومية من الصفة ـ يعني : أعرف منها ـ ؛ لأنه المقصود الأصلي ، فيجب أن يكون
أكمل من الصفة في التعريف أو مساويا لها ؛ لأنه لو لم يكن أكمل منها ، فلا أقل من
أن لا يكون أدون منها.
والمنقول عن
سيبويه وعليه جمهور النحاة إذا عرفها المضمرات ثم الاعلام ثم
__________________
الأسماء الإشارة ثم المعرف باللام والموصولات فبينهما مساواة.
(ومن ثمة) أي :
ومن أجل أن الموصوف أخص أو مساو (لم يوصف ذو اللام إلا بمثله) أي : ذي اللام الاخر أو الموصول فإنه أيضا مماثل لذي اللام ، لما عرفت بينهما من مساواة في التعريف ،
نحو : (جاءني الرجل الفاضل أو الرجل الذي كان عندك أمس) (أو بالمضاف إلى مثله) أي
: مثل : المعرف باللام بلا واسطة ، نحو : (جاءني الرجل فهم منه هذا الترتيب كما
سيأتي.
(صاحب الفرس)
أو بواسطة نحو : (جاءني الرجل صاحب لجام الفرس) لأن تعريف المضاف مساو لتعريف
المضاف إليه ، أو أنقص منه على الخلاف الواقع بين
__________________
سيبويه وغيره بخلاف سائر المعارف فإنها أخص من ذي اللام.
فلو وقع الأخص
نعتا لغير الأخص فهو محمول على البدل عند أصاحب هذا المذهب.
(وإنما التزم وصف باب هذا) أي : باب اسم الإشارة (بذي اللام) مثل: (مررت بهذا الرجل) مع أن القياس يقتضي جواز
وصفه بذي اللام والموصول والمضلف إلى أحدهما (للإبهام) الواقع في هذال الباب بحسب
أصل الوضع المقتضى لبيان الجنس .
فإذا أريد رفعه
لا يتصور بمثله لأبهامه.
ولا يليق
بالمضاف ...
__________________
المكتسب التعريف من المضاف إليه ؛ لأنه كالاستعارة من المستعير والسؤال من المحتاج الفقير ، فتعين ذو
اللام ، لتعينه في نفسه ، وحمل الموصوف عليه ؛ لأنه مع صلته مثل : ذي اللام مثل : (مررت
بهذا الذي كرم) أي : الكريم .
(ومن ثمة) أي :
ومن أجل إن التزام وصف باب (هذا) بذي اللام لرفع الإبهام ببيان الجنس (ضعف (مررت
بهذا الأبيض) لأنه لا يتبين به جنس المبهم ؛ لأن الأبيض عام لا يختص
بجنس دون جنس .
(وحسن) (مررت
بهذا العالم) لأنه يتبين به أن المشار إليه إنسان ، بل رجل.
(العطف)
يعني المعطوف بالحرف (تابع مقصود) أي قصد نسبته إلى شيء أو نسبة شيء إليه.
__________________
(بالنسبة) الواقعة في الكلام.
فقوله (بالنسبة)
متعلق بالقصد من المقصود.
(مع متبوعه) أي
: كما يكون هو مقصودا بتلك النسبة يكون أيضا مقصودا بها ، نحو : (جاءني زيد وعمرو)
ف : عمرو) تابع ؛ لأنه معطوف على (زيد) قصد نسبة المجيء إليه بنسبة المجيء الواقعة
في الكلام.
وكما أن نسبة
المجيء إليه مقصودة ك ١ لك نسبته إلى (زيد) الذي هو متبوعه أيضا مقصودة.
فقوله : (مقصود
بالنسبة) احتراز عن غير البدل من التوابع ؛ لأنها غير مقصودة ، بل المقصود
متبوعاتها.
وقوله : (مع
متبوعه) احتراز عن البدل ؛ لأنه المقصود دون متبوعه.
قيل : يخرج
بقوله : (مع متبوعه) المعطوف ب : (لا وبل ولكن وأم وأما وأو) ؛ لأن المقصود
بالنسبة معها أحد الأمرين من التابع والمتبوع لا كلاهما.
وأجيب : بأن المراد يكون المتبوع مقصودا بالنسبة : أن لا يذكر
لتوطئة ذكر
__________________
التابع ، ويكون التابع مقصودا بالنسبة أن لا يكون كالفرع على المتبوع من
غير استقلال به ، ولا شك أن المعطوف والمعطوف عليه بتلك الحروف الستة مقصودان
بالنسبة معا بهذا المعنى.
ولما تم الجد بما ذكره جمعا ومنعا أردفه لزيادة التوضيح بقوله :
(يتوسط بينه) أي : بين ذلك التابع (وبين متبوعه أحد الحروف
العشرة) وسيأتي تفصيلها في قسم الحروف إن شاء الله تعالى.
(مثل : قام زيد
وعمرو) ولم يكتف بقوله : (تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحد الحروف العشرة ؛ لأن
الحروف قد يتوسط بين الصفات مثل : (جاءني زيد العالم والشاعر).
فالصفة الداخل
عليها حرف العطف كالشاعر لها جهتان ،
__________________
إحداهما : كونها صفة لزيد تابعة له
تبعية المعطوف عليه.
وأخراهما :
كونها معطوفة على الصفة المتقدمة تابعة لها ويصدق على هذه الصفة من جهتها الأولى أنها تابع ؛ لأنها صفة لزيد يتوسط
بينها وبين (زيد) حرف العطف ؛ لأن توسط حرف العطف بين شيئين لا يلزم أن يكون لعطف الثاني على
الأول ، فلو لم يكن قوله : (مقصود بالنسبة مع متبوعه) لدخل هذه
الصفات من جهتها الأولى في حد المعطوف وهي من هذه الجهة ليست معطوفة فلم يبق مانعا.
وقيل : قد جوّز الزمخشري وقوع الواو بين الموصوف والصفة
لتأكيد اللصوق في مواضع عديدة من (الكشاف).
وحكم المصنف في
شرح المفصل في مباحث الاستثناء أن قوله تعالى (لها
__________________
منذرون) في قوله : (وَما أَهْلَكْنا
مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) صفة ل : (قرية) فلو اكتفى بقوله (تابع يتوسط) لدخل فيه
مثل : هذه الصفة).
ونقل عن المصنف أنه قال في (أمالي الكافية) (أن العاقل في
مثل : (جاءني زيد العالم والعاقل) تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحد الحروف العشرة
، وليس بعطف على التحقيق ، وإنما هو باق على ما كان عليه في الوصفية.
وإنما حسن دخول
العاطف لنوه من الشبه بالمعطوف لما بينهما من التغاير فلو حد العطف كذلك لدخل
فيه بعض الصفات مع ؛ لأنه ليست بمعطوف.
وقال بعضهم :
فيه نظر ؛ لأن الحروف المتوسطة بينها عاطفة ؛ لدلالتها فيها على ما يدل عليه في
غيرها من الجمع والترتيب ، وغير ذلك.
ففي جعلها غير
عاطفة في الصفات عاطف في غيرها ، ارتكاب أمر بعيد من غير ضرورة داعية إليه.
(وإذا عطف على الضمير (المرفوع) لا المنصوب والمجرور (المتصل) بارزا
__________________
كان أو مستترا لا المنفصل .
(أكد بمنفصل) أولا ثم عطف عليه ، وذلك ؛ لأن المتصل المرفوع كالجزء
مما اتصل به لفظا ، من حيث إنه متصل لا يجوز انفصاله ، ومعنى من حيث إنه فاعل ،
والفاعل كالجزء من الفعل.
فلو عطف عليه
بلا تأكيد كان كما لو عطف على بعض حروف الكلمة فأكد
__________________
أولا بمنفصل ؛ لأنه بذلك يظهر أن ذلك المتصل وإن كان كالجزء مما اتصل به
لكنه منفصل من حيث الحقيقة ، بدليل جواز افراده مما اتصل به بتأكيده ، فيحصل له
نوع استقلال .
ولا يجوز أن يكون العطف على هذا التأكيد ؛ لأن المعطوف في حكم
المعطوف عليه ، فكان يلزم أن يكون هذا المعطوف أيضا تأكيدا ، وهو باطل .
فإن طان الضمير
منفصلا نحو : (ما ضرب إلا أنت وزيد) لم يكن كالجزء لفظا ، وكذا إن كان متصلا منصوبا ،
نحو : (ضربتك وزيدا) لم يكن كالجزء معنى ، فلا حاجة فيهما إلى تأكيد بمنفصل (مثل (ضربت
أنا وزيد) (وزيد ضرب هو وغلامه).
(إلا أن يقع فصل) بين المضمر المرفوع المتصل وبين ما عطف عليه ،
(فيجوز تركه) أي : ترك التأكيد ؛ لأنه قد طال الكلام بوجود المنفصل فحسن الاختصار
__________________
بترك التأكيد سواء كان الفصل قبل حرف العطف. نحو : (ضربت اليوم وزيد)
أو بعده كقوله تعالى : (ما أَشْرَكْنا وَلا
آباؤُنا) [الأنعام : ١٤٨].
فإن المعطوف هو
(آباؤنا) و (لا) زائدة بعد حرف العطف لتأكيد النفي.
إنما قال (يجوز
تركه) فإنه قد يؤكد بالمنفصل مع الفصل كقوله تعالى : (فَكُبْكِبُوا فِيها
هُمْ وَالْغاوُونَ) [الشعراء : ٩٤]. وقد لا يؤكد والأمران متساويان.
هذا واعلم أن مذهب البصريين بين أن التأكيد بالمنفصل هو الأولى ،
ويجوزون العطف بلا تأكيد ولا فصل لكن على قبح .
والكوفيون
يجوزونه بلا قبح .
(وإذا عطف على
الضمير المجرور أعيد الخافض حرفا كان أو اسما ؛ لأن
__________________
اتصال الضمير المجرور بجاره أشد من اتصال الفاعل المتصل بفعله ؛ لأن الفاعل
إن لم يكن ضميرا متصلا جاز انفصاله ، والمجرور لا ينفصل من جاره ، فكره العطف عليه ، إذ يكون كالعطف على بعض حروف الكلمة.
وليس للمجرور ضمير منفصل ـ كما يجئ في المضمرات ـ حتى يؤكد
به أولا ثم يعطف عليه كما عمل في المرفوع المتصل ، وفي استعارة المرفوع له مذلة.
ولا يكتفي بالفصل ؛ لأن الفصل لا تأثير له إلا في جواز ترك
التأكيد بالمنفصل للاختصار ، فحيث لا يمكن التأكيد بالمنفصل لعدمه لا يتصور له أثر
، فيكون يكتفي به؟
فلم يبق إلا
إعادة العامل الأول (نحو : (مررت بك وبزيد) و (المال بيني وبين
__________________
زيد) والمعطوف هو المجرور ، والعامل مكرر ، وجره بالأول ، والثاني كالعدم
معنى ، بدليل قولهم : (بيني وبينك إذ (بين) لا يضاف إلا إلى المتعدد .
وثيل : جرّه
بالثاني ، كم في الحرف الزائد في (كفى بالله).
وهذا الذي
ذكرناه ـ أعني لزوم إعادة الجار في حال السعة ، والاختبار مذهب البصريين ، ويجوز
عندهم تركها اضطرارا.
وأجاز الكوفيون
ترك الإعادة في حال السعة مستدلين بالأشعار فإن قيل : كيف جاز تأكيد المرفوع المتصل في نحو : (جاءوني كلّهم والإبدال منه نحو : (أعجتني جمالك) من غير شرط تقديم
التأكيد بالمنفصل؟
وجاز أيضا
تأكيد الضمير المجرور في نحو : (مررت بك نفسك) والإبدال منه نحو : (أعجبت بك جمالك)
من غير إعادة الجار.
__________________
ولم يجز العطف
في الأول إلا بعد التأكيد بالمنفصل ، وفي الثاني إلا مع إعادة الجار.
قلنا : التأكيد
عين المؤكد ، والبدل في الأغلب إما كلّ المتبوع أو بعضه أو متعلقة ، والغلط قليل نادر
فهما ليسا
بأجنبيين لمتبوعهما ولا منفصلين عنه ، لعدم تخلل فاصل بينهما
وبين متبوعهما ، فلا حاجة في ربطهما إلى متبوعهما إلى تحصيل مناسبة زائدة ، بخلاف العطف فإن المعطوف يغاير المعطوف عليه ، ويتخلل
بينهما العاطف ، فلا بد فيه من تحصيل مناسبة بينهما بتأكيد المتصل بالمنفصل في
المرفوع ، وبإعادة الجار في المجرور ، ليخرج المتصل المرفوع من صرافة الاتصال
ويناسب المعطوف عليه بتأكيده بالمنفصل ، وقوي مناسبة المجرور بانضمام الجار إليه كما في المعطوف عليه.
(والمعطوف في
حكم المعطوف عليه) فيما يجوز له ويمتنع من الأحوال العارضة له نظرا إلى ما
قبله ، بشرط أن لا يكون ما يقضيها منتفيا في المعطوف.
__________________
وإنما قلنا :
في الأحوال العارضة له نظرا إلى ما قبله) احتراز عن الأحوال العارضة له من حيث
نفسه ، كالإعراب والبناء والتعريف والتنكير والإفراد والتثنية والجمع.
فإن المعطوف
فيها ليس في حكم المعطوف عليه وإنما قلنا : (بشرط أن لا يكون ما يقتضيها منتفيا
في المعطوف) احترازا عن مثل : قولنا : (يا رجل والحارث) ، فإن (الحارث) معطوف على (رجل) وليس في حكمه
من حيث تجرده عن اللام.
فإن ما يقتضي
تجرده عن اللام هو اجتماع اللام وحروف النداء ، وهو مفقود في المعطوف .
وأما ...
__________________
نحو : (ربّ شاة سخلتها) فبتقدير التنكير ، لقصد عدم التعيين أي : رب شاة وسخلة لها ، أو محمول على نكارة الضمير ك : (ربه رجلا على الشذوذ ، أي : (ربّ شاة وسخلة شاة).
وكذا المعطوف في حكم المعطوف عليه في الأحوال العارضة له بالنظر إلى
نفسه وغيره إن كان المعطوف مثل : المعطوف عليه ، فلذا وجب بناء المعطوف في : (يا
زيد وعمرو) لأن ضم (زيد) بالنظر إلى حرف النداء وإلى كونه مفردا معرفة في نفسه. و
(عمرو) مثل : (زيد) في كونه مفردا معرفة في نفسه.
وامتنع بناؤه
في (يا زيد وعبد الله) فإن (عبد الله) ليس مثل : (زيد). فإن (زيدا) مفرد معرفة ، و
(عبد الله) مضاف.
(ومن ثمة) أي : ومن أجل أن المعطوف في حكم المعطوف عليه فيما يجوز
ويمتنع (لم يجز في) مثل : تركيب (ما زيد بقائم أو قائما ولا ذاهب عمرو) إلّا الرفع)
__________________
في (ذاهب إذ لو نصب أو خفض لكان معطوفا على (قائم) أو (قائما). فيكون خبرا عن (زيد) وهو ممتنع لخلّوه عن الضمير الواقع
في المعطوف عليه العائد إلى اسم (ما) فتعين الرفع ، على أن يكون خبرا مقدما لمبتدأ
مؤخر وهو (عمرو) ويكون من قبيل عطف الجملة على الجملة ، ولا مانع منه .
ولما كان لقائل أن يقول : هذه القاعدة منتقضة بقولهم : (الذي
يطير فيغضب زيد الذباب). فإن (يطير) فيه ضمير يعود إلى الموصول ، (يغضب) المعطوف
عليه ليس فيه ذلك الضمير ، فأجاب عنه بقوله : (إنما جاز الذي يطير فيغضب زيد الذباب لأنها) أي : إلغاء في هذا
التركيب (فاء السببية) أي : فاء لها نسبة إلى السببية ، بأن يكون
معناها السببية لا العطف ، فلا يرد نقضا على تلك القاعدة. أو يكون
معناها السببية
__________________
مع العطف لكنها تجعل الجملتين كجملة واحدة فيكتفي بالربط في الأولى.
فالمعنى : الذي إذا يطير فيغضب زيد الذباب ، أو يفهم منها سببية
الأولى للثانية.
فالمعنى : الذي
يطير فيغضب زيد بسببه الذباب.
ويمكن أن يقدر
فيه ضمير ، أي : الذي يطير فيغضب (زيد بطيرانه الذباب).
(وإذا عطف) أي
: إذا وقع العطف بناء على (علة) وجود (عاملين) بأن عطف اسمان على معمولهما بعاطف واحد.
وقال بعض شارحي
اللباب : الأظهر عندي أن العطف هاهنا محمول على معناه اللغوي ، أي : إمالة الاسمين
نحو : العاملين ، بأن يجعلا معموليّهما ، وأكثر الشارحين على أن المعنى على معمولي عاملين.
__________________
وإنما قال : (على
معمولي عاملين) لا على معموليّ عامل واحد ، فإنه جائز اتفاقا نحو : ضرب زيد عمرا
وبكر وخالدا ، ولا على أكثر من اثنين فإنه لا خلاف في امتناعه.
(مختلفين) أي :
غير متحدين بأن لا يكون الثاني عين الأول ، وذلك لدفع توهم من يتوهم أن مثل : (ضرب
ضرب زيد عمرا وبكر خالدا) من هذا الباب مع أنه ليس منه؛ لعدم تعدد العامل فيه ؛ إذ
العامل هو الأول والثاني تأكيد له.
وذلك العطف كنا
وقع في قولهم (ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة)
وفي قول الشاعر
:
أكلّ امرئ
تحسبين امرأ
|
|
ونار توقّد
بالليل نارا
|
فهذا وإن كان بحسب الظاهر جائزا لكنه (لم يجز) عند الجمهور
بحسب الحقيقة ؛ لأن الحرف الواحد لم يقوم مقام عاملين مختلفين (خلافا للفراء) فإنه
يجوز هذا العطف بحسب الحقيقة كما جاز بحسب الصورة ولا يؤول الأمثلة الواردة عليها
ولا يقتصر على صورة السماع بل يعمها وغيرها وعدم جواز ذلك العطف مع خلاف الفراء جاز في جميع المواد عند
الجمهور.
(إلا في نحو : (في
الدار زيد والحجرة عمرو) و (إنّ في الدار زيدا والحجرة
__________________
عمرا) يعني : إلا في صورة تقديم المجرور وتأخير المرفوع أو المنصوب ، لمجيئه في
كلامهم واقتصر الجواز على صورة السماع ؛ لأن ما خالف القياس يقتصر على مورد السماع (خلافا لسيبويه) فإنه لا يجوز هذا العطف بحسب الحقيقة في هذه الصورة أيضا ، بل يحملها على حذف
المضاف وإبقاء المضاف إليه على إعرابه نحو قوله تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ
يُرِيدُ الْآخِرَةَ) [الأنفال : ٦٧] بجرّ (الآخرة) كما جاء في بعض القراءات أي : عرض الآخرة.
(التأكيد)
(تابع يقرر أمر
المتبوع) أي : حاله وشأنه ...
__________________
(شرح).
عند السامع ، يعني : يجعل حاله ثابتا مقررا عنده.
(وفي النسبة) أي : في كونه منسوبا أو منسوبا إليه ، فيثبت عنده ويتحقق أن المنسوب أو
المنسوب إليه في هذه النسبة هو المتبوع لا غير ، وذلك إما لدفع ضرر الغفلة عن السامع
، أو لدفع ظنه بالمتكلم الغلط ، وذلك الدفع يكون بتكرير اللفظ ، نحو : (ضرب زيد زيد) وضرب
ضرب زيد أو لدفع ظن السامع تجوزا ، إمّا في المنسوب نحو قولك : (زيد قتيل قتيل) دفعا
لتوهم السامع أن تريد بالقتل الضرب الشديد ، فيجعل حينئذ أيضا تكرير اللفظ حتى لا
يبقى شك في إدارة المعنى الحقيقي.
أو في المنسوب
إليه فإنه ربما نسب الفعل إلى شيء والمراد نسبته إلى بعض
__________________
متعلقاته ، كما في (قطع الأمير اللص) أي : قطع غلامه فيجب حينئذ تكرير
المنسوب إليه لفظا نحو : (ضرب زيد زيد) أي : ضرب هو لا من يقوم مقامه ، أو تكريره معنى ، نحو : (ضرب زيد نفسه أو عينه).
(أو في الشمول)
أي : التأكيد ما يقرر أمر المتبوع في النسبة بالتفصيل الذي ذكرناه ، أو في
شمول المتبوع أفراده دفعا لظن السامع تجوزا لا في نفس المنسوب إليه بل في
شموله لأفراده ، فإنه كثيرا ما ينسب الفعل إلى جميع أفراد المنسوب إليه مع أنه
يريد النسبة إلى بعضها ، فيدفع هذا الوهم بذكر (كل وأجمع) وأخواته ، وكلاهما وثلاثتهم وأربعتهم ونحوها هذا
هو الغرض من جميع ألفاظ التأكيد.
وإذا عرفت هذا
، فنقول : أخرج المصنف الصفة والعطف والبدل عن حدّ التأكيد بقوله (يقرر أمر
المتبوع).
أما البدل
والعطف فظاهر خروجهما به ، وأما الصفة فلأن وضعها للدلالة على معنى
في متبوعها وإفادتها ...
__________________
توضيح متبوعها في بعض المواضع ، ليست بالوضع وأما عطف البيان فهو
لتوضيح متبوعه فهو يقرر أمر المتبوع ويحققه ، لكن لا في النسبة والشمول هذا حاصل ما ذكره المصنف في شرحه.
(وهو) أي : التأكيد (لفظيّ) أي : منسوب إلى اللفظ لحصوله من تكرير
اللفظ (ومعنوي) أي : منسوب إلى المعنى لحصوله من ملاحظة المعنى.
(فاللفظي) منه (تكرير
اللفظ الأول) أي : مكرر اللفظ الأول ومعاده حقيقة ، (نحو (جاءني زيد) أو حكما ،
نحو : (ضربت أنت وضربت أنا) فإن ذلك في حكم تكرير اللفظ وأن كان مخالفا للأول لفظا
، إذ الضرورة داعية إلى مخالفة ؛ لأنه لا يجوز تكريره متصلا.
__________________
(ويجري) أي :
التكرير مطلقا ، لا التكرير الذي هو التأكيد الاصطلاحي (في الألفاظ كلها) أسماء أو أفعالا أو حروفا أو جملا أو مركبات تقييدية أو غير ذلك ، ولا يبعد إرجاع الضمير إلى التأكيد اللفظي الاصطلاحي وتخصيص الألفاظ بالأسماء ، ويكون
المقصود من هذا التعميم عدم اختصاصه بألفاظ محصورة كالتأكيد المعنوي.
(و) التأكيد (المعنوي)
مختص (بألفاظ محصورة) أي : معدودة محدودة (وهي: نفسه وعينه ، وكلاهما وكله ، وأجمع وأكتع وأبتع وأبصع)
بالصاد المهملة وقيل بالضاد المعجمة.
__________________
قيل : لا معنى لهذه الكلمات
الثلاث في حال الإفراد ، مثل : (حسن بسن) وقيل : (كتع) مشتق من : حول كتيع ، أي :
تام.
و (أبصع)
بالمهملة من : بصع العرق ، أي : سال.
وبالمعجمة من (بضع)
أي : روي.
و (أبتع) من :
البتع ، وهو طول العنق مع شدّة مفرزه.
ويمكن استنباط مناسبات خفيّة بين هذه المعاني ، ومعناها
التأكيدي بالتأمل الصادق.
(فالأولان) أي
: النفس والعين (يعمّان) أي : يقعان على الواحد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث (باختلاف
صيغتهما) إفراد وتثنية وجمعا (و) اختلاف ضميرهما العائد إلى المتبوع المؤكد ، (تقول : نفسه) في المذكر
الواحد (نفسها) في المؤنث الواحدة (أنفسهما) بإيراد صيغة الجمع في تثنية المذكر والمؤنث.
__________________
وعن بعض العرب (نفساهما
وعيناهما)
(أنفسهم) في
جمع المذكر العاقل.
(أنفسهن) في
جمع المؤنث وغير العاقل من المذكر.
(والثاني) لما
سمى النفس والعين أولين تغليبا كالقمرين ، سمى الثالث ثانيا.
(للمثنى :
كلاهما) للمذكر (وكلتاهما) للمؤنث (والباقي) بعد الثلاثة المذكورة (لغير المثنى)
مفردا كان أو جمعا.
(باختلاف الضمير)
العائد إلى المتبوع المؤكد (في (كلمة) نحو : (قرأت الكتاب كلّه) و (كلها) نحو : (قرأت
الصحيفة كلّها).
(وكلهم) نحو : (اشتريت
العبيد كلّهم).
(وكلهنّ) نحو :
(طلقت النساء كلهنّ).
__________________
(و) باختلاف (الصيغ)
في الكلمات (البواقي) وهي : أجمع وأكتع وأبتع وأبضع، وبالمهملة أو المعجمة.
(تقول أجمع) في المذكر الواحد (وجمعاء) في المؤنث الواحدة ، أو
الجمع بتأويل الجماعة.
(وأجمعون) في جمع
المذكر ، (وجمع) في جمع المؤنث ، وكذا أكتع كتعاء أكتعون كتع وأبتع
بتعاء ، أبتعون ، بتع ، وأبصع بصعاء أبصعون ، بصع
(ولا يؤكد ب :
كلّ وأجمع إلا ذو أجزاء مفردا كان أو جمعا ، إذ الكلية والاجتماع لا يتحققان
إلا فيه ولا حاجة إلى ذكر الأفراد ؛ لأن الكلّي ما لم تلاحظ أفراده مجتمعة ولم تصر أجزاء لا يصح تأكيده
بكلّ وأجمع.
__________________
ويجب أن تكون
تلك الأجزاء بحيث (يصح افتراقها حسا) كأجزاء القوم أو (حكما) كأجزاء العبد ليكون في التأكيد بكل وأجمع فائدة (مثل) (أكرمت القوم
كلهم و (اشتريت
العبد كلّه) فإن العبد قد يتجزأ في الاشتراء ، فيصح تأكيده ب : (كل) ليفيد الشمول
بخلاف (جاءني زيد كله لعدم صحة افتراق أجزائه لا حسا ولا حكما في حكم الشمول.
(وإذا أكد الضمير المرفوع المتصل) بارزا كان أو مستكنا (بالنفس
والعين أي: إذا أريد تأكيده بهما (أكد) ذلك الضمير أولا (بمنفصل) ثم بالنفس والعين (مثل : (ضربت أنت نفسك) فنفسك تأكيد للضمير بعد تأكيده بمنفصل هو (أنت) إذ
لو لا ذلك لالتبس التأكيد بالفاعل ، إذ وقع تأكيدا للمستكن ، نحو : (زيد أكرمني هو
نفسه) فلو لم يؤكد الضمير المستكن في (أكرمني) بقوله (هو) ويقال : (زيد أكرمني
نفسه)
__________________
لالتبس (نفسه) الذي هو التأكيد بالفاعل ولما وقع الالتباس في هذه الصورة أجرى بقية الباب عليه.
وإنما قيد
الضمير بالمرفوع ، لجواز تأكيد الضمير المنصوب والمجرور بالنفس والعين بلا
تأكيدهما بالمنفصل ، نحو : (ضربتك نفسك) (ومررت بك نفسك ، لعدم اللبس ، وبالمتصل لجواز تأكيد المرفوع المنفصل
بالنفس والعين بلا تأكيده بالمنفصل نحو : (أنت نفسك قائم) لعدم اللبس ، وإنما قيد بالنفس والعين لجواز تأكيد المرفوع المتصل
ب : (كلّ) و (أجمعين) بلا تأكيد ، نحو : (القوم جاءوني كلّهم وأجمعون) لعدم
التباس التأكيد بالفاعل ؛ لأن (كلا وأجمعين) يليان العوامل قليلا ، بخلاف (النفس والعين) فإنهما يليانها كثيرا.
(وأكتع ...
__________________
وأخواه) يعني : أبتع وأبصع (أتباع) بفتح الهمزة على ما هو المشهور (لأجمع) يعني : تستعمل
هذه الكلمات الثلاث بالتبعية ، لا بالأصالة لكونه أدل منها على المقصود ، وهو
الجمعية.
(فلا يتقدم)
يعني : أكتع وأخواه (عليه) أي : على (أجمع) لو اجتمعت معه.
(وذكرها) أي :
ذكر أكتع مع أخوية (دونه) أي : دون ذكر (أجمع) (ضعيف) لعدم ظهور دلالتها على معنى
الجمعية.
وللزوم ذكر ما
من شأنه التبعية بدون الأصل .
* * *
__________________
فهرس المحتويات
مقدمة المصحح................................................................ ٥
ترجمة ابن الحاجب صاحب متن الكافية في النحو................................. ٧
ترجمة الملا جامي صاحب شرح الكافية.......................................... ٩
[مقدمة المؤلف]............................................................. ١١
(الكلمة)..................................................................... ١٦
(الاسم).................................................................... ٤٣
(أنواع إعراب الاسم)......................................................... ٦٧
(جمع المذكر السالك)........................................................ ٧٦
(الممنوع في الصرف)......................................................... ٨٣
(المرفوعات)............................................................... ١٤٦
(المبتدأ والخبر)............................................................. ١٨٠
(خبر إن وأخواتها).......................................................... ٢١٤
(المنصوبات)............................................................... ٢٢٣
(المفعول المطلق)............................................................ ٢٢٤
(المفعول به)............................................................... ٢٣٩
(المنادى).................................................................. ٢٤٣
(الترخيم)................................................................. ٢٧٢
(المفعول فيه).............................................................. ٣١٥
(المفعول له)............................................................... ٣٢٢
(المفعول معه).............................................................. ٣٢٩
(الحال)................................................................... ٣٣٤
(التمييز).................................................................. ٣٦٠
(المستثنى)................................................................. ٣٨٤
(خبر كان وأخواتها)......................................................... ٤١٣
(اسم إن وأخواتها).......................................................... ٤١٨
(المجرورات)................................................................ ٤٤٠
(التوابع).................................................................. ٤٨٠
النعت.................................................................... ٤٨٤
(العطف)................................................................. ٤٩٩
(التأكيد)................................................................. ٥١٥
فهرس المحتويات........................................................... ٥٢٦
|