|

بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم بقلم :
سماحة العلامة
الحجة المحقق الشيخ باقر شريف القرشي :
إحتلت الكوفة
مركزا مهمّا في العالم الإسلامي ، وذلك لما لها من أهمّية بالغة في صنع بعض
المفردات السياسية والتي كان من أشدها محنة وأعظمها بلاءا رفع المصاحف في صفين ، فقد
فتن به الجيش العراقي بعد ما أشرف على الفتح. ففي تلك اللحظات الحاسمة انهارت
حكومة الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام رائد العدالة الاجتماعية في دنيا الإسلام ، وسيطر الحكم
الأموي بقيادة معاوية بن أبي سفيان ، العدو الأول للفكر الإسلامي ، وقد نجم عن ذلك
أن مني المسلمون بالأزمات والخطوب السود ، فقد خرجوا من الدعة والعدل إلى الجور
والظلم والاستبداد.
وعلى أي حال ،
فقد كانت الكوفة أهم حامية للجيوش الإسلامية وكان عمر بن الخطاب يستمد منها
المعونة في كثير من الغزوات والفتوحات كما روى ذلك الطبري ، ونظرا لأهميتها فقد اتخذها
أمير المؤمنين عليهالسلام عاصمة له بعد واقعة الجمل ، وكما كانت الكوفة مركزا
عسكريا مهما فقد كانت معهدا لكثير من العلوم خصوصا الفقه الإسلامي ، فقد روى
المؤرخون أن تسعمائة شيخ كانوا يلقون الأحاديث
التي سمعوها من الإمام الصادق عليهالسلام عملاق الفكر الإسلامي علي تلاميذهم ، وكانت محاضراتهم
في بهو الجامع الأعظم في الكوفة ، وبالإضافة لذلك فقد كانت معهدا لكثير من العلوم
الإسلاميّة ، وفي طليعتها علم النحو فقد حظي باهتمام العلماء ، ولهم أرائهم
الخاصّة به.
وعلى أيّ حال
فقد انبرى جمع من العلماء لدراسة هذه المدينة في جميع جوانبها العلمية والسياسية
والاقتصادية ، إلّا أنهم لم يتحدثوا عن ولاتها. وحكامها الذين بسط بعضهم الجور
والاستبداد فيها ، وقد التفت إلى ذلك فضيلة الأستاذ المحامي محمد علي الخليفة وفقه
الله تعالى لمراميه فانبرى إلى تأليف هذا الكتاب (أمراء الكوفة وحكامها) وقد تحدّث
فيه بوعي عن سيرتهم ومعالم حكمهم بالتفصيل وهو جهد مشكور تفتقر إليه المكتبة
العربية والإسلامية ، شكر الله مساعيه وبلغه أمانيه بدعاء أخيه :
|
|
باقر شريف القرشي
١٤٢٣ / ٢٨ / ربيع الثاني
مكتبة الإمام الحسن العامة في النجف الأشرف
|
الاهداء
الى سيّدي ومولاي أمير المؤمنين وسيّد
الوصيين أبي الحسن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام أمير الكوفة وسيّدها على مدى الأزمان والدهور.
والى صاحب الأمر (عج)
أقدم هذا المجهود المتواضع راجيا رحمة ربيّ.
شكر وتقدير
أتقدم بجزيل
الشكر والامتنان الى كافّة السادة الذين قدّموا لي المساعدة سواء بتهيئة المصادر ،
أو بالتوجيه والارشاد ، وأخصّ بالذكر منهم :
فضيلة العلامة
الشيخ باقر شريف القرشي ـ مكتبة الامام الحسن عليهالسلام في النجف الأشرف ، كما وأشكر الأستاذ الدكتور السيد حسن
عيسى الحكيم (رئيس جامعة الكوفة) ، لما أبداه من توجيهات قيّمة وملاحظات جديرة
بالاهتمام ، وأشكر الأستاذ الأديب السيد أياد صادق القاموسي (صاحب المكتبة العصرية
ببغداد). ولن أنسى شكري وتقديري للسيد محمود نصر الله هيكل (رئيس القسم في مكتبة
عبد الحميد شومان العامة في عمّان ـ الأردن) ولكافة العاملين في المكتبة المذكورة.
وشكري إلى كافة منتسبي مكتبة أمانه عمّان الكبرى ، وشكري أيضا الى كافة منتسبي
مكتبة جامعة اليرموك فى أربد ـ الأردن.
وشكري وتقديري
الى كافّة اخواني وأخصّ بالذكر منهم الأخ الجليل عبد الفتاح عبد علي الشهيب.
المؤلف
المقدمة
بسم الله
الرحمن الرحيم ، وبه ثقتي
قال أبو العلاء
المعري مفتخرا :
|
وإنّي وان
كنت الأخير زمانه
|
|
لآت بما لم
تستطعه الأوائل
|
و"
أنا" أقول معترفا
|
وما أنا الّا
سالك عقد لؤلؤ
|
|
بنور مداد
أسرجته المناهل
|
|
أنظّم لآلئ
قد ورثنا فريدها
|
|
كلجّة بحر
غاص فيها الأوائل
|
هذا وإنّ جلّ
ما كتبته ما هو إلّا نقطة من ذاك الخضم الزاخر ، وصفحة من تلك الألوف الّتي كتبها
الكرام الأولون ، غير أنّني جئت به بإطار جديد ، فذكرت من محاسن ومساوئ كلّ أمير
من أمراء الكوفة ، من
__________________
كرم وشجاعة ، ومجون وخلاعة ، وشعر وأدب ، ودهاء وحكمة ، ليجد القارئ فيه
لذّة ومتعة ، وتلك هي غايتي.
وقد تناولت
البحث عن (أمراء الكوفة) حسب تسلسلهم الرئاسي في ثلاثة عصور هي :
١ ـ عصر
الخلفاء الراشدين.
٢ ـ العصر
الأموي.
٣ ـ العصر
العبّاسي.
كما أنّي تطرقت
إلى ذكر الأمراء الّذين جاءوا عن طريق الثورة ، وكذلك ذكرت الأمراء الّذين عينوا
من قبل عبد الله بن الزبير.
الكوفة :
معناها الرملة الحمراء ، وقيل سميت بالكوفة لاستدارة بناءها ، لأنّه يقال : تكوّف
القوم إذا اجتمعوا واستداروا ، وقيل لمّا أراد سعد بن أبي وقّاص أن يبني الكوفة
قال : (تكوّفوا في هذا الموضع) أي اجتمعوا فيه.
وقيل : كان
اسمها قديما كوفان.
وقال جحدر اللص
وهو في سجن الحجّاج بن يوسف الثقفي :
|
يا ربّ أبغض
بيت أنت خالقه
|
|
بيت بكوفان
منه استعجلت سعر
|
وقال أبو نؤاس
لمّا ذهب الى الكوفة واستطاب بها :
|
ذهبت بها
كوفان مذهبها
|
|
وعرجت عن
أربابها صبري
|
__________________
|
ما ذاك إلّا
أنّني رجل
|
|
لا أستحق
صداقة البصري
|
والكوفة : بضم
الكاف وسكون الواو ، فاء وهاء ، وهي مدينة اسلامية ، بنيت في زمن الخليفة عمر بن
الخطاب ، واقعة في الاقليم الثالث من الأقاليم السبعة ، وتقع على خط طول (٦٨) درجة و (٣٠) دقيقة ، وعلى خط
العرض (٣١) درجة و (٥٠) دقيقة.
وقيل سمّيت
كوفة لاستدراتها ، آخذا من قول العرب : رأيت كوفانا إذا رأوا رملة مستديرة ، وقيل
لاجتماع الناس من قولهم : (تكوّف الرمل إذا ركب بعضه بعضا).
كوفة الجند :
سماها عبدة بن
الطيّب بكوفة الجند حيث قال :
|
إنّ الّتي
وضعت بيتا مهاجرة
|
|
بكوفة الجند
ودّها غول
|
هذا هو مبدأ
تكوين مدينة الكوفة ، فبعد انتصار المسلمين على الفرس في (معركة القادسيّة) أخذ
سعد بن أبي وقّاص يتعقّب الجيوش الفارسيّة المنهزمة حتّى وصل الى (المدائن) وبعد
أن تمّ تحرير العراق نهائيا من السيطرة الفارسيّة ، استقرّ سعد في المدائن.
ولمّا علم
الخليفة عمر بسوء حالة الجيش في المدائن ، وتغيّر ألوانهم ، كتب الى سعد بن أبي
وقّاص قائلا : (إنّ العرب لا يوافقها إلّا ما وافق إبلها
__________________
من البلدان ، فانزل منزلا بريّا ، بحريّا ، ليس بينى وبينكم بحر ولا جسر) .
فأوعز سعد الى
بعض من أصحابه للبحث عن مكان آخر يكون مقرّا لجيشه على أن تراعى فيه المواصفات
الّتي ذكرها عمر ، فتمّ اختيار الكوفة ، عندها أمر سعد جيشه أن يعسكروا فيها ، وينصبوا الخيام
والمضارب ، وكان أبو الهيجاء الأسدي قد سبقهم الى الكوفة فخطّطها وخطّط المسجد
الأعظم . وبنى قصرا لسعد بجانبه ، وجعل فيه (بيت المال) وكان
هذا القصر منزلا خاصا للخلفاء والملوك والأمراء الّذين جاءوا بعد سعد بن أبي وقّاص
، حيث تعقد فيه مؤامراتهم ، كما أنّهم اتخذوه حصنا لهم اذا ما ألجأتهم الظروف ، أو
اعترتهم الكوارث ، كان ذلك سنة (١٧) للهجرة.
وبقي ذلك القصر
الى زمن عبد الملك بن مروان ، حيث أمر بهدمه تشاؤما منه ، وذلك عند دخوله الى الكوفة سنة (٧١) للهجرة ، بعد مقتل
مصعب ابن الزبير.
كوفة القبائل :
وبعد أن تمّ تخطيط
الجامع (حيث اعتبر مركز للمدينة الجديدة) التفّ
__________________
حوله الجند الفاتحين من القبائل العربية وهي : (جديلة وقضاعة وهمدان وبجيلة وغسان وخشعم وكندة وحضرموت والأزد وحمير ومذحج
وتميم ورباب وبنو أسد ومحارب وتغلب وأياد وبنو عبد قيس). وأخذت كل قبيلة من هذه
القبائل تنزل في جانب منه ، فأصبحت الكوفة كوفة القبائل ، وحيث قسمت أرباعها
المعروفة ، كلّ ربع الى جانب من الجامع تختصّ به عدّة قبائل ، وكانت أحسنها مكانا
هي تلك الّتي نزلت في الجانب الشرقي منه ، وهي (قبائل اليمن) وذلك لقربه من نهر
الفرات.
وبمرور الزمن ،
تقدّمت الكوفة ، وتطوّرت من مضارب وخيم وصرائف بنيت من (القصب والبردى) الى دور
بنيت (باللبن) وأبوابها بالطابوق فقط ، ثمّ الى دور وقصور شيّدت
بالآجر والطابوق.
كوفة العلم والأدب :
أصبحت الكوفة (مركزا
للعلم والأدب) نتيجة لمركزها السياسي ، حيث أن الامام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام نقل مركز الخلافة الاسلامية من المدينة المنورة الى
الكوفة ، وذلك بعد عودته من حرب (الجمل) في البصرة سنة (٣٦) للهجرة.
__________________
وهاجر الى
الكوفة (إذ هي عاصمة البلاد) كبار المسلمين من مختلف الآفاق ، وسكنتها القبائل
العربية من اليمن والحجاز ، والجاليات الأجنبية الفارسيّة (من المدائن وايران)
فعمرت فيها الأسواق التجارية ، وزهت فيها الدراسات العلمية ، والأبحاث الأدبية
والفقهية ولم تنازعها في ذلك كافّة البلاد الاسلامية الأخرى ، ما
عدا (البصرة) حيث نازعتها الى حدّ ما لتلك المنزلة ، فبدأ التحزّب بين المدينتين
العملاقتين ، وأدّى ذلك التحزّب الى الخلافات في الآراء العلمية والفقهية والأدبية
، وكثرت الأدلّة والحجج بين الطرفين ، واختلفت في التعليم ، وفي قراءة وإعراب كثير
من آيات القرآن الكريم ، وأصبح الناس يسمعون : قال الكوفيون وقال البصريون .
فكانت الكوفة
كما قلنا (كوفة العلم والأدب) أو جامعة الثقافة الاسلامية ، وهذا ما زاد في قيمتها
التأريخية بآثارها العلمية والأدبية ، وبما أنجبت من علماء وأدباء وشعراءهم مفاخر
التاريخ الاسلامي في أهمّ أدوار نهضتها الثقافية.
__________________
ومن الصحابة الّذين هاجروا الى الكوفة ونزلوا فيها :
عمّار بن ياسر
، عبد الله بن مسعود ، سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، خباب ابن الأرث ، سهل بن
حنيف ، حذيفة بن اليمان ، أبو مسعود الأنصارى ، سلمان الفارسي وقرضة بن كعب وغيرهم
كثير.
ومن التابعين :
طارق بن شهاب ، سويد بن غفلة ، مسروق بن الأجدع ، زيد بن صوحان ، كميل بن زياد ،
عبد الرحمن بن معقل ، حصين ابن قبيصة وغيرهم كثير.
النحاة الكوفيون :
فقد اشتهر منهم
: أبو الأسود الدؤلي وأبو جعفر الرواسي وعليّ بن حمزة وأبو زكريا (الفرّاء) وقتيبة
بن مهران ومسلمة بن عاصم ونفطويه والحسن ابن داود وعيسى بن مروان ويعقوب بن اسحاق
وغيرهم كثير .
وقال القاضي
الخليل بن أحمد بن محمّد ذاكرا مدرسة الكوفة النحوية وفضلها عليه :
|
واجعل درسي
من قراءة عاصم
|
|
وحمزة
بالتحقيق درسا مؤكّدا
|
|
واجعل في
النحو الكسائي قدوة
|
|
ومن بعده
الفراء ما عشت سرمدا
|
|
وإن عدت
للحجّ المبارك مرّة
|
|
جعلت لنفسي
كوفة الخير مشهدا
|
|
فهذا اعتقادي
وهو ديني ومذهبي
|
|
فمن شاء
فليبرز ويلقى موحّدا
|
|
ويلقى لسانا
مثل سيف مهند
|
|
يسلّ إذا
لاقى الحسام المهندا
|
__________________
اللغويون الكوفيون :
هم الّذين
اهتموا بجمع اللغة وآدابها ، وأكثرهم حفظا ورواية هم : أبو عمر ابن العلاء التميمي
، وحماد بن هرمز (أبو ليلى) والمفضل بن محمّد الضبي ، وأبو يوسف يعقوب بن اسحاق
السكّيت ، وخالد بن كلثوم الكلبي ، وعبّاس ابن حازم اللخياني ، وأبو عبيد القاسم
بن سلام الخزاعي ، وخشّاب الكوفي ، وأحمد بن يوسف الثعلبي ، والحسن بن داود ،
وداود بن الهيثم ، وعليّ بن حمزة الكسائي وغيرهم .
شعراء الكوفة :
ازدهر الشعر
بالكوفة ، وخاصّة في العصر الأموي ، وأخذ الشعراء والأدباء يزدحمون في مسجد الكوفة
وفي غيره من المساجد والمحافل للمفاخرة والمناظرة ، فأصبحت الكوفة كسوق عكاظ .
ومن جمله
الشعراء الّذين عرفوا بالكوفة هم : المنازل بن الأحنف ، ومرداس بن حذام ، وعمر بن
يزيد بن هلال النخعى ، وحمّاد الراوية ، وعتاب بن قيس الطائي ، ومالك بن أسماء ،
ومعن بن زائدة الشيباني ، وأبو العتاهية ، والطرماح بن حكيم الطائي ، ودعبل بن
عليّ الخزاعي ، والكميت ابن زيد ، وأبو دلامة الأسدي ، وسليمان بن صرد الخزاعي
وأبو الطيب المتنبيّ وغيرهم كثير .
__________________
قال أبو عيينة في (قينة) أحبها بالكوفة :
|
لعمرى لقد
أعطيت بالكوفة المنى
|
|
وفوق المنى
بالغانيات النواعم
|
|
ونادمت أخت الشمس
حسنا فوافقت
|
|
هواي ومثلي
مثلها فلينادم
|
|
وأنشدتها
شعري بدنيا فعربدت
|
|
وقالت : ملول
عهده غير دائم
|
|
فقلت لها يا
ظبية الكوفة اغفري
|
|
فقد تبت مما
قلت توبة نادم
|
|
فقالت : قد
استوجبت منّا عقوبة
|
|
ولكن سنرعى
فيك روح ابن حاتم
|
الخطّ الكوفي :
عند ما انتقل
مركز الخلافة الاسلامية الى الكوفة (كما ذكرت سابقا) انتقلت معه الخطوط المعروفة
آنذاك (بالمدنيّة والمكيّة) الى الكوفة والبصرة ، ثمّ لم تلبث تلك الخطوط طويلا
حتّى عرفت بالعراق (بالخطّ الحجازي) .
وفي الكوفة
اهتمّ المعنيّون بالخطّ ، فتمكّنوا من ابتكار نوع جديد من الخطّ يختلف عن بقية
الخطوط في هندسة أشكاله وصوره عرف (بالخطّ الكوفي) ومن الكوفة انتشر ذلك الخطّ في
أرجاء العالم الاسلامي ، فكتبت به
__________________
المصاحف الشريفة ، وزينت به جدران المباني والمساجد ، ونقش على النقود وعلى
شواهد القبور.
ما قيل في الكوفة :
١ ـ قال الامام
عليّ عليهالسلام وكان في مسجد الكوفة : (يا أهل الكوفة ، لقد حباكم الله
عزوجل بما لم يحب به أحدا ، ففضل مصلّاكم ، وهو بيت آدم ونوح
، وبيت ادريس ، ومصلّى ابراهيم الخليل ، ومصلّى أخى (الخضر) ومصلاي ، وإنّ مسجدكم
هذا هو أحد المساجد الأربعة الّتي اختارها الله عزوجل لأهلها ، وكأني به يوم القيامة في ثوبين أبيضين شبيه
بالمحرم يشفع لأهله ، ولمن صلّى فيه ، فلا ترد شفاعته ، ولا تذهب الأيّام حتّى
ينصب الحجر الأسود فيه ، وليأتين عليه زمان يكون مصلّى (المهدى) من ولدى ،
ومصلّى كلّ مؤمن ، ولا يبقى على الأرض مؤمن الّا كان به ، أو حنّ قلبه إليه ، فلا
تهجرنّ ، وتقربوا الى الله عزوجل بالصلاة فيه ، وارغبوا إليه في قضاء حوائجكم ، فلو يعلم
الناس ما فيه من البركة لأتوه من أقطار الأرض ، ولو حبوا على الثلج).
٢ ـ وقال
الامام عليّ عليهالسلام أيضا : (كأنّى بك يا كوفة ، تمدين مدّ الأديم
__________________
العكاظي ، تعركين بالتوازن وتركبين بالزلازل ، وإنّي لأعلم أنّه ما أراد بك
جبّار سوءا إلّا ابتلاه الله بشاغل ، أو رماه بقاتل).
٣ ـ وقال
الخليفة عمر بن الخطاب : (أعيانى أهل الكوفة ...) إن استعملت عليهم لينا ،
استضعفوه ، وإن وليتهم القوي ، شكوه ، ولوددت أنّي وجدت قويّا ، أمينا ، مسلما ،
استعملته عليهم) .
٤ ـ وقال صعصعة
بن صوحان العبدي : (الكوفة : قبلة الاسلام وذروة الكلام ، ومصان ذوي الأرحام ،
إلّا أنّ بها أجلافا تمنع ذوى الأمر والطاعة ، وتخرجهم عن الجماعة ، وتلك أخلاق
ذوي الهيئة والقناعة) .
٥ ـ وقال ابن
القرية يصف الكوفة أمام الحجّاج : (الكوفة ارتفعت عن حرّ البحر ، وسفلت عن برد الشام ،
وطاب ليلها ، وكثر خيرها).
٦ ـ وقارن
الحجّاج بينها وبين البصرة أمام عبد الملك بن مروان فقال (... أمّا البصرة ، فعجوز
شمطاء ، دخراء ، بخراء ، أتيت من كلّ حلي وزينة ، وأمّا الكوفة ، فشابّة حسناء ،
جميلة ، لا حلي لها ولا زينة).
٧ ـ وقال ابن
حوشب : (مدينة الكوفة ، قريبة من البصرة في الكبر ، هواءها أصح وماؤها أعذب ، وهي
على الفرات ، وبناؤها كبناء البصرة ، وهي خطط لقبائل العرب ، إلّا أنّها خراب
بخلاف البصرة ، لأنّ ضياع الكوفة قديمة جدا وضياع البصرة أحياء موات في الاسلام) .
__________________
٨ ـ والكوفة
كما ذكرها الرحّالة ابن جبير : (هي مدينة كبيرة ، عتيقة البناء ، قد استولى الخراب
على أكثرها ، فالغامر منها أكثر من العامر ، ومن أسباب خرابها قبيلة خفاجة
المجاورة لها ، فهي لا تزال تضرّ بها ، وكفاك تعاقب الليالي والأيّام).
٩ ـ والكوفة
كما وصفها الرحّالة ابن بطوطة : (والكوفة : هي احدى أمّهات المدن العراقيّة ، مثوى
الصحابة والتابعين ومنزل العلماء والصالحين وحضرة عليّ بن أبى طالب أمير المؤمنين
، الّا أنّ الخراب قد استولى عليها ، وفسادها من عرب خفاجة المجاورين لها ، فإنّهم
يقطعون طريقها ، ولا سور عليها ، وبناؤها بالآجر ، وأسواقها حسان ، وأكثر ما يباع
فيها التمر والسمك ، وجامعها الأعظم ، كبير وشريف ... الخ).
(عمال الكوفة) أو (ولاة الكوفة) أو (أمراء الكوفة) كما أسميتهم :
هذه التسميات
أو هذه المصطلحات ، أطلقت على الحكّام الّذين حكموا الكوفة وغيرها عبر العصور
السالفة.
ولعلّ أقدم هذه
التسميات هي (العامل) والّتي أخذت عن الروم ،
__________________
فمنذ سنة (٥٣٦) للميلاد أصبح رئيس أو (شيخ القبيلة) أو (عامل) يسمى) heralyhP (وهذا اللقب العادي الذى يعرف به صاحب السلطة في ولاية بلاد العرب . وكانت سلطة (العامل) آنذاك مقيّدة بسلطة الحكّام
المدنيين والحربيين المعيّنين من قبل السلطة المركزية ، وكان من عادة الروم عند
تعيينهم (العامل) أن تكون عليه مسحة من التمدّن ، وذلك لغرض حراسة حدودهم من
إخوانهم سكان الصحراء .
كما أنّ سلطة
عمّال الروم كانت تتعدّى حدود ولايتهم ، فنرى أنّ الامبراطور (يوستينيان) قد رقّى
الحارث بن جبلة الى رتبة ملك ، وولّاه سلطة على قبائل عربية أخرى ،
وكان غرضه من ذلك أن يكون خصما في وجه المنذر . وكان (العمّال الصغار) الّذين تحت أمرة (العامل الأكبر)
يرجعون إليه في زمن الحرب ، كما ويرجعون إليه في زمن السلم ، وقد تحدث أو (تحصل)
منازعات وحروب فيما بين (العمّال أنفسهم) ، ففى أواسط القرن السادس للميلاد ، نشبت
الحرب بين الحارث بن جبلة وبين (الأسود) وهما عاملين من عمال الروم في سوريا .
أما الأمير :
فهو زعيم الجيش أو الناحيه (الجهه) ونحو ذلك ممّن يوليه
__________________
الامام ، وأصله في اللغة (ذو الأمر) وهو فعيل بمعنى فاعل ،
فيكون أمير بمعنى آمر ، سميّ بذلك لامتثال قومه أمره ، فيقال : أمّر فلان إذا صار
أميرا ، والمصدر / الأمرة ، والإمارة بالكسر ، والتأمير : (توليه الأمور وهي وظيفة
قديمة) .
وعند ظهور
الاسلام ، كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم هو رئيس الدولة ، وكانت بيده جميع السلطات : (التشريعية
والقضائية والتنفيذية). فكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يؤمّ المسلمين في الصلاة ، ويقود الجيوش في الغزوات ،
ويفصل في المنازعات.
ثمّ اتّسع
التنظيم في حياة الرسول الأكرم" صلىاللهعليهوآلهوسلم" فأخذ ينيب عنه بعض (العمّال) والأمراء في بعض
المدن ، والقبائل الكبيرة في كلّ من الحجاز واليمن ، وكانت وظيفة هؤلاء العمّال
تنحصر في : (١) الامامة في الصلاة. (٢) جمع الصدقات. (٣) زكاة الأموال.
ولم تكن لهؤلاء
العمّال أية صفة سياسية ، كما كان صلىاللهعليهوآلهوسلم يختار من عمّاله ممن اشتهر وعرف بالصلاح والتّقوى
والعلم والتفقّه بالدين .
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يحثّ أولي الأمر أن يولّوا على أعمال المسلمين ، أصلح
وأكفأ من يجدونه لذلك العمل ، حتّى قيل عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّه قال : (من ولي أمر المسلمين شيئا ، فولي رجلا ،
وهو يجد من هو أصلح منه ، فقد خان الله ورسوله والمسلمين) .
وهذا أبو ذرّ
الغفاري الصحابي الجليل ، قال للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : (ألا تستعملني يا رسول الله؟). فضرب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بيده الكريمة على منكب
__________________
أبي ذرّ وقال له : (يا أبا ذرّ ، إنّك ضعيف وإنّها أمانة ، وإنّها يوم
القيامة خزي وندامة ، إلّا من أخذها بحقّها) .
وهذا (العبّاس)
عمّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم طلب منه أن يعيّنه (أيضا) عاملا على تلك الأعمال
المفتوحة (وقد نالها من هو دونه) فقال له صلىاللهعليهوآلهوسلم برفق وحنان : (والله يا عمّ ، إنّا لا نولي هذا الأمر
أحدا يسأله ، أو أحدا يحرص عليه) .
وقد طبّق
الرسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم الأسلوب الاستشاري في قيادتة لشؤون الدولة ، فكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يستشير أهل الرأي والبصيرة ، ومن شهد لهم بالعقل والفضل
، امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى حيث قال : (وَشاوِرْهُمْ فِي
الْأَمْرِ).
وأمّا في زمن
الخلفاء الراشدين ، فقد سار أبو بكر على ما كان عليه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فأبقى العمّال الّذين عينهم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والأمراء الّذين أمرهم ، وأضاف اليهم غيرهم ، ثمّ قسّم
الجزيرة العربية الى اثنتي عشرة ولاية وهي : ١) مكّة ٢) المدينة ٣) الطائف ٤)
صنعاء ٥) حضرموت ٦) خولان ٧) زبيد ٨) مرقع ٩) الجند ١٠) نجران ١١) جرش (في اليمن)
١٢) البحرين.
أمّا القادة
الّذين وجّههم أبو بكر الى فتح العراق والشام ، فكان كلّ منهم يولّى على الأراضي
الّتي يفتحونها .
وأمّا الإدارة
في زمن عمر بن الخطاب ، فقد اتسعت الدولة الإسلامية اتّساعا كبيرا (نتيجة للفتوحات
الإسلامية) فقسم الدولة إلى أقسام إدارية كبيرة (ليسهل حكمها والإشراف عليها) ،
فأنشأ الدواوين ، وعيّن الولاة
__________________
والقضاة ، وأوجد نظام الحسبة ، وأنشأ الجيش النظامي وأوجد السجن ، وغير ذلك
من التنظيمات الّتي تتطلبها أيّة دولة عصريّة.
وكانت لعمر
طرقه الخاصّة في اختيار (العمّال) فكان لا يعيّن أميرا إلّا بعد اختيارات واسعة ،
سريّة وعلنيّة ، وبعد أن يسأل عنه ويتأكد من كفاءته وصلاحيته ، وكان يحاسب (العمّال)
أو يحصي أموالهم قبل أن يعيّنهم ، وعند عودتهم يحاسبهم عن الأموال الزائدة (عمّا
كانت عليه سابقا) ، فإن وجد فيها زيادة أخذها منهم.
وكان عمر يشترط
أيضا في (الوالي) توافر الشروط الإنسانيّة ، كالعطف والرحمة ، فقد عزل أحد (الولاة)
لأنّه لم يرحم أولاده . كما كان عمر : يبعث العيون والرقباء على (العمّال)
ليخبروه عن تصرفات (الولاة) ويقبل كلّ شكاية تصل إليه عن الولاة مهما كان مركزهم
الاجتماعي ، وتكون تلك الشكاية سببا لعزل الوالي ، وكان دائما يقول ويكرّر : (من
ظلمه عامله بمظلمة ، فلا إذن له عليّ ، إلّا أن يرفعها اليّ حتّى أقصّه منه) .
كما أنّه كان
لا يتقبّل أيّ شيء يقدّمه (الوالي) إليه ولو كان على سبيل الهديّة ، فقد دخل داره
ذات مرّة ، فوجد فيها (سجّادة صغيرة) فسأل زوجته (عاتكة) (من أين لك هذه السجّادة؟). قالت : أهداها لنا أبو موسى الأشعري. فأوعز عمر
بإحضار الأشعري ، وجيء به في الحال ، فقال له عمر : (ما يحملك على أن تهدي إلينا ،
خذها فلا حاجة لنا فيها) ، ثمّ ضرب رأس الأشعري بها.
__________________
وهذا عليّ بن
أبي طالب عليهالسلام كتب إلى عمّاله على الخراج يقول : (... فانصفوا الناس
من أنفسكم ، واصبروا لحوائجهم ، فإنّكم خزّان الرعيّة ، ووكلاء الأمّة ، وسفراء
الأئمّة ، ولا تحمسوا أحدا عن حاجته ، ولا تحبسوه عن طلبته ، ولا تبيعنّ
للناس في الخراج كسوة شتاء ولا صيف ، ولا دابّة يعتملون عليها ، ولا عبدا ، ولا تضربنّ أحدا سوطا لمكان درهم ،
ولا تمسنّ مال أحد من الناس مصلّ ولا معاهد ، إلّا أن يدع ذلك في أيدي أعداء
الإسلام فيكون شوكة عليه) .
وهذا كتاب آخر
للإمام عليّ عليهالسلام كتبه للأشتر النخعي ، عند ما ولّاه مصر ، ويعتبر من
محاسن الكتب ، نقتبس منه ما يلي :
(بسم الله
الرحمن الرحيم ، هذا ما أمر به عبد الله عليّ أمير المؤمنين (مالك بن الأشتر) في
عهده إليه ، حين ولّاه مصر ، جباية خراجها وجهاد عدوها ، واستصلاح أهلها ، وعمارة
أرضها ...
(... ثمّ اعلم
يا مالك ، أنّي وجهتك إلى بلاد ، قد جرت عليها دول قبلك ، من عدل وجور ، وأن الناس
ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنتظر فيه الولاة قبلك ، ويقولون فيك ، ما كنت
تقوله فيهم ، وإنّما يستدل على الصالحين بما يجزي الله على ألسن عباده ، فليكن
أحبّ الذخائر اليك ، ذخيرة العمل الصالح ، فاملك هواك ، وشحّ بنفسك عمّا لا يحلّ
لك ، فإنّ الشحّ بالنفس الاتّصاف منها ، فيما أحبّت أو كرهت ، واشعر قلبك بالرحمة
للرعية ، والمحبّة لهم ، واللّطف بهم ، ولا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا ، تغتنم أكلهم
، فإنّهم صنفان / إمّا أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق ، يفرط منهم في الزلل
،
__________________
وتعرض لهم العلل ، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ ، فاعطهم من عفوك
وصفحك ، مثل الّذي تحبّ أن يعطيك الله من عفوه وصفحه ، فإنّك فوقهم ، وولي الأمر
عليك فوقك ، والله فوق من ولّاك ، وقد استكفاك أمرهم ، وابتلاك بهم ، ولا تنصبنّ
نفسك لحرب الله ، فإنّه لا يدي لك بنقمته ، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته ، ولا
تندمنّ على عفو ، ولا تبجحنّ بعقوبة.
(... وتفقد أمر
الخراج بما يصلح أهله ، فإن من صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم ، ولا صلاح لمن
سواهم إلّا بهم ، لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله ، وليكن نظرك في عمارة
الأرض ، أبلغ من استجلاب الخراج ، لأن ذلك لا يدرك إلّا بالعمارة ، ومن طلب الخراج
بغير عمارة ، أخرب البلاد ، وأهلك العباد ، ولم يستقم إلّا قليلا.
(.. وإيّاك
والإعجاب بنفسك ، والثقة بما يعجبك منها ، وحبّ الإطراء ، فإنّ ذلك من أوثق فرص
الشيطان في نفسه ، ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين.
(.. وإيّاك
والمنّ على رعيتك ، أو التزيد فيما يكون من فعلك ، أو إن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك
، فإنّ المنّ يبطل الإحسان والتزيّد يذهب بنور الحقّ ، والخلف يوجب المقت عند الله
والناس ، قال الله تعالى : (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) .
هكذا كان
الخلفاء الراشدون (رضياللهعنهم) لا تأخذهم في الله لومة لائم ، همّهم أن يكون
الوالي قدوة حسنة ، لأنّ الوالي يمثّل الخليفة في ولايته ، فإذا كان الوالي لا
يطبّق أحكام الله في ولايته ، فحريّ به أن يتنحّى عن الولاية ، وكان على الخليفة
حريّ به أن يعزله.
__________________
وكان الخلفاء
الراشدون (رضياللهعنهم) يجلسون مع المسلمين على الأرض ، ويتحدّثون معهم ، فلا كراسي
عالية ، ولا عروش ، ولا تيجان ولا طيلسان ، وهذا ضرار بن ضمرة الكناني يصف عليا عليهالسلام في مجلس معاوية ابن أبي سفيان فيقول : (... وكان فينا
كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ، ويبتدئنا إذا أتيناه ، ويأتينا إذا دعوناه) .
وكانت الغنائم
في عهد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي عهد خلفائه الراشدين توزّع على المقاتلين ، وعلى أصحاب
الحقوق ، وعلى تعمير البلاد المفتوحة لا خزائن خاصّة ، ولا بيوتات سوى (بيت مال
المسلمين) الّذي تخزن فيه أموال الناس ، لتعود عليهم مرة ثانية ، لا لتذهب في جيوب
الملوك والأمراء ، والحفدة والشعراء.
وأما الأمراء
في العصر الأموي ، فهم على دين ملوكهم ، فهذا معاوية ابن أبي سفيان ، هو أول خليفة
، بل هو أول (ملك) من ملوك بني أميّة ، فقد ترك السنة النبوية ، وسيرة الخلفاء
الراشدين (بحجج واهية طلاها على خليفة زمانه ، فتشبّه بملوك إلافرنج في مأكلهم
ومشربهم ، وعاداتهم ، وفي جلوسهم على العروش ، وجعل له حجّابا يمنعون الناس من
الدخول عليه إلّا بإذنه ، كما وأمر بسبّ الإمام عليّ (أمير المؤمنين ، وخليفة
المسلمين) على منابر المسلمين ، والنيل منه بشتّى الأساليب والأكاذيب ، حتّى جعل
ذلك فرضا في كلّ خطبة. وقد استنكر ذلك كثير بن كثير بن المطلب السهمي فقال :
|
لعن الله من
يسبّ عليا
|
|
وحسينا من
سوقة وإمام
|
|
أيسبّ
المطّهرون جدودا
|
|
والكرام
الأخوال والأعمام
|
__________________
|
يأمن الطير
والحمام ولا
|
|
يأمن آل رسول
الله عند المقام
|
|
طبت بيتا
وطاب أهلك أهلا
|
|
أهل بيت
النبيّ والإسلام
|
|
رحمة الله
والسلام عليهم
|
|
كلّما قام
قائم بسلام
|
وبقي السبّ
والشتم ردحا من الزمن ، إلى أن قيّض الله له عمر بن عبد العزيز ، فرفع الشتم عنه ،
وفي ذلك قال الشاعر :
|
وليت فلم
تشتم عليا ولم تخف
|
|
بريا ولم
تتبع مقالة مجرم
|
|
تكلمت بالحقّ
المبين وإنّما
|
|
تبيّن آيات
الهدى بالتكلم
|
|
فصدّقت معروف
الّذي قلت بالذي
|
|
فقلت فأضحى
راضيا كلّ مسلم
|
هذا ناهيك عن
الجرائم الّتي ارتكبها معاوية من قتل النفوس البريئة بل النفوس المسلمة المؤمنة ،
فقد قتل حجر بن عدي الكندي وجماعته ، وقد استنكر كافّة المسلمين ذلك العمل
الشنيع ، بما فيهم عائشة (أم المؤمنين) حيث قالت لمعاوية : (أين كان حلمك يا
معاوية) أو (أين غرب حلمك عنهم) . كما وكان معاوية المسبّب في مقاطعة كثير من أصحاب رسول
الله عليهالسلام وحرمانهم من أعطياتهم ، وكان المسبّب في نفي الصحابي
الجليل (أبي ذر الغفاري) إلى الربذة ، وموته فيها ، بعيدا ، ووحيدا ، وبعد أن مسّه
الجوع ، والفقر المدقع.
وهكذا كان سلوك
(الملوك) الّذين جاءوا بعد معاوية ، بل الأمر أدهى وأمرّ ، فقد جاء بعده ابنه (يزيد)
فقتل الحسين ابن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وسبى عياله ، واستباح المدينة (مدينة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم).
__________________
وهذا الوليد بن
يزيد بن عبد الملك ، فتح القرآن الكريم ، فقرأ الآية : (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ
عَنِيدٍ مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ).
فغضب الوليد ،
ومزق المصحف الشريف وقال
|
أتوعد كلّ
جبّار عنيد
|
|
فها أنا ذاك
جبّار عنيد
|
|
إذا لاقيت
ربك يوم حشر
|
|
فقل يا ربّ
مزّقني الوليد
|
وذاك الحجّاج
بن يوسف الثقفي (أحد أمراء بني أميّة على الكوفة) فقد قتل الشيوخ والأطفال والنساء
، وقتل الكثير من العباد والفقهاء ، أمثال سعيد بن جبير ، وكميل بن زياد وغيرهما ،
وقيل : إنّ عدد القتلى الّذين قتلهم الحجّاج قد جاوز المائة وعشرين ألفا ، ما عدا
الّذين قتلوا في حروبه .
كما أنّه (أي
الحجّاج) ضرب الكعبة بالمنجنيق عند محاصرة عبد الله ابن الزبير فقتل عبد الله في
البيت الحرام وقتل معه الكثير من المسلمين .
ونتيجة لانشغال
ملوك بني أميّة بالترف والملذّات ، وإعطاء المبالغ الطائلة للحفدة والشعراء ،
أمروا (ولاتهم) بجمع الأموال من الناس بشتى الطرق ومن يتخلف عن ذلك يكون مصيره الهلاك
، وإذا تخلّف (الوالي) عن جمع المال فمصيره العزل ، وهذا خالد بن عبد الله القسري
، عزل عن إمارة الكوفة لعجزه عن تسديد ما طلب منه من الأموال ، ثمّ بيع إلى يوسف بن عمر بمبلغ خمسين ألف ألف درهم ، فأخذه يوسف
فقتله بعد أن عذّبه أشدّ
__________________
عذاب .
وعند ما سمع
يوسف بن عمر (أثناء توليته الكوفة) بأن الوليد قرّر عزله عن الكوفة ، ذهب إلى
الشام وحمل معه الأموال الطائلة ، والهدايا النفيسة ، وعند ما رأى الوليد ذلك قال
ليوسف : (إذهب إلى عملك) أو (ارجع إلى عملك) .
وأمّا الأمراء
في العصر العبّاسي : فإنّ أمرهم يختلف كثيرا عمّا لاحظناه في العصرين السابقين ،
فقد جاءت الدولة العباسيّة ، على أنقاض الدولة الأمويّة ، فسفكت الدماء الكثيرة (لتوطيد
الحكم) وطورد الأمويّون وراء كل حجر ومدر ، وقال أمين الريحاني عن تلك الفترة : (استولى
العباسيّون على الملك بمذبحة تلتها مذابح في سوريا وفلسطين والعراق ، وقد اقتدى
أربابها بأبي العبّاس السفّاح) .
وقال عبد الله (المحض)
مخاطبا (عبد الله بن عليّ) حينما أراد هذا أن يقتل بني أميّة في الحجاز : (إذا
أسرعت بالقتل في أكفائك ، فمن تباهي بسلطانك ، فاعفو يعفو الله عنك) .
وخطب أبو جعفر
المنصور قائلا :
(أيّها الناس ،
إنّما أنا سلطان الله في أرضه ، أسوسكم بتوفيقه ، وحارسه على ماله ، أعمل فيه
بمشيئته وإرادته ، وأعطيه بإذنه ، فقد جعلني قفلا ، إن
__________________
شاء يفتحني لإعطائكم ، وقسم أرزاقكم ، وإن شاء أن يقفلني عليه فقفلني) .
لذا فقد امتلأت
خزائن بغداد بالأموال وفاضت ، وكانت تلك الأموال من نصيب الخلفاء وأبنائهم ،
ووزرائهم ، والجواري والخصيان ، وكان من نتائج ذلك الترف والنعيم أن كثر المجون ،
وشرب الخمور ، ولعب القمار. أمّا الناس ، وكلّ الناس الآخرين ، بما فيهم أهل
المواهب والكفاءات ، فلهم البؤس والشقاء والحرمان .
وقال أبو
العتاهية مخاطبا خليفة زمانه :
|
من مبلغ عنّي
الإمام نصائحا متواليه
|
|
إنّي أرى
الأسعار ، أسعار الرعيّة عاليه
|
|
وأرى المكاسب
نزوة ، وأرى الضرورة فاشيه
|
|
وأرى غموم
الدهر رائحة ، تمرّ وغاديه
|
|
وأرى اليتامى
والأرامل ، في البيوت الخاليه
|
|
من بين راج
لم يزل يسمو إليك ، وراجيه
|
|
يشكون مجهدة
بأصوات ضعاف عاليه
|
|
يرجون رفدك
كي يروا ، مما لقوه العافيه
|
|
من مصبيات
جوع تمسي وتصبح طاويه
|
|
من للبطون
الجائعات وللجسوم العاريه؟
|
|
ألقيت
أخبارا إليك من الرعية ، شافيه
|
هذه لمحة عابرة
عن المجتمع العبّاسي الاوّل ، أمّا ما تلاه من العصور
__________________
اللّاحقة ، فقد انغمس الخلفاء بالترف والملذّات ، وبناء القصور العالية ،
وشراء الجواري والخصيان ، وإقامة حفلات الغناء.
أمّا (العمّال
، الولاة ، الأمراء) فلم يكونوا أقلّ شأنا من الخلفاء والوزراء في البذخ ، وتكديس
الثروات ، فهذا عليّ بن أحمد الراضي أو (الراسبي) والي (نيسابور والسوس) فقد كان
إيراده السنوي ألف ألف دينار ، وخلّف من آنية الفضة والذهب ما قيمته مائة ألف
دينار ، وما ترك من الخيل والبغال ألف رأس ، ومن الملابس الفاخرة أكثر من ألف ثوب
، ومن السلاح ، والمتاع ، والدور ، والقصور ، لو وزعت على الشعب العبّاسي لسد
حاجتهم ، وما خلّفه من الخدم والغلمان والخصيان لو غزا بهؤلاء مدينة لاحتلها .
وكان الخلفاء
والوزراء يبيعون جباية الخراج ، وباقي الضرائب إلى أشخاص من مواليهم (على سبيل
الالتزام) وكان هؤلاء يتعسفون بالناس ، ويأخذون منهم ، أضعاف أضعاف ما دفعوا.
وأما العلماء
والمفكّرون ، فقد كانوا في عوز وفاقة ، فلم يمدوا أيديهم إلى خليفة ، أو وزير ، أو
أمير ، حتّى اضطرّ أحدهم إلى بيع كتبه ، ليشتري بثمنها خبزا لعياله ، وفي ذلك قال :
|
أنست بها
عشرين حولا وبعتها
|
|
فقد طال وجدي
بعدها وحنيني
|
|
وما كان ظنّي
أنّني سأبيعها
|
|
ولو خلدتني
في السجون ديوني
|
|
ولكن لجوع ،
وافتقار وصبية
|
|
صغار عليهم
تستهلّ جفوني
|
ثمّ تدهور
الحال بالخلفاء ، وأصبحوا ألعوبة بيد أمراء الجيش وقادته ، يعزلون من يشاءون ،
وينصبون من يشاءون ومتى يشاءون ، بل أدّت الحال
__________________
إلى سمل عيون الخلفاء مثل (المستكفي بالله) والى قتل البعض الآخر منهم (كالمقتدر)
و (المتوكل) وغيرهما ، وعمّت الفوضى في كافّة أنحاء البلاد ، وأصبح الاهتمام بجمع
الضرائب كبيرا ، فكانت المساومة قائمة على قدم وساق لمن يريد أن يكون (أميرا) فما
عليه إلّا أن يدفع كثيرا ، وبغضّ النظر عن كفاءته وإخلاصه ، والطرق الّتي يتّبعها
البعض في جباية الأموال ، ومدى تعسفه وظلمه لأهل الولاية .
ثمّ ازداد نفوذ
الأتراك في سياسة البلاد ، إضافة إلى تدخّل النساء وأفراد الحاشية في الحكم ، فقد
عزل (المقتدر بالله) عدة مرات ، ثمّ قتل أخيرا (كما ذكرنا آنفا) ، كما أصبح عزل
وتعيين الوزراء والأمراء خلال أيّام معدودة من الأمور المألوفة ، فقد عيّن سبعة
أمراء على (ماه الكوفة) خلال عشرين يوما .
وعند ما نشط
القرامطة في الكوفة ، أصبح القادة العسكريّون هم الّذين يتولّون منصب ولاية الكوفة
، فقد تولّاها أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان سنة (٣٠٩) للهجرة إضافة إلى ولاية (طريق الحجّ) وهو قائد عسكري.
ثمّ وليها بعده
(ياقوت) و (جعفر بن ورقاء) وغيرهما.
وفي سنة (٣٢٨)
للهجرة استحدثت ولاية جديدة هي (ولاية طريق الكوفة ـ مكّة) وقد عيّن عليها أبو بكر
البرجمالي ، وذلك بعد عزل الحسن ابن هارون ، ثمّ تولّاها (بجكم) بعد عزل (لؤلؤ) .
__________________
وفي منتصف
القرن الخامس الهجري ، وعند دخول السلاجقة إلى بغداد سنة (٤٤٧) للهجرة انتهى منصب (الوالي) في الكوفة ، واستحدثت وظيفة
(المقطع) ثمّ وظيفة (الصدر) ثمّ وظيفة (الناظر) .
وأخيرا انتهت
الدولة العباسيّة في أيّام آخر خليفة عبّاسي هو : (المستعصم بالله) وذلك بدخول
هولاكو إلى بغداد سنة (٦٥٦) للهجرة .
__________________
أمراء الكوفة في عصر الخلافة الراشدة
١ ـ سعد بن أبي وقّاص
هو سعد بن مالك
بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.
أسلم سعد ، وهو
ثالث في الإسلام ، وقد آخا الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بينه وبين مصعب بن عمير ، وقيل بينه وبين سعد بن معاذ . وشهد سعد ، بدرا ، وأحدا ، والخندق ، والحديبيّة ،
وخيبر ، وفتح مكّة ، وشهد المشاهد كلّها مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم .
وقد أرسله
الخليفة عمر بن الخطاب لفتح العراق ، فتمّ على يديه تحرير العراق من السيطرة
الفارسيّة في معركتي القادسيّة والمدائن ، ثمّ استقرّ
__________________
سعد في المدائن.
ولمّا علم عمر
بسوء حالة الجيوش الإسلاميّة في المدائن ، وتغيّر ألوانهم (وذلك لوخومة المناخ
فيها) كتب إلى سعد قائلا : (إنّ العرب لا يوافقها إلّا ما وافق أبلها من البلدان ،
فانزل منزلا بريّا ، بحريّا ، ليس بيني وبينكم بحر ولا جسر) .
فاختار سعد (الكوفة)
بعد أن دلّه عليها ابن نفيلة العسّاني أو (الغسّاني) حيث قال له : (أدّلك على أرض
ارتفعت عن البرّ ، وانحدرت عن الفلاة) . فارتحل سعد من المدائن ، وعسكر في الكوفة في شهر محرم
من سنة (١٧) للهجرة ، وقيل سنة (١٥) للهجرة ، وتمّ تخطيطها وتخطيط مسجدها ، وتخطيط قصر الإمارة ،
وقد خطّط سعد منازل الكوفة للقبائل المختلفة إلى الأقسام التالية ، واعتبر الجامع (مسجد
الكوفة) مركزا لها وهي :
أولا : شمال
الجامع : للقبائل : سليم وثقيف وهمدان وبجيلة وتيم اللات وتغلب.
ثانيا : جنوب
الجامع : للقبائل : بني أسد ، النخع ، كندة ، الأزد.
ثالثا : شرق
الجامع : لقبائل الأنصار ومزينة وتميم ومحارب وأسد وعامر.
رابعا : غرب
الجامع : لقبائل بجالة ، جديلة ، اللفيف ، جهينة.
__________________
ثمّ كتب سعد
إلى عمر : (إنّي قد نزلت بكوفة ، منزلا بين الحيرة والفرات ، بريّا ، بحريّا ،
ينبت الحلي والنصي ... الخ).
وبقي سعد بن
أبي وقّاص أميرا على الكوفة إلى سنة (٢١) للهجرة ، حيث شكاه أهل الكوفة وقالوا : (بأنّ
سعد لا يحسن الصلاة) . فبعث الخليفة عمر إلى الكوفة محمّد بن مسلمة الأنصاري
، فأخذ هذا يسأل الناس عن سعد ، فمنهم من مدحه ، ومنهم من ذمّه ، فعزله عمر ،
وعيّن مكانه (عمّار بن ياسر) وعيّن عبد الله بن مسعود على بيت المال ، وقيل عزل
سعد سنة (٢٠) للهجرة .
ثمّ أعيد تعيين
سعد بن أبي وقّاص أميرا على الكوفة مرّة ثانية سنة (٢٤) للهجرة من قبل الخليفة
عثمان بن عفّان بعد عزل أميرها المغيرة بن شعبة وكان ذلك بناء على وصيّة الخليفة
عمر فإنّه قال (أوصي الخليفة بعدي أن يستعمل سعدا ، فإنّي لم أعزله عن سوء ، ولا
عن خيانة) .
كما أنّ عمر
حينما اختار ستّة رجال من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليكون إليهم اختيار الخليفة الجديد من بعده كان سعد
أحدهم ، وقال عمر لأصحابه ، وهو يوصيهم ، ويودّعهم : (إن وليها سعد فذاك ، وإن
وليها غيره فليستعن بسعد) .
__________________
وفي سنة (٢٦)
للهجرة ، حصل خلاف بين سعد وبين عبد الله بن مسعود في قرض كان
سعد قد اقترضه من بيت المال ، ولم يتمكّن من تسديده ، فغضب عليه الخليفة عثمان بن
عفّان فعزله عن الكوفة وعيّن مكانه الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وقيل عزله سنة (٢٥)
للهجرة ، وولّى جبير ابن مطعم.
وعند ما دخل
الوليد بن عقبة على سعد ، سأله سعد قائلا : (يا أبا وهب .. أمير ، أمّ زائر؟!) ،
فقال الوليد : أرسلوني أميرا.
فقال سعد بدهشة
واستغراب (ما أدري ، أحمقت بعدك ، أمّ كيّست بعدي؟!). ويحكى أنّ حرقة
بنت النعمان بن المنذر ، كانت إذا ذهبت إلى بيعتها يفرش لها الطريق بالحرير والديباج ، حتّى تعود إلى قصرها
، ولمّا هلك النعمان نكبها الزمان ، وأصبحت راهبة ، وعند ما كان سعد في القادسيّة ، ذهبت إليه تطلب مساعدته مع جماعتها ، فلمّا دخلن عليه
لم يعرفهن سعد ، فقال : أفيكن حرقة؟ فأجابته حرقة : نعم يا أمير. فقال لها سعد
باستغراب : أنت حرقة؟!
قالت : نعم.
ثمّ أردفت تقول" (إنّ الدنيا دار زوال ، ولا تدوم على حال ،
__________________
تنتقل بأهلها انتقالا ، وتعقبهم بعد حال حالا ، كنا ملوك هذا المصر ، يجبى
إلينا خراجه ، ويطيعنا أهله ، مدى المدّة وزمان الدولة ، فلمّا أدبر الأمر وانقضى
، صاح بنا صائح الدهر ، فصدع عصانا ، وشتّت شملنا ، وكذلك الدهر يا سعد ، إنّه ليس
يأتي قوما بمسرّة ، إلّا ويعقبهم بحسرة ، ثمّ أنشأت تقول :
|
فينا نسوس
الناس والأمر أمرنا
|
|
إذا نحن فيهم
سوقة ليس نعرف
|
|
فأوف لدنيا
لا يدوم نعيمها
|
|
تقلب ثارات
بنا وتصرف
|
فقال سعد :
قاتل الله عدي بن زيد كان ينظر إليها حيث يقول :
|
إنّ للدهر
صولة فاحذرنها
|
|
لا تبيتن قد
أمنت الدهورا
|
|
قد يبيت
الفتى معافى نعيمها
|
|
ولقد كان
آمنا مسرورا
|
وبينما هي
واقفة أمام سعد ، إذ دخل عمرو بن معد بن يكرب الزبيدي وكان كثير الزيارة لأبيها في
الجاهلية ، فلمّا رآها ، قال لها بدهشة : أنت حرقة؟ قالت : نعم.
فقال لها عمرو
: (فما دهمك فأذهبت محمودات شيمك؟ وأين تتابع نعمتك وسطوات نقمتك؟).
فقالت حرقة : (يا
عمرو ، إنّ للدهر لسطوات وعثرات ، وعبرات تعثر بالملوك وأبنائهم ، فتنزلهم بعد
رفعة ، وتفردهم بعد منعه ، وتذلّهم بعد عزّة ، إنّ هذا لأمر كنّا ننتظره ، فلمّا
حلّ بنا لم ننكره) . فأكرمها سعد ، وأحسن عطائها ، ولمّا خرجت سألتها
النسوة : ماذا أعطاك الأمير؟ فقالت :
|
حاط لي ذمتي
، وأكرم وجهي
|
|
إنّما يكرم
الكريم الكريم
|
وسمع الخليفة
عمر بأنّ سعدا قد بنى دارا له بالكوفة ، يسمّيها الناس
__________________
(قصر سعد) فطلب عمر من محمّد بن مسلمة أن يذهب إلى الكوفة ويحرق باب قصر
سعد ، فذهب ابن مسلمة إلى الكوفة ، وحرق باب القصر ، ولمّا علم سعد بذلك طلب إحضار
الشخص الّذي حرق الباب ، فجاء ابن مسلمة وأعطاه كتابا من عمر جاء فيه : (بلغني
أنّك بنيت قصرا ، اتخذته حصنا ، ويسمّى قصر سعد ، وجعلت بينك وبين الناس بابا ،
فليس بقصرك ، ولكنّه قصر الخبال ، أنزل منه منزلا مما يلي بيوت الأموال وأغلقه ،
ولا تجعل على القصر بابا تمنع الناس من دخوله ، وتنفيهم عن حقوقهم ، ليوافقوا
مجلسك ومخرجك من دارك إذا خرجت) .
وقيل إنّ سعد
بن أبي وقّاص لم يشارك في معركة القادسيّة ، لأنّه كان مريضا ، ولكنه جلس يراقب
المعركة عن كثب.
وكان خليفة بن
عبد قيس بن بوّ قد شارك في حرب القادسيّة فقال :
|
أنا ابن بوّ
أذكره الموت أبو إسحاق
|
|
ومعي مخراقي
أضرب كلّ قدم وساق
|
وقيل إنّ سعد
بن أبي وقّاص ، قد دعا على أهل الكوفة ، فقال : (اللهم لا ترضهم بأمير ، ولا ترضى
أميرا بهم) .
وعند ما بويع
الإمام عليّ عليهالسلام بالخلافة ، بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفّان ، أرسل إلى
سعد بن أبي وقّاص وإلى عبد الله بن عمر بن الخطاب وإلى محمّد بن سلمة ، وقال لهم :
(لقد بلغني عنكم هنات) فقال له سعد : (صدقوا ، لا أبايعك ، ولا أخرج معك حيث تخرج
، حتّى تعطيني سيفا يعرف المؤمن
__________________
من الكافر) .
مات سعد بن أبي
وقّاص في قصره بالعقيق سنة (٥٥) للهجرة ، وكان عمره (٨٣) سنة ، فحمل إلى المدينة ، وصلّى عليه
مروان بن الحكم ، ثمّ دفن بالبقيع وقد ترك من الذهب والفضة الشيء
الكثير. وكان سعد أوّل أمير على الكوفة ، في عصر الخلفاء الراشدين.
٢ ـ محمّد بن مسلمة
الحارثي
هو محمّد بن
مسلمة بن حريش بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن
مالك بن أوس الحارثي الأنصاري ، وكنيته : أبو عبد الله وقيل أبو عبد الرحمن.
استخلفه سعد بن
أبي وقّاص أميرا على الكوفة سنة (١٧) للهجرة .
وكان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أرسله إلى (القرطاء) لمحاربتهم ، ولمّا وصل اليهم ، قتل منهم رجلا واحدا ،
فانهزم الباقون على أثره ، ثمّ رجع إلى المدينة بعد أن غنم في غارته تلك (١٥٠)
بعيرا و (٣٠٠٠) شاة .
وفي سنة (٦)
للهجرة ، أرسله النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى ذي القصّة ، وعددهم مائة رجل فتراشقوا بالرماح ، فسقط محمّد بن
مسلمة جريحا ورجع إلى
__________________
المدينة . وعند ما قتل كعب بن الأشرف ، وقد اشترك في قتله :
محمّد بن مسلمة وأبو عيسى بن جبر ، وعبّاد بن بشر ، ولمّا رآهم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : (أفلحت الوجوه) .
وعند ما بويع
الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام بالخلافة في المدينة كتب إلى ابن مسلمة يدعوه لمبايعته
، فكتب إليه ابن مسلمة قائلا : (إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمرني إذا اختلف أصحابه ، ألّا أدخل فيما بينهم ، وأن
أضرب بسيفي صخر أحد ، فإذا انقطع أقعد في بيتي حتّى يأتيني يد خاطئة ، أو منيّة
قاضيّة ، وقد فعلت ذلك) . ثمّ قعد محمّد بن مسلمة في بيته ، واعتزل الفتنة . كما وكتب معاوية بن أبي سفيان إلى ابن مسلمة ، يدعوه إلى مناصرته في
مطالبته بدم عثمان بن عفّان ، فكتب إليه ابن مسلمة قائلا : (... ولعمري يا معاوية
، ما طلبت إلّا الدنيا ، ولا اتبعت إلّا الهوى ، فإن تنصر عثمان ميتا ، فقد خذلته
حيا ، وما أخرجني الله من نعمة ، ولا صرت إلى شك ، فإن أبصرت خلاف ما نحن عليه
ونحن أنصار النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم .
وكان الّذي كتب
كتاب معاوية إلى مسلمة هو مروان بن الحكم.
ثمّ ختم محمّد
بن مسلمة كتابه بأبيات شعر لشاعر من الأنصار نقتطف منها :
|
أمروان ، دع
هذا وفي الأمر جمجمه
|
|
ولا تطلبنّ
منا جواب ابن مسلمه
|
__________________
|
فإنّك أهيجته
هجت حيّة لهم
|
|
يبادرها
الراقون بالحتف مغرمه
|
|
فهذا لأحداث
الحوادث عدّه
|
|
ونفس يراها
الله للحقّ مسلمه
|
|
وإنّ حدثا
فيه اختلاف وشبهة
|
|
فكانت دماء
المسلمين محرّمه
|
|
فامسك منه
فيه نفسه ولسانه
|
|
حذار أمور
تذهب الدين مظلمه
|
مات محمّد بن
مسلمة في شهر صفر من سنة (٤٣) للهجرة ، وقيل سنة (٤٢) في خلافة معاوية بن أبي سفيان ، وعمره (٧٧)
سنة ، وصلّى عليه مروان بن الحكم ودفن بالبقيع في المدينة.
٣ ـ عبد الله بن
مسعود
هو عبد الله بن
مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم ابن صاحلة بن كاهل بن الحارث بن
تميم ، وكنيته : أبو عبد الرحمن. وهو حليف بني زهرة وابن أختهم .
نشأ ابن مسعود
في مكّة فقيرا ، يرعى الغنم لعقبة بن أبي معيط ، وكان من الأوائل الّذين دخلوا
الإسلام ، إذ كان سادس ستة من الّذين أسلموا واتبعوا الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أينما حلّ وارتحل ، وخاض المعارك مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومع خلفائه الراشدين من بعده ، وحفظ القرآن ، وكان من
فقهاء الصحابة ورواة الحديث ، فعن عامر الشعبي قال أبو موسى الأشعري : (لا تسألوني
عن شيء ما دام هذا الحبر فيكم) ، يعني عبد الله
__________________
ابن مسعود وهو من المهاجرين الأولين ، فقد هاجر الهجرتين .
استخلفه سعد بن
أبي وقّاص (أميرا) على الكوفة سنة (١٩) للهجرة ، وذلك عند ما ذهب إلى جلولاء لسماعه بأنّ الفرس قد
اجتمعوا فيها.
وفي سنة (٢١)
للهجرة استخلفه (أيضا) عمّار بن ياسر ، وذلك عند ذهاب (عمّار) إلى (تستر) لمحاربة الفرس ، وكان ذلك بأمر من الخليفة عمر .
وعند ما جاء
عمّار بن ياسر أميرا على الكوفة ، كان معه عبد الله بن مسعود على بيت مال الكوفة ،
وقد كتب عمر إلى أهل الكوفة يقول : (إنّي والله الّذي لا إله إلّا هو ، قد آثرتكم
به على نفسي ، فخذوا منه وتعلّموا) .
وقال عمر أيضا
: (إنّي بعثت إليكم عمّار بن ياسر أميرا ، وابن مسعود معلما ووزيرا ، وإنّهما لمن
النجباء ، ومن أصحاب محمّد ، ومن أهل بدر) .
ونظر إليه عمر
ذات يوم فقال : (وعاء ملئ علما). وقيل قال : (ملئ فقها).
وقد أحبّه أهل
الكوفة ، حبّا كبيرا ، وأجمعوا على حبّه ، وإجماع أهل الكوفة على حبّ شخص يشبه
المعجزات ، ذلك أنّ أهل الكوفة ، أهل تمرّد
__________________
وثورة ، لا يصبرون على طعام واحد ، ولا يطيقون الهدوء والسلام .
وعند ما أراد
عثمان بن عفّان عزله عن الكوفة ، قال له أهل الكوفة : أقم معنا ولا تخرج ، ونحن
سوف نحميك من أيّ مكروه يصل إليك .
وعند ما كان
عبد الله بن مسعود على بيت مال الكوفة (وكان أمير الكوفة آنذاك الوليد بن عقبة بن
أبي معيط) خرج إلى المسجد وقال : (يا أهل الكوفة ، فقدت من بيت مالكم مائة ألف ،
لم يأتيني بها كتاب من أمير المؤمنين ، ولم يكتب لي بها براءة) . فكتب الوليد بن عقبة إلى عثمان بن عفّان يخبره بذلك ،
فأمر عثمان بعزل عبد الله بن مسعود .
ولمّا رجع عبد
الله بن مسعود إلى المدينة ، حصل خلاف بينه وبين عثمان بن عفّان ، فقطع عنه عثمان
راتبه ومعاشه من بيت المال ، ومع ذلك لم يقل في عثمان كلمة سوء واحدة .
وكان عبد الله
بن مسعود ، قد حفظ القرآن ، وحسن قراءته ، حتّى قال الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم عنه : (من سرّه أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ على
قراءة ابن أمّ عبد) . ودعاه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم يوما وقال له : (إقرأ عليّ يا عبد الله) ، فقال عبد
الله : (أقرأ عليك ، وعليك أنزل يا رسول الله؟!) .
فأخذ ابن مسعود
يقرأ من سورة النساء حتّى وصل إلى قوله تعالى : (فكيف إذا جئنا من كلّ أمّة بشهيد
وجئنا بك على هؤلاء شهيدا. يومئذ
__________________
يودّ الّذين كفروا وعصوا الرسول لو نسوي بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا).
فبكى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وفاضت عيناه بالدموع ، وأشار بيده الكريمة إلى ابن
مسعود : (أن حسبك .. حسبك يا ابن مسعود) .
واجتمع نفر من
الصحابة عند الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام فقالوا له : (يا أمير المؤمنين ما رأينا رجلا كان أحسن
خلقا ولا أرفق تعليما ، ولا أحسن مجالسة ولا أشدّ ورعا من عبد الله بن مسعود ...).
فقال لهم : (نشدتكم
بالله ، أهو صدق من قلوبكم؟ قالوا : نعم.
فقال عليهالسلام : (اللهم إنّي أشهدكم ، .. اللهم إنّي أقول فيه مثل ما
قالوا ، أو أفضل ، لقد قرأ القرآن فأحلّ حلاله ، وحرّم حرامه ، فقيه في الدين عالم
بالسنّة) .
وعبد الله بن
مسعود ، هو وعبد الله بن عبّاس من أوائل المحدثين عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حيث كان ابن مسعود (بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يجلس في مسجد الرسول ويتحدث إلى الناس.
وتمرّ السنون ،
وإذا بعبد الله بن مسعود ، يمنع من التحدّث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقال أبو عمرو الشيباني (مسروق) : (كنت أجلس إلى ابن
مسعود حولا ، لا يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : هكذا ، أو نحو ذا ، أو شبه ذا) .
وعند ما ذهب
عبد الله بن مسعود مع جماعته من أهل العراق إلى مكّة لأداء العمرة ، وإذا بجنازة
مطروحة على الطريق وبجانبها غلام ، فناداهم الغلام هذا أبو ذر الغفاري صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأعينونا على دفنه ،
__________________
فأخذ عبد الله بن مسعود يبكي ، ويقول (صدق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث قال : (تمشي وحدك وتموت وحدك ، وتبعث وحدك) ، ثمّ نزل هو وأصحابه فدفنوه.
ومن أقوال عبد
الله بن مسعود وأحاديثه المشهورة (المأثورة) :
١ ـ "
ينبغي لحامل القرآن ، أن يعرف بليله إذا الناس نائمون ، وبنهاره إذا الناس فرحون ،
وببكائه إذا الناس يضحكون ، وبصحته إذا الناس يخلطون ، وبخشوعه إذا الناس يختالون
، وينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا ، ولا غافلا ، ولا صخّابا ولا صيّاحا ولا
حدبدا" .
٢ ـ "
إنّكم في ممرّ اللّيل والنهار ، في آجال منقوصة ، وأعمال محفوظة ، والموت يأتي
بغتة ، من زرع خيرا يوشك أن يحصد رغبته ، ولا يسبق بطيء بخطه ، ولا يدرك حريص ما
لم يقدّر له ، فمن أعطي خيرا ، فالله تعالى أعطاه ، ومن وقي شرّا ، فالله تعالى
وقاه ، المتّقون سادة ، والفقهاء قادة ، ومجالستهم زيادة" .
٣ ـ "
حدّث الناس ما حدجوك بأبصارهم ، وأذنوا لك بأسماعهم ، ولحضوك بأبصارهم ، وإذا رأيت
منهم جفوة فامسك" .
__________________
٤ ـ "
ليسعك بيتك ، واكفف لسانك ، وابك على خطيئتك" .
٥ ـ " مثل
الإسلام والسلطان والناس ، مثل الفسطاط ، والعمود ، والأطناب والأوتاد ، فالفسطاط
: الإسلام ، والعمود : السلطان ، والأطناب والأوتاد : الناس ، ولا يصلح بعضها إلّا
ببعض" .
وفي هذا المعنى
قال الأفوه الأودي :
|
لا يصلح
الناس فوضى لاسراة لهم
|
|
ولا سراة إذا
جهّالهم سادوا
|
|
والبيت لا
يبتني إلّا له عمد
|
|
ولا عماد إذا
لم ترس أوتاد
|
|
فإن تجتمع
أوتاد وأعمدة
|
|
يوما فقد
بلغوا الأمر الّذي كادوا
|
٦ ـ "
إنّ الرجل ليدخل على السلطان ، ودينه معه ، فيخرج وما معه دينه. فقيل له : وكيف
ذاك؟ يا أبا عبد الرحمن؟ قال : يرضيه بما يسخط الله منه" .
٧ ـ " ليس
من الناس أحد ، إلّا وهو ضيف على الدنيا ، وماله عارية ، فالضيف مرتحل ، والعارية
مردودة" .
٨ ـ " إنّ
الرجل لا يولد عالما ، وإنّما العلم بالتعلّم" .
ومن هذا القول
، قال الشاعر :
|
تعلم فليس
المرء يخلق عالما
|
|
وليس أخو علم
كمن هو جاهل
|
وقال آخر :
|
العلم يحيي
قلوب الميتين كما
|
|
تحيا البلاد
إذا ما مسّها المطر
|
__________________
|
والعلم يجلو
العمى عن قلب صاحبه
|
|
كما يجلى
سواد الظلمة القمر
|
ولمّا مرض عبد
الله بن مسعود ، مرضه الّذي مات فيه ، جعل الزبير بن العوام ، وابنه عبد الله
وصيّا له ، وقال : (إنّهما في حلّ وبلّ فيما وليا من ذلك ، وقضيا في ذلك ، لا حرج
عليهما في شيء منه ، وإنّه لا تزوج امرأة من بناته إلّا بعلمهما ولا يحجز ذلك عن
امرأته زينب بنت عبد الله الثقفية ، وأن يدفن عند قبر عثمان بن مضعون) .
مات عبد الله
بن مسعود بالمدينة ، وأوصى أن يصلّي عليه الزبير بن العوام . وقيل لمّا مات عبد الله بن مسعود ، صلى عليه عمّار بن
ياسر ، وكان عثمان غائبا ، ولمّا عاد عثمان ورأى قبر ابن مسعود ، قال لمن هذا
القبر؟ فقيل له : إنه قبر عبد الله بن مسعود ، فقال : كيف دفنتموه دون علمي؟ فقيل
له : إنّ عمّار بن ياسر قد تولّى أمره. وقيل إنّ ابن مسعود أوصى بأن لا يخبر عثمان
بموته .
وقيل مات عبد
الله بن مسعود بالمدينة سنة (٣٢) للهجرة ، وصلّى عليه الزبير بن العوّام (حسب وصيته) ودفن وعمره
(٦٠) سنة.
وقيل مات عبد
الله بالمدينة سنة (٣٦) للهجرة . وبعد وفاة عبد الله ابن مسعود ، ذهب الزبير بن العوام
إلى عثمان بن عفّان ، وقال له : (اعطني عطاء عبد الله بن مسعود ، فأهل عبد الله
أحوج إليه من بيت المال). فأعطاه خمسة عشر ألف درهم. وقيل عشرين ألف درهم .
__________________
٤ ـ عبد الله بن عبد
الله بن عتبان
وعبد الله بن
عبد الله هو من وجوه الأنصار وأشراف الصحابة ، وكان حليفا لبني حبلى من بني أسد . استخلفه سعد بن أبي وقّاص أميرا على الكوفة سنة (٢١)
للهجرة ، وذلك عند ما ذهب سعد إلى المدينة لمواجهة الخليفة عمر
بن الخطاب ، وقيل استخلفه سعد سنة (١٩) للهجرة.
وكان أهل
الكوفة قد أخبروا الخليفة عمر بن الخطاب (بأنّ سعدا لا يحسن الصلاة) فبعث محمّد بن
مسلمة ليتحقق من شكوى أهل الكوفة ، وعند ما جاء مسلمة إلى الكوفة ، أخذ يتحقق في
الأمر ، ثمّ رجع إلى المدينة ومعه سعد بن أبي وقّاص ، والّذين شكوا أمر سعد ، وعند
ما وصل سعد إلى المدينة سأله عمر قائلا : (من خليفتك يا سعد على الكوفة؟). فقال
سعد : (عبد الله بن عبد الله بن عتبان) فأقرّه عمر .
وأثناء تولية
عبد الله بن عتبان إمارة الكوفة ، كان الفرس قد تجمعوا في نهاوند ، ولمّا علم
الخليفة عمر بذلك جمع المسلمين ، وخطب فيهم قائلا : (إنّ هذا يوم له ما بعده من
الأيّام فتكلّموا) .
فقام عثمان بن
عفّان ، فقال : (أرى يا أمير المؤمنين ، أن تكتب إلى أهل الشام ، فيسيروا من شامهم
، وتكتب إلى أهل اليمن فيسيروا من يمنهم ، ثمّ تسير أنت بأهل هذين الحرمين إلى المصرين ، فتلقى جمع المشركين
__________________
بجمع المسلمين ، فإنّك إذا سرت بمن معك ، ... وكنت أعزّ عزّا ، وأكثر يا
أمير المؤمنين ، إنّك لا تستبقي من نفسك بعد العرب باقية ، ولا تمتنع من الدنيا
بعزيز ، ولا تلوذ منها بحريز ، إنّ هذا اليوم له ما بعده من الأيّام ، فأشهده
برأيك وأعوانك ولا تغب عنه) .
ثمّ قام الإمام
عليّ بن أبي طالب عليهالسلام فقال : (أما بعد ، يا أمير المؤمنين ، فإنّك إن شخّصت
أهل الشام من شامهم ، سارت الروم إلى ذراريهم ، وإن شخّصت أهل اليمن من يمنهم ،
سارت الحبشة إلى ذراريهم ، وإنك إنّ شخّصت من هذه الأرض ، انتفضت عليك الأرض من
أطرافها وأقطارها ، حتّى يكون ما تدع من وراءك ، أهم إليك مما بين يديك من العورات
والعيالات ، أفرر هؤلاء في أمصارهم ، واكتب إلى البصرة ، فليتفرّقوا إلى ثلاث فرق
، فلتقم فرقة لهم في حرمهم وذراريهم ، ولتقم فرقة في أهل عهدهم لئلا ينتفضوا عليهم
، ولتسر فرقة إلى إخوانهم بالكوفة مددا لهم ، إنّ الأعاجم إن ينظروا إليك غدا
قالوا : هذا أمير العرب وأصل العرب ، فكان ذلك أشدّ لكلبهم ، وألّبتهم على نفسك ،
وأمّا ما ذكرت من مسير القوم ، فإن الله هو أكره لمسيره منك ، وهو أقدر على تغيير
ما يكره ، وأمّا ما ذكرت من عددهم ، فإنّا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة ،
ولكّننا كنّا نقاتل بالنصر) . فقال عمر : أجل والله.
ثمّ اختار عمر
قائدا للجيوش ، وكتب إلى عبد الله بن عبد الله بن عتبان (أمير الكوفة)
أن يستنفر أهل الكوفة مع النعمان والذهاب إلى نهاوند.
__________________
وبعد معارك
دامية بين المسلمين والفرس ، انتصر المسلمون ، ودخلوا مدينة نهاوند ، وما حولها ،
واستولوا على جميع ما في المدينة ، ثمّ قسّم حذيفة ابن اليمان الغنائم بين الناس ،
فكان سهم الفارس ستة آلاف وسهم الراجل : ألفين ، وما بقي من الأخماس ، أعطيت إلى
السائب بن الأقرع ، وهذا بدوره يرسله إلى الخليفة في المدينة ، وقد سمّي يوم
نهاوند ب (فتح الفتوح) سمّاه بذلك أهل الكوفة .
وكان عبد الله
بن عتبان أميرا على أحد الجيوش الّتي فتحت كرمان ومكران .
ثمّ عزل عبد
الله بن عتبان عن إمارة الكوفة ، عزله الخليفة عمر ، وولّى بعده زياد بن حنظلة . سنة (٢١) للهجرة.
٥ ـ زياد بن حنظلة
وهو زياد بن
حنظلة التميمي ، العمري ، حليف بني عبد بن قصي ، وهو من المهاجرين ومن أجلاء
الصحابة.
ولّاه الخليفة
عمر بن الخطاب إمارة الكوفة سنة (٢١) للهجرة ، وذلك بعد عزل عبد الله بن عبد الله بن عتبان عنها ،
فبقي على إمارة الكوفة مدّة قصيرة طلب بعدها من الخليفة إعفاءه من منصبه ، فعزله
عمر ، وعيّن مكانه عمّار بن ياسر .
__________________
وقيل استخلفه
سعد بن أبي وقّاص أميرا على الكوفة سنة (١٨) للهجرة ، وكان زياد بن حنظلة قاضيا للكوفة ، وذلك بعد إعفاء
سلمان وعبد الرحمن ابني ربيعة ، ولحين مجيء عبد الله بن مسعود من حمص .
وكان ذلك في
أواسط إمارة سعد بن أبي وقّاص على الكوفة.
وقد شارك زياد
بن حنظلة مع أبي بكر الصدّيق حروب الردّة سنة (١١) للهجرة وقال شعرا :
|
أقمنا لهم
عرض الشمال فكبكبوا
|
|
كبكبة الغزى
أناخوا على الوغر
|
|
فما صبروا
للحرب عند قيامها
|
|
صبيحة يسمو
بالرجال أبو بكر
|
|
طرقنا بني
عبس بأدنى نباجها
|
|
وذبيان فنهنا
بقاصمة الظهر
|
وفي معركة
اليرموك سنة (١٣) للهجرة ، كان زياد بن حنظلة أحد قادة الكراديس فيها . وفي معارك المسلمين مع الروم في خلافة عمر بن الخطاب
قال زياد سنة (١٥) للهجرة :
|
تذكرت حرب
الروم لمّا تطاولت
|
|
وإذ نحن في
عام كثير نزائله
|
|
وإذ نحن في
أرض الحجاز وبيننا
|
|
مسيرة شهر
بينهن بلابله
|
|
وإذا أرطون
الروم يحمي بلاده
|
|
يحاوله قرم
هناك يساجله
|
|
فلمّا رأى
الفاروق أزمان فتحها
|
|
سما بجنود
الله كيما يصاوله
|
|
فلمّا أحسّوه
وخافوا صواله
|
|
أتوه وقالوا
أنت ممن نواصله
|
وفي أول خلافة
الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام سنة (٣٦) للهجرة ،
__________________
طلب جماعة من الناس من زياد بن حنظلة ، أن يذهب إلى الإمام عليّ عليهالسلام لمعرفة خطوط سياسته ، ولمّا دخل حنظلة على الإمام عليّ عليهالسلام طلب منه أن يغزو الشام ، فقال له زياد : (الأناة والرفق
أمثل) ثمّ قال أيضا :
|
ومن لا يصانع
في أمور كثيرة
|
|
يضرس بأنياب
ويوطأ بمنسم
|
فأجابه الإمام
عليّ عليهالسلام :
|
متى تجمع
القلب الذكي وصارما
|
|
وأنفا حميما
تجتنبك المظالم
|
ولمّا خرج زياد
من عند الإمام عليهالسلام سأله القوم : (ما وراءك؟). فقال لهم : (السيف يا قوم).
ولمّا رأى زياد
بن حنظلة ، تثاقل القوم ، وعدم رغبتهم في القتال قال لعلي عليهالسلام : (من تثاقل عنك ، فإنا نخفّ معك ونقاتل دونك) .
٦ ـ عمّار بن ياسر
هو عمّار بن
ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين ابن الوذيم بن ثعلبة بن عوض بن
حارثة بن عامر الأكبر بن يام بن عنس ابن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب ، العنسي ، الشامي ، الدمشقي ، وكنيته : أبو اليقظان.
ولّاه الخليفة
عمر بن الخطاب إمارة الكوفة سنة (٢١) للهجرة ، وذلك بعد عزل زياد بن حنظلة ، وجعل
عبد الله بن مسعود على بيت المال .
__________________
إنّ عمّار بن
ياسر ، لم يكن أميرا من أمراء الكوفة ، الّذين نحن بصددهم ، وإنّما كان باستثناء (عليّ
وابنه الحسن عليهماالسلام) أميرا بإيمانه ، وبصلاحه وتقواه.
جاء أبوه (ياسر)
وعمّاه (الحارث ومالك) من اليمن إلى مكّة ، يبحثون عن أخ لهم قد فقدوه ، فرجع
عمّاه (الحارث ومالك) إلى اليمن ، وبقي (ياسر) بمكّة فحالف أبا حذيفة المغيرة بن
عبد الله ، ثمّ زوجه أبو حذيفة من أمة يقال لها (سمية بنت خباط) فولدت له عمّارا ،
فأعتقه أبو حذيفة .
وكان عمّار من
السابقين في الإسلام ، هو وأبوه وأمّه وكان إسلامه وإسلام صهيب في وقت واحد في دار
الأرقم بن أبي الأرقم.
وقد تحمّلت
أمّه (سميّة) أنواع العذاب في سبيل إسلامها ، وقد قتلها أبو جهل ، فكانت حقّا أوّل
شهيدة في الإسلام .
وكان الرسول
الأكرم ، يذهب إلى المكان الّذي يعذّب فيه آل ياسر ، فيحييهم ، ويكبّر صمودهم
وبطولتهم ، ويقول لهم : (صبرا آل ياسر ، فإن موعدكم الجنّة) .
وذهب إليهم
الرسول الكريم ذات يوم (كعادته) فناداه عمّار قائلا : يا رسول الله ، لقد بلغ منّا
العذاب كلّ مبلغ ، فناداه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : (صبرا .. أبا اليقظان صبرا آل ياسر ، فإن موعدكم
الجنّة) .
وأخذ المشركون
يعذبون عمّارا ذات يوم ، ولم يتركوه حتّى نال من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولمّا جاء الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم يتفقده ، قال عمّار : (يا رسول الله ،
__________________
والله ما تركوني حتّى نلت منك ، وذكرت آلهتهم بخير). فقال له الرسول الكريم
صلىاللهعليهوآلهوسلم : (فكيف تجد قلبك؟. فقال عمّار : مطمئن بالإيمان. فقال
النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : فإن عادوا فعد).
ثمّ نزلت الآية
الشريفة : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ
وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) ، فالمقصود بالآية الشريفة هو عمّار بن ياسر .
وكان رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يحبّ عمّارا ، حبّا عظيما ، ويباهي أصحابه بإيمانه
وهديه ، حتّى قال عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (إنّ عمّارا مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه) . وقيل : إلى أخمص قدميه.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : (من عادا عمّارا ، عاداه الله ، ومن أبغض عمّارا ،
أبغضه الله) ، وعن أنس بن مالك : قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : (إنّ الجنّة تشتاق إلى ثلاثة : عليّ وعمّار وسلمان) .
وعن عائشة
أنّها قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (ما خيّر عمّار بين أمرين إلّا اختار أرشدهما) .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : (واهتدوا بهدي عمّار) إلى كثير من الأحاديث الشريفة
عنه.
وشارك عمّار في
المعارك كلّها مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهاجر الهجرتين ، وروى عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الأحاديث الكثيرة ، وشهد قتال اليمامة في خلافة أبي بكر
، فذهب إلى صخرة ، ونادى : يا معشر المسلمين ، أمن الجنّة تفرّون؟ : اليّ ،
__________________
إليّ ، أنا عمّار بن ياسر ، وقطعت أذنه ، وهو يقاتل قتال الأبطال .
وعند ما كان
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه يبنون المسجد بالمدينة ، ارتجز الإمام عليّ عليهالسلام أنشودة راح الكلّ يرددها :
|
لا يستوي من
يعمر المساجدا
|
|
يدأب فيها
قائما وقاعدا
|
|
ومن
يرى عن الغبار حائدا
|
وكان عمّار بن
ياسر يعمل في جانب آخر من المسجد ، وهو يردّد الأنشودة حاملا الحجارة الثقيلة من منحتها إلى محل البناء ، فيراه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فيقترب منه ، وينفض الغبار (بيده الشريفة) عن رأس عمّار
، ويتأمّل في وجهه ، ويقول على ملأ من الناس : (ويح ابن سميّة تقتله الفئة الباغية)
.
وحينما حاصر
المسلمون (الهرمزان) سنة (٢٠) للهجرة في مدينة (تستر) لعدّة شهور ، كان (أبو
سبرة) قائدا لجيش الكوفة والبصرة ، ولم يتمكن من احتلالها (لأنّها كانت محصّنة)
ثمّ ذهب أبو موسى الأشعري مع جند من أهل البصرة لمساعدة (أبي سبرة) واشتدّ القتال
وطال الحصار ، ولكنهم لم يتمكّنوا من احتلال المدينة ، فكتب أبو موسى الأشعري إلى
الخليفة عمر يخبره بذلك ، فكتب عمر إلى عمّار بن ياسر (أمير الكوفة آنذاك) يأمره
بالذهاب إلى (تستر) لمساعدة الجيوش الإسلامية المتواجدة
__________________
هناك ، وأن يستخلف على الكوفة عبد الله بن مسعود . وعند ما وصل عمّار إلى (تستر) استبشر المسلمون خيرا ،
ولم تمض سوى سويعات ، حتّى دخل المسلمون (تستر) واستولوا عليها ، وعلى ما فيها من
أموال ، استسلم (الهرمزان) وجيء به أسيرا إلى المدينة .
وخطب عمّار
يوما فأوجز في خطبته ، فقيل له : لو زدتنا يا أبا اليقظان ، فقال : (أمرنا رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بإطالة الصلاة ، وقصر الخطب) .
ثمّ نقم أهل
الكوفة على عمّار بن ياسر وأبغضوه ، حتّى اجترأ عليه (عطارد) وقال له : (أيّها
العبد الأجدع). وشكوه إلى الخليفة عمر ، وقالوا : (إنّه لا يحتمل ما هو فيه ،
وإنّه ليس بأمين ، وإنّه غير كاف ، وغير عالم بالسياسة ، ولا يدري على ما استعملته)
. فعزله عمر سنة (٢٢) للهجرة ، ودعاه إلى المدينة ، وقال له : هل أساءك
العزل يا عمّار؟ فأجابه عمّار : (ما سرّني حين استعملت ، ولكن ساءني حين عزلت) . ثمّ عيّن أبو موسى الأشعري أميرا على الكوفة خلفا
لعمّار ، بناء على رغبة أهل الكوفة .
وكان عمّار بن
ياسر (أمير الكوفة) قدوة لكل أمير ، فقد ازداد ورعا ، وزهدا ، وتواضعا ، حتّى قال
فيه ابن أبي الهذيل : (رأيت عمّار بن ياسر ، وهو أمير الكوفة ، يشتري من قيثائها ،
ثمّ يربطها بحبل ، ويحملها فوق ظهره ، ويمض إلى داره) .
__________________
وتمرّ الأعوام
، فتظهر الفتن والحروب ، وتتعدد اتجاهات الصحابة ، ويتمرد معاوية بن أبي سفيان في
الشام على الخليفة الجديد (عليّ بن أبي طالب) وأخذ ينازعه حقّه في الخلافة والأمر
، فانحاز قسم من الصحابة إلى جانب معاويه ووقف قسم آخر إلى جانب عليّ (صاحب البيعة
، وخليفة المسلمين) .
أمّا عمّار :
فقد وقف إلى جانب عليّ ، لا متحيّزا ولا متعصّبا ، بل للحقّ مذعنا ، وللعهد حافظا.
وجاء يوم صفّين
، وخرج الإمام عليّ عليهالسلام ، يواجه الموقف ، الّذي اعتبره تمرّدا يحمل هو مسؤوليته
، وخرج معه عمّار ، وكان عمره يومئذ (٩٣) سنة ، وكان عمّار قد أبدى وجهة نظره في
هذه الحرب فقال : (أيّها الناس ، سيروا بنا نحو هؤلاء القوم ، الّذين يزعمون أنّهم
يثأرون لعثمان ، والله ما قصدهم الأخذ بثأره ، ولكّنهم ذاقوا الدنيا واستمرأوها ،
وعلموا أنّ الحقّ بينهم وبين ما يتمرّغون فيه من شهواتهم ، ودنياهم ، وما كان
لهؤلاء سابقة في الإسلام ، يستحقون بها طاعة المسلمين لهم ، ولا الولاية عليهم ،
ولا عرفت قلوبهم من خشية الله ما يحملهم على اتّباع الحقّ ، وأنهم ليخادعون الناس
بزعمهم أنّهم يثأرون لدم عثمان ، وما يريدون إلّا أن يكونوا جبابرة وملوكا) .
ثمّ أخذ الراية
بيده ورفعها عاليا فوق الرؤوس ، وصاح في الناس قائلا : (والّذي نفسي بيده ، لقد
قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وها أنذا أقاتل بها اليوم ، والّذي نفسي بيده ، لو
هزمونا ، حتّى يبلغوا بنا سعفات
__________________
هجر ، لعلمت أنّنا على الحقّ ، وأنّهم على الباطل) . ولقد تبع الناس عمّارا ، وآمنوا بصدق قوله.
وقال أبو عبد
الرحمن السلمي : (شهدنا مع عليّ عليهالسلام" صفّين" ، فرأيت عمّار بن ياسر ، لا يأخذ
ناحية من نواحيها ، ولا من أوديتها ، إلّا ورأيت أصحاب محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم يتبعونه كأنّه علم لهم) .
وكان عمّار ،
وهو يجول في المعركة ، يؤمن أنّه واحد من شهدائها ، وكانت نبوة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أمام عيينة : (تقتل عمّارا الفئة الباغية) ، لذلك نراه
يندفع في المعركة ، وصوته يغرّد : (اليوم ألقى الأحبّة محمّدا وصحبه) ، ثمّ يتوجّه
نحو معاوية وهو يقول :
|
نحن ضربناكم
على تنزيله
|
|
واليوم
نضربكم على تأويله
|
|
ضربا يزيل
الهام عن مقيله
|
|
ويذهل الخليل
عن خليله
|
|
أو
يرجع الحقّ إلى سبيله
|
عندها اندفع
أصحاب معاوية نحو عمّار (كالذئاب الكاسرة مكشرين أنيابهم) فأحاطوا به من كلّ جانب
، وأردوه قتيلا ، فذهب إليه الإمام عليّ عليهالسلام فحمله على صدره ، ثمّ صلّى عليه ، ودفنه بثيابه ، كان
ذاك سنة (٣٧) للهجرة ، وكان أهل الشام يسمّون يوم قتل عمّار : (فتح الفتوح).
وفي قتله قال
الحجّاج بن عزية الأنصاري قصيدة نقتطف منها
__________________
الأبيات التالية :
|
يا للرجال
لعين دمعها جاري
|
|
قد هاج حزني
أبو اليقظان عمّار
|
|
أهوى إليه
أبو حوا فوارسه
|
|
يدعو السكون
وللجيشين اعصار
|
|
فاختلّ صدر
أبي اليقظان معترضا
|
|
للرمح ، قد
وجبت فينا له الدار
|
|
الله عن
جمعهم لا شكّ كان عفا
|
|
أتت بذلك
آيات وآثار
|
|
من ينزع الله
غلّا من صدورهم
|
|
على الأسرة
لم تمسسهم النار
|
|
قال النبيّ
له : تقتلك شرذمة
|
|
سيطت لحومهم
بالبغي فجّار
|
|
فاليوم يعرف
أهل الشام أنّهم
|
|
أصحاب تلك
وفيها النار والعار
|
عندها عرف
المسلمون من هي الفئة الباغية ، ومن هي الّتي تقتل عمّارا والّتي أنبأهم بها
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إنّها فئة معاوية.
٧ ـ عبد الله بن
مسعود
استخلفه عمّار
بن ياسر أميرا على الكوفة سنة (٢٠) للهجرة ، وذلك عند ذهاب عمّار إلى (تستر) ، ثمّ
عزل ابن مسعود عن إمارة الكوفة عزله عمر بن الخطاب ، وعيّن مكانه أبو موسى
الأشعري.
٨ ـ أبو موسى الأشعري
واسمه عبد الله
بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب بن عامر بن عمر بن بكر بن عامر بن عدد بن وايل بن
ناجبة بن الجماهر بن أشعر ، وقد تزوّج أبو موسى بأمّ كلثوم بنت الفضل بن العبّاس
بن عبد المطلب فولدت
__________________
له موسى ، وبه كان يكّنى .
ولّاه الخليفة
عمر بن الخطاب إمارة الكوفة سنة (٢٢) للهجرة ، وذلك بعد عزل عمّار بن ياسر ، فبقي سنة واحدة على
إمارة الكوفة ، ثمّ عزله عمر ، وولّاه إمارة البصرة .
ثمّ أعيد
تعيينه أميرا على الكوفة سنة (٣٤) للهجرة من قبل الخليفة عثمان بن عفّان ، وذلك بعد عزل سعيد بن
العاص ، وبقي أميرا على الكوفة إلى خلافة الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام حيث عزله عنها في أوائل سنة (٣٦) للهجرة .
وكان أبو موسى
الأشعري ، واليا لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ ، وقيل إنّ أول من لقّب
عمر بن الخطاب (بأمير المؤمنين) هو عدي بن حاتم الطائي ، وأول من دعى له بهذا
الإسم على المنبر هو أبو موسى الأشعري .
وأبو موسى
الأشعري : هو أول من كتب إلى عمر : (إلى عبد الله ، أمير المؤمنين من أبي موسى).
فقال عمر : (إنّي لعبد الله ، وإنّي لعمر ، وإنّي لأمير المؤمنين والحمد لله رب
العالمين) .
ويروى عن
الإمام عليّ عليهالسلام أنّه قال في أبي موسى الأشعري : (صبغ
__________________
بالعلم صبغا ، وسلخ منه سلخا) . وقيل إنّه قال : (صبغ بالعلم صبغة ، ثمّ خرج منه) .
وسئل عمّار بن
ياسر عن أبي موسى الأشعري فقال : (لقد سمعت فيه من أبي حذيفة بن اليمان ، قولا عظيما ، سمعته يقول : (صاحب البرنس الأسود) .
وأما المعتزلة
، فيعتبرونه من أهل الكبائر ، وحكمه حكم أمثاله ممّن واقع كبيرة ومات عليها. وروي
عن سويد بن غفلة أنّه قال : (كنت مع أبي موسى على شاطئ الفرات في خلافة عثمان ،
فروى لي خبرا ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : (إنّ بني إسرائيل اختلفوا ، فلم يزل الاختلاف
بينهم ، حتّى بعثوا حكمين ضالّين ، ضلّا ، وأضلّا من اتبعهما ، ولا ينفكّ أمر
أمّتي حتّى يبعثوا حكمين يضلّان ، ويضلّان من تبعهما) .
فقلت له : (احذر
يا أبا موسى أن تكون أحدهما فخلع قميصه وقال : (أبرأ إلى الله من ذلك ، كما أبرأ
من قميصي هذا) .
وبعد التحكيم
لقيه سويد بن غفله ، فقال له : (إنّ الله إذا قضى أمرا لم يغالب عليه) . وقيل إنّه قال له : (يا أبا موسى ، أتذكر مقالتك؟).
قال : (سل ربّك العافية).
__________________
وعند ما بويع
الإمام عليّ عليهالسلام بالخلافة سنة (٣٦) بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفّان ،
جاء أهل الكوفة إلى أبي موسى الأشعري ، وقالوا له : (لم لم تبايع عليّا ، وتدعو
الناس إلى مبايعته ، وقد بايعه المهاجرون والأنصار؟).
فقال أبو موسى
: (حتّى أنظر ما يكون ، وما يصنع الناس بعد هذا). فقال رجل من أهل الكوفة أبياتا
مطلعها :
|
أبايع غير
مكترث عليّا
|
|
ولا أخشى
أميرا أشعريا
|
|
أبايعه وأعلم
أنّ سأرضي
|
|
بذاك الله
حقّا والنبيا
|
وعند ما أراد
الإمام عليّ عليهالسلام الذهاب إلى البصرة ، كتب إلى أبي موسى الأشعري ، أن
يحثّ الناس للّحاق به في البصرة ، إلّا أنّ أبا موسى ، منع أهل الكوفة من الذهاب
إلى البصرة وخطب فيهم قائلا : (أما بعد يا أهل الكوفة ، إن تطيعوا الله باديا ،
وتطيعوني ثانيا ، تكونوا جرثومة من جراثيم العرب ، يأوي إليكم المضطر ، ويأمن فيكم
الخائف. إنّ عليا ، إنّما يستنفركم لجهاد أمّكم عائشة وطلحة والزبير حواري رسول الله ، ومن معهم من المسلمين
، وأنا أعلم بهذه الفتن ، إنّها إذا أقبلت شبّهت ، وإذا أدبرت أسفرت ، فثلّموا
سيوفكم ، وقصّفوا رماحكم ، وانصلوا سهامكم ، وقطّعوا أوتاركم ، وخلّوا قريشا ترتق
فتقها ، وترأب صدعها ، فإن فعلت فلأنفسها ما فعلت ، وإن أبت فعلى نفسها ما جنت ،
استنصحوني ولا تستغشوني ، وأطيعوني ولا تعصوني ، يتبيّن لكم رشدكم ، ويصلى هذه
الفتنة من جناها) .
فأرسل إليه
الإمام عليّ عليهالسلام كتابا جاء فيه :
(من عبد الله
عليّ أمير المؤمنين ، إلى عبد الله بن قيس ، أما بعد ، يا ابن
__________________
الحائك ، يا عاضّ .. أبيه ، فو الله ، إنّي كنت لأرى بعدك عن هذا الأمر ،
الّذي لم يجعلك الله له أهلا ، ولا جعل لك فيه نصيبا ، سيمنعك من ردّ أمري ،
والافتراء عليّ ، وقد بعثت إليك ابن عبّاس وابن أبي بكر ، فخلهما والمصر وأهله ، واعتزل عملنا ، مذموما مدحورا
، فإن فعلت ، وإلّا فإنّي قد أمرتهما أن ينابذاك على سواء ، إنّ الله لا يهدي كيد
الخائنين ، فإذا ظهرا عليك قطّعاك إربا إربا ، والسلام على من شكر النعمة ، ووفي
بالبيعة ، وعمل برجاء العاقبة) .
ثمّ أمر الإمام
عليّ عليهالسلام مالك الأشتر ، أن يذهب إلى الكوفة ، ويقيل أبا موسى
الأشعري ، فذهب الأشتر إلى الكوفة ، ودخل (قصر الإمارة) وطرد منه الأشعري ، فأخذ
الناس ينهبون متاع الأشعري ، فنهاهم الأشتر ومنعهم ، وقال لهم : (إنّي قد أخرجته
وعزلته عنكم) ، عندها تركه الناس.
وتمرّ الأيّام
سراعا ، ويذهب الإمام عليّ عليهالسلام إلى" صفّين" لمحاربة معاوية بن أبي سفيان
وتستمرّ الحرب سجالا بين الطرفين ، فقتل فيها الكثير من الصحابة الأجلّاء ، ومن
حفظة القرآن الكريم ، حتّى قيل إنّ عدد القتلى بين الطرفين بلغ سبعون ألفا ، خمسة
وأربعون ألفا من الشام ، وخمسة وعشرون ألفا من أهل العراق ، وقيل إنّ عدد القتلى
بلغ مائة وعشرة آلالف (خلال مدة مائة وعشرة أيّام) قتل من أهل الشام تسعون ألفا ،
ومن أهل العراق عشرون الفا .
وحينما رأى
معاوية ، أن جيشه قد ضعف عن القتال ، وأنّ الهزيمة آتية
__________________
لا ريب فيها ، طلب من عمرو بن العاص أن يتدبر الأمر ، فرفعت المصاحف بإيعاز
من عمرو بن العاص ، فتوقف جيش الإمام عليّ عليهالسلام عن القتال ، وصاح الناس : (ما الحكم إلّا للقرآن ، فسمع
عليّ عليهالسلام وطلب من القوم الاستمرار بالقتال وقال لهم : (إنّكم
لمنتصرون بإذن الله ، وإنّها لخدعة) ، ولكنّ ضعاف النفوس ، وضعاف الإيمان"
وضعاف الطاعة" أصرّوا إلّا الاحتكام ، وعندها خضع الإمام عليهالسلام لمطاليب القوم . ويقال إنّ عدد المصاحف الّتي رفعت في جيش معاوية بلغت
خمسمائة مصحف وفي ذلك قال النجاشي بن الحارث :
|
فأصبح أهل
الشام قد رفعوا القنا
|
|
عليها كتاب
الله خير قرآن
|
|
ونادوا عليا
يا بن عمّ محمّد
|
|
أما تتقي أن
يهلك الثقلان
|
ثمّ انتخب عمرو
بن العاص ممثلا عن جيش معاوية ، وأبو موسى الأشعري عن جيش عليّ عليهالسلام ودار حديث طويل بين الممثلين ، قام بعده أبو موسى
الأشعري وقال : (أيّها الناس ، إنّا نظرنا في أمرنا ، فرأيناه أقرب ما يحضرنا من
الأمن والصلاح ، ولمّ الشعث ، وحقن الدماء ، وجمع الألفة ، فقد خلعنا عليا ومعاوية
، وقد خلعت عليا ، كما خلعت عما متي هذه). ثمّ هوى على عمامته فخلعها ثمّ قام عمرو
بن العاص فقال : (أيّها الناس ، إنّ أبا موسى عبد الله بن قيس قد خلع عليا ،
وأخرجه من هذا الأمر الّذي يطلب ، وهو أعلم به ، ألا وإنّي قد خلعت عليا معه ،
وأثبت معاوية عليّ وعليكم ..) .
__________________
وهكذا انتهى
التحكيم ، ولكن مساوئه لم تنته بعد ، فقد تباغض القوم جميعا وأخذ بعضهم يتبرأ من
بعض ، فقد تبرأ الأخ من أخيه ، والإبن من أبيه ، عندها أمر الإمام عليّ عليهالسلام أصحابه بالرحيل والعودة إلى الكوفة .
ومما قيل شعرا
في التحكيم ، فقد قال أيمن بن خزيم بن فاتك الأسدي :
|
لو كان للقوم
رأي يعصمون به
|
|
عند الخطوب
رموكم بابن عبّاس
|
|
لكن رموكم
بوغد من ذوي يمن
|
|
لم يدر ما
ضرب أخماس بأسداس
|
وقال ابن أعين
في أبي موسى الأشعري :
|
أبا موسى ،
بليت وأنت شيخ
|
|
قريب العفو
مخزون اللسان
|
|
وما عمرو
صفاتك يابن قيس
|
|
فيا لله من
شيخ يماني
|
|
فأمسيت
العيشة ذا اعتذار
|
|
ضعيف الركن
منكوب الجنان
|
|
تعضّ الكف من
ندم ، وماذا
|
|
يرد عليك
عضّك للبنان؟
|
وفي اختلاف
الحكمين ، قال بعض من حضر ذلك :
|
رضينا بحكم
الله لا حكم غيره
|
|
وبالله ربّا
والنبيّ والذكر
|
|
وبالأصلع
الهادي عليّ إمامنا
|
|
رضينا بذاك
الشيخ في العسر
|
|
واليسر
|
|
رضينا به
حيّا وميّتا فإنّه
|
|
إمام
الهدى في موقف النهي والأمر
|
وقيل جاء رجل
إلى عمر بن الخطاب وشكا إليه : بأنّ أبا موسى الأشعري ، قد عاقبه بعقوبة لا
يستحقها ، إذ جلده ، وحلق رأسه ، فكتب عمر إلى أبي
__________________
موسى الأشعري : (أن يمكن الرجل من القصاص منه جلدا بجلد ، وحلقا بحلق) .
مات أبو موسى
الأشعري سنة (٤٢) للهجرة ، وقيل سنة (٥٢) في خلافة معاوية بن أبي سفيان ودفن في
مكّة ، وقيل مات بالكوفة ودفن فيها ، وقيل مات سنة (٤٤) وعمره بضع وستون سنة .
٩ ـ جبير بن مطعم
هو جبير بن
مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ، وكنيته : أبو محمّد وقيل أبو
عدي وقيل أبو سعيد القرشيّ ، النوفلي المكّي ، وهو شيخ قريش في زمانه ،
وهو من الطلقاء ، الّذين حسن إسلامهم وكان من أهل الحلم ، ونبل الرأي مثل أبيه
مطعم.
ولّاه عمر بن
الخطاب إمارة الكوفة بعد عزل عمّار بن ياسر ، وطلب منه كتمان الخبر ، وأن لا يخبر
أحدا بذلك ، كان ذلك سنة (٢١) للهجرة .
وقد سمع
المغيرة بن شعبة من أحدهم بأنّ الخليفة عمر قد اختلى وهمس في أذن جبير بن مطعم ،
ولا أحد يعرف ماذا قال له. فذهب المغيرة إلى زوجته ، وطلب منها أن تذهب إلى زوجة
جبير بن مطعم ، وتساعدها في تهيأة مستلزمات سفر زوجها ، وبهذه الحيلة عرفت بأن
الخليفة قد ولّى جبير بن مطعم إمارة الكوفة ، ثمّ عادت إلى المغيرة فأخبرته بذلك ،
عندها
__________________
ذهب المغيرة إلى عمر وقال له (أتولّي الكوفة رجلا لا يكتم سرا ، ولا يصلح
للإمارة ، فعزله عمر ، وولّى المغيرة مكانه .
وقيل إنّ جبير
بن مطعم قد تولّى إمارة الكوفة ، بعد عزل سعد بن أبي وقّاص ، إلّا أنّه عزل قبل أن
يذهب اليها ، فولّى عليها المغيرة بن شعبة .
وجبير بن مطعم
، من علماء قريش وسادتها ، وعارفا بأنسابها ، وروى (٦٠) حديثا عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. أسلم بعد معركة بدر الكبرى .
وعن ابن عبّاس
أنّه قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : (إنّ بمكّة أربعة نفر من قريش ، أربأبهم عن الشرك ،
وأرغب لهم في الإسلام) . فقيل : ومن هم يا رسول الله. قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : (عتاب بن أسيد ، وجبير بن مطعم ، وحكيم بن حرام ،
وسهيل بن عمرو) .
وقيل : كان أبو
بكر أعرف الناس بالأنساب ، ثمّ يأتي بعده عمر ، ثمّ جبير بن مطعم ، ثمّ سعيد بن
المسيّب ، ثمّ محمّد بن سعيد بن المسيّب ، وقيل إنّ سعيد بن المسيّب أخذ النسب عن
جبير بن مطعم .
وعند ما جيء
بسيف النعمان بن المنذر إلى عمر بن الخطاب ، فأعطى السيف إلى جبير بن مطعم وقال له
: يا جبير ، إلى من ينتمي النعمان؟ قال ابن مطعم : من أشلاء قنص بن معد .
وقيل إنّ رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أعطى للمؤلفة قلوبهم ، فأعطى جبير بن
__________________
مطعم مائة من الإبل . وقيل إنّ جبير بن مطعم ، ذهب إلى المدينة في فداء
الأسارى من قومه في معركة (بدر) ثمّ أسلم بعد ذلك عام خيبر ، وقيل يوم فتح مكّة .
وكان أبوه (مطعم)
هو الّذي نقض (القطيعة) وكان يحنو ويعطف على (الشعب) ويصلهم سرّا ، وقد قال فيه الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم بدر : (لو كان المطعم بن عدي حيّا ، وكلّمني في
هؤلاء النتنى لتركتهم له) .
وعن جبير بن
مطعم أنّه قال : (لقد رأيت قبل هزيمة القوم ، والناس يقتتلون مثل" البجاد الأسود" جاء من السماء ، وسقط بيننا وبين القوم ، فنظرت وإذا به
نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي ، فلم أشك بأنها الملائكة ، ولم يكن إلّا هزيمة
القوم .
مات جبير بن
مطعم بالمدينة سنة ٥٧ للهجرة ، وقيل ٥٨ وقيل ٥٩.
__________________
١٠ ـ المغيرة بن شعبة
هو المغيرة بن
شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك ، وهو من ثقيف ، وكنيته : أبو عبد الله
. ولّاه الخليفة عمر بن الخطاب إمارة الكوفة سنة (٢١) للهجرة ، بعد عزل عمّار بن ياسر ، وقيل تولّى إمارة الكوفة سنة
(٢٢) للهجرة بعد عزل (أبو موسى الأشعري) وبقي أميرا على الكوفة إلى أن مات عمر) .
وكان المغيرة
بن شعبة من دهاة العرب ، وذوي الرأي والحيل ، ويقال له في الجاهلية والإسلام (مغيرة
الرأي) ويقال : (ما اعتلج في صدر مغيرة أمران ، إلّا اختار أحسنهما). وصحب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وشهد معه الحديبية ، وفتح اليمامة وفتوح الشام ، كما
اشترك في معركة القادسيّة مع سعد بن أبي وقّاص .
وقيل : عند ما
عزل عمّار عن إمارة الكوفة ، عزله عمر وولّى مكانه جبير بن مطعم ، وأمره بكتمان
الخبر ، إلّا أنّ المغيرة قد تمكّن بحيلة ودهائه من معرفة الخبر ، إذ أرسل زوجته
إلى زوجة جبير بن مطعم لتساعدها فيما يحتاج إليه المسافر ، فقالت امرأة جبير (لإمرأة
المغيرة) بأنّ زوجها عيّن أميرا للكوفة ، وإنّها لتشكرها على مساعدتها ، ثمّ ذهبت
زوجة المغيرة وأخبرت زوجها بذلك ، عندها ذهب المغيرة إلى عمر وقال له : (إنّ جبير
بن مطعم لا يكتم سرا ولا يصلح للإمارة).
__________________
عند ذلك عزل
جبير عن الكوفة ، وولّاها المغيرة . وبقي المغيرة أميرا على الكوفة إلى سنة (٢٤) للهجرة
حيث عزله الخليفة عثمان بن عفّان ، وولّى مكانه سعد بن أبي وقّاص .
وعند وصول
المغيرة بن شعبة إلى الكوفة ، سأل عن هند بنت النعمان ابن المنذر ، فقيل له : إنّها في" دير" لها بالحيرة
مترهّبة ، فذهب اليها ، فوجدها عمياء ، وقد بلغت من العمر عتيّا ، فسلّم عليها ،
وقال لها : (أنا المغيرة بن شعبة). فقالت له : أنت عامل هذه المدرة ؟. قال : نعم.
قالت فما حاجتك؟
قال : جئتك خاطبا.
قالت هند : (أما
والله لو كنت تبغي جمالا ، أو دينا ، أو حسبا ، لزوجناك ، ولكنك أردت أن تجلس في
موسم من مواسم العرب ، فتقول : تزوجت بنت النعمان بن المنذر ، وهذا والصليب لا يكون
أبدا ، أو ما يكفيك فخرا أن تكون في ملك النعمان بن المنذر ، وتدير بلاده كيف تشاء).
وقيل إنّها
قالت له : (وإلّا فأيّ فخر في اجتماع شيخ أعور وعجوز شمطاء .. إذهب). ثمّ أخذت
تبكي.
فخرج المغيرة
وهو يقول
__________________
|
أدركت ما
منيت نفسي خاليا
|
|
لله درك يا
ابنة النعمان
|
|
إنّي لحلفك
بالصليب مصدّق
|
|
والصلب أصدق
حلفة الرهبان
|
|
ولقد رددت
على المغيرة ذهنه
|
|
إنّ الملوك
بطيئة الإذعان
|
|
يا هند حسبك
قد صدقت فأمسكي
|
|
والصدق خير
مقالة الإنسان
|
وقيل اشتهر
بالكوفة أربعة رجال بجمالهم ، وحسن منظرهم : (المغيرة ابن شعبة) و (الأشعث بن قيس)
و (جرير بن عبد الله البجلي) و (حجر بن عدي الكندي) وكلّهم أعور .
واجتمع ذات يوم
، المغيرة والأشعث وجرير (بالكناسة) فشاهدوا أعرابيا ، فقال المغيرة : لنداعب هذا الأعرابي
، ونضحك معه ، فقالوا له : دعنا منه ، فللأعراب جوابا جارحا. فقال المغيرة : لا
بدّ من ذلك ، ثمّ نادى على الأعرابي وقال له : هل تعرف المغيرة بن شعبة؟
فقال الأعرابي
: نعم أعرفه : أعور زانيا.
فسكت المغيرة ،
ثمّ قال للأعرابي : وهل تعرف الأشعث بن قيس؟
فقال الأعرابي
: نعم ذلك رجل لا يعرّي قومه ، قال المغيرة وكيف ذلك؟
قال الأعرابي :
لأنّه حائك بن حائك.
فقال المغيرة :
وهل تعرف جرير بن عبد الله؟
فقال الأعرابي
: وكيف لا أعرف رجلا ، لولاه ما عرفت عشيرته ، فسكتوا عنه وانصرف .
__________________
وعند ما كان
المغيرة أميرا على البصرة ، أتّهم بأنّ له علاقة بامرأة من بني ثقيف ، يقال لها (الرقطاء)
وقيل من بني هلال يقال لها (أم جميل) زوجة الحجّاج بن عتيك الثقفي ، فلقيه ذات يوم
(أبو بكرة) فقال له : إلى أين تريد؟!
قال المغيرة :
أزور آل فلان ، فقال له أبو بكرة : (إنّ الأمير يزار ولا يزور) . ثمّ رآه (أبو بكرة) مرّة ثانية خارجا من بيت تلك
المرأة ، يريد الذهاب إلى المسجد لصلاة الظهر ، فمنعه (أبو بكرة) وقال له (لا
والله ، لا تصلي بنا ، وقد فعلت ما فعلت). فتجمهر الناس وقالوا : (دعه فليصلي بنا
فإنّه الأمير .. واكتبوا إلى الخليفة بذلك). فقال حسّان بن ثابت يهجو المغيرة في
هذه القضية :
|
لو أنّ اللؤم
ينسب كان عبدا
|
|
قبيح الوجه
أعور من ثقيف
|
|
تركت الدين
والإسلام لمّا
|
|
بدت لك غدوة
ذات النصيف
|
|
وراجعت الصبا
وذكرت عهدا
|
|
من القينات
والغمز اللطيف
|
ثمّ ذهب (أبو
بكرة) إلى الخليفة عمر ، وأعلمه بالقصّة ، عند ذلك غضب عليه عمر ، وأمر بعزله
وعيّن مكانه أبو موسى الأشعري.
وقيل إنّ عمر
قال للمغيرة بن شعبة (أنت رجل فاسق) ، فقال له المغيرة : (وما عليك منّي كفايتي
ورجلي لك ، وفسقي على نفسي) ، فولّاه الكوفة.
وقيل إنّ عمر
سأل أهل الكوفة عن المغيرة بن شعبة ، فقالوا له : (أنت أعلم به وبفسقه). فقال عمر
: (ما لقيت منكم يا أهل الكوفة ، إن وليتكم
__________________
مسلما تقيّا ، قلتم : هو ضعيف ، وإن ولّيتكم مجرما قلتم : هو فاسق).
وقصّة عزل المغيرة
عن إمارة البصرة ، وتعيينه أميرا على الكوفة ، أصبحت ندرة يتندر بها أهالي البصرة
، فكان الرجل يقول للآخر : (غضب الله عليك ، كما غضب أمير المؤمنين على المغيرة ،
عزله عن البصرة ، فولّاه الكوفة) .
ثمّ أعيد
المغيرة بن شعبة أميرا على الكوفة مرة ثانية سنة (٤٢) للهجرة من قبل معاوية بن أبي
سفيان ، فأقام بها مدّة ثمّ عزله وولّى مكانه عبد الله بن عامر بن كرز .
وفي سنة (٤٥)
للهجرة ، ذهب المغيرة إلى دمشق وتحدث مع معاوية في موضوع إسناد ولاية العهد إلى
ابنه يزيد ، ففرح معاوية ، وقال للمغيرة : (ارجع إلى عملك) .
وكان المغيرة
بن شعبة (مزواجا) فقد تزوج بأكثر من ثمانين امرأة ، منهن ثلاث بنات لأبي سفيان بن
حرب ، ومنهن حفصة بنت سعد بن أبي وقّاص ، وعائشة بنت جرير بن عبد الله البجلي.
وقيل إنّه قال : (نكحت تسعا وثمانين امرأة ، فما أمسكت امرأة منهن على حبّ ،
أمسكها لولدها ، ولحسبها ، ولكذا ولكذا) .
وكان قدامة بن
مضعون ، قد زوج (زينب) ابنة أخيه عثمان بن مضعون من عبد الله بن عمر بن الخطاب ،
ولمّا سمع المغيرة بن شعبة بذلك ، زاد في
__________________
مهرها ، فأقنعتها أمها بالزواج من المغيرة .
ولمّا بويع
الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام بالخلافة ، ذهب إليه المغيرة ابن شعبة : فقال له : (يا
أمير المؤمنين ، إنّ لك عندي نصيحة) .
فقال له (عليهالسلام)
: وما هي؟
قال المغيرة : (إن
أردت أن يستقيم لك الأمر ، فاستعمل طلحة بن عبيد الله على الكوفة والزبير بن
العوّام على البصرة ، وابعث إلى معاوية بعهده على الشام ، تلزمه طاعتك).
فقال الإمام
عليّ عليهالسلام : (أمّا طلحة والزبير ، فسأرى رأي فيهما ، وأما معاوية
فلا والله لا يراني الله أستعين به ، ما دام على حاله أبدا ، فانصرف المغيرة مغضبا
وقال :
|
نصحت عليّا
في ابن هند مقالة
|
|
فردت ، فلا
يسمع لها الدهر ثانيه
|
|
وقلت له :
أرسل إليه بعهده
|
|
على الشام ،
حتّى يستقر معاويه
|
|
ويعلم أهل
الشام أن قد ملكته
|
|
وأم ابن هند
عند ذاك هاويه
|
|
فلم يقبل
النصح الّذي جئت به
|
|
وكانت له تلك
النصيحة كافيه
|
وعند ما آل
الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان (بعد الصلح مع الإمام الحسن (ع» سنة (٤٠) للهجرة ،
وقيل سنة (٤١) للهجرة ، عيّن عبد الله بن عمرو بن العاص أميرا على الكوفة ، ولمّا
سمع المغيرة بذلك ، ذهب إلى معاوية ، وقال له : (استعملت عبد الله بن عمرو على
الكوفة ، وأباه عمرو على مصر ، فتكون أنت بين فكي الأسد). فعزل عبد الله وولّى
مكانه المغيرة بن
__________________
شعبة. فكان المغيرة أوّل أمير على الكوفة في عهد معاوية ، وعند ما سمع عمرو بن العاص بذلك ، ذهب إلى معاوية ،
وقال له : (استعملت المغيرة على الكوفة؟ فقال معاوية : نعم. فقال عمرو بن العاص : (إذا
استعملت المغيرة على (بيت المال) فسوف لن تحصل منه شيئا ، استعمل على الخراج من
يخافك ويهابك). عند ما عزل المغيرة عن الخراج ، واستعمله على الصلاة فقط.
ثمّ بعد مدّة
تلاقيا عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ، فقال له عمرو : أنت الّذي أشرت على
معاوية في عبد الله؟ قال المغيرة : نعم. فقال له عمرو : (إذن خذها فهذه بتلك) ، أي واحدة بواحدة.
وكان المغيرة
بن شعبة ، عند ما يصعد على المنبر في الكوفة (أيّام توليتها من قبل معاوية) يذمّ
عليّا ، وينال منه ، فيقوم إليه حجر بن عدي الكندي ، فيقول : (يا أيّها الّذين
آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ، ولو على أنفسكم) وإنّي أشهد : (أنّ من تذمّون ، أحقّ بالفضل ممّن تطرون)
.
وعن الشعبي
أنّه قال : سمعت المغيرة بن شعبة يقول : (ما غلبني أحد قطّ إلّا غلام من بني
الحارث بن كعب ، ذلك أنّي خطبت امرأة من بني الحارث ، وعندي شاب منهم ، فقال لي : (أيّها
الأمير ، لا خير لك فيها) فقلت له : (يا ابن أخي وما لها؟). فقال : (إنّي رأيت
رجلا يقبلها) فتركتها ، ثمّ بلغني أنّ ذلك الفتى قد تزوجها ، فأرسلت إليه ، وقلت
له : ألم تخبرني أنّك رأيت
__________________
رجلا يقبلها؟. قال : نعم ، رأيت أباها يقبلها) .
وقال بعضهم ،
وقد صحب المغيرة بن شعبة مدّة طويلة : (فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب ، لا يخرج
من باب منها إلّا بمكر ، لخرج المغيرة من أبوابها الثمانية) .
ولمّا حوصر
عثمان بن عفّان في داره بالمدينة ، دخل عليه المغيرة بن شعبة وقال له : إنّك إمام
الجماعة ، وقد حلّ بك ما ترى ، وإنّي أعرض عليك خصالا ثلاثة : إمّا أن تخرج
فتقاتلهم ، وأنت على الحقّ ، وهم على الباطل ، وإمّا أن تخرج متنكرا وتذهب إلى
مكّة ، فإنّهم لن يستحلوك بها. وإمّا أن تذهب إلى الشام ، فإنّهم أهل الشام وفيهم
معاوية .
فقال عثمان : (أمّا
أن أخرج فأقاتل ، فلن أكون أوّل من خلّف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في أمته بسفك الدماء. وأمّا أن أخرج إلى مكّة فإنّي
سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : يلحد رجل من قريش بمكّة يكون عليه نصف عذاب
العالم) فلن أكون أنا ، وأمّا أن ألحقّ بالشام ، فلن أفارق دار هجرتي ، ومجاورة
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وكان بين
المغيرة بن شعبة وبين مصقلة بن هبيرة الشيباني نزاع وخصام ، فتلاقيا ذات يوم ،
فاستقبله المغيرة ببشاشة وتواضع ، فاستغلّ مصقلة ذلك الموقف ، وراح يستعلي على
المغيرة ، ويتطاول عليه حتّى شتمه ، فذهب المغيرة إلى القاضي (شريح) وشكا مصقلة ،
ثمّ أقام عليه البيّنة ، فأمر شريح بجلد مصقلة ، فأقسم مصقلة : بأنّه لا يقيم
ببلدة فيها المغيرة ما دام حيّا فذهب إلى بني شيبان ، وبقي عندهم إلى أن مات
المغيرة ، فرجع إلى
__________________
الكوفة ، فرحبّ به أهله وأصحابه ، ثمّ سألهم عن مقابر ثقيف فدلّوه عليها ،
وأثناء الطريق أخذ بعضهم يلتقط الحجارة ، فقال لهم مصقلة : ما هذا؟ قالوا ظنّنا
أنّك تريد أن ترجمه ، فقال لهم : ألقوا ما في أيديكم ، ثمّ ذهب ووقف على قبر
المغيرة فقال : (والله لقد كنت ، ما علمت نافعا لصديقك ، ضائرا لعدوك وما مثلك
إلّا كما قال مهلهل في أخيه كليب :
|
إنّ تحت
الأحجار حزما وعزما
|
|
وخصيما ألدّ
ذا معلاق
|
|
حيّة في
الوجار أربد لا
يد
|
|
فع منه
السليم نفث الراقي
|
وقد ذكره
المستشرق الألماني كارل بروكلمان فقال :(المغيرة بن شعبة : هو رجل انتهازي ، لا
ذمّة له ولا ذمام ، اضطرّ في شبابه أن يغادر مسقط رأسه" الطائف" بسبب
جريمة قتل ... الخ) .
ومن أقوال
المغيرة في الإمارة : أنّه قال :(أحبّ الإمارة لثلاث ، وأكرهها لثلاث : أحبّها
لرفع الأولياء ، ووضع الأعداء ، واسترخاص الأشياء. وأكرهها : لروعة البريد ، وموت العزل ، وشماتة الأعداء) .
وفي أواخر سنة (٤٩)
للهجرة انتشر مرض الطاعون في الكوفة ، فهرب المغيرة" من الموت" وخرج من
الكوفة ، ثمّ عاد إليها فطعن فمات في
__________________
شهر رمضان من سنة (٥٠) للهجرة ، ودفن في مكان يقال له (الثويّة) وكان عمره (٧٠)
سنة .
وقيل مات
المغيرة بن شعبة في شهر شعبان من سنة (٥٠) للهجرة ، واستخلف على الكوفة ابنه عروة
بن المغيرة ، وقيل استخلف جرير بن عبد الله البجلي .
وقيل مات
المغيرة سنة (٥١) للهجرة ، فولّى معاوية بن أبي سفيان مكانه زياد بن أبيه ، وضمّ
إليه البصرة .
وأثناء دفن
المغيرة ، مرّ أعرابي ، فسأل الناس ، فقيل له : إنه المغيرة بن شعبة ، فقال
الأعرابي :
|
أرسم ديار
للمغيرة تعرف
|
|
عليها دوي
الأنس والجن تعزف
|
|
فإن كنت قد
لاقيت هامان بعدنا
|
|
وفرعون فاعلم
أنّ ذا العرش منصف
|
ووقفت أمّ كثير
الحارثية على قبر المغيرة فقالت :
|
الجلّ يحمله
النقر
|
|
قرم ، كريم
المعتصر
|
|
أبكي وأندب
صاحبا
|
|
لا عين منه
ولا أثر
|
|
قد خفت بعدك
أن أضام
|
|
وأن أساء ولا
أسر
|
|
أو أن أسأم
بخطتي
|
|
ضيما فآخذ أو
أذر
|
|
لله درك قد
غنيت
|
|
وأنت باقعة البشر
|
__________________
١١ ـ سعد بن أبي
وقّاص
أعيد سعد بن
أبي وقّاص أميرا على الكوفة سنة (٢٤ ـ ٢٥) للهجرة من قبل الخليفة عثمان بن عفّان ،
بناء على وصية الخليفة عمر بن الخطاب.
١٢ ـ الوليد بن عقبة
هو الوليد بن
عقبة بن أبي معيط بن إبان بن أبي عمرو بن ذكوان بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف
بن قصي ، وكنيته : أبو وهب القرشيّ ، العبشمي ، وهو أخو الخليفة عثمان بن عفّان من
أمّه أروى بنت كريز .
ولّاه الخليفة
عثمان بن عفّان إمارة الكوفة سنة (٢٥) للهجرة ، وقيل سنة (٢٦) بعد عزل سعد بن أبي وقّاص.
وكان الوليد من
فتيان قريش وشعرائهم وشجعانهم وأجوادهم ، وكان فاسقا . وقد أرسله النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على صدقات بني المصطلق ، فخرجوا يستقبلونه ، فظنّ
الوليد أنّهم جاءوا يقاتلونه ، فرجع وأخبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّهم قد ارتدوا عن الإسلام ، فبعث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بخالد بن الوليد ، وأمره أن يتأكد من ذلك ولا يستعجل
فذهب إليهم خالد ليلا ، وأرسل عيونه ، فرجعوا إليه ، فأخبروه بأنّهم لا زالوا
متمسكين بالإسلام ، وأنّهم سمعوا آذانهم ورأوا صلاتهم ، ولمّا أصبح الصباح ذهب
إليهم خالد فرأى صحّة ما أخبروه ، فعاد إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأخبره بذلك . عندها نزلت الآية الشريفة :
__________________
(إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ
بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما
فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) وجاء في تفسير هذه الآية عن ابن عبّاس ومجاهد وقتادة : أنّها
نزلت في الوليد بن عقبة .
وعن عبد الله
الهمداني عن الوليد بن عقبة أنّه قال : (عند ما فتح رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مكّة جاءوا بصبيانهم إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخذ يدعو لهم بالبركة ويمسح على رؤوسهم ، وجيء بيّ
إليه ، وأنا مخلّق ، فلم يمسسني ، وما منعه من ذلك إلّا من أجل الخلوق
الّذي خلّقتني به أمّي) .
وكان الوليد بن
عقبة يحضر مجلس الخليفة عثمان بن عفّان ، ويجلس" هو والعبّاس بن عبد المطلب
وأبو سفيان بن حرب والحكم بن أبي العاص" على سرير الخليفة ، ولا يسمح لغيرهم
بالجلوس عليه.
وفي أحد
الأيّام جاء الوليد لعثمان ، فجلس ، ثمّ جاء الحكم ، فقام له عثمان وأجلسه في
مكانه ، ولمّا خرج الحكم ، قال الوليد لعثمان : (والله يا أمير المؤمنين ، لقد
تلجلج في صدري بيتان ، قلتهما حين آثرت عمّك على ابن أمّك) فقال له عثمان : (إنه
شيخ قريش ، فما هما البيتان اللذان قلتهما؟ فقال الوليد :
|
رأيت لعمّ
المرء زلفى قرابة
|
|
دوين أخيه
حادثا لم يكن قدما
|
|
فأمّلت عمرا
أن يشيب وخالدا
|
|
لكي يدعواني
يوم مزحمة عمّا
|
__________________
فرقّ له عثمان
، وقال له : قد وليتك العراق .
ونهج الوليد بن
عقبة في الكوفة ، حياة خاصّة كلّها خلاعة ومجون ، والتفّ حوله من هو على شاكلته ،
يقضون الليالي بشرب الخمور.
وقد زاره
يوما" أبو زبيد الطائي" فأسكنه في دار عقيل بن أبي طالب" الّتي تقع في باب
المسجد" ثمّ وهبه تلك الدار ، فكان أبو زبيد يخرج من منزله ويذهب إلى الوليد
مارا بساحة المسجد ، فيسمر عنده ويشرب معه ، ثمّ يعود إلى منزله بنفس الطريق ، وهو
سكران ، " فكان ذلك أول الطعن من أهل الكوفة على الوليد" .
وعند ما ذهب
الوليد بن عقبة إلى الكوفة (أميرا عليها) دخل على سعد بن أبي وقّاص وسلّم عليه
بالأمرة ، وجلس معه ، فقال له سعد : ما سبب مجيئك؟ فقال الوليد : أحببت زيارتك.
فقال سعد : وهل هناك من أخبار؟ قال الوليد : (... لكنّ القوم احتاجوا إلى عملهم ،
فسرّحوني إليه ، وقد استعملني أمير المؤمنين على الكوفة). فأطرق سعد رأسه مليا ثمّ
قال : (والله ما أدري ، أصلحت بعدنا ، أمّ فسدنا بعدك؟!!)
وقيل إنّه قال
: (ما أدري ، أحمقت بعدك ، أمّ كيّست بعدي) . ثمّ قال :
|
خذيني
فجرّيني ضباع وأبشري
|
|
بلحم امرئ لم
يشهد اليوم ناصره
|
وكان الخليفة
عثمان بن عفّان قد نفى كعب بن ذي الحبكة عن الكوفة
__________________
إلى الشام في منطقة (دبناوند) أيّام إمارة الوليد بن عقبة على الكوفة ،
فقال كعب للوليد :
|
لعمري لئن
طردتني ما إلى الّتي
|
|
طمعت بها من
سقطتي لسبيل
|
|
رجوت رجوعي
إلى ابن أروى ورجعتي
|
|
إلى الحقّ
دهرا غال ذلك غول
|
|
وإنّ اغترابي
في البلاد وجفوتي
|
|
وشتمي في ذات
الإله قليل
|
|
وإنّ دعائي
كلّ يوم وليلة
|
|
عليك
بدبناوندكم لطويل
|
وعند ما عزل
الوليد بن عقبة عن الكوفة ، وجاء بعده سعيد بن العاص ، أرجع كعب بن ذي الحبكة إلى
الكوفة وأحسن إليه .
وخرج الوليد بن
عقبة ذات يوم ليصلّي بالناس صلاة الفجر وهو سكران فصلّى بهم أربع ركعات ، ثمّ قال
: أتريدون أن أزيدكم؟ فقال له أحد المصلّين خلفه : (ماذا تزيد؟ لا زادك الله من
الخير ، والله لا أعجب إلّا من بعثك إلينا واليا ، وعلينا أميرا) .
وقيل إنّ
الوليد ، أطال في سجوده وقال أيضا :
|
علق القلب الربابا
|
|
بعد ما شابت
وشابا
|
وقال عربيد الشعراء" الحطيئة" في عربيد الأمراء"
الوليد" في هذه القصّة :
|
شهد الحطيئة
يوم يلقى ربّه
|
|
أنّ الوليد
أحقّ بالعذر
|
|
|
|
نادى وقد
تمّت صلاتهم
|
|
أأزيدكم"
سكرا" وما يدري
|
__________________
|
فأبوا أبا
وهب ولو أذنوا
|
|
لقرنت بين
الشفع والوتر
|
|
كفّوا عنانك
إذ جريت ولو
|
|
تركوا عنانك
لم تزل تجري
|
وقال الحطيئة
أيضا :
|
تكلّم في
الصلاة وزاد فيها
|
|
علانية وجاهر
بالنفاق
|
|
ومجّ الخمر
في سنن المصلّى
|
|
ونادى
والجميع إلى افتراق
|
|
أزيدكم على
أن تحمدوني
|
|
وما لكم
ومالي من خلاق
|
ثمّ هجم عليه
جماعة في المسجد ، وأخذوا خاتمه ، وذهبوا إلى الخليفة عثمان في المدينة وشهدوا
عنده بأنّ الوليد قد شرب الخمر ، فقال لهم عثمان : (وما يدريكم أنّه شرب خمرا؟)
فقالوا له : (هي الخمرة الّتي كنا نشربها في الجاهلية) ثمّ أعطوه خاتم الوليد ،
فطردهم عثمان ، فذهبوا إلى الإمام عليّ عليهالسلام وأخبروه بالقصّة ، فذهب إلى عثمان وقال له : (دفعت
الشهود ، وأبطلت الحدود). فقال له عثمان : (وما هو رأيك؟) فقال الإمام عليّ عليهالسلام : (أرى أن تحضر صاحبك ، فإن أقاموا الشهادة عليه بحضوره
ولم يدفع بحجّة عن نفسه ، أقمت عليه الحدّ) ، ولمّا أحضر الوليد والشهود معا لم
يتمكن الوليد من تكذيبهم ، عندها أقيم الحدّ على الوليد ، ثمّ عزله عثمان عن إمارة
الكوفة ، وولّاها سعيد بن العاص ، كان ذلك سنة (٣٠) للهجرة ، وقيل سنة (٢٩) .
ولمّا عزل
الوليد ، وجاء بعده سعيد بن العاص ، كانت الولائد قد أعلنت الحداد ويقلن :
|
يا ويلنا قد
عزل الوليد
|
|
وجاءنا مجوعا
سعيد
|
__________________
|
ينقص في
الصاع ولا يزيد
|
|
فجوع الإماء
والعبيد
|
وعند ما طعن الخليفة عمر بن الخطاب طلب إحضار عليّا ، وعثمان ،
وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقّاص ، ولمّا حضروا عنده ،
خاطب عليّا وعثمان فقط ، ومما قاله لعثمان : (يا عثمان ، لعلّ هؤلاء القوم ،
يعرفون صهرك من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وشرفك ، وسنّك ، فإن وليت هذا الأمر ، فاتقي الله ، ولا
تحملنّ بني أبي معيط على رقاب الناس) ، وقيل إنّ عمر قال لعبد الله بن عبّاس : (إنّ عثمان إن
ولّي الأمر حمل بني أبي معيط ، وبني أميّة على رقاب الناس ، وأعطاهم مال الله ،
والله لإن فعل لتسيرنّ العرب إليه حتّى تقتله في بيته) .
وقيل : بينما
كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلّي في الكعبة ، إذا أقبل عقبة بن أبي معيط" أبو
الوليد" فوضع ثوبه في عنق النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فخنقه بشدة ، فأقبل أبو بكر فدفعه عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم .
وقال الوليد بن
أبي معيط لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام : (أنا أحد منك سنانا ، وأبسط لسانا ، وأملأ للكتيبة
طعانا) . فقال له الإمام عليّ عليهالسلام : (أسكت فإنّما أنت فاسق). فنزلت الآية الكريمة : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ
فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) ، فقيل إنّ هذه الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب والوليد
، فالمؤمن هو عليّ ، والفاسق هو الوليد.
وقال قتادة : (لا
والله ما استووا ، لا في الدنيا ، ولا عند الموت ، ولا في
__________________
الآخرة) .
وعند ما كان
الوليد بن أبي معيط بالروم" وهو أمير الجيش" فشرب الخمر ، وأراد
المسلمون إقامة الحدّ عليه ، قال لهم حذيفة بن اليمان : (أتحدّون أميركم وقد دنوتم
من عدوكم ، ويطمعون فيكم؟!).
وأما الوليد
فقد قال :
|
لأشربنّ وإن
كانت محرّمه
|
|
وأشربنّ على
رغم أنف من زعما
|
وعند ما قتل
الخليفة عثمان بن عفّان ، سمع الوليد يندبه ويقول :
|
بني هاشم ،
إنّا وما كان بيننا
|
|
كصدع الصفاما
يومض الدهر شاعبه
|
|
بني هاشم ،
كيف الهوادة بيننا
|
|
وسيف ابن
أروى عندكم وحرائبه
|
|
بني هاشم ،
ردّوا سلاح ابن أختكم
|
|
ولا تنهبوه ،
لا تحلّ مناهبه
|
|
غدرتم به
كيما تكونوا مكانه
|
|
كما غدرت
يوما بكسرى مرازبه
|
فأجابه الفضل
بن العبّاس بن أبي لهب :
|
فلا تسألونا
سيفكم ، إنّ سيفكم
|
|
أضيع وألقاه
الروع صاحبه
|
|
سلوا أهل مصر
عن سلاح ابن أختنا
|
|
فهم سلبوه
سيفه وحرائبه
|
|
وكان ولي
الأمر بعد محمّد
|
|
عليّ ، وفي
كلّ المواطن صاحبه
|
|
عليّ ولي
الله أظهر دينه
|
|
وأنت مع
الأشقين فيما تحاربه
|
|
وأنت امرؤ من
أهل صفواء نازح
|
|
فما لك فينا
من حميم تعاتبه
|
|
وقد أنزل
الرحمن أنّك فاسق
|
|
فما لك في
الإسلام سهم تطالبه
|
وكان الوليد بن
أبي معيط ، قد شارك في حرب صفّين مع معاوية بن
__________________
أبي سفيان ضدّ الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ولمّا استولى أصحاب معاوية على شريعة النهر في بدء
القتال ، منعوا أصحاب الإمام عليّ من الماء ، فأرسل الإمام عليهالسلام صعصعة بن صوحان إلى معاوية ، وطلب منه أن يكفّ جيشه عن
الشريعة ، فقال الوليد بن عقبة لمعاوية : (إمنعهم من الماء ، كما منعوه عن عثمان
بن عفّان ، أقتلهم عطشا ، الكفرة ، الفسقة ، وشربة الخمور) .
وفي اليوم
الخامس من حرب صفّين ، خرج عبد الله بن عبّاس للقتال ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، ثمّ
اقترب عبد الله من الوليد بن عقبة ، فأخذ الوليد بسبّ وشتم بني عبد المطلب ، وقال
: (يا ابن عبّاس ، قطعتم أرحامكم ، وقتلتم إمامكم ، فكيف رأيتم الله صنع بكم ، لم
تعطوا ما طلبتم ، ولم تدركوا ما أملتم ، والله إن شاء مهلككم ، وناصر عليكم) .
فطلب منه ابن
عبّاس مبارزته ، فرفض وانصرف.
ولمّا قتل
الإمام عليّ عليهالسلام قال الوليد بن عقبة :
|
وكنّا إذا ما
حيّة أعيت الرقى
|
|
وكان زعافا
يقطر السمّ نابها
|
|
دسسنا لها
تحت الظلام ابن ملجم
|
|
جريا إذا ما
جاء نفسا حسابها
|
|
أبا حسن
ذقتها على الرأس ضربة
|
|
بكفّ كريم
بعد وقت ثوابها
|
|
أمات ابن
عفّان فلم تبق دمنة
|
|
ونحن موالي
غمرة لأنّها بها
|
|
فألقى على
المصريّ ثوب ظلامة
|
|
كما سلخت شاة
فطار انكعابها
|
وذهب الوليد بن
عقبة (بعد عزله) إلى الكوفة زائرا للمغيرة بن شعبة في خلافة معاوية بن أبي سفيان ،
فأتاه أشراف الكوفة يسلّمون عليه ، فقالوا له : (والله ما رأينا بعدك مثلك) فقال :
خيرا ، أمّ شرا؟
__________________
فقالوا : بل
خيرا. فقال لهم : (بعض ما تثنون به فو الله إنّ بغضكم لتلف ، وإنّ حبّكم لصلف) .
مات الوليد بن
عقبة سنة (٦١) للهجرة ، ومات أيضا (أبو زبيد) نديمه ، فدفنا في موضع واحد ،
فقال أشجع السلمي ، وقد مرّ بقبريهما ، (وقبرهما قرب الرقّة) . :
|
مررت على
عظام أبي زبيد
|
|
وقد لاحت
ببلقعة صلود
|
|
وكان له
الوليد نديم صدق
|
|
فنادم قبره
قبر الوليد
|
|
وما أدري بمن
تبدأ المنايا
|
|
بأحمد أو
بأشجع أو يزيد
|
١٣ ـ سعيد بن العاص
هو سعيد بن
العاص بن أحيحة بن سعيد بن العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ،
القرشيّ ، الأمويّ ، المدنيّ . ويلقب بعكة العسل. ولّاه الخليفة عثمان بن عفّان إمارة
الكوفة سنة (٣٠) للهجرة ، وذلك بعد عزل الوليد بن عقبة بن أبي معيط .
نشأ سعيد فقيرا
في حجر عثمان بن عفّان ، وقيل في حجر عمر بن الخطاب ، ثمّ رحل إلى الشام عند معاوية
بن أبي سفيان ، ثمّ دعاه الخليفة عمر بن الخطاب فزوّجه إحدى بنات سفيان بن عوف ،
ثمّ تزوّج أيضا
__________________
بإحدى بنات مسعود بن نعيم النهشلي .
وكتب عثمان بن
عفّان إلى أهل الكوفة حين ولّاهم سعيد بن العاص فقال : (أما بعد ، فإنّي ولّيتكم
الوليد بن عقبة ، غلاما حين ذهب شرخه ، وشاب حلمه وأوصيته بكم ، ولم أوصيكم به ،
فلمّا أعيتكم علاميته ، طعنتم في سريرته ، وقد وليكم سعيد بن العاص ، وهو خير
عشيرته ، وأوصيكم به خيرا ، فاستوصوا به خيرا) .
وعند ما خرج
سعيد من المدينة إلى الكوفة ، أخذ يرتجز في طريقه فيقول :
|
ويل نسيات العراق منّي
|
|
كأنّي سمعمع من جنّ
|
ولمّا وصل سعيد
إلى الكوفة ، ودخل المسجد ، أمر بغسل المنبر ، وقال : إنّ الوليد كان رجسا ، نجسا
، ولم يصعد المنبر حتّى غسلوه ، وذلك انتقاما من الوليد وانتقاصا من شخصيته ، لأنّ
الوليد كان أسخى نفسا ، وألين جانبا ، وأرضى عند أهل الكوفة من سعيد ، وقال بعض
شعراء الكوفة :
|
فررت من الوليد
إلى سعيد
|
|
كأهل الحجر إذ جزعوا فباروا
|
ولمّا صعد سعيد
المنبر ، ذمّ أهل الكوفة ، متهما إيّاهم بالشقاق والخلاف ، وقال أيضا : (والله
بعثت اليكم ، وإنّي لكاره ، ولكنّي لم أجد بدّ إذ أمرت .. ألا إنّ
__________________
الفتنة قد أطلعت خطمها وعينيها ، ووالله لأخزينّ وجهها حتّى أقمصها أو
تعييني وإنّي لرائد نفسي اليوم .
ومرّت الأيّام
بسعيد في الكوفة ، فاستبدّ بالأموال ، وسبّب ضررا كبيرا لأهل الكوفة وظهرت منه
أمور منكرة ، حتّى قال في بعض الأيّام : (إنّما هذا السواد بستان لأغيلمة من قريش)
. مما جعل أهل الكوفة يشكوه إلى الخليفة عثمان بن عفّان ، فذهب سعيد إلى
المدينة ، واستخلف على الكوفة (عمرو بن حريث) وقيل استخلف (ثابت بن قيس بن الخطيم الأنصاري) ، وذهب في نفس الوقت جماعة من أهل الكوفة فيهم الأشتر
النخعي ، يطلبون من الخليفة عزل سعيد عن الكوفة ، فرفض عثمان طلبهم ، وأمر سعيد
بأن يرجع إلى إمارته.
فرجع مالك
الأشتر إلى الكوفة (قبل رجوع سعيد إليها) فاستولى عليها ، وصعد المنبر وخطب الناس
قائلا : (هذا سعيد بن العاص ، قد أتاكم ، يزعم أنّ هذا السواد ، بستان لأغيلمة من
قريش ، والسواد : مساقط رؤوسكم ، ومراكز رماحكم ، وفيؤكم ، وفيء آبائكم ، فمن كان
يرى الله عليه حقّا ، فلينهض إلى الجرعة ، وبايعوني على أن لا يدخل سعيد للكوفة ، فبايعه عشرة
آلاف من أهل الكوفة) .
ولمّا رجع سعيد
بن العاص من المدينة إلى الكوفة ، منعوه من دخولها ، ولم يمهلوه حتّى لشراء ما
يحتاجه من طعام وعلف ، وهدّدوه بالقتل إن لم
__________________
يرجع في الحال ، فرجع سعيد والتحق بعثمان ، وبقي معه إلى أن حوصر عثمان
فدافع عنه . ثمّ كتب مالك الأشتر إلى عثمان : (إنّنا والله ما
منعنا عاملك من الدخول إلى الكوفة لنفسد عليك عملك ، ولكن لسوء سيرته فينا ، وشدّة
عذابه ، فابعث إلى عملك من شئت) .
وقيل إنّهم
عينوا أبا موسى الأشعري" أميرا عليهم" وبعثوا إلى عثمان ابن عفّان
يخبرونه بذلك ، ويطلبون موافقته ، كان ذلك سنة (٣٤) للهجرة .
وقال عتبة بن
الوعل ـ شاعر أهل الكوفة :
|
تصدّق علينا
يابن عفّان واحتسب
|
|
وأمّر علينا
الأشعري لياليا
|
فقال عثمان :
نعم ، وشهور ، وسنين ، إن أنا بقيت
وعند ما آل
الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان عيّن سعيد بن العاص أميرا على" المدينة"
بعد عزل مروان بن الحكم ، وفي تلك الفترة ، حصل نزاع وخلاف بين عبد الرحمن بن
حسّان بن ثابت الأنصاري ، وبين عبد الرحمن ابن الحكم بن العاصي ، حتّى تشاتما
وتفاحشا ، ولمّا علم معاوية بذلك ، كتب إلى سعيد بن العاص ، يأمره أن يجلد كلّ
واحد منهما مائة سوط ، غير أنّ سعيدا لم ينفّذ الأمر ، لأنّ ابن حسّان كان صديقا
له وابن الحكم هو ابن عمّه .
وعند ما عزل
سعيد بن العاص عن المدينة ، وأعيد مروان بن الحكم اليها ، أمر بضرب ابن حسّان مائة
سوط ، ولم يضرب أخاه ، فكتب ابن
__________________
حسّان إلى النعمان بن بشير الأنصاري في الشام" وكان من المقرّبين من
معاوية" بقصيدة طويلة نقتطف منها الأبيات الآتية :
|
ليت شعري
أغائب ليس بالشا
|
|
م خليلي أمّ
راقد نعمان!!
|
|
أية ما يكون
فقد يرجع الغا
|
|
ئب يوما
ويوقظ الوسنان
|
|
إنّ عمرا
وعامرا أبوينا
|
|
وحراما قدما
على العهد كانوا
|
|
إنهم مانعوك
أمّ قلّة الك
|
|
تّاب أمّ أنت
عاتب غضبان؟
|
|
أم جفاء أمّ
أعوزتك القراطي
|
|
س أمّ أمري
به عليك هوان؟
|
|
فنسيت
الأرحام والودّ والصح
|
|
بة فيما أتت
به الأزمان
|
|
إنّما الرمح
فاعلمنّ قناة
|
|
أو كبعض
العيدان لو لا السنان
|
فذهب النعمان
بن بشير إلى معاوية وقال له : (يا أمير المؤمنين ، إنّك أمرت سعيد بن العاص بأن
يضرب ابن حسّان وابن الحكم مائة سوط ، إلّا أنّه لم ينفذ أمرك ، ثمّ ولّيت أخاك ،
فضرب ابن حسّان ، ولم يضرب أخاه ، فقال معاوية : وماذا تريد؟ قال النعمان : أن
تكتب إلى مروان بن الحكم ، لينفذ أمرك في أخيه ، كما نفذه في ابن حسّان. فكتب
معاوية إلى مروان أن يضرب أخاه مائة سوط ، فضربه مروان خمسين سوطا ، وأرسل إلى ابن
حسّان" حلّة" وطلب منه أن يعفو عن خمسين ، فأشاع ابن حسّان في أهل
المدينة بأنّ مروان ضربه" حد الحر" مائة سوط ، وضرب أخاه" حد
العبد" خمسين سوطا. وسرعان ما انتشرت هذه الكلمة بين الناس ، حتّى وصلت إلى
عبد الرحمن بن الحكم ، ذهب إلى أخيه مروان ، وقال له : لا حاجة لي فيما عفا عنه
ابن حسّان ، فبعث إليه وضرب أخاه خمسين سوطا بحضوره .
وعند ما كان
سعيد بن العاص أميرا على الكوفة كان الشعراء
__________________
ينشدون في مجلسه ، فهذا ينشد من شعره ، وذاك يقرأ شعر غيره ، والحطيئة جالس مطرق برأسه لا يتكلّم ، وأخيرا تكلّم الحطيئة فقال
: (والله ما أصبتم جيد الشعر ، ولا شاعر الشعراء). فقال له سعيد : ومن هو أشعر
العرب يا هذا؟ فقال الّذي يقول :
|
لا أعدّ
الإقتار عدوا ولكن
|
|
فقد من قد
رزئته الإعدام
|
|
من رجال من
الأقارب باتوا
|
|
من جذام هم
الرؤوس الكرام
|
|
سلط الموت
والمنون عليهم
|
|
فلهم في صدى
المقابر هام
|
|
وكذاكم سبيل
كلّ أناس
|
|
سوف حقا
تبليهم الأيّام
|
فقال سعيد :
ويحك ، من أنت؟!! قال : الحطيئة. فقال سعيد : لعمر الله ، لأنت عندي أشعر منهم
فأنشدني ، فقال الحطيئة :
|
سعيد وما
يفعل سعيد فإنّه
|
|
نجيب ، فلاه
في الرباط نجيب
|
|
سعيد فلا
يغررك قلّة لحمه
|
|
تخدّر عنه
اللحم فهو صليب
|
|
إذا غاب عنّا
غاب عنا ربيعنا
|
|
ونسقى الغمام
الغرّ حين يؤوب
|
|
فنعم الفتى
تعشو إلى ضوء ناره
|
|
إذا الريح
هبّت والمكان جديب
|
فأعطاه سعيد
عشرة آلاف درهم.
ودخل الفرزدق
يوما على سعيد بن العاص ، وكان عنده الحطيئة فقال :
|
إليك فررت
منك ومن زياد
|
|
ولم أحسب دمي
لكما حلالا
|
|
فإن يكن
الهجاء حلّ قتلي
|
|
فقد قلنا
لشاعركم وقالا
|
|
نرى الغرّ
الجماجم من قريش
|
|
إذا ما الأمر
في الحدثان عالا
|
__________________
|
قياما ينظرون
إلى سعيد
|
|
كأنّهم يرون
به هلالا
|
وعند ما كان
الفرزدق مقيما في المدينة قال :
|
هما دلتاني
من ثمانين قامة
|
|
كما انقض باز
أقتم الريش كاسره
|
|
فلمّا استوت
رجلاي في الأرض قالتا
|
|
أحيّ فيرجى؟
أمّ قتيل تحاذره؟
|
|
فقلت : ارفعا
الأسباب لا يشعروا بنا
|
|
وأقبلت في
اعجاز ليل أبادره
|
|
أحاذر
بوّابين قد وكّلا بنا
|
|
وأسود من ساج
نصرّ مسامره
|
فلمّا سمع أهل
المدينة هذه الأبيات ، ذهبوا إلى مروان بن الحكم ، وقالوا له : إنّ هذا الشعر ، قد أساء إلى أزواج
النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإنّ الفرزدق بشعره هذا ، قد أوجب عليه"
الحدّ" فأمر مروان بإخراج الفرزدق من المدينة ، ولمّا سمع الفرزدق ، هرب وذهب
إلى سعيد بن العاص ، وكان عنده الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر "عليهمالسلام" فأخبرهم بقصته ، فأعطاه كلّ واحد منهم مائة دينار
، ثمّ ذهب إلى البصرة .
وعند ما كان
سعيد بن العاص أميرا على الكوفة كتب إلى عثمان بن عفّان يخبره بأن جماعة من أهل
الكوفة : (يعيبوني ، ويعيبوك ، ويطعنون في ديننا ، وقد خشيت أن يكثروا فيثبت أمرهم).
فكتب إليه عثمان : (سيّرهم إلى معاوية) ، وكان معاوية آنذاك أميرا على الشام ،
فسيّرهم سعيد إلى معاوية ، وكانوا تسعة أشخاص فيهم : مالك الأشتر ، وثابت بن قيس
بن منقع ، وكميل بن زياد النخعي ، وصعصعة بن صوحان.
وعند ما ذهب
طلحة والزبير وعائشة ومؤيدوهم إلى البصرة كان سعيد بن العاص معهم فخطب فيهم وقال :
(أما بعد فإنّ عثمان عاش حميدا ،
__________________
وذهب فقيرا ، شهيدا ، وقد زعمتم أنّكم خرجتم تطلبون بدمه ، فإن كنتم تريدون
ذا ، فإنّ قتلته على هذه المطيّ فميلوا عليهم). فقال مروان بن الحكم : لا بل نضرب
بعضهم ببعض .
وقال المغيرة
بن شعبة : الرأي ما قاله سعيد.
ولمّا رأى سعيد
بن العاص إصرارهم على الذهاب إلى البصرة ، تركهم وذهب إلى" الطائف" مع
من تبعه من أهل مكّة ، إلى أن انتهت معارك الجمل وصفّين.
وعند ما صار
الأمر إلى معاوية ، وصفا له الجوّ ، ذهب سعيد إليه ، فرحّب به معاوية ، وأعطاه
مالا كثيرا ، ثمّ عيّنه أميرا إلى أن مات .
وعند ما كان
سعيد بن العاص أميرا على المدينة أمره معاوية أن يهدم دار مروان بن الحكم ، فكان
سعيد يحتفظ بالكتاب ، ولا ينفّذه ، حتّى كثرت كتب معاوية بهذا الشأن ، ثمّ إنّ
معاوية عزل سعيد بن العاص عن المدينة ، وولى مكانه مروان بن الحكم ، فكتب إليه
معاوية يأمره بهدم دار سعيد بن العاص ، ولمّا سمع سعيد بذلك ، جاء بجميع الكتب
الّتي سبق وأرسلها إليه معاوية ، والّتي يأمره بهدم دار مروان فسلمها إلى مروان ،
عندها كتب مروان إلى معاوية قائلا :
|
كتبت اليّ
تأمرني بعق
|
|
كما قبلي
كتبت إلى سعيد
|
|
فلمّا عصاك
أردت حملي
|
|
على ملسا
وتزلف بالصعيد
|
|
لأقطع واصلا
وأخا حفاظ
|
|
فرأيك ليس
بالرأي السديد
|
وقيل قال عمر
بن الخطاب لسعيد بن العاص ذات يوم : (مالي أراك
__________________
معرضا عني ، كأنّك ترى أنّي قتلت أباك ؟ ما أنا قتلته ، ولكنه قتله عليّ ابن أبي طالب ، ولو
قتلته ، ما اعتذرت من قتل مشرك ، ولكنني قتلت خالي" العاصي بن هشام بن
المغيرة" بيدي".
فقال له سعيد :
(يا أمير المؤمنين ، لو قتلته ، كنت على حقّ ، وكان على باطل) .
مات سعيد بن
العاص في قصره" بالعرصة" على بعد ثلاثة أميال من المدينة سنة (٥٨)
للهجرة ، وقيل سنة (٥٩) .
ولمّا مات سعيد
بن العاص ، ذهب ابنه" عمرو الأشدق" إلى معاوية بن أبي سفيان ، فباعه قصر
أبيه الّذي في" العرصة" بثلثمائة ألف درهم ، وقيل بألف ألف درهم .
١٤ ـ عمرو بن حريث
هو عمرو بن
حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن مخزوم بن يقضة ، المخزومي ، القرشيّ ،
وكنيته : أبو سعيد .
استخلفه سعيد
بن العاص على إمارة الكوفة سنة (٣٤) للهجرة ، وذلك عند ذهاب سعيد إلى المدينة بناء على
استدعائه من قبل الخليفة عثمان
__________________
ابن عفّان ، ثمّ طرده أهل الكوفة ، كما طردوا" أميرهم" سعيد.
وفي سنة (٥٠)
للهجرة ، جمعت ولاية" المصرين" إلى زياد بن أبيه من قبل معاوية بن أبي سفيان ، فذهب
زياد إلى الكوفة ثمّ رجع إلى البصرة ، واستخلف على الكوفة عمرو بن حريث .
وفي سنة (٦٠)
للهجرة جاء عبيد الله بن زياد أميرا على الكوفة من قبل يزيد بن معاوية بن أبي
سفيان ، ثمّ ولّاه يزيد" المصرين" أيضا ، فكان عند ما يذهب عبيد الله بن
زياد إلى البصرة ، يستخلف عمرو بن حريث على الكوفة .
وفي سنة (٧٣)
للهجرة ، جمع عبد الملك بن مروان لأخيه بشر بن مروان إمارة" المصرين"
فذهب بشر إلى البصرة ، واستخلف على الكوفة عمرو بن حريث .
وكان عمرو بن
حريث يميل إلى بني أميّة ، كما أنّهم أي" بنو أميّة" يميلون إليه ويثقون
به ، ولذلك كانوا يولّونه إمارة الكوفة عدّة مرّات ، فأصبح عمرو بن حريث من أغنى
أهل الكوفة ، حيث اشترى دارا بالكوفة إلى جانب المسجد ، وكانت كبيرة ، ومشهورة ،
وقيل إنّه أوّل قرشيّ اشترى دارا بالكوفة .
وكان عمرو بن
حريث يشتغل بالتجارة ، إضافة على ما تدر عليه إمارتي" الكوفة والبصرة"
من هدايا ورواتب وعطايا. وقد اشترى غنائم
__________________
" معركة نهاوند" بألفي ألف درهم عند ما كان في البصرة ، ثمّ
باعها في الكوفة بضعف ما اشتراها .
وعند ما دخل
عبد الملك بن مروان إلى الكوفة سنة (٧١) للهجرة ، وذلك بعد مقتل مصعب بن الزبير ،
أقام له عمرو بن حريث ، مأدبة كبيرة في" قصر الخورنق" قدّم فيها ما لذّ وطاب من أنواع الطعام والشراب ، وعند
ما دخل عمرو بن حريث إلى القصر ، أجلسه عبد الملك معه على سريره ، وبعد ما فرغوا
من الطعام ، قال عبد الملك لعمرو بن حريث :
(ما ألذّ عيشنا
لو دام ، ولكنّنا كما قال الأول :
|
وكلّ جديد يا
أميم إلى بلى
|
|
وكل امرئ
يصير يوما إلى كان
|
ثمّ أخذ عبد
الملك يتجول في القصر ، ومعه عمرو بن حريث ، وهو يسأله : لمن هذا القصر؟ ومن بناه؟
وعمر بن حريث يجيبه على أسئلته ، فقال عبد الملك :
|
إعمل على مهل
فإنّك ميّت
|
|
واكدح لنفسك
أيّها الإنسان
|
|
فكأنّ ما قد
كان لم يك إذ مضى
|
|
وكأنّ ما هو
كائن كان
|
وقيل : تزوج
عمرو بن حريث ابنة أسماء بن خارجة ، فقالت له ذات يوم : (ما أحسبك وأبي تقرآن من
كتاب الله إلّا حرفين). قال وما هما؟ قالت : (كان أبي يقرأ : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ
يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) وأنت تقرأ : (إِنَّ
الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ).
__________________
وكان عمرو بن
حريث من الّذين شهدوا على حجر بن عدي الكندي وجماعته ، أمام زياد بن أبيه ، وكانت تلك الشهادة مما
سببت في قتل حجر وجماعته من قبل معاوية بن أبي سفيان ، وكان عمرو بن حريث آنذاك
أحد رؤوس الأرباع في الكوفة ، وكان على ربع أهل المدينة .
ولمّا مات يزيد
بن معاوية بن أبي سفيان سنة (٦٤) للهجرة ، وكذلك مات ابنه معاوية الثاني ، كان الأمير على
العراق عبيد الله بن زياد ، وكان آنذاك في البصرة ، وعلى الكوفة خليفته عمرو بن
حريث. فخطب عبيد الله بن زياد في أهل البصرة قائلا : (إنّ يزيد بن معاوية قد مات ،
وقد لحقه ابنه معاوية فمات أيضا ، ولم يستخلف أحدا للخلافة ، وبقي الأمر شورى) .
وقال في خطبته
أيضا : (لا أرض اليوم أوسع من أرضكم ، ولا عدد أكثر من عددكم ، ولا مال أكثر من
مالكم ، ففي بيت مالكم مائة ألف ألف درهم ، ومقاتلتكم ستون ألفا ، وعطاؤهم ، وعطاء
العيال ستون ألف ألف درهم ، فانظروا رجلا تنظرونه يقوم بأمركم ، ويجاهد عدوكم ،
وينصف مظلومكم من ظالمكم ، ويوزع بينكم أموالكم) .
فقام إليه
أشراف أهل البصرة ، ومنهم : الأحنف بن قيس وقيس بن الهيثم السلمي ومسمع بن مالك
العبدي ، وقالوا له : (ما نعلم ذلك الرجل غيرك أيّها الأمير ، وأنت أحقّ بهذا
الأمر من غيرك).
__________________
فكتب عبيد الله
بن زياد إلى عمرو بن حريث" خليفته على الكوفة" يعلمه بما قرّر أهل
البصرة ، ويطلب منه أن يأمر أهل الكوفة أن يحذوا حذو أهل البصرة.
فصعد عمرو بن
حريث" منبر الكوفة" وخطب في الناس ، وأخبرهم بما اتفق عليه أهل البصرة ،
وطلب منهم أن يؤيدوا رأي البصرة.
فقام إليه يزيد
بن رويم الشيباني وقال : (الحمد لله الّذي أطلق إيماننا ، لا حاجة لنا في بني
أميّة ، ولا في إمارة ابن مرجانة) .
عندها ثار أهل
الكوفة ، فطردوا عمرو بن حريث ، وجعلوا أميرا عليهم من قبلهم ، ثمّ بايعوا لعبد الله بن الزبير .
مات عمرو بن
حريث بالكوفة سنة (٨٥) للهجرة ، في خلافة عبد الملك بن مروان. وقيل سنة (٧٨) للهجرة .
١٥ ـ ثابت بن قيس بن
الخطيم الأنصاري
هو ثابت بن قيس
بن الخطيم بن عمرو بن يزيد بن سواد ، وقيل هو ثابت بن قيس بن الخطيم بن عدي بن
عمرو بن سواد بن ظفر الأنصاري الظفري ، وظفر بطن من الأوس .
__________________
استخلفه سعيد
بن العاص على إمارة الكوفة سنة (٣٤) للهجرة ، وذلك عند ذهاب سعيد إلى المدينة لملاقات الخليفة
عثمان بن عفّان. ثمّ ثار أهل الكوفة على سعيد بن العاص بزعامة مالك بن الأشتر
النخعي ، فأمر الأشتر النخعي بإخراج ثابت بن قيس من قصر الإمارة ، فأخرجوه .
وكان
أبوه" قيس بن الخطيم" شاعر الأوس ، وأحد أبطالها وصناديدها في الجاهلية
، وأول ما اشتهر به هو أنّه تتبع قاتلي أبيه وجده حتّى قتلهما ، وقال في ذلك شعرا
، وقد أدرك الإسلام ، إلّا أنّه تريّث في إسلامه ، فقتل قبل أن يدخل فيه ، قتل قبل
الهجرة بحوالي سنتين .
شهد ثابت بن
قيس مع الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام حروب الجمل والنهروان وصفّين. ولثابت بن قيس ثلاثة
بنين" عمرو ومحمّد ويزيد" قتلوا يوم الحرّة.
مات ثابت بن
قيس في خلافة معاوية .
١٦ ـ يزيد بن قيس
الأرحبيّ
هو يزيد بن قيس
بن تمام بن حاجب بن الأرحبي من بني صعب بن رومان من همدان ، وهو من رؤساء
اليمانيين الكبار. أدرك النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وسكن الكوفة .
ولمّا ثار أهل
الكوفة سنة (٣٤) للهجرة على سعيد بن العاص" أمير
__________________
الكوفة" المعيّن من قبل الخليفة عثمان بن عفّان وكان آنذاك في المدينة
، فلمّا رجع سعيد نزل في العذيب ، أرسل إليه مالك الأشتر ألف فارس بقيادة يزيد بن
قيس ، وعبد الله بن كنانة العبدي ، وأمرهما بمنع سعيد
من دخول الكوفة
، ويأمرانه بمغادرة مكانه حالا وبدون تأخير ، وإلّا فسوف يقتل ، فرجع سعيد إلى المدينة
.
ثمّ اجتمع
قرّاء أهل الكوفة ، ونصبوا يزيد بن قيس أميرا عليهم ، وبعد أن هدأت الحال بعزل
سعيد عن الكوفة استجابة لمطاليب أهل الكوفة ، تمّ تعيين أبي موسى الأشعري أميرا
فعزل يزيد .
وكان يزيد بن
قيس مع الإمام عليّ في حروبه ، وولّاه شرطته .
ويزيد بن قيس
هو : من الخطباء ، الفصحاء ، الشجعان ، فقد جاء إلى الإمام عليّ عليهالسلام في أوائل أيّام حرب صفّين وقال له : (يا أمير المؤمنين
، نحن على جهاز وعدّه ، وأكثر الناس أهل قوّة ، ومن ليس بمضعّف وليس به علّة ، فمر
مناديك فليناد الناس يخرجوا إلى معسكرهم بالنخيلة ، فإنّ أخا العرب ليس بالسؤوم ،
ولا النؤوم ، ولا من أمكنه الفرص أجلها ، واستشار فيها ، ولا من يؤخر الحرب في
اليوم إلى غد وبعد غد) .
وكان يزيد بن
قيس من المحرضين على القتال في حرب صفّين ، فقد خطب وقال : (إنّ هؤلاء القوم ،
والله ما إن يقاتلون على إقامة دين رأونا ضيعناه ولا إحياء عدل رأونا أمتناه ، ولن
يقاتلونا إلّا إقامة الدنيا ، ليكونوا
__________________
جبابرة فيها ملوكا) .
وقال ثمامة بن
حوشب يخاطب معاوية بن أبي سفيان :
|
معاوي لا
تسرع السير نحونا
|
|
فبايع عليّا
أو يزيد اليمانيا
|
ولمّا حصلت
الهدنة بين الإمام عليّ عليهالسلام ومعاوية بن أبي سفيان في حرب صفّين وتبودلت الرسائل
والرسل بن الطرفين ، كان يزيد بن قيس من رسل الإمام عليّ عليهالسلام .
وعند ما رجع
الإمام عليّ عليهالسلام من البصرة إلى الكوفة سنة (٣٦) للهجرة ، عيّن يزيد بن
قيس أميرا على المدائن وجوخا كلّها ، وعيّن مخنف ابن سليم على أصبهان وهمدان .
وكان جماعة من
وجوه أهل الكوفة ونسّاكهم قد كتبوا إلى الخليفة عثمان بن عفّان ، منهم : معقل بن
قيس الرياحي ، وعبد الله بن طفيل العامري ، ويزيد بن قيس الأرحبي ، وسليمان بن صرد
الخزاعي وغيرهم ، (أنّ سعيد ابن العاص كتب إليك عن جماعة من أهل الفضل والدين ، فحمّلك
أمرهم على ما لا يحلّ ، وإنّا نذكرك الله في أمّة محمّد ، فإنّك قد بسطت يدك فيها
، وحملت بني أبيك على رقابها ... الخ).
قتل يزيد بن
قيس في معركة صفّين سنة (٣٧) للهجرة .
__________________
١٧ ـ مالك الأشتر
وهو : مالك بن
الحارث بن الأشتر النخعي . ثار بالكوفة سنة (٣٤) للهجرة على سعيد بن العاص"
أمير الكوفة" المعيّن من قبل الخليفة عثمان بن عفّان ، ذلك لأن سعيد بن العاص
، قد خطب في أهل الكوفة فذّمهم ووصفهم بالشقاق والنفاق والخلاف ، وقال : (إنّما
هذا السواد لأغيلمة من قريش) . ثمّ سبب لأهل الكوفة ضررا كبيرا ، مما جعل أهل الكوفة
يشكوه لدى الخليفة عثمان بن عفّان ، فرفض الخليفة شكواهم ، فثاروا على سعيد بن
العاص وطردوه من الكوفة. ثمّ بعد ذلك اتّفق أهل الكوفة على أبي موسى الأشعري
فعينوه أميرا عليهم .
ومالك الأشتر ،
من كبار الشجعان ، أدرك الجاهلية ، وأدرك النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان رئيس قومه ، وشهد معركة اليرموك ، وذهبت عينه
فيها ، وكان مع الإمام عليّ عليهالسلام في حربي (الجمل وصفّين) وسكن الكوفة ، وله فيها ذرّية ،
وله شعر جيد .
أرسله الإمام
عليّ عليهالسلام أميرا على مصر ، خلفا لمحمد بن أبي بكر الصدّيق ، ولمّا
سمع معاوية بن أبي سفيان بتوليته على مصر ، كتب إلى (الخانسيار) بأنّه إذا قتل
مالك الأشتر ، فسوف لا يأخذ منه الخراج مادام حيّا ، فالتقى الخانسيار بالأشتر في
طريقه إلى مصر ، وقال له : (إنّ عليّ
__________________
خراجا كثيرا ، فانزل وخذه) فنزل الأشتر ، وجيء له بالطعام والشراب ، وقدموا
له أيضا" عسلا" ووضعوا فيه سما ، فلمّا شربه ، مات الأشتر.
ولمّا سمع
معاوية وعمرو بن العاص ، فرحا كثيرا فقال عمرو بن العاص : (إنّ لله جنودا من عسل) ، وقيل غير ذلك في قتله.
وعند ما سمع
الإمام عليّ عليهالسلام بموت مالك قال : (رحم الله مالكا وما ملك ، لو كان من
جبل لكان فندا ، أو من حجر لكان صلدا ، على مثل مالك فلتبكي البواكي
وهل يوجد مثل مالك؟ فلقد كان لي ، كما كنت لرسول الله) .
وقصّة مالك
الأشتر مع عبد الله بن الزبير مشهورة ، وهي : في معركة الجمل الّتي دارت رحاها في
البصرة بين طلحة والزبير وعائشة" أمّ المؤمنين" من جهة ، وبين الإمام
عليّ عليهالسلام من جهة أخرى ، كان عبد الله بن الزبير مع خالته"
عائشة" وكان مالك بن الأشتر مع الإمام عليّ عليهالسلام ، وعند ما بدأت الحرب بين الطرفين ، برز عبد الله بن
الزبير ، فخرج له مالك الأشتر ، فكانا يتجاولان ويتصارعان ، فتارة يصرع مالك وتارة
أخرى يصرع عبد الله بن الزبير ، وعند ما صرع عبد الله بن الزبير ، جلس مالك على
صدره فقال عبد الله :
|
أقتلاني
ومالكا
|
|
واقتلا مالكا
معي
|
فافترقا ولم
يقتل أحدهما الآخر.
__________________
وقيل إنّ"
عائشة" أعطت عشرة آلاف درهم للّذي بشرها بنجاة ابن أختها عبد الله. وقيل :
إنّ الأشتر دخل على أمّ المؤمنين" عائشة" بعد المعركة فقالت له : يا
أشتر ، أنت الّذي أردت أن تقتل ابن أختي يوم الوقعة؟ فقال الأشتر :
|
أعائش لو لا
إنّني كنت طاويا
|
|
ثلاثا لألفيت
ابن أختك هالكا
|
|
غداة ينادي
والرماح تنوشه
|
|
بآخر صوت :
اقتلاني ومالكا
|
|
فنجّاه منّي
أكله وسنانه
|
|
وخلوة جوف لم
يكن متمالكا
|
وقيل إنّ
الأشتر قال لعبد الله بن الزبير أثناء المبارزة : (والله لو لا قرابتك من رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ما اجتمع منك عضو إلى عضو أبدا) .
وفي حرب صفّين
الّتي وقعت بين الإمام عليّ عليهالسلام وبين معاوية بن أبي سفيان كان عبيد الله بن عمر بن
الخطاب في جيش معاوية ، ومعه أربعة آلاف مقاتل ، فقال له الإمام عليهالسلام : (ويحك يا ابن عمر!! علام تقاتلني؟!! والله لو كان
أبوك حيّا ، لمّا قاتلني) .
ثمّ طلب عبيد
الله بن عمر بن مالك الأشتر أن يبارزه ، فخرج الأشتر وهو يقول :
|
إنّي أنا
الأشتر معروف السير
|
|
إنّي أنا
الأفعى العراقي الذكر
|
|
لست من الحي
ربيع أو مضر
|
|
لكنّني في
مذحج البيض الغرر
|
فانصرف عبيد
الله ، ولم يبارز الأشتر.
وقيل : إنّ
عبيد الله بن عمر ، حينما برز أمام الناس في حرب صفّين
__________________
قال :
|
أنا عبيد
الله ينميني عمر
|
|
خير قريش من
مضى ومن غبر
|
|
قد أبطأت في
نصر عثمان مضر
|
|
غير نبي الله
والشيخ الأغر
|
|
والربيعيون
، فلا أسقوا المطر
|
ومن شعر مالك
الأشتر أنّه قال :
|
بقيت وفري
وانحرفت عن العلى
|
|
ولقيت أضيافي
بوجه عبوس
|
|
إن لم أشنّ
على ابن هند غارة
|
|
لم تخل يوما
من شهاب نفوس
|
|
خيلا كأمثال
السعالى شزبا
|
|
تعدو ببيض في
الكريهة شوس
|
|
حمى الحديد
عليهم فكأنّهم
|
|
لمعان برق أو
شعاع نفوس
|
مات مالك
الأشتر في الطريق" مسموما" في شهر رجب من سنة (٣٧) للهجرة وقيل سنة (٣٨) .
١٨ ـ أبو موسى
الأشعري
أعيد أبو موسى
الأشعري إلى إمارة الكوفة" ثانية" سنة (٣٤) للهجرة ، من قبل أهل الكوفة
، بعد ثورتهم على سعيد بن العاص. ثمّ عزله الإمام عليّ عليهالسلام في أواخر سنة (٣٥) للهجرة ، وعيّن مكانه عمارة بن شهاب.
__________________
١٩ ـ عمارة بن شهاب
وعمارة بن شهاب
من المهاجرين الّذين هاجروا من مكّة إلى المدينة ، وله صحبة .
ولّاه الإمام
عليّ بن أبي طالب عليهالسلام إمارة الكوفة سنة (٣٥) للهجرة ، وقيل سنة (٣٦) ، وذلك بعد عزل أبي موسى الأشعري المعين من قبل الخليفة
عثمان بن عفّان.
وعند ما وصل
عمّارة بن شهاب إلى" زباله" عند ذهابه إلى الكوفة لقيه طليحة بن خويلد الأسدي ، وقد خرج مطالبا بدم عثمان ، وهو يقول :
|
" لهفي على أمر سبقني ، ولم
أدركه".
|
|
"
يا ليتني كنت جدع أكر فيها وأضع".
|
فقال له طليحة
: من أنت؟ قال : عمّارة بن حسّان بن شهاب.
قال طليحة :
وما الّذي جاء بك؟ قال عمارة : بعثت إلى الكوفة أميرا.
قال : ومن بعثك؟
قال عمارة :
أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.
قال طليحة : (إلحق
بطيّك ، فإنّ القوم لا يريدون بأميرهم أبي موسى الأشعري بدلا وإن أبيت ، ضربت عنقك)
.
__________________
فرجع عمارة ،
وهو يقول : (احذر الخطر ما يماسك ، الشرّ خير من شرّ منه) . ثمّ أخبر الإمام عليّ بما جرى له مع طليحة. فعزله.
٢٠ ـ قرضة بن كعب
الأنصاريّ
هو : قرضة بن
كعب بن ثعلبة بن عمرو بن كعب بن مالك بن ثعلبة ابن كعب بن الخزرج بن الحارث بن
الخزرج ، الأنصاريّ الخزرجيّ ، حليف بني عبد الأشهل ، وكنيته : أبو عمر .
ولّاه الإمام
عليّ بن أبي طالب عليهالسلام إمارة الكوفة سنة (٣٦) للهجرة ، بعد إقالة أبي موسى الأشعري عنها" وبعد أن رجع
عمارة بن شهاب إلى المدينة عند توليته الكوفة من قبل الإمام عليهالسلام.
ثمّ استخلفه
الإمام عليّ عليهالسلام على الكوفة أيضا ، وذلك عند ذهابه إلى"
صفّين" . وكان قرضة بن كعب قد شهد مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حرب أحد وما بعدها ، وفتح الله على يديه"
الريّ" في خلافة عمر سنة (٢٣) للهجرة ، كما وكان على خيل الجيش عند ما ذهب أبو موسى
إلى" تستر".
وقرضة بن كعب
من الصحابة الأجلاء ، الّذين حفظوا الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا أنّه منع من التحدث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أيّام أبي بكر وعمر ، فقد جمع أبو بكر الناس بعد وفاة
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال لهم : (إنّكم تحدّثون عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحاديث تختلفون فيها ، والناس
__________________
بعدكم أشدّ اختلافا ، فلا تحدّثوا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شيئا ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله ،
فاستحلّوا حلاله ، وحرّموا حرامه) .
وقرضة بن كعب
هو : أحد العشرة من الأنصار ، الّذين بعثهم الخليفة عمر بن الخطاب إلى الكوفة ،
وحينما خرجوا من الكوفة ، سار معهم حتّى أوصلهم خارج المدينة. ثمّ سألهم عمر : (أتدرون
لم شيّعتكم؟) قالوا : نعم ، مكرمة لنا. قال : (ومع ذلك ، فإنّكم تأتون أهل القرية
، لهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل ، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم ، جوّدوا القرآن
، وأقلّوا الرواية عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنا شريككم) . وكان قرضة بن كعب رئيس جماعته ، وهو المتحدّث فيهم.
ولمّا وصل قرضة بن كعب إلى الكوفة ، قالوا له : حدّثنا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : (نهانا عمر) .
وعند ما كان
قرضة بن كعب أميرا على الكوفة ، كتب إلى الإمام عليّ عليهالسلام يقول : (بسم الله الرحمن الرحيم ، أمّا بعد ، فإنّي
أخبر أمير المؤمنين ، أنّ خيلا مرّت بنا من قبل ناحية الكوفة ، متوجهة نحو"
نفر" ، وأنّ رجلا من دهاقين أسفل الفرات قد صلّى ، يقال
له" زاذان بن فروخ" أقبل من قبل أخواله في ناحية" نفر" فعرضوا
له وقالوا له : (أمسلم أمّ كافر؟) فقال : بل أنا مسلم.
قالوا : فما هو
قولك في عليّ؟
__________________
قال : أقول فيه
خيرا ، أقول : أنّه أمير المؤمنين ، وسيد البشر بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فقالوا له :
كفرت يا عدوّ الله. ثمّ حملت عليه عصابة منهم فقتلوه ، ثمّ مثلوا به وقطّعوه
ووجدوا معه رجلا من أهل الذمّة ، فقالوا له : من أنت؟
قال : رجل من
أهل الذمّة ، فتركوه. ثمّ جاء إلينا ذلك الذّميّ ، فأخبرنا بذلك. وقد سألت عنهم ،
فلم يخبرني أحد عنهم بشيء ، فليكتب اليّ أمير المؤمنين برأيه فيهم والسلام) .
فكتب إليه
الإمام عليّ عليهالسلام : (أما بعد ، فقد فهمت ما ذكرت من العصابة الّتي مرّت
بك فقتلت البرّ المسلم ، وآمن عندهم المخالف الكافر ، وأن أولئك قوم استهواهم
الشيطان فضلّوا ، وكانوا كالذين حسبوا ألا تكون فتنة ، فعموا وصمّوا ، فاسمع بهم
وأبصر يوم تخبر أعمالهم ، والزم عملك ، وأقبل على خراجك ، فإنّك كما ذكرت في طاعتك
ونصيحتك ، والسلام) .
وكان الإمام
عليّ عليهالسلام يوصي (عمّاله) الرفق بالرعيّة ، والاهتمام بشؤون الناس
جميعا ، فقد كتب كتابا إلى قرضة بن كعب جاء فيه : (أما بعد ، فإنّ رجالا من أهل
الذمّة من عملك ، ذكروا أنّ نهرا في أرضهم قد عفا ودفن ، وفيه لهم عمارة على
المسلمين ، فانظر ، أنت وهم ، وأصلح النهر ، فلعمري لئن يعمروا ، أحبّ اليّ من أن
يخرجوا ، أو يقصّروا في واجب من صلاح البلاد ، والسلام) .
ومن المتناقضات
والمفارقات في هذه الدنيا" وما أكثرها" فقد كان لقرضة بن كعب ولدان
هما" عمرو" و" عليّ". فكان عمرو من أصحاب
__________________
الحسين عليهالسلام في واقعة كربلاء وقاتل مع الحسين وهو يرتجز ويقول :
|
قد علمت
كتيبة الأنصار
|
|
إنّي سأحمي
حوزة الذّمار
|
|
ضرب غلام غير
نكس شاري
|
|
دون حسين
مهجتي وداري
|
ثمّ استشهد
ودفن مع الشهداء ، قرب قبر الحسين عليهالسلام.
أما"
عليّ" فقد كان مع جيش الأعداء ، مع" عمر بن سعد بن أبي وقّاص" ، وحينما رأى أخاه قد قتل ، نادى : يا حسين ، يا كذّاب
ابن الكذّاب ، أضللت أخي وغررته حتّى قتلته. فقال له الحسين عليهالسلام (إنّ الله لم يضلّ أخاك ، ولكنه هدى أخاك وأضلّك) فقال له" عليّ"
: (قتلني الله إنّ لم أقتلك) ، فهجم على الحسين عليهالسلام ، فاعترضه نافع بن هلال المرادي فطعنه ثمّ صرعه ، ثمّ
جاء أصحابه فحملوه واستنقذوه .
مات قرضة بن
كعب الأنصاري بالكوفة ، في خلافة الإمام عليّ عليهالسلام وهو الّذي صلّى عليه ، وله عقب في الكوفة.
٢١ ـ الإمام عليّ بن
أبي طالب عليهالسلام
هو : عليّ بن
أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي
بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن
نزار بن معد بن عدنان بن أدد بن ناخور بن سود بن يعرب بن يشجب بن ثابت بن
__________________
إسماعيل بن إبراهيم (خليل الرحمن) بن تارح" وهو آزر" بن ناخور بن
ساروخ بن ارعواء بن فالح بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ابن لمك بن
متوشلح بن أخنوخ بن يرد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم (عليهمالسلام) .
وكنيته : أبو
الحسن ، وأبو تراب . دخل الكوفة في الثاني عشر من شهر رجب من (٣٦) للهجرة ، بعد رجوعه من البصرة ، ونقل مركز الخلافة اليها ،
فأصبح" أميرا للكوفة" إضافة إلى كونه" أمير المؤمنين وخليفة
المسلمين".
لست أدري ماذا
أكتب عن الإمام عليّ بن أبي طالب؟ وأنا الفقير العاجز ، وما قدري ومعياري تجاه هذه
الشخصية العظيمة ، الّتي كتب عنها آلاف الكتّاب والعباقرة ، والفلاسفة ، مسلمين
وغير مسلمين ، وطبعت آلاف بل ملايين الكتب والنشرات وبشتّى اللغات ، تضم في
صفحاتها حياة ذلك الرجل العظيم ، ولا أغالي إذا قلت : لا تخلوا أيّة مكتبة من
مكتبات العالم ، إلّا وفيها كتاب عنه ، أو ذكر له.
وقبل هؤلاء
الكتّاب وغيرهم ، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ
مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ، إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا
نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً). وقال عزّ من قائل : (وَيُؤْتُونَ
__________________
الزَّكاةَ
وَهُمْ راكِعُونَ).
هاتين الآيتين
الشريفتين وغيرهما من الآيات المباركة ، قد فسّرها أكثر المؤرخين بأنّها
قد نزلت في حقّ عليّ بن أبي طالب.
وقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ ، حينما آخى بين المهاجرين والأنصار : (وأنت أخي)
.
وقال له صلىاللهعليهوآلهوسلم أيضا ، حين استخلفه على المدينة عند ذهابه إلى غزوة
تبوك : (أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي) .
وقال له أيضا :
يا عليّ .." أنت منّي وأنا منك" .
وقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في" غدير خم" : (من كنت مولاه فهذا عليّ
مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله) .
فلقيه الخليفة
عمر بن الخطاب فقال له : (بخ ، بخ لك يا ابن أبي
__________________
طالب ، فلقد أصبحت مولاي ، ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة) .
وهذا الحديث
أخرجه كثير من المؤرخين ، ومن العلماء أمثال : الترمذي والنسائي والإمام أحمد بن حنبل ، كما رواه ستة عشر صحابيّا ، وذكره عدد من الشعراء ،
كان أولهم حسّان بن ثابت :
|
يناديهم ،
يوم الغدير ، نبيهم
|
|
بخم ، واسمع
بالنبيّ مناديا
|
|
وقال : فمن
مولاكم ووليكم
|
|
فقالوا : ولم
يبدوا هناك التعاليا
|
|
إلهك مولانا
، وأنت نبينا
|
|
ومالك منّا
بالوصاية عاصيا
|
|
فقال له / قم
يا عليّ ، فإننّي
|
|
رضيتك من
بعدي إماما وهاديا
|
|
فمن كنت
مولاه فهذا وليه
|
|
فكونوا له
أنصار صدق مواليا
|
وقال بولص سلامة :
|
يا إلاهي من
كنت مولاه حقا
|
|
فعليّ مولاه
غير نكير
|
|
يا إلاهي وال
الّذين يوالون
|
|
ابن عمّي
وانصر حليف نصيري
|
|
كن عدوّا لمن
يعاديه واخذل
|
|
كلّ نكس
وخاذل شرير
|
|
قالها آخذا
بضبع عليّ
|
|
رافعا ساعد
الإمام الهصور
|
|
حيدر زوج
فاطم وأبو السبطين
|
|
الرمح يوم
طعن النحور
|
وعن أبي هريرة
أنّه قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو في محفل من أصحابه :
__________________
(إن تنظروا إلى
آدم في علمه ، ونوح في همّه ، وإبراهيم في خلقه ، وموسى في مناجاته ، وعيسى في
سنّه ، ومحمّد في هديه وعلمه ، فانظروا إلى هذا المقبل) فتطاول الناس بأعناقهم ،
فإذا هو عليّ بن أبي طالب) .
وقال الوالد
الشيخ عبد الحسين الشيخ سلمان آل خليفه" رحمهالله" بحقّ عليّ : :
|
لعالم الكون
ربّ الكون صوره
|
|
كالروح للجسم
أو كالنور للبصر
|
|
سرّ الخفيات
كشّاف غوامضها
|
|
أعجوبة الدهر
لا بل حيرة الحير
|
|
فلتخسأ
الحكما عن حدّ مبدئه
|
|
من ذا يحدّد
سرّ الله للبشر؟
|
|
حقيقة الغيب
لم تدرك حقيقته
|
|
يجل عن حده
أو رسمه الخطر
|
|
ولتقصر
الشعراء عن وصفه مدحا
|
|
ولتعترف
كلّها بالعجز والخور
|
|
ماذا تفوه به
مدحا ومادحه
|
|
ربّ البرّية
بالآيات والسور
|
|
الله عظّمه
قدرا وشرّفه
|
|
على البرّية
من بدو ومن حضر
|
ولادته : ولد
الإمام عليّ عليهالسلام في داخل الكعبة المشرفة ، ولم يولد قبله ولا بعده سواه
، وفي ذلك أيضا قال الوالد" رحمهالله" :
|
وذا عليّ
ببيت الله مولده
|
|
أمّ القرى قد
تردّت هيكل البشر
|
|
بوركت يا حرم
الباري بمولده
|
|
وحزت أقصى
مقام العزّ والظفر
|
أبوه :
وأبوه" أبو طالب " سيد البطحاء ، وشيخ قريش ، ورئيس مكّة ، وهو
الّذي آوى محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم وكفّله ، وربّاه ، وتحمّل الأذى في سبيله ، وخاصّة تلك
المقاطعة الّتي فرضتها قريش على آل أبي طالب ، والّتي حدثنا
__________________
التاريخ عن بشاعتها ومأساتها ذلك هو" شعب أبي طالب" .
وعند ما شعر
أبو طالب بقرب أجله ، أوصى قريشا وصيته المشهورة ، نقتطف منها :
(يا معشر قريش
، أوصيكم بتعظيم هذا البيت ، فإنّ فيه مرضاة الربّ ، وقوام العيش ألا وإنّي أوصيكم
بمحمّد خيرا ، فإنّه الأمين في قريش ، والصادق في العرب ، وهو الجامع لكلّ ما
أوصيكم به) .
ثمّ التفت إلى
بني هاشم وقال : (وأنتم معاشر بني هاشم ، أجيبوا محمّدا ، وصدّقوه تفلحوا وترشدوا).
ثمّ قال أبو طالب معبرا عن حبّه لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم :
|
لقد علموا
أنّ ابننا لا مكذّب
|
|
لدينا ، ولا
يعني بقول إلّا باطل
|
|
حليم رشيد
عادل غير طائش
|
|
يوالي إلاها
، ليس عنه بغافل
|
|
وأبيض ،
يستسقي الغمام بوجهه
|
|
شمال اليتامى
عصمة للأرامل
|
جدّه : وأما
جدّه ، فعبد المطلب ، واسمه الحقيقي" شيبة" ولكثرة محامده سماه العرب :
" شيبة الحمد" ووصفوه بأنّه ذلك الرجل الّذي يطعم الناس في السهل ،
والوحوش في الجبال ، وهو الّذي هداه الله إلى مكان بئر زمزم ، فحفرها ، وتفجّرت
منها المياه .
وعبد المطلب :
هو الّذي قال كلمته المشهورة لأبرهة الحبشي حينما جاء ليهدم الكعبة : (أمّا إبلي
فهي لي ، وأما البيت فله ربّ يحميه) .
__________________
أمّه : وأمّه
فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، وهي الّتي أسمته" حيدرة" وكانت أول هاشمية تزوجها هاشمي . وكان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يحبّها كثيرا ، ويناديها : (أمّي) أو (يا أمّاه) ،
ولمّا ماتت ، كفّنها بقميصه ، ونام في قبرها ، فقال له أصحابه : (إنّا ما رأيناك يا رسول الله صنعت
بأحد مثل ما صنعت بها؟) فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : (إنّه لم يكن أحد" بعد أبي طالب" أبرّ بي
منها ، إنّما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة ، واضطجعت معها ، ليهون عليها ضغطة
القبر) .
زوجته : وأما
زوجته ، فهي فاطمة الزهراء" البتول" بنت نبيّ الرحمة محمّد بن عبد الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الّتي قال فيها أبوها صلىاللهعليهوآلهوسلم : (فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها أغضبني) .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم فيها أيضا : (فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة) .
وعن
عائشة" أمّ المؤمنين" أنّها قالت : دعا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ابنته فاطمة في مرضه الّذي مات فيه ، فهمس في
أذنها" فبكت". ثمّ همس في أذنها مرّة ثانية" فضحكت" ثمّ
سألتها فيما بعد عن ذلك ، فقالت : سارّني النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبرني أنّه يقبض في مرضه هذا فبكيت ، ثمّ سارّني مرّة
أخرى فأخبرني بأنّي أوّل اللّاحقين به من أهل بيته فضحكت .
وهناك الكثير
من الأحاديث النبويّة الشريفة الّتي قيلت بحقّ
__________________
فاطمة عليهاالسلام.
ولداه : وولداه
من فاطمة عليهالسلام هما : الحسن والحسين عليهماالسلام ، اللّذان قال فيهما جدّهما رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (الحسن والحسين ، سيدا شباب أهل الجنّة) .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : (الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا) . وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : (هذان ابناي ، وابنا ابنتي ، اللهم إنّي أحبّهما ،
وأحبّ من يحبّهما) . وهناك الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة في ولديه
الحسن والحسين" عليهماالسلام" ولكنّني أكتفي بهذا القدر.
نشأته : ولمّا
بلغ" عليهالسلام" من العمر أربع سنوات ، أخذه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ليعيش معه ومع خديجة الكبرى في دار واحدة. وعند ما
جاء" الوحي" كانت خديجة أوّل المسلمات وكان عليّ عليهالسلام أوّل المسلمين ، ومن ذلك الوقت ، أصبح عليهالسلام ملازما للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يفارقه ، يصلّي معه ، ويصغي إليه ، وكم من آية وآيات
كان عليهالسلام أوّل من يسمعها ويعيها. وإذا صعب عليه فهم بعضها ، سأل
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم عنها ، حتّى قال عليهالسلام : (سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن كتاب الله ما شئتم
، فو الله ما من آية من آياته ، إلّا وأنا أعلم أين نزلت ، ومتى نزلت ، وفيمن نزلت
، أفي ليل أمّ نهار) .
وقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : (أقضاكم عليّ) .
وقال رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : (أنا مدينة العلم ، وعليّ بابها) .
__________________
وقال رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ : (أنت منّي ، وأنا منك) .
وهكذا كان
الإمام عليّ عليهالسلام في كافّة العلوم ، ففي علم الفقه ، كان الخليفة عمر بن
الخطاب يرجع إليه في كثير من المسائل الّتي أشكلت عليه ، وعلى غيره من الصحابة ومن
أقوال عمر المأثورة : (لو لا عليّ لهلك عمر) .
وقال : (لا
بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن) .
وثالثة : (لا
يفتين أحد في المسجد وعليّ حاضر) .
ورابعة : (عليّ
أقضانا) .
وأمّا فصاحته :
فهو إمام الفصحاء ، وسيّد البلغاء ، وكلامه دون كلام الخالق ، وفوق كلام المخلوق ،
وكتابه نهج البلاغة خير دليل.
وأما علم النحو
والعربية : فهو الّذي ابتدعه وأنشأه ، وأملى قواعده على أبي الأسود الدؤلي .
وأمّا عبادته :
فكان" عليهالسلام" يأنس باللّيل إذا سجى ، لأنّه يتفرّغ لعبادة الله
سبحانه وتعالى ، قال ضرار يصف عليّا في مجلس معاوية : (كان والله ، بعيد المدى ، شديد
القوى ، يقول فصلا ، ويحكم عدلا ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه
، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل ووحشته ، وكان والله ، غزير العبرة ،
طويل
__________________
الفكرة ، يقلّب كفّه ، ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما قصر ، ومن الطعام
ما خشن ، كان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ، وينبأنا إذا استنبأناه ، ونحن مع
تقريبه إيّانا ، وقربنا منه ، لا نكاد نكلّمه لهيبته ، ولا نبتدئه لعظمته ، يعظّم
أهل الدين ، ويحبّ المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ،
وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى اللّيل سدوله وغارت نجومه ، وقد مثل في
محرابه ، قابضا على لحيته ، يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ، ويقول : يا
دنيا غري غيري ، أأليّ تعرضت؟ أمّ إليّ تشوّقت؟
هيهات .. هيهات
، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك ، فعمرك قصير ، وخطرك حقير ، آه من قلة الزاد ،
وبعد السفر ، ووحشة الطريق) .
فبكى معاوية ،
وقال : رحم الله أبا الحسن فلقد كان كذلك. فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ فقال : (حزن من
ذبح واحدها في حجرها) .
وأما شجاعته
وحروبه : فقد اعترف بها الأعداء قبل الأصدقاء ، وفاقت شجاعته كلّ ما يتصوّره
الإنسان ، ومبيته عليهالسلام على فراش النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ليلة الهجرة ، كانت منتهى الشجاعة والتضحية ، حيث أجمعت
قبائل قريش على قتل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فانتخبت فارسا من كلّ قبيلة لكيلا يتمكّن بنو هاشم من
المطالبة بدمه .
ولقد
شارك" عليهالسلام" مع النبيّ في جميع حروبه مع المشركين ، ما عدا
غزوة تبوك ، فقد استخلفه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في المدينة ، ولمّا استفسر من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن سبب إبقائه في المدينة قال الرسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم : (ألا
__________________
ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ من بعدي) .
وفي حرب الخندق
: جاء المشركون إلى المدينة فحاصروها ، وتقدّم قائدهم" عمرو بن ودّ
العامري" فعبر الخندق ، ونادى : هل من مبارز؟ فلم يجبه أحد ثمّ نادى : ثانية
وثالثة ، فكان في كلّ مرّة يقوم إليه الإمام عليّ عليهالسلام ولكنّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم يجلسه.
وأخيرا قام
الإمام عليه عليهالسلام ، وتقدّم نحو القائد المنادي ، عندها قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : (برز الإيمان كلّه على الشرك كلّه). وبعد لحظات من
المبارزة كبّر الإمام عليّ عليهالسلام وما انجلت الغبرة ، إلّا وكان عمرو بن ودّ مجندلا على
الأرض.
وجاءت أخت عمرو
، فشاهدت أخاها قتيلا ، لم يسلب منه أي شيء ، فسألت عن قاتل أخيها ، فقيل لها : إنه
عليّ بن أبي طالب ، عندها قالت :
|
لو كان قاتل
عمرو غير قاتله
|
|
بكيته ما أقام
الروح في الجسد
|
|
لكن قاتله من
كان لا نظير له
|
|
وكان يدعى
أبوه" بيضة البلد"
|
ثمّ جاءت حرب
خيبر ، وأمام حصنها المنيع عادت" أوّل يوم" كتيبة قوّية وكان يقودها أبو
بكر الصدّيق ، ثمّ وفي اليوم الثاني ، رجعت كتيبة أخرى ، كان يقودها عمر بن الخطاب
، عندها غضب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال : (لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ،
ويحبّه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه) .
__________________
وفي الصباح ،
نادى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : أين عليّ؟ وجيء بعليّ وهو أرمد ، فوضع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من ريقه الشريف على عينيّ الإمام عليهالسلام فشفيتا في الحال ، ثمّ أعطاه الراية قائلا : (خذ هذه
الراية ، فامضي بها حتّى يفتح الله عليك) .
فأخذ الإمام
عليّ عليهالسلام الراية ، وتقدّم نحو الحصن مهرولا وهو يقول :
|
أنا عليّ بن
أبي طالب
|
|
أنا الّذي
سمتني أمي حيدره
|
وما هي إلّا
لحظات ، حتّى سمع القوم عليّا يصيح : الله أكبر ، الله أكبر.
وباب الحصن بين
يديه .
وقال أبو
رافع" مولى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم" وكان ضمن كتيبة الإمام عليّ عليهالسلام : (لقد هممت أنا وسبعة معي أن نحرك هذا الباب من مكانه على الأرض فما
استطعنا) .
وفي ذلك قال
ابن أبي الحديد في قصيدته العينية :
|
يا قالع
الباب الّذي عن هزها
|
|
عجزت أكفا
أربعون وأربع
|
ثمّ جاءت حرب
الجمل والنهروان ، وأخيرا حرب صفّين ، الّتي قتل فيها آلاف المسلمين ومن الصحابة
الأجلاء" البدريين وغيرهم" مما تتفتت له الأكباد ، ويقطر القلب دما .
وهكذا كانت
حياة الإمام عليّ عليهالسلام إلى أن خضّبت لحيته بدمه ، وهو
__________________
قائم يصلّي في المحراب ، ضربه عبد الرحمن بن ملجم ، صبيحة التاسع عشر من
شهر رمضان من سنة (٤٠) للهجرة ، ولكن لم تنته أخلاقه وسمعته وزوّاره ومحبيه وستبقى
ذكراه إلى أن تقوم الساعة.
ولقد أجاد
الشاعر حيث قال مخاطبا معاوية على قبره بقصيدة طويلة نقتطف
منها :
|
أين القصور
أبا يزيد ولهوها
|
|
والصافنات
وزهوها والسؤدد
|
|
هذا ضريحك لو
بصرت ببؤسه
|
|
لأسال مدمعك
المصير الأسود
|
|
كتل من الترب
المهين بخربة
|
|
سكر الذباب
بها فراح يعربد
|
ومنها :
|
قم وارمق
النجف الشريف بنظرة
|
|
يرتدّ طرفك
وهو باك أربد
|
|
تلك العظام
أعزّ ربّك قدرها
|
|
فتكاد لو لا
خوف ربّك تعبد
|
فسلام عليك يا
أمير المؤمنين ، يوم ولدت في الكعبة ، ويوم قتلت في محراب صلاتك بالكوفة ، ويوم
تبعث حيّا.
٢٢ ـ أبو مسعود
الأنصاري
هو : عقبة بن
عامر" عمرو" بن نابي بن زيد ، وكنيته : أبو مسعود ، وقد غلبت كنيته على
اسمه .
وقيل : هو عقبة
بن عمرو من بني خدارة بن عوف بن الحارث بن
__________________
الخزرج . وقيل : هو عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن اسبرة بن عسيرة
الأنصاري .
استخلفه الإمام
عليّ بن أبي طالب عليهالسلام على إمارة الكوفة سنة (٣٦) للهجرة ، وذلك عند ما ذهب الإمام عليهالسلام لمحاربة معاوية بن أبي سفيان في صفّين.
وأبو مسعود
الأنصاري ، صحابي جليل القدر ، يحفظ الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعند بيعة (العقبة الأولى) خرج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في الموسم ، معلنا دعوته على القبائل ، فلقي جماعة من
الخزرج ، فدعاهم إلى الإسلام ، وكانوا سبعة رجال ، كان من ضمنهم عقبة بن عامر .
وفي الموسم
الثاني ، جاء اثنا عشرة رجلا من الأنصار ، فلقوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالعقبة فبايعوه بيعة النساء ، وكان من بينهم عقبة بن
عامر .
وشارك أبو
مسعود مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في معركة أحد ، واشترك في معركة نهاوند سنة (٢١)
للهجرة. وذكر بعض المؤرخين بأنّ أبا مسعود قد شهد معركة بدر الكبرى ، والحقيقة
أنّه لم يشهدها ، وإنّما قيل له" البدري" لأنّه كان يسكن ماء بدر .
وكان الخليفة
أبو بكر الصدّيق ، قد منع الناس من التحدّث عن
__________________
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بحجّة أنّهم يختلفون في روايتها ، وقال كلمته المشهورة
: (.. فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله ،
فاستحلّوا حلاله ، وحرّموا حرامه) .
ولمّا جاء عمر
للخلافة بعد أبي بكر ، سار على سنّة أبي بكر ، وأمر الناس ألّا يحدّثوا عن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى لا يختلفوا ، ولقد بلغ من شدته في تنفيذ هذا الأمر
، أن حبس ثلاثة من كبار الصحابة هم : " عبد الله بن مسعود" و" أبو
الدرداء" و" أبو مسعود الأنصاري" لأنّهم أكثروا الحديث عن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، هذا مع شدّة احتياطهم في رواياتهم.
ونتيجة لذلك
فقد قلت رواية الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حتّى قال أبو عمر الشيباني : (كنت أجلس إلى أبي مسعود
حولا لا يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فإذا قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخذته الرعشة وقال : (هكذا ، أو نحوذا ، أو قرب ذا) .
وكان أبو هريرة
، ممن يكثرون الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد عمر ، فسأله أبو سلمة يوما : (أكنت تحدّث في زمان
عمر هكذا؟). فقال أبو هريرة : (لو كنت أحدّث في زمان عمر مثلما أحدّثكم لضربني
بمخفقته) .
وعند ما خرج
الإمام عليّ عليهالسلام إلى حرب صفّين واستخلف على الكوفة أبا مسعود الأنصاري ،
تخلّف بعضهم ، واختبأ البعض الآخر عن اللّحاق بجيش الإمام ، فصعد أبو مسعود المنبر
وقال : (أيّها الناس ، من كان تخبّأ فليظهر ، فلعمري لئن كان إلى الكثرة ، إنّ
أصحابنا لكثير ، وما نعدّه قبيحا أن يلتقي هذان الجبلان غدا من المسلمين ، فيقتل
هؤلاء هؤلاء ،
__________________
وهؤلاء هؤلاء حتّى لم يبق إلّا رجرجة من هؤلاء وهؤلاء ظهرت إحدى هاتين الطائفتين ، ولكن نعدّ
قبحا ، أن يأتي الله بأمر من عنده ، يحقن به دمائهم ، ويصلح به ذات بينهم) .
ولمّا حوصر
الخليفة عثمان بن عفّان في داره (عند حدوث الفتنة) كان عقبة بن عامر في الكوفة ،
فأخذ يحثّ الناس (مع آخرين من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على إعانة أهل المدينة) .
مات أبو مسعود
عقبة بن عامر في المدينة سنة (٤٠) للهجرة في خلافة معاوية بن أبي سفيان ، وقيل مات
بالكوفة في خلافة الإمام عليّ عليهالسلام وكان أميرا على الكوفة ، وقيل مات سنة (٣٩) للهجرة.
٢٣ ـ هاني بن هوذة
النخعيّ
استخلفه الإمام
عليّ بن أبي طالب عليهالسلام على إمارة الكوفة سنة (٣٨) للهجرة ، ذلك عند ما ذهب
إلى" النهروان" لمحاربة الخوارج ، ولم يزل باقيا حتّى قتل الإمام عليهالسلام .
هذا ولم نعثر
له على ترجمة وافية في الكتب المتاحة لدينا ، لعلّ أن نعثر له على ترجمة مستقبلا.
إن شاء الله.
__________________
٢٤ ـ الإمام الحسن بن
عليّ
بويع الإمام
الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام بالخلافة في الكوفة بعد وفاة أبيه" أمير
المؤمنين" عليهالسلام في ٢٣ رمضان من سنة (٤٠) للهجرة ، وقيل في (٢١) منه. وكان أوّل من بايعه هو قيس بن سعد
بن عبادة. وقال الشاعر في ذلك :
|
نال الخلافة
إذ كانت له قدرا
|
|
كما أتى ربّه
موسى على قدر
|
ولد الإمام
الحسن عليهالسلام بالمدينة في النصف من شهر رمضان من سنة (٣) للهجرة ، وكنيته : أبو محمّد ، وهو خامس الخلفاء الراشدين
وآخرهم ، وثاني الأئمّة الإثنا عشر .
ومن صفاته عليهالسلام : أنّه كان جوادا كريما ، وكان أشبه الناس بجده رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خلقا وخلقا ، ومنطقا . فعن عقبة بن الحارث أنّه قال : (رأيت أبا بكر يحمل
الحسن على عاتقه وهو يقول : بأبي شبيهه بالنبيّ ، ليس شبيهه بعليّ) وكان عليّ معه يبتسم.
وقال أنس (لم
يكن أحد أشبه بالنبيّ من الحسن بن عليّ) .
وقيل عنه عليهالسلام : (وكان أعبد الناس في زمانه ، وأزهدهم بالدنيا) .
__________________
وقال عليهالسلام : (إنّي لأستحي من ربّي أن ألقاه ، ولم أمش إلى بيته)
فمشى على رجليه عشرين مرّة من المدينة إلى مكّة . وقال عمران بن سليمان : (الحسن والحسين : إسمان من
أسماء أهل الجنة ، لم يكونا في الجاهلية) .
والأحاديث
النبوّية الشريفة المتواترة في حبّ النبيّ الكريم للحسنين كثيرة وكثيرة جدا منها
قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (هما ريحانتاي من الدنيا) ، ومنها : (من سرّه أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنة ،
فلينظر إلى الحسن) .
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : (إنّ هذا ملك لم ينزل إلى الأرض قطّ ، قبل هذه الليلة
استأذن ربّه أن يسلّم عليّ ويبشّرني بأنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، وأنّ الحسن
والحسين سيدا شباب أهل الجنة) .
وعن البراء بن
عازب أنّه قال : (رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحمل الحسن على عاتقه ، وهو يقول : اللهم إنّي أحبّه
فأحبّه) .
وقال (عليه
الصلاة والسلام) : (من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبّني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني) . وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : (اللهم إنّي أحبّهما فأحبّهما).
وأكتفي بهذا
القدر من الأحاديث الشريفة ، لأعود فأذكر سيرة الإمام الحسن عليهالسلام فأقول : فقد أحبّه أهل الكوفة كثيرا ، وقال فيه ابن
كثير : (وأحبّوه أشدّ من حبّهم لأبيه) .
__________________
وخطب الإمام
الحسن عليهالسلام في صبيحة اللّيلة الّتي توفّي فيها (أمير المؤمنين عليهالسلام) فقال : (لقد قبض في هذه الليلة رجل ، لم يسبقه
الأوّلون بعمل ، ولا يدركه الآخرون بعمل ، لقد كان يجاهد مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيقيه بنفسه ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يوجهه برايته ، فيكتنفه جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل
عن شماله ، ولا يرجع حتّى يفتح الله على يديه. ولقد توفي" عليهالسلام" في اللّيلة الّتي عرج فيها بعيسى بن مريم ، وفيها
قبض يوشع بن نون" وصي موسى عليهالسلام" ، وما خلّف صفراء ولا بيضاء ، إلّا سبعمائة درهم
فضلت من عطائه ، أراد أن يبتاع بها خادما لأهله) ثمّ خنقته العبرة فبكى ، وبكى
الناس معه ، ثمّ قال : (أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي إلى
الله بإذنه ، أنا ابن السراج المنير ، أنا من أهل بيت فرض الله مودتهم في كتابه ،
فقال تعالى : (" قُلْ لا
أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ
يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً)" ، فالحسنة مودتنا أهل البيت) .
وعند ما أراد
الإمام الحسن عليهالسلام مواصلة حرب صفّين كتب إلى معاوية بن أبي سفيان يدعوه
إلى المبايعة" كما بايعه المسلمون" فرفض معاوية ، وقال لرسولي الحسن : (ارجعا ، فليس بيني وبينكم إلّا السيف) .
عندها خطب
الإمام الحسن عليهالسلام في مسجد الكوفة فقال : (أما بعد ،
__________________
فإنّ الله كتب الجهاد على خلقه ، وسمّاه كرها ، ثمّ قال لأهل الجهاد :
" اصبروا فإنّ الله مع الصابرين" ، فلستم أيّها الناس نائلين ما تحبّون
إلّا بالصبر على ما تكرهون ، إنّه بلغني أنّ معاوية بلغه إنّا كنّا أزمعنا على المسير
إليه فتحرّك لذلك ، اخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم في" النّخيلة" ، حتّى ننظر وتنظرون ونرى وترون) .
ثمّ ذهب الإمام
الحسن عليهالسلام إلى (معسكر النّخيلة) واستخلف على الكوفة ابن عمّه
المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب ، ليحثّ الناس على اللحاق به في معسكر النّخيلة .
فبقي الإمام عليهالسلام في النخيلة عشرة أيّام ، ولم يلتحق به سوى أربعة آلاف
مقاتل ، فعاد إلى الكوفة ، ليحثّ الناس على الجهاد ، ثمّ خطب خطبته الّتي يقول
فيها (وقد غررتموني كما غررتم من كان قبلي) .
ثمّ سار الإمام
الحسن عليهالسلام بجيشه حتّى وصل إلى المدائن فجعلها مقرا لجيشه ، ثمّ
أرسل جيشا وعلى إمرته (عبيد الله بن عبّاس بن عبد المطلب) ، فسار هذا بجيشه ووصل
إلى" مسكن" فنزل فيها.
ولمّا علم
معاوية بوصول عبيد الله إلى مسكن ، بعث إليه ، مغريا إياه بالمال والجاه ، فهرب
عبيد الله إلى معاوية مع ثمانية آلاف من جنوده ، فكان لهذه الخيانة الأثر الكبير
في أوساط جيش الإمام الحسن عليهالسلام ، حيث أخذت جماعات كثيرة تنهزم وتلتحق بجيش معاوية ،
وكادت هذه الخيانة أن
__________________
تعصف بجيش الإمام المرابط في المدائن ، لو لا وقوفه (عليهالسلام) ومعالجته
الموقف بكلّ حزم وروّية ، يساعده في ذلك أنصاره المخلصين.
وقد استغلّ
معاوية بن أبي سفيان هذا الظرف ، فأرسل إلى الإمام الحسن عليهالسلام الكتب الّتي وصلته من زعماء أهل الكوفة ، ورؤساء
قبائلها ، والّتي يبدون فيها استعدادهم لتسليم الحسن إليه أو قتله .
ثمّ أنّ معاوية
، وبكلّ ما لديه من حيلة ، ومكر ، ودهاء ، وبمعرفة أحوال أهل الكوفة ، أمر جواسيسه
، وعملائه ، ببث الإشاعات وإعطاء الرشوات ، وواعدا زعماء أهل الكوفة ، والمتنفذين
فيها ، برئاسة جيش ، وولاية قطر ، ومصاهرة على أميرة أموية . فاستجاب له كثير من باعة الضمائر ، الّذين كانوا مع
الإمام عليهالسلام في الظاهر ، ولكنّهم جواسيس وعملاء معاوية في الباطن .
فهؤلاء هم أهل
الكوفة ، الّذين قال فيهم أبوه (أمير المؤمنين عليهالسلام" بالأمس" أما بعد يا أهل الكوفة ، أكلّما
أقبل منسر من مناسر أهل الشام ، أغلق كلّ امرئ بابه ، وانجحر في بيته انجحار الضب
والضبع الذليل في وجاره ، أوف لكم ، لقد لقيت منكم يوما أناجيكم ، ويوما أناديكم ،
فلا إخوان عند النجاء ، ولا أحرار عند النداء) .
وهؤلاء هم
أصحاب الإمام الحسن عليهالسلام" اليوم" لم يتغيّروا ، بل تعدّدت فيهم الاتّجاهات
، وكثرت بينهم النزعات ، فقد ظهر" الحزب الأموي"
__________________
وكذلك نشطت" الخوارج" ، وكذلك وجود" الشكّاكون" ، إضافة إلى وجود" جماعة الحمراء" ، ولم يخف على الإمام الحسن عليهالسلام ما يحاك حوله من مؤامرات خبيثة ، وخيانات لئيمة ، ونظر
إلى حوادث" مسكن" فبعد التحاق عبيد الله" قائد جيشه" بمعاوية
أخذت الجيوش الأخرى من" الكوفيين" تنفر من القتال ، وتركن إلى الفرار ،
وتنبذ العهود والمواثيق ، فكان لا بدّ والحال هذه أن يعلن للناس ويصارحهم عن موقفه
، فبعث إلى معاوية بقبوله الصلح معه .
إنّ أهمّ حدث
في حياة الإمام الحسن عليهالسلام" بعد حادثة مقتل أبيه أمير المؤمنين عليهالسلام" هو قبوله الصلح مع معاوية بن أبي سفيان ، ولو
نظرنا باتقان وإمعان إلى ما كان يدور ويحاك من مؤامرات حوله ، وما لاقاه من خيانة
أصحابه" أهل الكوفة" وهروب قائد جيشه إلى جانب معاوية ، لأعطيناه العذر
كما أنّنا لو ألقينا نظرة على شروط الصلح لوجدناها سليمة ، ونابعة عن وعي وإدراك
عميقين ، واليك أيّها القارئ الكريم بنود الصلح :
المادة الأولى
: تسليم الأمر إلى معاوية على أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبسيرة الخلفاء الراشدين.
المادة الثانية
: أن يكون الأمر للحسن من بعده ، فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين ، وليس لمعاوية أن
يعهد لأحد .
__________________
المادة الثالثة
: أن يترك سبّ أمير المؤمنين ، والقنوت عليه بالصلاة ، وأن لا يذكر عليّا إلّا
بخير .
المادة الرابعة
: استثناء ما في بيت مال الكوفة ، وهو خمسة آلاف درهم ، فلا يشمل تسليم الأمر ،
وعلى معاوية أن يحمل للحسين كلّ عامّ ألفي ألف درهم ، وأن يفضل بني هاشم في العطاء
والصلاة على بني عبد شمس ، وأن يفرّق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل
، وأولاد من قتل معه بصفّين ألف ألف درهم ، وأن يجعل ذلك من خراج" أبجرد" .
المادة الخامسة
: على أن الناس آمنون حيث كانوا في أرض الله ، في" شامهم" و"
عراقهم" و" حجازهم" و" يمنهم" وأن يؤمّن الأسود والأحمر
وأن يحتمل معاوية ما يكون من هفواتهم ، وأن لا يتبع أحدا بما مضى ، وأن لا يأخذ
أهل العراق بأحنه ، وعلى أمان أصحاب عليّ وشيعته حيث كانوا ، وأن لا ينال أحدا من
شيعة عليّ بمكروه ، وأنّ أصحاب عليّ وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم
وأولادهم ، وأن لا يتعقّب عليهم شيئا ، ولا يتعرض لأحد منهم بسوء ويوصل إلى كلّ ذي
حقّ حقّه ، وعلى ما أصاب أصحاب عليّ حيث كانوا ، وعلى أن لا يبغى للحسن بن عليّ
ولا لأخيه الحسين ، ولا لأحد من أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم غائلة ، سرا ولا جهرا ، ولا يخيف أحدا منهم
__________________
في أفق من الآفاق .
هذا وقد كتب
معاوية بن أبي سفيان هذه الشروط بخطّه ، وختمها بخاتمه ، وأعطى العهود المؤكّدة ،
والأيمان المغلظة ، وأشهد على ذلك جميع رؤساء أهل الشام ثمّ أرسلها إلى الإمام
الحسن عليهالسلام في النصف من شهر جمادي الأوّل من سنة (٤١) للهجرة .
وقد سميت هذه
السنة" عام الجماعة" ، وكانت فيها نهاية دولة الخلفاء الراشدين وبداية
دولة ملوك بني أميّة ، الّتي جعل فيها معاوية" الخلافة" وراثية لا
انتخابية ، كما كانت في زمن الراشدين .
ثمّ اتّفق
الفريقان على أن تكون الكوفة ، مقرا لاجتماعهما ، وعلى مسمع من الناس ، ووصل
معاوية إلى الكوفة في الخامس والعشرين من شهر ربيع الاوّل من سنة (٤١) للهجرة .
ولمّا اجتمع
الفريقان في" مسجد الكوفة" خطب معاوية قائلا : (يا أهل الكوفة ، أتروني
قاتلتكم على الصلاة ، والزكاة ، والحجّ؟ وقد علمت أنّكم تصلّون وتزكّون وتحجّون ،
ولكنّني قاتلتكم لأتأمّر عليكم ، وإليّ رقابكم ، وقد أتاني ذلك وأنتم كارهون ..
الخ) .
ثمّ ذكر عليّا
فنال منه ، ثم نال من الحسن.
ثمّ خطب بعده
الإمام الحسن فقال :
__________________
(الحمد لله
كلّما حمده حامد ، وأشهد أن لا إله إلّا الله ، كلّما شهد له شاهد ، وأشهد أنّ
محمّدا عبد الله ورسوله ، أرسله بالهدى ، وائتمنه على الوحي ، أما بعد ، فو الله
إنّي لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنّه ، وأنا أنصح خلق الله لخلقه ، وما
أصبحت محتملا على مسلم ضغينة ، ولا مريدا له سوء ولا غائلة ، ألا وإنّ ما تكرهون
في الجماعة ، خيرا مما تحبّون في الفرقة ، ألا وإنّي ناظر لكم خيرا من نظركم
لأنفسكم ، فلا تخالفوا أمري ، ولا تردوا عليّ رأيي ، غفر الله لي ولكم ، وأرشدني
وإيّاكم لمّا فيه المحبّة والرضا.
أيّها الناس ،
إنّ الله هداكم بأولنا ، وحقن دمائكم بآخرنا ، وإنّ لهذا الأمر مدّة ، والدنيا دول
، قال الله عزوجل لنبيه محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم : (وَإِنْ أَدْرِي
لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ).
ثمّ التفت إلى
معاوية فقال :
(أيّها الذاكر
عليّا ، أنا الحسن وأبي عليّ ، وأنت معاوية وأبوك صخر ، وأمّي فاطمة ، وأمّك هند ،
وجدّي رسول الله ، وجدك عتبة بن ربيعة ، وجدتي خديجة ، وجدتك فتيلة ، فلعن الله
أخملنا ذكرا ، وألأمنا حسبا وشرفا ، قديما وحديثا ، وأقدمنا كفرا ونفاقا) .
وقد تعرّض
الإمام الحسن عليهالسلام بانتقادات لاذعة من أصحابه ، حتّى قال له بعضهم"
يا مذلّ المؤمنين" فأجابه عليهالسلام : " بل ناصر المؤمنين" .
وقد أجاب"
عليهالسلام" أحد أصحابه العاتبين : (والله لو وجدت أنصارا ،
لقاتلت معاوية ليلي ونهاري) . وقال" عليهالسلام" : (علّة
__________________
مصالحتي معاوية ، علّة مصالحة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لبني ضمرة ، وبني أشجع ، ولأهل مكّة ، حين انصرف من
الحديبية ، أولئك كفّار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفّار بالتأويل) .
وبعد الصلح
بأيّام غادر الإمام الحسن عليهالسلام" الكوفة" قاصدا مدينة جدّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وعند ما وصل إلى" دير هند" في الحيرة ، نظر
إلى الكوفة نظرة مودّع فقال :
|
ولا عن قلى
فارقت دار معاشري
|
|
هم المانعون
حوزتي وذماري
|
ورجع الإمام
الحسن عليهالسلام إلى المدينة ، وبقي إلى قبر جدّه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تحيط به الصحابة الكرام ، وآله الطاهرون ، أمّا معاوية
بن أبي سفيان ، فلم يهدأ له بال ، ولم تقرّ له عينا ، مادام الحسن حيّا ، فقد حاول
عدّة مرّات أن يسمّه ولكن الإمام كان ينجو من ذلك.
وذهب معاوية بن
أبي سفيان إلى المدينة ، ليدعو أهلها لمبايعة ابنه" يزيد" بالخلافة ،
فرفض أهل المدينة طلبه ، وذلك لوجود الإمام الحسن عليهالسلام بين ظهرانيهم وكرههم ليزيد ، فكان لا بدّ لمعاوية أن
يتخلص من الإمام الحسن عليهالسلام بأيّة طريقة كانت ، فلجأ إلى ملك الروم ، وطلب منه أن
يرسل له سمّا سريع التأثير ، فأجابه ملك الروم : (أنّه لا يصلح لنا في ديننا أن
نعين على قتال من لا يقاتلنا) .
فكتب إليه
معاوية" ثانية" وطلب منه إرسال السمّ" بعد أن أبدى له
مشروعيته" فأرسل له السمّ ، وأرسل معاوية السمّ بيد مروان بن الحكم إلى
__________________
جعدة بنت الأشعث بن قيس ، وأوعدها بأن يعطيها مائة ألف درهم
، ويزوجها من ابنه يزيد إن هي قتلت الحسن ، فوافقت جعدة على ذلك ، ووضعت السمّ في
لبن ، وقيل في عسل وقدمته إلى الإمام الحسن عليهالسلام وكان صائما في يوم شديد الحرّ ، ولمّا شعر الإمام
بالسمّ قال لها : (يا عدوة الله ، قتلتيني ، قتلك الله ، والله لا تصيبين منّي
خلفا ، ولقد غرّك ، وسخر منك ، يخزيك الله ويخزيه) .
ولمّا مات
الحسن عليهالسلام بعث لها معاوية بالمال ، وكتب إليها يقول : (إنّا نحبّ
يزيد ، ولو لا ذلك لوفينا لك بتزويجه) . وقال الشاعر في موت الحسن عليهالسلام :
|
تأسّ فكم لك من سلوة
|
|
تفرج عنك
غليل الحزن
|
|
بموت النبيّ
وقتل الوصي
|
|
وقتل الحسين
وسمّ الحسن
|
وبينما كان
الإمام الحسن عليهالسلام يجود بنفسه من أثر السمّ ، دخل عليه أخوه الإمام الحسين
عليهالسلام فسأله : من الّذي سقاه السمّ؟ فقال له الحسن عليهالسلام : (إنّي مفارقك ، ولا حق بربّي ، وإنّي لعارف من سقاني
، وأنا أخاصمه يوم القيامة إلى الله سبحانه وتعالى) ، ثمّ قال : (وادفنّي مع جدّي
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنّي أحقّ به وببيته ، فإن منعوك ، فأنشدك الله
بالقرابة الّتي قرّب عزوجل منك ، والرحم الماسّة من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن لا تريق في أمري دما ، حتّى نلقى رسول الله ونختصم
إليه ، ونخبره بما كان من الناس فينا) .
__________________
مات الإمام الحسن
عليهالسلام بالسمّ في المدينة سنة (٤٩) للهجرة ، وصلّى عليه أخوه الإمام الحسين عليهالسلام وقيل إنّ الّذي صلّى عليه هو سعيد بن العاص" أمير
المدينة آنذاك" ودفن بالبقيع مع جدته فاطمة بنت أسد وكان عمره الشريف (٤٦) سنة ،
وكانت مدّة خلافته ستّة أشهر وخمسة أيّام ، وقيل سبعة أشهر وأربعة وعشرين يوما ،
وقيل سبعة أشهر وسبعة أيّام ، وقيل مات سنة (٥٠) للهجرة.
ولمّا سمع
معاوية بن أبي سفيان بموت الإمام الحسن عليهالسلام فرح كثيرا ، وخرّ ساجدا إلى الأرض ، وسجد من كان معه
ابتهاجا بموته. فقال أحد الشعراء :
|
أصبح اليوم
ابن هند شامتا
|
|
ظاهر النخوة
إذ مات الحسن
|
|
يا بن هند
تذق كأس الردى
|
|
تك في الدهر
كشيء لم يكن
|
|
لست بالباقي
فلا تشمت به
|
|
كلّ حيّ
للمنايا مرتهن
|
وعند ما دفن
الإمام الحسن عليهالسلام وقف أخوه" محمّد بن الحنفية" على قبره قائلا
: (يا أبا محمّد ، لئن طابت حياتك ، لقد فجع مماتك ، وكيف لا تكون كذلك؟ وأنت خامس
أهل الكسا ، وابن محمّد المصطفى ، وابن عليّ المرتضى ، وابن فاطمة الزهرا ، وابن
شجرة طوبى ، ثمّ أنشأ يقول :
|
أأدهن رأسي
أمّ تطيب مجالسي
|
|
وخدك معفور
وأنت سليب
|
|
أأشرب ماء
المزن من غير مائه
|
|
وقد ضمن
الأحشاء منك لهيب
|
__________________
|
سأبكيك
ماناحت حمامة أيكة
|
|
وما اخضرّ في
دوح الحجاز قضيب
|
|
غريب وأكناف
الحجاز تحيطه
|
|
ألا كلّ من
تحت التراب غريب
|
ووقف رجل من
ولد أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب على قبر الحسن فقال :
(أمّا أقدامكم
قد نقلت ، وأعناقكم قد حملت إلى هذا القبر وليّا من أولياء الله ، ليسر نبي الله
بمقدمه ، وتفتح أبواب السماء لروحه ، وتبتهج الحور العين بمقدمه ، وتبشر به سيّدات
نساء الجنة من أمهاته ، ويوحش أهل الحيّ والدين فقده ، رحمة الله عليه وعند الله
نحتسب المصيبة) .
وقال فيه
الشاعر :
|
ما دب من فطن
الأوهام من حسن
|
|
إلّا وكان له
الحظّ الخصوصي
|
|
كأنّ جبهته
من تحت طرته
|
|
بدر يتوجه
اللّيل البهيمي
|
|
قد جلّ عن
طيب أهل الأرض عنبره
|
|
ومسكه فهو
الطيب السماوي
|
٢٥ ـ المغيرة بن نوفل
هو المغيرة بن
نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، وأمه ضريبة بنت سعيد بن القشب ، وكنيته : أبو يحيى
.
استخلفه الإمام
الحسن بن عليّ عليهالسلام سنة (٤٠) للهجرة أميرا على الكوفة ، وذلك عند ذهابه
لمعسكر النّخيلة استعدادا لملاقاة معاوية في حرب صفّين .
__________________
وكان المغيرة
يعتقد بأنّه لن يتأخر أحد من أهل الكوفة عن تلبية دعوة الإمام الحسن عليهالسلام ، ولكنّ الّذي حصل هو عكس ما كان يعتقده ، إذ لم يلتحق
بمعسكر النّخيلة إلّا عدد ضئيل ، وحتّى السرايا الّتي كان الإمام عليّ عليهالسلام قد أعدها للعودة إلى محاربة معاوية" قبل
قتله"" قد تمرّد أكثرها ، وتثاقل بعضها .
وفي معركة بدر
الكبرى أخذ المشركون معهم من بني هاشم المقيمين في مكّة" عنوة" وذلك
لمحاربة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان من بينهم نوفل بن الحارث" أبو
المغيرة" فأنشد يقول :
|
حرام عليّ
حرب أحمد إنّني
|
|
أرى أحمدا
مني قريبا أواصره
|
|
وإن تك فهر
ألّبت وتجمعت
|
|
عليه فإن
الله لا شكّ ناصره
|
فوقع"
نوفل" أسيرا في تلك المعركة ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (أفد نفسك يا نوفل) فقال نوفل : لا يوجد عندي شيء أفدي به نفسي يا رسول
الله.
قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : (إفد نفسك برماحك الّتي في" جدة" ، فتعجب نوفل من قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث لا يعلم بالرماح غيره. بعدها أسلم نوفل وقال : (أشهد
أنّك رسول الله) ففدى نفسه بها ، وكان عددها ألف رمح. ثمّ قال :
|
إليكم إليكم
إنّني لست منكم
|
|
تبرأت من دين
الشيوخ الأكابر
|
|
لعمركم ما
ديني بشيء أبيعه
|
|
وما أنا إذا
أسلمت يوما بكافر
|
|
شهدت على أنّ
النبيّ محمّد
|
|
أتى بالهدى
من ربّه والبصائر
|
__________________
|
وأنّ رسول
الله يدعو إلى التقى
|
|
وأنّ رسول
الله ليس بشاعر
|
|
على ذلك أحيا
ثمّ أبعث موقفا
|
|
وأنوي عليه
ميتا في المقابر
|
وعند ما ضرب
عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، الإمام عليّ بن أبي طالب ، وهو يؤدّي الصلاة في مسجد
الكوفة ، انهزم عبد الرحمن فتبعه الناس ، فأخذ المرادي يبعد الناس عنه بسيفه فتقدم
إليه المغيرة بن نوفل ، ورماه بقطيفته ، ثمّ قبض عليه ، وطرحه أرضا ، وكان
المغيرة" أعسر اليد" وجلس على صدره ، ثمّ جاء الناس ، وأخذوا السيف منه
، ثمّ أخذوا عبد الرحمن بن ملجم إلى الإمام عليّ عليهالسلام ، فنظر إليه الإمام عليهالسلام ثمّ قال لولديه" الحسن والحسين عليهماالسلام" : (رفقا بأسيركما) ، ثمّ قال عليهالسلام : (ألا لا تقتلن بي قاتلي ، انظروا إذا أنا متّ من
ضربته فاضربوه ضربة بضربة ، ولا تمثلوا بالرجل ، فإنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور) .
وكان الربيع بن
العاص بن عبد العزّى بن عبد شمس" وهو ابن أخت خديجة الكبرى" قد تزوج من
زينب بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فولدت له ولدا سماه" عليّا" وبنتا
سماها" إمامة" ، وقد تزوج الإمام عليّ عليهالسلام بأمامة بعد وفاة فاطمة الزهراء عليهالسلام فولدت له" محمّد الأوسط" ، وبعد استشهاد
الإمام عليّ عليهالسلام أخذها عمّها عبد الرحمن بن محرز بن حارثة بن ربيعة إلى
المدينة ، ولمّا سمع معاوية بن أبي سفيان بذلك ، كتب إلى مروان بن الحكم ، أن يخطبها له ، فطلبها مروان لمعاوية ،
فقالت" إمامة" : بأن أمرها موكول بيد المغيرة بن نوفل ، فذهب مروان إلى
المغيرة خاطبا منه" أمامة" فقال له
__________________
المغيرة : بأنه قد تزوجها ، وأن صداقها أربعمائة دينار. فكتب مروان إلى
معاوية يعلمه ما حدث .
وقيل إنّ
الإمام عليّ عليهالسلام قد أوصى المغيرة بن نوفل أن يتزوج إمامة بنت الربيع
لكيلا يتزوجها معاوية .
ثمّ إنّ معاوية
بن أبي سفيان ، أرسل المغيرة بن نوفل إلى" الصفراء" فمات هناك وماتت
إمامة في الصفراء أيضا .
وكان المغيرة
بن نوفل ، قد ولي القضاء في المدينة في خلافة عثمان بن عفّان ، وشهد حرب صفّين مع الإمام عليّ عليهالسلام ، وله أحاديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقد أخبره أبي بن كعب الأنصاري : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : (لا تقوم الساعة حتّى يحسر الفرات على تلّ من ذهب
، فيقتتل الناس عليه ، فيقتل تسعة أعشارهم) .
وعن عليّ بن
زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب أنّه قال : (إنّ كعبا أخذ بيد المغيرة
بن نوفل فقال : (اشفع لي يوم القيامة) فانتزع المغيرة يده من يده وقال : (وما أنا
، إنمّا أنا رجل من المسلمين) قال فأخذ بيده فغمزها غمزا شديدا وقال : (ما من مؤمن
من آل محمّد ، إلّا وله شفاعة يوم القيامة) ثمّ قال : أذكر هذا بهذا).
وقيل إنّ كعب
الأحبار قال للمغيرة بن نوفل : (والّذي نفسي بيده
__________________
ليبدأ محمّد بالشفاعة يوم القيامة بالأقرب فالأقرب) .
وكان المغيرة
بن نوفل مع الإمام الحسين عليهالسلام عند مجيئه إلى كربلاء ، فمرض في الطريق ، فطلب من
الحسين عليهالسلام أن يسمح له بالرجوع إلى المدينة.
ولمّا قتل
الحسين عليهالسلام في كربلاء ، وسمع المغيرة به قال :
|
أحزنني الدهر
وأبكاني
|
|
والدهر ذو
صرف وألوان
|
|
أخبروني عن
تسعة قتلوا
|
|
بالطف أضحوا
رهن أكفان
|
|
وستة ليس لهم
شبه
|
|
بني عقيل خير
فرسان
|
|
والمرء عون
وأخيه مضى
|
|
كلاهما هيّج
أحزاني
|
|
من كان
مسرورا بما نالنا
|
|
وشامتا يوما
آن
|
__________________
الجزء الثاني
أمراء الكوفة في العصر الأموي
١ ـ معاوية بن أبي
سفيان
هو معاوية بن
أبي سفيان (صخر) بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، وأمه : هند بنت عتبة بن
ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، وكنيته أبو عبد الرحمن.
دخل مسجد
الكوفة (بعد الصلح مع الإمام الحسن بن عليّ عليهالسلام).
وتمّت له
البيعة في المسجد في الخامس والعشرين من ربيع الأول من سنة (٤١) ه ، وقيل بويع بالخلافة في شهر ذي القعدة من سنة (٤٠) ه
ورجع إلى الشام سنة (٤١) ه.
وأثناء وجود
معاوية في الكوفة ثار عليه عبد الله بن الحوساء في (النخيلة) فأرسل معاوية اليه
خالد بن عرفطة العذري مع جماعة من أهل الكوفة فقتل ابن أبي الحوساء في شهر جمادي
من سنة (٤١) ه.
وكان الخليفة
عمر بن الخطاب قد ولّاه الشام بعد وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان وبقي واليا عليها
طيلة خلافة عمر ، ولمّا جاء عثمان بن عفّان إلى الخلافة أقرّه على ولاية الشام.
ولمّا آلت الخلافة إلى الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام بعد عثمان بايعه المهاجرون والأنصار ما عدا معاوية
فإنّه
__________________
أعلن العصيان واستقل بالشام ولم يبايع الإمام عليّ بالخلافة وأخذ يطالب بدم
عثمان بن عفّان. ثمّ جرت بينه وبين الإمام عليّ عليهالسلام مكاتبات كثيرة نذكر منهما كتابين فقط ، أحدهما للإمام
عليّ عليهالسلام والآخر لمعاوية ، فقد كتب الإمام عليّ عليهالسلام إلى معاوية يقول : بسم الله الرحمن الرحيم : (سلام عليك
، أما بعد ، فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام ، لأنّه بايعني الّذين بايعوا
أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا به فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يعود
وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإذا اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله
رضا وإن خرج عن أمرهم خارج ردّوه إلى ما خرج عنه فإن أبى قاتلوا على اتباعه غير
سبيل المؤمنين وولّاه الله ما تولّى وأصلاه جهنّم وساءت مصيرا ، وإنّ طلحة والزبير
بايعاني ثمّ نقصا بيعتهما وكان نقضهما كردهما فجاهدتهما بعد ما أعذرت اليهما حتّى
جاء الحقّ وظهر أمر الله وهم كارهون ، فادخل فيما دخل فيه المسلمون أحبّ الأمور
إليّ قبولك العافية وقد أكثرت في قتلة عثمان فإن أنت رجعت عن رأيك وخلافك ودخلت
فيما دخل فيه المسلمون ثمّ حاكمت القوم إليّ حملتك وإياهم على كتاب الله وأما تلك
الّتي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرء
قريش من دم عثمان ، واعلم أنّك من الطلقاء الّذين لا تحلّ لهم الخلافة ولا يدخلون في شورى وقد
بعثت اليك وإلى من قبلك (جرير ابن عبد الله) وهو من أهل الإيمان والهجرة فبايعه
ولا قوّة إلّا بالله).
وعند ما وصل
جرير بن عبد الله البجليّ إلى الشام سلّم الكتاب إلى معاوية بن أبي سفيان فكتب
معاوية إلى عمرو بن العاص كتابا جاء فيه :
__________________
(أمّا بعد .. فإنه كان من أمر عليّ وطلحة والزبير وعائشة ما قد بلغك فقد
سقط الينا مروان في رافضة أهل البصرة وقد قدّم عليّ جرير بن عبد الله في بيعة عليّ
وحبست نفسي عليك حتّى تأتيني فاقدم على بركة الله).
فأرسل عمرو بن
العاص إلى ولديه عبد الله ومحمّد واستشارهما في كتاب معاوية فقال له ابنه (عبد
الله) : (أيّها الشيخ إنّ رسول الله قبض وهو عنك راض ومات أبو بكر وعمر وهما
راضيان عنك فإنك إن تفسد دينك بدنيا يسيرة تصبها مع معاوية فتضطجعان غدا في النار).
أما ابنه (محمّد)
فقد قال : (بادر هذا الأمر فكن فيه رأسا قبل أن تكون ذنبا) ، عندها أنشد عمرو وقال
:
|
تطاول ليلي من
هموم الطوارق
|
|
وخوف الّتي
تجلو وجوه العوائق
|
|
فإنّ ابن هند
سالني أن أزوره
|
|
وتلك الّتي
فيها نبات البوائق
|
|
أتاه جرير من
عليّ بخطة
|
|
أمرت عليه
العيش من كلّ دانق
|
|
فإنّ نال منه
ما يؤمل ردّه
|
|
فإن لم ينله
ذلّ ذلّ المطابق
|
|
فو الله ما
أدري وإنّي لهكذا
|
|
أكون ومهما
قادني فهو سائقي
|
|
أأخدعه
فالخدع فيه دنية
|
|
أم أعطه من
نفسي نصيحة وامق
|
|
أم أجلس في
بيتي وفي ذاك راحة
|
|
لشيخ يخاف
الموت في كلّ شارق
|
|
وقد قال عبد
الله قولا تعلّقت
|
|
به النفس إن
لم يقتلني عوائق
|
|
وخالفه فيه
أخوه محمّد
|
|
وإنّي لصلب
العود عند الحقائق
|
فلمّا سمع ابنه
عبد الله شعر أبيه قال : (بال الشيخ على عقبيه وباع دينه
__________________
بدنياه) .
ثمّ ذهب عمرو
بن العاص إلى معاوية وتداولا الأمر ثمّ بات عمرو تلك الليلة عند معاوية وهو يقول :
|
معاوي لا
أعطيك ديني ولم أنل
|
|
به منك دنيا
فانظرن كيف تصنع
|
|
فإن تعطني
مصرا فأربح بصفقة
|
|
أخذت بها
شيئا يضرّ وينفع
|
|
وما الدين
والدنيا سواء وإنّني
|
|
لأخذ ما أعطي
ورأسي مقنع
|
|
ولكننّي
أعطيك هذا وإنّني
|
|
لأخدع نفسي
والمخادع يخدع
|
|
أأعطيك أمرا
فيه للملك قوّة
|
|
وأبقى إن زلت
النعل أخدع
|
|
وتمتعي مصرا
فاربح بصفقة
|
|
وأن نرى
القنوع يوما لمولع
|
فوافق معاوية
على شروط عمرو بن العاص ، وأشهدا الشهود ، وختم الشروط بخاتمه ، فبايعه عند ذاك
عمرو بن العاص ، وتعاهدا على هذا الوفاء. ثمّ كتب معاوية بن أبي سفيان إلى الامام عليّ عليهالسلام جوابا على كتابه جاء فيه : (سلام عليك اما بعد فلعمري
لو بايعك الّذين ذكرت وانت بريء من دم عثمان لكنت كأبي بكر وعمر وعثمان ، ولكنك
اغريت بدم عثمان ، وخذلت الانصار ، فاطاع بك الجاهل ، وقوي بك الضعيف ، وقد ابى
أهل الشام إلّا قتالك ، حتّى تدفع اليهم قتلة عثمان فإن فعلت كانت شورى بين
المسلمين ، وإنّما كان الحجازيون هم الحكام على الناس والحقّ فيهم ، فلمّا فارقوه
كان الحكام على الناس اهل الشام ، ولعمري ما حجتك على اهل الشام كحجتك على اهل
البصرة ، ولا حجتك عليّ كحجتك على طلحة والزبير إن كانا بايعاك ، فلم ابايعك أنا ،
فأمّا فضلك في الاسلام ، وقرابتك من
__________________
رسول الله ، فلست أدفعه). ثمّ جاءت معركة (صفّين) ولو لا رفع المصاحف (وبايعاز من عمرو بن العاص لكان
معاوية وجيشه في خبر كان). وقد قال الإمام عليّ عليهالسلام لمعاوية قبل بدء القتال (أبرز لي واعف الفريقين من
القتال فأيّنا قتل صاحبه كان له الأمر) . فقال عمرو بن العاص لمعاوية : (لقد أنصفك الرجل). فقال
له معاوية : (لعلّك طمعت فيها يا عمرو).
وقد اشتهر
معاوية بن أبي سفيان بالدهاء والحيلة والمكر حتّى قال الإمام عليّ عليهالسلام في ذلك : (والله ما معاوية بأدهى منّي ، ولكنّه يغدر
ويفجر ، ولو لا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ولكن لكلّ غدرة فجرة ، ولكلّ فجرة
كفرة ، ولكل كافر لواء يعرف به يوم القيامة ...).
وعن سعيد بن
العاص أنّه قال : (سمعت معاوية يقول : لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي
حيث يكفيني لساني ، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت). قيل له : وكيف يا
أمير المؤمنين؟ قال : (كانوا إذا مدّوها جلبتها ، وإذا خلّوها مددتها).
وبعد مقتل
الإمام عليّ عليهالسلام تلكأ معاوية في تولية عمرو بن العاص على مصر فكتب عمرو
إلى معاوية قصيدة طويلة نقتطف منها الأبيات
__________________
التالية :
|
معاوية ،
الفضل لا تنس لي
|
|
وعن منهج
الحقّ لا تعدل
|
|
نصرناك من
جهلنا ، يابن هند
|
|
على السيد
الأعظم الأفضل
|
|
وما كان
بينكما نسبة
|
|
فأين الحسام
من المنجل
|
|
وأين الثريا
وأين الثرى
|
|
وأين معاوية
من عليّ
|
عندها ولّاه
معاوية مصر.
وقيل إن ملك
الروم أرسل قارورة (قنينة) إلى معاوية بن أبي سفيان وقال له : (ابعث لي فيها من
كلّ شيء) فطلب معاوية من عبد الله بن عباس أن يعلمه بما ذا يملأها؟ ، فقال له ابن
عباس (أملأها ماء) ، فلمّا رأى ملك الروم ذلك قال : (لله أبوه ما أدهاه)!!
وعند ما آل
الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان (بعد الصلح) فقد أتبع سياسة تختلف من كلّ الوجوه عمّا كانت عليه
أيّام الخلافة الراشدة ، حيث كان كتاب الله والسنة النبوية هما اللّذان يسودان
المجتمع الإسلاميّ ، فيأخذ كلّ ذي حقّ حقّه ويعطي ما عليه ، وإن تأخّر في واجب
كانت عليه (الدرّة) ، وكان المسلمون لا يتأوّلون القرآن تأوّلا يخرجه عن
حقيقته الّتي تدعو الناس إلى التآزر والتحابب.
فكان معاوية
وبنو أميّة من بعده أخذوا يتأوّلون القرآن حسب رغباتهم وأهوائهم ، وخير دليل على
ذلك ما فعله زياد بن أبيه ، عند ما قتل
__________________
ذلك الأعرابي وهو يعلم علم اليقين بأنّ الأعرابي بريء لكنه قال : (إنّ في
قتلك صلاح للرعية). وكذلك في اتّهام حجر بن عدي الكنديّ وجماعته مما تسبب في قتلهم.
وكان معاوية ،
هو أوّل خليفة في الإسلام ، بايع لولده (يزيد) بالخلافة وأوّل من وضع البريد ،
وأوّل من خطب وهو جالس ، وأوّل من عمل المقصورة في المساجد وأوّل من أتخذ الخصيان
في خدمته.
وكان معاوية قد
الحقّ نسب زياد بن أبيه ، بابيه أبي سفيان ، ثمّ عينه أميرا على البصرة ، ثمّ على
الكوفة والبصرة (العراقين) ، كما انه عهد بولاية العهد إلى ابنه يزيد (كما ذكرنا
آنفا) والكلّ يعرف من هو يزيد ... يزيد الّذي قتل الحسين إبن بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأخذ عياله سبايا إلى الشام ، واستباح المدينة ... إضافة إلى لهوه ، وعبثه ، ومجونه ، وصبيانه ، وفي
ذلك قال عبد الرحمن بن همّام السلوليّ :
|
فإن تأتوا
برملة أو بهند
|
|
نبايعها
أميرة مؤمنينا
|
|
إذا ما مات
كسرى قام كسرى
|
|
نعدّ ثلاثة
متناسقينا
|
|
فيا لهفا لو
أنّ لنا أنوفا
|
|
ولكن لا نعود
كما عنينا
|
|
إذا لضربتم
حتّى تعودوا
|
|
بمكّة تلعقون
السحينا
|
|
خشينا الفيض
حتّى لو شربنا
|
|
دماء بني
أميّة ما روينا
|
|
لقد ضاعت
رعيتكم وأنتم
|
|
تصيدون
الأرانب غافلينا
|
__________________
وكان معاوية قد
تزوج (ميسون) بنت حميد بن بجدل الكلابيّة ، وذلك تقرّبا إلى يمانية
الشام (دون القيسيّة) فجاء بها إلى دمشق ، وأسكنها في إحدى قصوره المطلّة على (الغوطة)
وكانت ميسون قبل ذلك تعيش مع أهلها في بيت من الشعر وتحيا حياة بدويّة ، ساذجة
بسيطة فجلست ذات يوم لوحدها ، فتذكّرت أهلها واقرانها وزاد بها الحنين إلى مسقط
رأسها حيث الخيام وحيث الفضاء الرحب فقالت :
|
لبيت تخفق
الأرواح فيه
|
|
أحبّ إليّ من
قصر منيف
|
|
ولبس عباءة
وتقرّ عيني
|
|
أحبّ إليّ من
لبس الشفوف
|
|
وبكر يتبع
الأضعان صعب
|
|
أحبّ إليّ من
بغل زفوف
|
|
وكلب ينبح
الأضياف دوني
|
|
أحبّ إليّ من
هزّ الدفوف
|
|
وخرق من بني
عمي ثقيف
|
|
أحبّ إليّ من
علج عنيف
|
فقال لها
معاوية (وكان يتصنّت اليها) : (ما رضيتيني يا بنت بجدل حتّى جعلتيني علجا عنيفا ،
إلحقي بأهلك) فطلقها فذهبت إلى أهلها ومعها أبنها يزيد. وقيل أنه قال لها : (كنت
فبنت) فأجابته ميسون : (لا والله ما سررنا إذ كنّا ، ولا أسفنا إذبنّا). وقيل إنّ معاوية سبق وقال لها : (أنت في ملك عظيم ، وما
تدرين ما قدره قبل اليوم في العباءة) فقالت الأبيات المذكورة.
وقيل جاء (جارية
بن قدامة السعديّ) إلى معاوية ، فقال له معاوية : من أنت؟ قال : جارية بن قدامة ،
فقال له معاوية : (وما عسيت أن تكون؟
__________________
هل أنت إلّا نحلة)؟ قال جارية : (لا تقل ، فقد شبهتني بها حامية اللسعة ،
حلوة ألبصاق ، والله ما معاوية ، إلا كلبة تعاوي الكلاب ، وما أميّة إلا تصغير
أمّة).
وقيل دخل شريك
بن الأعور على معاوية ، وكان دميما ، فقال له معاوية : (إنّك لدميم ، والجميل خير
من الدميم ، وإنّك لشريك وما لله شريك ، وإن أباك لأعور والصحيح خير من الأعور
فكيف أصبحت سيّد قومك!!؟ فأجابه : إنّك يا معاوية ، وما معاوية إلا كلبة عوت
فأستعوت الكلاب ، وإنّك لأبن صخر بن حرب والسهل خير من الحرب ، وإنّك لأبن أميّة
وما أميّة إلا (أمّة) صغرت فكيف صرت (امير المؤمنين)؟! ثمّ خرج شريك وهو يقول :
|
أيشتمني
معاوية بن حرب
|
|
وسيفي صارم
ومعي لساني
|
|
وحولي من ذوي
يزن ليوث
|
|
ضراغمة تهشّ
إلى الطعان
|
|
يعيّر
بالدمامة من سفاه
|
|
وربات الجمال
من الغواني
|
وذهب ذات يوم (عتبة)
و (عنبسة) ابنا أبي سفيان إلى أخيهما معاوية وأثناء جلوسهما عنده
، حصل بينهما خلاف ، فتشاجرا فانحاز معاوية بجانب (عتبة) وأخذ يلوم أخاه (عنبسة)
ويسيء إليه بالكلام ، فقال (عنبسة) : (وأنت أيضا يا أمير المؤمنين)؟! فقال معاوية : (يا
عنبسة ... إنه عتبة بن هند).
__________________
فقال عنبسة :
|
كنّا بخير
صالحا ذات بيننا
|
|
قديما فأمست
فرقت بيننا هند
|
|
فإن تك هند
لم تلدني فإنني
|
|
لبيضاء
ينميها غطارفة نجد
|
|
أبوها أبو
الأضياف في كلّ شتوة
|
|
ومأوى ضعاف
لا تنوء من الجهد
|
|
جفيناته ما
إن تزال مقيمة
|
|
لمن خاف غوري
تهامة أو نجد
|
وقال معاوية
ذات يوم لجلسائه : من هو افصح الناس؟
فقام له رجل من
جرم فقال : (قوم تباعدوا عن فراتية العراق ، وتيامنوا عن كشكة تميم ، وتياسروا عن
كسكة بكر ، ليس فيهم غمغمة قضاعة ، ولا طمطمانية حمير ). فقال معاوية : من هم؟!. قال الرجل : هم قومي.
وقيل : أرسل
معاوية كتابا إلى ملك الروم بدأه بعبارة : (إلى طاغية الروم). ولمّا قرأ ملك الروم
الكتاب قال للرسول : (ما لذي الفخر بالرسالة ، والمتسمّى بخلافة النبوة والسفه؟ ما
أظنكم ولّيتم هذا الامر إلا بعد إعذار ولو شئت لكتبت : (من ملك الروم إلى غاصب أهل بيت نبيه
والعامل بما يكفره عليه كتابه ولكني أتجالك عن ذلك).
وجيء بخراج
العراق إلى معاوية في الشام فحمله (خصي) فقال الخصيّ لمعاوية : (يا سيّدي ، أعطني
منه شيئا) ، فقال له معاوية : ويحك وماذا تعمل به؟ لأنّك اذا متّ وتركته فسوف تكوى
به يوم القيامة.
فقال الخصي : (يا
مولاي إن كان هذا حقّا فإنّ جلدك لا يشترى يوم
__________________
القيامة بفلس).
وكتب معاوية
إلى (بسر بن أرطأة) العامري أن يذهب إلى المدينة ومعه ثلاثة آلاف رجل فيطرد أهلها
ويهدّد كلّ من مرّ به وينهب مال كلّ من لم يكن في طاعة معاوية ، فذهب بسر ونفّذ
كلّ ما أمره به معاوية حتّى وصل إلى المدينة وكان أميرها آنذاك (أبو أيّوب
الأنصاريّ) فترك الأنصاريّ المدينة فدخلها بسر وصعد المنبر فقال : (يا أهل المدينة
مثل السوء لكم قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان فكفرت بنعم
الله فأذاقها الله لباس الجوع ، شاهت الوجوه) ، ثمّ مازال يشتم حتّى نزل.
ومن النوادر
الّتي حصلت لمعاوية أيّام حكمه نذكر منها : (بينما كان معاوية في مجلسه ، وأهل
الشام حوله ، إذ أقبل عقيل بن أبي طالب فقال لهم معاوية : أتعرفون (أبا لهب) الّذي
قال الله في حقه : (تَبَّتْ يَدا أَبِي
لَهَبٍ) من هو؟. فقال أهل الشام : لا.
فقال معاوية : (هو
عم هذا) وأشار إلى عقيل.
فسمعه عقيل
فقال في الحال : (أتعرفون امرأته الّتي قال الله فيها : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي
جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) من هي؟
فقالوا : لا.
قال عقيل : (هي عمة هذا) وأشار بيده إلى معاوية.
ويحكى أيضا :
أنّ رجلا من أهل الكوفة ذهب إلى دمشق أيّام معاوية وكان راكبا بعيره فأدّعى رجل من
أهل دمشق وقال : (هذه ناقتي) وقد أخذت منيّ بصفّين فرفع الأمر إلى معاوية وقدّم
الدمشقي خمسين
__________________
شاهدا يشهدون بأنّ الناقة له فقضى معاوية على الكوفي وأمره بتسليم البعير
إلى صاحبه.
فقال الكوفي : (أصلحك
الله إنه جمل وليس (بناقة). فقال معاوية : هذا حكم قد مضى.
وبعد أن تفرّقوا
أمر معاوية بإحضار الكوفي فسأله عن ثمن بعيره فأعطاه ضعف ثمنه وقال له : (أبلغ
عليّا إنّي أقاتله بمائة ألف ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل).
ويقال : إنّ
معاوية لما يئس من مرضه الّذي مات فيه قال :
|
فيا ليتني لم
أعن في الملك ساعة
|
|
ولم أك في اللذّات
أعشى النواظر
|
|
وكنت كذي
طمرين عاش ببلغة
|
|
من الدهر
حتّى زار أهل المقابر
|
مات معاوية بن
أبي سفيان سنة (٥٩) ه للهجرة وعمره (٨٢) سنة وقيل مات سنة (٦٠) ه للهجرة وعمره (٧٧) سنة في أوّل شهر رجب وقيل مات سنة (٦١)
ه وعمره (٨٠) سنة وكانت مدّة ولايته تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وعشرون يوما.
٢ ـ سعيد بن زيد بن
عمرو
وهو سعيد بن
زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن
__________________
قرط بن رذاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشيّ العدويّ وكنيته : أبو
الأعور. ولّاه معاوية بن أبي سفيان إمارة الكوفة سنة (٤١)
للهجرة. وسعيد بن زيد من المسلمين الأوائل فقد أسلم هو وزوجته (فاطمة
بنت الخطاب) وذلك قبل دخول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم ، وقبل إسلام عمر بن الخطاب
وهاجر مع زوجته وشهد المعارك كلّها مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعند ما آخى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بين المهاجرين والأنصار في المدينة فقد آخى بين سعيد بن
زيد وبين طلحة بن عبيد الله ، وقيل آخى بين سعيد وبين أبي بن كعب. وقيل بين سعيد وبين رافع بن مالك الزرقي. وقيل أنّه شهد حصار دمشق وفتحها فولّاه أبو عبيدة
الجرّاح عليها وهو أوّل من عمل نيابة دمشق من هذه الأمّة. وله أحاديث قليلة ، فقد
قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ٣ / / (الكمأة من المن الّذي أنزله الله على بني
إسرائيل وماؤها شفاء للعين).
وكان سعيد بن
زيد من الّذين بايعوا الإمام عليّ عليهالسلام بالخلافة سنة (٣٦) ه بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفّان ،
كما وبايعه جميع من كان بالمدينة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وعند ما مات
عمر بن الخطاب نزل في قبره عثمان بن عفّان وسعيد بن جبير وصهيب بن سنان وعبد الله
بن عمر وقد بكى عليه سعيد بن زيد
__________________
بكاء مرّا ، وقال له قائل : (يا أبا الأعور ، ما يبكيك) فقال : (على
الإسلام أبكي ، إنّ موت عمر ثلم الإسلام ثلمة لا ترتق إلى يوم القيامة).
وكان عمر بن
الخطاب قد تزوّج من (عاتكة) بنت زيد بن عمر (أخت سعيد) وذلك بعد زواجها الأوّل من
عبد الله بن أبي بكر ، وكان عبد الله هذا يحبّها كثيرا ، وقد أعطاها أرضا على أن
لا تتزوّج من بعده ، وعند ما تزوّجها عمر بن الخطاب أرسلت (عائشة) إلى (عاتكة)
تقول : (أن ردّي علينا أرضنا).
ثم قالت عائشة
:
|
آليت لا
تنفكّ عيني قريرة
|
|
عليك ولا
ينفكّ جلدي أصفرا
|
وكانت (عائشة)
قد قالت عند ما مات أخوها عبد الله
|
آليت لا
تنفكّ نفسي حزينة
|
|
عليك ولا
ينفكّ جلدي أغبرا
|
وعن عبد الله
بن ظالم أنّه قال لما بويع معاوية بن أبي سفيان بالخلافة أمر الخطباء أن يلعنوا
عليّ بن أبي طالب على المنابر ، فقال سعيد بن زيد : (ألا ترون إلى هذا الرجل
الظالم يأمر بلعن رجل من أهل الجنة) .
وقيل عن زيد بن
عمرو (أبو سعيد) كان يراقب الشمس فإذا زالت استقبل الكعبة فصلّى ركعة وسجد سجدتين.
وأنشد الضحّاك بن عثمان الجذاميّ لزيد هذه الأبيات :
|
وأسلمت وجهي
لمن أسلمت له
|
|
المزن تحمل
عذبا زلالا
|
__________________
|
إذا سقيت
بلدة من بلاد
|
|
سيقت إليها
فسحت سجالا
|
|
وأسلمت نفسي
لمن أسلمت له
|
|
الأرض تحمل
صخرا ثقالا
|
|
دحاها فلمّا
استوت شدّها
|
|
سواء وأرسى
عليها الجبالا
|
وقيل إنّ سعيد
بن زيد هو من (البدريين) فقد جاء من الشام بعد معركة (بدر) ، فكلّم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فضرب بسهمه ، وأجره. وكتب معاوية بن أبي سفيان إلى مروان بن الحكم (أمير
المدينة) أن يأخذ البيعة لابنه يزيد ، فقال رجل من جند الشام لمروان : لماذا
تأخّرت عن أخذ البيعة ليزيد؟ فقال له مروان : إلى أن يجيء سعيد بن زيد فيبايع ،
فإنه سيّد أهل البلد ، وإذا بايع سعيدا ، فسوف يبايع الناس.
وقيل إنّ سعيد
قال :
|
أربّا واحدا
أم ألف ربّ
|
|
أدين إذا
تقسمت الأمور؟
|
ومن شعر سعيدا
بن زيد أنه قال :
|
تلك عرساي
تنطقان على عمد
|
|
لي اليوم قول
زور وهتر
|
|
سألتاني
الطلاق إن رآنا ما
|
|
لي قليلا قد
جئتماني بنكر
|
|
فلعلي إنّ
بكثر المال عندي
|
|
ويعرّي من
المغارم ظهري
|
|
وترى أعبد
لنا وأواق
|
|
ومناصيف من
خوادم عشر
|
|
وتجرّ
الأذيال في نعمة زو
|
|
ل تقولان ضع
عصاك لدهر
|
|
وي كأن من
يكن له نشب
|
|
يحبب ومن
يفتقر بعش عيش خر
|
|
ويجنب سرّا
النجيّ ولكن
|
|
أخا المال
محضر كلّ سر
|
__________________
مات سعيد بن
يزيد بن عمرو بالعقيق سنة (٥٠) للهجرة ، وقيل سنة (٥١) وقيل سنة (٥٢) ، وقيل مات بالكوفة (إذ يقول أهل الكوفة : بأنّ سعيد بن
زيد مات عندهم بالكوفة في خلافة معاوية بن أبي سفيان ، وصلى عليه المغيرة بن شعبة «أمير
الكوفة») . وكان عمره بضع وسبعون سنة.
٣ ـ عبد الله بن عمرو
بن العاص
هو عبد الله بن
عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم ابن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن
غالب بن فهر بن مالك القرشيّ ، السهميّ ، وكنيته : أبو محمّد وقيل أبو عبد الرحمن
وقيل : أبو نصير.
ولّاه معاوية
بن أبي سفيان إمارة الكوفة سنة (٤٠) للهجرة وقيل سنة (٤١) لمدّة قصيرة ، ثمّ عزله
وولّاها المغيرة بن شعبة.
__________________
وقيل : لما سمع
المغيرة بن شعبة بأن عبد الله بن عمرو قد تعيّن أميرا على الكوفة ذهب إلى معاوية
في الشام وقال له : (استعملت عبد الله بن عمرو على الكوفة وأباه على مصر فتكون أنت
بين فكّي الأسد) ، فعزله معاوية واستعمل بدله المغيرة بن شعبة.
ثمّ سمع عمرو
بن العاص بما قال المغيرة لمعاوية ، فذهب إلى معاوية وقال له هل استعملت المغيرة
على الكوفة؟ فقال معاوية : نعم. فقال عمرو : وجعلته على الخراج أيضا؟ فقال معاوية
: نعم. فقال عمرو : (تستعمل المغيرة على الخراج فيختال المال ، فيذهب فلا تستطيع
أن تأخذ منه شيئا ، استعمل على الخراج من يخافك ويهابك ويتّقيك). فعزل المغيرة عن
الخراج ، وولّاه على الصلاة فقط. وبعد عدة أيّام تلاقيا عمرو بن العاص والمغيرة بن
شعبة فقال عمرو للمغيرة : (أنت الّذي أشرت على أمير المؤمنين في عبد الله).
قال : نعم ،
فقال عمرو : (خذها فهذه بتلك).
أسلم عبد الله
قبل إسلام أبيه وكان كثير العلم وقد روى الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال أبو هريرة : (ما كان أحد مني أكثر حديثا عن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب وأنا لا أكتب). وهاجر هو وأبوه إلى المدينة المنورة قبل فتح مكّة ،
وكان أبوه أكبر منه بأحد عشر سنة فقط ، وكان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يفضله على أبيه عمرو بن العاص.
__________________
وعند ما بويع
الإمام عليّ عليهالسلام بالخلافة في المدينة كتب إلى معاوية بمبايعته فعندها
استشار معاوية أصحابه في الأمر فقالوا له : عليك بعمرو بن العاص فكتب معاوية إلى
عمرو بن العاص يستشيره بذلك فجمع عمرو ولديه عبد الله ومحمّد وقال لهما : أرسل
عليّ بن أبي طالب جريرا إلى معاوية بالبيعة وأن معاوية يستشيرني فماذا تريان؟ فقال
ابنه عبد الله (وكان أكبر من محمّد) : (أرى والله أنّ نبي الله قبض وهو عنك راض
والخليفتان من بعده كذلك وقتل عثمان وأنت غائب ، فأقم في منزلك فلست مجعولا خليفة
ولا نريد على أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة أوشكتما أن تهلكا فتستويان
فيها جميعا وأرى أن تكفّ يدك وتجلس في بيتك حتّى يجتمع الناس فنبايعه) .
وفي سنة (٣٦)
للهجرة وعند ما حوصر الخليفة عثمان بن عفّان في داره خرج عمرو بن العاص ومعه ابناه
(عبد الله ومحمّد) وعند خروجه قال : (والله يا أهل المدينة ما يقيم بها أحد فيدركه
قتل هذا الرجل إلّا ضربه الله عزوجل بذلّ ومن لم يستطع نصره فليهرب).
ولمّا وصل عمرو
بن العاص إلى الشام بايع معاوية بن أبي سفيان واتفقا على محاربة الإمام عليّ بن
أبي طالب.
ولمّا قتل
الصحابي الجليل عمّار بن ياسر في معركة صفّين ، كان عبد الله بن عمرو وأبيه مع
معاوية ، فقال عبد الله لأبيه عمرو : (يا أبت قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا وقد
قال فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما قال؟) قال له أبوه : وماذا قال؟ فقال عبد الله : ألم
تكن معنا ونحن في المسجد والناس ينقلون
__________________
حجرا ولبنة لبنة وعمّار ينقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين فغشا عليه ، فأتاه
رسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول : (ويحك يا ابن سميّة
.. الناس ينقلون حجرا واحدا ولبنة واحدة وأنت تنقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين
رغبة منك في الأجر ، ويحك ، مع ذلك تقتلك الفئة الباغية).
وقيل إنّ عمرو
بن العاص طلب من ابنه (عبد الله) أن يخرج معه ويقاتل عليّ بن أبي طالب في معركة (صفّين)
فقال له أبنه عبد الله (يا أبة .. كيف تأمرني أن أخرج فأقاتل وقد سمعت من عهد رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إليّ ما سمعت)؟ فقال له أبو عمرو : ناشدتك بالله ،
أتعلم أن آخر ما كان من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم اليك حيث أخذ يدك ووضعها في يدي ، فقال : (أطع عمرو بن
العاص ما دام حيّا) قال عبد الله : نعم ، فقال أبوه : فإني آمرك أن تقاتل.
وقيل إنّ عبد
الله بن عمرو قال عند ما كان مع أبيه في حرب صفّين : (ما لي ولصفّين؟ ما لي ولقتال
المسلمين؟ لودّدت أنّي مت قبلها بعشرين سنة أما والله على ذلك ما ضربت بسيف ولا
رميت بسهم).
واستخلف عمرو
بن العاص ابنه عبد الله على مصر وذهب هو إلى المدينة إلى الخليفة عثمان بن عفّان
ليتباحث معه حول عزل عبد الله بن سعد عن (الصعيد) . فرفض عثمان طلبه وعين عبد الله بن سعد على (مصر) كلّها
، ولمّا جاء عبد الله بن عمرو ليصلّي بالناس صلاة الفجر (باعتباره خليفة أبيه) قيل
له إنّ عبد الله بن سعد قد صلّى بالناس ، فذهب عبد الله بن
__________________
عمرو إلى عبد الله بن سعد وقال له : (هذا دسّك وبغيك)؟ فقال له ابن سعد : (ما
فعلت وقد كنت أنت وأبوك تحسداني على الصعيد فتعال معي حتّى أولّيك الصعيد وأولّي
أباك أسفل الأرض ولا أحسدكما عليه). ولمّا مات أبوه عمرو ولّاه معاوية بن أبي سفيان إمارة
مصر سنة (٤٣) للهجرة وبقي فيها سنتين ثمّ عزله عن مصر وولّى مكانه معاوية بن خديج
سنة (٤٤) للهجرة . ولمّا مات معاوية بن أبي سفيان امتنع عبد الله بن عمرو
عن مبايعة يزيد بن معاوية. وقيل لعبد الله بن عمرو : حدثنا عمّا شاهدته من معاملة
المشركين لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : (جاء عقبة بن أبي معيط ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عند الكعبة ، فلوى ثوبه في عنقه وخنقه خنقا شديدا ،
فقام أبو بكر فدفعه عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال .. (يا قوم ... أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ...
إلى قوله إنّ الله لا يهدي من هو مسرف كذّاب).
ومن أقوال عبد
الله بن عمرو : (من سئل عمّا لا يدري ، فقال لا أدري ، فقد أحرز نصف العلم).
وقال أيضا : (أحرث
لدنياك كأنّك تعيش أبدا واحرث لآخرتك كأنّك تموت غدا). وهذا الحديث محرّف ، والأصل هو ما قاله الإمام عليّ عليهالسلام : (يابن آدم ، اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا ، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا).
وقيل : عند ما
مات عمرو بن العاص ترك لابنه عبد الله أموالا عظيمة
__________________
وعبيد وخدم ، وترك له بستانا في الطائف تسمّى (الوهط) قيمتها ألف ألف درهم.
مات عبد الله
بن عمرو بالطائف سنة (٥٥) للهجرة . وقيل سنة (٦٣) للهجرة . وقيل سنة (٦٥) للهجرة . مات في مصر ، وقيل سنة (٦٧) للهجرة مات في مكّة ، وقيل سنة (٦٨) وقيل سنة (٦٩) ، وقيل سنة (٧٣) للهجرة ، وهذا ضعيف وكان عمره (٧٢) سنة.
هذا وقد اختلف
المؤرخون في سنة وفاة عبد الله بن عمرو بن العاص ، وكذلك اختلفوا في الأماكن الّتي
دفن فيها (كما بيّنا ذلك آنفا) ، ورغبة في توضيح ذلك للقارئ الكريم ، نورد ما ذكره
المؤرخون بهذا الصدد :
١. مات عبد
الله بن عمرو في مصر سنة (٦٣) للهجرة وقيل سنة (٦٥) ، وقيل مات في مكّة سنة (٦٧)
للهجرة وقيل مات بالطائف سنة (٥٥) وقيل مات في (فلسطين) سنة (٦٥) وعمره (٧٢) سنة
وقيل مات سنة (٧٣) للهجرة وهو ضعيف (النووي ـ تهذيب الأسماء. ج ٢٨٢ / ١).
٢. قيل مات في
مصر سنة (٦٥) للهجرة ودفن في داره ذلك لأنّ الحرب كانت قائمة بين مروان بن الحكم
وبين عبد الله بن الزبير. (الذهبي ـ تذكرة الحفاظ. ج ١ / ٢٤٠).
__________________
٣. قيل مات عبد
الله بن عمرو في (ليالي الحرّة) سنة (٦٣) للهجرة وقيل مات في مصر سنة (٦٥) ودفن في
داره وقيل مات في الطائف وقيل مات في مكّة. أما أولاده فيقولون : مات في الشام. (الذهبي
ـ سير أعلام النبلاء. ج ٣ / ٩٤).
٤. مات عبد
الله في الشام سنة (٦٥) للهجرة وقال بعضهم مات في مكّة وقال آخرون مات في الطائف ،
وأما أهل مصر فيقولون : مات في مصر ، وأما أولاده فيقولون مات في الشام وكان عمره (٧٢)
سنة.
(عبد الرحمن بن
الجوزي ـ تلقيح فهوم أهل الأثر. ص ١٠٧).
٥. مات عبد
الله في مصر وقيل في عجلان (وهي قرية من قرى الشام) بالقرب من غزة في بلاد فلسطين
، مات في ولاية يزيد بن معاوية بن أبي سفيان في (ليالي الحرّة) سنة (٦٣) للهجرة
وكان عمره (٧٢) سنة وقيل سنة (٦٥) ويزعم البعض أنه مات سنة (٦٩) للهجرة. (ابن حبان
ـ الثقات. ج ٣ / ٢١١).
٤ ـ المغيرة بن شعبة
أعيد تعيينه
أميرا على الكوفة من قبل معاوية بن أبي سفيان سنة (٤٠) او سنة (٤١) للهجرة. وذلك
بعد عزل عبد الله بن عمرو بن العاص.
٥ ـ عبد الله بن عامر
هو عبد الله بن
عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشيّ الأموي
العبشمي ، وكنيته : أبو عبد الرحمن ،
__________________
وهو ابن خال الخليفة عثمان بن عفّان ، وأبوه (عامر) ابن عمة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (البيضاء بنت عبد المطلب) .
استخلفه
المغيرة بن شعبة أميرا على الكوفة سنة (٤٤) للهجرة وذلك عند ذهاب المغيرة إلى
الشام ، وذكر اليعقوبي في تأريخه ، بأن معاوية بن أبي سفيان قد ولّاه إمارة
الكوفة بعد المغيرة بن شعبة ، وهذا خلاف ما ذكره أكثر المؤرخين ، بأنّ زياد بن
أبيه هو الّذي وليّ الكوفة بعد وفاة المغيرة ، وأنّ زيادا أصبح أمير (العراقين)
حيث جمع له معاوية إمارتي (الكوفة والبصرة) .
وفي سنة ٢٩
للهجرة عزل أبو موسى الأشعري عن إمارة البصرة ، وعزل أيضا عثمان بن أبي العاص عن
إمارة فارس ، عزلهما الخليفة عثمان بن عفّان ، وولّى عبد الله بن عامر إمارتي
البصرة وفارس ، ثمّ ذهب عبد الله بن عامر إلى الشام فزوّجه معاوية بابنته (هند) ، وكان عمر عبد الله آنذاك (٢٥) سنة .
وعند ما عزل
أبو موسى الأشعري عن إمارة البصرة ، وولّيها عبد الله ابن عامر ، قال أبو موسى
لأهل البصرة : (قد أتاكم فتى من قريش ، كريم الأمّهات ، والعّمات ، والخالات ،
يقول بالمال فيكم هكذا).
وعند ما جاء
عبد الله بن عامر إلى البصرة أميرا عليها صعد المنبر يوم الجمعة ، فارتجّ عليه فتأثر كثيرا ، ولمّا كانت الجمعة القادمة ، قال لزياد
بن أبيه : (قل لأحد هؤلاء أن يخطب بالناس. فقال زياد لأبي الهمام بن القليم
__________________
المازني .. قم ، واخطب بالناس ، فصعد المنبر وقال (الحمد لله الّذي خلق
السماوات والأرض في ستّة أشهر). فقيل له : (إنّها ستّة أيّام) فقال : (ما عظّمت من
عظمة الله وأمره فهو أفضل» .
واشتهر عبد
الله بن عامر بفتوحاته العسكرية ، فقد افتتح (سجستان) و (ابر شهر) و (طوس) و (طخارستان)
و (نيسابور) و (الطالقان) ، وغيرها في بلاد خراسان ، وبقي أميرا على البصرة إلى أن
قتل عثمان بن عفّان ، حيث عزله الإمام عليّ عليهالسلام سنة (٣٦) للهجرة .
وشارك عبد الله
في معركة (الجمل) مع عائشة ، ولم يحضر معركة (صفّين). ثمّ لمّا آلت الخلافة إلى
معاوية بن أبي سفيان (بعد الصلح) سنة (٤١) للهجرة ولّاه معاوية إمارة البصرة لمدّة
ثلاث سنوات ثمّ عزله. فذهب إلى المدينة وبقي فيها . وذهب عيينة بن مرداس المعروف ب (ابن فسوه) إلى عبد
الله ابن عامر ـ عند ما كان أميرا على البصرة ـ فلم تهتم به حاشيته وأغفلوا أمره
فقال :
|
كأنيّ ونضوي
عند باب ابن عامر
|
|
من الصرّ
ذئبا ففرة غرتان
|
|
فبتّ وضير
الشتاء يلفني
|
|
وقد مسّ
ساعدي وبناني
|
|
فما أوقدوا
نارا ولا أحضروا قرى
|
|
ولا اعتذروا
من عسرة بلسان
|
ولمّا سمع عبد
الله بشعره ، أقسم بأن لا يغلق له باب فكانت أبوابه بعد ذلك مفتوحة ليل نهار.
وقيل : أن عبد
الله بن عامر اشترى دار خالد بن عقبة بن أبي معيط
__________________
بسبعين ألف درهم ، وعند اللّيل سمع بكاء آل خالد فسأل عن سبب بكائهم فقيل
له : إنّهم يبكون على دارهم الّتي بيعت فأمر عبد الله بردها اليهم مع ثمنها.
وجاء رجل إلى
عبد الله بن عامر فقال له : (يا قمر البصرة ، وشمس الحجاز ، وابن ذروة العرب ،
وترب بطحاء مكّة ، نزعت بي الحاجة وأكدت بي الآمال إلا بفنائك فامنحني بقدر الطاقة
والوسع ، لا بقدر المحتدّ والشرف والهمّة). فأمر له عبد الله بعشرة آلاف ، ثمّ سكت
، فقال الأعرابي : بما ذا؟ تمرة أو رطبة أو بسرة؟. فقيل له : بل دراهم. فصعق الرجل
ثمّ قال : (ربّ إنّ ابن عامر يجاودك فهب له ذنبه في مجاودتك).
وكان عبد الله
بن عامر قد أرسل جيشا بقيادة قطن بن عمرو الهلالي ، فصادفهم بالطريق سيل كثير ،
فقال قطن لجنوده : (من عبر فله ألف درهم).
فعبروا جميعهم
فأعطاهم قطن بما وعدهم فيه وكانت أربعة آلاف ألف درهم ، ولمّا سمع عبد الله بن
عامر بذكرها استكثرها ، فكتب إلى عثمان بن عفّان يخبره بذلك ، فأجازها عثمان فقال
: (ما كان معونة في سبيل الله فجائزة). ثمّ صارت الجائزة : اسم العطية .. فقال
الكنديّ :
|
فداء
الأكرمين بني هلال
|
|
على علاتهم
أهلي ومالي
|
|
هم سنّوا
الجوائز في معدّ
|
|
فصار سنة
أخرى الليالي
|
|
رماحهم تزيد
على ثمان
|
|
وعشرة عند
تركيب النصال
|
وخرج رجلان من
المدينة إلى البصرة ، قاصدان عبد الله بن عامر لطلب المساعدة وكان أحدهما من أولاد
عبد الله بن جابر الأنصاريّ
__________________
والآخر من ثقيف ، ولمّا وصلا بالقرب من البصرة ، قال الأنصاريّ للثقفي : (يا
أخا ثقيف ، إنّي لمّا صليت فكرت فاستحييت من ربّي أن يراني طالب رزق من غيره). ثمّ
تابع كلامه فقال : (اللهم رازق ابن عامر ارزقني من فضلك). ثمّ رجع إلى المدينة. أما الثقفيّ ، فقد وصل إلى البصرة
، وبقي أياما على باب ابن عامر حتّى أذن له ، فلمّا دخل على ابن عامر ، رحّب به
كثيرا وسأله عن ابن جابر (حيث أعلم به) فأخبره بما كان بينهما فبكى ابن عامر وقال
: (والله ما قالها أشرا ولا بطرا ولكن رأى مجرى الرزق ، ومخرج النعمة ، فعلم أنّ
الله عزوجل هو الّذي فعل ذلك فسأله من فضله). ، ثمّ أعطى للثقفي أربعة آلاف وكسوة ، وأرسل ضعفها إلى
الأنصاريّ. فخرج الثقفيّ وهو يقول :
|
إمامة ما سعى
الحريص بزائد
|
|
فتيلا ولا
عجز الضعيف بضائر
|
|
خرجنا جميعا
من مساقط رؤوسنا
|
|
على ثقة منّا
بجود ابن عامر
|
|
فلمّا أنخنا
الناعجات ببابه
|
|
تأخّر عنّي
اليثربي ابن
جابر
|
|
وقال :
ستكفيني عطية قادر
|
|
على ما يشاء
اليوم للخلق قادر
|
|
فإنّ الّذي
أعطى العراق ابن عامر
|
|
لربّي الّذي
أرجو لسدّ مفاقري
|
|
فلمّا رآني
قال : ابن جابر
|
|
وحنّ لمّا
حنّت عراب الأباعر
|
|
فأضعف عبد
الله إذ غاب حظّه
|
|
على حظّ
لهفان من الحرص فاغر
|
وعند ما كان
عبد الله بن عامر أميرا على سجستان من قبل عبد الله ابن الحارث (القباع) في خلافة
عبد الله بن الزبير ، كان معه الشاعر عمير بن
__________________
سنان بن عمرو الملقب (أبو عفراء) ، ولمّا دارت الحرب بين المسلمين و (رتيبل)
قتل (رتيبل) قتله (أبو عفراء) فقال :
|
فلو لا ضربتي
روتيبل فاضت
|
|
أسارى منكم
قملي السّبال
|
|
دلفت له برجل
العنز
لما
|
|
تواكلت
الفوارس والرجال
|
|
لأرت مجدها
أبدا تميما
|
|
إذا عدّ
المآثر والفعال
|
ولمّا أخذ
الناس يتطاولون بالكلام على الخليفة عثمان بن عفّان ، أرسل عثمان إلى معاوية بن
أبي سفيان وإلى عبد الله بن عامر وإلى عبد الله بن سعد ابن سرح وإلى سعيد بن العاص
وإلى عمرو بن العاص بن وائل السهميّ ، فجمعهم ليشاورهم في بعض الأمور الآنية
والمستعجلة ، وقال لهم : (إنّ لكل امرئ وزراء ونصحاء ، وإنّكم وزرائي ونصحائي ،
وأهل ثقتي ، وقد عمل الناس ما قد رأيتم ، إلى أن أعزل عمالي ، وأن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبّون ، فاجتهدوا
رأيكم ، وأشيروا عليّ) .
فقال عبد الله
بن عامر : (رأي لك يا أمير المؤمنين ، أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك وأن تجمرهم في
المغازي حتّى يذلّوا لك ، فلا يكون همّة أحدهم إلّا نفسه وما هو فيه من دبرة دابتة
، وقل فروه) .
وكتب عثمان بن
عفّان إلى عبد الله بن عامر ، يأمره بأن يرسل إليه جيشا لنصرته ، فطلب ابن عامر من
الخطيب عليّ بن أصمع بن مظهر بن
__________________
رباح ، أن يقرأ كتاب عثمان على الناس ، فذكره الفرزدق عرضا فقال :
|
وإلّا رسوم
الدار قفرا كأنّها
|
|
كتاب تلاه
الباهلي ابن أصمعا
|
وفي سنة (٤٥)
للهجرة ، عزل عبد الله بن عامر عن إمارة البصرة ، عزله عنها معاوية بن أبي سفيان ،
وعيّن مكانه زياد بن أبيه.
مات عبد الله
بن عامر سنة (٥٧) للهجرة وقيل سنة (٥٩) في عرفات ، ودفن فيها . ولمّا سمع معاوية بموته قال : (بمن نفاخر ، وبمن نباهي
بعده؟).
٦ ـ عتيبة بن النهّاش
وهو عتيبة بن
النهّاش وقيل (النهّاس) العجلي.
عند ما كان
المغيرة بن شعبة أميرا على الكوفة ، زاره زياد بن أبيه ، فظنّ المغيرة بأنّ زيادا
جاء يزاحمه على إمارة الكوفة ، فذهب إلى معاوية بن أبي سفيان في الشام ، واستخلف
على الكوفة عتيبة بن النهّاش العجلي ، وذلك سنة (٤٥) للهجرة . ولمّا وصل المغيرة إلى الشام ، ودخل على معاوية ، طلب
منه أن يعفيه عن إمارة الكوفة ، فقال له معاوية (بعد أن عرف السبب) ارجع إلى
إمارتك ، أما زياد فقد جعلناه أميرا على البصرة.
وقيل ذهب (الحطيئة)
إلى المدينة أيّام كان سعيد بن العاص أميرا
__________________
عليها فذهب إلى بيت عتيبة بن النهّاش العجلي ، وطلب منه معونة (عطاء) ،
فقال له عتيبة : (ما أنا بعامل فأعطيك ولا في مالي زيادة عن قومي فأعود به عليك).
فخرج (الحطيئة) غاضبا ، فقال له أصحابه (أي أصحاب عتيبة) لقد عرّضتنا ونفسك للشرّ
، فقال عتيبة : وكيف ذاك؟ فقالوا له : إنّه (الحطيئة) وسوف يهجونا أشدّ هجاء ،
فطلب منهم أن يأتوا به ، وعند ما رجع الحطيئة قال له عتيبة : لم كتمتنا نفسك؟
كأنّك تريد الحجّة علينا ، أجلس يا حطيئة ، فلك منا ما يسرك . ثمّ سأله عتيبة وقال له : من أشعر الناس؟ قال الحطيئة
الّذي يقول :
|
ومن يجعل
المعروف من دون عرضة
|
|
يفره ومن لا
يتق الشتم يشتم
|
يعني : زهير بن
أبي سلمى. فقال عتيبة : ثمّ من يأتي بعده؟ فقال الحطيئة : الّذي يقول :
|
من يسأل
الناس يحرموه
|
|
وسائل الله
لا يخيب
|
يقصد به : عبيد
بن الأبرص. فقال عتيبة : ثمّ من يأتي بعدهما؟ فقال الحطيئة : (أنا).
عندها أمر
عتيبة أحد أفراد حاشيته بأن يأخذ الحطيئة إلى السوق ويشتري له كل ما يطلبه ،
فاشترى الحطيئة : الأكسية والكرابيس الغلاظ ، والأقبية ولم يشتر غيرها. فقيل له : إنّ عتيبة قد أمر بشراء
الكثير لك ، فقال الحطيئة : (لا حاجة في أن يكون له على قومي يد أعظم من هذه).
ثم عاد الحطيئة
، وكان عتيبة جالسا ، فقال له عتيبة : (هذا مقام العائذ
__________________
بك يا أبا مليكة من خيرك وشرك).
فقال له
الحطيئة : (كنت قد قلت بيتين فاستمع اليهما):
|
سألت فلم
تبخل ولم تعط طائلا
|
|
فسيان لا ذم
عليك ولا حمد
|
|
وأنت أمرئ لا
الجود بك سجية
|
|
فتعطي ولا
يعدى على النائل الوجد
|
وبعد معركة (دير
الجماجم) سنة (٨٢) للهجرة جيء بعتيبة بن النهّاش أسيرا إلى الحجّاج بن يوسف
الثقفيّ ، فقال له الحجّاج : أنت عتيبة بن النهّاش؟ فقال : نعم أصلح الله الأمير ،
أنا عتيبة بن النهّاس ، فقال له الحجّاج : بايعت عدوّنا عبد الرحمن بن محمّد بن
الأشعث؟ قال : نعم ، بايعته أيّها الأمير خوفا على نفسي وأهلي وولدي ، ولم أقاتل
معه أحدا فليشملني عفوك ورضاك ، فقال الحجّاج : يا عبد النخع ، أمقعد في الجماعة
وصحيح في الفتنة؟ لقد فعلت بعثمان ما فعلت ثمّ عفا عنك يزيد وابنه معاوية بن يزيد
، ومروان بن الحكم ، وأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان ، ثمّ جئت إلى العراق
فعفوت عنك ، ورفعت منزلك وأنّك قد نظرت وسمعت إلى مطر بن ناجية اليربوعي وهو من
أعراب بني تميم يشتمني على المنبر ويشتم عبد الملك بن مروان فنهضت معه أيدت رأيه
ثمّ التفت الحجّاج إلى يزيد بن هبيرة المحاربي وقال له : يا يزيد خذه اليك اضرب
عنقه.
وقيل عند ما
جاء الحطيئة إلى عتيبة بن النهّاش قال :
|
لا أعد
الأقتار عدما ولكن
|
|
فقد من رزئته
الأعوام
|
وفي سنة (٣٥)
للهجرة كان عتيبة بن النهّاش أميرا على (حلوان) من
__________________
قبل الخليفة عثمان بن عفّان.
قتل عتيبة بن
النهّاش سنة (٨٢) للهجرة ، قتله الحجّاج بن يوسف الثقفيّ.
٧ ـ عروة بن المغيرة
:
هو عروة بن
المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن ثقيف ، وكنيته : أبو يعفور .
استخلفه أبوه (المغيرة)
على إمارة الكوفة سنة (٥٠) للهجرة أثناء مرضه الّذي توفي فيه.
وفي سنة (٧٥) للهجرة استخلفه الحجّاج بن يوسف الثقفيّ على إمارة
الكوفة وذلك عند ما ذهب الحجّاج إلى البصرة ليحثّهم على قتال الأزارقة (وكان
الحجّاج بن يوسف الثقفيّ يشتو في البصرة ويصيف بالكوفة).
وفي سنة (٧٦)
للهجرة ذهب الحجّاج إلى البصرة واستخلف على الكوفة عروة بن المغيرة وذلك بعد
انهزام شبيب الخارجيّ عن الكوفة.
وحينما علم
شبيب الخارجيّ بذهاب الحجّاج إلى البصرة عاد إلى الكوفة (مرة ثانية) فكتب عروة بن
المغيرة إلى الحجّاج يخبره بذلك ثمّ جاء شبيب ووصل إلى قرية (حربي) ثمّ واصل سيره
حتّى وصل إلى (عقرقوف)
__________________
عندها أخذ المغيرة يبعث بالرسائل الواحدة تلو الأخرى إلى الحجّاج يطلب منه
المجيء إلى الكوفة بالسرعة ووصل الحجّاج عصرا ونزل شبيب في (السبخة) مساء ثمّ ذهب
شبيب إلى قصر الإمارة فحاصر الحجّاج فيه ثمّ ذهب شبيب إلى القادسية ودارت معركة
بين الجانبين قتل خلالها الكثير من كلا الجانبين .
وفي سنة (٧٧)
للهجرة عاد شبيب إلى الكوفة ونزل في (حمّام أعين) فخرج إليه الحجّاج ومعه أهل
الشام وجعل عروة بن المغيرة في ثلاثمائة رجل من أهل الشام ظهيرا له ثمّ اقتتلوا
قتالا شديدا ثمّ هرب شبيب .
وعند ما جاء
عبد الملك بن مروان إلى العراق لمحاربة مصعب بن الزبير ، كان عروة بن المغيرة
قريبا من مصعب (وقد تخلّى عنه أصحابه ، وتركوه وحيدا في المعركة) فقال مصعب لعروة
: أخبرني عن الحسين بن عليّ ، كيف صنع بامتناعه عن النزول على حكم ابن زياد وعزمه
على الحرب.
فقال المغيرة :
|
إنّ الأولى
بالطفّ من آل هاشم
|
|
تأسوا فسنوا
للكرام التآسيا
|
فقال عروة :
علمت بأن مصعب لا ينهزم ، ولا يتنازل ، ولا يسلم نفسه حتى يقتل.
مات عروة بن
المغيرة بعد التسعين ، وقيل بضع وثمانين.
__________________
٨ ـ جرير بن عبد الله
البجليّ :
هو جرير بن عبد
الله بن جابر بن مالك بن نصر بن ثعلبة بن جشم ابن عويف ، بن خزيمة بن حرب بن عليّ
بن مالك بن سعيد بن نذير بن قسر ، البجليّ ، القسريّ ، وكنيته : أبو عبد الله ،
وقيل أبو عمرو ، لقوله :
|
أنا جرير
كنيتي أبو عمرو
|
|
أضرب بالسيف
وسعد في القصر
|
استخلفه
المغيرة بن شعبة على إمارة الكوفة سنة (٥٠) للهجرة ، وقيل استخلف ابنه عروة بن
المغيرة ، وذلك عند مرضه الّذي مات منه .
أسلم جرير على يد
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سنة (١٠) للهجرة ، فأكرم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم مقدمه وقال : (إذا جاءكم كريم فأكرموه). وروى عن النبيّ
صلىاللهعليهوآلهوسلم أحاديث كثيرة ، وقيل أسلم في السنة الّتي مات فيها رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بعد نزول آية الوضوء .
وكان جرير جميل
الصورة ، حتّى قال فيه الخليفة عمر بن الخطاب : (جرير يوسف هذه الأمة). وقال فيه
أيضا : (نعم السيد كنت في الجاهلية ونعم السيد أنت في الإسلام) .
وعند ما جاء
جرير بن عبد الله من اليمن ، أرسله عمر إلى العراق سنة (١٤) للهجرة مع جيش مكوّن
من القبائل ، وجعله أميرا عليهم ، ولمّا وصل بالقرب من الكوفة كتب إليه المثنى بن
حارثة الشيبانيّ كتابا جاء فيه : (أقبل إليّ إنّما أنت لي مدد) .
__________________
فقال جرير : (إنّي
لست فاعلا ، إلا أن يأمرني بذلك أمير المؤمنين فأنت أمير ، وأنا أمير) . ثمّ ذهب جرير نحو الجسر ، فلقيه مهران بن باذان عند
النخيله ، فوقعت بينهما معركة ، قتل فيها مهران ، وقد اشترك في قتله كلّ من المنذر
بن الحسّان ، وجرير بن عبد الله ، وقد اختصما في سلبه ، فأخذ جرير السلاح ، وأخذ
المنذر المنطقة .
وجرير : هو
سيّد قبيلة بجيلة ، وفيهم قال الشاعر :
|
لو لا جرير
هلكت بجيلة
|
|
نعم الفتى
وبئس القبيلة
|
وقيل : تفاخر
جرير (أيّام الجاهلية) مع خالد بن أرطأة الكلبيّ ، فذهبا إلى الأقرع بن حابس (وكان
عالم العرب في زمانه) ليكون حكما بينهما ، فقال الأقرع لخالد : قل ما عندك ، فقال
: (ننزل بالبراح ، ونطعن بالرماح ، ونحن فتيان الصباح).
ثم التفت إلى
جرير وقال له : هات ما عندك ، فقال : (نحن أهل الذهب الأصفر ، والأحمر المعتصر ،
نخيف ولا نخاف ، ونطعم ولا نستطعم ، ونحن حيّ اللقاح ، نطعم ما هبّت الرياح ، نضمن
الدهر ونصوم الشهر ، ونحن الملوك لقسر) .
فقال الأقرع
لجرير : (واللّات والعزّى لو نافرت قيصر ملك الروم وكسرى عظيم الفرس والنعمان ملك
العرب لنفرت عليهم) . وقال عمر بن خشارم البجليّ في تلك المفاخرة :
__________________
|
يا أقرع بن
حابس يا أقرع
|
|
إنّي أخوك
فانضرن ما تصنع
|
|
إنّك إن يصرع
أخوك تصرع
|
|
إنّي أنا
الداعي نزارا فاسمعوا
|
|
في باذخ من
عز مجد يفرع
|
|
به يضرّ قادر
وينفع
|
|
وادفع غدا
وأمنع
|
|
عزّ ألدّ
شامخ لا يطمع
|
|
يتبعه الناس
ولا يستتبع
|
|
هل إلّا أذنب
وأكرع
|
|
وزمع مؤتشب
مجمع
|
|
وحسب وغلّ
وأنف أجدع
|
وقيل سأله عمر
بن الخطاب يوما عن الناس. فقال جرير : (هم كسهام الجعبة منهم القائم الرائش ،
والنصل الطائش) . وكان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أرسل جرير إلى هدم (ذي الخلصة) فهدمه . وشارك جرير في (معركة الجسر) مع أبي عبيدة الثقفيّ
وجعله سعد بن أبي وقّاص على ميمنة الجيش في (معركة القادسية) .
ولمّا انتخب
الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام خليفة للمسلمين كتب إلى جرير بن عبد الله (وكان جرير
آنذاك أميرا على ثغر همدان) من قبل عثمان بن عفّان ، يأمره بالمجيء إلى الكوفة ،
ليذهب إلى الشام رسولا عنه إلى معاوية بن أبي سفيان. وكان مع الإمام عليّ عليهالسلام ابن أخت جرير ، فكتب هذا إلى خاله كتابا وضمنه بالأبيات
التالية :
|
جرير بن عبد
الله لا تردد الهدى
|
|
وبايع عليا
إنّي لك ناصح
|
|
فإنّ عليا
خير من وطأ الحصى
|
|
سوى أحمد
والموت غاد ورائح
|
|
ودع عنك قول
الناكثين فإنّما
|
|
أولاك أبا
عمرو كلاب نوائح
|
__________________
|
وبايعه إن
بايعته بنصيحة
|
|
ولا يكتمنها
في ضميرك فادح
|
|
فإنّك إن
تطلب الدين تعطه
|
|
وإن تطلب
الدنيا فبيعك رابح
|
إلى آخر
الأبيات.
ولمّا وصل
الكتاب إلى جرير جمع الناس وخطب فيهم ، ثمّ سار بمن معه من الجيش حتّى وصل الكوفة
، ودخل على الإمام عليّ عليهالسلام فبايعه ، وأنشأ يقول شعرا نقتبس منه :
|
أتانا كتاب
عليّ فلم
|
|
يناب الكتاب
بأرض العجم
|
|
ولما نعص ما
فيه لما أتى
|
|
ولما نظام
ولما ندم
|
|
مضينا يقينا
على ديننا
|
|
ودين بني بجل
الظلم
|
|
له الفضل
والسبق والمكرمات
|
|
وبيت النبوة
والمدعم
|
ثم طلب الإمام
عليّ عليهالسلام من جرير أن يذهب إلى معاوية في الشام لمبايعته ، فلمّا
وصل جرير إلى الشام ، دخل على معاوية وهو يخطب بالناس وهم يبكون حوله وقميص عثمان
معلّق في رمح فأعطاه جرير الكتاب فقال رجل من أهل الشام لمعاوية :
|
إنّ بني عمّك
عبد المطلب
|
|
هم قتلوا
شيخكم غير كذب
|
|
وأنت أولى
الناس بالوثب فثب
|
|
واغضب معاوي
للإله وارتقب
|
|
بادر بخيل
الأمّة الغار الأشب
|
|
بجمع أهل
الشام ترشد وتصب
|
|
وسر مسير
المحزئل الملتئب
|
|
وهزهز الصعدة
لليأس الشغب
|
ثم أعطى ذلك
الرجل كتابا إلى معاوية من الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، جاء فيه :
__________________
|
معاوي إنّ
الملك قد جبّ غاربه
|
|
وأنت بما في
كفّك اليوم صاحبه
|
|
أتاك كتاب من
عليّ بخطه
|
|
هي الفصل
فاختر سلمه أو تحاربه
|
|
فإن كنت تنوي
أن تجيب كتابه
|
|
فقبح ممليه
وقبح كاتبه
|
|
وإن كنت تنوي
رجع جوابه
|
|
فأنت بأمر
اللامحال راكبه
|
|
فألقي إلى
الحيّ اليمانين كلمة
|
|
تنال بها
الامر الّذي أنت طالبه
|
|
تقول : أمير
المؤمنين اصابه
|
|
عدوّ ومالهم
عليه أقاربه
|
|
وكنت أميرا
قبل الشام فيكم
|
|
وحسبي من
الحقّ الّذي واجبه
|
|
فجيئوا ومن
أوس بشيرا مكانه
|
|
ندافع بحرا
لا تردّ غواربه
|
|
فأكثر وأقلل
مالها الدهر صاحب
|
|
سواك فصرّح
لست ممن تواربه
|
فقال معاوية
لجرير : أقم عندنا ، ريثما يهدأ الناس ، فانّهم بعد مقتل عثمان قد نفروا. فبقي
جرير عند معاوية أربعة أشهر. ثمّ رجع جرير ، بعد ان رفض معاوية المبايعة.
وكان معاوية
خلال هذه الفترة قد اتصل بعمرو بن العاص ، وتشاورا فيما بينهما ، واتفقا على عدم
مبايعة الإمام عليّ عليهالسلام.
ثم جاء كتاب
آخر من الوليد بن عقبة إلى معاوية جاء فيه :
|
ألا أبلغ
معاوية بن حرب
|
|
فإنك من أخي
ثقة مليم
|
|
قطعت الدهر
كالسدم المعنى
|
|
تهدر في دمشق
وما تريم
|
|
فإنّك
والكتاب إلى عليّ
|
|
كرابعة وقد
حلم الأديم
|
|
فلو كنت
القتيل وكان حيّا
|
|
لشمّر لا
ألّف ولا سؤوم
|
وقيل إنّ جرير
توضأ فمسح على خفيّه فقيل له أتمسح على خفيّك؟
__________________
قال : (ومالي
لا أمسح ، وقد رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يمسح؟.
وقيل إنّ حديث
جرير (هذا) هو أوثق حديث في المسح ، لأن جرير أسلم في العام الّذي مات فيه رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد نزول آية الوضوء.
وقيل إنّ جرير
البجليّ أنتقل من الكوفة إلى (قرقيسياء) وقال : (لا أقيم في بلدة يشتم فيها عثمان).
ثمّ أعتزل الفريقين (الإمام عليّ ومعاوية).
وقال (الأخطل) مادحا جرير بن عبد الله بقصيدة نختطف منها
|
عندي بنائلة
الإحسان والصفدا
|
|
إنّي امتدحت
جرير الخير إن له
|
|
إنّ جريرا
شهاب الحرب يسعرها
|
|
إذا توكّلها
أصحابها وفدا
|
|
جرّ القبائل
ميمون نقيته
|
|
يغشى بهن
سهول الأرض والجددا
|
|
تحمله كلّ
حرارة مجلّلة
|
|
تخال فيها
إذا ما هرولت حردا
|
مات جرير بن
عبد الله البجليّ في الكوفة سنة (٥١) للهجرة وقيل سنة (٥٤) .
٩ ـ زياد بن أبيه :
وكنيته : أبو
المغيرة . وقد اختلف في نسبه (أي في أبيه) ، فقيل : إنّ الحارث
بن كلدة الثقفيّ (طبيب العرب المشهور) كان عنده خادما روميّا
__________________
اسمه (عبيد) فزوّجه من (أمه) اسمها (سميّة) فولدت له زيادا) ، فكان يقال له
: (زياد بن عبيد) و (زياد بن سمية) و (زياد بن أبيه) و (زياد بن أمّه) وذلك قبل أن
يستلحقه معاوية بن أبي سفيان بأبيه (أبي سفيان) .
وفي سنة (٤٤) للهجرة ، استلحقه معاوية بأبيه (أبي سفيان) فصار يقال
له (زياد بن أبي سفيان). واليك أيّها القارئ الكريم القصة : يقال إنّ أبا سفيان
ذهب في الجاهلية إلى الطائف ، فنزل على أبي مريم ، فقال له أبو سفيان (بعد إن شرب
الخمر حتّى سكر) : إنّي قد اشتهيت النساء ، فجاءه أبو مريم ب (سميّة) فواقعها
فولدت منه زيادا ، ثمّ نشأ زياد ، وجاء يوما في خلافة عمر بن الخطاب ، فقال له عمر
وبمحضر من الصحابة : (لو كان أبو هذا الغلام من قريش لساق العرب بعصاه) .
وقيل إنّ أبا
سفيان قال لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام : (إنّي لأعرف من وضعه في رحم أمه) ، فقال له عليّ عليهالسلام : (فما يمنعك من استلحاقه؟). فقال أبو سفيان : (أخاف أن
يضربني عمر بالدّرّة) .
ولمّا رأى
معاوية ، الذكاء والدهاء عند زياد ، ادعى بأنه نزل من ظهر أبيه ، وفي ذلك قال عبد
الرحمن بن أمّ الحكم ، وقيل يزيد بن مفرغ الحميريّ :
|
ألا أبلغ
معاوية بن حرب
|
|
مغلفة عن
الرجل اليماني
|
|
أتغضب أن
يقال : أبوك عف
|
|
وترضى أن
يقال : أبوك زاني
|
|
فاشهد أن
رحمك من زياد
|
|
كرحم الفيل
من ولد الأتان
|
__________________
ولّاه معاوية
بن أبي سفيان ، إمارة الكوفة سنة (٤٩) للهجرة ، وقيل سنة (٥٠) وذلك بعد وفاة المغيرة بن شعبة ، وكان زياد قبل ذلك
أميرا على البصرة ، فجمع له معاوية إمارة (العراقين) . وهو أوّل من جمعت له الإمارتين في عصر الأمويين .
وزياد بن أبيه
، هو أوّل من رسّخ ووطدّ الحكم لمعاوية في العراق ، فقد شهر سيفه ، وأخذ بالظنّه ،
وعاقب على الشبهة ، فخاف منه الناس وهابوه ثمّ أخذ يوزع الأموال على أنصاره
وأتباعه من أهل البصرة ، فأعطى لشيوخها ما بين (٣٠٠ ـ ٥٠٠) درهم لكل واحد منهم ،
فقال فيه حارثة بن بدر العبدي قصيدة نقتطف منها الأبيات التالية :
|
ألا من مبلغ
عنّي زيادا
|
|
فنعم أخو
الخليفة والأمير
|
|
فأنت إمام
معدلة وقصد
|
|
وحزم حين
تحضرك الأمور
|
|
أخوك خليفة
الله ابن حرب
|
|
وأنت وزيره ،
فنعم الوزير
|
|
تصيب على
الهوى منه وتأتي
|
|
محبّك ما
يجنّ له الضمير
|
|
يدر على يديك
لمّا أرادوا
|
|
من الدنيا
لهم حلب غزير
|
وقيل إنّ زياد
بن أبيه ، كان أبرع شخصية تسلمت (الولاية) في عصر الأمويين ، ومن أقوى أهل زمانه
بطشا وشدّة. وقد قال الأصمعي : (الدهاة أربعة : معاوية للرويّة ، وعمرو بن العاص
للبديهة ، والمغيرة بن شعبة للمعضلة ، وزياد لكل كبيرة وصغيرة).
__________________
وقيل إنّ زياد
بن أبيه قال لأخيه أبي بكرة : (ألم تر أنّ أمير المؤمنين يريدني على كذا وكذا ، وقد ولدت على فراش عبيد ، وقد
أشبهته ، وقد علمت أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : (من ادّعى إلى غير أبيه فليتبوء مقعده من النار) .
وعند ما عزل
زياد بن أبيه عن إمارة البصرة ، عزله الخليفة عمر بن الخطاب ، سأله زياد : لم
عزلتني يا أمير المؤمنين؟ العجز ، أم خيانة؟! فقال له : (لم أعزلك لأيّ واحدة
منهما ، ولكننّي كرهت أن أحمل فضل عقلك على الناس) .
وكان زياد بن
أبيه من أصحاب الإمام عليّ عليهالسلام ، وكان عامله على البصرة ، ثمّ انقلب بعد ذلك عليه ،
وأصبح ضدّه ، وانحاز إلى جانب معاوية ابن أبي سفيان .
ثم ولّاه
معاوية إمارة البصرة سنة (٤٥) للهجرة ، فخطب في أهل البصرة قائلا : (... والله
لآخذنّ المقبل بالمدبر ، والمحسن بالمسيء ، والمطيع بالعاصي ، حتّى يلقى الرجل
منكم أخاه فيقول : (يا سعد ، أنج ، فإن سعيدا قد قتل) .
وقيل إنّ زياد
بن أبيه هو أوّل من عرّف العرفاء ، ورتّب النقباء ، وربّع الأرباع بالكوفة والبصرة ، وأوّل من جلس الناس بين يديه على
__________________
الكراسي من أمراء العرب ، وأوّل من اتخذ العسس والحرس في الإسلام ، وأوّل
أمير سارت الرجال بين يديه تحمل الحراب والعمد ، كما كانت تفعل الأعاجم .
وقال عنه ابن
حزم : (امتنع زياد ، وهو فقعة القاع ، لا عشيرة ولا نسب ولا سابقة ولا قدم ، فما
أطاقه معاوية إلا بالمداراة ، وحتى أرضاه وولّاه) .
وقيل جاء الحكم
بن الحارث الفهمي (الشاعر) إلى معاوية يشكو من زياد ، فقال :
|
وإنّكم قوم
ميامين كنتم
|
|
وأهل خلود لا
يضيق بها سرب
|
|
وإنّ زيادا
موعث في أديمكم
|
|
وشائمكم والشؤم
ليس له نجب
|
|
وتارككم في
لعنة بعد مدحكم
|
|
وذا الصحاح
أن تصافحها الحرب
|
|
والله لا
لينهي زيادا وغيه
|
|
سوى أن تقول
لا زياد ولا حرب
|
فقال له معاوية
: (قبّح الله رأي زياد ، أما والله فقد أوصيته بك). ثمّ طلب معاوية منه أن يصفح عن
إساءة زياد له. وكان زياد بن أبيه (سابقا) كاتبا لعتبة بن غزوان ولعليّ بن أبي
طالب عليهالسلام ولعبد الله بن عباس ، ولأبي موسى الأشعري ، ولعبد الله
بن عامر ، وقد أثرى زياد بن أبيه عند ما كان كاتبا لعبد الله بن عباس في البصرة ،
فقال فيه الشاعر :
|
قد أنطقت
الدراهم بعد عيي
|
|
رجالا طالما
كانوا سكوتا
|
|
فما عادوا
على جار بخير
|
|
ولا رفعوا
لمكرمة بيوتا
|
__________________
|
كذاك المال
يجبر كلّ عبئ
|
|
ويترك كلّ ذي
حسب صموتا
|
وقال فيه
الأصمعي : (مكث زياد على العراق تسعة سنين ، لم يضع لبنة على لبنة ولم يغرس شجرة) . وعند ما كان زياد بن أبيه أميرا على فارس من قبل
الإمام عليّ عليهالسلام كتب إليه الإمام عليّ عليهالسلام يقول : (أما بعد فإن رسولي أخبرني بعجب ، زعم أنّك قلت
له فيما بينك وبينه أن الأكراد هاجت بك وكسرت عليك كثيرا من الخراج وقلت له : لا
تكلّم بذلك أمير المؤمنين ، يا زياد وأقسم بالله إنّك لكاذب ، وإن لم تبعث بخراجك
لأشدنّ عليك شدّة تدعك قليل الوضر ثقيل الظهر ، إلّا أن تكون بما كسرت من الخراج
محتملا) .
ودخل الحارثة
بن زيد العدواني (يوما) على زياد بن أبيه وكان في وجهه آثار خدوش فقال له زياد :
ما هذا الأثر في وجهك؟ فقال حارثة : (أصلح الله الأمير ركبت فرسي الأشقر فجمح بي
حتّى صدمني الحائط).
فقال له زياد :
أما إنّك لو ركبت فرسك الأشهب لم يصبك مكروه. (وكان حارثة هذا سكيرا) .
وسأل رجل ذات
يوم زياد بن أبيه فأعطاه زياد درهما واحدا فقط ، فتعجب السائل وقال : أمير
العراقيين أسأله فيعطيني درهما واحدا!! فقال له زياد : (من بيده خزائن السماوات
والأرض ، ربما رزق أخصّ عباده عنده ، وأكرمهم لديه : التمرة واللقمة ، وما يكبر
عندي أن أصل رجلا بمائة ألف درهم ولا يصغر عندي أن أعطي سائلا رغيفا إنّ كان رب
العالمين فعل
__________________
ذلك ، قال الشاعر :
|
يا ربّ جود
جرّ فقر امرئ
|
|
فقام الناس
مقام الذليل
|
|
فاشدد عرى
مالك واستبقه
|
|
فالبخل خير
من سؤال البخيل
|
وقيل إنّ رجلا
من أهل الكوفة ، هرب من زياد بن أبيه خوفا منه ، وذات يوم مرّ زياد على جماعة ،
فشاهد رجلا ، فسأل عنه ، فقيل له : (هذا أوفى بن حصن الطائي). فقال زياد : (أتتك
بحائن رجلاه) .
فقال أوفى :
|
إنّ زيادا
أبا المغيرة لا
|
|
يعجل والناس
فيهم عجلة
|
|
خفتك والله
فأعلمن حلفي
|
|
خوف الخفافيث
صولة
الأصّله
|
|
فجئت إذ ضاقت
البلاد فلم
|
|
يكن عليها
لخائف وأله
|
وكان زياد بن
أبيه قد حفر في البصرة نهر (معقل) وطلب من معقل أن يفتتحه لأنّه من أصحاب رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ أعطى زياد لأحد رجاله ألف درهم ، وقال له : اذهب
واسأل الناس : من الّذي حفر نهر معقل؟ فإذا قال أحدهم : إنّه نهر زياد فأعطه الألف
درهم.
فخرج ذلك الرجل
، وأخذ يسأل الناس : من الّذي حفر نهر معقل؟
فكلهم كانوا
يجيبونه بأنه «نهر معقل». فرجع الرجل إلى زياد بن أبيه واخبره بذلك. فقال زياد : (ذلك
فضل من الله يؤتيه من يشاء) . وحينما الحقّ نسب زياد بأبي سفيان ، علم بأن العرب سوف
لن تعترف له ، ولا تقرّ
__________________
بذلك لمعرفتهم بنسبه الحقيقي ، لذلك عمل زياد على تأليف كتاب أسماه «المثالب»
ألصق فيه العرب ، كل عيب وعار ، وباطل وبهتان ، وخاصّة الأشراف منهم ، وأهل
البيوتات العريقة ، وقد سار على نهجه فيما بعد الهيثم ابن عدي ، وأبو عبيدة معمر
بن المثنى ، لأن الأول كان اصله «دعيا» والثاني كان يهوديا.
وذهب زياد بن
أبيه إلى الشام ، فدخل على معاوية بن أبي سفيان ، ومعه الهدايا الكثيرة ، ومن
ضمنها «عقد ثمين» فأعجب به معاوية كثيرا ، فقال زياد : (يا أمير المؤمنين ، دوخت
لك العراق ، وجبت لك برها وبحرها وحملت إليك لبها وسرّها). فقال له يزيد بن معاوية
(وكان جالسا عند أبيه) : (أما إنّك إذ فعلت ذلك ، فإنّا نقلناك من ثقيف إلى قريش ،
ومن عبيد إلى أبي سفيان ، ومن القلم إلى المنابر) .
وكان زياد بن
ابيه سفاكا للدماء ، شأنه شأن ابنه عبيد الله والحجّاج ابن يوسف الثقفيّ ، فقد قتل
الكثير من أهل الكوفة ، ومن ضمنهم (حجر
__________________
ابن عدي الكنديّ) وجماعته حيث دبر لهم تهمة وأرسلهم إلى معاوية بن أبي
سفيان فقتلهم معاوية .
وعند ما ألقي
القبض على (حجر) وجماعته ، أرسل زياد كتابا إلى معاوية جاء فيه : (بسم الله الرحمن
الرحيم : لعبد الله معاوية بن أبي سفيان ، أمير المؤمنين ، من زياد بن أبي سفيان ،
أما بعد ، فان الله قد أحسن عند أمير المؤمنين البلاء فأداله من عدوّه وكفاه مؤنة
من بغي عليه ، إنّ طواغيت الترابية ، السابة وعلى رأسهم حجر بن عدي خلعوا أمير المؤمنين
وفارقوا جماعة المسلمين ونصبوا لنا حربا فأطفئها عليهم وأمكننا منهم وقد دعوت خيار
أهل المصر ، وأشرافهم وذوي النهى والدين فشهدوا عليهم بما رأوا وعلموا ، وقد بعثت إلى أمير المؤمنين
وكتبت شهادة صلحاء أهل المصر وخيارهم في أسفل كتابي هذا). .
وعند ما سمع
شريح بن هاني بكتاب زياد بن أبيه كتب إلى معاوية كتاب جاء فيه : (بسم الله الرحمن
الرحيم ، لعبد الله معاوية ، أمير المؤمنين ، من
__________________
شريح بن هاني ، أما بعد ، فقد بلغني أن زيادا كتب اليك بشهادتي على حجر وأن
شهادتي على حجر : إنه ممن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويأمر بالمعروف وينهى عن
المنكر ، حرام المال والدم ، فإن شئت فاقتله ، وإن شئت فدعه) .
فقتل معاوية
سبعة منهم وهم : (١) حجر بن عدي الكنديّ. (٢) شريك بن شدّاد الحضرميّ. (٣) صيفي بن
فسيل الشيبانيّ. (٤) قبيصة بن ضبيعة العبسيّ. (٥) محرز بن شهاب التميميّ. (٦) كدام
بن حبان العنزيّ.
(٧) عبد الرحمن
بن حسان العنزيّ).
قتلهم سنة (٥١)
للهجرة ، وقيل سنة (٥٣) ، في مرج عذراء القريبة من دمشق ، هذا وقد استنكر
المسلمون قتل حجر بن عدي بما فيهم أم المؤمنين (عائشة) حيث قالت له (عند ما زارها
بالمدينة) : (أقتلت حجرا وأصحابه؟ فأين غرب حلمك عنهم؟ أما إنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : (يقتل بمرج عذراء نفر يغضب لهم أهل السماوات) ،
فقال لها معاوية : (لم يحضرني رجل رشيد يا أم المؤمنين) .
وقالت امرأة من كندة ترثي حجرا وقيل ابنته :
|
ترفّع أيّها
القمر المنير
|
|
لعلك أن ترى
حجرا يسير
|
|
يسير إلى
معاوية بن حرب
|
|
ليقتله كما
زعم الأمير
|
|
ألا يا ليت
حجرا مات موتا
|
|
ولم ينحر كما
نحر البعير
|
__________________
|
ترفّعت
الجبابرة بعد حجر
|
|
وطاب لها
الخورنق والسدير
|
|
ألا يا حجر
بن عدي
|
|
تلقتك السلامة
والسرور
|
|
أخاف عليك
سطوة آل حرب
|
|
وشيخا في
دمشق له زئير
|
|
يرى قتل
الخيار عليه حقّا
|
|
له من شرّ
منه وزير
|
|
فإن تهلك فكن
زعيم قوم
|
|
إلى هلك من
الدنيا يصير
|
وقيل لمّا
ولّاه معاوية إمارة (العراقين) بعد موت المغيرة بن شعبة ، ذهب إلى الكوفة واستخلف
على البصرة (سمرة بن جندب) ولمّا عاد إلى البصرة ، سمع بأن سمرة بن جندب قد قتل
ثمانية آلاف رجل من خيار أهل البصرة . وقال الشاعر يهجو بني أميّة وزياد بن أبيه :
|
غصبت أميّة
إرث آل محمّد
|
|
سفها وشنت
غارة الشنآن
|
|
وغدت تخالف
في الخلافة أهلها
|
|
وتقابل
البرهان بالبهتان
|
|
لم تقتنع
لكامهم بركوبهم
|
|
ظهر النفاق
وغارب العدوان
|
|
وقعودهم في
رتبة نبوّيّه
|
|
لم يبنها لهم
أبو سفيان
|
|
حتّى أضافوا
بعد ذلك أنّهم
|
|
أخذوا بثار
الكفر في الإيمان
|
|
فأتى زياد في
القبح زيادة
|
|
تركت يزيد
يزيد في النقصان
|
وفي سنة (١٦٠)
للهجرة ، أمر الخليفة العباسي (المهديّ) بإرجاع آل زياد وآل أبي بكرة إلى أنسابهم
الأصليّة ، وقيل في سبب ذلك ، إنّ رجلا من آل زياد اسمه (الصفديّ بن مسلم بن حرب
بن زياد) جاء إلى الخليفة
__________________
(المهديّ) فسأله المهديّ : (من أنت؟) فقال : ابن عمّك.
فقال المهديّ :
ومن أي أبناء عمومتي أنت؟ فذكر له نسبه ، فعند ذلك غضب المهديّ وقال : (يا ابن
سميّة الزانية ، متى كنت ابن عمي؟!).
ثمّ كتب
المهديّ إلى عامله بالبصرة ، بإخراج جميع آل زياد من ديوان قريش والعرب ، وإرجاعهم
ال ثقيف. فقال خالد النجار (البخاريّ):
|
إنّ زيادا ونافعا وأبا
|
|
بكرة عندي من
أعجب العجب
|
|
ذا قريش كما
يقولون وذا
|
|
مولى وهذا
بزعمه عربي
|
|
إنّ رجالا
ثلاثة خلقوا
|
|
من رحم أنثى
مخلفي النسب
|
وكان زياد بن
أبيه ، قد كتب إلى معاوية بن أبي سفيان كتابا قال فيه : إنّي ولّيت العراق بيميني
، وشمالي فارغة) وكان قصده من ذلك أن يولّيه معاوية الحجاز واليمامة والبحرين ،
إضافة إلى (العراقين) ، فلمّا سمع عبد الله ابن عمر بن الخطاب قال : (اللهم إنّك
تجعل القتل كفارة لمن شئت من خلقك فموتا لأبن سميّة لا قتلا).
وعند ما مات
زياد ، وسمع به ابن عمر قال : (إذهب اليك أبن سميّة ، لا بقيت لك ، ولا الآخرة
أدركت) .
مات زياد بن
أبيه بالكوفة سنة (٥٣) للهجرة ، ودفن بالثوية إلى
__________________
جانب الكوفة ، فرثاه مسكين الدارمي فقال :
|
رأيت زيادة
الإسلام ولت
|
|
جهارا حين
ودّعنا زياد
|
فرد عليه
الفرزدق قائلا :
|
أمسكين أبكى
الله عينيك إنّما
|
|
جرى في ضلال
دمعها فتحدرا
|
|
بكيت أمرءا
من أهل ميسان كافرا
|
|
ككسرى على
عدّانه أو كقيصرا
|
|
أقول له لما
أتاني نعيه
|
|
به لا بضبي
بالصّريمة أعفرا
|
١٠ ـ عمرو بن حريث :
استخلفه زياد
بن أبيه أميرا على الكوفة سنة (٥٠) للهجرة. وهذه (ثاني مرة) يستخلف فيها عمرو بن
حريث على الكوفة.
١١ ـ خالد بن عبد
الله بن أسيد :
هو خالد بن عبد
الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة.
استخلفه زياد
بن أبيه أميرا على الكوفة سنة (٥٣) للهجرة ، وذلك قبيل وفاته ، ثمّ كتب إلى معاوية
بن أبي سفيان يعلمه بذلك ، فقال معاوية : (لا والله ، لا أستعمله على صلاتها ولا
على خراجها) فعزله ، ثمّ ولّى (ابن أخته) عبد الرحمن بن أمّ الحكم.
ولمّا سمع خالد
بن عبد الله بعزله ، ذهب إلى بيت المال ، فأخذ منه ألفي
__________________
ألف درهم ، ثمّ ذهب إلى مكّة.
وكان الخليفة
عثمان بن عفّان قد زوج ابنته من عبد الله بن خالد ، وطلب عثمان من عبد الله بن
عامر (أمير البصرة آنذاك) أن يعطي إلى عبد الله بن خالد ستمائة ألف درهم من بيت
مال البصرة.
وذهب الخليفة
عثمان بن عفّان إلى ابنته ذات يوم يتفقدها ، فرآها هزيلة نحيفة ، فقال : يا بنية
مالي أراك مهزولة؟ لعل زوجك يغيرك؟ فقالت : لا ، ما يغيرني. ثمّ قال لزوجها : لعلك يا عبد
الله تغيرها؟
فقال عبد الله
: (نعم ، فلغلام يزيده في بني أمية أحبّ إليّ منها).
وكان عبد الله
بن عمر بن الخطاب إذا ذهب إلى مكّة ينزل ضيفا على آل عبد الله بن خالد ثلاثة أيّام
، ثمّ بعدها ينزل إلى السوق فيشتري حوائجه ولوازمه.
وذهب عبد الله
بن خالد مرة إلى الخليفة عثمان بن عفّان ، وطلب منه أن يعطيه مالا ، كما أعطى
لأقربائه ، فأعطاه عثمان أربعمائة ألف درهم.
١٢ ـ الضحّاك بن قيس
الفهريّ :
هو الضحّاك بن
قيس بن خالد الفهريّ ، القرشيّ ، وكنيته : أبو أمية ، وقيل : أبو أنيس ، وقيل :
أبو عبد الرحمن ، وقيل : أبو سعيد.
__________________
ولّاه معاوية
بن أبي سفيان إمارة الكوفة سنة (٥٣) للهجرة في شهر صفر ، وقيل سنة (٥٥) وذلك بعد عزل عبد الله بن خالد بن أسيد.
ثم عزله سنة (٥٨)
وقيل سنة (٥٧) للهجرة ، وعيّن مكانه عبد الرحمن بن أمّ الحكم . ثمّ ولّاه إمارة دمشق بعد عزله عن الكوفة.
وقيل في نسبه
أيضا هو : الضحّاك بن قيس بن خالد الأكبر بن وهب ابن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن
شيبان بن محارب بن فهر بن مالك.
وكان الضحّاك
بن قيس من المقربين عند معاوية بن أبي سفيان ، فعندما شعر معاوية بدنو أجله ، أرسل
إلى الضحّاك (وكان آنذاك مدير شرطته) وقال : بلّغ وصيتي هذه : (أنظر أهل الحجاز فإنّهم أصلك ، فأكرم من
قدم عليك منهم ، وتعاهد من غاب ، وانظر أهل العراق ، فإن سألوك أن تعزل عنهم كلّ
يوم عاملا فافعل ، فإنّ عزل عامل أحبّ إليّ من أن تشهر عليك مائة ألف سيف ، وانظر
أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبك ، فإن نابك شيء من عدوّك فانتصر بهم ، فإذا
أصبتهم فاردد أهل الشام إلى بلادهم ، فإنّهم إن أقاموا بغير بلادهم ، أخذوا بغير أخلاقهم
، وإنّي لست أخافها من قريش ، إلّا ثلاثة : حسين بن عليّ وعبد الله بن عمر بن
الخطاب
__________________
وعبد الله بن الزبير ... الخ).
ولمّا مات
معاوية سنة (٦٠) للهجرة ، غسّله وكفّنه الضحّاك ، وخطب في الناس قائلا : (إنّ ابن
هند قد مات ، وهذه أكفانه على المنبر ، ونحن مدرجوه فيها ، ومخلون بينه وبين ربّه
، ثمّ هو البرزخ إلى يوم القيامة ، ولو كان يزيد حاضرا ، لم يكن للضحاك ولا لغيره
أن يفعل من هذا شيئا).
وكان الضحّاك
بن قيس أوّل من بايع يزيد بن معاوية بالخلافة ، وذلك حينما عهد معاوية بولاية
العهد لأبنه يزيد سنة (٥٩) للهجرة ، وفي ذلك قال عبد الرحمن بن همّام السلوليّ :
|
فإن تأتوا
برملة أو بهند
|
|
نبايعها
أميرة مؤمنينا
|
وفي حرب صفّين
الّتي دارت رحاها بين الإمام عليّ عليهالسلام وبين معاوية ابن أبي سفيان كان الضحّاك بن قيس على
الرجّالة كلها بجانب معاوية.
ولمّا مات يزيد
بن معاوية سنة (٦٤) للهجرة ، كتب الضحّاك إلى قيس ابن الهيثم : (السلام عليك ، أما
بعد ، فإن يزيد بن معاوية قد مات ، وأنتم إخواننا فلا تسبقونا بشيء حتّى نختار
لأنفسنا).
ثم بايع أهل
دمشق (الضحّاك) على أن يصلي بهم ويتولى أمورهم لحين الاتّفاق على انتخاب خليفة
جديد.
وحينما مات
معاوية (الثاني) بن يزيد بن معاوية ، كان النعمان بن بشير الأنصاريّ هو أوّل من
بايع عبد الله بن الزبير بالخلافة (وكان آنذاك أميرا
__________________
على حمص) وكذلك بايعه زفر بن الحارث وكان أميرا على (قنسرين). أمّا الضحّاك
فكان يدعو في (دمشق) لعبد الله بن الزبير (سرّا) ثمّ بعد ذلك أعلن الضحّاك بيعته
لأبن الزبير (علانية) ، ولمّا سمع عبد الله بن الزبير بذلك ، ولّى الضحّاك إمارة
دمشق.
أما أكثرية بني
أميّة (ومن تبعهم) فقد ذهبوا إلى الأردن ، وتجمعوا هناك مع مروان بن الحكم.
وقيل إنّ مروان
بن الحكم ذهب إلى مكّة لمبايعة عبد الله بن الزبير ، فلقيه في الطريق عبيد الله بن
زياد وقال له : (أتبايع أبا خبيب ، وأنت سيّد بني مناف؟ والله لأنت أولى بها منه) .
وعندها رجع
مروان بن الحكم إلى دمشق ، واجتمع مع بني أميّة ومواليهم على البيعة له ، فبايعوه
، وذلك سنة (٦٤) للهجرة ، ثمّ سار بجيشه إلى (مرج راهط) ومعه ألف فارس ، فطلب
الضحّاك بن قيس من النعمان بن بشير الأنصاريّ (أمير حمص) مساعدته ، ثمّ دارت معركة
عظيمة بين الطرفين ، قتل خلالها الكثير من الجانبين ، وفي ذلك قال مروان بن الحكم
:
|
لما رأيت
الناس صاروا حربا
|
|
والمال لا
يؤخذ إلا غصبا
|
|
دعوت غسانا
لهم وكلبا
|
|
والسكسكين
رجالا غلبا
|
|
والقين تمشي
في الحديد نكبا
|
|
والأعوجيات
يثبن وثبا
|
|
يحملن
سروات ودينا صلبا
|
__________________
وفي تلك
المعارك قال أيضا عبد الرحمن بن الحكم (أخو مروان) :
|
أرى أحاديث
أهل المرج قد بلغت
|
|
أهل الفرات
وأهل الفيض والنيل
|
واستمرت
المعارك عشرين ليلة ، قتل خلالها الضحّاك بن قيس ، وقتل فيها أيضا هاني بن قبيصة
النميري ، وعند ما سقط هاني جريحا قال :
|
تعست ابن ذات
النوف أجهر على مرى
|
|
يرى الموت
خيرا من فرار وألزما
|
|
ولا تتركني
بالحشاشة إنّني صبور
|
|
إذا ما النكس
مثلك أحجما
|
وفي هذه
المعركة (مرج راهط) قال زفر بن الحارث الكلابي ، وقد قتل ابناه فيها :
|
لعمري لقد
أبقت وقيعة راهط
|
|
بمروان صدعا
بيّنا متنائيا
|
|
فلم ير مني
زلّة قبل هذه
|
|
فراري وتركي
صاحبيّ ورائيا
|
|
أيذهب يوم
واحد إن أسأته
|
|
بصالح أيّامي
وحسن بلائيا
|
|
أنترك كلبا
لم تنله رماحنا
|
|
وتذهب قتلى
راهط وهي ما هيا
|
|
وقد تنبت الخضراء
في دمن الثرى
|
|
وتبقى حزازات
النفوس كما هيا
|
|
فلا صلح حتّى
ندعس الخيل بالقنا
|
|
وتثأر من
أبناء كلب نسائيا
|
وقيل إنّ عدد
ما كان مع الضحّاك من الرجال يوم (مرج راهط) ثلاثون ألفا ، وكان مع مروان بن الحكم
ثلاثة عشر ألفا وأكثرهم رجّاله.
وقيل قتل الضحّاك
سنة (٦٤) للهجرة. وقيل سنة (٦٥) للهجرة ، وخطب الضحّاك بن قيس يوما في مسجد الكوفة ،
وهو جالس ، فقام إليه
__________________
كعب بن عجره وقال له : (لم أر كاليوم قط إمام قوم مسلمين يخطب قاعدا) . وقيل عزل الضحّاك عن إمارة الكوفة في شهر ربيع الأول
من سنة (٥٧) للهجرة ، عزله معاوية بن أبي سفيان. وقيل : إنّ الضحّاك
بن قيس لما وصل إلى الكوفة ، سأل عن قبر زياد بن أبيه ، فدلوه عليه ، ولمّا وقف
على قبره قال :
|
أبا المغيرة
والدنيا مفجعة
|
|
وإنّ من غرّت
الدنيا لمغرور
|
|
قد كان عندك
للمعروف معرفة
|
|
وكان عندك
للنكراء تنكير
|
|
لو خلّد
الخير والإسلام ذا قدم
|
|
إذن لخلدك
الإسلام والخير
|
وقيل إنّ هذه
الأبيات لحارثة بن بدر يرثي بها زياد بن أبيه.
١٣ ـ عبد الرحمن بن
أمّ الحكم :
هو عبد الرحمن
بن عثمان بن عبد الله بن ربيعة ، وقيل : هو عبد الرحمن ابن عبد الله بن أبي عقيل
الثقفيّ ، وأمّه (أم الحكم) أخت معاوية بن أبي سفيان. ولد بالطائف.
ولّاه (خاله)
معاوية بن أبي سفيان إمارة الكوفة سنة (٥٧) للهجرة ، وقيل سنة (٥٨) ، ثمّ عزله سنة (٥٨) للهجرة ، وعيّن مكانه النعمان بن
__________________
بشير الأنصاريّ .
وكان جدّه
عثمان بن عبده ، يحمل لواء المشركين في معركة (حنين) قتله الإمام عليّ بن أبي طالب
عليهالسلام.
وعبد الرحمن بن
أمّ الحكم ، هو الّذي قتل عمرو بن الحمق في الجزيرة ، وقيل إنّ أوّل رأس حمل في الإسلام ، كان
رأس عمرو بن الحمق.
وحينما وصل عبد
الرحمن إلى الكوفة ، أخذ يعامل أهلها ، معاملة سيئة ، فغضب عليه أهل الكوفة ،
وطردوه ، وقالوا له : (إلحقّ بخالك) .
وعند ما رجع
عبد الرحمن إلى الشام ، قال له خاله معاوية : سأوليك خيرا منها ، فولّاه إمارة مصر
، وعند ما وصل إلى مصر ، لقيه معاوية بن خديج فقال له : (ارجع إلى خالك ، فو الله لا تسير فينا سيرتك
في إخواننا أهل الكوفة). فرجع عبد الرحمن إلى خاله أيضا ، (فحنّ قلب خاله إليه)
فولّاه الجزيرة ، وبقي عليها إلى أن مات معاوية.
وذهب معاوية بن
خديج إلى الشام ، فدخل على معاوية بن أبي سفيان ، وكانت عنده أخته (أم الحكم) ،
فقالت : من هذا يا أمير المؤمنين؟
قال معاوية : هذا
معاوية بن خديج.
فقالت أم الحكم
: لا مرحبا به ، (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه).
__________________
فرد عليها معاوية
بن خديج : (على مهلك يا أم الحكم ، أما والله لقد تزوجت فما أكرمت ، وولدت فما
أنجبت ، أردت أن يلي ابنك الفاسق علينا ، فيسير كما سار في إخواننا من أهل الكوفة
، ما كان الله ليريه ذلك ، ولو فعل ذلك لضربناه ، ضربا يطأطأ منه ، وإن كره ذلك الجالس). فالتفت معاوية إلى أخته ، وقال لها : كفى ، (اسكتي).
وطلبت (أم
الحكم) من أخيها معاوية أن يزوج ابنها عبد الرحمن من إحدى بناته فقال لها معاوية :
(إنه ليس لهن بكفؤ). فقالت له أخته : لقد زوجني أبو سفيان من أبي عبد الرحمن ،
وأبو سفيان خير منك ، وأنا خير من بناتك. فقال لها معاوية : (يا أخية ، إنّما فعل
ذلك أبو سفيان ، لأنّه كان آنذاك يشتهي الزبيب ، وقد كثر عندنا الآن الزبيب ، فلن نزوج إلا كفؤنا) (كفئنا).
ومدح عبد الله
بن الزبير عبد الرحمن بن أمّ الحكم (أمير الكوفة) فلم يعطه شيئا ،
عندها هجاه ابن الزبير وقال :
|
تبقّلت لمّا
أن أتيت بلادكم
|
|
وفي مصرنا
أنت الهمام القلمس
|
|
ألست ببغل أمّه عربية
|
|
أبوك حمار
أدبر الظهر ينخس
|
وكان بنو أميّة
إذا شاهدوا عبد الرحمن يلقبونه ب (البغل) حتّى غلب
__________________
عليه هذا اللقب ، وأخذ عبد الرحمن يشتم كلّ من ذكر (بغلا) ظنا أنهم
يقصدونه.
وقتل رجل من
بني الأشيم من جماعة عبد الله بن الزبير ، قتله جماعة من علقمة بن قيس الأعشى ،
فتوسط عبد الرحمن بن أمّ الحكم لحلّ النزاع بينهما ، وكان يميل إلى أهل القاتل ،
فقال لعبد الله بن الزبير : (خذ من بني عمّك ديتين لقتيلك).
فرفض ابن
الزبير ، فغضب عليه عبد الرحمن ، وذهب إلى الشام ، وذهب عبد الله بن الزبير هو
الآخر إلى الشام ، ولكن على طريق غير الطريق الّذي سلكه ابن أمّ الحكم.
ولمّا وصل عبد
الله إلى دمشق استجار بيزيد بن معاوية ، فطلب يزيد من عبد الله أن يهجو عبد الرحمن
، فقال عبد الله قصيدة طويلة نقتطف منها :
|
أبى اللّيل
بالمران أن
ينصرما
|
|
كأنّي أسوم
العين نوما محرّما
|
|
إلى الله
أشكو لا إلى الناس إنّني
|
|
أقصى بنات
الدر ثديا مصرما
|
|
وسوق نساء
يسلبون ثيابها
|
|
يهادونها همدان
رقا وخشعما
|
|
على أي شيء
يالؤي بن غالب
|
|
تجيبون من
أجرى عليّ وألجما
|
|
وهاتوا فقصوا
آية تقرأونها
|
|
أحلّت بلادي
أن تباح وتظلما
|
__________________
|
وإلّا فأقصى الله بيني وبينكم
|
|
وولّيّ كثير
اللؤم من كان ألأما
|
|
وقد شهدتنا
من ثقيف رضاعة
|
|
وغيّب عنها
الحوم قوام زمزما
|
ومنها :
|
وأنتم بني
حام بن نوح أرى لكم
|
|
شفاها كأذناب
المشاجر ورّما
|
|
فإن قلت خالي
من قريش فلم أجد
|
|
من الناس شرا
من أبيك وألأما
|
|
وكنتم سقيطا في ثقيف ،
مكانكم
|
|
بني العبد ،
لا توفي دماؤكموا دما
|
ولمّا سمع عبد
الرحمن بهذه الأبيات غضب على ابن الزبير فهدم داره ، فعوضه معاوية وأعطاه ألف
درهم.
مات عبد الرحمن
بن أمّ الحكم في خلافة عبد الملك بن مروان.
١٤ ـ النعمان بن بشير
الأنصاريّ :
وهو النعمان بن
بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس بن زيد بن مالك ابن ثعلبة بن كعب بن الخزرج
الأنصاريّ ، الخزرجي ، وكنيته : أبو عبد الله المدنيّ ، وقيل أبو محمّد.
ولّاه معاوية
بن أبي سفيان إمارة الكوفة سنة (٥٩) للهجرة ، وذلك بعد عزل عبد الرحمن بن أمّ
الحكم عنها ، ثمّ أقرّه يزيد بن معاوية سنة (٦٠)
__________________
للهجرة ، ثمّ عزله ، وبعث بدله عبيد الله بن زياد.
ولد النعمان بن
بشير في المدينة ، وهو أوّل مولود في الإسلام ، ولد في المدينة من الأنصار ، وهو
ابن أخت الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة ، وله (١١٤) حديثا اتفقا له على خمسة ، وانفرد البخاريّ
بحديث واحد ، ومسلم بأربعة أحاديث.
وكان النعمان
بن بشير (عثمانيّا) حضر مع معاوية حرب صفّين ، ولم يكن مع معاوية من الأنصار غيره
، وكان من المقربين إلى معاوية ، وكذلك عند يزيد بعده.
والنعمان بن
بشير من المعروفين بالشعر سلفا وخلفا ، فجدّه شاعر ، وأبوه شاعر ، وعمّه شاعر ،
وأخوه شاعر ، وأولاده وأحفاده شعراء.
وأوّل شعر قاله
النعمان (وهو في حداثة سنّه) وذلك عند ذهابه مع أقرانه إلى الأردن ، فأهدت لهم
امرأة من بني القين تسمّى (ليلى) هدية فقال :
|
يا خليلي
ودّعا دار ليلى
|
|
ليس مثلي يحل
دار الهوان
|
|
إنّ قينية
تحلّ محبّا
|
|
وحفيرا
فجنبني ترفلان
|
|
لا تؤاتيك في
المغيب إذا ما
|
|
حال من دونها
فروع قنان
|
|
إن ليلى ولو
كلّفت بليلى
|
|
عافها عنك
عائق غير وان
|
__________________
وبعد سنين طوال
ذهبت ليلى القينيّة إلى (حمص) وكان النعمان بن بشير أميرها فدخلت عليه ، فعرفها ،
وأنشأ يقول :
|
ألا استأذنت
ليلى فقلنا لها لجي
|
|
ومالك لا
تدخلين بسلام
|
|
فإنّ أناسا
زرتهم ثمّ حرّموا
|
|
عليك دخول
البيت غير كرام
|
فأكرمها
النعمان طيلة بقائها في حمص ، ثمّ رحلت.
وكانت ابنته (حميدة)
قد تزوجت من الحارث بن خالد المخزومي ، وقيل المهاجر بن عبد الله بن خالد ، فهجته
وقالت :
|
كهول دمشق
وشبّانها
|
|
أحبّ إليّ من
الجاليه
|
|
صماحهم كصماح التيو
|
|
س أعيا على
المسك والغاليه
|
|
وقمل يدبّ
دبيب الجراد
|
|
أكاريس أعيا
على الفاليه
|
فطلّقها زوجها
، ثمّ تزوّجها روح بن حاتم الجذاميّ ، فهجته أيضا ، وخاطبت أخاها الّذي زوّجها من
روح فقالت :
|
أضلّ الله
حلمك من غلام
|
|
متّى كانت
مناكحنا جذام
|
|
أترضى
بالأكارع والذنابي
|
|
وقد كنّا
يقرّ لنا السنام
|
فطلقها روح ،
وقال لها : سلّط الله عليك زوجا يشرب الخمر ، ويتقيء في حجرك ، فتزوجت بعده (الفيض
بن أبي عقيل الثقفيّ) ، فكان يسكر ويقيء في حجرها. وكانت تقول : (أجيبت فيّ دعوة
روح).
__________________
وقالت تهجو
الفيض :
|
وهل أنا إلّا
مهرة عربية
|
|
سليلة المراس
تجللها بغل
|
|
فإن نتجت
مهرا كريما فبالحرى
|
|
وإن كان
إقراف فما أنجب الفحل
|
وعند ما انتخب
الإمام عليّ عليهالسلام خليفة للمسلمين ، بعد مقتل عثمان بن عفّان ، بايعته
جميع الأنصار ، ما عدا نفر قليل ، كان من جملتهم النعمان بن بشير الأنصاريّ ،
امتنعوا عن البيعة ، فقال النعمان :
|
لقد طلب
الخلافة من بعيد
|
|
وسارع في
الضلال أبو تراب
|
|
معاوية
الإمام وأنت منها
|
|
على وتح
بمنقطع السراب
|
والنعمان ، هو
الّذي أخذ قميص عثمان ، وذهب به إلى معاوية في الشام فوضع على المنبر ، وأمر
معاوية بمشاهدة القميص (وعليه الدماء) وظل الشاميّون يبكون على القميص سنة كاملة ،
ومعاوية كان يلبسه أحيانا ليزيد في حماسهم ، حتّى آلوا على أنفسهم ان لا يناموا
على فراش حتّى يقتلوا قتلة عثمان ، أو يموتوا.
وجاءت الأنصار
، ومعهم النعمان بن بشير إلى معاوية ، فمنعوهم من الدخول عليه حتّى يؤذن لهم ، ثمّ
جاء عبد الملك بن مروان ودخل على معاوية ، وأخبره بأن الأنصار على الباب ، فقال
عمرو بن العاص (وكان جالسا عند معاوية) : ما هذا اللّقب الّذي جعلوه نسبا؟! أرددهم
إلى أنسابهم.
__________________
فنادى المنادي
: من كان بالباب من ولد عمرو بن عامر فليدخل ، فدخلوا. ثمّ نادى مرّة أخرى : من
كان ها هنا من الأوس والخزرج فليدخل. فلمّا سمع النعمان بذلك غضب وقال :
|
يا سعد لا تعد الدعاء فما لنا
|
|
نسب نجيب به
سوى الأنصار
|
|
نسب تخيّره
الإله لقومنا
|
|
أثقل به نسبا
على الكفار
|
|
إنّ الّذين
ثووا ببدر منكم
|
|
يوم القليب
هم وقود النار
|
فرجع النعمان
ومن معه من الأنصار ثمّ بعد ذلك أرسل إليه معاوية فرده ، وقضى حوائجه وحوائج
جماعته.
وكان يزيد بن
معاوية هو الآخر يكره الأنصار ، فطلب من الأخطل أن يهجوهم فقال :
|
وإذا نسيت
ابن الفريعة خلته
|
|
كالجحش بين
حمارة وحمار
|
|
لعن الإله من
اليهود عصابة
|
|
بالجزع بين
صليصل وصدار
|
|
قوم اذا هدر
العصير
|
|
رأيتهم حمر
عيونهم المسطار
|
|
خلّوا
المكارم لستم من أهلها
|
|
وخذوا
مساحيكم بني النجّار
|
|
إنّ الفوارس
يعرفون ظهوركم
|
|
أولاد كل
مقبّح أكّار
|
__________________
|
ذهبت قريش
بالمكارم كلّها
|
|
واللؤم تحت
عمائم الأنصار
|
فلمّا سمع
النعمان بن بشير بهذه الأبيات ، ذهب إلى معاوية ، فخلع عمامته عن رأسه وقال : يا
امير المؤمنين : أترى لؤما؟
فقال معاوية :
بل أرى كرما وخيرا ، فماذا دهاك!! قال النعمان : زعم الأخطل بأن اللؤم تحت عمائم
الأنصار. فقال له معاوية : (لك لسانه فأقطعه) . وجيء بالأخطل حالا ، فطلب ان يدخلوه على يزيد بن
معاوية اولا ، فأدخلوه فطمأنه يزيد ثمّ دخل على أبيه ، وطلب منه إخلاء سبيل الأخطل
، لأنّه شاعرهم الّذي يمدحهم ، فأطلق معاوية سراحه وأسترضى النعمان.
وعند ما كان
النعمان بن بشير أميرا على (الكوفة) ، امره معاوية بزيادة رواتب أهل الكوفة عشرة
دنانير لكل واحد منهم فلم يدفعها لهم النعمان ، وذلك لأنّه يكرههم لحبهم لعليّ بن
أبي طالب.
وخطب النعمان
بن بشير ذات يوم فصاح أهل الكوفة : (ننشدك الله والزيادة). فقال لهم النعمان :
اسكتوا. فقام إليه عبد الرحمن بن همّام السلوليّ فقال :
|
زيادتنا
نعمان لا تحبسّنها
|
|
خف الله فينا
والكتاب الّذي
تتلو
|
|
فإنك قد حمّلت
منّا أمانة
|
|
بما عجزت عنه
الصلاخمة البزل
|
|
فلا يك باب
الشرّ تحسن فتحه
|
|
لدينا ، وباب
الخير أنت له قفل
|
__________________
|
وأنت امرؤ
حلو اللسان بليغه
|
|
فما له عند
الزيادة لا يحلو؟!
|
|
وقبلك قد
كانوا علينا أئمة
|
|
يهمهم
تقويمنا وهم عصل
|
|
إذا نصبوا للقول
فقالوا فأحسنوا
|
|
ولكن حسن
القول خالفه الفعل
|
|
يذمّون
دنياهم وهم يرضعونها
|
|
أفاويق حتّى ما يدر
لهم ثعل
|
وعزل النعمان بن
بشير الأنصاريّ عن أمارة الكوفة ، عزله معاوية بن أبي سفيان ، فولّاه القضاء في
دمشق ، ثمّ ولّاه إمارة (حمص) فبقى فيها إلى ان قتل . وقيل ذهب أعشى همدان إلى النعمان بن بشير الأنصاريّ
عند ما كان أميرا على (حمص) فخطب النعمان في الناس قائلا : (يا أهل حمص ، هذا ابن
عمّكم ، من أهل العراق والشرف ، جاء يسترفدكم فماذا ترون)؟. قالوا : (اصلح الله
الامير إنّما الأمر اليك). فقال النعمان : قد حكمنا له على أنفسنا بدينارين من كلّ
واحد منا ، فأعطاه من بيت المال أربعين ألف دينار ، حيث كان عدد اصحاب النعمان
عشرون ألف . وكان النعمان يفتخر ويقول :
|
ومن ذا
يعادينا من الناس معشر
|
|
كرام وذو
القرنين منّا وحاتم
|
__________________
١٥ ـ عبيد الله بن
زياد :
وكنيته : أبو
حفص .
ولّاه معاوية
بن أبي سفيان إمارة البصرة سنة (٥٥) للهجرة ، وكان عمره (٢٢) سنة. وكان عبيد الله
، غلاما ، سفيها ، جبانا ، سفاكا للدماء ، وبقي أميرا على البصرة حتّى مات معاوية .
ولما سمع يزيد
بن معاوية بأن الحسين بن عليّ عليهالسلام قد أرسل ابن عمّه مسلم بن عقيل إلى الكوفة ، أمر عبيد الله بن زياد ، بالتوجّه
(حالا) إلى الكوفة لمعالجة الموقف . فذهب ابن زياد إلى الكوفة سنة (٦٠) للهجرة ، وقد جمعت
له ولاية (المصرين) . فتمكن عبيد الله من إلقاء القبض على مسلم بن عقيل (بعد
أن تفرّق عنه أصحابه ، ولم يبق معه أحد) . وجيء بمسلم بن عقيل إلى قصر الإمارة وأصعدوه إلى أعلى
القصر ، فقطعوا رأسه ، ورموه إلى الناس ، ثمّ أتبعوه بجسده ، ثمّ بعث عبيد الله
برأس مسلم إلى الشام ، وصلب جسده بالكوفة. فكان مسلم بن عقيل : أوّل قتيل صلبت
جثته من بني هاشم ، وأوّل رأس حمل من رؤوسهم إلى الشام .
__________________
ثمّ قتل هاني بن عروة. وصلب ايضا ، وفي ذلك قال الشاعر :
|
فإن كنت لا
تدرين ما الموت فانظري
|
|
إلى هاني في
السوق وابن عقيل
|
|
تري جسدا قد
غيّر الموت لونه
|
|
ولفح دم قد
سال كلّ مسيل
|
ثم جاء الحسين عليهالسلام إلى كربلاء فحوصر فيها من قبل جيوش عبيد الله بن زياد
وكان القائد العام على تلك الجيوش هو : عمر بن سعد بن أبي وقّاص ، وبعد معركة غير
متكافئة في العدّة والعدد ، قتل الحسين عليهالسلام مع جميع أصحابه وأولاده وأخوته في تلك المعركة ، والّتي
سميت ب (واقعة كربلاء) أو (يوم الطفّ) ، فأهتزّ لها ضمير العالم الأنساني ولا زالت
تلك الذكرى خالدة في نفوس المسلمين وغيرهم ، وستبقى خالدة إلى يوم الدين.
أما بنو أمية
ومن ساندهم في تلك الواقعة فستبقى وصمة عار في تاريخهم (الأسود) إلى قيام الساعة.
ثم بعد ما قتل
الحسين عليهالسلام وجميع أصحابه ، قطعوا رؤوسهم ، وحملوها على الرماح إلى
عبيد الله بن زياد في الكوفة ، ومع الرؤوس كان آل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سبايا إلى ابن مرجانة يتقدّمهم شمر بن ذي الجوشن (وقيل
غيره) فيقول مخاطبا عبيد الله بن زياد :
|
أوقر ركابي
فضة أو ذهبا
|
|
إنّي قتلت
الملك المحجبا
|
|
قتلت خير
الناس أمّا وأبا
|
|
وخيرهم إذ
ينسبون نسبا
|
وعند ما أدخلت
السبايا والرؤوس إلى عبيد الله بن زياد بالكوفة ،
__________________
كانت السيدة زينب بنت الأمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام قد جلست متنكرة بين السبايا فقال عبيد الله بن زياد :
من هذه الجالسة؟ فلم تكلّمه ، فقال : ثلاثا ، وهي لا تكلّمه ، فقيل له : إنّها
زينب بنت فاطمه .
فقال عبيد الله
بن زياد : الحمد لله الّذي فضحكم ، وقتلكم ، وأكذب أحدوثتكم. فقالت له زينب (عليهاالسلام)
: الحمد لله الّذي أكرمنا بمحمّد ، وطهرنا تطهيرا ، لا كما تقول ، وإنّما يفتضح
الفاسق ، ويكذب الفاجر.
فقال لها ابن
زياد : فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟ قالت عليهالسلام : كتب عليهم القتل ، فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله
بينك وبينهم ، فتختصمون عنده ، فغضب ابن زياد وقال : لقد شفى الله غيظي من طاغيتك
، والعصاة المردة من أهل بيتك. فبكت (سلام الله عليها) وقالت : (لعمري لقد قتلت
كهلي ، وأبرزت أهلي وقطعت فرعي ، فإن يشفيك هذا فقد اشتفيت.
فقال لها ابن
زياد : هذه (شجاعة) لعمري لقد كان أبوك شجاعا. وقيل إنّه قال : هذه (سجّاعة).
فقالت له (عليهاالسلام)
: ما للمرأة والسجاعة !!
ثم نظر أبن
زياد إلى الإمام عليّ بن الحسين (زين العابدين عليهالسلام) فقال له : ما أسمك؟. قال : عليّ بن الحسين. قال ابن
زياد : أولم يقتل عليّ بن الحسين؟. فسكت الإمام عليهالسلام ولم يجبه. فقال له ابن زياد : مالك لا تتكلّم؟
فقال الإمام عليهالسلام : كان لي أخ يقال له أيضا (عليّ) قتله الناس. قال ابن
زياد : إنّ الله قتله. فسكت الإمام عليهالسلام ولم يجبه أيضا. فقال له ابن زياد : مالك لا تتكلّم!!
فقال الإمام عليهالسلام : (اللهُ يَتَوَفَّى
الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) ، (وَما كانَ
__________________
لِنَفْسٍ
أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ)
فقال ابن زياد
: أنت والله منهم. ثمّ أمر بقتله ، فتعلقت به السيدة زينب عليهالسلام وقالت يابن زياد : حسبك منّا ، أما رويت من دمائنا؟!
وهل أبقيت منا أحدا؟. ثمّ قالت له : اسألك بالله ، ان كنت مؤمنا ، فاقتلني معه إذا
قتلته. فعفا عنه . وممّا قيل في رثاء الحسين عليهالسلام نذكر هذه الأبيات :
|
فإنّ قتيل
الطفّ من آل هاشم
|
|
أذلّ رقابا
من قريش فذلت
|
|
فإن يتبعوه
عائذ البيت يصبحوا
|
|
كعاد تعمت عن
هداها فضلت
|
|
ألم تر أنّ
الأرض أضحت مريضة
|
|
بقتل حسين
والبلاد اقشعرت
|
|
فلا يبعد
الله الديار وأهلها
|
|
وإن أصبحت
منهم برغمي تخلت
|
وقال مسلم بن
قتيبة يرثي الحسين عليهالسلام :
|
عين جودي
بعبرة وعويل
|
|
واندبي إن
ندبت آل الرسول
|
|
واندبي تسعة
لصلب عليّ
|
|
قد أصيبوا
وخمسة لعقيل
|
|
وابن عمّ
النبيّ عونا أخاهم
|
|
ليس بما ينوب
بالمخذول
|
|
|
|
وسمّي النبيّ
غودر فيهم
|
|
قد علوه
بصارم مصقول
|
|
واندبي كهلهم
فليس إذا ما
|
|
عد في الخير
كهلهم كالكهول
|
ولمّا وصل خبر
مقتل الحسين عليهالسلام إلى المدينة خرجت بنت لعقيل بن أبي طالب مع نسوة من آل
البيت (عليهمالسلام) وهي تقول :
|
ماذا تقولون
إن قال النبيّ لكم
|
|
ماذا فعلتم
وأنتم آخر الأمم
|
__________________
|
بعترتي
وبأهلي بعد مفتقدي
|
|
نصف أسارى
ونصف ضرجوا بدم
|
|
ما كان هذا
جزائي إذ نصحت لكم
|
|
أن تخلفوني
بشر في ذوي رحم
|
ثم أمر عبيد
الله بن زياد بحمل الرؤوس ، وآل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سبايا إلى يزيد بن معاوية في الشام ، وعند ما أدخلت
عترة آل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سبايا ، وهم مكبّلين بالحبال ، فرح يزيد فرحا شديدا
وقال :
|
ليت أشياخي
ببدر شهدوا
|
|
جزع الخزرج
من وقع الأسل
|
|
لعبت هاشم
بالملك فلا
|
|
ملك جاء ولا
وحي نزل
|
وفي زمن عبيد
الله بن زياد ، جاء مرداس (ابو بلال الخارجيّ) ومعه أربعون رجلا ، فأرسل عبيد الله
إليهم أسلم بن زرعة الكيلاني ، ومعه ألفي رجل ، فدارت معركة بين الطرفين ، في مكان
يقال له (آسك) انهزم فيها أسلم واصحابه. فقال أحد شعراء الخوارج في ذلك :
|
أألف مؤمن
منكم زعمتم
|
|
ويقتلهم بآسك
أربعونا
|
|
كذبتم ليس
ذاك كما زعمتم
|
|
ولكن الخوارج
مؤمنونا
|
|
هم الفئة قد علمتم
|
|
على الفئة
الكثيرة ينصرونا
|
وقيل إنّ عبد
الله بن مغفل ، قد مرض فعاده عبيد الله بن زياد وقال له : هل توصي شيئا؟
فقال له ابن
مغفل : (لا تصلّي عليّ ، ولا تقم على قبري) .
ولمّا مات يزيد
بن معاوية بن أبي سفيان سنة (٦٤) للهجرة ، وكذلك مات ابنه معاوية «الثاني» بعد
أربعين يوما من وفاة أبيه يزيد ، كان عبيد الله ابن زياد في البصرة ، فخطب بالناس
وأعلمهم بموت يزيد وابنه ولم يكن
__________________
بعدهما ولي عهد ، وأنّ الأمر أصبح شورى ، عندها بايعه أهل البصرة.
فكتب عبيد الله
بن زياد إلى عمرو بن حريث «خليفته على الكوفة» يطلب منه أن يأمر أهل الكوفة أن يحذوا
حذو أهل البصرة ، ولمّا سمع أهل الكوفة بذلك ثاروا وطردوا عمرو بن حريث ، وولّوا
عليهم أميرا لحين استتباب الوضع.
وعند ما علم
أهل البصرة بثورة أهل الكوفة ، ثاروا هم أيضا ، وعيّنوا أميرا هو (عبد الله بن
الحارث) فذهب عبيد الله إلى بيت المال في البصرة ، وأخذ كل ما فيه ، ثمّ ذهب إلى
سعد بن الأطول بن عبد الله وطلب منه أن يحميه من أهل البصرة ، فقال له سعد : (عشيرتي
ليست بالبصرة ، عشيرتي بالشام). عندها هرب ابن زياد إلى الشام ، تاركا أمّه بالبصرة ،
ونجا بنفسه ، فهجاه ابن مفرغ بقصيدة نقتطف منها :
|
أعبيد هلا
كنت أوّل فارس
|
|
يوم الهياج
دعا بحتفك داع
|
|
أسلمت أمك
والرماح تنوشها
|
|
يا ليتني لك
ليلة إلا فزاع
|
|
إذ تستغيث
وما لنفسك مانع
|
|
عبد تردّده
بدار ضياع
|
|
هلا عجوزك إذ
تمدّ بثديها
|
|
وتصيح ألا
تنزعنّ قناعي
|
|
ليس الكريم
بمن يخلّف أمه
|
|
وقناته في
المنزل الجعجاع
|
|
كم يا عبيد
الله عندك من دم
|
|
يسعى ليدركه
بقتلك ساع
|
وقال أيضا :
|
أقرّ بعيني
أنّه عقّ أمّه
|
|
دعته فولّاها
أسته وهو يهرب
|
|
وقال : عليك
الصبر كوني سبية
|
|
كما كنت أو
موتي ، فذلك أقرب
|
__________________
|
وقد هتفت هند
: بماذا أمرتني
|
|
ابن لي وحدثني إلى أين أذهب؟
|
|
فقال : اقصدي
للأزد في عرصاتها
|
|
وبكر فما إنّ
عنهم متجنب
|
إلى آخر
القصيدة.
ولمّا وصل عبيد
الله بن زياد إلى (دمشق) ذهب إلى مروان بن الحكم ، ومعه مائة رجل من الأزد ،
وأقنعه بأنه (أي مروان) أولى الناس بالخلافة من ابن الزبير ، ثمّ بايعه ، فجمع
مروان الأمويين والمروانيين ، وتمّت له البيعة وذلك في سنة (٦٤) للهجرة ، ثمّ سار
بجيشه نحو الضحّاك بن قيس الفهريّ ، فدارت معركة بين الطرفين ، قتل فيها الضحّاك ،
وتمّت البيعة لمروان بن الحكم في دمشق.
ثم توجه عبيد
الله بن زياد إلى العراق في جيش كبير ، فكانت له معركة مع التوابين انتصر فيها عليهم ، وقتل زعيمهم سليمان بن صرد الخزاعي
سنة (٦٥) للهجرة ، وسميت تلك المعركة ب (عين الوردة).
وفي سنة (٦٦)
للهجرة ، ثار المختار بن عبيد الثقفيّ بالكوفة ، مناديا : يا لثارات الحسين ،
فالتف حوله الكثير من المؤيدين والمناصرين ، ومن الناقمين على بني أميّة ، فأرسل
إبراهيم بن مالك الأشتر في عشرين ألف لقتال عبيد الله بن زياد ، فالتقت الجيوش في
منطقة (الزاب) وحصلت معركة عنيفة بين الطرفين قتل فيها عبيد الله بن زياد ، وأرسل
برأسه إلى الإمام عليّ بن الحسين (زين العابدين) عليهالسلام في المدينة ، ولمّا وضع الرأس بين يديه ، كان
__________________
الإمام عليهالسلام يتغدّى ، فذكر أباه الحسين عليهالسلام وترحّم عليه ، ثمّ قال : (جيء برأس أبي عبد الله إلى
ابن زياد وهو يتغدّى ، وأتينا برأس عبيد الله بن زياد ونحن نتغدّى) . وقتل مع عبيد الله بن زياد : حصين بن نمير ، وشرحبيل
بن ذي الكلاع ، وانهزم الشاميّون شرّ هزيمة ، كان ذلك سنة (٦٧) للهجرة بالخازر.
وبعد ما قتل
عبيد الله بن زياد هجاه ابن مفرغ الحميرّيّ فقال :
|
إنّ الّذي
عاش ختارا بذمته
|
|
وعاش عبدا
قتيل الله بالزاب
|
|
العبد للعبد
لا أصل ولا طرف
|
|
ألوت به ذات
أضفار وأنياب
|
|
إنّ المنايا
إذا ما زرن طاغية
|
|
هتكن عنه
ستورا بين أبواب
|
|
ما شقّ جيب
ولا ناحتك نائحة
|
|
ولا بكتك
جياد عند أسلاب
|
|
لا يترك الله
أنفا تعطسون به
|
|
بني العبيد
شهودا غير غياب
|
|
أقول بعدا
وسحقا عند مصرعه
|
|
لأبن الخبيثة
وابن الكودن الكابي
|
١٦ ـ عمرو بن حريث :
استخلفه عبيد
الله بن زياد أميرا على الكوفة سنة (٦٠) للهجرة.
وهذه للمرة
الثالثة يستخلف عمرو بن حريث على الكوفة.
__________________
١٧ ـ عامر بن مسعود
بن خلف :
هو : عامر بن
مسعود بن أميّة بن خلف بن وهب بن حذافة ، القرشيّ ، وأمّه بنت أبي بن خلف.
ثار أهل الكوفة
سنة (٦٤) للهجرة (بعد وفاة يزيد بن معاوية) فأطاحوا بعمرو بن حريث (خليفة عبيد
الله بن زياد في الكوفة) وأمّروا عليهم عامر بن مسعود.
وبعد مرور شهر
على ثورة أهل الكوفة ، بويع في العراق لعبد الله بن الزبير بالخلافة فأقرّ عامر
على إمارة الكوفة. وكان عامر بن مسعود قصير القامة ويلقب ب (دحروجة الجعل)
حيث قال فيه عبد الله بن همّام السلوليّ :
|
اشدد يديك
بزيد إن ظفرت به
|
|
واشف الأرامل
من دحروجة الجعل
|
وكان عامر بن
مسعود من الّذين شهدوا على حجر بن عدي الكنديّ أمام زياد بن أبيه بأنّه خلع الطاعة
ويدعو إلى نكث البيعة ... الخ ، وكانت تلك الشهادة مما تسببت في قتل حجر وجماعته.
ولمّا انتخب
أهل الكوفة (عامر بن مسعود) ليصلّي بهم لحين استتباب الوضع في الكوفة ، وانتخاب
أميرا عليها صعد عامر المنبر وخطب الناس قائلا : (إنّ لكلّ قوم أشربة ولذات ،
فاطلبوها في مضانّها ، وعليكم بما يحلّ
__________________
ويحمد واكسروا شرابكم بالماء ، وتواروا عنّي بهذه الجدران). فقال عبد الله
السلوليّ :
|
إشرب شرابك
وانعم غير محسود
|
|
واكسره
بالماء لا تعصي ابن مسعود
|
|
إنّ الأمير
له في الخمر مأدبة
|
|
فاشرب هنيئا
مريئا غير مرصود
|
|
من ذا يحرّم
ماء المزن خالطه
|
|
في قعر خابية
ماء العناقيد
|
|
إنّي لأكره
تشديد الرواة لنا
|
|
فيها ويعجبني
قول ابن مسعود
|
وبقي عامر بن
مسعود أميرا على الكوفة ثلاثة أشهر ، عزله بعدها عبد الله بن الزبير ، وأرسل عبد
الله بن يزيد الخطميّ الأنصاريّ على الصلاة ، وإبراهيم بن محمّد بن طلحة على
الخراج.
١٨ ـ عبد الله بن
يزيد الخطميّ :
وهو عبد الله
بن يزيد بن زيد بن حصن الخطميّ ، الأوسيّ ، الأنصاريّ ، المدنيّ ثمّ الكوفيّ ،
وكنيته : أبو موسى. ولّاه عبد الله بن الزبير إمارة الكوفة سنة (٦٤) للهجرة
، وذلك بعد عزل عامر بن مسعود بن خلف. ثمّ عزله سنة (٦٥) للهجرة وعيّن مكانه عبد الله بن مطيع
العدويّ. (وكان عزله في ٢٥ من شهر رمضان من تلك السنة). وعبد الله ابن يزيد الخطميّ
هو أحد الّذين شهدوا بيعة الرضوان ، وكان عمره آنذاك (١٧) سنة. وقيل : لما برك الفيل على أبي عبيد الله الثقفيّ
في (معركة
__________________
الجسر) هرب الناس وذهب عبد الله الخطميّ وقطع الجسر وقال : (قاتلوا عن
أميركم). ثمّ ذهب إلى المدينة وأخبر الخليفة عمر بن الخطاب بذلك.
وشارك ابن مطيع
في حربي (صفّين والنهروان) مع الإمام عليّ عليهالسلام.
وبعد هلاك يزيد
بن معاوية بن أبي سفيان بستة أشهر ، ذهب المختار ابن عبيد الثقفيّ إلى الكوفة في
النصف من شهر رمضان من سنة (٦٤) للهجرة ووصلها أيضا في الثاني والعشرين من الشهر
نفسه عبد الله بن يزيد الخطميّ أميرا على الكوفة من قبل عبد الله بن الزبير. فأخذ
المختار يدعو إلى الثأر من قتلة الحسين عليهالسلام ويقول : (جئتكم من عند المهديّ (محمّد بن الحنفية وزيرا وأمينا). فوصل الخبر إلى عبد الله بن يزيد بأن المختار يستعدّ
للقيام بثورة ضدّ الوضع الحالي في الكوفة ، فقال عبد الله : (إن هم قاتلونا ،
قاتلناهم ، وإن تركونا لم نطلبهم ، إنّ هؤلاء القوم يطالبون بدم الحسين بن عليّ
فرحم الله هؤلاء القوم ، إنّهم آمنون فليخرجوا ثائرين وليسيروا إلى من قاتل الحسين
، فقد أقبل اليهم ابن زياد ، وأنا لهم ظهير ، هذا ابن زياد ، قاتل الحسين ، وقاتل
أخياركم وأماثلكم قد توجّه اليكم ، وقد فارقوه على ليلة من (جسر منبج) فقتاله
والاستعداد إليه أولى من أن تجعلوا بأسكم بينكم ، فيقتل بعضكم بعضا ، فيلقاكم عدوّكم
وقد ضعفتم وتلك هي أمنيته ... الخ).
فلمّا فرغ عبد
الله بن يزيد من قوله ، قال إبراهيم بن محمّد بن طلحة : (أيّها الناس لا يفرنّكم
من السيف مقالة هذا المداهن ، والله لئن خرج علينا
__________________
خارج لنقتلّنه ، ولئن استيقنّا أنّ قوما يريدون الخروج علينا ، لنأخذنّ
الوالد بولده ، والمولود بوالده ، والحميم بالحميم ، والعريف بما في عرافته ، حتّى
يدينوا للحقّ ويذللوا للطاعة).
ثمّ قام المسيب
بن نجيبة فقطع كلامه وقال : (يا ابن الناكثين أنت
__________________
تهددنا بسيفك وغشمك؟ أنت والله أذلّ من ذلك ، إنّا لا نلومك على بغضنا ،
وقد قتلنا أباك وجدك). ثمّ وجه كلامه إلى عبد الله بن يزيد وقال له : (أيّها
الأمير أما أنت فقد قلت قولا سديدا). ثمّ قام عبد الله بن وال وقال لإبراهيم بن
طلحة : (ما اعتراضك فيما بيننا وبين أميرنا؟ ما أنت بأمير علينا إنّما أنت أمير
هذه الجزية ، فاقبل على خراجك ولأن أفسدت أمر هذه الأمة ، فقد أفسده والداك وكانت
عليهما دائرة السوء). ثمّ تصالح عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمّد فيما بعد.
وكان عبد الله
بن الأحمر يحرض الناس على الثورة والذهاب إلى قتال قتلة الحسين عليهالسلام فقال :
|
صحوت وودعت
الصبا والغوانيا
|
|
وقلت لأصحابي
: أجيبوا المناديا
|
|
وقولوا إذا
ما قام يدعو إلى الهدى
|
|
وقبل الدعاء
: لبيك لبيك داعيا
|
ويقول في هذه
القصيدة أيضا :
|
ألا وانع خير
الناس جدا ووالدا
|
|
حسينا لأهل
الدين إن كنت ناعيا
|
__________________
|
لبيك حسينا
مرقل ذو خصاصة
|
|
عديم وأيتام
تشكي المواليا
|
|
فأضحى حسين
للرماح دريئة
|
|
وغودر مسلوبا
لدى الطفّ ثاويا
|
|
سقى الله
قبرا ضمنّ المجد والتقى
|
|
بغربيّه
الطفّ الغمام الغواديا
|
|
فيا أمّة
تاهت وظلّت سفاهة
|
|
أنيبوا
فارضوا الواحد المتعاليا
|
مات عبد الله
بن يزيد الخطميّ في الكوفة سنة (٧٠) للهجرة وعمره (٨٠) سنة.
١٩ ـ عبد الله بن
مطيع العدويّ :
هو : عبد الله
بن مطيع بن الأسود بن حارثة ، القرشيّ ، العدويّ ، المدنيّ.
ولد عبد الله
على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وله أموال ، وبئر فيما بين السّقيا والأبواء ، تعرف
ببئر ابن مطيع ، يرد منها الناس.
ولّاه عبد الله
بن الزبير إمارة الكوفة سنة (٦٥) للهجرة ، وذلك بعد عزل عبد الله بن يزيد الخطميّ
عنها.
وحينما وصل عبد
الله بن مطيع إلى الكوفة ، قال لعبد الله بن يزيد : (إن أحببت أن تقيم معي ، أحسنت
صحبتك ، وأكرمت مثواك ، وإن لحقت بأمير المؤمنين ، عبد الله بن الزبير ، فبك عليه
كرامة ، وعلى من قبله من المسلمين).
ثمّ قال
لإبراهيم بن محمّد بن طلحة : (إلحق بأمير المؤمنين).
ثمّ خطب عبد
الله بن مطيع في أهل الكوفة فقال : (أما بعد ، فإنّ أمير المؤمنين عبد الله بن
الزبير ، بعثني على مصركم وثغوركم ، وأمر في جباية
__________________
فيئكم ، وألّا أحمل فضل فيئكم عنكم إلّا برضاكم ، ووصيّة عمر بن الخطاب الّتي
أوصى بها عند وفاته ، وبسيرة عثمان بن عفّان ، الّتي سار بها في المسلمين ، فاتقوا
الله ، واستقيموا ، ولا تختلفوا ، وخذوا على أيدي سفهائكم ، وإلا تفعلوا ، فلوموا
أنفسكم ولا تلوموني ، فو الله لأوقعنّ بالسقيم العاصي ، ولأقيمن درء الأصعر
المرتاب).
فقام إليه
السائب بن مالك الأشعري فقال : (أمّا ما أمر فيه ابن الزبير ، ألا تحمل فضل فيئنا
عنّا إلّا برضانا ، فإن نشهدك ، بأنّنا لا نرضى أن يحمل فضل فيئنا عنّا ، وألّا
يقسّم إلّا فينا ، وألّا يسار فينا إلّا بسيرة عليّ بن أبي طالب ، الّتي سار بها
في بلادنا هذه حتّى قتل رحمهالله ، ولا حاجة لنا في سيرة غيره ممن ذكرت).
ثم قام يزيد بن
أنس وقال : (صدق السائب بن مالك ، ورأينا في رأيه ، وقولنا مثل قوله). فقال عبد
الله بن مطيع : نسير فيكم بكلّ سيرة أحببتموها وهويتموها ، ثمّ نزل.
وكان عبد الله
بن مطيع ، هو القائد (الثاني) لجيوش أهل المدينة ، الّذين ثاروا على يزيد بن معاوية
بن أبي سفيان (وذلك بعد مقتل الحسين عليهالسلام حيث أخذ يزيد وعماله يظلمون الناس ، وانشغل بلهوّه
وخموره) فأرسل يزيد جيشا كبيرا بقيادة (مسلم بن عقبة المريّ) فوقعت
__________________
معركة بين الطرفين في مكان يقال له (الحرّة) قتل فيها من آل أبي طالب ، ومن قريش ، ومن سائر الأنصار
الخلق الكثير ، ثمّ استباح جيش يزيد (مدينة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم) ثلاثة أيّام ، ثمّ بايع بعدها أهل المدينة ، على أنهم
عبيد ليزيد بن معاوية ، وهرب عبد الله بن مطيع إلى مكّة ، والتحق بعبد الله ابن
الزبير . وفي تلك المعركة قال محمّد بن أسلم :
|
فإن تقتلونا
يوم حرّة وأقم
|
|
فنحن على
الإسلام أوّل من قتل
|
|
ونحن تركناكم
ببدر أذلة
|
|
وأبنّا
بأسياف لنا منكم تفل
|
وقيل : إنّ عبد
الله بن عباس ذهب إلى المدينة أيّام «الحرة» فقال : (من استعمل القوم؟) قالوا : (عبد
الله بن مطيع على قريش ، وعبد الله بن حنظلة على الأنصار). فقال ابن عباس : (أميران؟
والله هلك القوم).
وعند ما بايع
أهل العراق لعبد الله بن الزبير بالخلافة ، وكذلك بايعوه في (دمشق) ، كان عبد الله
بن مطيع هو القائم بأمر البيعة لعبد الله بن الزبير في (مكّة) وفي ذلك قال فضاعة
الأسديّ (وكان قد بايع لابن الزبير ، إلّا أنّه نكث البيعة فيما بعد):
|
دعا ابن مطيع
للبياع فجئته
|
|
إلى بيعة
قلبي لها غير آلف
|
|
فناولني
خشّناك لمّا لمستها
|
|
بكفي ليست من
أكفّ الخلائف
|
وكان عبد الله
بن مطيع العدويّ ، يطارد الشيعة في الكوفة ، ويخيفهم ويتوعدهم ، وكان المختار بن
عبيد الثقفيّ ، يستعد للثورة على بني أميّة في
__________________
الكوفة ، والمطالبة بثأر الحسين عليهالسلام ، فوجد الفرصة سانحة ، فاتّفق مع أصحابه على أن يقوم
بثورته بعد صلاة المغرب ، وأنّ شعارهم : (يا لثارات الحسين). كان ذلك سنة (٦٦) للهجرة.
ثم جمع عبد
الله بن مطيع جيشه ، فدارت معركة بينه وبين جماعة المختار ، ولمّا رأى ابن مطيع
ضعف جيشه ، التجأ إلى قصر الإمارة ، وغلق الأبواب ، وتحصّن فيه ، ثمّ حصلت مفاوضات
بين ابن مطيع والمختار ، وقيل إنّ المختار أعطى لابن مطيع مائة ألف درهم ، وقال له
: (أخرج آمنا ، واذهب حيث شئت). فهرب عبد الله بن مطيع ليلا من قصر الإمارة ، متنكرا
بزي امرأة. ثمّ إنّ المختار أعطى الأمان لجماعة ابن مطيع ، واستولى على قصر
الإمارة ، فبايعه الناس سنة (٦٦) للهجرة.
وبعد أن هرب
عبد الله بن مطيع ذهب إلى «مكّة» والتحق بعبد الله ابن الزبير ، وبقي معه إلى أن
جاء الحجّاج بن يوسف الثقفيّ في خلافة «عبد الملك بن مروان» فحاصر الكعبة ، وضربها
بالمنجنيق ، وخرج عبد الله بن مطيع يقاتل أهل الشام ، وهو يقول :
|
أنا الّذي
فررت يوم الحرّة
|
|
والشيخ لا
يفرّ إلّا مرّة
|
|
فاليوم أجزى
كرّة بفرّة
|
|
لا بأس
بالكرّة بعد الفرّة
|
قتل عبد الله بن
مطيع العدويّ في «الكعبة» سنة (٧٣) للهجرة مع عبد الله بن الزبير.
__________________
٢٠ ـ شبث بن ربعيّ :
هو : شبث بن
ربعيّ ، التميميّ ، اليربوعيّ ، وكنيته : أبو عبد القدوس ، شيخ أهل الكوفة في
زمانه ، ولمّا ادّعت سجاح التميمية بالنبوة كان شبث بن ربعيّ من أنصارها ، ثمّ عاد
إلى الإسلام ، وقد ذكره المستشرق (ماسينيون) بأنّه مذبذب.
وكان شبث بن
ربعيّ أحد قادة جيوش عبيد الله بن زياد ، في حرب الأمام الحسين عليهالسلام في واقعة كربلاء. كما وكان احد قادة أصحاب عبد الله ابن
مطيع العدويّ «أمير الكوفة». ولمّا علم عبد الله بن مطيع العدويّ ، بأنّ المختار
ابن عبيد الثقفيّ يتهيّأ للقيام بثورة ضدّه ، أرسل قادته إلى المناطق الحساسة في
الكوفة ، وأرسل شبث بن ربعيّ إلى «السّبخة» وقال له : «اذا سمعت صوت القوم فوجه
نحوهم».
ثمّ تقدّم
ابراهيم بن مالك الأشتر نحو جماعة عبد الله بن مطيع فانهزموا عنه ، ثمّ ذهب شبث بن
ربعيّ إلى عبد الله بن مطيع وقال له : «إنّ المختار قد ثار ، فاجمع أصحابك وتهيأ
لقتاله».
فأخذ ابن مطيع
بتوزيع قادته ، فأرسل شبث بن ربعيّ ومعه ثلاثة آلاف لمحاربة المختار. ولمّا أشتد
القتال بين الطرفين ، خرج عبد الله بن مطيع من قصر الإمارة وذهب إلى الكناسة
وأستخلف شبث بن ربعيّ على القصر.
__________________
ثمّ تمكّن
اصحاب المختار من السيطرة على الكوفة ، فلجأ ابن مطيع إلى القصر فتحصن فيه ، وبقي
ثلاثة أيّام محاصرا في القصر ، فقال له شبث بن ربعيّ : «أصلح الله الأمير ، انظر
إلى نفسك ، ولمن معك ، فو الله ما عندهم منك ولا عن انفسهم ، والرأي عندي ، أن
تأخذ لنفسك من هذا الرجل أمانا لك ولنّا ، ونخرج ولا تهلك نفسك ومن معك». فخرج عبد الله بن مطيع متنكرا ، ففتح أصحابه باب القصر
، وقالوا : يا ابن الأشتر ، آمنون نحن؟.
قال : أنتم
آمنون ، فخرجوا فبايعوا المختار.
وقد بعث
المختار جيشا بقيادة إبراهيم الأشتر لمواجهة الجيوش الغازية ، وكانت بقيادة عبيد
الله بن زياد ، وعند ما ابتعد ابراهيم عن الكوفة ، أعلن شبث بن ربعيّ وشمر بن ذي
الجوشن ومحمّد بن الأشعث وغيرهم ثورتهم على المختار ، مما اضطر المختار إلى دعوة
ابراهيم الأشتر بالعودة إلى الكوفة حالا ، فرجع ابراهيم إلى الكوفة ، وأخذ بمطاردة
المناوئين ، ثمّ تمكّن اخيرا من السيطرة على الموقف. وقتل خلال المعركة شمر بن ذي الجوشن ، وهرب شبث بن
ربعيّ إلى البصرة ، وألتحق بمصعب بن الزبير.
مات شبث بن
ربعيّ بالكوفة حوالي سنة (٧٠) للهجرة.
__________________
٢١ ـ المختار بن عبيد
الثقفيّ :
هو المختار بن عبيد
بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقده ابن غبرة بن قي بن منبه بن بكر بن هوازن
، وكنيته : أبو اسحاق.
وأسرته من
أشراف قبيلة ثقيف في الطائف ، وإنّ قبيلته هذه قد عرفت بأسلامها المبكّر ، وخاصّة
عمّه «عروة بن مسعود» الّذي تبع النبيّ محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى المدينة المنورة ، وأخذ على عاتقه نشر الدعوة
الأسلامية في ثقيف ، اعتمادا على نسبه فيهم.
وكان أبوه «عبيد»
من الصحابة الأجلّاء ، قتل أثناء حربه مع الفرس في معركة «الجسر» سنة (١٤) للهجرة. وأمّه (دومة بنت عمرو بن صعب) ، اتاها آت في
منامها فقال لها :
|
ألا إبشرن
بالولد
|
|
أشبه شيء
بالاسد
|
|
إذا الرجال
في كبد
|
|
تغالبوا على
بلد
|
|
كان
له حظّ الاسد
|
فولد المختار
في السنة الّتي هاجر بها النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى المدينه.
وبعد ذهاب
سليمان بن صرد الخزاعي إلى «عين الوردة» كما بيّنا ذلك في ص ٥٦ ، حبس المختار من
قبل عبيد الله بن زياد «أمير الكوفة» مدّة ثلاثة اشهر ، وكان اهل الكوفة الموالين
لآل البيت عليهمالسلام على اتّصال دائم بالمختار اثناء وجوده في الحبس.
ولمّا قتل
سليمان بن صرد في معركة «عين الوردة» وتفرق اصحابه ،
__________________
ورجع اهل الكوفة ، كتب اليهم المختار من السجن ، يواسيهم باستشهاد سليمان ،
ويحثّهم على المضي في المطالبه بثارات الحسين عليهالسلام وإنه سوف يخرج من السجن عمّا قريب.
ثم كتب المختار
إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب بالمدينه ، يطلب منه أن يتشفع له عند
عبد الله بن يزيد (امير الكوفة) وابراهيم بن محمّد بن طلحة ليخرجاه من السجن ،
فكتب ابن عمر اليهما ، فأطلق سراحه ، بعد أن تعهد لهما ألّا يتعرض لهما بسوء.
وقيل إنّ
المختار ، سبق له وأن حبسه عبيد الله بن زياد ، ولم يطلق سراحه إلا بعد قتل الحسين
عليهالسلام سنة ٦٠ للهجرة ، وبعد أن توسط عبد الله ابن عمر في ذلك.
ثمّ ذهب المختار إلى عبد الله بن الزبير في مكّة فبايعه ، وعند ما بايعه
قال له : «أبايعك على أن لا تقضي الأمور دون علمي ، وعلى أن اكون أوّل داخل ، واذا
ظهرت استعنت بي على افضل عملك». فقال ابن الزبير : (أبايعك على كتاب الله وسنة
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم).
ثم قاتل
المختار معه أهل الشام ، أشدّ قتال ، فقال فيه إبن الزبير : «لا أبالي اذا قاتل
معي المختار من لقيت ، فإنّي لم أر أشجع منه».
ويبدو أنّ عبد
الله بن الزبير ، قد أدرك غرض المختار ، لذلك لم يولّيه أيّة إمارة ، مما دفع
المختار إلى ترك المدينة ، والتوجّه إلى الكوفة يوم الجمعة في الخامس عشر من شهر
رمضان من سنة (٦٤) للهجرة ، الموافق ٦ حزيران من سنة (٦٨٤) للميلاد.
__________________
فأخذ الناس
يبايعون المختار ، حتّى كثر أصحابه ، وفي تلك الفترة عزل عبيد الله بن يزيد
وابراهيم بن محمّد بن طلحة عن الكوفة سنة (٦٦) للهجرة ، فتنفس المختار الصعداء ،
وتخلّص من العهود والمواثيق الّتي كان قد أعطاها لعبد الله بن يزيد الخطميّ ، ثمّ
ذهب إلى ابراهيم بن مالك الأشتر ، واقنعه بتولية قيادة الجيش ، عندها ثار المختار
بالكوفة سنة (٦٦) للهجرة ، ونادى أصحابه : «يا لثارات الحسين» ثمّ انشد
المختار يقول :
|
قد علمت
بيضاء حسناء الطلل
|
|
واضحة الخدين
عجزاء الكفل
|
|
اني
غداة الروج مقدام بطل
|
ثم دارت معركة
بين انصار المختار وبين جماعة عبد الله بن مطيع العدويّ ، ثمّ ذهب ابراهيم بن مالك
الأشتر إلى قصر الأمارة ، واخرج منه العدويّ ليلا ، لا يعلم به أحد ، واستسلم كلّ
من كان في القصر ، ثمّ جاء المختار ، ودخل القصر ، فبايعه الناس ، ثمّ وزع المختار
على جميع أصحابه ما بين مائتي درهم الى خمسمائة درهم لكلّ رجل.
وعند ما سمع
المختار بمجي جيوش مروان بن الحكم إلى العراق بقيادة عبيد الله بن زياد ، أرسل
ابراهيم الأشتر مع سبعة الاف مقاتل ، لمواجهة الجيوش الغازية ، وبعد أن ابتعد
ابراهيم عن الكوفة ، أعلن شبث بن ربعيّ وشمر بن ذي الجوشن وجماعة آخرون ثورتهم على
المختار ، مما اضطر المختار إلى دعوة ابراهيم الأشتر بالعودة إلى الكوفة حالا ،
فعاد ابراهيم إلى الكوفة ، وأخذ بمطاردة المناوئين ، وأستمرت المطاردة أياما ،
حتّى تمكنوا من السيطرة على الموقف.
__________________
وقتل خلال
المعركة شمر بن ذي الجوشن ، وأسرّ جماعة آخرون ، كان من ضمنهم سرافة بن مرداس «إلّا
ان المختار عفا عنه ، وأطلق سراحه في اليوم الثاني» فقال سرافة شعرا نقتطف منه :
|
ألا أبلغ أبا
اسحاق عنّا
|
|
نزونا نزوة
كانت علينا
|
|
خرجنا لا نرى
الضعفاء فينا
|
|
وكان خروجنا
بطرا وحينا
|
|
نصرت على
عدوّك كلّ يوم
|
|
بكلّ كتيبة
تنعى حسينا
|
|
كنصر محمّد
في يوم بدر
|
|
ويوم الشعب
اذا لاقا حنينا
|
|
تقبّل توبة
منيّ فإني
|
|
سأشكر إن
جعلت النقد دينا
|
ثم أخذ المختار
«بعد ذلك يطارد الّذين قتلوا الحسين عليهالسلام والّذين شاركوا في حربه وقتاله ، فقتل خولى بن يزيد
الأصبحي شرّ قتله ، ثمّ أحرقه بالنار ، ثمّ قتل عمر بن سعد مع ابنه «حفص» ، وأرسل
برأسيهما إلى محمّد بن الحنفية ، ثمّ تتبع المختار بقية من شارك في قتل الحسين عليهالسلام فقتل أكثرهم ، وأنهزم أكثر رجالات أهل الكوفة إلى
البصرة ، والتحقوا بمصعب بن الزبير.
ثم رجع ابراهيم
الأشتر لمحاربة عبيد الله بن زياد ، ومعه؟ عشرين ألف مقاتل ، فتلاقت الجيوش ،
ودارت معركة ضارية بين الطرفين ، قتل فيها عبيد الله بن زياد ، وقتل الحصين بن
نمير السكوني ، وأرسل برأس عبيد الله بن زياد إلى الإمام عليّ بن الحسين (زين
العابدين) عليهالسلام وكان يتغدى ، فلمّا رأى رأس إبن زياد تذكر أباه الحسين عليهالسلام وقال : (سبحان الله ، ما أغترّ بالدنيا ، إلّا من ليس
لله في عنقه نعمه ، لقد أدخل رأس أبي عبد الله على أبن زياد
__________________
وهو يتغدّى) .
وقال الإمام
جعفر الصادق عليهالسلام : (ما امتشطت فينا هاشميّة ولا اختضبت ، حتّى بعث الينا
المختار برؤوس الّذين قتلوا الحسين عليهالسلام.
وقيل إنّ أهل
الكوفة سألوا محمّد بن الحنفية وطلبوا منه بيان رأيه بالمختار ، فقال : (فو الله
فقد وددت أن الله تعالى قد انتصر لنا من عدوّنا بمن شاء من خلقه والسلام).
ولم تدم الكوفة
للمختار طويلا إذ سرعان ما تآمر عليه أهل الكوفة فكاتبوا عبد الله بن الزبير في (مكّة)
يحثونه على قتله ، فطلب ابن الزبير من أخيه (مصعب) أن يذهب إلى الكوفة لمحاربة المختار ، وجاء مصعب بن
الزبير وجيشه الجرّار (وأكثرية جيشه من الحاقدين لا على المختار فحسب وإنّما
حاقدين على أهل الكوفة الموالين لأهل البيت عليهالسلام. فالتقى الجيشان في (حروراء) ودارت بينهما حرب ضروس
انهزم خلالها المختار ورجع إلى الكوفة وتحصن بقصر الإمارة ولحقه مصعب بن الزبير
وحاصر القصر ثلاثة أيّام (وقيل أربعون يوما) وخرج المختار من القصر وأخذ يحارب بكل
بسالة وشجاعة وقتل خلال المعركة خلق كثير ثمّ قتل المختار ، قتله عبد الرحمن بن
أسد وجيء برأسه إلى مصعب بن الزبير ، فأعطى لحامله ثلاثين ألف درهم. ثمّ بعث
بالرأس إلى أخيه عبد الله في مكّة فلم يعط لحامله شيئا وقال له : (خذ الرأس جائزتك).
__________________
ثم أخذ مصعب
بقتل جميع من كان مع المختار (بعد أن أعطاهم الأمان) وكان عددهم ثلاثة آلاف رجل ،
وقيل سبعة آلاف. ثمّ طلب مصعب بإحضار زوجتي المختار وطلب منهما البراءة من المختار
أو القتل فتبرأت إحداهن أما الثانية فهي أسماء بنت النعمان بن بشير الأنصاريّ وقد رفضت البراءة منه
وقالت : (شهادة أرزقها ثمّ أتركها؟ كلّا .. إنّها موتة ثمّ الجنة ، والقدوم على
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته عليهالسلام .. والله لا يكون مع ابن هند فأتبعه وأترك ابن أبي
طالب. اللهم اشهد ، إنّي متبعة نبيك وابن بنته وأهل بيته).
فأمر مصعب
بقتلها ، وفي ذلك قال عمرو بن أبي ربيعة :
|
إنّ من أعجب
العجائب عندي
|
|
قتل بيضاء
حرّة عطبول
|
|
قتلت هكذا
على غير جرم
|
|
إنّ لله درها
من قتيل
|
|
كتب القتل
والقتال علينا
|
|
وعلى
المحصنات جرّ الذيول
|
وقال سعيد بن
عبد الرحمن بن حسان بن ثابت في ذلك أيضا أبياتا نقتبس منها :
|
أتى راكب
بالأمر ذي النبأ العجب
|
|
بقتل ابنة
النعمان ذي الدين والحسب
|
|
بقتل فتاة
ذات دلّ ستيرة
|
|
مهذّبة
الأخلاق والخيم والنسب
|
ومنها :
|
فلا هنأت آل
الزبير معيشة
|
|
وذاقوا لباس
الذلّ والنكب والكرب
|
__________________
|
كأنهم إذ
أبرزوها وقطعت
|
|
بأسيافهم
فازوا بمملكة العرب
|
إلى آخر
الأبيات.
هذا وقد ذمّ
الناس مصعب على قتل زوجة المختار لأنّه عمل ينافي ما نهى عنه الرسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم في نساء المشركين.
قتل المختار في
السابع والعشرين من شهر رمضان من سنة (٦٧) للهجرة وقيل سنة (٦٨) للهجرة ، وقيل إنّ الّذي قتله هما أخوان من بني حنيفة
أحدهما (طرفة) وقيل (طريف) والثاني (طرّاف) ابنا عبد الله بن دجاجه. وكانت مدّة
إمارته على الكوفة ١٦ شهرا.
٢٢ ـ السائب بن مالك
الأشعري :
هو : السائب بن
مالك بن عامر بن هاني بن جهان أو (جهاز) بن كلثوم بن قرعب بن زخر بن زحران بن
ناجية بن الجماهر . وقيل هو ابن يزيد ، وقيل ابن زيد ، وكنيته : أبو يحيى .
استخلفه
المختار بن عبيد الثقفيّ أميرا على الكوفة سنة (٦٧) للهجرة وذلك عند ما ذهب المختار إلى المدائن.
وعند ما جاء
عبد الله بن مطيع العدويّ أميرا على الكوفة سنة (٦٥) للهجرة من قبل عبد الله بن
الزبير ، خطب بالناس ، شارحا لهم سيرته فيهم ،
__________________
ص ٣٦٩.
فقام إليه السائب بن مالك ورد عليه.
ثم قام يزيد بن
أنس ، وقال : (صدق السائب بن مالك وبرّ ، رأينا مثل رأيه ، وقولنا مثل قوله). ثمّ
قال موجها كلامه إلى السائب : (ذهبت بفضلها يا سائب ، لا يعدمك المسلمون ، أما
والله لقد قمت وإنّي لا أريد أن أقوم ، فأقول نحوا من مقالتك ، وما أحبّ أنّ الله
ولّى الرد عليه رجلا من أهل المصر ليس من شيعتنا).
ثمّ ذهب أياس
بن مضارب بعد ذلك إلى عبد الله بن مطيع ، وقال له : (إنّ السائب من رؤوس أصحاب
المختار ، وإنّ المختار سيقوم بالثورة لا محال ، فابعث إليه ، واحبسه إلى أن يستتب
الأمر ، فإنّ عيوني قد أخبرتني بذلك) .
وعند ما كان
المختار يحارب عبد الله بن مطيع ، أخذ السائب يحرض جماعته على القتال ويقول : (ويحكم
يا شيعة آل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إنّكم قد كنتم تقتلون قبل اليوم ، وتقطع أيديكم
وأرجلكم ، وتسمل عيونكم ، وتصلّبون أحياء على جذوع النخل وأنتم إذ ذاك في منازلكم
لا تقاتلون أحدا ، فما ظنّكم اليوم بهؤلاء القوم ، إذا انتصروا عليكم؟ فالله الله
في أنفسكم وأموالكم وأولادكم ، قاتلوا أعداء الله المحلّين ، فإن النصر مع الصبر). عندها تشجّع الناس ، وأخذوا
يقاتلون ببسالة وضراوة حتّى انهزم أصحاب عبد الله بن مطيع ،
__________________
ودخل المختار وأصحابه قصر الإمارة.
وعند ما جاء
مصعب إلى الكوفة سنة (٦٧) للهجرة ، وحاصر المختار ابن عبيد الثقفيّ في قصر الإمارة
، كان السائب مع المختار ومعه ثمانية عشر قال السائب متمثلا قول عبد الله ابن حذاق
:
|
هل للفتى من
نياب الدهر من واقي
|
|
أم هل لحتم
إذا ما حم من واقي؟
|
إلى آخر
الأبيات ، فلمّا سمع المختار تلك الأبيات من السائب قال : (والله لو لا ما نحن فيه
لحفظت هذه الأبيات ، والله يا سائب : لو كان معي عشرة مثلك لغلبنا مصعب وأصحابه).
ثمّ قال المختار : ما الرأي يا سائب؟ فقال السائب : الرأي رأيك يا أبا إسحاق.
فقال المختار :
(ويحك يا أحمق ، إنّما أنا رجل من العرب ، رأيت ابن الزبير قد وثب بالحجاز ، ورأيت
نجدة وثب باليمامة ، ومروان بن الحكم بالشام ، وكنت فيها كأحدهم ، إلّا إنّي قد
طلبت بثأر أهل البيت ، إذ نامت عنه العرب ، فقاتل على حسبك إنّ لم يكن لك نيّة).
فقال السائب :
إنّا لله وإنا إليه راجعون ، ما كنت أن أقاتل على حسبي.
فعندها تمثل
المختار بقول غيلان بن سلمة بن معتب الثقفيّ :
|
ولو يراني
أبو غيلان إذ حسرت
|
|
عنّي الهموم
بأمر ماله طبق
|
|
لقال رهبا
ورعبا يجمعان معا
|
|
غنم الحياة
وهول النفس والشفق
|
|
أما تسق على
مجد ومكرمة
|
|
أو أسوة لك
فيمن تهلك الورق
|
ثم خرج المختار
من القصر فحارب حتّى قتل ، وقتل معه السائب بن
__________________
مالك سنة (٦٧) للهجرة ، قتله ورقاء النخعي ، فقال ورقاء عند قتله
السائب :
|
من مبلغ عنّي
عبيدا بأننّي
|
|
علوت أخاه
بالحسام المهند
|
|
فإن كنت تبغي
العلم عنه فإنّه
|
|
صريع لدى
الديرين غير موسد
|
|
وعمدا علوت
الرأس منه بصارم
|
|
فأثكلته
سفيان بعد محمّد
|
٢٣ ـ مصعب بن الزبير :
هو : مصعب ببن
الزبير بن العوّام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ بن كلاب القريشيّ ،
الأسديّ. وكنيته : أبو عبد الله وقيل أبو عيسى.
دخل مصعب بن
الزبير إلى الكوفة سنة (٦٧) للهجرة ، وذلك بعد قتل المختار بن عبيد الثقفيّ.
نشأ مصعب عند
أخيه عبد الله بن الزبير ، فكان عضده القوي لتثبيت ملكه في الحجاز والعراق . وكان مصعب بن الزبير شجاعا ، جميلا ، وسيما ، سفّاكا
للدماء ، كان يحسد على جماله ، وقيل : ما رؤي أميرا قط أحسن من مصعب ، وكان يلقب ب
(آنية النحل) وذلك لكثرة سخائه وعطاءه ، وفيه
__________________
قال عبيد الله بن قيس الرقيات :
|
إنّما مصعب
شهاب من الله
|
|
تجلت عن وجهه
الظلماء
|
|
ملكه ملك
عزّة ليس فيها
|
|
جبروت يخشى
ولا كبرياء
|
|
يتّقي الله
في الأمور وقد
|
|
أفلح من كان
همّه الاتقاء
|
وكان عبد الله
بن الزبير ، قد أرسل ابنه (حمزة) أميرا على البصرة سنة (٦٨) للهجرة ، وكان حمزة ضعيف الشخصية ، فاستضعفه أهل البصرة
، فعندها عزله أبوه وعيّن مكانه أخاه (مصعب) ، ولمّا وصل مصعب إلى البصرة ، خطب
فيهم وقال : (يا أهل البصرة ، بلغني عنكم بأنّه لا يأتيكم أمير إلا ولقبتموه ،
وإنّي ألقب نفسي (أنا الجزار) أو قال : (أنا القصاب».
وفي سنة (٦٧)
للهجرة ، أمر عبد الله بن الزبير أخاه (مصعب) بالتوجّه إلى الكوفة لمحاربة المختار
بن عبيد الثقفيّ ، ولمّا وصل مصعب إلى الكوفة ، حاصر المختار في قصر الإمارة ، ثمّ
قتله وقتل جميع من كان معه ، وقتل زوجته (ابنة النعمان بن بشير الأنصاريّ) ، وفي
قتلها قال سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت :
|
أتى راكب
بالأمر ذي النبأ العجب
|
|
بقتل ابنة
النعمان ذي الدين والحسب
|
|
بقتل فتاة
ذات دلّ ستيرة
|
|
مهذّبة
الأخلاق والخيم والنسب
|
|
أتاني بأن
الملحدين توافقوا
|
|
على قتلها لا
جبنّوا القتل والسلب
|
|
فلا هنأت آل
الزبير معيشة
|
|
وذاقوا لباس
الذلّ والخوف والحرب
|
إلى أن قال :
__________________
|
عجبت لها إذ
كفّنت وهي حيّة
|
|
إلّا أنّ هذا
الخطب من أعجب العجب
|
وقيل : بعد ما
قتل المختار ، بقي معزولا عن البصرة ، عزله أخوه عبد الله ابن الزبير وولّى أبنه (حمزّه)
ثمّ ذهب مصعب إلى (مكّة) فأعاده أخوه إلى إمارة البصرة. ولمّا قتل المختار في الكوفة
، رجع مصعب إلى البصرة ، واستخلف على الكوفة ، الحارث بن أبي ربيعة (القباع).
وفي سنة (٧١)
للهجرة ، ذهب مصعب إلى مكّة لاداء فريضة الحج ، ومعه وجوه وزعماء أهل الكوفة ،
فدخل على أخيه (عبد الله) فقال له : (يا أمير المؤمنين ، قد جئتك بزعماء أهل
العراق ، ووجهائهم). فقال عبد الله : (جئتني بعبيد أهل العراق؟ لا أعطهم مال الله
، ووددت والله أنّ لي بكلّ عشرة منهم رجلا من أهل الشام صرف الدينار بالدرهم).
فخرج مصعب ،
ومن معه من أهل العراق ثائرين ، غاضبين على عبد الله بن الزبير لأنّه حرمهم عمّا
كانوا يأملون ، ثمّ فسدت قلوبهم ، وتغيّرت اتجاهاتهم ، فكتبوا سرّا إلى عبد الملك
بن مروان ، للتخلّص من مصعب بن الزبير.
ولمّا استقرّت
البيعة لعبد الملك بن مروان بالشام ، قرّر المجيء إلى العراق لمحاربة مصعب بن
الزبير ، فقال له الحجّاج بن يوسف الثقفيّ : (سلطني يا أمير المؤمنين على أهل
الشام ، والله لأخرجنهم معك جميعا).
فأخذ الحجّاج
يحرق دار كلّ رجل يتخلّف عن اللّحاق بجيش عبد الملك بن مروان ، فلمّا رآى أهل
الشام ذلك خرجوا جميعا ، فسار بهم عبد
__________________
الملك حتّى قرب من العراق ، وجاء مصعب بجيش أيضا حتّى التقى الجيشان في (مسكن)
. وكان عبد الملك ، قد كاتب وجوه أهل العراق ، بأنه سيولّيهم المناصب ،
ويغرق عليهم الأموال الطائلة ، إن هم خذلوا مصعب بن الزبير في الحرب ، ولمّا التقا
الجيشان ، هرب أصحاب مصعب إلى جانب جيش عبد الملك ولم يبق مع مصعب سوى نفر قلّة ،
فأخذ يقاتل مقاتلة الأبطال ، يضرب بالسيف تارة ، ويطعن بالرمح تارة أخرى ، وهو
يقول :
|
وإنّي على
المكروه عند حضوره
|
|
أكذّب نفسي
والجفون له تنضي
|
|
وما ذاك من
ذلّ ، ولكن حفيضة
|
|
أذبّ بها عند
المكارم عن عرضي
|
|
وإنّي لأهل
الشرّ بالشرّ مرصد
|
|
وإنّيّ لذي
سلم أذلّ من الأرض
|
وقيل إنّ كافة
الّذين كاتبوا عبد الملك من قادة أهل العراق قد أجابوه إلى طلبه ما عدا إبراهيم بن
مالك الأشتر ، فإنّه ذهب إلى مصعب ، وأخبره بأن عبد الملك قد كتب إليه كتابا يعده
بأمرة العراق إنّ هو ترك مصعبا ، وتخلّى عنه ، وأنه قد كتب كتبا مماثلة إلى فلان
وفلان من وجوه أهل العراق ، وهي موجودة لديه ، ثمّ اقترح ابن الأشتر على مصعب ، أن
يقتل أولئك الّذين كاتبهم عبد الملك ، فرفض مصعب وقال : (إذا تغضب عشائرهم).
فقال إبراهيم :
(فاسجنهم لحين انتهاء الحرب). فقال مصعب : (إنّي لفي شغل عن ذلك). وعند ما التقى
الجيشان ، هرب أشراف العراق ، والتحقوا بعبد الملك ، وهرب عتاب بن ورقاء وخذلوا (مصعب).
وفي ذلك قال
عبد الله بن قيس الرقيات :
__________________
|
إنّ الرّزية
يوم مسكن
|
|
والمصيبة
والفجيعة
|
|
بابن الحواري
الّذي
|
|
لم يعده يوم
الوقيعة
|
|
غدرت به مضر
العراق
|
|
وأمكنت منه
ربيعة
|
|
تا الله لو
كانت له
|
|
بالدير يوم
الدير شيعة
|
|
لوجدتموه حين
يحدر
|
|
لا يعرس
بالمضيعة
|
وقيل إنّ مصعب
بن الزبير ، لما رأى غدر أهل العراق ، قال لابنه (عيسى) اذهب إلى عمّك أمير
المؤمنين ، واخبره بما فعل أهل العراق ، ودعني فإنّي مقتول لا محالة ، فقال له
ابنه (عيسى) لا أخبر قريشا عنك أبدا ولكن اذهب أنت إلى البصرة فهم على الطاعة ، أو
الحقّ بأمير المؤمنين. فقال له أبوه مصعب : (لا تتحدث قريش بأنني فررت لخذلان
ربيعة ، وما السيف بعار ، وما الفرار لي بعادة ولا خلق). فقاتل عيسى مع أبيه حتّى
قتل.
وقيل إنّ عبد
الملك بن مروان قد عرض الأمان لمصعب على أن يوليه إمارة العراقين طيلة حياته ،
ومليوني درهم على أن لا يقاتل ، فرفض مصعب ، وكان عبد الملك ودودا لمصعب وصديقا
له.
وقيل إنّ مصعب
بن الزبير سأل عروة بن المغيرة ، كيف قاتل الحسين ابن عليّ القوم ولم يستسلم فقال
له متمثلا بقول سليمان بن قتة :
|
إنّ الأولى
بالطفّ من آل هاشم
|
|
تأسّوا
فسنّوا للكرام التأسيا
|
فقال عروة : (عندها
علمت أنّ مصعب لا يفرّ أبدا).
ثم قتل مصعب بن
الزبير عند (دير الجاثليق) على شاطئ الفرات سنة (٧٢) للهجرة وعمره أربعون سنة ،
وقيل (٤٥) سنة ، قتله عبيد الله بن زياد
__________________
ابن ظبيان (ثأرا لأخيه). وقيل قتله غلام لعبيد الله بن ظبيان ، ثمّ قطع رأسه
وذهب به إلى عبد الملك بن مروان وهو يقول :
|
نطيع ملوك
الأرض ما أقسطوا لنا
|
|
وليس علينا
قتلهم بمحرم
|
وقيل إنّ الّذي
قتله هو زائدة بن قيس السعديّ ، وقيل الثقفيّ ، حيث طعنه بسهم وكان زائدة في جيش
مصعب.
وقيل قتل مصعب
بن الزبير في يوم الخميس من شهر جمادي الآخر سنة (٧١) للهجرة ، وقيل قتل يوم الثلاثاء ، في الثالث عشر من شهر جمادي الأولى من
سنة (٧٢) للهجرة ، وقيل قتل في شهر ذي القعدة من سنة (٧٢) للهجرة. ثمّ استولى عبد الملك بن مروان على العراق ،
فولّى أخاه (بشر بن مروان) وفيه قال الشاعر :
|
قد استولى
ابن بشر على العراق
|
|
من غير سيف
ودم مهراق
|
وقال عبد الله
بن قيس الرقيّات يرثي مصعبا :
|
لقد أورث
المصرين خزيا وذلّة
|
|
قتيل بدير
الجاثليق مقيم
|
|
فما قاتلت في
الله بكر بن وائل
|
|
ولا صبرت عند
اللقاء تميم
|
|
ولكنه رام
القيام ولم يكن
|
|
لها مغري يوم
ذاك كريم
|
وقيل : لما وضع
رأس مصعب أمام عبد الملك قال : (متى تلد قريش
__________________
مثلك!!) ، ثمّ قال أيضا : (هذا سيّد شباب قريش). وقيل لعبد الملك : (هل كان
مصعب يشرب الخمر؟) ، فقال : (لو علم مصعب أنّ الماء يفسد مروءته ما شربه).
ولمّا سمع عبد
الله بن الزبير بمقتل أخيه مصعب ، خطب بالناس قائلا : (الحمد لله الّذي يعزّ من
يشاء ويذلّ من يشاء ، إنّه لن يذلّ من كان الحقّ معه وإن كان فردا ، ولن يعزّ من
كان أولياء الشيطان حزبه ، وإن كان معه الأنام). وقال في خطبته أيضا : (ألا إنّ
أهل العراق ، أهل الشقاق والنفاق ، باعوه بأقلّ ثمن كانوا يأخذونه منه ... أما
والله ، لا نموت حتف أنوفنا ، كما يموت بنو مروان ، ولكن قعصا بالرماح ، وموتا تحت
ضلال السيوف ... الخ).
وقيل إنّ عبيد
الله بن ظبيان ، لما قتل مصعب قال :
|
إنّ عبيد
الله ما دام سالما
|
|
لسار على رغم
العدو وغادي
|
|
نحن قتلنا
ابن الزبير ورأسه
|
|
حززناه برأس
النابئ ابن زياد
|
٢٤ ـ الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة :
هو : الحارث بن
عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن
__________________
عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. استخلفه مصعب بن الزبير أميرا على الكوفة سنة (٦٧) للهجرة ، وذلك بعد مقتل المختار بن عبيد الثقفيّ ورجوع
مصعب إلى البصرة. وقيل سنة (٦٨) للهجرة.
وولّاه عبد
الله بن الزبير إمارة البصرة لمدّة سنة واحدة ، عزله بعدها. وعند مرور الحارث بن عبد الله بسوق البصرة ، رآى مكيالا
فقال : (إنّ مكيالكم هذا القباع). فلقبه أهل البصرة ب (القباع). وقال أبو الأسود الدؤلي يهجوه :
|
أمير
المؤمنين جزيت خيرا
|
|
أرحنا من
قباع بني المغيره
|
|
بلوناه
ولمناه فأعيا
|
|
علينا ما
يمرّ لنا مريره
|
|
على أن الفتى
نكح أكول
|
|
وولاج مذاهبه
كثيره
|
|
كأنّا حين
جئناه أطعناه
|
|
بضبعان تورّط
في حضيرة
|
وكان الحارث بن
عبد الله رجلا صالحا ، دينا ، خطيبا بليغا من زعماء قريش ، وكانت أمّه (شجا)
حبشيّة ـ نصرانيّة ، تخفى عليه بقائها على دينها القديم ، فلمّا ماتت أمّه ، وجاء
الناس لتشييعها ، جاءت إليه جارية من جواريه ، وأخبرته : بأنه وجد (صليب) في رقبة
أمه عند تغسيلها ، عندها
__________________
قال الحارث للناس : (يرحمكم الله ، إنّ لها أهل ملّة ، هم أولى بها منكم) ،
فعظّمه الناس بعد ذلك واحترموه. وعند ما جاءت الخوارج إلى الكوفة (في أيّام إمارته) لم
يستعد الحارث ويتهيأ لملاقاتهم ، خوفا منه وجبنا ، فلامه الناس ، ثمّ شجعه إبراهيم
بن مالك الأشتر لمحاربتهم ، فخرج الحارث متثاقلا حتّى وصل إلى (النخيلة). وفيه قال
الشاعر :
|
إنّ القباع
سار سيرا نكرا
|
|
يسير يوما
ويقيم شهرا
|
ثمّ أخذ القباع
يحث الناس ويعدهم بأنّه سيخرج على أثرهم ، والخوارج يعبثون ، حتّى أنّهم أخذوا
امرأة وقتلوا أباها بين يديها ، ثمّ لحقوها بأبيها ، ثمّ جاءوا بامرأة أخرى ،
والقباع على مقربة منهم ، والنهر ما بينهم وعليه جسر ، فأخذت تنهزم إلى جانب
الخوارج ، عندها قطع القباع الجسر ، وأقام (هو) ما بين (دباها ودبيري) خمسة أيّام ، وهو يقول للناس في كل يوم : (إذا لقيتم
العدو غدا فثبّتوا أقدامكم ، واصبروا فإنّ أوّل الحرب الترامي ، ثمّ أشراع الرماح
، ثمّ سلّ السيوف ، فثكلت رجلا أمّه فرّ من الزحف).
فقال بعضهم :
أما الصفة فقد سمعناها ، فمتى يقع الفعل؟ وقال الراجز :
|
إنّ القباع
سار سيرا ملسا
|
|
بين دباها
ودبيري خمسا
|
وبعد أن عاث
الخوارج في الكوفة فسادا ، رحلوا عنها ، فرجع القباع اليها.
__________________
وكان الحارث بن
عبد الله جالسا ذات يوم في مجلس عبد الملك بن مروان فسأله عبد الملك : ما ذا كان
يقول الكذّاب فيّ كذا وكذا؟ فقال الحارث : ما كان كذّابا. فقال له
يحيى بن الحكم : من أمّك يا حار؟ قال الحارث : هي الّتي تعلم. فقال عبد الملك
ليحيى : اسكت فهي أنجب من أمك.
ومن ظريف ما
يحكى عن الحارث بن عبد الله ، أنّه ذهب ذات يوم لزيارة أخيه الشاعر (الذائع الصيت)
عمر بن أبي ربيعه ، فلم يجده في الدار ، فنام الحارث في فراش عمر ، وغطى وجهه ،
فجاءت (الثريا) وألقت بنفسها عليه ، وأخذت تقبله ، فانتبه الحارث وقال
لها : (أغربي عنّي ، فلست بالفاسق ، أخزاكما الله).
فلمّا عرفت (الثريا)
بأنّ النائم لم يكن (عمر) خرجت مسرعة ، وعند ما عاد عمر إلى الدار ، أخبره (الحارث)
بخبرها ، فقال له عمر : (أما والله لن تمسّك النار أبدا ، ما دامت الثريا ألقت
بنفسها عليك). فقال
__________________
الحارث : (عليك وعليها لعنة الله).
وكان الحارث
ينصح أخاه ، وينهاه عن قول الشعر ، فقال له عمر : (إنّي لا أقدر على ذلك مادمت في
مكّة ، فأعطاه الحارث ألف دينار ، على أن لا يقول الشعر ، فأخذ عمر الألف دينار ،
وذهب إلى أخواله في اليمن ، وبقي عندهم أشهرا ، فأخذه الحنين إلى الثريا ، فأخذ
يقول شعرا نقتبس منه ما يلي :
|
هيهات من
أمّة الوهاب منزلنا
|
|
إذا حللنا
بسيف البحر من عدن
|
|
واحتلّ أهلك
أجيادا وليس لنا
|
|
إلا التذكّر
أو حفظ من الحزن
|
|
ما أنس لا
أنس يوم الخيف موقفها
|
|
وموقفي كلانا
ثمّ ذو شجن
|
|
وقولها
للثريا ، وهي باكية
|
|
والدمع فيها
على الخدين ذو سنن
|
|
بالله قولي
له في غير معتبة
|
|
ماذا أردت
بطول المكث في يمن؟
|
|
إن كنت حاولت
دينا أو ظفرت بها
|
|
فما أخذت
بترك الحجّ من يمن؟
|
وقال مرة بن
محكان في الحارث :
|
أحار تبيّن
في الأمور فإنه
|
|
إذا الأمير
عدا في الحكم أو فسدا
|
|
فإنك محلول
عليك وضاعن
|
|
فمهما تصبه
اليوم تدرك به غدا
|
ولمّا حوصر
عثمان بن عفّان في داره سنة (٣٥) للهجرة ، جاء الحارث ابن عبد الله لينصره ، لكنّه
سقط عن دابته في الطريق فمات قرب مكّة. وقيل لما مرض عمر بن أبي ربيعة ، مرضه الّذي مات فيه ،
أسف عليه أخوه الحارث ، فقال له عمر : (يا أخي ، إن كان أسفك لما سمعت من قولي :
قلت
__________________
لها ، وقالت لي ، فكلّ مملوك لي حرّ إنّ كان كشف فرجا حراما قط) . فقال الحارث : (الحمد لله ، طيبت نفسي).
٢٥ ـ عبد الملك بن
مروان :
هو : عبد الملك
بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن امية بن عبد شمس بن عبد مناف. وكنيته : أبو
الوليد ويقال له : (أبو الأملاك) أو (أبو الملوك) لأنّه تولّى الخلافة من بعده
أربعة من اولاده هم : ١ ـ الوليد ، ٢ ـ سليمان ، ٣ ـ يزيد ، ٤ ـ هشام. بويع
بالخلافة في دمشق (بعد موت ابيه) في الثالث من شهر رمضان من سنة (٦٥) للهجرة ،
وقيل سنة (٦٤) للهجرة وعمره (٥٧) سنة.
ودخل عبد الملك
إلى الكوفة سنة (٧٢) للهجرة ، بعد مقتل مصعب ابن الزبير . وعبد الملك بن مروان قد جالس العلماء والفقهاء ، وحفظ
عنهم الكثير ، وكان خطيبا ، ينظم الشعر ، ويحفظ منه كثيرا ، سئل مرة وقيل له : قد
أسرع الشيب إليك. فقال : (شيبتني كثرة إرتقاء المنابر مخافة اللّحن) .
وعند ما بويع
بالخلافة قال فيه أعشى بني شيبان :
|
عرفت قريش
كلّها
|
|
لبني العاصي
الإمارة
|
__________________
|
لأبرها
وأحقها
|
|
عند المشورة
بالاشارة
|
|
المانعين
لمّا ولّوا
|
|
والنافعين
ذوي الضراوة
|
|
وهم أحقّهم
بها
|
|
عند الحلاوة
والمرارة
|
وفي أوّل خطبة
له عند ما بويع بالخلافة قال عبد الملك : (أيّها الناس ، ما أنا بالخليفة المستضعف
، ولا بالخليفة المداهن ، ولا بالخليفة المأفون فمن قال برأسه كذا ، قلنا له
بسيفنا : كذا). ثمّ نزل.
ولمّا استتبت
الأمور لعبد الملك بالشام ، جهّز جيشا كبيرا (بقيادته) لمحاربة مصعب بن الزبير
وكان قبل ذلك قد كتب عبد الملك إلى زعماء وقادة أهل العراق يدعوهم إلى مبايعته ،
وانه سيوليهم المناصب ، ويعطيهم الأموال الطائلة إن هم خذلوا (مصعب) عند التقاء
الجيشين ، فسار عبد الملك بجيشه حتى وصل إلى قرية (مسكن) فالتقى بجيش مصعب وعلى
مقدمته إبراهيم ابن مالك الأشتر ، وبعد معركة ضارية ، قتل فيها إبراهيم الأشتر . فتقدم عبد الملك بجيشه حتّى وصل إلى (دير الجاثليق) من
أرض السواد ، وحدثت معركه عنيفة بينه وبين مصعب ، قتل خلالها مصعب ، وجيء برأسه
إلى عبد الملك في الثالث عشر من شهر جمادي الأولى من سنة (٧٢) للهجرة ، وقيل إنّ الّذي جاء برأسه هو عبيد الله بن
زياد بن ظبيان وهو يقول :
|
نعاطي الملوك
ما قسطوا لنا
|
|
وليس علينا
قتلهم بمحرم
|
وبعد مقتل مصعب
، خطب عبد الملك في النخيلة فقال : (أيّها الناس ، دعوا الأهواء المضلّة ، والآراء
المتشتته ، ولا تكلّفونا أعمال المهاجرين ، وأنتم لا تعلمون بها ، فقد حاربتمونا
إلى السيف ، فرأيتم كيف صنع الله بكم ، ولا
__________________
أعرفنكم بعد الموعظة تزدادون جرأة فإنّي لا ازداد بعدها إلّا عقوبة ، وما
مثلي ومثلكم ، إلا كما قال أبو قيس الأسلت :
|
من يصل ناري
بلا ذنب ولا ترة
|
|
يصل بنار
كريم غير غدّار
|
|
أنا النذير
لكم مني مجاهرة
|
|
لي لا ألام
على نهيي وأعذار
|
|
فإن عصيتم
مقالي اليوم فاعترفوا
|
|
أن سوف تلقون
خزيا ظاهر العار
|
|
وصاحب الوتر
ليس الدهر ومدركه
|
|
عندي وإنّي
لطلّاب لأوتار
|
|
|
|
أقيم عوجته
إن كان ذا عوج
|
|
كما يقوم قدح
النبعة الباري
|
ثمّ بعد ذلك
دخل عبد الملك إلى الكوفة ، وتمّت له البيعة فعيّن الولاة (الأمراء) وأعطى الهدايا
لمن واعدهم بذلك وعيّن (قطن بن عبد الله الحارثي) أميرا على الكوفة ثمّ عزله ، وولّى مكانه اخاه (بشر بن
مروان).
ثم صعد عبد
الملك بن مروان منبر الكوفة فقال : (إنّ عبد الله بن الزبير لو كان خليفة كما يزعم
لخرج فآسى بنفسه ، ولم يغرس ذنبه في الحرم) . ثمّ قال : (إنّي قد استعملت عليكم بشر بن مروان وأمرته
بالإحسان إلى أهل الطاعة ، والشدّة على أهل المعصية ، فاسمعوا له وأطيعوا) . وعن عبد الملك ابن عمير بن سويد أنّه قال : (كنت عند
عبد الملك بن مروان بقصر الإمارة ، حين جيء برأس مصعب بن الزبير فوضع بين يديه ،
فرآني عبد الملك بوضع مرعب ، فقال لي : ماذا بك؟! فقلت : أعيذك بالله يا أمير
المؤمنين ، فقد كنت بهذا القصر وبهذا المكان مع عبيد الله بن زياد فرأيت رأس
الحسين ابن عليّ بن أبي طالب بين يديه ، ثمّ رأيت رأس عبيد الله بن زياد قد جيء
__________________
به ووضع في هذا المكان بين يدي المختار ، ثمّ رأيت رأس المختار قد جيء به
فوضع بين يدي مصعب بن الزبير ، ثمّ جيء برأس مصعب (هذا) فوضع بين يديك). فقام عبد
الملك من مكانه ، وأمر بهدم ذلك الطاق (الّذي كنّا فيه) .
ثمّ أنّ عبد
الملك بن مروان ، أمر الحجّاج بن يوسف الثقفيّ بالذهاب إلى (مكّة) لقتال عبد الله
بن الزبير ، فذهب الحجّاج إلى مكّة في أوائل شهر ذي الحجّة من سنة (٧٢) للهجرة
وحاصرها لمدّة خمسين ليلة ثمّ ضربها بالمنجنيق فاحتمى عبد الله بن الزبير بالكعبة
وهو يقول :
|
يا ربّ إنّ
جنود الشام قد كثروا
|
|
وهتكوا من
حجاب البيت أستارا
|
|
يا ربّ إنّي
ضعيف الركن مضطهد
|
|
فابعث إليّ
جنودا منك أنصارا
|
ثم تفرقت عنه
أصحابه ، وقتل عبد الله بن الزبير في الرابع عشر من شهر جمادي الأولى من سنة (٧٣) للهجرة ، وقيل سنة (٧٢) ، ثمّ صلبه الحجّاج في مكّة.
وذهب وفد من
أهل الكوفة إلى عبد الملك بن مروان ، فلمّا دخلوا عليه ، شاهد فيهم رجلا طويل
القامة أسود الوجه ، فكلّمه عبد الملك فأجابه ذلك الرجل بكلّ أدب ورقّة فعجب به
عبد الملك ، وعند ما خرج ذلك الرجل من مجلس عبد الملك ، تمثل عبد الملك بقول عمرو
بن شاش :
|
فإنّ عرارا
أن يكن غير واضح
|
|
فإنّي أحبّ
الجون ذا
المنكب العمم
|
__________________
فالتفت ذلك الرجل
عند خروجه إلى عبد الملك وضحك ، فأمر عبد الملك بإحضاره وأحضر ، فقال له عبد الملك
: (ما الّذي أضحكك؟!) فقال : (أنا والله عرار). فأكرمه عبد الملك ولاطفه إلى أن
انصرف.
ودخلت ذات يوم (بثينة)
و (عزّة) على عبد الملك ، فقال لعزّة : (أنت عزّة كثير) فقالت : (لست
لكثير بعزّة ، ولكننّي أم بكر) فقال عبد الملك : (وهل تحفظين قول كثير؟) :
|
وقد زعمت أني
تغيرت بعدها
|
|
ومن ذا الّذي
يا عزّ لا يتغير؟!
|
|
تغير خلقي
والمودة كالذي
|
|
عهدت ولم
يخبر بسري مخبر
|
قالت عزّة :
لست أحفظ هذا ولكننّي أروي قوله :
|
كأني أنادي
أو أكلم صخرة
|
|
من الصم لو
تمشي بها العصم زلت
|
|
صفوحا فما
تلقاك إلا بخيلة
|
|
فمن ملّ منها
ذلك الوصل ملتّ
|
وقيل التقى عبد
الملك بن مروان بأعرابي وكان لوحده فقال له : أتعرف عبد الملك؟ فأجابه الأعرابي : (إنّه
جائر ، بائر). فقال له عبد الملك : (ويحك ، أنا عبد الملك بن مروان). فقال
الأعرابي : (لا حيّاك ولا بيّاك ، ولا قرّبك ، أكلت مال الله وضيعت حرمته). فقال
عبد الملك بن مروان : (أنا أضر وأنفع). فقال الأعرابي : (لا رزقني الله نفعك ، ولا
دفع عنّي ضرك).
وحينما جاء
حرّاس عبد الملك وأصحابه ، قال الأعرابي : (أكتم ما جرى بيننا
__________________
فالمجالس أمانة).
وقيل أيضا :
إنّ عبد الملك بن مروان قال لزفر بن الحارث الكلابي : ما بقي من حبّك للضحاك بن
قيس؟ قال : ما لا ينفعه ولا يضرّك. فقال عبد الملك : لكثرة ما أحببتموه يا معاشر
قريش؟ فقال زفر : أحببناه ولم نواسه ولو كنّا فعلنا أو أدركنا ما فاتنا عنه. فقال
عبد الملك : وما منعك من مواساته يوم المرج ؟ قال زفر : الّذي منع أباك مواساة عثمان يوم الدار .
وجيء إلى عبد
الملك برجل كان مع بعض من ثار عليه ، فأمر عبد الملك بقتله ، فقال الرجل : (يا
أمير المؤمنين ، ما كان جزائي منك هذا)؟ فقال عبد الملك : (وما هو جزائك؟) فقال
الرجل : (والله ما خرجت مع فلان إلّا من أجلك ، ذلك أنّي رجل مشؤوم ما خرجت مع رجل
قط إلا غلب وهزم ، وقد تبيّن لك صحّة قولي وكنت عليك خيرا من مائة ألف معك) .
فضحك عبد الملك
وخلى سبيله.
ووقف عبد الملك
بن مروان على قبر أبيه فقال :
|
وما الدهر
والأيام إلا كما أرى
|
|
رؤية مال أو
فراق حبيب
|
|
وإن إمرأ قد
جرّب الدهر لم يخف
|
|
تقلّب عصريه
لغير لبيب
|
وكتب الحجّاج
بن يوسف الثقفيّ إلى عبد الملك بن مروان يقول :
__________________
(إن أردت أن يثبت لك ملكك فأقتل عليّ بن الحسين) . فكتب إليه عبد الملك : (أما بعد فجنبني دماء بني هاشم
فانّي رأيت آل أبي سفيان لما أوصوا فيها ، لم يلبثوا إلى أن أزال الله الملك عنهم)
.
والتقى عبد
الملك بن مروان ذات مرة بالإمام عليّ بن الحسين عليهالسلام وكان ذلك عقيب الطواف حول الكعبة ، فقال له : يا عليّ
بن الحسين ، إنّي لست قاتل أبيك ، فما يمنعك من زيارتي؟ فقال له عليهالسلام : إنّ قاتل أبي أفسد فعله دنياه عليه ، وأفسد عليه أبي
بذلك آخرته ، فإن أحببت أن تكون مثله فكن.
فقال له عبد
الملك : (كلّا ، ولكن تعال الينا ، لتنال من دنيانا).
وكان عبد الملك
بن مروان قد وضع الجواسيس لمراقبة الإمام عليّ بن الحسين عليهالسلام فكانت تصل إلى عبد الملك تقارير مفصّلة عن جميع نشاطات
الإمام عليهالسلام سواء منها الشخصيّة أو الاجتماعيّة ، وحتى العباديّة
منها.
وأخبر عبد
الملك بأن عليّ بن الحسين ، قد تزوج جارية له ، فكتب عبد الملك إلى الإمام عليهالسلام يقول : أما بعد فقد بلغني تزويجك مولاتك ، وعلمت أنه كان
في أكفائك من قريش تمجد به في الصهر ، وتستنجبه في الولد ، فلا لنفسك نظرت ولا على
ولدك أبقيت ، والسلام).
فرد عليه
الإمام زين العابدين عليهالسلام قائلا : (.. وإنّما كانت ملك يميني ، خرجت منّي أراد
الله عزوجل ، وما منّي بأمر التمست به ثوابه ، ثمّ ارتجعتها على
سنته ، ومن كان زكيا في دين الله فليس يخلّ به شيء من أمره ، وقد رفع الله
بالاسلام الخسيسة ، وتمم به النقيصة ، وأذهب اللؤم ، فلا لؤم على
__________________
امرئ مسلم إنّما اللؤم لؤم الجاهلية والسلام).
فلمّا قرأ عبد
الملك الكتاب ، أعطاه إلى ابنه سليمان ، فلمّا قرأه سليمان ، قال لأبيه : يا أمير
المؤمنين ، لشدّ ما فخر عليك عليّ بن الحسين. فقال له أبوه : (يا بنيّ ، لا تقل
ذلك ، فإنّها ألسن بني هاشم ، الّتي تفلق الصخر ، وتغرف من بحر ، إنّ عليّ بن
الحسين يا بنيّ ، يرتفع من حيث يتّضع الناس).
وقال عبد الملك
للحجّاج بن يوسف الثقفيّ : (ما من أحد إلّا ويعرف عيوب نفسه ، فقل لي ما هي عيوبك
ولا تخفي منها شيئا)؟ فقال الحجّاج : (يا أمير المؤمنين : أنا لجوج ، وحقود). فقال
عبد الملك : (إذن بينك وبين إبليس نسب). فقال الحجّاج : (إنّ الشيطان إذا رآني
سالمني).
ودخل جرير على
عبد الملك (وكان عنده الشعراء) فمدحه بقصيدة نقتطف منها :
|
أتصحوا أم
فؤادك غير صاحي
|
|
عشيّة همّ
صحبك بالرواح
|
|
تقول
العاذلات علاك شيب
|
|
أهذا الشيب
يمنعني مزاحي؟
|
|
تعرت أم حزرة
ثمّ قالت
|
|
رأيت
الموردين ذوي
لقاح
|
|
ثقي بالله
ليس له شريك
|
|
ومن عند
الخليفة بالنجاح
|
|
سأشكر إن
رددت إليّ ريشي
|
|
وأنبت
القوادم في جناحي
|
|
ألستم خير من
ركب المطايا
|
|
وأندى
العالمين بطون راح؟
|
فقال عبد الملك
: من مدحنا منكم ، فليمدحنا بمثل هذا ، أو فليسكت.
__________________
وقال الأخطل
يخاطب عبد الملك بن مروان :
|
إذا ما نديمي
علنّي ثمّ علني
|
|
ثلاث زجاجات
لهن هدير
|
|
خرجت أجرّ
الذيل حتّى كأننّي
|
|
عليك أمير
المؤمنين أمير
|
مات عبد الملك
بن مروان بدمشق في يوم السبت في الرابع عشر من شهر شوال سنة (٨٦) للهجرة وصلى عليه ابنه الوليد وكان عمره (٦٠) سنة وقيل (٥٧)
سنة وكانت مدّة خلافته ٢١ سنة وشهرا وخمسة عشر يوما.
٢٦ ـ قطن بن عبد الله
الحارثي :
ولّاه عبد
الملك بن مروان إمارة الكوفة سنة (٧٢) للهجرة ، ثمّ عزله وولى أخاه بشر بن مروان.
وعند ما كان
المغيرة بن شعبة أميرا على الكوفة سنة (٤٥) للهجرة ، زاره في تلك السنة زياد بن
ابيه ، فظن المغيرة بان زيادا جاء يزاحمه على الأمارة فدعا قطن بن عبد الله
الحارثي وقال : (هل من خير تكفيني الكوفة حتّى آتيك من عند الخليفة)؟. قال قطن : (ما
انا بصاحب ذا). ثمّ دعا عتيبة ابن النهّاش فقبلها .
وكان قطن بن
عبد الله الحارثي ، هو أحد الشهود الّذين شهدوا على حجر بن عدي الكنديّ وجماعته ،
مما تسبب في قتلهم . وكان عبد الملك
__________________
ابن مروان قد علم بأنّ أكثريّة أهل الكوفة وخاصّة زعماؤها قد ابتعدوا عن
عبد الله ببن الزبير لأسباب كثيرة منها : بخله وعدم اعطائهم ما وعدهم به عند حرب
المختار ، فكتب عبد الملك إلى أهل الكوفة يدعوهم إلى مبايعته ويوعدهم بالأموال
والمناصب والجاه اذا خذلوا مصعب بن الزبير عند مجيئه إلى العراق ، فاجابوه إلى ذلك
وكان من جملتهم قطن الحارثي . وحينما وصلت جيوش عبد الملك إلى (مسكن) كاتب قادة مصعب
بن الزبير وزعماء أهل الكوفة مؤكدا لهم بأنه لا زال عند وعده ـ إذا تخلّوا عن مصعب
ـ فسوف يوليهم الإمارة ويزوجهم بأميرات أمويّة ، وكانت تلك الكتب تصل إلى إبراهيم
بن مالك الأشتر ، وعند ما تلاقى الجيشان جاء إبراهيم بن الأشتر إلى مصعب وأخبره
بمضمون كتب عبد الملك إلى قادته ، وطلب منه أن يتخذ الإجراءات اللازمة بحقّهم ،
ولكن مصعب لم يتخذ أي قرار بشأنهم ولو على سبيل الاحتياط.
وعند ما بدأت
الحرب بين الطرفين ، قال مصعب بن الزبير لحجّار بن أبحر : (تقدّم يا أبا سعيد) قال
: إلى هؤلاء الأنتان؟! فقال له مصعب : إنّ ما تتأخر إليه هو أنتن وقيل إنّه قال له
: (إنّ عدم تقدمك هو أنتن). ثمّ قال مصعب للغضبان بن القبعثري : تقدّم يا أبا
الشمّط. فقال ابن القبعثري : ما أرى هناك. ثمّ التفت مصعب إلى قطن بن عبد الله
الحارثي وقال له : قدّم خيلك. فقال قطن بن عبد الله : (أكره أن تقتل مذحج في غير
شيء). فقال مصعب : (أفّ لكم). ثمّ قاتل القوم بقوة وبسالة وشجاعة حتّى قتل.
وبعد ما قتل
مصعب دخل عبد الملك بن مروان إلى الكوفة وأعطى
__________________
لزعمائها وقادة مصعب الأموال والهدايا وعيّن قطن أميرا على الكوفة. ولكن سرعان ما عزله عبد الملك وعيّن أخاه بشر بن مروان
أميرا على الكوفة ثمّ رجع عبد الملك إلى الشام.
٢٧ ـ بشر بن مروان :
هو بشر بن
مروان بن الحكم بن العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف. وكنيته : أبو مروان
الأموي القرشيّ. ولّاه أخوه عبد الملك إمارة الكوفة سنة (٧٢) للهجرة
وذلك بعد عزل أميرها السابق (قطن بن عبد الله الحارثي) .
وقد خطب عبد
الملك بن مروان في أهل الكوفة عند ما ولّى أخاه (بشر) إمارة الكوفة وقال : (...
استعملت عليكم بشر بن مروان ، وأمرته بالإحسان إلى أهل الطاعة والشدّة على أهل
المعصية فاسمعوا له وأطيعوا) . وقال الشاعر في بشر بن مروان :
|
قد استوى بشر
على العراق
|
|
من غير سيف
ودم مهراق
|
وعند ما رجع
عبد الملك بن مروان من الكوفة إلى الشام ، أبقى جماعة من أهل الرأي والمشورة (من
أهل الشام) مع بشر في الكوفة ، منهم : (روح ابن زنباع الجذاميّ) وكان بشر بن مروان
: أديبا ، ظريفا ، يحب الشعر
__________________
والسمر ، والسماع والمعاقرة ، وقد تضايق بشر من روح بن زنباع ، فشكى أمره
إلى بعض ندمائه ، فقال له أحدهم : سأعمد إلى حيلة تنجيك منه ، فتمكن هذا من الذهاب
(خفية) إلى دار روح بن زنباع ، وكتب على حائط غرفته الأبيات التالية :
|
يا روح من
لبنيات وأرملة
|
|
إذا نعاك
لأهل المغرب الداعي
|
|
إنّ ابن
مروان قد حانت منيته
|
|
فاحتل لنفسك
يا روح بن زنباع
|
|
ولا يغرّنك
إبكار منعمة
|
|
واسمع هديت
مقال الناصح الداعي
|
وحينما جاء روح
بن زنباع ، ودخل غرفته ، وقرأ تلك الأبيات ، فخاف كثيرا ، وقال : لا مقام لي في
العراق بعد اليوم ، فذهب إلى بشر بن مروان ، وطلب منه السماح له بالذهاب إلى دمشق
لمواجهة عبد الملك. ولمّا وصل روح إلى دمشق ودخل على عبد الملك فتعجب منه وقال له
: ما سبب مجيئك يا روح؟ ألأمر كرهته؟ أم أنّ حادث حدث لبشر؟ فقال روح : لا هذا ولا
ذاك ، وإنّما لأمر أدهى وأعظم ، ثمّ أخبره بقصته. وأنشده الأبيات.
فضحك عبد الملك
كثيرا وقال لروح : لقد ثقلت على بشر وأصحابه حتّى احتالوا عليك بما رأيت فلا تخف.
وكان بشر بن
مروان ، إذا صلى العصر ، خلا بنفسه في غرفة من غرف القصر فيأخذ من الشراب ما لذّ
منه وطاب ، وليس معه سوى خادمه (أعين). فأخذت (هند) تتجسس عليه حتّى عرفت خبره ، فبعثت خادم لها ، فاشترى
لها أطيب الشراب وأرقه وأصفاه ، وهيئأت طعاما شهيا
__________________
(علمت بأن بشر يشتهيه) ثمّ أرسلت إلى أخويها (مالك وعيينة) وأرسلت إلى بشر
بن مروان ، فقدمت له كلّ ما أعدته ، فأكل وشرب وكان (مالك) يسقيه و (عيينه) يحدثه و
(هند) تنظر إليه ، فلم يزل في ذلك حتّى المساء.
فقال بشر : هل
عندكم من هذا شيء نعود إليه غدا؟ فقالت هند : هذا دائم لك متى ترغب. وبقي معها بشر
حتّى مات ، فلم تجزع عليه هند ولم تحزن ، فقال الفرزدق في ذلك :
|
فإن تك لا
هند بكته فقد بكت
|
|
عليه الثريا
في كواكبها الزهر
|
وجاء الأخطل
إلى الكوفة ليمتدح بشر بن مروان فدعاه سعيد بن بيان التغلبي إلى منزله فقدم له الطعام والشراب وزاد في إكرامه
وتقديره ، فلمّا شرب الأخطل أخذ ينظر إلى وجه (برّه) وجمالها وإلى وجه سعيد وقبحه وقال له سعيد : أنت تدخل
في بيوت الخلفاء والملوك والأمراء ، فما هي منزلتنا من منزلتهم؟ فقال الأخطل : ما
لبيتك عيب غيرك ، فقال سعيد : أنا والله أحمق منك يا نصراني حين دعوتك إلى منزلي
ثمّ طرده وخرج الأخطل وهو يقول :
|
وكيف يداويني
الطبيب من الجوى
|
|
وبرّة عند
الأعور ابن بيان
|
|
فهلا زجرت
الطير إذا جاء خاطبا
|
|
بضيقة بين
النجم والدّبران
|
وقيل : كان فتى
من بني عجل (مع المهلّب بن أبي صفره في حربه مع الأزارقه) وكان عاشقا لأبنة عمّه ،
فكتبت إليه ابنة عمّه تطلب زيارته ،
__________________
فكتب اليها :
|
لو لا مخافة
بشر أو عقوبته
|
|
أو أن يشدّ
على كفي مسمار
|
|
إذن لعطلت
ثغري ثمّ زرتكم
|
|
إنّ المحبّ
إذا ما اشتاق زوار
|
فأجابته ابنة
عمّه :
|
ليس المحبّ
الّذي يخشى العقاب ولو
|
|
كانت عقوبته
في فجوة النار
|
|
بل المحبّ
الّذي لا شيء يفزعه
|
|
أو يستقرّ
ومن يهواه في الدار
|
ولمّا قرأ ابن
عمّها الكتاب ترك (ثغره) وذهب اليها وهو يقول :
|
أستغفر الله
إذ خفت الأمير ولم
|
|
أخشى الّذي
أنا منه غير منتصر
|
|
فشأن بشر
بلحمي فليعذبه
|
|
أو يعف عفو
أمير خير مقتدر
|
|
فما أبالي
إذا أمسيت راضية
|
|
يا هند ما
نيل من شعري ومن بشري
|
ثم ذهب الشاب
إلى البصرة ، ولمّا رآه الواشون ، ذهبوا إلى بشر بن مروان وأخبروه بهروبه ، فأمر
بشر بإحضاره ، ولمّا جيء بالشاب ، قال له بشر : يا فاسق ، تركت ثغرك!! هاتوا
الكرسي. فقال الشاب : أعزّ الله الأمير ، إنّ لي عذرا ، فأنشده الأبيات المارة
الذكر ، فقبل عذره ورقّ قلبه له ، وكتب إلى المهلّب بن أبي صفرة بإعفائه ، وقيل أعطاه بشر عشرة آلاف درهم ،
__________________
وقال له : إلحق بابنة عمّك.
وقيل إنّ بشر
بن مروان لمّا ولّاه أخوه إمارة العراقين ، كتب إليه يقول : (أما بعد يا أمير
المؤمنين ، فإنّك قد شغلت إحدى يدي ، وهي اليسرى ، وبقيت يدي اليمنى فارغة لا شيء
فيها). فكتب إليه عبد الملك قائلا : (فإنّ أمير المؤمنين ، قد شغل يمينك بمكة
والمدينة والحجاز واليمن). وحينما وصل الكتاب إلى بشر ، أصيبت يمينه بالقرحة ،
فاقترح عليه الأطباء بقطعها ، ثمّ أخذت القرحة تسير حتّى وصلت إلى كتفه ، عندها
كتب إلى أخيه عبد الملك يقول : (أما بعد يا أمير المؤمنين ، فإني كتبت اليك وأنا
في أوّل يوم من أيّام الآخرة ، وآخر يوم من أيّام الدنيا) ، ثمّ ختم رسالته بهذه
الأبيات :
|
شكوت إلى
الله الّذي أصابني
|
|
من الضرّ ما
لم أجد لي مداويا
|
|
فؤاد ضعيف
مستكين لما به
|
|
وعظم بدا خلو
من الهمّ عاريا
|
|
فإن متّ يا
خير البرية فالتمس
|
|
أخا لك يغني
عنك مثل غنائيا
|
|
يواسيك في
السراء والضرّ جهده
|
|
إذا لم تجد
عند البلاء مواسيا
|
وقيل دخل الحسن
البصري على بشر بن مروان (أمير البصرة) وكان بشرا جالسا على سرير عليه فراش وثير ،
كاد أن يغوص فيه ، ورجل واقف عند رأسه يحمل سيفه ، فقال له بشر : من أنت؟ فقال : (أنا
الفقيه ، حسن البصري) فقال له بشر : إجلس. ثمّ سأله بشر : ماذا تقول في زكاة
أموالنا؟ أندفعها إلى السلطان ، أم إلى الفقراء؟ فقال الحسن البصري : (أيّهما فعلت
، أجزأ عنك). فتبسم بشر وقال : (لشيء ما يسود من يسود). وعند العشاء ، ذهب الحسن
البصري إلى بشر بن مروان مرّة ثانية ، فرآه قد نزل
__________________
عن سريره وهو يتململ وحوله الأطباء ، وعند ما أصبح الصباح ، وإذا بالناعية تنعاه. ووقف
الفرزدق على قبره يرثيه ، فما بقي أحد إلا وبكى وحزن عليه ، وحزن عليه أخوه عبد
الملك حزنا عظيما ، وطلب من الشعراء أن يرثوه ، فقال الفرزدق :
|
أعينيّ إلّا
تسعداني ألمكما
|
|
فما بعد بشر
من عزاء ولا صبر
|
|
ألم تر أن
الأرض دكت جبالها
|
|
وأنّ نجوم
اللّيل بعدك لا تسري
|
|
فإن لا تكن
هند بكته فقد بكت
|
|
عليه الثريا
في كواكبها الزهر
|
مات بشر بن
مروان في البصرة سنة (٧٣) للهجرة وقيل (٧٤) وقيل (٧٥) وهو أوّل أمير مات بالبصرة.
٢٨ ـ عمرو بن حريث :
استخلفه بشر بن
مروان على إمارة الكوفة سنة (٧٣) للهجرة ، وهذه رابع مرة يستخلف فيها عمرو بن
حريث.
٢٩ ـ الحجّاج بن يوسف
الثقفيّ :
هو : الحجّاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن عامر بن
__________________
مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف ، وكنيته :
أبو محمّد.
ولّاه عبد
الملك بن مروان إمارة الكوفة سنة (٧٥) للهجرة ، لإخماد ثورة الخوارج ، ولمّا وصل
الحجّاج إلى القادسيّة ، أمر جيشه بالبقاء فيها ، وذهب هو وجماعة إلى الكوفة ،
فدخلها في أوائل شهر محرّم من سنة (٧٥) للهجرة سنة (٦٩٤) للميلاد.
وذهب إلى
المسجد ، ونودي في الناس (الصلاة جامعة) فجاء الناس إلى المسجد وكان الحجّاج جالسا
على المنبر متلثما ، وحينما ازدحم المسجد بأهل الكوفة ، رفع الحجّاج اللّثام عن
وجهه ، ثمّ قام ، وخلع العمامة عن رأسه فقال : (أنا الحجّاج) .
|
أنا ابن جلا
وطلاع الثنايا
|
|
متى أضع
العمامة تعرفوني
|
ثم قال (والله
يا أهل العراق ، إنّي لأرى رؤوسا قد أينعت ، وحان قطافها ، وإنّي لصاحبها ، والله
لكأنّي أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى .. إنّ أمير المؤمنين (عبد الملك) نثر
كنافته بين يديه ، فعجم عيدانها عودا عودا ، فوجدني أمرّها عودا ، وأشدّها مكرا ،
فوجّهني اليكم ، ورماني بكم ، يا أهل الكوفة ، أهل الشقاق والنفاق ، ومساوئ
الأخلاق ... يا أهل العراق إنّما أنتم أهل قرية ، كانت آمنة مطمئنة ، يأتيها رزقها
رغدا من كل مكان فكفرت
__________________
بأنعم الله ، فأتاها وعيد القرى من ربّها ، فاستوثقوا ، واعتدلوا ولا
تميلوا ، واسمعوا وأطيعوا وشايعوا وبايعوا .. الخ).
وقد اشتهر
الحجّاج بكثرة خطبه بذم أهل العراق ، أكتفي بذكر خطبة قالها عند ما جيء برأس عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث ، فوضع بين يديه ، ثمّ صعد منبر
الكوفة فقال : (يا أهل العراق ، إنّ الشيطان استبطنكم مخالط اللحم منكم والعظم
والأطراف والأعضاء ، وجرى فيكم مجرى الدم ، وأفضى إلى الأضلاع والأمخاخ ، فحشا ما
هنالك شقاقا ، واختلافا ، ونفاقا ، ثمّ أربع فيه فعشعش ، وباض فيه ففرخ ،
واتخذتموه دليلا تتابعونه ، وقائدا تطاوعونه ، ومؤمرا تستأمرونه ، ألستم أصحابي
بالأهواز؟
حين سعيتم
بالغدر بي ، فاستجمعتم عليّ ، وحيث ظننتم أن الله سيخذل دينه وخلافته ، وأقسم
بالله إنّي لأراكم بطرفي وأنتم تتسلّلون لواذا منهزمين ، سراعا مفترقين ، كلّ امرئ
منكم على عنقه السيف رعبا وجبنا ، ثمّ (يوم الزاوية) وما يوم الزاوية ، بها كان فشلكم ، وبراءة الله منكم ،
وتوليكم على أكتافكم السيوف هاربين ، ونكوص وليكم عنكم ، إذ وليتم كالأبل الشوارد
إلى أوطانها ، لا يسأل الرجل عن بنيه ، ولا يلوي أمروء على أخيه ، حتّى عضتكم
السلاح ، وقصفتكم الرماح ، ويوم (دير الجماجم) بها كانت الملاحم ، والمعارك العظام.
__________________
|
ضربا يزيل
الهام عن مقيله
|
|
ويذهل الخليل
عن خليله
|
فما الّذي
أرجوه منكم يا أهل العراق؟ أم ما الّذي أتوقعه؟ ولماذا أستبقيكم؟ ولأيّ شيء أدخركم؟
للفجرات بعد العداوات؟ أم للنزوة بعد النزوات؟ وما الّذي أراقب بكم؟ وما الّذي
أنتظر فيكم؟ إن بعثتم إلى ثغوركم جبنتم ، وإن أمنتم أو خفتم لما فقتم ، لا تجزون
بحسنة ، ولا تشكرون نعمة .. يا أهل العراق ، هل استنبحكم نابح؟ أو استشلاكم غاو؟
أو استحثّكم ناكث؟ أو استنفركم عاص؟ إلّا بايعتموه وتابعتموه وآويتموه وكفيتموه؟
يا أهل العراق
، هل شغب شاغب ، أو نعب ناعب ، أو دب كاذب ، إلّا كنتم أشياعه وأتباعه؟ ... يا أهل
العراق ، لم تنفعكم التجارب ، وتحفظكم المواعظ ، وتعضكم الوقائع ، هل يقع في
صدوركم ، ما أوقع الله بكم عند مصادر الأمور ومواردها؟
ثم التفت إلى
أهل الشام مخاطبا : (يا أهل الشام ، أنا لكم كالظيلم الرامح عن فراخه ، ينفي عنهم
القذى ، ويكتنفهنّ من المطر ، ويحفظهنّ من الذئاب ، ويحميهن من سائر الدواب ، لا
يخلص اليهن معه قذى ، ولا يقضي اليهن ردى ، ولا يمسهنّ بأذى .. يا أهل الشام ،
أنتم العدة والعدد ، والجنة في الحرب ، إن نحارب حاربتم أو نجانب جانبتم ، وما
أنتم وأهل العراق إلا كما قال نابغة بني جعدة :
|
وإن تداعي
حظهم
|
|
لم ترزقوه
ولم نكذب
|
|
كقول اليهود
: قتلنا المسيح
|
|
ولم يقتلوه
ولم يصلب
|
ولقد خاض
الحجّاج معارك عنيفة ، ودامية ، فقد ذهب إلى مكّة وحاصر فيها عبد الله بن الزبير
لمدّة خمسين ليلة ، ثمّ ضرب الكعبة
__________________
بالمنجنيق ، وقتل عبد الله بن الزبير ، وهو متعلقا بأستار الكعبة.
ثم حارب
الخوارج ، وخاصّة مع شبيب الخارجيّ وزوجته (غزالة) كما حارب عبد الرحمن بن الأشعث
في معركة (يوم الزاوية) فأنهزم جيشه أمام جيش ابن الأشعث ، وقد قتل الحجّاج في يوم
الزاوية أحد عشر ألف خدعهم بإعطائهم الأمان ، ثمّ لمّا جاءوا واستسلموا قتلهم
جميعا.
ثم معركة (دير
الجماجم) الّتي وقعت بينه وبين ابن الأشعث أيضا ، حيث قتل فيها الآلاف ، وقتل فيها
الكثير من العلماء والفقهاء ورواة الحديث.
وقد أقسم
الحجّاج بعد معركة (دير الجماجم) بأن لا يؤتى بأسير إلا قتله بل ويقتله شر قتلة ، وقيل إنّ عدد الّذين قتلهم الحجّاج صبرا قد بلغ مائة
وعشرون ألفا.
ولمّا سمع عبد
الملك بن مروان بقساوة الحجّاج ، في سفك الدماء ، وتبذير الأموال ، كتب إليه
يستنكر ذلك ، وكتب في آخر الكتاب أبياتا نذكر منها :
|
إذا أنت لم
تترك أمورا كرهتها
|
|
وتطلب رضائي
بالذي أنا طالبه
|
|
وتخشى الّذي
يخشاه مثلك هاربا
|
|
إلى الله منه
ضيّع الدّرّ حالبه
|
|
فإن تر منّي
غفلة قرشية
|
|
فيا ربّما قد
غص بالماء شاربه
|
|
وإن تر منّي
وثبة أموية
|
|
فهذا وهذا كل
ذا أنا صاحبه
|
__________________
|
فلا تلمني
والحوادث جمّة
|
|
فإنك مجزيّ
بما أنت كاسبه
|
فأجابه الحجّاج
معتذرا ، وضمن كتابه بأبيات نذكر منها :
|
إذا أنا لم
أتبع رضاك وأتقي
|
|
أذاك فيومي
لا تزول كواكبه
|
|
أسالم من
سالمت من ذي قرابة
|
|
ومن لم
تسالمه فإني محاربه
|
|
إذا قارف
الحجّاج منك خطيئة
|
|
فقامت عليه
في الصباح نوادبه
|
|
فقف بي على
حدّ الرضا لا أجوزه
|
|
متى الدهر
حتّى يرجع الدرّ حالبه
|
|
وإلا فدعني
والأمور فإنني
|
|
شفيق ، رقيق
أهلتّه تجاربه
|
وعند ما جاء
الحجّاج إلى الكوفة سنة (٧٥) للهجرة ، قيل له إنّ بين الكوفة والحيرة (دير هند)
بنت النعمان بن المنذر ، وهي بتمام صحتها وعقلها ، فذهب الحجّاج اليها ، فقيل
لها : هذا الأمير (الحجّاج) على الباب ، فخرجت إليه. فقال لها الحجّاج : (يا هند ،
ما هو أعجب ما رأيت)؟
قالت هند : (خروج
مثلي إلى مثلك ، لا تغترنّ يا حجاج بالدنيا ، فإنا أصبحنا ونحن كما قال النابغة
لأبي :
|
رأيتك من
تعقد له حبل ذمة
|
|
من الناس ،
يأمن سرجه حيثما ارتقى
|
|
ولم نمس إلا
ونحن أذل الناس
|
|
وقلّ إناء
امتلأ إلا انكفأ
|
فخرج الحجّاج
مغضبا ، وأمر بإخراجها من الدير ، وبأخذ الخراج منها ، فأخرجت هند من الدير ،
ومعها ثلاث جواري من أهلها ، فقالت إحداهن :
|
خارجات يسقن
من دير هند
|
|
معلنات بذلة
وهوان
|
__________________
|
ليت شعري
أأوّل الحشر هذا
|
|
أم محا الدهر
غيرة الفتيان
|
فسمعها فتى من
أهل الكوفة ، فأخذته الغيرة والحميّة (والشهامة العربية) فشهر سيفه ، وخلصهن من
جماعة الحجّاج ثمّ هرب.
ولمّا سمع
الحجّاج بذلك قال : (إن أتانا فهو آمن ، وإن ظفرنا به قتلناه). فلمّا سمع الفتى (الكوفي) بالأمان جاء إلى الحجّاج وسلم
نفسه.
فقال له
الحجّاج : ما الّذي دعاك إلى ذلك؟!
فقال الفتى :
إنّها الغيرة أيّها الأمير. فعفى عنه الحجّاج.
وعند ما كان
الحجّاج بالبصرة ، قبض على رجل من الخوارج ، فأمر بصلبه ، وذهب الحجّاج مساء لينظر
إليه ، فرآى رجلا واقفا بقرب المصلوب ، وسمعه يقول : (طال ما ركبت فأعقب) فسأل عنه
الحجّاج فقيل له : إنه شظاظ اللص . فقال الحجّاج : (والله ليعقبك). ثمّ أمر بصلب شظاظ في
مكان المصلوب.
وعند ما خطب
الحجّاج (هند بنت أسماء بن خارجة) أرسل اليها مائة ألف درهم وعشرين صندوقا من
الثياب مع أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ، ثمّ أرسل لها بعد ذلك ثلاثين جارية ، مع
كلّ جارية صندوق ثياب.
وبعد أن تزوجها
، بنى لها قصرا في مدينة (واسط) يسمى (قصر
__________________
الحجّاج) فسألها ذات يوم : (هل رأيت أحسن من هذا القصر؟). فقالت : إنه قصر
جميل. فقال لها الحجّاج : أصدقيني.
قالت هند : إذا
كنت تريد الحقيقة ، فو الله ما رأيت أحسن من القصر الأحمر.
وعند ما سمع
العراقيون بوفاة محمّد بن الحجّاج وأخيه محمّد بن يوسف ، فرحوا كثيرا وقالوا :
انكسر ظهر الحجّاج وكسرت جناحاه ، فخطب الحجّاج بالناس فقال : (يا أيّها الناس ،
محمّدان في يوم واحد ، أما والله لقد كنت أحبّ أنّهما معي في الدنيا مع ما أرجوه
لهما من ثواب الآخرة ، وأيم الله ليوشكنّ الباقي منّا ومنكم أن يفنى ، والجديد
منّا ومنكم أن يبلى ... الخ).
وجزع الحجّاج
على ابنه (محمّد) جزعا شديدا ، وقال : إذا غسلتموه وكفنتموه فأعلموني ، ولمّا
انتهوا من تغسيله وتكفينه ، نظر الحجّاج إلى ولده وقال :
|
الآن لما كنت
أكمل من مشى
|
|
وأفتر نابك
عن شباة القارح
|
|
وتكاملت فيك
المروءة كلّها
|
|
وأعنت ذلك
بالفعال الصالح
|
ثم جلس الحجّاج
للتعزية ، فدخل الناس عليه يعزّونه ، ومعهم الفرزدق ، فنظر إليه الحجّاج وقال : يا
فرزدق ، أما رثيت محمّدا ومحمّدا؟
قال الفرزدق :
نعم أيّها الأمير ، وأنشد يقول :
__________________
|
إنّ الرزّية
لا رزية مثلها
|
|
فقدان مثل
محمّد ومحمّد
|
|
ملكان قد خلت
المنابر منهما
|
|
أخذ الحمام
عليهما بالمرصد
|
فقال الحجّاج :
لو زدتني يا فرزدق ، فقال الفرزدق :
|
إنّي لباك
على ابني يوسف جزعا
|
|
ومثل فقدهما
للدّين يبكيني
|
|
ما سدّ حي
ولا ميّت مسدهما
|
|
إلّا الخلائق
من بعد النبيين
|
فقال الحجّاج :
ما فعلت شيئا ، إنّما زدت في حزني ، فقال الفرزدق :
|
لئن جزع
الحجّاج ما من مصيبة
|
|
تكون لمحزون
أمض وأوجعا
|
|
من المصطفى
والمصطفى من خيارهم
|
|
جناحيه لمّا
فارقاه فودّعا
|
|
أخ كان أغنى
أيمن الأرض كله
|
|
وأغنى ابنه
أهل العراقين أجمعا
|
|
جناحا عقاب
فارقاه كلاهما
|
|
ولو نزعا من
غيره لتضعضعا
|
فقال الحجّاج :
الآن أرحتني.
وكان الحجّاج
يتعصب للقومية العربيّة ، حتّى أنّه أمر بأن لا يدخل الكوفة إلّا عربيّ ، كما أنه
أمر بإخراج (النبط) من مدينة واسط عند ما نزل فيها ، ويقال إنّ الحجّاج قد جعل (وسما)
على أيدي النبط ، وفي ذلك قال الشاعر :
|
لو كان حيّا
له الحجّاج ما سلمت
|
|
صحيحة يده من
وسم حجّاج
|
ولكل بداية ،
لابدّ من نهاية ، والإنسان مهما طال به العمر ، فلا بد أن يموت ، والموت كما
يقولون : (قاهر الرجال) فقد مرض الحجّاج ، وشعر بقرب أجله ، وأيقن أنّ الموت لابدّ
منه فقال : أسندوني ، وأذن للناس فدخلوا عليه ، فذكر الموت وكربه ، واللحد ووحشته
، والدنيا وزوالها ، والآخرة
__________________
وأهوالها ، وكثرة ذنوبه ، ثمّ قال :
|
إنّ ذنبي وزن
السماوات والأر
|
|
ض وظنّي
بخالقي أن يحابي
|
|
فلئن منّ
بالرضا فهو ظنّي
|
|
ولئن مرّ
بالكتاب عذابي
|
|
لم يكن ذاك
منه ظلما وهل يظ
|
|
لم ربّ يرجى
لحسن المآب
|
ثمّ بكى ، وبكى
جلساؤه ، ثمّ أمر كاتبه أن يكتب إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان : (أما بعد ،
فقد كنت أرعى غنمك ، أحوطها حياطة الناصح الشفيق برعية مولاه ، فجاء الأسد فبطش
بالراعي ، ومزّق المرعي كلّ ممزّق ، وقد نزل بمولاك ما نزل بأيوب الصابر ، وأرجو
أن يكون الجبّار ، أراد بعبده غفرانا لخطاياه ، وتكفيرا لما حمل من ذنوبه). ثمّ
كتب في آخر الرسالة :
|
إذا ما لاقيت
الله عنّي راضيا
|
|
فإنّ شفاء
النفس فيما هنالك
|
|
فحسبي بقاء
الله من كلّ ميّت
|
|
وحسبي حياة
الله من كلّ هالك
|
|
لقد ذاق هذا
الموت من كان قبلنا
|
|
ونحن نذوق
الموت من بعد ذلك
|
مات الحجّاج بن
يوسف الثقفيّ في السابع والعشرين من شهر رمضان من سنة (٩٥) للهجرة في مدينة واسط ، وله من العمر (٥٣) سنة أو (٥٤)
أو (٥٥) وأجري الماء على قبره فاندرس.
وقد استخلف الحجّاج
على إمارة الكوفة (قبل وفاته) ابنه عبد الرحمن وقيل عبد الله ، وقيل يزيد بن أبي
كبشة على الصلاة ، ويزيد بن أبي
__________________
مسلم على الخراج.
واليك أيّها
القارئ الكريم بعض ما قيل في الحجّاج بن يوسف الثقفيّ :
١ ـ كان
الحجّاج : سفّاكا ، سفاها باتّفاق معظم المؤرخين.
٢ ـ وكان
الحجّاج يعترف ويقول : (بأنّ أكبر لذاته سفك الدماء).
٣ ـ وكان الحسن
البصريّ (فقيه عصره) يسمي الحجّاج : (فاسق ثقيف).
٤ ـ إنّه أمر
بأحد الأسرى ، فشدّ في القصب الفارسيّ ، ثمّ سلّ عنه حتّى شرّح جسمه ، ثمّ صبّ
عليه الخلّ والملح حتّى مات.
٥ ـ وكان
الحجّاج في القتل وسفك الدماء ، والعقوبات غرائب لم يسمع بمثلها.
٦ ـ وكان عدوّ
الله (الحجّاج) يتزيّن بزيّ المومسة ، ويصعد المنبر فيتكلم بكلام الأخيار ، وإذا
نزل عمل عمل الفراعنة ، وكان في حديثه أكذب من الدجّال وكان يقيد الجماعة في
المسجونين في قيد واحد ، وفي مكان ضيّق ، لا يجد الرجل إلا مكان مجلسه ، وفيه
يأكلون ، وفيه يتغوّطون ، وفيه يصلون.
٧ ـ وكتب
الحجّاج لعبد الملك بن مروان : (إن أردت أن يثبت ملكك فاقتل عليّ بن الحسين (زين
العابدين) بن عليّ بن أبي طالب ، فكتب إليه عبد الملك : (أما بعد .. فجنبني دماء
بني هاشم ، واحقنها ، فإنّي رأيت آل أبي
__________________
سفيان ، لما أو هو فيها لم يلبثوا إلى أن أزال الله الملك عنهم).
٨ ـ قتل الكثير
من القرّاء (حفظة القرآن) والفقهاء في معركتي (يوم الزاوية والجماجم).
٩ ـ وقال عمر
بن عبد العزيز العادل : لو جاءت كلّ أمّة بخبيثها ، وجئنا بالحجّاج لغلبناهم.
١٠ ـ وبعث عمر
بن عبد العزيز بأهل (بيت الحجّاج) إلى الحارث بن عمر الطائي (الأمير على البلقاء)
وكتب إليه : (أما بعد .. فقد بعثت اليك بآل أبي عقيل وبئس والله أهل البيت في دين
الله ، وهلاك المسلمين ، فأنزلهم بقدر هوانهم على الله وعلى أمير المؤمنين).
وبعد هذا ،
وغير هذا كثير ، وكثير جدا ، فقد قال فيه (أحدهم) : (بأنّ الحجّاج رجل الدولة
المفترى عليه). وأنا أسأل هذا (الشخص) : هل عندك عرق ينبض بالإنسانيّة؟ أم إنّك
شبيه بالحجّاج؟! وقد قيل : (شبيه الشيء منجذب إليه).
٣٠ ـ عروة بن المغيرة
بن شعبة :
استخلفه
الحجّاج بن يوسف الثقفيّ على إمارة الكوفة سنة (٧٥) للهجرة وذلك عند ما ذهب
الحجّاج إلى البصرة ليحثّهم على قتال الأزارقة.
ثم عزله وولّى
مكانه حوشب بن يزيد الشيبانيّ.
__________________
٣١ ـ حوشب بن يزيد
الشيبانيّ
هو : حوشب بن
يزيد بن الحارث بن رويم الشيبانيّ ، ولّاه الحجّاج ابن يوسف الثقفيّ إمارة الكوفة سنة (٧٥)
للهجرة ، وذلك بعد عزل عروة ابن المغيرة بن شعبة ، ثمّ عزله وولّى مكانه
البراء بن قبيصة. ثمّ أعيد تعيينه مرّة ثانية من قبل الحكم بن الصلت (خليفة يوسف
بن عمر) على الكوفة.
ويزيد (أبو
حوشب) من القادة الأمراء ، شاعر وأديب ، أدرك عصر النبوة ، وأسلم على يد الإمام
عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وشهد حرب اليمامة وقال فيها :
|
تدور رحانا
حول راية عامر
|
|
يراقبنا
بالأبطح المتلاحق
|
|
يلوذ بنار كنار
معد ويبقى
|
|
بنا غمرات
الموت أهل المشارق
|
وعند ما مرض
يزيد (أبو حوشب) ذهب الإمام عليهالسلام إلى الحارث بن رويم (جدّ حوشب) وقال له : (عندي جارية
لطيفة الخدمة ، أبعث بها اليك).
فسماها يزيد (لطيفة).
وقال ابن حوشب
لبلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ، يعيّره بأمّه : (يا ابن حوراء). فأجابه
بلال : (إنّ الأمّ تسمى حوراء وجيداء ولطيفة).
وعند ما جاء
عبيد الله بن الحرّ إلى الكوفة سنة (٦٨) للهجرة لغرض الاستيلاء عليها ، فحاربه
مصعب بن الزبير ، فانهزم ابن الحرّ وذهب إلى
__________________
المدائن. فكتب مصعب إلى يزيد بن الحارث بن رويم (أمير المدائن) يأمره
بمحاربة ابن الحرّ ، فأرسل يزيد ابنه (حوشب) فتلاقى الجيشان في (باجسرا). فدارت بينهما معركة ضارية انهزم فيها حوشب ، ثمّ جاء
ابن الحرّ ودخل المدائن وتحصّن فيها ، ثمّ أخذ يغير على السواد ويجبي الخراج ، وفي
ذلك قال ابن الحرّ :
|
سلوا ابن
رويم عن جلادي وموقفي
|
|
بإيوان كسرى
لا أليهم ظهري
|
|
أكرّ عليهم
معلما وتراهم
|
|
كمفرى تحنّى
خشية الذئب بالصخر
|
|
وبيتهم في
حصن كسرى بن هرمز
|
|
بمشحوذة بيض
وخطيّة سمر
|
|
فأجزيتهم
طعنا وضربا تراهم
|
|
يلوذون فيا
موهنا بذرى القصر
|
|
يلوذون منّي
رهبة ومخافة
|
|
لواذا كما
لاذ الحمائم من صقر
|
وعند ما استولى
الخوارج على ما بين الأهواز وأصفهان سنة (٦٨) للهجرة ، فأخذوا يقتلون وينهبون ،
ثمّ ذهبوا إلى الريّ وكان أميرها حينذاك يزيد ابن رويم ، فقاتلهم يزيد ابن
رويم قتالا شديدا ، ولمّا رأى كثرتهم ، وأنّه لا قدرة له على قتالهم ، دخل المدينة
واعتصم بها ، ثمّ جاء الخوارج فحاصروه ، فلمّا طال عليه الحصار ، خرج وقاتلهم ومعه
ابنه (حوشب) وأثناء المعركة ترك (حوشب) أباه يقاتل لوحده وهرب ، ثمّ انقلب أهل
الريّ ، وانظموا إلى الخوارج فقتل يزيد بن رويم وقتلت معه زوجته (لطيفة) ، فقال
الشاعر في حوشب :
|
مواقفنا في
كلّ يوم كريهة
|
|
أسر وأشفى من
مواقف حوشب
|
__________________
|
دعاه يزيد
والرماح شوارع
|
|
فلم يستجب بل
راغ روغة ثعلب
|
|
فلو كان شهم
النفس أو ذا حفيضة
|
|
رآى ما رأى
عيسى بن
مصعب
|
وقال شاعر آخر
:
|
نجّى حشاشته
وأسلم شيخه
|
|
لمّا رأى وقع
الأسنة حوشب
|
وكان حوشب
جالسا عند الحجّاج بن يوسف الثقفيّ فقال له : إنّ قيس بن عباد ترأبي المذهب ، كثير الفتن ، ولم تكن فتنة في العراق إلّا
وكان قيس صاحبها كما وكان مع عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث في كافة حروبه ، وعند
ما قتل ابن الأشعث كان قيس قد اعتزل في داره فأرسل إليه الحجّاج شرطته فقبضوا عليه
وقتله.
وكان أيوب بن
الفرية من الّذين اشتركوا في معركة (دير الجماجم) مع عبد الرحمن بن محمّد بن
الأشعث في حربه مع الحجّاج ، وكان أيوب هذا يحضر في مجلس حوشب بن يزيد (أمير
الكوفة) ، فقال حوشب لمن حوله : انظروا إلى هذا الواقف معي ، وغدا أو بعد غد ،
يأتي كتاب الأمير ، لا أستطيع إلا نفاذه.
وبينما كان ابن
الفرية ذات يوم عند حوشب إذا جاءه كتاب من الحجّاج يقول فيه : (أما بعد ، فإنك قد
صرت كهفا لمنافقي أهل العراق ، ومأوى لهم ، فإذا نظرت في كتابي هذا ، فابعث إليّ
بابن الفرية ، مشدودة يده
__________________
إلى عنقه). عندها أرسله (حوشب) إلى الحجّاج فقتله وذلك سنة (٨٤)
للهجرة.
وكان (خراش) بن
حوشب بن يزيد الشيبانيّ ، رئيس شرطة يوسف ابن عمر في الكوفة سنة (١٢٢) للهجرة ،
وهو الّذي نبش قبر زيد بن عليّ ابن الحسين بن عليّ بن أبي طالب وصلبه (بالكناسة) عاريا ، فقال فيه السيد الحميريّ :
|
بت ليلي
مسهدا
|
|
ساهر الطرف
مقصدا
|
|
ولقد قلت
قولة
|
|
وأطلت
التبلدا
|
|
لعن الله
حوشبا
|
|
وخراشا ومزيدا
|
|
ويزيدا فإنه
|
|
كان أعتى
وأعتدا
|
|
ألف ألف وألف
أل
|
|
ف من اللعن
سرمدا
|
|
إنّهم حاربوا
الإل
|
|
ه وآذوا
محمّدا
|
|
شركوا في دم
|
|
الطهر زيدا
تعندا
|
|
ثمّ عالوه
فوق جذ
|
|
ع صريعا
مجردا
|
|
يا خراش بن
حوشب
|
|
أنت أشقى
الورى غدا
|
وكان عبد الله
بن الزبير ، قد أرسل عبد الرحمن بن عتبة بن أياس أميرا على مصر (وذلك بعد عزل
أميرها السابق سعيد بن يزيد بن علقمة الفهريّ) وذهب معه كثير من الخوارج الّذين
كانوا مع عبد الله بن الزبير في مكّة من أهل مصر وغيرها وكان فيهم حوشب بن يزيد
الشيبانيّ.
__________________
وكان (الكميت ) قد مدح الحكم بن الصلت خليفة يوسف بن عمر على إمارة
الكوفة ، بقصيدة مطلعها منها :
طربت وهاجك الشوق الحثيث
فأمر له الحكم
بجائزة ، وفي أثناء ذلك جيء بأبان بن الوليد مقيدا بالحديد فطالبه الحكم بن الصلت بأموال
ادّعى بأنّها مستحقة عليه ، فقال الكميت للحكم : خذ جائزتي عوضا عن دين (إبان).
فقال إبان للكميت : يا أبا المستهل : ما حلّ عليّ دين بعد. فقال الكميت للحكم :
أبي تسخر!! أصلح الله الأمير؟! فقال حوشب بن يزيد الشيبانيّ (وكان جالسا في المجلس)
: (أصلح الله الأمير أتشفّع حمار بني أسد في عبد بجيلة)؟
فرد عليه
الكميت قائلا : (فو الله ما فررنا عن آبائنا حتّى قتلوا ، ولا نكحنا حلائل آبائنا
بعد أن ماتوا) . فسكت حوشب خجلا.
وقيل إنّ
السليك بن السلكة ، خرج يوما للغزو ، فرآى بيتا كبيرا ، فقال لأصحابه : انتظروني
في مكان كذا ، عسى أن أجد في ذلك البيت ما ينفعنا ، فذهب إليه فإذا هو بيت يزيد بن
رويم الشيبانيّ ، فدخل البيت من خلفه ، وفي هذه الأثناء جاء ابن ليزيد ليلا ومعه
إبله ، فغضب يزيد وقال لأبنه : (هلّا عشيتها)؟ فقال له ابنه : إنّها رفضت العشاء.
فقال يزيد : (العاشية تهيج الآبية) . ثمّ أخذ يزيد الإبل وعاد بها إلى مرعاها ، فأخذت الإبل
__________________
تأكل من مرعاها ، وجلس هو يتناول عشائه معها. فتبعه السليك ، فضربه بالسيف
من خلفه فقتله ، ثمّ أخذ الإبل ورجع إلى أصحابه وقد كادوا ييأسون منه فقال :
|
وعاشية رح
بطان ذعرتها
|
|
بضرب قتيل
وسطها يتسيف
|
|
كأنّ عليه
لون ورد محبّر
|
|
إذا ما أتاه
صارخ متلهف
|
|
فبات لها أهل
خلاء فناؤهم
|
|
ومرّت بهم
طيرا فلم يتعيفوا
|
وجاء الأخطل
إلى الكوفة ، فذهب إلى حوشب بن رويم الشيبانيّ ، وقال له : (إنّي تحملت ديتين
لأحقن بهما دماء قومي) ، فزجره حوشب (طرده) ، فذهب بعد ذلك إلى (سبّار بن البزيعة)
فاعتذر إليه سبّار ، ثمّ ذهب أخيرا إلى (عكرمة الفياض) (وكان كاتبا لبشر بن مروان)
فسأله وأخبره بما قال حوشب وسبّار ، فقال عكرمة : (أما أنا فلا أنهرك ، ولا أعتذر
اليك ، ولكنّي أعطيك إحداهما عينا والأخرى عرضا) ، فقال الأخطل قصيدة طويلة نقتطف
منها الأبيات الآتية :
|
والناس همهم
الحياة وما أرى
|
|
طول الحياة
يزيد خير خبال
|
|
وإذا افتقرت
إلى الذخائر ، لم تجد
|
|
ذخرا يكون
كصالح الأعمال
|
|
ومنها : ابن
ربعيّ كفاني
سيبه
|
|
ضغن العدو
بونوة البخّال
|
|
أغليت حين
تواكلتني وائل
|
|
إنّ المكارم
عند ذلك غوالي
|
|
ولقد شفيت
غليلي من معشر
|
|
نزلوا بعقوة
حية قتّال
|
__________________
وكتب عمر بن
عبد العزيز إلى عديّ بن أرطأة : (سلام عليك ، أما بعد ، فإياك (وبلالا) بلال السوء ، (وعيينة بن أسماء) و (حوشب بن يزيد) فإنّهم من بقايا السوء ، فلا تستعن بهم على شيء من عملك ،
والسلام عليك).
٣٢ ـ البراء بن أبي
قبيصة الثقفيّ :
استخلفه
الحجّاج بن يوسف الثقفيّ أميرا على الكوفة وذلك بعد عزل حوشب بن رويم الشيبانيّ ،
ثمّ عزله واستخلف على الكوفة عبد الرحمن بن عبد الله بن عامر الخصرميّ.
وعند ما كان
البراء بن أبي قبيصة أميرا على أصبهان سنة (٧٧) للهجرة ، كتب إلى الحجّاج يخبره
بثورة مطرف بن المغيرة بن شعبة ، فأرسل إليه الحجّاج الإمدادات ، وطلب من عديّ بن
زياد الأمير على (الريّ) أن يذهب مع البراء بن أبي قبيصة ومحاربة مطرف بن المغيرة
، وعند ما التقا الجيشان حدثت معركة بين الطرفين انتهت بمقتل مطرف بن المغيرة ،
وقتل أكثر جماعته ، وانهزم الباقون ، ثمّ أرسل برأس مطرف إلى الحجّاج.
وكان الحجّاج
بن يوسف الثقفيّ ، قد بعث البراء بن أبي قبيصة إلى المهلّب بن أبي صفرة ، يستحثّه على محاربة الخوارج ، وكتب إلى
الحجّاج
__________________
يقول : (وإنّك لتحبّ بقائهم ، لتأكل بهم) . وقيل إنّه كتب إليه يقول : (أما بعد ، فإنّك والله لو
شئت فيما أرى ، لقد اصطلحت هذه الخارجة المارقة ، ولكنّك تحبّ طول بقائهم ، لتأكل
الأرض حولك ، ولقد بعثت اليك البراء بن أبي قبيصة لينهضك اليهم ، فانهض اليهم ،
إذا قدم عليك بجميع المسلمين ، ثمّ جاهدهم أشدّ الجهاد ، وإيّاك والحيل والأباطيل
والأمور الّتي ليست عندي بساغة ولا جائزة ، والسلام).
ولمّا وصل
البراء إلى المهلّب وشاهد بعينه الحملات الّتي يشنّها المهلّب مع أبنائه على
الخوارج في القتال ، قال للمهلب : (رأيت قوما والله ما يعينك عليهم إلّا الله).
ثم أعطى
المهلّب للبراء عشرة آلاف درهم ، وحمّله وكساه ، ورجع البراء إلى الحجّاج ومعه كتاب
المهلّب ردا على كتاب الحجّاج ، ويستشهد فيه بما رآه البراء بن أبي قبيصة في حربه
مع الخوارج جاء فيه : (إنّي منتظر بهم إحدى ثلاث : موت ذريع ، أو جوع مضر ، أو
اختلاف في أهوائهم).
وفي سنة (٨٢)
للهجرة وعند ما وقعت معركة (يوم الزاوية) بين الحجّاج وبين عبد الرحمن ابن الأشعث
، استبسل فيها العراقيون حتّى انهزمت جيوش الحجّاج وانهزمت زعماء قريش وثقيف ،
وكان فيهم البراء
__________________
ابن أبي قبيصة ، فقال عبيد بن موهب (كاتب الحجّاج):
|
فرّ البراء
وابن عمّه مصعب
|
|
وفرّت قريش
غير آل سعيد
|
٣٣ ـ شبيب الخارجيّ :
هو : شبيب بن
يزيد بن نعيم بن قيس بن عمرو بن الصلت ، الشيبانيّ ، الخارجيّ ، وكنيته : أبو
الضحّاك.
دخل شبيب
الشيبانيّ إلى الكوفة يوم الثلاثاء في السابع والعشرين من شهر جمادي الآخرة من سنة
(٧٦) للهجرة.
وشبيب ، هو
رئيس الخوارج في الجزيرة ، وبطل من أبطال العالم ، وأشدّ الثائرين على بني أميّة ، وكان داهية ، طمّاحا إلى السيادة. ثار بالموصل سنة (٧٦)
للهجرة وقتل صالح بن مسرح ، فبايعه (١٢٠) شخصا فقويت معنويته ، ثمّ خرج من الموصل
قاصدا الكوفة ، فأرسل إليه الحجّاج ابن يوسف الثقفيّ خمسة من خيرة قادته ، على
فترات متعدّدة ، فقتلهم شبيب تباعا واحدا بعد الآخر ، ثمّ جاء الحجّاج من البصرة
إلى الكوفة ، فدخلها قبل مجيء شبيب ، ودخل قصر الإمارة وتحصّن فيه ، كان ذلك سنة (٧٧)
للهجرة.
ثمّ موصل شبيب
وأمّه (جهيرة) وزوجته (غزالة) إلى الكوفة صباحا ، فوجدوا باب القصر مغلقا ، فقتل
الحرس ، واقترب من الباب وأراد فتحه
__________________
فلم يتمكّن ، فضرب شبيب الباب بعمود كان في يده فثقبه وقيل بقي ذلك الثقب إلى أن خرّب قصر الإمارة.
وكانت (غزالة)
زوجة شبيب ، قد نذرت بأنّها إذا دخلت الكوفة فسوف تصلي في المسجد ركعتين ، تقرأ في
كلّ ركعة سورة البقرة وآل عمران ، فجاءت غزالة ومعها سبعين فارسا ودخلت المسجد ،
فصلت فيه الغداة ، ووفّت نذرها ، فقال أهل الكوفة في تلك السنة :
|
وفّت الغزالة
نذرها
|
|
يا ربّ لا
تغفر لها
|
وكانت غزالة
هذه ، فارسة ، شجاعة ، هرب الحجّاج بن يوسف الثقفيّ منها في بعض حروبه مع شبيب ،
فعيّره الناس في ذلك ، فقال حطان بن عمران السدوسي :
|
أسد عليّ وفي
الحروب نعّامة
|
|
فتخاء تنفر
من صفير الصافر
|
|
هلّا برزت
إلى غزالة في الوغى
|
|
بل كان قلبك
في جناحي طائر؟
|
وكانت أمّه (جهيرة)
بطلة شجاعة ، تحارب مع المحاربين.
ولمّا عجز
الحجّاج عن محاربة شبيب الخارجيّ ، كتب إلى عبد الملك بن مروان ، يطلب منه
المساعدة قائلا : (الغوث ، الغوث ، فإن شبيب بن يزيد ، قد هتك الحريم وأيتم
الأولاد ، وأرمل الأزواج).
فأرسل إليه عبد
الملك ألف رجل من أهل الشام ، ثمّ جاء الحجّاج ، ومعه أربعة آلاف مقاتل من أهل
الشام ، فدارت معركة عنيفة في وسط
__________________
السوق ، وحملت غزالة ومن معها من النساء ، وبقي القتال مستمرا إلى اللّيل ،
فانهزم الحجّاج ، وتحصن بقصر الإمارة ، وقتلت في تلك المعركة (غزالة) وكذلك (جهيرة) وقتل أيضا (مصاد) أخو شبيب. وعند اللّيل
هرب شبيب إلى (الأنبار) فتبعه أصحاب الحجّاج إلى هناك ، فهرب شبيب إلى كرمان ،
فلاحقته جيوش الحجّاج ، وعند ما أراد شبيب أن يعبر جسر نهر (دجيل) سقط مع فرسه في الماء ، فقال له بعض أصحابه : (أغرقا يا
أمير المؤمنين)؟
فقال شبيب : (ذلك
تقدير العزيز العليم) ، ثمّ غرق شبيب في الماء ، وذلك لثقل الحديد (من درع وغيره)
ثمّ أخرج من الماء (ميتا) وأرسل إلى الحجّاج فأمر الحجّاج بشق بطنه واستخراج قلبه.
مات شبيب
الخارجيّ (غرقا) سنة (٧٧) للهجرة وقيل سنة (٧٨) للهجرة. وقال أحد الأسرى عند ما جيء به إلى الحجّاج :
|
أبرء إلى
الله من عمرو ومن شيعته
|
|
ومن عليّ ومن
أصحاب صفّين
|
|
ومن معاوية
الغاوي وشيعته
|
|
لا بارك الله
في القوم الميامين
|
وقيل عند ما
هرب الحجّاج من شبيب الخارجيّ ، وتحصّن في قصر الإمارة ، جاء شبيب ووقف على باب
القصر ونادى : (يا عدوّ الله ، يا ابن أبي زعال ، يا أخا ثمود ، أخرج الينا). وكان
الحجّاج يسمعه ، ويقول لأصحابه : (لا تكلّموهم ، فلعلّ الله أن يكفينا أمرهم).
فسمعه رجل من الخوارج
__________________
فقال :
|
لعمري لقد
نادى شبيب وصحبه
|
|
على الباب لو
أنّ الأمير يجيب
|
|
فأبلغ أمير
المؤمنين نصيحة
|
|
وذو النصح لو
يصغي إليه قريب
|
|
أتذكر إذ
دارت عليك رماحنا
|
|
يمكنّ
والكلبيّ ثمّ غريب
|
|
فلا صلح ما
دامت منابر أرضنا
|
|
يقوم عليها
من ثقيف خطيب
|
|
فإنّك إن لم
ترض بكر بن وائل
|
|
يكن لك يوم
بالعراق عصيب
|
|
فلا خير إن
كانت قريش عداتنا
|
|
يصيبون منّا
مرّة ونصيب
|
|
فإن يك منكم
كان مروان وابنه
|
|
وعمرو ومنكم
هاشم وحبيب
|
|
فمنّا سويد
والبطين وقعنب
|
|
ومنّا أمير
المؤمنين شبيب
|
|
ومنّا سنان
الموت وابن عويمر
|
|
ومرّة فانظر
أين ذاك يغيب
|
وكان تعداد جيش
الحجّاج حوالي خمسين ألف مقاتل ، وكان عدد جيش شبيب ألف فارس.
٣٤ ـ عتاب بن ورقاء
الشيبانيّ :
وعتاب بن ورقاء
هو : من بني رياح ، يربوعي ، تميمي ، من أهل الكوفة ، وكنيته : أبو ورقاء.
استخلفه
الحجّاج بن يوسف الثقفيّ على إمارة الكوفة سنة (٧٧) للهجرة ، وأمره أن يذهب إلى
محاربة شبيب الخارجيّ ، وقيل أرسله
__________________
لمحاربة شبيب سنة (٧٦) للهجرة.
وكان عتاب بن
ورقاء أميرا على أصبهان سنة (٦٥) للهجرة في خلافة عبد الله بن الزبير ، وقيل إنّ
الّذي ولّاه أصبهان هو مصعب بن الزبير (أخو عبد الله بن الزبير) وتولّى عتاب أيضا
إمارة المدائن.
وعند ما كان
عتاب أميرا على أصبهان ، جاء الخوارج اليها فحاصروها ، فأخذ عتاب يقاتلهم على باب
المدينة ، ويرمون الخوارج بالنبال والحجارة من خلف السور ، وكان مع عتاب رجل من
حضرموت يقال له (أبو هريرة) فكان هذا يحمل على الخوارج ويقول :
|
كيف ترون يا
كلّاب النار
|
|
شدّ أبي
هريرة الهرار
|
|
يهرّكم
بالليل والنهار
|
|
يا أبن أبي
الماحوز والأشرار
|
|
كيف
ترى حربي على المضمار
|
ولمّا طال
الحصار على عتاب بن ورقاء ، خطب في أصحابه قائلا : (أيّها الناس ، قد نزل بكم من
الجهد ما ترون ، وما بقي إلّا أن يموت أحدكم على فراشه ، فيدفنه أخوه إن استطاع ،
ثمّ يموت هو فلا يجد من يدفنه ، ولا يصلي عليه ، والله ما أنتم بقليل ، وإنّكم
الفرسان ، فاخرجوا بنا إلى هؤلاء ، وبكم قوّة وحياة).
ثمّ أنّ
الخوارج بعد أن قتل ابن ماحوز أو (ماجور) جعلوا عليهم (قطري بن الفجاءه) أميرا.
__________________
وكان أعشى همدان
، متفرّغا ومنقطعا إلى عتاب بن ورقاء ، وكان ينادمه ، فقال عتاب لأعشى
همدان ذات يوم : (يا أبا المصبّح ، لئن أصبت إمرة (إمارة) إنّها خاصّة لك ، خاتمي
في يدك تقضي في أمور الناس).
وعند ما تولّى
عتاب إمارة أصبهان ، ذهب إليه الأعشى ، وذكّره بما قال فتنكّره عتاب ، ولم يهتم
ويعتني به ، فقال الأعشى :
|
تمنيني
إمارتهم تميم
|
|
وما أمّي
بأمّ بني تميم
|
|
وكان أبو
سليمان خليلي
|
|
ولكن الشرّاك
من الأديم
|
|
أتينا أصبهان
فأهزلتنا
|
|
وكنّا قبل
ذلك في نعيم
|
|
أتذكر يا
خويلد إذ غزونا
|
|
وأنت على
بغيلك ذي الوشوم؟
|
|
ويركب رأسه
في كلّ وعث
|
|
ويعثر في
الطريق المستقيم
|
|
وليس عليك
إلا طيلسان
|
|
نصيبيّ وإلا
سحق نيم
|
وخطب عتاب بن
ورقاء ذات يوم فقال : (هذا كما قال الله تبارك وتعالى : (إنّما يتفاضل الناس
بأعمالهم ، وكل ما هو آت آت). فقال له الجالسون : إنّ هذا ليس من كتاب الله. قال
عتاب : ما ظننت إلّا أنّه من كتاب الله).
وخطب أيضا ذات
مرة ، وحثّ الناس على الجهاد ، فقال : (هذا كما قال الله تعالى في كتابه العزيز :
|
كتب القتل
والقتال علينا
|
|
وعلى
الغانيات جرّ الذيول
|
__________________
وكان سليم بن
سعد بن جابر أميرا على بعض الولايات قبل مجيء الحجّاج ، وكان سليم كثير الضيافة
والأجارة ، فلمّا جاء الحجّاج إلى العراق حاسبه وطلب منه أموالا
كثيرة عجز سليم عن تسديدها ، فباعه الحجّاج فاشتراه عتاب بن ورقاء بسبعين ألف ،
ثمّ أطلق سراحه.
وعند ما جاء
شبيب الخارجيّ إلى الكوفة لمحاربة الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، فأرسل إليه الحجّاج
جيشا من أهل الكوفة قوامه خمسين ألف مقاتل بقيادة عتاب بن ورقاء (أمير الكوفة)
وعند ما التقى الجيشان ، قال عتاب : (هذا يوم كثر فيه العدد ، وقلّ فيه الغناء ،
وآلهفي على خمسمائة من رجال تميم).
ثم دارت معركة
بين الطرفين قتل فيها عتاب بن ورقاء ، (بعد أن تفرقت عنه رجال أهل الكوفة) ثمّ
داسوه بالخيل ، وانهزم جيش عتاب عن بكرة أبيه ، راجعين إلى الكوفة ، فاستولى شبيب
الخارجيّ على كلّ ما كان في المعسكر من أموال وعتاد ومؤونة ، وكان تعداد جيش شبيب الخارجيّ حوالي ستمائة رجل . وسميت تلك المعركة بإسم (معركة عتاب).
وقيل لما قتل
عتاب ، جاء شبيب الخارجيّ ، فشاهده صريعا ، تألّم له وتأثّر عليه فقال له أحد
الخوارج : يا أمير المؤمنين ، أتتوجّع لكافر!؟ ثمّ دعا
__________________
شبيب بإيقاف القتال ، وهرب من الكوفة ليلا.
٣٥ ـ المغيرة بن عبد
الله بن أبي عقيل الثقفيّ :
وكنيته : أبو
عبد الله ، ويلقب بأبي صفيّة.
بعد انتهاء
الحجّاج بن يوسف الثقفيّ من حروبه مع شبيب الخارجيّ وقتله في أواخر سنة (٧٧)
للهجرة ، عاد الحجّاج إلى البصرة ، فاستخلف على الكوفة المغيرة بن عبد الله بن أبي
عقيل في أوائل سنة (٧٨) للهجرة ، وقيل إنّ الحجّاج استخلف على الكوفة في هذه السنة
عبد الرحمن الخصرميّ ، ثمّ عزله وجعل مكانه المغيرة بن عبد الله. وفي سنة (٨٦) للهجرة ، كان المغيرة بن عبد الله على
صلاة الكوفة وعلى الحرب بها كان زياد بن جرير بن عبد الله البجليّ.
كما أنّ يوسف
بن عمر (أمير الكوفة) قد استخلف المغيرة بن عبد الله على إمارة الكوفة سنة (١٢٦)
للهجرة ، غير أنّ المغيرة لم يبق في إمارته تلك سوى أسبوعا واحدا ، حيث هرب يوسف
بن عمر من الكوفة عند سماعه بمقتل الخليفة الوليد بن يزيد.
وممّا يحكى عن
المغيرة بن عبد الله ، أنه كان شديد البخل ، فمن بخله أنه إذا جيء إليه بالطعام
وعليه (الجدي) فلا يمسّه هو ولا أيّ أحد ممن حضر مائدته. وذات يوم ،
حضر مائدته أعرابيّ فمدّ يده وأخذ يسرع
__________________
بتناول الطعام ، فقال له المغيرة : (يا أعرابيّ إنّك لتأكل الجدي بغضب
وعصبية كأنّ أمّه نطحتك!!) فقال الأعرابي : (أصلحك الله أيّها الأمير ، وأنت تشفق
عليه كأنّ أمّه أرضعتك). ثمّ أخذ الأعرابي بيضة كانت بين يديه فقال : (خذها فإنّها
بيضة الصقر) ثمّ خرج الأعرابي ولم يحضر مائدة المغيرة بعد ذلك.
٣٦ ـ عبد الرحمن
الخصرميّ :
هو : عبد
الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عامر الخصرميّ ، حليف بني أميّة.
استحلفه
الحجّاج بن يوسف الثقفيّ أميرا على الكوفة في أوائل سنة (٧٨) للهجرة ثمّ عزله
واستخلف مكانه المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل.
وكذلك استخلفه
الحجّاج أميرا على الكوفة (مرّة ثانية) في أواخر سنة (٨١) للهجرة وذلك عند ذهاب الحجّاج إلى البصرة لمحاربة عبد
الرحمن بن محمّد بن الأشعث ، وبعد انتصار الحجّاج على ابن الأشعث ، في معركة (يوم
الزاوية) وقتل الكثير من أصحاب ابن الأشعث من القرّاء والفقهاء ، ثار أهل الكوفة
في أوائل سنة (٨٢) للهجرة ومعهم مطر بن ناجية اليربوعي ، فهجموا على قصر الإمارة
وطردوا عبد الرحمن من القصر وطردوا كل من كانوا معه من أهل الشام وكان عددهم أربعة
آلاف.
وكان عبد الله (جدّ
عبد الرحمن) شريفا ، شجاعا يصل رحمه وقومه ،
__________________
ويقال كان له إثنا عشر ولدا وستّة بنات ، وقد ولد عبد الرحمن وكان عمر أبيه
(١٣) سنة ، وسأل الخليفة عمر بن عبد العزيز يوما فقال : أخبروني عن عبد الرحمن
بن عبد الله ، فقيل له : (يكافئ الأكفاء ويعادي الأعداء وهو أمير يفعل ما يشاء
ويقدّم إن وجد من يساعده).
__________________
٣٧ ـ مطر بن ناجية
اليربوعي :
وهو : من بني
يربوع من تميم ، ثائر من الشجعان ، كان أيّام إمارة الحجّاج يتولّى (المعونة) في
الكوفة ، ثار بالكوفة سنة (٨٢) للهجرة.
وعند ما جاء
الحجّاج بن يوسف الثقفيّ سنة (٧٧) للهجرة لمحاربة شبيب الخارجيّ ، كان مطر بن
ناجية اليربوعي على ميمنة الجيش ، وكان خالد بن عتاب بن ورقاء على ميسرته ، ثمّ
وبعد أن انهزم شبيب الخارجيّ تتبّع مطر بن ناجية وخالد بن عتاب فلول جيش شبيب
المنهزم حتّى وصلوا إلى جسر المدائن.
وبعد معركة (يوم
الزاوية) الّتي انتصر فيها الحجّاج على ابن الأشعث وأخذ الحجّاج يطارد ويقتل كلّ
من اشترك في تلك المعركة بما فيهم القراء والفقهاء وكبار السنّ ، وحينما سمع أهل
الكوفة بذلك هجموا على قصر الإمارة وأعلنوا ثورتهم على بني أميّة فخلعوا عبد الملك
بن مروان وطردوا (عبد الرحمن الخصرميّ) (خليفة الحجّاج على الكوفة) وكان يقود تلك
الثورة (مطر بن ناجية اليربوعي) ومعه جماعة من بني تميم ، وكان ذلك في
__________________
أوائل سنة (٨٢) للهجرة.
وبعد أن دخل
ابن ناجية قصر الإمارة واستولى على زمام الأمور في الكوفة خطب في الناس فسبّ عبد
الملك بن مروان ولعن الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، وأثناء خطبته انكسر المنبر فسقط
ابن ناجية على الأرض وكان ابن الأقيشر واقفا أثناء ذلك فقال :
|
خلعوا أمير
المؤمنين وبايعوا
|
|
مطرا لعمرك
بيعة لا تظهر
|
|
واستخلفوا
مطرا فكان كقائل
|
|
بدل لعمرك من
يزيد أعور
|
|
أبني تميم ما
لمنبر ملككم
|
|
ما يستقر
قراره يتمرمر
|
|
إنّ المنابر
أنكرت أستاهكم
|
|
فادعوا خزيمة
يستقر المنبر
|
وبعد الانتهاء
من خطبته وزّع على الناس (٢٠٠) درهم لكل واحد ، وعند ما وصل عبد الرحمن بن محمّد
بن الأشعث إلى الكوفة بعد هزيمته في معركة (يوم الزاوية) خرج أهل الكوفة يستقبلونه
ثمّ ذهبوا به إلى قصر الإمارة فمنعهم مطر بن ناجية من الدخول إلى القصر وغلق
الأبواب ، عندها أمر ابن الأشعث بالصعود إلى القصر بواسطة السلالم وصعدوا إلى
القصر واستولوا عليه وجيء بمطر بن ناجية إلى أبن الأشعث فحبسه ثمّ أطلق سراحه بعد
ذلك وأصبح مطر من جماعته.
مات مطر بن
ناجية سنة (٨٢) للهجرة.
__________________
٣٨ ـ عبد الرحمن بن
محمّد بن الأشعث :
هو : عبد
الرحمن بن محمّد بن الأشعث بن قيس الكنديّ ، أمير شجاع ، ومن قادة الحجّاج بن يوسف
الثقفيّ.
دخل عبد الرحمن
إلى الكوفة في أوائل سنة (٨٢) للهجرة وطرد أميرها مطر بن ناجية اليربوعي.
تميّزت حياة
هذا الأمير كلّها بالمعارك والحروب سواء كانت مع الخوارج أو الأزارقة أو مع
الحجّاج بن يوسف الثقفيّ وسنذكرها على وجه الإيجاز في الصفحات الآتية.
كان الحجّاج بن
يوسف يكرهه كرها شديدا ويقول : (ما رأيته قط إلّا وأردت قتله). ، وكان عبد الرحمن بن الأشعث هو الآخر يكره الحجّاج
كرها كثيرا ويقول : (سأبذل جهدي كي أزيل الحجّاج عن سلطانه).
وكتب عبد الملك
بن مروان إلى أخيه بشر بن مروان (أمير الكوفة) أن يبعث خمسة آلاف مقاتل من أهل
الكوفة لمحاربة الخوارج ، الأزارقة وأن يؤمّر عليهم رجلا معروفا عنده بالشجاعة ،
وبعد أن ينتهي من حربهم ، يبعثه أميرا على (الريّ) . فاختار عبد الرحمن بن الأشعث.
وجاء المهلّب
بن أبي صفرة يوصي عبد الرحمن قائلا : (يا ابن أخي خندق على نفسك وعلى أصحابك ،
فإنّي عالم بالخوارج ولا تفتر ، وإنّهم
__________________
سباع العرب). فقال له عبد الرحمن : (أنا أعلم بهم منك ، وهم أهون عليّ من
ضرطة الجمل) ، ولمّا سمع الخوارج ذلك الكلام قال شاعرهم :
|
يا طالب
الحقّ لا تستهو بالأمل
|
|
فإنّ من دون
ما تهوى مدى الأجل
|
|
واعمل لربك
واسأله مثوبته
|
|
فإنّ تقواه
فاعلم أفضل العمل
|
|
واغز
المخانيث في الماذي معلمة
|
|
كيما تصبح
غدوا ضرطة الجمل
|
ولمّا اشتدّ
القتال بين الأزارقة وبين عبد الرحمن بن الأشعث قتل قطري بن الفجائة خمسمائة رجل
من أصحاب ابن الأشعث ، عندها ولّى ابن الأشعث منهزما فقال فيه الشاعر :
|
تركت ولداننا
تدمي نحورهم
|
|
وجئت منهزما
يا ضرطة الجمل
|
وفي سنة (٨٠)
للهجرة ولّاه الحجّاج إمارة (سجستان) وأمره بمحاربة (روتيبل) ملك كابل (صاحب الترك).
فخرج عبد الرحمن بن الأشعث من الكوفة ومعه فرسان العراق حتّى وصل إلى فارس ، فحصلت
معركة بينه وبين (هميان بن عديّ السدوسيّ) العامل على خراسان ، فقتل ابن الأشعث
الكثير من أصحاب (هميان) وأرسل برؤوسهم إلى الحجّاج.
ثمّ واصل ابن
الأشعث سيره حتّى وصل إلى (كرمان) فكتب إلى (روتيبل) يهدّده ويتوعّده بالقتل
والسبي ، وأخذ الأموال ، فكتب (رتيبل) ردّا إلى ابن الأشعث يقول : (أيّها الأمير
إنه لم يدعني إلى قتال أصحابك إلّا ما حملوني عليه ، وما بدأوني به من الغدر وسوء
السيرة ، ولو لا ذلك لم أفعل ما فعلت وأنا نازل ما أحببت وغير مخالف أيّها الأمير
فيما أردت
__________________
والسلام).
وحينما رآى ابن
الأشعث أن (روتيبل) يدعو للسلام وحلّ المنازعات بالطرق السلميّة ، كتب إلى الحجّاج
يعلمه بذلك. فكتب إليه الحجّاج ، يتهمه بالهدنة والموادعة ، وضعف الرأي ، ويأمره
أن يتوغّل في أرض العدو ويهدم حصونهم ويقتل مقاتلتهم ويسبي نسائهم ، ثمّ تبعه
بكتاب ثان وثالث يحثّه على الحرب وإلّا فإنّ إسحق بن محمّد (أخاه) أميرا على
الجيش. فجمع عبد الرحمن أصحابه وجماعته وقال لهم : (إنّ أميركم كتب إليّ بتعجيل
الوغول في أرض العدو ، وهي البلاد الّتي هلك فيها إخوانكم بالأمس وإنّما أنا رجل
منكم أمضي إذا مضيتم وآبي إذا أبيتم).
وقال لهم أيضا
: (إنّ الحجّاج لا يبالي سواء قتلنا أو قتلنا وإنّما همّه الوحيد هي «الغنائم»
الّتي يحصل عليها من البلدان المفتوحة). ثمّ قرروا بعد ذلك خلع عبد الملك بن مروان
والحجّاج بن يوسف الثقفيّ وبايعوا عبد الرحمن بن الأشعث ، وكان ذلك سنة (٨١) للهجرة.
ثمّ توجه عبد
الرحمن بن الأشعث إلى العراق لمحاربة الحجّاج ، وحينما علم الحجّاج بمجئ ابن
الأشعث ، كتب إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك ، ويطلب منه ارسال المقاتلين من
أهل الشام ، فأرسل عبد الملك إليه «الجنود» ، فسار الحجّاج بجنوده حتّى وصل إلى
نهر دجيل ، فدارت معركة بين الطرفين ، قتل فيها ثمانية آلآف رجل من أهل الشام ،
فلمّا سمع الحجّاج بذلك هرب ليلا بسفينة إلى البصرة ، فتبعه ابن الأشعث إلى البصرة
، فأنهزم
__________________
جيش الحجّاج من البصرة ، فدخلها ابن الأشعث ، وبايعه أهل البصرة على حرب
الحجّاج ، وخلع عبد الملك بن مروان ، كما بايعه كثير من العلماء والفقهاء والقرّاء
، امثال : (الشعبي) و (سعيد بن جبير) وغيرهما ، ثمّ خندق ابن ألأشعث على البصرة
وحصّنها.
وفي اول سنة (٨٢)
للهجرة كانت معركة (يوم الزاوية) بين ابن ألأشعث وبين الحجّاج ، قتل خلآلها الكثير
من كلا المتحاربين ، وانهزم عبد الرحمن بن الأشعث إلى الكوفة ، وكان أميرها حينذاك
(مطر بن ناجية اليربوعي) ، فطرده من قصر ألأمارة ، واستولى على الكوفة ، ثمّ خطب في عباد اهل الكوفة وقراءهم قائلا : (أيّها
الناس ، ألآ ترون هذا الجبار ، وما يصنع بالناس؟ ألا تغضبون لله ألا ترون أنّ
السنة قد أميتت ، والأحكام قد عطلت؟ والمنكر قد أعلن والقتل قد فشى ، أغضبوا لله ،
واخرجوا معي ، فهل يحلّ لكم السكوت). فلم يزل يحثّ الناس حتّى استجاب له الكثير. ثمّ جاء الحجّاج بجيوشه الجرّارة قاصدا الكوفة حتّى وصل
إلى (دير الجماجم) فدارت فيه معركة ، قتل فيها الكثير من القرّاء والفقهاء
والعبّاد وسائر الناس ، وانهزم ابن الأشعث إلى السوس ، فتبعه الحجّاج ودارت بينهما معركة في (مسكن) انهزم
فيها ايضا ابن ألأشعث.
ثم توالت هزائم
ابن الأشعث الواحدة تلو الأخرى ، وألتجأ أخيرا إلى (روتيبل) فكتب الحجّاج إلى (روتيبل)
يتهدّده ويتوعّده إن هو لم يسلّم ابن الاشعث ، وبعد مدوالات كثيرة تمّ الاتّفاق
بين الحجّاج وروتيبل على
__________________
تسليم ابن الاشعث لقاء مبلغ كبير . ولمّا تم تسليم ابن الاشعث ، وعند وصوله بالقرب من
العراق أنزلوه في بناء قديم ، فألقى بنفسه من فوق السطح فمات ، وقيل القى بنفسه (وهو
مقيّد بالحديد) مع رجل فماتا سوية .
مات عبد الرحمن
بن محمّد بن الاشعث سنة (٨٣) للهجرة وقيل سنة (٨٤) وقيل سنة (٨٥) وقطع رأسه عمّارة بن تميم اللخميّ ، وارسله إلى الحجّاج
ثم أرسله الحجّاج إلى عبد الملك بن مروان في الشام ، ثمّ أنّ عبد الملك بعث بالرأس
إلى أخيه عبد العزيز بن مروان في مصر. فقال بعض الشعراء :
|
هيهات موضع
جثّة من رأسها
|
|
رأس بمصر
وجثته بالرخجّ
|
٣٩ ـ عبد الله بن اسحاق بن الأشعث :
استخلفه عبد
الرحمن بن محمّد بن الأشعث أميرا على الكوفة في اوائل سنة (٨٢) للهجرة ، وذلك عند
ذهاب ابن الأشعث إلى (دير الجماجم) لمحاربة الحجّاج بن يوسف الثقفيّ . ثمّ عاد ابن الأشعث إلى
__________________
الكوفة بعد هزيمته في معركة (دير الجماجم) . وعند ما انتصر الحجّاج على ابن الأشعث في معركة دير
الجماجم ، وهروب ابن الأشعث إلى السوس.
ذهب الحجّاج
إلى الكوفة ودخل قصر الأمارة ، فأنهزم عبد الله بن اسحاق ابن الأشعث من الكوفة.
ثمّ دعا
الحجّاج بن يوسف الثقفيّ الناس إلى البيعة ، فبايعه أهل الكوفة ، وكافّة النواحي
الأخرى ، كما بايعته قبائل (النخع) وقال الحجّاج مخاطبا قبائل النخع : (يا معشر
النخع ، أخبروني عن كميل بن زياد ، من أيّ قبيلة هو منكم؟ فقالوا له : إنّه من
بني الهبان فقال لهم الحجّاج : لا تخرجون من هذا المكان إلّا وتأتوني به وإلا ضربت
أعناقكم ، فقال الهيثم ابن الأسود : سآتيك به. ثمّ جيء بكميل بن زياد فقتل صبرا ،
قتله أبو الجهم بن كنانة الكلبيّ ، من بني عامر بن عوف بن عمّ منصور بن
جمهور ، وقيل إنّ الّذي قتله هو ابن ادهم الحمصي . وقيل عند ما دخل عبد الملك ابن مروان إلى الكوفة سنة (٧١)
للهجرة وذلك بعد قتل مصعب بن الزبير ، أخذت القبائل تأتي إليه مهنّئة له بالنصر
ثمّ جاءت قبيلة (كندة) فنظر عبد الملك بن مروان إلى عبد الله بن اسحاق بن الأشعث
ثمّ التفت إلى أخيه بشر ابن مروان وقال له : (إجعله من أصحابك).
__________________
٤٠ ـ عمرو بن هاني
العنسيّ :
وقيل اسمه (عمير)
بن هاني العنسيّ الداراني ، من أهل (داريا) بالشام ، تابعيّ ، من رجال الدولة
الأمويّة ، وكنيته : ابو الوليد . أستخلفه الحجّاج بن يوسف الثقفيّ على إمارة الكوفة سنة
(٨٢) للهجرة. وبعد معركة (دير الجماجم) ذهب الحجّاج إلى الكوفة ، ثمّ رجع إلى
البصرة ، وأستخلف مكانه ، المغيرة بن عبد الله بن ابي عقيل .
وعمير بن هاني
، ولى جباية خراج دمشق في خلافة عمر بن عبد العزيز. وكان من الّذين ثاروا على مروان بن محمّد (آخر ملوك بني
أميّة) وكان أيضا من كبار المشاركين في ثورة يزيد بن خالد بن عبد الله القسريّ على
مروان بن محمّد) .
وكان سعيد بن
عبد العزيز يكره عمير بن هاني كرها شديدا ، وقال سعيد على المنبر في يوم بيعة (الناقص)
: (سارعوا إلى هذه البيعة ، فإنّما هي هجرتان : هجرة إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهجرة إلى يزيد بن الوليد) .
وقال عمير بن
هاني : ولّاني الحجّاج بن يوسف الثقفيّ (الكوفة) فما بعث إليّ
__________________
في شخص أحدّه إلّا حددته ، وما بعث إليّ في شخص أقتله ، إلا تركته ، فبينما
انا ذات يوم ، إذ أرسل إليّ جيشا لأذهب به إلى اناس أقاتلهم ، فقلت : (ثكلتك أمّك
يا عمير ، كيف بك؟) فلم أزل أكاتب الحجّاج ، حتّى بعث إليّ أن أنصرف ، فقلت : (والله
لا أجتمع انا وأنت في بلد أبدا). فجئت وتركته .
وقال عمير بن
هاني : أرسلني عبد الملك بن مروان ، إلى الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، وذلك عند ما
حاصر الحجّاج عبد الله بن الزبير ، وقد نصب الحجّاج على البيت اربعين منجنيقا .
ورأيت عبد الله
بن عمر بن الخطاب يصلّي مع الحجّاج إذا اقيمت الصلاة ، واذا حضر عبد الله بن
الزبير إلى المسجد الحرام صلّى معه ، فقلت له : يا أبا عبد الرحمن : أتصلي مع
هؤلاء ، وهذه أعمالهم؟!. فقال لي : (يا أخا الشام ، صلي معهم ما صلّوا ، ولا تطع
مخلوقا في معصية الخالق . فقلت له : (وما قولك في أهل مكّة )؟. فقال : ما أنا لهم بعاذر. فقلت له : وماذا تقول في
أهل الشام؟. ما أنا لهم بحامد ، كلاهما يقتتلون على الدنيا ، يتهافتون في النار ،
تهافت الذّباب في المرق.
فقال عمير :
فما قولك في هذه البيعة ، الّتي أخذها علينا ابن مروان؟.
فقال عبد الله
بن عمر : إنّا كنّا نبايع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على السمع والطاعة ، وكان يلقننا : (فيما استطعتم).
قتل بن عمير بن
هاني صبرا سنة (١٢٧) للهجرة في (داريا) أيّام
__________________
فتنة الوليد ، لأنّه كان يحرّض على قتله ، وقام ببيعة الناقص قتله ابن مرّة
وسمط رأسه ، وجاء به إلى مروان بن محمّد.
٤١ ـ زياد بن جرير بن
عبد الله البجليّ :
استخلفه
الحجّاج بن يوسف الثقفيّ أميرا على حرب الكوفة سنة (٨٦) للهجرة ، وبقي الى سنة (٩٤)
للهجرة. وكان الحجّاج آنذاك أميرا على العراق ، وعلى المشرق كله . وكان زياد بن جرير أحد قادة الحجّاج في معركة (يوم
الزاوية) سنة (٨٢) للهجرة ، والّتي انهزم فيها الحجّاج وكافة جيوشه وقادته . وفي سنة (٧٨) للهجرة ، كان زياد البجليّ أميرا على
الكوفة أو (خليفة) الحجّاج بن يوسف الثقفيّ .
وبينما كان
الحجّاج ذات يوم من سنة (٨٥) للهجرة ، ومعه زياد بن جرير (وهو أعور). فقال الحجّاج
للاريقط : ماذا قلت لابن سمره؟ قال : قلت :
|
يا أعور
العين فديت العورى
|
|
كنت حسبت الخندق
المحفورا
|
|
يرد عنك
القدر المقدورا
|
|
ودائرات
السوء أن تدورا
|
وكان الحجّاج
قد جعل زياد بن جرير على شرطة الكوفة إلى ان مات
__________________
عبد الملك بن مروان .
٤٢ ـ المغيرة بن أبي
عقيل
استخلفه
الحجّاج بن يوسف الثقفيّ على إمارة الكوفة (للمرة الثانية) وذلك بعد عزل عمير بن
هاني العنسيّ عنها وذلك في سنة (٨٢) للهجرة.
٤٣ ـ عبد الرحمن بن
الحجّاج بن يوسف الثقفيّ
وعند ما أحسّ
الحجّاج بن يوسف الثقفيّ بدنو آجله ، استخلف ابنه عبد الرحمن على الصلاة في الكوفة
، وقيل استخلف يزيد بن أبي كبشة ، وعلى الخراج يزيد بن أبي مسلم ، ولمّا جاء
الوليد أقرّهما على عملهما ، كما واقرّ كافّة عمّال وأمراء الحجّاج ، كان ذلك سنة (٩٥)
للهجرة .
٤٤ ـ يزيد بن أبي
مسلم
هو : أبو
العلاء بن يزيد بن أبي مسلم دينار الثقفيّ ، كان كاتبا للحجّاج ابن يوسف الثقفيّ
وكان رحيما ، مشوّها ، وقيل أخو الحجّاج من الرضاعة.
ولمّا شعر
الحجّاج بقرب منيّته ، استخلف يزيد بن أبي مسلم على إمارة الكوفة سنة (٩٥) للهجرة .
وقيل إنّ
الحجّاج استخلف ابنه عبد الرحمن على الصلاة في الكوفة ، وقيل استخلف يزيد بن أبي
كبشة ، وعلى الخراج يزيد بن أبي مسلم ، ولمّا
__________________
جاء الوليد بن عبد الملك إلى الخلافة ، أقرهم على عملهم ، كما وأقرّ كافة
أمراء الحجّاج على أعمالهم).
وقال الوليد بن
عبد الملك يوما : (مثلي ومثل الحجّاج وابن أبي مسلم كرجل ضاع منه درهم فوجد دينارا).
وقال الوليد أيضا : (كان عبد الملك يقول : الحجّاج ما بين عيني وأنفي ،
وأنا أقول إنّه جلدة وجهي كلّه).
وبعد ما مات
الوليد بن عبد الملك ، وجاء بعده أخوه سليمان ، عزل يزيد بن أبي مسلم عن إمارة
الكوفة سنة (٩٦) للهجرة ، وجيء به إلى سليمان وفي عنقه (جامعة) فنظر إليه سليمان (شزرا) وقال له : (أنت يزيد ابن أبي
مسلم)؟ فقال يزيد : نعم ، أصلح الله أمير المؤمنين. فقال سليمان : لعن الله من
أشركك في أمانته ، وحكمك في دينه. فقال له ابن أبي مسلم : لا تقل ذلك يا أمير
المؤمنين ، فإنّك قد رأيتني والأمور عنّي مدبّرة ، ولو رأيتني والأمور عليّ مقبلة
، لاستعظمت ما استصغرت ، ولاستجللت ما احتقرت). فقال له سليمان : صدقت ، فاجلس لا أمّ لك. فسأله سليمان
قائلا : أترى صاحبك الحجّاج ، لا زال يهوي في نار جهنّم ، أم استقر في قعرها؟ فقال
يزيد : لا تقل ذلك يا أمير المؤمنين ، فإنّ الحجّاج عادى عدوّكم ، ووإلى وليّكم ،
وبذل مهجته لكم ، فهو في يوم القيامة عن يمين أبيك عبد الملك ، وعن يسار أخيك
الوليد ، فاجعله حيث أحببت). فقال سليمان : قاتله الله ، فما أوفاه لصاحبه ، اذا
اصطنعت الرجال فلتضع مثل هذا. فقال
__________________
أحد الجالسين عند سليمان : يا أمير المؤمنين : أقتل يزيد ولا تستبقيه. فقال
يزيد بن أبي مسلم : من هذا؟ فقالوا : فلان بن فلان. فقال يزيد : والله لقد بلغني
أنّ أمّه ما كان شعرها يوازي أذنها. فضحك سليمان ، وأمر بتخليته.
وجاء رجل إلى
يزيد بن أبي مسلم ، فقال له : إنّي رأيت الحجّاج في المنام فقلت له : أخبرني ماذا
فعل الله بك؟ قال : قتلني الله بكل قتيل (قتلته) قتلة ، وأنا أنتظر ما ينتظره
الموحدّون ثمّ وبعد مرور سنة ، رأيته ثانية فقلت له : ما صنع الله بك؟ فقال : يا
عاضّ .. أمّه ، سألتني هذا في العام الماضي وقد أخبرتك. فقال له يزيد : (أشهد أنّك
رأيت أبا محمّد حقّا).
ولمّا جيء
بالشعبي مكتوفا إلى الحجّاج بعد معركة (يوم الزاوية) رآى يزيد
بن أبي مسلم على باب الحجّاج ، فطلب منه أن يتوسط له عند الحجّاج ، فقال له يزيد
ليس اليوم يوم شفاعة ، ولكنك إذا دخلت على الحجّاج فاعتذر إليه واعترف له بذنبك ،
ثمّ اطلبني شاهدا ، وسوف أشهد لك بما تريد.
فدخل الشعبي
على الحجّاج وقال : (أصلح الله الأمير ، خبطتنا فتنة عمياء ، فما كنّا فيها بأبرار
أتقياء ، ولا فجّار أقوياء ، وقد كتبت إلى يزيد بن أبي مسلم أعلمه ندامتي على ما
فرط منّي ، ومعرفتي بالحق الّذي خرجت منه ، وطلبت منه أن يخبر بذلك الأمير ، ويأخذ
لي أمانا منه فلم يفعل).
__________________
فالتفت الحجّاج
إلى يزيد وسأله : هل صحيح ما يقوله الشعبي؟ فقال له يزيد : نعم ، أصلح الله الأمير
، وما منعني من علمك بذلك سوى انشغال الأمير ، فقال الحجّاج للشعبي : انصرف ، فذهب
الشعبي آمنا.
وجيء بامرأة من
الخوارج إلى الحجّاج ، وكان عند يزيد بن أبي مسلم ، فكلّم الحجّاج المرأة ، إلّا
أنّها لم تجبه وأدارت برأسها عنه ، فقال يزيد : (ويلك ، الأمير يكلّمك)؟ فقالت له المرأة : (بل الويل لك يا فاسق الرديّ).
وقال عبيد الله
بن زياد بن ظبيان : (إيّاكم والطمع ، فإنّه دناءه ، والله لقد كنت على باب الحجّاج
وقد خرج منها ، فأردت أن أضربه بالسيف ، فقال لي الحجّاج هل لقيت يزيد بن أبي مسلم؟
قلت : لا ، قال : اذهب إليه فإنّي قد أمرته أن يعطيك عهدك على (الريّ). فطمعت ،
وكففت عن قتله ، ولمّا ذهبت إلى يزيد بن أبي مسلم ، فلم أجد عنده (عهد) ولا أيّ
شيء آخر ، وإنّما كان الحجّاج حذرا مني).
ثم عزل يزيد بن
أبي مسلم عن العراق سنة (٩٦) للهجرة ، عزله سليمان بن عبد الملك وولّى مكانه (يزيد
بن المهلّب) وأمره أن يقتل بني عقيل ويعذّبهم ، وكان على الخراج صالح بن عبد
الرحمن.
وقيل إنّ
سليمان بن عبد الملك ، أمر بحبس يزيد بن أبي مسلم ، فبقي يزيد في الحبس طيلة خلافة
سليمان ، ولمّا جاء بعده عمر بن عبد العزيز ، أطلق سراح جميع من سجنهم سليمان بن
عبد الملك ، ما عدا يزيد بن أبي
__________________
مسلم فإن (الوضّاح بن خيثمة) وقيل (محمّد بن يزيد الأنصاريّ) لم يخرجه من
السجن ، ولمّا مات عمر بن عبد العزيز وجاء بعده يزيد بن عبد الملك ، أطلق سراح
يزيد من السجن وعيّنه (أميرا) على أفريقية سنة (١٠١) للهجرة.
وحينما وصل
يزيد إلى أفريقية ، قرّر أن يسير فيهم ، سيرة الحجّاج في أهل الإسلام الّذين سكنوا
(المدن) من السواد ، وأهل الذّمة فأسلم بالعراق ، فإنّ الحجّاج قد ردّهم إلى (قراهم)
ووضع الجزية عليهم على نحو ما كانت تؤخذ منهم وهم كفّار ، فتظلّم أهل
أفريقية إليه ، ولكنه لم يلتفت اليهم ، ولم يعرهم أذنا صاغية ، فلمّا رأوه متعصّبا
برأيه ، ثاروا عليه وقتلوه ، وأمّروا عليهم (محمّد بن يزيد (مولى الأنصار» ،
وكتبوا إلى الخليفة يزيد بن عبد الملك : (إنّنا لم نخلع أيدينا من الطاعة ، ولكن
يزيد بن أبي مسلم ، سامنا ما لا يرضاه الله فقتلناه وأمّرنا علينا محمّد بن يزيد).
فكتب اليهم
يزيد بن عبد الملك : إنّني لم أرض بما فعل يزيد بن أبي مسلم ، وأقرّ محمّد بن يزيد
على إمارته ، ثمّ عزله بعد عدّة أيّام.
وقيل : لما وصل
يزيد بن أبي مسلم إلى أفريقية (أميرا عليها) أخذ يبحث عن محمّد بن يزيد الأنصاريّ
، ولمّا وجدوه ، جاءوا به إلى يزيد ، فلمّا نظر إليه يزيد قال له : (الحمد لله
الّذي مكّنني منك بلا عهد ولا عقد ، فطالما سألت الله أن يمكّنني منك).
فأجابه محمّد
بن يزيد : أنا والله ، طالما استعذت بالله منك.
فقال يزيد : فو
الله ، ما أعاذك الله منّي ، والله لأقتلنّك ، ولو سابقني ملك
__________________
الموت لسبقته ، ثمّ نودي على الجلاد ليقطع رأسه ، فحان وقت صلاة المغرب
فخرج يزيد بن أبي مسلم إلى الصلاة ، فصلّى ركعة ، فلمّا سجد في الثانية ، ثار عليه
الجند ، فقتلوه ، فتخلص محمّد بن يزيد من القتل ، ثمّ أمّروه عليهم كما ذكرنا.
قتل يزيد بن
أبي مسلم بأفريقية سنة (١٠٢) للهجرة وهو أمير عليها ، قتله الجند.
٤٥ ـ يزيد بن أبي
كبشة :
وهو : يزيد بن
أبي كبشة السكسكس ، الدمشقي ، وأسم (أبي كبشة) هو : حيوئل بن يسار بن حبي بن قرط
السكسكي.
ولّاه الحجّاج
بن يوسف الثقفيّ (استخلفه) إمارة العراق سنة (٩٥) للهجرة.
وقيل عند ما
مات الحجّاج سنة (٩٥) للهجرة ، أقرّ الوليد بن عبد الملك على يزيد بن أبي مسلم (خليفة
الحجّاج) على عمله (إمارة الكوفة) ، ثم عزله وعيّن يزيد بن أبي كبشة.
وقيل إنّ
الحجّاج لمّا شعر بدنو أجله ، استخلف قبل موته يزيد بن أبي
__________________
كبشة على حرب الكوفة والبصرة والصلاة بأهلها ، وعلى خراجها يزيد بن أبي
مسلم ، فأقرهما الوليد بن عبد الملك على عملهما بعد موت الحجّاج ، وكذلك أبقى
الوليد كافّة عمال الحجّاج على أعمالهم السابقة.
وكان يزيد بن
أبي كبشة على الشرطة (مدير الشرطة) أيّام عبد الملك ابن مروان ، ثمّ عزله عبد
الملك ، وعيّن مكانه عبد الله بن يزيد الحكميّ.
وكان الحجّاج
بن يوسف الثقفيّ يؤمن بما يقول العرّافون والمنجّمون ، فأرسل إلى عبيد بن وهب وقال
له : (إنّ أهل الكتب يذكرون لي ، بأنّ ما تحت يدي يليه رجل يقال له (يزيد) وقد
تذكرت يزيد بن أبي كبشة ، ويزيد بن حصين بن نمير ، ويزيد بن دينار ، فليسوا هناك ،
وما هو إلّا يزيد ابن المهلّب). فقال له عبيد : (لقد شرّفتهم وأكرمتهم ، وأنّ لهم
لعددا وجلدا ، وطاعة وحظا فأخلف بهم).
ولمّا مات
الوليد بن عبد الملك ، وجاء بعده سليمان بن عبد الملك سنة (٩٦) للهجرة ، أرسل يزيد
بن أبي كبشة أميرا على (السند) وعند ما وصل يزيد إلى السند قبض على محمّد بن
القاسم ، وقيّده بالحديد ، وأرسله إلى العراق ، فبكى عليه أهل
السند كثيرا ، وقال محمّد :
|
أضاعوني وأيّ
فتى أضاعوا
|
|
ليوم كريهة
وسداد ثغر
|
ولمّا وصل
محمّد بن القاسم إلى العراق ، حبسه صالح بن عبد الرحمن
__________________
في واسط ، فقال محمّد :
|
فلئن ثويت
بواسط وبأرضها
|
|
رهن الحديد
مكبّلا مغلولا
|
|
فلربّ قينة
فارس قد رعتها
|
|
ولربّ قرن قد
تركت قتيلا
|
وقال أيضا :
|
ولو كنت
أجمعت القرار لوطئت
|
|
إناث أعدت
للوغى وثغور
|
|
وما دخلت خيل
السكاسك أرضنا
|
|
ولا كان من
عك عليّ أمير
|
|
وما كنت
للعبد المزونيّ تابعا
|
|
فيا لك دهر
بالكرام عثور
|
فأخذ صالح
يعذّبه كثيرا ، لأن الحجّاج ، كان قد قتل آدم بن عبد الرحمن (أخا صالح).
وقال حمزة بن
بيض يرثي محمّد بن القاسم :
|
إنّ المروءة
والسماحة والندى
|
|
لمحمّد بن
القاسم بن محمّد
|
|
ساس الجيوش
لسبع عشرة حجّة
|
|
يا قرب ذلك
سؤددا من مولد
|
وقيل : أن
الوليد بن عبد الملك ، عند ما ولّى يزيد بن أبي كبشة العراق ، أعطاه صلاحيات
الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، وأمره أن يقرّ قتيبة بن مسلم الباهلي على خراسان ،
ويأمره بالذهاب إلى فرغانه.
مات يزيد بن
أبي كبشة في السند بعد مضي ثمانية عشر يوما من وصوله إلى السند ، وذلك في خلافة
سليمان بن عبد الملك في أواخر سنة (١٠٠) للهجرة.
__________________
٤٦ ـ عبد الرحمن بن
أبي كبشة :
وأسم أبي كبشة
: حيوئل السكسكي وهو ابن يسار بن حبي بن قرط.
ولّاه الحجّاج
بن يوسف الثقفيّ إمارة الكوفة سنة (٩٥) للهجرة ، وذلك بعد أن فتح الحجّاج (الصغد).
هذا ولم أعثر له على ترجمة وافية.
٤٧ ـ صالح بن عبد
الرحمن :
هو : صالح بن
عبد الرحمن ، مولى بني تميم ، وكنيته : أبو الوليد.
ولّاه سليمان
بن عبد الملك إمارة الكوفة سنة (٩٦) للهجرة ، وولى يزيد بن المهلّب خراسان حربها
وخراجها.
وقيل : إنّ
سليمان بن عبد الملك قد عزل يزيد بن أبي مسلم عن العراق ، وولى عليه يزيد بن
المهلّب ، وجعل صالح بن عبد الرحمن أميرا على الخراج.
وصالح هذا ،
كان كاتبا للحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، وصاحب دواوين العراق ، وهو من أصل سبي
سجستان. نشأ صالح في (النزال من آل مرّة بني عبيد) وكان فصيحا بالعربية ، ويجيد
الإنشاء في اللغتين العربية والفارسية ،
__________________
وكان قد اتّصل بالحجّاج قبل توليته إمارة العراق ، وعند ما جاء الحجّاج إلى
العراق ، ولّى صالح كتّاب الديوان ، ثمّ قلّده أمر الديوان ، وكان الديوان آنذاك
يكتب باللغة الفارسية ، فنقله صالح إلى العربية ، وذلك سنة (٧٨) للهجرة ، ووضع
اصطلاحات للكتّاب والمحاسبين ، فاستغنوا بعد ذلك عن الفارسية.
وقيل : لمّا
أراد صالح نقل الديوان إلى العربية ، أعطاه كتّاب الفرس ، ثلاثمائة ألف درهم على
أن يترك ترجمته إلى العربية ، فرفض ذلك. ثمّ ولّاه سليمان بن عبد الملك خراج العراق ، ثمّ أقرّه
عمر بن عبد العزيز لمدّة سنة واحدة ثمّ عزله. وكان جميع كتّاب العراق ، هم تلاميذ
صالح التميميّ ، حتّى قال فيه عبد الحميد بن يحيى الكاتب : (لله درّ صالح ، ما
أعظم منته على الكتّاب).
وقيل كتب صالح
بن عبد الرحمن مع آخر إلى عمر بن عبد العزيز : بأنّ الناس لا يصلحهم إلّا السيف ،
فكتب اليهما عمر : (خبيثين من الخبث ، رديئين من الرديء ، تعرضان لي بدماء
المسلمين ، ما أحد من الناس إلّا ودماؤكما عليّ أهون من دمه). وكان يشكّ في صالح بن عبد الرحمن بأنّه خارجي المذهب ،
وكان يزيد بن أبي مسلم يكرهه كرها شديدا ، وقد أشار على الحجّاج بن يوسف الثقفيّ
أن يأمر صالح بقتل (جوّاب الضبي) ، وكان يزيد بن أبي مسلم يعتقد بأنّ صالحا إذا قتل (الضبي)
فسوف تتبرأ منه الخوارج ، وإن رفض قتله فسوف يقتله الحجّاج. وقيل : عند ما عزل
يزيد
__________________
ابن أبي مسلم عن العراق سنة (٩٦) للهجرة ، عزله سليمان بن عبد الملك ، وولى
مكانه يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة ، وجعل صالح بن عبد الرحمن على الخراج ، وأمره
بأن يعذّب آل أبي عقيل ، فأخذ صالح يعذب آل أبي عقيل أنواع العذاب ، وكان
الّذي يتولى تعذيبهم عبد الملك بن المهلّب.
ولمّا وصل
محمّد إلى العراق ، عذّبه صالح بن عبد الرحمن ثمّ قتله ، فقال حمزة بن بيض يرثي
محمّد بن القاسم :
|
إنّ المروءة
والسماحة والندى
|
|
لمحمّد بن
القاسم بن محمّد
|
|
ساس الجيوش
لسبع عشرة حجّة
|
|
يا قرب ذلك
سؤددا من مولد
|
ولمّا جاء عمر
بن عبد العزيز إلى الخلافة بعد سليمان بن عبد الملك ، عزل يزيد بن المهلّب عن
العراق وصالح بن عبد الرحمن ، وولّى على الكوفة عبد الحميد بن زيد الخطاب.
ولمّا تولّى
يزيد بن عبد الملك الخلافة سنة (١٠١) للهجرة ، كان صالح ابن عبد الرحمن في الشام ،
فكتب عمر بن هبيرة الفزاري (أمير العراق) إلى يزيد بن عبد الملك ، يطلب منه أن
يرسل إليه صالح بن عبد الرحمن ليسأله عن الخراج ، فأرسله يزيد إليه وأوصاه به خيرا
، ولكن ابن هبيرة قتله حال وصوله الكوفة.
قتل صالح بن
عبد الرحمن سنة (١٠٣) للهجرة ، قتله عمر بن هبيرة الفزاري.
__________________
٤٨ ـ يزيد بن المهلّب
:
هو : يزيد بن
المهلّب بن أبي صفرة ، واسم (أبي صفرة) هو ظالم بن سراق بن صبيح بن كندي بن عمرو
بن عدي بن وائل بن الحارث بن العتيك بن الأسد بن عمران بن الوضّاح بن عمرو بن
مزيقياء بن حارثة بن الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن زاد
الراكب بن الأزد ، وكنيته : أبو خالد.
ولقب أبو صفرة
، لأنّه كان يصبغ لحيته بلون أصفر ، وقيل كانت له بنت اسمها (صفرة) وبها كان يكنى.
ولّاه سليمان
بن عبد الملك إمارة الكوفة سنة (٩٦) للهجرة ، وذلك بعد عزل يزيد ، ثمّ جمع ولاية
العراقين سنة (٩٧) للهجرة.
وكانت حياة
يزيد بن المهلّب كلّها معارك وحروب ، واشتهر بالشجاعة والكرم ، والسماح ، والعفو
عند المقدرة ، وقال علماء التاريخ : (لم يكن في دولة بني أميّة أكرم من بني
المهلّب ، كما لم يكن في دولة بني العباس أكرم من البرامكّة وكان لهم في الشجاعة
أيضا مواقف مشهورة.
وبدأ يزيد بن
المهلّب حياته كأمير على خراسان سنة (٨٢) للهجرة ، وذلك خلفا لأبيه (المهلّب بن
أبي صفرة) ، ثمّ في سنة (٨٥) للهجرة عزله الحجّاج بن يوسف الثقفيّ عن خراسان ،
وولّاها لأخيه (المفضل بن المهلّب) ،
__________________
ثم عزل المفضل ، وأرسل الحجّاج إلى خراسان قتيبة بن مسلم الباهلي ، وأمره
بحبس كلّ من وجده من آل المهلّب ، ويعذبهم ، ويأخذ أموالهم ، فقال شاعر من أهل
خراسان وقيل الأخطل الكبير :
|
أبا خالد
ضاعت خراسان بعدكم
|
|
وقال ذوو
الحاجات أين يزيد؟
|
|
فلا مطر
المروان بعد مطرة
|
|
ولا أخضر
بالمروين بعدك عود
|
وقيل إنّ سبب
عزل الحجّاج ليزيد ، هو أنّ الحجّاج كان يخاف من يزيد خوفا كثيرا واتهمه بأنه
زبيري ، ثمّ حبسه ، وكان فيروز بن حصين قد أشار على يزيد بن المهلّب ونصحه بأن لا
يتعاون مع الحجّاج ، فلم يقبل منه يزيد ، ولم يسمع كلامه ، ولمّا حبسه الحجّاج فيما
بعد وأهله معه قال فيروز :
|
أمرتك أمرا
حازما فعصيتني
|
|
فأصبحت مسلوب
الإمارة نادما
|
|
أمرتك
بالحجّاج إذ أنت قادر
|
|
فنفسك ولي
اللّوم إن كنت لائما
|
|
فما أنا
بالباكي عليك صبابة
|
|
وما أنا
بالداعي لترجع سالما
|
وعند ما جاء
قتيبة بن مسلم الباهلي أميرا على خراسان ، قال (لحصين) : ماذا قلت ليزيد بن
المهلّب؟ قال : قلت :
|
أمرتك أمرا
حازما فعصيتني
|
|
فنفسك أوّل
اللوم إن كنت لائما
|
|
فإن يبلغ
الحجّاج أن قد عصيته
|
|
فإنّك تلقى
أمره متفاقما
|
قال قتيبة :
بماذا أمرته فعصاك؟ قال : أمرته أن لا يدع صفراء ، ولا بيضاء ، إلّا حملها إلى
الأمير.
__________________
وحينما وصل
يزيد بن المهلّب إلى واسط ، طالبه الحجّاج بأموال خراسان ، كما طالبه بدفع مبلغ
سبعة آلاف ألف درهم ، ثمّ نادى الحجّاج جلاوزته ، وأمرهم بتقييده ومن ثمّ إيداعه
السجن ، ثمّ تمكّن يزيد بن المهلّب من الهرب من السجن (بعد أن رشى السجّان) وذهب
إلى فلسطين ، واستجار بسليمان بن عبد الملك فأجاره ، كان ذلك سنة (٩٠) للهجرة.
وقيل إنّ يزيد
بن المهلّب ، عند ما كان في السجن ، أخذ الحجّاج يعذبه كثيرا ، فطلب منه يزيد أن
يخفف عنه العذاب ، فيعطيه عن كلّ يوم مائة ألف درهم ، فتعجب الحجّاج من جوده وهو
في تلك الحال.
ولمّا سمع
الحجّاج بهروب يزيد بن المهلّب ، ولجوءه إلى سليمان بن عبد الملك ، كتب إلى الوليد
بن عبد الملك يعلمه بخبر ابن المهلّب ، فكتب الوليد إلى أخيه سليمان وألّح عليه
بإرسال ابن المهلّب إليه ، وحينما رآى سليمان إصرار أخيه بطلب ابن المهلّب ، أخذ سليمان بابنه (أيوب) وقيّده بسلسلة واحدة مع يزيد
بن المهلّب ، وأرسلهما إلى أخيه الوليد ، وكتب إليه يقول : (لقد أرسلت اليك يزيد
بن المهلّب ، فابدأ بأيوب قبله ، ثمّ اجعل يزيد ثانيا ، واجعلني ثالثا إن شئت
والسلام).
ولمّا جيء
بيزيد وأيوب بتلك الحالة ، خجل الوليد ، وعفا عن يزيد ، ثمّ كتب إلى الحجّاج بأن
لا يكتب إليه بشأن يزيد بن المهلّب مرّة ثانية.
ثمّ مات الوليد
بن عبد الملك سنة (٩٦) للهجرة ، وجاء بعده أخوه سليمان بن عبد الملك ، وأراد
سليمان أن يعيّن يزيد بن المهلّب أميرا على
__________________
العراق ، إلّا أنّ يزيد اعتذر إليه ، فولّاه خراسان (حربها وخراجها) كما
كان أوّل مرّة ، وعيّن صالح بن عبد الرحمن مولى تميم أميرا على العراق.
وذهب يزيد بن
المهلّب إلى خراسان ، فأخذ يعذّب (عمال) قتيبة بن مسلم الباهلي وكلّ من تعاون معه
، قتلا وحبسا ، فقال عبد الله بن همّام السلوليّ :
|
خذ العفو
واصفح يا يزيد فإنّي
|
|
رأيت ثواب
الله خيرا وأفضلا
|
|
ولا تسمعنّ
قول الوشاة فإنّهم
|
|
يودون لو
يسقى الرعاف المثملا
|
|
خف الله في
قوم ثووا مذ خفتهم
|
|
يرجون عدلا
من لدنك مؤملا
|
|
وأنت ثمال يا
يزيد فلا تكن
|
|
عليهم عذابا
بالبلاء موكلا
|
وأرسل أبو
الحرباء الغنوي من سجنه إلى ابن المهلّب بقصيدة نقتطف منها :
|
يا ابن
المهلّب لا تسمنا خطة
|
|
قد كنت
تكرهها وأنت أسير
|
|
إنّ الفضيلة
كاسمها أكرومة
|
|
ولها حبور
بيّن وسرور
|
|
واصفح بعفوك
عن ذنوب سراتنا
|
|
إنّ المسامح
ذنبه مغفور
|
فعفا عنهم.
ثمّ مات سليمان
بن عبد الملك سنة (٩٩) للهجرة ، وجاء بعده عمر بن عبد العزيز ، فكتب عمر بن عبد
العزيز إلى يزيد بن المهلّب يدعوه لمبايعته ، فجاء ابن المهلّب إلى العراق ، وقبل
وصوله إلى البصرة ، فوجئ برسول عدي ابن أرطأة ، يدعوه للذهاب إلى واسط ، فذهب ابن
المهلّب إلى واسط ، فطلب
__________________
منه ابن أرطأة أن يسلّمه الأموال الّتي جباها في بلاد خراسان وجرجان
وطبرستان ، فقال ابن المهلّب بأنّ الأموال قد صرفت على جنود المسلمين في تلك
البلدان ، عندها أخذه أسيرا إلى عمر بن عبد العزيز ، فحبسه عمر.
ومرض عمر بن
عبد العزيز ، مرضه الّذي مات فيه ، وما زال ابن المهلّب في سجنه ، ففكر يزيد
بالهرب من السجن خوفا من يزيد بن عبد الملك إذا تولى الخلافة ، لأمر قديم كان
بينهما ، ثمّ هرب بن المهلّب من السجن ، وكتب إلى عمر بن عبد العزيز يبيّن له
أسباب هروبه من السجن.
وعند هروب ابن
المهلّب من سجن عمر بن عبد العزيز في (حصن حمص) مرّ بطريقه على إعرابية فأهدت له
عنزا فقبلها وقال لابنه (معاوية) كم عندك من مال؟ فقال ابنه : ثمانمائة درهم. قال
: ادفعها إليها ، فقال له أبنه : إنّها لا تعرفك وترضى باليسير ، فقال أبوه : إن
كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي وإن كان يرضيها اليسير فأنا لا أرضى إلّا بالكثير.
وعند ما كان
يزيد بن المهلّب في السجن ، دخل عليه الفرزدق فرآه مقيدا بالحديد فأنشد يقول :
|
أصبح في قيدك
السماحة وال
|
|
جود وحمل
الديات والحسب
|
|
لا بطر إن
ترادفت نعم
|
|
وصابر في
البلاد محتسب
|
فقال له يزيد
بن المهلّب : ويحك ، ماذا صنعت؟ لقد أسأت إليّ ، فقال
__________________
الفرزدق : ولم ذاك؟! قال يزيد : أتمدحني وأنا على هذه الحالة؟ قال الفرزدق
: رأيتك رخيصا ، فأحببت أن أسلف فيك بضاعتي ، فرمى إليه يزيد بخاتمه وقال له : لقد
اشتريته بألف دينار ، وهو ربحك إلى أن يأتيك رأس المال.
ووصل يزيد بن
المهلّب إلى البصرة (بعد هروبه من السجن) وكان أميرها عدي بن أرطأة ، والأمير على
الكوفة عبد الحميد بن عبد الرحمن ، فكتب ابن المهلّب إلى عدي يقول : إنّك حبست
أهلي ومالي وأصحابي ، وليس لهم ذنب ، وإنّما أنا المطلوب فخلّي عنهم ، وأطلق
سراحهم ، وإنّي أعاهدك بأن لا أدخل البصرة حتّى يأذن لي أمير المؤمنين يزيد بن عبد
الملك ، فرفض ابن أرطأة طلبه.
ثمّ حدثت معركة
بين الطرفين ، أسفرت عن هزيمة عدي بن أرطأة ، وألقي عليه القبض فأودع السجن.
ثمّ اجتمع
أهالي البصرة ، وبايعوا يزيد بن المهلّب ، وسلّموه بيت المال ، فوجد فيه عشرة آلاف
درهم ، فوزعها يزيد على الناس ، ثمّ كتب إلى عمّاله في الأهواز وفارس وكرمان ومكران
، والسند والهند ، وسائر البلدان ، ثمّ اجتمع الناس في الجامع ، فخطب فيهم وقال : (أيّها
الناس ، أنا رجل منكم ، أعاني ما تعانون منه ، وأحامي بما تحامون عليه ولست أقول
بأنّي خليفة ، ولكني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وإلى جهاد أهل الشام ، محرقي البيت الحرام ، فإنّ
جهادكم أفضل من جهاد الترك والديلم ، ألا فاسمعوا وأطيعوا يرحمكم الله).
ولمّا سمع يزيد
بن عبد الملك بمبايعة يزيد بن المهلّب ، أرسل أخاه (مسلمة) وابن أخيه (العباس بن
الوليد بن عبد الملك) لمحاربة المهلّب ،
__________________
فساروا والتقت الجيوش في (فم الفيل) فوقعت معركة ضارية بين الطرفين قتل فيها ثلاثة آلاف
فارس ، وكان يزيد بن المهلّب وسط القتلى ، فقال رجل من أهل الشام :
|
ألا ترى بطشة
الله الّتي بطشت
|
|
بابن المهلّب
أن الله ذو نقم
|
|
فما الجياد
من البلقاء منطلقا
|
|
شهرا يغلغل
في الاسان والنجم
|
|
فأصبحوا لا
ترى إلا مساكنهم
|
|
كأنهم من
ثمود الحجر أو إرم
|
وقال الشاعر
ثابت بن قطنة يرثي يزيد بن المهلّب :
|
كلّ القبائل
بايعوك على الّذي
|
|
تدعو إليه
طائعين وساروا
|
|
حتّى إذا حضر
الوغى وجعلتهم
|
|
نصب الأسنة
أسلموك وطاروا
|
|
إن يقتلوك
فإنّ قتلك لم يكن
|
|
عارا عليك
وبعض قتل عار
|
وقال ثابت بن
قطنة أيضا يرثي ابن المهلّب :
|
أبى طول هذا
اللّيل أن يتصرّما
|
|
وهاج لك
الهمّ الفؤاد المتيما
|
|
أرقت ولم
تأرق معي أمّ خالد
|
|
وقد أرقت
عيناي حولا محرّما
|
وقال ابن قطنة
يرثيه أيضا :
|
ألا يا هند
طال عليّ ليلي
|
|
وعاد قصيره
ليلا تماما
|
|
كأنّي حين
حلقت الثريا
|
|
سقيت لعاب
أسود أو سماما
|
__________________
وقد وفد جماعة من قضاعة على يزيد بن المهلّب ، فقال رجل منهم :
|
والله ما
ندري إذا ما فاتنا
|
|
طلب اليك من
ذا الّذي نتطلب
|
|
ولقد ضربنا
في البلاد فلم نجد
|
|
أحدا سواك
إلى المكارم ينسب
|
|
فاصبر
لعادتنا الّتي عودتنا
|
|
أو لا
فارشدنا إلى من نذهب
|
فأعطاه ألف
دينار ، ولمّا كان العام القادم جاء إليه ذلك الرجل فقال :
|
ما لي أرى
أبوابهم مهجورة
|
|
وكأنّ بابك
مجمع الأسواق
|
|
حابوك أم
هابوك أم شاموا الندى
|
|
بيديك
فاجتمعوا من الآفاق
|
|
إنّي رأيتك
للمكارم عاشقا
|
|
والمكرمات
قليلة العشاق
|
فأعطاه عشرة
آلاف درهم.
وقيل لما ذهب
يزيد بن المهلّب إلى الحجّ اعطى الحلّاق الف درهم فتعجب الحلاق ودهش فقال : سأذهب
وأبشر أمّي بهذا. فقال يزيد : أعطوه ألفا أخرى فقال الحلاق : إمرأتي طالق ، ان
حلقت رأس أحد بعدك. فقال ابن المهلّب : أعطوه ألفين آخرين .
وقيل باع وكيل
ليزيد بن المهلّب (بطيخا) بأربعين ألف درهم ، جاءه من بعض مزارعه ، ولمّا سمع يزيد
بذلك قال لوكيله : (جعلتنا بقّالين)!! أما كان في عجائز الأزد من توزّعه عليهن)؟
فمدحه (عمر بن
لجأ) وقيل المغيرة شاعر آل المهلّب فقال :
|
آل المهلّب
قوم إن نسبتهم
|
|
كانوا
الأكارم آباءا وأجدادا
|
__________________
|
كم حاسد لهم
يعيا بفضلهم
|
|
وما دنا من
مساعيهم ولا كادا
|
|
إنّ العرانين
تلقاها محسدة
|
|
ولا ترى
للئام الناس حسّادا
|
|
إنّ المكارم
أرواحا يكون لها
|
|
آل المهلّب
دون الناس أجسادا
|
ومن المعروف عن
يزيد أبن المهلّب ، أنّه لم يبني قصرا في حياته ، أسوة بالأمراء ، ورؤساء القبائل.
فسئل ذات مرّة عن سبب ذلك ، فأجاب : (منزلي ، دار الأمارة ، أو الحبس) . وكان يزيد بن المهلّب يتمثل بقول حصين بن الحمام في
حروبه :
|
تاخرت أستبقي
الحياة فلم أجد
|
|
لنفسي حياة
مثل ان أتقدما
|
وقال يزيد بن
المهلّب : (الحياة أحبّ شيء إلى الأنسان ، والثناء الحسن أحبّ اليّ من الحياة ،
ولو أنّي أعطيت مالم يعطه أحد ، لأحببت أن تكون لي أذن اسمع بها ما يقال غدا ، إذا
متّ كريما).
وقيل ليزيد بن
المهلّب : ما هو أحسن ما مدحت به؟ قال : قول زياد الأعجم :
|
فتى زاده
السلطان في الحمد رغبة
|
|
إذا غيّر
السلطان كلّ خليل
|
وكما وجد من
يمدح آل المهلّب فهناك من ذمّهم وهجاهم ، فقد بعث يزيد بن عبد الملك بهلال بن أحوز
المازني ، وأمره أن يقتل كلّ من وجده من آل المهلّب ، ومن بلغ منهم سن الرشد ، في
جميع البلاد.
وفي هلال هذا
قال جرير يمدحه :
__________________
|
أقولها من
ليلة ليس طولها
|
|
كطول الليالي
ليت صبحك نورا
|
|
أخاف على
نفسي ابن أحوز إنّه
|
|
جلى كلّ هم
في النفوس فأسفرا
|
|
فلم يبق منهم
راية تعرفونها
|
|
ولم يبق من
آل المهلّب عسكرا
|
وقال جرير أيضا
يهجو آل المهلّب ، ويمدح يزيد بن عبد الملك :
|
يا رب قوم
وقوم حاسدين لكم
|
|
ما فيهم بدل
منكم ولا خلف
|
|
آل المهلّب
جزّ الله دابرهم
|
|
أمسوا رمادا
فلا أصل ولا طرف
|
|
ما نالت
الأزد من دعوى مضلّهم
|
|
إلا المعاصم
والأعناق تختطف
|
|
والأزد قد
جعلوا المنتوف قائدهم
|
|
فقتلهم جنود
الله وانتسفوا
|
وكما ذكرنا قبل
قليل ، فقد وقعت معارك دامية بين جيش يزيد بن المهلّب وجيش مسلمة بن عبد الملك ،
قتل خلالها يزيد بن المهلّب ، بعد أن تخلّى عنه اكثر أصحابه ، إذ لاذوا بالفرار ،
ثمّ جيء برأس يزيد بن المهلّب ، وبرؤوس أخوته الباقين إلى مسلمة بن عبد الملك ،
فقال : (أترى هؤلاء القوم قد خرجوا (ثاروا) علينا ، كانوا يظنّون أنّ الخلافة فيهم؟
لئن كانوا ظنّوا ذلك فلقد ظنّوا إفكا وزورا). فأنشأ جرير يقول :
|
آل المهلّب
جزّ الله دابرهم
|
|
أضحوا رفاتا
فلا أصل ولا طرف
|
|
إنّ الخلافة
لم تخلق ليملكها
|
|
عبد لأزدية
في خلقها عنف
|
ثم صلب يزيد بن
المهلّب ، وصلب خنزير معه ، احتقارا له. فقال شاعر من اهل الشام :
|
حتّى رآه
عباد الله في ذقل
|
|
منكس الرأس
مقرونا بخنزير
|
ثم امر يزيد بن
عبد الملك بأن يطاف برأس يزيد بن المهلّب في كافة
__________________
مدن الشام ثمّ بعد ذلك جيء بالراس وبقية رؤوس اخوته ونصبت على باب توماء في
دمشق.
قتل يزيد بن
المهلّب سنة (١٠٢) للهجرة ، وعمره (٤٩) سنة.
٤٩ ـ حرملة بن عمير
اللخميّ :
استخلفه يزيد
بن المهلّب بن أبي صفرة أميرا على الكوفة سنة (٩٦) للهجرة ، وقيل سنة (٩٧) وذلك
عند ما ذهب ابن المهلّب إلى خراسان في خلافة سليمان بن عبد الملك وبقي حرملة أشهرا
ثمّ عزله ابن المهلّب وولى مكانه بشر (بشير) بن حسّان النهديّ أو (المهريّ).
وقيل إنّ يزيد
بن أبي كبشة ولّاه الكوفة إلى أن مات الوليد.
٥٠ ـ بشير بن حسّان
النهديّ :
وقيل إنّ اسمه
بشر بن حسان المهريّ. استخلفه يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة أميرا على الكوفة سنة (٩٧)
للهجرة وذلك بعد عزل حرملة بن عمير اللّخميّ عنها. ثمّ عزل عن إمارة الكوفة واستخلف مكانه (سفيان ابن حريش
الخولاني) وبقي هذا حتّى مات سليمان بن عبد الملك.
__________________
٥١ ـ سفيان بن حريش
الخولانيّ :
استخلفه يزيد
بن المهلّب بن أبي صفرة على إمارة الكوفة سنة (٩٧) للهجرة وذلك بعد عزل أميرها السابق بشير بن حسّان
النهديّ وبقي سفيان بن حريش الخولاني أميرا على الكوفة إلى أن مات سليمان بن عبد
الملك. لم أعثر له على ترجمة وافية.
٥٢ ـ الجرّاح بن عبد
الله الحكميّ :
وهو : الجرّاح
بن عبد الله بن جعادة بن أفلح بن درّه بن حدقة بن فضة ، وكنيته : أبو عقبة الحكميّ
، الدمشقي ، وأصله من اليمن وسكن الشام. وقيل كنيته : أبو عطية.
الجرّاح بن عبد
الله الحكميّ من القادة الشجعان البارزين في عصر الخلفاء : (عبد الملك بن مروان ،
الوليد بن عبد الملك ، سليمان بن عبد الملك ، عمر بن عبد العزيز ، يزيد بن عبد
الملك وهشام بن عبد الملك). وكان أميرا على : (واسط ، البصرة ، سجستان ، أرمينيا ،
أذربيجان وخراسان) لعدّة سنوات. استخلفه يزيد بن المهلّب أميرا على الكوفة سنة (٩٩)
للهجرة وذلك عند ما ذهب ابن المهلّب إلى خراسان.
وفي معركة (دير
الجماجم) الّتي وقعت بين الحجّاج بن يوسف الثقفيّ وبين عبد الرحمن بن محمّد بن
الأشعث سنة (٨٢) للهجرة كانت كتيبة القرّاء
__________________
(كتيبة كميل بن زياد) مع ابن الأشعث فأرسل لها الحجّاج ثلاث كتائب بقيادة
الجرّاح الحكميّ ، ورغم الحملات الكثيرة والكثيفة على كتيبة القرّاء لم يتمكّن
الجرّاح من قتل أيّ شخص منهم. وفي معركة (دير الجماجم) أيضا خرج عبد الله بن رزّام
الحارثي إلى كتيبة الحجّاج فطلب مبارزته ، فخرج إليه رجل فقتله ثمّ كرّر ذلك ثلاثة
أيّام يقتل كلّ يوم رجلا من شجعان جيش الحجّاج ، وفي اليوم الرابع طلب المبارزة
أيضا ، فقال الحجّاج للجراح الحكميّ : (أخرج إليه) فخرج إليه الجرّاح ، فقال له
عبد الله الحارثي (وكان صديقا له) : ويحك يا جراح لماذا خرجت إليّ ، فقال الجرّاح
: قد ابتليت بك ، فقال له عبد الله الحارثي : سوف أنهزم أمامك وترجع أنت إلى
الحجّاج فيرضى عنك ، وأما أنا فسوف أحتمل ما يقوله الناس في هزيمتي حبّا لسلامتك
فإنّي لا أحبّ أن أقتل من قومي مثلك. فحمل عليه الجرّاح فانهزم الحارثي أمامه ثمّ
تلاحقت حملات الجرّاح على الحارثي وهو يهرب أمامه ، وكان الجرّاح في حملته الأخيرة
قد صمم فعلا على قتل الحارثي ، فلمّا رآى غلام الحارثي ذلك قال للحارثي : إنّ
الجرّاح يريد قتلك ، عندها أخذ الحارثي عمودا فضرب الجرّاح على رأسه فسقط على
الأرض ثمّ قال الحارثي لغلامه : أسكب الماء على وجهه ليستفيق ، ولمّا أفاق الجرّاح
قال له الحارثي : (بئس ما جزيتني أردت بك العافية وأردت بي المنية).
وعند ما ذهب
الجرّاح إلى خراسان أميرا عليها سنة (١٠١) للهجرة كتب إلى عمر بن عبد العزيز : (إنّي
قدمت خراسان ووجدت قوما قد أبطرتهم الفتنة فهم ينزون فيها نزوا أحبّ الأمور اليهم
أن تعود ليمنعوا حقّ الله عليهم فليس يكفهم الّا السيف والسوط وكرهت الإقدام على
ذلك إلّا
__________________
بإذنك).
فكتب إليه عمر
بن عبد العزيز : (يا ابن أمّ الجرّاح ، أنت أحرص على الفتنة منهم لا تضربنّ مؤمنا
ولا معاهدا سوطا إلّا في حقّ واحذر القصاص فإنك صائر إلى من يعلم خائنة الأعين وما
تخفي الصدور وتقرأ كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها).
وكتب عمر بن
عبد العزيز إلى الجرّاح : (أنظر من صلّى قبلك إلى القبلة فضع عنه الجزية). فلمّا
سمع الناس بذلك أخذوا يدخلون في الإسلام أفواجا فقيل للجرّاح : إنّ الناس قد دخلوا
في الإسلام تهرّبا من الجزية فاختنهم بالختان. فكتب الجرّاح بذلك إلى عمر بن عبد
العزيز ، فكتب إليه عمر يقول : (إنّ الله بعث محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم داعيا ولم يبعثه خاتنا). وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الجرّاح عند ما كان أميرا
على خراسان : (أما بعد .. فإن استطعت أن تدع مما أحلّ الله لك ما يكون حاجزا بينك
وبين ما حرّم الله فافعل فإن من استوعب الحلال كله تاقت نفسه إلى الحرام).
وقيل : إنّ
الجرّاح الحكميّ قال : (تركت الذنوب حياء أربعون سنة ثمّ أدركني الورع). وقيل إنّ الجرّاح إذا مرّ في جامع دمشق يميل برأسه عن
القناديل لطوله.
وقال الزرقي : (كان
الجرّاح يد الله على خراسان كلّها حربها وصلاتها
__________________
ومالها).
وفي سنة (١١١)
للهجرة تفرغ الجرّاح للغزو والفتح ، فقد ذهب لمحاربة الخزر (الترك) وكانت معارك
كثيرة بينه وبينهم ، وقيل إنّه قال لأصحابه في اليوم الّذي قتل فيه : (أيّها
القادة ، وأمراء الأجناد ، فيم اهتمامكم؟ غدوتم أمراء وترحون شهداء ، اللهم إذا
رفعت عنّا النصر فلا تحرمنا الصبر والأجر). ثمّ قال :
|
لم يبق إلّا
حسبي وكفني
|
|
وصارم تلذّه
يميني
|
وقال الفرزدق :
|
لقد صبر
الجرّاح حتّى مشت به
|
|
إلى رحمة
الله السيوف الصوارم
|
قتل الجرّاح
الحكميّ في برج (أردبيل) بخراسان سنة (١١٢) للهجرة ، قتله الخزر (الترك).
٥٣ ـ عبد الحميد بن
عبد الرحمن :
هو : عبد
الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب الأعرج ، القرشيّ ، وكنيته : أبو عمر.
ولّاه عمر بن
عبد العزيز إمارة الكوفة سنة (٩٩) للهجرة ، بعد عزل
__________________
يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة.
وفي أيّام عمر
بن عبد العزيز ، وعند ما كان عبد الحميد بن عبد الرحمن أميرا على الكوفة ثار جماعة
من الخوارج بالعراق سنة (١٠٠) للهجرة ، فكتب إليه عمر بن عبد العزيز أن يدعوهم
للعمل بكتاب الله وسنّة نبيه محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فكتب اليهم عبد الحميد ، إلّا أنّهم لم يسمعوا ، ولم
يطيعوا ، عندها أرسل اليهم عبد الحميد جيشا فحاربهم ودارت معركة بين الطرفين ،
أسفرت عن هزيمة جيش عبد الحميد ، ولمّا سمع عمر بانهزام جيش عبد الحميد ، أرسل
مسلمة بن عبد الملك ومعه جيش من أهل الشام ، فوصل مسلمة ، وحارب الخوارج وهزمهم
شرّ هزيمة.
وكتب عمر بن
عبد العزيز بكتاب إلى عبد الحميد جاء فيه : (قد بلغني ما فعل جيشك جيش السوء ، وقد
بعثت بمسلمة بن عبد الملك ، فخل بينه وبينهم).
وعند ما بويع
ليزيد بن المهلّب في البصرة ، قبض عبد الحميد بالكوفة على خالد بن يزيد بن المهلّب
وحمال بن زمر ، فحبسهما ، ثمّ أرسلهما إلى الشام فحبسهما يزيد بن عبد الملك حتّى
ماتا في حبسهما ، ثمّ أرسل يزيد بن عبد الملك الأموال إلى الكوفة ووعدهم بالزيادة.
ولمّا جاء يزيد
بن المهلّب بجيشه قاصدا الكوفة ، خرج عبد الحميد إلى (النخيلة) وعسكر بها وجعل
الرصد والعيون على أهل الكوفة لئلا يلتحقوا بجيش ابن المهلّب ، ثمّ جاء مسلمة بن
عبد الملك فعزل عبد الحميد عن الكوفة ، وولى عليها محمّد بن عمرو بن الوليد بن
عقبة وذلك سنة (١٠١)
__________________
للهجرة. وقيل سنة (١٠٢) للهجرة.
وخرج ابن عبدل ذات يوم من عند الأمير عبد الحميد ، فشاهد رجلا على باب
الأمير ، وكان أعرجا ، يطلب الاستئذان له بالدخول على الأمير ، فقال ابن عبدل ،
وكان هو الآخر أعرجا ، وكان رئيس الشرطة أعرجا أيضا فقال :
|
ألق العصا
ودع التخامع والتمس
|
|
عملا فهذي
دولة العرجان
|
|
لأميرنا
وأمير شرطتنا معا
|
|
يا قومنا
لكليهما رجلان
|
|
فإذا يكون
أميرنا ووزيرنا
|
|
وأنا فإن
الرابع الشيطان
|
ولمّا سمع عبد
الحميد بهذه الأبيات ، بعث إلى ابن عبدل مائتي درهم ، وطلب منه أن يكف عنه.
وكتب عمر بن
عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن : (أما بعد ، فإنّ أهل الكوفة قد أصابهم
بلاء وظلم وجور في أحكام الله ، وسنة خبيثة سنّها عليهم عمّال السوء ، وإنّ قوام
الدين ، العدل والإحسان ، فلا يكوننّ شيء أهمّ اليك من نفسك ، فإنّه لا قليل من
الأثم ، ولا تحمل خرابا على عامر ، وخذ منه ما أطاق وأصلحه حتّى يعمر ، ولا يؤخذن
من العامر إلّا وظيفة الخراج في رفق وتسكين لأهل الأرض ... ولا تعجل دوني بقطع ولا
صلب حتّى تراجعني فيه ، وانظر من أراد الذريّة أن يحجّ ، فعجل له مائة ليحجّ بها
والسلام).
__________________
وكتب عبد
الحميد إلى عمر بن عبد العزيز : (إنّ رجلا قد شتمك ، فأردت أن أقتله). فكتب إليه
عمر بن عبد العزيز : (لو قتلته لأقدتك به ، فإنه لا يقتل بشتم أحد ، إلّا رجل شتم
نبيا).
وقيل ذهب بلال
بن أبي موسى الأشعري إلى الشام ، فدخل المسجد ، وأخذ يصلي ويكثر منها ، فرآه عمر
بن عبد العزيز ، فقال للعلاء بن المغيرة بن البنداد : (إن كان سرّ هذا مثل علانيته
، فهو رجل أهل العراق بلا منازع). فقال له العلاء : سوف آتيك بخبره ، فذهب العلاء
وكان بلال يصلّي ، فقال له : أسرع في صلاتك فإن لي اليك حاجة ففعل ، فقال له
العلاء : أنت تعرف منزلتي عند أمير المؤمنين وإنّه لا يردّ لي طلبا ، فكم تعطيني
إذا أشرت عليه بتوليتك العراق؟ فقال بلال : (أعطيك عمالتي سنة) ، فقال له العلاء : أكتب لي بذلك عهدا ، فكتب له ،
وختمه بخاتمه. فذهب العلاء إلى عمر بن عبد العزيز ، وأخبره بحقيقة بلال ، عندها
كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن (أمير الكوفة) : (إذا ورد
عليك كتابي هذا فلا تستعن على عملك بأحد من آل أبي موسى). وقيل إنّه كتب
إليه : (أما بعد ، فإنّ بلالا غرّنا بالله فكدنا نغترّ به فسبكناه ، فوجدناه خبثا
كلّه والسلام).
وحينما كان عبد
الحميد بن عبد الرحمن أميرا على (المدينة) من قبل عمر بن عبد العزيز كتب إليه عمر
يقول : (إنّه يخيّل إليّ ، لو كتبت اليك ، أن تعطي رجلا شاة لكتبت اليّ تقول :
أضأنا أو معزا؟. ولو كتبت اليك
__________________
بأحدهما لكتبت إليّ ، أذكرا أو أنثى ، ولو كتبت اليك بأحدهما ، لكتبت إليّ
أصغيرا أو كبيرا؟ فإذا كتبت اليك في مظلمة ، فنفذ أمري ولا تراجعني فيها).
وكتب إليه عمر
بن عبد العزيز أيضا : (قسّم في ولدي عليّ بن أبي طالب عشرة آلاف دينار ، فكتب إليه
عبد الحميد : إنّ عليا قد ولد في عدة قبائل من قريش ، ففي أي ولده؟
فكتب إليه عمر
بن عبد العزيز : لو كتبت اليك في شاة تذبحها ، لكتبت إليّ : أسوداء هي أو بيضاء ،
فإذا أتاك كتابي هذا فاقسم في ولد عليّ من فاطمة (رضوان الله عليهم) ، عشرة آلاف
دينار ، فطالما تخطتهم حقوقهم ، والسلام).
مات عبد الحميد
في حرّان سنة (١١٠) للهجرة ، وقيل سنة (١١٥) في خلافة هشام بن عبد الملك.
٥٤ ـ عدي بن أرطأة :
هو : عدي بن
أرطأة وقيل ابن أبي أرطأة الفزاري ، وكنيته : أبو وائلة ، من أهل دمشق.
ولّاه الخليفة
عمر بن عبد العزيز إمارة العراقين (الكوفة والبصرة) سنة (٩٩) للهجرة وأمره بمحاربة يزيد بن المهلّب ، وأن يأخذ منه
جميع
__________________
الأموال الّتي جباها من بلاد (خراسان ، وجرجان ، وطبرستان) . وكان عدي يقيم في (واسط). وذكر ابن الأثير بأن عمر بن
عبد العزيز قد ولّاه البصرة فقط.
وبعد موت عمر
بن عبد العزيز ، أقرّه يزيد بن عبد الملك على إمارة العراقين سنة (١٠١) للهجرة ،
وأمره بحبس آل المهلّب ، ومواليهم ، ويعذّبهم أشدّ عذاب.
وعند ما وصل
يزيد بن المهلّب إلى البصرة ، كتب إلى عدي بن أرطأة قائلا : (إنّك حبست أخوتي وأهل
بيتي بلا ذنب ، وأنا المطلوب ، فأخرجهم من حبسهم ، وأعاهدك الله بأنّي لا أدخل
البصرة حتّى يأذن لي يزيد بن عبد الملك). فرفض عدي ابن أرطأة طلبه ، ثمّ جرت
بينهما معركة انتهت بهزيمة ابن أرطأة ، ولجوءه إلى قصر الإمارة في البصرة ، ثمّ
بعد ذلك ألقي عليه القبض ، وجيء به إلى يزيد بن المهلّب ، فأمر بحبسه.
وقبل ابتداء
الحرب بين الطرفين ، قال عدي ابن أرطأة لأصحابه : سوف أعطيكم الأرزاق من مالي
الخاصّ ، وبعد الانتهاء من حرب ابن المهلّب سوف أكتب إلى أمير المؤمنين ، وسوف
تحصلون على ما تحبّون ، ثمّ أعطاهم مبلغا من المال فقسّموه بينهم ، فأصاب كلّ واحد
منهم (درهمان) فقط ، فقال الفرزدق في ذلك :
|
أظنّ رجال
الدرهمين يقودهم
|
|
إلى الموت
آجال لهم ومصارع
|
|
وأكسيهم من
قرّ في قعر بيته
|
|
وأيقن أنّ
الموت لابد واقع
|
وجاء يزيد بن
المهلّب ، وعسكر قرب (المربد) وجاء ابن أرطأة ومعه
__________________
أهل الشام ، وقلّة من اهل البصرة ، وحمل بعضهم على بعض ، ثمّ تقدّم غلام
لحبيب بن المهلّب اسمه (دارس) وكان فارسا شجاعا ، فأخذ يرتجز ويقول
|
أنا غلام
الأزد أسمي دارس
|
|
ليث غضوض هرت
خنابس
|
|
إنّ تميما
ساء ما يمارس
|
|
إذا التقينا
فارس وفارس
|
ثمّ حمل دارس (هذا)
على أهل البصرة ، ففرّقهم يمنة ويسرة ، وقتل منهم جماعة وجرح منهم الكثير ، فقال
الفرزدق :
|
تفرّقت
الخيلان إذ صاح دارس
|
|
ولم يصبروا
تحت السيوف الصوارم
|
|
جزى الله
قيسا عن يزيد ملامة
|
|
وخصّ بها
الأدنين أهل الملاوم
|
ثمّ جيء بعدي
بن أرطأة مقيدا بالحديد إلى يزيد بن المهلّب ، فقال له عدي : يا أبا خالد ، إنّك
قدرت ومننت فتلك شيمتك ، وإن عاقبت فيما كسبت يداي ، فإنّ بقائي متصل ببقائك ..
الخ) فقال ابن المهلّب : زجّوه في السجن ، وعذّبوه كما عذّب إخوتي وأهل بيتي. ثمّ
بايع الناس يزيد بن المهلّب على كتاب الله وسنّة نبيه محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقد اشتهر ملوك
بني أميّة بظلم الناس ، ومعاملتهم بقسوة ، عدا عمر ابن عبد العزيز ، فقد اشتهر
بعدالته ، وحسن رعيته للناس ، وكان يكاتب كافة الأمراء والولاة في الأقطار ،
يوصيهم الرفق بالناس ، والسير بهم بالعدل ، وكان عدي بن أرطأة يجالس القراء
والفقهاء ، ويشاورهم في بعض الأمور ، فكتب إليه عمر بن عبد العزيز ذات يوم : (غرّني
منك مجالسة القرّاء ، وعمامتك السوداء ، فلمّا بلوناك ، وجدناك على خلاف ما
أمّلناك ،
__________________
قاتلكم الله ، أما تمشون بين القبور).
وكتب عدي بن
أرطأة (أمير الكوفة) إلى عمر بن عبد العزيز ، يخبره بسوء طاعة أهل الكوفة ، فكتب
إليه عمر يقول : (لا تطلب طاعة من خذل عليا ، وكان إماما مرضيا).
وقال عدي بن
أرطأة لأياس بن معاوية : أرشدني إلى بعض القرّاء لكي أعينهم في بعض المناصب ، فقال
له أياس : القرّاء قسمان : قسم يعملون للآخرة ، ولا يعملون لك ، والقسم الآخر
يعملون للدنيا ، فماذا ترجو منهم إذا أمكنتهم منها ، ولكن عليك بأهل البيوتات
الّذين يستحيون لأحسابهم فولّهم.
وكان عدي بن
أرطأة ، قد تزوج بامرأة من أهل الكوفة ، واشترطت عليه أن تسكن في دارها ، ثمّ أراد
أن ينقلها إلى دار أخرى ، فخاصمته إلى شريح القاضي.
واليك أيّها
القارئ الكريم ما دار من حوار بين عدي وبين القاضي شريح : دخل عدي إلى القاضي فقال
: أين أنت أصلحك الله؟
قال شريح :
بيني وبينك الحائط.
|
قال عدي :
إنّي رجل من أهل الشام
|
|
قال شريح :
نائي الدار ، سحيق المزار
|
|
قال عدي : قد
تزوجت عندكم
|
|
قال شريح :
بالرفاء والبنين
|
__________________
|
قال عدي :
وولد لي غلام
|
|
قال شريح :
يهنئك الفارس
|
|
قال عدي :
وأردتّ أن أرحلها
|
|
قال شريح :
الرجل أحقّ بأهله
|
|
قال عدي :
وشرطت لها دارها
|
|
قال شريح :
الشرط أملك
|
|
قال عدي :
فاحكم الآن بيننا
|
|
قال شريح :
قد حكمت
|
|
قال عدي :
على من قضيت
|
|
قال شريح :
على ابن أمك
|
|
قال عدي :
بشهادة من؟
|
|
قال شريح :
ابن أخت خالتك
|
وقيل إنّ عمر
بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن أرطأة : (إذا جاءك رجلان من مزينة ، فولّي (أحدهما) قضاء البصرة. فدخل عليه القاضي بكر بن عبد الله المزنيّ
، فطلب منه عدي أن يتولّى القضاء في البصرة ، فقال بكر : (والله ما أحسن القضاء)
فإن كنت صادقا ، فما يحلّ لك أن توليني ، وإن كنت كاذبا لأحراهما).
وقد ذكر صاحب
العقد الفريد هذه القصّة بشكل آخر وهي :
كتب عمر بن عبد
العزيز إلى عدي ابن أرطأة : أن يجمع بين أياس بن معاوية وبين القاسم بن ربيعة
الجوشني ، ثمّ يختار أيّهما أصلح لتولي القضاء في الكوفة ، فأرسل اليهما عدي بن
أرطأة وسألهما : فقال له أياس : سل عنّي وعن القاسم فقيهي البصرة (الحسن البصري
وابن سيرين) ، وكان ابن أياس لا يحضر مجلسهما ، وكان القاسم الجوشني يحضرهما ،
وأنّهما سوف يشيران بتعيينه ، فعندها قال القاسم : لا تسأل عنّي ولا عنه ، فو الله
الّذي لا إله إلّا هو ، إنّ إياس بن معاوية : أفقه منّي ، وأعلم بالقضاء ، فإن كنت
كاذبا ، فما ينبغي أن توليني ، وإن كنت صادقا فينبغي لك
__________________
أن تقبل قولي.
فقال له أياس :
إنّك جئت برجل ، فوقفته على شفير جهنّم ، فنجّى نفسه منها بيمين كاذبة ، يستغفر
الله منها ، وينجو مما يخاف. فقال عدي بن أرطأة : (إما إذا فهمتها ، فأنت لها) فاستقضاه.
قتل عدي بن
أرطأة سنة (١٠٢) للهجرة ، قتله معاوية بن يزيد بن المهلّب ، وذلك عند ما
سمع بقتل أبيه (يزيد).
وكتب عمر بن
عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة : (بلغني أنّك تستنّ بسنن الحجّاج فلا تستنّ بسنّته ،
فإنّه كان يصلّي الصلاة لغير وقتها ، ويأخذ الزكاة من غير حقها ، وكان لما سوى ذلك
أضيع).
٥٥ ـ مسلمة بن عبد
الملك :
هو : مسلمة بن
عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي ، الدمشقي ، الأمير الشجاع ، قائد الجيوش ،
وكنيته : أبو الأصبغ وأبو سعيد ، ويلقب بالجرادة الصفراء.
ولّاه أخوه
يزيد بن عبد الملك إمارة البصرة ، وذلك لمحاربة يزيد بن المهلّب سنة (١٠١) للهجرة.
وعند ما تلاقت
الجيوش ، أخذ الخوف يدب في جيش ابن المهلّب ، لما لمسلمة والعباس بن الوليد من
سمعة في الشجاعة ، والبراعة في الحروب ، فلمّا رآى ابن المهلّب ذلك خطب في أصحابه
وقال : (لم تخافون من مسلمة
__________________
والعباس؟ فو الله ما مسلمة عندي إلا جرادة صفراء ، قسطنطين بن قسطنطين ،
وما العباس عندي إلا نسطوس بن نسطوس ، ومن هم أهل الشام؟ فو الله ما هم إلا سبعة
أسياف خمسة منها لي ، وإثنان عليّ ، وإنّما أتاكم مسلمة والعباس في برابرة وأقباط
وجرامقة وأنباط ، وجراجمة وأخلاط ، مغاربة وصقالبة ، زرّاعون وفلّاحون ، أوباش
وأخناش). ثمّ دارت معركة بين الطرفين ، انتهت بمقتل يزيد بن
المهلّب وأخوته وأكثر أصحابه ، ثمّ أخذ الباقون أسرى ، ثمّ أرسلت الرؤوس والأسرى
إلى الشام. ولمّا انتهى مسلمة ابن عبد الملك من حرب يزيد بن المهلّب ، جمع له أخوه
يزيد بن عبد الملك إمارة العراقين وخراسان وذلك سنة (١٠٢) للهجرة ، ثمّ عزل عن العراق وخراسان في أوائل سنة (١٠٢)
للهجرة ، عزله أخوه يزيد وعيّن مكانه عمر ابن هبيرة الفزاري ، فعاد مسلمة إلى
الشام.
وعند ما عزل
مسلمة عن العراق ، قال الفرزدق :
|
راحت بمسلمة
الركاب مودعا
|
|
فأرعي فزارة
لا هناك المرتع
|
|
عزل ابن بشر وابن عمرو قبله
|
|
وأخو هراة لمثلها
يتوقع
|
|
ولقد علمت
لئن فزارة أمرت
|
|
أن سوف تطمع
في الإمارة أشجع
|
|
من خلق ربّك
ما هم ولمثلهم
|
|
في مثل ما
نالت فزارة يطمع
|
__________________
وعند ما ترك مسلمة العراق ، وعاد إلى الشام ، مدحه رجل من أهل الشام فقال :
|
إنّ الّذي
مدّ علينا نعمه
|
|
وقد أحاطت
بالعراق الدمدمه
|
|
دعوة مشؤوم
دعا بالمشأمة
|
|
فأتبع الظالم
قوم ظلمه
|
|
فالله منهم
بمسلمة
|
|
من بعدما
وبعدما وبعدمه
|
|
كانت بنات الموت
عند الغلصمه
|
|
كادت الحرّة
أن تدعى أمه
|
وقال مسلمة
لأخيه يزيد بن عبد الملك : يا أمير المؤمنين ، أيّهما أحبّ اليك؟ أخوك أم ابن أخيك؟
قال : بل أخي. فقال مسلمة : فأخوك أحقّ بالخلافة. فقال يزيد : إذا لم تكن في ولدي
، فأخي أحقّ بها من ابن أخي كما قلت. فقال مسلمة : إنّ ابنك لم يبلغ سن الرشد
فبايع لهشام ، ومن بعده لأبنك الوليد فبايع يزيد بولاية العهد لأخيه هشام ، ومن
بعده لأبنه الوليد.
ثمّ عاش يزيد
حتّى كبر ابنه الوليد وبلغ سن الرشد ، فكان كلّما رآه تحسر وقال : (الله بيني وبين
من جعل هشاما بيني وبينك).
وكان مسلمة بن
عبد الملك ، أولى بالخلافة من سائر أخوته ، ولكنه لم يل الخلافة لأن أمّه كانت (أمّه)
، وكان الأمويون لا يولّون خليفة إلّا من أصل عربيّ.
وتسابق أبناء
عبد الملك فيما بينهم ، فسبقوا مسلمة ، ولمّا سمع عبد الملك قال متمثلا بقول عمرو
بن مبرد العبدي :
__________________
|
نهيتكم أن
تحملوا هجناءكم
|
|
على خيلكم
يوم الرهان فتدركوا
|
|
فتفتر كفاه
ويسقط سوطه
|
|
وتخدر رجلاه
فما يتحرك
|
|
وما يستوي
المرء إن هذا ابن حرّة
|
|
وهذا ابن
أخرى ظهرها مشترك
|
|
وأدركه
خالاته فاختزلنه
|
|
إلا أنّ عرق
السوء لابد مدرك
|
فقال له مسلمة
: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين : ليس مثلي ، ولكن كما قال عليّ بن المعتمر :
|
فما أنكحونا
طائعين بناتهم
|
|
ولكن خطبناها
بأرماحنا قهرا
|
|
فما زادها
فينا السباء مذلّة
|
|
ولا كلّفت
خبزا ولا طبخت قدرا
|
|
ولكن خلطناها
بغير نسائنا
|
|
فجاءت بهم
بعضا غطارفة زهرا
|
|
وكأن ترى
فينا من ابن سبيّة
|
|
إذا لقي
الأبطال يطعنهم شزرا
|
فقال له أبوه :
أحسنت يا بني ، ذلك أنت ، ثمّ أمر له بمائة ألف مثلما أخذ السابق.
وتشاجر الوليد
بن عبد الملك مع أخيه مسلمة في شعر امرئ القيس والنابغة ، أيّهما أشعر في وصف اللّيل
وطوله ، فقال الوليد : النابغة أشعر ، وقال مسلمة : بل امرئ القيس ، ثمّ اتفقا على
أن يكون (الشعبي) هو الحكم بينهما ، فأرسلوا إليه وأحضر ، فأنشد الوليد قول
النابغة :
|
كليني لهمّ
يا أميمة ناصب
|
|
وليل أقاسيه
بطيء الكواكب
|
|
تطاول حتّى
قلت ليس بمنقض
|
|
وليس الّذي
يرعى النجوم بآيب
|
|
وصدر أراح
اللّيل عازب همّه
|
|
تضاعف فيه
الحزن من كلّ جانب
|
ثمّ أنشد مسلمة
قول امرؤ القيس :
__________________
|
وليل كموج
البحر أرخى سدوله
|
|
عليّ بأنواع
الهموم ليبتلي
|
|
فقلت له لما
تمطّى بصلبه
|
|
وأردف إعجازا
وناء بكلكل
|
|
ألا أيّها
اللّيل الطويل ألا إنجلي
|
|
بصبح وما
الإصباح منك بأمثل
|
|
فيا لك من ليل
كأنّ نجومه
|
|
بكلّ مفاز
الفتل شدت بيذبل
|
فطرب الوليد
وأخذ يحرك رجلاه ، فقال (الشعبي) : بانت القضية.
وجاء الشعراء :
(كثير عزّة والأحوص ونصيّب) إلى عمر بن عبد العزيز أيّام خلافته ، وكانت تربطهم
بينه صداقة قديمة ، فلم يأذن لهم بالدخول عليه ، فذهبوا إلى مسلمة بن عبد الملك ،
فقال لهم : أما بلغكم أنّ أمير المؤمنين لا يقبل الشعر؟ فقالوا له : لم نكن نعلم
ذلك ، فمكثوا عند مسلمة ضيوفا أربعة أشهر ، ومسلمة يطلب لهم الأذن من عمر ، فلا
يؤذن لهم ، وذات يوم جمعة كان للعامّة ، فدخلوا عليه مع عامّة الناس ، فقال كثيّر
عزه : يا أمير المؤمنين : طال الثواء ، وقلت الفائدة وتحدث العرب بجفائك إيّانا.
فقال عمر بن
عبد العزيز : يا كثيّر ، (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ
لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ
قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ
السَّبِيلِ). أفي واحد من هؤلاء أنت؟ قال كثيّر : نعم. فقال عمر بن
عبد العزيز : ما أرى ضيف أبي سعيد منقطعا به.
فقال كثيّر :
يا أمير المؤمنين ، أتأذن لي في الإنشاد؟ قال عمر : نعم ، ولا تقل إلا حقّا. فقال
كثيّر :
|
وليت فلم
تشتم عليّا ولم تخف
|
|
بريّا ولم
تقبل إشارة مجرم
|
__________________
|
وصدّقت
بالفعل المقال مع الّذي
|
|
أتيت فأمسى
راضيا كلّ مسلم
|
|
وقد لبست لبس
الهلوك ثيابها
|
|
تراءى لك
الدنيا بكف ومعصم
|
|
فأعرضت عنها
مشمئزّا كأنّما
|
|
سقتك معروفا
من سمام وعلقم
|
إلى آخر
القصيدة ، ثمّ تقدّم الأحوص ، وأنشد قصيدة طويلة نقتبس منها :
|
وما الشعر
إلّا حكمة من مؤلّف
|
|
بمنطق حقّ أو
بمنطق باطل
|
|
فلا تقبلنّ
إلّا الّذي وافق الرضا
|
|
ولا ترجعنا
كالنساء الأرامل
|
|
فإنّ لم يكن
للشعر عندك موضع
|
|
وإن كان ومثل
الدرّ من نظم قائل
|
|
فإنّ لنا
قربى ومحض مودّة
|
|
وميراث آباء
مشوا بالمناصل
|
فأعطى لكثير
عزة ثلاثمائة درهم ، ولكل من الأحوص ونصيب مائة وخمسون دينار.
وكتب مسلمة إلى
أخيه الوليد ، عند ما غزا القسطنطينيّة :
|
أرقت وصحراء
الطوانة بيننا
|
|
لبرق تلألأ
نحو غمرة يلمح
|
|
أزاول أمرا
لم يكن ليطيقه
|
|
من القوم إلا
اللوذعي الصمحمح
|
وقال القعقاع
بن خالد العبسيّ :
|
فأبلغ أمير
المؤمنين رسالة
|
|
سوى ما يقول
اللوذعي الصمحمح
|
|
أكلنا لحوم
الخيل رطبا ويابسا
|
|
وأكبادنا من
أكلنا الخيل تقرح
|
|
ونحبسها حول
الطوانة طلعا
|
|
وليس لها حول
الطوانة مسرح
|
|
فليت الفزاري
الّذي غشّ نفسه
|
|
وغش أمير
المؤمنين يفرح
|
__________________
وكان مسلمة قد تزوج من الرباب بنت زفر بن الحارث ، وكان يأذن لأخويها (الهذيل
وكوثر) بالدخول عليه في أوّل الناس ، فجاء عاصم بن عبد الله بن يزيد ذات يوم إلى
قصر مسلمة ، فدخل الهذيل وكوثر قبله ، وعند ما دخل على مسلمة قال :
|
أمسلمة قد
منيتني ووعدتني
|
|
مواعيد صدق
إن رجعت مؤمرا
|
|
أيدعى الهذيل
ثمّ أدعى وراءه
|
|
فيالك مدعا
ما أذلّ وأحقرا
|
|
وكيف لم يشفع
لك اللّيل كله
|
|
شفيع إذا
ألقى قناعا ومئزرا
|
|
فلست براض
عنك حتّى تحبّني
|
|
كحبّك صهريك
الهذيل وكوثرا
|
فأجابه الهذيل
قائلا :
|
ما فخر فخار
عليّ وإنّما
|
|
نشأنا
وأمّانا معا أمتان
|
|
أبي كان خيرا
من أبيك وأفضلت
|
|
عليك قديما
جرئتي وبياني
|
ودخل مسلمة بن
عبد الملك على عمر بن عبد العزيز في مرضه الّذي مات فيه وقال له : ألا توصي يا
أمير المؤمنين؟. قال : بماذا أوصي؟ فو الله ليس عندي مال. فقال مسلمة : هذه مائة
ألف اعط لمن شئت قال عمر : (ردها على من أخذتها منه ظلما). فبكى مسلمة ثمّ قال : (يرحمك
الله لقد ألفت منّا قلوبا قاسية ، وأبقيت لنا في الصالحين ذكرا) . وكان يزيد بن عبد الملك قد أحبّ جارية اسمها (حبابة)
حتّى هام في حبّها وأنغمس في الشرب واللهو وترك أمور الناس حتّى أصابهم الظلم
والجور من حاشيته فذهب إليه أخوه مسلمة وقال له : (لقد مات عمر بن عبد العزيز
بالأمس وأنت تعرف ما كان من عدله ورعايته للناس ، فيجب عليك أن تظهر العدل
__________________
للناس وتترك اللهو ، فقد أقتدى بك عمالك في سائر أفعالك وسيرتك) .
فترك حبابة
وأظهر الندم. ولمّا سمعت (حبابة) بذلك ارسلت إلى يزيد بن عبد الملك لزيارتها ،
فلمّا دخل عليها قالت له : يا أمير المؤمنين ، اسمع منّي صوتا واحدا ، ثمّ افعل ما
بدا لك ، فغنته قائلة :
|
ألا لا تلمه
اليوم أن يتبلدا
|
|
فقد غلب
المحزون أن يتجلدا
|
|
إذا كنت لم
تعشق ولم تدري ما الهوى
|
|
فكن حجرا من
يابس الصلد جلمدا
|
|
فما العيش
إلا ما تلذ وتشتهي
|
|
وإن لام فيه
ذوو الشنآن وفندا
|
فأخذ يزيد يردد
ما غنت (حبابة) وعاد إلى لهوه وشربه. ومرضت (حبابة) فلازمها يزيد صباح مساء حتّى
ماتت وبقي أياما إلى جانبها (لم يدفنها) حزنا وجزعا عليها إلى ان خرجت جيفتها ،
عند ذلك دفنها وجلس عند قبرها ، فدنا منه أخوه مسلمة ، وأخذ يعزيه ويؤنسه ، فقال
له يزيد : قاتل الله ابن أبي جمعة ، كأنّه يرى ما نحن فيه حيث قال :
|
فان تسل عنك
النفس أو تدع الهوى
|
|
فباليأس
تسلوا النفس لا بالتجلدا
|
|
وكلّ خليل
زارني فهو قائل
|
|
من أجلك :
هذا ميّت اليوم أو غدا
|
وبعد أيّام على
دفن (حبابة) مات يزيد بن عبد الملك وقيل أصيب بمرض الطاعون.
وكان مسلمة ،
اذا تجمعّ عنده أصحاب الحوائج ، وخاف الضجر منهم ، أمر أن يحضر ندماؤه من أهل
الأدب ، فيتحدثون عن مكارم الناس ، وجميل طرائفهم ومروءاتهم ، فيطرب مسلمة ويهيج
ثمّ يقول : أدخلوا أصحاب
__________________
الحاجة فلا يدخل عليه أحد إلا وقضى حاجته . وقال أبو نخيلة الشاعر يمدح مسلمة :
|
أمسلم إنّي
يا ابن خير خليفة
|
|
ويا فارس
الهيجاء يا جبل الأرض
|
|
شكرتك إنّ
الشكر حبل من التقى
|
|
وما كلّ من
أوليته نعمة يفضي
|
|
وأحسنت لي
ذكري وما كنت خاملا
|
|
ولكن بعض
الذكر أنبه من بعض
|
وقيل : إنّ
مسلمة بن عبد الملك أوصى (قبيل وفاته) بثلث امواله لأهل الأدب وقال : (صناعة مجفو
أهلها) . مات مسلمة بن عبد الملك بالشام سنة (١٢٠) للهجرة ، وقيل سنة (١٢١) للهجرة .
٥٦ ـ عبد الرحمن بن
سليم الكلبيّ :
هو : عبد
الرحمن بن سليم وقيل (سليمان) الكلبيّ. ولّاه مسلمة بن عبد الملك إمارة (العراقين)
سنة (١٠٢) للهجرة ، ثمّ رجع مسلمة إلى الشام .
ثمّ عزله يزيد
بن عبد الملك عن العراق ، وولّاه خراسان بعد عزل اميرها السابق سعيد بن عمرو
الحرشي ، ثمّ عزله وولّى مكانه إبن عمّه عبد الملك ابن بشر بن مروان .
وعبد الرحمن بن
سليم الكلبيّ ، من قادة بني أميّة فقد كان مع عبد
__________________
الملك بن مروان حين ثار عليه عمر بن سعيد الأشدق سنة (٦٨) للهجرة ، كما
وجعله الحجّاج بن يوسف الثقفيّ على ميمنة جيشه في معركة (دير الجماجم). وكان عبد
الرحمن الكلبيّ أيضا مع مسلمة بن عبد الملك في حربه مع يزيد بن المهلّب ، ثمّ بعد
أن تولّى مسلمة (أو جمعت له ولاية العراقين) وخراسان سنة (١٠٢) للهجرة تولى عبد
الرحمن بن سليم الكلبيّ إمارة البصرة.
وذهب عبد
الرحمن إلى المهلّب بن أبي صفرة أيّام حروبه مع الأزارقة فرأى أبناء المهلّب
جميعهم متقلدين السيوف والرماح وهم يحاربون جنبا إلى جنب مع أبيهم (المهلّب) ،
فقال عبد الرحمن : (شدّ الله الإسلام بتلاحقكم ، فو الله لئن لم تكونوا أسباط
نبوّة إنّكم أسباط ملحمة) .
وكان الحجّاج
بن يوسف الثقفيّ قد أرسل عبد الرحمن الكلبيّ لمحاربة مطهر بن عمّار بن ياسر ،
ولمّا وصل إلى حلوان أرسل له الحجّاج مددا مع (تخيت الغلط) وأرسل معه كتابا إلى عبد الرحمن ، فمرّ (تخيت) بالمدد
وهم يعرضون في خانقين. وعند ما وصل (تخيت) سأله عبد الرحمن : أين تركت مددنا؟
فقال (تخيت) : (تركتهم يخنقون بعارضين). قال عبد الرحمن : أو يعرضون بخانقين. قال
تخيت : نعم ، اللهم لا تخانق في باركين.
وعند ما ذهب (تخيت)
الغلط ليجلس أراد عبد الرحمن أن يقول له : ألا تريد أن تتغدّى؟ قال له ألا تضرط؟
قال تخيت : قد فعلت ، أصلحك الله.
فقال عبد
الرحمن : ما هذا قصدت ، قال تخيت : صدقت ولكن الأمير غلط
__________________
كما غلطنا ، فقال عبد الرحمن : أنا غلطت من فمي وغلط هو من إسته.
٥٧ ـ عبد الملك بن
بشر بن مروان :
وعبد الملك هو
: ابن عم الخليفة يزيد بن عبد الملك ، وأمّه (هند) بنت أسماء بن خارجة ، ولّاه
يزيد بن عبد الملك إمارة (العراقين) بعد عزل عبد الرحمن بن سليم الكلبيّ سنة (١٠٢)
للهجرة.
وعند ما جاء
أبوه (بشر بن مروان) إلى الكوفة أميرا عليها من قبل أخيه عبد الملك سنة (٧٢)
للهجرة سأل عن هند بنت أسماء بن خارجة (وكانت آنذاك أرملة عبيد الله بن زياد)
فخطبها وتزوجها وولدت له عبد الملك ، ولمّا مات بشر بن مروان لم تجزع عليه هند ولم
تحزن فقال الفرزدق :
|
فإن تك لا
هند بكته فقد بكت
|
|
عليه الثريا
في كواكبها الزهر
|
ثمّ تزوجها بعد
ذلك الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، ثمّ طلقها الحجّاج عند ذهابه إلى واسط وبنى قصره
هناك.
وعن محمّد بن
عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي أنه قال : ذهبنا يوما (ومعنا الحجّاج بن
يوسف الثقفيّ) نعود عبد الملك بن بشر ، فسلّمنا عليه ثمّ خرجنا ، وقد تخلّف
الحجّاج عنده ، فوقفنا ننتظره فلمّا خرج قال لي : لقد رأيت الآن هندا وهي أجمل مما
كانت عليه قبلا ولا بد لي من الرجوع اليها ، فقلت له : أيّها الأمير إنّك قد
طلقتها وإنّ الناس سوف يتحدثون عنك بما لا ترتضي. فقال له الحجّاج : صدقت. فقال
محمّد : (والله
__________________
ما كان منّي ذلك نظرا ، ولا نصيحة ، ولكني أنفت لرجل من قريش أن تداس أمّه في كل وقت) .
وكان عبد الملك
بن بشر جوادا كريما حتّى قال فيه الشاعر :
|
جئت بشرا
زائرا ووجدته والله سمحا
|
|
وقصدته
متعمدا ليلا فما أصبحت صبحا
|
|
حتى رأيت
نواعما يدلجن بالبدات دلجا
|
|
فلبست ثوبا
للغنى وطويت للإفلاس كشحا
|
وعند ما جمعت
ولاية (العراقين) وخراسان لمسلمة بن عبد الملك سنة (١٠٢) للهجرة ، جعل عبد الملك
بن بشر أميرا على البصرة.
ولمّا قتل زيد
بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب بالكوفة سنة (١٢١) للهجرة وصلب جسده بالكناسة في إمارة يوسف بن عمر ، ذهب رجل من بني أسد إلى يحيى بن
زيد بن عليّ وقال له : قد قتل أبوك ، وأهل خراسان لكم شيعة فالرأي عندي أن تذهب
اليها ، فقال له يحيى : وكيف أذهب وجواسيس يوسف بن عمر تلاحقني؟ فقال له ذلك الرجل
: تختفي لعدة أيّام حتّى يكف عنك الطلب ثمّ تخرج. ثمّ ذهب ذلك الرجل إلى عبد الملك
بن بشر بن مروان وقال له : إنّ زيد بن عليّ قريبك وحقّه واجب عليك وهذا أبنه يحيى (وهو
حدث) فإذا سمع به يوسف بن عمر فسوف يقتله وهو لا ذنب له ، لذا أرى أن تأويه لعدّة
أيّام حتّى تهدأ الأمور. فقال
__________________
عبد الملك : نعم وكرامة. فأجاره عنده وأخفاه ، فسمع يوسف بن عمر بأن يحيى
بن زيد عند عبد الملك فأرسل يوسف إلى عبد الملك قائلا : (قد بلغني مكان هذا الغلام
عندك ، فو الله لئن لم تأتني به لأكتب فيك إلى أمير المؤمنين).
فقال له عبد
الملك : (ما كنت لآوي مثل هذا الرجل وهو عدوّنا وابن عدوّنا). فصدقه يوسف بن عمر وبعد أن هدأت الأحوال واستقرت الأمور
خرج يحيى بن زيد من الكوفة وذهب إلى خراسان.
وقيل إنّ امرأة
من أهل السواد كانت لها ديون على بعض الناس فخافت أن ينكروها عليها فذهبت إلى
الحكم بن عبدل الأسديّ فاستنجدت به وقالت له : بأنّها امرأة وليس لها زوج وأنّ لها
ديون على جماعة وتخاف أن ينكروها عليها ثمّ عرضت عليه الزواج منها فخرج معها ابن
عبدل فاستحصل لها كافة ديونها ثمّ ذهبت تلك المرأة إلى أهلها وكتبت إليه هذين
البيتين :
|
سيخطيك الّذي
حاولت مني
|
|
فقطع حبل
وصلك من وصالي
|
|
كما أخطاك
معروف بشر
|
|
وكنت بعيد
ذاك رأس مالي
|
فذهب ابن عبدل
إلى عبد الملك بن بشر وقرأ عليه البيتين فقال له ابن بشر : أيّهما أحبّ اليك
خمسمائة نقدا؟ أو ألف دينار في العامّ القادم؟ ولمّا جاء العامّ القادم قال له عبد
الملك : ألف أحبّ اليك أو ألفان في العامّ القادم؟
فقال ابن عبدل
: بل ألفان ، فذهب ابن عبدل وجاء في العامّ القادم فوجد عبد الملك قد مات.
__________________
وكان عبد الملك
بن بشر مولعا بالصيد ، وسباق الخيل ، وكانت له عدّة فهود ، فطلب من أبي النجم
الشاعر أن يصف فهوده فقال :
|
إنّا نزلنا
خير منزلات
|
|
بين الحميرات
المباركات
|
|
في لحم وحش
وحباريات
|
|
وإن أردن
الصيد ذا اللذّات
|
|
جاء مطيعا
لمطاوعات
|
|
علّمن أو قد
كنّ عالمات
|
|
فسكن الطرف
بمطرفات
|
|
تريك آماقا
مخططات
|
وقيل : عند ما
قتل يزيد بن عمر بن هبيرة في واسط سنة (١٣٢) للهجرة ، أعطى أبو جعفر المنصور
الأمان لكافة من كان مع أبن هبيرة ما عدا عبد الملك بن بشر بن مروان وآخرين معه.
٥٨ ـ محمّد بن عمرو (ذو
الشامة):
هو : محمّد بن
عمرو (ابو قطيفة) بن الوليد بن عقبة بن أبو معيط ، ولقبه (ابو شامة). اما (قطيفة)
فيقال كان كثير الشعر في اللحية والوجه والصدر.
أقرّه يزيد بن
عبد الملك أميرا على الكوفة ، وقيل إنّ الّذي أقرّه هو مسلمة بن عبد الملك ، وذلك
عند ما جمع له أخوه (يزيد بن عبد الملك) ولاية (المصرين) سنة (١٠٢) للهجرة ، حيث
ذهب مسلمة إلى البصرة وأستخلف محمّد بن عمرو على الكوفة . وعند ما قتل يزيد بن المهلّب ،
__________________
أرسل بروؤسهم إلى الشام ، وأرسل الأسرى وعددهم ثلثمائة رجل إلى محمّد بن
عمرو لحبسهم في الكوفة.
ثمّ أمر يزيد
بن عبد الملك بقتل جميع الأسرى الّذين هم في سجون الكوفة ، فأخذ محمّد (ذو الشامة)
يقتل عشرين شخصا كلّ يوم ، ثمّ زادهم إلى ثلاثين ، ثمّ قام ثلاثون رجل من بني تميم
فقالوا : نحن الّذين انهزمنا بالناس ، فابدأوا بنا قبل الآخرين ، فقال (العريان) : أخرجوا على اسم الله ، وأرسل إلى (ذي الشامة) يخبره
بإخراجهم ومقالتهم فبعث إليه (ذو الشامة) أن إضرب أعناقهم جميعا ، وبعد أن قتلوا
كلّهم أمر مسلمة بن عبد الملك بالكفّ عن قتل الأسرى. فقال صاحب بن ذبيان من بني
مازن بن مالك بن عمرو بن تميم :
|
لعمري لقد
خاضت معيط دمائنا
|
|
بأسيافها
حتّى انتهى بهم الوحل
|
|
وما حمل
الأقوام أعظم من دم
|
|
حرام ولا ذحل
إذ التمس الذحل
|
|
حقنتم دماء
المصلتين عليكم
|
|
وجرّ على
فرسان شيعتك القتل
|
|
وقى بهم العريان
فرسان قومهم
|
|
فيا عجبا أين
الأمانة والعدل؟
|
وقال محمّد (ذو
الشامة) يرثي عبد العزيز وابنه الأصبغ ، وكان محمّد أميرا على مصر :
|
تقول غداة
قطعنا الجفا
|
|
ر والعين
بالدمع مغرورقة
|
|
فقال امرؤ
كاره للفرا
|
|
ق تاع البلاد
وباع الرقه
|
|
وفارق إخوانه
كارها
|
|
وأهل الصفاء
وأهل الثقة
|
__________________
|
أبعد الخليفة
عبد العزيز
|
|
وبعد الأمير كذا
وأبقه
|
|
فما مصر لي
بعد عبد العزي
|
|
ز والأصبغ
الخير بالموفقه
|
|
إمامي هدى
وهدييّ تقى
|
|
وأهل الوفاء
وأهل الثقة
|
|
سقى الله
قبريهما والصدى
|
|
وما جاورا
ديمة مغدقة
|
|
فإن تك مصر
أشارت بها
|
|
إلى الشرّ
يوما يد موبقة
|
|
فقدما تقرّ
بمصر العيو
|
|
ن في لذّة
العيش مغدودقة
|
٥٩ ـ عمر بن هبيرة الفزاري :
هو : عمر بن
هبيرة بن معاوية بن سكين ، الفزاري ، الشامي ، أمير العراقين ، وكنيته : أبو
المثنى.
ولّاه يزيد بن
عبد الملك إمارة العراقين سنة (١٠٢) للهجرة ، وقيل سنة (١٠٣) للهجرة ، ثمّ أضاف اليهما خراسان. جاء عمر بن هبيرة من البادية (من بني فزارة) إلى دمشق
الشام ، وكان يتمنّى أن لا يموت قبل أن يتولّى إمارة العراق.
وفي سنة (٩٧)
للهجرة كان عمر بن هبيرة قد غزا أرض الروم عن طريق البحر وبقي فيها إلى انتهاء فصل
الشتاء. ثمّ غزا الروم (ثانية) عن
__________________
طريق أرمينية سنة (١٠٣) للهجرة فهزمهم ، وأسّر الكثير منهم ، قيل حوالي
سبعمائة أسير.
وفي سنة (١٠٤)
للهجرة كان عمر بن هبيرة أمير العراق والمشرق كلّه. وفي سنة (١٠٥) للهجرة عزل ابن هبيرة عن العراق ، عزله
هشام بن عبد الملك وعيّن مكانه خالد بن عبد الله القسريّ.
وكان عمر بن
هبيرة يتردد على أولاد عبد الملك بن مروان ، وعند ما تزوّج أحد أولاد عبد الملك
ابنة الحجّاج بن يوسف الثقفيّ أخذ ابن هبيرة يقدّم الهدايا الثمينة والعطايا
الجليلة إلى ابنة الحجّاج وكانت هذه تكتب إلى أبيها تخبره بذلك ، فعظم شأنه لدى
الحجّاج كما وعظم شأنه في الشام فقد استخلفه عمر بن عبد العزيز على الجزيرة عند ما
تولّى الخلافة ، ولمّا جاء يزيد بن عبد الملك إلى الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز
ورآى ابن هبيرة سيطرت (حبابة) في عواطف يزيد وهيامه بحبّها أخذ يكثر من هداياه إلى
(حبابة) وإلى يزيد بن عبد الملك فتمكنت (حبابة) من إقناع يزيد من تولية ابن هبيرة
العراق فولّاه.
وقال الفرزدق
حينما جاء عمر بن أبي هبيرة أميرا على العراق :
|
راحت بمسلمة
البغال عشية
|
|
فأرعي فزارة
لا هناك المرتع
|
|
ولقد علمت إذ
فزارة أمّرت
|
|
إن سوف يطمع بالإمارة
أشجع
|
وقال الفرزدق
أيضا يهجو عمر بن هبيرة :
__________________
|
أمير
المؤمنين وأنت برّ
|
|
أمين لست
بالطبع الحريص
|
|
أأطعمت
العراق ورافديه
|
|
فزاريا أحذ
يد القميص
|
|
تفهّق
بالعراق أبو المثنى
|
|
وعلّم قومه
أكل الخبيص
|
|
ولم يكن
قبلها راعي مخاضا
|
|
ليأمنه على
وركي قلوصي
|
وكان شريك
النميري (وقيل سنان بن مكحل النميري) يساير عمر بن هبيرة ذات يوم وهو على بغلته
فسبقت بغلته بغلة ابن هبيرة ، فقال له ابن هبيرة : (غضّ من بغلتك). فقال له شريك : (إنّها مكتوبة). فقال ابن هبيرة : ما
قصدت ذلك. فقال شريك : ولا أنا أردته. فظن شريك أن عمر أراد بقوله (غض من بغلتك)
قول جرير :
|
فغض الطرف
إنّك من نمير
|
|
فلا كعبا
بلغت ولا كلابا
|
وقصد شريك
بقوله (إنّها مكتوبة) قول سالم بن داره :
|
لا تأمننّ
فزاريا خلوت به
|
|
على قلوصك
واكتبها بأسيار
|
وكان أبو دلامة
، قد مدح عمر بن هبيرة أيّام ظهور الدعوة العباسية (لأتخذنّ لك منهم عبدا
صالحا يخدمك). ولمّا انتهت الدولة الأموية وجاءت الدولة العباسيّة ، قال أبو دلامة
: (ليت الله قيّض لي منهم مولى صالحا أخدمه). وعند ما أراد عمر بن هبيرة أن يرسل
الحكم بن عبدل غازيا فاعتذر عليه بوجود عاهة لديه فجيء بابن عبدل ونزعت ملابسه
وتبين أنّه أعرج فعفا عنه وجعله من حاشيته ، فقال ابن عبدل :
|
لعمري لقد
جردتني فوجدتني
|
|
كثير العيوب
سيء المتجرد
|
__________________
|
فأعفيتني لما
رأيت زمانتي
|
|
ووفقت منّي
للقضاء المسدد
|
وكان عمر بن
هبيرة عند ما يصعد إلى المنبر يقول : (اللهم إنّي أعوذ بك من عدو يسري ومن جليس
يغري ، ومن صديق يطري). وقال أيضا : (اللهم إنّي أعوذ بك من طول الغفلة وإفراط
الفطنة ، اللهم لا تجعل قولي فوق عملي ، ولا تجعل أسوء عملي ما قارب أجلي). وقال أيضا : (ما يمنعني من قول الشعر ، إلّا أكون قادرا
عليه لو أردته ، لكنّي رأيته وضع النابغة الذبياني وهو سيّد غطفان).
وكان عمر بن
هبيرة أميّا (لا يقرأ ولا يكتب) وكان إذا جاءه كتاب فتحه ونظر فيه (كأنه يقرأه)
فإذا ذهب إلى بيته ، أخذ الكتاب معه وكان في بيته (جارية) تقرأ له الكتب ثمّ
يأمرها بأن توقع هي الكتب الّتي يرسلها.
وكتب بعض
أصحابه كتابا على لسان أحد عماله ثمّ طواه وأعطاه إلى ابن هبيرة مقلوبا فأخذه أبن
هبيرة كما هو ولم يجعله بصورة صحيحة ، فعند ذلك عرف بأنّ ابن هبيرة أميّا).
وعند ما تولّى
هشام بن عبد الملك الخلافة سنة (١٠٥) للهجرة عزل عمر بن هبيرة عن العراق وولّاه
خالد بن عبد الله القسريّ وأمره أن يأخذ ابن هبيرة ويعذّبه حتّى يعطيه الأموال
الّتي جباها من العراق ، فذهب خالد القسريّ إلى البصرة وقبض على ابن هبيرة وسجنه
وأخذ يعذّبه أنواع العذاب ، ولمّا سمع أهل البصرة بذلك تألّموا عليه كثيرا لأنّهم
كانوا يحبّونه.
__________________
وعند ما قبض
خالد القسريّ عل عمر بن هبيرة ، قال رجل من بني أسد يجيب الفرزدق :
|
عجب الفرزدق
من فزارة أن رآى
|
|
عنها أميّة
بالمشارق تنزع
|
|
فلقد رآى
عجبا وأحدث بعده
|
|
أمرا تضجّ له
القلوب وتفزع
|
|
بكت المنابر
من فزارة شجوها
|
|
فاليوم من
قسر تذوب وتجزع
|
|
وملوك خندف
أسلمونا للعدا
|
|
لله درّ
ملوكنا ما تصنع
|
|
كانوا كتاركة
بينها جانبا
|
|
سفها وغيرهم
تصون وترضع
|
ثمّ تمكّن عمر
بن هبيرة من عمل نفق داخل السجن فهرب منه ، وفي ذلك قال الفرزدق :
|
ولمّا رأيت
الأرض قد سد ظهرها
|
|
ولم تر إلا
تحتها لك مخرجا
|
|
دعوت الّذي
ناداه يونس بعد ما
|
|
هوى في ثلاث
مظلمات ففرجا
|
|
فأصبحت الأرض
قد سرت سيرة
|
|
وما سار سار
مثلها حين أدلجا
|
|
خرجت ولم
تمنن عليك شفاعة
|
|
سوى حثّك
التقريب منآل أعوجا
|
فلمّا سمع ابن
هبيرة بأنّ الفرزدق قد مدحه فقال : ما رأيت أشرف من الفرزدق ، هجاني أميرا ومدحني
أسيرا. وعند ما سمع خالد القسريّ بهروب ابن هبيرة من السجن أرسل في طلبه مالك بن
المنذر بن الجارود ، فتمكّن هذا من اللّحاق به فقبض عليه فقتله. كان ذلك سنة (١١٠)
للهجرة.
وقيل سنة (١٠٧)
تقريبا.
فلمّا سمع هشام
بن عبد الملك بقتل ابن هبيرة تألّم كثيرا ، فأمر بحبس
__________________
مالك بن الجارود وعذّب في الحبس حتّى مات.
وعند ما هرب
ابن هبيرة من سجن خالد بن عبد الله القسريّ مرّ بالرقّة السوداء ، وإذا بامرأة من
بني سليم تحدّث جارتها ليلا على سطح دارها وتقول : (لا والّذي أسأله أن يخلص عمر
بن هبيرة مما هو فيه).
فوقف عمر بن
هبيرة وقال لأصحابه : هل معكم شيء؟ فأتوه بمائة درهم ، فوضعها في كيس ورمى به نحو
المرأة وقال لها : (قد خلّص الله ابن هبيرة مما هو فيه فطبي نفسا).
ودخل أعرابيّ
على عمر بن هبيرة وقال :
|
أصلحك الله
خذ ما بيدي
|
|
فما أطيق
العيال إذ كثروا
|
|
ألّح دهر
أنحى بكلكله
|
|
فأرسلوني
اليك وانتظروا
|
|
رجوك للدهر
أن تكون لهم
|
|
غيث سحاب إن
خانهم مطر
|
فضحك ابن هبيرة
وقال للأعرابي : أرسلوك اليّ وانتظروا ، إذن والله لا تجلس حتّى ترجع اليهم غانما
، فأمر له بألف دينار.
وهجا الفرزدق
يوما عمر بن هبيرة فحبسه ابن هبيرة ولم يقبل أيّ شفاعة فيه ، فدخل الشاعر أبو
نخيلة على ابن هبيرة في يوم عيد الفطر ، فقال :
|
أطلقت بالأمس
أسير بكر
|
|
فهل فداك
نقري ووفري؟
|
|
من سبب أو
حجة أو عذر
|
|
ينجي
التميميّ القليل الشكر
|
|
من حلق القيد
الثقال السمر
|
|
ما زال
مجنونا على أست الدهر
|
__________________
|
ذا حسب ينمو وعقل يحري
|
|
هبه لأخوالك
يوم الفطر
|
فأمر ابن هبيرة
بإطلاق سراح الفرزدق. وكان ابن هبيرة قد أطلق قبله سراح رجلا من عجل جيء به من عين
التمر ، فتشفعت به قبيلة بكر ابن وائل ، ولمّا أخرج الفرزدق من الحبس ، سأل عن
الّذي تشفع له ، فقيل له : إنه أبو نخيلة. فرجع الفرزدق إلى الحبس وقال : (لا
أريحه ولو متّ ، انطلق قبلي بكري وأخرجت أنا بشفاعة دعي؟ والله لا أخرج هكذا ولو
من النار). ولمّا سمع ابن هبيرة ضحك كثيرا وأمر بإخراجه من الحبس
وقال له : (وهبتك لنفسك).
وقال بشار بن
برد يمدح عمر بن هبيرة بقصيدة طويلة نقتطف منها الأبيات التالية :
|
يخاف المنايا
إن ترحلت صاحبي
|
|
كأنّ المنايا
في المقام تناسبه
|
|
فقلت له :
إنّ العراق مقامه
|
|
وخيم إذا هبت
عليك جنائبه
|
|
إذا كنت في
كلّ الأمور معاتبا
|
|
صديقك لم تلق
الّذي لا تعاتبه
|
|
فعش واحدا أو
صل أخاك فإنه
|
|
مقارف ذنب
مرّة ومجانبه
|
|
إذا أنت لم
تشرب مرارا على القذى
|
|
ضمأت وأيّ
الناس تصفي مشاربه
|
٦٠ ـ عبد العزيز بن الحارث :
هو : عبد
العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص. استخلفه عمر
__________________
ابن هبيرة أميرا على الكوفة سنة (١٠٣) للهجرة وذلك بعد أن جمعت ولاية العراقين لعمر بن هبيرة
جمعها له يزيد بن عبد الملك ثمّ عزل عبد العزيز بن الحارث عن الكوفة ، عزله عمر بن
هبيرة ، وولّى مكانه سعيد بن عمرو الحرشي.
وفي سنة (٩٦)
للهجرة كان عبد العزيز بن الحارث عند قتيبة بن مسلم الباهلي الّذي كان أميرا على
خراسان آنذاك ، ولمّا جاء سليمان بن عبد الملك إلى الخلافة وكان (هذا) يكره قتيبة
كرها شديدا لأنّ قتيبة كان قد وافق الوليد بن عبد الملك على خلع سليمان من ولاية
العهد وأن يعهد بالخلافة إلى عبد العزيز بن الوليد ، فأرسل سليمان بن عبد الملك
جيشا لمحاربة قتيبة بن مسلم الباهلي فدخل الجيش إلى المدينة فخرج عبد العزيز ابن
الحارث يبحث عن ولده (عمر) فلمّا وجده أردفه خلفه وترك قتيبة بن مسلم وحده فقتلوه.
٦١ ـ سعيد بن عمر
الحرشي :
هو : سعيد بن
عمرو الأسود بن مالك بن كعب بن وقدان بن الحريش ، وكنيته : أبو يحيى.
وسعيد من بني
الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
استخلفه عمر بن
هبيرة أميرا على الكوفة سنة (١٠٣) وذلك بعد عزل عبد
__________________
العزيز بن الحارث عنها.
وسعيد بن عمر
الحرشي : هو أحد قادة العرب المعروفين بشجاعتهم وبسالتهم ، وقد أرسله مسلمة بن عبد
الملك لمحاربة (شؤذب الخارجيّ (الّذي شكاه أهل الكوفة). وعند ما التقى الجيشان رآى
(شؤذب) قلة جيشه وكثرة جيش سعيد ، فخطب في أصحابه وقال : (من كان يريد الشهادة فقد
جاءته ، ومن كان يريد الدنيا فقد ذهبت). فهجموا على جيش سعيد فأزالوهم عن مواقعهم
فخاف سعيد الفضيحة فلام أصحابه وقال لهم : (من هذه الشرذمة ، لا أبا لكم تفرّون!!
يا أهل الشوم ، يوما كأيّامكم). فحملوا عليهم حملة رجل واحد فقتلوا (شؤذب)
وأصحابه.
وفي سنة (١٠٣) للهجرة عزل سعيد خذينة عن إمارة خراسان ، عزله عمر بن
هبيرة وولّى مكانه سعيد الحرشي ، وقيل إنّ الّذي ولّى سعيد إمارة خراسان هو يزيد بن
عبد الملك. وحينما ذهب سعيد الحرشي إلى خراسان قال نهار بن توسعة :
|
فهل من مبلغ
فتيان قومه
|
|
بأنّ النبل
ريشة كلّ ريشي
|
|
وأنّ الله
أبدل من سعيد
|
|
سعيدا لا
المخنث من قريش
|
ولمّا ذهب سعيد
إلى خراسان ، كان الناس أمام العدو وقد نكبوا فحثهم على الجهاد وقال لهم : (إنّكم
لا تقاتلون بكثرة ولا بعدّة ولكن تقاتلون بنصر الله وعزّ الإسلام فقولوا : لا حول
ولا قوّة بالله العليّ العظيم)
__________________
ثمّ قال :
|
فلست لعامر
إن لم تروني
|
|
أمام الخيل
أطعن بالعوالي
|
|
وأضرب هامة
الجبار منهم
|
|
بعضب الحدّ
حودت بالصقال
|
|
فما أنا
بالحروب بمستكين
|
|
ولا أخشى
مصاولة الرجال
|
|
أبى لي والدي
من كلّ ذمّ
|
|
وخالي في
الحوادث خير خال
|
فلمّا سمع أهل
الصغد بمجيء سعيد الحرشي ، خافوا على أنفسهم ، فقال لهم ملكهم : (لا تفعلوا ،
أقيموا واحملوا السلاح معه ، وأعطوه خراج عمّا مضى من مدد سابقة ، واعتذروا إليه).
وقيل ذات يوم
لعمر بن هبيرة ، بأن سعيد الحرشي قال : (بأنّ عمر بن هبيرة ما هو إلا عامل من عماله)
، فغضب عليه ابن هبيرة فعزله وعذّبه.
وكان سعيد
الحرشي ، لا يخاطب ابن هبيرة بالإمارة ، وإنّما يناديه بكنيته : (أبو المثنّى).
وكان سعيد يقول أيضا : (لو طلب منّي عمر درهما واحدا يضعه في عينه لما أعطيته).
ولمّا عذّبه
ابن هبيرة ، أعطاه كل ما أراد ، فقيل له : ألم تزعم أنّك لا تعطيه درهما واحدا؟
فقال سعيد : (ألا ترى أنّ الحديد قد آلمني).
فقال أذينة بن
كليب أو (كليب بن أذينة):
|
تصبّر أبا
يحيى فقد كنت علمنا
|
|
صبورا ونهاضا
بثقل المغارم
|
وتمرّ الأيّام
، ويدور دولاب الزمان ، ويأتي خالد بن عبد الله القسريّ أميرا على العراق وعلى
المشرق كلّه ، فيهرب عمر بن هبيرة ، فيطلب خالد القسريّ من سعيد الحرشي أن يتعقبه
ويقبض عليه ، فيخرج سعيد في طلب
__________________
ابن هبيرة ، فيجده ويقبض عليه ، فيقول سعيد : (يا أبا المثنّى ، ما ظنّك
بيّ الآن!!) فيجيبه ابن هبيرة : (ظنّي بك أنّك لا تدفع رجلا من قومك إلى قريش).
فقال له سعيد : هو ذلك ، وقيل إنّ خالد القسريّ قد عفا عنه.
وفي سنة (١٠٤)
للهجرة ، عزل سعيد الحرشي عن خراسان.
وبعد استشهاد
الجرّاح بن عبد الله الحكميّ سنة (١١٢) للهجرة ، بعث هشام بن عبد الملك بسعيد
الحرشي أميرا على أرمينية وأذربيجان ، وكان سعيد بطلا يقال عنه فارس قيس.
مات سعيد بن
عمرو الحرشي سنة (١١٢) للهجرة.
٦٢ ـ الصقر بن عبد
الله المزنيّ :
هو : الصقر بن
عبد الله بن مرّة بن غطفان المزنيّ ، ولّاه عمر بن هبيرة إمارة الكوفة سنة (؟)
للهجرة ، وبقي أميرا على الكوفة إلى أن مات يزيد بن الوليد بن عبد الملك.
ولمّا مات موسى
بن طلحة بن عبيد الله بالكوفة سنة (١٠٣) للهجرة ، وقيل سنة (١٠٤) للهجرة صلى عليه
الصقر بن عبد الله المزنيّ.
__________________
٦٣ ـ موسى بن طلحة :
هو : موسى بن
طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن تيم ابن مرّة ، وكنيته : أبو عيسى ،
وقيل : أبو محمّد.
استخلفه عمر بن
هبيرة على إمارة الكوفة سنة (؟) للهجرة ، وذلك عند ما ذهب إبن هبيرة لمحاربة (فديك
الخارجيّ) وله يقول عبيد الله بن شبل البجليّ :
|
تباري ابن
موسى يابن موسى ولم تكن
|
|
يداك جميعا
تعدلان له يدا
|
وكان موسى بن
طلحة من جملة الّذين هربوا من الكوفة إلى البصرة أيّام سيطرة المختار بن عبيد
الثقفيّ على الكوفة سنة (٦٦) للهجرة ، ثمّ عاد موسى بن طلحة إلى الكوفة ، وبقي
فيها إلى أن مات سنة (١٠٣) للهجرة ، وقيل سنة (١٠٤) وصلى عليه الصقر بن عبد الله
المزنيّ (أمير الكوفة آنذاك).
وكان موسى بن
طلحة وأخوه (إسحاق) من الشهود الّذين شهدوا على حجر بن عدي الكنديّ ، عند زياد بن
أبيه (أمير الكوفة) مما تسببا في قتل حجر وجماعته.
وقد روى موسى
بن طلحة الحديث من عثمان بن عفّان ، وطلحة بن الزبير ، وأبي ذر الغفاري ، وله
أحاديث كثيرة ، فعنه أنّه قال : (كان تبعا خرج في العرب يسير ، حتّى تحيّروا بظاهر
الكوفة ، وكان منزلا من منازله ، فبقي
__________________
فيها ضعاف الناس ، فسميت (الحيرة) لتحيّرهم ، ثمّ خرج (تبع) سائرا فرجع
اليهم وقد بنوا وأقاموا ، وأقبل (تبع) إلى اليمن ، وأقاموا (هم) ففيهم من قبائل
العرب كلّها : (من بني لحيان ، وهذيل ، وتميم ، وجعفي ، وطي ، وكليب).
وقال موسى بن
طلحة : كان لعثمان بن عفّان دين على طلحة مقداره خمسون ألف دينار ، وبينما كان
الخليفة عثمان ذاهبا إلى المسجد ذات يوم فلقيه طلحة فقال : (لقد هيّأ الله دينك
فخذه) ، فقال له عثمان : (هو لك يا أبا محمّد ، خذه معونة لك على مروءتك).
وقال موسى بن
طلحة أيضا : رأيت عروة بن شبيم قد ضرب مروان ابن الحكم يوم الدار بالسيف على رقبته ، فقطع إحدى عليباويه ، فعاش مروان أوقص.
وقال مروان بن
الحكم في ذلك :
|
ما قلت يوم
الدار للقوم حاجزوا
|
|
رويدا ولا
استبقوا الحياة على القتل
|
|
ولكننّي قد
قلت للقوم ما صنعوا
|
|
بأسيافكم كيما
يصلن إلى الكهل
|
وقيل فصحاء
الناس ثلاثة : موسى بن طلحة التيمي ، وقبيصة بن جابر الأسديّ ، ويحيى بن يعمر.
وكان يقال
لموسى بن طلحة (المهديّ) لفضله.
__________________
مات موسى بن
طلحة سنة (١٠٣) للهجرة ، وقيل مات سنة (١٠٤) للهجرة وقيل سنة (١٠٦)
للهجرة. وصلّى
عليه الصقر بن عبد الله المزنيّ (أمير الكوفة آنذاك).
٦٤ ـ خالد بن عبد
الله القسريّ :
هو : خالد بن
عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز بن عامر بن عبقري ، القسريّ ، البجليّ ، وكنيته :
أبو الهيثم ، وأبو القاسم ، وأبو يزيد ، وهو من أهل دمشق.
ولّاه هشام بن
عبد الملك إمارة (العراقين) سنة (١٠٥) للهجرة ، بعد عزل عمر بن هبيرة ، وجمعت له
ولاية (العراقين) سنة (١٠٦) للهجرة ، وكذلك المشرق كلّه.
نشأ خالد
القسريّ بالمدينة المنوّرة وكان في حداثته متخنث ، يماشي المتخنثين والمغنّين ،
وكان وسيطا بين عمر بن أبي ربيعة وبين المعجبات به فيحمل الرسائل بينهما ، وكان
يقال له : (خالد الخريث).
وكان جدّه (يزيد
بن أسد) يلقب (خطيب الشيطان) وكان أكذب
__________________
الناس في كلّ شيء ، ثمّ نشأ ابنه عبد الله فكان على شاكلة أبيه ، ثمّ نشأ (الحفيد)
خالد ففاق الجماعة ، إلّا أنّه اختلف عنهما ، حيث اشتهر بالفصاحة والبلاغة ، ويعد
من خطباء العرب المشهورين ، وكان جوادا ، كثير العطاء.
وكانت أم خالد
القسريّ نصرانية (روميّة) وبنى لها كنيسة في ظهر قبلة مسجد الكوفة ، فكان إذا رفع
الأذان في المسجد ، ضربت النواقيس في كنيستها ، وإذا قام الخطيب على المنبر ، رفع
النصارى أصواتهم بقراءاتهم (التراتيل) ، فقال الفرزدق في ذلك يهجو القسريّ :
|
ألا قبّح
الرحمن ظهر مطيّة
|
|
أتتنا تخطى
من بعيد بخالد
|
|
وكيف يؤم
المسلمين وأمّه
|
|
تدين بأن
الله ليس بواحد
|
|
بنى بيعة
فيها الصليب لأمّه
|
|
ويهدم من بغض
منار المساجد
|
وكان خالد
القسريّ (ناصبيّا) يكره الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وينال منه ، وقد شاهد خالد يوما (عكرمة) مولى عبد الله بن عباس
وكانت على رأسه عمامة سوداء ، فقال خالد : (إنّه بلغني أنّ هذا العبد يشبه عليّ بن
أبي طالب ، وأنّي لأرجو أن يسوّد الله وجهه ، كما سوّد وجه ذاك).
وفي أيّام حكم
الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، كان العراقيّون يهربون إلى مكّة والمدينة ، وعند ما عين
خالد القسريّ أميرا على الحجاز ، طرد كلّ العراقيين الموجودين فيهما ، وهدّد كلّ
من أنزل أو آوى عراقيّا ، أو أجّره دارا ، وقيل إنّ الوليد بن عبد الملك ، أمره بإخراج كلّ
العراقيين
__________________
الموجودين في مكّة والمدينة ، وإرسالهم إلى الحجّاج.
وعند ما كان
خالد القسريّ أميرا على مكّة ، طلب من رئيس الحجبة أن يفتح له باب الكعبة فرفض ،
فأمر خالد بضربه مائة سوط ، فذهب الشيبي إلى سليمان بن عبد الملك ، يشكو إليه خالد القسريّ ،
فدخل على سليمان ، ودخل معه الفرزدق ، فقال الفرزدق :
|
سلوا خالدا
لا أكرم الله خالدا
|
|
متى وليت قسر
قريشا تدينها؟
|
|
أقبل رسول
الله أم ذاك بعده
|
|
فتلك قريش قد
أغث سمينها؟
|
|
رجونا هداه
لا هدى الله خالدا
|
|
فما أمّه
بالأمّ يهدي جنينها
|
فأمر سليمان بن
عبد الملك بقطع يد خالد ، إلّا أنّ يزيد بن المهلّب ، كان جالسا عنده فتشفع له ،
عندها أمر سليمان بضرب خالد مائة سوط ، فقال الفرزدق :
|
لعمري لقد
صبت على ظهر خالد
|
|
شآبيب ما
استهللن من سبل القطر
|
|
أيضرب في
العصيان من كان طائعا
|
|
ويعصي أمير
المؤمنين أخو قسر؟
|
|
فلو لا يزيد
بن المهلّب حلّقت
|
|
بكفّك فتخاء
إلى الفرخ في الوكر
|
|
لعمري لقد
صال ابن شيبة صولة
|
|
أرتك نجوم
اللّيل ظاهرة تسري
|
وعند ما كان
خالد القسريّ أميرا على الكوفة ، هجاه الفرزدق ، فأمر خالد بحبسه ، فقال الفرزدق
وهو في الحبس :
|
أبلغ أمير
المؤمنين رسالة
|
|
فعجّل هداك
الله نزعك خالدا
|
__________________
|
بنى بيعة فيها الصليب لأمه
|
|
وهدّم من بغض
الإله المساجدا
|
فبعث هشام بن
عبد الملك إلى خالد القسريّ ، يأمره بإطلاق سراح الفرزدق ، فأطلقه.
وذهب الفرزدق
يوما إلى خالد القسريّ يطلب مساعدته في (ديات) قد دفعها ، فقال له خالد : (إيه يا فرزدق!! كأنّي بك قد
قلت : آتي الحائك ابن الحائك ، فأخدعه عن ماله إن أعطاني ، أو أذمّه إن منعني ،
فأنا حائك ابن حائك ولا أعطيك شيئا ، فاذممني كيف شئت) ، فهجاه الفرزدق بأشعار
كثيرة ، نذكر منها :
|
ليتني من
بجيلة اللؤم حتّى
|
|
يعزل العامل الّذي بالعراق
|
|
فإذا عامل
العراقين ولّى
|
|
عدت في أسرة
الكرام العتاق
|
وادّعى رجل
النبوة في زمن خالد القسريّ ، فجيء به إلى خالد فقال له ، ماذا عندك؟ فقال : قال
الله تعالى في القرآن : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ
الْكَوْثَرَ ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ، إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ). وقلت أنا ما هو أحسن منه : (إنا أعطيناك الجماهر ، فصل
لربك وجاهر ، ولا تطع كل ساحر وكافر).
فأمر خالد
بقتله وصلبه ، فمر به الشاعر خلف بن خليفة ، ورآه مصلوبا على خشبه فقال : (إنا
أعطيناك العمود ، فصل لربك على عود ، وأنا ضامن عنك ألّا تعود).
وقيل دخل شاعر
على خالد القسريّ يوم جلوسه للشعراء ، فلمّا رآى
__________________
كثرة ما قاله الشعراء في مدح خالد ، سكت ولم يتكلّم ، فقال له خالد : سل
حاجتك ، فقال الشاعر : مدحت الأمير ببيتين من الشعر ، فلمّا سمعت قول الشعراء ،
أستصغرت شعري. فقال له خالد : وما هما؟ فقال الشاعر :
|
تبرعت لي
بالجود حتّى نعشتني
|
|
وأعطيتني
حتّى حسبتك تلعب
|
|
فأنت الندى
وابن الندى وأبو الندى
|
|
حليف الندى
ما للندى عنك مذهب
|
فأمر خالد
بإعطاء دينه ، ثمّ أعطاه مثله.
وفي سنة (١١٩)
للهجرة ، ثار بالكوفة (المغيرة بن سعيد) ومعه سبعة رجال ، وكانوا يدعون (الوصفاء)
ولمّا سمع القسريّ بثورتهم (وكان وقتذاك يخطب في مسجد الكوفة) فقال : (أطعموني ماء)
، فقال يحيى بن نوفل :
|
أخالد لا
جزاك الله خيرا
|
|
في حرّ أمّك
من أمير
|
|
تمنّى الفخر
في قيس وقسر
|
|
كأنّك من
سراة بني جرير
|
|
وأمّك علجة
وأبوك وغد
|
|
وما الأذناب
عدلا للصدور
|
|
وكنت لدى
المغيرة عبد سوء
|
|
تبول من المخافة
للزئير
|
|
وقلت لما
أصابك : أطعموني
|
|
شرابا ثمّ
بلت على السرير
|
وقال الكميت : يهجو خالد القسريّ أيضا في هذه الحادثة :
|
خرجت لهم
تمشي البراح ولم
تكن
|
|
كمن حصنه في
الرتاج المضبب
|
|
وما خالد
يستطعم الماء فاغرا
|
|
بعدلك
والداعي إلى الموت ينصب
|
__________________
وكان عمر بن
أبي ربيعة ، يتمشى ذات يوم مع خالد القسريّ خارج المدينة ، فشاهدا (أسماء وهند) ، فجلسوا جميعا يتحدثون ، وبعد لحظة تلبّدت السماء
بالغيوم ، وأخذ المطر ينزل بغزارة ، فقام خالد ، وأخذ يظللهم بمطرفته حتّى هدأ المطر ، فقال عمر بن أبي ربيعة في ذلك :
|
أفي رسم دار
دمعك المترقرق
|
|
سفاها وما
استنطاق ما ليس ينطق
|
|
بحيث التقى
جمع ومفضى محسّر
|
|
معالم قد
كادت على الدهر تخلق
|
|
ذكرت بها ما
قد مضى من زماننا
|
|
وذكرك رسم
الدار مما يشوّق
|
|
يبل أعالي
الثوب قطر وتحته
|
|
شعاع بدا
يعشي العيون ويشرق
|
وعن عمر بن أبي
ربيعة أنّه قال : بينما كنت جالسا أيّام شبابي وإذا بخالد الخريث قد جاءني وقال
: بأنّه مرّ بأربع نسوة ، لم ير مثلهن قط ومعهنّ (هند) يردن الذهاب إلى (العقيق) وما عليك إلّا أن تتنكر وتلبس ملابس الأعراب ، فذهبت
اليهنّ وقد لبست ملابس قديمة ، وتعمّمت عمّة الأعراب ، وركبت بعيرا بغير وطاء
فسلّمت عليهنّ ، ثمّ طلبن منّي أن أقول لهنّ شعرا ، فأنشدتهن (لكثيّر عزّة) و (جميل
بثينة) وغيرهما ، فقلن لي : يا أعرابيّ ، ما أملحك وأظرفك ، وما أحلى إنشادك فما
سبب مجيئك إلى هذا المكان؟! فقلت لهن : جئت أنشد ضالّة لي. فدنت (هند) منّي ونزعت
عمامتي وقالت : أتظن أنّك خدعتنا بملابس الأعراب هذه ، والله نحن خدعناك ، لقد
أرسلنا اليك
__________________
(خالد الحريث) ليأتينا بك على أقبح حالة ، ونحن على أحسن حال ، وبقيت معهن
حتّى المساء ، ثمّ افترقنا فقلت في حينها :
|
ألم تعرف
الأطلال والمترّبعا
|
|
ببطن حليات
دوارس بلقعا؟
|
|
إلى السّرح
من وادي المغمس بدلت
|
|
معالمه وبلا
ونكباء زعزعا
|
|
فيبخلن أو
يخبرن بالعلم بعد ما
|
|
نكأن فؤادا
كان قدما مفجعّا
|
|
لهند وأتراب
لهند إذ الهوى
|
|
جميع وإذ لم
نخش أن يتصدعا
|
وكان الكميت قد
مدح آل هاشم وذم الأمويين فقال :
|
ساسة لا كمن
يرعى الن
|
|
اس سواء
ورعية الأنعام
|
|
لا كعبد
المليك أو كوليد
|
|
أو كسليمان
بعد أو كهشام
|
فلمّا سمع خالد
القسريّ بذلك (وكان أمير الكوفة آنذاك) حبسه ، وكتب إلى هشام بن عبد الملك يخبره
بذلك ، فكتب إليه يأمره بقطع لسان الكميت ورجليه ، ثمّ يصلبه على باب داره ، فتمكن
الكميت من الهرب من سجنه ، وذهب إلى الشام فاستجار بمسلمة بن عبد الملك فتشفع له.
وكان معاذ بن
مسلم قد نصح الكميت بعدم الذهاب إلى خالد القسريّ ، ولمّا حبسه خالد قال معاذ :
|
نصحتك
والنصيحة إن تعدّت
|
|
هوى المنصوح
عزّ لها القول
|
|
فخالفت الّذي
لك فيه حظّ
|
|
فغالك دون ما
أملت غول
|
وعند ما كان
خالد القسريّ أميرا على البصرة ، قبض على (لصّ)
__________________
وكان ذلك السارق شابا جميل الصورة ، عليه السكينة والوقار ، فجيء به إلى
خالد القسريّ ، فاعترف أمامه بأنه سارق ، ولكن خالد لم يقتنع باعترافه ، فحبسه
عنده ، ثمّ جاءه خالد ليلا وطلب من اللّصّ أن يقول الحقيقة ، وإلّا فسوف تقطع يده
، إلّا أنّ الشاب الجميل أصرّ على أنه لصّ ولا شيء غير هذا.
وفي اللّيل ،
وبعد أن هدأت الأنفاس أخذ الشاب يقول :
|
هددني خالد
بقطع يدي
|
|
إن لم أبح
عنده بقصتها
|
|
فقلت : هيهات
أن أبوح بما
|
|
تضمّن القلب
من محبتها
|
|
قطع يدي بالذي
اعترفت به
|
|
أهون للقلب
من فضيحتها
|
فسمعه السجّان
، وأخبر خالد القسريّ بما سمعه من الشاب ، فطلب إحضاره ، ثمّ تكلّم معه خالد ،
وخوّفه من مغبّة عدم اعترافه بالحقيقة ، لكن الشاب بقي مصرا على أنّه لصّ ، عند
ذلك أمر خالد بقطع يد الشاب على مرآى من الناس ، وعند ما جيء بالشاب لقطع يده ،
وإذا بفتاة تصرخ وترمي بنفسها على ذلك الشاب ، وتعطي ورقة إلى خالد القسريّ ، جاء
فيها :
|
أخالد هذا
مستهام متيّم
|
|
رمته لحاضي
من قسيّ الحمالق
|
|
فأحماه سهم
اللحظ منّي فقلبه
|
|
حليف الجوى
من دائه غير فائق
|
|
أقرّ بما لم يقترفه
لأنّه
|
|
رآى ذاك خيرا
من هتيكة عاشق
|
|
فمهلا على
الصب الكئيب لأنّه
|
|
كريم السجايا
في الهوى غير سارق
|
فأرسل خالد إلى
والد الفتاة وخطبها منه ، وزوجها من الشاب ودفع مهرها من عنده.
__________________
وعند ما كان
خالد القسريّ أميرا على مكّة ، خطب الناس يوم جمعة ، فذكر الحجّاج بن يوسف الثقفيّ
ومدحه ، ولمّا سمع سليمان بن عبد الملك بذلك ، أمر خالد بشتم الحجّاج ، وأن يذكر
عيوبه ومساوئه ، ثمّ البراء منه ، ولمّا جاءت الجمعة الثانية صعد خالد المنبر وقال
: (إنّ إبليس كان ملكا ، وكان يظهر من طاعة الله ما كانت الملائكة ترى له بذلك
فضلا ، وكان الله تعالى قد علم من غشّه ما خفي عن الملائكة ، فلمّا أراد الله
فضيحته ، ابتلاه بالسجود لآدم ، فظهر لهم ما كان يخفيه عنهم ، فلعنوه ، وأنّ
الحجّاج كان يظهر من طاعة أمير المؤمنين ما كنّا نرى له بذلك فضلا ، وكان الله عزوجل اطلع أمير المؤمنين من غلّه وخبثه على ما خفي عنّا ،
فلمّا أراد الله فضيحته ، أجرى ذلك على يدي أمير المؤمنين فالعنوه ، لعنه الله) ثمّ نزل.
وقيل إنّ
الكميت هجا في بعض قصائده قبائل قحطان ، فغضب عليه خالد القسريّ وأراد أن ينتقم
منه ، فاشترى عدّة جوار ، وقرأ عليهن قصائد الكميت المسمات ب (الهاشميات) ثمّ أرسل
الجواري إلى هشام بن عبد الملك في الشام ، فلمّا سمع هشام تلك القصائد ، أمر بإحضار
الكميت ، ولمّا جيء به ، أخذ الكميت يعتذر ويقول شعرا في مدح بني أميّة ، حتّى رضى
عنه هشام. ودخل أعرابيّ على خالد القسريّ وقال له : امتدحتك
ببيتين ، ولست أقولهما إلّا بعشرة آلاف وخادم. فقال له خالد : قل ما هما؟ فقال :
|
لزمت نعم ،
حتّى كأنّك لم تكن
|
|
سمعت من الأشياء سوى نعم
|
|
وأنكرت لا ،
حتّى كأنّك لم تكن
|
|
سمعت بها
سالف الدهر والأمم
|
فأعطاه خالد ما
أراد.
__________________
وبينما كان
خالد سائرا في طريقه ذات يوم ، إذ وقف له رجل وقال له :سألتك بالله إلا ضربت عنقي.
فقال له خالد : أكفر بعد إيمان؟ قال : لا. قال خالد : هل قتلت نفسا؟ قال الرجل :
لا. فقال خالد : إذن ما سبب ذلك؟
فقال الرجل :
لي خصم لجوج ، قد لزمني وقهرني. فقال خالد : ومن هو؟
فقال الرجل :
إنه الفقر يا أمير. فقال له خالد : فكم يكفيك لدفعه؟ قال الرجل : أربعة آلاف درهم.
فالتفت خالد إلى أصحابه ، وقال لهم : (لقد ربحت هذا اليوم ستّة وعشرين ألف درهم ،
فقد عزمت أن أعطي هذا الرجل ثلاثين ألف درهم) . فلمّا سمع ذلك الرجل ، رجع إلى خالد وقال له : (حاشاك
وأعيذك بالله أن تربح على مؤملك) ، فقال خالد : أعطوه ثلاثين ألف درهم ، ثمّ قال
للرجل : (خذ المال ، واذهب آمنا إلى خصمك ، ومتى عاد يعارضك فاستنجد بنا عليه).
وقيل إنّ خالدا
القسريّ ، قد حرّم الغناء في الكوفة ، فذهب إليه (حنين) متظلما ، وأخذ عوده معه وقال : (أصلح الله الأمير ، شيخ ذو عيال ، كانت له
صناعة ، حلّت بينه وبينها) فقال خالد : وما ذاك؟! فأخرج حنين عوده وغنّى :
|
أيّها الشامت
المعير بالشي
|
|
ب أقلنّ
بالشباب افتخارا
|
|
قد لبست
الشباب قبلك حينا
|
|
فوجدت الشباب
ثوبا معارا
|
فبكى خالد وقال
: صدق والله عد ولا تجالس شابا ولا معربدا.
وقيل إنّ
أعرابيا قال لخالد القسريّ : ليأمر لي الأمير بملئ جرابي
__________________
دقيقا ، فقال خالد : أملؤوه له دراهم. فقال الأعرابي : (سألت الأمير ما
أشتهي فأمر لي بما يشتهي).
وقيل أيضا إنّ
أعرابيا أنشد خالد القسريّ فقال :
|
أخالد بين
الحمد والأجر حاجتي
|
|
فأيّهما يأتي
فأنت عماد
|
|
أخالد إنّي
لم أزرك لحاجة
|
|
سوى إنّني
عاف وأنت جواد
|
فقال خالد : سل
حاجتك ، قال الأعرابيّ : مائة ألف ، فقال خالد : لقد أسرفت يا أعرابيّ. فقال
الأعرابي : فهل أحطّ للأمير؟ قال : نعم. قال الأعرابي : حططتك تسعين ألفا ، فتعجب
خالد منه. فقال الأعرابي : سألتك على قدرك وحططتك على قدري ، وما أستهلّه على
نفسي. قال خالد : لا والله لا تغلبني ، يا غلام اعطه مائة ألف.
ولمّا مات أسد
بن عبد الله (أخو خالد القسريّ) بعث إليه مسلمة بن هشام بن عبد الملك (أبو شاكر)
يعزيه بالأبيات التاليّة :
|
أراح من خالد
فأهلكه
|
|
ربّ أراح
العباد من أسد
|
|
أمّا أبوه
فكان مؤتشبا
|
|
عبدا لئيما
لأعبد فقد
|
|
يرى الزنا
والصليب والخمر
|
|
والخنزير
حلّا والغيّ كالرشد
|
|
وأمّه همّها
وبغيتها
|
|
همّ الإماء
العواهر الشّرّد
|
|
كافرة
بالنبيّ مؤمنة
|
|
بقسّها
والصليب والعمد
|
ولمّا قرأ خالد
الأبيات قال : يا عباد الله ، أهذه تعزية رجل فقد أخاه؟! ويقال : إنّ خالدا
القسريّ سبق له أن قال : (أنا كافر بكلّ خليفة يكنّى أبا
__________________
شاكر) ، فسمعه (أبو شاكر) هذا فحقد عليه.
وكما ذكرت
سابقا فقد كان خالد القسريّ ناصبيّا ويلعن الإمام عليّ عليهالسلام ويحبّ ، بل ويجازي ويعطي كلّ من يسبّ الإمام عليّ ،
حتّى ذكر بأنّه دخل عليه فراس بن جعدة بن هبيرة وبيده (نبق) فقال له خالد : إلعن
عليّ ولك في كل نبقة دينار. ففعل فأعطاه خالد في كلّ نبقة دينار.
وكان لخالد (عامل)
أسمه (خالد بن آهي) فكان خالد يقول : والله إنّ خالد بن آهي أفضل أمانة من عليّ بن
أبي طالب.
وقد لعن خالد
القسريّ الإمام عليّ عليهالسلام ذات يوم وعرّفه تعريفا تامّا ، إذ قال : عليّ بن أبي
طالب أبن عمّ محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب وزوج ابنته فاطمة ، وأبو الحسن
والحسين. وكان قصده من ذلك أن لا تخطأه اللعنة.
ويقال إنّ
خالدا القسريّ هو أخو هشام بن عبد الملك من الرضاعة ، فقال له هشام ذات يوم : إن
وليت الخلافة فسوف أوليك العراق ، وعند ما ولي هشام الخلافة ، ذهب إليه خالد وقال
له : (لقد كانت لك الولاية اليك أشوق منك اليها وأنت لها أزين منها لك ومثلك
ومثلها إلّا كما قال الأحوص بن محمّد).
|
وتزين طيب الطيب
طيبا
|
|
إذ تمسيه أين
مثلك أينا
|
|
وإذا الدّرّ
زاد حسن وجوده
|
|
كان للدّرّ
حسن وجهك زينا
|
__________________
واستغل خالد
القسريّ منصبه كأمير للكوفة ، شأنه في ذلك شأن من سبقه من الأمراء الأمويين فاشترى
ضياعا كثيرة ، وبنى له دارا كبيرة في دمشق تعرف بدار اليزيديّ ، وبلغت وارداته في
السنة (عشرة آلاف ألف درهم) وأخذ يتردد كثيرا على هشام بن عبد الملك ، حتّى قيل
أنّه كان يتطاول على هشام ، فخطب في الكوفة ذات يوم وقد جاء في خطبته : (والله ما
إمارة العراق مما يشرّفني).
فلمّا سمع هشام
بن عبد الملك غضب عليه وكتب إليه يقول : (بلغني يابن النصرانية إنّك تقول : إنّ
إمارة العراق ليست مما يشرفك ، صدقت والله ، ما شيء يشرّفك وكيف تشرّف وأنت دعي
إلى بجيلة ، القبيلة ، القليلة ، الذليلة ، أما والله إنّي لأضن أنّ أوّل ما يأتيك
ضغن من قيس فيشد يديك إلى عنقك). ثمّ عزله ، وقيل : إنّ جماعة أرادوا قتل الوليد بن يزيد
، فطلبوا من خالد القسريّ أن يشاركهم في قتله فرفض ذلك ثمّ ذهب إلى الوليد وقال له
: يا أمير المؤمنين دع الحجّ هذا العامّ ، وقال له الوليد : ممّن تخاف؟
اذكر لي
أسمائهم. فقال خالد : قد نصحتك ولن أبوح بأسمائهم. فقال له الوليد : إذن سوف أبعث
بك إلى عدوّك يوسف بن عمر ، عندها أرسله ليوسف بن عمر فعذّبه حتّى قتله. وقيل عزل خالد القسريّ عن العراق سنة (١٢٠) للهجرة عزله هشام بن عبد الملك ، وعيّن مكانه يوسف بن
عمر.
__________________
وجلس خالد
القسريّ يوما مع أصحابه وخواصّه وطلب منهم أن يحدثوه عن الحبّ أحاديث لا فحش فيها
، فقال أبو حمزة اليماني : كان فتى من العرب يسمّى (مالك بن نصر) وكانت له ابنة
عمّ يحبّها وتحبّه يقال لها (الرباب) وكانت جميلة وذات عقل وكمال ، فبينما هما ذات
يوم يتناجيان أخذ مالك يبكي ، فسألته (الرباب) عن سبب بكائه فقال لها : أخاف أن
أموت وتتزوجين بعدي فتعاهدا سوية على أن لا يتزوج أيّ منهما إذا مات مدى الحياة ،
ثمّ خرج مالك مع قتيبة بن مسلم الباهلي إلى خراسان ، وفي إحدى المعارك طعن برمح
فسقط عن فرسه وهو يقول :
|
ألا ليت شعري
من غزال تركته
|
|
إذا ما أتاه
مصرعي كيف يصنع؟
|
|
أيلبس أثواب
السواد تسليّا
|
|
على مالك أم
فيه للبعل مطمع؟
|
|
فلو أنّني
كنت المؤخّر بعده
|
|
لما لبثت
نفسي عليه تقطع
|
ثمّ مات مالك
من أثر طعنته تلك وحزنت عليه الرباب حزنا شديدا كاد أن يؤدي بحياتها ، وكانت لا
تهدأ من النوح والبكاء عليه ، فرّق لها أهلها وعزّ أمرها فزوجوها ظنّا منهم أن
يكون في ذلك سببا لسعادتها ، ولمّا كانت الليلة الّتي ستزفّ بها الرباب إلى عريسها
نامت هنيئة فرأت في منامها مالكا وهو واقف أمام الباب وهو يقول :
|
حييت ساكن
هذا الدار كلّهم
|
|
إلّا الرباب
فإنّي لا أحييها
|
|
استبدلت بدلا
غيري وقد علمت
|
|
أنّ القبور
تواري من ثوى فيها
|
فاستيقضت
الرباب مذعورة وقصّت على أمّها ما رأته فهدئتها أمّها ،
__________________
ثمّ نامت الرباب وإذا بخيال مالك يعود اليها ثانية وهو يقول :
|
قد كنت
أحسبها للعهد راعية
|
|
حتّى تموت
وما جفّت مآقيها
|
|
أمست عروسا
وأمسى مسكني جدثا
|
|
حتّى تموت
فإنّي لا ألاقيها
|
|
أمسيت في
حفرة يبلى الحديد بها
|
|
لا يسمع
الصوت نفسا من يناديها
|
فانتبهت الرباب
من نومها مذعورة ومزّقت ثياب عرسها وعاهدت الله أن لا يجتمع رأسها مع رأس رجل ما
عاشت ، ثمّ حزنت حزنا شديدا وماتت بعد ذلك بقليل.
قتل خالد بن
عبد الله القسريّ سنة (١٢٦) للهجرة ، قتله يوسف بن عمر ودفن في ناحية (الحيرة) وكان
عمره ستين سنة ، وقال فيه أبو الأشعث العبسيّ :
|
ألا أنّ خير
الناس حيّا وميتا
|
|
أسير ثقيف
عندهم في السلاسل
|
٦٥ ـ عبد الملك بن جزء بن حدرجان :
هو : عبد الملك
بن جزء بن حدرجان الأزدي ، وهو من أهل فلسطين.
استخلفه خالد
بن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة سنة (١٠٦) للهجرة ، ثمّ عزله واستخلف مكانه إسماعيل بن أوسط
البجليّ.
وكان عبد الملك
بن حدرجان في مكّة ، وقد التقى به حميد بن مسلم
__________________
الأزدي ، فدار الحديث بينهما عن يوم (عين الوردة) فقال عبد الملك : من أعجب ما رأيت في ذلك اليوم (بعد
هلاك القوم) أنّ رجلا جاء وهجم عليّ بسيفه ، فخرجنا إليه وقد عقر وهو يقول :
|
إنّي من الله
إلى الله أفرّ
|
|
رضوانك اللهم
أبدي وأسرّ
|
فقلت له : ممن
أنت؟ قال : من بني آدم. فقلنا له : ممن؟ قال : (لا أحبّ أن أعرفكم ، ولا أن
تعرفوني ، يا مخربي البيت الحرام).
ثم هجم عليه
الناس فقتلوه ، فو الله ما رأيت رجلا قط أشجع منه. ثمّ دمعت عينا حميد بن مسلم ،
فسأله عبد الملك : هل بينك وبينه قرابة؟ فأجابه حميد : لا ، هو رجل من مضر ، كان
لي صديقا. فقال عبد الملك بن حدرجان : لا أرقأ الله دمعك ، أتبكي على رجل من مضر ،
قتل على ضلالة؟
فقال حميد : لا
والله ، ما قتل على ضلالة ، ولكنه قتل على بيّنة من ربّه وهدى ، فقال له عبد الملك
: أدخلك الله مدخله. فأجابه حميد : آمين ، وأدخلك الله مدخل حصين بن نمير ، ثمّ لا أرقأ الله لك عليه دمعا ، ثمّ افترقا.
٦٦ ـ إسماعيل بن أوسط
البجليّ :
استخلفه خالد
بن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة ، وذلك بعد
__________________
عزل عبد الملك بن جزء بن حدرجان الأزدي. وهو من مدينة حمص من أهل الشام.
وإسماعيل هذا
من أعوان الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، ومن عتاة أصحابه ، وهو ثقفي أيضا. وبعد أن
انتصر الحجّاج في معركة (دير الجماجم) أخذ الحجّاج يقتل كلّ من اشترك مع عبد
الرحمن بن محمّد بن الأشعث في حروبه ، لذلك أخذ يطارد ويبحث عن الأشخاص الّذين
حاربوه ، وكان من جملة هؤلاء (سعيد بن جبير) فأوعز الحجّاج إلى إسماعيل بن أوسط وإلى الملتمس بن
الأحوص ، وإلى جماعة آخرين من ثقات أصحابه ، وطلب منهم أن يأتوه بسعيد بن جبير
أينما وجدوه ، فأخذوا يسألون عنه هنا وهناك ، إلا أنّه لا أحد يرشدهم إليه.
وذات يوم مرّوا
بصومعة فيها راهب ، فسألوه عن سعيد بن جبير ، فقال الراهب : أمّا سعيد بن جبير
فإنّي لا أعرفه ، ولكنّي شاهدت البارحة شخصا أوصافه كذا وكذا ، توضأ من هذه البئر
، وصلّى ركعتين ، ثمّ سار في هذه البرية ، فأخذوا يتعقبون أثره ، حتّى وجدوه ساجدا
، فسلموا عليه ، فردّ السلام عليهم بعد الفراغ من صلاته ، ثمّ قالوا له : إنّ
الحجّاج يطلبك ولا بدّ من الذهاب معنا ، ثمّ رجعوا إلى الدير وقد حلّ الظلام فقال
لهم الراهب : ادخلوا الدير وأغلقوا الباب ، فإنّ المكان فيه سباع ، ووحوش ضارية
فدخلوا الدير ، وأمتنع سعيد بن جبير عن الدخول إلى الدير ، فسألوه عن
__________________
السبب فقال : لا أحبّ أن ادخل منزلا لا يصلّي فيه أهله الصلاة الخمس ،
فادخلوا أنتم ، وإنّي أعطيكم عهد الله وميثاقه أن لا أترك مكاني هذا حتّى الصباح
فتركوه ، ولمّا مضى من اللّيل بعضه ، وإذا بأسد ولبوة ، قد توجها نحو سعيد بن جبير فقربا منه وهما يزئران ،
ثمّ بعد ذلك ابتعدا عنه قليلا ، ثمّ ربضا على الأرض فصاح الراهب : أنظروا يا قوم
إلى صاحبكم!! أنظروا إلى سعيد بن جبير قائما يصلّي والأسد واللبوة رابضان بالقرب
منه ، فتعجبوا من ذلك وقال بعضهم لبعض : بأيّ وجه نلقى الله غدا إذا ذهبنا بهذا
الرجل إلى الحجّاج وقد يقتله؟ ولمّا أصبح الصباح خرج الراهب من صومعته وأسلم على
يد سعيد بن جبير ، ثمّ جاءت جماعة الحجّاج وقالوا لسعيد : أيّها الرجل الصالح ،
إنّ الحجّاج أخذ علينا الأيمان المغلظة أن نأتيه بك إذا وجدناك فأمرنا بالذي ترغب
وتشاء ، فقال سعيد : إذا كنتم قد حلفتم ، وأعطيتم المواثيق ، فلا بدّ من الذهاب
إلى الحجّاج. ولمّا وصلوا إلى (واسط) حيث كان الحجّاج هناك ، دخل عليه إسماعيل بن
الأوسط ، وأخبره بأنّ سعيد بن جبير على الباب ، ثمّ حدثه بما
رآى فغضب الحجّاج وقال لإسماعيل : أخرج وآتني به ، فلمّا دخل سعيد بن جبير على
الحجّاج قال له الحجّاج : (لا مرحبا بك يا رأس النفاق). فقال سعيد : المنافق من كان من شيعة المنافقين ، فقال
الحجّاج : صدقت يا شقي. قال : بل أنا سعيد بن جبير!! قال الحجّاج : بل أنت شقي ابن
كسير. قال سعيد : كانت أمّي أعرف بي منك. قال الحجّاج : لقد شقيت أمّك حين ولدتك.
قال سعيد : (العلم يعلمه غيرك). ثمّ وبعد محاورة طويلة بين الحجّاج وسعيد بن جبير
، قال الحجّاج : اضربوا عنقه.
__________________
وقيل : إنّ
الحجّاج ندم بعد ذلك على قتل سعيد بن جبير وكان لا يهدأ له قرار ، ويستيقظ من نومه
مرعوبا وهو يقول : ما لي ولسعيد بن جبير!!.
مات سعيد بن
أوسط البجليّ سنة (١١٧) للهجرة.
٦٧ ـ عبد الله بن
عمرو البجليّ :
استخلفه خالد
بن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة في سنة (١١٧) للهجرة تقريبا وذلك بعد عزل
إسماعيل بن أوسط البجليّ عنها ، ثمّ عزله وولّى أخاه عاصم بن عمرو البجليّ.
٦٨ ـ عاصم بن عمرو
البجليّ :
استخلفه خالد
بن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة وذلك بعد عزل أخيه عبد الله بن عمرو البجليّ
، ثمّ عزله واستخلف مكانه ضبيس بن عبد الله البجليّ.
٦٩ ـ ضبيس بن عبد
الله البجليّ :
استخلفه خالد
بن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة وذلك بعد عزل عاصم بن عمرو البجليّ. ثمّ
عزله ، واستخلف مكانة نوف الأشعري.
__________________
٧٠ ـ نوف الأشعري :
استخلفه خالد
بن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة ، وذلك بعد عزل ضبيس بن عبد الله البجليّ ،
ثمّ عزله ، واستخلف زياد بن عبيد الله الحارثي.
٧١ ـ زياد بن عبيد
الله الحارثي :
وهو : زياد بن
عبيد الله بن قطن بن زياد بن الحارث بن ربيعة بن كعب وينتهي نسبه إلى قحطان الحارثي.
وكنيته : أبو يحيى ، استخلفه خالد ابن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة
، وذلك بعد عزل نوف الأشعري ، ثمّ عزل خالد القسريّ عن إمارة العراقين سنة (١٢٠) للهجرة.
وعند ما جاء
يوسف بن عمر أميرا على الكوفة سنة (١٢٠) للهجرة ، كان أميرها آنذاك زياد بن عبيد
الله الحارثي ، فسأله يوسف بن عمر : من أنت؟ قال : زياد النجراني ، فخلى سبيله ،
ثمّ أرسل على طارق (خليفة خالد القسريّ) فحبسه.
وزياد الحارثي
هو : خال الخليفة العباسي (أبو العباس السفّاح) ، ذهب إلى الشام واتّصل بخالد بن
عبد الله القسريّ ، ولمّا تولّى خالد إمارة العراق من قبل هشام بن عبد الملك سنة (١٠٥)
للهجرة ، ذهب زياد الحارثي إلى
__________________
الكوفة فولّاه خالد (المعونة) في (الريّ) ثمّ ولّاه الشرطة.
وقيل : إنّ
خالد القسريّ قال لزياد الحارثي : (إذا سمعت بي قد ولّيت العراق فالحق بي). ولم تمض أيّام حتّى ولي خالد القسريّ العراق والمشرق
كلّه فذهب زياد إلى الكوفة ودخل على خالد فرحّب به كثيرا وأعطاه ستمائة دينار ،
ثمّ بقي زياد أياما في الكوفة يتردد خلالها على خالد.
وذات يوم أخبره
خالد بأنّه قد ولّاه خراج (الريّ) وذلك بعد سنة (١٠٥) للهجرة ، وعند ما حوصر يزيد بن عمر بن هبيرة في (واسط) من قبل
الجيوش العباسية ، كان زياد الحارثي وزياد بن صالح الحارثي مع ابن هبيرة ، وقالا
لابن هبيرة : دعنا نذهب إلى أبي جعفر المنصور لنصلح بينكما ، وحينما ذهبا إلى أبي
جعفر المنصور طلبا العفو والأمان لهما ولم يفعلا شيئا لأبن هبيرة ، كان ذلك سنة (١٣٢)
للهجرة.
ولمّا بويع أبو
العباس السفّاح بالخلافة في الكوفة سنة (١٣٢) للهجرة ، ولّاه إمارة مكّة والمدينة
والطائف واليمامة بعد موت أميرها السابق داود بن عليّ ، ثمّ أقرّه أبو جعفر
المنصور على ولايته ، عند ما جاء بعد أخيه السفّاح إلى الخلافة. وقيل مات داود بن عليّ سنة (١٣٣) للهجرة (أمير المدينة)
فولّى أبو العباس السفّاح مكانه خاله زياد الحارثي. وأضاف له مكّة والطائف
واليمامة. كما وحجّ بالناس في هذه السنة (أعني سنة ١٣٣
__________________
للهجرة) هو زياد الحارثي.
وفي شهر رجب من
سنة (١٤١) للهجرة غضب أبو جعفر المنصور على زياد الحارثي فعزله عن المدينة ومكّة
والطائف واليمامة ، ثمّ صادر أمواله وحبسه وكان سبب ذلك اتّهامه بمحاباته لمحمّد
بن عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (النفس الزكية) وأخيه إبراهيم
، وعدم اهتمامه بالقبض عليهما. وولّى مكانه محمّد بن خالد القسريّ ، وقال زياد الحارثي
لما عزله المنصور :
|
ولو أنّي
بليت بهاشمي
|
|
خؤولته بنو
عبد المدان
|
|
صبرت على
عداوته ولكن
|
|
تعالي فانظري
بمن ابتلاني؟!
|
وفي سنة (١٤٤)
للهجرة أمر أبو جعفر المنصور بحبس عبد الله بن الحسن (المحض) ، وأولاده وأخوته فحصلت مشادّة كلاميّة بين عبد الله
وبين أبي جعفر المنصور وأراد المنصور أن يقتله فتدخل زياد الحارثي وقال لأبي جعفر
المنصور : (هبه لي يا أمير المؤمنين ، فأنا آتيك بولديه). وجيء إلى زياد بن عبد الله الحارثي عند ما كان أميرا
على المدينة بسلال خبيص ، هدية فظنّ زياد أنّها رطبا ، فقال : ضعوها وادعوا مساكين
المسجد ليأكلوا منها. ولمّا فتحت السلال وإذا بها الخبيص يابس ، فغضب زياد وقال :
اذهبوا بهؤلاء إلى السجن ، فقالوا : ولم أصلح الله الأمير؟!. قال : (لأنّكم
تقيلون
__________________
في المسجد وتصلون بغير وضوء).
وقيل : إنّه
قال : (اضربوا كل واحد منهم عشرة أسواط ، فقد بلغني أنّهم يفسون في مسجد رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم) فقالوا : (نحلف بالله ألّا ندخل المسجد أبدا).
٧٢ ـ طارق بن أبي
زياد :
وكان طارق بن
أبي زياد (خليفة) خالد بن عبد الله القسريّ على الكوفة. وعند ما أراد هشام بن عبد الملك أن يعزل خالد القسريّ عن العراق
، كتب إلى يوسف بن عمر : (سر سرا ، أميرا على العراق ، وأشفني من أبن النصرانية وعماله).
وحينما علم
طارق (نائب خالد القسريّ) ذهب إلى (واسط) لملاقاة خالد هناك ، فقال له خالد : كيف
جئت بدون موافقتي؟ فأخبره طارق بخبر مجيء يوسف بن عمر أميرا على العراق بدلا منه ،
فقال له خالد : وما هو الرأي يا طارق؟ قال طارق : أرى أن تذهب إلى الخليفة هشام بن
عبد الملك (بنفسك) وتعتذر منه عمّا سمعه عنك ، وإذا رآك استحيا منك ، وزال منه ما
كان عليك في نفسه وأنت لك منزلة عنده.
فقال خالد : لا
يمكنني الذهاب إلى الخليفة قبل أخذ موافقته. قال طارق : فأرسلني إليه حتّى آتيك
بموافقته ، فقال خالد : ولا هذا أيضا. قال
__________________
طارق : أذهب (أنا) إلى الخليفة وأضمن له ما فاته من أموال عن السنين
الماضية ، وآتيك بعهدك. فقال خالد : وكم هو المال؟ قال طارق : مائة ألف ألف. فقال
خالد : ومن أين آتي بهذا المبلغ وأنا لا أملك عشرة آلاف درهم؟. قال طارق : أتحمّل
أنا وسعيد بن راشد أربعين ألف ألف ، وأبان والزيني عشرين ألف ألف ، وباقي المبلغ نوزعه على (العمّال) الآخرين ، فرفض خالد أيضا ، عند ذلك بكى طارق وودّع
خالد القسريّ وقال له : هذا آخر ما نلتقي بالدنيا ، ثمّ رجع إلى الكوفة.
ولمّا وصل يوسف
بن عمر إلى (النجف) في شهر جمادي الآخرة من سنة (١٢٠) للهجرة ، طلب إحضار طارق
فجيء به ، فلمّا رآه يوسف بن عمر ، أمر بضربه خمسمائة سوط ، وقيل مات طارق من
التعذيب!
ثم جاء يوسف بن
عمر إلى الكوفة ، فذهب إلى الجامع فصلّى فقرأ : (إذا وقعت الواقعة) ، ثمّ قرأ : (وسأل
سائل) ثمّ أرسل إلى خالد القسريّ وأصحابه فحبسهم.
ومرّ طارق (صاحب
شرطة خالد القسريّ) بأبن شبرمة ، وكان طارق في موكب عظيم فلمّا رآه ابن شبرمة ، تنفس
الصعداء وقال :
__________________
|
أراها وإن كانت تحبّ كأنّها
|
|
سحابة صيف عن
قريب تقشع
|
ثمّ قال : (اللهم
لي ديني ولهم دنياهم). ثمّ عيّن ابن شبرمة بعد ذلك قاضيا في الكوفة ، فقال له ابنه
: أتذكر يوم مرّ بك طارق في موكبه وقلت ما قلت؟ فقال أبوه : (يا بنيّ إنّهم يجدون
مثل أبيك ، ولا يجد مثلهم أبوك ، إنّ أباك أكل من حلوائهم ، وحطّ في أهوائهم).
وكان طارق (أمير
الكوفة) قد ختن ولده فأهدوا له : ألف عتيق ، وألف وصيف ، وألف جارية ، ما عدا
الثياب والأموال.
٧٣ ـ يزيد بن خالد
القسريّ :
هو يزيد بن
خالد بن عبد الله القسريّ . كان مع أبيه (خالد) في العراق . ولّاه هشام بن عبد الملك إمارة (العراقين) سنة (١٢٠)
للهجرة مكان أبيه خالد القسريّ ، وولّى في هذه السنة نصر بن سيّار بلاد خراسان
بأجمعها.
ولمّا ولّي
يزيد بن خالد القسريّ إمارة الكوفة ، سار بهم سيرة الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، فأخذ
أموال الناس دون حقّ ، وقتل الرجال بلا رحمة ، ولا هوادة ، حتّى شكاه الناس إلى
هشام بن عبد الملك فعزله. وولّى
__________________
مكانه يوسف بن عمر ، وأمره أن يأخذ يزيد بن خالد القسريّ فيعذّبه أشدّ عذاب
ويأخذ منه الأموال الّتي جباها من أهل العراق. فجاء يوسف بن عمر ونزل في (الحيرة) ، وجيء بيزيد بن
خالد من البصرة ، فأخذ منه أموالا كثيرة ، وأخذ يعذّبه ليعترف بالأموال الباقية ،
وهدّده بالقتل إن لم يدفعها. فقال له يزيد بن خالد : لا تسرع بقتلي ، فإن لي بذمة
زيد بن عليّ ابن الحسين ، ومحمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب ، وداود بن عليّ بن
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، وإبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف ، وأيوب
بن سلمة بن عبد الله المخزومي (وكان هؤلاء جميعهم حينذاك في الشام عند هشام بن عبد
الملك). فكتب يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك ليعلمه بذلك ، فدعاهم هشام ،
فأنكروا ما ادعاه يزيد بن خالد ، ثمّ بعد ذلك أرسلهم هشام إلى يوسف بن عمر ليجمع
بينهم ويتوصل إلى حقيقة الأمر. ولمّا وصلوا إلى الكوفة ، سألهم يوسف بن عمر عن
الأموال الّتي استودعها لديهم يزيد بن خالد القسريّ ، فأنكروا ذلك ، ثمّ أحضر يزيد
بن خالد فقال له يوسف بن عمر : هؤلاء القوم ، الّذين ادعيت إنّك استودعتهم الأموال
، فماذا تقول؟ فقال يزيد بن خالد : (ما لي عندهم قليل ولا كثير ولا دعوة ولا طلبة).
فغضب يوسف بن عمر فأودعه السجن ، وأخذ يعذّبه حتى مات.
هذا وقد ذكر
أكثر المؤرخين بأنّ يزيد بن خالد القسريّ قد قتل في
__________________
دمشق ، وذلك عند ما ثار أهل الغوطة ، وولّوا عليهم يزيد بن خالد فحاصروا مدينة دمشق ، وكان
أميرها آنذاك (زامل بن عمرو) فأرسل اليهم مروان بن محمّد (آخر ملوك بني أميّة)
جيشا بقيادة أبا الورد بن الكوثر بن زفر بن الحارث ، ومعه عمرو بن الوضّاح في عشرة
آلاف مقاتل ، فحدثت معركة بين الطرفين ، أسفرت عن هزيمة أصحاب يزيد القسريّ ، ثمّ
ألقي القبض على يزيد فقتلوه ، ثمّ صلب على باب الفراديس بدمشق وبعثوا برأسه إلى
مروان بن محمّد في حمص ، ثمّ نهبوا عسكره وأحرقوا (المزة) وقرى من اليمانية.
وقيل أيضا بأنّ
يزيد بن خالد القسريّ هو الّذي قتل يوسف بن عمر في سجنه بدمشق ثأرا لأبيه.
٧٤ ـ يوسف بن عمر :
هو : يوسف بن
عمر بن محمّد بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود الثقفيّ ، وهو ابن عم الحجّاج بن يوسف
الثقفيّ ، وكنيته : أبو عبد الله.
ولّاه هشام بن
عبد الملك إمارة الكوفة سنة (١٢٠) للهجرة ، وذلك بعد عزل خالد بن عبد الله القسريّ
عنها.
__________________
وقد كتب هشام
بن عبد الملك كتابا بخط يده (لم يطّلع عليه أحد) إلى يوسف بن عمر وكان (أميرا على
خراسان) يأمره بالذهاب إلى العراق حتّى يصل الكوفة ، فيقبض على خالد بن عبد الله
القسريّ ، ويأخذ منه ستّة وثلاثين ألف ألف درهم.
ولمّا وصل يوسف
بن عمر إلى الكوفة ، فدخل المسجد ، وجاء خالد القسريّ ليصلّي بالناس فمنعه يوسف بن
عمر ، وأخرجه من المسجد ، ثمّ صلّى يوسف بالناس ، وقرأ في الركعة الأولى : (إذا
وقعت الواقعة) ، وقرأ في الركعة الثانية (سأل سائل بعذاب واقع) ثمّ قبض على خالد
القسريّ وأصحابه ، وعذّبه عذابا شديدا.
وقيل كان خالد
القسريّ جالسا على دكّة دكّان ، فجذبه يوسف حتّى سقط على وجهه. (وقال بعض الحاضرين
: قد فعل خالد بعمر بن هبيرة ، مثلما فعله به يوسف بن عمر ، فمن ولي فليحسن) .
وكان يوسف بن
عمر ، قصير القامة (. جدا) ذو لحية طويلة (جدا) تصل إلى أسفل سرته ، وكان يضرب به
المثل في الحمق ، وكان إذا أراد أن يخيط له ثوبا ، فيشتري القماش ويذهب به إلى
الخياط ، فاذا قال له الخياط : بإنّ القماش قليل ، ويحتاج إلى قماش اكثر ، أكرمه ،
وإن قال له : بأن القماش كثير ، أهانه ، لأنّه يشعر بقصره.
وقد سار يوسف
بن عمر بأهل الكوفة كسيرة ابن عمّه الحجّاج بن يوسف الثقفيّ في قسوته ، وتعذيبه
للناس طيلة إمارته على الكوفة ، وخطبته في أهل الكوفة بعد مقتل زيد بن عليّ بن
الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام خير دليل على قساوته ولؤمه ، وحقده ، فقد جاء فيها : (يا
أهل المدرة
__________________
الخبيثة ، إنّي والله ما تقرّن بي الصعبة ولا يقطع لي الشنآن ، ولا أخوّف
بالذنب ، هيهات ، حبيت بالساعد الأشد ، أبشروا يا أهل الكوفة بالصغار والهوان ، لا
عطاء لكم عندنا ولا رزق ، ولقد هممت أن أضرب بلادكم ودوركم ، وأحرمكم أموالكم ،
أما والله ما علوت منبري إلا أسمعتكم ما تكرهون عليه ، فإنّكم أهل بغي وخلاف ، ما
منكم إلّا من حارب الله ورسوله إلّا حكيم بن شريك المحاربي ، ولقد سألت أمير
المؤمنين أن يأذن لي فيكم ، ولو أذن لقتلت مقاتلتكم ، وسبيت ذراريكم).
وكان زيد بن
عليّ بن الحسين عليهماالسلام قد ثار بالكوفة سنة (١٢١) للهجرة ، وقد تسرّع في ثورته
، حيث ضايقه يوسف بن عمر كثيرا ، وقال عند ما ثار :
|
شرّده الخوف
وأزرى به
|
|
كذلك من يكره
حرّ الجلاد
|
|
محتفي
الرجلين يشكو الوجى
|
|
تنكبه أطراف
مرو حداد
|
|
وقد كان له
في الموت راحة
|
|
والموت حتم
في رقاب العباد
|
فأرسل إليه
يوسف بن عمر جيشا لمحاربته ، فوقعت معركة بين الطرفين ، انهزم فيها أصحاب زيد بن
عليّ ، وبقي يحارب في جماعة قليلة وهو يقول :
|
أذلّ الحياة
وعزّ الممات
|
|
وكلا أراه
طعاما وبيلا
|
|
فإن كان لا
بدّ من واحد
|
|
فسيري إلى
الموت سيرا جميلا
|
وأثناء المعركة
جاء سهم فأصابه في جبهته ، فجيء إليه بطبيب لينزع السهم فقال الطبيب لزيد : إذا
انتزعت السهم فسوف تموت. فقال له زيد :
__________________
الموت أحسن مما أنا فيه. فانتزع السهم ، فمات زيد في ساعته ، وذلك في يوم
الجمعة من شهر صفر من سنة (١٢١) للهجرة ، وقيل سنة (١٢٢) ، ثمّ دفن في ساقية وأجري
الماء فيها لكيلا يعرف قبره. وذهب ذلك الطبيب إلى يوسف بن عمر ، فدلّه على موضع قبره
، فاستخرجه يوسف بن عمر فقطع رأسه وأرسله إلى الشام إلى هشام بن عبد الملك
، وصلب جثته (عريانا) على جذع نخلة في كناسة الكوفة ، وصلب معه : معاوية بن إسحاق
، وزياد الهندي ونصر بن خزيمة العبسيّ ، وبقي مصلوبا إلى خلافة الوليد بن يزيد ،
وقيل بقي مصلوبا خمس سنين عريانا.
ولمّا ثار أبنه
يحيى بن زيد في (الجوزجان) كتب الوليد بن يزيد إلى يوسف بن عمر : (أما بعد ، فإذا
أتاك كتابي هذا ، فانظر عجل أهل العراق ، فاحرقه ، وانسفه في اليم نسفا والسلام).
فأنزله يوسف ،
وأحرقه بالنار ، ثمّ ذراه في نهر الفرات ، وفي هذا قال شاعر من بني أميّة يخاطب آل أبي طالب :
|
صلبنا لكم
زيدا على جذع نخلة
|
|
ولم أر
مهديّا على الجذع يصلب
|
وقال الفضل بن
العباس بن عبد الرحمن بن ربيعة يرثي زيد بن عليّ بقصيدة نقتطف منها :
__________________
|
ألا يا عين
لا ترقي وجودي
|
|
بدمعك ليس ذا
حين الجمود
|
|
غداة ابن
النبيّ أبو حسين
|
|
صليب
بالكناسة فوق عود
|
|
يظلّ على
عمودهم ويمسي
|
|
بنفسي أعظم
فوق العمود
|
|
تعدّى الكافر
الجبار فيه
|
|
فأخرجه من
القبر اللحيد
|
|
فظلّوا
ينبشون أبا حسين
|
|
خضيبا بينهم
بدم جسيد
|
وقال أبو ثميلة
الأبار يرثي زيدا بقصيدة نقتطف منها :
|
والناس قد
أمنوا وآل محمّد
|
|
من بين مقتول
وبين مشرّد
|
|
نصب إذا ألقى
الظلام ستوره
|
|
رقد الحمام ،
وليلهم لم يرقد
|
|
يا ليت شعري
والخطوب كثيرة
|
|
أسباب موردها
وما لم يورد
|
|
ما حجّة
المستبشرين بقتله
|
|
بالأمس أو ما
عذر أهل المسجد؟
|
ثمّ ثار بعد زيد
بن عليّ ابنه (يحيى) ، فلمّا سمع يوسف بن عمر ، أرسل حريث بن أبي الجهم في طلبه ،
فذهب يحيى إلى المدائن ، ثمّ إلى الريّ ، وهناك قبض عليه نصر بن سيّار ، فقيده
وحبسه ، وكتب إلى يوسف بن عمر يعلمه بذلك ، فكتب هذا إلى الوليد يخبره أيضا ، فكتب
إليه الوليد بإطلاق سراح يحيى بن زيد وجماعته.
ثمّ أخذ يحيى
بن زيد وجماعته ينتقلون من مكان لآخر ، وجواسيس نصر بن سيّار تلاحقهم ، إلى أن
وصلوا إلى أرض (الجوزجان) فبعث نصر ابن سيار إلى سلم بن حوز في ثمانية آلاف فارس
من أهل الشام ، فدارت معركة بينه وبين يحيى بن زيد استمرت ثلاثة أيّام ، قتل
خلالها أصحاب يحيى جميعهم ، وأثناء المعركة جاء سهم ، فأصاب يحيى في جبهته ، فمات
على أثر ذلك سنة (١٢٥) للهجرة ، فقطعوا رأسه ، وأرسلوه إلى نصر بن سيّار ،
__________________
وهذا بعث بالرأس إلى الوليد بن يزيد بالشام ، ثمّ صلب الجسد (بلا رأس) على
باب الجوزجان ، وبقي مصلوبا إلى أن جاءت (المسودة) فأنزلوه ، وغسلوه ، ثمّ دفنوه ، ثمّ إن أهل خراسان
لبسوا السواد عليه حتّى صار زيا لهم.
وفي سنة (١٢٣)
للهجرة أرسل يوسف بن عمر إلى الشام الحكم بن الصلت ، ليواجه الخليفة هشام بن عبد
الملك ، ويطلب منه أن يعزل نصر بن سيّار عن إمارة خراسان ويضّمها إليه ، إلّا أنّ
هشام لم يلتفت إليه.
ولمّا آلت
الخلافة إلى الوليد بن يزيد ، ذهب يوسف بن عمر إلى الوليد في الشام ، واشترى منه (نصر
بن سيّار وعماله) فأعاد الوليد إمارة خراسان إلى يوسف بن عمر وضمها إلى العراق ،
كان ذلك سنة (١٢٥) للهجرة.
وفي سنة (١٢٦)
للهجرة ، قرّر الوليد بن يزيد ، عزل يوسف بن عمر عن العراق ، وعن إمارة الكوفة
بالذات ، وتوليتها إلى عبد الملك بن محمّد بن الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، فلمّا سمع
يوسف بذلك ، ذهب إلى الشام ، ومعه الهدايا النفيسة ، والأموال الطائلة والأمتعة ،
والأواني الذهبية ، ما لم يحمله مثله من العراق ، واستخلف على الكوفة ابن عمّه (يوسف
بن محمّد بن الحكم الثقفيّ) ، ولمّا وصل يوسف بن عمر إلى الشام ، ومعه تلك الأموال
، والهدايا الثمينة ، قال الوليد (إرجع إلى عملك) أيّ إلى إمارتك.
وقيل إنّ يوسف
بن عمر ، كان أحمق عربي ، أمر ونهى في دولة
__________________
الإسلام حتّى ضرب به المثل فقيل (آتيه من أحمق ثقيف).
ويحكى أنّ
حجّاما أراد أن يحجمه ، فارتعدت يداه ، فقال لحاجبه : قل لهذا البائس : لا تخف.
وقال محذم (كاتب
يوسف بن عمر) : بعثني يوسف إلى هشام بن عبد الملك ، ومعي ياقوتة حمراء كانت (للرائعة)
وهي جارية خالد القسريّ ، كان قد اشتراها بثلاثة وسبعين ألف دينار ، وأرسل معي
أيضا حبّة لؤلؤ (أكبر حبّة عرفت في ذلك الوقت) فدخلت على هشام ، ودنوت منه ، فلم
أشاهد وجهه من طول السرير ، وكثرة الفراش ، فأخذ هشام الحبّة والياقوتة وقال لي : (أكتب
وزنها) ، فقلت له : يا أمير المؤمنين : هما أعظم من أن يكتب بوزنهما ومن أين يوجد
مثلهما؟ فقال هشام : صدقت.
وقيل : خطب
يوسف بن عمر يوما فقال : (اتّقوا الله ، فكم من مؤمّل أملا لا يبلغه ، وجمع مالا
لا يأكله ، ومانع عمّا سوف يتركه ، ولعلّ من باطل جمعه ، ومن حقّ منعه ، أصابه
حراما ، وأورثه عددا ، فاحتمل أجره ، وباء بوزره ، وورد على ربّه ، آسفا ، لاهفا ،
قد خسر الدنيا والآخرة ، وذلك هو الخسران المبين).
وكان يوسف بن
عمر شديد البغض لآل البيت (عليهمالسلام) حتّى أنّه كان لا يترك أحدا يعرف بموالات بني هاشم
ومودة أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا بعث إليه وحبسه عنده في (واسط).
عزل يوسف بن
عمر عن إمارة الكوفة سنة (١٢٦) للهجرة ، عزله
__________________
يزيد بن الوليد وولّى مكانه منصور بن جمهور.
ولمّا سمع يوسف
بن عمر بعزله هرب إلى (البلقاء) عن طريق السماوة ، فلبس ملابس النساء ، ولمّا علم
يزيد بن الوليد بوصول يوسف إلى (البلقاء) أمر بالبحث عنه والقبض عليه ، ففتشوا عنه
، فوجدوه بين نسوة قد ألقين عليه عباءة ، وجلسن حواليه حاسرات ، فجرّوه من رجله ،
وجيء به إلى يزيد بن الوليد ، وفي طريقه ، لقيه أحد الحرّاس ، فأخذ بلحيته ونتفها
، ثمّ أدخل على يزيد بن الوليد ، ولمّا أدخل على يزيد ، قال يوسف وقد قبض على
لحيته : (نتفت والله يا أمير المؤمنين لحيتي ، فما بقي منها شعره). فأمر يزيد بحبسه.
وبقي يوسف بن
عمر في الحبس إلى مجيء مروان بن محمّد وذلك سنة (١٢٧) للهجرة ، وقيل سنة (١٢٦)
للهجرة ، وذهب يزيد بن خالد القسريّ مع جماعة من أصحابه إلى السجن فقتلوا يوسف بن
عمر ، وقطعوا رأسه ، وشدوا حبلا في رجليه ، وأخذ الصبيان يجرونه في شوارع دمشق ،
وقد شاهدته امرأة كانت مارّة في الطريق فقالت : (لأيّ سبب قتل هذا الصبي المسكين).
وقال بعضهم :
بأنّه رآى يوسف بن عمر يجرّ بحبل من مذاكيره بشوارع دمشق. ثمّ رآى بعد ذلك يزيد بن
خالد القسريّ (قاتل يوسف) يجرّ بحبل هو الآخر من مذاكيره في شوارع دمشق في ذلك
المكان. وقيل
__________________
إنّ الّذي قتل يوسف بن عمر هو : مولى ليزيد بن خالد القسريّ ، ثأرا لأبيه
خالد ، وكان عمر يوسف أكثر من ستين سنة.
قيل قتل يوسف
بن عمر سنة (١٢٦) للهجرة ، وقيل سنة (١٢٧).
٧٥ ـ الحكم بن الصلت
:
هو : الحكم بن
الصلت بن أبي عقيل بن مسعود الثقفيّ ، وهو ابن عمّ الحجّاج بن يوسف الثقفيّ.
استخلفه يوسف
بن عمر على إمارة الكوفة سنة (١٢٢) للهجرة وأقام يوسف بن عمر في (الحيرة) حيث كان ابن عمر
وكثير من أمراء الكوفة يذهبون إلى الحيرة أو إلى (واسط) ويقيمون فيها وذلك لقربها
من الكوفة ، ولوجود بقايا قصور النعمان بن المنذر ، وفيها بقايا معالم حضارة
المناذرة الّتي لا زالت شاخصة للعيان إضافة إلى طيب هوائها ، وكثرة المزارع
والبساتين فيها ، ولربّما هناك سبب آخر (وحسبما أعتقده) وهو أن الكوفة كثيرة
الانتفاضات والثورات ، فتخوفا من ذلك يقيمون في (الحيرة) ويستخلفون على إمارة
الكوفة (أشخاصا يثقون بهم) تفاديا للمواجهة المباشرة مع الثوار.
وفي هذه السنة (أيّ
سنة ١٢٢ للهجرة) قام زيد بن عليّ بن الحسين عليهالسلام بثورته في الكوفة كما ذكرت ذلك في ص (٣٩٨) فبعث الحكم
__________________
إلى يوسف بن عمر بالحيرة ، يخبره بثورة زيد ، فأرسل له يوسف جيشا ، فقتله ،
ودفن في ساقية ، وأجري فيها الماء ، ثمّ أخرج من الساقية ، وقطع رأسه وأرسل إلى
الشام ، ثمّ أرسل إلى المدينة وصلب فيها ، وجاء شاعر من شعراء الأنصار ووقف أمام
الرأس وقال :
|
ألا يا ناقص
الميثا
|
|
ق أبشر بالذي
ساكا
|
|
نقضت العهد
والميثا
|
|
ق قدما كان
قد ماكا
|
|
لقد أخلف
إبليس ال
|
|
ذي قد كان
مناكا
|
فقيل له : ويحك
، أتقول هذا لزيد؟! فقال : إنّ الأمير غضبان ، فأردت أن أرضيه ، فرد عليه أحد
شعرائهم قائلا :
|
ألا يا شعار
السوء
|
|
لقد أصبحت
أفاكا
|
|
أشتم ابن
رسول الله
|
|
يرضي من
تولّاكا؟!
|
|
ألا صبّحك
الله
|
|
بخزي ثمّ
مسّاكا
|
|
ويوم الحشر
لا شكّ
|
|
بأن النار
مثواكا
|
وقيل إنّ الّذي
أرشد إلى قبر زيد بن عليّ هو : (خراش بن حوشب ابن يزيد الشيبانيّ) وكان رئيس شرطة
زيد ، وهو الّذي نبش قبره وصلبه ، فقال السيد الحميريّ :
|
بت ليلي
مسهدا
|
|
ساهر الطرف
مقصدا
|
|
ولقد قلت
قولة
|
|
وأطلت
التبلدا
|
|
لعن الله
حوشبا
|
|
وخراشا ومزيدا
|
|
ويزيدا فإنّه
|
|
كان أعتى
وأعندا
|
__________________
|
ألف ألف وألف
أل
|
|
ف من اللّعن
سرمدا
|
|
إنّهم حاربوا
الإل
|
|
ه وآذوا
محمّدا
|
|
شركوا في دم
|
|
الطهر زيدا
تعنّدا
|
|
ثمّ عالوه
فوق جذ
|
|
ع صريعا
مجرّدا
|
|
يا خراش بن
حوشب
|
|
أنت أشقى
الورى غدا
|
وفي سنة (١٢٣)
للهجرة ، وقيل سنة (١٢٥) للهجرة ، كتب يوسف ابن عمر إلى هشام بن عبد الملك ، بأن
يعيّن الحكم بن الصلت أميرا على خراسان ، بدلا من نصر بن سيّار ، حيث أنّ ابن الصلت
له علم ودراية بأحوال أهل خراسان ، كما وسبق له أن تولّى أعمالا جسيمة فيها.
ولمّا وصل
الكتاب إلى هشام بن عبد الملك ، بعث إلى (مقاتل بن عليّ السغّدي) الّذي جاء لتوّه
من خراسان ، فسأله عن الحكم بن الصلت ، وعن الأعمال الّتي وليها بخراسان. فقال
مقاتل : إنّه لم يتولّ ولاية خراسان قط ، وإنّما تولّى قرية صغيرة يقال لها (الفارياب)
والّتي لا يتجاوز خراجها على سبعين ألف درهم ، وإنّ الحارث بن سريح قد عصر (فرك)
أذنه ، ثمّ أطلقه وقال له : (أنت أهون من أن أقتلك) . فكتب هشام بن عبد الملك إلى يوسف بن عمر : (إنّ الحكم
قد جاء إلينا ، وهو على ما وصفت ، وله سعة في الّذي من جهتك ، فأجعله عاملا عندك) .
وكان الكميت بن
زيد ، مدّاحا لإبان بن الوليد البجليّ ، وكان إبان محبّا ومحسنا إليه ، وقد
اتهم إبان بعدم تسديد المبالغ المستحقه عليه إلى بيت
__________________
مال الكوفة ، فحبسه الحكم بن الصلت ، وقد جاء الكميت إلى الكوفة فمدح الحكم
بن الصلت بقصيدته الّتي أولها :
طربت وهاجك الشوق الحثيث
ولمّا فرغ من
إلقائها ، أمر له الحكم بجائزة ، وفي تلك الأثناء جيء بإبان ابن الوليد وهو مقيّد
بالحديد ، فطالبه الحكم بالأموال ، فنظر الكميت إلى إبان ، وهو على تلك الحال ،
فدمعت عيناه ، وقال للحكم : أصلح الله الأمير ، إجعل جائزتي لإبان ، واحتسبها من
المبلغ ، فقال له إبان : يا أبا المستهل : (ما حلّ عليّ شي بعد). فقال الكميت للحكم : أبي تسخر؟
أصلح الله الأمير!!.
فقال الحكم : (كذب
، قد حلّ عليه المال ، ولو لم يحلّ لأحتسبنا له مما يحلّ) . فقال حوشب بن يزيد الشيبانيّ (وكان خليفة الحكم) :
أصلح الله الامير ، أتشفّع حمار بني أسد ، في عبد بجيلة؟! فقال له الكميت : (لئن
قلت ذاك ، فو الله ، ما فررنا عن آبائنا حين قتلوا ، ولا نكحنا حلائل آبائنا بعد
أن ماتوا). فسكت حوشب خجلا ، فقال له الحكم : (ما كان تعرّضك للسان
الكميت).
وكان الحكم بن
الصلت قد استخلفه الحجّاج بن يوسف الثقفيّ على إمارة البصرة سنة (٧٥) للهجرة ،
وأمره أن يضيّق على خالد بن عبد الله بن أسيد بن أميّه ، ولمّا علم خالد بذلك هرب
من البصرة قبل أن يدخلها
__________________
الحكم.
وتغدى الحكم مع
أحد (عماله) فتناول العامل من بين يديه (درّاجة) فغضب الحكم عليه ، وعزله عن عمله ، فقال فيه الفرزدق :
|
قد كان
بالعرض صيد لو قنعت به
|
|
فبه غنى لك
عن دراجة الحكم
|
وقتل الحكم مع
جماعة من آل الحجّاج ، قتلهم صالح بن عبد الرحمن الكاتب.
٧٦ ـ حوشب بن يزيد بن
رويم الشيبانيّ :
وكان خليفة
الحكم بن الصلت على إمارة الكوفة ، في إمارة يوسف بن عمر على العراق. هذا ولم نعثر
على ترجمة وافية له.
٧٧ ـ يوسف بن محمّد
بن الحكم :
هو : يوسف بن
محمّد بن يوسف الثقفيّ ، وهو ابن أخي الحجّاج بن يوسف الثقفيّ وابن عم يوسف بن عمر
الثقفيّ ، وخال الخليفة الوليد بن يزيد.
استخلفه يوسف
بن عمر الثقفيّ على إمارة الكوفة سنة (١٢٦) للهجرة وذلك عند ما ذهب يوسف لمقابلة الوليد بن يزيد ،
وقيل إنّ يوسف
__________________
ابن عمر ذهب إلى الشام سنة (١٢٥) للهجرة.
وكان يوسف هذا
قد أرسله الوليد بن يزيد أميرا على مكّة والمدينة والطائف في سنة (١٢٥) للهجرة ،
ثمّ سلّمه محمّد وإبراهيم ابني هشام بن إسماعيل المخزومي فأخذهما معه إلى المدينة
، وأخذ يشهّر بهما ، وقال لأهل المدينة بأنّهما سرقا الأموال ، ثمّ حبسهما عنده ،
ثمّ كتب إليه الوليد بعد ذلك أن يرسلهما إلى يوسف بن عمر (أمير العراق) ولمّا وصلا
إلى الكوفة ، أخذ يوسف بن عمر يعذبهما عذابا شديدا ، ثمّ قتلهما .
وفي سنة (١٢٥)
للهجرة ، حجّ بالناس يوسف بن محمّد ، وعن شبيب ابن شيبة التميميّ (الأهتمي) أنّه
قال : (حججت سنة (١٢٥) للهجرة وقد تعرفت في مكّة على عبد الله بن عليّ بن عبد الله
بن عباس ، وسألته (بعد أن اطمأنّ لي : ما رأيك فيمن هو الآن على الموسم؟) . فقال لي : عن الصلاة خلفه تسألني؟ أم كرهت أن يتأمر
على آل الله من ليس منهم؟ فقلت : عن كلا الأمرين ، فقال : (إنّ هذا عند الله لعظيم
، فأمّا الصلاة ففرض لله ، تعبّد به خلقه ، فأقيما فرض عليك في كلّ وقت مع كلّ أحد
، وعلى كلّ حال فإنّ الّذي ندبك لحج بيته ، وحضور جماعته لم يخبرك في كتابه بأن لا
يقبل منك نسكا إلّا مع أكمل المؤمنين إيمانا ، رحمة منه لك ، ولو فعل ذلك بك ، ضاق
الامر عليك ، فأسمح يسمح لك) .
عزل يوسف بن
محمّد عن الكوفة واستخلف مكانه محمّد بن عبيد الله
__________________
الثقفيّ .
٧٨ ـ محمّد بن عبيد
الله الثقفيّ :
استخلفه يوسف
بن عمر على إمارة الكوفة سنة (١٢٦) للهجرة ، وذلك بعد عزل أميرها السابق يوسف بن
محمّد الثقفيّ ، ثمّ عزله وعيّن مكانه زياد بن صخر اللخميّ. هذا ولم نعثر على ترجمة وافية له.
٧٩ ـ المغيرة بن عبد الله
بن أبي عقيل الثقفيّ :
استخلفه يوسف
بن عمر على إمارة الكوفة سنة (١٢٦) للهجرة ، غير أنّ المغيرة لم يتمتع في إمارته
هذه سوى اسبوعا واحدا ، حيث هرب يوسف ابن عمر من الكوفة عند سماعه بمقتل الخليفة
الوليد بن يزيد.
٨٠ ـ منصور بن جمهور
:
هو : منصور بن
جمهور بن حصن بن عمرو الكلبيّ من بني كلب بن وبرة ، وقيل الأزدي ، من سكان (المزّه)
بضواحي دمشق ، دمشقي الاصل .
ولّاه يزيد بن
الوليد بن عبد الملك إمارة الكوفة سنة (١٢٦) للهجرة ، وذلك بعد عزل اميرها السابق يوسف بن عمر ،
وقيل إنّ منصور
__________________
افتعل (زوّر) عهدا على إمارة الكوفة دون علم يزيد بن الوليد ، فجاء إلى
الكوفة ، وبقي أربعين يوما. وعيّن على شرطته (رئيسا) الحجّاج بن أرطأة (القاضي ،
الفقيه) .
ولم يكن منصور
هذا من أهل الدين ، وإنّما صار مع يزيد بن الوليد بن عبد الملك لرأيه في (الغيلانيّة)
، وحميه لقتل خالد بن عبد الله القسريّ (الّذي قتله يوسف بن عمر) ولهذا السبب كان
منصور بن جمهور ممن شاركوا في قتل الوليد بن يزيد.
وعند ما ولّاه
يزيد بن الوليد (العراق) قال له : (اتّق الله ، واعلم إنّني إنّما قتلت الوليد بن
يزيد لفسقه ، ولما أظهره من الجور ، فلا ترتكب مثل ما قتلناه عليه).
وكان يزيد بن
الوليد ، قد اتفق مع منصور بن جمهور ، وجماعة آخرين على قتل الوليد بن يزيد ،
ولمّا ذهبوا إلى قصر الوليد وحاصروه ، أغلق الباب وقال :
|
دعوا لي
سليمى والطلاء وقينة
|
|
وكأسا ألا
حسبي بذلك مالا
|
|
إذا ما صفا
عيشي برملة عالج
|
|
وعانقت سلمى
لا أريد بدالا
|
|
خذوا ملككم
لا ثبّت الله ملككم
|
|
ثباتا يساوي
ما حييت عقالا
|
|
وخلوا عناني
قبل عير وما جرى
|
|
ولا تحسدوني
أن أموت هزالا
|
ثمّ دخل منصور
بن جمهور وجماعته إلى القصر ، فقتلوا الوليد بن
__________________
يزيد ، وقطعوا رأسه ، وذهبوا به إلى يزيد بن الوليد.
ثمّ إنّ منصور
بن جمهور ، ذهب إلى الكوفة ، وعند وصوله إلى (عين التمر) كتب إلى قادة أهل الشام ،
الموجودين في الحيرة ، يخبرهم بمقتل الوليد ، وتأميره على العراق ، ويأمرهم بالقبض
على يوسف بن عمر وكافة عماله.
ولمّا وصل
منصور بن جمهور إلى الكوفة في أوائل شهر رجب من سنة (١٢٦) للهجرة ذهب إلى مسجد
الكوفة ، وخطب في الناس ، فذمّ الوليد ابن يزيد ويوسف بن عمر.
ثمّ ذهب إلى
بيت المال ، وأخرج جميع ما فيه من أموال ، ووزعها على أهل الكوفة ، وأطلق سراح
جميع المسجونين من (العمال) وأهل الخراج الّذين حبسهم يوسف بن عمر ، ثمّ تمّت
البيعة ليزيد بن الوليد في العراق.
وعند ما سمع
يوسف بن عمر بعزله ومجيء منصور بن جمهور ، انهزم إلى الشام وتمّ القبض عليه (كما
ذكرنا ذلك في ص ٤٠٣).
وفي سنة (١٢٦) للهجرة ، عزل منصور بن جمهور عن العراق ، عزله يزيد بن
الوليد وعيّن مكانه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز.
وعند ما ثار
عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر (الطّيار) بن أبي طالب بالكوفة سنة (١٢٧)
للهجرة ، بايعه أهل الكوفة ، وكان فيهم منصور ابن جمهور وإسماعيل بن عبد الله
القسريّ (أخو خالد القسريّ) فحدثت معركة بين ابن معاوية هذا وبين عبد الله بن عمر
بن عبد العزيز ، فهرب
__________________
منصور بن جمهور.
وعند ما جاء
يزيد بن عمر بن هبيرة (أميرا على العراق) أرسل ابنه (داود) ومعه معن بن زائدة
لمحاربة عبد الله بن معاوية ، وكان منصور بن جمهور وسليمان بن هشام بن عبد الملك
مع عبد الله بن معاوية ، وعند ما التقى الجيشان ، انهزم ابن معاوية ، وانهزم منصور
بن جمهور إلى (السند) فلحقه معن بن زائدة ، إلّا أنّه لم يتمكن من اللّحاق به ،
فرجع معن.
ولمّا وصل
منصور بن جمهور إلى السند ، استولى عليها ، ونزل في المعسكر (أي جعل مقرّ إقامته
في المعسكر) وسماّها (المنصورية) وقيل سماّها (المنصورة).
وعند ما تولّى
أبو العباس السفّاح الخلافة سنة (١٣٢) للهجرة أقرّ منصور بن جمهور على إمارة (السند) مكافأة
له على تركه الأمويين ، وميله إلى العباسيين. وعند ما استولى أبو مسلم الخراساني
على خراسان ، عيّن عبد الرحمن بن مسلم العبدي أميرا على السند.
ولمّا وصل (العبدي)
إلى السند امتنع منصور بن جمهور من تسليمه الإمارة فأرسل أبو جعفر المنصور جيشا
بقيادة موسى بن كعب لمحاربته ، فوقعت معركة بين الطرفين ، انهزم خلالها منصور بن
جمهور ، ومات عطشا في الرمال ما بين السند وسجستان سنة (١٣٣) للهجرة .
__________________
٨١ ـ عبيد الله بن
العباس الكنديّ :
استخلفه يوسف
بن عمر على إمارة الكوفة ، وذلك بعد عزل زياد بن صخر اللّخميّ ثمّ عزله وعيّن
مكانه (المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل الثقفيّ).
ثمّ استخلفه
عبد الله بن عمر بن عبد العزيز على إمارة الكوفة سنة (١٢٦) للهجرة وعيّن (رئيسا
للشرطة) عمر بن الغضبان القبعثري) ، وقيل إنّ عبيد الله هذا استخلفه منصور بن
جمهور على إمارة الكوفة سنة (١٢٦) للهجرة ، أو وجده أميرا عليها فأقرّه.
ولمّا ثار زيد
بن عليّ بالكوفة ، كان يوسف بن عمر في (الحيرة) وخليفته على الكوفة (الحكم بن
الصلت) وعلى الشرطة عمرو بن عبد الرحمن ، وكان معهم عبيد الله بن العباس في جماعة
من أهل الشام ، وحينما علم عبيد الله بمجيء زيد بن عليّ إلى مسجد الكوفة ، ذهب
إليه مع جماعته من أهل الشام ، فحدثت بينهما معركة انهزم فيها عبيد الله بن العباس
الكنديّ وأصحابه ، حتّى وصلوا إلى دار عمرو بن حريث.
وعند ما تولّى
عبد الله بن عمر بن عبد العزيز إمارة الكوفة سنة (١٢٦) للهجرة عيّن العمال ، ووزّع
الأرزاق والعطايا على أهل الكوفة ، اعترض قادة الجيش من الشاميين في توزيع الأرزاق
على أهل الكوفة ، وقالوا : إنّ هذه الأموال هي من فيئنا وليس لأهل الكوفة حقّ بها
، فثار أهل الكوفة في وجه القادة الشاميين وحصلت بينهما مناورات ، وذهب أهل الكوفة
إلى قصر الإمارة ، ليطردوا عبيد الله بن العباس (أمير الكوفة) إلّا أنّ
__________________
قادة الجيش الشاميين اعتذروا لأهل الكوفة ، وحلفوا لهم بأنهم لم يقولوا
شيئا مما سمعوه ، وكان عبد الله بن عمر آنذاك في الحيرة.
ولمّا جاء
الضحّاك بن قيس الشيبانيّ إلى الكوفة سنة (١٢٧) للهجرة ، وقعت معركة بينه وبين عبد
الله بن عمر بن عبد العزيز ، قتل خلال المعركة جعفر بن العباس الكنديّ (أخو عبيد
الله) ، ثمّ دخل الضحّاك مدينة الكوفة واستولى عليها ، فخاف عبيد الله على نفسه من
بطش الضحّاك ، فذهب إليه فبايعه ، صار في عسكره ، فقال أبو عطاء السندي يعيّره على
مبايعته للضحّاك ، لأنّ الضحّاك قتل أخاه (جعفر) عند بدء المعارك كما ذكرنا :
|
قل لعبيد
الله لو كان جعفر
|
|
هو الحي لم
يجنح وأنت قتيل
|
|
ولم يتبع
المراق والثار فيهم
|
|
وفي كفه عضب
الذباب صقيل
|
|
إلى معشر
أرادوا أخاك وأكفروا
|
|
أباك فماذا
بعد ذاك تقول؟!
|
ولمّا سمع عبيد
الله هذه الأبيات غضب وقال :
|
فلا وصلتك
الرحم من ذي قرابة
|
|
وطالب وتر
والذليل ذليل
|
|
تركت أخا
شيبان يسلب بزّه
|
|
ونجّاك خوّار
العنان مطول
|
ولمّا قتل جعفر
(أخو عبيد الله بن العباس) وعاصم (أخو عبد الله بن عمر بن عبد العزيز) قالت أمّ
البرذون الصفريّة :
|
نحن قتلنا
عاصما وجعفرا
|
|
والفارس
الضبي حين أصحرا
|
|
ونحن
جئنا الخندق المقعرا
|
__________________
٨٢ ـ عبد الله بن عمر
بن عبد العزيز :
وهو ابن
الخليفة عمر بن عبد العزيز ، ولّاه يزيد بن الوليد بن عبد الملك إمارة الكوفة سنة (١٢٦)
للهجرة ، وذلك بعد عزل منصور بن جمهور ، وقال له يزيد : (سر إلى العراق ،
فإن أهله يميلون إلى أبيك).
ولمّا وصل عبد
الله بن عمر إلى الكوفة عيّن (العمال) في أماكنهم ، وأعطى الناس أرزاقهم وأعطياتهم ، فاعترض
قادة الجيش من الشاميين على عبد الله بن عمر في توزيع الأرزاق والأعطيات على أهل
الكوفة ، وقالوا له : (لماذا تقسم على هؤلاء فيئنا وهم عدوّنا؟!).
فقال ابن عمر
لأهل الكوفة : (إنّي أريد أن أردّ فيئكم عليكم ، وقد علمت أنّكم أحقّ به فنازعني
هؤلاء).
وعلى أثر ذلك
اجتمع أهل الكوفة في (الجبانة) احتجاجا على ما سمعوه من قادة الجيش الشامي ، وحصلت
منازعات بين الطرفين ، أصيب خلالها بإصابات طفيفة من كلا الجانبين ، ثمّ إنّ أهل
الشام اعتذروا لأهل الكوفة بعد ذلك.
وفي سنة (١٢٧) للهجرة ثار بالكوفة عبد الله بن معاوية ، فبايعه أهل
الكوفة ثمّ تمكّن عبد الله بن عمر من إغراء أحد قادة جيش ابن معاوية ، فعمد إلى
حيلة تمكّن بها من هزيمة جيش ابن معاوية ، حيث تركوه
__________________
يحارب لوحده ، ثمّ هرب بعد ذلك إلى خراسان.
وفي هذه السنة
أيضا ، أعني سنة (١٢٧) للهجرة ، استولى الضحّاك بن قيس الشيبانيّ على الكوفة ،
وهرب عبد الله بن عمر إلى (واسط) وكذلك هرب اليها النضر بن سعيد الحرشي ، فلحق
بهما الضحّاك إلى واسط ، واستخلف على الكوفة (ملحان الشيبانيّ) فدارت معارك عنيفة
بين الضحّاك من جهة ، وبين عبد الله بن عمر والنضر الحرشي من جهة أخرى. ثمّ ذهب عبد الله بن عمر إلى الضحّاك في شهر شوال من
سنة (١٢٧) للهجرة ، فصالحه وبايعه وكذلك بايعه سليمان بن هشام بن عبد الملك ، وقيل
صلّيا خلف الضحّاك ،
فقال الشاعر :
|
ألم تر أنّ
الله أظهر دينه
|
|
وصلّت قريش
خلف بكر بن وائل
|
ثمّ قال عبد
الله بن عمر وسليمان بن هشام بن عبد الملك للضحاك ، إذا ذهبت إلى محاربة مروان بن
محمّد فإنّا معك ، عندها رجع الضحّاك إلى الكوفة ، وبقي عبد الله بن عمر في واسط.
وفي سنة (١٢٩)
للهجرة ، وقيل سنة (١٢٨) للهجرة ، كتب مروان بن محمّد إلى يزيد بن عمر بن هبيرة يأمره بالمسير إلى العراق لمحاربة الخوارج (وكان أمير
الكوفة آنذاك المثنى بن عمران العائذي) خليفة الضحّاك الشيبانيّ ، ولمّا وصل يزيد
بن هبيرة إلى (عين التمر) فلقيه المثنى العائذي ، فاقتتلوا قتالا شديدا لعدّة
أيّام ، فقتل المثنى ، وقتل الكثير من قادة
__________________
الضحّاك ، وانهزم الخوارج إلى الكوفة ، ومعهم منصور بن جمهور وجمعوا من بها
من الخوارج ، ثمّ ذهبوا إلى ابن أبي هبيرة ، فقاتلهم (ثانية) أياما ، انهزم بعدها
الخوارج ، ثمّ ذهب يزيد بن عمر بن هبيرة إلى الكوفة ، ومنها ذهب إلى واسط لمحاربة عبد الله بن عمر. ولمّا علم الضحّاك بن قيس ما
حلّ بأصحابه أرسل (عبيدة بن سوار التغلبي) لمحاربة ابن هبيرة فنزل في (الصراة) ، وقيل التقى عبيدة بن سوار مع ابن هبيرة في البصرة
فكانت مقتلة عظيمة بين الطرفين ، قتل فيها (عبيدة بن سوار) ثمّ استبيح عسكره ،
عندها استولى يزيد بن عمر بن هبيرة على العراق كلّه. ثمّ ذهب يزيد بن هبيرة إلى واسط ، فقبض على عبد الله بن
عمر فحبسه ، ثمّ أرسله مع ابنه إلى مروان بن محمّد فحبسهما حتّى
ماتا في الحبس.
٨٣ ـ عبيد الله بن
العباس الكنديّ :
استخلفه عبد
الله بن عمر بن عبد العزيز سنة (١٢٦) للهجرة.
٨٤ ـ عاصم بن عمر بن
عبد العزيز :
هو : عاصم بن
عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم ، وأمّه : هي بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.
استخلفه أخوه
عبد الله على إمارة الكوفة أواخر سنة (١٢٦) للهجرة ،
__________________
في خلافة إبراهيم بن الوليد ، ثمّ عزله. ثمّ أعاده مرّة ثانية على إمارة الكوفة ، وذلك بعد
الانتهاء من أمر عبد الله بن معاوية الّذي ثار بالكوفة سنة (١٢٧) للهجرة وطرد عاصم من الكوفة.
وعند ما جاء
عبد الله بن عمر إلى الكوفة (أميرا) جعل مقر إقامته في (الحيرة) ويستخلف أميرا على
الكوفة ، شأنه في ذلك ممن سبقه من أمراء الكوفة ، حيث يكونون بعيدين عن الكوفة
الكثيرة الانتفاضات والثورات ، وتفاديا للمواجهة مع الثائرين.
وكان عبد الله
بن عمر شديد التعصّب لقبيلتي مضر وربيعة ، فأغدق عليها العطايا ولم يعط شيئا إلى
جعفر بن نافع بن القعقاع بن ثور الذهلي وعثمان بن الخيبري (أخي تيم اللّات بن
ثعلبة) ولم يساو بهما ، فذهبا إلى عبد الله بن عمر (في الحيرة) وأغلظا معه الكلام
، فغضب ابن عمر عليهما ، وأمر بإخراجهما من مجلسه ، فخرجا مغضبين من عنده ، وخرج
معهما تمامة بن حوشب بن رويم الشيبانيّ تضامنا معهما ، ثمّ رجعوا إلى الكوفة ،
فلمّا دخلوا الكوفة ، نادوا : يا آل تيم اللّات ، اليوم يومكم ، فلبت النداء كافة
القبائل الموجودة في الكوفة ، من آل تيم اللّات ، وأخذت الاجتماعات تتوالى ، ثمّ
ذهبوا جميعا إلى الحيرة ، حتّى وصلوا إلى دير هند.
فلمّا سمع عبد
الله بن عمر بتحشدهم ، أرسل أخاه (عاصم) فأتاهم في دير هند فألقى نفسه بينهم ،
وقال لهم : (هذي يدي لكم فاحكموا) فخجلوا منه ، وكبر في نفوسهم ، ثمّ شكروه ،
ورجعوا إلى الكوفة. وفي المساء ، بعث
__________________
عبد الله بن عمر بمئات الآلاف من الدراهم إلى قادة ربيعة وأمرهم أن تقسّم
في قومهم.
ولمّا استولى
الضحّاك بن قيس الشيبانيّ (الخارجيّ الحروري) على الكوفة ، قتل عاصم بن عمر (أخو
عبد الله) وجعفر بن العباس الكنديّ (أخو عبيد الله بن العباس) وهزمت جيوش عبد الله
بن عمر ، قالت أمّ البرذون الصّفرّية :
|
نحن قتلنا
عاصما وجعفرا
|
|
والفارس
الضبي حين أصحرا
|
|
ونحن
جئنا الخندق المقعرا
|
ثمّ رثا عبد
الله أخاه عاصما فقال :
|
رمى غرضي ريب
الزمان فلم يدع
|
|
غداة رمى
للقوس في الكفّ منزعا
|
|
رمى غرض
الأقصى فأقصد عاصما
|
|
أخا كان لي
حرزا ومأوى ومفزعا
|
|
فإن تك أحزان
وفائض عبرة
|
|
إذا عبيطا من
دم الجوف منقعا
|
|
تجرعتها من
عاصم واحتسبتها
|
|
إذا عبيطا من
دم الجوف منقعا
|
|
فليت المنايا
كنّ خلّفن عاصما
|
|
فعشنا جميعا
أو ذهبنّ بنا معا
|
وقال ابن عمر
بن عبد العزيز ، يرثي أخاه عاصما :
|
فإن يك حزن
أو تجرّع غصة
|
|
أمارا نجيعا
من دم الجوف منقعا
|
|
تجرّعته في
عاصم واحتسبته
|
|
لأعظم منه ما
أحتسي وتجرعا
|
قتل عاصم بن
عمر بن عبد العزيز سنة (١٢٧) للهجرة. ومن شعر
__________________
عاصم بن عمر أنه قال :
|
يخبرني
المخبر عن وضين
|
|
وأحمد حين طال به الجزاء
|
|
فإنّهم تولوا
عن أمور
|
|
وفي أحيائها
لهم السناء
|
|
فخالف عن
جماعتنا وضين
|
|
ومال به إلى
الدنيا الرجاء
|
|
إذا خربت
أمور القوم ولى
|
|
ويأتيهم إذا
كان الرخاء
|
|
يسومكم
الوليد الخسف يعدوا
|
|
عليكم مالكم
منه إباء
|
|
وإلّا
فاصمتوا عن ذي وقوموا
|
|
لتخلف في
مكانكم النساء
|
٨٥ ـ عبد الله بن معاوية :
هو : عبد الله
بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف . وكنيته : أبو معاوية ، ثار بالكوفة سنة (١٢٧) للهجرة.
وحينما ولد أبوه
(معاوية) ، كان جدّه (عبد الله) في الشام عند معاوية ابن أبي سفيان ، فبشروه
بمولود ، فقال له معاوية : سمّه (معاوية) ثمّ أعطاه
__________________
مائة ألف درهم ، فأخذ عبد الله المائة ألف وأعطاها للّذي بشّره.
ولمّا رآى أهل
الكوفة ضعف عبد الله بن عمر بن عبد العزيز (أمير الكوفة) اجتمعوا في الجامع ،
وجاءوا بعبد الله بن معاوية ، وأدخلوه في دار الإمارة وطردوا عاصم بن عمر بن عبد
العزيز (خليفة عبد الله بن عمر) بالكوفة ، فلحق بأخيه عبد الله في (الحيرة) ، ثمّ
جاء الكوفيون فبايعوا عبد الله بن معاوية ، منهم : ابن الغضبان القبعثري ، ومنصور
بن جمهور ، وإسماعيل ابن عبد الله القسريّ ، وبقي عبد الله بن معاوية في الكوفة
أياما والناس تبايعه ، ثمّ بايعته المدائن وفم الفيل.
وقيل إنّ عبد
الله بن معاوية ، دعا الناس إلى مبايعته على الرضا من آل محمّد وذلك عند ما بويع
ليزيد بن الوليد بالخلافة ، فقال له أهل الكوفة : (ما فينا بقية فقد قتل جمهورنا
مع أهل هذا البيت) ، وأشاروا عليه بالذهاب إلى فارس ونواحي المشرق.
وكان عبد الله
بن معاوية من فتيان هاشم ، ومن الموصوفين بالكرم والشجاعة ، وكان يعدّ أيضا من
شعرائهم وخطبائهم ، وكان عالما ناسكا وله ديوان شعر.
ثم ذهب عبد
الله بن معاوية بجيشه إلى (الحيرة) لمحاربة عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ، وقبل
أن يبدأ القتال بين الطرفين ، تمكّن عبد الله بن عمر من إقناع ابن خمرة الخزاعي (أحد قادة جيش ابن معاوية) بأن يهرب من المعركة
لكي تهرب بقية جيوش ابن معاوية (وذلك بعد أن أغراه
__________________
بالوعود والأماني).
وعند ما التقى
الجيشان ، وبدأت المعارك بينهما ، انهزم ابن حمزة من المعركة فانهزم الناس بعده ،
وبقي عبد الله بن معاوية يحارب لوحده ، فقال :
|
تفرّقت
الضباء على خراش
|
|
فلا يدري
خراش ما يصيد
|
ثمّ رجع ابن
معاوية إلى الكوفة ، ومنها ذهب إلى المدائن ، فبايعه أهلها ، ثمّ استولى على حلوان
، والدينور ، ونهاوند ، وهمدان ، وقومس ، وأصبهان والريّ.
وعند ما وصل
ابن معاوية إلى (الريّ) التحق به جماعة من أهل الكوفة ، وجعل محل إقامته في (أصبهان)
وبايعه كثير من الناس ، ثمّ تحوّل من أصبهان ، وجعل مقرّه في (اصطخر) فجاءه بنو
هاشم ، منهم : أبو العباس السفّاح وأخوه أبو جعفر المنصور وسليمان بن هشام بن عبد
الملك ، وعندها قال ابن معاوية :
|
ألا تزغ
القلب عن جهله
|
|
وعمّا تؤنب
من أجله
|
|
فأبدل بعد
الصبا حلمه
|
|
وأقصر ذو
العذل عذله
|
|
فلا تركبنّ
الصنيع الّذي
|
|
تلوم أخاك
على مثله
|
|
ولا يعجبنّك
قول امرئ
|
|
يخالف ما قال
في فعله
|
|
ولا تتبع
الطرف ما لا تنال
|
|
ولكن سل الله
من فضله
|
|
فكم من مقلّ
ينال الغنى
|
|
ويحمد في
رزقه كلّه
|
ثم استقرّ عبد
الله بن معاوية في (أصبهان) حيث تمّت له البيعة هناك ، فأخذ يكتب إلى الأمصار ،
يدعو إلى بيعته ، فجاءته وجوه قريش من بني
__________________
أميّة منهم : سليمان بن هشام بن عبد الملك ، وعمر بن سهيل بن عبد العزيز
ابن مروان وغيرهم ، فوزع عليهم المناصب والأعمال ، ووصلهم بصلاة جيّدة. وبقي على تلك الحال إلى أن ولي الخلافة مروان بن محمّد
، والّذي يقال له (مروان الحمار) فأرسل مروان جيشا كبيرا بقيادة عامر بن ضبارة
لمحاربة عبد الله بن معاوية.
ولمّا وصل ابن
ضبارة إلى (أصبهان) طلب ابن معاوية من أصحابه قتاله ، فلم يجيبوه ، فخذلوه ، ثمّ
جاء جيش آخر بقيادة معن بن زائدة ، فكان هذا يرتجز ويقول :
|
ليس أمير
القوم بالخبّ الخدع
|
|
فرّ من الموت
وفي الموت وقع
|
فانهزم عبد
الله بن معاوية إلى خراسان ومعه أخواه (الحسن ويزيد) وجماعة قليلة من أصحابه ،
لعلمه بأن أبا مسلم الخراساني قد استولى على خراسان وأنه يدعو إلى الرضا من آل
محمّد.
ولمّا وصل ابن
معاوية إلى (هراة) وكان أميرها (أبو نصر مالك بن الهيثم الخزاعي) بعث إليه (الخزاعي)
يستفسر منه عن أسباب مجيئه ، فقال ابن معاوية : (بلغني أنّكم تدعون إلى الرضا من
آل محمّد فأتيتكم) ، فقال له الخزاعي : إنتسب لنا حتّى نعرفك؟ ولمّا أخبرهم بأسمه
ونسبه قال له الخزاعي : (لقد اشتريتم الأسم الخبيث ، بالثمن اليسير ، ولا نرى لك
حقّا فيما تدعو إليه).
ثم أرسل عبد
الله بن معاوية وجماعته إلى أبي مسلم الخراساني ، فأمر أبو مسلم بحبسه ، ثمّ جعل
عليه رقيبا ، يرفع إليه أخباره ، فسمعه ذات يوم
__________________
يقول : (يا أهل خراسان ، ليس على الأرض أحمق منهم ، في إطاعتكم هذا الرجل
وتسليمكم إليه مقاليد أموركم من غير أن تراجعوه في شيء أو تسألوه عنه ، والله ما
رضيت الملائكة بهذا من الله عزوجل حتّى راجعته في أمر آدم عليهالسلام فقالت : (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) . حتّى قال الله تعالى (إِنِّي أَعْلَمُ ما
لا تَعْلَمُونَ).
وقيل : كتب عبد
الله بن معاوية إلى أبي مسلم الخراساني كتابا من السجن يقول فيه : (من الأسير بين
يديه ، بلا ذنب إليه ، ولا خوف عليه ، أما بعد ، فأتاك الله حفظ الوصية ، ومنحك
نصيحة الرعيّة ، وألهمك عدل القضيّة ، فإنّك مستودع ودائع ، ومولى صنائع ، فاحفظ
ورائك بحسن صنائك ، فالودائع مرعيّة والصنائع عارية ، وما النعم عليك وعلينا
بمستور نداها ، ومبلغ مداها ، فاذكر القصاص واطلب القصاص .. إلى آخر الخطبة).
وعند ما استولى
عبد الله بن معاوية على أصبهان ، واجتمع إليه الناس ، كتب رجل أسمه (بند) إلى
عمران بن هند يخبره بثورة ابن معاوية فأجابه عمران :
|
أتاني كتاب منك
يا بند سرّني
|
|
تخبرني فيه
بإحدى العجائب
|
|
تخبرني أنّ
العجوز تزوجت
|
|
على كبر منها
كريم الضرائب
|
|
فهناكم الله
الكريم نكاحها
|
|
وراش بها كلّ
ابن عمّ وصاحب
|
وكتب عبد الله
بن معاوية إلى بعض إخوانه : (أما بعد ، فقد عاقني في
__________________
أمرك ، عن عزيمة الرأي فيك ، وذلك أنّك ابتدأتني بلطف من غير خبرة ، ثمّ
أعقبتني جفاء من غير جريرة ، فطمإني أولك في إخائك ، وآيسني آخرك عن وفائك ، فلا
أنا في غير الرجاء مجمع لك إطراحا ، ولا أنا في غد وانتظاره منك على ثقة ، فسبحان
من لو شاء كشف بإيضاح الشكّ في أمرك ، عن عزيمة الرأي فيك ، فاجتمعنا على ائتلاف ،
أو افترقنا على خلاف والسلام).
وكتب ابن
معاوية إلى أحد الهاشميين مهنئا إيّاه بالزواج : (زاد الله في نعمته ، وبارك في
فواضله ، وجميل نوافله ، ونسأل الله الّذي قسم لكم ما تحبّون من السرور ، أن
يجنّبكم من المحذور ، ويجعل ما أحدثه لكم زينا ، ومتاعا حسنا ، ورشدا ثابتا ،
ويجعل سبيل ما أصبحت عليه تماما لصالح ما سموت إليه ، من اجتماع الشمل ، وحسن
موافقة الأهل ، ألّف الله ذلك بالصلاح ، وتممّه بالنجاح ، ومدّ لك في ثروة العدد ،
وطيب الولد ، مع الزيادة في المال ، وقرّة العين ، وصلاح ذات البين).
وكان لأبن
معاوية (رئيس شرطة) يقال له : قيس بن غيلان العنسيّ ، النوفلي وكان هذا إذا خرج
آخر اللّيل ، يقتل كلّ من يلقاه ، فرآه ابن معاوية ذات يوم ، وكان معه عمّارة بن
حمزة (كاتبه) ومطيع بن أياس ، فقال ابن معاوية :
|
إنّ قيسا وإن
تقنّع شيبا
|
|
لخبيث الهوى
شمطه
|
فالتفت ابن
معاوية إلى عمّارة ، وقال له أكمل ، فقال :
__________________
|
ابن سبعين
منظرا ومشيبا
|
|
وابن عشر
تعدّ في سقطه
|
ثمّ التفت إلى
مطيع ، وقال له : أكمل ، فقال :
|
وله شرطة إذا
جنّه اللّيل
|
|
فعوذوا بالله
من شرطه
|
وكان عبد الله
بن معاوية صديقا للحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، ثمّ حصل بينهما خلاف ،
فقال ابن معاوية :
|
وإنّ حسينا
كان شيئا ملففا
|
|
فمحصه
التكثيف حتّى بداليا
|
|
وعين الرضا
عن كلّ عيب كليلة
|
|
ولكن عين
السخط تبدي المساويا
|
|
وأنت أخي ما
لم تكن لي حاجة
|
|
فإن عرضت
أيقنت أن لا أخاليا
|
|
كلانا غنيّ
عن أخيه حياته
|
|
ونحن إذا
متنا أشدّ تفانيا
|
وقيل إنّ هذا
الشعر قاله في صديق له يقال له : (قصي بن ذكوان) وقد عتب عليه ، وأوّل الشعر قوله
:
|
رأيت قصيا
كان شيئا ملففا
|
|
فكشّفه
التمحيص حتّى بدا ليا
|
|
فلا زاد ما بيني
وبينك بعد ما
|
|
بلوتك في
الحاجات إلا تنائيا
|
وقيل اسمه :
فضيل.
وقيل : إنّ عبد
الله بن معاوية طلب من الكميت بن زيد أن يقول شعرا ، يثير فيه العصبيّة القبليّة ،
(لعلّها تحدث فتنة ، فيخرج من بين أصابعها بعض ما تحبّ).
فقال الكميت
قصيدته الّتي يذكر فيها مناقب ومآثر قومه من (مضر
__________________
وربيعة وأياد وأنمار) أولاد نزار ، ويفضلهم على (قحطان) نقتطف من تلك
القصيدة هذه الأبيات :
|
ألا حييت عنا
يا مدينا
|
|
وهل ناس تقول
مسلمينا؟
|
|
لنا قمر
السماء وكلّ نجم
|
|
تشير إليه
أيدي المهتدينا
|
|
وجدت الله إذ
سمّى نزارا
|
|
وأسكنهم
بمكّة قاطنينا
|
|
لنا جعل
المكارم خالصات
|
|
وللناس القفا
ولنا الجبينا
|
|
وما ضربت
هجائن من نزار
|
|
فوالج من
فحول الأعجمينا
|
|
|
|
وما حملوا
الحمير على عتاق
|
|
مطهرة فبلغوا
مبلغينا
|
|
وما وجدت
نساء بني نزار
|
|
حلائل أسودين
وأحمرينا
|
ولمّا سمع دعبل
الخزاعي بهذه القصيدة ، ردّ على الكّميت بقصيدة طويلة ، يذكر فيها مناقب اليمن
وفضائلها من ملوكها وغيرها ، ويفضلهم على غيرهم ، نقتطف منها أيضا الأبيات
التاليّة :
|
أفيقي من
ملامك يا ضعينا
|
|
كفاك اللّوم
مرّ الأربعينا
|
|
ألم تحزنك
أحداث الليالي
|
|
يشيبن الذوائب
والقرونا؟!
|
|
أحيّ الغرّ
من سروات قومي
|
|
لقد حييت
عنّا يا مدينا
|
|
فإن يك آل
إسرائيل منكم
|
|
وكنتم
بالأعاجم فاخرينا
|
|
فلا تنس
الخنازير اللواتي
|
|
مسخن مع
القرود الخاسئينا
|
|
وما طلب
الكميت طلّاب وتر
|
|
ولكنّا
لنصرتنا هجينا
|
|
لقد علمت
نزار أنّ قومي
|
|
إلى نصر
النبّوة فاخرينا
|
ثمّ انتشرت
هاتان القصيدتان ، وافتخرت نزار على اليمن ، وافتخرت اليمن على نزار ، وأخذ كلّ
فريق يذكر ويعدّد ما لقومه من المفاخر والمناقب ،
__________________
ويفتخر بها على الطرف الآخر ، وتحزّبت الناس في البدو والحضر ، وأخذ مروان
بن محمّد (آخر ملوك بني أميّة) يتعصّب لقومه من نزار على اليمن ، مما جعل اليمن
تنحرف عنه ، وتستميل إلى الدعوة العباسيّة ، وكان من نتائج ذلك التعصب ، انتقال
الدولة من بني أميّة إلى بني العباس.
وقال ابن هرمة
يمدح عبد الله بن معاوية :
|
حللت محل
القلب من آل هاشم
|
|
فعشك مأوى
بيضها المتفلق
|
|
ولم تك
بالمعزى اليها نصابه
|
|
لصاقا ولا ذا
المركب المتعلق
|
|
فمن مثل عبد
الله أو مثل جعفر
|
|
ومثل أبيك
الأريحي المرهف
|
ومن شعر عبد
الله بن معاوية :
|
لسنا وإن
أحسابنا كرمت
|
|
يوما على
الآباء نكتمل
|
|
نبني كما
كانت أوائلنا تبني
|
|
ونفعل مثلما
فعلوا
|
ومن شعره أيضا
:
|
أيّها المرء
لا تقولنّ قولا
|
|
ليس تدري ما
يصيبك منه
|
|
إلزم الصمت
إنّ في الصمت حكما
|
|
وإذا أنت قلت
قولا فزنه
|
|
وإذا القوم
ألغطوا في حديث
|
|
ليس يعنيك
شأنه فأله عنه
|
وقال أيضا :
|
قد يرزق
المرء لا فضل حيلته
|
|
ويصرف الرزق
عن ذي الحيلة الداهي
|
__________________
وقال أيضا :
|
إذا كنت لم
تنفع فضرّ فإنّما
|
|
يرجى الفتى
كيما يضر وينفع
|
قتل عبد الله
بن معاوية ، قتله أبو مسلم الخراساني ، وأرسل برأسه إلى ابن ضبارة ، وأمره أن يحمل
الرأس إلى مروان بن محمّد ، ثمّ دفن ابن معاوية في مدينة (هراة) وقبره معروف هناك
يزار. أما أخويه (الحسن ويزيد) فقد أطلق سراحهما.
٨٦ ـ عمر بن عبد
الحميد الخطاب :
هو : عمر بن
الحميد بن عبد الرحمن بن زيد الخطاب. استخلفه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز على
إمارة الكوفة سنة (١٢٧) للهجرة وذلك بعد القضاء على ثورة عبد الله بن معاوية ،
وعين أيضا على شرطة الكوفة (الحكم بن عتيبة) من أهل الشام.
ثمّ عزل عمر بن
عبد الحميد عن الكوفة ، عزله عبد الله ، وولّاها إسماعيل بن عبد الله القسريّ.
وقيل إنّ عبد
الله بن عمر ولّاه الكوفة سنة (١٢٧) وذلك بعد مصالحته مع الضحّاك بن قيس الشيبانيّ
، وذهاب الأخير إلى محاربة مروان ابن محمّد (آخر ملوك بني أميّة).
__________________
٨٧ ـ إسماعيل بن عبد
الله القسريّ :
هو : إسماعيل
بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز بن عامر بن عبد الله بن عبد شمس بن غمغمة بن
جرير بن شفى الكاهن بن صعب بن يشكر ابن درهم بن أفرك بن نذير بن قسر ، القسريّ ،
البجليّ ، أخو خالد بن عبد الله القسريّ (أحد أمراء الكوفة سابقا) وكنيته : أبو
هاشم.
استخلفه عبد
الله بن عمر بن عبد العزيز على إمارة الكوفة سنة (١٢٧) للهجرة وذلك بعد عزل عمر بن عبد الحميد عنها ، وقيل
أرسله عبد الله بن عمر خليفة له على الكوفة ، وذلك بعد خروج عبد الله بن معاوية
عنها.
وكان إسماعيل
بن عبد الله القسريّ ، قد حبس مع أخيه خالد القسريّ أيّام تولية يوسف بن عمر على
إمارة الكوفة ، وبقيا في الحبس ثمانية عشر شهرا ، وحبس معهما كذلك ابن أخيهما
المنذر بن أسد بن عبد الله القسريّ ، وكان معهم (كذلك) في الحبس يزيد بن خالد بن
عبد الله القسريّ.
وعند ما دخل
مروان بن محمّد إلى الشام سنة (١٢٧) للهجرة ، وألقي القبض على إبراهيم بن الوليد ،
انهزم إسماعيل بن عبد الله القسريّ إلى الكوفة وافتعل (زوّر) كتابا على لسان
إبراهيم بن المهديّ بأمرته على الكوفة ، فجمع اليمانية ، وأخبرهم بذلك. فأجابوه
وأيدوه. أما عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ، فقد حاربه ، ولمّا رآى إسماعيل
القسريّ بأن أمره سوف
__________________
ينكشف ويفتضح قال لأصحابه : (إنّي أكره سفك الدماء ، فكفّوا أيديكم). ثمّ تمكّن إبراهيم بن المهديّ من الهرب واختفى.
وقيل : لمّا
مات يزيد بن الوليد ، بايع الناس أخاه إبراهيم بن الوليد ، ثمّ دارت الحرب بين
إبراهيم بن الوليد وبين مروان بن محمّد ، فانهزم فيها إبراهيم بن الوليد وانهزم
أيضا إسماعيل بن عبد الله القسريّ حتّى وصل إلى الكوفة ، وقال لليمانيّة : بأن إبراهيم
بن الوليد قد ولّاه العراق كما ذكرنا آنفا.
وعند ما ثار
عبد الله بالكوفة سنة (١٢٧) للهجرة ، بايعه الناس وكان ممّن بايعه : إسماعيل بن
عبد الله القسريّ ، وعمر بن الغضبان القبعثري ، ومنصور بن جمهور ، وكثير من أهل
الشام الموجودين في الكوفة.
ولمّا جاء
الضحّاك بن قيس الشيبانيّ وحاصر الكوفة ، ذهب عبد الله ابن عمر بن عبد العزيز
وجماعته إلى (واسط) والتحق النضر بن سعيد الحرشي وإسماعيل بن عبد الله القسريّ
وجماعته من المضرّيين بمروان بن محمّد ، وانظموا إليه.
وحينما وصل
مروان بن محمّد إلى مدينة (حرّان) أرسل إسماعيل القسريّ وقال له : يا أبا هاشم ،
إنّك قد رأيت ما نزل بنا من الأمر ، وأنت الموثوق برأيه ، فما هو رأيك؟ فإنّي قد
قرّرت أن أرتحل بأهلي وولدي وخاصّة أهل بيتي ومن اتبعني من أصحابي وأذهب إلى (ملك
الروم) فآخذ لي منه الأمان والعهود ، ثمّ بعد أن يكثر عدد جنودي من الّذين يلتحقون
بي ، سوف أتمكّن من محاربة عدوّيّ ، فقال له إسماعيل القسريّ : (يا أمير
__________________
المؤمنين ، أعيذك بالله أن تحكم أهل الشرك في نفسك وحرمك ، لأنّ الروم لا
وفاء لهم ، والرأي عندي : أن تعبر الفرات ، وتذهب إلى الشام ، وتستميل مدنها ،
فإنّ لك بكلّ مدينة موالين ، فتضمهم اليك جميعا ، ثمّ تذهب إلى مصر ، فهي أكثر
الأرض مالا وخيرا ، وخيلا ، ورجالا ، فتجعل الشام أمامك ، وأفريقيا خلفك ، فإن
رأيت ما تحبّ انصرفت إلى الشام ، وإن تك الأخرى اتّسع لك الهرب إلى أفريقيا ،
فإنّها أرض واسعة ، منفردة).
وكان إسماعيل
القسريّ ، جالسا عند أبي العباس في دولة بني هاشم ، فذّم الأموّيين ، وسبّهم ،
فقال حمّاس الشاعر (مولى عثمان بن عفّان) لأبي العباس السفّاح : يا أمير المؤمنين
، أيسبّ بني عمّك ، وعمّاتك ، رجل اجتمع هو والخريث في نسب واحد؟ إنّ بني أميّة لحمك ودمك فكلهم ، ولا
تؤكّلهم ، فقال له : صدقت ، وسكت إسماعيل ولم يتكلّم.
٨٨ ـ عبد الصمد بن
إبان بن النعمان :
هو : عبد الصمد
بن إبان بن النعمان بن بشير الأنصاريّ. استخلفه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز على
إمارة الكوفة سنة (١٢٧) للهجرة ، وذلك بعد عزل إسماعيل بن عبد الله القسريّ ،
ثمّ عزله في نفس السنة ، وولّاها أخاه عاصم بن عبد العزيز.
وقيل : بقي عبد
الصمد بن إبان أميرا على الكوفة إلى أن جاء يزيد بن
__________________
عمر بن هبيرة إلى الكوفة ، فعزله وولّى مكانه زياد بن صالح الحارثي.
وكانت (عمرة)
بنت النعمان بن بشير الأنصاريّ (عمّة عبد الصمد) قد تزوجت من المختار بن عبيد
الثقفيّ ، وعند ما قتل زوجها (المختار) سنة (٦٧) للهجرة ، طلب منها مصعب بن الزبير
، أن تتبرأ من المختار وتلعنه ، فرفضت ذلك فضربها ، أحد أفراد شرطة مصعب بن الزبير
بسيفه ثلاث ضربات ، فصاحت «عمرة «: (يا أبتاه ، يا أهلاه ، يا عشيرتاه) فسمعها
أخوها إبان (أبو عبد الصمد) فجاء ولطم الّذي ضربها ، وقال له : (يا أبن الزانية ،
قطعت نفسها ، قطع الله يمينك). ولمّا أخذوه إلى مصعب بن الزبير قال : (خلو سبيل
الفتى ، فإنّه رآى أمرا فضيعا).
وعند ما قتلت «عمرة»
هذه قال عمر بن أبي ربيعة :
|
إنّ من أعجب
العجائب عندي
|
|
قتل بيضاء
حرّة عطبول
|
|
قتلت هكذا
على غير جرم
|
|
إنّ لله درها
من قتيل
|
٨٩ ـ عاصم بن عمر بن عبد العزيز :
أعيد تعيينه
مرّة ثانية سنة (١٢٧) للهجرة من قبل أخيه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وذلك بعد
عزل عبد الصمد بن إبان بن النعمان بن بشير الأنصاريّ.
__________________
٩٠ ـ النضر بن سعيد
الحرشي :
وهو : أحد قادة
جيوش عبد الله بن عمر بن عبد العزيز على العراق.
وعند ما مات
يزيد بن الوليد ، وجاء بعده إلى الخلافة مروان بن محمّد ، كتب إلى النضر بن سعيد
الحرشي أن يتولى العراق بدلا من عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ، فذهب النضر إلى
الكوفة ، وطلب من ابن عمر تسليمه (الإمارة) ، إلّا أنّ عمر رفض ذلك وبقي في (الحيرة)
، عند ذلك اشتعلت الحرب بين النضر وبين ابن عمر ، واستمرت لمدّة أربعة أشهر ، ثمّ
أرسل مروان بن محمّد جيشا من الشام لمساعدة النضر ، واجتمعت القبائل المضرية ، مع
النضر بن سعيد عصبية لمروان ، حيث طالب بدم الوليد (وكانت أم الوليد قيسيّة من مضر)
، وكان أهل اليمن مع عبد الله بن عمر عصبية له.
ولمّا سمع
الضحّاك بن قيس الشيبانيّ باختلاف النضر مع ابن عمر ، استغل خلافاتهم وتوجّه نحو
الكوفة سنة (١٢٧) للهجرة ، فأرسل ابن عمر إلى النضر وقال له : (إنّ هذا لا يريد
غيري وغيرك ، فهلّم نجتمع عليه) فاتفقا وتعاقدا على ذلك ، واجتمعا بالكوفة وكان
كلّ واحد منهما يصلي بأصحابه.
وجاء الضحّاك
في شهر رجب من هذه السنة ، فنزل في النخيلة ، واستراح فيها عدّة أيّام ثمّ تهيّأ
للقتال ، ثمّ جرت معركة بين الطرفين ، قتل خلالها عاصم بن عمر بن عبد العزيز أخو
عبد الله وقتل أيضا جعفر بن
__________________
العباس الكنديّ أخو عبيد الله بن العباس الكنديّ ، ثمّ توقّف القتال. وفي
اليوم الثاني بدأت الحرب بين الطرفين ، فانهزم أصحاب ابن عمر ودخلوا في خنادقهم ،
ثمّ هربوا ليلا إلى واسط.
وكان ممّن
انهزم إلى واسط هم : النضر بن سعيد الحرشي ، وإسماعيل ابن عبد الله القسريّ ومنصور
بن جمهور ، وغيرهم من وجوه القوم وأشرافهم ، وبقي عبد الله بن عمر مع جماعة قليلة
، فقال له أصحابه : لقد هرب الناس ، فعلام بقاؤنا هنا؟
ثمّ أخذ أصحاب
ابن عمر يهربون الواحد بعد الآخر ، وخلال يومين ، وجد عبد الله بن عمر نفسه وحيدا
، مما جعله يهرب هو الآخر ، وينجو بنفسه. عند ذلك دخل الضحّاك إلى الكوفة ، واستولى
عليها.
ولمّا وصل عبد
الله بن عمر إلى واسط ، نزل في قصر الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، فعادت الحرب بينه
وبين النضر إلى ما كانت عليه قبل مجيء الضحّاك. ثمّ سار الضحّاك بجيشه من الكوفة
إلى واسط ، واستخلف على الكوفة (ملحان الشيبانيّ) ولمّا وصل الضحّاك إلى واسط نزل
في باب المضمار. وحينما شعر عبد الله بن عمر والنضر بن سعيد بالخطر المحدق بهما ،
تركا الحرب ، واتّفقا على حرب الضحّاك ، فاستمرّ القتال بين الضحّاك وبين ابن عمر
وابن الحرشي خلال أشهر (شعبان ، ورمضان ، وشوال) من سنة (١٢٧) للهجرة.
ثمّ حاصر
الضحّاك بن قيس الشيبانيّ مدينة واسط ، وبها عبد الله بن عمر والنضر بن سعيد ، ثمّ
تصالح عبد الله بن عمر مع الضحّاك ، أما النضر
__________________
فقد ذهب إلى الشام ليلتحق بمروان بن محمّد.
ولمّا وصل
النضر إلى القادسيّة ، لقيه ملحان الشيبانيّ (خليفة الضحّاك على الكوفة) فدارت
بينهما معركة قتل فيها ملحان ، قتله النضر.
وقال ابن خدرة
، يرثي ملحان الشيبانيّ وعبد الملك بن علقمة :
|
كائن كملحان
من شار أخي ثقة
|
|
وابن علقمة
المستشهد الشاري
|
|
من صادق كنت
أصفيه مخالصتي
|
|
فباع داري
بأعلى صفقة الدار
|
|
إخوان صدق
أوجبهم وأخذلهم
|
|
أشكو إلى
الله خذلاني وإخفاري
|
مات النضر بن
سعيد الحرشي سنة (٢٠٠) للهجرة.
٩١ ـ الضحّاك بن قيس
الشيبانيّ :
هو : الضحّاك
بن قيس بن الحصين بن عبد الله بن ثعلبة بن زيد بن مناة بن عمرو بن عوف بن ربيعة بن
ملحم بن ذهل ، الخارجيّ ، وكنيته : أبو سعيد . استولى على الكوفة سنة (١٢٧) للهجرة.
والضحّاك بن
قيس : هو فقيه الخوارج ورئيسهم ، فبعد أن مات (سعيد ابن بهدل) زعيم الخوارج ،
استخلف من بعده الضحّاك ، فبايعه (الشراة) فذهب إلى الموصل فاحتلّها ، ثمّ واصل
سيره حتّى وصل إلى (النخيلة) في
__________________
شهر رجب من سنة (١٢٧) للهجرة.
وعند ما علم
عبد الله بن عمر بن عبد العزيز والنضر بن سعيد الحرشي ، تصالحا ووحّدا صفوفهما ، واتّفقا على محاربة العدو
المشترك (الضحّاك) ، ثمّ بدأ القتال بين الطرفين ، فقتل عاصم بن عمر بن عبد العزيز
وجعفر بن العباس الكنديّ ، ثمّ هرب عبد الله بن عمر إلى واسط ، وقد سبقه في هروبه
النضر بن سعيد الحرشي إلى واسط أيضا ، عندها أصبحت الكوفة خالية ، فدخلها الضحّاك
دون مقاومة تذكر.
فبايعه كثير من
أهل الكوفة ، كما وبايعه عبيد الله بن العباس الكنديّ ، وصار من
أصحابه ، ثمّ استخلف الضحّاك على الكوفة (حسان الحروري) لمدّة شهر واحد ثمّ عزله ،
واستخلف (ملحان الشيبانيّ) ، ثمّ ذهب الضحّاك إلى واسط لمحاربة عبد الله بن عمر
والنضر بن سعيد الحرشي ، فلمّا وصل إلى واسط ، اتّفق ابن عمر والحرشي على إيقاف
القتال فيما بينهما ومحاربة الضحّاك ، فأخذ النضر وجنوده يعبرون النهر ، فيقاتلون
الضحّاك مع ابن عمر ثمّ يعودون إلى أماكنهم ، واستمروا على تلك الحال أربعة شهور.
وأثناء المعارك
قتل عبد الملك بن علقمة ، فقال حبيب بن خدرة (مولى بني هلال) يرثيه :
|
وقاتلة ودمع
العين يجري
|
|
على روح ابن
علقمة السلام
|
__________________
|
أأدرك الحمام
وأنت سار
|
|
وكلّ فتى
لمصرعه حمام؟
|
|
فلا رعش
اليدين ولا هدان
|
|
ولا وكلّ
اللّقاء ولا كهام
|
|
وما قتل على
شار بعار
|
|
ولكن يقتلون
وهم كرام
|
|
طغام الناس
ليس لهم سبيل
|
|
شجاني بابن
علقمة الطغام
|
ولمّا رآى
منصور بن جمهور شجاعة وبسالة أصحاب الضحّاك ، ذهب إلى عبد الله بن عمر وقال له :
إنّ هؤلاء شجعان ، لا يخافون ولا يبالون بالموت ، فأرى أن نعطيهم الأمان ليذهبوا
ويحاربوا مروان بن محمّد (آخر ملوك بني أميّة) فنتخلص منهم ، فلم يوافق ابن عمر
على رأيه ، عندها ذهب منصور بن جمهور ، والتحق بجيش الضحّاك وبايعه.
ثمّ ذهب ابن
عمر بعد ذلك في آخر شهر شوال من سنة (١٢٧) للهجرة ، فبايع الضحّاك أيضا ، وكذلك
بايعه سليمان بن هشام بن عبد الملك ، وصلّيا خلفه ، فقال شاعر الخوارج :
|
ألم تر أنّ
الله أظهر دينه
|
|
وصلت قريش
خلف بكر بن وائل
|
وبعد أن
استتبّت الأمور لمروان بن محمّد ، أرسل يزيد بن عمر بن هبيرة أميرا على العراق ،
فلمّا سمع المثنى بن عمران العائذة بمجيء ابن هبيرة ، خرج إليه ومعه منصور بن
جمهور ، فحدثت بينهما معركة انتهت بمقتل المثنى وانهزم منصور بن جمهور ، ثمّ جاء
يزيد بن عمر ، فدخل الكوفة ، وطرد منها الخوارج.
ثمّ ذهب يزيد
بن عمر إلى واسط لمحاربة عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ، واستخلف على الكوفة عبد
الرحمن بن بشير العجلي ، وذلك سنة (١٢٧) للهجرة.
__________________
وبعد أن تصالح الضحّاك مع عبد الله بن عمر (كما ذكرنا سابقا) ذهب
الضحّاك لمحاربة مروان بن محمّد ، وعند وصوله إلى (كفر توتا) من أرض الجزيرة ،
دارت معركة بينه وبين مروان بن محمّد ، قتل فيها الضحّاك ، وذلك سنة (١٢٨) للهجرة ، وبعث مروان بن محمّد برأس الضحّاك فطافوا به
في مدائن الجزيرة.
وعند ما ذهب
يزيد بن عمر بن هبيرة إلى حرب الضحّاك بن قيس الشيبانيّ ، قال الشاعر الذائع الصيت
(بشار بن برد) قصيدة طويلة ، يثير فيها الحماس بالرجال المقاتلين ، نقتطف منها
الأبيات الآتية :
|
إذا كنت في
كل الأمور معاتبا
|
|
صديقك لم تلق
الّذي لا تعاتبه
|
|
فعش واحدا أو
صل أخاك فإنه
|
|
مفارق ذنب
مرة ومجانبه
|
|
إذا أنت لم
تشرب مرارا على القذى
|
|
ضمئت وأي
الناس تصفو مشاربه
|
|
ومن ذا الّذي
ترضى سجاياه كلها
|
|
كفى المرء
نبلا أن تعد معايبه
|
|
يخاف المنايا
إن ترحلت صاحبي
|
|
كأنّ المنايا
في المقام تناسبه
|
|
فقلت له :
إنّ العراق مقامه
|
|
وخيم ، إذا
هبت عليك جنائبه
|
ومنها :
|
رويدا تصاهل
بالعراق جيادنا
|
|
كأنّك
بالضحّاك قد قام نادبه
|
|
وسام لمروان
، ومن دونه الشجا
|
|
وهول كلحّ
البحر ، جاشت غواربه
|
|
أحلت به أمّ
المنايا بناتها
|
|
بأسيافنا ،
إنّا ردى من نحاربه
|
ومنها :
|
بعثنا لهم
موت الفجاءة ، إنّنا
|
|
بنو الموت ،
خفّاق علينا سبائبه
|
__________________
|
فراحوا ،
فريق في الأسار ، ومثله
|
|
قتيل ، وقتيل
لاذ بالبحر هاربه
|
|
إذا الملك
الجبّار صعّر خدّه
|
|
مشينا إليه
بالسيوف نعاتبه
|
وقال أبو دلامة
، كنت مع مروان بن محمّد ، أيّام حروبه مع الضحّاك ابن قيس الشيبانيّ ،
فخرج فارس من جيش الضحّاك ، وطلب المبارزة ، فخرج إليه رجل من جيش مروان فقتله ،
ثمّ خرج ثان وثالث فقتلهما أيضا ، ثمّ أخذ ذلك الفارس يصول ويجول في ساحة القتال ،
ويقترب من جيش مروان (متحديا) ولا أحد يخرج لمبارزته. فقال مروان : من يخرج لهذا
الفارس ، وله عندي عشرة آلاف دينار؟
فقال أبو دلامة
: فلمّا سمعت بالعشرة آلاف ، هانت عليّ الدنيا ، وضحّيت نفسي في سبيل عشرة آلاف
دينار ، فخرجت إليه ، فأقبل عليّ وعيناه كأنّهما جمرتان تتقدان ، فلمّا رآني عرف
السبب الّذي أخرجني لمبارزته فقال :
|
وخارج أخرجه
حبّ الطمع
|
|
فرّ من الموت
وفي الموت وقع
|
|
من
كان ينوي أهله فلا رجع
|
قال أبو دلامة
: فلمّا رأيته ، غطيت رأسي ، ووليت هاربا. فقال مروان ابن محمّد : من هذا الّذي
فضحنا؟ آتوني به. قال أبو دلامة : فدخلت بين الناس واختفيت.
وعن حبيب بن
جدره الهلالي أنّه قال : رأيت امرأة من بني شيبان ، قد قتل أبوها وأخوها ، وزوجها
وأمّها ، وعمّتها وخالتها مع الضحّاك بن قيس ، فما دمعت لها عين ، ولا رأيتها
ضاحكة ولا مبتسمة فقالت :
__________________
|
من لقلب شفّه
الحزن
|
|
أو لنفسي ما
لها سكن
|
|
ظعن الأبرار
فارتحلوا
|
|
خيرهم من
معشر ظعنوا
|
|
معشر قضوا
نحوبهم
|
|
كلّ ما قد
قدموا حسن
|
|
صبروا عن
السيوف فلم
|
|
ينكّلوا عنها
ولا جبنوا
|
|
فتيّة باعوا
نفوسهم
|
|
لا وربّ
البيت ما غبنوا
|
|
تبعوا مرضاة
ربّهم
|
|
حين مات
الدين والسنن
|
|
فأصاب القوم
ما طلبوا
|
|
منّة ما
بعدها منن
|
ومن شعر
الضحّاك بن قيس ، قال يرثي بهلول بن بشر ، الّذي قتله خالد بن عبد الله القسريّ في
الجزيرة ، وعند ما كان خالد أميرا على العراق.
|
بدّلت بعد
أبي بشر وصحبته
|
|
قوما عليّ مع
الأحزاب أعوانا
|
|
كأنّهم لم
يكونوا من صحابتنا
|
|
ولم يكونوا
لنا بالأمس خلّانا
|
|
يا عين أذري
دموعا منك تهتانا
|
|
وأبكي لنا
صحبة بانوا وإخوانا
|
|
خلّوا لنا
ظاهر الدنيا وباطنها
|
|
وأصبحوا في
جنان الخلد إخوانا
|
٩٢ ـ ملحان بن معروف الشيبانيّ :
استخلفه
الضحّاك بن قيس الشيبانيّ على إمارة الكوفة سنة (١٢٧) للهجرة ، وذلك عند ما ذهب
الضحّاك إلى واسط لمحاربة عبد الله بن عمر بن عبد العزيز.
وعند ما ذهب
النضر بن سعيد الحرشي إلى الشام (بعد هزيمته من الضحّاك الشيبانيّ) لقيه (ملحان
الشيبانيّ) في الطريق فدارت بينهما معركة
__________________
قتل فيها ملحان الشيبانيّ ، قتله عطية الثعلبي أو (التغلبي) في قنطرة
السّيليحين ، فولّى الضحّاك مكانه حسّان الحروري أو (المروري) على إمارة الكوفة
وذلك سنة (١٢٧) للهجرة. ثمّ عيّن حسان الحروري ابنه (الحارث) على شرطة
الكوفة.
وقال ابن خدرة
يرثي ملحان الشيبانيّ ، وعبد الملك بن علقمة :
|
كائن كملحان
من شار أخي ثقة
|
|
وابن علقمة
المستشهد الشاري
|
|
من صادق كنت
أصفيه مخالصتي
|
|
فباع داري
بأعلى صفقة الدار
|
|
إخوان صدق
أوجبّهم وأخذلهم
|
|
أشكو إلى
الله خذلاني وإخفاري
|
|
فصرت صاحب
دنيا لست أملكها
|
|
وصار صاحب
جنات وأنهار
|
٩٣ ـ حسّان الحروري :
وقيل حسّان
المروري ، استخلفه الضحّاك بن قيس الشيبانيّ على إمارة الكوفة سنة (١٢٧) للهجرة ، وذلك بعد مقتل ملحان بن معروف الشيبانيّ.
ثم عيّن حسّان
الحروري ابنه (الحارث) رئيسا لشرطة الكوفة. وفي سنة (١٦١) للهجرة كان حسّان
الحروري أميرا على الموصل. ولم أعثر له على ترجمة وافية.
__________________
٩٤ ـ سعد الخصيّ
الأزدي :
استخلفه
الضحّاك بن قيس الشيبانيّ على إمارة الكوفة سنة (١٢٧) وذلك بعد مقتل ملحان بن
معروف الشيبانيّ ، ولقب بالخصيّ ، لأنّه (أمرد) لم تكن له لحية ، ثمّ عزله واستخلف
مكانه المثنى بن عمران العائذي.
وقيل إنّ الّذي
استخلفه الضحّاك على إمارة الكوفة بعد مقتل ملحان الشيبانيّ هو حسّان الحروري.
٩٥ ـ المثنى بن عمران
العائذيّ :
والمثنى بن
عمران هو : ثائر من الحروريّة (الخوارج) وهو من قريش ، استخلفه الضحّاك بن قيس
الشيبانيّ على إمارة الكوفة سنة (١٢٧) للهجرة.
ولمّا استقرت
الأمور لصالح مروان بن محمّد بالشام ، أرسل يزيد بن عمر بن هبيرة إلى العراق
لمحاربة الخوارج ، وكان أمير الكوفة آنذاك المثنى ابن عمران العائذي عائذ قريش ،
وخليفة الخوارج بالعراق ، فذهب المثنى لملاقاة ابن هبيرة ، فالتقى الجيشان في (غزّة)
من (عين التمر) ، فدارت معركة عنيفة بين الطرفين قتل فيها المثنى بن عمران العائذي
وعزيز وعمرو ، وانهزم منصور بن جمهور ، وانهزمت الخوارج حتّى وصلوا إلى الكوفة ،
فجمعوا أنصارهم في (النّخيلة) فجائتهم عساكر ابن هبيرة ، فانهزموا إلى البصرة ،
فتبعتهم جيوش ابن هبيرة إلى هناك ، فانهزمت الخوارج من البصرة ، عندها استباح ابن
هبيرة عسكرهم ، فدان له العراق بأجمعه ، كان
__________________
ذلك سنة (١٢٩) للهجرة.
وقال مسلم (حاجب
يزيد بن هبيرة) يرثي من قتل في المعركة :
|
أرت للمثنى
يوم غزّة حتفه
|
|
وأذرت عزيزا
بين تلك الجنادل
|
|
وعمرا أزارته
المنيّة بعد ما
|
|
أطافت بمنصور
كفات الحبائل
|
قتل المثنى بن
عمران العائذي سنة (١٢٩) للهجرة.
٩٦ ـ عبيدة بن سوّار
التغلبي وقيل الثعلبيّ :
وهو أحد القادة
الشجعان الّذين ثاروا مع الضحّاك بن قيس الشيبانيّ ثم مع شيبان بن عبد العزيز.
وكانت زوجته
شجاعة أيضا ، وكانت تقاتل مع الخوارج ، حتّى أنّها أخذت بلجام فرس منصور بن جمهور
في يوم الزاب (وكانت متلثّمة).
وفي سنة (١٢٩)
للهجرة ، كتب مروان بن محمّد (آخر ملوك بني أميّة) إلى يزيد بن عمر بن هبيرة ،
بالذهاب من (قرقيسيا) إلى عبيدة بن سوار (خليفة الضحّاك بالعراق) فذهب ابن هبيرة ،
والتقى مع عبيدة في (عين التمر) فانهزم عبيدة ومن معه إلى الكوفة. ثمّ جمع عبيدة أصحابه
في (النّخيلة) فدارت معركة ثانية بين عبيدة ويزيد بن هبيرة ، قتل فيها
عبيدة ، وانهزم أصحابه ، ثمّ استبيح عسكره ، ونهب جميع ما فيه ، وعندها
__________________
خلا العراق من الخوارج.
وذكر الطبري ،
بأنّ يزيد بن هبيرة حينما التقى بالخوارج في (عين التمر) كان عليهم يومئذ المثنى
بن عمران (من عائذة قريش) ومعه الحسن بن يزيد ، فانهزموا إلى (النّخيلة) ثمّ لحقهم
ابن هبيرة إلى هناك فانهزموا أيضا ، ثمّ اجتمعوا (بالصراة) ومعهم عبيدة بن سوار
فقاتلهم ابن هبيرة ، فقتل عبيدة وانهزم أصحابه ... الخ.
قتل عبيدة بن
سوّار التغلبي سنة (١٢٩) للهجرة.
٩٧ ـ يزيد بن عمر بن
هبيرة :
هو : يزيد بن
عمر بن هبيرة بن معيّه ، الفزاري الشامي الأصل ، وكنيته : أبو خالد وأبو عمر.
ولّاه مروان بن
محمّد إمارة (العراقين) سنة (١٢٧) للهجرة ، وقيل سنة (١٢٨) وهو آخر من جمعت له إمارة (العراقين) حيث لم يجمع (العراقان)
لآحد من بعده ، وكان أوّل من جمعت له (العراقين) هو زياد بن أبيه في خلافة معاوية
بن أبي سفيان. ودخل يزيد بن هبيرة إلى الكوفة في شهر رمضان من سنة (١٢٩)
للهجرة.
__________________
وكان يزيد بن
هبيرة ، بطلا ، شجاعا ، جوادا ، فصيحا ، خطيبا ، وقد تولّى إمارة (حلب) للوليد بن
يزيد ، وولي إمارة (قنسرين) أيضا.
أرسله مروان بن
محمّد إلى العراق لمحاربة الخوارج ، ولمّا وصل ابن هبيرة إلى (هيت) سمع به المثنّى
بن عمران العائذي (أمير الكوفة آنذاك من قبل الضحّاك) فأرسل إليه منصور بن جمهور ،
وحصلت معركة بين الطرفين ، انهزم فيها منصور بن جمهور إلى الكوفة ، عندها خرج
المثنّى بن عمران إلى يزيد بن هبيرة ، فحدثت بينهما مقتلة عظيمة قتل خلالها المثنى
بن عمران ، فخرج الخوارج في ليلتهم من الكوفة ، وذهبوا إلى البصرة ، واجتمعوا هناك
، وكان معهم عبيدة بن سوار ، فذهب اليهم ابن هبيرة ، ودارت معركة عنيفة بين
الطرفين قتل فيها عبيدة بن سوار ، وانهزم الخوارج ، واستبيح عسكرهم ، وخرجوا من البصرة
، فعندها أصبح العراق كلّه تحت إمرة يزيد بن عمر بن هبيرة. ثمّ جاء يزيد بن هبيرة إلى قصر ابن هبيرة ، واعتبره
مقرا لجنوده.
ثم ذهب ابن
هبيرة إلى واسط ، فاستولى عليها ، وألقى القبض على عبد الله بن عمر بن عبد العزيز
فحبسه ، وقيل أرسله إلى مروان بن محمّد مع ابن لأبن عمر ، فحبسهما مروان إلى أن
ماتا في الحبس.
وقد بنى يزيد
بن هبيرة مدينة شرق الكوفة على نهر الفرات ، سمّيت (مدينة ابن هبيرة) لتكون مقرا
له بدلا من الكوفة ، وعند ما انتهى بنائها ، وزّع المبالغ الكثيرة على الناس ، ولم
يعط لأبي العطاء السندي شيئا ، فقال
__________________
السندي :
|
قصائد حكتهن
ليوم فخر
|
|
رجعن إليّ
صفرا خاليات
|
|
رجعن وما
أفأن عليّ شيئا
|
|
سوى أن وعدت
الترهات
|
|
أقام على
الفرات يزيد حولا
|
|
فقال الناس ،
أيّهما الفرات؟
|
|
فيا عجبا
لبحر بات يسقي
|
|
جميع الخلق ،
لم يبلل لهاتي
|
فقال له ابن
هبيرة : وكم يبلل لهاتك يا أبا العطاء؟ قال عشرة آلاف درهم. فقال ابن هبيرة لأبنه
: أعطها له.
فقال أبو عطاء
يمدح ابن يزيد بن هبيرة :
|
أمّا أبوك
فعين الجود تعرفه
|
|
وأنت أشبه
خلق الله بالجود
|
|
لو لا يزيد
ولو لا قبله عمر
|
|
ألقت اليك
معد بالمقاليد
|
|
ما ينبت
العود إلّا في أرومته
|
|
ولا يكون
الجني إلّا من العود
|
وأهديت ليزيد
بن عمر هدايا كثيرة في (يوم المهرجان) ووضعت أمامه ، فقال خلف بن خليفة وكان حاضرا
:
|
كأن شماميس
في بيعة
|
|
تسبّح في بعض
عيداتها
|
|
وقد حضرت رسل
المهرجا
|
|
ن وصّفوا
كريم هدياتها
|
|
علوت برأسي
فوق الرؤوس
|
|
فأشخصته فوق
هاماتها
|
|
لأكسب صاحبتي
جاراتها
|
|
تغيض بها بعض
جاراتها
|
__________________
فأمر له ابن
هبيرة بجام من ذهب ، ثمّ وزع تلك الهدايا على جلسائه وقال :
|
لا تبخلنّ
بدنيا وهي مقبلة
|
|
فليس ينقصها
التبذير والسرف
|
|
فإن تولّت
فأحرى أن تجود بها
|
|
فالحمد منها
إذا ما أدبرت خلف
|
ودخل يزيد بن
هبيرة على هشام بن عبد الملك ذات يوم ، فتكلّم بكلام جميل ، فقال هشام : (ما مات
من خلّف هذا). فقال الأبرش بن حسان الكلبيّ وكان جالسا في مجلس هشام : (ليس هناك ،
أما تراه يرشح جبينه لضيق صدره؟). فقال له يزيد بن هبيرة : (ما لذلك رشح ، ولكن
لجلوسك في هذا الموضع).
وعند ما كان
يزيد بن هبيرة يسير في شوارع الكوفة ، فوصل إلى مسجد بني غاضرة ، وقد حان وقت
الصلاة ، فنزل يصلّي ، ولمّا سمع الناس بأنّ الأمير يصلّي في مسجدهم تجمّعت الرجال
والنساء فوق السطوح ، فلمّا أكمل صلاته ، سأل : لمن هذا المسجد؟ فقالوا له : لبني
غاضرة ، فتمثّل يزيد بقول الشاعر :
|
ما إن تركن
من الغواضر معصرا
|
|
إلا قصمن
بساقها خلخالا
|
فأجابته امرأة
من الواقفات :
|
ولقد عطفن
على فزارة عطفة
|
|
كرّ المنيح
وجلن ثم حجالا
|
فسأل ابن هبيرة
: من هذه؟ فقيل له : ابنة الحكم بن بحدل. فقال :(وهل تلد الحيّة إلا حيّة)؟!!. ثمّ
قام خجلا.
__________________
وعند ما أخذ
أبو مسلم الخراساني يدعو الناس في خراسان إلى الرضا من آل محمّد
، كتب نصر بن سيار إلى مروان بن محمّد ، يخبره عن نشاط أبي مسلم
ويطلب منه النجدة والعون على محاربته وقال :
|
يا أيّها
الملك الواني بنصرته
|
|
قد آن للأمر
أن يأتيك عن كثب
|
|
أضحت خراسان
قد باضت صقورها
|
|
وفرّخت في
نواصيها بلا رهب
|
|
فإن يطرن ولم
يحتل لهن بها
|
|
يلهبن نيران
حرب أيما لهب
|
فلمّا وصلت
الأبيات إلى مروان بن محمّد ، كتب إلى يزيد بن هبيرة ، أن يختار من جنوده أثنا عشر
ألف ويرسلهم إلى نصر بن سيار ، فكتب يزيد ابن هبيرة إلى مروان : بأنّ الّذين معه
من الجنود قليلون لا يساوي العدد المطلوب ، كما أنّ العرب (عرب العراق) لا يريدون
خيرا لخلفاء بني أميّة ، وعليه أن يأخذ الجنود من أهل الشام.
وكتب نصر بن
سيّار مرّة ثانية إلى مروان (عن طريق آخر غير طريق ابن هبيرة) ، وقد ضمّن كتابه بالأبيات التاليّة :
|
أرى خلل
الرماد وميض جمر
|
|
فيوشك أن
يكون لها ضرام
|
|
فإنّ النار
بالعودين تذكّى
|
|
وإنّ الحرب
أولها كلام
|
__________________
|
فإن لم يطفها
عقلاء قوم
|
|
يكون وقودها
جثث وهام
|
|
فقلت من
التعجب ليت شعري
|
|
أأيقاظ أميّة
أم نيام؟!
|
|
فإن كانوا
لحينهم نياما
|
|
فقل قوموا
فقد حان القيام
|
|
فغرّي عن
رجالك ثمّ قولي
|
|
على الإسلام
والعرب السلام
|
فكتب إليه
مروان : إنّ الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ، إحسم ذلك الثؤلول الّذي نجم عندكم.
ولمّا يئس نصر
بن سيّار من مساعدة مروان ، كتب إلى يزيد بن هبيرة يستنجده ، ويطلب منه العون
والمساعدة للقضاء على دعاة العباسيين ، وضمن كتابه الأبيات التالية :
|
أبلغ يزيد ،
وخير القول أصدقه
|
|
وقد تبيّنت
أن لا خير في الكذب
|
|
بأنّ أرض
خراسان رأيت بها
|
|
بيضا لو أفرخ
قد حدثت بالعجب
|
|
فراخ عامين
إلّا أنّها كبرت
|
|
لما يطرن وقد
سربلن بالزغب
|
|
فإن يطرن ولم
يحتل لهن بها
|
|
يلهبن نيران
حرب أيما لهب
|
فلم يجبه ابن
هبيرة.
وذهب يزيد بن
عمر بن هبيرة لقتال محمّد بن خالد القسريّ ، فذهب محمّد القسريّ إلى أبي سلمة
الخلّال وأخبره بمجيء ابن هبيرة ، فقال له أبو سلمة : (إنّ
الكوفة بين يديك ، فسر إلى قحطبة واترك
__________________
الكوفة). فقال محمّد القسريّ : لا أترك الكوفة حتّى أقاتل ابن هبيرة ، فذهب
القسريّ والتقى بجيش ابن هبيرة ، ثمّ نادى محمّد القسريّ بمن كان من قومه (قبيلته)
مع ابن هبيرة قائلا : (تبّا لكم ، أنسيتم قتل أبي (خالد)؟ وتحامل بني أميّة عليكم
، ومنعهم إيّاكم أعطياتكم؟ يا بني عمّ : قد أزال الله ملك بني أميّة ، وأدال منهم
، فانضموا إلى ابن عمّكم ، فإنّ هذا (قحطبة) بحلوان في مجموع أهل خراسان ، وقد قتل
مروان ، فلم تقتلون أنفسكم؟ وإنّ الأمير قحطبة قد ولّاني العراق ، وهذا عهدي عليها
، فليكن لكم أثر في هذه الدولة). فانضم إليه الجميع ، ولمّا رآى يزيد بن هبيرة ذلك ،
ولّى منهزما بمن معه إلى واسط.
وعند ما قامت
الدولة العباسية على أنقاض الدولة الأموية سنة (١٣٢) للهجرة بويع لأبي العباس السفّاح بالخلافة في الكوفة ،
أرسل السفّاح أخاه أبا جعفر المنصور إلى (واسط) ليزيد بن هبيرة ، فذهب المنصور إلى
واسط ، وحارب ابن هبيرة عدّة شهور ، حتّى أعياه أمره ، عندها كتب المنصور إلى ابن
هبيرة بالأمان والصلح ، ووقع أبو العباس السفّاح على كتاب الصلح فوافق ابن هبيرة
على الصلح ، وبقي في واسط هو وجيشه.
وذهب ابن هبيرة
ذات يوم لزيارة أبي جعفر المنصور في معسكره ، فقال له المنصور : حدثنا ، فقال ابن
هبيرة : (يا أمير المؤمنين ، إنّ سلطانكم حديث ، وإمارتكم جديدة فأذيقوا الناس
حلاوة عدلها ، وجنّبوهم مرارة جورها ، فو الله يا أمير المؤمنين لقد أخلصت لك) . ثمّ رجع ابن هبيرة إلى
__________________
معسكره ، فقال أبو جعفر المنصور : (لا يعزّ ملك يكون فيه مثل هذا).
وقيل : إن أبا
العباس السفّاح ، طلب من أخيه أبي جعفر المنصور ، أن يقتل يزيد بن هبيرة ، على
الرغم من إعطائه الأمان (وقبل أن يجف مداد ذلك الأمان) ، وقيل إنّ أبا مسلم
الخراساني هو الّذي أشار على السفّاح بقتل ابن هبيرة ، وقال له : إنّ الطريق السهل
إذا ألقيت فيه الحجارة فسد ، لا والله ، لا يصلح أمر فيه ابن هبيرة). وكان أبو
جعفر المنصور لا يرغب بقتل ابن هبيرة.
وبعد إلحاح من
السفّاح على قتل ابن هبيرة ، أوعز أبو جعفر المنصور إلى بعض أتباعه بقتل ابن هبيرة
، فقتلوه ليلا ، وعند خروجه من أبي جعفر المنصور.
قتل يزيد بن
عمر بن هبيرة في (واسط) في يوم الأثنين في السابع عشر من شهر ذي القعدة من سنة (١٣٢)
للهجرة ، وكان عمره حوالي (٤٠) سنة وقيل كان عمره (٤٨) سنة وقتل معه ابنه (داود) وجماعة من أصحابه ومواليه.
وقال أبو العطاء السندي يرثي ابن هبيرة :
|
ألا أنّ عينا
لم تجد يوم واسط
|
|
عليك بجاري
دمعها لجمود
|
|
عشية قام
النائحات وصفقت
|
|
أكفّ بأيدي
مأتم وخدود
|
__________________
|
فإن تمسي
مهجور الفناء فربّما
|
|
أقام به بعد
الوفود وفود
|
|
فإنّك لم
تبعد على متعهد
|
|
بل كلّ من
تحت التراب بعيد
|
٩٨ ـ عبد الرحمن بن بشير العجلي :
هو عبد الرحمن (وقيل
عبد الملك) بن بشير العجلي (وقيل أبن بكير العجلي) ، وهو أحد قادة جيوش يزيد بن
عمر بن هبيرة.
استخلفه يزيد
بن عمر بن هبيرة على إمارة الكوفة ، سنة (١٢٧) للهجرة وقيل سنة (١٢٨) للهجرة ،
وذلك عند ذهاب ابن هبيرة إلى واسط لمحاربة عبد الله بن عمر بن عبد العزيز.
كما وكان عبد
الرحمن بن بشير العجلي رئيس شرطة الكوفة ، عيّنه يزيد بن عمر بن هبيرة عند مجيئه
إلى العراق . وفي سنة (١٢٩) للهجرة كان رئيسا لشرطة الكوفة أيضا.
وعند ما كان
عبد الرحمن بن بشير العجلي أميرا على الكوفة ، عين منصور بن المعتمر على قضاء
الكوفة (وأكرهه على ذلك) فجلس منصور ابن المعتمر للقضاء ولم يتكلّم ثمّ قام وهرب
إلى السواد ، كان ذلك في آخر سلطان بني أميّة.
وعند ما دخل
الحسن بن قحطبة إلى الكوفة ، معه ثلاثين ألف مقاتل من أهل خراسان ومعه جماعة (أيضا)
من أهل العراق ، هرب عبد الرحمن
__________________
ابن بشير العجلي من الكوفة وذهب إلى واسط ، والتحق بيزيد بن عمر بن هبيرة.
وعند ما كان
يزيد بن عمر بن هبيرة محاصرا في واسط ، من قبل الجيوش العباسيّة قيل له : بأنّ
أميّة التغلبي قد (سوّد) ، فأرسل إليه أحد قادته ، ولمّا وصل ذلك القائد إلى بيت
أميّة قال له : إنّ الأمير ابن هبيرة قد أرسلني لأفتّش دارك فإذا وجدت فيه (سوادا)
علقته في عنقك ، ومضيت بك إلى الأمير ، وإن لم أجد فيه (سوادا) فهذه خمسون ألف صلة
لك. فرفض أن يفتش بيته ، فأمر ابن هبيرة بحبسه ، فذهب معن بن زائدة وجماعة من
ربيعة وطلب منه أن يخلي سبيله فرفض ابن هبيرة طلبهم.
فذهب معن بن
زائدة وجماعته ، فأخذوا ثلاثة رجال من بني فزارة فحبسوهم ، ثمّ شتموا ابن هبيرة ،
وبعد ذلك ذهبوا إلى ابن هبيرة ، وطلبوا منه أن يطلق سراح أبا أميّه ، مقابل إطلاق
سراح الثلاثة رجال ، فرفض ابن هبيرة طلبهم أيضا. عندها اعتزل عبد الرحمن بن بشير
العجلي ، ومعن بن زائدة عن العمل في صفوف جيش ابن هبيرة كقادة ، فذهب يحيى بن
حطّين إلى ابن هبيرة وقال له : (إنّ فرسانك قد أفسدتهم ، وإن تماديت في ذلك ،
كانوا أشدّ عليك ممن حاصروك).
وعند ذلك أمر
ابن هبيرة بإطلاق سراح أبي أميّه ، ثمّ كساه وأكرمه ، ثمّ اصطلح الجميع ، وعادوا
ال ما كانوا عليه سابقا.
__________________
٩٩ ـ زياد بن صالح
الحارثيّ :
استخلفه يزيد
بن عمر بن هبيرة على إمارة الكوفة سنة (١٢٧) للهجرة ، وكان على شرطة الكوفة آنذاك عبد الرحمن بن
بشير العجلي.
وعند ما ثار
محمّد بن خالد بن عبد الله القسريّ بالكوفة سنة (١٣٢) للهجرة و (سوّد) قبل أن
يدخلها الحسن بن قحطبة بن شبيب ، ذهب محمّد إلى قصر الإمارة ، فطرد زياد بن صالح
الحارثي ومن معه من أهل الشام من القصر.
وعند ما قامت
الدولة العباسيّة سنة (١٣٢) للهجرة ، وبويع لأبي العباس بالخلافة في الكوفة ، أرسل
أخاه أبا جعفر المنصور إلى واسط ، والانظمام إلى الجيوش المتواجدة هناك لمحاربة
يزيد بن عمر بن هبيرة ، فدارت بين الطرفين عدّة مناوشات ، فلم يتمكن أبو جعفر
المنصور من الدخول إلى واسط ، (لأنّها كانت محصّنة).
ولمّا رأى يزيد
بن هبيرة بأنّ الحصار سوف يطول ، ولأنّه لا قدرة له على مواصلة القتال قال لزياد
بن صالح الحارثي ومعن بن زائدة ، وبقية من فرسان أهل الشام أن ينصرفوا.
ثمّ أنّ أبا
العباس السفّاح ، كتب إلى اليمانيّة من أصحاب ابن هبيرة ، وأطمعهم بالوعود المغرية
، فالتحق معه زياد بن صالح وزياد بن عبيد الله الحارثيان ، وقالا ليزيد بن هبيرة :
بأنّهما سوف يسعيان لدى أبي العباس
__________________
السفّاح في الصلح بينهما ، فلمّا ذهبا لم يعملا أيّ شيء ، ثمّ جرت
المفاوضات بين أبي جعفر المنصور وبين ابن هبيرة ، فتمّ الصلح بينهما (كما ذكرنا سابقا).
وفي سنة (١٣٣)
للهجرة ، ثار شريك بن شيخ الفهريّ أو (المهريّ) في بخارى على أبي مسلم الخراساني
قائلا له : (ما على هذا اتّبعنا آل محمّد ، على أن تسفك الدماء ، وتعمل بغير الحقّ)
فتبعه أكثر من ثلاثين ألف مقاتل ، فأرسل أبو مسلم الخراساني إليه زياد بن صالح
فقتله.
وعن زياد
الحارثي أنّه قال : ذهبت إلى مروان بن محمّد ، ومعي جماعة ليس فيهم يماني غيري ،
ولمّا وصلنا إلى باب قصره ، أرسلونا إلى ابن هبيرة (وكان رئيس شرطته) فأخذ كلّ
واحد منّا يخطب ويطيل المديح والإطراء بالخليفة ، وابن هبيرة ، ثمّ أخذ ابن هبيرة
يسألنا واحد بعد واحد عن أحسابنا وأنسابنا ، فكرهت أن أتكلّم وتأخّرت عن جماعتي ،
ظنا منّي بأنّ ابن هبيرة سوف يأخذه الملل من كثرة السؤال ، وأخيرا جاء دوري ، فقال
لي : من أنت؟ فقلت له : من أهل اليمن. فقال من أيّها؟ فقلت من مذحج.
فقال ابن هبيرة
: إنّك لتطمع في نفسك : اختصر. فقلت من بني الحارث بن كعب.
فقال ابن هبيرة
: إنّ الناس يقولون : إنّ أبا اليمن كان قردا ، فما ذا تقول؟
فقلت له :
أصلحك الله ، إنّ الحجّة في هذا لسهلة يسيرة ، فقال : وما هي حجّتك؟ فقلت : ننظر
إلى القرد ، بماذا يكنّى؟ فإن كان يكنّى أبا اليمن ، فهو أبوهم ، وإن كان يكنّى
أبا قيس ، فهو أبو من كنّي به. ثمّ قام ابن هبيرة ودخل على الخليفة (مروان بن
محمّد) ثمّ خرج ونادى : الحارثي.
__________________
فدخلت على
مروان وهو يضحك ، ثمّ قال لي : ما ذا قال لك ابن هبيرة ، وبما ذا أجبته؟ فقلت له :
قال لي كذا وكذا ، وقلت له : كذا وكذا. فقال مروان : وأيم الله لقد حججته ، أو ليس
أمير المؤمنين الّذي يقول :
|
تمسّك أبا
قيس بفضل عنانها
|
|
فليس عليها
أن هلكت ضمان
|
|
فلم أر قردا
قبلها سبقت به
|
|
جياد أمير
المؤمنين أتان
|
ولمّا خرج زياد
من عند الخليفة ، اعتذر منه ابن هبيرة وقال له : (والله يا أخا بني الحارث ، ما
كان كلامي إيّاك إلّا هفوة ، وإن كنت لأربأ بنفسي عن ذلك ، ولقد سرّني إذ ألقيت
عليّ الحجّة ، ليكون ذلك لي أدبا مستقبلا ، وأنا لك حيث تحبّ ، فاجعل منزلك عليّ).
ثمّ أكرمه ابن هبيرة ، وأحسن منزلته.
وفي سنة (١٣٤)
للهجرة ذهب أبو مسلم الخراساني إلى (مرو) وذلك بعد أن قتل الكثير من أهل (الصغد)
وأهل (بخارى) فاستخلف زياد بن صالح على الصغد وبخارى ورجع أبو مسلم الخراساني إلى (بلخ).
وفي سنة (١٣٥)
للهجرة ، ثار زياد بن صالح وراء النهر وأعلن العصيان على أبي مسلم الخراساني ،
فذهب إليه أبو مسلم الخراساني ، ولمّا وصل إلى بخارى التحق بأبي مسلم الكثير من
قادة زياد الحارثي ، ثمّ تفرق عنه أكثر أصحابه ، عندها لجأ زياد إلى دهقان ، فقتله الدهقان ، وأرسل برأسه إلى أبي مسلم الخراساني.
__________________
١٠٠ ـ حوثرة بن سهيل
الباهلي :
هو : حوثرة بن
سهيل بن العجلان بن سهيل بن كعب بن عامر بن عمير بن رياح بن عبد الله بن عبد بن
قراص بن باهلة.
ولّاه مروان بن
محمّد (الحمار) على إمارة (مصر) فوصلها يوم الأربعاء من الثامن عشر من شهر محرم
سنة (١٢٨) للهجرة. ثمّ جمع الجند في المسجد ، وخطب فيهم بشعر جيّد
فقال :
|
دعوت أبا
ليلى إلى الصلح كي يبوء
|
|
برأي أصيل أو
يردّ إلى حلم
|
|
دعاني لشبّ
حرب بيني وبينه
|
|
فقلت له مهلا
إلى السلم
|
وحوثرة بن سهل
هو أحد قادة الجيوش المروانية ، وكان بدويا صرفا ، فيه جفوة الأعراب ، فصيحا ،
سفّاكا للدماء.
وعند ما أرسله
مروان بن محمّد أميرا على مصر ، كتب إلى أهل مصر يقول : (إنّي قد بعثت اليكم رجلا
، أعرابيا ، بدويا ، فصيح اللسان ، من صفاته كذا ، وكذا ، فأجمعوا له رجلا فيه
فضائله ، يسدّده في القضاء ، ويصوّبه في النظر ، ويسدّد في كذا وكذا). ثمّ أخذ حوثرة يطارد أعداء الأمويين في مصر ، فقتل
الكثير منهم ، ولمّا قتل حفص بن الوليد ، ويزيد بن موسى بن وردان ، قال مرسل بن
حمير يرثي حفصا وأصحابه
|
يا عين لا
تبقي من العبرات
|
|
جودي على
الأحياء والأموات
|
|
بكى الّذين
مضوا فهم (قد) صاد
|
|
قوا صدقات (شدّ)
أبطلت شارات
|
|
يا حفص يا
كهف العشيرة كلّها
|
|
يا أخا
النوال وسائر العورات
|
__________________
|
إما قتلت
فأنت كنت عميدهم
|
|
والكهف
للأيتام والجارات
|
|
أودى رجاء لا كمثل رجاءنا
|
|
رجل وعقبة فارج
الكربات
|
|
وشبابنا عمرو
وفهد ذو الندى
|
|
وابن السليط وعامر
الغارات
|
|
قتلوا ولم
أسمع بمثل مصابهم
|
|
سروات أقوام
بنو سروات
|
|
طلت دمائهم
فلم يعرج بها
|
|
بيّن ولم
تطلب لهم
|
وعند ما سمع
مروان بن محمّد بأن حوثرة قد قتل الكثير من زعماء مصر ورؤسائها بمجرد التهمة في
الفتنة الّتي حصلت بمصر ، فلم يرض بعمله ذلك ، فعزله عن إمارة مصر سنة (١٣١) للهجرة ، وأرسله إلى العراق ، لينظمّ إلى جيش يزيد بن
عمر بن هبيرة ، فجعله ابن هبيرة على مقدمة جيشه ، وقاتل به جيوش العباسيين.
ولمّا أراد
قحطبة بن شبيب الذهاب إلى الكوفة ، والاستيلاء عليها ، قال ابن هبيرة لحوثرة :
إنّ قحطبة يريد الكوفة ، وأريد أن أدخل الكوفة قبل أن يدخلها قحطبة ، فدارت معركة
بين قحطبة وبين حوثرة ، انهزم حوثرة ومن معه إلى واسط ثمّ انهزم ابن هبيرة هو
الآخر إلى واسط ، وهناك التقى حوثرة بيزيد بن عمر بن هبيرة ، وقيل إنّ حوثرة كان
بالكوفة ، فلمّا علم بهزيمة ابن هبيرة ، هرب ولحق به في واسط. وتركوا عسكرهم وما
فيه
__________________
من أموال وسلاح وغير ذلك.
وعند ما ثار
محمّد بن خالد القسريّ بالكوفة سنة (١٣٢) للهجرة ، أرسل يزيد بن عمر بن هبيرة إلى
حوثرة بن سهيل الباهلي يأمره بالذهاب إلى الكوفة ، ولمّا وصل حوثرة إلى الكوفة ،
وجد أنّ محمّدا القسريّ قد استولى عليها وأحكم سيطرته فيها ، عندها رجع حوثرة إلى
واسط.
ولمّا قتل يزيد
بن عمر بن هبيرة في واسط ، قتله أبو جعفر المنصور ، قتل حوثرة بن سهيل الباهلي ومن
معه ، وذلك سنة (١٣٢) للهجرة.
١٠١ ـ محمّد بن خالد
القسريّ :
وهو : محمّد بن
خالد بن عبد الله القسريّ ، البجليّ ، ثار بالكوفة في ليلة العاشر من شهر محرم سنة
(١٣٢) للهجرة وسوّد قبل أن يدخلها الحسن ابن قحطبة بن شبيب ، ثمّ ذهب إلى
قصر الإمارة ، وطرد (زياد بن صالح الحارثي) خليفة يزيد بن عمر بن هبيرة على الكوفة
آنذاك ، وطرد كذلك رئيس شرطته (عبد الرحمن بن بشير العجلي) ومن معهما من أهل
الشام.
ولمّا سمع
حوثرة بن سهيل الباهلي بذلك جاء إلى الكوفة ، عندها تفرّق الكثير من جيش محمّد
القسريّ ، وبقي معه نفر قلّة من أهل الشام ، ومن اليمانية ممن هرب من مروان بن
محمّد ، فبعث أبو سلمة الخلّال إلى محمّد القسريّ ، يأمره بالخروج من قصر الإمارة
خوفا عليه من حوثرة ،
__________________
فرفض محمّد الخروج من القصر.
وحينما كان
محمّد القسريّ في قصر الإمارة ، جاءت جيوش أهل الشام ، وفيهم فليح بن خالد البجليّ
، فقالوا : نحن بجيلة جئنا لندخل في طاعة الأمير محمّد ، فدخلوا. ثمّ جاءت جماعة
أخرى أكثر من الأولى ، وفيهم جهم بن الأصفح الكناني ، ثمّ جاءت جماعة ثالثة أكبر
من سابقتيها مع رجل من آل بحدل ، وانظموا جميعا إلى جيش ابن خالد القسريّ.
ولمّا رآى
حوثرة الباهلي التحاق أكثر أصحابه بالقسري ذهب إلى واسط. ثمّ كتب محمّد بن خالد
القسريّ إلى قحطبة بن شبيب (وهو لا يعلم بموته) يعلمه بأنّه قد استولى على الكوفة
، فاستلم الكتاب الحسن بن قحطبة (حيث أصبح قائد الجيش بعد أبيه). ثمّ ذهب الحسن بن
قحطبة إلى الكوفة فدخلها ، ثمّ ذهب هو ومحمّد القسريّ إلى أبي سلمة الخلّال ، فجاءوا جميعا إلى الكوفة ، عندها بايع الناس
أبا سلمة حفص بن سليمان ، ثمّ ولى محمّد بن خالد القسريّ إمارة الكوفة إلى أن جاء أبو العباس السفّاح فبايعوه بالخلافة.
وفي سنة (١٤١)
للهجرة ، ولي محمّد القسريّ إمارة مكّة والمدينة والطائف ، وذلك بعد عزل أميرها
السابق زياد بن عبيد الله بن عبد المدان الحارثي. وفي سنة (١٤٤) للهجرة ، عزل محمّد القسريّ عن المدينة ،
عزله
__________________
أبو جعفر المنصور ، وولّاها رياح بن عثمان المريّ.
وقيل إنّ سبب
عزل محمّد القسريّ عن المدينة ، هو أنّ أبا جعفر المنصور أمره أن يلقي القبض على
محمّد بن عبد الله (النفس الزكية) وعلى أخيه إبراهيم ، ويأتيه بهما مكتوفين أو
يقتلهما ، فلم ينفّذ محمّد القسريّ الأمر ، فعزله المنصور ، ثمّ حبسه رياح المريّ
بالمدينة. وعند ما ثار محمّد (النفس الزكية) بالمدينة سنة (١٤٥)
للهجرة ، أطلق سراح محمّد القسريّ من السجن.
وقيل عند ما
قتل إبراهيم بن الوليد ، قتله مروان بن محمّد ، هرب محمّد ابن خالد القسريّ إلى
العراق ، واختفى في دار عمرو بن عامر البجليّ بالكوفة ، وكان أمير الكوفة حينذاك
زياد بن صالح الحارثي (خليفة يزيد بن عمر بن هبيرة).
ملاحظة
إنّ محمّد بن
خالد القسريّ والحسن بن قحطبة ، وكذلك أبا سلمة الخلّال (وزير آل محمّد) لا
نعتبرهم أمراء لبني العباس في هذه المرحلة وإنّما نعتبرهم من الثائرين على دولة
بني أميّة ، حيث أنّ العصر العباسي يبتدأ من مبايعة أبي العباس السفّاح بالخلافة.
__________________
١٠٢ ـ الحسن بن قحطبة
:
هو : الحسن بن
قحطبة بن شبيب بن خالد بن معدان الطائي ، وكنيته : أبو الحسن ، وقيل أبو الحسين.
ذهب قحطبة بن
شبيب في أوّل شهر محرم من سنة (١٣٢) للهجرة لمحاربة يزيد بن عمر بن هبيرة ، فوقعت
معركة بين الطرفين ، فانهزم ابن هبيرة وأصحابه إلى واسط (ليلا) ووجد قحطبة بن شبيب
ميتا في الماء (صباحا). وقيل إنّ قحطبة قال لهم قبل موته : إذا دخلتم الكوفة ،
فوزير الإمام هو : أبو سلمة ، فسلموا الأمر إليه. ولمّا مات قحطبة ،
قال ابنه الحسن : (إن كان قحطبة قد مات ، فأنا ابن قحطبة) ، فبايعه القادة على قيادة الجيش خلفا لأبيه. ثمّ ذهب
الحسن بن قحطبة فدخل الكوفة في أوّل شهر محرم من سنة (١٣٢) للهجرة ، فهرب أميرها (زياد بن صالح الحارثي) وقتل من
أصحاب يزيد بن هبيرة الكثير.
وقيل : وفي هذه
الفترة ، ثار بالكوفة محمّد بن خالد بن عبد الله القسريّ ، ولمّا سمع الحسن بن
قحطبة ، ذهب إلى الكوفة ، ثمّ ذهب هو ومحمّد القسريّ إلى أبي سلمة الخلّال ،
وسلّماه الأمر. ثمّ أنّ أبا سلمة الخلّال أبقى
__________________
محمّد القسريّ أميرا على الكوفة ، وأرسل الحسن بن قحطبة إلى واسط لمحاربة
يزيد بن عمر بن هبيرة.
ثم جاء أبو
العباس السفّاح ، وبويع بالخلافة في الكوفة في شهر ربيع الأول من سنة (١٣٢) للهجرة
، فأرسل أخاه أبو جعفر المنصور إلى واسط لمحاربة يزيد بن عمر بن هبيرة ، وكتب إلى
الحسن بن قحطبة يقول : (إنّ العسكر عسكرك ، والقواد قوادك ، ولكن أحببت أن يكون
أخي حاضرا ، فأحسن إليه وأطع ، وأحسن مؤازرته).
ثمّ أنّ أبا
جعفر المنصور ، قتل يزيد بن عمر بن هبيرة وأولاده ، وكافّة حاشيته ، وأسّر بشر بن
عبد الملك بن مروان ، وحوثرة بن سهل ، ومحمّد بن نباتة ، وأرسلهم إلى الحسن بن
قحطبة فقتلهم جميعا.
وقد استخلفه
أبو جعفر المنصور على أرمينية سنة (١٣٦) للهجرة ، لمساعدة أبي مسلم الخراساني على
قتل عبد الله بن عليّ حينما ثار عليه .
ثم حارب الحسن
بن قحطبة الروم ، وتوغّل في بلادهم.
١٠٣ ـ أبو سلمة
الخلّال :
هو : حفص بن
سليمان الخلّال ، الهمداني ، وقد غلبت كنيته على أسمه ، وكان يقيم
بالكوفة ، وهو من أشهر الدعاة إلى الرضا من آل محمّد (في
__________________
العراق) وكذلك معه أبو مسلم الخراساني (في خراسان) فهما اللّذان أقاما
أركان ودعائم الدولة العباسية ، حتّى لقب أبو سلمة (وزير آل محمّد) ولقّب أبو مسلم
الخراساني (أمين آل محمّد). ففي سنة (١٢٧) للهجرة ، كتب إبراهيم بن محمّد (الإمام)
إلى أبي سلمة الخلّال ، يخبره بأنّه هو المسؤول عن أصحابه ، وكتب أيضا إلى أهل
خراسان يخبرهم بأن قائدهم (رئيسهم) هو حفص بن سليمان ، فذهب أبو سلمة إلى خراسان ،
فسلّموا إليه الأمور ، ودفعوا له جميع ما جمعوه من أموال. فكان أبو سلمة يذهب إلى (الحميمة) ويأخذ كتب إبراهيم الإمام إلى النقباء في خراسان ، وكان أبو مسلم الخراساني تابعا له.
وفي أوائل سنة (١٣٢)
للهجرة ، وعند ما ثار محمّد بن خالد بن عبد الله القسريّ في الكوفة ومجيء الحسن بن
قحطبة اليها ، ذهبا سويّة إلى أبي سلمة الخلّال ، وسلّما إليه الأمور. فأقرّ محمّد بن خالد القسريّ
على إمارة الكوفة ، وولّى سفيان بن معاوية إمارة البصرة ، وأمّره أن يظهر دعوة بني
العباس ، وولّى بسّام بن إبراهيم بن بسّام إمارة الأهواز ، وأرسل الحسن إلى واسط
لمحاربة يزيد بن عمر بن هبيرة ، ثمّ خرج أبو سلمة الخلّال من الكوفة ، وعسكر في (حمّام
أعين) على بعد ثلاثة أميال من الكوفة.
ولمّا وصل أبو
العباس السفّاح ، وأخوه أبو جعفر المنصور ، وكافة أهل
__________________
بيت إبراهيم بن محمّد إلى الكوفة ، أنزلهم أبو سلمة الخلّال في دار الوليد
بن سعيد (في حيّ من أحياء اليمن) وكتم أمرهم عن جميع القادة حوالي أربعين يوما).
وقيل : أن أبا
سلمة الخلّال أراد (بعد مقتل إبراهيم الإمام) أن تكون الخلافة إلى آل عليّ بن أبي
طالب ، بدلا من آل العباس ، فكتب كتابين : أحدهما إلى الإمام جعفر بن محمّد بن
عليّ (الصادق) عليهالسلام يدعوه إلى مبايعته ، والثاني إلى عبد الله بن الحسن بن
الحسن بن عليّ بن أبي طالب لنفس الغرض.
وفي ذلك الوقت
، جاء بعض قادة (المسوّدة) إلى الكوفة ، فدخلوا على أبي العباس السفّاح فبايعوه
بالخلافة ، ولمّا علم أبو سلمة الخلّال بأنّ أكثر القادة قد بايعوا أبا العباس
السفّاح بالخلافة ، اضطر إلى مبايعته ، وكان ذلك في يوم الجمعة في الثالث عشر من
شهر ربيع الآخر من سنة (١٣٢) للهجرة.
وبعد أن
استتبّت الأمور لآل العباس في الكوفة وخراسان ، ظلّ أبو العباس السفّاح وأخوه أبو
جعفر المنصور في حذر وحيطة من أمر أبي سلمة الخلّال ، فذهب المنصور إلى أبي مسلم
الخراساني (في خراسان) وشاوره في الأمر فأرسل أبو مسلم (مرار بن أنس الضبي) فقتل
أبا سلمة الخلّال ليلا ، وذلك لخلافات بين أبي مسلم والخلّال.
__________________
وقيل : كان أبو
سلمة الخلّال ، يسهر كلّ ليلة عند أبي العباس السفّاح في مدينة الأنبار واستمر على
تلك الحالة أربعة أشهر ، وعند خروجه من أبي العباس ذات ليلة مظلمة ، كمن له جماعة
، فقتلوه ، وقطّعوه بسيوفهم ، وقيل إنّ السفّاح هو الّذي قتله لاعتقاده بأن
الخلّال يميل إلى آل عليّ بن أبي طالب.
وعند ما قتل
أبو سلمة الخلّال (ليلا) ، أشاعوا (صباحا) بأنّ الخوارج قد قتلت الخلّال ثمّ صلّى
عليه يحيى بن محمّد بن عليّ ودفن في مدينة (الهاشميّة) بالأنبار.
فقال سليمان بن
المهاجر البجليّ :
|
إنّ المساءة
قد تسرّ وربما
|
|
كان السرور
بما كرهت جديرا
|
|
إنّ الوزير
وزير آل محمّد
|
|
أودى فمن
يشناك وزيرا
|
وقيل إنّ أبا
مسلم الخراساني كتب إلى أبا العباس السفّاح ، يشير إليه بقتل أبا سلمة الخلّال
لأنّه نكث ، وغيّر ، وبدّل ، فقال السفّاح : (ما كنت لأفتتح دولتي بقتل رجل من
شيعتي ولا سيّما مثل أبي سلمة وهو صاحب هذه الدعوة ، وقد عرّض نفسه وبذل مهجته
وأنفق ماله ، وناصح إمامه ، وجاهد عدوّه).
ولمّا سمع أبو
مسلم الخراساني ما قاله السفّاح ، خاف على نفسه من الخلّال ، فأرسل من يقتله.
ولمّا سمع أبو العبّاس السفّاح بقتل أبي سلمة
__________________
الخلّال ، قال :
|
إلى النار
فليذهب ومن كان مثله
|
|
على أيّ شيء
فاتنا منه نأسف
|
وكان أبو سلمة
الخلّال ، أوّل وزير في الإسلام ، وكان الوزير يلقب قبل ذلك (بالحاجب).
انتهى الجزء
الثاني ، ويليه الجزء الثالث .. .. إن شاء الله.
__________________
الجزء الثالث
أمراء الكوفة
في العصر العباسي
بسم الله الرحمن الرحيم
١ ـ أبو العبّاس
السفّاح :
هو : عبد الله
بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب ، وكنيته : أبو العبّاس .
بويع بالخلافة
في الكوفة ، في الثالث عشر من شهر ربيع الاول من سنة (١٣٢) للهجرة ، وقيل في
الثامن والعشرين من شهر ذي الحجّة ، وهو أوّل خلفاء بني العبّاس .
خطب في مسجد
الكوفة خطبة مقتضبة ، ذكر فيها فضل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وقاد الولاية والوراثة حتّى أنتهت إليه ، ثمّ وعد الناس
خيرا.
ثمّ خطب بعده
عمّه (داود بن عليّ) فقال : (إنه والله ما كان بينكم وبين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خليفة إلّا عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، وأمير المؤمنين هذا
__________________
الّذي خلفي) . ثمّ ذهب أبو العبّاس إلى معسكر أبي سلمة الخلّال في (الحيرة)
، وأستخلف على الكوفة عمّه (داود بن عليّ) ، وأرسل عمّه (عبد الله ابن عليّ)
لمحاربة مروان بن محمّد (آخر ملوك بني أميّة) ، وبعد معارك عنيفة ، قتل مروان بن
محمّد في قرية (بوصير) في مصر ، وأرسل برأسه إلى أبي العبّاس السفّاح. وبقتل مروان
بن محمّد ، أنتهت الدولة الاموية .
ثمّ أخذ
العباسيون يطاردون الامويين في كلّ مكان ، فقتلوهم ، وسحلوهم في الطرقات ، ونبشوا
قبورهم ، وأخرجوا جثثهم وعظامهم فأحرقوها . ودخل سديف الشاعر على أبي العبّاس السفّاح في (الحيرة)
وكان عنده جماعة من الامويين ، فأخذ سديف يحرّض السفّاح على قتلهم ، حتى قتلهم عن
آخرهم ، وقال سديف قصيدة طويلة يحرّض فيها السفّاح على قتل الامويين نقتبس منها
الابيات الآتية :
|
أصبح الملك
ثابت الأساسي
|
|
بالبهاليل من بني العبّاس
|
|
يا أمير
المطهرين من الذ
|
|
مّ ويا رأس
منتهى كلّ راس
|
|
أنت مهديّ
هاشم وهداها
|
|
كم أناس رجوك
بعد أياس
|
|
أقصهم أيّها
الخليفة واحسم
|
|
عنك بالسيف
شأفه الأرجاس
|
|
وأذكرنّ مصرع
الحسين وزيد
|
|
وقتيل بجانب
المهراس
|
__________________
|
والامام الّذي بحران أمسى
|
|
رهن قبر في
غربة وتناسي
|
إلى آخر
القصيدة.
وهناك قصيدة
أخرى لسديف ، حرّض بها السفّاح على قتل بني أميّة نذكر منها :
|
يا بن عمّ
النبيّ أنت ضياء
|
|
أستبنّ بك
اليقين الجليّا
|
|
جردّ السيف
وأرفع العفو حتّى
|
|
لا ترى فوق
ظهرها أمويّا
|
|
لا يغرّنك ما
ترى من رجال
|
|
إنّ تحت
الضلوع داء وبيّا
|
|
بطن البغض في
القديم فأضحى
|
|
ثاويا في
قلوبهم مطويّا
|
ثمّ إنّ أبا
العبّاس السفّاح عيّن أبا سلمة الخلّال وزيرا له ، فكان الخلّال أوّل وزير في
الأسلام ، وأوّل وزير في الدولة العباسيّة ، وكان منصب الوزير سابقا يسمّى (الحاجب)
.
وقيل إنّ أبا
مسلم الخراساني اشار عليه بقتل أبي سلمة الخلّال كما أنّ اخاه أبا جعفر المنصور
وعمّه داود بن عليّ قد اشارا عليه أيضا بقتله إلّا أنّه رفض ذلك .
ثمّ بعد ذلك
قتل أبو سلمة الخلّال فقيل إنّ أبا العبّاس هو الّذي قتله وقيل بأنّ أبا مسلم الخراساني
هو الّذي قتله ، ثمّ أشيع بعد ذلك بأنّ الخوارج قتلوه ، وذلك لدفع التهمة عنهم
فقال سليمان بن مهاجر البجلي في مقتله .
|
إن الوزير
وزير آل محمّد
|
|
أودى فمن
يشناك كان وزيرا
|
__________________
ثمّ إنّ أبا
العبّاس السفّاح بنى مدينة له سماّها مدينة (الهاشميّة) مقابل مدينة ابن هبيرة
وانتقل اليها من (الحيرة) إلّا أنّه لم يستقم بها طويلا ، وذلك لأنّ الناس اخذت
تسميها مدينة ابن هبيرة ، مما دعاه إلى تركها ، وبناء مدينة أخرى في الأنبار ،
وسماّها أيضا الهاشميّة وعرفت أيضا برصافة أبي العبّاس وذلك سنة ١٣٤ ه فانتقل
اليها .
وعند ما بنى
أبو العبّاس هذه المدينة ، دخلها مع أخيه أبو جعفر المنصور ، وكان معهما عبد الله
بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب ، فكان أبو العبّاس يريهما المدينة ، وما
شيّد فيها من القصور والمصانع ، فعندها تمثّل عبد الله بن الحسن بهذه الابيات :
|
ألم تر حوشبا
قد صار يبني
|
|
قصورا نفعها
لبني نفيله
|
|
يؤمل أن يعمر
عمر نوح
|
|
وأمر الله
يحدث كلّ ليله
|
فتألم أبو
العبّاس السفّاح عند سماعه هذه الابيات ، فقال أبو جعفر المنصور لعبد الله بن
الحسن : (أتراهما إبنيك ، أبا محمّد ، والأمر ، صائر اليهما لا محالة)؟. فقال عبد
الله : (لا والله ، ما ذهبت هذا المبلغ ، ولا أردته ، ولا كانت إلّا كلمة جرت على
لساني ، لم الق لها بالا) ، فتركت تلك الكلمة أثرا سيّئا عند السفّاح.
ويحكى : أنّ
أبا العبّاس السفّاح ، كتب إلى عبد الله بن الحسن ، عند ما تغيب ولداه محمّد (النفس
الزكيّة) وابراهيم ، ولم يبايعاه فقال :
|
أريد حياته
ويريد قتلي
|
|
عذيرك من
خليلك من مراد
|
__________________
فأجابه عبد
الله بن الحسن :
|
وكيف يراد
ذاك وأنت منه
|
|
بمنزلة
النياط من الفؤاد؟
|
|
وكيف يريد
ذاك وأنت منه
|
|
وزندك يقدح
من زناد
|
|
وكيف يريد
ذاك وأنت منه
|
|
وأنت لهاشم
رأس وهاد
|
وقيل إنّ عبد
الله بن الحسن اعطاه عهدا بأنّه لن يصاب بمكروه من ابنيه ما دام حيا.
مات أبو
العبّاس السفّاح في مدينة الهاشميّة بالأنبار في يوم الأحد في الثاني عشر من شهر
ذي الحجّة من سنة (١٣٦) ه وكان عمره (٣٣) سنة وقيل (٢٩) سنة وكانت مدّة خلافته
أربع سنين وتسعة اشهر وعشرون يوما. وقيل كان سبب موته اصابته بمرض الجدري ودخل أبو
دلامة على المنصور والناس يعزونه بوفاة اخيه السفّاح فقال :
|
أمسيت
بالأنبار يابن محمّد
|
|
لم تستطع عن
عقرها تحويلا
|
|
ويلي عليك
وويل أهلي كلّهم
|
|
ويلا وعولا
في الحياة طويلا
|
|
فلتبكينّ لك
النساء بعبرة
|
|
وليبكين لك
الرجال عويلا
|
|
مات الندى إذ
متّ يابن محمّد
|
|
فجعلته لك في
الثراء عديلا
|
|
إنّي سألت
الناس بعدك كلهم
|
|
فوجدت أسمح
من سألت بخيلا
|
وقال الشاعر
أبو نخيلة مادحا أبا العبّاس السفّاح :
|
لما رأينا
استمسكت يداكا
|
|
كنا أناسا
نرهب الهلاكا
|
__________________
|
ونركب
الأعجاز والأوراكا
|
|
من كلّ شيء
ما خلا الاشراكا
|
|
فكلّما قد
قلت في سواكا
|
|
زور وقد كفّر
هذا ذاكا
|
|
إنّا انتظرنا
قبلها اباكا
|
|
ثمّ انتظرنا
بعدها أخاكا
|
|
ثمّ انتظرناك
لها إيّاكا
|
|
فكنت أنت
للرجاء ذاكا
|
بويع أبو
العبّاس السفّاح بالخلافة ولم يبايعوا أخاه أبا جعفر المنصور مع إنّ المنصور كان
أكبر سنا من السفّاح وذلك لأنّ أمّ السفّاح عربية وأمّ المنصور أمّ ولد .
٢ ـ داود بن عليّ :
هو : داود بن
عليّ بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب ، وكنيته : أبو سلمان.
ولّاه أبو
العبّاس السفّاح إمارة الكوفة سنة (١٣٢) للهجرة ، ثمّ عزله في نفس السنة ، وولّاه المدينة ،
والحجاز ، واليمن ، واليمامة . نشأ داود بن عليّ وأخوته في قرية (الحميمة) ، وذلك سنة
(٩٥) للهجرة. وداود بن عليّ ، هو أحد مؤسسي دولتهم ، وخطيب بني العبّاس ، وعند
ما بويع أبو العبّاس السفّاح بالخلافة في الكوفة وخطب بالناس خطبته القصيرة (المشهورة)
فقام بعده عمّه داود بن عليّ فقال :
__________________
(أيّها الناس ، إنّ أمير المؤمنين ، يكره أن يتقدّم قوله فعله ، ولأثر
الفعال عليكم أجدى من تثقيف المقال ، وحسبكم بكتاب الله ممتثلا فيكم ، وابن عم
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خليفة عليكم. والله قسما برّا لا أريد إلّا الله به ،
ما قام هذا المقام بعد رسول الله أحقّ به من عليّ بن أبي طالب ، وأمير المؤمنين
هذا ، فليظن ظانّكم ، وليهمس هامسكم) .
وكان داود بن
عليّ أوّل أمير لبني العبّاس على المدينة ، وأوّل من أقام الحجّ للناس في الخلافة
العباسيّة ، ويمكننا أن نعتبره أوّل أمير على الكوفة أيضا .
واشتهر داود بن
عليّ بخطبه سواء ما كان منها في الكوفة ، أو الّتي في المدينة ، أو مكّة ، وسأذكر
قسما منها بأيجاز ، ليطّلع القارئ الكريم عليها. فقد خطب داود بن عليّ بمكّة في
أوّل موسم للحجّ ملّكه بنو العبّاس فقال : (شكرا ، شكرا ، إنّا والله ، ما خرجنا
لنحفر فيكم نهرا ، ولا لنبني فيكم قصرا ، أظنّ عدو الله ، أن لن نقدر عليه ، إنّ
روض له من خطامه ، حتّى عثر في فضل زمانه ، فالآن حيث أخذ القوس باريها ، وعادت
النبل إلى النزعة ، ورجع الملك في نصابه في أهل بيت النبوة والرحمة ، والله لقد
كنا نتوجع لكم ونحن في فرشنا ، أمن الأسود والاحمر ، لكم ذمّة الله ، لكم ذمّة
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لكم ذمّة العبّاس ، لا وربّ هذه البنية «وأومأ بيده إلى الكعبة» لا نهيب
منكم أحدا) .
__________________
وخطب داود ب ن
عليّ أيضا فقال :
(أحرز لسان
رأسه ، إتّعظ امروء بغيره ، اعتبر عاقل قبل أن يعتبر به ، فأمسك الفضل من قوله ،
وقّدم الفضل من عمله). ثمّ أخذ بقائم سيفه فقال : (إن بكم داء ، هذا دواءه ، وأنا
زعيم لكم بشفائه ، وما بعد الوعيد إلّا الايقاع) .
ثمّ خطب داود
بن عليّ بالمدينة فقال : (حتام يهتف بكم صريخكم ، أما آن لراقدكم أن يهب من نومه؟
كلا ، بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ، أغركم الامهال ، حتّى حسبتموه الاهمال؟
، هيهات منكم ، وكيف بكم ، والسوط في كفّي ، والسيف مشهّر .
|
حتى يبيد
قبيلة فقبيله
|
|
ويعضّ كلّ
مثقف بالهام
|
|
ويقمن ربات
الخدور حواسرا
|
|
يمسحن عرض
ذوائب الايتام
|
وفي سنة (١٣٣)
للهجرة ، قتل داود بن عليّ كلّ من ظفر به من بني أمية بمكّة والمدينة ، فقال له
عبد الله بن الحسن : يا أخي إذا قتلت هولاء فمن تباهي بمكّة؟ أما يكفيك أن يروك
غاديا ورائحا ، فيما يذلهم ويسومهم ؟
فلم يقبل منه ،
واستمر في قتلهم. ولمّا رجع داود بن عليّ من مكّة إلى المدينة ، رجع معه بنو الحسن
جميعا. ومعهم محمّد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ابن محمّد ، وعبد الله
بن عنبسه بن سعيد بن العاص ، فنصبت لداود بن عليّ منصة في «الرويثة» فجلس عليها داود والهاشميّون ، وجلس الامويون
__________________
ما دونهم ، فقال ابراهيم بن هرمه قصيدة نقتطف منها :
|
فلا عفا عن
مروان مظلمة
|
|
ولا أميّة
بئس المجلس النادي
|
|
كانوا كعاد
فأمسى الله أهلكهم
|
|
بمثل ما أهلك
الغاوين من عاد
|
|
فلم يكذّبني
من بني هاشم أحد
|
|
فيما أقول لو
أكثرت تعدادي
|
فأطلق داود
ضحكة نحو ابن عنبسة ، فقال عبد الله بن الحسن ، لأخيه الحسن بن الحسن (أما رأيت
ضحكته إلى ابن عنبسه؟. الحمد لله الّذي صرفها عن أخي) . وعند ما كان داود بن عليّ مشغولا بقتل جماعة من
الامويين ، إذ برقت برقة في السماء ، فهمس غلام من بين الامويين بهذين البيتين :
|
تألّق البرق
نجديّا فقلت له
|
|
يا أيّها
البرق انّي عنك مشغول
|
|
يكفيك منّي ،
عدوّ ، ثائر ، خنق
|
|
في كفّه
كحباب الماء مصقول
|
فسمعه داود ،
فقال له : ماذا تقول يا فتى؟ قال : بيتين قلتهما هذه الساعة ، وأنشده إيّاهما.
فقال له داود :
أو ما كان لك في وقوع السيف فيكم بوازع!؟
ثمّ قال
للسيّاف : (ما ينبغي أن نستبقي لنا عدوا من شجاعته أن يقول الشعر الجيّد ، والسيف
على ودجه) .
وقال داود بن
عليّ لإسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص ، بعد ما قتل الكثير من بني أمية : (أساءك
ما فعلت بأصحابك)؟.
__________________
فقال إسماعيل :
(كانوا يدا فقطعتها ، وعضدا ففتتها ، ومرة فنقضتها ، وجناحا فنتفته) .
ومن أقوال داود
بن عليّ : (ولئن يترك الرجل ماله لأعدائه ، خير من الحاجة في حياته إلى أوليائه).
وفي هذا المعنى قال الشاعر :
|
مال يخلّفه
الفتى
|
|
للشامتين من
العدا
|
|
خير له من
قصده
|
|
إخوانه
مسترفدا
|
مات داود بن
عليّ بالمدينة في شهر ربيع الأول من سنة (١٣٣) للهجرة ، وهو أمير المدينة ، وعمره (٥٢) سنة ، ولم يتنعّم من
ملك بني العبّاس سوى ثمانية أشهر ، خمسة أشهر منها قضاها أمير على الكوفة ، وثلاثة
أشهر أمير على مكّة ، والمدينة واليمامة والحجاز.
٣ ـ عيسى بن موسى :
هو : عيسى بن
موسى بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب ، وكنيته : أبو موسى.
ولّاه أبو
العبّاس السفّاح إمارة الكوفة سنة (١٣٢) للهجرة ، وذلك بعد عزل داود بن عليّ ، وبقي أميرا على الكوفة ،
وسوادها ، وما حولها مدّة
__________________
ثلاث عشرة سنة. ثمّ عزله أبو جعفر المنصور سنة (١٤٧) للهجرة عن الكوفة ، وولّاها إلى محمّد بن سليمان.
وعيسى بن موسى
، فارس بني العبّاس ، وسيفهم المسلول ، جعله أبو العبّاس السفّاح وليّا للعهد بعد
أخيه أبي جعفر المنصور. ولمّا توطدت الدولة العباسيّة ، وثبتت أركانها تحايل أبو
جعفر المنصور على عيسى بن موسى فخلعه وجعل ابنه (محمّد المهدي) ولي العهد ، ومن
بعده لعيسى بن موسى ، ويقال إنّ أبا جعفر المنصور قد أعطاه عشرة آلاف ألف درهم
لقاء تنازله .
ويقال إنّ عيسى
بن موسى لمّا طالبه المنصور بتقديم المهدي عليه ، قال :
|
بدت لي
إمارات من الغدر شممتها
|
|
أظنّ رواياها
ستمطركم دما
|
|
وما يعلم العالي
متى هبطاته
|
|
وإن سار في
ريح الغرور مسلما
|
وقال أيضا :
|
أينسى بنو
العبّاس ذبي عنهم
|
|
بسيفي ونار
الحرب ذاك سعيرها
|
|
فتحت لهم شرق
البلاد وغربها
|
|
فذل معاديها
وعزّ نصيرها
|
|
أقطع أرحاما
عليّ عزيزة
|
|
وأسدي مكيدات
لها وأنيرها
|
|
فلمّا وضعت
الأمر في مستقرّه
|
|
ولاحت له شمس
تلألأ نورها
|
|
دفعت عن
الحقّ الّذي أستحقّه
|
|
وسيقت بأوساق
من الغدر عيرها
|
وعند ما خلع
عيسى بن موسى ، كان أبو نخيلة الشاعر جالسا عند
__________________
المنصور فقال :
|
بل يا أمين
الواحد الموحد
|
|
إنّ الّذي
ولّاك ربّ المسجد
|
|
ليس ولي
عهدنا بالأسعد
|
|
عيسى فزحلفها
إلى محمد
|
|
من عند عيسى
معهدا عن معهد
|
|
حتّى تؤدّى
من يد إلى يد
|
وقيل إنّه قال
أرجوزة طويلة نقتطف منها :
|
خليفة الله
وأنت ذاكا
|
|
أسند إلى
محمّد عصاكا
|
|
فاحفظ الناس
لها اذناكا
|
|
وابنك ما
استكفيته كفاكا
|
|
وكلّنا
منتظرا لذاكا
|
|
لو قلت هاتوا
قلت هاك هاكا
|
ولمّا آلت
الخلافة إلى محمّد المهدي ، خلع عيسى بن موسى من ولاية العهد (أيضا) وبايع لأبنه (موسى
الهادي) ، ثمّ بايع من بعد موسى الهادي لابنه (هارون الرشيد) ثمّ ذهب المهدي ومعه
عيسى بن موسى إلى الجامع ، فخطب في الناس وأعلمهم بخلع عيسى ، والبيعة لأبنه
الهادي ، وأشهد الناس على ذلك ، فقال بعض الشعراء :
|
كره الموت
أبا موسى وقد
|
|
كان في الموت
نجاة وكرم
|
|
خلع الملك
وأضحى ملبسا
|
|
ثوب لؤم ما
ترى منها القدم
|
وعند ما كان
عيسى بن موسى يمرّ في شارع من شوارع الكوفة ، يقول بعض المجان من أهل الكوفة : (هذا
الّذي كان غدا ، فصار بعد غد) .
وجيء إلى عيسى
بن موسى (وهو أمير الكوفة) بمخنث ، فقال له عيسى : (أعتقد بأنك لا تعرفني ، وإلّا
فكيف تسيء في إمارتي؟).
__________________
فقال له المخنث
: نعم والله ، أيّها الأمير ، فأنت الّذي كنت غدا فصرت بعد غد. فخجل عيسى وأخرج
المخنث .
وفي سنة (١٤٥)
للهجرة ، ثار بالمدينة محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب
المعروف (بالنفس الزكيّة) ، فقال أبو جعفر المنصور لعيسى بن موسى : إنّ محمّدا قد
ثار بالمدينة ، فاذهب إليه ، فقال له عيسى : يا أمير المؤمنين ، هؤلاء عمومتك حولك
فادعهم وشاورهم في الأمر ، فتمثل المنصور بقول ابن هرمة حيث يقول :
|
ترون أمرا لا
يمحض القوم سرّه
|
|
ولا ينتجي
الأذنين فيما يحاول
|
|
إذا ما أتى
شيئا مضى كالذي أبى
|
|
وإن قال إنّي
فاعل فهو فاعل
|
ثمّ قال
المنصور : يا هذا ، إن محمّدا لا يطلب غيري وغيرك ، فإمّا أن أذهب أنا أو أن تذهب
أنت إليه ، فقال عيسى : بل أفديك بنفسي يا أمير المؤمنين. فذهب عيسى إلى المدينة ،
ومعه أربعة آلاف فارس ، وألفي راجل ، ثمّ تبعه محمّد بن قحطبة بجيش كبير ، وعند ما
ذهب عيسى قال المنصور : (لا أبالي أيّهما قتل صاحبه) ، ثمّ دارت معركة بين الجانبين ، قتل خلالها خلق كثير
من الطرفين .
ولمّا رآى
أصحاب محمّد (النفس الزكيّة) كثرة قتلاهم ، تفرقوا عنه ، وبقي يقاتل لوحده بكلّ
شجاعة وبسالة حتّى قتل ، فقطعوا رأسه ، وأرسلوه إلى عيسى بن موسى ، ثمّ أرسل
الرأس إلى أبي جعفر المنصور
__________________
(وكان حينذاك بالكوفة) فوضع الرأس في طبق وطيف به بالكوفة ، ثمّ بعد ذلك
أرسله المنصور إلى بقية المدن ، ثمّ أرسل الرأس إلى أبيه عبد الله بن الحسن في
السجن ، ولمّا رآى عبد الله رأس ابنه قال : (يرحمك الله ، لقد قتلوك ، صوّاما ،
قوّاما ، ثمّ أنشد يقول :
|
فتى كان
يدنيه من السيف دينه
|
|
|
ويكفيه سوئات
الأمور اجتنابها
|
قتل محمّد (النفس
الزكيّة) يوم الأثنين في الرابع عشر من شهر رمضان من سنة (١٤٥) للهجرة .
ولمّا سمع
إبراهيم بن عبد الله بقتل أخيه محمّد قال
|
أبا المنازل
يا عبر الفوارس من
|
|
يفجع بمثلك
في الدنيا فقد هجعا
|
|
الله يعلم
أنّي لو خشيتهم
|
|
أو آنس القلب
من خوف لهم فزعا
|
|
لم يقتلوه
ولم أسلّم أخي لهم
|
|
حتّى نعيش
جميعا أو نموت معا
|
وقال عبد الله
بن مصعب بن ثابت يرثي محمّد (النفس الزكيّة) بقصيدة نقتطف منها :
|
يا صاحبي دعا
الملامة واعلما
|
|
أن لست في
هذا بألوم منكما
|
|
وقفا بقبر
ابن النبيّ وسلّما
|
|
لا بأس أن
تقفا فتسلّما
|
|
قبر تضمّن
خير أهل زمانه
|
|
حسبا وطيب
سجية وتكرّما
|
|
أضحى بنو حسن
أبيح حريمهم
|
|
فينا وأصبح
نهبهم متقسّما
|
__________________
|
ونساؤهم في
دورهم نوائح
|
|
سجع الحمام
إذا الحمام ترنّما
|
|
يتوسّلون
بقتلهم ويرونه
|
|
شرفا لهم عند
الإمام ومغنما
|
|
والله لو شهد
النبيّ محمّد
|
|
صلّى الإله
على النبيّ وسلّما
|
|
حقا لأيقن
أنّهم قد ضيعوا
|
|
تلك القرابة
واستحلوا المحرما
|
وقال بعضهم في
رثاء محمّد (النفس الزكيّة):
|
رحم الله
شبابا
|
|
قتلوا يوم
الثنيّة
|
|
فرّ الناس
عنه طرا
|
|
غير خيل
أسديّة
|
|
قاتلوا عنه
بنيا
|
|
ت وأحساب
نقيّة
|
|
قتل الرحمان
عيسى
|
|
قاتل النفس
الزكيّة
|
وكان إبراهيم
قد اتفق مع أخيه محمّد ، أن يقوم بالثورة في البصرة ، ويثور أخوه في المدينة في
يوم واحد ، إلّا أنّ مرض إبراهيم حال بينه وبين القيام بالثورة في الوقت المحدّد.
فقام إبراهيم
بثورته في البصرة ، فاستولى على البصرة بأكملها في شهر رمضان من سنة (١٤٥) للهجرة
، أي بعد ثورة أخيه (النفس الزكيّة) بثلاثة أشهر ، ثمّ سيطر على الأهواز ، وعلى
فارس ، وعلى واسط ، ثمّ تقدّم نحو الكوفة ، فكتب أبو جعفر المنصور إلى عيسى بن
موسى ، أن يأتي حالا ، ويذهب لحرب إبراهيم بن عبد الله ، فزحف إبراهيم بجيشه حتّى
وصل إلى قرية (باخمرا) والتحمت الجيوش ، واقتتلوا قتالا شديدا ، وأثناء المعركة
جاء سهم في (فم) إبراهيم فسقط على الأرض ، ثمّ قتل ، وقطعوا رأسه ، وأرسلوه إلى
عيسى بن موسى ، ثمّ بعث هذا بالرأس إلى أبي جعفر المنصور بالكوفة ، ووضع الرأس في
السوق ، والمنادي ينادي : هذا رأس الفاسق بن الفاسق .
__________________
قتل إبراهيم بن
عبد الله بن الحسن في يوم الأثنين في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة من سنة (١٤٥)
للهجرة ، وكانت مدّة ثورته شهرين وخمسة وعشرين يوما .
وكان ممّن رثى
إبراهيم بن عبد الله هو دعبل الخزاعي ضمن قصيدته (التائية) الّتي أولها :
|
مدارس آيات
خلت من تلاوة
|
|
ومنزل وحي
مقفر العرصات
|
ومنها قوله :
|
قبور بكوفان
وأخرى بطيبة
|
|
وأخرى بفخ يا
لها صلوات
|
|
وأخرى بأرض
الجوزجان محلّها
|
|
وقبرا
بباخمرا لدى الغربات
|
وقيل لمّا دخل
أبو مسلم الخراساني إلى المدائن ، قال لعيسى بن موسى : أتدري ما مثلي ومثلك ، ومثل
عمّك؟ مثل ثلاثة نفر ، كانوا في سفر ، فشاهدوا عظاما بالية ، فقال أحدهم : عندي
من علم الطب : إذا رأيت عظاما متفرقة جمعتها. فقال الثاني : وأنا إذا رأيت عظاما
موصولة ، كسوتها لحما. وقال الثالث : وأنا إذا رأيت عظاما مكسوة لحما ، أحييتها.
فقام الأول
فجمع العظام ، وجاء الثاني فكساها لحما ، ثمّ جاء الثالث فأحياها فإذا هي : أسد.
فقال الأسد في
نفسه : (ما أحياني هؤلاء ، إلّا وهم على إماتتي لقادرين) فوثب عليهم فأكلهم.
فو الله يا
عيسى : إن عمّك ليقتلني ، وليقتلك أنت أيضا ، أو يخلعك عن
__________________
ولاية العهد .
ودخل أبو دلامة
الشاعر المعروف على الخليفة (المهدي) وكان عنده وجوه بني العبّاس فيهم : إسماعيل
بن محمّد ، وعيسى بن موسى ، والعبّاس بن محمّد ، ومحمّد بن إبراهيم الإمام ،
وجماعة آخرين من بني هاشم ، فقال له (المهدي) : والله لئن لم تهج واحدا ممّن في
البيت لأقطعن لسانك ، فأخذ أبو دلامة ينظر إلى الجالسين ، وهم ينظرون إليه بنظرة
لا تخلو من تحذير ، فلم ير بدّا من هجاء نفسه فقال :
|
ألا أبلغ
لديك أبا دلامة
|
|
فليس من
الكرام ولا كرامة
|
|
إذا لبس
العمامة كان قردا
|
|
وخنزيرا إذا
نزع العمامة
|
|
جمعت ذمامة
وجمعت لؤما
|
|
كذاك اللؤم
تتبعه الدمامة
|
|
فإن تك قد أصبت
نعيم دنيا
|
|
فلا تفرح فقد
دنت القيامة
|
فضحك الجميع.
وفي سنة (١٤٦)
للهجرة ، عزل عيسى بن موسى عن إمارة الكوفة وقيل سنة (١٤٧)
للهجرة ، عزله أبو جعفر المنصور ، وولّاه إمارة البصرة ، وولّى
مكانه على الكوفة محمّد بن سليمان .
فقال عيسى بن
موسى :
|
النفس تطمع
والأسباب عاجزة
|
|
والنفس تهلك
بين اليأس والطمع
|
وكان عيسى بن
موسى إذا حجّ ، يحج تلك السنة كثير من الناس من
__________________
أهل المدينة ، لأنّ عيسى بن موسى يتفقدهم ، ويعطيهم الأموال ، وجاء أبو
الشدائد الفزاري ذات يوم ، فأنشد شعرا وهو بالمصلّى فقال :
|
عصابة إذا
حجّ عيسى حجّوا
|
|
وإن أقام
بالعراق رجوا
|
|
قد لعقوا
لعيقة فلّجوا
|
|
فالقوم قوم
حجهم معوج
|
|
ما
هكذا كان يكون الحجّ
|
فقيل له :
لماذا تهجو حجّاج بيت الله الحرام؟ فقال :
|
إنّي وربّ الكعبة
المبنية
|
|
والله ما
هجوت من ذي نية
|
|
ولا امرئ ذي
رعة نقية
|
|
لكنني أرعى
على البرية
|
|
من عصبة
أغلوا على الرعية
|
|
بغير أخلاق
لهم سرية
|
وكان عبد الله
بن شبرمة ، ومحمّد بن عبد الله بن أبي ليلى ، يسمران كلّ ليلة عند عيسى بن موسى ، فإذا جاءا وقفا
على الباب حتّى يؤذن لهما ، وأحيانا يخرج اليهما (عياض) فيقول لهما : انصرفا. فقال ابن شبرمة ذات يوم عند ما
رجعا :
|
إذا نحن
أعتمنا وطال بنا الكرى
|
|
أتانا بإحدى
الراحتين عياض
|
ودخل الفقيه (سفيان
الثوري) ذات يوم على الخليفة (المهدي) فكلّمه بكلام فيه غلظه ، فقال له عيسى بن
موسى : أتكلّم أمير المؤمنين بمثل هذا الكلام؟ وما أنت إلّا رجل من ثور.
فقال له سفيان
: (إنّ من أطاع الله من ثور ، خير ممّن عصى الله من
__________________
قومك) .
وذهب محمّد بن
ذويب إلى عيسى بن موسى فمدحه قائلا :
|
ما كنت أدري
ما رخاء العيش
|
|
ولا لبست
الوشي بعد الخيش
|
|
حتى تمدحت
فتى قريش
|
|
عيسى ، وعيسى
عند وقت الهيشي
|
|
حين يخف غيره
للطيش
|
|
زين المقيمين
وعزّ الجيش
|
|
راش
جناحيّ وفوق الريش
|
فاستحسن شعره ،
ثمّ جعله من جلسائه.
وكانت لعيسى بن
موسى بستانا ، إلى جانب بستان أبي عيينه في البصرة ، وكان إلى جانب بستان عيسى
سماد كثير ، فطلب منه ابن عيينه أن يعطيه بعضا من ذلك السماد ، فلم يعطه عيسى ،
فقال ابن عيينه :
|
رأيت الناس
همهم المعالي
|
|
وعيسى همه
جمع السماد
|
|
إذا رزق
العباد فإن عيسى
|
|
له رزق من
أستاه العباد
|
وكتب أبو دلامة
إلى عيسى بن موسى (أمير الكوفة) هذه الأبيات :
|
إذا جئت
الأمير فقل سلام
|
|
عليك رحمة
الله الرحيم
|
|
فأما بعد ذاك
فلي غريم
|
|
من الأنصار
قبّح من غريم
|
|
لزوم ما علمت
لباب داري
|
|
لزوم الكلب
أصحاب الرقيم
|
|
له مائة عليّ
ونصف أخرى
|
|
ونصف النصف
في صك قديم
|
|
دراهم ما
انتفعت بها ولكن
|
|
وصلت شيوخ
بني تميم
|
__________________
|
أتوني
بالعشيرة يسألوني
|
|
ولم أك في
العشيرة باللئيم
|
فبعث إليه
بمائة ألف درهم ، وقيل بمائتي درهم ، وقيل بمائتي وخمسة وسبعين درهما.
مات عيسى بن
موسى بالكوفة سنة (١٦٦) للهجرة ، وقيل سنة (١٦٧) للهجرة ، وقد شهد على وفاته :
قاضي الكوفة ، ووجوه أهل الكوفة ، وبحضور روح بن حاتم (أمير الكوفة آنذاك) ثمّ دفن
بالكوفة ، وكان عمره (٦٥) سنة .
٤ ـ طلحة ابن إسحاق :
هو : طلحة بن
إسحاق بن محمّد بن الأشعث. استخلفه عيسى بن موسى على إمارة الكوفة سنة (١٣٧) للهجرة ، وذلك حينما ذهب عيسى إلى الأنبار ، ليتولّى (نيابة الخلافة) عن أبي جعفر المنصور الّذي
ذهب إلى مكّة لأداء فريضة الحجّ في هذه السنة ، حيث أنّ عيسى بن موسى كان ولي عهد
المنصور.
٥ ـ أبو جعفر المنصور
:
هو : عبد الله
بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس بن عبد المطلب ، وكنيته : أبو جعفر
المنصور.
__________________
ولد المنصور
بالحميمة في السابع من شهر ذي الحجّة من سنة (٩٥) للهجرة ، وبويع بالخلافة في اليوم الّذي مات فيه أخوه أبو
العبّاس السفّاح ، وذلك في اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجّة من سنة (١٣٦) للهجرة. وقد بويع السفّاح قبل المنصور مع أنّ المنصور
كان أكبر سنا من السفّاح ، وذلك لأنّ أمّ السفّاح كانت عربية ، وأمّ المنصور كانت غير عربية ، (وكان الأمويون لا يعيّنون خليفة من كانت أمّه غير
عربية).
وكان المنصور
أعظم خليفة في آل بني العبّاس ، شدة وثباتا ويقظة وبأسا ، فقد قال فيه يزيد بن عمر
بن هبيرة : (ما رأيت رجلا قط في حرب ، ولا سمعت به في سلم ، أنكر ولا أمكر ، ولا
أشدّ تيقظا من المنصور ، لقد حاصرني تسعة أشهر ومعي فرسان العرب ، فجهدنا كلّ
الجهد ، أن ننال من عسكره شيئا فما تهيّأ ، ولقد حاصرني ، وما في رأسي شعرة بيضاء
، فخرجت إليه وما في رأسي شعرة سوداء) .
وكان المنصور
شديد الحرص على موارد الدولة ، بحيث كان يحاسب (عماله) على الدينق (الدانق) الواحد ، حتّى امتلأت خزائنه بالأموال وفاضت ، بحيث لم
يفكر بجمعها من جاء بعده .
وفي سنة (١٤٥)
للهجرة بنى مدينة بغداد (ليكون بعيدا عن الكوفة)
__________________
وشيّد له قصرا على نهر دجلة سماّه (قصر الخلد) وقد بنى جانب الكرخ قبل جانب
الرصافة ، وقال إبراهيم بن محمّد يصف الكرخ :
|
سقى أربع
الكرخ الغوادي بديمة
|
|
وكلّ حلف
دائم الهطل مسبل
|
|
منازل فيها
كلّ حسن وبهجة
|
|
وتلك لها فضل
على كلّ منزل
|
وفي سنة (١٥١)
للهجرة ، بنى المنصور جانب الرصافة لابنه (المهدي) وبنى له سورا وميدانا وبستانا ،
وحفر حوله خندقا .
وفي سنة (١٥٥)
للهجرة ، حفر المنصور خندقا حول مدينة الكوفة ، وبنى سورا لها ، ولمّا أراد معرفة
عدد أهالي الكوفة ، أعطى لكل شخص خمسة دراهم ، وبعد أن عرف عددهم ، أخذ من كلّ
واحد منهم أربعين درهما ، فقال شاعرهم :
|
يا لقومي ما
لقينا
|
|
من أمير
المؤمنينا
|
|
قسّم الخمسة
فينا
|
|
وجبانا
الأربعينا
|
وكان المنصور
لا يعير أهميّة لوزرائه ، إذ سرعان ما يغضب عليهم فيعزلهم ، ويعذّبهم ، ويصادر
أموالهم ، وهذا أبو أيّوب سليمان بن أبي سليمان المورياني ، الخوزي (أحد وزراءه)
غضب عليه سنة (١٥٣) للهجرة فعذبه ، وصادر أمواله ، وحبس أخاه ، وبني أخيه (سعيد
ومسعود ومخلد ومحمّد) ، فقال أحد شعراء ذلك العصر :
|
لقد وجدنا
الملوك تحسد من
|
|
تعطيه طوعا
أزمة التدبير
|
|
فإذا ما رأوا
له النهي
|
|
والأمر أتوه
من بأسهم بنكير
|
__________________
|
شرب الكأس
بعد حفص سليمان
|
|
ودارت عليه
كفّ المدير
|
|
ونجا خالد بن
برمك منها
|
|
إذ دعوه من
بعدها بالأمير
|
|
أسوء
العالمين حالا لديهم
|
|
من تسمّى
بكاتب أو وزير
|
وممّا قيل في
الوزارة (أيضا) في العصر العباسي ، فقد قال أبو ميمون الأنباري ، يهجو الوزير عليّ
بن عيسى :
|
قد أقبل
الشؤم من الشام
|
|
يركض في عسكر
إبرام
|
|
مستعجلا يسعى
إلى حتفه
|
|
مدته تقصر عن
عام
|
|
يا وزراء الملك
لا تفرحوا
|
|
أيامكم أقصر
أيّام
|
وقال ابن بسطام
يهجو ابن الفرات :
|
يا ابن
الفرات تعزّى
|
|
قد صار أمرك
آية
|
|
لما عزلت
حصلنا
|
|
على وزير
بداية
|
وكان أبو جعفر
المنصور لا يعطي الشعراء مثلما كان يعطيهم قبله من الخلفاء والأمراء ، ونوادره بهذا الخصوص كثيرة ، نذكر منها هذه النادرة :
فقد ذهب الشاعر الكوفي (المؤمل بن أميل) إلى خراسان ومدح (المهدي) في حياة أبيه
بقصيدة نقتطف منها :
|
لئن فتّ
الملوك وقد توافوا
|
|
إليك من
السهولة والوعور
|
|
لقد فات
الملوك أبوك حتّى
|
|
بقوا من بين
كاب أو
حسير
|
|
وجئت وراءه
تجري حثيثا
|
|
وما بك حيث
تجري من فتور
|
__________________
فأعطاه المهدي عشرين ألف درهم ، ولمّا سمع المنصور بذلك ، كتب إلى ابنه (المهدي)
يؤنّبه ويقول له : كان عليك أن تأمر للشاعر بأربعة آلاف درهم ، بعد أن يبقى على
بابك سنة كاملة.
ثمّ أمر
المنصور بإحضار (المؤمل) إلى بغداد ، ولمّا أدخل عليه قال له المنصور : (رأيت
غلاما غرا فخدعته) أنشدني ما ذا قلت له؟ فقرأ (المؤمل) القصيدة بكاملها ، وكان
مطلعها :
|
هو المهدي
إلّا أنّ فيه
|
|
مشابه صورة
القمر المنير
|
فقال المنصور :
أحسنت ، ولكن قصيدتك لا تساوي عشرين ألف درهم ، فاسترجع منه المال وأعطاه أربعة
آلاف درهم فقط ، ولمّا مات المنصور ، وجاء بعده ابنه المهدي ، ذهب (المؤمل) إليه
وذكّره بالقصة ، فضحك المهدي وأمر له برد المبلغ .
وخطب أبو
العبّاس السفّاح ذات يوم فتلعثم في كلامه ، فاعتذر وقال : (أيّها الناس ، إنّما
اللسان بضعة من الإنسان ، يكلّ إذا كلّ ، وينفسح بانفساحه إذا انفسح ، ونحن أمراء
الكلام ، منّا تفرّعت فروعه ، وعلينا تهدّلت غصونه ، إلّا وإنّا لا نتكلّم هذرا ،
ولا نسكت إلّا معتبرين) ، ولمّا سمع المنصور بذلك قال : (لله هو ، لو خطب بمثل
ما اعتذر ، لكان من أخطب الناس).
وجيء إلى
المنصور ذات يوم بأحد كبار بني أميّة ، فقال له المنصور : إنّي أسألك عن أشياء
فأصدقني ولك الأمان).
فقال المنصور :
كيف جاء بنو أميّة إلى الحكم ، وكيف انتهى أمرهم؟
قال الأموي :
من تضييع الأخبار. فقال المنصور : فأيّ الأموال وجدوا أنفع؟
قال الأموي :
الجوهر. فقال المنصور : وعند من وجدوا الوفاء؟ قال الأموي :
__________________
عند مواليهم ، فقال المنصور : ما كان أحوجني إلى أن يكون على بابي أربعة
أشخاص ، لا يوجد أعفّ منهم قط. فقيل له : من هم يا أمير المؤمنين؟
قال : هم أركان
الملك ، ولا يصلح الملك إلّا بهم ، كما أنّ السرير لا يصلح إلّا بأربعة قوائم ، إن
نقصت واحدة تداعى ،
١ ـ قاض : لا
تأخذه في الله لومة لائم.
٢ ـ صاحب شرطة : ينصف الضعيف من القوي.
٣ ـ صاحب خراج : يستقصي ولا يظلم الرعية ، فإني عن ظلمها غني.
٤ ـ ثمّ عضّ
أصبعه ثلاث مرات ، يقول في كلّ مرّة (آه). فقيل له : ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال
: (صاحب بريد ، يكتب بخبر هؤلاء على الصحة).
وكان للمنصور
ثلاثة منافسين يحاذر منهم ، ويحسب لهم ألف حساب ، وهم :
١. عمّه : عبد
الله بن عليّ ، وكان هذا يدّبر أمر الجيوش في خراسان ، وأهل الشام والجزيرة ،
والموصل ، والحقيقة أن عبد الله هذا هو الّذي يلقب (بالسفاح) وليس أبو العبّاس
السفّاح ، وذلك لأنّ النفوس الّتي قتلها أكثر بكثير مما قتل السفّاح ، ثمّ حبسه
المنصور ، وبعد ذلك قتله.
٢. أبو مسلم
الخراساني : وهو مؤسس الدولة العباسيّة ، وداعيتها الأول في خراسان ، وقائدها
المحنّك ، قتله المنصور أيضا ، وقال المنصور لمّا
__________________
قتله :
|
زعمت أنّ
الليل لا ينقضي
|
|
فاستوف
بالليل أبا مجرم
|
|
إشرب بكأس
كنت تسقى منها
|
|
أمر في الحلق
من العلقم
|
٣. بنو عمّه (آل
أبي طالب) الّذين لا تزال (وسوف تبقى) لهم المحبة في قلوب الناس ، والمكانة
الجيّدة ، وخاصة محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب ،
الملقب (النفس الزكيّة) وأخوه إبراهيم إضافة إلى أنّ أبا جعفر المنصور سبق له
وبايع النفس الزكيّة بالخلافة في مكّة والمدينة .
وقد طلب أبو
جعفر المنصور من محمّد بن خالد بن عبد الله القسري ، أن يلقي القبض على محمّد
وإبراهيم ، وأن يأتيه بهما مكتوفين أو يقتلهما ، إلّا أنّ محمّد بن خالد لم ينفذ
ذلك ، فعزله المنصور عن المدينة .
ولمّا ثار (النفس
الزكيّة) بالمدينة في الأول من شهر رجب من سنة (١٤٥) للهجرة ، كان المنصور منشغلا ببناء مدينة بغداد ، فذهب إلى
الكوفة ، ليرعى أحوالها بنفسه ، لأنّ أهل الكوفة هم شيعة لآل عليّ ، ويخاف منهم أن
يذهبوا لمساعدة النفس الزكيّة ، فأقفل أبوابها حتّى لا يخرج منها أحد ولا يدخلها
أحد .
وقيل إنّ المنصور
قال لأخوته : اذهبوا إلى عمي عبد الله وقولوا له : إنّ ابن عبد الله قد ثار بالمدينة ، فما هو
رأيك؟ فقال لهم عبد الله : (إن البخل
__________________
قد قتل المنصور ، فقولوا له : فليخرج الأموال ، وليعط الأجناد ، فإن غلب ،
فسوف تعود أمواله ، وإن غلب فلن يحصل محمّد على شيء) .
ثمّ قال
المنصور لعيسى بن موسى : علينا أن نحارب محمّدا ، فإنّه لا يريد غيري وغيرك ، فإمّا أن تذهب أنت ، أو أذهب أنا.
فقال له عيسى :
بل أفديك بنفسي يا مولاي ، فأخذ المنصور يوصي عيسى ويكثر من توصيته. فقال عيسى :
يا مولاي ، إلى كم توصيني؟
|
إنّي أنا
السيف الحسام الهندي
|
|
أكلت جفني
وخرجت غمدي
|
|
فكل
ما تطلبه عندي
|
ولمّا ذهب عيسى
بن موسى إلى محاربة (النفس الزكيّة) ، قال المنصور : (لا أبالي أيهما قتل) .
وعند ما وصل
عيسى بن موسى إلى المدينة ، تفرق عن النفس الزكيّة أكثر أصحابه ، إلّا أنّه ثبت
وحارب ، ورغم قلّة من بقي معه ، فدارت بينهما معركة أسفرت عن قتل النفس الزكيّة ،
وذلك في الرابع من شهر رمضان من سنة (١٤٥) للهجرة ، ثمّ بعث عيسى بن موسى ببشارة النصر إلى المنصور
بالكوفة ، مع رأس النفس الزكيّة ، ثمّ صودرت جميع أموال آل الحسن ، ثمّ أمر
المنصور بإرسال الرأس إلى كافة الأقاليم الخاضعة له ، والتشهير بالنفس الزكيّة .
وكان النفس
الزكيّة قد ذهب إلى الحجّ مع أخيه إبراهيم (متنكّرين)
__________________
في السنة الّتي حجّ فيها أبو جعفر المنصور ، وهي سنة (١٤٤) للهجرة ،
فاجتمعوا بمكّة ، فأرادوا اغتيال المنصور.
فقال لهم عبد
الله بن محمّد بن عبد الله الأشتر : (أنا أكفيكم أمره).
فقال النفس
الزكيّة : (لا والله لا أقتله غيلة أبدا حتّى أدعوه). فلما سمعوا كلامه ، تفرّقوا
عنه ، ولم ينفذوا ما اتفقوا عليه ، وكان من بين المجتمعين أحد قادة المنصور من أهل
خراسان .
وقد ثار
إبراهيم بن عبد الله (أخو النفس الزكيّة) في البصرة ، فاستولى عليها ، واستولى على
الأهواز وواسط ، فكتب المنصور إلى عيسى بن موسى في (المدينة) يأمره بالعودة حالا ،
والذهاب إلى البصرة لمحاربة إبراهيم.
فذهب عيسى إلى
إبراهيم ، فتلاقيا في (باخمرى) فقتل إبراهيم في معركة غير متكافئة في العدد
والعدّة ، وذلك في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة من سنة (١٤٥) ، وأرسل رأسه إلى أبي جعفر المنصور في الكوفة فقال
المنصور :
|
فألقت عصاها
واستقرّ بها النوى
|
|
كما قرّ عينا
بالإياب المسافر
|
ثمّ عاد أبو
جعفر المنصور إلى بغداد بعد ثلاثة أشهر من قتل إبراهيم.
وقال غالب بن
عثمان الهمداني في رثاء النفس الزكيّة وأخيه إبراهيم :
|
كيف بعد
المهدي أو
بعد إبرا
|
|
هيم نومي على
الفراش الوفير
|
|
وهم الذائدون
عن حرم الإسلام
|
|
والجابرون
عظم الكسير
|
__________________
|
حاكموهم لمّا
تولّوا إلى الله
|
|
لمصقولة
الشفار الذكور
|
وقال أيضا :
|
ليتني قبل
وقعة باخمرى
|
|
توفّيت عدتي
من شهور
|
|
وليالي من
سني البواقي
|
|
وتكلّمت عدّة
التعمير
|
وكان أبو جعفر
المنصور ، قد حبس عبد الله بن الحسن وأولاده وأخوته وبنيه بالمدينة ، وذلك لأنّهم
لم يخبروه عن مكان اختفاء النفس الزكيّة وأخيه إبراهيم ، اللّذين لم يبايعاه
بالخلافة ، وفي سنة (١٤٤) للهجرة أمر المنصور بنقل عبد الله من سجنه بالمدينة إلى
العراق ، ولمّا وصلوا إلى النجف قال عبد الله لأخوته : (أما ترون في هذه القرية من
يمنعنا من هذا الطاغية) ؟
ثمّ ذهب
المنصور إلى (الحيرة) وأمر بحبس عبد الله وأصحابه في قصر ابن هبيرة وفي هذا السجن لاقى عبد الله ومن معه أنواع العذاب ،
حيث كان السجن (المطبق) تحت الأرض ، وكان مظلما بحيث لا يعرفون الليل من النهار ،
ثمّ في سنة (١٤٥) للهجرة ، وبعد ثورة النفس الزكيّة أمر المنصور بقتل عبد الله
وجميع أصحابه ، وقيل هدم السجن عليهم .
والحقيقة إنّ
بني أميّة لم يقتلوا أحدا من آل عليّ عليهالسلام بالشكل الّذي قتل وعذب به بنو الحسن في عهد بني عمّهم
من آل العبّاس (باستثناء مقتل الإمام الحسين عليهالسلام.
وقد رثاهم
شعراء كثيرون ، لكن رثاء دعبل بن عليّ الخزاعي في
__________________
قصيدته (التائية) كان خير ما قيل في رثائهم ، نقتطف منها الأبيات التالية :
|
ديار عليّ
والحسين وجعفر
|
|
ومنزل وحي
مقفر العرصات
|
|
ديار لعبد
الله والفضل تلوه
|
|
نجي رسول
الله في الخلوات
|
|
ديار عفاها
جور كلّ منابذ
|
|
ولم تعف
بالأيّام والسنوات
|
|
قبور بكوفان
وأخرى بطيبة
|
|
وأخرى بفخ يا
لها صلوات
|
|
وقبر بأرض
الجوزجان محله
|
|
وقبر بباخمرى
لدى الغربات
|
|
وقبر ببغداد
لنفس زكيّة
|
|
تضمنها
الرحمن في العرصات
|
|
وقبر بطوس يا
لها من مصيبة
|
|
تردد بين
الصدر والحجبات
|
|
نفوس لدى
النهرين من بطن كربلا
|
|
معرّسهم منها
بشط فرات
|
|
خلا أنّ منهم
بالمدينة عصبة
|
|
مدى الدهر
انضياء من الأزمات
|
|
أفاطم قومي
يا ابنة الخير واندبي
|
|
نجوم سموات
بأرض فلات
|
إلى آخر
القصيدة ، وعدد أبياتها (٦١) بيتا.
وفي سنة (١٥٨)
للهجرة مات أبو جعفر المنصور ، وقيل ذهب المنصور في هذه السنة إلى مكّة وعند وصوله
إلى الكوفة مرض ، ولمّا وصل إلى بئر ميمون ازداد به المرض فمات ليلة السبت في
السادس من شهر ذي الحجّة من هذه السنة ، فصلّى عليه عيسى بن موسى ، وقيل صلّى عليه إبراهيم ابن يحيى بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس ، ودفن
في (ثنية المصلاة).
وكانت مدّة
خلافته (٢٢) سنة إلّا ستة أيّام ، وعمره (٦٣) سنة ، وقيل
__________________
مات يوم الأحد من الشهر المذكور .
وقيل إنّ أبا
جعفر المنصور ، لمّا وصل إلى بئر ميمون رآى مكتوب على حائط الدار الّذي نزل فيه :
|
أبا جعفر
حانت وفاتك وانقضت
|
|
سنوك ، وأمر
الله لا شك واقع
|
|
أبا جعفر هل
كاهن أو منجم
|
|
لك اليوم من
حرّ المنيّة مانع
|
٦ ـ محمّد بن سليمان :
هو : محمّد بن
سليمان بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب وكنيته أبو عبد الله. ولّاه
أبو جعفر المنصور ، إمارة الكوفة سنة (١٤٧) للهجرة ، وذلك بعد عزل عيسى بن موسى عنها ، وقيل سنة (١٤٦)
للهجرة.
ثمّ عزله أبو
جعفر المنصور عن إمارة الكوفة سنة (١٥٥) للهجرة ، وعيّن مكانه عمرو بن زهير الضبي ، ثمّ أعاده المهدي
إلى إمارة الكوفة سنة (١٦٧) للهجرة.
ومحمّد بن
سليمان هذا ، كان زعيم أهله ، جليل القدر عندهم ، فقد تولى إمارة البصرة في خلافة (المهدي)
ثمّ ذهب إلى بغداد عند ما آلت الخلافة إلى هارون الرشيد ، فأكرمه الرشيد ، وعمل له
ما لم يعمل لأحد ، إذ أضاف إليه كور دجلة ، والبحرين واليمامة وكور الأهواز ، وكور
فارس ، إضافة إلى إمارة
__________________
البصرة . وقد تاقت نفس محمّد بن سليمان إلى الخلافة ، إلّا أنّ
قوّة وحنكة المهدي والرشيد حالتا دون الجهر بها .
وقد أعطى أبو
جعفر المنصور لمحمد بن سليمان عشرين ألف درهم ، وأعطى لأخيه جعفر بن سليمان عشرة
آلاف درهم. فقال جعفر : يا أمير المؤمنين ، أتفضله عليّ ، وأنا أكبر منه؟! فقال له
المنصور : إنّ منزلنا مليء بهدايا محمّد ، ولا نلتفت إلى ناحية من نواحيه ، إلّا
وجدنا بقية من هداياه ، وأنت لم تفعل من هذا شيئا) .
ولقد أثرى
محمّد بن سليمان ثراءا فاحشا ، عند ما كان أميرا على البصرة ، وعلى الأماكن الّتي
ذكرناها ، حتّى قيل : إن وارداته في اليوم الواحد مائة ألف درهم .
وبنى له قصرا
في البصرة ، لم يكن له مثيل آنذاك ، ودخل عليه عبد الصمد بن شبيب بن شبه ، فقال له
محمّد بن سليمان : ما رأيك في قصري؟
قال عبد الصمد
: (بنيت أجلّ بناء ، بأطيب فناء ، واوسع فضاء ، وأرقّ هواء ، على أحسن ماء ، بين
حواري وحسان وضباء) .
فقال له محمّد
: بناء كلامك أحسن من بناء قصري وقال ابن أبي عينيه (العيناء) يصف ذلك القصر :
__________________
|
زر وادي
القصر نعم القصر والوادي
|
|
لا بدّ من
زورة من غير ميعاد
|
|
زره فليس له
شبه يقاربه
|
|
من منزل حاضر
إن شئت أو باد
|
|
ترقى قراريه
والعيس واقفة
|
|
والضب والنون
والملاح والحادي
|
ودخل الشاعر
محمّد بن ذويب العماني على محمّد بن سليمان ، وقد تغدّى معه ، فكان أوّل ما قدّم
اليهم من الطعام (فرنية) ليس عليها سكر ، ثمّ تتابع الطعام ، فقال محمّد بن
سليمان للشاعر العماني : صف لنا كلّ ما أكلته شعرا فقال :
|
جاءوا بفرني
لهم ملبون
|
|
بات يسقى
خالص السمّون
|
|
مصومع أكوم
ذي غصون
|
|
قد حشت
بالسكر المطحون
|
|
ولوّنوا ما
شئت من تلوين
|
|
من بارد
الطعام والسخين
|
|
ومن شراسيف ومن طردين
|
|
ومن هلام ومصوص جون
|
|
ومن أوز فائق
سمين
|
|
ومن دجاج قت
بالعجين
|
|
فالشحم في
الظهور والبطون
|
|
وأتبعوا ذلك
بالجوزين
|
|
وبالخبيص
الرطب واللوزين
|
|
وفكهوا بعنب
وتين
|
|
والرطب
الأزاذ والهيرون
|
|
محمّد يا سيد
النبيين
|
|
وابن عمّ
المصطفى الأمين
|
|
الصادق
المبارك الميمون
|
__________________
|
وابن ولاة
البيت والحجون
|
|
اسمع لنعت
غير ذي تفنين
|
|
يخرج من فن
إلى فنون
|
|
إن الحديث
فيك ذو شجون
|
وخرج محمّد بن
سليمان من قصره (في البصرة) في عشية من عشايا الصيف ، وكان الحرّ شديدا ، فقال :
رشّوا هذا المكان ، فخرج من قصره خمسمائة عبد ، ومعهم خمسمائة قربة مملوءة بالماء
، فرشّوا الشارع ، حتّى أصبح كالبحيرة .
وقيل إنّه كان
يدعو في السحر ويقول : (اللهم أوسع عليّ ، فإنّه لا يسعني إلّا الكثير) .
وقيل إنّه قال
ذات يوم : (أشتهي والله ، أن يصفو لي يوم ، لا يعارض سروري فيه هم) . فقال له أخوه جعفر : (لا تمتحن هذا ، فقلّ من امتحنه
إلّا أمتحن فيه).
وجلس محمّد بن
سليمان في قصره مرّة ، وأحضر جميع من يحبّه ، ويأنس به ، فبينما هو على أهدأ بال ،
وأسرّ حال ، إذا سمع صراخا ، فسأل عنه ، فلم يخبروه بالحقيقة ، ثمّ ألحّ عن معرفة
سبب الصراخ ، فأخبروه بأنّ ابنته سقطت من الدرج فماتت. وكانت ابنته هذه هي الوحيدة
عنده ، إذ ليس له أولاد غيرها ، وبذلك انقطع نسله ، فكان محمّد بن سليمان يردد
هذين البيتين دوما :
|
تفردت
بالكمال وبالعزّ والجلال
|
|
وملك بلا
نفاذ نراه ولا زوال
|
__________________
وخرج محمّد بن
سليمان راكبا بغلته ، ومعه سوّار القاضي ، فاعترضهما مجنون كان بالبصرة يعرف (برأس
النعجة) فقال يا محمّد : أمن العدل والإنصاف أن تكون وارداتك في اليوم مائة ألف
درهم؟ وأنا أطلب نصف درهم فلا أحصل عليه؟! فأعطاه مائة درهم.
ولمّا أراد
محمّد بن سليمان الذهاب ، وقف (رأس النعجة) أمام بغلته وقال (لقد كرّم الله منصبك
، وشرّف أبوتك ، وحسّن وجهك ، وعظّم قدرك ، وأرجو أن يكون ذلك لخير يريده الله بك
، ولئن يجمع الله لك الدارين) .
فدنا منه سوّار
وقال له : يا خبيث ، لم لم تقل هكذا في البداية؟ فقال له رأس النعجة : (سألتك
بالله ، وبحق الأمير عليك ، إلّا ما أخبرتني : في أي سورة هذه الآية : (فإن أعطوا
منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) قال سوار : في سورة براءة. فقال
المجنون : صدقت ، فبرئ الله ورسوله منك. فضحك محمّد بن سليمان ، وكاد أن يسقط عن
دابته.
وكان محمّد بن
سليمان يخطب في المسجد كلّ يوم جمعة ، ويعيد خطبته تلك في كلّ جمعة (حيث لا خطبة
غيرها) حتّى حفظها الناس وهي : (الحمد لله ، أحمده وأستعينه ، وأستغفره ، وأؤمن به
، وأتوكل عليه ، وأشهد أن لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا
عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحقّ ، ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون .
من اعتصم بالله
ورسوله ، فقد اعتصم بالعروة الوثقى ، وسعد في الآخرة والأولى ، ومن لم يعتصم بالله
ورسوله ، فقد ضلّ ضلالا بعيدا ، وخسر خسرانا مبينا ، أسأل الله أن يجعلنا وإيّاكم
ممّن يطيعه ، ويطيع رسوله ، ويتّبع رضوانه ويجتنب سخطه. أوصيكم عباد الله ، بتقوى
الله ، وأحثكم على
__________________
طاعته ، وأرض لكم ما عند الله ، فاتقوا الله أفضل ما تحاثّ عليه الصالحون ،
وتداعوا إليه ، وتواصوا به ، واتقوا الله ما استطعتم ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون)
.
وقال بشار بن
برد لمحمد بن سليمان ، وكان جالسا في مجلسه : ركبت حماري فسقط في الطريق ميتا ،
ولم أعرف سبب موته ، حتّى رأيته البارحة في المنام فسألته فقال :
|
سيدي خذ بي
أتانا
|
|
عند باب
الأصبهاني
|
|
سحرتني
برقاها
|
|
وثناياها
الحسان
|
|
وجيد
الشيفران
|
|
وبخدين
أسيلين
|
|
ولها أذن
ذراع
|
|
بذراع
الشاهمان
|
|
فبها متّ ولو
عشت
|
|
طال هواني
|
فضحك محمّد بن
سليمان ، وقال له : وما هما الشيفران يا أبا معاذ؟ فقال بشار : ومن يعرف غريب
الحمار؟ فأمر له بحمار.
وقد ذكر صاحب
الأغاني هذه القصة بالشكل الآتي :
جاء بشار بن
برد يوما مغتّما ، فقيل له : ما بالك مغتّما؟ فقال : مات حماري ، فرأيته في منامي
، فقلت له : لم متّ؟ ألم أكن إليك محسنا؟ فقال :
|
سيدي خذ بي
أتانا
|
|
عند باب
الأصبهاني
|
|
يتمتني ببنان
|
|
وبدلّ قد
شجاني
|
|
يتمتني يوم
رحنا
|
|
بثناياها
الحسان
|
|
وبغنج ودلال
|
|
سلّ جسمي
وبراني
|
__________________
|
ولها خد أسيل
|
|
مثل خد
الشيفران
|
|
فلذا متّ ولو
عش
|
|
ت إذا طال
هواني
|
فقال له أحدهم
: وما هما الشيفران؟ فقال بشار : وما يدريني ، هذا من غريب الحمار ، فإذا لقيته
فأسأله.
وكان هارون
الرشيد ، قد زوج محمّد بن سليمان من أخته العباسة سنة (١٧٢) للهجرة. وكان فارق السن بينهما كبيرا ، ثمّ
مات عنها سنة (١٧٣) للهجرة.
وكان محمّد بن
سليمان ، قد أرسل أبا العرجاء ليتجسس على الحسين ابن عليّ (صاحب فخ) ولمّا رجع أبو العرجاء أخبره قائلا : (فما رأيت إلّا
__________________
مصلّيا ، أو مبتهلا ، أو ناظرا في مصحف ، أو معدّا للسلاح) . ثمّ قال : وما أظن القوم إلّا منتصرين.
فبكى محمّد بن
سليمان وقال : (هم والله ، أكرم خلق الله ، وأحقّ بما في أيدينا منا ، ولكنّ الملك
عقيم ، ولو أنّ صاحب هذا القبر نازعنا الملك لضربنا خيشومه بالسيف).
وعزل محمّد بن
سليمان عن إمارة الكوفة سنة (١٥٥) للهجرة ، عزله أبو جعفر المنصور (كما ذكر سابقا)
وكان سبب عزله ، أنه قتل عبد الكريم ابن أبي العوجاء ، ثمّ صلبه بالكناسة وقيل عزله لأسباب
أخرى ، قد بلغت عنه إلى المنصور.
مات محمّد بن
سليمان بالبصرة سنة (١٧٣) للهجرة ، وعمره (٥١) سنة. وقيل إنّه قال عند موته : (يا
ليت أمّي لم تلدني ، ويا ليتني كنت حمّالا) . وقال أيضا :
|
ألا ليت أمّي
لم تلدني ولم أكن
|
|
شهدت حسينا
يوم فخ ولا الحسن
|
__________________
وبعد ما مات
محمّد بن سليمان ، أمر هارون الرشيد بمصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة ،
وكانت عظيمة جدا ، وكانت المبالغ الّتي وجدوها في خزائنه ستون ألف ألف درهم.
٧ ـ عمرو بن زهير
الضبيّ :
هو : عمرو بن
زهير بن جميل بن حسّان الأعرج بن ربيعة بن مسعود ابن منقذ بن كوز بن كعب بن بجاله
بن هل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبّة .
ولّاه أبو جعفر
المنصور إمارة الكوفة سنة (١٥٥) للهجرة وذلك بعد عزل محمّد بن سليمان عنها ، وبقي أميرا
على الكوفة إلى أن مات أبو جعفر المنصور ، ولمّا جاء (المهدي) إلى الخلافة عزله ،
وولّى مكانه عيسى بن لقمان ابن حاطب الجمحي في سنة (١٥٨) للهجرة.
وعمرو بن زهير
الضبي هذا هو : أخو المسيب بن زهير الضبي ، الّذي كان رئيسا لشرطة أبي جعفر
المنصور ، وكان المسيب قد تسبب في قتل إبان ابن بشير الكاتب حيث ضربه بالسياط حتّى
مات ، وكان إبان هذا شريك عمرو بن زهير في ولاية الكوفة وخراجها ، مما جعل المنصور
يعزل المسيب ، ويأمر بحبسه ، ثمّ توسّط (المهدي) عند أبيه (المنصور) بشأن المسيب ،
فعفا عنه بعد أن حبسه عدّة أيّام ، ثمّ أعاده إلى الشرطة ، وقد تولى المسيب رئاسة
شرطة بغداد في خلافة المنصور والمهدي والرشيد وولي إمارة خراسان في
__________________
خلافة المهدي . وكان عمرو بن زهير الضبي أميرا على الكوفة للسنوات : (١٥٥
، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٥٨).
٨ ـ إسماعيل بن أبي
إسماعيل الثقفي :
وفي سنة (١٥٨)
للهجرة ، وهي السنة الّتي مات فيها أبو جعفر المنصور ، كان الأمير على الكوفة
إسماعيل بن أبي إسماعيل الثقفي ، وقيل عمرو بن زهير الضبي (أخو المسيب بن زهير) . وفي سنة (١٥٩) للهجرة ، عزل إسماعيل بن أبي إسماعيل عن
الكوفة وأحداثها ، عزله الخليفة (المهدي) وولّى مكانه إسحاق بن الصباح الكندي .
وذكر ابن خلدون
في تاريخه ، بأنّ إسماعيل بن أبي إسماعيل قد ولّاه الخليفة (المهدي) إمارة الكوفة
سنة (١٥٩) للهجرة ، ثمّ عزله في نفس السنة ، وولّى مكانه إسحاق بن الصباح الكندي . وذكر صاحب وفيات الأعيان : بأنّ الخليفة المهدي عزله
عن إمارة الكوفة سنة (١٦٠) للهجرة ، وجعل مكانه عثمان بن لقمان الجمحي ، وقيل غيره
.
٩ ـ أشعث بن عبد
الرحمن الأشعثي :
ولّاه الخليفة
المهدي إمارة الكوفة سنة (١٥٩) للهجرة ، وذلك بعد
__________________
عزل إسماعيل بن أبي إسماعيل الثقفي عنها بمشورة من شريك بن عبد الله (قاضي
الكوفة) ، وقيل إنّ الّذي ولي الإمارة بعد إسماعيل هو إسحاق بن الصباح الكندي ،
وقيل إنّ الّذي ولّاه المهدي على إمارة الكوفة هو عيسى بن لقمان . ثمّ ثار أشعث بن عبد الرحمن الأشعثي بالكوفة في الليلة
الّتي هرب بها أبو السرايا من الكوفة (في أواخر سنة ١٩٩ للهجرة). ثمّ دعا هرثمة بن
أعين لدخول الكوفة ، فدخلها هرثمة ومعه المنصور بن المهدي في بداية سنة (٢٠٠) للهجرة.
١٠ ـ إسماعيل بن عليّ
:
هو : إسماعيل
بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف وهو عم السفّاح
والمنصور ، وكنيته : أبو الحسن. وكان إسماعيل في (الحميمة) وخرج مع السفّاح
والمنصور حين خرجوا لطلب الخلافة وذهبوا إلى الكوفة .
ولّاه الخليفة (المهدي)
إمارة الكوفة سنة (١٥٩) للهجرة ، ثمّ عزله في نفس السنة ، وولى مكانه إسحاق بن
الصباح الكندي . وقد ولّاه أبو العبّاس السفّاح إمارة فارس سنة (١٣٢) للهجرة ، وكذلك سنة (١٣٣) للهجرة ثمّ ولي إمارة الحجّ سنة (١٣٧) للهجرة في خلافة أبي جعفر
__________________
المنصور ، وكذلك حجّ بالناس سنة (١٤٢) للهجرة.
وكان أبو جعفر
المنصور يحترم عمّه إسماعيل ويقدّره كثيرا ، ولمّا جاء إسماعيل من واسط إلى بغداد أنزله المنصور
في قصره ثمّ تحدّث معه في جعل ولاية العهد لابنة (المهدي) وخلع عيسى بن موسى على
أن تكون ولاية العهد لعيسى بعد المهدي ، فوافق إسماعيل على ذلك وبايعه.
ثمّ إنّ أبا
جعفر المنصور قد غضب (بعد ذلك) على عمّه إسماعيل وعلى أخيه العبّاس بن محمّد ،
فعزل أخاه عن إمارة الجزيرة ، ثمّ غرّمه مالا كثيرا ، فقال عيسى بن موسى للمنصور :
(يا أمير المؤمنين ، أرى آل عليّ بن عبد الله وإن كانت نعمك عليه سابغة ، فإنّهم
يرجعون إلى الحسد لنا ، فمن ذلك إنّك غضبت على إسماعيل بن عليّ منذ أيّام ، فضيقوا
عليك حتّى رضيت عنه ، وأنت غضبان على أخيك العبّاس منذ كذا وكذا فما كلّمك فيه أحد
منهم) .
فرضي عنه.
وعند ما كان
إسماعيل بن عليّ أميرا على الموصل حجّ بالناس سنة (١٣٧) للهجرة ، وكان أمير
المدينة آنذاك زياد بن عبد الله المدان الحارثي ، وعلى إمارة مكّة العبّاس بن عبد
الله بن معبد ، وبعد انقضاء موسم الحجّ مات العبّاس ، فضمّ إسماعيل بن عليّ إمارة
مكّة إلى زياد الحارثي ، فأقرّه المنصور على ذلك . ثمّ عزل المنصور عمّه إسماعيل عن إمارة الموصل ، وولّى
مكانه مالك بن الهيثم الخزاعي (جدّ أحمد بن نصير الخزاعي الّذي
__________________
قتله الواثق) .
وكان القاضي
سوار بن عبد الله (قاضي البصرة) قد أمر بإحضار زينب بنت سليمان بن عليّ لشكوى
تقدّم بها نبطي ضدّها ، فامتنعت عن الحضور ، فكتب سوار إلى أمير البصرة (الهيثم بن
معاوية) يطلب فيه إحضار زينب لمجلس القضاء فقيل له : (إنّها بنت سليمان بن عليّ)
فقال سوار : (فهي أولى من أعطى الحقّ من نفسه ، إذا كانت بهذا الموضع الرفيع).
وعند ما ولي
إسماعيل بن عليّ إمارة البصرة سنة (١٤٣) للهجرة ، ذهب إليه سوار القاضي للسلام عليه ، فعظّمه
إسماعيل وقرّبه منه ، وأجلسه مكانا رفيعا ، فدخل في تلك الساعة جعفر بن سليمان (أخو
زينب) فرأى سوارا بتلك المنزلة العالية ، قال لإسماعيل : (أتعظّم وتقدّر ابن
التركيّة ، وقد أراد إثبات أختك على كذا وكذا؟!!
فالتفت سوار
إلى إسماعيل وقال له : (أصلح الله الأمير ، إنّه ذكر أمّي ، وقال (ابن التركية) ،
وإنّا معشر العرب قدمنا من هذه البادية وفي أبداننا نحف وقلّة ، فنظرنا إلى هذه
الأعاجم فإذا هي أمدّنا أجساما وأشدّ منا بياضا وأظهر منّا حالا فرغبنا فيهم ،
فاتخذ منهم : السنديّة والهنديّة والخراسانيّة والبربريّة ، فولدن فينا ، فمددن في
أجسامنا ، وبيضنا من ألواننا وحسّن من وجوهنا). ثمّ قام سوار وخرج ، فقال إسماعيل
لجعفر : (هل رضيت بذلك؟ والله قد ذكر أمي ، وأم أبيك ، وأم أمير المؤمنين) . مات إسماعيل بن عليّ بالكوفة سنة (١٤٦) للهجرة ودفن بها ، وقيل مات سنة
__________________
(١٤٧) للهجرة.
١١ ـ عيسى بن لقمان
الجمحي :
هو : عيسى بن
لقمان بن محمّد بن حاطب الجمحي ، وهو من أهل الشام . في سنة (١٥٩) للهجرة ، عزل إسماعيل بن أبي إسماعيل الثقفي عن الكوفة
عزله الخليفة (المهدي) وعيّن مكانه (إسحاق بن الصباح الكندي) وقيل عيسى بن لقمان
بن محمّد بن حاطب الجمحي. وقيل ولّاه الخليفة (المهدي) إمارة الكوفة سنة (١٥٩) للهجرة ، وذلك بعد عزل عمرو بن زهير الضبي ، ثمّ عزله
وولّى مكانه شريك بن عبد الله النخعي.
ويقال أيضا :
إنّ شريك النخعي كان على الصلاة والقضاء فقط ، وكان عيسى بن لقمان على الأحداث ،
ثمّ جعلت إمارة الكوفة لشريك القاضي النخعي فقط ، وعلى شرطة الكوفة إسحاق بن
الصباح الكندي . ثمّ ولّاه الخليفة (المهدي) إمارة مصر ، فوصل اليها
يوم الأثنين في السابع عشر من شهر ذي الحجّة من سنة (١٦١) للهجرة. وقال عيسى بن
لقمان الجمحي بأنّ الخليفة (المهدي) قال له حين أرسله إلى مصر : (قد وليتك عمل عبد
العزيز ابن مروان وصالح بن عليّ) .
ولمّا وصل عيسى
بن لقمان إلى مصر ، سكن في المعسكر (على عادة أمراء مصر السابقين) ولم يبق في مصر
سوى مدّة يسيرة ، عزله بعدها
__________________
(المهدي) في الثامن عشر من شهر جمادي من سنة (١٦٢) للهجرة ، وكانت ولايته
على مصر حوالي خمسة أشهر .
ثمّ أعيد عيسى
بن لقمان إلى إمارة مصر في شهر محرم من سنة (١٦٢) للهجرة ، ثمّ عزل عنها في شهر جمادي الأخرة من نفس
السنة ، وعيّن مكانه (واضح مولى المهدي) ، وقيل أيضا بأنّ عيسى بن لقمان سبق
وتولّى إمارة مصر سنة (١٥٩) للهجرة ، وذلك بعد عزل أميرها السابق موسى بن عليّ بن
رياح اللخمي من قبل الخليفة (المهدي ثمّ عزله في نفس السنة.
مات عيسى بن
لقمان الجمحي سنة (١٦٢) للهجرة.
١٢ ـ شريك بن عبد
الله النخعي :
هو : شريك بن
عبد الله بن شريك وهو الحارث بن أوس بن الحارث ابن وهل بن هبيل . وهو من النخع ، وكنيته : أبو عبد الله.
ولّاه الخليفة (المهدي)
إمارة الكوفة سنة (١٥٩) للهجرة ، وذلك بعد عزل أميرها السابق عيسى بن لقمان
الجمحي ، ثمّ عزله وولى مكانه ابن الصباح (أسحاق بن الصباح الكندي) .
__________________
وشريك بن عبد
الله ، هو كوفي الأصل ولد في بخارى سنة (٩٠) للهجرة ومات سنة (١٨٧) وقيل سنة (١٥٧)
بالكوفة ، وعمره (٨٢) سنة وقيل مات سنة (١٧٧) وقيل سنة (١٩٧) للهجرة. وتولى
القضاء في مدينة (واسط) سنة (١٥٥) للهجرة ، ثمّ تولّى القضاء بعدها في الكوفة سنين عديدة.
وقيل : عند ما عيّن شريك القاضي أميرا على الكوفة ، عيّن إسحاق ابن الصباح الكندى
رئيسا لشرطة الكوفة ، فقال بعض الشعراء :
|
لست بأن تكون
ولو نل
|
|
ت سهيلا ضيعة
لشريك
|
وقيل أيضا :
بأنّ إسحاق الكندي لم يشكر شريك على تعيينه رئيسا لشرطته ، فقال شريك :
|
صلّى وصام
لدنيا كان يأملها
|
|
فقد أصاب ولا
صلّى ولا صاما
|
وشريك القاضي ،
عالم بالحديث ، فقيهه ، اشتهر بقوة ذكائه ، وسرعة بديهيته ، استقضاه أبو جعفر
المنصور على القضاء في الكوفة سنة (١٥٣) للهجرة ، ثمّ عزله وأعاده الخليفة (المهدي)
فعزله (الهادي) وكان عادلا في قضائه .
وقيل لشريك
القاضي : إنّ معاوية بن أبي سفيان كان حليما. فقال : (لو كان حليما ما سفه الحقّ ،
ولا قاتل عليا ، ولو كان حليما ، ما حمل أبناء العبيد على حرمه ، ولا أنكح إلّا
الأكفّاء) .
ودخل شريك يوما
على الخليفة المهدي ، فقال له المهدي : لابدّ أن
__________________
تجيبني إلى واحد من ثلاث. فقال شريك : وما هي يا أمير المؤمنين؟
قال المهدي :
إمّا أن تتولّى القضاء ، أو تحدّث اولادي وتعلمهم ، أو تأكل عندي أكلة. فقال شريك
: الأكلة أخفهن على نفسي ، ولمّا أحضر الطعام أكل شريك حتّى شبع ، فقال الطّباخ : (يا
أمير المؤمنين لا يصلح الشيخ بعد هذه الأكلة أبدا). فقال الفضل بن الربيع : (فحدّثهم
والله شريك بعد ذلك ، وعلّم أولادهم وولي القضاء لهم) . وقيل إنّ شريك قد أكره على القضاء.
وقيل : عند ما
كان شريك على قضاء الكوفة ، خرج يستقبل الخيزران في قرية (شاهي) فتأخّرت الخيزران ، فانتظرها شريك ثلاثة أيّام ، فيبس
خبزه ، فأخذ يبلله بالماء فيأكله ، فقال العلاء بن المنهال الغنوي في ذلك :
|
فإن كان
الّذي قد قلت حقّا
|
|
بأن قد
أكرهوك على القضاء
|
|
فما لك موضعا
في كلّ يوم
|
|
تلقّى من
يحجّ من النساء
|
|
مقيم في قرى
شاهي ثلاثا
|
|
بلا زاد سوى
كسر وماء
|
وقال شريك لأحد
أصدقاءه : إنّي أكرهت على القضاء. فقال له صاحبه : (وهل أكرهوك على أخذ الورق) ؟
وقال شريك
القاضي لإسحاق بن الصباح الكندي (أمير الكوفة) :
__________________
(القضاء لي بحذافيره ، وإنّما انتم على المحارم) .
وخرج شريك ذات
يوم فيما بين الكوفة والحيرة ، ومعه أبو بكر بن عباس ، وسفيان الثوري ، فشاهدوا
شيخا ، أبيض اللّحية ، حسن الصورة فضنوه من رجال الحديث فقال له سفيان الثوري : هل
عندك شيء من الحديث يا شيخ؟ فقال الرجل : (أما حديث فلا ، ولكن عتيق سنين) فتبّين أنه خمّار.
وكان شريك لا
يجلس للقضاء حتّى يتغدّى ، ثمّ يخرج ورقة من جيبه ، فينظر فيها ثمّ يأمر بتقديم
الخصوم. وقد تمكّن أحد أصدقائه من معرفة ما في تلك الورقة فإذا فيها مكتوب : (يا
شريك بن عبد الله ، اذكر الصراط وحدّته ، يا شريك بن عبد الله اذكر الموقف بين يدي
الله عزوجل) .
وشهد رجل أمام
القاضي شريك ، فقال المدّعى عليه : إنّ الشاهد يا حضرة القاضي يشرب النبيذ ، فسأله
شريك : أتشربه؟ فقال الشاهد : نعم.
وأنا الّذي
أقول :
|
وإذا المعدة
جاشت
|
|
فارمها
بالمنجنيق
|
|
بثلاث من
نبيذ
|
|
ليس بالحلو
الرقيق
|
|
يهضم المطعم
هضما
|
|
ثمّ يجري في
العروق
|
وفي أحد
الأيّام قدّمت امرأة شكوى إلى القاضي شريك على موسى ابن عيسى (أمير الكوفة) فأرسل
موسى رئيس شرطته بدلا عنه ، فأمر
__________________
شريك بحبسه ، ولمّا سمع موسى بذلك أرسل حاجبه ، فأمر شريك بحبس الحاجب أيضا
، ولمّا علم موسى بن عيسى بذلك أرسل إسحاق بن الصباح الكندي مع جماعة من وجوه أهل
الكوفة ومن أصدقاء شريك وطلب منهم أن يخبروا شريك بأنّ الأمير يقول : (إنّي لست
كالعامة).
فلمّا جاءوا
إلى شريك ، أمر بحبسهم جميعا فغضب موسى بن عيسى ، وذهب إلى السجن ليلا وأطلقهم
جميعا. وعند الصباح جاء السجّان وأخبر شريك بذلك ، فقال شريك : (فو الله ما طلبنا
هذا الأمر منهم : ولكن اكرهونا عليه ، ولقد ضمنوا لنا الإعزاز فيه إذا تقلدناه) .
ثمّ خرج شريك
من الكوفة ، قاصدا بغداد ، ولمّا وصل شريك إلى قنطرة الكوفة ، سمع به موسى بن عيسى
، فلحق به إلى هناك ، وطلب منه العودة إلى قضائه ، فقال شريك : (لا أرجع حتّى
يردوا جميعا إلى الحبس ، أو أذهب إلى أمير المؤمنين ، وأطلب منه إعفائي من القضاء).
فأعاد موسى بن عيسى جميع من أطلق سراحهم إلى الحبس) .
هذا وقد ذمّ
بعضهم شريك القاضي ، ونسب إليه شرب الخمر ، وقيل عنه : بأنّه كذّاب ، وأنّه يخطئ
في الحديث كثيرا ، وأنّه قد تغيّر كثيرا عند ما ولّي قضاء الكوفة.
وقال عبد الله
بن المبارك يهجو شريك القاضي :
|
يا جاعل
الدين له مأربا
|
|
يصطاد أموال
المساكين
|
|
لا تبع الدين
بدنيا كما
|
|
يفعل ضلال
الرهابين
|
|
احتلت للدنيا
ولذاتها
|
|
بحيلة تذهب
بالدين
|
__________________
|
فصرت مجنونا
بها بعد ما
|
|
كنت دواء
للمجانين
|
|
تقول أكرهت
وما ذا الّذي
|
|
زلّ حمار
العلم في الطين
|
وهجاه أحدهم
فقال :
|
وهلّا فررت
وهلّا اغتربت
|
|
إلى بلدة
أرضها المحشر
|
|
كما فرّ
سليمان من قومه
|
|
إلى بلد الله
والمشعر
|
|
فلاذ بربّ له
مانعا
|
|
ومن يحفظ
الله لا يخفر
|
|
أراك ركنت
إلى الأزرقي
|
|
ولبس العمامة
والممطر
|
|
وقد طرحوا
حولك حتّى لقطت
|
|
كما لقط الطير
الأندر
|
وقال العلاء بن
منهال في شريك القاضي :
|
فليت أبا
شريك كان حيّا
|
|
فيقصر عن
مقالته شريكا
|
|
ويترك من
تدرئه علينا
|
|
إذا قلنا له
هذا أبوكا
|
وذهب هارون
الرشيد إلى الكوفة ، وكان إميرها أنذاك موسى بن عيسى ، فعزل شريك (قاضي الكوفة) عن
القضاء. فقال موسى بن عيسى لشريك (يا عبد الله ، عزلوك عن القضاء؟ ما رأينا قاضيا
يعزل؟ فقال له شريك : هم الملوك يعزلون ويخلعون) .
مات شريك
القاضي بالكوفة يوم السبت في أوّل شهر ذي القعدة من سنة (١٧٧) للهجرة وكان عمره (٨٢) سنة.
__________________
١٣ ـ إسحاق بن الصباح
الكندي :
هو : إسحاق بن
الصباح بن عمران بن إسماعيل بن الأشعث بن قيس . وكنيته أبو يعقوب. ولّاه شريك بن عبد الله النخعي (القاضي)
على أحداث الكوفة ، ثمّ عزل شريك بن عبد الله عن إمارة الكوفة عزله الخليفة (المهدي)
وعيّن مكانه إسحق بن الصباح الكندي ثمّ عزله وولّى مكانه هاشم بن سعيد بن منصور (ابن
خال الخليفة) .
وقيل إنّ
الخليفة (المهدي) ولّاه إمارة الكوفة سنة (١٥٩) للهجرة ، وذلك بعد عزل إسماعيل بن أبي إسماعيل عنها.
ولمّا مات (المهدي) أقرّه الرشيد على إمارة الكوفة. وقيل إنّ الّذي أشار على (المهدي)
بتولية إسحاق الكندي إمارة الكوفة ، هو شريك بن عبد الله (قاضي الكوفة) وإنّ إسحاق
هذا لم يشكر شريك على إحسانه له بتولية الإمارة ، فقال شريك :
|
صلّى وصام
لدنيا كان يأملها
|
|
فقد أصاب ولا
صلّى ولا صاما
|
وإسحاق بن
الصباح الكندي ، كان شاعرا ، ومتكلّما ، ومرجّئا.
وكان إسحاق بن
الصباح أميرا على الكوفة للسنوات من (١٦٠ ـ ١٦٥) للهجرة ثمّ ولّاه هارون الرشيد إمارة الكوفة وذلك بعد
__________________
عزل العبّاس بن موسى بن عيسى وبقي أميرا على الكوفة لمدة ثلاثة أشهر ثمّ
عزله وولّى مكانه جعفر بن جعفر بن أبي جعفر المنصور .
وجاء نصيب
الأصغر من الحجاز إلى الكوفة ، فدخل على إسحاق بن الصباح (وكان صديقا له) وكان عند
إسحاق جماعة يوزع عليهم برّا وتمرا ، فيحملونه على إبلهم وأعطى لنصيب جارية حسناء
، يقال لها (مسرورة) فأردفها خلفه ومضى وهو يقول :
|
إذا احتقبوا
برّا فأنت حقيبتي
|
|
من البشريّات
الثقال الحقائب
|
|
ظفرت بها من
أشعثي مهذّب
|
|
أغرّ طويل
الباع جمّ المواهب
|
|
فدى لك يا
إسحاق كلّ مبخل
|
|
ضجور إذا عضت
شداد النوائب
|
|
إذا ما بخيل
القوم غيّب ماله
|
|
فما لك عدّ
حاضر غير غائب
|
|
إذا اكتسب
القوم الثراء فإنّما
|
|
ترى الحمد
غنما من كريم المكاسب
|
وقال أيضا يمدح
إسحاق بن الصباح :
|
كأن ابن
الصباح وكندة حوله
|
|
إذا ما بدا
بدر توسّط أنجما
|
|
على أنّ في
البدر المحاق وأنّه
|
|
تمام فما
يزداد إلّا تتما
|
مات إسحاق بن
الصباح الكندي سنة (؟) للهجرة في مصر .
وقيل ولدت
لإسحاق بن الصباح بنت فتألم كثيرا ، وامتنع عن الطعام والشراب ، فدخل عليه (البهلول)
وقال له : (أيّها الأمير ، ما هذا الحزن والجزع؟ جزعت لخلق سوي ، وهبه
الملك العليّ ، أيسرك أن يكون مكانها
__________________
إبن وإنه مثلي؟) . فضحك إسحاق ، ودعا بالطعام والشراب ، وأذن للناس
بالدخول عليه للتهنئة.
١٤ ـ إسحاق بن منصور
:
وفي سنة (١٦١)
للهجرة كان على أحداث الكوفة إسحاق بن منصور وعلى سوادها كان يزيد بن منصور ، هذا ولم اعثر له على ترجمة وافيه.
١٥ ـ يزيد بن منصور :
هو : يزيد بن
منصور بن عبد الله بن يزيد بن شهر بن مثوب وهو من ولد ذي الجناح الحميري ، وكنيته
: أبو خالد ، وهو خال الخليفة المهدي .
وكان بنو
العبّاس يحترمونه ويجلونه ، وكان من المقربين في دولتهم ، فقد ولّاه أبو جعفر
المنصور إمارة البصرة سنة (١٥٢) للهجرة ، ثمّ عزله وولّاه اليمن سنة (١٥٤) للهجرة
، وذلك بعد عزل الفرات بن سالم ، فبقي في اليمن إلى أن مات المنصور ، ولمّا جاء
المهدي إلى الخلافة عزله عن اليمن بعد سنة من خلافته وولّاها رجاء بن روح .
وفي سنة (١٦١)
للهجرة كان يزيد بن منصور على سواد الكوفه ، وعلى أحداثها أخوه إسحاق بن منصور . وكان يزيد بن منصور قد حجّ بالناس سنة (١٥٩) للهجرة .
__________________
وفي سنة (١٦٠)
للهجرة حجّ بالناس الخليفة المهدي ، واستخلف على بغداد ابنه موسى وخاله يزيد بن
منصور .
وفي سنة (١٦٤)
للهجرة ، ولّي يزيد بن منصور إمارة اليمن (ثانية) من قبل الخليفة المهدي . وقد هجاه الشاعر بشار بن برد فقال :
|
أبا خالد قد
كنت سبّاح غمرة
|
|
صغيرا فلما شبت
خيمت بالشاطي
|
|
وكنت جوادا
سابقا ثمّ لم تزل
|
|
تأخّر حتّى
جئت تخطو مع الخاطي
|
|
فأنت بما
تزداد من طول رمعة
|
|
وتنقص من مجد
كذاك بإفراط
|
|
كسنّور عبد
الله بيع بدرهم
|
|
صغيرا ،
فلمّا شبّ بيع بقيراط
|
مات يزيد بن
منصور سنة (١٦٥) وقيل سنة (١٦٦) للهجرة.
١٦ ـ هاشم بن سعيد بن
منصور :
ولّاه الخليفة (المهدي)
إمارة الكوفة سنة (١٦٤) للهجرة . وفي سنة (١٦٦) كان على الكوفة هاشم بن سعيد ، وقد ولّاه الخليفة
المهدي .
وفي سنة (١٦٦)
كان عامل الكوفة على الصلاة وأحداثها هاشم بن سعيد .
وذكر خليفة بن
خياط في تاريخه وكذلك ابن خلدون في تاريخه بأن
__________________
هاشم بن سعيد قد ولّاه الخليفة المهدي إمارة الكوفة ، وذلك بعد عزل إسحاق
بن الصباح الكندي .
وفي سنة (١٦٩)
للهجرة عيّنه الخليفة (المهدي) أميرا على الموصل ، فأساء السيرة والتصرّف في أهلها
، فعزله الخليفة (الهادي) وعيّن مكانه عبد الملك بن صالح الهاشمي .
١٧ ـ صالح بن داود بن
عليّ :
في سنة (١٦٤) للهجرة ، كان على صلاة الكوفة وأحداثها ، وكور دجلة
والبحرين وعمان ، وكور الأهواز وفارس هو : صالح بن داود بن عليّ.
وكذلك كان صالح
بن داود أميرا على الكوفة سنة (١٦٥) للهجرة. وذكر الترمانيني بأن الخليفة المهدي قد ولّى
صالح بن داود على إمارة البصرة سنة (١٦٤) للهجرة ، ثمّ عزله سنة (١٦٦) ، وعين
مكانه روح بن حاتم المهلبي ، ثمّ عزله وعيّن بدله محمّد بن سليمان . وذكر ابن الأثير بأنّ الخليفة المهدي قد عيّن صالح بن
داود بن عليّ على إمارة البصرة سنة (١٦٤) للهجرة ، وذلك بعد عزل أميرها السابق
محمّد بن سليمان . وكذلك كان أميرا على البصرة سنة (١٦٥) .
__________________
ولمّا ولّي
صالح بن داود إمارة البصرة ، هجاه بشار بن برد فقال :
|
هم حملوا فوق
المنابر صالحا
|
|
أخاك فضجّت
من أخيك المنابر
|
ولمّا سمع (يعقوب)
أخو صالح بهذا الشعر ذهب إلى الخليفة (المهدي) وقال له : إنّ هذا الأعمى ، المشرك
، قد هجا أمير المؤمنين. فقال له : وما ذا قال؟! فطلب من الخليفة إعفائه ، لعدم
تمكّنه مما قال بشار ، إلّا أنّ الخليفة أبى أن يعفيه ، فأنشده :
|
خليفة يزني
بعماته
|
|
يلعب
بالدبّوق والصولجان
|
|
أبدلنا الله
به غيره
|
|
ودسّ موسى في
حرّ الخيزران
|
١٨ ـ روح بن حاتم :
هو : روح بن
حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي ، كنيته : أبو حاتم ، وقيل : أبو خلف.
ولّاه الخليفة
محمّد (المهدي) بن جعفر المنصور إمارة الكوفة سنة (١٦٧) للهجرة وذلك بعد عزل هاشم بن سعيد عنها.
وروح بن حاتم ،
من الأجواد الممدوحين ، ومن وجوه دولة المنصور ، وكان موصوفا بالعلم والشجاعة
والحزم . وكان حاجبا للمنصور.
ولّي روح
الإمارة لخمسة خلفاء هم : (١) أبو العبّاس السفّاح. (٢) أبو جعفر المنصور. (٣)
محمّد (المهدي). (٤) موسى (الهادي). (٥) هارون
__________________
الرشيد.
ولم يتّفق مثل
هذا لأيّ أمير ، إلّا لأبي موسى الأشعري ، فقد عمل : للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولأبي بكر الصديق ، ولعمر بن الخطاب ، ولعثمان بن
عفان ، وللإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
وخطب روح بن
حاتم ذات يوم ، ولمّا رأى كثرة الناس تلعثم ، ولا يدري ما ذا يقول : فقال : نكسوا
رؤوسكم ، وغضوا أبصاركم ، فإن المنبر ، مركب صعب ، وإذا يسّر الله فتح قفل تيسر .
وجيء بلص إلى
روح بن حاتم ، فأمر بقتله. فقال اللصّ : يا أمير ، لي عندك يد بيضاء. فقال روح :
وما هي؟ قال اللصّ : إنّك جئت يوما إلى مجمع موالينا بني نهشل ، والمجلس محتفل فلم
تجد مكانا لتجلس فيه ، فقمت لك من مكاني حتّى جلست فيه ، ولو لا كرمك وشرفك ، ما
ذكّرتك هذه عند مثل هذا. فقال روح : صدق وأمر بإطلاقه ، ثمّ ولّاه تلك الناحية ،
وضمنه إيّاها .
وكان بشار بن
برد ، قد هجا روح بن حاتم ، فلما سمع روح بذلك هدده وتوعّده وحينما سمع بشار ذلك
قال :
|
تهدّدني أبو
خلف
|
|
وعن أوتاره
ناما
|
|
بسيف لأبي
صفر
|
|
ة لا يقطع
إبهاما
|
|
كأنّ الورس
يعلوه
|
|
إذا ما صدره
قاما
|
وعند سماعه
بهذه الآبيات ، قال روح : كلّ مالي صدقة ، إن وقعت
__________________
عيني عليه لأضربنّه ضربة بالسيف ، ولو كان بين يدي الخليفة.
فلمّا سمع بشار
بذلك ، ذهب إلى الخليفة (المهدي) واستجار به ، فأجاره ، ثمّ أرسل المهدي إلى روح
فجيء به في الحال ، فقال له المهدي : يا روح إنّي بعثت إليك في حاجة. فقال روح :
أنا عبدك يا أمير المؤمنين ، فقل ما شئت ما عدا بشار فإنّي قد حلفت في أمره يمينا
قاطعا.
عندها أمر
المهدي بإحضار القضاة والفقهاء ، فاتفقوا على أن يضربه بعرض السيف ، ثمّ استلّ روح
سيفه ، وضرب بشار بعرض سيفه ، فقال بشار : (أوّه بإسم الله) فضحك المهدي وقال له :
(ويلك يا هذا ، فقد ضربك بعرضه فكيف بك لو ضربك بحدّه).
ورأى رجل روح
بن حاتم ، وهو واقف في الشمس على باب المنصور فقال له : (قد طال وقوفك في الشمس؟)
فقال له روح : (ليطول وقوفي في الظلّ) .
وعند ما كان
روح بن حاتم أميرا على البصرة ، ذهب لمحاربة الجيوش الخراسانية ، ومعه أبو دلامة ،
فخرج مبارز من صفوف العدّو ، وطلب مبارزته ، فخرج إليه جماعة من أصحاب روح فقتلهم
ذلك المبارز تباعا ، عندها طلب روح من أبي دلامة أن يخرج لمبارزته ، فامتنع أبو
دلامة ، ولكن روح أمره أن يخرج لمبارزته فقال أبو دلامة :
|
إنّي أعوذ
بروح أن يقدّمني
|
|
إلى قتال
فيخزي بي بنو أسد
|
|
آل المهلّب
حبّ الموت أورثكم
|
|
ولم أرث أنا
حبّ الموت من أحد
|
|
إن الدنو إلى
الأعداء أعلمه
|
|
مما يفرّق
بين الروح والجسد
|
__________________
فلم يقتنع روح
بما قاله أبو دلامة ، وأقسم بأن يخرج إلى المبارز ، عندها طلب أبو دلامة من روح أن
يأتيه بدجاجة وخبز ، ولحم وشراب ، لعلمه بأنّ هذا آخر يوم من حياته ، فأمر له روح
بما أراد.
ثمّ خرج أبو
دلامة ، راكبا فرسه ، متقلّدا سيفه ، وأخذ يصول ويجول حتى وصل إلى المبارز فلمّا
رآه المبارز ، شهر سيفه وتقدّم نحو أبي دلامة ، فما كان من أبي دلامة إلّا أن أغمد
سيفه وقال للمبارز : لا تعجل يا صاحبي ، واسمع منّي : فهل تعرفني؟ قال المبارز :
لا.
فقال له : أنا
أبو دلامة ، وإنّني لم أخرج لقتالك ، وإنّما سمعت عن شهامتك ، وحسن أخلاقك ،
فأحببت أن تكون لي صديقا ، ثمّ دعاه إلى الطعام والشراب ، فأكلا وشربا حتّى اكتفيا
، وتمكّن أخيرا أبو دلامة من إقناع المبارز من ترك أصحابه والالتحاق بجيش روح.
وعند ما رجع
أبو دلامة إلى روح ، قال له روح : ما ذا فعلت يا أبا دلامة؟ فقال له : جئتك به
أسيرا ، ثمّ انخرط ذلك المبارز في صفوف جيش روح وأصبح صديقا لروح.
وكان روح بن
حاتم يذهب إلى منزل ابن رابين في الكوفة ، وكان يختلف إلى الزرقاء وكانت الزرقاء
تحبّ محمّد بن جميل ، ويحبّها هو أيضا ، فاحتالا عليه ، حيث بات عندهم ليلة من
الليالي ، فأخذت الزرقاء سراويله فغسلتها ، وفي الصباح سأل عنها فقالت له الزرقاء
: قد غسلناها ، فتصوّر روح أنّه أحدث فيها ، فاستحيا من ذلك ، فخلا الجو لها ولأبن
جميل .
ومن طرائف روح
انه قال : بينما كنت أطوف بالبيت الحرام سمعت رجلا يدعو ويقول : اللهم (اغفر لي
ولوالدي) فقلت له : يا هذا قل اللهم
__________________
أغفر لي ولوالديّ. فقال : إن أمّي من بني تميم ، وأنا أحبّ أن لا يغفر لها.
وكانت حميدة
بنت النعمان بن بشير الأنصاري ، قد تزوجت من الحارث بن خالد المخزومي وقيل المهاجر
بن عبد الله بن خالد فطلّقها ثمّ زوّجها أخوها من روح بن حاتم الجذامي فهجته
وخاطبت أخاها الّذي زوّجها من روح فقالت :
|
أضلّ الله
حلمك من غلام
|
|
متى كانت
مناكحنا جذام؟
|
|
أترضى
بالأكارع والذنابي
|
|
وقد كنّا يقر
لنا السنام؟
|
فطلّقها روح ،
وقال لها : سلط الله عليك زوجا يشرب الخمر ، ويتقيّأ في حجرك فتزوجت بالفيض بن أبي
عقيل الثقفي ، فكان هذا يسكر ويتقيأ في حجرها وكانت حميدة تقول : (أجيبت دعوة روح
فيّ).
وفي بداية سنة (١٧١)
للهجرة ، كان روح بن حاتم أميرا على أفريقية ، ولّاه إيّاها هارون الرشيد مكان
أخيه (يزيد بن حاتم) وبقي روح أميرا على أفريقيه إلى سنة (١٧٤) للهجرة ، وقيل سنة (١٧٥)
وقيل سنة (١٧٦). فمات ودفن مع أخيه (يزيد) في قبر واحد ، فتعجب الناس في حينه وكيف
جمع بين اثنين أحدهما في المشرق والآخر في المغرب ودفن في مدينه القيروان .
١٩ ـ محمّد بن سليمان
:
ولّاه الخليفة (المهدي)
إمارة الكوفة سنة (١٦٧ ـ ١٦٩) للهجرة.
__________________
وهذه للمرّة
الثانية.
٢٠ ـ موسى بن عيسى :
هو : موسى بن
عيسى بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب ، ولّاه الخليفة موسى (الهادي)
إمارة الكوفة سنة (١٦٧) للهجرة ، وذلك بعد عزل روح بن حاتم.
وقيل ولّاه
الخليفة محمّد (المهدي) إمارة الكوفة بعد عزل هاشم بن سعيد ، وبقي موسى بن عيسى
أميرا على الكوفة حتّى مات (المهدي) . ثمّ جاء الخليفة موسى (الهادي) فأقرّه على إمارته ،
وبقي موسى أميرا حتّى مات الخليفة الهادي ، ثمّ جاء هارون الرشيد إلى الخلافة
فعزله ، وأرسله أميرا على مصر ، وولّى ابنه (العبّاس بن موسى بن عيسى) على إمارة
الكوفة ، ثمّ أعاده هارون الرشيد إلى إمارة الكوفة بعد عزل
يحيى بن بشر ابن جحوان الحارثي ثمّ عزله ، وولى ابنه العبّاس بن موسى لمدة شهرين
ثمّ عزله .
ثمّ أعاده
هارون الرشيد إلى إمارة الكوفة (أيضا) وذلك بعد عزل منصور بن عطاء الخراساني ،
وبقي أميرا حتّى مات .
وكان هارون
الرشيد قد ولّاه إمارة مصر سنة (١٧١) للهجرة بعد عزل أميرها عليّ بن سليمان ، فقام
موسى في مصر بأعمال غير مرضية ، إذ
__________________
أمر ببناء الكنائس الّتي هدمها عليّ بن سليمان .
وقيل إنّ موسى
بن عيسى جلس ذات يوم في ميدان مصر ، وأخذ يطيل النظر في نهر النيل ، فقيل له : ما
ذا يرى الأمير؟
فقال : (أرى
ميدان رهان ، وجنان نخل ، وبستان شجر ، ومنازل سكنى ، ودور خيل وجبّان أموات ،
ونهر أعجاج ، وأرض زرع ، ومرعى ماشية ، ومرتع خيل ، ومصايد بحر ، وقانص وحش ،
وملّاح سفينة ، وحادي إبل ، ومفازة رمل ، وسهلا ، وجبلا من أقلّ ميل في ميل) .
ثمّ عزل موسى
بن عيسى عن مصر في السادس عشر من شهر رمضان من سنة (١٧٢) للهجرة ، فكانت ولايته
على مصر سنة واحدة وخمسة أشهر وخمسة عشر يوما.
ثمّ أعاده
هارون الرشيد إلى إمارة الكوفة ، لمدة قصيرة ثمّ عزله وولّاه (دمشق) فأقام بها
مدّة ، ثمّ عزله سنة (١٧٦) للهجرة ، وذلك عند ما هاجت القبلية بين النزارية
واليمانية في الشام ، وعيّن مكانه موسى بن يحيى بن خالد البرمكي ، فتمكّن من إخماد
الفتنة ، وإيقاع الصلح بين الطرفين ، فقال الشاعر يمدح موسى بن يحيى بقصيدة نقتطف
منها الأبيات التالية :
|
قد هاجت
الشام هيجا
|
|
يشيب رأس
وليده
|
|
فصبّ موسى
عليها
|
|
بخيله وجنوده
|
|
فدانت الشام
لمّا
|
|
أتى نسيج
وحيده
|
ثمّ أعاده إلى
إمارة مصر ، ثمّ عزله سنة (١٧٦) للهجرة ، ثمّ أعاده إلى
__________________
مصر سنة (١٧٩) ثمّ عزله سنة (١٨٠) ، وكان أميرا على أرمينية سنة (١٧٨)
للهجرة.
وكان موسى بن
عيسى توّاقا إلى الخلافة ، وكان يشعر بأحقيته بها ، حيث أنّ أباه (عيسى بن موسى)
كان ولي عهد الخليفة أبو العبّاس السفّاح ، ثمّ ولّي العهد لأبي جعفر المنصور ،
ثمّ نقضا العهود والمواثيق ، فخلعاه من الخلافة (كما ذكرنا سابقا).
ولم يخف على
هارون الرشيد على ما كان يدور في رأس موسى بن عيسى ، لذلك نراه (أي الرشيد) قد
أكثر من تولية وعزل موسى بن عيسى عن إمارة الكوفة وإمارة مصر ليحطّ من قدره
ومعنوياته ، وليكون بعيدا عن مركز الخلافة ، ثمّ بعد ذلك أعاده الرشيد إلى بغداد ،
ليكون بالقرب منه ، فتسهل عليه مراقبته.
وفي سنة (١٦٩) للهجرة ، ثار بالمدينة الحسين بن عليّ بن الحسن ابن
الحسن بن الحسن بن الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام المعروف ب (صاحب فخ) فاستولى على المدينة ، ثمّ ذهب إلى
مكّة لأداء فريضة الحجّ ، ولمّا وصل إلى (فخ) لقيته الجيوش العباسيّة بقيادة موسى بن عيسى ومعه محمّد
بن سليمان بن عليّ (أمير الكوفة الأسبق) وأخيه جعفر ، فدارت معركة بين الطرفين قتل
فيها الحسين بن عليّ ، وقتل معه الكثير من آل أبي طالب ، وخاصة من أولاد الإمام
الحسن بن عليّ عليهماالسلام.
ولمّا جيء
بالرؤوس إلى موسى بن عيسى ، وكان عنده جماعة من اولاد الحسن والحسين (عليهماالسلام)
فلم يتكلم أحد منهم بشيء ، وكان
__________________
من جملتهم الإمام موسى بن جعفر عليهماالسلام فقال له موسى بن عيسى : هذا رأس الحسين. فقال الإمام
موسى بن جعفر عليهماالسلام : (إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، مضى والله مسلما ،
صالحا ، صوّاما ، قائما ، آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، ما كان في أهل بيته
مثله) . فسكتوا ، ولم يجيبوه بشيء ، ثمّ أرسلوا الأسرى إلى الخليفة موسى (الهادي).
وبعد قتل
الحسين (صاحب فخ) جلس موسى بن عيسى بالمدينة ، للتهنئة بالنصر وأمر الناس بالوقيعة
على آل أبي طالب ، فأخذ الناس يوقعون عليهم ، حتّى لم يبق أحد منهم ، فقال موسى :
هل بقي أحد منهم؟
فقيل له : نعم
، بقي موسى بن عبد الله بن الحسن (أخو النفس الزكيّة) فذهب عبد الله إلى موسى بن
عيسى ، وكان السري بن عبد الله من اولاد الحرث بن العبّاس بن عبد المطلب جالسا إلى
جانب موسى بن عيسى ، فقال السري لموسى : (دعني أعرّفه بآله وبنفسه) ، فأذن له موسى ، فقال السري : كيف رأيت مصارع البغي ،
الّذي لا تدعونه لبني عمّكم ، المنعمين عليكم)؟.
فقال موسى :
أقول في ذلك :
|
بني عمّنا
ردوا فضول دمائنا
|
|
ينم ليلكم أو
لا يكلّمنا اللوائم
|
|
إنّا وإيّاكم
وما كان بيننا
|
|
كذي الدّين
يقضي دينه وهو راغم
|
فقال السري : (والله
ما يزيدكم البغي ، إلّا ذلّة ، ولو كنتم مثل بني عمكم لسلمتم وكنتم مثله ، فقد عرف حقّ بني عمّه ،
وفضّلهم عليه ، فهو لا
__________________
يطلب ما ليس له) .
فقال له موسى
بن عبد الله :
|
فإنّ الأولى
تثني عليهم تعيبني
|
|
أولاك بنو
عمّي وعمّهم عمّي
|
|
فإنّك إن
تمدحهم بمديحة
|
|
تصدق ، وإن
تمدح أباك تكذب
|
وقيل إنّ موسى بن عيسى قد طلب من أبي العرجاء الجمال أنّه يذهب إلى
معسكر الحسين (صاحب فخ) ويأتيه بالخبر ، ولمّا رجع أبو العرجاء قال لموسى بن عيسى
: (ما أظن القوم إلّا منصورين). فقال له موسى : وكيف ذاك يا بن الفاعلة :؟
فقال : (ما
رأيت إلّا مصليا ، أو مبتهلا ، أو ناظرا في مصحف ، أو معدّا للسلاح) .
فعند ذلك ضرب
موسى بن عيسى يدا بيد ، وقال : (هم والله ، أكرم عند الله ، وأحقّ بما في أيدينا
منّا ، ولكن الملك عقيم ، ولو أنّ صاحب هذا القبر نازعنا الملك لضربنا خيشومه) يا غلام إضرب
طبلك.
وقيل إنّ
الخليفة (الهادي) غضب على موسى بن عيسى لقتله الحسين ابن عليّ (صاحب فخ) لأنّه لم
يخبره بذلك قبل قتله ليقرّر مصيره بنفسه ، ولمّا جيء برأسه مستبشرين بكى (الهادي)
ثمّ قال : (أتيتموني مستبشرين ، كأنّكم أتيتموني برأس رجل من الترك أو الديلم إنّه
رجل من عترة رسول
__________________
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلم يعطهم شيئا ، وأمر بمصادرة أموال موسى بن عيسى .
وقيل في رثاء
من قتل في (فخ) من آل الحسن :
|
يا عين إبكي
بدمع منك منهمر
|
|
فقد رأيت
الّذي لاقى بنو الحسن
|
|
صرعى بفخ
تجرّ الريح فوقهم
|
|
أذيالها
وغوادي الدلج المزن
|
|
حتّى أعفت
أعظم لو كان شاهدها
|
|
محمّد ذبّ
عنها ثمّ لم تهن
|
|
ما ذا يقولون
والماضون قبلهم
|
|
على العداوة
والبغضاء والأحن
|
|
ما ذا يقولون
إن قال النبيّ لهم
|
|
ما ذا صنعتم
بنا في سالف الزمن
|
|
لا الناس من
مضر حاموا ولا غضبوا
|
|
ولا ربيعة
والأحياء من يمن
|
|
يا ويحهم كيف
لم يرعوا لهم حرما
|
|
وقد رعى
الفيل حقّ البيت ذي الركن
|
وكان موسى بن
عيسى قد تزّوج من (علية) وكان فارق السن
__________________
بينهما كثيرا جدا.
مات موسى بن
عيسى في بغداد سنة (١٨٣) للهجرة ، وقيل مات في مصر (٣٠٣) ، وعمره (٥٥) سنة.
٢١ ـ العبّاس بن موسى
بن عيسى :
هو : العبّاس
بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب .
استخلفه أبوه (موسى
بن عيسى) على إمارة الكوفة سنة (١٧٠) للهجرة في خلافة هارون الرشيد. ثمّ ولّاه الأمين بن
هارون الرشيد إمارة الكوفة سنة (١٩٥) للهجرة. وقيل ولّاه هارون الرشيد إمارة الكوفة بعد عزل
أبيه عنها ، ثمّ عزله وولّى إسحاق بن الصباح الكندي .
وفي سنة (١٩٦)
للهجرة حجّ بالناس (العبّاس بن موسى بن عيسى) من قبل طاهر بن الحسين ودعا للمأمون
بالخلافة في مكّة والمدينة ، وهو
__________________
موسم يدعى فيه بالخلافة للمأمون .
وفي سنة (١٩٧)
للهجرة حجّ بالناس أيضا العبّاس بن موسى ، وبأمر من الخليفة المأمون ، وبتوجيه من طاهر بن الحسين ، وكذلك حجّ بالناس سنة (١٩٨).
وسبق للعباس بن موسى إنّه حجّ بالناس أيضا سنة (١٨٩) للهجرة. وفي سنة (١٩٨) ولّاه المأمون إمارة مصر ، فأرسل
ابنه عبد الله بن العبّاس نائبا عنه ، ولمّا وصل عبد الله إلى مصر ، أساء معاملة
أهلها ، مما تسبب في ثورتهم عليه ، فطردوه وأعادوا أميرهم السابق (المطلب بن عبد
الله).
ولمّا سمع (العبّاس
بن موسى) بما فعله أهل مصر بابنه عبد الله ، ذهب إلى مصر وحارب المطلب بن عبد
الله. فمرض العبّاس (وهو يقاتل) في مدينة (بلبيس) سنة (١٩٩) . وعند ما وصلت جيوش طاهر بن الحسين إلى واسط ، فهرب
عنها عاملها الّذي قال : (طاهر ، ولا عار في الهرب من طاهر) فلقى طاهر البيعة
للمأمون من العبّاس بن موسى (أمير الكوفة) .
وفي سنة (١٩٦)
للهجرة ، ذهب داود بن عيسى إلى المأمون (في خراسان) ثمّ رجع إلى مكّة ليقيم موسم
الحجّ ، وكان معه العبّاس بن موسى ، فمرا بالعراق على طاهر بن الحسين ، فأكرمهما
طاهر ، وأرسل معهما يزيد بن جرير بن يزيد بن خالد القسري ، وأقام الموسم (العبّاس
بن موسى) كما
__________________
ذكرت آنفا.
وعند ما طلب
الأمين من أخيه المأمون التنازل عن الخلافة لأبنه (موسى) كان من ضمن الذين أرسلهم
، هو العبّاس بن موسى ، ولمّا دخل العبّاس على المأمون قال له : (أيّها الأمير ،
إن أخاك قد تحمّل في الخلافة ثقلا عظيما ، ومن النظر في أمور الناس عبئا جليلا ،
وقد صدقت نيته في الخير ، فأعوزه الوزراء والأعيان ، والكفاة في العدل ، وقليل ما
يأنس بأهل بيته ، وأنت أخوه ، وقد فزع إليك في أموره ، وأمّلك للمؤازرة ، ولسنا
نستبطئك في برّه ، اتهامك لنصرك له ، ولا نحضك على طاعته ، تخوفك لخلافك عليه ،
وفي قدومك عليه ، أنس عظيم ، وصلاح لدولته وسلطانه ، فأجب أيّها الأمير دعوة أخيك
وآثر طاعته وأعنه على ما استعانك عليه في أمره ، فإنّه في ذلك قضاء الحقّ ، وصلة
الرحم ، وصلاح الدولة ، وعزّ الخلافة عزم الله للأمير على الرشد في أموره ، وجعل
له الخيرة والصلاح في عواقب رأيه . فكتب المأمون إلى أخيه ، يسأله أن يعفيه من المجيء
إليه ، وأن يقرّه على عمله إذ يرى ذلك أعظم غناء على المسلمين .
وقيل إنّ
المأمون رفض التنازل عن الخلافة ، فقال له العبّاس بن موسى : (وما عليك أيّها
الأمير من ذلك ، فهذا جدّي عيسى بن موسى قد خلع فما ضرّه ذلك). فأجابه الفضل بن
سهل (وكان جالسا عند المأمون) : (أسكت فإنّ جدّك كان أسيرا في أيديهم ، وهذا بين
أخواله وشيعته) . ثمّ ذهب الفضل بن سهل بعد ذلك إلى العبّاس بن موسى ،
وقال له : (لك عندي إمارة الموسم ، وأنت تعلم بأنّ إمارة الموسم ، لا إمارة أشرف
منها ، ولك ما
__________________
تشاء من الأعمال في مصر ، ثمّ تمكّن الفضل بن سهل من إقناع العبّاس بن موسى
بمبايعة المأمون. ولمّا رجع العبّاس بن موسى إلى بغداد ، كان يكاتب المأمون (سرا)
ويشير عليه بالرأي ويخبره بكلّ ما يدور حول الأمين .
وعند ما حوصر
الأمين في بغداد من قبل عبد الله بن طاهر ، ذهب العبّاس بن موسى إلى قصر أبي جعفر
المنصور ، فأخرج منه (الأمين) وأمّه (الستّ زبيدة) واسمعها بكلمات نابية ، ثمّ
حبسهم. وقيل إنّه ضرب الستّ زبيدة بالعصى وشتمها .
وأخيرا قتل
الأمين ، وتمّت البيعة للمأمون في بغداد وخراسان ، وخرج أهل خراسان بتلك البيعة ،
فخطب الخطباء ، وأنشد الشعراء ، وفي ذلك قال شاعر من أهل خراسان :
|
أصبحت الأمّة
في غبطة
|
|
من أمر
دنياها ومن دينها
|
|
إذ حفظت عهد
إمام الهدى
|
|
خير بني حواء
مأمونها
|
|
قامت بحق
الله إذ زبرت
|
|
في ولده كتب
دواوينها
|
|
ألا تراها
كيف بعد الردى
|
|
وفّقها الله
لتزيينها
|
مات العبّاس بن
موسى بن عيسى في مدينة (بليبس) في مصر في السابع عشر من شهر جمادي الآخر من سنة (١٩٩)
للهجرة ، ويقال إنّ المطلب بن عبد الله دسّ له سمّا في طعامه ، فمات منه .
__________________
٢٢ ـ محمّد بن
إبراهيم :
هو : محمّد بن
إبراهيم (الإمام) بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس ابن عبد المطلب . ولّاه هارون الرشيد إمارة الكوفة سنة (١٧٠) للهجرة.
ومحمّد بن
إبراهيم ، أمير عباسي ، هاشمي ، كان مقيما في بغداد وكان كبير القدر معظّما ، وكان
يجلس لولده وأحفاده في كلّ يوم خميس فيعظهم ويحدّثهم. وقد روى العلم عن الإمام
جعفر الصادق عليهالسلام .
ولّي إمارة
دمشق من قبل الخليفة المهدي ، وكذلك ولّيها من قبل هارون الرشيد . وولّي إمارة الحجّ في خلافة أبي جعفر المنصور عدّة
سنين ، ثمّ عزله الخليفة المهدي ، ثمّ ولّي إمارة مكّة سنة (١٧٨) للهجرة ، من قبل هارون الرشيد ، ثمّ تولّاها من بعده
ولداه عبيد الله والعبّاس وحجّ بالناس أيضا.
مات محمّد بن
إبراهيم في بغداد سنة (١٨٥) للهجرة ، وصلّى عليه (الأمين) وكان ولي العهد لأبيه
هارون ، ودفن في (المقبرة العباسيّة) في باب الميدان.
__________________
٢٣ ـ عبيد الله بن
محمّد بن إبراهيم
:
ولّاه إمارة
الكوفة هارون الرشيد بعد أبيه . وتولّى كذلك إمارة مكّة بعد أبيه . وتولّى كذلك إمارة مصر سنة (١٨٩) للهجرة.
٢٤ ـ يعقوب بن أبي
جعفر المنصور :
ولّاه الخليفة
هارون الرشيد إمارة الكوفة ، وذلك بعد عزل العبّاس بن موسى بن عيسى ولكنه لم يذهب
إلى الكوفة . مات أبو جعفر المنصور وترك من الأولادهم :
١ ـ المهدي :
وأسمه (محمّد) وأمّه أروى بنت منصور الحميري.
٢ ـ جعفر
الأكبر : وأمّه أروى بنت منصور الحميري ، مات في زمن أبيه المنصور ، ودفن في مقابر
قريش.
٣ ، ٤ ، ٥ ـ سليمان
، وعيسى ، ويعقوب : وأمهم فاطمة بنت محمّد من اولاد طلحة بن عبيد الله.
٦ ـ جعفر
الأصغر : وأمّه أمّ ولد (كرديّة) كان المنصور قد اشتراها ، ولذلك يقال لأبنها جعفر
ابن الكرديّة.
__________________
٧ ـ صالح المسكين : وأمّه أمّ ولد ، روميّة.
٨ ـ القاسم :
وأمّه أمّ ولد ، تعرف (بأمّ القاسم) ومات هذا في زمن أبيه (المنصور) وعمره عشر
سنين.
وكان يعقوب بن
أبي جعفر المنصور ضمن ولاة الكوفة في خلافة هارون الرشيد . وفي سنة (١٧٢) للهجرة ، حجّ بالناس يعقوب بن أبي جعفر
المنصور .
٢٥ ـ يحيى بن بشر بن
جحوان الحارثيّ :
ولّاه هارون
الرشيد إمارة الكوفة ، وذلك بعد عزل يعقوب بن أبي جعفر المنصور ، ثمّ عزله ، وولّى
مكانه موسى بن عيسى .
٢٦ ـ محمّد بن بشر بن
جحوان الأسديّ :
كان أحد أمراء
الكوفة . كان محمّد بن الأشعث ، ملازما لأبن
__________________
رامين ولجاريته سلامة الزرقاء ، حتّى شاع خبره في الكوفة ، فلامه أصحابه ، ونصحوه ،
ولكنّه لم يسمع منهم ، حتّى رأى بعض ما كره في منزل ابن رامين ، فتحول (ذهب) إلى (سحيقة)
جارية زريق بن منيح (مولى عيسى بن موسى).
وحاول ابن
رامين أن يقنع محمّد بن الأشعث بالعودة إليه في داره إلّا أنّه لم يفلح ، ثمّ لم
يدع ابن رامين شريفا بالكوفة ، إلّا وذهب إليه ، لإقناع محمّد بن الأشعث برجوعة
إلى حضوره في داره فلم يقنع ، وأخيرا ذهب ابن رامين إلى (محمّد بن بشر بن جحوان
الأسدي) وكان يومئذ على الكوفة ، فكلّمه ابن بشر ، فعاد ابن الأشعث إلى بيت ابن رامين.
٢٧ ـ العبّاس بن موسى
بن عيسى
:
أعاده هارون
الرشيد على إمارة الكوفة بعد عزل أبيه موسى بن
__________________
عيسى عنها ، فبقي العبّاس بن موسى على إمارة الكوفة لمدة شهرين فقط ، ثمّ
عزله الرشيد وعيّن مكانه إسحاق بن الصباح الكندي .
٢٨ ـ إسحاق بن الصباح
الكندي
:
ولّاه هارون
الرشيد إمارة الكوفة وذلك بعد عزل العبّاس بن موسى ابن عيسى وبقي أميرا على الكوفة
ثلاثة أشهر فقط ، ثمّ عزله الرشيد وعيّن مكانه جعفر بن أبي جعفر المنصور.
٢٩ ـ موسى بن عيسى
:
أعاده هارون
الرشيد على إمارة الكوفة للمرة الثانية وذلك بعد عزل يحيى بن بشر بن جحوان الحارثي
، ثمّ عزله وعيّن مكانه أبنه خليفته (العبّاس بن موسى بن عيسى) .
٣٠ ـ جعفر بن أبي
جعفر المنصور :
هو : جعفر (الأصغر)
بن أبي جعفر المنصور ، وكنيته : ابن الكرديه ، (أبو الفضل) . كان لأبي جعفر المنصور : عدّة أولاد ، من عدة نساء
منهم :
١ ـ جعفر
الأكبر : وأمّه : أروى بنت منصور الحميري ، وقد مات في زمن أبيه المنصور سنة (١٥٠)
للهجرة .
__________________
٢ ـ جعفر
الأصغر : وأمّه : أمّ ولد كرديّة ، ولذلك يقال لابنها (ابن الكرديّة).
وقيل إنّ الّذي
مات هو جعفر الأصغر ، وليس جعفر الأكبر .
ولّي جعفر بن
أبي جعفر المنصور إمارة الكوفة ، ولّاه إيّاها الخليفة هارون الرشيد غير أنّه لم
يذهب اليها ، فعزله ، وولّى مكانه منصور بن عطاء الخراساني .
وفي سنة (١٨٢)
للهجرة ، أخذ هارون الرشيد البيعة لابنه (المأمون) بعد أخيه الأمين في (الرقة) بعد
انصرافه من مكّة ، ثمّ أرسل ابنه المأمون إلى بغداد ، ومعه أهل بيته : جعفر بن أبي
جعفر المنصور ، وعبد الملك بن صالح ، ومن القادة : عليّ بن عيسى بن ماهان ، ولمّا
وصلوا إلى بغداد ، تمّت البيعة فيها أيضا للمأمون ، ثمّ ولّاه أبوه خراسان ، وما
يتصل بها إلى همدان .
وفي سنة (٤٤٣)
للهجرة ، حدثت فتنة في بغداد ، حرق أثنائها ضريحي الإمامين موسى بن جعفر ومحمّد
الجواد (عليهماالسلام) وكذلك احترق ما يقابلها من قبور ملوك آل بويه : (معزّ
الدولة) و (جلال الدولة) وكذلك حرقت قبور الوزراء والرؤساء وكذلك حرق قبر جعفر بن
أبي جعفر المنصور ، وقبر الأمين بن هارون الرشيد وقبر الست (زبيدة) .
وكان جعفر بن
الكرديّة ، يحبّ مطيع بن إياس ، ويحترمه كثيرا ، وكان حماد الراوية صديقا لمطيع بن
إيّاس ، وأراد مطيع أن يعمل معروفا لصديقه حماد الراوية فذهب مطيع إلى جعفر بن
الكرديّة ، وقال له : بأن حماد الراوية ،
__________________
من الذين ينشدون أشعار الأقدمين ، ويحفظ عنهم روايات كثيرة ، فقال له جعفر
: آتنا به لنراه ، فذهب مطيع إلى حماد (فرحا) وأخبره بأن الأمير جعفر قد طلبه
لسماع ما عنده من أشعار ، فقال له حماد : (دعني يا أخي ، فإنّ دولتي كانت مع بني
أميّة ، ومالي عند هؤلاء خير). فألح عليه مطيع حتّى وافق.
فذهب حماد
الراوية ، واستعار سوادا ، وسيفا ، ثمّ ذهبا سوية إلى جعفر ، فلما دخل عليه حماد ،
فسلّم عليه ، ثمّ أمره جعفر بالجلوس ، فجلس. فقال جعفر : يا حماد أنشدني. فقال حماد
: لمن أيّها الأمير؟ ألشاعر معيّن؟ أو بدون تعيين؟ فقال جعفر : بل أنشدني لجرير.
فقال حماد :
|
بان الخليط
برامتين فودعوا
|
|
أو كلّما
اعتزموا لبين تجزع
|
إلى أن وصل إلى
قول جرير :
|
وتقول بوزع
قد دببت على العصا
|
|
هلا هزئت
بغيرنا يا بوزع
|
فسأله جعفر : (ما
معنى بوزع)؟ فقال له حماد : إنّه اسم امرأة. فقال له جعفر : (امرأة أسمها بوزع)؟
هو بريء من الله ورسوله ، ونفى من العبّاس بن عبد المطلب ، إن كانت بوزع ، إلّا
غولا من الغيلان ، تركتني والله يا هذا لا أنام هذه الليلة من فزع بوزع ، يا غلمان
عليكم بالعصى ، فضربوه بالعصي على ظهره ، حتّى أغمي عليه ، ثمّ جرّوه من رجله
وأخرجوه ، وقد تمزق السواد وانكسر السيف. ثمّ ذهب إليه مطيع يواسيه لما حلّ به ،
فقال له حمّاد : ألم أخبرك بأنّي لا أصيب منهم خيرا ، وأنّ حضي قد مضى مع بني
أميّة.
وحجّ بالناس
جعفر سنة (١٤٨) للهجرة.
مات جعفر بن
أبي جعفر المنصور سنة (١٨٦) للهجرة ، عند هرثمة بن
__________________
أعين .
٣١ ـ منصور بن عطاء
الخراساني :
ولّاه هارون
الرشيد إمارة الكوفة ، وذلك بعد عزل جعفر بن أبي جعفر المنصور ، ثمّ عزله وولّى
مكانه موسى بن عيسى .
٣٢ ـ موسى بن عيسى
:
أعاده هارون
الرشيد على إمارة الكوفة ، وذلك بعد عزل منصور بن عطاء الخراساني .
٣٣ ـ محمّد (الأمين)
بن هارون الرشيد :
استخلفه أبوه
هارون الرشيد على بغداد سنة (١٨٠) للهجرة ، وولّاه (العراقين) وذلك عند ذهابه (أي الرشيد)
الى الرقة ، وولّاه الشام إلى آخر المغرب.
أمّه : الستّ
زبيدة إبنة جعفر (الأكبر) بن أبي جعفر المنصور ، وكنيته : أبو عبيدة. وكان الأمين
: شديد البطش والقوّة ، إلّا أنّه ضعيف الإرادة ، قليل التدبير ، غير مفكّر بعواقب
الأمور ، انشغل بالترف والملذّات ، وترك الأمر بيد الفضل بن الربيع.
__________________
وعند ما ذهب
الرشيد إلى مكّة سنة (١٨٦) للهجرة ، عهد بالخلافة إلى أولاده الثلاثة : محمّد (الأمين)
وعبد الله (المأمون) والقاسم (المؤتمن) تباعا ، وكتب العهد ووضع داخل البيت الحرام
(الكعبة) وأشهد القضاة بذلك .
وكان الرشيد قد
أعطى ولاية العهد لأبنه (الأمين) قبل أخيه (المأمون) بتأثير من زوجته (الستّ زبيدة) وبتأثير آخر من جانب
حاشيته ، ذلك لأن (الأمين) من أصل عربيّ ، والمأمون كانت أمّه من أسرة أعجمية.
فالأمين كان يسيطر بأصله العربي على الإمارات الّتي يعيش فيها العرب ، والمأمون
بأصله الفارسي كان يسيطر على الإمارات الفارسيّة.
ووقف وراء
الأمين رجل مهم ذلك هو الفضل بن الربيع (وكان وزيرا للرشيد) ، ووقف خلف المأمون
رجل آخر ، لا يقل أهميّة عن مثيله ، ألا وهو الفضل بن سهل .
وقال هارون
الرشيد في أبنيه الأمين والمأمون : (إنّي لأتعرّف في عبد الله حزم المنصور ، ونسك
المهدي ، وعزّة نفس الهادي ، فلو أشأ أن أنسبه الرابعة فيّ لنسبته ، وإنّي لأرضى سيرته
، وأحمد طريقته ، وأستحسن سياسته ، وأرى قوته وذهنه ، وأمن ضعفه ووهنه ، وإنّي
لأقدّم (محمّد) عليه ، وأعلم أنّه منقاد لهواه ، متصرّف في طريقه ، مبذّر لمّا
حوته يده ، مشارك للنساء والإماء في رأيه ، ولو لا (أمّ جعفر) وميل بني هاشم إليه لقدمت عبد الله عليه) .
وقيل إنّ هارون
الرشيد قد ندم على توليته (الأمين) قبل أخيه (المأمون)
__________________
وقال :
|
لقد بان وجه
الرأي لي غير أنّني
|
|
غلبت على
الأمر الّذي كان أحزما
|
|
فكيف يرد
الدّر في
الضرع بعد ما
|
|
توزّع حتّى
صار نهبا مقسما
|
|
أخاف التواء
الأمر بعد استوائه
|
|
وأن ينقض
الحبل الّذي كان أبرما
|
وفي سنة (١٩٣) للهجرة مات هارون الرشيد ، وبويع للأمين بالخلافة في
يوم وفاة أبيه.
وقيل إنّ
الأمين بعد مبايعته بالخلافة بيوم واحد ، أمر ببناء ميدان حول قصر المنصور
للصولجان واللعب ، فقال الشاعر :
|
بنى أمين
الله ميدانا
|
|
وصيّر الساحة
ميدانا
|
|
وكانت
الغزلان فيه بانا
|
|
يهدى إليه
فيه غزلانا
|
وعند ما جاء
الأمين للخلافة ، اشترى الخصيان ، وجعلهم لخلوته ، في ليله ونهاره ، وأمره ونهيه ،
وطعامه وشرابه ، وترك النساء ، والحرائر ، والإماء ، وفي ذلك قال الشاعر :
|
لهم من عمره
شطر وشطر
|
|
يعاقر فيه
شرب الخندريس
|
|
وما للغانيات
لديه حظّ
|
|
سوى التقطّب
بالوجه العبوس
|
|
إذا كان
الرئيس كذا سقيما
|
|
فكيف صلاحنا
بعد الرئيس
|
|
فلو علم
المقيم بدار
طوس
|
|
لعزّ على
المقيم بدار طوس
|
وقيل صنعت
للأمين خمسة سفن ، تمرّ في نهر دجلة ، إحداها على
__________________
شكل أسد ، والثانية بصورة فيل ، والثالثة على شكل عقاب ، والرابعة بهيأة
حيّة ، والخامسة على شكل فرس ، وقد أنفق عليها أموالا طائلة ، وفيها قال أبو نؤاس :
|
سخّر الله
للأمين المطايا
|
|
لم تسخر
لصاحب المحراب
|
|
فإذا ما
ركابه سرن برّا
|
|
سار في الماء
راكبا ليث غاب
|
|
عجب الناس إذ
رأوك على صو
|
|
رة ليث تمرّ
مرّ السحاب
|
|
ذات زور
ومنسر وجناحي
|
|
ن تشقّ
العباب بعد العباب
|
|
تسبق الطير
في السماء إذا ما
|
|
استعجلوها
بجيئة وذهاب
|
ولم تمض سنة
واحدة على خلافة الأمين حتّى دبّ الخلاف بينه وبين أخيه المأمون بتحريض من الفضل
بن الربيع ، وعليّ بن عيسى بن ماهان ، وأشارا عليه بخلع أخيه المأمون ، والعهد
لأبنه (موسى) بالخلافة ، فأمر الأمين بالدعاء لأبنه على المنابر
بالأمرة ، وسماه (الناطق بالحقّ) وكتب إلى أخيه المأمون التنازل عن الخلافة إلى
أبنه (موسى). فقال رجل أعمى من أهل بغداد في ذلك الوقت :
|
أضاع الخلافة
غش الوزير
|
|
وفسق الإمام
ورأي المشير
|
|
وما ذاك إلّا
طريق الغرور
|
|
وشرّ المسالك
طرق الغرور
|
|
فعال الخليفة
أعجوبة
|
|
وأعجب منها
فعال الوزير
|
|
وأعجب من ذا
وذا إنّنا
|
|
نبايع للطفل
الصغير
|
|
وما ذاك إلّا
بباغ وعاد
|
|
يريدان نقض
الكتاب المنير
|
|
وهذا لو لا
انقلاب الزمان
|
|
أفي العير
هذان أم في النفير!؟
|
__________________
وتألم المأمون
كثيرا لمّا أقدم عليه أخوه الأمين ، فدعا الفضل بن سهل وأخاه الحسن بن سهل ،
والخاصّة من الرؤساء والأعلام ، وشاورهم في الأمر ، فأشاروا عليه بالرفض ، ودعوة
الناس إلى مبايعته بالخلافة في خراسان ، وخلع أخيه الأمين.
ثمّ جرت بعد
ذلك بين الأخوين مكاتبات ، أعقبتها تهيأة الجيوش والاستعداد للحرب ، ثمّ دارت
معارك ضارية بين أنصار الأخوين ، واستمرّت سنين عديدة .
وقيل : عند ما
أرسل الأمين جيشه لمحاربة أخيه المأمون بقيادة عليّ بن عيسى بن ماهان ، قالت الست (زبيدة)
لعلي بن عيسى : (إن أمير المؤمنين وإن كان ولدي ، واليه تناهت شفتي ، وعليه تكامل
جذري ، فإنّي على عبد الله مشفقة لمّا يحدث عليه من مكروه وأذى ، وإنّما إبني ملك
نافس أخاه في سلطانه ، وغاراه على ما في يده ، والكريم يؤكل لحمه ، ويميته غيره ،
فأعرف لعبد الله حق والده وأخوته ، ولا تجببه بالكلام ، فإنك لست نظيره ، ولا
تقتسره اقتسار العبيد ، ولا ترهقه بقيد ، ولا غل ، ولا تمنع منه جارية ولا خادما
وتعنف عليه في السير ، ولا تساوره في المسير ، ولا تركب قبله ، ولا تستقل دابتك
حتّى تأخذ بركابه ، وإن شتمك ، فاحتمل منه ، وإن سفه عليك فلا تراده) . ثمّ أعطته قيدا من فضة وقالت له : (إن صار في يدك
فقيده بهذا القيد).
وفي سنة (١٩٧) للهجرة ، حوصر الأمين ببغداد من قبل قادة المأمون ،
ونصبت المجانيق ، وحفرت الخنادق والمتاريس ، وأخذ (زهير بن
__________________
المسيب الضبي) يلقي النيران على بغداد ، بلا رحمة وهوادة ، ويقتل الناس دون
تمييز ، كما وكان أصحاب الأمين ، يقتلون الرائح والغادي بالنيران والمجانيق ، وفي
ذلك قال عمرو بن عبد الملك العتري الوراق :
|
لا تقرب المنجنيق
والحجرا
|
|
فقد رأيت
القتيل إذ قبرا
|
|
ما ذا به من
نشاط ومن
|
|
صحة جسم به
إذا ابتكرا
|
|
أراد ألّا
يقال كان له
|
|
أمر فلم يدر
من به أمرا
|
|
يا صاحب
المنجنيق ما فعلت
|
|
كفّاك ، لم
تبق ولم تذرا
|
|
كان هواه سوى
الّذي قدرا
|
|
هيهات ، لن
يغلب الهوى القدرا
|
فكثر الخراب
والدمار في بغداد ، وتغيرت محاسنها ، فقال العتري أيضا :
|
يا رماة
المنجنيق
|
|
كلّكم غير
شفيق
|
|
ما تبالون
صديقا
|
|
كان أو غير
صديق
|
|
ويلكم تدرون
ما تر
|
|
مون مرّار
الطريق
|
|
ربّ خود ذات
دل
|
|
وهي كالغصن
الوريق
|
|
أخرجت من جوف
دنيا
|
|
ها ومن عيش
أنيق
|
|
لم تجد من
ذاك بدا
|
|
أبرزت يوم
الحريق
|
ثمّ اشتدّ
القتال ضراوة بين الطرفين ، وخرّجت الديار ، وغلت الأسعار ، وقاتل الأخ أخاه ،
والابن أباه ، فقال الأعمى في ذلك :
|
تقطعت
الأرحام بين العشائر
|
|
وأسلمهم أهل
التقى والبصائر
|
|
فذاك انتقام
الله من خلقه بهم
|
|
لم اجترموه
من ركوب الكبائر
|
|
فلا نحن
أظهرنا من الذنب توبة
|
|
ولا نحن
أصلحنا فساد السرائر
|
إلى آخر
القصيدة.
__________________
وقيل : كان عند
الأمين خادما أسمه (كوثر) يحبّه كثيرا ، فخرج كوثر هذا أثناء حصار الأمين ليرى
المعارك ، فأصابته رجمة في وجهه ، فأخذ يبكي ، من شدّة الألم ، فأخذ الأمين يمسح
الدم عن وجهه وقال :
|
ضربوا قرة
عيني
|
|
ومن أجلي
ضربوه
|
|
أخذ الله
لقلبي
|
|
من أناس
أحرقوه
|
وعجز الأمين عن
إتمام شعره ، لكثرة حزنه وألمه على خادمه (كوثر) فطلب من عبد الله بن أيّوب التيمي
الشاعر ، أن يكمل فقال :
|
ما لمن أهوى
شبيه
|
|
فبه الدنيا
تتيه
|
|
وصله حلو
ولكن
|
|
هجره مر كريه
|
|
من رأى الناس
له الفض
|
|
ل عليهم
حسدوه
|
|
مثل ما قد
حسد القا
|
|
ئم بالملك
أخوه
|
ثمّ اشتدّ
الحصار على الأمين ، وقتل أكثر أصحابه ، وانهزم بالباقون ، فقرّر الهروب ، وعند
هروبه إلى معسكر هرثمة بن أعين ليلا ، ألقي القبض عليه ، فقتلوه ، وذبحوه كما تذبح
الشاة ، وبعثوا برأسه إلى أخيه المأمون في خراسان ، وذلك سنة (١٩٨) للهجرة.
وقال طاهر بن
الحسين حين قتل الأمين :
|
ملكت الناس
قسرا واقتدارا
|
|
وقتلت
الجبابرة الكبارا
|
|
ووجهت
الخلافة نحو مرو
|
|
إلى المأمون
تبدر ابتدارا
|
__________________
وقال الحسين بن
الضحاك يرثي الأمين ويهجو المأمون :
|
أطل حزنا
وابك الإمام محمّدا
|
|
بحزن وإن خفت
الحسام المهندا
|
|
فلا تمّت
الأشياء بعد محمّد
|
|
ولا زال شمل
الملك منها مبددا
|
|
ولا فرح
المأمون بالملك بعده
|
|
ولا زال في
الدنيا طريدا مشردا
|
وقالت لبانة
ابنة عليّ بن المهدي :
|
أبكيك لا
للنعيم والأنس
|
|
بل للمعالي
والرمح والترس
|
|
أبكي على
سيّد فجعت به
|
|
أرملني قبل
ليلة العرس
|
وقال خزيمة بن
الحسن على لسان الستّ (زبيدة) أمّ الأمين يرثيه :
|
أتى طاهر لا
طهّر الله طاهرا
|
|
فما طاهر
فيما أتى بمطهّر
|
|
فأخرجني
مكشوفة الوجه حاسرا
|
|
وأنهب أموالي
وأضرب أدؤري
|
|
يعز على
هارون ما قد لقيته
|
|
وما مرّ بي من
ناقص الخلق أعور
|
وقيل : عند ما
قتل الأمين جرت جثته بحبل ، وسحل في الشوارع ، فلّما رآه إبراهيم بن المهدي بكى
طويلا وقال :
|
عوجا بمغنى
طلل دائرا
|
|
بالخلد ذات
الصخر والآجر
|
|
وأبلغا عني
مقالا إلى ال
|
|
مولى عن
المأمور والآمر
|
|
قولا له : يا
ابن ولي الهدى
|
|
طهّر بلاد
الله من طاهر
|
|
لم يكفه إن
جزّ أوداجه
|
|
ذبح الهدايا
بمدى الجازر
|
|
حتّى أتى
تسحب أوصاله
|
|
في شطن يغني
به السائر
|
وذهب المأمون
إلى الستّ (زبيدة) يعزيها بولدها (الأمين) فبكيا
__________________
طويلا ، وتبرأ من قتله ، وقيل إنّه قال لها : (يا ستّاه ، لا تأسفي عليه ،
فإنّي عوضه لك). فقالت زبيدة : يا أمير المؤمنين ، كيف لا آسف على ولد خلّف أخا
مثلك) .
ولمّا أراد
الانصراف ، أقسمت عليه (زبيدة) بتناول الغداء سويّة ، ولمّا فرغا من الغداء ، جاءت
جارية من جواري الأمين ، فغنت له من شعر الوليد ابن عقبة :
|
هم قتلوه كي
يكونوا مكانه
|
|
كما غدرت
يوما بكسرى مرازبه
|
|
فألا يكونوا
قاتليه فإنّه
|
|
سواء علينا
ممسكاه وضاربه
|
قتل الأمين في
شهر ربيع الأول من سنة (١٩٨) للهجرة ، وعمره (٢٨) سنة ، وقيل في شهر محرم من سنة (١٩٨)
وكان عمره (٢٧) سنة.
وقيل كان عمره (٢٩)
سنة وثلاثة أشهر وبضعة أيّام ، ومدّة حكمه أربع سنوات وثمانية أشهر وثمانية عشر
يوما .
٣٤ ـ العبّاس بن موسى
الهادي :
هو العبّاس بن
الخليفة موسى (الهادي) بن محمّد (المهدي) بن أبو جعفر المنصور بن محمّد بن عليّ بن
عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب.
كان على إمارة
الكوفة سنة (١٩٥) للهجرة ، من قبل (الأمين) بن هارون الرشيد.
__________________
وعند ما أخذت
جيوش طاهر بن الحسين تتقدّم ، وتتوالى انتصاراتها حتّى وصلت إلى الأهواز ، ومنها
إلى واسط ، فهرب السندي بن يحيى الحرشي (الأمير عليها آنذاك) وقال كلمته المشهورة
: (فإنّه طاهر ولا عار علينا إذا هربنا منه). ثمّ أرسل طاهر بن الحسين أحد قادته
وهو (أحمد بن المهلّب) إلى الكوفة ، وكان عليها حينذاك (العبّاس بن موسى الهادي)
وقيل (الفضل بن العبّاس بن موسى بن عيسى). فلمّا سمع العبّاس بمجيء أحمد بن
المهلّب ، خلع (الأمين) وأعلن بيعته (للمأمون) ، كان ذلك في شهر رجب من سنة (١٩٦) للهجرة ، وعندها أقرّه طاهر بن الحسين على إمارة الكوفة
.
وفي سنة (١٨٣) للهجرة ، حجّ بالناس العبّاس بن موسى الهادي ، وكذلك
حجّ بالناس سنة (١٨٩) للهجرة.
وفي سنة (٢٠٢)
للهجرة ، تمّت البيعة لإبراهيم بن المهدي ، وتمّت سيطرته على الكوفة والسواد
بأكمله ، ثمّ عسكر بالمدائن ، فولّى الجانب الشرقيّ من بغداد إلى العبّاس بن موسى
الهادي والجانب الغربيّ منها إلى أخيه إسحاق بن موسى الهادي.
وقال إبراهيم
بن المهدي :
|
ألم تعلموا
يا آل فهر بأنّني
|
|
شريت بنفسي
دونكم في المهالك
|
وكتب طاهر بن
الحسين إلى العبّاس بن موسى الهادي ، عند ما تأخر
__________________
العبّاس عن إرسال الخراج إليه فقال :
|
وليس أخو
الحاجات من بات نائما
|
|
ولكن أخوها
من يبيت على رحل
|
٣٥ ـ الفضل بن العبّاس بن موسى بن عيسى :
وعند ما سمع
الأمين بأن العبّاس بن موسى الهادي (أمير الكوفة) قد بايع للمأمون ، عزله وأرسل
مكانه (الفضل بن موسى بن عيسى) وأرسل معه جيشا كبيرا ، ولمّا سمع طاهر بن الحسين
بذلك أرسل محمّد بن العلاء لملاقاة (الفضل) فتلاقيا بقرية الأعراب ،
فأرسل إليه (الفضل) يخبره بأنّه سامع ومطيع ، وأنّ خروجه كان كيدا للأمين. فقال
محمّد بن العلاء : (لست أعرف ما تقول ، فإن أردت طاهرا فارجع وراءك فهو أسهل
الطريق).
فرجع (الفضل)
فقال ابن العلاء لأصحابه : كونوا على حذر ، فإنّي لا آمن مكره وخداعه ، وفعلا رجع
الفضل بن موسى إلى ابن العلاء ، وهو يظنّ أنه غير مستعد للقتال ، فرآه متيقظا ،
حذرا ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، انهزم خلال القتال الفضل بن موسى ومن معه ، كان ذلك
سنة (١٩٦) للهجرة. وقد قتل في تلك المعركة الكثير من أصحاب الفضل
، كما وأسّر الكثير منهم أيضا ، وكان من جملة الأسرى إسماعيل بن محمّد القرشي
وجمهور النجاري .
وذكر الطبري في
تاريخه : بأن الفضل بن العبّاس بن موسى قد بايع للمأمون سنة (١٩٦) للهجرة ، وذلك
عند دخول طاهر بن الحسين إلى الكوفة .
__________________
ثمّ ذهب الفضل
بن العبّاس مع داود بن عيسى إلى مكّة ، حيث أنّ المأمون قد جعل داود بن عيسى أميرا
على موسم الحجّ ، ودعا داود في مكّة بالخلافة للمأمون ، وكان هذا أوّل موسم دعي
فيه للمأمون بالخلافة في مكة والمدينة .
وعند ما كان
الفضل بن العبّاس أميرا على المدينة سنة (٢٦٩) للهجرة ، أعطى قلنسوة لشاعر فقال الشاعر :
|
كساك فضل بن
عبّاس قلنسوة
|
|
هذا السخاء
الّذي قد شاع في الناس
|
|
لو كان ضمّ
اليها الجوربين معا
|
|
كفى إذا كسوة
الرجلين والرأس
|
٣٦ ـ طاهر بن الحسين :
هو : طاهر بن
الحسين بن مصعب بن زريق الخزاعي ، وكنيته : أبو طلحة وأبو الطيّب.
وطاهر بن
الحسين ، هو من كبار الوزراء والقادة ، أدبا ، وحكمة ، وشجاعة ، وهو الّذي وطّد
الحكم للمأمون ، وقضى على أخيه الأمين .
ولد طاهر بن
الحسين في (بوسنج) في خراسان ، ثمّ سكن بغداد ، فاتصل بالمأمون في صباه ، وكانت
لأبيه منزلة جيدة عند هارون الرشيد ، وقد لقبه المأمون (بذي اليمينين) لأنّه تولّى إمارة العراق وإمارة خراسان.
وقيل لأنه ضرب
رجلا فقطعه إلى نصفين ، وكان طاهر أعورا ، فقال فيه
__________________
عمرو بن بانه :
|
يا ذا اليمينين
وعين واحدة
|
|
نقصان عين
ويمين زائدة
|
وعند ما كان
طاهر بن الحسين صغيرا ، رأى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في منامه ، فقال له النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : (يا طاهر ، إنّك ستبلغ من الدنيا أمرا عظيما ، فاتّق
الله واحفظني في ولدي ، فإنك لا تزال محفوظا ما حفظتني في ولدي) . فكان طاهر لا يتعرض لعلوي طيلة حياته.
وفي سنة (١٩٦)
عاد طاهر بن الحسين من خراسان إلى واسط ، فأرسل أحمد بن المهلّب إلى الكوفة ، وكان
أميرها آنذاك (العبّاس بن موسى الهادي) من قبل الخليفة (الأمين) ، فلما سمع
العبّاس بن موسى بمجيء أحمد ابن المهلب خلع الأمين وبايع المأمون ، عندها أقرّه
طاهر بن الحسين على إمارة الكوفة . فتمّ لطاهر ما بين واسط إلى الكوفة.
ولمّا مات
الرشيد ، وجاء من بعده ابنه (الأمين) فخلع الأمين أخاه المأمون من ولاية العهد (وكان
المأمون حينذاك في خراسان) فانتدب المأمون إليه طاهر بن الحسين ، للزحف إلى بغداد
، فحاصرها حوالي السنة ، فضجر الأهالي ، وملوا من طول الحصار ، ومن شراسة الحرب
بين الطرفين ، وأخيرا انهزم الأمين فألقوا القبض عليه ، ثمّ قتلوه ، وجيء برأسه و
(الخاتم والقضيب والبردة) إلى المأمون في خراسان ، وقيل أرسل رأس الأمين بيد محمّد
بن الحسين بن مصعب (أخو طاهر) وقال له : (أذهب إلى أمير
__________________
المؤمنين بهذا الرأس والبرده وقل له : وجهت إليك الدنيا والآخرة) . ثمّ بعث كتابا إلى المأمون جاء فيه : (أما بعد ، فإنّ
المخلوع ، وإن كان قسيم أمير المؤمنين في النسب واللّحمة ، لقد فرق الله بينهما في
الولاية والحرمة ، لمفارقته عصمة الدين ، وخروجه من الأمر الجامع للمسلمين قال
الله عزوجل : (يا نُوحُ إِنَّهُ
لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) ، ولا حيلة لأحد في معصية الله ، ولا قطيعة في ذات الله
، وقتل المخلوع ، ورده الله رداء نكبه ، وأحمد لأمير المؤمنين بنعمته ، والراجع
إليه بمعلوم حقّه ، والكائد له ممّن ختر عهده ، ونكث وعده ، حتّى ردّ الألفة بعد
تفريقها ، وأحيا الأحلام بعد درس أثرها ومكّن له الأرض بعد شتات الأهل) .
وبعد ما قتل
الأمين ، وتمّت البيعة للمأمون في العراق ، تولى طاهر بن الحسين رئاسة شرطة بغداد
، ثمّ ولّاه المأمون : الجزيرة والشام والمغرب ثمّ الموصل ، وذلك سنة (١٩٨) للهجرة
.
وفي شهر محرم
من سنة (٢٠٥) للهجرة ، تولّى طاهر بن الحسين من مدينة بغداد إلى أقصى عمل المشرق (ومعنى
هذا أنّ بضمنها مدينة الكوفة) ولّاه إيّاها المأمون ثمّ أعطاه عشرة آلاف ألف درهم .
وعند ما كان
طاهر بن الحسين في (الرّقة) وكان راكبا جواده ، ومعه
__________________
بعض قادته فقال :
|
عليكم بداري
، فاهدموها ، فإنّها
|
|
تراث كريم لا
يخاف العواقبا
|
|
إذا همّ ألقى
بين عينيه عزمه
|
|
وأعرض عن ذكر
العواقب جانبا
|
|
سأدحض عني
العار بالسيف جانبا
|
|
على قضاء
الله ما كان جالبا
|
ثمّ رجع إلى
مجلسه ، فوجد أوراقا ، يطلب فيها أصحابه (المساعدة) فوقع عليها ، فكان مجموع
مبالغها : ألف ألف وسبعمائة درهم. ثمّ نظر إلى أحد أصدقائه وقال له : (ما ذا تقول
في هذا المجلس)؟ فقال القائد : (ما رأيت أنبل من هذا المجلس ، ولا أحسن منه ،
ولكنه ، أصلح الله الأمير ، إنّه سرف). فقال طاهر :السرف من الشرف.
وقيل إنّ بعض
الشعراء ، وقف على باب طاهر بن الحسين ثلاث سنين ، ولم يتمكن من الوصول إليه ،
فقيل له : إنّ يوم غد سيكون الأمير في الميدان للّعب بالصولجان ، فذهب الشاعر إلى
الميدان ، وكان محاطا بالحرس ، فألقى بنفسه أمام طاهر ، فقال له طاهر : من أنت؟
قال : لي بيتين من الشعر.
قال طاهر :
هاتهما ، فقال الشاعر :
|
أصبحت بين
خصاصة وتجمّل
|
|
والحرّ
بينهما يموت تجمّلا
|
|
فامدد اليّ
يدا تعوّد بطنها
|
|
بذل النوال
وظهرها التقبيلا
|
فأعطاه عشرين
ألف درهم.
وكتب الشاعر
إسماعيل بن جرير البجلي إلى طاهر بن الحسين
__________________
الأبيات التاليّة :
|
رأيتك لا ترى
إلّا بعين
|
|
وعينك لا ترى
إلّا قليلا
|
|
فأما إذا
أصبت بفرد عين
|
|
فخذ من عينك
الأخرى كفيلا
|
|
فقد أيقنت
أنّك من قليل
|
|
بظهر الكفّ
تلتمس السبيلا
|
فلمّا قرأ طاهر
الأبيات مزّقها ، ثمّ أمر بإكرامه.
ومن شعر طاهر
بن الحسين أنّه قال :
|
إعمل صوابا
تنل بالحزم مأثرة
|
|
فلن يذّم
لأهل الحزم تدبير
|
|
فإن هلكت
مصيبا أو ظفرت به
|
|
فأنت عند ذوي
الألباب معذور
|
|
وإن ظهرت على
جهل وفزت به
|
|
قالوا : جهول
أعانته المقادير
|
|
أنكد بدنيا
ينال المخطئون به
|
|
حظّ المصيبين
والمقدور مقدور
|
ومن شعره أيضا :
|
لا تبخلنّ
بدنيا وهي مقبلة
|
|
فليس يذهبها
التبذير والسرف
|
|
فإن تولّت
فأحرى أن تجود بها
|
|
فالحمد منها
إذا ما أدبرت خلف
|
وقد مدحه مقدّس
بن صيفي الخلوقي الشاعر بثلاث أبيات هي :
|
عجبت لحرّاقة
ابن الحسين
|
|
لا غرقت كيف
لا تغرق
|
|
وبحران من
فوقها واحد
|
|
وآخر من
تحتها مطبق
|
|
وأعجب من ذاك
أعوادها
|
|
وقد مسّها
كيف لا تورق؟!
|
فأعطاه ألف
دينار ، وقال له : زد حتّى نزيدك.
__________________
وقال محمّد بن
عليّ الصيني يمدح طاهر بن الحسين :
|
كأنّك مطلع
في القلوب
|
|
إذا ما تناجت
أسرارها
|
|
فكسرات طرفك
ممتدّة
|
|
إليك بغامض
أخبارها
|
ودخل طاهر بن
الحسين على المأمون ذات يوم ، فلما رآه المأمون ، ترقرقت عيناه بالدموع ، فقال
طاهر : (يا أمير المؤمنين ، لم تبك ، لا أبكى الله عينيك ، والله لقد دانت لك
البلاد ، وأذعن لك العباد ، وصرت إلى المحبة في كلّ أمرك)؟ .
فقال المأمون :
(أبكي لأمر ، ذكره ، ذلّ ، وستره حزن ، ولن يخلو أحد من شجن) . فلما خرج طاهر من عند المأمون ، أعطى لكاتب المأمون
مائة ألف درهم وأعطى لخادمه (حسين) مائتي ألف درهم ، وطلب منه أن يسأل المأمون عن
سبب بكائه .
وبعد ما تغدّى
المأمون ، طلب من خادمه (حسين) أن يسقيه ، فقال الخادم : لا والله لا أسقيك حتّى
تقول لي : لم بكيت حينما دخل عليك طاهر؟
فقال له
المأمون : وما ذا يعنيك من أمر ذلك؟
فقال الخادم :
لغمّي عليك وتأثري.
فقال المأمون :
(إنّي ذكرت محمّدا (أخي) وما أصابه من الذلّ ، فخنقتني العبرة ، فاسترحت إلى
الإفاضة ، ولن يفوت طاهرا منّي ما يكره) .
ثمّ تمكّن طاهر
بن الحسين ، وبذكائه الحاد ، أن يأخذ موافقة المأمون
__________________
على توليته إمارة خراسان ، هربا منه ، فوافق المأمون على ذلك.
ولمّا استقرّ
طاهر في خراسان ، خلع المأمون من الخلافة (يوم الجمعة) وقطع له الدعاء ، وقال في
خطبته : (اللهم أصلح أمّة محمّد بما أصلحت به أوليائك ، واكفها مؤونة من بغى عليها)
. ولم يزد على ذلك شيئا ، مما تعارف عليه بالخطبة من الثناء على الخليفة ،
والدعاء له بطول البقاء. ثمّ خلع طاهر (السواد) وهو شعار العباسيين ، فعرض له عارض
فمات في ليلته ، وقيل قتله أحد غلمانه في تلك الليلة ، وقيل مات مسموما.
وعند ما سمع
المأمون بموت طاهر قال : (لليدين وللفم ، الحمد لله الّذي قدّمه وأخرنا). وقيل
إنّه قال : (وكفى الله المأمون مؤونته) .
مات طاهر بن
الحسين في شهر جمادي الأولى من سنة (٢٠٧) للهجرة.
وقال بعضهم
يرثي طاهر بن الحسين :
|
فلئن كان
للمنيّة رهن
|
|
إنّ أفعاله
لرهن الحياة
|
|
ولقد أوجب
الزكاة على قو
|
|
م وقد كان
عيشهم بالزكاة
|
٣٧ ـ الحسن بن سهل :
هو : الحسن بن
سهل بن عبد الله السرخسي ، وكنيته : أبو محمّد.
والحسن بن سهل
من بيت حشمة من المجوس ، أسلم أبوه في زمن البرامكة
__________________
وكان قهرمانا ليحيى البرمكي.
ونشأ الفضل بن سهل مع المأمون ، وأصبح وزيرا له ، ثمّ قتل الفضل
فأستوزر المأمون أخاه الحسن بن سهل من بعده.
ولّاه المأمون
في سنة (١٩٨) للهجرة ، على المشرق كلّه وعلى الجزيرة والشام والحجاز واليمن ، وعلى
جميع البلاد الّتي افتتحها طاهر بن الحسين من كور الجبال ، والكوفة والبصرة ،
والأهواز ، فأرسل الحسن بن سهل نوابا عنه إلى تلك الأقاليم. وقد
تزوج المأمون من ابنته (بوران) في (فم الصلح) وأعطى المأمون للحسن على زواج ابنته (بوران) ثمانية
وثلاثين ألف ألف درهم .
وقال الشاعر
محمّد بن حازم الباهلي في زواج المأمون من بوران :
|
بارك الله
للحسن
|
|
ولبوران في
الختن
|
|
يابن هارون
قد ظفر
|
|
ت ولكن ببنت
من؟
|
ولمّا سمع
المأمون بذلك قال : (والله ما ندري : هل هجانا أم مدحنا)؟!.
وقال إبراهيم بن العبّاس مهنئا للحسن بن سهل بزواج ابنته بوران من
المأمون :
__________________
|
ليهنئك أصهار
أذلّت بعزّها
|
|
خدودا وجدعت
الأنوف الرواغما
|
|
جمعت بها
الشملين من آل هاشم
|
|
وحزت بها
للأكرمين الأكارما
|
وقال محمّد بن وهيب يمدح المأمون والحسن بن سهل :
|
اليوم جددت النعماء
والمنن
|
|
فالحمد لله
حلّ العقدة الزمن
|
|
اليوم أظهرت
الدنيا محاسنها
|
|
للناس لمّا
التقى المأمون والحسن
|
وفي سنة (١٩٩) للهجرة ، جاء الحسن بن سهل إلى بغداد (ومعه حميد بن عبد
الحميد وكثير من القادة) نائبا عن المأمون ، وأسند إليه الخراج والحرب ، فعيّن
عماله في البلاد.
وعند ما ثار
محمّد بن إسماعيل بن طباطبا بالكوفة في هذه السنة أي سنة (١٩٩) وانظم إليه أبو
السرايا ، واستوليا على الكوفة ، أرسل طاهر بن الحسين إلى الكوفة زهير بن المسيب
الضبي ، فانهزم زهير ورجع إلى بغداد ، ثمّ أرسل الحسن بن سهل إلى الكوفة عبدوس بن
محمّد بن أبي خالد لمحاربة أبي السرايا ، فوقعت معركة بين الطرفين أسفرت عن مقتل (عبدوس)
وأكثر أصحابه ، ثمّ ذهب أهل الكوفة إلى نهر (صرصر) واستولوا على واسط والبصرة ،
عندها أرسل الحسن بن سهل إلى السندي بن شاهك ، ليخبر هرثمة بن أعين لمواجهته ، ولمّا
جاء هرثمة ، أمره الحسن بن سهل أن يذهب إلى أهل الكوفة لمحاربتهم ، ولمّا وصل
هرثمة إلى نهر (صرصر) فلحق بأهل الكوفة عند قصر ابن هبيرة ، فقتل منهم خلقا كثيرا
، فانهزموا إلى الكوفة .
__________________
وتبعهم هرثمة
إلى هناك ، فكاتبه أهل الكوفة ، عندها هرب أبو السرايا ومحمّد بن محمّد من الكوفة
، فدخلها هرثمة بن أعين ، وأقام بها أيّاما ، ثمّ استخلف عليها (غسان بن أبو الفرج) ثمّ رجع إلى
بغداد ، ومنها ذهب إلى خراسان .
وحارب أهل
بغداد الحسن بن سهل ، ورئيسهم محمّد بن أبي خالد المروزي وأولاده (عيسى ، وهارون ،
وأبو زنبيل). وكان الحسن بن سهل آنذاك في المدائن ، فأصبحت بغداد فوضى لا أمير لها
، ثمّ بايع أهل بغداد إبراهيم بن المهدي ، عندها ذهب إبراهيم إلى محاربة الحسن بن
سهل في المدائن ، إلّا أنّ الحسن قد غادرها ، وذهب إلى واسط ، عند ذلك أقام
إبراهيم ابن المهدي في المدائن .
وفي سنة (٢٠١) للهجرة ، عهد المأمون بالخلافة من بعده إلى الإمام عليّ
بن موسى الرضا (عليهالسلام) وسماّه (الرضيّ من آل محمّد) وأمر جنده بخلع السواد ،
ولبس الخضرة ، وكتب إلى الحسن بن سهل يعلمه بذلك.
ولمّا سمع أهل
بغداد ، وآل بني العبّاس ، غضبوا على المأمون فخلعوه ، وبايعوا إبراهيم بن المهدي
بالخلافة.
ثمّ إنّ الإمام
عليّ بن موسى الرضا (عليهالسلام) أخبر المأمون وقال له : (بأنّ الناس في فتنة وقتال
منذ قتل أخوه (الأمين) ، وأنّ أهل بغداد قد طردوا الحسن بن سهل منها ، وولّوا
عليهم خليفة ، وما عليك إلّا أن تتدبّر الأمر.
__________________
عندها قرر
المأمون الذهاب إلى بغداد ، ولمّا خرج من (مرو) هجم جماعة على الفضل بن سهل فقتلوه في الحمام ، ولمّا
علم المأمون بذلك ، أمر بقتل قاتليه ، وإرسال رؤوسهم إلى أخيه الحسن بن سهل في
واسط ، وأخبره بأنّه قد أصبح في مكان أخيه .
وكان الحسن بن
سهل كثير العطايا للشعراء وغيرهم ، وقد قال فيه الشاعر :
|
وكأنّ آدم
كان قبل وفاته
|
|
أوصاك وهو
يجود بالحوباء
|
|
ببنيه أن
ترعاهم فرعيتهم
|
|
وكفيت آدم
عيلة الأمناء
|
وقال فيه أحد
الشعراء أيضا :
|
تقول خليلتي
لمّا رأتني
|
|
أشدّ مطيتي
من بعد حل
|
|
أبعد الفضل
ترتحل المطايا
|
|
فقلت : نعم
إلى الحسن بن سهل؟
|
وذهب عليّ بن
عبيدة إلى الحسن بن سهل في (فم الصلح) فبقي ثلاثة أشهر على بابه ، ولم يسمح له
بالدخول عليه ، فكتب إليه هذه الأبيات :
|
مدحت ابن سهل
ذي الأيادي وماله
|
|
بذاك يد عندي
ولا قدم
|
|
وما ذنبه والناس
إلّا أقلّهم
|
|
عيال له إن
كان لم يك لي جدّ
|
|
سأحمده للناس
حتّى إذا بدا
|
|
له فيّ رأي
عاد لي ذلك الحمد
|
فكتب إليه
الحسن بن سهل : (باب السلطان يحتاج إلى ثلاث خلال :عقل ، وصبر ، ومال). فكتب إليه
عليّ بن عبيده : (لو كان لي مال ، لأغناني عن الطلب إليك ، أو صبر ، لصبرت عن
الذلّ ببابك ، أو عقل ، لاستدللت به
__________________
على النزاهة عن رفدك). فأعطاه الحسن بن سهل ثلاثين ألف درهم.
وقيل للحسن بن
سهل : إنّ الدواب ، قد أصابها مرض ، فقال : اقتلوا الكلاب ، فقال أبو العواذل :
|
له يومان من
خير وشرّ
|
|
يسلّ السيف
فيه من القراب
|
|
فأمّا الجود
منه فللنصارى
|
|
وأما شرّه
فعلى الكلاب
|
ثمّ تماهل
الناس في قتل الكلاب ، وبعد أن أكلت الكلاب من لحوم الدواب ، استكلبت على الناس
وأخذت تعضهم وتنهشهم ، فاضطروا بعد ذلك إلى قتلها ، وعرفوا صحة ما قال الحسن بن
سهل.
وقيل أراد
الحسن بن سهل مرّة أن يكتب لسقّاء بألف درهم ، فكتب له : ألف ألف درهم. فقال له
الخازن : هل صحيح ما كتبته؟. قال : نعم ، ولن أرجع عما كتبته ، ثمّ تمكّنوا من
مصالحة السقاء على مبلغ يرضيه.
ولمّا مات أخوه
(الفضل بن سهل) حزن عليه حزنا شديدا ، حتّى مرض ، وأصابه الصرع ، فلم يتمكّن بعد
ذلك من مزاولة أعماله ، فحبس في بيته ، بعد أن قيدوه بالحديد ، فاستوزر المأمون
بعده (أحمد بن أبي خالد) وعين دينار بن عبد الله القائد الأعلى لجيشه .
ومن أقوال
الحسن بن سهل : (من أحبّ الازدياد من النعم فليشكر ، ومن أحبّ المنزلة عند السلطان
فليعظه ، ومن أحبّ عزّه فليتواضع ، ومن أحبّ السلامة فليدم الحذر) .
مات الحسن بن
سهل في مدينة سرخس سنة (٢٢٦) للهجرة.
__________________
٣٨ ـ سليمان بن أبي
جعفر المنصور :
هو : سليمان بن
عبد الله (المنصور) بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم ،
وكنيته : أبو أيّوب الهاشمي. ولّاه الحسن ابن سهل (وزير المأمون) إمارة الكوفة .
وكان سليمان قد
ولّي قبل ذلك إمارة دمشق من قبل هارون الرشيد ، ثمّ ولّيت للأمين مرتين ، وولّي
البصرة مرتين أيضا . وكان أميرا على طبرستان.
وعند ما بويع (الأمين)
بالخلافة سنة (١٩٣) للهجرة ، وبايعه أهل بيته فوكّل (الأمين) لسليمان بن أبي جعفر
المنصور بأخذ البيعة له على القادة وغيرهم .
وعند ما حوصر (الأمين)
من قبل طاهر بن الحسين ، وأراد الأمين أن يهرب إلى الشام ، كتب طاهر بن الحسين إلى
سليمان بن أبي جعفر المنصور والى محمّد بن عيسى بن نهيك والسندي بن شاهك أن يمنعوه
من الهرب ، وإلّا فستصادر كافّة ممتلكاتهم ، وسيكونون هم المسئولون عن هروبه . ثمّ اجتمع طاهر بن الحسين ، وهرثمة بن أعين ، والقادة
، وحضر الاجتماع سليمان ابن أبي جعفر المنصور ، وقرروا في اجتماعهم : بأنّه إذا
التجأ الأمين إلى هرثمة فعليه أن يدفع (الخاتم والبردة ومتطلبات الخلافة) إلى طاهر
، إلّا إنّ الأمين خرج ليلا للالتحاق بهرثمة ، فشعر به جند طاهر بن الحسين فقتلوه
، وكان ينادي : (أنا ابن عمّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنا ابن هارون ، أنا أخو المأمون ، الله
__________________
الله في دمي). ثمّ ذبحوه من قفاه ، وقطعوا رأسه ، وأرسلوه إلى طاهر بن
الحسين ، ثمّ أرسله طاهر إلى المأمون.
وعند ما ثار
الحسين بن عليّ بن الحسن (صاحب فخ) سنة (١٦٩) للهجرة ، حاربه كافة أهل بيت الخليفة
العباسي ، ما عدا سليمان بن أبي جعفر المنصور ، لم يشارك في المعركة ، لأنّه كان
مريضا .
وعند ما ثار
أهل دمشق ، كتب سليمان بن أبي جعفر المنصور إلى هارون الرشيد يخبره بثورة أهل دمشق
، فكتب إليه الرشيد : (إستحييت لشيخ ولده المنصور ، أن يهرب عمّن ولدته كنده وطيء
، فهلّا قابلتهم بوجهك ، وأبديت لهم صفحتك ، وكنت كمروان عمّك إذ خرج مصلتا سيفه ،
متمثلا ببيت الجحّاف بن حكيم :
|
متقلّدين
صفائحا هندّية
|
|
يتركن من
ضربوا كمن لم يولد
|
فجالد به حتّى
قتل ، لله أمّ ولدته ، وأب أنهضه) .
وقيل ثار
بالشام السفياني عليّ بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان سنة (١٩٥)
للهجرة ، فطرد عنها سليمان بن أبي جعفر المنصور .
وعند ما ثار
محمّد بن إبراهيم بن طباطبا بالكوفة سنة (١٩٩) للهجرة ، كان سليمان أميرا على
الكوفة من قبل الحسن بن سهل ، ولمّا سمع الحسن بن سهل بثورة ابن طباطبا غضب على
سليمان ، وقلّل من قيمته وتقديره ، ثمّ أرسل زهير بن المسيب الضبي في عشرة آلاف
مقاتل لإخماد ثورة ابن
__________________
طباطبا ، فوقعت معركة بين الطرفين في قرية (شاهي) القريبة من الكوفة ،
أسفرت عن انهزام الضبي ، والاستيلاء على ما كان في جيشه من سلاح ودوابّ وغير ذلك .
ودخل سليمان بن
المنصور يوما على الخليفة (الأمين) وطلب منه أن يقتل أبا نؤاس ، لأنّه زنديق ، حيث
قال :
|
أهدي الثناء
إلى الأمين
|
|
ما بعده
بتجارة متربّص
|
|
صدق الثناء
على الأمين محمّد
|
|
ومن الثناء
تكذّب وتخرص
|
|
قد ينقص
القمر المنير إذا استوى
|
|
هذا ونور
محمّد لا ينقص
|
|
وإذا بنو
المنصور عدّ حصباؤهم
|
|
محمّد
ياقوتها المتخلص
|
ثمّ غضب سليمان
وقال : لو شكوت من عبد الله ما شكوت من هذا الكافر لوجب أن تعاقبه ، فكيف بهذا يا
عمّ؟ وأنّه يقول أيضا :
|
قد أصبح
الملك بالمنى ظفرا
|
|
كأنّما كان
عاشقا قدرا
|
|
حسبك وجه
الأمين من قمر
|
|
إذا طوى
الليل دونك القمرا
|
|
خليفة يعتني
بأمّته
|
|
وإن أتته
ذنوبها غمرا
|
|
حتّى لو
استطاع من تحنتّه
|
|
دافع عنها
القضاء والقدرا
|
ثمّ أخذ سليمان
يقرأ أشعارا أخرى لأبي نؤاس ظنا منه أن يوغر الأمين عليه ولكن الأمين لم يتخذ أيّ
شيء اتّجاه أبي نؤاس ، مما دعا سليمان إلى عدم الذهاب إلى الأمين ، فانقطع عنه.
ثمّ إنّ الأمين
أمر بحبس أبي نؤاس ، ولمّا طال حبس أبي نؤاس كتب إلى الأمين أبياتا نذكر منها :
__________________
|
تذكر أمين
الله والعهد يذكر
|
|
مقامي
وأشاديك والناس حضّر
|
|
ونثري عليك
الدرّ يا درّ هاشم
|
|
فيا من رآى
درّا على الدرّ ينثر
|
ومنها :
|
مضت لي شهور
قد حبست ثلاثة
|
|
كأنّي قد
أذنبت ما ليس يغفر
|
|
فإن لم أذنبت
فيم عقوبتي
|
|
وإن كنت ذا
ذنب فعفوك أكبر
|
فلما قرأ
الأمين هذه الأبيات قال : (أخرجوه ، وأجيزوه ، ولو غضب أبناء المنصور كلّهم) .
وعند ما ذهب
سليمان إلى دمشق ، التقى بإبراهيم بن المهدي ، فقال له سليمان : (خلا لك الجوّ
فبيضي واصفري) . فقال له إبراهيم : (لك والله خلا الجوّ ، لأنّك تقعد
في صدر المجلس ، وتأكل إذا اشتهيت ، ليس مثل من هو في السماط ، يأكل على شبع ،
ويكف عن جوع ويخدم في وقت كسل) .
ودخل هارون
الرشيد ذات يوم على سليمان بن المنصور ، فرأى عنده جارية في غاية الحسن والكمال
تسمّى (ضعيفة) فأحبّها الرشيد ، وطلبها من سليمان ، فوهبها له.
ولمّا أخذها
الرشيد مرض سليمان من شده حبه لها وقال :
|
أشكو إلى ذي
العرش ما
|
|
لاقيت من أمر
الخليفة
|
|
يسع البرّية
عدله
|
|
ويريد ظلمي
في ضعيفة
|
|
علق الفؤاد
بحبّها
|
|
كالحبر يعلق
بالصحيفة
|
ولمّا سمع
الرشيد بذلك أعادها إليه.
ومات ابن
لسليمان بن أبي جعفر المنصور ، فعزّاه موسى بن المهدي
__________________
قائلا : (أيسرّك وهو بلية وفتنة؟ ويحزنك وهو صلاة ورحمة)؟
وكان هارون
الرشيد ذات يوم وعنده سليمان بن أبي جعفر المنصور ، وعيسى بن جعفر ، وعبد الملك بن
صالح ، فقال الرشيد لعبد الملك : كيف أرض كذا؟ فقال : (هضاب حمر ، وبراث غبر). قال
الرشيد فأرض كذا؟
قال : (فيافي
فاسحة ، وجبال متنادحة). قال الرشيد فأرض كذا؟ قال : (تربة حمراء ، وشجرة خضراء ،
وسبيكة صفراء). قال الرشيد : فأرض كذا؟ قال : (مسافي ريح ، ومنابت شيح).
فقال عيسى
لسليمان : (ما ينبغي أن نرضا لأنفسنا بالدون من الكلام) .
وفي سنة (١٧٦)
كان سليمان بن أبي جعفر المنصور قد حجّ بالناس ومعه الستّ (زبيدة) زوجة هارون
الرشيد .
مات سليمان بن
أبي جعفر المنصور سنة (١٩٩) للهجرة.
٣٩ ـ خالد بن محجل
الضبي :
استخلفه سليمان
بن أبي جعفر المنصور على إمارة الكوفة سنة (١٩٩) للهجرة.
__________________
وعند ما ثار
محمّد بن طباطبا بالكوفة سنة (١٩٩) للهجرة ، كان الأمير عليها حينذاك (خالد بن محجل الضبي)
الّذي استخلفه عليها سليمان بن أبي جعفر المنصور فطرده ابن طباطبا عن الكوفة.
ولمّا سمع الحسن بذلك غضب على سليمان ووبّخه على إهماله.
ثمّ أرسل الحسن
بن سهل جيشا تعداده عشرة آلاف فارس وراجل إلى الكوفة بقيادة زهير بن المسيّب الضبي
، ولمّا وصل زهير الضبي إلى قرية (شاهي) القريبة من الكوفة ، كانت معركة عنيفة بين
الطرفين ، انهزم منها زهير الضبي وانتصر جيش خالد بن محجل الضبي ، واستباح أهل
الكوفة عسكر زهير ، وأخذوا كلّ ما فيه من مال وسلاح ودوابّ ، ثمّ رجع زهير الضبي
إلى قصر ابن هبيرة .
٤٠ ـ محمّد بن
إبراهيم بن طباطبا :
هو : محمّد بن إبراهيم
بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، وكنيته : أبو عبد الله .
ومحمّد بن
طباطبا ، ثائر علوي ، ومن أئمة الزيدية ، كان يسكن المدينة المنوّرة وذهب إلى
الحجّ سنة (١٩٦) للهجرة ، والحرب قائمة بين الأخوين (الأمين والمأمون) ، فأقبل
الناس عليه في مكّة ، وكثر ترددهم عليه ، فخاف الفتنة فاستتر .
وكان من حجاج
تلك السنة رجل من كبار الشيعة يدعى (نصر بن
__________________
حبيب) فاجتمع مع ابن طباطبا ، وعرض عليه الثورة على بني العبّاس ، فوعده
باستشارة أنصاره في الكوفة.
ولمّا استقرت
الأوضاع بالعراق سنة (١٩٨) للهجرة (أي بعد مقتل الأمين) أخذ الناس يتحدّثون بأن الفضل
بن سهل ، قد سيطر على المأمون ، واستبدّ بإدارة شؤون البلاد .
ثمّ ذهب نصر بن
حبيب في هذه سنة (أعني سنة ١٩٨ للهجرة) إلى مكّة وزار محمّد بن طباطبا في بيته
بالمدينة ، وحرّضه على الثورة وأخبره بأن أهل الكوفة سيوفا حداد ، وسواعد شداد ،
تنتظر قدومه.
فذهب محمّد بن
طباطبا إلى الكوفة ، وكتم أمر دخوله فبايعه (١٢٠) رجلا ، ثمّ ذهب ابن طباطبا إلى
الجزيرة ، فأستقبله نصر بن حبيب أو (شبيب) وقد أختلف أصحابه ، وفترت عزيمة (نصر)
فقرر ابن طباطبا العودة إلى المدينة.
وأثناء عودته
إلى المدينة ، لقيه في الطريق أبو السرايا فبايعه أبو السرايا فعاد ابن طباطبا إلى الكوفة.
ثمّ ثار محمّد
بن إبراهيم بالكوفة في شهر جمادي الأول من سنة (١٩٩) للهجرة ، يدعو إلى الرضا من آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم والعمل بالكتاب
__________________
والسنّة.
ثمّ أخذ الناس
من الكوفة والأعراب وغيرهم يأتون إلى ابن طباطبا فيبايعونه ، وحينما سمع محمّد بن طباطبا بأنّ أبا السرايا ، قد
نهب قصر العبّاس بن موسى بن عيسى خطب في الناس فقال : (أما بعد ، فإنّه لا يزال
يبلغني : أنّ القائل منكم يقول : إنّ بني العبّاس فيء لنا نخوض في دمائهم ، ونرتع
في أموالهم ، ويقبل قولنا فيهم ، وتصدق دعوانا عليهم ، حكم بلا علم ، وعزم بلا
رويّة ، عجبا لمن أطلق بذلك لسانه ، أو حدّث به نفسه ، أبكتاب الله حكم؟ أم سنّة
نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم اتّبع؟ أو بسط يدي له بالجور أمل؟ هيهات ، هيهات ، فاز
ذو الحقّ بما نوى ، وأخطأ طالب ما تمنّى ، حقّ ذي حقّ بيده ، وكلّ مدّع على حجّته
، ويل لمن اغتصب حقّا ، وادّعى باطلا ، فلح من رضى بحكم الله ، وخاب من أرغم الحقّ
أنفه ، العدل أولى بالأثرة ، وإن رغم الجاهلون ، حقّ لمن أمر بالمعروف ، أن يجتنب
المنكر ، ولمن يسلك سبيل العدل أن يصبر على مرارة الجور ، كلّ نفس سمو إلى همّتها
، ونعم الصاحب القناعة.
أيّها الناس ،
إنّ أكرم العبادة الورع ، وأفضل الزاد التقوى) إلى آخر الخطبة.
ثمّ خطب محمّد
بن إبراهيم ذات يوم بالناس فقال : (عباد الله ، إنّ عين الشتات تلاحظ الشمل
بالبتات ، وإنّ يد الفناء تقطع مدّة البقاء ، فلا يكبحنّكم
الركون إلى زهرتها عن التزود لمقرّكم منها ، فإنّ ما فيها من نعيم بائد ، والراحل
عنها غير عائد ، وما بعدها إلّا جنّة
__________________
تزدلف للمتقين ، أو نار تبرز للغاوين . (مَنْ عَمِلَ صالِحاً
فَلِنَفْسِهِ ، وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ، وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).
ولمّا سمع
الحسن بن سهل بثورة ابن طباطبا ، أرسل جيشا قوامه عشرة آلاف فارس وراجل إلى الكوفة
، فوقعت معركة بين الطرفين ، انهزم فيها زهير بن المسيب الضبي (قائد الجيش)
واستولي على جميع ما في عسكره من مال وسلاح ودواب وغير ذلك .
ثمّ أرسل الحسن
بن سهل جيشا آخر مؤلفا من ألف فارس وثلاثة آلاف راجل بقيادة (عبدوس عبد الصمد)
وقال الحسن بن سهل : (أريد أن ترفع رأسك في هذه المعركة) . فحلف (عبدوس) : بأنّه سوف يستبيح الكوفة ، وسوف يقتل
أهلها ، ويسبي ذراريرها ، وسوف ، وسوف.
ولمّا جاء
عبدوس ، قسّم أبو السرايا جيشه إلى ثلاث فرق ، وقال لهم : أريد منكم أن تحملوا على
عسكر عبدوس حملة واحدة ، وعند التقاء الجيوش ، حدثت مقتله عظيمة بين الطرفين ،
حتّى أخذت جيوش عبدوس تلقي بأنفسها في نهر الفرات طلبا للنجاة فغرق أكثرهم.
ثمّ وجد عبدوس
في الجامع فقتله أبو السرايا ، ولم ينج من عسكر عبدوس أحد ، إذ وقعوا جميعا ما بين
قتيل وجريح وأسير .
وأثناء هذه
الحروب مرض محمّد بن طباطبا ، مرضا شديدا ، فدعا (أبا السرايا) وأوصاه قائلا :
__________________
(أوصيك بتقوى الله ، والمقام على الذبّ عن دينك ، ونصرة أهل بيت نبيك صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنّ أنفسهم موصولة بنفسك ، وولّي الناس على الخيرة
فيمن يقوم مقامي من آل عليّ ، فإن اختلفوا فأمر إلى عليّ بن عبيد الله فإنّي قد
بلوت طريقه ، ورضيت دينه) .
ولمّا ازداد
مرض ابن طبا طبا ، قال له أبو السرايا : أوصني يابن رسول الله ، فقال : (الحمد لله
ربّ العالمين ، وصلى الله على محمّد وآله الطيبين ، أوصيك بتقوى الله ، فإنّها
أحصن جنّة وأمنع عصمة ، والصبر فإنّه أفضل منزل ، وأحمد معول ، وأن تستتم الغضب
لربّك وتدوم على منع دينك .. ولا تقدم إقدام مشهور ، واكفف عن الإسراف في الدماء
ما لم يدهن لك دينا ، ويصدك عن صواب ، وارفق بالضعفاء ، وإيّاك والعجلة فإن معها
الهلكة .. الخ) .
مات محمّد بن
إبراهيم بن طباطبا بالكوفة سنة (١٩٩) للهجرة ، وقيل إنّه أرسل إلى المأمون أسيرا فقتله ، وقيل إنّ أبا السرايا دس له سما فمات ، مات في أوّل
شهر رجب من هذه السنة ، وكان عمره (٢٦) سنة ، وكانت مدّة ثورته شهرين تقريبا.
ثمّ جعل أبو
السرايا بعده : محمّد بن محمّد بن يحيى بن زيد بن عليّ على الكوفة .
__________________
وقال الهيثم بن
عبد الله الخثعمي في رثاء ابن طباطبا ، وما أصاب العلويين :
|
خانهم الدهر
بعد عزّهم
|
|
والدهر
بالناس خائن ختل
|
|
باتوا فظلّت
عيون شيعتهم
|
|
عليهم لا
تزال تنهمل
|
|
واستبدلوا
بعدهم عدوهم
|
|
فبئس لعمري
بالمبدل البدل
|
|
شدّوا على
عترة الرسول ولم
|
|
تثنهم رهبة
ولا وجل
|
|
فما رعوا
حقّه وحرمته
|
|
ولا استرابوا
في نفس من قتلوا
|
٤١ ـ السري بن منصور أبو السرايا :
واسمه : السري
بن منصور بن هاني بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبي ربيعة الشيباني .
وكان أبو
السرايا ، أوّل أمره يكري الحمير ، ثمّ قوي حاله ، فجمع عصابة لقطع الطريق ثمّ
التحق بيزيد بن مزيد الشيباني في أرمينيه ، ومعه ثلاثون فارسا ، فضمه يزيد إلى
قادته فأشتهر بشجاعته بينهم .
وعند ما نشبت
الحرب بين الأخوين (الأمين) و (المأمون) أنتقل أبو السرايا إلى جيش هرثمة بن أعين
، وقد بلغ تعداد جيشه حوالي ألفي مقاتل ، ثمّ خوطب بالأمير.
وبعد ما قتل
الأمين ، أنقص هرثمة أرزاق أبي السرايا وجنوده ، عندها انفصل أبو السرايا عن عسكر
هرثمة بن أعين ، وذهب إلى (عين التمر) ومعه
__________________
مائتا فارس فحاصر أميرها ، ثمّ استولى على ما معه من أموال ، فوزعها بين
أصحابه ، ثمّ ذهب إلى الأنبار فاستولى عليها ، ثمّ ذهب إلى (الرقّة) وقد كثر
أصحابه ، فلقيه محد بن إبراهيم بن طباطبا ، وكان هذا قد ثار على بني العبّاس ،
فبايعه أبو السرايا ، وتولّى قيادة جيشه ، واستوليا على الكوفة .
ثمّ إنّ أبا
السرايا بعث بجيوشه إلى البصرة ونواحيها ، واستولّى على واسط والمدائن ، ثمّ أرسل (العمال)
إلى اليمن والحجاز وواسط والأهواز.
وحينما علم
الحسن بن سهل باستيلاء أبو السرايا وابن طباطبا على الكوفة ، أرسل اليهما جيشا
بقيادة زهير بن المسيب الضبي (كما ذكرت في ص ٥٦٩) ، ثمّ أرسل جيشا آخر بقيادة
عبدوس بن عبد الصمد ، فقتل عبدوس وأخوه هارون ، وقضي على جميع عسكره ما بين قتيل
وجريح وأسير .
وفي اليوم
الثاني للمعركة مات محمّد بن إبراهيم بن طباطبا فجأة ، قيل إنّ أبا السرايا دسّ له
السمّ فمات ، وذلك لأنّ ابن طباطبا ، لم يعطه شيئا من الأموال الّتي حصلوا عليها
من معسكر زهير بن المسيب الضبي ، كما أنّ أهل الكوفة ، أخذوا يطيعون ابن طباطبا ،
فظنّ أبو السرايا بأن لا مكان له بوجود ابن طباطبا فقتله بالسمّ.
ثمّ جعل أبو
السرايا على الكوفة (بعد موت ابن طباطبا) شابا ، يافعا ، ذلك هو محمّد بن محمّد بن
زيد بن عليّ ، وكان أبو السرايا ، هو الّذي ينفّذ الأمور فيولي من يشاء ويعزل من
يشاء .
ثمّ انتشر
الطالبيّون في البلاد ، وضرب أبو السرايا الدراهم بالكوفة ،
__________________
ونقش عليها : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ). ثمّ ذهب أبو السرايا بجيشه إلى قصر ابن هبيره ، وذلك
بعد أن تركه ابن المسيب الضبي الّذي عاد إلى بغداد. ولمّا رآى الحسن بن سهل ، أنّ
أبا السرايا ، ومن معه ، لا يلاقون جيشا إلّا هزموه ولا يذهبون إلى أيّ بلد إلّا
دخلوه ، ولم يجد فيمن معه من القادة من يكفيه حربه ، فاضطرّ إلى الاستعانة بهرثمة
بن أعين (كان آنذاك في خراسان) فكتب إليه ، لكن هرثمة لم يجبه على طلبه بادي الأمر
، إلّا أنّه أجابه بعد أن كتب إليه الحسن ثانية .
فذهب هرثمة بن
أعين بجيشه إلى قصر ابن هبيرة ، فوقعت معركة بينه وبين أبي السرايا ، قتل خلالها
جماعة كبيرة من أصحاب أبي السرايا ، فرجع أبو السرايا إلى الكوفة ، فتبعه هرثمة
ونزل في قرية (شاهي) فكانت معركة بين الطرفين انهزم جيش هرثمة في أوّل النهار ،
لكن هرثمة استعاد قوته ، وشنّ حملاته في آخر النهار ، فكانت الهزيمة لأصحاب أبي
السرايا.
وقيل إنّ جيش
أبي السرايا قد توقف عن قتال هرثمة بن أعين ، فخطب فيهم أبو السرايا وقال : (يا
قتلة عليّ ، ويا خذلة الحسين ، إنّ المعتزّ بكم لمغرور ، وإنّ المعتمد على نصركم
لمخذول ، وأن الذليل لمن اعتززتموه ...
الخ). ثمّ قال :
|
ومارست أقطار
البلاد فلم أجد
|
|
لكم شبها
فيما وطئت من الأرض
|
|
خلافا وجهلا
وانتشار عزيمة
|
|
ووهنا وعجزا
في الشدائد والخفض
|
|
لقد سبقت
فيكم إلى الحشر دعوة
|
|
فلا عنكم راض
ولا فيكم مرض
|
|
سأبعد داري
من قلى عن دياركم
|
|
فذوقوا إذا
وليت عاقبة البغض
|
__________________
وبقي هرثمة بن
أعين في قرية (شاهي) إلى أن جاء (منصور بن المهدي) بجيشه ، وبقي حتّى انقضت سنة (١٩٩)
للهجرة. وفي السادس عشر من شهر محرم من سنة (٢٠٠) للهجرة ، هرب أبو السرايا من
الكوفة (ليلا) إلى القادسيّة ، عندها دخل هرثمة بن أعين ومنصور بن المهدي إلى الكوفة
في اليوم الّذي هرب فيه أبو السرايا ، فبقيا في الكوفة إلى العصر ، ثمّ رجعا إلى
معسكرهما ، وخلّفا على الكوفة (غسان بن أبي الفرج) .
ثمّ خرج أبو السرايا
من القادسيّة ، وذهب إلى واسط ، فدارت معركة بينه وبين الحسن بن عليّ الباذغيس
المعروف (بالمأموني) جرح فيها أبو السرايا جراحات شديدة ، ثمّ هرب أبو السرايا
ومعه محمّد بن زيد وأبو الشوك ، وتفرق عنه أصحابه.
ولمّا وصلوا
إلى جلولاء ، لقيهم حماد الكندغوش فأخذهم إلى الحسن ابن سهل (في النهروان) فقتل
أبا السرايا ، وصلبه على الجسر ببغداد ، في يوم الخميس في العاشر من شهر ربيع
الأول من سنة (٢٠٠) للهجرة ، فقال التميمي :
|
ألم تر ضربة
الحسن بن سهل
|
|
بسيفك يا
أمير المؤمنينا
|
|
دارت مرو رأس
أبي السرايا
|
|
وأبقت عبرة
للعابرينا
|
ثمّ بعث الحسن
بن سهل بمحمد بن محمّد بن زيد إلى المأمون ، فلمّا رآه المأمون تعجب من حداثة سنّه
، ثمّ أمر باعتقاله ، وهيأ له دارا وخادما ، فبقي محمّد أربعين يوما ، فدسّ إليه
السمّ فمات .
__________________
وقيل : (إنّ
أبا السرايا أرسل بيد الحسين بن الحسن الأفطس ثوبين رقيقين من قزّ مكتوب عليهما (أمر
الأصغر بن الأصغر) أبو السرايا داعية آل محمّد لكسوة بيت الله الحرام ، وأن تطرح
عنها كسوة الظلمة من ولد العبّاس) . وكانت مدّة ثورة أبي السرايا وقتله عشرة أشهر.
٤٢ ـ محمّد بن محمّد
بن زيد :
هو : محمّد بن
محمّد بن زيد بن عليّ بن الحسين بن الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ولقبه : المؤيد.
وقيل : هو
محمّد بن محمّد بن زيد بن محمّد بن إسماعيل بن محمّد بن عبد الله بن عليّ بن
الحسين بن عليّ بن أبي طالب .
وقيل : هو
محمّد (الأكبر) بن جعفر بن محمّد بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب .
وأمّه : فاطمة
بنت عليّ بن جعفر بن إسحاق بن عليّ بن عبد الله بن جعفر (الطيّار) بن أبي طالب.
وعند ما مرض
محمّد بن إبراهيم بن طباطبا مرضه المفاجئ ، شعر بدنو أجله فأوصى بأن يكون من بعده
عليّ بن عبيد الله (أبو الحسن). وبعد ما مات ابن طباطبا سنة (١٩٩) للهجرة ، اجتمع
الناس لمبايعة (عليّ) فقام محمّد بن محمّد (وكان حدثا) فقال : (يا آل عليّ ، فات
الهالك النجا ، وبقي الثاني بكرمه ، إنّ دين الله لا ينصر بالفشل ، وليست يد هذا
الرجل عندنا
__________________
بسيئة ، وقد شفى الغليل ، وأدرك الثأر). ثمّ التفت إلى عليّ بن عبيد الله
وقال : ما ذا تقول يا أبا الحسن ، رضي الله عنك؟ أمدد يدك نبايعك. فقال عليّ
مخاطبا محمّد بن محمّد : (فامضي رحمك الله لأمرك ، واجمع شمل ابن عمّك ، فقد
قلدناك الرياسة علينا وأنت الرضا عندنا ، والثقة في أنفسنا) . ثمّ التفت إلى أبي السرايا ، وقال له : أرضيت بما سمعت؟
فقال له أبو السرايا : (رضائي من رضائك ، وقولي من قولك) . عندها أخذوا بيد محمّد بن محمّد بن زيد فبايعوه.
وبعد ذلك فرّق
محمّد بن محمّد عمّاله ، فولّى إسماعيل بن عليّ بن إسماعيل بن جعفر على الكوفة ،
وعيّن روح بن الحجاج على الشرطة ، وأحمد ابن السري الأنصاري على الرسائل ، وعاصم
بن عامر على القضاء.
ثمّ تتابعت
الكتب على محمّد بن محمّد بالفتوح من كلّ ناحية ، وكتب إليه أهل الجزيرة ينتظرون
أن يرسل إليهم رسولا ، ليسمعوا له ويطيعوا.
وكان الحسن بن
سهل قد أرسل أحمد بن عمرو الذهلي (أبا البط) لمحاربة أبي السرايا سنة (١٩٩) للهجرة
، فأرسل أبو السرايا إليه محمّد بن محمّد ، فالتقى محمّد مع أبي البطّ في (ساباط)
فكانت معركة بينهما ، إنهزم فيها أبو البطّ .
وعند ما دخل
هرثمه بن أعين إلى الكوفة سنة (٢٠٠) للهجرة هرب أبو السرايا منها ومعه محمّد بن محمّد ،
فقبض عليهما حماد الاندغوش في ناحية (السوس) فبعث بهما إلى الحسن بن سهل فقتل أبا
السرايا وبعث
__________________
برأسه إلى المأمون في خراسان ومعه محمّد بن محمّد ، ولمّا رآه المأمون تعجّب من صغر سنّه ، وقال : كيف
رأيت صنع الله بابن عمّك؟ فقال محمّد بن محمّد :
|
رأيت أمين
الله في العفو والحلم
|
|
وكان يسيرا
عنده أعظم الجرم
|
|
فأعرض عن
جهلي وداوي سقامه
|
|
بعفو جلا عن
جلدتي هبوة السقم
|
فأكرمه المأمون
ثمّ حبسه (أشبه ما يكون بالاعتقال) حيث خصص له دارا وخادما ثمّ بعد أربعين يوما ،
مات محمّد بن محمّد مسموما.
وقد سئل محمّد
بن محمّد عن معاملة المأمون له ، فقال : (والله لقد أغضّ عن العورة ونفّس الكربة ،
وعفا عن الجرم ، وحفظ النبيّ في ولده واستوجب الشكر من جميع أهل بيته) مات محمّد بن
محمّد بن زيد في (مرو) سنة (٢٠١) للهجرة ، وقيل سنة (٢٠٢) ، وعمره عشرون سنة. وقيل أنّه لمّا أحسّ بالموت كان
يقول : (يا جدي ، يا أبي ، يا أمّي ، أشفعوا لي إلى ربّي) فكانت هذه عادته إلى أن فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها.
٤٣ ـ إسماعيل بن عليّ
بن إسماعيل :
هو : إسماعيل
بن عليّ بن إسماعيل بن جعفر. استخلفه محمّد بن محمّد
__________________
ابن زيد بن عليّ على الكوفة سنة (١٩٩) للهجرة.
وقيل تولى
الخلافة على الكوفة من قبل محمّد بن محمّد بن زيد ، وذلك عند ما ترك محمّد بن
محمّد الكوفة وذهب مع أبي السرايا إلى القادسيّة.
٤٤ ـ أشعث بن عبد
الرحمن الأشعثي
ثار أشعث بن
عبد الرحمن الأشعثي بالكوفة في أواخر سنة (١٩٩) للهجرة .
٤٥ ـ هرثمة بن أعين :
دخل هرثمة بن
أعين إلى الكوفة سنة (٢٠٠) للهجرة.
وهرثمة بن أعين
، هو أحد قادة الجيش العباسي ، الّذي لعب دورا هاما على مسرح الحياة العسكرية
والسياسيّة ، لمدة تزيد على أربعين عاما ، ففي سنة (١٦٤) للهجرة ثار يوسف بن
إبراهيم في خراسان ، فتمّ القبض عليه ، وأرسل إلى الخليفة (المهدي) ببغداد فأوعز
المهدي إلى هرثمة بقتل يوسف ، فقطع رجليه ويديه ، ثمّ قتله وقتل أصحابه ، وصلبهم
جميعا على جسر بغداد.
وقيل إنّ
الخليفة موسى (الهادي) قرّر أنّ يقتل أخاه هارون الرشيد ، ويقتل معه يحيى بن خالد
البرمكي ، وفي الليلة الّتي مات فيها (الهادي) ذهب هرثمة إلى هارون الرشيد ليلا
وأجلسه على كرسي الخلافة ، كان ذلك
__________________
سنة (١٧٠) للهجرة ، ثمّ عينه هارون (صاحب حرسه).
وعند ما كان
هارون الرشيد في (الرّقة) سنة (١٨٦) للهجرة ، أخذ البيعة لأبنه الأمين ومن بعده
لأخيه المأمون ، ومن بعد المأمون (للقاسم) فأمر الرشيد هرثمة بن أعين بالذهاب إلى
بغداد وأخذ البيعة فيها لأولاده الثلاث .
وفي سنة (١٩٧)
للهجرة عزل عليّ بن عيسى بن ماهان عن إمارة خراسان عزله الرشيد ، وولّاها إلى
هرثمة بن أعين ، وحينما وصل هرثمة إلى خراسان طلب من عيسى بن ماهان ومن أولاده
وعماله ، تسليمه كافة الأموال العائدة للخليفة ، ثمّ نصب مجلسا للمظالم ، وطلب من
عيسى وعماله إعطاء الناس كافّة الأموال الّتي أخذوها منهم بدون حقّ .
وعند ما حصل
الخلاف بين الأخوين (الأمين والمأمون) واشتدّ النزاع بينهما التحق هرثمة بالمأمون
، فولّاه المأمون (الحرس الخاصّ) . ولمّا سمع الأمين بذلك ، غضب غضبا شديدا ، وعقد حوالي
أربعمائة لواء لعدّة قادة ، وأناط القيادة العليا بعلي بن محمّد بن عيسى بن نهيك ،
وأمرهم بالذهاب إلى محاربة هرثمة بن أعين ، فالتقى الجيشان بالقرب من النهروان ،
فوقعت معركة بين الطرفين أسفرت عن هزيمة جيش ابن نهيك ، ثمّ وقع في الأسر ، فأرسل
إلى المأمون في خراسان ، ثمّ زحف هرثمة بجيشه واستولى على النهروان .
وفي سنة (١٩٧)
للهجرة ، زحفت جيوش هرثمة بن أعين وزهير بن المسيب الضبي وطاهر بن الحسين نحو
بغداد فحاصروها ، وحاصروا الأمين
__________________
في عاصمة أبيه ونصبوا المجانيق.
كما إنّ الأمين
من جانبه هو الآخر ، فقد أمر ببيع كلّ ما في الخزائن من الأمتعة والفضة والذهب ،
وصرفها على الحرب ، وأمر كذلك بفتح النار والمجانيق على كلّ مقبل ومدبر ، وفي ذلك
قال عمرو بن عبد الملك العتري الورّاق :
|
يا رماة
المنجنيق
|
|
كلّكم غير
شفيق
|
وبقية الأبيات
الّتي ذكرناها في ص ٥٥٥.
ثمّ استمرت
المعارك بين أنصار الأخوين ، أشهرا بين كر وفر ، فأسر هرثمة في معركة بباب
الشماسيّة ، ثمّ تخلص من الأسر.
وفي أوائل سنة (١٩٨)
للهجرة ، استولى هرثمة بن أعين على الجانب الشرقي من بغداد واستولى طاهر بن الحسين
على الجانب الغربي منها ، وحوصر الأمين في قصره ، وتفرّق عنه عامّة جنده وجواريه ،
وفي اللّيل قرّر الأمين الذهاب إلى معسكر هرثمة والالتجاء عنده ، وعند خروجه من
القصر ، كان أصحاب طاهر يراقبونه ، فقبضوا عليه ، فقتلوه ، وأخذوا برأسه إلى طاهر
بن الحسين ، ثمّ أرسل طاهر برأس الأمين إلى أخيه المأمون.
فكتب المأمون
إلى هرثمة يأمره بالذهاب إلى خراسان .
ثمّ اضطر الحسن
بن سهل بالاستعانة بهرثمة بن أعين لمحاربة أبي السرايا ، فكتب إليه ، إلّا أنّه
اعتذر في أوّل الأمر ، ثمّ وبعد إلحاح من الحسن ابن سهل ذهب هرثمة ومعه منصور بن
المهدي إلى الكوفة واستوليا عليها ، بعد أن هرب عنها أبو السرايا ، ثمّ خرجا إلى
معسكرهما ، وخلفا على الكوفة غسان بن أبي الفرج .
__________________
ثمّ بقي هرثمة
بن أعين في معسكره أشهرا ، فكتب إليه المأمون بالرجوع إلى خراسان ، ولكنه تأخّر في
الطريق ، فاستغلّ الحسن بن سهل ذلك التأخير وقال للمأمون : (إنّ هرثمة ، قد صادق
عدوك ، وعادى وليّك ، وإنّ أبا السرايا هو جندي من جنوده ولكنّه تركه يعبث بالبلاد
.
وكان هرثمة بن
أعين قد ولّاه هارون الرشيد إمارة مصر ، فوصلها في الثامن والعشرين من شهر شعبان
من سنة (١٧٨) للهجرة ، فتلقّاه أهل مصر بالطاعة ، وأذعنوا له ، فقبل
ذلك منهم ، وأقرّ كلّ واحد على حاله.
وأرسل إلى
هارون الرشيد يعلمه بذلك ، ولكن لم تدم إمرة هرثمة على مصر طويلا ، إذ عزل عنها ،
وأرسل مع عساكره إلى أفريقيه في الثاني عشر من شهر شوال من هذه السنة (١٧٨) فكانت
مدّة إقامته على مصر شهرين ونصف ، ولمّا وصل هرثمة بجيشه العظيم إلى المغرب أذعن
له كافة العصاة ، ولم تكن هناك أية حوادث أو حروب ، ذلك لعظم هيبة هرثمة ، إذ كان
مقداما ، مهيبا ، وكان الرشيد ينتدبه للمهمات الصعبة .
وبقي هرثمة في
المغرب سنتين ونصف ، ثمّ أمره الرشيد بالعودة إلى بغداد ، كان ذلك سنة (١٨١)
للهجرة.
وفي سنة (٢٠٠)
للهجرة ، وبعد فراغه من قتال أبي السرايا ، ذهب هرثمة إلى المأمون في خراسان ،
فأخبره عن حقيقة الحال في العراق ، وفي الدولة الإسلامية ، فكان جزاؤه أن قال له
المأمون : (مالأت أهل الكوفة والعلويين وماهنت ودسست اليّ أبا السرايا ،
__________________
حتّى خرج ، وعمل ما عمل ، وكان رجلا من أصحابك ، ولو أردت أن تأخذهم جميعا
لفعلت ، ولكنك أرخيت خناقهم ، وأجررت لهم رسنهم) .
فأخذ هرثمة
يعتذر ، ويدافع عن نفسه عمّا وجّه إليه من اتهامات ، إلّا أنّ المأمون رفض عذره ،
ولم ينفعه دفاعه ، بل ولا تشفعت له تلك الخدمات الجليلة الّتي أداها له ولأبيه
هارون الرشيد ، وللدولة العباسيّة ، بل أمر المأمون بضرب هرثمة على أنفه ، ثمّ
داسوا على بطنه ، وسحب من بين يدي المأمون ، ثمّ ألقي في السجن أياما ، فأخرج مقتولا
، وقالوا عنه إنّه مات .
مات هرثمة بن
أعين (أو قتل) سنة (٢٠٠) للهجرة في سجن المأمون بخراسان وبعد أن قتل هرثمة ، غضب
قادة الجيش في بغداد ، وانتشرت الفوضى من جديد فثار أهلها على الحسن بن سهل ،
وأقاموا (منصور بن المهدي) أميرا عليهم ، بعد أن رفض قبول الخلافة .
٤٦ ـ المنصور بن
المهدي :
هو : محمّد بن
عبد الله بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب .
وكان المنصور
بن المهدي يسكن في بغداد ، ويقرب أهل العلم ويكرمهم ، ولقّب (بالمرتضى) ودعي له
على المنابر .
__________________
وفي أوّل شهر
محرم من سنة (٢٠٠) للهجرة ، دخل المنصور بن المهدي ومعه هرثمة بن أعين إلى
الكوفة ، بعد أن هرب عنها أبو السرايا.
وفي أواخر سنة (١٩٩)
للهجرة ، أرسل الحسن بن سهل جيشا بقيادة المنصور بن المهدي وهرثمة بن أعين لمحاربة
أبي السرايا الّذي استولى على الكوفة ومعه محمّد بن إبراهيم بن طباطبا ، وعظم أمره
، وخيف منه ، فوصل المنصور وهرثمة بن أعين إلى قرية (شاهي) القريبة من الكوفة ،
فوقعت معركة بين أبي السرايا وبينهما ، ثمّ بقيا في قرية (شاهي) حتّى نهاية هذه
السنة.
وفي أوائل سنة (٢٠٠)
للهجرة ، هرب أبو السرايا ومن معه من الطالبيين (من الكوفة) حتّى وصلوا إلى (القادسيّة)
، عندها دخل المنصور وهرثمة إلى الكوفة وأمنوا أهلها ولم يتعرضوا لأحد
بسوء ، ثمّ رجعوا إلى معسكرهم آخر النهار ، واستخلفوا على الكوفة غسان بن أبي
الفرج (أبو إبراهيم ـ صاحب حرس خراسان) .
وذكر أبو الفرج
الأصبهاني : بأنّ أشعث بن عبد الرحمن الأشعثي ، قد ثار بالكوفة في الليلة الّتي
هرب فيها أبو السرايا ، ثمّ سلّم الأمر إلى هرثمة بن أعين ، ثمّ دخل الكوفة
المنصور ومعه هرثمة .
وقيل إنّ
المنصور بن المهدي قد أرسل غسان بن أبي الفرج إلى الكوفة ، فذهب غسان إلى قصر ابن
هبيرة فلم ير نفسه إلّا وقد أحاط به حميد بن عبد الحميد فوقع في الأسر ، وقتل حميد
الكثير من أصحابه وسلب
__________________
الكثير منهم ، كان ذلك سنة (٢٠١) للهجرة .
وفي سنة (٢٠١)
للهجرة ، طلب أهل بغداد من المنصور أن يكون خليفة لهم ، فامتنع وقال : (أنا خليفة
أمير المؤمنين حتّى يقدم) ، ووافق أخيرا على أن يكون أميرا ويدعو للمأمون
بالخلافة.
وقيل : لمّا
ثارت الحربية في بغداد ، وطردوا خليفة الحسن بن سهل ببغداد ، طلب بنو هاشم والقادة
الموجودون في بغداد من المنصور بن المهدي أن يكون خليفة لهم ، فرفض وقال : (أنا
خليفة أمير المؤمنين حتّى يقدم ، أو يولّي من أحبّ) . فرضي القوم بذلك.
وقيل إنّ
المنصور بن المهدي قد كاتب الحسن بن سهل وطلب منه الأمان ، فأجابه الحسن إلى طلبه
، فخرج المنصور من معسكره ودخل بغداد .
وكان المنصور
قد ولّي البصرة لأخيه هارون الرشيد ، وولي الشام للأمين . وقيل : عند ما كان المنصور (أميرا على دمشق) أرسل شخصا
فسرق (قلّة البلّور) من الجامع ، وحينما سمع إمام الجامع بأنّ (القلّة) قد
سرقت ، ضرب بقلنسوته على الأرض وصاح : سرقت قلّتكم. فقال الناس : (لا صلاة بعد
القلّة). فصارت مثلا يضرب به ، ثمّ أرسلت تلك القلّة إلى
__________________
الخليفة الأمين في بغداد ، ولمّا جاء المأمون إلى الخلافة أعاد القلّة إلى
مكانها الأول.
وفي أواخر سنة (٢٠١)
وقيل في أوائل سنة (٢٠٢) للهجرة ، خلع أهل بغداد والعباسيون في بغداد (المأمون)
وبايعوا (إبراهيم بن المهدي) بالخلافة ، ومن بعده لابن أخيه إسحاق بن موسى الهادي
، فكان أوّل من بايعه منصور بن المهدي وعبيد الله بن العبّاس الهاشمي ، ثمّ تتالت
بيعة الآخرين .
مات منصور بن
المهدي سنة (٢٣٦) للهجرة .
٤٧ ـ غسان بن أبي
الفرج :
وكنيته : أبو
إبراهيم . وهو : وال ، ومن رجال المأمون ، وهو ابن عمّ الفضل بن
سهل والحسن بن سهل.
ولّاه سعيد بن
الساجور وأبو البطّ إمارة الكوفة سنة (٢٠١) للهجرة ، وذلك بعد عزل أميرها السابق (الفضل بن محمّد
بن الصباح الكندي). ثمّ عزلوه لأنّه قتل أبا عبد الله أخا أبي السرايا ، وجعلوا مكانه (الهول) ابن أخي سعيد
بن الساجور .
وقيل إنّ
المنصور بن المهدي ، أرسل غسان بن أبي الفرج إلى الكوفة ،
__________________
فنزل غسان هذا في قصر ابن هبيرة ، وفجأة أحاط حميد بن عبد الحميد الطوسي
بالقصر ، فتمكّن من أخذ غسان أسيرا وقتل من أصحابه الكثير ، كان ذلك سنة (٢٠١) للهجرة.
وغسان بن أبي
الفرج ، كان ذا رأي ، وحزم ، ودهاء ، وخبرة ، فقد ولّي إمارة خراسان سنة (٢٠٢)
للهجرة ، ولّاه الحسن بن سهل ، وقيل ولّاه طاهر بن الحسين .
ثمّ ولّاه
المأمون إمارة السند سنة (٢١٣) للهجرة ، بعد عزل أميرها السابق (بشر بن داود
المهلّبي) ، ولمّا وصل غسان إلى السند استأمن إليه الناس ، فبقي في السند حوالي
ثلاث سنوات ، أصلح خلالها شؤون الإمارة ثمّ عاد إلى بغداد سنة (٢١٦) للهجرة ، بعد
أن استخلف على السند (عمران بن موسى البركلي).
وقد مدحه أحد
الشعراء فقال :
|
سيف غسان
رونق الحرب فيه
|
|
وسهام الحتوف
في ظبتيه
|
وكان عليّ بن
عيسى ضامنا أعمال الخراج والضياع أيّام المأمون ، وقد بقيت عليه أربعون ألف دينار
، فطلب منه المأمون تسديدها خلال ثلاثة أيّام وإلّا فسوف يضرب بالسياط لحين
تأديتها ، فذهب عليّ بن عيسى إلى غسان بن أبي الفرج (وكان آنذاك أميرا على خراسان)
فطلب منه ذلك المبلغ ، فأعطاه ما أراد .
__________________
وقيل جاء
إبراهيم بريهة إلى غسان يشكو إليه ضعف حاله ، وكثرة ديونه ، وطلب منه أن يرفع
استعطافه إلى الخليفة (المأمون) فسأله غسان عن مبلغ ديونه ، فقال : (إنّها مائة
وثلاثون ألف درهم) ولمّا أراد إبراهيم الانصراف ، قال له غسان : لنتغدّى سويّة ،
ثمّ أمر غسان بإرسال المبلغ إلى دار ابن بريهة حالا ، وبدون علم ابن بريهة ، ولمّا
ذهب ابن بريهة إلى داره وجد المبلغ فيه.
وفي اليوم
الثاني ، ذهب غسان إلى المأمون ، وعرض عليه طلب ابن بريهة ، فقال له المأمون : (قد
بلغني ما فعلت أمس ، فوصلك الله بصلتك ، فأنت والله إذا تكلّم نفع كلامه ، وإذا
سكت حسن سكوته ، قد أمرنا بقضاء دينه ، والزيادة في أرزاقه) .
ودخل أبو حفص
الكرماني ذات يوم على المأمون فقال : يا أمير المؤمنين : أتأذن لي في المداعبة؟
فقال المأمون :
وهل يحلو العيش إلّا بها؟
فقال الكرماني
: (يا أمير المؤمنين ، لقد ظلمتني ، وظلمت غسان بن عباد.
فقال المأمون :
ويلك ، وكيف ذلك؟ فقال الكرماني : رفعت غسان فوق قدره ، ووضعتني دون قدري ، إلّا
أنّك لغسان أشدّ ظلما. فقال المأمون : وكيف؟ قال الكرماني : لأنك أقمته مقام هزوء
، وأقمتني مقام رحمة. فقال له المأمون : قاتلك الله ما أهجاك!!
وقال يحيى بن
غسان : أيعاقب غسان باقتصاده في ملبسه ، فقال
__________________
غسان : (من عظمت مؤونته على نفسه ، قلّ نفعه على غيره) . وقيل إنّ إبراهيم بن المهدي قد ولّاه إمارة الكوفة سنة
(٢٠٢) للهجرة ، وذلك بعد ما قتل أبا عبد الله (أخا أبي السرايا) وأرسل برأسه إلى
إبراهيم بن المهدي .
وعند ما كان
غسان بن عباد أميرا على خراسان من قبل المأمون ، كتب أحمد بن خالد الأحول (كاتب
المأمون) كتابا على لسان غسان يطلب فيه إعفائه عن إمارة خراسان ، ولمّا قرأ
المأمون الكتاب تعجّب من ذلك وقال : (والله ما أعرف في المملكة إلّا خراسان وما
أدري ما حمل هذا الجاهل على الاستعفاء إلّا أن يكون ما رأى نفسه لها أهلا). فقال
له أحمد ابن أبي خالد : أرى أن تولّي طاهر بن الحسين مكانه ، فولّاه خراسان في
أوائل سنة (٢٠٦) للهجرة .
ولمّا عاد غسان
من خراسان ، لم يسمح له المأمون بمقابلته لمدة ثلاثة أشهر ، مما اضطر إلى
الاستعانة بالحسن بن سهل ليسمح له بمقابلة المأمون ، ولمّا دخل عليه قال له : (يا
أمير المؤمنين ، جعلني الله فداك ، ما ذنبي حتّى تعزلني عن خراسان)؟! فقال له
المأمون : أنت طلبت ذلك ، فحلف له غسان بأنّه لم يكتب له بذلك ، ثمّ تبيّن بأنّ
أحمد بن أبي خالد هو الّذي كتب ذلك .
وذكر أنّ
المأمون قد استخلفه على خراسان عند ما رجع إلى العراق .
مات غسان بن
أبي الفرج سنة (٢١٦) للهجرة .
__________________
٤٨ ـ أبو عبد الله (أخو
أبي السرايا):
ثار أبو عبد
الله ، أخو (أبي السرايا) بالكوفة سنة (٢٠٢) للهجرة ، وكان شعاره البياض ، وقد التحق به جماعة كثيرة من المؤيدين والأنصار ،
فلقيه غسان بن أبي الفرج في شهر رجب من هذه السنة ، فقتله ، وشتت جمعه ، وبعث
برأسه إلى إبراهيم بن المهدي ، وقيل قتله في ليلة الرابع عشر من شهر ربيع الآخرة من
سنة (٢٠٢) للهجرة.
٤٩ ـ حميد بن عبد
الحميد الطوسي :
وكنيته : أبو
غانم. وحميد بن عبد الحميد هو أحد كبار قادة جيوش الحسن بن سهل في خلافة المأمون ،
وكان معسكرا ومقيما في (النيّل) . وكان جبّارا ، وذا قوة وبطش ، وكان المأمون ينتدبه
للمهمّات الصعبة .
وقيل كان حميد
بن عبد الحميد في بدء حياته خبّازا .
وكان حميد يقول
: (إنّنا قد آيسنا من الآخرة ، وإنّما هي الدنيا ، فلا نحتمل والله لأحد ، أن
ينّغصها علينا) .
وفي سنة (٢٠١)
كان حميد بن الحميد (أميرا) في قصر ابن هبيرة من قبل الحسن بن سهل ومعه من القادة
: (سعيد بن الساجور ، وأبو البطّ ،
__________________
وغسان بن أبي الفرج ، ومحمّد بن إبراهيم الإفريقي) وغيرهم. وقد حصل خلاف ما
بين هؤلاء القادة وبين حميد ، فكتبوا (سرّا) إلى إبراهيم بن المهدي : بأنّهم على
استعداد لتسليمه قصر ابن هبيرة ، وكتبوا في نفس الوقت إلى الحسن بن سهل ، يخبرونه
بأنّ حميد يكاتب إبراهيم بن المهدي (سرا) .
فكتب الحسن بن
سهل إلى حميد يستدعيه ، فلم يذهب إليه حميد أوّل الأمر ، إلّا أنّه ذهب بعد أن كتب
إليه الحسن بن سهل ثانية.
فكتب سعيد بن
الساجور ، وأصحابه إلى إبراهيم بن المهدي ، يخبرونه بذهاب حميد إلى الحسن بن سهل ،
ويطلبون منه أن يبعث عيسى بن محمّد ابن أبي خالد ليتسلّم قصر ابن هبيرة ، ومعسكر
حميد ، ثمّ هجم سعيد بن الساجور وأصحابه على معسكر حميد ، فنهبوا كلّ ما فيه ،
وهرب ابن لحميد (كان في المعسكر) فلحق بأبيه ، ودخل عيسى بن محمّد إلى قصر ابن
هبيرة ، واستولى عليه.
ولمّا سمع حميد
بن عبد الحميد بالاستيلاء على قصر ابن هبيرة ، ونهب معسكره ، ذهب إلى الكوفة وأخذ
أموالا له كانت هناك ، ثمّ ولّى على الكوفة (العبّاس بن الإمام موسى بن جعفر)
وأمره بلباس الخضرة ، وأن يدعو للمأمون ومن بعده لأخيه الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام ثمّ أعطاه مائة ألف درهم وقال له : (قاتل عن أخيك فإن
أهل الكوفة يجيبونك إلى ذلك وأنا معك) .
وفي سنة (٢٠٣)
للهجرة ، أمر إبراهيم بن المهدي بضرب عيسى بن محمّد بن أبي خالد وحبسه فكتب أخوه (عيسى)
إلى حميد بن عبد الحميد ، أن يأتي إلى بغداد ليسلّموها له ، على أن يعطي جند أهل
بغداد خمسين
__________________
درهما لكل واحد منهم.
وكان المأمون
قد كتب إلى الحسن بن سهل ، يأمره بلبس الخضرة ، وأن يبايع لعلي بن موسى بن جعفر
بولاية العهد من بعده ، ويأمره أيضا بالذهاب إلى بغداد ومحاصرتها ، وكتب أيضا إلى
حميد أن يتقدّم هو الآخر ، ويحاصر بغداد من جهة أخرى ، ويأمره أيضا بلباس الخضرة.
فذهب حميد إلى
بغداد ، ولمّا وصل إلى (صرصر) علم إبراهيم بن المهدي بمجيئه ، فأخرج عيسى بن محمّد
وأخوته من الحبس.
ولمّا وصل حميد
إلى الياسرية ، أعطى لجنود أهل بغداد الخمسين درهما الّتي وعدهم بها ثمّ أرسل
إبراهيم بن المهدي إلى عيسى بن محمّد ، وطلب منه أن يقاتل حميد ، فدعا عيسى بن
محمّد الجند وقال لهم : بأنه سوف يعطيهم مثلما أعطاهم حميد ، غير أنّهم رفضوا ،
وشتموا إبراهيم بن المهدي وقالوا : (إنّنا لا نريد إبراهيم) .
ثمّ دارت الحرب
بين الطرفين ، انتهت بهروب إبراهيم بن المهدي واختفائه. عندها دخل حميد بن عبد
الحميد إلى بغداد ، فالتحق به أكثر قادة إبراهيم بن المهدي ، وكذلك أخذ الهاشميّون
يلتحقون بمعسكر حميد الواحد بعد الآخر.
وظل إبراهيم بن
المهدي مختفيا إلى أن جاء المأمون إلى بغداد ، فطلب المأمون من كافة قادة الجيوش (بما
فيهم حميد) العودة إلى معسكراتهم والإقامة فيها.
وقيل إنّ
العكوك قد مدح حميد بن عبد الحميد ، بعد ما مدح أبي دلف ، فقال
له حميد :
__________________
وما عساك أن تقول فينا؟ بعد أن قلت لأبي دلف :
|
إنّما الدنيا
أبو دلف
|
|
بين مغزاه
ومحتضره
|
فقال له العكوك
: أصلح الله الأمير ، قد قلت فيك ما هو أحسن من هذا ، فقال :
|
إنّما الدنيا
حميد
|
|
وأياديه
الجسام
|
|
فإذا ولّى
حميد
|
|
فعلى الدنيا
السلام
|
وقال العكوك
يمدح حميد أيضا :
|
دجلة تسقي
وأبو غانم
|
|
يطعم من تسقي
من الناس
|
|
والناس جسم
وإمام الهدى
|
|
رأس وأنت
العين والراس
|
وقال العكوك
لحميد بن عبد الحميد : إنّي مدحت المأمون بشعر لم أمدح مثله قط فاذكرني عند المأمون
، فذهب حميد إلى المأمون ، وقال له ما قال العكوك ، فقال له المأمون : لقد قال
العكوك في أبي دلف ، وقال فيك أيضا ، فإذا كان ما قاله فيّ أحسن مما قاله فيكما
كافأناه ، وإن كان أقلّ عاقبناه. فذهب حميد إلى العكوك ، وأخبره بما قال المأمون ،
فسكت العكوك.
وقيل إنّ
العكوك قد قال في مدح حميد :
|
لو لا حميد
لم يكن
|
|
حسب يعدو ولا
نسب
|
|
يا واحد
العرب الّذي
|
|
عزّت بعزته
العرب
|
وقال أبو جعفر
المنصور يوما لقادته : (صدق من قال : جوّع كلبك
__________________
يتبعك) فقال له حميد الطوسي : (لكن إذا لوّح له برغيف يتركك) .
وغضب هارون
الرشيد مرة على حميد ، فدعا له بالسيف ، فلما رآه بكى ، فقال له الرشيد : وما
يبكيك؟ قال حميد : (والله يا أمير المؤمنين ، ما أفزع من الموت ، لأنّه لابدّ منه
، وإنّما بكيت أسفا على خروجي من الدنيا وأنت ساخط عليّ) فضحك الرشيد وقال : (إنّ
الكريم إذا خادعته انخدعا) .
مات حميد
الطوسي في يوم عيد الفطر من سنة (٢١٠) للهجرة ، وحينما جاء أصحابه ليشيعوه ،
فوقفوا أمام قصره ، ينتظرون إخراج جنازته وإذا بجاريته (عذل) تطل عليهم من القصر
وأنشأت تقول :
|
من كان أصبح
هذا اليوم مغتبطا
|
|
فما غبطنا
والله محمود
|
|
أو كان
منتظرا للفطر سيده
|
|
فإن سيدنا في
اللحد ملحود
|
وقال عليّ بن
جبلة (العكوك) يرثي حميد بقصيدة طويلة نقتطف منها :
|
وكيف التقى
مثوى من الأرض ضيق
|
|
على جبل كانت
به الأرض تمنع
|
|
هوى جميل
الدنيا المنيع وغيثها
|
|
المريع وحامي
الكمي المشيع
|
|
وسيف أمير
المؤمنين ورمحه
|
|
ومفتاح باب
الخطب والخطب أمضع
|
|
ألم تر أنّ
الشمس حال ضياؤها
|
|
عليه وأضحى
لونها وهو أسفع
|
|
وأوحشت
الدنيا وأودى بهاؤها
|
|
وأجدب مرعاها
الّذي كان يمرع
|
|
وقد كانت به
الدنيا مطمئنة
|
|
فقد جعلت
أوتادها تتقلع
|
__________________
٥٠ ـ العبّاس بن موسى
بن جعفر :
هو : العبّاس
بن الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام . وله خمسة أولادهم : أحمد ومحمّد والقاسم وموسى وجعفر .
ولّاه حميد بن
عبد الحميد الطوسي إمارة الكوفة سنة (٢٠١) للهجرة وقيل سنة (٢٠٢) للهجرة ، وأمره
أن يلبس الخضرة وأن يدعو للمأمون بالخلافة ومن بعده لأخيه عليّ بن موسى الرضا ، ثمّ قال له : (قاتل عن أخيك ، قاتل عسكر إبراهيم بن
المهدي ، فإنّ أهل الكوفة شيعتكم وأنا معكم). ثمّ أعطاه مائة ألف درهم ، ثمّ خرج
حميد من الكوفة وترك فيها العبّاس بن موسى بن جعفر. فأخذ العبّاس يدعو لأخيه
الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام بالخلافة من بعد المأمون ، فتبعه بعضهم ، وقال له البعض
الآخر : إنّ كنت تدعو لأخيك ، فنحن معك ، وأما المأمون فلا حاجة لنا فيه ، فقال
العبّاس : بل أدعو للمأمون ، ومن بعده لأخي ، فتركوه .
ثمّ أرسل
إبراهيم بن المهدي إلى الكوفة سعيد بن الساجور وأبا البط لمحاربة العبّاس بن موسى
، ولمّا وصلا إلى قرية (شاهي) القريبة من الكوفة أرسل اليهم العبّاس ابن عمّه عليّ
بن محمّد بن جعفر ، وأرسل معه جماعة من أهل الكوفة ، كان منهم : أخو أبي السرايا ،
فاقتتلوا ساعة انهزم بعدها عليّ بن محمّد وأهل الكوفة ، فجاء سعيد بن الساجور
وأصحابه إلى
__________________
(الحيرة) فوصلوها في الثاني من شهر رجب سنة (٢٠٢) للهجرة ، ثمّ تقدموا
وقاتلوا أهل الكوفة ، واستمر القتال إلى الليل ، وكان شعار سعيد : (يا إبراهيم يا
منصور ، لا طاعة للمأمون) وكان عليهم السواد ، أما أهل الكوفة فكانت عليهم الخضرة . وكان كلّ فريق من المتحاربين إذا استولى على شيء
أحرقوه.
فلما رأى رؤساء
وزعماء أهل الكوفة ما حلّ بهم من الدمار والخراب ، ذهبوا إلى سعيد بن الساجور ،
فطلبوا منه الأمان (للعباس) ولأصحابه ، على أنّ يخرج العبّاس من الكوفة فوافق على
ذلك. ثمّ ذهبوا إلى العبّاس بن موسى ، وقالوا له : إن أكثرية من معك هم غوغاء ،
وإنّك لترى ما حلّ بنا من الحرق والنهب والقتل ، فاخرج من الكوفة فلا حاجة لنا فيك
، فوافق على طلبهم. ثمّ شغب أصحاب العبّاس على من بقي من أصحاب سعيد بن الساجور
وقاتلوهم ، فانهزم أصحاب سعيد إلى الخندق ، ونهب أصحاب العبّاس دور عيسى بن موسى العباسي ،
وأحرقوا وقتلوا من ظفروا به.
فأرسل
العباسيون الموجودون في الكوفة إلى سعيد بن الساجور ، وهو في (الحيرة) يخبرونه بأن
العبّاس بن موسى قد نقض الأمان ، فجاء سعيد ودخل الكوفة (ليلا) فقتل من وجده ممّن
نهب ، ثمّ أحرق كلّ ما نهبوه ، ثمّ بقي في الكوفة طوال الليل ، فذهب إليه رؤساء
الكوفة وقالوا له : إن ما حدث هو عمل الغوغاء ، وإنّ العبّاس لم يرجع عن الأمان ،
فرجع سعيد إلى الحيرة.
وفي الصباح دخل
سعيد إلى الكوفة ومعه أبو البطّ ، ونادوا بالأمان ولم يتعرضوا لأحد ، ثمّ عينوا
على الكوفة الفضل بن محمّد بن الصباح الكندي .
__________________
٥١ ـ هارون بن محمّد
:
وهو : هارون بن
محمّد بن أبي خالد الهندوان ، أرسله أبوه (محمّد) إلى (النيّل) وكان فيها آنذاك سعيد بن الساجور الكوفي ، فانهزم ابن
الساجور إلى الكوفة ، فتبعه هارون ودخل الكوفة واستولى عليها ، كان ذلك سنة (٢٠١) للهجرة.
ثمّ رجع هارون
إلى أبيه في (دير العاقول) لينظم إلى جيش عيسى بن يزيد الجلودي ومحمّد بن جعفر ،
ليذهبوا سوية إلى واسط لمحاربة الحسن بن سهل ، فحصلت هناك معركة بين الطرفين أسفرت
عن هزيمة ابن أبي خالد شرّ هزيمة ، وقد أصيب بجراحات كثيرة ، مات على أثر تلك
الجراحات.
فقال الشاعر
أبو الشداخ يرثي محمّد بن أبي خالد :
|
هوى خيل
الأبناء بعد محمّد
|
|
وأصبح منها
كاهل العزّ أخصما
|
|
فلا تشمتوا
يا آل سهل بموته
|
|
فإنّ لكم
يوما من الدهر مصرعا
|
ثمّ عاد هارون
إلى (النيّل) بعد هزيمته في واسط ، فتبعه حميد بن عبد الحميد الطوسي وأصحابه إلى (النيّل)
فنهبوها.
وقيل إنّ
إبراهيم بن المهدي قد ضرب عيسى بن محمّد بن أبي خالد ، ثمّ حبسه ، وسبب ذلك أن
عيسى كان يكاتب (سرا) حميد بن عبد الحميد والحسن بن سهل ، وقيل إنّ الّذي أخبر
إبراهيم بن المهدي هو أخوه هارون .
__________________
وفي سنة (٢١٤)
للهجرة ، ثار بلال الضبابي الشاري ، فأرسل المأمون إليه أبنه (العبّاس) وبعض
القادة كان منهم هارون بن محمّد بن أبي خالد ، فقتل بلالا ، قتله هارون .
٥٢ ـ سعيد بن الساجور
وأبو البط :
وسعيد بن
الساجور الكوفي ، وأبو البطّ : هما قائدان في جيش حميد بن عبد الحميد الطوسي
التابع للحسن بن سهل (وزير المأمون في العراق) وكانا مقيمين مع حميد في قصر ابن
هبيرة ، وكانا يراسلان إبراهيم بن المهدي (سرا) ليأخذا له قصر ابن هبيرة ، وكانا في
نفس الوقت يراسلان الحسن بن سهل ، ويخبرانه : بأن حميد يراسل إبراهيم بن المهدي (سرا)
، فكتب الحسن بن سهل إلى حميد يستدعيه ، ولكنه لم يذهب إليه ، خوفا من أن يستولي
سعيد بن الساجور وجماعته على معسكره ، ولكن بعد إلحاح من الحسن بن سهل ذهب حميد
إليه .
وعندها كتب
سعيد بن الساجور وأبو البطّ إلى إبراهيم بن المهدي ، يطلبان منه أن يرسل اليهما (عيسى
بن محمّد بن أبي خالد) ليسلّماه قصر ابن هبيرة ، ولمّا وصل عيسى إلى هناك انهزم
أصحاب حميد ، فهجم سعيد بن الساجور وأبو البطّ والفضل بن محمّد بن الصباح الكندي
على معسكر حميد ، فنهبوا جميع ما فيه وذلك سنة (٢٠١) للهجرة.
فلما سمع الحسن
بن سهل بذلك ، وحميد بن عبد الحميد عنده ، قال له
__________________
حميد : ألم أعلمك بذلك ، ولكنك خدعت؟
ثمّ ذهب سعيد
بن الساجور (والقادة الذين معه) إلى الكوفة ، فنزلوا في (الحيرة) فلقيهم أبو عبد
الله (أخو أبي السرايا) وعليّ بن محمّد بن جعفر (العلوي) ومعهم جماعة آخرين أرسلهم
العبّاس بن موسى بن جعفر ، فكانت معارك ضارية بينهم ، وكانت كلّ جماعة حينما تهجم
على الأخرى ، تحرق كلّ شيء تجده ، فلمّا رأى أهل الكوفة ذلك ذهبوا إلى سعيد بن
الساجور ، وطلبوا منه الأمان للعباس بن موسى بن جعفر على أن يخرج من الكوفة ،
فوافق سعيد على ذلك ، ثمّ ذهبوا إلى العبّاس بن موسى وقالوا له : بأنّ أكثر
الذين معه هم من الغوغاء ، وقد كثر القتل والسلب والحرق ، لذا يطلبون منه ترك
الكوفة ، مع إعطائه الأمان له ولأصحابه فوافق العبّاس أيضا.
وفي الخامس من
شهر رجب من سنة (٢٠٢) للهجرة ، دخل سعيد ابن الساجور وأبو البط إلى الكوفة (بعد
أن تركها العبّاس بن موسى بن جعفر) فنادى المنادي : (أمن الأبيض والأسود) ولم يتعرضوا لأحد بسوء.
وقيل إنّ سعيدا
وأبا البطّ ، دخلا الكوفة سنة (٢٠١) للهجرة. ثمّ جعلوا على الكوفة (الفضل بن محمّد بن
الصباح الكندي) أميرا عليها.
وكتب إليهم
إبراهيم بن المهدي (الخليفة في بغداد) يأمرهم بالذهاب
__________________
إلى واسط لمحاربة الحسن بن سهل ، وكتب إلى سعيد بن الساجور ، أن يعزل الفضل
بن الصباح الكندي عن الكوفة ويولّيها غيره ، ذلك لأن الفضل بن الصباح هو من أهل
الكوفة ، ويميل إلى أهله.
عندها عزل
الكندي وولوها (غسان بن أبي الفرج) ثمّ إنّ غسّان هذا قتل أبا عبد الله أخا أبي
السرايا) فعزلوه عن الكوفة ، وولوها إلى (الهول) ابن أخي سعيد بن الساجور .
ثمّ وصل عيسى
بن محمّد بن أبي خالد ونعيم بن خازم قريبا من واسط ، ثمّ لحق بهم سعيد بن الساجور
وأبو البطّ ، واستعدوا لقتال أصحاب الحسن بن سهل (المتحصنين في مدينة واسط) فحدثت
معركة بين الطرفين ، انهزم فيها عيسى بن محمّد بن أبي خالد وأصحابه ، واستولى
أصحاب الحسن بن سهل على جميع ما في عسكره من سلاح ، ودواب ، وغير ذلك.
٥٣ ـ الفضل بن محمّد
بن الصباح الكندي :
وهو أحد القادة
في معسكر حميد بن عبد الحميد الطوسي ، وقد حدثت خلافات بينه وبين حميد بن عبد
الحميد ، فاتفق مع القادة الآخرين على مكاتبة إبراهيم بن المهدي (سرا) بأنّهم على
استعداد لتسليمهم له قصر ابن هبيرة . وكتبوا في نفس الوقت إلى الحسن بن سهل ، يخبرونه بأن
حميد يكاتب إبراهيم بن المهدي (سرا) وأنه على اتصال دائم
__________________
معه.
وعند ما ذهب
حميد إلى الحسن بن سهل ، كتب الفضل بن محمّد بن الصباح والقادة الآخرون إلى
إبراهيم بن المهدي لإرسال أحد قادته للاستيلاء على قصر ابن هبيرة ، ثمّ هجموا على
معسكر حميد ، فنهبوا كلّ ما فيه ، كان ذلك سنة (٢٠١) للهجرة.
وفي الخامس من
شهر رجب من سنة (٢٠٢) للهجرة دخل سعيد ابن الساجور وأبو البط إلى الكوفة (بعد
أن تركها العبّاس بن موسى بن جعفر). وقيل دخلا الكوفة سنة (٢٠١) للهجرة .
ثمّ كتب
إبراهيم بن المهدي إلى القادة المذكورين ، يأمرهم بالذهاب إلى واسط لمحاربة الحسن
بن سهل ، وكتب إلى سعيد بن الساجور أن يعزل الفضل بن الصباح عن الكوفة ، ويولّيها
غيره ، وذلك لأن الفضل بن الصباح هو من أهل الكوفة ، وأنه يميل إليهم ، عندها عزل
الفضل بن محمّد بن الصباح الكندي ، وولّوها (غسان بن أبي الفرج) .
٥٤ ـ غسان بن أبي
الفرج :
ولّاه سعيد بن
الساجور وأبو البط إمارة الكوفة سنة (٢٠١) للهجرة ، وذلك بعد عزل أميرها السابق (الفضل
بن محمّد بن الصباح الكندي) ، ثمّ عزلوه لأنه قتل (أبا عبد الله) أخا أبي السرايا
وجعلوا مكانه (الهول) ابن أخي
__________________
سعيد بن الساجور .
٥٥ ـ الهول ـ ابن أخي
سعيد بن الساجور :
ولّاه سعيد بن
الساجور وأبو البط إمارة الكوفة سنة (٢٠٢) للهجرة بعد عزل أميرها السابق (غسان بن أبي الفرج).
وبقي (الهول)
أميرا على الكوفة إلى أن دخلها حميد بن عبد الحميد الطوسي فهرب عنها في نفس السنة.
وقال الشاعر
يمدح الهول :
|
إذا سألت
الندى عن كلّ مكرمة
|
|
لم تلق
نسبتها إلّا إلى الهول
|
|
لو زاحم
الشمس ألفى الشمس مظلمة
|
|
أو زاحم
الصّمّ ألجاها
إلى الميل
|
|
أمضى من
الدهر إن نابته نائبة
|
|
وعند أعدائه
أمضى من السيل
|
٥٤ ـ إبراهيم بن المهدي :
هو : إبراهيم
بن الخليفة (المهدي) بن أبي جعفر المنصور ، وأخو هارون الرشيد ، وكنيته : أبو
إسحاق.
وأمّه (شكلة)
وهي موّلدة ، وكان أبوها من أصحاب المازيار يقال له (شاه أفرند) وسبيت (شكلة) وجيء
بها إلى المنصور ، فأعطاها إلى (محيّاة) أم ولده ، فربتها وأرسلتها إلى الطائف ،
وبقيت هناك إلى أن كبرت ، ثمّ أعيدت ، فرآها (المهدي) فطلبها من (محيّاة) فأعطته
إيّاها فولدت له
__________________
إبراهيم .
بويع إبراهيم
بن المهدي في بغداد بالخلافة ، وخلع المأمون ، وذلك يوم الجمعة في الخامس من شهر
محرم من سنة (٢٠٢) للهجرة ، ولقب (بالمبارك) ثمّ استولى على الكوفة وعلى السواد
كلّه ، وعسكر في المدائن ، وولّى العبّاس ابن موسى الهادي على الجانب الغربي من
بغداد ، وولّى أخاه إسحاق بن موسى على الجانب الشرقي منها .
ثمّ رجع
إبراهيم بن المهدي إلى بغداد ، وأقام فيها ، وكان الحسن بن سهل يقيم في واسط (خليفة)
المأمون فيها ، والمأمون في خراسان.
وبقي إبراهيم
المهدي مقيما في بغداد ، ويدعى (أمير المؤمنين) ويخطب على المنابر ثمّ جرت حروب
بين أصحاب إبراهيم وأصحاب المأمون ، وكان شعار أصحاب إبراهيم (السواد) وشعار أصحاب
المأمون (الخضرة) واستمر القتال بينهما إلى أواخر سنة (٢٠٢) للهجرة.
ولمّا علم
المأمون بما أصاب وبما وصلت إليه الحال في بغداد من الاضطراب ، وتغيير الأوضاع ،
ذهب إلى بغداد (بعد أن أوعز بقتل الفضل بن سهل) ثمّ بعد ذلك حدثت وفاة الإمام عليّ
بن موسى الرضا عليهماالسلام .
ولمّا وصل
المأمون إلى بغداد ، اختفى إبراهيم بن المهدي مدّة ستّ سنين وأربعة أشهر وعشرة
أيّام ، وقيل إنّه اختفى عند أخته (علية) بنت المهدي ،
__________________
وقد جعلت له جارية تخدمه أسمها (ملك) وكانت تلك الجارية : جميلة ، وحاذقة ،
وراوية للشعر ، فأحبّها إبراهيم حبّا شديدا ، ولكنّه لم يتمكن من طلبها من أخته ،
وقد اشتدّ حبّه لتلك الجارية ، فأخذ عوده ذات يوم وغنى ، وكانت (ملك) واقفة أمامه ، فقال :
|
يا غزالا لي
إليه
|
|
شافع من
مقلتيه
|
|
والّذي أجللت
خدي
|
|
ه فقبلت يديه
|
|
بأبي وجهك ما
أكث
|
|
ر حسادي عليه
|
|
أنا ضيف
وجزاء الضي
|
|
ف إحسان إليه
|
فذهبت الجارية
إلى أخته (علية) وأخبرتها بحال إبراهيم ، فقالت لها علية : (إذهبي فقد وهبتك له).
ولمّا عادت الجارية إلى إبراهيم أعاد عليها الشعر مرّة ثانية ، فأخذت الجارية تقبل
رأسه ، فمنعها إبراهيم. فقالت له : إن مولاتي قد وهبتني إليك.
ثمّ ألقي القبض
على إبراهيم بن المهدي بزيّ امرأة ، وجيء به إلى المأمون ، فسلّم عليه وقال : (يا
أمير المؤمنين ، ولي الثأر ، محكم في القصاص ، والعفو أقرب إلى التقوى ، ومن مدّ
له في الأناة ، حسن عنده الذنب ، وقد جعلك الله فوق كلّ ذنب كما جعل كلّ ذي ذنب
دونك ، فإن عاقبت فبحقك ، وإن عفوت فبفضلك) .
__________________
فقال له
المأمون : (يا إبراهيم ، إنّي قد شاورت العبّاس وأبا إسحاق أخي في أمرك ، فأشارا عليّ بقتلك ، إلّا
إنّني وجدت قدرك فوق ذنبك ، فكرهت القتل للازم حرمتك) فعفا عنه. ولمّا عفا عنه
المأمون قال إبراهيم :
|
رددت مالي
ولم تمنن عليّ به
|
|
وقبل ردّك
مالي قد حقنت ودمي
|
وقيل أيضا :
عند ما ألقي القبض على إبراهيم بن المهدي سنة (٢١٠) للهجرة ، بزيّ امرأة جيء به إلى المأمون ، فسلّم على
المأمون فقال له المأمون : (لا سلّم الله عليك ولا حيّاك الله ، ولا رعاك) ، فقال
إبراهيم :
|
ذنبي إليك
عظيم
|
|
وأنت أعظم
منه
|
|
فخذ بحقّك
أولا
|
|
فاصفح بحلمك
عنه
|
|
إن لم يكن في
فعالي
|
|
من الكرام
فكنه
|
فرقّ المأمون
لحاله ، وطلب من جلسائه ، أن يشيروا عليه بأمر إبراهيم ، فكلّهم أشار عليه بقتله ،
إلّا أحمد بن خالد فقد قال له : (يا أمير المؤمنين ، إن تقتله فقد وجدنا مثلك ،
قتل مثله ، وإن عفوت عنه ، لم نجد مثلك ، عفا عنه) ، فطأطأ المأمون رأسه ، ثمّ قال
:
|
قومي هم
قتلوا أميم أخي
|
|
فإذا رميت
يصيبني سهمي
|
ثمّ مدحه
إبراهيم بقصيدة طويلة نقتبس منها الأبيات التالية :
|
يا خير من
ذملت يمانيه به
|
|
بعد الرسول
لآيس أو طامع
|
__________________
|
وأبر من عبد
الإله على التقى
|
|
عينا وأقوله
بحق صادع
|
ومنها :
|
نفسي فداؤك
أن تضل معاذري
|
|
وألوذ منك
بفضل حلم واسع
|
|
أملا لفضلك
والفواضل شيمة
|
|
رفعت بناءك
بالمحل اليافع
|
ومنها :
|
لم أدر أنّ
لمثل جرمي غافرا
|
|
فوقفت أنظر
أيّ حتف صارعي
|
|
ردّ الحياة
عليّ بعد ذهابها
|
|
ورع الإمام
القادر المتواضع
|
|
أحياك من
ولّاك أطول مدّة
|
|
ورمى عدوك
بالوتين بقاطع
|
فقال المأمون ،
أقول كما قال يوسف لأخوته : (لا تثريب عليكم اليوم ، يغفر الله لكم وهو أرحم
الراحمين) .
وقيل إنّ
إبراهيم بن المهدي ، أهدى جارية إلى المأمون ، ومعها عود وبيتين من الشعر :
|
عفوت وكان
العفو منك سجيّة
|
|
كما كان
معقودا بمفرقك الملك
|
|
فإن أنت
أتممت الرضا فهو المنى
|
|
وإن أنت
جازيت المسيء فذا الهلك
|
فقال المأمون :
(خرف الشيخ) ، ثمّ ردّ الجارية ولم يقبلها ، فاغتمّ إبراهيم كثيرا ، ثمّ كتب إلى
المأمون مع الجارية :
|
لا والّذي
تسجد الجباه له
|
|
ما لي بما
دون ثوبها خبر
|
|
ولا بغيها
ولا همت بها
|
|
ما كان إلّا
الحديث والنظر
|
فقبلها
المأمون.
وكتب إبراهيم
بن المهدي إلى طاهر بن الحسين : (زادك الله للحقّ قضاء ، وللشكر أداء ، بلغني رسول
عنك ، ما لم أزل أعرفه منك ، والله يمتعني
__________________
بك ، ويحسن في ذلك جزاؤك ، ومع ذلك فإنّي علمتك الشوق ، لأنّي ذكرته لك ،
فهيجته منك والسلام) .
وسأل إبراهيم
ذات يوم عن رجل ، فقيل له : يساوي فلسين. فقال إبراهيم : (زدت من قيمته درهمين) .
وذهب إبراهيم
بن المهدي إلى يحيى بن خالد البرمكي ، ولكنه لم يسمح له بالدخول عليه ، فقال
إبراهيم :
|
إنّي أتيتك
للسلام ولم
|
|
أنقل إليك
لحاجة رجلي
|
|
فحجبت دونك
مرتين وقد
|
|
تشتدّ واحدة
على مثلي
|
وعند ما سمع
إبراهيم بن المهدي بأنّ (المأمون) قد بايع للإمام عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام بالخلافة من بعده ، قال :
|
فلا جزيت بني
العبّاس خيرا
|
|
على رغمي ولا
اغتبطت بريّ
|
|
أتوني مهطعين
وقد أتاهم
|
|
بور الدهر
بالخبر الجليّ
|
|
وحلّ عصائب
الأملاك منها
|
|
وشدت في رؤوس
بني عليّ
|
|
فضجت أن تشد
على رؤوس
|
|
تطالبها
بميراث النبيّ
|
ومات لإبراهيم
ولد ، فقال يرثيه :
|
وإنّي وإن قد
مت قبلي لعالم
|
|
بأنّي وإن
أبطأت عنك قريب
|
|
وإن صباحا
نلتقي في مساءه
|
|
صباح إلى
قلبي الغداة حبيب
|
وفي سنة (٢٢٣)
للهجرة ، هجم (توفيل بن ميخائيل) ملك الروم ، على
__________________
مدينة (زبطرة) في خلافة (المعتصم) ففتحها ، وقتل الصغير والكبير ، وسبي
النساء ، ثمّ هجم مرّة ثانية على مدينة (ملطية) فضج الناس في الأقاليم والأمصار ،
واستغاثوا في المساجد ، فدخل إبراهيم بن المهدي على الخليفة (المعتصم) وأنشده
قصيدة طويلة ، نقتطف منها :
|
يا غيرة الله
قد عاينت فانتقمي
|
|
تلك النساء
وما منهن يرتكب
|
|
هبّ الرجال
على إجرامها قتلت
|
|
ما بال
أطفالها بالذبح تنتهب؟!
|
وكان إبراهيم
بن المهدي جالسا في قصر الخليفة (المعتصم) وكان بجانبه العبّاس بن المأمون ، فشاهد
العبّاس خاتما من الياقوت الأحمر ، الغالي الثمن في يد إبراهيم فقال له العبّاس :
هل الخاتم هذا لك يا عم؟
فأجابه إبراهيم
: نعم ، هذا الخاتم كنت قد رهنته في خلافة أبيك ، وقد فككت رهانه في خلافة أمير
المؤمنين رعاه الله. فقال له العبّاس : (أنت لم تشكر أبي على حقنه لدمك ، ولم تشكر
عمّي على فكاك رهان خاتمك) .
وعند ما خلع العباسيون
(المأمون) في بغداد ، وبايعوا لإبراهيم بن المهدي بالخلافة قال دعبل الخزاعي :
|
نفر ابن (شكلة) بالعراق وأهله
|
|
فهفا إليه
كلّ أطيش مائق
|
|
أنّى يكون ،
وليس ذاك بكائن
|
|
يرث الخلافة
فاسق عن فاسق
|
|
إن كان
إبراهيم مضطلعا بها
|
|
فلتصلحن ، من
بعده لمخارق
|
__________________
|
ولتصلحن ، من
بعد ذلك لزلزل
|
|
ولتصلحن ، من
بعده للمارق
|
وكان إبراهيم
بن المهدي يمش مع المغنين إذا خرجوا من عند المأمون ليلا ، وكان المأمون يبين
للناس ، بأنّ إبراهيم قد خلع الخلافة من عنقه ، وأنه تهتك ، فلا يصلح لها .
وروي عن (عريب)
أنّها قالت : (أحسن يوم رأيته في حياتي ، هو يوم اجتمعت فيه مع إبراهيم بن
المهدي عند أخته (عليّة) وعندها أخوها يعقوب ، وهو أمهر الناس بالتزمير ، وقد غنت (عليّة)
من شعرها :
|
تحبب فإنّ
الحبّ داعية الحبّ
|
|
وكم من بعيد
الدار مستوجب القرب
|
|
تبصر فإن
حدّثت أنّ أخا هوى
|
|
نجا سالما
فارج النجاة من الحبّ
|
|
إذا لم يكن
في الحبّ سخط ولا رضا
|
|
فأين حلاوات
الرسائل والكتب
|
وغنى إبراهيم
فقال :
|
لم ينسيك
سرور ولا حزن
|
|
وكيف لا ،
كيف ينسى وجهك الحسن
|
|
ولا خلا منك
قلبي لا ولا جسدي
|
|
كلّي بكلك
مشغول ومرتهن
|
وقال إبراهيم :
ما خجلت في حياتي قط ، مثلما خجلت مع أختي (عليّة) ، ذلك أنّي ذهبت إليها ذات يوم
زائرا ، فقلت لها : (كيف أنت يا أختي ،
__________________
جعلت فداك ، وكيف حالك وجسمك)؟ فقالت : بحمد الله بخير. وكانت بجانبها
جارية لها فنظرت إليها ، فإذا هي في غاية الحسن والجمال ، فأعجبتني كثيرا ، وطال
جلوسي .. ثمّ استحييت من (عليّة) وقلت لها : (وكيف أنت يا أختي ..) فرفعت رأسها
وقالت : (أليس هذا قد مضى مرّة ، وقد أجبنا عنه) .
ومن شعر
إبراهيم بن المهدي أنّه قال :
|
قد شاب رأسي
ورأس الحرص لم يشب
|
|
إنّ الحريص
على الدنيا لفي تعب
|
|
قد ينبغي لي
مع ما حزت من أدب
|
|
أن لا أخوض في
أمر ينقص بي
|
|
لو كان
يصدقني دهري بفكرته
|
|
ما اشتدّ
غمّي على الدنيا ولا نصبي
|
|
أسعى وأجهد
فيما لست أدركه
|
|
والموت يكدح
في زندي وفي عصبي
|
|
بالله ربّك
كم بيت مررت به
|
|
قد كان يغمر
باللّذات والطرب
|
|
طارت عباب
المنايا في جوانبه
|
|
فصارت بعدها
للويل والحرب
|
|
فامسك عنانك
لا تجمع به طلع
|
|
فلا وعينك ما
الأرزاق بالطلب
|
|
قد يرزق
العبد لم يتعب رواحله
|
|
ويحرم الرزق
من لم يوف في طلب
|
|
مع أنّني
واجد في الناس واحدة
|
|
الرزق
والنوّل مقرونات في سبب
|
|
وخطة ليس
فيها من بيان غنى
|
|
الرزق أروع
شيء عن ذوي الأدب
|
|
يا ثاقب الفهم كم أبصرت ذا حمق
|
|
الرزق أعرى
به من لازم الجرب
|
وكان إبراهيم
بن المهدي يقول : إنّما أصنع تطربا ، لا تكسبا ، وأغني لنفسي لا للناس ، وأعمل ما
أشتهي. وأيضا قال : (لو أنّي أرفع نفسي من هذه (الصناعة) ، لأظهرت منها ما يعلم الناس معه أنّهم لم يروا مثلي
__________________
قبلي).
مات إبراهيم بن
المهدي في سامراء في شهر رمضان من سنة (٢٢٤) للهجرة وصلى عليه المعتصم وكان عمره (٦٢) سنة.
٥٧ ـ أبو عيسى بن
هارون الرشيد :
هو : (محمّد)
وقيل (أحمد) وقيل (صالح) بن الخليفة هارون الرشيد ، وقد غلبت كنيته على أسمه ،
وأمّه أمّ ولد (أي غير عربية).
وكان أبو عيسى
جميل الصورة والمظهر ، مثل جمال أبيه هارون الرشيد ، وكان يقال : (انتهى جمال
الرشيد إلى أبنيه (الأمين وأبي عيسى).
وعند ما كان
أبو عيسى صغيرا ، قال له أبوه (الرشيد) : (ليت جمالك لعبد الله) .
فأجابه أبو
عيسى : (على أنّ حظّه منك لي).
فتعجب الرشيد
من جوابه على صغره.
وكان أبو عيسى
، كثير المجالسة والعشرة ، وكان شاعرا ، وماهرا بالغناء .
ولّاه أخوه
المأمون إمارة الكوفة سنة (٢٠٤) للهجرة ، وولى أخاه
__________________
صالح إمارة البصرة في نفس السنة.
وكانت (عريب) تحبّه كثيرا وتقول : (إنّها ما عشقت أحدا من بني هاشم ، وأصفته من الخلفاء وأولادهم سوى أبا عيسى) . ثمّ تزوجت عريب من صالح المنذري الخادم (سرا) وكان
المتوكّل العباسي قد أرسل صالح المنذري بحاجة إلى مكان بعيد فقالت عريب :
|
أما الحبيب
فقد مضى
|
|
بالرغم منيّ
لا الرضا
|
|
أخطأت في
تركي لمن
|
|
لم ألق منه
معوّضا
|
ولمّا بويع (المأمون)
بالخلافة بعد مقتل أخيه (الأمين) ظل عشرين شهرا ، لم يستمع إلى الغناء ، وكان أوّل
من غنّى بمجلسه أخوه أبو عيسى ، ثمّ بعد ذلك استمرّ على سماع الغناء .
وبينما كان أبو
عيسى وطاهر بن الحسين يتغدّيان (سويّة) عند المأمون ذات يوم أخذ أبو عيسى ورقة (خسّ)
فغمسها في الخلّ ، وضرب بها عين طاهر الصحيحة فغضب طاهر وقال : (يا أمير المؤمنين ، إحدى عيني ذاهبة
، والأخرى على يدي عدل ، يفعل هذا بي بين يديك).
فقال له المأمون
: (يا أبا الطيب ، إنّه والله ليعبث بي أكثر من هذا العبث) .
__________________
وخرج أبو عيسى
ذات يوم إلى بستان له ليلهو ، ومعه عبد الله بن العبّاس ومحمّد بن الحارث وجماعة آخرين ، وبعد أن
شربوا ، وغنّوا جاءت (عساليج) وبيدها عود ، فغنّت لهم فطربوا ، وأخذ عبد الله بن
العبّاس يطيل النظر إليها ، ويثني عليها بعبارات الاستحسان والإعجاب ، فنظر إليه
أبو عيسى ، وقال له : أعشقتها يا عبد الله؟
فقال : لا ،
ولكنّني تعجبت من جميل صورتها ، وحسن أخلاقها ، ورجاحة عقلها. ولمّا أكثروا من
الشراب ، غلب النبيذ على عبد الله فأخذ يغني :
|
نطق السّكر
بسري فبدا
|
|
كم يرى
المكتوم يخفي لا يضح
|
|
سحر عينيك
إذا ما رنتا
|
|
لم يدع ذا
صبوة أو يفتضح
|
|
ملكت قلبا
فأمسى غلقا
|
|
عندها صبّا
بها لم يسترح
|
|
بجمال وغناء
حسن
|
|
جلّ عن أن
ينتقيه المقترح
|
|
أورث القلب هموما
ولقد
|
|
كنت مسرورا
بمرآه فرح
|
|
ولكم مغتبق
همّا وقد
|
|
بكر اللهو
بكور المصطبح
|
فالتفت إليه
أبو عيسى وقال : فعلتها والله يا عبد الله ، أتنكر عليّ يا عبد الله حبّك لعساليج؟
وقد فضحك السّكر؟ ثمّ قال له : (والله لو كانت لي لوهبتها لك ، ولكنّها لآل يحيى
بن معاذ ، والله لو باعوها لاشتريتها لك ، ولو بكل ما أملك) .
وعشق (التيمي) جارية لبعض النخاسين ، فذهب إلى أبي عيسى
__________________
يشكو حبه وغرامه بتلك الجارية ، وطلب منه ثمنها ، وقد ضمن طلبه ببيتين من
الشعر ، فذهب أبو عيسى إلى أخيه المأمون وقال له : (إن التيمي مغرم بجارية ، وكتب
اليّ ببيتين يطلب ثمنها. فقال المأمون : وما هما؟ فقال :
|
يا أبا عيسى
إليك المشتكى
|
|
وأخو الصبر
إذا عيل شكا
|
|
ليس لي صبر
على فقدانها
|
|
وأعاف المشرب
المشتركا
|
فأعطاه المأمون
ثلاثين ألف درهم ، فاشتراها.
وكان (أبو حفص)
الشطرنجي ينادم أبا عيسى ، ويقول له الشعر ، وكذلك مع أخيه صالح ، وأخته ،
وعمّتهم (علية) وكان بنو الرشيد يزورونه ، ويأنسون به ، فمرض ذات يوم ، فعاده جميع
آل الرشيد ما عدا أبو عيسى ، فكتب إليه شعرا :
|
إخاء أبي
سعيد إخاء ابن ضرّة
|
|
ووديّ ودّ
لأبن أمّ ووالد
|
|
ألم يأته أنّ
التأدّب نسبة
|
|
تلاصق أهواء
الرجال الأباعد
|
|
فما باله
مستعذبا من جفائنا
|
|
موارد لم
تعذّب لنا من موارد
|
|
أقمت ثلاثا
حلف حمى مضرة
|
|
فلم أره في
أهل ودّي وعقائدي
|
|
سلام هي
الدنيا قروض وإنّما
|
|
أخوك مديم
الوصل عند الشدائد
|
ويحكى : أنّ
أبا عيسى ، كان مع جماعة يتراءون هلال شهر رمضان ، وعند ما رأوا الهلال فرحوا
كثيرا ، وأخذوا يذكرون الله ويحمدونه ، أما هو فقد قال كلاما استنكره الناس عليه ،
ثمّ أردف قائلا :
__________________
|
دعاني شهر
الصوم لا كان من شهر
|
|
وما صمت شهرا
بعده آخر الدهر
|
|
فلو كان
يعديني الإمام بقدرة
|
|
على الشهر
لأستعديت جهدي على الشهر
|
ولم يعش أبو
عيسى حتّى يصوم شهرا آخر
وفي سنة (٢٠٧)
للهجرة ، أقام الحجّ بالناس أبو عيسى بن هارون الرشيد .
مات أبو عيسى
بن هارون الرشيد سنة (٢٠٨) للهجرة ، وقيل سنة (٢٠٩) ، فصلّى عليه أخوه المأمون ، ونزل في قبره وقال :
|
سأبكيك ما
فاضت دموعي فإنّ نقص
|
|
فحسبك منّي
ما تجن الجوانح
|
|
كأن لم يمت
حيّ سواك ولم تقم
|
|
على أحد إلّا
عليك النوائح
|
ثمّ أقام له
المأمون مجلس عزاء ، فدخل عليه محمّد بن عبّاد يعزّيه ، فقال له المأمون : (يا
محمّد ، حال القدر ، دون الوطر) . فقال له محمّد : (يا أمير المؤمنين ، كلّ مصيبة ما
أخطأتك شوى ، فجعل الله الحزن لك لا عليك) .
ثمّ حزن عليه
المأمون حزنا شديدا ، وامتنع عن الطعام والشراب أياما ولياليا فدخلت عليه (عريب)
وكان عنده أحمد بن أبي داود وعمرو بن مسعده يواسونه ويخففون عنه هول المصيبة بما
يحفظونه من الشعر ،
__________________
فقالت :
|
كذا فليجل
الخطب وليفدح الأمر
|
|
فليس لعين لم
يفض ماؤها عذر
|
|
كأن بني
العبّاس يوم وفاته
|
|
نجوم سماء
خرّ من بينها البدر
|
فبكى المأمون
بكاء شديدا.
٥٨ ـ محمّد بن الليث
:
استخلفه أبو
عيسى بن هارون الرشيد على إمارة الكوفة سنة (٢٠٤) للهجرة .
٥٩ ـ عبيد الله بن
عبد الله :
وهو عبيد الله
بن عبد الله بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن ابن الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، ولّاه المأمون .
٦٠ ـ طاهر بن الحسين
:
ولّاه الخليفة
المأمون المشرق كلّه ، من بغداد إلى أقصى أعمال المشرق ، ومن ضمنها الكوفة طبعا ،
وذلك سنة (٢٠٥) للهجرة.
٦١ ـ المنتصر بالله :
__________________
هو : محمّد (المنتصر
بالله) بن جعفر (المتوكّل) بن محمّد (المعتصم) بن هارون الرشيد بن محمّد (المهدي)
بن عبد الله (المنصور) بن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس (عمّ النبيّ) بن
عبد المطلب.
وكنيته : أبو
العبّاس ، وقيل : أبو جعفر ، وقيل : أبو عبد الله . وأمّه روميّة تسمى (حبشية) . وكان محمّد المنتصر أميرا على الكوفة سنة (٢٣٣) للهجرة
، أيّام خلافة أبوه المتوكّل على الله .
وبويع المنتصر
بالله بالخلافة في اليوم الّذي قتل فيه أبوه ، وذلك في يوم الأربعاء في الرابع (وقيل
في الثالث) من شهر شوال سنة (٢٤٧) للهجرة (قتله ضابط تركي في الحرس الخاصّ) ، بتواطئ مع
المنتصر أسمه (بغا الصغير). وقيل بويع المنتصر بالله بالخلافة بعد ثلاثة أيّام من
قتل أبيه.
وكان المنتصر
بالله ، يحسن الغناء ، ويجيد الشعر ، وكان إذا قال الشعر ، صنع فيه ، وأمر
المغنّين بإظهاره ولمّا ولّي الخلافة ترك الشعر ، ومنع من إظهار ما تقدم من شعره ،
ولذلك لم تظهر أغانيه .
وكان المتوكّل
على الله قد عهد بولاية العهد للمنتصر ومن بعده لأخويه المعتزّ والمؤيّد ، وأراد
المتوكّل أن يقدّم أخاه (المعتزّ) عليه بإيعاز من زوجته (قبيحة) لأنّه كان يحبّها
كثيرا ، فطلب من ابنه (المنتصر) أن يتنازل عن ولاية العهد لأخيه ، فرفض المنتصر ،
ممّا حمل أبوه على كراهيته والتقليل من منزلته ، حتّى أخذ المتوكّل يشتمه ، ويهينه
أمام الناس ويسقيه الخمر
__________________
فوق طاقته ، ويأمر وزيره (الفتح بن خاقان) أن يضربه .
وعند ما بويع (المنتصر)
بالخلافة ، ولّى أبا عمرة (أحمد بن سعيد) على المظالم ، فقال الشاعر :
|
يا ضيعة
الإسلام لمّا ولى
|
|
مظالم الناس
أبو عمره
|
|
صيّر مأمونا
على أمة
|
|
وليس مأمونا
على بعره
|
وقيل : لمّا
قتل (المتوكّل) قتله الترك بمواطئة أبنه (المنتصر) ولمّا آل الأمر إلى ابنه الآخر (المعتزّ)
، كانت (قبيحة) أمّه تحرّضه على الانتقام من قتلة أبيه ، وذات يوم جائته بقميص (المتوكّل)
الّذي قتل فيه ، وأخذت تبكي ، فقال لها (المعتزّ) : (يا أمّاه ، ارفعي القميص
وإلّا صار قميصين) .
فعندها هدأت
وسكتت.
وكان المنتصر
راغبا في الخير ، قليل الظلم ، محسنا إلى العلويين ، وصولا إليهم وقد أزال عن آل
أبي طالب ما كانوا يعانونه من الخوف والقلق ، بمنعهم من زيارة قبر الحسين عليهالسلام ثمّ استرجع (فدك) إلى آل
__________________
الحسين عليهمالسلام فقال يزيد بن المهلب في ذلك :
|
ولقد بررت
الطالبية بعد ما
|
|
ذمّوا زمانا
بعدها وزمانا
|
|
ورددت إلفة
هاشم فرأيتهم
|
|
بعد العداوة
بينهم إخوانا
|
وكان أبوه (المتوكّل)
قد أمر في سنة (٢٣٦) للهجرة ، بهدم قبر الإمام الحسين عليهالسلام وأمر بهدم الدور الّتي حوله ، ثمّ أمر بحرث الأرض
وزرعها ، فأخذ أهل بغداد يشتمون (المتوكّل) ويكتبون على الحيطان والمساجد ما
يشاءون من السبّ والشتم ، وهجاه الشعراء أمثال دعبل الخزاعي وغيره ، وقال يعقوب بن
السكيت ، وقيل عليّ بن أحمد البسّامي :
|
بالله إن
كانت أميّة قد أتت
|
|
قتل ابن بنت
نبيها مظلوما
|
|
فلقد أتاه
بنو العبّاس بمثله
|
|
هذا لعمرك
قبره مهدوما
|
|
أسفوا على أن
لا يكونوا شاركوا
|
|
في قتله
فتتبعوه رميما
|
وكان للخليفة
المتوكّل نديما اسمه (عبادة المخنث) وكان هذا المخنّث ، يضع وسادة على بطنه (داخل
ثيابه) ثمّ يكشف عن رأسه (وكان أصلعا) ، ثمّ يأخذ يرقص أمام (المتوكّل) ومن حوله
المغنين يرددون : (قد أقبل الأصلع البطين ، خليفة المسلمين) والمتوكّل يشرب ويضحك.
وفعل ذلك ذات
يوم ، وكان ابنه (المنتصر) حاضرا ، فأومأ إلى (عبادة المخنّث) مهددا إيّاه ، فسكت
عبادة ، فقال له المتوكّل : (استمر ، ما ذا حدث؟
فأخبره بما فعل
(المنتصر). فقال المنتصر : (يا أمير المؤمنين ، إنّ الّذي تسخرون منه ، وتضحكون
عليه ، هو ابن عمّك ، وشيخ أهل بيتك ، وبه فخرك ، فكل أنت لحمه ، ولا تطعم هذا
الكلب وأمثاله منه).
__________________
فقال المتوكّل
للمغنين : هيّا غنّوا :
|
غار الفتى
لابن عمّه
|
|
رأس الفتى في
حر أمّه
|
وبعد مقتل (المتوكّل)
ازدادت سيطرة الأتراك على القصر العباسي ، وخاصّة بعد أن تسلّم المنتصر الخلافة
بمساعدتهم ، فأصبح الأتراك هم المسيّرين لدفّة الحكم في البلاد يعزلون الخلفاء
ويعيّنونهم ، ويسملون عيونهم ، ويقتلونهم.
ويبدو أنّ
المرارة في نفس المنتصر ، قد دفعته (بعد موافقته على قتل أبيه) على التخلّص من
الأتراك ، فأخذ يسبّهم ويشتمهم ويقول : (هؤلاء قتلة الخلفاء) ، ولكنّ الأتراك ،
وبما لديهم من الخبرة الكافية ، أحسّوا بالخطر المحدق بهم إذا ما سيطر المنتصر على
زمام الأمور ، فسارعوا إلى رشوة طبيبه الخاصّ (ابن طيفور) فأعطوه ثلاثين ألف دينار
، فدسّ له السمّ في شهر ربيع الآخرة من سنة (٢٤٨) للهجرة وقيل وضع له السمّ في (كمثراة) عرموطة. وقيل إنّ
ابن طيفور هذا ، قد مرض ، فطلب من غلامه أن يعطيه دواء فأعطاه الدواء ، وكان فيه
بقية من السم الّذي أعطاه للمنتصر ، فلما شربه مات ابن طيفور.
مات المنتصر في
الخامس من شهر ربيع الآخر من سنة (٢٤٨) للهجرة ، وعمره (٢٥) سنة ، فلم يتمتع بالخلافة إلّا
أشهرا معدودة دون السنة ، وقيل مات في اليوم الثالث من الشهر المذكور ، وقيل في
اليوم الرابع
__________________
منه ، وكان عمره (٢٦) سنة وصلّى عليه ابن عمّه أحمد بن محمّد (المستعين
بالله) ، ودفن في سامراء ، في مكان يقال له (الجوسق) .
وقال المنتصر
في لحظة من لحظات الذلّ والقهر :
|
الذلّ يأباه
الفتى الحرّ
|
|
ما للكريم
معه صبر
|
|
لو يعلم
الناس الّذي نالني
|
|
فليس لي
عندهم عذر
|
|
كان اليّ
الأمر في ظاهر
|
|
وليس لي في
باطن أمر
|
وقيل إنّه قال
لأمّه ، وهو يحتضر : (يا أماه ، ذهبت مني الدنيا والآخرة ، عاجلت أبي فعوجلت).
وقيل إنّه قال
لأمه أيضا : أفسدت ديني ودنياي ، وقد رأيت أبي هذه الساعة وهو يقول : (قتلتني يا
محمّد لأجل الخلافة ، والله لا تتمتع بها إلّا أياما قلائل ، ثمّ مصيرك إلى النار)
. فما عاش المنتصر بعد ذلك إلّا أيّاما قلائل ومات مسموما (كما ذكرنا).
ومن أقوال
المنتصر المشهورة إنّه قال : (والله ما عزّ ذو باطل ولو طلع القمر من جبينه ، ولا
ذلّ ذو حقّ ولو أطبق العالم عليه) . وقال أيضا : (لذة العفو ، أعذب من لذّة التشفّي ،
وأقبح أفعال المقتدر ، الانتقام) .
٦٢ ـ محمّد بن عبد
الله بن طاهر :
هو : محمّد بن
عبد الله بن طاهر ، الخزاعي ، وكنيته : أبو العبّاس.
__________________
ومحمّد بن عبد
الله ، هو من الأمراء الشجعان من بيت مجد ورئاسة ، وله نيابة بغداد في خلافة (المتوكّل
على الله) وكان أديبا وشاعرا ، يقرب أهل العلم والأدب.
عقد له (المستعين
بالله) على العراق والحرمين سنة (٢٤٨) للهجرة ، وولّاه أيضا رئاسة الشرطة ومعاون
السواد .
وعند ما ولّاه (المستعين)
إمارة الكوفة ، أرسل (أيّوب بن الحسن بن موسى) نائبا عنه ، وكان هو مقيم في بغداد.
ولمّا اختلف (المستعين)
مع القادة الأتراك سنة (٢٥١) للهجرة ، ذهب إلى بغداد ونزل في بيت محمّد بن عبد
الله ، ثمّ جاء القادة الأتراك إلى بغداد يعتذرون من المستعين ، فذكّرهم المستعين
بما أنعم عليهم من أرزاق ، ومراكز حساسة في الدولة ، وصلاحيّات واسعة ، ثمّ تصالحا
، ورضي عنهم ، فقال له أحدهم : (بأبي بك ، فإن كنت قد رضيت عنّا ، فقم فاركب معنا
إلى سامراء ، فإن الأتراك ينتظرونك) ، فغضب ابن طاهر وأمر بضرب ذلك القائد ، ثمّ قال له : هكذا
يقال لأمير المؤمنين (قم واركب معنا)!!؟ فضحك المستعين وقال : (هؤلاء عجم لا
يعرفون حدود الكلام) .
ثمّ اجتمع
الأتراك (المنشقين) في سامراء في هذه السنة ، أعني سنة (٢٥١) للهجرة فبايعوا (للمعتز
بالله) بالخلافة ، وخلع (المستعين) ، ولمّا سمع
__________________
ابن طاهر بذلك قطع الميرة عن سامراء ، وكتب إلى عامله على (الأنبار) وكذلك
عامله على (الموصل) بمنع السفن والميرة إلى سامراء ، ثمّ أخذ بتحصين بغداد ، وحفر
الخنادق حول جانبيها ، وكتب (المستعين) أيضا إلى كافّة (عمّال الخراج) بإرسال
الأموال إلى بغداد بدلا من سامراء ، وكتب أيضا إلى القادة الأتراك في سامراء بنقض
البيعة (للمعتز).
ثمّ جرت
مكاتبات بين (المعتز) وبين محمّد بن عبد الله ، فكان (المعتز) يطلب من ابن طاهر أن
يبايعه ، وكان ابن طاهر من جانبه يطلب من (المعتز) الرجوع إلى بيعة (المستعين).
ثمّ إنّ (المعتز)
عقد لأخيه (الموفّق) أبي أحمد بن المتوكّل على حرب (المستعين) ومحمّد بن عبد الله
، وضمّ إليه الجيش ، وجعل الأمور كلّها بيده وجعل التدابير العسكرية بيد (كلباتكين)
، وبعد معارك بين الطرفين ثمّ الاتّفاق على خلع (المستعين) والمبايعة (للمعتز)
، كان ذلك سنة (٢٥٢) للهجرة .
ثمّ طلب (المعتز)
من محمّد بن عبد الله أن يسلم (المستعين) إلى (سيما الخادم) فكتب محمّد إلى
الموكّلين بالمستعين في (واسط) بتسليمه ، فأخذه سعيد بن صالح إلى بيته ، وأخذ
يعذّبه حتّى مات ، وقيل وضع حجرا في رجله ورماه في نهر دجلة ، وقيل غير ذلك .
ولعلّ أكبر
جريمة اقترفها محمّد بن عبد الله بن طاهر هي قتله يحيى ابن عمر ، ثمّ جلوسه
للتهنئة بقتله .. وسنذكر ذلك عند ترجمة يحيى بن عمر.
__________________
مات محمّد بن
عبد الله بن طاهر سنة (٢٥٣) للهجرة على أثر قروح خرجت في فمه وفي رأسه. وقيل لمّا
مات محمّد تألّم عليه (المعتزّ) كثيرا ، وكان يقول : بأن الأتراك كانوا يهابونه من
أجل محمّد.
وعن أحمد بن
يزيد المهلّبي أنّه قال : كانت لأبي حاجة إلى محمّد بن عبد الله ، فكتب إليه يقول :
|
ألا مبلغ عني
الأمير محمّد
|
|
مقالا له فضل
على القول واسع
|
|
لنا حاجة إن
أمكنتك قضيتها
|
|
وإن هي لم
تكن فعذرك واسع
|
|
فأنت وإن كنت
الجواد بعينه
|
|
فلست بمعطي
الناس ما الله مانع
|
|
فإن بور زند
الطاهري فبالحرى
|
|
وإلّا فقد
تنبو السيوف القواطع
|
وبينما كان
محمّد بن عبد الله جالسا ذات يوم مع أصحابه ، وإذا بالسماء قد ادلهمّت ، ثمّ أبرقت
وأرعدت ، ثمّ مطرت مطرا غزيرا ، فقال أحد الجالسين :
|
هطلتنا
السماء هطلا دراكا
|
|
عارض المرزمان
فيها السماكا
|
|
قلت للبرق إذ
توقد فيها
|
|
يا زناد
السماء من أوراكا
|
|
أحبيب تأتيه
فجفاكا
|
|
فهو العارض
الّذي استبكاكا؟
|
|
أم تشبّهت
بالأمير أبي العب
|
|
اس في جوده
فلست هناكا
|
ولمّا مات
محمّد رثاه أخوه عبد الله بن عبد الله فقال :
|
هدّ ركن
الخلافة الموطود
|
|
زال عنها
السرادق الممدود
|
__________________
|
كسف البدر والأمير جميعا
|
|
وانجلى البدر
والأمير عميد
|
٦٣ ـ العبّاس بن المستعين بالله :
عقد الخليفة (المستعين
بالله) لأبنه (العبّاس) على العراق والحرمين سنة (٢٥٠) للهجرة ، وقيل سنة (٢٤٩) للهجرة عقد المستعين لأبنه العبّاس على مكّة والمدينة
والكوفة والبصرة.
٦٤ ـ أيّوب بن حسن بن
موسى :
هو : أيّوب بن
حسن وقيل (حسين) بن موسى بن جعفر بن سليم (سليمان) الهاشمي ، ولّاه محمّد بن طاهر
الخزاعي إمارة الكوفة سنة (٢٥٠) للهجرة ، وقيل كان أيّوب أميرا على الكوفة من قبل
الخليفة (المتوكّل على الله). وكان جعفر بن عمّار على قضائها.
وعند ما ثار
يحيى بن عمر بن يحيى بالكوفة سنة (٢٥٠) للهجرة ، كان الأمير عليها آنذاك (أيّوب بن
الحسن بن موسى) .
ولمّا سمع
محمّد بن عبد الله بن طاهر ، بثورة يحيى بن عمر ، كتب إلى أيّوب بن حسن ، والى عبد
الله بن محمود السرخسي (الأمير على معاون السواد) أن يذهبا سويّة لمحاربة يحيى بن
عمر ، فدارت معركة بين الطرفين ،
__________________
انتهت بهزيمة أيّوب بن حسن ، وعبد الله بن محمود السرخسي ، ودخول يحيى بن
عمر إلى الكوفة .
وكان أيّوب بن
حسن ، مصابا بمرض (النقرص المزمن) وكان يطلب من القاضي (جعفر بن عمّار) أن يصلّي
بالناس عند غيابه ، فقال محمّد بن نوفل التميمي في ذلك :
|
فما عجب أن
تطلع الشمس بكرة
|
|
من الغرب إذ
تعلو على ظهر منبر
|
|
ولو لا أناة
الله جلّ ثناؤه
|
|
لصبّحت
الدنيا بخزي مدمر
|
|
إذا جعفر رام
الفخار فقل له
|
|
عليك ابن ذي
موسى موساك فافخر
|
٦٥ ـ يحيى بن عمر بن يحيى :
هو : يحيى بن
عمر بن يحيى الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، وكنيته : أبو الحسين.
ثار يحيى
بالكوفة سنة (٢٥٠) للهجرة ، وطرد أميرها (أيّوب بن حسن بن موسى بن جعفر بن
سليمان الّذي ولّاه محمّد بن عبد الله بن طاهر ، ثمّ ذهب يحيى إلى بيت مال الكوفة
فأخذ جميع ما فيه من أموال (وكانت ألفي دينار وسبعين ألف درهم) فوزّعها على أصحابه
، ثمّ أطلق سراح جميع من كان في سجون الكوفة.
__________________
ولمّا سمع
محمّد بن عبد الله بثورة يحيى بن عمر ، كتب إلى أيّوب بن حسن (أمير الكوفة) والى
عبد الله بن محمود السرخسي (الأمير على سواد الكوفة) يأمرهما بمحاربة يحيى بن عمر
، ولمّا التقى الطرفان ، وقعت بينهما معركة ، جرح فيها عبد الله السرخسي جرحا
عميقا ، فهرب وانهزم جيشه ، فاستولى يحيى على جميع ما في جيش السرخسي من مال
ودوابّ .
ثمّ خرج يحيى
من الكوفة إلى السواد ، فتبعه جماعة من الزيديّة ، وغيرهم ومعهم جمع كثير ، عندها
أرسل محمّد بن عبد الله إلى الحسين بن إسماعيل بن مصعب لمحاربة يحيى ، ولمّا سمع
يحيى بمجيء الجيوش إلى الكوفة ، رجع إلى الكوفة ، فلقيه عبد الرحمن بن الخطاب
المعروف (بوجه الفلس) فكانت بينهما معركة انهزم فيها عبد الرحمن إلى قرية (شاهي)
وهناك التقى بالحسين بن إسماعيل .
وبعد أن استراح
الحسين بن إسماعيل في قرية (شاهي) جاءته امدادات كثيرة ، وأمّا يحيى فإنّه أقام في
الكوفة يعد العدد ، ويصلح السلاح ، فأشار عليه جماعة من الزيدية ، ممّن لا علم لهم
بالحرب ، بمعاجلة الحسين ابن إسماعيل ، ثمّ ألحّوا عليه بقتاله قبل أن يستعد
لحربهم ، فزحف إليهم ومعه (الهيصم العجلي) وغيره ، ورجّالة من أهل الكوفة ، ممّن
ليس لهم علم ولا دراية بالحروب ، فدارت بينهما معركة عنيفة ، أسّر فيها (الهيصم
العجلي) وانهزم رجّالة أهل الكوفة ، وأكثرهم كان بغير سلاح.
ثمّ قتل يحيى
بن عمر في هذه السنة ، أعني سنة (٢٥٠) للهجرة ، وأرسل برأسه إلى محمّد بن عبد الله بن طاهر ،
ثمّ أرسل الرأس إلى الخليفة
__________________
(المستعين بالله) في سامراء ، ثمّ أرسلت الأسرى ورؤوس من قتل من أصحاب يحيى
إلى بغداد.
وقيل إنّ (المستعين)
قد نصب رأس يحيى في باب العامّة في سامراء ، فاجتمع الناس وتذّمروا ، وكرهوا هذا
العمل الشنيع ، فأرسل المستعين الرأس إلى بغداد لينصب فيها ، ثمّ كتب محمّد بن عبد الله بن طاهر إلى الخليفة (المستعين)
يطلب منه العفو عن الأسرى فأمر المستعين بإطلاق سراحهم ، وبدفن رؤوس القتلى.
وبعد ما قتل
يحيى بن عمر ، جلس محمّد بن عبد الله بن طاهر للتهنئة ، فدخل عليه داود (أبو هاشم)
وقال له : (أيّها الأمير ، إنّك لتهنّئ بقتل رجل لو كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حيّا ، لكان هو المعزّى به). فلم يرد عليه ابن طاهر
بشيء ، وخرج داود وهو يقول :
|
يا بني طاهر
كلوه وبيا
|
|
إن لحم
النبيّ غير مريّ
|
|
إنّ وترا
يكون طالبه الل
|
|
ه لوتر نجاحه
بالحريّ
|
هذا وقد أكثر
الشعراء في رثاء يحيى (وذلك لمّا كان يتمتع به من حسن السيرة ، والديانة ، وكان
يدعو للرضا من آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان من أزهد الناس ، واصلا لأرحامه من الطالبيات).
فقال بعضهم في رثائه :
|
بكت الخيل
شجوها بعد يحيى
|
|
وبكاه المهند
المسقول
|
|
وبكته العراق
شرقا وغربا
|
|
وبكاه الكتاب
والتنزيل
|
__________________
|
والمصلّى
والبيت والركن والحجّ
|
|
ر جميعا له
عليه عويل
|
|
كيف لا تسقط
السماء علينا
|
|
يوم قالوا :
أبو الحسين قتيل
|
|
وبنات النبيّ
يبدين شجوا
|
|
موجعات
دموعهن همول
|
|
قطعت وجهه
سيوف الأعادي
|
|
بأبي وجهه
الوسيم الجميل
|
|
إنّ يحيى
أبقى بقلبي غليلا
|
|
سوف يؤدّي
بالجسم ذاك الغليل
|
|
قتلته مذكر
لقتلى عليّ
|
|
وحسين ويوم
أذي الرسول
|
|
صلوات الله
له وقفا عليهم
|
|
ما بكى موجّع
وحنّت ثكول
|
ورثاه عليّ بن
محمّد بن جعفر (العلوي) فقال :
|
يا بقايا
السلف الصا
|
|
لح والتّجر
الربيح
|
|
نحن للأيّام
من
|
|
بين قتيل
وجريح
|
|
خاب وجه
الأرض كم
|
|
غيّب من وجه
مليح
|
|
آه من يومك
ما أو
|
|
داه للقلب
القريح
|
وقد رثاه
الشاعر أحمد بن طاهر بقصيدة طويلة ، نقتطف منها الأبيات التاليّة :
|
سلام على
الإسلام فهو مودع
|
|
إذا ما مضى
آل النبيّ فودعوا
|
|
فقدنا العلا
والمجد عند افتقادهم
|
|
وأضحت عروش
المكرمات تضعضع
|
|
أتجمع عين
بين نوم ومضجع
|
|
ولأبن رسول
الله في الترب مضجع
|
|
فقد أقفرت
دار النبيّ محمّد
|
|
من الدين
والإسلام فالدار بلقع
|
|
وقتل آل
المصطفى في خلالها
|
|
وبدّد شمل
منهم ليس يجمع
|
|
|
|
بني طاهر
واللؤم منكم سجيّة
|
|
وللغدر منكم
حاسر ومقنع
|
|
قواطعكم في
الترك غير قواطع
|
|
ولكنّها في
آل أحمد تقطع
|
__________________
|
لكم مرتع في
دار آل محمّد
|
|
وداركم للترك
والجيش مرتع
|
وعند ما دخل
الحسين بن إسماعيل إلى الكوفة ، لم يذهب عليّ بن محمّد ابن جعفر للسلام عليه فأرسل
إليه يستدعيه ، فلما جاء سأله الحسين بن إسماعيل عن أسباب عدم مجيئه والسلام عليه
، فأجابه عليّ بن محمّد قائلا :
|
قتلت أعزّ من
ركب المطايا
|
|
وجئتك أستلينك بالكلام
|
|
وعزّ عليّ أن
ألقاك إلا
|
|
وفيما بيننا
حدّ الحسام
|
|
ولكنّ الجناح
إذا أهيضت
|
|
قوادمه يسرف
على الأكام
|
٦٦ ـ الحسين بن إسماعيل :
هو : الحسين بن
إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب بن رزيق . وذكره ابن الأثير بأنه : الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم
بن الحسين بن مصعب .
أرسله محمّد بن
عبد الله بن طاهر ، لمحاربة يحيى بن عمر ، الّذي ثار بالكوفة سنة (٢٥٠) للهجرة ،
وأرسل معه بعضا من قادته ، ممّن عرف بالشجاعة مثل خالد بن عمران وعبد الرحمن بن
الخطاب المعروف ب (وجه الفلس) وغيرهم . ولمّا وصل الحسين بن إسماعيل إلى قرية (شاهي) القريبة
من الكوفة عسكر فيها فاستراح جيشه ، ثمّ جاءته الإمدادات.
وكان يحيى بن
عمر بالكوفة يجمع السلاح ويصنع السيوف ، فأشار عليه جماعة من الزيديّة (ممّن لا
علم لهم ولا دراية بالحروب) بمعاجلة
__________________
الحسين بن إسماعيل ، ثمّ إنّ عوام أصحابه أيّدوا رأي الزيدية ، ممّا حمل
يحيى على محاربة ابن إسماعيل ، ثمّ دارت معركة بين الطرفين ، قتل خلالها يحيى بن
عمر وأسّر الهيضم (الهيصم) بن العلاء العجلي ، وانهزم أهل الكوفة ، ثمّ قطع رأس
يحيى وأرسل إلى محمّد بن عبد الله بن طاهر في بغداد .
ثمّ أرسل
المستعين جيشا آخر إلى الكوفة بقيادة (كلباتكين) لينظمّ إلى جيش الحسين بن إسماعيل
، فشاهد (كلباتكين) جماعة ومعهم مواد غذائية يريدون إيصالها إلى عسكر يحيى ،
فقتلهم جميعا واستولى على تلك المواد. ثمّ دخل الكوفة وأراد أن يقتل أهلها فمنعه
الحسين بن إسماعيل .
وفي سنة (٢٥١)
للهجرة ، جعله الخليفة (المستعين) على باب الشماسيّة وجعل كافة القادة الموجودين
فيها تحت قيادته ، وبعد انتهاء الحرب ذهب الحسين بن إسماعيل إلى الأنبار .
ولقد وقعت
معارك كثيرة بين الحسين بن إسماعيل وبين الأتراك ، وفي إحدى تلك المعارك قتل من
جيش ابن إسماعيل مائة رجل ، وأسّر مائة وإثنان وسبعون رجلا ، واستولوا على ألفي
دابة وأكثر من مائتي بغل ، وأما قيمة السلاح والثياب الّتي استولى عليها الأتراك
فقد قدرت بأكثر من مائة ألف دينار ، فقال الهنداوي يهجو ابن إسماعيل :
|
يا أحزم الناس رأيا في تخلفه
|
|
عن القتال
خلطت بين الصفو والكدر
|
|
لما رأيت
سيوف الترك مصلتة
|
|
علمت ما في
سيوف الترك من قدر
|
__________________
|
فصرت منجحرا
ذلّا ومنقصة
|
|
والنّجح يذهب
بين العجز والضجر
|
٦٧ ـ أحمد بن نصير بن حمزة :
هو : أحمد بن
نصير بن حمزة بن مالك الخزاعي. ولّاه الخليفة (المعتز بالله) إمارة الكوفة .
ولمّا ثار
الحسين بن أحمد (محمّد) بن حمزة بالكوفة سنة (٢٥١) للهجرة ، كان الأمير عليها آنذاك (أحمد بن نصير بن مالك
الخزاعي) فقتل الحسين بن أحمد أحد عشر رجلا من جماعة (أحمد) كان منهم أربعة جنود
من جنود أهل الكوفة ، وبعد ذلك هرب أحمد بن نصر إلى قصر ابن هبيرة ، واجتمع مع
هشام بن أبي دلف .
ثمّ جاء مزاحم
بن خاقان بجيش كبير ، واجتمع مع هشام بن أبي دلف ومع أحمد بن نصير الخزاعي ،
وتحركوا جميعا نحو الكوفة ، فقاتلوا أهلها أشد قتال ، ثمّ دخل مزاحم بن خاقان إلى
الكوفة ، فرماه الناس بالحجارة ، عند ذلك غضب مزاحم على أهل الكوفة ، وأمر بحرق
الكوفة ، فحرقت فيها ألف دار ، وحرقت سبعة أسواق من أسواقها العامرة ، ثمّ هجم على
الدار الّتي فيها الحسين بن أحمد فهرب الحسين منها ، وقيل قتله ابن خاقان .
٦٨ ـ الحسين بن أحمد
بن حمزة :
هو : الحسين بن
أحمد (محمّد) بن حمزة بن عبد الله بن الحسين بن عليّ
__________________
ابن أبي طالب ، وكنيته : أبو أحمد ، ويعرف (بالحرون).
ثار الحسين بن
أحمد بالكوفة سنة (٢٥١) للهجرة ، فاستولى عليها وطرد أميرها (أحمد بن نصير بن
مالك الخزاعي) وقتل أحد عشر رجلا من جماعة أحمد بن نصير ، كان بضمنهم أربعة رجال
من جنود أهل الكوفة ، عندها هرب أحمد بن نصير إلى قصر ابن هبيرة.
ثمّ ذهب الحسين
(الحرون) إلى سواد الكوفة واستخلف على الكوفة (محمّد بن جعفر بن حسن بن جعفر) .
ولمّا سمع
الخليفة (المستعين بالله) بثورة (الحرون) أرسل إليه مزاحم ابن خاقان ومعه جيش كبير ، ولمّا وصل مزاحم إلى قصر ابن
هبيرة ، اجتمع هناك بهشام بن أبي دلف وبأحمد بن نصير (الّذي هرب من الكوفة) ثمّ
ساروا جميعا نحو الكوفة ، ولمّا صاروا على مقربة من الكوفة ، خرج (الحرون) منها عن
طريق آخر ، وذهب إلى سامراء ، فبايع (المعتزّ) ثمّ بقي مدّة في سامراء ، ثمّ هرب
منها ، وأراد الثورة على الخليفة مرّة ثانية ، فألقي عليه القبض وسجن بضع عشرة سنة
، ثمّ أطلق سراحه بعد ذلك بأمر من الخليفة (المعتمد) سنة (٢٦٨) للهجرة.
ثمّ ثار (الحسين
الحرون) أيضا بسواد الكوفة ، فألقي القبض عليه في آخر سنة (٢٦٩) للهجرة ، فنقل إلى
واسط ، وحبس فيها مدّة سنتين ، ثمّ مات بعد ذلك سنة (٢٧١) للهجرة ، فأمر الخليفة (الموفّق)
بدفنه ، والصلاة
__________________
عليه.
٦٩ ـ محمّد بن جعفر
بن حسن :
هو : محمّد بن
جعفر بن حسن بن جعفر بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب ، وكنيته : أبو أحمد. استخلفه
الحسين بن أحمد على إمارة الكوفة سنة (٢٥١) للهجرة عند ما ثار بالكوفة في هذه السنة ولمّا انهزم
الحسين بن أحمد (محمّد) من الكوفة عند ما دخلها مزاحم بن خاقان ، ولّاه المعتزّ
إمارة الكوفة. وقيل إنّ محمّد بن جعفر قد ثار بالكوفة (بعد هروب الحسين بن محمّد)
واستولى عليها ، فكتب إليه محمّد بن عبد الله بن طاهر بتوليته إمارة الكوفة (وكانت
هذه التولية خدعة) حيث تمكن عبد الرحمن الأشعثي (خليفة محمّد بن عبد الله بن طاهر
على الكوفة) وقيل خليفة أبي الساج من القبض على محمّد بن جعفر بحيلة دبرها وهي : إنّه
أخذ يستميل إلى أبي أحمد ، حتّى خالطه ، وأصبح صديقا له ، ومن المقربين إليه
فاطمأنّ إليه أبو أحمد. وذات يوم خرج عبد الرحمن ومحمّد بن جعفر للنزهة في بستان ،
ولمّا حان وقت المساء خرج جماعة عبد الرحمن فأمسكوا بأبي أحمد ، وقيّدوه بالحديد ،
ثمّ أرسلوه إلى بغداد .
وقيل عند ما
جاء عبد الرحمن الأشعثي أميرا على الكوفة من قبل محمّد بن عبد الله بن طاهر رماه
أهل الكوفة بالحجارة ، ظنّا منهم بأنّه جاء لحرب (العلوي) فقال لهم عبد الرحمن : (أنا
لست بأمير ، وإنّما جئت لمحاربة
__________________
الأعراب ، ولا شأن لي فيكم) ، عندها كفّ عنه أهل الكوفة وتركوه. وقيل : بعد
أن قبض على محمّد بن جعفر (أبو أحمد) أرسل إلى سامراء فحبس بها حتى مات .
٧٠ ـ عبد الرحمن
الأشعثي :
كان محمّد بن
جعفر بن حسن بن جعفر ، قد استخلفه الحسين بن محمّد بن حمزة على الكوفة ، عند ما
ثار سنة (٢٥١) للهجرة .
وقيل إنّ محمّد
بن جعفر ، قد ثار بالكوفة بعد ثورة الحسين بن محمّد ، ولمّا سمع محمّد بن عبد الله
بن طاهر بذلك ، أرسل خليفته (عبد الرحمن الأشعثي) إلى الكوفة. ولمّا وصل إليها سنة
(٢٥٢) للهجرة ، رماه أهلها بالحجارة ، تصوّرا منهم بأنّه جاء لمحاربة (العلوي) ،
فقال لهم عبد الرحمن : أنا لست بأمير ، وإنّما جئت لمحاربة الأعراب ، ولا شأن لي
فيكم. عندها تركوه وكفوا عنه. ثمّ تمكّن عبد الرحمن هذا من القبض على محمّد بن
جعفر ، وذلك بحيلة دبرها ، إذ تمكن من أن يصبح صديقا له ، حتّى وثق بصدق صداقته.
وفي يوم من
الأيّام خرجا سوية للنزهة في بستان ، وعند المساء ، خرج جماعة عبد الرحمن (المختفين
في مكان ما من البستان) فأمسكوا بأبي أحمد ، وقيّدوه بالحديد ، ثمّ أرسلوه إلى
بغداد . ولمّا وصل إلى بغداد ، حبسه محمّد بن عبد الله بن طاهر عنده ، ثمّ أطلق
سراحه بكفالة .
__________________
٧١ ـ مزاحم بن خاقان
:
هو : مزاحم بن
خاقان بن عرطوج أو (أرطوج) ، وكنيته أبو الفوارس.
ومزاحم بن
خاقان ، قائد عسكري ، ومن أمراء بني العبّاس ، تركي الأصل ، بغدادي المنشأ ، وأخو (الفتح
بن خاقان) وزير المتوكّل على الله .
وعند ما ثار
الحسين بن أحمد بن حمزة بالكوفة سنة (٢٥١) للهجرة ، أرسل الخليفة (المستعين بالله)
جيشا كبيرا لمحاربته بقيادة مزاحم بن خاقان ، ولمّا وصل مزاحم إلى قرية (شاهي)
القريبة من الكوفة ، أرسل داود بن القاسم إلى الحسين بن حمزة لينصحه ، ويرجع إلى
طاعة الخليفة ، إلّا أنّ داود هذا قد تأخر عن رد الجواب ، فزحف مزاحم إلى الكوفة
فدخلها ، فهرب منها الحسين.
وعند ما دخل
مزاحم بن خاقان إلى الكوفة ، رماه الناس بالحجارة ، فغضب ابن خاقان وضرب الكوفة
بالنار ، فأحرق ألف دار فيها ، كما وأحرق سبعة من أسواقها ثمّ هجم على الدار الّتي
فيها الحسين إلّا أنّه هرب منها. وفي شهر رجب من هذه السنة ، أعني سنة (٢٥١)
للهجرة ، كتب (المعتز بالله) إلى مزاحم بن خاقان ، يأمره بالمجيء إليه ليكرّمه مع
أصحابه.
ولمّا سمع
أصحاب مزاحم بذلك ، وافق الأتراك والفراغنة والمغاربة على الرجوع إلى سامراء ،
أمّا الشاكريّة ، فقد رفضوا الرجوع إلى سامراء ، عندها رجع مزاحم مع من أطاعه من
الجند ، وكانوا حوالي أربعمائة رجل .
__________________
وفي سنة (٢٤٨)
للهجرة ، كان (المنتصر بالله) قد أرسل جيشا لغزو الروم بقيادة (وصيف التركي) وأرسل
معه بعض القادة ، وكان على مقدمة الجيش مزاحم بن خاقان .
وفي سنة (٢٥٢)
للهجرة ، أرسله الخليفة (المعتزّ بالله) إلى الأسكندرية لقمع الثورة الّتي قامت
فيها على أمير مصر (يزيد بن عبد الله) فذهب مزاحم إلى هناك ، وتمكّن من إخمادها.
وفي سنة (٢٥٣)
للهجرة ، ولّاه (المعتزّ بالله) إمارة الديار المصرية ، فوصلها في السابع والعشرين
من شهر ربيع الأول من هذه السنة ، بعد عزل أميرها السابق (يزيد بن عبد الله)
التركي ، وسكن في المعسكر على عادة أمراء مصر ، وجعل على شرطته (أرحوز) .
وأخذ مزاحم بن
خاقان يحارب الفساد ، فثارت عليه جماعة كبيرة من المصريين فقاتلهم قتالا شديدا ،
ثمّ قاتل المصريين في أماكن عديدة من مصر ، فقد قاتلهم في الوجه البحري ، فقتل
الكثير منهم ، وأسر الكثير أيضا ، ثمّ ذهب إلى الجيزة ومنها ذهب إلى الفيوم.
وكان مزاحم بن
خاقان ، قد منع النساء الخروج من بيوتهن ، والذهاب إلى الحمّامات والمقابر ، وحبس
المتخنثين والنائحات ، ومنع الناس من الجهر بالبسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) في
الصلاة بالجامع ، ثمّ أمر أهل الجامع بمساواة الصفوف في الصلاة ، ووكّل بذلك رجلا
يقوم بضرب الناس بالسوط من مؤخر المسجد ، وأمر أن تصلى التراويح في شهر رمضان خمس
تراويح ، وكانوا قبل ذلك يصلونها ستّا ونهى أيضا أن تشق الثياب على الميّت ، أو
يسوّد الوجه ، وعاقب الناس بشدّة.
__________________
ولم يزل مزاحم
في تشدّده على الناس ، حتّى وافته المنيّة في ليلة الإثنين في الخامس والعشرين من
شهر محرم من سنة (٢٥٤) للهجرة ، وقيل مات سنة (٢٥٣) للهجرة . في شهر رجب. في مصر.
٧٢ ـ أبو الساج :
واسمه ديوداد
بن ديودست ، وكنيته : أبو جعفر . عقد له المتوكّل على طريق مكّة بدلا من جعفر بن دينار
سنة (٢٤٤) وقيل (٢٤٢).
قلده محمّد بن
عبد الله بن طاهر (معاون ما سقى الفرات من السواد) في الثالث والعشرين من شهر محرم
من سنة (٢٥١) للهجرة ، ثمّ ذهب أبو الساج ، ونزل في قصر ابن هبيرة ثمّ دخل الكوفة .
وفي يوم الخميس
في السادس والعشرين من شهر ربيع الأول من هذه السنة أعني سنة (٢٥١) للهجرة ، رجع
أبو الساج من طريق مكّة ومعه ستة وثلاثين أسيرا من الأعراب ، وهم مقيّدين بالأغلال
، ودخل إلى بغداد ، فخلع عليه خمس خلع ، وقلّد سيفا ثمّ ذهب إلى داره .
وذكر أنّ محمّد
بن عبد الله بن طاهر ، أمره بالمجيء إليه ، فلما جاء أبو الساج قال : (أيّها
الأمير ، عندي مشورة تفيدك). فقال له محمّد : قل ، فإنّك غير متّهم ، قال : (إن
كنت تريد أن تجادّ هؤلاء القوم فالرأي لك ألّا تفارق قوّادك ، ولا تفرّقهم ، واجمعهم
حتّى تفض هذا العسكر المقيم بإزائك ، فإنّك إذا
__________________
فرغت من هؤلاء ، فما أقدرك على من ورائك) .
فقال محمّد :
إنّ لي تدبيرا ويكفي إن شاء الله ، فقال أبو الساج : سمعا وطاعة ثمّ خرج.
ثمّ ذهب أبو
الساج مع بعض القادة إلى المدائن ومعه ثلاثة آلاف فارس وراجل ، وحفر خندق كسرى
حولها ، ثمّ طلب مددا ، فأرسل إليه خمسمائة رجل ، وأرسل إليه مائتي راجل من
الشاكرية .
وفي شهر رجب من
هذه السنة أيضا كانت معركة بين أبي الساج وبين (بايكباك) بناحية (جرجرايا) قتل
فيها (بايكباك) قتله أبو الساج ، وقتل من رجاله وأسر منهم جماعة آخرين ، وغرقت
جماعة أخرى في النهروان ، فأعطي لأبي الساج عشرة آلاف دينار معونة له ، وبخلعه
فيها خمسة أثواب وسيف .
وفي سنة (٢٥٢)
للهجرة ، ذهب رجل مع جماعة من الجيشية والشاكريّة من بغداد إلى الكوفة ، وكانت
الكوفة وسوادها تحت إمارة أبي الساج في تلك الأيّام ، وكان أبو الساج حينذاك في
بغداد لمقابلة محمّد بن عبد الله بن طاهر ، ولمّا علم ابن طاهر بذلك أمر أبا الساج
بالرجوع إلى الكوفة لمعالجة الموقف ، فأرسل أبو الساج إلى الكوفة خليفته (عبد
الرحمن الأشعثي).
ثمّ تلاقى أبو
الساج في بغداد مع أبي هاشم الجعفري ، ومعه جماعة من الطالبيين ، ودار الحديث
بينهم حول الطالبي الذاهب إلى الكوفة ، فقال لهم
__________________
أبو الساج : (قولوا له يتنحى عني ، ولا أراه) .
وفي سنة (٢٦١)
للهجرة ، ولّي أبو الساج إمارة الأهواز ، وحرب الزنج ، ولمّا وصل أبو الساج إلى
الأهواز ذهب إلى (معسكر مكرم) وفي تلك الأثناء دخل الزنج إلى الأهواز ، فقتلوا
ونهبوا وأحرقوا دورها ، عندها عزل أبو الساج عن الأهواز وحرب الزنج .
مات أبو الساج (بجند
يسابور) في شهر ربيع الأول من سنة (٢٦٦) للهجرة .
٧٣ ـ عيسى بن جعفر
وعليّ بن زيد :
وفي شهر رجب من
سنة (٢٥٥) للهجرة ، ثار بالكوفة الحسنيان عيسى بن جعفر وعليّ بن زيد ، فقتلا بها عبد
الله بن محمّد بن داود بن عيسى .
وذكر ابن
الجوزي بأنّ عيسى بن جعفر وعليّ بن زيد قد ثارا بالمدينة في السنة المذكورة .
٧٤ ـ عليّ بن زيد :
هو : عليّ بن
زيد بن الحسين بن عيسى بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب.
ثار بالكوفة
سنة (٢٥٦) للهجرة ، في خلافة (المعتمد على الله)
__________________
وطرد نائب الخليفة عن الكوفة ، واستقرّ بها ، فبايعه جماعة من عوامها
وأعرابها ولم يكن الزيدية ، ولا زعماء أهل الكوفة يؤيدونه ، فأرسل إليه جيش كبير
بقيادة (الشاه ميكال) ولمّا وصل (الشاه) قريبا من الكوفة ، خرج إليه عليّ بن زيد ،
ومعه مائتا فارس ، فقال عليّ بن زيد لأصحابه : (إنّ القوم لا يريدون غيري ،
فاذهبوا أنتم في حلّ من بيعتي) . فقالوا له : لا نتركك ، ولن نفعل ذلك أبدا.
ثمّ حمل عليّ
بن زيد على وسط عسكر العدو ، فضربهم يمينا وشمالا ، ثمّ عاد إلى مكانه ، ثمّ هجم
عليهم ثانية ، وثالثة مع أصحابه ، فدارت معركة بين الطرفين انهزم أخيرا جيش (الشاه
بن ميكال) ونجا الشاه بنفسه بعد أن قتل الكثير من أصحابه.
ثمّ أرسل
الخليفة (المعتمد على الله) جيشا آخر بقيادة (كيجور التركي) وأمره أن يدعو عليّ بن
زيد إلى الطاعة قبل محاربته ، ويعطيه الأمان ، فذهب كيجور ونزل في قرية (شاهي)
وأرسل إلى عليّ بن زيد يدعوه إلى الطاعة ، وبذل الأمان فطلب عليّ بن زيد مطاليب لم
يجبه إليه كيجور ، عندها خرج عليّ بن زيد من الكوفة ، وذهب إلى (القادسيّة) فعسكر
فيها ، فدخل كيجور إلى الكوفة في الثالث من شهر شوال من هذه السنة (٢٥٦) للهجرة.
ثمّ ذهب عليّ
بن زيد إلى (خفان) ودخل بلاد بني أسد ، ثمّ صاهرهم
__________________
وأقام عندهم ، ثمّ ذهب إلى جنبلاء .
ولمّا علم
كيجور التركي بمكان عليّ بن زيد ذهب إليه في نهاية شهر ذي الحجّة من هذه السنة
فحدثت بينهما معركة انهزم فيها عليّ بن زيد ، بعد أن قتل بعض من أصحابه ، وأسّر
آخرون ، ثمّ عاد كيجور إلى الكوفة .
ولمّا استقرّت
الأمور بالكوفة ، عاد كيجور إلى سامراء ، وقبل وصوله إلى سامراء ، أرسل إليه
الخليفة بعضا من قادته فقتلوه في (عكبرا) .
وعن عليّ بن
زيد عن يوسف بن مهران عن عبد الله بن عبّاس أنّه قال : كتب قيصر الروم إلى معاوية
بن أبي سفيان : (سلام عليك ، أما بعد ، فأنبئني بأحبّ كلمة إلى الله ، وثانية ،
وثالثة ورابعة ، وخامسة ، ومن هو أكرم عباده إليه؟ وأكرم إمائه ، وعن أربعة أشياء
فيهن الروح لم يرتكضن في رحم ، وعن قبر يسير بصاحبه ، ومكان في الأرض لم تصبه
الشمس إلّا مرّة واحدة .
فعجز معاوية عن
رد الجواب ، فأرسل إلى عبد الله بن عبّاس يسأله عن ذلك ، فأجاب : أمّا أحبّ كلمة
إلى الله فهي : (لا إله إلّا الله) لا يقبل عملا إلّا بها وهي المنجية ، والثانية
: (سبحان الله) وهي صلاة الخلف ، والثالثة : (الحمد لله) كلمة الشكر ، والرابعة : (الله
أكبر) فواتح الصلوات والركوع والسجود والخامسة : (لا حول ولا قوة إلّا بالله).
وأما أكرم عباد
الله إليه فهو آدم ، خلقه بيده ، وعلّمه الأسماء كلّها.
وأكرم إمائه
إليه : فهي مريم بنت عمران ، الّتي أحصنت فرجها.
__________________
والأربعة الّتي
فيهن روح ، ولم يرتكضن في رحم ، فآدم وحواء ، وعصا موسى ، وكبش إسماعيل ، والموضع
الّذي لم تصبه الشمس إلّا مرّة واحدة : فهو البحر ، الّذي انفلق لموسى وبني
إسرائيل. والقبر الّذي يسير بصاحبه : هو بطن الحوت الّذي كان فيه النبيّ يونس عليهالسلام. قتل عليّ بن زيد سنة (٢٦٠) قتله صاحب الزنج .
٧٥ ـ كيجور التركي :
وهو أحد القادة
الأتراك في الجيش العباسي. عند ما ثار عليّ بن زيد ابن الحسين بن موسى بن زيد
بالكوفة سنة (٢٥٦) للهجرة ، أرسل الخليفة (المعتمد) جيشا كبيرا لمحاربته
بقيادة (كيجور التركي) وأمره بأن يدعو زيد بن عليّ لطاعته قبل أن يبدأه بالحرب ،
ثمّ يعطيه الأمان له ولأصحابه.
فذهب كيجور إلى
الكوفة ، ونزل في قرية (شاهي) ثمّ بعث إلى عليّ ابن زيد يدعوه إلى طاعة الخليفة ،
فطلب منه عليّ بن زيد مطاليب ، إلّا أنّ كيجور لم يلبّي أيّا منها ، عندها ترك
عليّ بن زيد الكوفة ، وذهب إلى القادسيّة ، فعسكر فيها ، فتقدم كيجور نحو الكوفة
فدخلها في الثالث من شهر شوال من هذه السنة.
ولمّا علم
كيجور بذهاب عليّ بن زيد إلى (القادسيّة) تبعه إلى هناك ، فحدثت بينهما معركة
انهزم على أثرها عليّ بن زيد ، وقتل خلالها جماعة كثيرة من أصحابه ، وأسّر آخرون ،
ثمّ عاد كيجور إلى الكوفة .
ولمّا استقرت
الأمور في الكوفة ، وهدأ الناس ، وعادوا إلى أعمالهم ،
__________________
تحرّك كيجور من الكوفة قاصدا سامراء ، بغير علم وموافقة الخليفة (المعتمد)
فأمره (المعتمد) بالرجوع إلى الكوفة ، والبقاء فيها ، إلى أن يدعوه.
كما وأرسل إليه
مالا ليوزّعه على أصحابه ، إلّا أنّ كيجور رفض المال ، وواصل سيره حتّى وصل إلى (عكبرا)
عندها أرسل إليه (المعتمد) من سامراء عددا من قادته فلقوه في الطريق ، فقتلوه ،
وحملوا رأسه إلى سامراء ، وذلك سنة (٢٥٩) للهجرة.
وقيل إنّ
القادة الذين أرسلهم (المعتمد) إلى حرب كيجور هم : (ساتكين) و (تكين) و (عبد
الرحمن بن مفلح) و (موسى بن أتامش) وغيرهم ، فذبحوه وحمل رأسه إلى سامراء ، وذلك
في التاسع والعشرين من شهر رجب من سنة (٢٥٩) للهجرة ، وقد وجد مع كيجور أكثر من
أربعين ألف دينار ، كما وضرب كاتبه (وكان نصرانيا) ألف سوط حتّى مات .
٧٦ ـ أبو أحمد (الموفّق)
بن المتوكّل :
هو أبو أحمد (طلحة)
بن المتوكّل بن المعتصم ، ولّاه أخوه الخليفة (المعتمد على الله) إمارة الكوفة
وطريق مكّة والحرمين واليمن سنة (٢٥٦) للهجرة ، وفي نفس هذه السنة ولّاه : بغداد والسواد وكور
دجلة والبصرة ، والأهواز وفارس ، وفي شهر ربيع الأول من سنة (٢٥٧) للهجرة ، عقد له ديار مضر ، وقنسرين ، والعواصم ، فأصبح
(الموفّق) هو القائد الأعلى
__________________
للجيوش ، وهو المسير لأمور الدولة ، ولم تبق بيد الخليفة (المعتمد) أية
سلطة فعلية ، سوى أنه (أمير المؤمنين) كما أنّ الموفّق قد ضيّق على أخيه (المعتمد)
بكافة تصرفاته ، إذ احتاج مرّة إلى مبلغ ثلثمائة دينار ، فلم يحصل عليه ، فعندها
قال :
|
أليس من
العجائب أنّ مثلي
|
|
يرى ما قلّ
ممتنعا عليه
|
|
وتؤخذ بأسمه
الدنيا جميعا
|
|
ومن ذاك شيء
في يديه
|
|
إليه تحمل
الأموال طرا
|
|
ويمنع بعض ما
يجبى اليه
|
ثمّ حجره
الموفّق وحبسه ، فكان المعتمد أوّل خليفة عباسي ، قهر وحبس وحجر عليه .
وفي سنة (٢٦١)
للهجرة ، ولّى (المعتمد) أخاه (الموفّق) العهد بعد ابنه (جعفر) وولّاه المشرق
وبغداد ، والسواد والكوفة ، وطريق مكّة والمدينة ، واليمن ، وكسكر ، وكور دجلة ،
والأهواز ، وأصبهان ، وقم ، والكرج ، والدينور ، والريّ ، وزنجان ، وقزوين ،
وخراسان ، وطبرستان ، وكرمان ، وسجستان ، والسند ، وقال المعتمد : إنّه إذا مات
وابنه (جعفر) صغير ، فيكون (الموفّق) هو الخليفة ، ومن بعده لجعفر ، وأمره أن يذهب لمحاربة الزنج.
وقد اشتهر (الموفّق)
في محاربة (صاحب الزنج) يعاونه ابنه
__________________
(العبّاس) ، وقد استمرّت الحرب بينهما عدّة سنوات ، وقد قتل فيها عشرات
الآلاف من كلا الجانبين ، وأخيرا انتصر فيها (الموفّق).
وقال يحيى بن
محمّد الأسلمي في المعارك الّتي وقعت بين الموفّق وصاحب الزنج :
|
أقول وقد جاء
البشير بوقعة
|
|
أعزت من الإسلام
ما كان واهيا
|
|
جزى الله خير
الناس للناس بعد ما
|
|
أبيح حماهم
خير ما كان جازيا
|
|
تفرد إذ لم
ينصر الله ناصر
|
|
بتجديد دين
كان أصبح باليا
|
|
وتجديد ملك
قد وهن بعد عزّة
|
|
وأخذ بثارات
تبين الأعاديا
|
|
وردّ عمارات
أزيلت وأخرجت
|
|
ليرجع فيّ قد
تخرّم وافيا
|
|
وترجع أمصار
أبيحت وأحرقت
|
|
مرارا فقد
أمست قواء عواقيا
|
|
ويشفي صدور
المسلمين بوقعة
|
|
يقر بها عيون
البواكيا
|
|
ويتلى كتاب
الله في كلّ مسجد
|
|
ويلقى دعاء
الطالبيين خاسيا
|
|
فأعرض عن
أحبابه ونعيمه
|
|
وعن لذّة
الدنيا وأصبح عاريا
|
وقال الشاعر
يحيى بن خالد قصيدة طويلة يمدح بها (الموفّق) نقتطف منها الأبيات التالية :
|
يا ابن
الخلائق من أرومة هاشم
|
|
والغارمين
الناس بالأفضال
|
__________________
|
والذائدين عن
الحريم عدوهم
|
|
والمعلّمين
لكلّ يوم نزال
|
ومنها :
|
أقررت عين
الدين ممّن كاده
|
|
وأدلته من
قاتل الأطفال
|
|
صال الموفّق
بالعراق فأفزعت
|
|
من بالمغارب
صولة الأبطال
|
وكان الخليفة (المعتزّ)
قد عقد لأخيه (الموفّق) سنة (٢٥١) للهجرة ، على حرب (المستعين) ومحمّد بن عبد الله بن
طاهر ، وجعل له الأمر والنهي ، وجعل التدابير العسكرية إلى (كلباتين) التركي ،
فجاءت الأتراك والمغاربة ، فنزلوا في الجانب الغربي من بغداد (وكان عددهم أثنا عشر
ألف رجل) بقيادة (باكيباك) وكان مع (الموفّق) في الجانب الشرقي منها ، سبعة آلاف
رجل ، فوقعت معركة بين الطرفين ، قتل فيها الكثير من كلا الطرفين ، فكتب المعتزّ
إلى الموفّق يلومه عن تقصيره في قتال أهل بغداد قائلا :
|
لأمر المنايا
علينا طريق
|
|
وللدهر فيه
اتساع وضيق
|
|
فأيامنا عبر
للأنام
|
|
فمنها البكور
ومنها الطروق
|
|
ومنها هنّات
تشيب الوليد
|
|
ويخذل فيها
الصديق الصديق
|
|
قتال مبيد
وسيف عتيد
|
|
وخوف شديد
وحصن وثيق
|
|
وطول صياح
لداعي الصباح ال
|
|
سلاح السلاح
فما يستفيق
|
|
فهذا قتيل
وهذا جريح
|
|
وهذا حريق
وهذا غريق
|
|
هناك اغتصاب
وثمّ انتهاب
|
|
ودور خراب
وكانت تروق
|
|
إذا ما سمونا
إلى مسلك
|
|
وجدناه قد
سدّ عنا الطريق
|
|
فبالله نبلغ
ما نرتجيه
|
|
وبالله ندفع
مالا نطيق
|
فأجابه محمّد
بن عبد الله :
__________________
|
ألا كلّ من
زاغ عن أمره
|
|
وجار به عن
هداه الطريق
|
|
ملاق من
الأمر ما قد وصفت
|
|
وهذا بأمثال
هذا خليق
|
|
ولا سيما
ناكث بيعة
|
|
وتوكيدها فيه
عهد وثيق
|
|
يسد عليه
طريق الهدى
|
|
ويلقى من
الأمر ما لا يطيق
|
|
وليس ببالغ
ما يرتجيه
|
|
من كان عن
غيّه لا يفيق
|
|
أتانا به خبر
سائر
|
|
رواه لنا عن
خلوق خلوق
|
|
وهذا الكتاب
لنا شاهد
|
|
يصدّقه ذا
النبيّ الصدوق
|
وكتب محمّد بن
عبد الله بن طاهر إلى (الموفّق) في رغبته بخلع (المستعين) والبيعة (للمعتزّ) فتمّ
ذلك ، حيث أنّ (المستعين) قد خلع نفسه سنة (٢٥٢) للهجرة وبايع (المعتز).
وقال بعض
الشعراء في خلع (المستعين) :
|
خلع الخلافة
أحمد بن محمّد
|
|
وسيقتل
التالي أو يخلع
|
|
ويزول ملك
بني أبيه ولا يرى
|
|
أحد تملك
منهم يستمتع
|
|
إيها بني
العبّاس إن سبيلكم
|
|
في قتل
أعبدكم طريق مهيع
|
|
رقعتم دنياكم
فتمزقت
|
|
بكم الحياة
تمزقا لا يرقع
|
وقال بعض
البغداديين في خلع المستعين أيضا :
|
إنّي أراك من
الفراق جزوعا
|
|
أضحى الإمام مسيّرا مخلوعا
|
|
كانت له
الآفاق تضحك بهجة
|
|
وهو الربيع
لمن أراد ربيعا
|
|
لا تنكري حدث
الزمان وريبه
|
|
إن الزمان
يفرّق المجموعا
|
|
لبس الخلافة
واستجدّ محبّة
|
|
يقضي أمور
المسلمين جميعا
|
__________________
|
فجنت عليه يد
الزمان بصرفه
|
|
حربا وكان عن
الحروب شسوعا
|
|
وتجانف
الأتراك عنه تمرّدا
|
|
أضحى ، وكان
ولا يراع مروعا
|
|
غدروا به ،
مكروا به ، خانوا به
|
|
لزم الفراش
وحالف التضجيعا
|
|
وتكنفوا
بغداد من أقطارها
|
|
قد ذلّلوا ما
كان قيل منيعا
|
وهي قصيدة
طويلة ، اكتفينا منها بهذا القدر. ثمّ عاد (الموفّق) إلى سامراء ، فأكرمه (المعتزّ)
وتوّجه بتاج من ذهب ، وأعطاه سيفا مرصّعا بالجوهر.
وفي سنة (٢٥٣) للهجرة ، نفي (الموفّق) إلى واسط ومنها إلى البصرة ،
ثمّ إلى بغداد وأنزل في الجانب الشرقي منها (الرصافة) في قصر دينار بن عبد الله.
وكان الموفّق
قد حبس عليّ بن محمّد بن جعفر (العلوي) بتهمة استعداده للقيام بثورة ضدّ الخليفة ،
فكتب إليه عليّ من السجن يقول :
|
قد كان جدك
عبد الله خير
أب
|
|
لا بني عليّ
حسين الخير والحسن
|
|
|
|
فالكف يوهن
منها كلّ أنملة
|
|
ما كان من
أختها الأخرى من الوهن
|
فعفا عنه ،
وأطلق سراحه بكفالة.
وكان (الموفّق)
قد قبض على سليمان بن وهب وابنه عبد الله لعلمهما بالأموال والودائع الّتي
كانت عند (موسى بن بغا) ثمّ بعد ذلك حبسهما. فقال ابن الرومي وكان حاضرا :
__________________
|
ألم تر أن
المال يتلف ربّه
|
|
إذا جمّ آنية
وسدّ طريقه
|
|
ومن جاور
الماء الغزير مجمّه
|
|
وسدّ مفيض
الماء فهو غريقه
|
وعند ما كان (الموفّق)
في بلاد الجبل مرض مرضا شديدا فقال : (أطبق ديواني على مائة ألف مرتزق ، ما أصبح
فيهم أسوء حالا منّي) .
مات أبو أحمد (الموفّق)
ليلة الخميس في السابع والعشرين من شهر صفر من سنة (٢٧٨) للهجرة ، وكان عمره (٤٩) سنة ، وقيل مات في الثاني
والعشرين من الشهر والسنة المذكورين ، ودفن عند قبر أمّه في جانب الرصافة من
بغداد.
٧٧ ـ الهيثم العجلي
:
وفي شهر شوال
من سنة (٢٦٧) للهجرة ، حدثت معركة بين جماعة أبي الساج وبين الهيثم
العجلي ، قتل فيها مقدمة جيش الهيثم ، وغنموا عسكره ، وذكر ابن خلدون بأن هذه
المعركة وقعت سنة (٢٧٠) للهجرة بين أبي الساج وبين الهيثم العجلي (صاحب الكوفة) .
كما وذكر
المستشرق (زامباور) بأنّ الهيثم العجلي كان أميرا على الكوفة سنة (٢٦٧) للهجرة ،
وقاتل محمّد بن أبي الساج (أمير مكّة) .
وفي شهر جمادي
الآخرة من سنة (٢٦٩) للهجرة ، ولي محمّد بن أحمد
__________________
الطائي إمارة الكوفة وسوادها ، ولّاه إيّاها هارون بن الموفّق ، فلقي
الهيصم العجلي فانهزم الهيصم .
٧٨ ـ محمّد بن أحمد
الطائي :
هو : أحد
القادة الأمراء المشهورين في العصر العباسي ، وكنيته : أبو جعفر. ولّاه إمارة
الكوفة وسوادها هارون بن الموفّق سنة (٢٦٩) للهجرة.
وفي سنة (٢٧١)
للهجرة ، عقد الخليفة (المعتمد) لأحمد الطائي على المدينة ، وطريق مكّة. وأثناء
ذهاب الحجّاج إلى مكّة في هذه السنة ، هجم يوسف بن أبي الساج على قافلة للحجاج ،
فأسروا (بدر) غلام أحمد الطائي وكان هذا أميرا للقافلة ، ثمّ تمكّن الجند ،
وبمساعدة الحجّاج من تخليص (بدر) من الأسر ، ثمّ أسر بعد ذلك يوسف بن أبي الساج ،
وأرسلوه إلى بغداد (وكانت الحرب على أبواب المسجد الحرام) .
وفي سنة (٢٧٢)
للهجرة ، ارتفعت أسعار الطعام (الحنطة والشعير والعدس وغيرها) في بغداد ارتفاعا
كبيرا ، وكان سبب ذلك الغلاء ، هو أنّ أهالي سامراء منعوا إرسال سفن الطعام إلى
بغداد ، كما أنّ أحمد الطائي هو الآخر ، منع أصحاب المزارع من دياسة الحبوب ، لغرض
زيادة الأسعار ، وفي مقابل ذلك منع أهالي بغداد عن إرسال الزيت والصابون وغيرها
إلى سامراء.
وعند ذلك اجتمع
الناس ، وثاروا على أحمد الطائي ، فجمع الطائي أصحابه فقاتلهم ، فسقط في الاشتباك
عدّة جرحى ، ثمّ ذهب محمّد بن طاهر ،
__________________
وهدّأ الناس فتفرقوا .
وفي سنة (٢٧٥)
للهجرة ، ثار (فارس العبدي) مع جماعة كبيرة من أصحابه فأخاف الطريق ، وذهب إلى
سامراء ، فنهب دورها ، فسار إليه أحمد الطائي بجيشه فانهزم (العبدي) واستولى على
ما كان مع العبدي من أموال.
ثمّ ذهب الطائي
ليعبر نهر دجلة في سفينة ، فتبعه بعض أصحاب العبدي ، وتعلّقوا بسفينته ، ولمّا شعر
الطائي بهم ، رمى نفسه بالماء ، وعبر نهر دجلة سباحة ولمّا خرج من النهر في الجانب
الآخر ، أخذ الطائي ينفض لحيته من الماء ، وقال : (أيش ظنّ العبدي؟ أليس أنا أسبح
من سمكة).
وقال عليّ بن
بسطام في أحمد الطائي :
|
قد أقبل
الطائي ما أقبلا
|
|
قبّح في
الأفعال ما أجملا
|
|
كأنّه من لين
ألفاظه
|
|
صبيّة تمضغ
جهد البلا
|
وفي هذه السنة
أيضا أي سنة (٢٧٥) كان (صدّيق الفرغاني) قد عاث فسادا في سامراء ، فذهب إلى السجن ، وأطلق أخاه
منه ، فلما سمع أحمد الطائي بذلك ذهب إلى سامراء ، فقبض على (صدّيق) ومن كان معه ،
ثمّ قطع يده ورجله ، وكذلك قطع أيدي وأرجل أصحابه ، ثمّ جاء بهم إلى بغداد ، وقد
حملت الأيدي والأرجل (المقطعة) عاليا ليراها الناس .
وعند ما انتشر
مذهب القرامطة بالكوفة وسوادها ، وعلم الطائي بأمرهم فرض على كلّ رجل
منهم دينارا واحدا في السنة ، فذهب جماعة
__________________
من أهل الكوفة إلى السلطان ، وأخبروه بأمر القرامطة ، وأنّهم قد أحدثوا
دينا غير الإسلام ، وأنّهم يقتلون كلّ من لم يبايعهم على دينهم ، وأنّ أحمد الطائي
يخفي أمرهم عن السلطان. فلم يلتفت السلطان إليهم ، ولم يسمع منهم ، كان ذلك سنة (٢٧٨)
للهجرة.
وكان الموفّق (أبو
أحمد) قد قبض على أحمد الطائي سنة (٢٧٥) للهجرة ، وحبسه وصادر جميع أمواله
وممتلكاته ، وكان الطائي حينذاك أميرا على الكوفة وسوادها ، وطريق خراسان ،
وسامراء ، والشرطة ببغداد ، وعلى خراج (بادوريا) و (قطربل) و (مسكن) ، ثمّ عفا عنه
، وأطلق سراحه ، وأعاده إلى إمارة الكوفة وبقي أميرا على الكوفة إلى أن مات .
مات أحمد بن
محمّد الطائي بالكوفة في الحادي والعشرين من شهر جمادي الآخرة من سنة (٢٨١) للهجرة ودفن بها قرب مسجد السهلة.
٧٩ ـ إسحاق بن عمران
:
كان إسحاق بن
عمران أميرا على الكوفة سنة (٢٩٣) للهجرة ، وذلك عند ما هاجم الذبلاني بن جهروبة من أهل
الصوصر على الكوفة ، ومعه ثمانمائة فارس ، فسلبوا وقتلوا حوالي عشرين رجلا.
ثمّ دخل إلى
الكوفة أيضا ، ما يقارب المائة فارس من القرامطة ، من
__________________
الباب المعروف (باب كنده) فصدوهم أهل الكوفة بمساعدة جماعة من أصحاب
السلطان فقتلوا منهم جماعة ، ثمّ أخرجوهم عن المدينة.
ثمّ خرج إسحاق
بن عمران ، ومعه جماعة من الجند لمحاربة القرامطة خارج سور المدينة ، وأمر أهل
الكوفة بالحراسة ليلا لئلا يجد القرامطة ثغرا فيدخلون منه إلى الكوفة ، واستمرت
المعارك مع القرامطة إلى العصر ، بعدها انهزم القرامطة إلى القادسيّة .
ثمّ إنّ أهل
الكوفة ، أصلحوا سورهم وخندقهم ، مما أصابهما من ضرر ، وأخذوا مع أصحاب السلطان يحرسون
مدينتهم ليل نهار .
ثمّ كتب إسحاق
بن عمران إلى الخليفة ، يطلب منه العون والنجدة ، فأرسل إليه جماعة من قادته منهم
: (طاهر بن عليّ بن وزير) و (وصيف بن صوار تكين) التركي و (الفضل بن موسى بن بغا) و
(بشر الخادم الأخشيني) و (جني الصفواني). فسار هؤلاء جميعا بجيوشهم (وكل قائد يرأس
جماعته) حتّى وصلوا إلى الكوفة ، فطلبوا من إسحاق بن عمران البقاء في الكوفة
لضبطها ، وساروا هم إلى القادسيّة ، فدارت معركة عنيفة بين القرامطة ، وجيوش
السلطان ، انهزمت على أثرها جيوش السلطان شر هزيمة ، وقتل الكثير منهم ، ولم ينج
منهم إلّا الجرحى الذين طرحوا أنفسهم
__________________
بين القتلى ، ثمّ استولى القرامطة على كافة المعدّات والأرزاق الّتي كانت
مع جيوش السلطان.
وقيل إنّ عدد
قتلى جيوش السلطان قد بلغت : ألف وخمسمائة رجل ، ثمّ ارتحل القرامطة من مكانهم إلى
مكان آخر ، وذلك لكثرة الروائح المنبعثة من جثث القتلى.
ثمّ تمكّن
إسحاق بن عمران مع أصحابه ، وبمساعدة جماعة من آل أبي طالب من محاربة القرامطة في
الكوفة ، وإجلائهم عنها .
وفي سنة (٣٠٣)
للهجرة ، عزل إسحاق بن عمران عن إمارة الكوفة ، عزله الخليفة (المقتدر بالله)
وعيّن مكانه ورقاء بن محمّد الشيباني .
وعند ما كان
إسحاق بن عمران أميرا على الكوفة ، أخذ من (أبي الهيثم بن ثوابة) الأكبر ، أموالا
كثيرة له وللسلطان ، وخوفا من أن يفتضح أمره لدى السلطان ، فقد أمر بحبس (أبي
الهيثم) ، وبعد ذلك احتال في قتله ، خوفا من أن يعترف عليه يوما ما ، بما أخذه منه
لنفسه .
وقال عليّ بن
بسام ، يهجو الخليفة (الموفّق) والوزير (أبا الصفر إسماعيل بن بلبل) و (أحمد بن
محمّد الطائي) و (عبدون النصراوي) و (أبا العبّاس بن بسطام) و (حامد بن العبّاس)
وزير المقتدر و (إسحاق بن عمران) أمير الكوفة .
|
أيرجو
الموفّق نصر الإله
|
|
وأمر العباد
إليه دانيه
|
|
ومن قبلها
كان أمر العباد
|
|
لعمر أبيك
إلى زانية
|
__________________
|
فإن رضيت
رضيت أنّه
|
|
كدالية فوقها
داليه
|
|
وظلّ ابن
بلبل يدعى الوزير
|
|
ولم يك في
الأعصر الخاليه
|
|
وطحان طي
تولى الجسور
|
|
وسقي الفرات
وزرقاميه
|
|
ويحكم عبدون
في المسلمين
|
|
ومن مثله
تؤخذ الجاليه
|
|
وأحول بسطام
ظل المشير
|
|
وكان يحوك
ببراز طيه
|
|
وحامد يا قوم
لو أمره
|
|
اليّ لألزمته
الراويه
|
|
نعم ،
ولأرجعته صاغرا
|
|
إلى بيع رمان
حضراويه
|
|
وإسحاق بن
عمران يدعى الأمير
|
|
لداهية أيّما
داهيه
|
|
فهذه الخلافة
قد ودعت
|
|
وظلت على
عرشها خاويه
|
|
فخلّ الزمان
لأوغاده
|
|
إلى لعنة
الله والهاويه
|
|
فيا ربّ قد
ركب الأرذلون
|
|
ورجليّ من
رجلهم عاليه
|
|
فإن كنت
حاملنا مثلهم
|
|
وإلّا فارحل
بني الزانية
|
مات إسحاق بن
عمران في سنة (٣٠٦) للهجرة.
٨٠ ـ إبراهيم
المسمعيّ :
وهو : إبراهيم
بن عبد الله ، أحد الأمراء في الدولة العباسيّة. عزله الخليفة (المقتدر بالله) عن إمارة
الكوفة سنة (٢٩٦) للهجرة ، وعين مكانه (نزار بن محمّد الضبي). وذكر ابن
الأثير : أنّ الّذي جاء بعد إبراهيم المسمعي هو (ياقوت) .
وفي سنة (٣١١)
للهجرة ، عقد له (المقتدر بالله) على إمارتي (فارس
__________________
وكرمان) وفي سنة (٣١٣) للهجرة ، وعند ما كان إبراهيم المسمعي أميرا على فارس ،
فتح ناحية (القفص) في حدود كرمان ، وأسّر منها خمسة آلاف شخص ثمّ باعهم.
مات إبراهيم
المسمعي سنة (٣١٥) للهجرة بالنوبندجان ، على أثر حمّى أصابته. فعيّن مكانه
ياقوت ، عيّنه عليّ بن عيسى .
٨١ ـ نزار محمّد
الضبي :
وهو : نزار بن
محمّد الضبي ، الخراساني ، وكنيته : أبو معد. وهو أحد قادة الدولة العباسيّة.
ولّاه (المقتدر) إمارة الكوفة وطساسيجها سنة (٢٩٦) للهجرة ، وذلك بعد عزل إبراهيم المسمعي عن
إمارتها ، وقيل كان أميرا على الكوفة سنة (٢٩٤) للهجرة.
وكان نزار
الضبي في سنة (٢٨٨) للهجرة ، قد أرسل لغزو الروم ، ففتح حصونا كثيرة للروم ، وأدخل
طرسوس مائة علج ونيفا ، وستين علجا من الشماسيّة ، وصلبانا كثيرة .
وفي سنة (٢٩٢)
للهجرة ، كان نزار الضبي أميرا على البصرة .
وعند ما كان
نزار أميرا على البصرة ، سمع بأنّ رجلا يريد الثورة على
__________________
الخليفة ، فقبض عليه في واسط وجيء به إلى البصرة ، ثمّ ألقي القبض أيضا على
جماعة اتهموا بأنّهم من أنصار هذا الثائر ، فأرسلهم جميعا إلى بغداد إلى الخليفة (المكتفي
بالله) فأمر المكتفي بردهم إلى البصرة ، فحبسهم نزار في السجن المعروف (بالجديد) .
وفي سنة (٢٩٤)
للهجرة ، ألقي القبض (في طريق مكّة) على رجلين ، أحدهما يعرف (بالحداد) والثاني (بالمنتقم)
فأرسلوهما إلى نزار بالكوفة ، فأرسلهما نزار إلى الخليفة في بغداد ، وقيل إنّ
التهمة الّتي وجهت اليهما ، بأنّهما كانا يدعوان الأعراب للثورة ضد الخليفة .
وفي سنة (٣٠٤)
للهجرة ، عيّن نزار بن محمّد رئيسا لشرطة بغداد ، وذلك بعد عزل رئيسها السابق (يمن
الطولوني) وبقي نزار على شرطة بغداد إلى سنة (٣٠٦) للهجرة ، حيث عزل عنها ، عزله
الخليفة (المقتدر) ثمّ عيّن مكانه محمّد بن عبد الصمد (من قادة نصر الحاجب) . وقيل عيّن مكانه نجح الطولوني .
وفي سنة (٣١٠)
للهجرة عزل نزار بن محمّد الضبي عن إمارة الحرمين .
وفي سنة (٣١٢)
للهجرة ، قاتل نزار الضبي القرامطة الذين تعرضوا للحجّاج في هذه السنة ، وكان على
القافلة الأولى من حجّاج العراق الذاهبين عن طريق الكوفة ، فثبت نزار للقرامطة ،
وأصيب بجراحات
__________________
بليغة .
مات نزار بن
محمّد سنة (٣١٧) للهجرة ، متأثرا من جراحاته في بعض حروبه مع القرامطة.
وعزل نزار بن محمّد الضبي عن الكوفة سنة (٢٩٦) للهجرة ، وعيّن مكانه نجح الطولوني .
٨٢ ـ نجح الطولوني :
وهو : أخو (سلامة
الطولوني) حاجب الخليفة (المقتدر) ، ولّاه الخليفة (المقتدر بالله)
إمارة الكوفة سنة (٢٩٦) للهجرة ، وذلك بعد عزل نزار بن محمّد الضبي.
وفي سنة (٣٠١)
للهجرة ، شكا أهل البصرة أميرهم (محمّد بن إسحاق ابن كنداج) إلى عليّ بن عيسى (وزير
المقتدر) ، فعزله وولّى مكانه نجح الطولوني .
وفي سنة (٣٠٧) للهجرة ، ولّاه المقتدر شرطة بغداد ، ثمّ أعيدت إليه
إمارة أعمال (المعاون) في أصبهان سنة (٣١٢) للهجرة.
وفي سنة (٣١٧)
للهجرة ، جاء ياقوت من فارس ، بناء على طلب الخليفة (المقتدر) وعيّن مكانه نجح
الطولوني على فارس وكرمان .
__________________
وفي سنة (٢٨٣)
للهجرة ، حدث شغب في مصر ، قتل فيه (عليّ بن أحمد المارداني) وقبض على (جيش بن
خمارويه بن أحمد بن طولون) وجعلوا على الجيش أخاه (هارون بن خمارويه) بدلا منه ،
وكان أهل مصر قد نقموا على (جيش) تقدّمه لغلامه نجح المعروف (بالطولوني) وأخيه (سلامة)
المعروف (بالمؤتمن) .
٨٣ ـ (أبو الهيجاء)
عبد الله بن حمدان :
وهو : عبد الله
بن حمدان بن حمدون ، أبو (سيف الدولة الحمداني وناصر الدولة) ، وقيل : هو : حرب بن سعيد بن حمدان بن حمدون التغلبي ،
وهو أخو أبي فراس الحمداني.
اشتهر أبو
الهيجاء بالشجاعة والكرم ، ورثاه الشريف الرضي بقصيدة مطلعها :
|
رجونا (أبا
الهيجاء) إذ مات حارث
|
|
فمذ مضيا لم
يبق للمجد وارث
|
وعبد الله بن
حمدان التغلبي (أبو الهيجاء) هو من الأمراء ، ومن القادة المقدمين في الدولة
العباسيّة ، فقد خلع عليه (المقتدر بالله) أعمال المعاون بالكوفة ، وطريق مكّة سنة (٣٠٩) للهجرة ، كما وخلع عليه
خلعا سنيّة ، وقلّده أعمال الحرب .
وأبو الهيجاء
من أشهر أمراء بني حمدان ، وقائد عسكري ، خاض
__________________
حروب ومعارك في خلافتي (المكتفي والمقتدر) .
وكان أبو
الهيجاء قد ولّاه (المكتفي بالله) ولاية الموصل سنة (٢٩٣) للهجرة ، ثمّ عزله (المقتدر)
سنة (٣٠١) للهجرة ، ثمّ أعاده وقلّده (المقتدر) طريق خراسان والدينور فكان أبو
الهيجاء يتولّى ذلك ، وهو مقيم في بغداد .
وعند عودة
الحجّاج من مكّة سنة (٣١٢) للهجرة ، تعرض لهم القرامطة بقيادة (أبو طاهر بن سعيد
القرمطي) فأوقع بالحجّاج ، قتلا وتنكيلا وسلبا وأسّر في هذه الحادثة (أبو الهيجاء)
، وأسّر كذلك (أحمد بن بدر) عم السيدة (أم المقتدر) وأسر كذلك كثير من جماعة وخدم
الخليفة.
ثمّ أخذ أبو
طاهر القرمطي ، جمال الحجّاج ، وسبي من اختار من النساء والرجال والصبيان ، وأخذهم
إلى (هجر) وترك الباقين بلا جمال ، ولا ماء ، ولا طعام ، فمات أكثر الحجّاج عطشا .
وكانت حصيلة
القرمطي من هذه الحملة : ألف ألف دينار ، ومن الأمتعة والطيب وغيرها ما يقدر بألف
ألف دينار أيضا ، وكان تعداد عسكره ثمانمائة فارس ومثلهم (رجّاله) ، وكان عمره حينذاك سبع عشرة سنة ، وكان عدد الأسرى
الذين أخذهم : ألفين ومائتين من الرجال وخمسمائة من النساء.
ولمّا سمع
أهالي بغداد بهذه الحادثة ، خرجت النساء في الشوارع ، وهنّ ناثرات الشعور ، مسودات
الوجوه ، وانظمت اليهن نساء المنكوبين الذين
__________________
نكبهم (ابن الفرات) فكان منظرا مؤلما تتفتت له الأكباد ، عندها ذهب (ابن
الفرات) إلى (المقتدر) وأخبره بما حدث ، فقال له (نصر الحاجب) مستهزئا : (الآن
تطلب الرأي ، وقد زعزعت أركان الدولة ، وعرضتها للخطر بإبعادك (مؤنس المظفر) الّذي
يناضل الأعداء ، ومن الّذي سلّم رجال السلطان إلى القرمطي سواك) ؟
ثمّ هجم الناس
على (ابن الفرات) ورجموا سفينته ، ثمّ رجموا داره ، وصاحوا : (يا ابن الفرات ..
أيّها القرمطي الكبير). فامتنع الناس عن الصلاة بالمسجد.
ثمّ قبض على
ابن الفرات ، وابنيه ، وكان الناس يضربونه بالحجارة ويقولون : قد قبض على القرمطي
الكبير ، ثمّ قتل ابن الفرات وابنه (المحسن) وأسندت الوزارة إلى أبي القاسم عبد
الله بن محمّد الخاقاني.
ثمّ طلب (أبو
الهيجاء) من (أبي طاهر القرمطي) أن يطلق سراح الأسرى ، فأطلقهم (القرمطي) على
وجبات ، وكانت آخر وجبة أطلق معها سراح أبي الهيجاء ، وجماعة من أصحاب السلطان ،
وقد أرسل معهم رسول ليوصلهم إلى بغداد. ولمّا وصل الأسرى إلى بغداد ، فرح الناس
بعودتهم ، فأقيمت الاحتفالات والولائم التكريميّة لهم ولمبعوث أبي طاهر القرمطي.
وفي سنة (٣١٥)
للهجرة ، انظمّ أبو الهيجاء إلى جانب (مؤنس المظفر) ضدّ الخليفة المقتدر ، وفي سنة
(٣١٦) للهجرة ، انضمّ أبو الهيجاء أيضا إلى جانب (نازوك) رئيس الشرطة ضد المقتدر ،
لأنّ المقتدر كان قد عزل أبا الهيجاء عن إمارة الدينور .
__________________
وعند ما حوصر
الخليفة (القاهر بالله) بقصره من قبل مؤيّدي الخليفة (المقتدر بالله) سنة (٣١٧)
للهجرة ، قاتل أبو الهيجاء بجانب (القاهر بالله) فقتله رجال المقتدر وأخذوا برأسه
، يطوفون به الشوارع ، وينادون : هذا جزاء من عصا مولاه وكفر بنعمته .
ومن الأعمال
الّتي قام بها أبو الهيجاء فتذكر ، وعليها يشكر ، هو بناء قبة كبيرة على مرقد الإمام
عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وفرش أرضيتها بالفرش الفاخرة. كما وشيّد سور كبير حول
القبّة المطهرة .
٨٤ ـ مؤنس المظفر :
وهو : مؤنس (الخادم)
الملقب (بالمظفر) المعتضدي ، كان أحد الخدم الذين وصلوا إلى رتبة الملوك ، وكان من
خدمة الخليفة (المعتضد بالله) وكان فارسا ، شجاعا ، ومن الساسة الدهاة ، بقي ستين
سنة أميرا ، وهو من القادة الأتراك.
ومؤنس المظفر ،
عاصر عدة خلفاء من بني العبّاس ، وخاض معارك عنيفة في عهودهم ، وكان الخليفة (المقتدر)
يصغي إليه ، ويأخذ بمشورته ، وقد لقبه ب (مؤنس المظفر) بعد أن كان يلقب ب (مؤنس الخادم) وذلك بعد انتصاره على
عبيد الله المهدي ، المغربي (صاحب القيروان) سنة (٣٠٩) للهجرة ، وفي شهر جمادي
الأول من هذه السنة عقد له (المقتدر) على مصر
__________________
والشام . وفي سنة (٣١١) للهجرة ، خلع الخليفة المقتدر على مؤنس المظفر ، وعقد
له على غزو الصائفة لهذه السنة. وفي شهر محرم من سنة (٣١٣) للهجرة ، أرسله الخليفة (المقتدر) إلى محاربة القرمطي
الّذي اعتدى على الحجّاج في طريق مكّة أثناء الحجّ.
كما وسبق
وأرسله في سنة (٣١٢) للهجرة إلى الكوفة لمحاربة القرامطة (الذين دخلوا
الكوفة) وإخراجهم منها ، ولمّا وصل مؤنس إلى الكوفة ، وجد أنّ القرامطة قد خرجوا ،
عندها ذهب إلى واسط واستخلف ياقوت على الكوفة.
وكانت أمّ
الخليفة (المقتدر) تكره مؤنس المظفر ، كرها شديدا ، ثمّ حصل بينه وبين المقتدر
فتور ، إذ شغب عليه بعض القادة عند (المقتدر) ممّا دعى (المقتدر) إلى حفر (حفيرة)
ثمّ غطاها بأوراق الشجر ، وعند ما يمرّ عليها مؤنس يقع فيها ويموت .
ثمّ حصل الشغب
من جانب القادة والجيش على المقتدر ، لتأخّر دفع رواتبهم وأعطياتهم ، فجاء أصحاب
مؤنس من (البربر) فحاصروا المقتدر ، وضربه أحدهم ، فسقط على الأرض ، فقال المقتدر
: (ويحكم أنا الخليفة) فقالوا له : (إيّاك نطلب) ثمّ طرحوه أرضا وذبحوه كما تذبح
الشاة ، وسلبوا ثيابه ، ودفنوه ، وعفى أثره ، وأرسل برأسه إلى (مؤنس المظفر) فلما
نظر إليه مؤنس بكى وقال : (لنقتلنّ والله جميعا) . ثمّ جاء القاهر بالله بعد المقتدر ،
__________________
فبايعه مؤنس ، كما وبايعه باقي القادة .
وفي إحدى
المعارك الّتي خاضها مؤنس المظفر سنة (٣٠٦) للهجرة مع يوسف بن أبي الساج ، انهزم
فيها مؤنس ، فلحقه (نصر السبكي) وأراد أن يؤسره ويأخذ ماله ، إلّا أنّ يوسف بن أبي
الساج أمره أن لا يعترض لمؤنس ولا لماله ، كما وأسّر في تلك المعركة جماعة من قادة
مؤنس ، فأكرمهم يوسف وزاد في إكرامهم وحسن معاملتهم ، ثمّ أطلق سراحهم ، فتمنى
أصحاب مؤنس الذين ظلّوا معه ، تمنّوا جميعا لو أنّهم وقعوا في الأسر .
وبعد مرور ثلاث
سنوات على تلك المعركة ، ألقي القبض على يوسف بن أبي الساج أي سنة (٣٠٩) للهجرة ،
وجيء به أسيرا إلى الخليفة (المقتدر) وكان مؤنس المظفر جالسا عند المقتدر ، فطلب
مؤنس من المقتدر أن يهب له (يوسف) فوهبه له ، وعفى عنه المقتدر .
وقيل إنّ مؤنس
المظفر ، قد عزل القائد التركي (تكين) عن مصر يوم الأحد في السابع عشر من شهر ربيع
الأول من سنة (٣٠٩) للهجرة ، وعيّن مكانه (أبا قابوس بن حمك) ثمّ عزله بعد أيّام ،
وأعاد (تكين) على إمارة مصر ثانية ، فبقى (تكين) أربعة أيّام أميرا على مصر ، ثمّ
عزله مؤنس ثانية ، وأمره بالذهاب إلى الشام ، وأخبر المقتدر بعزله . فقال ابن مهران في ذلك :
|
وليت ولاية
وعزلت عنها
|
|
كما قد كنت
تعزل من تولى
|
|
رحمتك يا أبا
منصور لما
|
|
خرجت كذا بلا
علم وطبل
|
__________________
وقيل إنّ ما
فعله مؤنس المظفر بالخليفة (المقتدر) أدّى إلى تجرّؤ الولاة والأمراء العباسيين على
خلفائهم ، وهذا مما أدّى إلى ضعف الخلافة العباسيّة .
ولمّا جاء
القاهر لله (أخو المقتدر) إلى الخلافة ، انتشرت الفتن الداخلية في زمانه ، وشغب
عليه قادته وجنده ، واتفق كبار ورجال دولته وقائده (مؤنس المظفر) و (ابن مقلة) على خلعه ، وتنصيب أحد أولاد الخليفة (المكتفي) مكانه
ولمّا سمع (القاهر بالله) بذلك ، قام بتدبير حتّى تمكّن من قتلهم جميعا ، ما عدا
وزيره ابن مقلة فقد نجا بنفسه ، بعد أن أحرقت داره ، كان ذلك سنة (٣٢١) للهجرة.
قتل مؤنس
المظفر سنة (٣٢١) للهجرة ، على يد الخليفة (القاهر بالله) كما ذكرنا
آنفا.
٨٥ ـ ياقوت :
وكنيته : أبو
الفوارس. وياقوت هو من أعاظم الدولة العباسيّة ، لعب هو وولداه (المظفر ومحمّد)
أدوارا هامّة في الدولة العباسيّة ، فقد عيّن حاجبا للخليفة المقتدر بعد عزل (نصر
القشوري) .
وكان الخليفة (المقتدر
بالله) قد أمر (مؤنس المظفر) سنة (٣١٢)
__________________
للهجرة بالذهاب إلى الكوفة لمحاربة القرامطة ، فذهب مؤنس إلى الكوفة ، وقد خرج القرامطة عنها ،
وهدأت الأوضاع فيها ، فذهب مؤنس إلى واسط ، واستخلف ياقوت (الخادم) على الكوفة ، وقيل كان ذلك سنة (٣١٤) للهجرة .
وقيل : إنّ
المقتدر ، أرسل ياقوت وابنيه (محمّد والمظفر) إلى الكوفة سنة (٣١٢) للهجرة لمحاربة
(أبي طاهر القرمطي) ، ولمّا علم (ياقوت) بأنّ القرمطي ترك الكوفة وعاد إلى بلده (هجر)
، عاد ياقوت وابناه إلى بغداد .
وفي نفس هذه
السنة ، أعني سنة (٣١٢) للهجرة ، ذهب موسى إلى الكوفة فاستخلف عليها ياقوت .
وفي سنة (٣١٩)
للهجرة حصلت خلافات بين ياقوت ومؤنس المظفر ، ودارت بينهما منازعات ، فعزل (ابن
ياقوت) عن الشرطة ، ثمّ كتب مؤنس المظفر إلى الخليفة (المقتدر) يطلب منه إخراج (ياقوت
وابنه) عن بغداد ، فلم يوافقه على ذلك ، عندها كتب مؤنس إليه يطلب منه الموافقة
على خروجه بنفسه من بغداد ، فلم يمانع المقتدر من ذلك ، عندها خرج (مؤنس) إلى
الشماسيّة ، ومعه الكثير من المؤيدين والأنصار ، ثمّ التحق به بعض القادة ، وانحاز
إليه الجيش ، فذهب إليه الوزير (سليمان بن الحسن) و (عليّ بن عيسى) ، فلما وصلوا
إلى الشماسيّة ، اعتقلتهم حاشية مؤنس ظنا منهم بأنهم جاؤوا لقتل مؤنس.
__________________
ثمّ جرت
مشاورات بين الخليفة (المقتدر) وبين المظفر (مؤنس) على إخراج ياقوت وابنيه من
بغداد ، فبعث (المقتدر) إلى ياقوت يأمره بالخروج من بغداد ، والذهاب إلى أيّ مكان
يشاء. فخرج ياقوت وأصحابه محمّلين بالسلاح وبالمال.
ثمّ رجع (مؤنس
المظفر) إلى داره ، وأحرقت دور ياقوت وولده.
وتتابعت
الأيّام ودارت ، وإذا بمؤنس المظفر يخرج من بغداد مغضوبا عليه من قبل
الخليفة (المقتدر). وتدور الأيّام ثانية ، وبأسرع مما دارت سابقا ، فيعود مؤنس إلى
بغداد بعد أن التحق به كثير من القادة والجند ، فتقع معركة عنيفة بين المقتدر من
جهة وبين مؤنس المظفر من جهة أخرى ، أسفرت عن قتل الخليفة (المقتدر بالله) وقطع
رأسه ، وجيء به إلى مؤنس المظفر ، كان ذلك سنة (٣٢٠) للهجرة ، وقد اشترك في هذه
المعركة ياقوت وولده إلى جانب المقتدر .
وكان (المقتدر)
قد أمر بعزل (ياقوت) عن الحسبة سنة (٣١٩) للهجرة ، وابنه (محمّد) عن الشرطة ،
وإبعادهما عن الحضرة السلطانية ، وتعيين (ياقوت) على إمارة فارس وكرمان وتعيين
ابنه (المظفر) على إمارة أصبهان ، وتعيين ابنه الآخر (محمّد) على إمارة سجستان .
وفي سنة (٣٢٣)
للهجرة ، اسندت الحجبة ورئاسة الجيش إلى (محمّد ابن ياقوت) فاستبدّ هذا برأيه ،
وطالب
أصحاب الدواوين
بحضور مجلسه ،
__________________
وألا يقبل أيّ توقيع إلّا بعد توقيعه بنفسه ، وبخط يده .
ولمّا جاء (الراضي
بالله) إلى الخلافة ، طلب منه ياقوت أن يقلّده إمارة الأهواز ، فقلده إيّاها. ثمّ
جاء (مرداويج) بجيشه إلى الأهواز ، فوقف له (ياقوت) على القنطرة ، ومنعه من العبور
إليها ، فبقيا على تلك الحالة أربعين يوما ، رحل بعدها (مرداويج) عن الأهواز ثمّ
جاءت الإمدادات إلى ياقوت من بغداد ، فذهب إلى واسط ، ونزل في غربها ، بعد أن
أخليت له .
وبعد أن قتل (مرداويج)
عاد ياقوت إلى الأهواز ، وعند عودته كان (عليّ بن بويه) قد استولى على فارس ،
فحدثت معركة بينه وبين (ابن بويه) و (ومعزّ الدولة) انهزم على أثرها ياقوت إلى (شيراز)
فلحقه (معزّ الدولة) إلى هناك.
ثمّ جاء ياقوت
، ونزل في معسكر (البريدي) ، فهجم (أبو جعفر الجمّال) بعسكره على ياقوت ، فقاومه
ياقوت في ألف رجل ، ولمّا رآى ياقوت أنّه لا قدرة له على مواصلة القتال ، رمى
بنفسه من على دابته ، وجلس على الأرض ، وغطّى وجهه ، ومدّ يده وأخذ يستعطي الناس ، فجاء إليه جماعة من أصحاب البريدي ، فكشفوا عن
وجهه فعرفوه ، فقتلوه ، وقطعوا رأسه ، وجاءوا به إلى (الجمّال) فأمر الجمال بدفن
الرأس مع الجثة في المكان الّذي قتل فيه ، وكان ذلك سنة (٣٢٤) للهجرة. وقيل : قتل ياقوت في معسكر (مكرم) بعد أن بلغ من العمر عتيا.
__________________
٨٦ ـ جعفر بن ورقاء
الشيباني :
هو : جعفر بن
محمّد بن ورقاء الشيباني وكنيته : أبو محمّد.
قلّده الخليفة (المقتدر)
أعمال الكوفة وطريق مكّة في سنة (٣١٢) للهجرة.
وجعفر بن ورقاء
هو أمير من أمراء الدولة العباسيّة ، من بيت إمرة ورئاسة وأدب ، وكان شاعرا ،
وكاتبا ، سريع البديهة.
ولد جعفر بن
ورقاء في مدينة سامراء سنة (٢٩٢) للهجرة ، وتقلّد عدّة ولايات ، وكان الخليفة (المقتدر)
يعامله معاملة بني حمدان ، وله مكاتبة مع سيف الدولة الحمداني نثرا وشعرا .
وفي سنة (٣١٢)
للهجرة ، جاءت جماعات كثيرة من الخراسانية إلى بغداد ، للذهاب إلى الحجّ عن طريق
الكوفة ، فأمر الخليفة المقتدر ، أن يخرج جعفر بن ورقاء (وكان أمير الكوفة حينذاك)
مع القافلة الأولى.
ولمّا سمع جعفر
بن ورقاء بأنّ (القرمطي) يترصّد لقوافل الحجّاج ، أمر الناس بالتوقف والتريث ،
حتّى يطلع على حقيقة الموقف .
ولمّا وصل جعفر
إلى (زبالة) وقد تبعه جماعة كبيرة من الحجاج ، حيث لم يسمعوا كلامه بالتأنّي
والترّيث ، فلقيه أصحاب (القرمطي) فاقتتلوا ، حتّى قتل الكثير من الحجّاج ، وانهزم
الباقون إلى الكوفة بعد أن تركوا جمالهم وأمتعتهم ، فتبعهم القرمطي إلى الكوفة ،
وبعد معركة دارت بين
__________________
(القرمطي) وبين (جني الصفواني) و (ثمل الطرسوسي) وجماعة آخرين من بني شيبان
، فقتل خلال المعركة (جني الصفواني) وانهزم الباقون إلى بغداد ، وعند ذلك دخل (القرمطي)
إلى الكوفة ، وأقام ستّة أيّام بظاهر الكوفة ، يدخل إليها نهارا ، فيقيم في مسجد
الكوفة إلى اللّيل ، ثمّ يخرج ويبيت في معسكره ، ورجع بعد ذلك إلى بلده (هجر) بعد
أن حمل من الكوفة ما قدر على حمله من الأموال ، والثياب ، وغير ذلك .
ولمّا سمع أهل
بغداد بهذه الحادثة (المأساوية) انتقل أكثرهم إلى جانب الرصافة ، خوفا من القرامطة
، ولم يحجّ أحد في هذه السنة ، لا من أهل بغداد ، ولا من أهل خراسان . وعند ذلك أمر الخليفة (المقتدر) مؤنس المظفر بالذهاب
إلى الكوفة لطرد القرمطي.
ويحكى عن جعفر
بن ورقاء أنّه قال : حينما أفضت الوزارة إلى عبد الرحمن بن عيسى وكان الخليفة (الراضي
لله) قد حلف بأنّه لا يقبل من عبد الرحمن ، بأقلّ من مائة ألف دينار ، وكان كلّ ما
عند عبد الرحمن هو عشرة آلاف دينار ، فقلت له (أي لعبد الرحمن) : دعني أدبّر لك
الأمر ، فأخذت ورقة وكتبت فيها : (ضمن لمولانا أمير المؤمنين ، أطال الله بقائه ،
جعفر بن ورقاء أن يصحح له لمن يأمره بتصحيح ذلك عنده ، عن عبد الرحمن بن عيسى مائة
ألف دينار ، وأخذه إلى أيّ وقت أمره بتصحيحها). وقلت للوزير : أرسلها مع رسول ذكي
، يلاحظ ما يجري ، فعاد الغلام الّذي أرسل الكتاب بيده وقال : استدعاني الخليفة ، فدخلت
عليه ، وهو جالس وفي يده الرقعة ممزّقة ، فقال : (من الّذي عند مولاك)؟ فقلت له :
جعفر بن ورقاء.
__________________
فقال : قل له :
(يا أعرابي ، أردت أن تري الناس أنّ نفسك تتسع ، لا تغرم غمرا ، لا حرمة له ، وهو
خادمي ، ما ضاقت نفسي عن شرّ له عليه فتظهر بذلك أنّك أكرم منّي ، والله لا كان
هذا ، قل لمولاك ، أطلق عبد الرحمن ، وتردّ خط هذا الأعرابي الجلف ، وإنّي أكفّر
عن يميني) ورمى بالرقعة ممزّقة .
وعند ما بويع (القاهر
بالله) بالخلافة سنة (٣٢٠) للهجرة ، بعد (المقتدر) وجلس يوم البيعة ، لم يكن عليه
إلّا قميصان ورداء ، فنزع جعفر بن ورقاء ثيابه الّتي كان يلبسها ، فلبسها (القاهر
بالله) ثمّ جلس في الخيمة ، وسلّموا عليه بالخلافة .
وكان جعفر بن
ورقاء الشيباني ، قد ذهب إلى مكّة لأداء فريضة الحجّ ولمّا عاد جاء الناس يسلّمون
عليه ، ويهنّئونه بالسلامة ، وقد تأخّر القاضي (محمّد بن يوسف) (أبو عمر) عن
تهنئته بمناسبة عودته ، وكذلك تأخّر ابنه عمر (أبو الحسين) قاضي القضاة ، فكتب
جعفر بن ورقاء اليهما عاتبا ، وكان جعفر قد ذهب إلى الحجّ ولم يوّدعهما.
|
أأستجفي أبا عمر
وأشكو
|
|
وأستجفي فتاه
أبو الحسين؟
|
|
بأيّ قضية
وبأيّ حكم
|
|
ألحّا في
قطيعة واصلين
|
|
فما جاءا ولا
بعثا بعذر
|
|
ولا كانا
لحقّي موجبين
|
|
فإن نمسك ولم
نعتب تمادى
|
|
جلاؤهما
لأخلص مخلصين
|
|
نجلّ عن
العتاب القاضيين
|
|
وإن نعتب
فحقّ غير أنّا
|
__________________
ولمّا وصلت
الأبيات إلى القاضي (أبو عمر) قال لابنه (أبي الحسين) ردّ الجواب عليه يا ولدي ،
فكتب أبو الحسين يقول :
|
تجنّ وأظلم
فلست منتقلا
|
|
عن خالص
الودّ أيّها الظالم
|
|
ظننت بي جفوة
عتبت لها
|
|
فخلت أنّي
لحبلكم صارم
|
|
حكمت بالظن
والشكوك ولا
|
|
يحكم بالظنّ
في الهوى حاكم
|
|
تركت حقّ
الوداع مطّرحا
|
|
وجئت تبغي
زيارة القادم
|
|
أمران لم
يذهبا على فطن
|
|
وأنت بالحكم
فيهما عالم
|
|
وكلّ هذا
فعال ذي ثقة
|
|
وقلبه من
جفائه سالم
|
وقال جعفر بن
ورقاء مفتخرا :
|
شيبان قومي
وليس الناس مثلهم
|
|
لو ألقموا ما
تفيء الشمس لألتقموا
|
|
لو يقسّم
المجد أرباعا لكان لنا
|
|
ثلاثة وبربع
تجتزي الأمم
|
|
ثلاثة صافيات
قد جمعن لنا
|
|
ونحن في
الربع بين الناس نقتسم
|
٨٧ ـ محمّد بن إسماعيل بن جعفر :
وهو : محمّد بن
إسماعيل بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ ابن أبي طالب.
ثار محمّد بن
إسماعيل بالكوفة سنة (٣١٢) للهجرة (وهو رئيس الإسماعيلية) فتبعه جمع كبير من
الأعراب والسواد ، واستفحل أمره ، في شهر شوال من هذه السنة ، فأرسل إليه جيش كبير
من بغداد فقاتلوه ، فانهزم بعد أن قتل الكثير من أصحابه .
وذكر ابن
الجوزي بأنّ أبا القاسم الخاقاني أرسل حاجبه أحمد بن
__________________
سعيد ومعه خمسمائة فارس ، وألف راجل ، وأمره بمحاربه محمّد بن إسماعيل ابن
جعفر ، ولمّا وصل أحمد بن سعيد إلى الكوفة ، أسرّ جماعة من أصحاب محمّد وانهزم
الباقون .
٨٨ ـ أبو طاهر
القرمطي :
هو : سليمان بن
الحسن بن بهرام ، الجنابي ، القرمطي ، وكنيته : أبو طاهر.
دخل الكوفة
واستولى عليها سنة (٣١٢) للهجرة. وأبو طاهر : هو زعيم القرامطة ، خارجي ، طاغية
، جبّار ، قال الذهبي يصفه (عدو الله ، الأعرابي ، الزنديق) .
ونسبته إلى جنابة
من بلاد فارس ، وكان أبوه قد استولى على (هجر) و (الأحساء) و (القطيف) وسائر بلاد
البحرين ، ولمّا مات أبوه سنة (٣٠١) للهجرة ، عهد بالأمر إلى ابنه (سعيد) فعجز
سعيد عن القيام بمهمته ، فتغلب عليه سليمان (أبو طاهر) .
كان أبو طاهر (القرمطي)
قد شنّ عدّة غارات على العراق ، ففي سنة (٣١١) للهجرة ، جاء أبو طاهر إلى البصرة
فنهبها ، وسبى أهلها ، وكتب إلى الخليفة (المقتدر) أن يضمّ البصرة والأهواز إليه ،
فرفض المقتدر ذلك .
وفي شهر ذي
القعدة من سنة (٣١٢) للهجرة ، ذهب الكثير من الناس إلى بيت الله الحرام (للحجّ) عن
طريق الكوفة ، فترصد لهم القرمطي ، فأوقع
__________________
فيهم قتلا وسلبا ، عندها هرب الحجّاج عائدين إلى الكوفة ، تاركين جمالهم
وأمتعتهم ، فتبعهم القرمطي إلى الكوفة وكان فيها آنذاك من قادة الخليفة (جني
الصفواني وثمل الطوسي وطريف السبكري) فوقعت بينهم معركة ، قتل فيها الكثير من جيش
الخليفة ، وانهزم الباقون إلى بغداد ، ثمّ دخل أبو طاهر القرمطي (لأوّل مرّة) إلى
الكوفة فاستولى على ما في أسواقها من الطعام والأموال ، ثمّ عاد إلى البحرين ،
ومعه عدد كبير من الأسرى ، مات أكثرهم في الطريق من الجوع والعطش ، وقيل إنّ عدد
الأسرى قد بلغ (٢٢٢٠) رجلا و (٥٠٠) امرأة. وكان عدد جيش القرمطي ثمانمائة فارس ،
ومثلهم من الرجّالة ، وكان عمر أبو طاهر حينذاك (١٧) سنة. وقيل في هذه السنة أي سنة (٣١٢) للهجرة ، هجم أبو
طاهر القرمطي على قافلة للحجّاج على طريق الكوفة ، وذلك عند رجوعهم من مكّة ،
فقتلوا ، ونهبوا ، وأسرّوا ، وسبوا النساء والصبيان ، ثمّ عادوا إلى (هجر) وتركوا
الحجّاج في أماكنهم ، فمات أكثرهم ، حيث لا ماء ولا طعام عندهم ، وكان من جملة
الأسرى (أبو الهيجاء ، وأحمد بن بدر عمّ والدة المقتدر) وكان لتلك الحادثة الأثر
الكبير على أهالي بغداد ، حيث خرجت النساء صارخات ، وهنّ يردّدن : (القرمطي الصغير
(أبو طاهر) قتل المسلمين بطريق مكّة ، والقرمطي الكبير (ابن الفرات) قد قتل المسلمين ببغداد .
وقيل عند ما
دخل أبو طاهر القرمطي إلى الكوفة ، أقام في ظاهرها فيدخلها نهارا ، ويقيم في مسجد
الكوفة إلى الليل ، ثمّ يخرج فيبيت في
__________________
عسكره ، وبعد ذلك عاد إلى (هجر) .
ولمّا سمع
الخليفة (المقتدر) بذلك أمر (مؤنس الخادم) بالذهاب إلى الكوفة ، ولمّا وصل مؤنس
إلى الكوفة ، كان القرامطة قد غادروها إلى (هجر) وعند ذلك ذهب مؤنس إلى واسط ،
واستخلف (ياقوت) على الكوفة .
وفي سنة (٣١٥)
للهجرة ، وردت الأخبار بأنّ أبا طاهر (القرمطي) قد تحرّك من (هجر) يريد الكوفة ،
فكتب الخليفة (المقتدر) إلى يوسف بن أبي الساج (وكان آنذاك في واسط) يأمره بالذهاب
إلى الكوفة ، قبل وصول القرمطي إليها ، إلّا أنّ (القرمطي) جاء ودخل الكوفة (للمرّة
الثانية) قبل يوم من وصول أبو الساج ثمّ دارت معركة بين أبي الساج والقرمطي ،
انتهت بأسر أبي الساج وانهزم جيشه ، فاستولى القرمطي على جميع ما كان في عسكر
الخليفة.
ثمّ دارت معارك
أخرى بين الطرفين ، قتل خلالها يوسف بن أبي الساج ، وقتل كافة من كان معه من
الأسرى.
وفي سنة (٣١٧)
للهجرة ، وقيل سنة (٣١٨) للهجرة ، ذهب أبو طاهر القرمطي إلى مكّة فدخلها يوم
التروية ، والناس محرمون ، فنهب أموال الحجّاج ، وقتل الكثير منهم ، قيل بلغ عدد
القتلى ثلاثين ألف. وكان يقول :
|
أنا بالله ،
وبالله أنا
|
|
يخلق الخلق
وأفنيهم أنا
|
ثمّ أخذ أستار
الكعبة ، وخلع باب الحرم ، وردم بئر زمزم ، وأخذ الحجر الأسود من الكعبة ، وذهب به
إلى البحرين ، وبقي الحجر الأسود فيها
__________________
(٣٠) سنة .
وقيل إنّ
القائد التركي (بجكم) قد أعطى إلى القرامطة مبلغا قدره خمسين ألف درهم لقاء
إعادتهم الحجر الأسود إلى الكعبة ، إلّا أنهم رفضوا ذلك وقالوا : (أخذناه بأمر ،
وسنرده بأمر) .
وفي سنة (٣٢٠) للهجرة ، جاء أبو طاهر القرمطي إلى الكوفة ، وكانت بينه
وبين (ابن رائق) مكاتبات ، إلّا أنّهما لم يتّفقا على شيء ، فعاد أبو طاهر إلى (هجر)
وذهب ابن رائق إلى واسط.
وفي سنة (٣٢٣) للهجرة ، ذهب الناس إلى الحجّ ، فاعترضهم أبو طاهر
القرمطي فقتل منهم الكثير ، وسلب ونهب أموالهم ، ورجع من نجا منهم إلى بغداد ، وقد
بطل الحجّ في هذه السنة ، وقيل استولى القرامطة على ألف بعير ، وعليها الأمتعة
والأموال.
مات أبو طاهر
القرمطي في مدينة (هجر) سنة (٣٣٢) للهجرة ، وبقي من أخوته ١) أبو القاسم (سعيد) ، ٢) أبو
العبّاس ، ٣) أبو يعقوب ، وكانت الرئاسة للجميع ، وكلمتهم واحدة ، ولهم سبعة
وزراء.
وقيل مات أبو
طاهر القرمطي بمرض الجدري ، ولم يذهب أحد للحجّ في هذه السنة من أهل بغداد ولا من
أهل خراسان ، فرحا وابتهاجا بموت أبي طاهر القرمطي.
__________________
٨٩ ـ يوسف بن أبي
الساج :
وهو من كبار
رجال الدولة العباسيّة ، ومن قادتها المشهورين ، وكان حسن السيرة ، مشهورا بالكرم
والاستقامة ، قلّده (المقتدر بالله) أعمال المشرق كلّها (وبضمنها مدينة الكوفة)
سنة (٣١٤) للهجرة ، وقيل سنة (٣١٣) للهجرة ، وكنّاه : بأبي القاسم. وهذا اللّقب يتكّنى به
على جميع القادة ما عدا الوزراء ، وأعطاه المقتدر خلعا سلطانية ، وخيلا سروجها من
ذهب ، وطيبا ، وسلاحا ، وكان يوسف آنذاك في واسط .
وعند ما وصل
يوسف إلى واسط ، جعل له (مؤنس المظفر) أموال الخراج في نواحي : همدان وساوة وقم
وقاشان وماه البصرة وماه الكوفة وماسنبذان ليصرفها على مائدته ، ويستعين بها على
حرب القرامطة .
وكان يوسف بن
أبي الساج ، قد أسّر (غلاما للطائي) في مكّة سنة (٢٧١) للهجرة ، وأراد أن يعتدي
على الحجّاج ، إلّا أنّ الحجّاج تمكّنوا من فكّ أسر غلام الطائي ، ثمّ حاربه
الطائي بمعاونة الحجّاج (وكانت الحرب على أبواب المسجد الحرام) وتمكّنوا أخيرا من
أسر يوسف فأرسلوه إلى بغداد مقيّدا ، ثمّ حبس في دار القهرمانة سنة (٣٠٤) .
__________________
وفي سنة (٣١١)
للهجرة ، أطلق سراح يوسف ، وذهب إلى دار الخلافة ، فعقد له الخليفة (المقتدر) على
أعمال الصلاة والمعاون والخراج بالريّ والجبال وأذربيجان على أن يرسل إلى السلطان
خمسمائة ألف دينار في كلّ سنة .
وفي سنة (٣١٥)
للهجرة ، وردت الأخبار بأن أبا طاهر القرمطي قد تحرك من (هجر) يريد الكوفة فكتب الخليفة (المقتدر) إلى يوسف بن أبي
الساج يأمره بالذهاب إلى الكوفة لمحاربته ، ومنعه من دخول الكوفة ، كما أنّ الوزير
عليّ بن عيسى أمر (عمّال الكوفة) بإعداد الميرة ليوسف.
ولمّا وصل يوسف
إلى الكوفة ، كان القرمطي قد وصلها قبله ، فاستولى على جميع ما أعدّ ليوسف من
مؤونة.
وعند ما التقى
يوسف بالقرمطي عند باب الكوفة ، استهزأ يوسف بالقرمطي وجيشه ، وذلك لقلّة جيش
القرمطي ، وكثرة جيشه ، وقال : (إن هؤلاء الكلاب بعد ساعة يكونون في يدي) وأراد أن
يكتب إلى الخليفة كتاب الفتح والبشارة بالظفر ، قبل التقاء الجيشين تهاونا بهم ،
ثمّ دارت المعارك بينهما من الصباح حتّى المساء ، ولمّا رأى يوسف شدة الحرب
وضراوتها ، باشر الحرب بنفسه في اليوم الثاني ، وعند ما بدأت الحرب ، كانت أشد
ضراوة من اليوم الأول وقد تمّ أسر يوسف بعد أن أصيب بعدّة جراحات ، وانهزم جيشه.
وجيء بيوسف إلى
خيمة في معسكر القرمطي لمعالجته ، فقال الطبيب : (سألني يوسف عن أهلي وعن أسمي ،
فأخبرته ، فوجدته عارفا بهم ، أيّام
__________________
توليته إمارة الكوفة ، فعجبت من ذاكرته ، وعدم اكتراثه لما هو فيه) .
ولمّا وصل
الخبر إلى بغداد ، خاف الناس من القرامطة خوفا شديدا ، ففرّوا وقرّروا الهرب إلى
حلوان وهمذان ، ثمّ وصل المنهزمون (من القرمطي) إلى بغداد وهم عراة ، حفاة.
وحاول (مؤنس
المظفر) تخليص يوسف بن أبي الساج من الأسر ، فأرسل جيشا من ستّة آلاف مقاتل ،
بقيادة (بليق) ولمّا وصل الجيش ، التقى مع جيش القرامطة ، فكانت معركة شديدة ،
أسفرت عن انهزام جيش (بليق).
وعند ما كانت
المعركة مستمرّة بين الطرفين ، خرج يوسف من خيمته لينظر إلى المعركة ، فناداه
أصحابه : (أبشر بالفرج).
فلمّا سمع
القرمطي بذلك ، ورآى خروج يوسف من الخيمة ، قال ليوسف : أتريد أن تنهزم؟ وهل ظننت
أنّ قومك يخلّصونك؟ ثمّ قال له : (ما دمت حيّا فلأصحابك طمعا فيك) . فأمر بقتله ، وقتل كلّ من كان معه من الأسرى ، كان ذلك
في سنة (٣١٥) للهجرة.
وكان عدد أصحاب
القرمطي : ألف فارس ، وخمسمائة راجل ، وعدد أصحاب يوسف بن أبي الساج أكثر من عشرين
ألف مقاتل.
وقيل لبعض
أصحاب القرمطي : كيف تغلبون ، وأنتم قلّة؟! فقالوا : (نحن نقدر السلامة في الثبات
، وهؤلاء يقدرونها في الهرب) .
ولمّا سمع
الخليفة (المقتدر) بعدد عسكره ، وعسكر القرمطي قال : (لعن
__________________
الله نيفا وثمانين ألفا ، يعجزون عن ألفين وسبعمائة)!!.
٩٠ ـ أحمد بن عبد
الرحمن :
تولّى أحمد بن
عبد الرحمن إمارة الكوفة سنة (٣١٥) للهجرة ، ولّاه إيّاها الوزير عليّ بن عيسى ،
وذلك بعد عزل ياقوت عنها ولحين مجيء يوسف بن أبي الساج إليها .
٩١ ـ عيسى بن موسى :
كان هناك جماعة
من السواد ، يؤمنون بمذهب القرامطة ، ولكنّهم كانوا يكتمون
اعتقادهم ذلك ، خوفا من السلطة.
ثمّ بعد ذلك
أظهروا اعتقادهم ، فاجتمع منهم في (سواد واسط) أكثر من عشرة آلاف رجل ، وولّوا
أمرهم (حريث بن مسعود) .
واجتمعت طائفة
أخرى في (عين التمر) ونواحيها في جمع كثير ، وجعلوا رئيسا لهم (عيسى بن موسى) ، وكانوا يدعون إلى (المهدي) .
ثمّ ذهب عيسى
بن موسى إلى الكوفة فنزل بظاهرها ، فجبى الخراج ، وعزل العمّال عن السواد .
فأرسل الخليفة (المقتدر
بالله) على حريث بن مسعود جيشا بقيادة
__________________
هارون بن غريب الخال ، وأرسل إلى عيسى بن موسى جيشا آخر بقيادة (صافي
البصري). وبعد معارك بين هارون بن غريب وبين حريث بن مسعود من جهة وبين صافي
البصري وعيسى بن موسى من جهة أخرى ، انهزمت القرامطة وأسّر الكثير منهم ، وقتل
أكثر مما أسر ، وأخذت أعلامهم (وكانت بيضاء) مكتوب عليها : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ
الْوارِثِينَ). ثمّ جيء بهم إلى بغداد وأعلامهم منكوسة ، فقتلوا
وصلبوا ، وانتهى أمر القرامطة في السواد ، وكفى الله العباد
شرهم ، كان ذلك سنة (٣١٦) للهجرة .
٩٢ ـ هارون بن غريب
الخال :
وهو ابن خال
الخليفة (المقتدر بالله) ولمّا مات أبوه (غريب) سنة (٣٠٥) للهجرة ، عقد له (المقتدر)
ما كان لأبيه من امتيازات وصلاحيات ، كما ولقبه سنة (٣١٦) للهجرة (بأمير الأمراء).
ويخاطب بالأمره .
قلّده الخليفة (المقتدر
بالله) إمارة الكوفة سنة (٣١٦) للهجرة ، وقلّده كذلك كور الجبل كلّها ، وضمّ إليه وجوه
القادة عند وصوله إلى الكوفة.
وكان هارون
مسيطرا على الدولة أيّام المقتدر ، فهو يشترك في ترشيح الوزراء وتعيين الأمراء ،
وكان له دور كبير في إخماد ثورة العامّة ، الّتي قامت
__________________
في بغداد سنة (٣٠٧) للهجرة في وزارة حامد بن العبّاس ، وكان هارون من خصوم
الوزير (ابن الفرات) ومن أنصار الوزير (عليّ بن عيسى).
وهارون هذا هو
: أحد القادة الذين اشتركوا في حرب أبي طاهر القرمطي وتخليص البلاد من شروره سنة (٣١٥)
للهجرة.
وقد حدثت خصومة
بين هارون وبين القائد التركي (نازوك) وكذلك خاصم (مؤنس المظفر) ، فطلب قادة
الجيوش من الخليفة العباسي (المقتدر) أن يبعد هارون خارج بغداد ، فقلده (المقتدر)
عند ضغط القادة الثغور الشامية والجزيرة ، ولكن هارون ذهب إلى (قطربل) وأقام بها .
ثمّ خلع
الخليفة (المقتدر) وبويع (القاهر بالله) بالخلافة سنة (٣١٧) للهجرة. فأعيد (المقتدر)
للخلافة بعد ثلاثة أيّام ، وأرسل هارون إلى الجبل لمحاربة (مرداويج) ، ثمّ عاد إلى
بغداد ، فغضب (مؤنس المظفر) لعودته إلى بغداد ، فأرسل هارون إلى الموصل ، ثمّ كرّ
راجعا إلى بغداد ، وحارب المقتدر ، فقتله.
وبعد قتل
الخليفة (المقتدر) ذهب هارون الخال إلى واسط ، ثمّ تقلّد أعمال المعاون بالكوفة ،
ولمّا تولّى (الراضي بالله) الخلافة سنة (٣٢١) للهجرة ، كتب هارون الخال إلى قادة الجيش في بغداد
وأعلمهم ، بأنّه أحقّ (بالحضرة السلطانية ورئاسة الجيش) لذا جاء هارون إلى بغداد ،
وقبل وصوله بيوم ، كتب إليه (ابن مقله) بأن يرجع إلى الدينور ، فقال له
__________________
هارون : إنّ واردات الدينور قليلة جدا ، وهي لا تكفي رواتب جنده لكثرتهم ،
عندها أرسل الخليفة (الراضي بالله) إليه (محمّد بن ياقوت القراريطي) وأمره أن يبلغ
هارون بالذهاب إلى خراسان ، حيث قلده عليها.
فقال له هارون
: بأنّ جنوده لا يرضون بهذا ، كما أنه لا يوجد شخص أحقّ منه في خدمة الخليفة ،
فقال له ابن ياقوت : لو تراعي أمير المؤمنين ما عصيته ، فحصلت بينهما مشادّة
كلامية.
ثمّ تقدم هارون
بجيشه نحو بغداد ، فالتقى بجيش محمّد بن ياقوت ، فكانت معركة بينهما ، انتهت بمقتل
هارون بن غريب الخال ، وذلك في شهر جمادي الآخر سنة (٣٢٣) للهجرة.
وقيل سقط هارون
من على فرسه ، فلحقه خادمه ، وقيل خادم أبيه ، فضربه ضربة مميتة ، ثمّ جاء بعده
غلام أسود فذبحه ، وأرسل برأسه وبرؤوس أصحابه إلى الخليفة (الراضي) فنصبت الرؤوس
على باب العامة ببغداد. وقيل إنّ الّذي قتله هو محمّد بن ياقوت
، يوم الثلاثاء في السابع والعشرين من شهر رجب سنة (٣٢٢) للهجرة.
وقيل عند ما
ثار قادة الجيش على الخليفة (المقتدر) سنة (٣١٧) فخلعوه ، ودخلوا قصره فنهبوه ،
وأرادوا قتله ، إلّا أنّ مؤنس المظفر قد تمكن من إخراج المقتدر مع ابنه (عبد
الواحد) وأمّه ، وأرسلهم إلى قصره ، فذهب الجند بعد ذلك إلى قصر هارون بن غريب
الخال فنهبوه ، حتّى صارت بغداد
__________________
مسرحا للصوص ، والعابثين بالأمن والنظام .
٩٣ ـ محمّد بن ورقاء (أبو
الفوارس)
في سنة (٣١٨)
للهجرة ، ثار أعراب بني نمير بن عامر ، ومعهم بني كلاب بن ربيعة بظهر الكوفة ،
فعاثوا فسادا وتطاولوا على المسلمين ، وقطعوا الطريق ، فخرج إليهم أبو الفوارس
محمّد بن ورقاء أمير الكوفة ، مع جماعة من أهل الكوفة ، ومعهم بنو هاشم (من
الطالبيين والعباسيين) ولم يكن معه جند سواهم.
فقاتل (أبو
الفوارس) الأعراب بنفسه ، وبعد معارك دامية بين الطرفين وقع (أبو الفوارس) أسيرا
في أيدي الأعراب ، وأسّر معه (ابن عمر العلوي) فأخذهم الأعراب إلى مخابئهم ، ولم
يلحقوا أيّ أذى بالأسرى.
ثمّ طلبوا منهم
الفداء ، ففدوا أنفسهم ، وتخلّصوا منهم ، وعادوا إلى الكوفة .
٩٤ ـ محمّد بن يزداد
:
كان أميرا على
الكوفة سنة (٣٢٥) للهجرة.
لم نعثر على
ترجمة لمحمد بن يزداد ، هذا ما تيسر لنا من مصادر.
__________________
٩٥ ـ لؤلؤ :
وهو أحد غلمان
محمّد بن هارون. خلع عليه (الراضي بالله) إمارة الكوفة سنة (٣٢٥) للهجرة ،
ثمّ قلّده بغداد يوم السبت في السادس من شهر رجب من هذه السنة أيضا ، فصارت تحت
سيطرته من الكوفة إلى بغداد ، ومن الأنبار إلى بغداد ، ومن النعمانية إلى بغداد .
وفي هذه السنة
أي سنة (٣٢٥) للهجرة ، دارت الحرب بين ابن رائق والحجريّة فنصب لهم (بجكم التركي)
كمينا ، فوضع السيف في رقابهم ، وولوا منهزمين بعد أن أسر جماعة من رؤسائهم ، ثمّ
كتب الخليفة (الراضي) إلى لؤلؤ أن يقبض على من كان منهم في بغداد ، ويحرق منازلهم .
ولؤلؤ هذا هو
الّذي قتل (بدر) في خلافة (المكتفي) سنة (٢٨٩) للهجرة. وفي سنة (٣٢٣) للهجرة ولّاه الخليفة (الراضي
بالله) طريق الكوفة ـ مكّة فاعترضه (أبو طاهر) بن أبي سعيد الجنابي القرمطي ،
فوقعت بينهم معركة عنيفة ، جرح فيها لؤلؤ جراحات كثيرة ، فهرب واختفى بين جثث
القتلى ، وبعد ذلك ذهب إلى الكوفة ، كما وقتل الكثير من حجّاج بيت الله الحرام ،
وسبيت النساء ، والتجأ الباقون إلى القادسيّة ، ثمّ تسلّلوا بعد ذلك إلى الكوفة . ثمّ عزل لؤلؤ عن طريق مكّة سنة (٣٢٨) للهجرة ، وعيّن
مكانه حاجب بجكم .
فأخذ أصحاب
لؤلؤ يعاملون الناس معاملة قاسيّة ، حيث كثرت الجبايات والغرامات عليهم ، عندها
عزل لؤلؤ عن رئاسة شرطة بغداد في
__________________
يوم الأثنين الثاني عشر من شهر صفر سنة (٣٢٦) للهجرة ، وعين مكانه محمّد
ابن بدر الشرابي .
٩٦ ـ بجكم التركي :
وهو : أحد
القادة الأتراك في جيش الخليفة (الراضي بالله) وكان ذا شجاعة نادرة ، ومما يذكر عن
شجاعته : أنّه حارب جيش البريدي قوامه عشرة آلاف جندي ، ولم يكن مع (بجكم) من
الأتراك سوى مائتين وتسعين فقط. فهزم جيش البريدي .
وكان الراضي
بالله يحبّه كثيرا ، فقد خلع عليه المنادمة ، وجعله (أمير الأمراء). ففي سنة (٣٢٥)
للهجرة ، خلع الراضي على (بجكم) وولّاه إمارة بغداد ، وعقد له على إمارة المشرق
كله إلى خراسان (أي وبضمنها الكوفة).
وفي سنة (٣٢٧) للهجرة ، ذهب الراضي إلى الموصل لمحاربة الحسن ابن عبد الله بن حمدان
وذهب معه (بجكم) فحاربه بجكم فهزمه. وفي هذه السنة ، استولى ابن رائق على بغداد ،
فدخلها ومعه ألف من القرامطة (مستغلا غياب الخليفة (الراضي) عنها ، ثمّ خرج ابن
رائق وعاد الراضي إليها .
وفي سنة (٣٢٨)
للهجرة ، تزوّج بجكم من (ساره) بنت أبي عبد الله محمّد بن أحمد بن يعقوب (وزير
الراضي) على مهر قدره مائتا ألف درهم ، وبحضور الخليفة الراضي .
__________________
وفي سنة (٣٢٩)
للهجرة ، مرض الراضي ، فكتب إلى بجكم ، يعلمه بشدة مرضه ، ويسأله أن يعقد ولاية
العهد لابنه الأصغر (أبو الفضل) .
وكان بجكم قد
سكن مدينة واسط ، وجعلها مقرّا له ، وكان عادلا ، وكان يقول : (قد نبئت أنّ العدل
أربح للسلطان في الدنيا والآخرة). وبنى دار ضيافة للضعفاء والمساكين في واسط ،
وبدأ ببناء مستشفى في بغداد سنة (٣٢٩) للهجرة ، وجدّده عضد الدولة فيما بعد سنة (٣٦٨)
للهجرة ، وزودها بالأطباء والممرضين .
ويحكى أنّ رجلا
من الصوفية ، جاء إلى بجكم فوعظه (باللغة العربيّة والفارسيّة) فبكى بجكم بكاء
شديدا ، ولمّا ذهب ذلك الصوفي ، قال بجكم لأحد غلمانه : اتبع هذا الصوفي واعطه ألف
درهم ، ثمّ قال بجكم : (ما أظنّه يقبلها ، وهو على حاله هذه من العبادة) وأيش يعمل
بالدراهم؟
ولمّا رجع
الغلام سأله بجكم : وهل أخذ الدراهم؟ قال الغلام : نعم.
فقال بجكم : (كلّنا
صيادون ، ولكنّ الشباك تختلف) .
وكان بجكم ،
يفهم اللغة العربية ، ولكنّه لا يتكلّم بها ، ويقول : (أخاف أن أخطئ ، والخطأ من
الرئيس قبيح) .
وكان بجكم
التركي ، قد عشق جارية من القيان يقال لها (فتوّة) جارية الهاشميّة ، فكان يحضر مجلسها
، ويستمع إليها ، ويعطيها كلّما تطلب ، إلّا أنّه لا يبوح بحبّه لها ، وذلك ترفّعا
منه وأنفة ، وقد اشترى لها عودا ذات يوم لتغنّي به فسكر ، وخسف وجه العود ، فملأه
لها دراهم ، فكانت أكثر من
__________________
عشرين ألف درهم .
وكان بجكم يدفن
أمواله في داره (بواسط) وفي الصحراء ، فكان يأخذ معه رجالا فيضعهم في صناديق ، ثمّ
يقفلها عليهم ، ويأخذ الصناديق الّتي فيها الأموال وهناك (في الصحراء) يفتح
الصناديق الّتي فيها الرجال ، ويأمرهم بدفن المال ، ثمّ يعود بالرجال إلى واسط (بعد
أن يعيدهم إلى الصناديق) فلا يدرون في أيّ مكان دفنت الأموال.
وقيل إنّ
القرامطة لمّا أخذوا الحجر الأسود من مكّة سنة (٣١٧) للهجرة ، وذهبوا به إلى (هجر) أعطاهم خمسين ألف دينار
لقاء ردّ الحجر الأسود إلى الكعبة ، فرفضوا ذلك وقالوا : (أخذناه بأمر ، ونعيده
بأمر) .
وكان بجكم
التركي قد أرسل إلى الطبيب (سنان بن ثابت) وقال له : (أريد الاعتماد عليك في تدبير (بدني) وعندي
أمر آخر هو أهمّ اليّ من بدني ، وهو : أخلاقي (وذلك لثقتي بعقلك ودينك) فقد غلبني
الغضب ، حتّى أصبحت أندم على ما قمت به أثناء غضبي ، من ضرب وقتل ، وأنا أطلب منك
أن تتحرّى عن جميع أعمالي فتنبهني على ما يصدر عني ، ثمّ ترشدني إلى علاجه).
فقال سنان :
السمع والطاعة للأمير ، ولكن ليسمح لي الأمير ، أن أعطيه بعض العلاج حالا ، وسوف
آتيه بالتفصيل في أوقاته.
(إعلم أيّها الأمير
، أنّك أصبحت وليس فوق يدك يد لأحد المخلوقين ، وإنّك مالك لكلّ ما تريده ، وقادر
أن تفعله في أيّ وقت أردته ، لا يتهيّأ لأحد من
__________________
المخلوقين منعك منه ، ولا أن يحول بينك وبين ما تهواه في أي وقت أردت.
واعلم أن الغيظ
والغضب ، يحدثان في الإنسان سكرا ، أشد من سكر النبيذ بكثير ، فكما أن الإنسان
يعمل في وقت السكر من النبيذ ، ما لا يليق به ، ولا يذكره إذا صحا ، ويندم عليه
إذا حدّث به ، ويستحي منه ، كذلك يحدث في وقت السكر من الغيظ ، بل أشد ، فإذا
ابتدأ بك الغضب ، فضع في نفسك أن تؤخر العقوبة إلى غد ، واثقا بأن ما تريد أن
تعمله في الوقت لا يفوتك عمله ، فإنك إذا بت ليلتك ، سكنت ثورة غضبك ، وقد قيل (أصح
ما يكون الإنسان رأيا إذا استدبر ليله ، واستقبل نهاره) ، فإذا صحوت من سكرك ،
فتأمل الأمر الّذي أغضبك ، وقدّم أمر الله عزوجل أولا ، والخوف منه ، وترك التعرض لسخطه واشفي غيضك بما
لا يؤثمك ، فقد قيل : (ما يشفي غضبه من أثمّ) واذكر قدرة الله عليك ، فإنك تحتاج
إلى رحمته ، والى أخذه بيدك ، في أوقات شدائدك ، فكما تحبّ أن يغفر لك ، فكذلك
غيرك يؤمل عفوك ، وفكّر بأيّة ليلة بات المذنب قلقا لخوفه منك ، وما يتوقعه من
عقوبتك ، واعرف مقدار ما يصل إليه من السرور بزوال الرعب عنه ، ومقدار الثواب
الّذي يحصل لك بذلك ، واذكر قوله تعالى : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ
يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) ، وإنّما يستدل ذلك عليك مرتين أو ثلاثا ، ثمّ تصير
عادة لك وخلقا فيسهل) . فعمل بجكم بما قال له سنان. وقيل : خرج بجكم يوما
للصيد ، فشاهد جماعة من الأكراد ، فذهب إليهم فهربوا منه ، وتركوا أموالهم ، فجاءه
غلام منهم فطعنه بالرمح من الخلف وذلك في الثالث والعشرين من شهر رجب من سنة (٣٢٩)
للهجرة ، فمات من يومه .
وقيل : ذهب
الخليفة (المتقي لله) إلى دار بجكم ، فوجد فيها ما يزيد على
__________________
ألفي ألف عينا وورقا ، وبيع له من الأموال والرقيق والجواهر والأواني
والسلاح الشيء الكثير ، هذا ناهيك عمّا نهب وتلف . ولمّا هدم مسجد براثا في أيّام الخليفة (المقتدر)
وساواه بالأرض ، أعاد بنائه الأمير (بجكم) سنة (٣٢٨) للهجرة ، ووسعه وسقفه بالساج
المنقوش .
وقيل إنّ الّذي
قام بهدم مسجد براثا هو الوزير أبو القاسم القاشاني وزير المقتدر ثمّ أمر بجعله
مقبرة .
قتل بجكم
التركي سنة (٣٢٩) للهجرة وكانت مدّة إمارة بجكم سنتين وثمانية أشهر وعشرة
أيّام.
٩٧ ـ أبو الحسن بن
هارون :
عزله الخليفة (الراضي
لله) عن إمارة الكوفة سنة (٣٢٨) للهجرة ، وعيّن مكانه أبا بكر البرجمالي .
وذكر الصولي
أيضا : بأنّه في سنة (٣٣١) للهجرة ، تذّمر الأشراف
__________________
العلويون في الكوفة من عاملهم أبي عليّ الحسن بن هارون الهمداني ، وخاصة
عمر بن يحيى الّذي كان يرعى العلويين في الكوفة ، ويرعى الناس بماله وجاهه. وكان
يحجّ بهم ، فعزل عندها الحسن بن هارون ، وولّى مكانه أبا بكر عبد الله بن عبيد
الله البرجمالي .
٩٨ ـ أبو بكر
البرجمالي :
واسمه عبد الله
بن عبيد الله ، ولّاه الخليفة (الراضي لله) إمارة الكوفة سنة (٣٢٨) وذلك بعد أن
عزل عنها الحسن بن هارون .
٩٩ ـ المبرقع :
ثار بالكوفة في
شهر ذي الحجّة سنة (٣٥٣) للهجرة ، رجل ادّعى بأنّه علوي ، ولم يكشف عن وجهه ، ولا
عن اسمه ، ولم يعرف أيّ شيء عنه سوى أنّه كان مبرقعا.
وفي هذه السنة
، ذهب (معزّ الدولة) إلى الموصل لمحاربة (ناصر الدولة) فتمّ الصلح بينهما ، على أن
يدفع (ناصر الدولة) إلى (معزّ الدولة) مبلغا قدره ألف ألف درهم في كلّ سنة ،
فاستغل (المبرقع) ذهاب معزّ الدولة إلى الموصل فقام بثورته ، ولمّا عاد معزّ
الدولة إلى بغداد ، هرب المبرقع .
وهكذا ثار وهرب
ولا أحد يعرف شيئا عنه.
__________________
١٠٠ ـ أبو بكر بن
محمّد بن عليّ بن شاهويه :
جاء أبو بكر بن
محمّد بن عليّ بن شاهويه (صاحب القرامطة) إلى الكوفة في شهر شوال سنة (٣٦٦) للهجرة ، ومعه ألف رجل وأقام الدعوة بها و (بسورا) و (النيّل) و (الجامعين) لعضد الدولة.
وقيل إنّه قام
يدعو (للطائع لله) ولعضد الدولة معا .
وقد حدثت معركة
بين (عضد الدولة) و (معزّ الدولة) وأسر خلال هذه المعركة غلام تركي لمعز الدولة اسمه (تكين
الجامدار) وكان هذا أمردا ، جميل الوجه مدمنا على الشراب ، لا يصحو من سكره ليل
نهار ، وكان كثير اللهو واللعب.
ولشدة حبّ (معزّ
الدولة) وإعجابه بهذا الغلام فقد عيّنه رئيس سرية لحرب بعض بني حمدان ، فقال فيه
المهلبي :
|
ضبي يرق
الماء فيه
|
|
وجناته وبرق
عوده
|
|
ويكاد من شبه
العذا
|
|
رى فيه أن
يبدو نهوده
|
|
ناطوا بمقعد
خصره
|
|
سيفا ومنطقه
تؤوده
|
|
جعلوه قائد
عسكر
|
|
ضاع الرعيل ومن يقوده
|
__________________
وحزن (معزّ
الدولة) على غلامه هذا بعد أسره ، وامتنع عن الطعام والشراب ، وقد احتجب عن الناس
، وكتب إلى (عضد الدولة) ، يطلب منه أن يرد غلامه ، وكتب أيضا إلى خواصّه المقربين
منه أن يساعدوه برد الغلام ، حتّى صار أضحوكة بين الناس ، فعاتبه بعض جلسائه
وخواصّه ، ونصحوه بالكفّ عن ذلك فما نفع شيئا .
ثمّ طلب (معزّ
الدولة) من الشريف أبو أحمد الحسين بن موسى ، أن يتوسط لدى عضد الدولة على
إطلاق سراح الغلام لقاء فدية جاريتين جميلتين ، لا مثيل لهما في الجمال وإذا لم يوافق عضد الدولة ،
فله أن يزيد ما يشاء من الفداء .
وكان عضد
الدولة بن بويه ، قد عيّن أبا القاسم بن عبد العزيز بن يوسف الشيرازي الجكار وزيرا
له ، ومنحه صلاحيات واسعة في إدارة الدولة ، وكانت حاشية عضد الدولة ، تغطي على
أعمال أبي القاسم المشينة ، ولكن لم تدم الحال لأبي القاسم على الدوام ، إذ ذهب
عضد الدولة إلى (همذان) وقد تبعه أبو محمّد الخرنباوي يطلب منه عملا ، فعلم أبو القاسم بخروج الخرنباوي مع عضد الدولة فخاف
أن يفتضح أمره ، فطلب من عضد الدولة أن يردّ الخرنباوي ، ويبعده عن صحبته ، ويعطيه
عملا في البصرة ، وأن يقيم فيها.
__________________
عند ذلك طلب
عضد الدولة من أبي بكر بن شاهويه ، أن يذهب إلى الخرنباوي ويأمره بالذهاب إلى البصرة ،
ويقول له : إنّ عضد الدولة يقول لك : إذهب إلى البصرة ، وسنعطيك عملا فيها ترتزق
منه ، فقد طال متابعتك لنا ، وقد ضجرنا منك ، وليس عندنا ما تحبّه ، والسلامة لك
في بعدك عنّا ، فصاحبنا أبو القاسم ، قد استصحب جماعة ، ونحن في غنى عن أمثالك ،
فانصرف عنّا ، واكتف بما أرتّبه لك إن شاء الله .
وكان عضد
الدولة قد أرسل شخصا آخر مع ابن شاهويه ، ليكون شاهدا على ما يدور بينه وبين
الخرنباوي ، ولمّا وصل ابن شاهويه إلى الخرنباوي ، قال له جميع ما أمره به عضد
الدولة ، فقال الخرنباوي : (السمع والطاعة لأمر الملك ، فإن الناس بجدودهم ينالون
، وبحظوظهم يستديمون ، وتقدم عنده من أنا أرجّح منه ، ولكنّ المقادير غالبة ، وليس
للإنسان متقدم عنها ، ولا متأخّر ، وقد قيل (ومن غلب الأقدار غلب). ولكن أيّها
الشيخ لي حاجة أرجو أن توصلها إلى الملك نيابة عنّي ، وهي كلمة فيها نصيحة ، وشفاء
لمّا في الصدور. وهي أن تقول للملك : (إنّي صائر إلى ما أمرت ، ومتوجّه إلى البصرة
، لامتثال ما رسمت ، ولكن بعد أن تقضي وطرا في نفسي ، وفيه شهرة لعظمتك ، وتنبيه
على أنّك لا تنخدع في ملكك ، ولا يلبس لديك محقّ بمبطل ، وعاقل بجاهل ، ومسيء
بمحسن ، ويقظان بغافل ، وجواد بباخل ، وأن لا يقام عبد العزيز المكنى بأبي القاسم
بين اثنين على رؤوس الأشهاد ، وينتقم منه انتقاما بالغا ، ويقال له : إذا لم تبذل
جاهك لمتلهفّ ، ولم يكن عندك بسر لضعيف ، ولا فرج لمكروب ، ولا عطاء لسائل ، ولا
جائزة لشاعر ... الخ
__________________
ثمّ رجع ابن شاهويه إلى عضد الدولة (وكان أبو القاسم جالسا عنده آنذاك)
فقال له عضد الدولة : وما ذا قال لك الخرنباوي؟
فقال له أبو
بكر بن شاهويه ، كلّ ما قاله الخرنباوي ، وكان وجه أبي القاسم يتغير ألوانا عند
كلّ كلمة يقولها ابن شاهويه.
ثمّ قال عضد
الدولة لأبي القاسم : (لا جزاك الله خيرا ، الآن علمت أنّك لا تعتمد على حالة ترضي
الله تعالى ، ولا تتبنى مكرمة ، ولا تحفظ مروءة ، ولا تحرس أمانة ، ولا يخرج فكرك
عنك ، وتجعلني بابا من أبواب معاشك ، وجهة من جهات أرباحك ، تبعد من ينفعني ،
وتقرب من ينفعك ، فخدمتك معروفة ، وشرهك في جميع أموالك ، وأذاك لمن يقصد أبوابنا
، ولكلّ أجل كتاب ، ثمّ أمر بسجنه .
١٠١ ـ الأمير جكفل :
وهو أحد القادة
الأتراك الذين أقطعت لهم ولاية الكوفة سنة (٣٦٧) للهجرة وكان أميرا للحجاج أيضا.
لم أعثر على
ترجمة وافية للأمير جكفل في المصادر المتاحة ، عسى أن نوفق إلى ذلك مستقبلا إن شاء
الله.
__________________
١٠٢ ـ الأمير
خمارتكين الحسداني :
وهو أحد القادة
الأتراك في الجيش العباسي ، وقد أقطعت له ولاية الكوفة بعد الأمير جكفل .
وقد حجّ بالناس
سنة (٤٨١) للهجرة وكذلك من سنة (٤٨٢ ـ ٤٨٣) .
١٠٣ ـ الأمير أبو
طريف :
هو أبو طريف
عليان بن ثمال الخفاجي ، عميد بني خفاجه ، ذو شخصية بارزة ، ومكانة عالية بين
أمراء العرب .
قلّده الخليفة (الطائع
لله) حماية الكوفة ، سنة (٣٧٤) للهجرة ، وهي أوّل إمارة بني ثمال (الخفاجيين) على
الكوفة ، وقد جاء بالتقليد ما يلي : (قد رأينا تقليدك ـ أطال الله بقائك ـ الحماية
بالكوفة وأعمالها ، وما يجري معها ، ثقة بشهامتك وغنائك ، وسكونا إلى استقلالك
واعتقادا لاصطناعك واصطفائك ، وحسن ظن بك في شكر ما يسدى إليك ، ومقابلته بما يحقّ
عليك من الأثر الجميل فيما تولاه ، والمقام الحميد فيما تستكفاه ، فتوّل ـ أيّدك
الله ـ ذلك ، مقدما تقوى الله ومراقبته ومستمدا توفيقه ومعونته ،
__________________
واحرس الرعيّة في مساكنها ، والسابلة في مسالكها وادفع عن عملك ونواحيه أهل العبث جميعا ، وأطرقهم في مكامنهم ... وراع
الأكرة والمزارعين حتّى ينبسطوا في معايشهم ، ويتصرّفوا في مصالحهم ، وتتيسّر
عواملهم في عماراتها ، ومواشيهم في مسارحها ، ومتى طردت لأحد منهم طريدة ، أو
امتدت إليهم يد عاتيه ، ارتجعت ما أخذ له ، ورددته بعينه ، أو قيمته ... واعلم
بأنك فيما وليته من هذا الأمر متضمّن للمال والدم ، ومأخوذ بكل ما يهمك من ذمّة
ومحرّم ، فليكن اجتهادك من الضبط والحماية ، واحتراسك في الإهمال والإضاعة بحسب
ذلك ، واكتب بأخبارك على سياقتها ، وآثارك لأوقاتها ...) الخ .
١٠٤ ـ إسحاق وجعفر
الهجريان :
إسحاق وجعفر
هما من القرامطة الذين يدعون (بالسادة) وهما من أهل هجر من البحرين ، وذكر ابن الأثير بأنّهما : من (الستة) القرامطة الذين
يلقّبون (بالسادة) وكان نائبهم في بغداد يعرف بأبي بكر بن شاهويه ، يتحكم فيها
تحكّم الوزراء ، فقبض عليه (صمصام الدولة) وحبسه .
دخل إسحاق
وجعفر إلى الكوفة في شهر ربيع الأول سنة (٣٧٥) للهجرة وقيل سنة (٣٧٤) ، واستوليا عليها ، وأقاما
الخطبة في مسجد الكوفة لشرف الدولة. فغضب الناس لذلك لكراهيتهم للخوارج ، وكان بعض
الملوك
__________________
والسلاطين يخافون من الخوارج ، فيعطونهم الإقطاعات درءا لشرّهم ، حتّى أن (عضد
الدولة) كان قد أقطعهم في (واسط) كما وأقطعهم قبله (عزّ الدولة) قطاعات بسقي
الفرات.
ثمّ انتشر
أصحاب إسحاق وجعفر في نواحي الكوفة ، فأخذوا الغلّات والأموال ، فكتب اليهما (صمصام
الدولة) يسألهما عن سبب حركتهما ، فقالا له : إنّ سبب مجيئهما هو قبضه على نائبهم (ابي
بكر بن شاهويه). ثمّ ذهب (أبو قيس) الحسن بن المنذر إلى (الجامعين) فأرسل إليه صمصام
الدولة جيش من بغداد ومعهم العرب ، فعبروا نهر الفرات فانهزم عسكر القرامطة ،
وأسّر (أبو قيس) وآخرون من قادته ، ثمّ قتلوا.
فعاد القرامطة
إلى الكوفة ، فجهزوا جيشا آخر كثير العدد والعدة ، فالتقوا (بالجامعين) أيضا ،
فكانت معركة بين الجانبين أسفرت عن هزيمة القرامطة ، ورجوعهم إلى الكوفة بعد أن
قتل الكثير منهم ، وأسّر آخرون ، ونهب سوادهم ، ثمّ خرج القرامطة من الكوفة إلى
القادسيّة ، فتبعتهم جيوش صمصام الدولة ، إلّا أنّهم لم يلحقوا بهم ، وكان لهذه
الهزيمة الأثر الطيب في نفوس الناس ، كما إنّ أهالي بغداد لمّا سمعوا بهزيمة
القرامطة ظهرت عليهم معالم الفرح والابتهاج ، كان هذا في خلافة (الطائع لله).
١٠٥ ـ المقلد بن
المسيّب العقيلي :
هو : المقلد بن
المسيب بن رافع بن المقلد بن جعفر بن عمرو بن المهنّا ، العقيلي ، وكنيته : أبو
حسان ، ولقبه : (حسام الدولة) صاحب الموصل.
__________________
تولى (المقلد)
إمارة الموصل سنة (٣٨٧) للهجرة ، وقيل سنة (٣٨٦) . ثمّ أطاعته قبائل خفاجة.
وكان المقلد ،
قد استولى على سقي الفرات ، وتوسّعت مملكته ، ولقّب (القادر بالله) وكان المقلد ،
سياسيا بارعا ، وعقلا مدبرا ، وكان أديبا وشاعرا يكرم أهل الأدب .
وفي سنة (٣٨٦)
للهجرة ، حدثت معركة بين المقلد وبين نائب بهاء الدولة المدعو (أبو عليّ بن
إسماعيل) فانتصر المقلد على جيوش نائب الدولة المذكور ، ثمّ زحف نحو بغداد ، فلما
سمع بهاء الدولة بمجيء جيوش (المقلد) إلى بغداد ، قبض على أبي عليّ بن إسماعيل
وأمره بالصلح معه. فتمّ الصلح بينهما على أن يدفع (المقلد) إلى بهاء الدولة عشرة
آلاف دينار ، وأن يخلع بهاء الدولة على المقلد الخلع السلطانية ويلقب (بحسام
الدولة) فتمّ له ذلك بأمر من الخليفة (القادر بالله) . وعلى أن يقطع له أيضا الموصل والكوفة والقصر
والجامعين.
ثمّ تخاصم
المقلد مع أخيه (عليّ) وتمكّن من القبض على أخيه بحيلة دبرها ، ثمّ طلب من زوجة أخيه أن تأخذ ولديها (قرواش وبدران) وتذهب بهما إلى
تكريت.
ولمّا سمع أخوه
(حسن) أخذ يحرّض النساء على أخيه (المقلد) فاجتمع عنده عشرة آلاف رجل ، وقبل البدء
بالقتال بين الأخوين ، جاءت
__________________
أخت المقلد وطلبت منه أن يطلق سراح أخيهما (عليّ) فأطلق سراحه ، وردّ عليه
أمواله ، وأعطاه مثلها ، ففرح الناس بذلك ، ثمّ تصالحا ، وعاد (عليّ) إلى الحلة ،
وذهب المقلد إلى الموصل .
ولمّا خرج عليّ
من الحبس واصطلح مع أخيه المقلد اجتمع المنافقون والمحرضون عند عليّ وأشاروا عليه
بمحاربة أخيه المقلد ، فذهب عليّ إلى الموصل ، واستولى عليها ، ولمّا سمع المقلد ،
جاء بجيشه إلى الموصل ، فتم الصلح بين الأخوين مجددا ، كان ذلك في سنة (٣٨٩)
للهجرة .
قتل (حسام
الدولة) المقلد بن المسيّب العقيلي سنة (٣٩١) للهجرة ، بواسطه مماليك له من الترك
، فتولّى بعده (الإمارة) ابنه الأكبر (قرواش) .
١٠٦ ـ قرواش بن
المقلد :
هو : قرواش بن
المقلد بن المسيب بن رافع ، وكنيته : أبو المنيع ، ولقبه : (معتمد الدولة) بن
الأمير (حسام الدولة) العقيلي وهو من هوزان ، وصاحب الموصل والكوفة والمدائن وسقي
الفرات ، وليها بعد مقتل أبيه سنة (٣٩١) للهجرة.
وكان قرواش من
رجالات العرب البارزين ، وكان ظريفا وأديبا وشاعرا. وعند ما تقلد (قرواش) الأمر بعد
وفاة أبيه نازعه في الملك عمّاه : (أبو الحسن وأبو مرح مصعب ولدا المسيب) ، فمات الأول سنة (٣٩٢)
__________________
للهجرة ، وتوفي الثاني سنة (٣٩٧) للهجرة ، فاستراح منهما قراوش ، وعند ذلك
تفرّد بالحكم وحده .
وقيل إنّ
الخليفة (القادر بالله) قد لقّبه (معتمد الدولة) سنة (٣٩٦) للهجرة ، فتفّرد قرواش
بالإمارة .
وفي سنة (٣٩٧)
للهجرة ، ذهب قرواش ومعه جماعة كبيرة إلى الكوفة ، فدخلها ونزلها ، وكان أبو عليّ
بن ثمال الخفاجي حينذاك غائبا عن الكوفة.
ولمّا عرف أبو
عليّ بالخبر ، جاء إلى الكوفة ، فحدثت معركة بينه وبين قرواش أسفرت عن هزيمة قرواش
إلى الأنبار ، ثمّ استولى أبو عليّ على الكوفة ، وأسر الكثير من أصحاب قرواش ،
فسخّرهم عنده .
وكان الحاكم (العبيدي)
في مصر ، قد كاتب قرواش وبعث إليه
__________________
بالرسل والهدايا حتّى استماله إليه ، ثمّ جمع قرواش أهل الموصل ، وأخبرهم
بطاعته (لحاكم مصر) وإنّه قرر إقامة الدعوة له ، وطلب منهم موافقتهم على ذلك ،
فاستجابوا له ظاهرا ، ولكنّهم في قرارة أنفسهم يضمرون الرفض والحقد عليه ، فأرسل
قرواش إلى خطيب يوم الجمعة فخلع عليه ، وطلب منه أن يخطب في الناس الخطبة الآتية : (الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله وله الحمد
، الّذي انجلت بنوره غمرات الغضب ، واتقدت بقدرته أركان النصب .. وأشهد أن محمّدا
عبده ورسوله صلّى الله عليه ، اصطفاه واختاره لهداية الخلق ، وإقامة الحقّ ، فبلغ
الرسالة ، وهدى الضلالة ، والناس حينئذ من الهوى غافلون ، وعن سبيل الحقّ ضالون ،
فأنقذهم من عبادة الأوثان ، وأمرهم بطاعة الرحمن ، حتّى قامت حجج الله وآياته ،
وتمت بالتبليغ كلماته (صلى الله عليه وعلى أوّل مستجيب له عليّ أمير المؤمنين ،
وسيد الوصيين ، أساس الفضل والرحمة ، وعماد العلم والحكمة ، وأصل الشجرة الكرام
البررة النابتة في الأروم المقدسة المطهرة ، وعلى خلفائه البواسق من تلك الشجرة
وعلى ما خلص منها ، وزكا من الثمرة) . وكانت الخطبة سنة (٤٠١) للهجرة.
ولمّا سمع
الخليفة (القادر بالله) بذلك ، غضب غضبا شديدا على
__________________
قرواش ، فبعث (بهاء الدولة) (بعميد الجيوش) وأعطاه مائة ألف دينار ليستعين بها على حرب قرواش.
وحينما سمع
قرواش بذلك ، قطع الخطبة للحاكم في مصر (العبيدي) واستمر في خطبته (للقادر بالله)
على ما كانت عليه سابقا ، ثمّ اعتذر إلى الخليفة .
وعن أبي
الهيجاء بن عمران بن شاهين أنه قال : كنت أساير معتمد الدولة (قرواش) ما بين سنجار
ونصيبين ، فنزل في قصر (العبّاس بن عمرو الغنوي) (وكان القصر مطلا على بساتين
ومياه كثيرة) فأخذ قرواش ينظر إلى كتابة على الحائط ، فقرأها ، فإذا هي :
|
يا قصر عبّاس
بن عم
|
|
رو فارقك ابن
عمرك
|
|
قد كنت تغتال
الدهو
|
|
ر فكيف غالك
ريب دهرك؟
|
|
واها لغيرك
بل لجو
|
|
دك بل لمجدك
بل لفخرك
|
وكان مكتوب تحت
هذه الأبيات : كتبها بخطه عليّ بن عبد الله بن حمدان سنة (٣٣١) للهجرة وتحت تلك
الأبيات مكتوب أيضا :
|
يا قصر ضعّفك
الزما
|
|
ن وحطّ من
علياء قدرك
|
|
ومحا محاسن
أسطر
|
|
شرفت بهن
متون جدرك
|
|
واها لكاتبها
الكري
|
|
م وقدره
الموفي لقدرك
|
وكان قد كتب
هذه الأبيات ، وبخطه (أيضا) الغضنفر بن عبد الله بن حمدان سنة (٣٦٢) للهجرة.
__________________
وتحت هذه
الأبيات مكتوب أيضا :
|
ضربت خيامهم
بعقرك؟!
|
|
يا قصر ما
فعل الأولى
|
|
وطواهم تطويل
نشرك
|
|
أخنى الزمان
عليهم
|
|
يختال فيك
وطول عمرك
|
|
آها لقاصر
عمر من
|
وكان قد كتب
هذه الأبيات وبخطه المقلد بن المسيب بن رافع سنة (٣٨٨) للهجرة. وتحت هذه الأبيات
مكتوب أيضا :
|
يا قصر ما
فعل الكرا
|
|
م الساكنون
قديم عصرك
|
|
عاصرتهم
فنبذتهم
|
|
وشأوتهم طرا
بصبرك
|
|
ولقد أثار
تفجّعي
|
|
يا ابن
المسيب رقم سطرك
|
|
وعلمت أنّي
لاحق
|
|
بك دائبا في
قفو إثرك
|
ومكتوب تحت هذه
الأبيات : أن الّذي كتبها هو قرواش بن المقلد بن المسيب سنة (٤٠١) للهجرة ، فتعجب
أبو الهيجاء ، وقال لقرواش : هل إنّك كتبت هذا الآن؟! فقال قرواش : نعم ، ولقد
هممت بهدم هذا القصر ، فإنّه شؤم.
ومن شعر قرواش
أنّه قال :
|
لله درّ
النائبات فإنّها
|
|
صدأ اللئام
وصيقل الأحرار
|
|
ما كنت إلّا
زبرة فطبعتني
|
|
سيفا وأطلق
صرخهن غراري
|
وقال أيضا :
|
وآلفة للطيب
ليست تغبّه
|
|
منعة الأطراف
لبنية اللمس
|
|
إذا ما دخان
الغد من جبينها علا
|
|
على وجهها
أبصرت غيما على شمس
|
__________________
وجاء (الغز) إلى الموصل فحاربهم قرواش ، ثمّ انهزم ، فدخل (الغزّ)
إلى الموصل فنهبوها ، وعملوا الشنيه من الفتك ، وهتك الحريم ، ونهب الأموال.
ثمّ استنجد
قرواش بسلطان بغداد (جلال الدولة) واستنجد أيضا بدبيس بن مزيد بن الأغر (ملك
الحلّة) وبغيره من أمراء العرب ، فذهبوا جميعا إلى محاربة (الغزّ) فانتصروا عليهم
بعد معارك دامية ، وبعد أن قتلوا منهم مقتلة عظيمة .
وقال الشاعر
أبو عليّ بن الشبل البغدادي يمدح قرواش في هذه المعركة :
|
نزهت أرضك عن
قبور جسومهم
|
|
فغدت قبورهم
بطون الأنسر
|
|
من بعد ما
وطئوا البلاد وظفروا
|
|
من هذه
الدنيا بكلّ مطفر
|
|
رتاج السدّ
عن يأجوجه
|
|
ولقوا ببأسك
سطوة الأسكندر
|
وقيل إنّ قرواش
جمع بين أختين ، فلامه الناس على ذلك ، فقال : (خبروني ما الّذي نستعمل من الشرع ،
حتّى تتكلموا في هذا الأمر) .
وقيل إنّه قال
: (وأيّ شيء عندنا تجيزه الشريعة)؟
وفي سنة (٤٠٨)
للهجرة ، عقد سلطان الدولة على (جباره) بنت قرواش ، بصداق مقداره (٥٠) ألف دينار .
وعن الفضل بن
عبد الله الهاشمي أنّه قال : أنشدني قرواش من شعره
__________________
هذه الأبيات :
|
من كان يحمد
أو يذمّ مورثا
|
|
للمال من
آبائه وجدوده
|
|
إنّي امروء
لله أشكر وحده
|
|
شكرا كبيرا
جالبا لمزيده
|
|
لي أشقر سمح
العنان مغاور
|
|
يعطيك ما
يرضيك من مجهوده
|
|
ومهند عضب
إذا جردته
|
|
خلت البروق
تموج في تجريده
|
|
ومثقّف لدن
السنام كأنّما
|
|
أمّ المنايا
ركبت في عوده
|
|
وبذا حويت
المال إلّا أنّني
|
|
سلطت جود يدي
على تبديده
|
وكان قرواش
يلقب أيضا ب (مجد الدين) وهو ابن أخت الأمير أبي الهيجاء الهذباني (صاحب إربل).
وقد دامت إمارة
قرواش خمسين سنة ، ثمّ حصل خلاف بينه وبين أخيه (بركة بن المقلد) وكان خارج البلد
، فقبض عليه أخوه (بركة) في سنة (٤٤١) للهجرة ، فقيّده بسلاسل الحديد ، ثمّ حبسه
في (الجراحية) وتولّى الأمر مكانه ، ولقب نفسه (زعيم الدولة) . فلم تدم زعامة هذا الزعيم طويلا ، حيث قام بعده ابن
أخيه (أبو المعالي) قريش بن بدران بن المقلد ، فأخرج عمّه (قرواش) من السجن فقتله
سنة (٤٤٤) للهجرة ، وقيل مات قرواش في سجنه ، ودفن في (تل نوبة) شرقي الموصل .
وقال الظاهر
الجزري وقيل ابن الزمكدم يمدح قرواش :
|
وليل كوجه
البر قعيدي ظلمة
|
|
وبرد أغانيه
وطول قرونه
|
__________________
|
سربت ونومي
فيه نوم مشرد
|
|
كعقل سليمان
بن فهد ودينه
|
|
على أولق فيه
فضاء كأنّه
|
|
أبو جابر في
طيشه وجنونه
|
|
إلى أن بدا
وجه الصباح كأنّه
|
|
سنا وجه
قرواش وضوء جبينه
|
مات قرواش في
أوّل شهر رجب من سنة (٤٤٤) للهجرة.
والحقيقة قتله
ابن عمّه (قريش) سنة (٤٤٢) للهجرة ، وأصبح رئيسا لقبيلة بني عقيل.
١٠٧ ـ أبو عليّ بن
ثمال الخفاجي :
وهو أحد أمراء
بني خفاجه على الكوفة ، تولّى زعامة قبيلته بعد أخيه أبو طريف.
وكان (معتمد
الدولة) أبو منيع قرواش بن المقلد العقيلي قد ذهب إلى الكوفة في شهر محرم سنة (٣٩٧)
للهجرة ، مستغلا غياب أبي عليّ بن ثمال عنها ، فدخلها ، واحتلها ، ونزل فيها .
ولمّا سمع أبو
عليّ بذلك ، جهّز جيشا ، وجاء إلى الكوفة ، فدارت بينه وبين قرواش معركة ، انتهت
بهزيمة قرواش ، وخروجه من الكوفة ، عائدا إلى الأنبار ، فدخلها أبو عليّ بعد أن
قتل وأسّر الكثير من أصحاب قرواش ، ثمّ سخّر الأسرى عنده .
ثمّ إنّ الحاكم
بأمر الله في مصر ولّى أبا عليّ الخفاجي إمارة (الرحبة)
__________________
فذهب إليها سنة (٣٩٩) للهجرة ، وفي طريقه اعترضه عيسى بن خلاط العقيلي ،
فكانت بينهما معركة قتل فيها أبو عليّ ، واستولى عيسى على الرحبة.
وبعد أن عزل
أبو عليّ بن ثمال الخفاجي عن حماية الكوفة وأعمالها من قبل الخليفة (الطائع لله)
تفرّغ لإمارة قومه ، فأصبح رئيسا لعشيرته.
قتل أبو عليّ
بن ثمال الخفاجي سنة (٣٩٩) للهجرة ، من قبل ابن أخيه (الحسن بن أبي البركات) ،
وقيل إنّ الّذي قتله هو (عيسى بن خلاط العقيلي) وذلك عند ما كان أبو عليّ أميرا
على (الرحبة) من قبل الحاكم بأمر الله (صاحب حلب) .
١٠٨ ـ أبو جعفر
الحجاج :
وهو نائب بهاء
الدولة البويهي في العراق. ففي سنة (٣٩٢) للهجرة ، كانت له معركة مع قرواش بن
المقلد في المدائن انهزم فيها جيش قرواش ، ثمّ حدثت معركة أخرى بينه وبين أبي عليّ
(عميد الجيوش) فأقام أبو جعفر في نواحي الكوفة ، ولم يتمّ أيّ صلح بينه وبين عميد
الجيوش .
فجهز أبو جعفر
جيشا من الديلم والأتراك وبني خفاجه ، وجمع عميد
__________________
الجيوش من جانبه جيشا كبيرا والتقى الطرفان في نواحي النعمانية أسفرت عن
هزيمة أبي جعفر.
ثمّ ذهب عميد
الجيوش إلى خوزستان (بعد هزيمة أبي جعفر) فعاد أبو جعفر إلى الكوفة ، ولمّا سمع
عميد الجيوش بذلك رجع إلى العراق ، فكانت بينه وبين أبي جعفر منازعات ومراجعات إلى
أن اشتعلت الحرب بينهما (ثانية) فاستنجد كلّ واحد منهما ببني عقيل وبني خفاجه وبني
أسد ، وبينما هما في تلك الحال أرسل بهاء الدولة إلى عميد الجيوش يستدعيه .
وفي سنة (٣٩٥)
للهجرة ، وصل قرواش بن المقلد وأبو جعفر الحجاج إلى الكوفة فقبضا على أبي عليّ (عمر
بن محمّد بن عمر العلوي) وأخذ منه قرواش مائة ألف دينار ، وأخذه معه إلى الأنبار .
مات أبو جعفر
الحجاج سنة (٤٠٠) للهجرة.
١٠٩ ـ عليّ بن مزيد
الأسدي :
وكنيته : أبو
الحسن.
وعليّ بن مزيد
هو أوّل الأمراء المزيديين (أصحاب الحلّة) له المكانة الجيدة في عالم الأدب ،
إضافة إلى نفوذه السياسي ، فقد كان كريما شجاعا ، يتحلّى بالصفات الحميدة ،
والمزايا الحسنة.
وكانت قبيلة
خفاجة قد غارت على الكوفة وسوادها فنهبتها فأوعز السلطان (فخر الملك) إلى عليّ بن
مزيد ، أن يردّ خفاجة عن الكوفة ، فتمكّن عليّ من إعادة الكوفة من أيدي الخفاجيين
، وهذا مما دفع فخر
__________________
الملك أن يجعله نائبا عنه على الكوفة .
وفي سنة (٣٩٢)
للهجرة ، اتّفق بنو خفاجة مع البويهيين ، فنهبوا حلله وأمواله ، إضافة إلى ما
قاموا به من نهب بعض النواحي التابعة له وخاصة الكوفة .
وفي سنة (٤٠٣)
للهجرة ، تعرض أبو فليته بن القوي الخفاجي لقوافل الحجّاج فاعتقلهم ومنعهم من
المرور ما لم يدفعوا له خمسين ألف دينار ، فرفضوا ذلك ، عندها استولى على جمالهم
وأموالهم ، وقيل مات من الحجّاج أكثر من خمسة عشر ألف شخص ، ولم ينجوا منهم إلّا
القليل ، فكتب فخر الملك إلى عليّ بن مزيد يأمره بملاحقة الأعراب ، ويوقع بهم قتلا
وأسرا ، وبما يشفي الصدور ، فذهب إليهم عليّ ولحقهم في الصحراء حتّى قاربوا البصرة
، فقتل منهم الكثير ، وأسر (أبا فليتة) وأربعة عشر رجلا من وجوه بني خفاجة ، ثمّ استرجع
ما أمكنه من الأموال الّتي نهبوها من الحجّاج ، ورجع إلى الكوفة ، وبعث بالأسرى
إلى بغداد .
وفي سنة (٤٠٨)
للهجرة ، ذهب عليّ بن مزيد إلى السلطان ، فمرض في الطريق فبعث ابنه (دبيس) نيابة
عنه ، وكتب إلى السلطان يطلب منه أن يقلد ولده (دبيس) ولاية العهد وأن يقرّه على
أعماله ، فأجيب إلى ذلك وخلع على دبيس ، وكتب له منشورا بالولاية .
وعند ما كان
عليّ في (النيّل) أرسل إليه الشاعر المعروف (مهيار
__________________
الديلمي) قصيدة يمدحه فيها جاء منها :
|
قل للأمير
ولو قلت السماء به
|
|
مفصوحة الجود
لم تظلم ولم تحب
|
|
أعطيت مالك ،
حتّى دبّ حادثه
|
|
أردت فيها
الّذي تعطى فلم تصب
|
وفي سنة (٤٠٣)
للهجرة ، قلّده فخر الدولة البويهي أمر الجزيرة الدبيسيّة ، ثمّ حدثت بعد ذلك بينه
وبين مضر بن دبيس حروب طويلة ، انتهت بخروج عليّ من الجزيرة الدبيسية ، وانحصرت
إمارته في نواحي الحلّة فقط .
مات عليّ بن
مزيد في الحلّة سنة (٤٠٨) للهجرة ، بعد أن كافح وناضل حوالي عشرين سنة في سبيل
تحقيق أمانيه ، وذلك بتثبيت أسس الإمارة المزيدية وتوسيع حدودها.
١١٠ ـ دبيس بن عليّ
بن مزيد الأسدي :
وكنيته : أبو
الأغرّ ، ولقبه : نور الدولة ، أمير بادية الحلّة (قبل بنائها).
أرسله أبوه إلى
السلطان (فخر الملك) سنة (٤٠٨) للهجرة ، نيابة عنه ، وطلب من السلطان أن يقلّده ولاية
العهد ، وأن يقرّه على أعماله ، فأجيب إلى ذلك ، وخلع على دبيس وكتب له منشورا
بالولاية .
ولمّا استلم
دبيس زعامة بني مزيد بعد وفاة أبيه ثارت عليه فتن كثيرة ، فقد هاجمت قبيلة خفاجة (الجامعين)
فاحتلتها ، فاستنجد دبيس
__________________
بالبساسيري ، فتمكّنا من دحر خفاجة ، وإبعادها عن الجامعين ، ثمّ
أخذ البساسيري بملاحقة خفاجة حتّى أوصلهم إلى الصحراء ، وبذلك فقد تمكن دبيس من
إبعاد خفاجة عن المنطقة ، كي يصبح زعيما دون منافس ، وأصبحت إمارته تضم (الكوفة)
وأطرافها و (الجامعين) و (سورا) و (النيّل) وأطرافها .
ولمّا استتبت
له الأمور حرضّه البساسيري على عداء بني العبّاس ، وموالاة الفاطميين (خلفاء مصر)
، ثمّ هاجما بغداد سنة (٤٥٠) للهجرة ، واستوليا عليها وأقاما الخطبة فيها
للفاطميين ، ولكن الأمر لم يدم لهما طويلا إذ سرعان ما حاربهما السلطان (طغرلبك)
السلجوقي ، فانهزم دبيس ، وقتل البساسيري سنة (٤٥١) للهجرة ، وبعد ذلك عفي عن دبيس
، وأقرّ في إمارته إلى أن مات .
مات دبيس بن
عليّ في ليلة الأحد في العاشر من شهر شوال من سنة (٤٧٣) للهجرة ، وقيل سنة (٤٧٤) وكانت إمارته (٥٧) سنة وقيل (٦٧) سنة وكان عمره (٨٠)
سنة ، وقد ولّي إمارة بني مزيد وعمره (١٤) سنة.
١١١ ـ منيع بن حسّان
:
هو : أبو
الفتيان منيع بن حسان الخفاجي ، تولّى زعامة بني خفاجة
__________________
بعد سلطان بن ثمال الخفاجي سنة (٤١٥) للهجرة.
وفي سنة (٤١٧)
للهجرة ، ذهب منيع بن حسان إلى (الجامعين) فنهبها (وكانت آنذاك تابعة لنور الدولة)
دبيس بن مزيد الأسدي ، فتبعه دبيس إلى الكوفة ، ولمّا سمع منيع بمجيء دبيس ذهب إلى
الأنبار (وكانت حينذاك تابعة لقرواش بن المقلد) فحصلت معركة بين منيع وأهل الأنبار
انتهت المعركة بدخول بني خفاجة إلى الأنبار فنهبوها وأحرقوا أسواقها ، وأراد قرواش
أن يذهب إلى الأنبار لتحريرها إلّا أنّ مرضه حال دون ذلك ، وهذا مما شجع بنو خفاجة
على العودة إلى الأنبار فأحرقوها ثانية .
وفي هذه السنة
أيضا ، أعني سنة (٤١٧) للهجرة ، ذهب قرواش إلى (الجامعين) واجتمع بنور الدولة دبيس
بن مزيد الأسدي ومعهما عشرة آلاف مقاتل ، وكان تعداد قبيلة خفاجة ألف فارس ومع ذلك
فلم يتقدم قرواش لمحاربتها ، فعاد إلى الأنبار .
ثمّ ذهب منيع
بن حسان (بعد ذلك) إلى الملك (أبي كاليجار) وأعلن له الطاعة ، فخلع عليه الملك أبو
كاليجار ، ثمّ دخل منيع إلى الكوفة ، وخطب فيها لأبي كاليجار ، وأزال حكم بني عقيل
عن سقي الفرات .
١١٢ ـ الحسن بن أبي
البركات :
هو الحسن وقيل (أبو
الحسن) بن أبي البركات بن ثمال الخفاجي.
__________________
ثار الحسن بن
أبي البركات على عمّه عليّ بن ثمال الخفاجي (أمير خفاجة) في شهر ذي الحجّة من سنة (٤٢٥)
وقيل سنة (٤٢٦) للهجرة ، فقتله ، واستحوذ على الإمارة .
وفي نفس هذه
السنة ذهب الحسن إلى الكوفة فنهبها ، وأراد تخريبها ، ثمّ قطع الماء عن النخيل
فمات أكثره عطشا .
١١٣ ـ محمود بن
الأخرم الخفاجي :
هو أحد أمراء
بني خفاجة ، تولّى الأمرة بعد الأمير رجب بن منيع ، وذكر محمّد عبد المنعم خفاجي
بأنّ محمودا تولّى إمارة بني خفاجة بعد الأمير منيع .
عيّنه
البساسيري أميرا على الكوفة سنة (٤٥٠) للهجرة.
وكان محمود
الخفاجي قد خطب في سنة (٤٤٧) للهجرة ، في (شثاثة) للخليفة (المستنصر بالله) الخليفة العلوي في مصر ، وصار
في طاعته ، وخرج عن الولاء لبني العبّاس ، ثمّ إنّ السلطان (طغرلبك) استرضى الأمير
محمودا في سنة (٤٤٩) للهجرة ، وأقنعه بالعودة إلى طاعته.
وفي سنة (٤٥٢)
للهجرة ، خلع السلطان (طغرلبك) على الأمير محمود الخفاجي ، وردّ إليه إمارة بني
خفاجة ، وولاية الكوفة ، وسقي الفرات ، وذلك
__________________
بعد عزل الأمير رجب بن منيع الخفاجي .
١١٤ ـ رجب بن منيع :
هو رجب بن منيع
بن حسّان الخفاجي ، أحد أمراء بني خفاجة على الكوفة.
تولّى رجب
الإمارة بعد أبيه (منيع) ، وبقي عليها إلى أن عزله السلطان (طغرلبك) سنة (٤٥٢)
للهجرة ، وعيّن مكانه محمود بن الأخرم الخفاجي.
وذكر ابن الجوزي بأن بدران بن سلطان بن ثمال الخفاجي قد مات سنة (٤٣٨)
للهجرة ، فانتخب بعده رجب بن منيع بن ثمال أميرا على بني خفاجه ، ثمّ أسر (سرخاب
بن محمّد أبو الفتح بن ورام) وابنه وأخوه وخالد ابن عمر وسعدي بن فارس ، ثمّ قتل
بعد ذلك (ورام) وابنيه ، وصلبهما .
١١٥ ـ بركة بن المقلد
:
هو بركة بن
المقلد بن المسيب العقيلي ، تولّى إمارة (الموصل والكوفة) بعد أخيه قرواش سنة (٤٤١)
للهجرة ، وكنيته : أبو كامل ، ولقبه : زعيم الدولة.
وبركة هو من
أمراء بني عقيل الشجعان ، وقد حارب (التركمان) لمّا استولوا على الموصل ، وقد أصيب
في حربه تلك بعدّة جراحات.
__________________
وكان بركة
وأخوه قرواش يقيمان في الموصل ويحكمان البلاد سويّة ، ثمّ تمكن بركة من التحكم
بالبلاد ، والاستبداد برأيه دون مشورة أخيه ، فاستاء منه قرواش فذهب إلى بغداد ،
ولمّا سمع بركة بذلك ، أرسل جماعة من أعيان أصحابه إلى قرواش ، يحذرونه من الفرقة
والاختلاف. وبعد مناقشات قبل قرواش العودة على شرط أن يسكن دار الإمارة بالموصل .
ولمّا جاء
قرواش إلى الموصل قبض عليه أخوه بركة وقيّده بسلاسل من حديد ، ثمّ حبسه في (الجراحية)
، وتولّى الأمر لوحده ، ولقب نفسه (زعيم الدولة). ولم تدم زعامة هذا الزعيم طويلا
، إذ لم يبق في إمارته سوى سنتين ، حيث مات في شهر ذي الحجّة من سنة (٤٤٣) للهجرة في تكريت ، وقيل مات في شهر رمضان من هذه السنة ، متأثرا من إصاباته في معاركه مع التركمان ، ودفن في
مشهد الخضر بتكريت ، ثمّ اجتمع العرب من أصحاب بركة ، وقرروا تأمير علم الدين أبي
المعالي قريش بن بدران ابن المقلد .
١١٦ ـ قريش بن بدران
العقيلي :
هو : قريش بن (أبي
الفضل) بدران بن المقلد ، وكنيته : أبو المعالي ، وقيل (علم الدين أبو المعالي) .
وقريش بن بدران
، من الأمراء الدهاة الشجعان ، وهو (صاحب
__________________
حلب) وقد دامت دولته عشر سنوات. وتولّى قريش إمارة الموصل والكوفة بعد وفاة
عمّه (بركة بن المقلد) سنة (٤٤٣) للهجرة.
وأوّل عمل قام
به قريش هو قتل عمّه (قرواش بن المقلد) وذلك بعد أن خرج من السجن في أوّل شهر رجب
من سنة (٤٤٤) للهجرة.
وفي شهر شعبان
من سنة (٤٤٦) للهجرة ، استولى قريش على مدينة الأنبار ، وخطب فيها (لطغرلبك) وفي
كافة أعماله ، ونهب جميع ما كان في الأنبار (للبساسيري) من الأموال.
ونهب كذلك حلل
أصحابه (بالخالص) ، ولمّا سمع البساسيري بذلك جمع جيشا وجاء إلى الأنبار
، فاستعادها من قريش .
وفي نهاية شهر
شوال من سنة (٤٤٨) للهجرة ، كانت معركة بين قريش بن بدران ومعه (قتلمس) وبين البساسيري
ومعه (نور الدولة) دبيس بن مزيد (أمير الحلّة) وكانت المعركة في سنجار ، فانهزم
قريش وقتلمس ، وقتل وجرح الكثير من أصحاب قريش ، كما وجرح قريش في هذه المعركة .
ثمّ تصالح قريش
بعد ذلك مع دبيس بن مزيد ، وتمّ الصلح بينهما وبين السلطان (طغرلبك) ، فأعطى لقريش
(نهر الملك) وبادوريا ، وهيت ، وتكريت ، والموصل ، ونصيبين .
__________________
واتفق قريش مع
أرسلان البساسيري على نهب دار الخلافة ، ولمّا سمع الخليفة (القائم بأمر الله)
بذلك بعث إلى السلطان (طغرلبك) ليرضى عنه ، وفي تلك الفترة مات قريش بن بدران في
نصيبين على أثر نزيف خرج من فمه وأنفه وعينيه وأذنيه ، وقيل أصيب بمرض الطاعون
وكان عمره (٥١) سنة ، وقيل مات خارج نصيبين ، فحمله ابنه (شرف الدولة) إلى نصيبين
، كان ذلك سنة (٤٥٣) للهجرة.
ولمّا سمع فخر
الدولة أبو نصر بن جهير بوفاة قريش ذهب إلى نصيبين ، وجمع عشائر بني عقيل ، فتمّ
الاتّفاق على تأمير (أبي المكارم) مسلم بن قريش .
١١٧ ـ منصور بن دبيس
:
هو منصور بن
دبيس بن عليّ بن مزيد الأسدي ، وكنيته : أبو كامل ، ولقّبه بهاء الدولة ، أمير
الحلة وبادية العراق والنيّل وما يجاورهما ، وليها بعد أبيه سنة (٤٧٤) للهجرة .
وكان منصور
رجلا فاضلا ، ذكيا ، حسن السيرة ، عارفا بالأدب ، شاعرا ومن شعره أنّه قال :
|
فإن أنا لم
أحمل عظيما ولم أقد
|
|
لهاما ، ولم
أصبر على فعل معظم
|
|
ولم أحجز
الجاني وأمنع جوره
|
|
غداة أنادي
للفخار وأنتمي
|
|
فلا نهضت لي
همّة عربية
|
|
إلى المجد
ترقى بي ذرى كلّ محرم
|
__________________
وكان له صديق
اسمه مالك ، فلما مات رثاه قائلا :
|
فإن كان أودى
خدننا ، ونديمنا
|
|
أبو مالك ،
فالنائبات تنوب
|
ولمّا مات
السلطان ألب أرسلان ، اختلف السلطان ملكشاه مع السلطان قاورت ، فوقف منصور بن دبيس
والأكراد إلى جانب السلطان ملكشاه .
مات منصور في
شهر رجب من سنة (٤٧٨) للهجرة ، وقيل مات في أواخر شهر ربيع الأول من سنة (٤٧٩)
للهجرة. ولمّا مات منصور بن دبيس أرسل الخليفة (المقتفي بالله) إلى ابنه
صدقة يعزيه بوفاة أبيه ، ثمّ ذهب صدقة إلى السلطان ملكشاه ، فخلع عليه ، وولّاه ما
كان لأبيه . ولمّا سمع الوزير نظام الملك بوفاته قال : (مات أجلّ
صاحب عمامة) .
١١٨ ـ صدقه بن منصور
:
هو : صدقة بن
منصور بن دبيس المزيدي ، الناشري ، الأسدي ، وكنيته : أبو الحسن ، ولقبه (سيف
الدولة. ولّي صدقة إمرة بني مزيد بعد وفاة أبيه سنة (٤٧٩) للهجرة ، فبنى مدينة
الحلّة الفيحاء بالجامعين ما بين الكوفة وبغداد ، وأسكنها أهله وجنوده
سنة (٤٩٥) للهجرة ، بعد أن كانوا
__________________
يسكنون البيوت العربية .
وكان صدقة بن
منصور شجاعا ، حازما ، طموحا إلى التغلّب والسيادة ، موصوفا بمكارم الأخلاق .
وفي أيّامه
كانت الفتن بين أبناء (ملكشاه) السلجوقي ، فذهب صدقه إلى الكوفة فاحتلّها ، ثمّ
استولى على هيت ، وواسط ثمّ البصرة وخضع له ملك بادية العراق .
وكان صدقه من
أنصار السلطان محمّد بن ملكشاه ضدّ أخيه بركبارق أو (بركيارق) بن ملكشاه ، ولمّا
مات بركيارق استبد أخوه السلطان محمّد بسياسته ، فأقطع مدينة واسط إلى صدقة بن منصور
، وسمح له بأخذ البصرة فاحتلّها سنة (٤٩٩) للهجرة ، وبقي فيها ستة عشر يوما وبعد أن أمن أهلها ،
وهدأت الأحوال ، عاد صدقة إلى الحلّة في منتصف هذه السنة ، واستخلف عليها (اليونشاش)
وترك معه مائة وعشرين فارسا.
ثمّ اجتمعت
قبيلة ربيعة والمتقن ، فهجموا على البصرة ، فاحتلوها ، وأسّروا (اليونشاش) وظلّوا
فيها شهرا ، ينهبون ويخرّبون ، ولمّا سمع صدقه بذلك ، أرسل جيشا إلى البصرة ،
فوصلها بعد أن خرج الغزاة منها .
وكانت في سنة (٤٧٧)
للهجرة قد وقعت حرب بين مسلم بن قريش العقيلي وبين فخر الدين بن جهير ، انهزم مسلم
ووصل إلى (آمد) عندها استولى فخر الدين على أموال مسلم وأموال العرب ، وأسر الكثير
من
__________________
رجال مسلم ونساءه ، فدفع صدقة بن منصور الأموال الطائلة لقاء إطلاق سراح
أسرى بني عقيل ونسائهم ، فأعيدوا جميعا إلى بلادهم.
فمدحه الشعراء
، ومنهم محمّد بن خليفة السنبسي بقصيدة نقتطف منها الأبيات التالية :
|
كما أحرزت
شكر بني عقيل
|
|
بآمد يوم
كضّهم الحذار
|
|
غداة رمتهم
الأتراك طرّا
|
|
بشهب في
حواملها ازورار
|
|
فما جبنوا ،
ولكن فاض بحر
|
|
عظيم لا
تقاومه البحار
|
|
فحين تنازلوا
تحت المنايا
|
|
وفيهنّ
الرزّية والدمار
|
|
مننت عليهم ،
وفككت عنهم
|
|
وفي أثناء
حبلهم انتشار
|
|
ولو لا أنت
لم ينفك منهم
|
|
أسير ، حين
أعلقه الإسار
|
ثمّ غضب
السلطان محمّد بن ملكشاه على صدقة ، ودارت بينهما معركة طاحنة ، وكان صدقة ينادي
أثناء المعركة : (أنا ملك العرب ، أنا صدقة) فأصابه سهم فسقط على الأرض ، ثمّ جاءه
غلام تركي فقتله ، فقطع رأسه وجاء به إلى السلطان ثمّ أرسلوه إلى بغداد ، وقتل
خلال تلك المعركة من أنصار صدقة ثلاثة آلاف رجل ، وأسّر ابنه (دبيس) ، أما ابنه
الآخر (بدران) فقد تمكّن من الفرار إلى الحلّة . هذا وكان تعداد جيش بن ملكشاه (٥٠) ألف مقاتل .
قتل صدقه بن
منصور في مدينة النعمانية سنة (٥٠٤) للهجرة ، وقيل
__________________
سنة (٥٠١) وكان عمره (٥٥) سنة وكانت مدّة إمارته (٢٢) سنة ودفن في
مشهد الإمام الحسين عليهالسلام .
١١٩ ـ الأمير جنغل
قتلغ :
وقيل إنّ اسمه
ختلغ بن كنتكين ، وكنيته : أبو منصور وهو أحد الأمراء الّذين أقطعت لهم ولاية
الكوفة ، وكان أميرا للحجّاج لمدة اثنتي عشرة سنة .
وقد اشتهر
الأمير جنغل بحسن السيرة ، ومحافظا على الصلاة ، وتلاوة القرآن ، وقيل كان يختم
القرآن في كلّ يوم ، وله علاقة جيدة بالعلماء والقرّاء ، وله أعمال حسنة بطريق
مكّة ، حيث أصلح الأماكن الّتي يحتاجها الحجّاج وغيرهم ، كما وبنى مدرسة (على مذهب
الحنفية) بمشهد النبيّ يونس عليهالسلام في الكوفة ، وبنى مسجدا على نهر دجلة في الجانب الغربي
من بغداد في مشرعة الكرخ. كما واشتهر جنغل بحروبه مع الأعراب ، حيث شهدت له تلك
الحروب ببطولاته وشجاعته ، وقد أرعب قلوبهم ، وشتّت جمعهم.
مات جنغل يوم
الخميس في السابع من شهر جمادي الأولى من سنة (٤٧٩) للهجرة ، ولمّا سمع الوزير
نظام الملك بموته قال : (مات ألف رجل) .
١٢٠ ـ الأمير قايماز
:
واسمه عبد الله
، ولقبه قطب الدين ، كان مملوكا للخليفة (المستنجد بالله) ، وكانت له منزلة عظيمة
، وجاها كبيرا في خلافته.
__________________
أقطعه السلطان (محمّد) السلجوقي ولاية الكوفة سنة (٤٩٨)
للهجرة ، وأوصى صدقه بن دبيس (أمير الحلة) أن يحميه وأصحابه من هجمات قبيلة خفاجه
، فوافق صدقه على ذلك .
ولمّا جاء (المستضيء
بأمر الله) إلى الخلافة بعد (المستنجد بالله) بايعه قايماز ، فازدادت مكانته في
الدولة ، فأصبح أميرا للجيش ، ثمّ صار وزيرا واستفحل أمره ، وسيطر على زمام الأمور
في الدولة ، حتّى أنّ (المستضيء بأمر الله) أراد أن يعيّن وزيرا فمنعه من ذلك . ثمّ حرّض الخليفة على عزل عضد الدين أبي الفرج من
الوزراة ، وتزوّج بأخت علاء الدين تيامش.
ثمّ اختلف
قايماز مع الخليفة (المستضيء بأمر الله) وأراد أن يقوم بعمل ما ضدّه ، إلّا أنّ
المستضيء قد أحسّ به ، فهرب قايماز إلى الموصل ، وقيل إنّ الخليفة قد أمره بالذهاب
إلى الموصل ، وفي الطريق أصابهم عطش شديد فمات قايماز ، ومات الكثير من أصحابه ،
وبقي صهره علاء الدين تيامش في الموصل ، فطلب من الخليفة السماح له بالعودة إلى
بغداد .
وذكر بأنّ
الفقهاء قد اجتمعوا للاستفتاء بحقّ (قايماز) وما تجب عليه من عقوبة لمخالفته
للخليفة ، فقرروا بالإجماع بأنه (مارق) ، وبعد أيّام تبيّن أنّ قايماز قد مات في
ناحية الموصل ودفن فيها ، وأنّ أكثر أصحابه مرضى .
وذكر ابن
الأثير بأنّ قايماز كان يلعب بالكرة في ميدان الخليفة فسقط
__________________
عن فرسه ، فمات من ساعته ، وذلك في شهر شعبان من سنة (٥٥٥) للهجرة ، فتأسف
الناس عليه ، وحضر جنازته الكثير .
وقيل مات
قايماز سنة (٥٥٧) للهجرة.
١٢١ ـ الأمير قاياز :
وهو أحد القادة
الأتراك ، استحصل على (أقطاع الكوفة) سنة (٥٥١) للهجرة من قبل السلطان محمّد
السلجوقي ، ثمّ عزل وأعقبه (برغش) الّذي كان (مقطعا) وأميرا للحجّاج .
١٢٢ ـ الأمير أرغش :
وقيل (برغش) وهو أحد مماليك الخليفة (المستنجد بالله) في بغداد ،
وكان من الذين أقطعت لهم ولاية الكوفة ، أقطعها له السلطان (محمّد السلجوقي) سنة (٥٥١)
للهجرة وذلك بعد الأمير (قاياز) ، كما كان الأمير برغش أميرا للحجّاج.
وكانت قبيلة
خفاجة قد اجتمعت سنة (٥٥٦) للهجرة ، وقررت الذهاب إلى الكوفة والحلّة ، والمطالبة
بحصتها من رسوم الطعام والتمر ، وغير ذلك ، فمنعهم (أرغش) واتفق مع الأمير (قيصر)
شحنة الحلّة ، فعندها أخذت خفاجه بنهب سواد الكوفة والحلّة ، فذهب إليهم (قيصر)
ومعه
__________________
مائتان وخمسون فارسا ، وخرج إليهم (أرغش) فانهزمت خفاجه ، فتبعتهم الجيوش
إلى (رحبة الشام) عندها أرسل بنو خفاجه إلى قيصر وأرغش يعتذران اليهما ، قائلين : (رضينا
بلبن الإبل وخبز الشعير ، وأنتم تمنعونا رسومنا) ، ثمّ طلبوا الصلح ، فرفض طلبهم.
ثمّ التحق كثير
من الأعراب مع خفاجه ، فكانت معركة بين الطرفين ، قتل فيها قيصر ، وجرح أرغش ، ثمّ
انهزمت الجيوش ، بعد أن قتل وأسر الكثير منهم ، ومات أكثر الجيوش المنهزمة عطشا في
الصحراء .
أما أرغش فقد
هرب والتجأ إلى شيخ (الرحبة) فأجاره ، وأخذ له الأمان ، ثمّ جاءت الجيوش من بغداد
، بقيادة الوزير عون الدين ابن هبيرة لمحاربة بني خفاجة ، ولمّا سمعت بنو خفاجة
بذلك ذهبوا إلى البصرة ، وحصل الصلح بعد ذلك بين الطرفين وعاد الوزير ابن هبيرة
إلى بغداد .
وقد حجّ أرغش
بالناس للأعوام (٥٥٥ ـ ٥٦١) وفي إحدى المعارك الّتي خاضها أرغش سنة (٥٦٢) للهجرة ،
سقط عن فرسه فمات .
١٢٣ ـ الوزير ابن
هبيرة :
هو يحيى بن
محمّد بن هبيرة بن محمّد بن هبيرة الذهلي الشيباني ، وكنيته : أبو المظفر ، ولقبه
: عون الدين .
وابن هبيرة هو
من الذين أقطعت لهم ولاية الكوفة بعد سنة (٥٥١)
__________________
للهجرة ، وذلك بعد الأمير برغش .
وكان ابن هبيرة
في بادي أمره ، فقيرا ، معدما حتّى تعرض للخدمة.
جاء في صباه من
قرية قرب (الدجيل) إلى بغداد فقرأ التاريخ والأدب وعلوم التاريخ ، وتفقّه على مذهب
الإمام أحمد بن حنبل ، وكان يعقد في داره مجلسا للعلماء والفقهاء للمناظرة ، وحدث
ذات يوم أن خاطب أحد الفقهاء ، وقال له : (يا حمار) ، ثمّ ندم بعد ذلك ندما كبيرا
، وطلب من ذلك الفقيه أن يخاطبه مثلما قال له ، فامتنع الفقيه ، ثمّ صالحه بعد ذلك
على مائتي دينار .
اتصل بالخليفة (المقتفي
بالله) فولّاه بعض الأعمال ، فأبدى كفاءة عالية في شؤون عمله ، فارتفعت مكانته
عنده حتّى استوزره سنة (٥٤٤) للهجرة.
وكان ابن هبيرة
من خيرة الوزراء ، وأحسنهم معاملة للناس وأبعدهم عن الظلم والجور ، حتّى قال عنه
الخليفة (المقتفي بالله) : (ما وزر لبني العبّاس مثله) ، ولقبه بعون الدين ، وكان
لقبه سابقا (جلال الدين).
ولمّا مات
الخليفة (المقتفي بالله) وجاء بعده ابنه (المستنجد بالله) بايعه الوزير ابن هبيرة
، فأعجب به الخليفة كثيرا ، وأصبح من خاصته ، فعن (مرجان الخادم) أنّه قال : كان
الوزير ابن هبيرة ذات يوم عند الخليفة (المستنجد بالله) فقال له المستنجد شعرا من
نظمه :
|
صفت نعمتان
خصتاك وعمتا
|
|
فذكرهما حتّى
القيامة يذكر
|
|
وجودك
والدنيا إليك فقيرة
|
|
وجودك
والمعروف في الناس ينكر
|
|
فلو رام يا
يحيى مكانك جعفر
|
|
ويحيى لكفا
عنه يحيى وجعفر
|
__________________
|
ولم أر من
ينوي لك السوء يا أبا
|
|
المظفر ،
إلّا كنت أنت المظفر
|
وللوزير ابن
هبيرة عدّة مؤلفات منها : (الإيضاح والتبيين في اختلاف الأئمة المجتهدين) و (الإشراف
على مذاهب الأشراف) في الفقه ، و (الإفصاح عن معاني الصحاح) جزءان و (المقصد) في
النحو ، شرحه ابن الخشاب في أربع مجلدات ، و (العبادات) في الفقه على مذهب الإمام
أحمد بن حنبل ، وأرجوزة في (المقصور والممدود) وأرجوزة أخرى في (علم الخطّ)
وغيرها. وكان ابن الجوزي أحد تلاميذه ، فجمع بعض ما سمع منه في كتاب سماّه (المقتبس
من الفوائد العونية) نسبة إلى لقبه (عون الدين) وذكر له ابن الجوزي بعض الأقوال
المأثورة منها : (أحذروا مصارع العقول ، عند التهاب الشهوات). ومن شعره أنّه قال :
|
والوقت أنفس
ما عنيت بحفظه
|
|
وأراه أسهل
ما عليك يضيع
|
مات الوزير ابن
هبيرة في بغداد فجأة ، ويقال إنّ طبيبا دس له السم ، ومات الطبيب بعد ستّة أشهر
مسموما أيضا ، وكان الطبيب يقول : (سممته فسممت). مات يوم الأحد في الثاني عشر من
شهر جمادي الأول من سنة (٥٦٠) للهجرة ، وعمره (٦١) سنة وقيل (٨٦) وغسله ابن الجوزي ،
وحضر جنازته كثير من الناس ، وأغلقت الأسواق ، ودفن في المدرسة الّتي أنشأها بباب
البصرة. وقد رثاه كثير من الشعراء.
وقد جمعت تلك
المراثي في مجلدات ، ولمّا بيعت كتبه بعد موته ، اشتراها
__________________
أحد حسّاده فأتلفها.
١٢٤ ـ الأمير قيران
الناصري :
أقطعت له
الكوفة في خلافة الناصر لدين الله سنة (٥٧٥) للهجرة .
١٢٥ ـ شمس الدين أبو
القاسم :
هو شمس الدين
أبو القاسم عليّ بن النقيب عميد الدين جعفر بن النقيب أبي نزار عدنان .
كان شمس الدين
من الّذين عينوا بوظيفة (الناظر) بالكوفة ، وجمع بين نقابتي الكوفة والنجف .
ولد شمس الدين
سنة (٥٣٦) للهجرة ، وقيل سنة (٥٣٠) ، ومات سنة (٥٨٤) للهجرة ، وكان سيدا فاضلا وأديبا شاعرا وداره معمورة ،
كثير الضيافة ، وله ديوان شعر. وقد جمع فضلاء العلويين الحسنيين من أهل الكوفة ،
ولمّا سمع الخليفة (الناصر لدين الله) فضله وكرمه ، أمره بالمجيء إلى بغداد ليكتب
له تقليد نقابة الطالبيين ، فذهب إلى بغداد ، وأحضرت الخلع إلى دار الوزير لإجراء
مراسيم التقليد ، فهطلت الأمطار في ذلك اليوم
__________________
بغزارة ، وركب شمس الدين دابته ليلا قاصدا دار زعيم الدين أستاذ الدار ابن
الضحّاك ، فسقط عن دابته ، فانكسرت رجله ، وتعذّر عليه الذهاب إلى دار الوزير ،
فتمّ بعد ذلك تقليد أخاه (فخر الدين الأطروش) نقابة الطالبيين بدلا منه .
ثمّ حبس شمس
الدين بالكوفة ، بأمر من الخليفة (الناصر لدين الله) وكان عمّ أمّ شمس الدين (الفقيه
صفي الدين محمّد بن معد) في تلك الأيّام ، له مكانة سامية ، ومنزلة عالية عند
الخليفة وعند وزيره (مؤيد الدين القمّي) فكتب إليه شمس الدين قصيدة ، يستنجده ،
ويطلب منه التوسط لدى الخليفة بالإفراج عنه ، وجاء فيها :
|
يا قادرين
على الإحسان ما لكم
|
|
من غير جرم
عدتنا منكم النعم
|
|
مالي أذاد
كما ذيدت محلأة
|
|
عن وردها
ولديكم مورد شبم
|
١٢٦ ـ الأمير عماد الدين :
وهو عماد الدين
، وكنيته : أبو مظفر أزبك ، أحد القادة العسكريين الأتراك في جيوش الدولة
العباسيّة وقد أقطعت له ولاية الكوفة سنة (٦٠٨) للهجرة .
ولم أعثر له
على ترجمة وافية في المصادر المتاحة ، عسى أن نوفق إلى ذلك مستقبلا إن شاء الله .
__________________
المصادر
١ ـ مختصر
تاريخ دمشق (ابن منظور محمد بن مكرم ابن عساكر) ـ تحقيق أحمد راتب حموش ومحمد ناجي
العمر ، ورياض عبد الحميد مراد ـ دار الفكر للطباعة والنشر ـ دمشق ـ الطبعة الأولى
ـ ١٤٠٥ ه / ١٩٨٥ م (المتوفى سنة (٦٣٠ ه ـ ٧١١ ه).
٢ ـ تهذيب
التهذيب ـ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ـ دار الفكر للطباعة والنشر ـ الطبعة
الأولى. ١٤٠٤ ه / ١٩٨٤ ـ بيروت ـ لبنان.
٣ ـ تهذيب
الكمال في أسماء الرجال ـ الحافظ جمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي (٧٢٢ ـ ٦٥٤)
تحقيق عواد بشار عواد معروف ـ مؤسسة الرسالة ـ الطبعة الثالثة ـ ١٤٠٨ ه / ١٩٨٨ م.
بيروت.
٤ ـ حلية
الأولياء وطبقات الأصفياء ـ الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني. المتوفى
سنة (٤٣٠) ه ـ دار الكتب العلمية ـ الطبعة الأولى. ١٤٠٩ ه / ١٩٨٨. بيروت ـ لبنان.
٥ ـ فوات
الوفيات ـ محمد شاكر الكتبي ـ المتوفى (٧٦٤) ه تحقيق إحسان عباس ـ دار صادر ـ بيروت.
٦ ـ تاريخ
الطبري ـ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ـ دار المعارف ـ الطبعة الثالثة ـ القاهرة.
٧ ـ الفتوح ـ أبي
محمد أحمد بن أعثم الكوفي. المتوفى سنة (٣١٤ ه / ٩٢٦ م).
٨ ـ تاريخ
التمدن الإسلامي ـ جرجي زيدان ـ مطبعة الهلال ـ الطبعة الثانية. ١٩١٤ م ـ مصر.
٩ ـ نزهة
الألباب في الألقاب ـ ابن حجر العسقلاني ـ تحقيق عبد العزيز ابن صالح السديدي ـ مكتبة
الرشد ـ الطبعة الأولى. ١٤٠٩ ه / ١٩٨٩ م ـ الرياض.
١٠ ـ تاريخ
الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي ـ حسن إبراهيم حسن ـ منشورات مكتبة
النهضة المصرية ـ مطبعة السنة المحمدية ـ الطبعة العاشرة ـ ١٩٨٣ م ـ القاهرة.
١١ ـ تاريخ ابن
خلدون ـ ابن خلدون ـ المتوفى سنة (٨٠٨) ه ـ ١٣٩١ ه / ١٩٧١ م.
١٢ ـ البداية
والنهاية ـ أبو الفداء ـ الحافظ ابن كثير ـ المتوفى سنة (٧٧٤) ه ـ مطبعة دار
الفكر. ١٣٩٨ ه / ١٩٧٨ م ـ بيروت.
١٣ ـ التاريخ
الكبير ـ الحافظ أبي عبد الله إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البخاري ـ المتوفى سنة (٢٥٦
ه / ٨٦٩ م) ـ مؤسسة الكتب الثقافية.
١٤ ـ الثقات ـ الإمام
الحافظ محمد بن حبان بن أحمد بن حاتم التميمي ، البستي ، المتوفى سنة (٣٥٤ ه /
٩٦٥ م) ـ مطبعة دار المعارف العثمانية ـ الطبعة الأولى ـ ١٣٩٥ ه / ١٩٧٥ م ـ حيدر
آباد ـ الركن ـ الهند.
١٥ ـ تاريخ
الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام ـ الحافظ شمس الدين
محمد بن أحمد عثمان الذهبي ـ المتوفى سنة (٧٤٨) ه ـ دار الكتاب العربي ـ الطبعة
الثانية. ١٤١٣ ه / ١٩٩٣ م. بيروت ـ لبنان.
١٦ ـ المختصر
في أخبار البشر ـ تاريخ أبو الفداء ـ عماد الدين إسماعيل أبو الفداء ـ دار المعرفة
للطباعة والنشر ـ بيروت ـ لبنان.
١٧ ـ عيون
التواريخ ـ محمد شاكر الكتبي (٢٥٠ ـ ٢١٩) ه ـ تحقيق عفيف نايف حاطوم ـ دار الثقافة
ـ ١٤١٦ ه / ١٩٩٦ م. بيروت ـ لبنان.
١٨ ـ التاريخ
الإسلامي والحضارة الإسلامية ـ أحمد شلبي ـ مطبوعات مكتبة النهضة المصرية ـ الطبعة
الثامنة. ١٩٨٥ م ـ القاهرة.
١٩ ـ المعارف ـ
أبي محمد عبد الله بن مسلم ، ابن قتيبة ـ ٢١٣ ه ـ دار المعارف ـ الطبعة الرابعة ـ
القاهرة.
٢٠ ـ ترتيب
الأعلام على الأعوام ـ خير الدين الزركلي ـ شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة
والنشر ـ بيروت ـ لبنان.
٢١ ـ تاريخ
خليفة بن خياط ـ تحقيق أكرم ضياء العمري ـ دار القلم ـ الطبعة الثانية ـ ١٣٩٧ ه /
١٩٧٧ م ـ دمشق ـ بيروت.
٢٢ ـ تتمة
المختصر في أخبار البشر ـ زين الدين عمر بن الدردي ـ الناشر ـ دار المعرفة ـ الطبعة
الأولى ـ ١٣٨٩ ه / ١٩٧٠ م. بيروت ـ لبنان.
٢٣ ـ أزمنة
التاريخ الإسلامي ـ عبد السلام الترمانيني ـ الطبعة الأولى.
١٤٠٢ ه / ١٩٨٢
ـ الكويت.
٢٤ ـ سير أعلام
النبلاء ـ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، المتوفى سنة ٧٤٨ ه ـ مؤسسة
الرسالة ـ الطبعة الأولى ـ ١٤٠١ ه / ١٩٨١ م. بيروت.
٢٥ ـ البيان
والتبيين ـ الجاحظ ـ تحقيق عبد السلام محمد هارون ـ
مطبعة لجنة التأليف والنشر ـ الطبعة الثانية ـ ١٣٨٠ ه / ١٩٦٠ م ـ القاهرة.
٢٦ ـ ربيع
الأبرار ونصوص الأخبار ـ الإمام محمود بن عمر الزمخشري ـ تحقيق سليم النعيمي ـ مطبعة
العاني ـ ١٤٠٢ ه / ١٩٨٢ م ـ بغداد.
٢٧ ـ خزانة
الأدب ولب لباب لسان العرب ـ عبد القادر بن عمر البغدادي ـ (١٠٣٠ ه ـ ١٩٠٣ م) ـ تحقيق
عبد السلام محمد هارون ـ مكتبة الخانجي ـ القاهرة.
٢٨ ـ الأمالي ـ
أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي ، البغدادي ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت.
٢٩ ـ محاضرات
تاريخ الأمم الإسلامية ـ الدولة العباسية ـ الشيخ محمد الخضري بك ـ مطبعة
الاستقامة ـ الطبعة العاشرة ـ القاهرة ـ مصر.
٣٠ ـ موسوعة
الحضارة العربية ـ العصر العباسي ـ بطرس البستاني ـ الناشر ، دار كلمات للنشر.
٣١ ـ جمهرة
أنساب العرب ـ أبي محمد علي أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي. (٣٨٤ ه ـ ٤٥٦ ه) ـ تحقيق
عبد السلام محمد هارون ـ مطبعة دار المعارف ـ الطبعة الخامسة ـ القاهرة.
٣٢ ـ معجم
الأدباء ـ ياقوت الحموي الرومي ـ تحقيق إحسان عباس ـ دار المغرب الإسلامي ـ الطبعة
الأولى ـ ١٩٩٣ م ـ بيروت ـ لبنان.
٣٣ ـ حركة
المختار بن أبي عبيد الثقفي في الكوفة من ١٥ رمضان سنة ٦٤ ه إلى ٢٤ رمضان ٦٧ ه ـ
هند غسان أبو الشعر ـ رسالة ماجستير في التاريخ ـ نشر بدعم من الجامعة الأردنية ـ عمّان.
١٩٨٣ م.
٣٤ ـ نظام
الوزارة في الدولة العباسية (٥٩٠ ـ ٣٣٤) ه (العهدان البويهي والسلجوقي) ـ محمد
مسفر الزهراني ـ مؤسسة الرسالة ـ الطبعة الأولى ـ ١٤٠٠ ه / ١٩٨٠ م ـ بيروت.
٣٥ ـ الأخبار الطوال
ـ أبي حنيفة أحمد بن داود الدينوري ، المتوفى سنة ٢٨٢ ه ـ تحقيق عبد المنعم عامر
ـ إعادة طبعه الأوفست ـ مكتبة المثنى ـ بغداد.
٣٦ ـ شذرات
الذهب في أخبار من ذهب ـ أبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي ، المتوفى سنة
١٠٨٩ ه ـ دار الفكر للطباعة والنشر ـ ١٤٠٩ ه / ١٩٨٨ م بيروت ـ لبنان.
٣٧ ـ نشوار
المحاضرة وأخبار المذاكرة ـ القاضي أبي علي المحسن بن علي التنوخي ، المتوفى سنة
٣٨٤ ه ـ تحقيق المحامي عبود الشالجي ـ دار الصياد ـ الطبعة الثانية ١٩٩٥ م ـ بيروت.
٣٨ ـ بلوغ
الأرب في معرفة أنساب العرب ـ محمود شكري الآلوسي ـ المطبعة الرحمانية ـ ١٣٤٢ ه /
١٩٢٤ م ـ الطبعة الثانية ـ مصر.
٣٩ ـ ضحى
الإسلام ـ أحمد أمين ـ الناشر ـ دار الكتاب العربي ـ الطبعة العاشرة. بيروت ـ لبنان.
٤٠ ـ مسالك
الأبصار في ممالك الأمصار ـ أبي فضل الله العمري ـ تحقيق أحمد زكي باشا ـ مطبعة
دار الكتب المصرية. ١٣٤٢ ه / ١٩٢٤ م.
القاهرة.
٤١ ـ الصفوة من
صفة الصفوة ـ عدنان سعد الدين ـ مطابع الشمس.
١٤١٣ ه / ١٩٩٣
م. عمّان ـ الأردن.
٤٢ ـ أيام
العرب في الإسلام ـ محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاري ـ دار الجبل. ١٤٠٨ ه
/ ١٩٨٨ م ـ بيروت ـ لبنان.
٤٣ ـ التاريخ
الإسلامي مواقف وعبر ـ عبد العزيز عبد الله الحميدي ـ دار الدعوة للطبع والنشر
والتوزيع ـ الطبعة الأولى. ١٤١٩ ه / ١٩٩٩ م ـ الأسكندرية ـ مصر.
٤٤ ـ اتجاهات
الهجاء في القرن الثالث عشر الهجري ـ قحطان رشيد التميمي ـ دار الميسرة ـ بيروت ـ لبنان.
٤٥ ـ تاريخ
اليعقوبي ـ أحمد بن يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح ـ الكاتب العباسي المعروف
باليعقوبي ـ دار صادر للطباعة. ١٣٧٩ ه / ١٩٦٠ ـ بيروت ـ لبنان.
٤٦ ـ تاريخ
الخلفاء ـ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، المتوفى سنة (٩١١) ه تحقيق
محمد محي الدين عبد الحميد ـ المكتبة العصرية للطباعة والنشر ـ ١٤٠٩ ه / ١٩٨٩ م.
بيروت.
٤٧ ـ معجم ما
استعجم من أسماء البلاد والمواقع ، عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي ـ تحقيق
مصطفى السقا ، المتوفى سنة (٤٨٧) ه ـ عالم دار الكتب ـ الطبعة الثالثة. ١٤٠٣ ه /
١٩٨٣ م.
٤٨ ـ الأعلام ـ
خير الدين الزركلي ـ دار العلم للملايين ـ الطبعة العاشرة. ١٩٩٢ م ـ بيروت.
٤٩ ـ ولاة مصر
ـ محمد يوسف الكندي ـ المتوفى سنة (٥٣٠) ه ـ تحقيق الدكتور حسين نصار ـ دار صادر ـ
بيروت ـ لبنان.
٥٠ ـ الإدارة
في العصر الأموي ـ نجدة خماش ـ دار الفكر ـ الطبعة الأولى ـ ١٤٠٠ ه / ١٩٨٠ م.
بيروت.
٥١ ـ الجوهر
الشفاف في أنساب السادة الأشراف من نسل الحسين ـ عارف أحمد عبد الغني ـ دار كنان
للطباعة والنشر والتوزيع ـ دمشق.
٥٢ ـ النجوم
الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ـ جمال الدين أبي المجالس يوسف تفردي بردى الأتابكي
ـ دار الثقافة والإرشاد القومي ـ المؤسسة المصرية للتأليف والطباعة والنشر.
٥٣ ـ قول على
قول ـ حسن سعيد الكرمي ـ دار لبنان للطباعة والنشر ـ الطبعة الخامسة ـ بيروت.
٥٤ ـ ديوان
الأخطل ـ شرح مجيد طراد ـ دار الجبل ـ الطبعة الأولى ـ ١٤١٦ ه / ١٩٩٥ م ـ بيروت.
٥٥ ـ يتيمية
الدهر في محاسن أهل العصر ـ أبي منصور عبد المالك الثعالبي النيسابوري ، المتوفى
سنة (٤٢٩) ه ـ تحقيق مفيد محمد قميمة ـ دار الكتب العلمية ـ الطبعة الأولى ـ ١٤٠٣
ه / ١٩٨٣ م.
بيروت ـ لبنان.
٥٦ ـ زهر
الآداب وثمرة الأباب ـ أبي إسحاق إبراهيم بن علي الحصري ، المتوفى سنة ٤٥٣ ه ـ منشورات
وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية. ١٩٩٦ م ـ دمشق ـ اختار النصوص وقدم
لها وعلق عليها قاسم محمد وهب.
٥٧ ـ التوفيقات
الإلهامية في مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الأفرنجية والقبطية ـ محمد مختار
باشا ـ تحقيق الدكتور محمد عمارة ـ المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ الطبعة
الأولى ـ ١٤٠٠ ه / ١٩٨٠ م.
٥٨ ـ دمية
القصر وعصرة أهل العصر ـ علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب الباخرزي ـ تحقيق
الدكتور محمد التوبنجي ـ دار الجبل ـ الطبعة الأولى. ١٤١٤ ه / ١٩٩٣ م ، المتوفى
سنة (٤٦٧) ه ـ بيروت.
٥٩ ـ منتقيات
أدباء العرب في الأعصر العباسية ـ بطرس البستاني ـ دار مارون عبود.
٦٠ ـ المستقصى
في أمثال العرب ـ أبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري ، المتوفى سنة (٥٣٨)
ه ـ دار الكتب العلمية. ١٣٩٧ ه / ١٩٧٧ م ـ الطبعة الثانية ـ بيروت.
٦١ ـ موسوعة
دول العالم الإسلامي ورجالها ـ شاكر مصطفى ـ دار العلم للملايين ـ الطبعة الأولى.
١٩٩٣ م.
٦٢ ـ نثر الدر
ـ الوزير الكاتب أبو سعيد منصور بن الحسين الآبي ، المتوفى سنة (٤٢١) ه ـ تحقيق
محمد علي قرنة ـ مراجعة علي محمد البجاري ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب.
٦٣ ـ الإدارة
الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب ـ فاروق مجدلاوي ـ تقديم أحمد شلبي ـ الناشر روائع
مجدلاوي ـ الطبعة الثانية ـ ١٤١٨ ه / ١٩٩٨ ـ عمّان ـ الأردن.
٦٤ ـ أنساب
الأشراف ـ أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري ـ تحقيق رمزي بعلبكي ـ الطبعة الأولى.
١٤١٧ ه / ١٩٩٧ ـ بيروت ـ لبنان.
٦٥ ـ القيادة
الإدارية ـ نواف كنعان ـ دار العلوم ـ الطبعة الأولى. ١٤٠٠ ه / ١٩٨٠ م ـ الرياض.
٦٦ ـ دائرة
المعارف ـ مقتبس الأثر ومجد ما دثر ـ الشيخ محمد حسين الشيخ سليمان الأعلمي ـ مطبعة
الحكمة ـ الطبعة الأولى. ١٣٧٤ ه ـ قم.
٦٧ ـ الروض
المعطار في خبر الأقطار ـ محمد عبد المنعم الحميري ـ تحقيق إحسان عباس ـ مطبعة
هيدلبرغ ـ الطبعة الثانية. ١٩٨٤ م ـ بيروت ـ لبنان.
٦٨ ـ معجم كنوز
الأمثال والحكم العربية (النثرية والشعرية) ـ الدكتور
كمال خلايلي ـ مكتبة لبنان ناشرون ـ الطبعة الأولى. ١٩٩٨ م ـ لبنان.
٦٩ ـ ديوان ابن
الرومي ـ شرح مجيد طراد ـ دار الجبل ـ الطبعة الأولى. ١٤١٨ ه / ١٩٩٨ م ـ بيروت.
٧٠ ـ معجم
البلدان ـ شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي ، الرومي ، البغدادي
، المتوفى سنة (٦٢٦ ه ـ مطبعة السعادة ـ الطبعة الأولى. ١٣٢٤ ه / ١٩٠٦ م ـ مصر.
٧١ ـ الأعلاف
الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة ـ ابن شداد ـ عز الدين محمد بن علي إبراهيم ـ
تحقيق يحيى زكريا عبّارة ـ منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية.
١٩٩١ م ـ دمشق.
٧٢ ـ تهذيب
الأسماء واللغات ـ الحافظ أبي زكريا محي الدين بن شرف النووي ، المتوفى سنة (٦٧٦)
ه ـ الطباعة المنيرية ـ مصر.
٧٣ ـ جمهرة
النسب ـ ابن الكلبي هشام أبو المنذر بن محمد بن السائب الكلبي ، المتوفى سنة (٢٠٤)
ه ـ رواية محمد بن حبيب عنه ، تحقيق محمد فردوس العظم ـ دار اليقظة العربية ـ دمشق.
٧٤ ـ نهاية
الأرب في فنون الأدب ـ شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري ـ (٧٣٢ ـ ٦٧٧) ه ـ مطابع
لوستاتسوماس وشركا ه ـ القاهرة ـ مصر.
٧٥ ـ تلقيح
فهوم أهل الأثر في عيون التواريخ والسير ـ الإمام الحافظ جمال الدين أبو الفرج عبد
الرحمن بن الجوزي (٥٩٧ ـ ٥٠٨) ه ـ شركة الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر ـ الطبعة
الأولى ـ ١٤١٨ ه / ١٩٩٧ م ـ بيروت ـ لبنان.
٧٦ ـ بلوغ
الأرب في معرفة أحوال العرب ـ محمود شكري الآلوسي
البغدادي ـ شرح وتصحيح محمد بهجت الأثري ـ دار الكتب العربية ـ بيروت ـ لبنان.
٧٧ ـ تاريخ
الخلافة الراشدة ـ محمد بن أحمد كنعان ـ مؤسسة المعارف للطباعة والنشر ـ الطبعة
الأولى ـ ١٤١٧ ه / ١٩٩٧ م. بيروت ـ لبنان.
٧٨ ـ تهذيب
تاريخ دمشق لابن عساكر ـ هذبه ورتبه الشيخ عبد القادر بدران ، المتوفى سنة ١٣٤٦ ه
ـ دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر ـ الطبعة الثالثة ـ ١٤٠٧ ه / ١٩٨٧ م.
بيروت ـ لبنان.
٧٩ ـ تجارب
الأمم وتعاقب الأمم ـ مسكويه أحمد بن محمد بن يعقوب المتوفى سنة (٤٢١) ه ـ اختارت
النصوص وعلقت عليها الدكتورة أمينة البيطار ـ منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية
العربية السورية ـ ١٩٨٤ م.
٨٠ ـ تذكرة
الحفاظ ـ الإمام أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبي ، المتوفى سنة (٧٤٨) ه ـ دار
الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.
٨١ ـ المؤتلف
والمختلف في أسماء الشعراء وكناهم وألقابهم وأنسابهم وبعض شعرهم للإمام أبي القاسم
الحسن بن بشر الآمدي المتوفى سنة (٣٧٠) ه ـ مكتبة القدس الطبعة الثانية ـ ١٤٠٢ ه
/ ١٩٨٢ ـ بيروت ـ لبنان.
٨٢ ـ معجم
الشعراء ـ للإمام أبي عبد الله محمد بن عمران المرزباني ، المتوفى سنة (٣٨٤) ه ـ تهذيب
المستشرق الدكتور سالم الكرنكولي ـ مكتبة القدس ـ دار الكتب العلمية ـ الطبعة
الأولى ـ بيروت ـ لبنان.
٨٣ ـ موسوعة
شعراء العرب ـ الدكتور يحيى شامي ـ دار الفكر العربي ـ
الطبعة الأولى ـ ١٩٩٩ م ـ بيروت ـ لبنان.
٨٤ ـ النزهة
الزهية في ذكر ولاة مصر والقاهرة المعزية ـ شيخ الإسلام محمد بن السرور البكري ،
الصدّيقي ـ تحقيق عبد الرزاق عيسى ـ العربي للنشر والتوزيع ـ مطبعة النيل ـ الطبعة
الأولى ـ ١٩٩٨ م.
٨٥ ـ أخبار
القضاة ـ وكيع محمد بن خلف بن حيان ، المتوفى سنة (٣٠٦) ه ـ عالم الكتب ـ بيروت ـ لبنان.
٨٦ ـ موسوعة (١٠٠٠)
حدث إسلامي ـ عبد الحكيم العفيفي ـ مطبعة أوراق شرعية ـ الطبعة الأولى ـ ١٤١٧ ه /
١٩٩٦ م. بيروت ـ لبنان.
٨٧ ـ أحداث
التاريخ الإسلامي بترتيب السنين ـ الدكتور عبد السلام الترمانيني ـ طلاس للترجمة
والنشر ـ الطبعة الثانية ـ ١٤٠٨ ه / ١٩٨٨ م ـ دمشق.
٨٨ ـ أعلام
النساء ـ عمر رضا كحالة ـ مطبع الرسالة ـ الطبعة الثالثة ـ ١٣٦٧ ه / ١٩٧٧ م ـ دمشق.
٨٩ ـ المعرفة
والتاريخ ـ أبو يوسف يعقوب بن سفيان البسوي ، المتوفى سنة (٢٧٧) ه ـ تحقيق الدكتور
أكرم ضياء العمري ـ مؤسسة الرسالة ـ الطبعة الثانية ـ ١٤٠١ ه / ١٩٨١ م.
٩٠ ـ الأوائل ـ
أبو هلال العسكري ـ تحقيق الدكتور محمد السيد الوكيل ـ دار البشير للثقافة والعلوم
الإسلامية ـ الطبعة الأولى ـ ١٤٠٨ ه / ١٩٧٨ م.
٩١ ـ المحن ـ أبو
العرب محمد بن أحمد بن تميم التميمي ، المتوفى سنة (٣٣٣) ه ـ تحقيق الدكتور يحيى
وهيب الجبوري ـ دار الغرب الإسلامي ـ الطبعة الأولى ـ ١٤٠٣ ه / ١٩٨٣ م.
٩٢ ـ الأخبار
الموفقيات ـ الزبير بن بكار ، المتوفى سنة (٢٥٦) ه ـ تحقيق الدكتور سامي مكي
العاني ـ مطبعة العاني ـ ١٩٧٢ ـ بغداد.
٩٣ ـ جمهرة خطب
العرب في عصور العربية الزهية ـ أحمد زكي صفوت ـ المكتبة العلمية. بيروت ـ لبنان.
٩٤ ـ نزهة
الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار ـ محمود مقديش ، المتوفى سنة (١٢٢٨) ه ـ تحقيق
علي الزواري ومحمد محفوظ ـ دار الغرب الإسلامي ـ الطبعة الأولى ـ ١٩٨٨ م ـ بيروت.
٩٥ ـ قصص العرب
ـ محمد أحمد جاد المولى وعلي محمد البجاري ومحمد أبو الفضل إبراهيم ـ دار إحياء
الكتب العربية ـ الطبعة الرابعة ـ ١٣٨١ ه / ١٩٦٢ م ـ مصر.
٩٦ ـ تهذيب
تاريخ الطبري ـ تاريخ الأمم والملوك ـ وضعه صالح خريسات ـ دار الفكر للنشر
والتوزيع ـ ١٤٠٣ ه / ١٩٩٢ م.
٩٧ ـ أطلس
تاريخ الإسلام ـ الدكتور حسين مؤنس ـ مطابع تين واه ـ سنغافورة ـ الطبعة الأولى ـ ١٤٠٧
ه / ١٩٨٧ م.
٩٨ ـ تقريب
التهذيب ـ الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، المتوفى سنة (٧٧٣) ه
ـ مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر ـ الطبعة الأولى ـ ١٤١٦ ه / ١٩٩٦ م.
٩٩ ـ البصائر
والذخائر ـ أبو حيان التوحيدي ـ تحقيق الدكتورة وداد القاضي ـ دار صادر ـ الطبعة
الأولى ـ بيروت ، المتوفى سنة (٤١٤) ه
١٠٠ ـ رحلة أبي
جبير ـ أبي الحسن محمد بن أحمد بن جبير ـ منشورات دار ومكتبة الهلال ـ الطبعة
الثانية ـ ١٩٨٦ ـ بيروت ـ لبنان.
١٠١ ـ رحلة ابن
بطوطة ـ الشيخ أبي عبد الله محمد بن بطوطة ـ دار
الكتب العلمية ـ الطبعة الأولى ـ ١٤٠٧ ه / ١٩٨٧ م ، المتوفى سنة (٧٧٩) ه
١٠٢ ـ لسان
العرب المحيط ـ العلامة ابن منظور ـ قدم له الشيخ عبد الله العلايلي ـ إعداد
وتصنيف يوسف خياط ونديم مرعشلي ـ دار لسان العرب ـ بيروت.
١٠٣ ـ تقويم
البلدان ـ عماد الدين إسماعيل بن محمد بن عمر المعروف بأبي الفداء ـ دار صادر ـ بيروت
، المتوفى سنة (٧٣٢) ه (صاحب حلب).
١٠٤ ـ جمهرة
رسائل العرب في العصور العربية الزاهرة ـ أحمد زكي صفوت ـ المكتبة العلمية ـ بيروت.
١٠٥ ـ بهجة
المجالس وأنيس المجالس وشحن الذهن والهاجس ـ الإمام أبي عمر يوسف بن عبد الله بن
محمد بن عبد البر ، النمري ، القرطبي (٤٦٣ ـ ٣٦٨) ه ـ تحقيق محمد مرسي الخولي ـ دار
الكتب العلمية ـ الطبعة الثانية ـ ١٩٨١ م ـ بيروت ـ لبنان.
١٠٦ ـ لباب
الآداب ـ الأمير أسامة بن منقذ ٥٨٤ ـ ٠٤٨٨) ه ـ تحقيق أحمد محمد شاكر ـ منشورات
مكتبة السنية القهارة ـ الطبعة الأولى ـ ١٣٥٤ ه ـ القاهرة.
١٠٧ ـ المستطرف
في كل فن مستظرف ـ شهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي ، المتوفى سنة (٨٥٠) ه ـ دار
مكتبة الحياة للطباعة والنشر ـ ١٩٨٦ م ـ بيروت ـ لبنان.
١٠٨ ـ نهاية
الأرب في معرفة أنساب العرب ـ أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن عبد الله
القلقشندي ، المتوفى سنة (٨٢١) ه ـ دار الكتب العلمية ـ الطبعة الأولى ـ ١٤٠٥ ه /
١٩٨٤ م. بيروت ـ لبنان.
١٠٩ ـ تاج
العروس من جوهر القاموس ـ السيد محمد مرتضى الحسيني ،
الزبيدي ـ تحقيق عبد العليم الطحاوي ـ مطبعة الحكومة ـ ١٤٠٤ ه / ١٩٨٤ م ـ الكويت.
١١٠ ـ تراجم
أعلام النساء ـ إعداد وترتيب إدارة البحث والإعداد في مؤسسة الرسالة ، بإشراف
رضوان دعبول ـ مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر ـ الطبعة الأولى ـ ١٤١٩ ه / ١٩٩٨ م ـ
بيروت ـ لبنان ، ودار البشير ـ عمّان ـ الأردن.
١١١ ـ المغني
في معرفة رجال الصحيحين (البخاري ومسلم) إعداد صفوت عبد الفتاح محمود ـ دار الجبل
ـ بيروت ـ لبنان ، ودار عمار ـ عمّان ـ الأردن ـ الطبعة الأولى ـ ١٤٠٨ ه / ١٩٨٧
م.
١١٢ ـ تاريخ
الدولة العباسية ـ الدكتور محمد سهيل طقوس ـ دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع
ـ الطبعة الأولى ـ ١٤١٧ ه / ١٩٩٦ م. بيروت ـ لبنان.
١١٣ ـ المؤسسات
الإدارية في الدولة العباسية ـ حسام الدين السامرائي ـ خلال الفترة (٣٣٤ ـ ٢٤٧) ه
ـ دار الفكر العربي.
١١٤ ـ موسوعة
فقه الحسن البصري ـ محمد رواس قلعة جيل ـ دار النفائس ـ الطبعة الأولى ـ ١٤٠٩ ه /
١٩٨٩ م. بيروت ـ لبنان.
١١٥ ـ الإيناس
بعلم الأنساب ـ جمع الوزير ابن المغربي الحسين بن علي ابن الحسين (أبو القاسم) ـ تحيق
إبراهيم الإيباري ـ المتوفى سنة (٤١٨ ـ ٣٧٠) ه ـ دار الكتب المصري ، ودار الكتاب
اللبناني ـ الطبعة الثانية ـ ١٤٠٠ ه / ١٩٨٠ م ـ القاهرة ـ بيروت.
١١٦ ـ الأنساب
ـ المؤرخ المحقق سلمه بن مسلم العوتبي الصحاوي ـ وزارة القومي والثقافة ـ ١٤٠٤ ه
/ ١٩٨٤ م ـ سلطنة عمان.
١١٧ ـ الأكمال
في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى
والأنساب ـ الأمير الحافظ ابن ماكولا ، المتوفى سنة (٤٧٥) هت / ١٠٨٢ م ـ الناشر
: محمد أمين ذهج ـ بيروت.
١١٨ ـ التعريف
في الأنساب والتنويه لذوي الأحساب ـ أحمد بن محمد بن إبراهيم الأشعري ، القرطبي ـ تحيقي
الدكتور سعد عبد المقصود ظلام ـ دار المنار ـ مطابع شركة الأمل للطباعة والنشر ـ ١٩٩٠
م ـ القاهرة.
١١٩ ـ ذكر
أسماء التابعين ومن بعدهم ممن صحت روايته عن الثقات عند البخاري ومسلم ـ تخريج
الحافظ أبي الحسن علي بن عمر بن أحمد الدار القطني ، المتوفى سنة (٣٨٥) ه ـ تحقيق
بوران الضناوي وكمال يوسف الحوت ـ مدرسة الكتب الثقافية ـ الطبعة الأولى ـ ١٤٠٦ ه
/ ١٩٨٥ م. بيروت ـ لبنان.
١٢٠ ـ وقعة
صفين ـ نصر بن مزاحم المنقري ، المتوفى سنة (٢١٢) ه ـ تحقيق عبد السلام محمد هارون
ـ دار الجبل ـ ١٤١٠ ه / ١٩٩٠ م.
بيروت ـ لبنان.
١٢١ ـ منقلة
الطالبية ـ أبي إسماعيل ناصر بن طباطبا ـ تحقيق السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان
ـ المطبعة الحيدرية ـ الطبعة الأولى ـ ١٣٨٨ ه / ١٩٦٨ م. النجف الأشرف ـ العراق.
١٢٢ ـ مشاهير
علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار ـ الإمام الحافظ ـ أبي حاتم محمد بن حبان بن
أحمد التميمي ، البستي ـ تحقيق مرزوق علي إبراهيم ـ الطبعة الأولى ـ ١٤١١ ه /
١٩٩١ م ، المتوفى سنة (٣٥٤) ه
١٢٣ ـ مروج الذهب
ومعادن الجوهر ـ أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي ، المتوفى سنة (٣٤٦) ه ـ
دار الأندلس للطباعة
والنشر ـ الطبعة الثانية ـ ١٣٩٣ ه / ١٩٧٣ م. بيروت ـ لبنان.
١٢٤ ـ الأغاني
ـ أبو الفرج الأصبهاني علي بن الحسين (٣٥٦) ه ـ الهيئة المصرية العامة للكتب والطباعة
ـ مطابع كوستاتسوماس وشركاه ـ القاهرة.
١٢٥ ـ تاريخ
الكوفة ـ حسين السيد أحمد البراقي ـ المطبعة الحيدرية ـ الطبعة الثانية ـ ١٩٦٠ م ـ
النجف.
١٢٦ ـ تاريخ
الشعوب الإسلامية ـ كارل بروكلمان ـ ترجمة نبيه أمين فارس ، ومنير البعلبكي ـ دار
العلم للملايين ـ الطبعة الخامسة ـ ١٩٦٨ م. بيروت ـ لبنان.
١٢٧ ـ المدن في
الإسلام حتى القرن العثماني ـ شاكر مصطفى ـ الطبعة الأولى ـ ١٤٠٨ ه / ١٩٨٨ م.
١٢٨ ـ حياة
الشعر في الكوفة إلى نهاية القرن الثاني الهجري ـ الدكتور يوسف خليف ـ دار الكتاب
العربي للطباعة ـ ١٣٨٨ ه / ١٩٦٨ م ـ القاهرة.
١٢٩ ـ مختصر
محاسن البلدان ـ أبي بكر أحمد بن محمد الهمداني ، المعروف (ابن الفقيه) ـ مطبعة
ليدن ـ ١٣٠٢ ه ـ ألمانيا.
١٣٠ ـ تقويم
البلدان ـ عماد الدين بن نور الدين ـ دار الطباعة السلطانية ـ باريس ١٨٥٠ م ،
المعروف (أبو الفداء).
١٣١ ـ العراق
في العصر الأموي من الناحية السياسية والإدارية والاجتماعية ـ ثابت إسماعيل الراوي
ـ منشورات مكتبة الأندلس.
١٣٢ ـ الدولة
الأموية والأحداث التي سبقتها ومهدت لها من فتنة عثمان ـ يوسف العش ـ مطبعة جامعة
دمشق ـ ١٣٨٥ ه / ١٩٦٥ م ـ دمشق.
١٣٣ ـ الكوفة
في العصر العباسي ، من القرن الرابع حتى منتصف القرن السابع للهجرة ـ معن صالح
مهدي الربيعي ـ رسالة ماجستير ـ ١٤١٤ ه / ١٩٩٤ م.
١٣٤ ـ رجال
السيد بحر العلوم ـ السيد محمد مهدي بحر العلوم ـ مطبعة الآداب ـ الطبعة الأولى ـ ١٣٨٦
ه / ١٩٦٦. النجف.
١٣٥ ـ التنظيمات
الاجتماعية والاقتصادية في البصرة ـ الدكتور أحمد العلي ـ دار الطليعة ـ ١٩٥٣ م.
بيروت ـ لبنان.
١٣٦ ـ المنتظم
في تاريخ الملوك والأمم ـ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي ، المتوفى سنة (٥٩٧)
ه ـ مطبعة دائرة المعارف العثمانية ـ الطبعة الأولى ـ حيدر آباد ـ ١٣٥٨ ه
١٣٧ ـ مشاهد
العترة الطاهرة وأعيان الصحابة والتابعين ـ عبد الرزاق كمونة الحسيني ـ مطبعة
الآداب ـ ١٣٧٨ ه / ١٩٦٨ م. النجف.
١٣٨ ـ كشف
الغمة في معرفة الأئمة ـ أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي ، المتوفى
سنة (٦٣٩) ه ـ مطبعة النجف ـ ١٣٨٥ ه النجف الأشرف.
١٣٩ ـ الإمام
علي بن أبي طالب ـ عبد الفتاح عبد المقصود ـ دار الطباعة الحديثة ـ الطبعة الثانية
ـ مصر.
١٤٠ ـ الفاروق
عمر ـ محمد حسين هيكل ـ مكتبة النهضة المصرية ـ ١٩٦٣ م.
١٤١ ـ شرح نهج
البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ تحقيق وشرح محمد أبو الفضل إبراهيم ـ دار إحياء الكتب
العربية ـ الطبعة الأولى ـ ١٣٨٣ ه / ١٩٦٣ م.
١٤٢ ـ أمراء
غسان ـ ثيودور نولدكه ـ ترجمة الدكتور برلي جوري
وقسطنطين زريق ، المطبعة الكاثوليكية ـ بيروت ـ ١٩٩٣.
١٤٣ ـ خطط
الكوفة وشرح خريطتها ـ المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون ـ ترجمة تقي محمد المصعبي ـ
تحقيق كامل سلمان الجبوري ـ الطبعة الأولى ـ مطبعة الغري الحديثة ـ النجف.
١٤٤ ـ شرح
ديوان عمرو بن أبي ربيعة ـ إعداد وتقديم وتحقيق علي ملكي ـ منشورات دار إحياء
التراث العربي. بيروت ـ لبنان.
١٤٥ ـ الخط
العربي والزخرفة الإسلامية ـ محمود شكري الجبوري ـ مطابع دار الحكمة للطباعة
والنشر. ١٩٩٠ م.
١٤٦ ـ عيد
الغدير ـ بولص سلامة ـ دار الأندلس ـ الطبعة الثانية ـ ١٩٦١ م. بيروت ـ لبنان.
١٤٧ ـ مجمع
البيان في تفسير القرآن ـ الشيخ أبو علي بن الحسن الطبرسي ـ دار إحياء التراث
العربي. بيروت ـ لبنان.
١٤٨ ـ تاريخ
الأدب العربي ـ حنا الفاخوري ـ المطبعة البوليسية ـ الطبعة السادسة. بيروت ـ لبنان.
١٤٩ ـ عبقرية
الإمام علي ـ عباس محمود العقاد ـ مطبعة دار الهلال ـ كتاب الهلال / العدد ١١٩
لسنة ١٩٦١ م.
١٥٠ ـ عصر
الخليفة المقتدر بالله ـ دراسة في أحوال العراق الداخلية ـ حمدان عبد المجيد
الكبيسي ـ مطبعة النعمان ـ ١٣٩٤ ه / ١٩٧٤ م ـ النجف الأشرف.
١٥١ ـ تاريخ
الدولة العباسية من ظهور الإسلام إلى نهاية الدولة الأموية ـ يوليوس قلهورن (ألماني)
ترجمة محمد عبد الهادي (أبو سيده).
١٥٢ ـ عمر بن
أبي ربيعة ـ جبرائيل جبور ـ دار العلم للملايين ـ الطبعة الثالثة ـ ١٩٧٩. بيروت.
١٥٣ ـ تاريخ الإسلام
ووفيات المشاهير والأعلام ـ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ـ تحقيق عمر
عبد السلام تدمري ـ دار الكتاب العربي ـ الطبعة الأولى ـ ١٤٠٧ ه / ١٩٨٧ م.
١٥٤ ـ صلة
تاريخ الطبري ـ عريب بن سعد الدين القرطبي ـ دار المعارف ـ تحقيق محمد أبو الفضل
إبراهيم ـ الناشر : دار المعراف ، ١٩٧٧ م ـ القاهرة ـ مصر.
١٥٥ ـ تكملة
تاريخ الطبري ـ محمد عبد الملك الهمذاني ـ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ـ دار
المعارف ، ١٩٧٧ م. القاهرة ـ مصر.
١٥٦ ـ المنتخب
من ذيل المذيل ـ محمد بن جرير الطبري ـ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ـ دار المعارف
، ١٩٧٧ م. القاهرة ـ مصر.
١٥٧ ـ واسط في
العصر الأموي ـ عبد القادر المعاضيدي ـ الطبعة الأولى ـ ١٣٩٦ ه / ١٩٧٦ م.
١٥٨ ـ معجم
الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي ـ المستشرق زامباور ـ ترجمة الدكتور
زكي محمد حسن وحسن أحمد محمود ـ مطبعة جامعة فؤاد الأول ، ١٩٥١ مصر.
١٥٩ ـ تاريخ
الكوفة الحديث ـ كامل ياسين الجبوري ـ مطبعة الغري ـ الطبعة الأولى ١٣٩٤ ه / ١٩٧
م. النجف.
١٦٠ ـ تاريخ
بغداد ـ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ـ ١٩٣١ م.
١٦١ ـ صحيح
البخاري ـ أبي عبد الله البخاري ـ مطبعة محمد علي صبيح وأولاده ـ مصر.
١٦٢ ـ غرر
الفوائد ودرر القلائد ـ الشريف ، السيد المرتضى ـ دار الكتاب العربي ـ ١٩٦٧ م.
بيروت.
١٦٣ ـ ينابيع
المودة ـ الحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي ـ المطبعة الحيدرية ـ الطبعة
السابعة ـ النجف.
١٦٤ ـ صلح
الإمام الحسن ـ الشيخ راضي آل ياسين ـ مطبعة الإرشاد ـ ١٩٦٥ م ـ بغداد.
١٦٥ ـ في رحاب
علي ـ خالد محمد خالد ـ الطبعة الأولى ـ ١٩٦١ م ـ القاهرة.
١٦٦ ـ وداعا
عثمان ـ خالد محمد خالد ـ الطبعة الثانية ـ ١٩٦٧ م ـ القاهرة.
١٦٧ ـ بين يدي
عمر ـ خالد محمد خالد ـ الطبعة الأولى ـ ١٩٦٤ م ـ القاهرة.
١٦٨ ـ عمدة
الطالب في أنساب آل أبي طالب ـ جمال الدين أحمد بن علي الحسني ـ دار الأندلس
للطباعة والنشر والتوزيع ـ النجف.
١٦٩ ـ الصواعق
المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة ـ مكتبة القاهرة ـ دار الطباعة المحمدية.
١٧٠ ـ ديوان
الفرزدق ـ قدم له كرم البستاني ـ طبع دار صادر ـ بيروت.
١٧١ ـ رجال
الكشي ـ أبو عمرو محمد بن عبد العزيز الكشي ـ قدم وعلق عليه أحمد الحبشي ـ مؤسسة
الأعلمي للمطبوعات ـ كربلاء.
١٧٢ ـ تنقيح
المقال ـ عبد الله المامقاني ـ المطبعة المرتضوية ـ ١٣٥٠ ه / النجف.
١٧٣ ـ الطبقات
الكبرى ـ محمد بن سعد ـ دار بيروت للطباعة والنشر ـ ١٣٧٦ ه / ١٩٥٧ م.
١٧٤ ـ العقد
الفريد ـ أبي عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي ـ مطبعة لجنة التأليف والترجمة
و
النشر ـ الطبعة
الثالثة ـ ١٣٨٤ ه / ١٩٦٥ م ـ القاهرة.
١٧٥ ـ رجال حول
الرسول ـ خالد محمد خالد ـ دار الكتب الحديثة ـ القاهرة.
١٧٦ ـ مقاتل
الطالبيين ـ أبي الفرج الأصبهاني ـ دار المعرفة ـ بيروت.
١٧٧ ـ عيون
التواريخ ـ محمد بن شاكر الكتبي ـ دار الحرية للطباعة ـ ١٩٧٧ م ـ بغداد ، المتوفى
سنة (٧٦٤) ه
١٧٨ ـ التاريخ
السياسي للدولة العربية ـ عصر الخلافة الأموية ـ د. عبد المنعم ماجد.
١٧٩ ـ العراق
في التاريخ ـ لجنة من الأساتذة ـ ١٩٨٣ م.
١٨٠ ـ العبر في
خبر من غبر ـ الحافظ الذهبي ـ تحقيق صلاح الدين المنجد ـ مطبعة حكومة الكويت ـ الطبعة
الثانية ـ ١٩٨٤ م ـ الكويت.
١٨١ ـ جواهر
الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب ـ أحمد الهاشمي بك ـ مطبعة السعادة ـ الطبعة الرابعة
عشر ـ ١٣٤٧ ه / ١٩٢٨ م ـ مصر.
١٨٢ ـ الحضارة
الإسلامية في القرن الرابع الهجري ـ آدم متز ـ الناشر : دار الكتاب العربي ـ الطبعة
الرابعة ـ ١٣٨٧ ه / ١٩٦٧ م ـ بيروت ـ لبنان.
١٨٣ ـ أخبار
الراضي لله والمتقي لله من سنة (٣٣٣ ـ ٣٢٢) ه ـ أبي بكر محمد بن يحيى الصولي ـ عنى
بنشره ج. هيورث. دن ـ مطبعة الصاوي ـ مصر.
١٨٤ ـ صبح
الأعشى في صناعة الإنشا ـ أبي العباس أحمد بن علي القلقشندي ـ (٨٢١) ه ـ مطابع
كوستاتسوماس وشركاه ـ مصر.
١٨٥ ـ عيون
الأخبار ـ أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (٢٧٦ ـ ٢١٣) ه ـ المؤسسة المصرية
العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر.
١٨٦ ـ وفيات
الأعيان وأبناء الزمان ـ شمس الدين أحمد بن محمد ـ تحقيق محمد محي الدين. ١٣٦٨ ه
/ ١٩٤٨ م ـ القاهرة.
١٨٧ ـ تاريخ
خليفة بن خياط ـ تحقيق أكرم العمري ـ ١٩٦٣ بغداد.
١٨٨ ـ الإمامة
والسياسة ـ أبو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى سنة ٢٧٢ ه).
١٨٩ ـ صفة
الصفوة ـ ابن الجوزي ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.
١٩٠ ـ المقدمة
ـ ابن خلدون ـ دار البيان.
١٩١ ـ الكامل
في الأدب ـ أبو العباس محمد ـ بن يزيد المبرد ـ دار نهضة مصر للطبع والنشر ـ مطبعة
نهضة مصر بالفجالة.
١٩٢ ـ الكامل
في التاريخ ـ ابن الأثير ـ دار صادر للطباعة والنشر ، دار بيروت للطباعة والنشر ـ ١٣٨٥
ه / ١٩٦٥ م. بيروت.
١٩٣ ـ الإرشاد
في معرفة حجج الله على العباد ـ أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبرى
البغدادي" المتوفي سنة ٤٢٣ ه" ـ دار المفيد للطباعة والنشر بيروت ـ لبنان.
١٩٤ ـ محاضرات
تاريخ الأمم الإسلامية ـ الدولة الأموية ـ محمد الخضري بك ـ المكتبة التجارية
الكبرى ـ ١٩٦٩ ـ مصر.
١٩٥ ـ أنباه
الرواة على أنباه النحاة ـ الوزير جمال الدين أبي الحسن علي ابن يوسف القطبي ،
المتوفى سنة (٦٢٤) ه ـ تحقيق محمد أبو الفضل
إبراهيم ـ دار الفكر العربي ـ القاهرة ، ومؤسسة الكتب الثقافية ـ الطبعة
الأولى ـ ١٤٠٦ ه / ١٩٨٦ م ـ بيروت.
١٩٦ ـ الإصابة
في تمييز الصحابة ـ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي العسقلاني ـ دار إحياء
التراث العربي.
١٩٧ ـ أسد
الغابة في معرفة الصحابة ـ عز الدين ـ ١٩٧٠.
١٩٨ ـ حياة
الإمام الحسن بن علي ـ باقر شريف القرشي ـ الطبعة الثانية ـ مطبعة الآداب ـ النجف
الأشرف (١٣٨٥ ه / ١٩٦٦ م).
١٩٩ ـ كليلة
ودمنة ـ عبد الله بن المقفع ، المتوفى سنة ١٤٢ ه ـ مطبعة كوتيب أوفسات ـ تونس ـ ١٩٧٦
م.
٢٠٠ ـ المزارات
المعروفة في الكوفة ـ الدكتور عباس كاظم مراد ـ مطبعة القضاء ـ ١٣٩١ ه / ١٩٧١ م ـ
النجف الأشرف ـ العراق.
٢٠١ ـ في رحاب
أئمة أهل البيت ـ محسن الأمين العاملي ـ دار التعارف للمطبوعات ، ١٤١٢ ه / ١٩٩٢ م
ـ بيروت ـ لبنان.
٢٠٢ ـ تعريف
القدماء بأبي العلاء المعري ـ بإشراف طه حسين ـ الدار القومية للطباعة والنشر ـ ١٣٨٤
ه / ١٩٦٥ م ـ القاهرة ـ الجمهورية العربية المتحدة.
٢٠٣ ـ الطبقات
ـ خليفة بن خياط ـ تحقيق أكرم ضياء العمري ـ مطبعة العاني ـ الطبعة الأولى ، ١٣٨٧
ه / ١٩٦٧ م.
٢٠٤ ـ شرح نهج
البلاغة ـ محمد عبده ـ المطبعة الرحمانية ـ مصر.
٢٠٥ ـ مسند
الإمام أحمد بن حنبل ـ المكتب الإسلامي للطباعة والنشر ـ دار صادر للطباعة والنشر
ـ الطبعة الأولى ـ ١٣٨٩ ه / ١٩٨٩ م ـ بيروت.
٢٠٦ ـ في الأدب
الجاهلي ـ طه حسين ـ دار المعارف في مصر ـ الطبعة
الثانية.
٢٠٧ ـ طرفة
الأصحاب في معرفة الأنساب ـ السلطان عمر بن يوسف بن رسول ـ تحقيق : ك. و. سترستين
ـ دار صادر ، ١٤١٢ ه / ١٩٩٢ ـ بيروت ـ لبنان.
٢٠٨ ـ أبو طالب
ـ عبد العزيز سيد الأهل ـ المكتبة العلمية ومطبعتها ـ الطبعة الثانية ـ ١٩٦١ ـ القاهرة.
٢٠٩ ـ معجم
مصطلحات الشريعة والقانون ـ عبد الواحد كرم ـ دار المناهج ـ الطبعة الثانية.
٢١٠ ـ مراتب
النحويين ـ أبو الطيب اللغوي ـ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ـ دار الفكر العربي.
٢١١ ـ القصائد
السبع العلويات ـ عبد الحميد بن أبو الحديد المعتزلي ـ شرح السيد محمد صاحب
المدارك ـ دار الفكر ـ ١٣٧٤ ه / ١٩٥٥ م ـ بيروت.
٢١٢ ـ تاريخ
المدينة المنورة ـ أبو زيد عمر بن شبه النميري ، البصري ، المتوفى سنة ٢٦٢ ه ـ دار
الكتب العلمية ـ الطبعة الأولى ـ ١٤١٧ ه / ١٩٩٦ ـ بيروت ـ لبنان.
٢١٣ ـ الإمام
علي صوت العدالة الإنسانية ـ جورج جرداق ـ قدم له ميخائيل نعيمة ـ طبع الكتاب في ٧
نيسان سنة ١٩٦٥ م.
٢١٤ ـ التاريخ
الكبير ـ ثقة الدين أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن الحسين بن عساكر
الشافعي ـ ترتيب وتصحيح عبد القادر بدران ـ مطبعة روضة الشام سنة ١٣٣٠ ه المتوفى
في شهر رجب من سنة ٥٧١ للهجرة والمعروف بتاريخ ابن عساكر وعددها (٨٠) مجلد.
٢١٥ ـ ذيل جمهرة
الخطب ـ أحمد زكي صفوت ـ
٢١٦ ـ قضاء
العرب ـ حسن مغنيه ـ مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر.
٢١٧ ـ الآداب
الدينية ـ مهدي خضير العوادي ـ منشورات مكتبة براثا رقم (١) سنة ١٣٧٧ ه
٢١٨ ـ بحار
الأنوار ـ محمد باقر المجلسي ، المتوفى سنة ١١١١ ه ـ المطبعة الإسلامية ـ جمادي
الأولى ـ ١٣٨٥ ه ـ طهران.
٢١٩ ـ إمتاع
الأسماء ـ تقي الدين أحمد بن علي المقريزي ـ مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ـ
١٩٤١ م ـ القاهرة.
٢٢٠ ـ كنز
العمال ـ المتقي الهندي ـ مطبعة دائرة المعارف النظامية ـ ١٣١٢ ه ـ حيدر آباد ـ الدكن.
٢٢١ ـ خصائص
النسائي ـ الإمام الحافظ أبو عبد الله أحمد بن شعيب النسائي المتوفي سنة ٣٠٣ ه ـ مطبعة
التقدم العلمية ـ مصر.
٢٢٢ ـ فضائل
الخمسة من الصحاح الستة ـ مرتضى الحسيني (الفيروز آبادي) ـ منشورات مؤسسة الأعلمي
للمطبوعات ـ الطبعة الثالثة ـ ١٣٩٣ ه / ١٩٧٣ م. بيروت ـ لبنان.
٢٢٣ ـ التفسير
الكبير ـ الفخر الرازي ـ نشر عبد الرحمن محمد ـ المطبعة البهية المصرية.
٢٢٤ ـ صحيح ابن
ماجه (سنن ابن ماجه) أبي داود ـ دار الكتاب العربي.
١٣١٨ ه
٢٢٥ ـ مستدرك
الصحيحين للحاكم.
٢٢٦ ـ الرياض
النضرة.
٢٢٧ ـ شرح
ديوان سقط الزند ـ أبو العلاء المعري ـ دار بيروت للطباعة والنشر ودار صادر
للطباعة والنشر ـ ١٣٧٦ ه / ١٩٥٧ م ـ
بيروت.
٢٢٨ ـ الكشكول
ـ بهاء الدين العاملي (٩٥٣ ه / ١٩٣١ م) ـ المطبعة الحيدرية ـ ١٣٩٣ ه / ١٩٧٣ م ـ النجف
الأشرف.
٢٢٩ ـ أدب الطف
ـ جواد شبّر ـ منشورات مؤسسة أعلمي للمطبوعات ـ الطبعة الأولى ـ ١٣٨٨ ـ ه / ١٩٦٩ م
ـ بيروت ـ لبنان.
٢٣٠ ـ ديوان
اليعقوبي ـ محمد علي اليعقوبي ـ مطبعة النعمان ـ الطبعة الأولى ـ ١٣٧٦ ه / ١٩٥٧ م
ـ النجف الأشرف.
٢٣١ ـ الوزراء
والكتاب ـ أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري (المتوفى سنة ٣٣١ ه) ـ حققه ووضع
فهارسه مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي ـ مطبعة مصطفى البابي
الجلبي وأولاده ـ الطبعة الأولى ـ ١٣٥٧ ه / ١٩٣٨ م.
٢٣٢ ـ بنو
خفاجه وتاريخهم السياسي والأدبي ـ محمد عبد المنعم خفاجي ـ المطبعة الفاروقية
الحديثة ـ الطبعة الأولى ١٣٦٩ ه / ١٩٥٠ م ـ القاهرة.
٢٣٣ ـ الإمارة
المزيدية ـ الدكتور عبد الجبار ناجي ـ دراسة في وضعها السياسي والاقتصادي
والاجتماعي (٥٥٨ ـ ٣٨٧) ه ـ دار الطباعة الحديثة.
٢٣٤ ـ فرحة
الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهالسلام) في النجف ـ غياث
الدين السيد عبد الكريم بن طاووس (المتوفى سنة ٦٩٣ للهجرة) ـ منشورات المطبعة
الحيدرية ـ الطبعة الثانية ـ ١٣٦٨ ه ـ النجف.
٢٣٥ ـ ماضي
النجف وحاضرها ـ الشيخ جعفر الشيخ باقر آل محبوبة ـ مطبعة الآداب ـ الطبعة الثانية
ـ ١٣٧٨ ه ـ ١٩٥٨ م.
٢٣٦ ـ الأحكام
السلطانية والولايات الدينية ـ أبي الحسن علي بن محمد ابن حبيب البصري البغدادي
الماوردي (المتوفى سنة ٤٥٠ للهجرة) ـ دراسة وتحقيق الدكتور محمد جاسم الحديثي ـ مطبعة
المجمع العلمي ـ ١٤٢٢ ه ـ ٢٠٠١ م.
٢٣٧ ـ نصيحة
الملوك ـ أقضى القضاة أبي الحسن علي بن محمد الماوردي البصري المتوفى سنة ٥٤٠
للهجرة ـ تحقيق الدكتور محمد جاسم الحديثي ـ وزارة الثقافة والإعلام العراقية ـ ١٤٠٦
ه ـ ١٩٨٦ م.
٢٣٨ ـ أمثال
العرب ـ تصنيف القاضي أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد.
٢٣٩ ـ أضواء
على سيرة العلامة الشيخ عبد الحسين آل خليفة ـ حسين هادي القرشي ـ ١٤٢٣ ـ ٢٠٠٣ م.
فهرست بامراء الكوفة
في العهد الراشدي
|
المقدمة
|
٧
|
٨ ـ أبو موسى الأشعري
|
٥٩
|
|
كوفة الجند
|
٩
|
٩ ـ جبير بن مطعم
|
٦٦
|
|
كوفة القبائل
|
١٠
|
١٠ ـ المغيرة بن شعبة
|
٦٩
|
|
كوفة العلم والأدب
|
١١
|
١١ ـ سعد بن أبي وقّاص
|
٧٩
|
|
النحاة الكوفيون
|
١٣
|
١٢ ـ الوليد بن عقبة
|
٧٩
|
|
اللغويون الكوفيون
|
١٤
|
١٣ ـ سعيد بن العاص
|
٨٧
|
|
شعراء الكوفة
|
١٤
|
١٤ ـ عمرو بن حريث
|
٩٥
|
|
الخطّ الكوفي
|
١٥
|
١٥ ـ ثابت بن قيس بن الخطيم الأنصاري
|
٩٩
|
|
ما قيل في الكوفة
|
١٦
|
١٦ ـ يزيد بن قيس الأرحبيّ
|
١٠٠
|
|
(عمال الكوفة) أو (ولاة الكوفة) أو (أمراء الكوفة) كما
أسميتهم
|
١٨
|
١٧ ـ مالك الأشتر
|
١٠٣
|
|
١ ـ سعد بن أبي وقّاص
|
٣٣
|
١٨ ـ أبو موسى الأشعري
|
١٠٦
|
|
٢ ـ محمّد بن مسلمة الحارثي
|
٣٩
|
١٩ ـ عمارة بن شهاب
|
١٠٧
|
|
٣ ـ عبد الله بن مسعود
|
٤١
|
٢٠ ـ قرضة بن كعب الأنصاريّ
|
١٠٨
|
|
٤ ـ عبد الله بن عبد الله بن عتبان
|
٤٨
|
٢١ ـ الإمام عليّ بن أبي طالب
|
١١١
|
|
٥ ـ زياد بن حنظلة
|
٥٠
|
٢٢ ـ أبو مسعود الأنصاري
|
١٢٣
|
|
٦ ـ عمّار بن ياسر
|
٥٢
|
٢٣ ـ هاني بن هوذة النخعيّ
|
١٢٦
|
|
٧ ـ عبد الله بن مسعود
|
٥٩
|
٢٤ ـ الإمام الحسن بن عليّ
|
١٢٦
|
|
|
|
٢٥ ـ المغيرة بن نوفل
|
١٣٩
|
فهرس بامراء الكوفة
في العصر الاموي
|
١ ـ معاوية
بن أبي سفيان
|
١٤٧
|
٢١ ـ المختار
بن عبيد الثقفيّ
|
٢٣٢
|
|
٢ ـ سعيد بن
زيد بن عمرو
|
١٥٨
|
٢٢ ـ السائب
بن مالك الأشعري
|
٢٣٨
|
|
٣ ـ عبد الله
بن عمرو بن العاص
|
١٦٢
|
٢٣ ـ مصعب بن
الزبير
|
٢٤١
|
|
٤ ـ المغيرة
بن شعبة
|
١٦٨
|
٢٤ ـ الحارث
بن عبد الله بن أبي ربيعة
|
٢٤٧
|
|
٥ ـ عبد الله
بن عامر
|
١٦٨
|
٢٥ ـ عبد
الملك بن مروان
|
٢٥٢
|
|
٦ ـ عتيبة بن
النهّاش
|
١٧٤
|
٢٦ ـ قطن بن
عبد الله الحارثي
|
٢٦٠
|
|
٧ ـ عروة بن
المغيرة
|
١٧٧
|
٢٧ ـ بشر بن
مروان
|
٢٦٢
|
|
٨ ـ جرير بن
عبد الله البجليّ
|
١٧٩
|
٢٨ ـ عمرو بن
حريث
|
٢٦٧
|
|
٩ ـ زياد بن
أبيه
|
١٨٤
|
٢٩ ـ الحجّاج
بن يوسف الثقفيّ
|
٢٦٧
|
|
١٠ ـ عمرو بن
حريث
|
١٩٦
|
٣٠ ـ عروة بن
المغيرة بن شعبة
|
٢٧٨
|
|
١١ ـ خالد بن
عبد الله بن أسيد
|
١٩٦
|
٣١ ـ حوشب بن
يزيد الشيبانيّ
|
٢٧٩
|
|
١٢ ـ الضحّاك
بن قيس الفهريّ
|
١٩٧
|
٣٢ ـ البراء
بن أبي قبيصة الثقفيّ
|
٢٨٥
|
|
١٣ ـ عبد
الرحمن بن أمّ الحكم
|
٢٠٢
|
٣٣ ـ شبيب
الخارجيّ
|
٢٨٧
|
|
١٤ ـ النعمان
بن بشير الأنصاريّ
|
٢٠٦
|
٣٤ ـ عتاب بن
ورقاء الشيبانيّ
|
٢٩٠
|
|
١٥ ـ عبيد
الله بن زياد
|
٢١٣
|
٣٥ ـ المغيرة
بن عبد الله بن أبي عقيل الثقفيّ
|
٢٩٤
|
|
١٦ ـ عمرو بن
حريث
|
٢٢٠
|
٣٦ ـ عبد
الرحمن الخصرميّ
|
٢٩٥
|
|
١٧ ـ عامر بن
مسعود بن خلف
|
٢٢١
|
٣٧ ـ مطر بن
ناجية اليربوعي
|
٢٩٧
|
|
١٨ ـ عبد
الله بن يزيد الخطميّ
|
٢٢٢
|
|
|
|
١٩ ـ عبد
الله بن مطيع العدويّ
|
٢٢٦
|
|
|
|
٢٠ ـ شبث بن
ربعيّ
|
٢٣٠
|
|
|
|
٣٨ ـ عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث
|
٢٩٩
|
٦٢ ـ الصقر
بن عبد الله المزنيّ
|
٣٦٧
|
|
٣٩ ـ عبد
الله بن اسحاق بن الأشعث
|
٣٠٣
|
٦٣ ـ موسى بن
طلحة
|
٣٦٨
|
|
٤٠ ـ عمرو بن
هاني العنسيّ
|
٣٠٥
|
٦٤ ـ خالد بن
عبد الله القسريّ
|
٣٧٠
|
|
٤١ ـ زياد بن
جرير بن عبد الله البجليّ
|
٣٠٧
|
٦٥ ـ عبد
الملك بن جزء بن حدرجان
|
٣٨٤
|
|
٤٢ ـ المغيرة
بن أبي عقيل
|
٣٠٨
|
٦٦ ـ إسماعيل
بن أوسط البجليّ
|
٣٨٥
|
|
٤٣ ـ عبد
الرحمن بن الحجّاج بن يوسف الثقفيّ
|
٣٠٨
|
٦٧ ـ عبد
الله بن عمرو البجليّ
|
٣٨٨
|
|
٤٤ ـ يزيد بن
أبي مسلم
|
٣٠٨
|
٦٨ ـ عاصم بن
عمرو البجليّ
|
٣٨٨
|
|
٤٥ ـ يزيد بن
أبي كبشة
|
٣١٣
|
٦٩ ـ ضبيس بن
عبد الله البجليّ
|
٣٨٨
|
|
٤٦ ـ عبد
الرحمن بن أبي كبشة
|
٣١٦
|
٧٠ ـ نوف
الأشعري
|
٣٨٩
|
|
٤٧ ـ صالح بن
عبد الرحمن
|
٣١٦
|
٧١ ـ زياد بن
عبيد الله الحارثي
|
٣٨٩
|
|
٤٨ ـ يزيد بن
المهلّب
|
٣١٩
|
٧٢ ـ طارق بن
أبي زياد
|
٣٩٢
|
|
٤٩ ـ حرملة
بن عمير اللخميّ
|
٣٢٩
|
٧٣ ـ يزيد بن
خالد القسريّ
|
٣٩٤
|
|
٥٠ ـ بشير بن
حسّان النهديّ
|
٣٢٩
|
٧٤ ـ يوسف بن
عمر
|
٣٩٦
|
|
٥١ ـ سفيان
بن حريش الخولانيّ
|
٣٣٠
|
٧٥ ـ الحكم
بن الصلت
|
٤٠٤
|
|
٥٢ ـ الجرّاح
بن عبد الله الحكميّ
|
٣٣٠
|
٧٦ ـ حوشب بن
يزيد بن رويم الشيبانيّ
|
٤٠٨
|
|
٥٣ ـ عبد
الحميد بن عبد الرحمن
|
٣٣٣
|
٧٧ ـ يوسف بن
محمّد بن الحكم
|
٤٠٨
|
|
٥٤ ـ عدي بن
أرطأة
|
٣٢٧
|
٧٨ ـ محمّد
بن عبيد الله الثقفيّ
|
٤١٠
|
|
٥٥ ـ مسلمة
بن عبد الملك
|
٣٤٢
|
٧٩ ـ المغيرة
بن عبد الله بن أبي عقيل الثقفيّ
|
٤١٠
|
|
٥٦ ـ عبد
الرحمن بن سليم الكلبيّ
|
٣٥٠
|
٨٠ ـ منصور
بن جمهور
|
٤١٠
|
|
٥٧ ـ عبد
الملك بن بشر بن مروان
|
٣٥٢
|
٨١ ـ عبيد
الله بن العباس الكنديّ
|
٤١٤
|
|
٥٨ ـ محمّد
بن عمرو (ذو الشامة)
|
٣٥٥
|
٨٢ ـ عبد
الله بن عمر بن عبد العزيز
|
٤١٦
|
|
٥٩ ـ عمر بن
هبيرة الفزاري
|
٣٥٧
|
٨٣ ـ عبيد
الله بن العباس الكنديّ
|
٤١٨
|
|
٦٠ ـ عبد
العزيز بن الحارث
|
٣٦٣
|
٨٤ ـ عاصم بن
عمر بن عبد العزيز
|
٤١٨
|
|
٦١ ـ سعيد بن
عمر الحرشي
|
٣٦٤
|
٨٥ ـ عبد
الله بن معاوية
|
٤٢١
|
|
|
|
٨٦ ـ عمر بن
عبد الحميد الخطاب
|
٤٣٠
|
|
٨٧ ـ إسماعيل بن عبد الله القسريّ
|
٤٣١
|
٩٦ ـ عبيدة
بن سوّار التغلبي وقيل الثعلبيّ
|
٤٤٥
|
|
٨٨ ـ عبد
الصمد بن إبان بن النعمان
|
٤٣٤
|
٩٧ ـ يزيد بن
عمر بن هبيرة
|
٤٤٦
|
|
٨٩ ـ عاصم بن
عمر بن عبد العزيز
|
٤٣٤
|
٩٨ ـ عبد
الرحمن بن بشير العجلي
|
٤٥٤
|
|
٩٠ ـ النضر
بن سعيد الحرشي
|
٤٣٥
|
٩٩ ـ زياد بن
صالح الحارثيّ
|
٤٥٦
|
|
٩١ ـ الضحّاك
بن قيس الشيبانيّ
|
٤٣٧
|
١٠٠ ـ حوثرة
بن سهيل الباهلي
|
٤٥٩
|
|
٩٢ ـ ملحان
بن معروف الشيبانيّ
|
٤٤٢
|
١٠١ ـ محمّد
بن خالد القسريّ
|
٤٦١
|
|
٩٣ ـ حسّان
الحروري
|
٤٤٣
|
ملاحظة
|
٤٦٣
|
|
٩٤ ـ سعد
الخصيّ الأزدي
|
٤٤٤
|
١٠٢ ـ الحسن
بن قحطبة
|
٤٦٤
|
|
٩٥ ـ المثنى
بن عمران العائذيّ
|
٤٤٤
|
١٠٣ ـ أبو
سلمة الخلّال
|
٤٦٥
|
فهرست بامراء الكوفة
في العصر العباسي
|
١ ـ أبو
العبّاس السفّاح
|
٤٧٣
|
٢٢ ـ محمّد
بن إبراهيم
|
٥٤٣
|
|
٢ ـ داود بن
عليّ
|
٤٧٨
|
٢٣ ـ عبيد
الله بن محمّد بن إبراهيم
|
٥٤٤
|
|
٣ ـ عيسى بن
موسى
|
٤٨٢
|
٢٤ ـ يعقوب
بن أبي جعفر المنصور
|
٥٤٤
|
|
٤ ـ طلحة ابن
إسحاق
|
٤٩٢
|
٢٥ ـ يحيى بن
بشر بن جحوان الحارثيّ
|
٥٤٥
|
|
٥ ـ أبو جعفر
المنصور
|
٤٩٢
|
٢٦ ـ محمّد
بن بشر بن جحوان الأسديّ
|
٥٤٥
|
|
٦ ـ محمّد بن
سليمان
|
٥٠٣
|
٢٧ ـ العبّاس
بن موسى بن عيسى
|
٥٤٦
|
|
٧ ـ عمرو بن
زهير الضبيّ
|
٥١١
|
٢٨ ـ إسحاق
بن الصباح الكندي
|
٥٤٧
|
|
٨ ـ إسماعيل
بن أبي إسماعيل الثقفي
|
٥١٢
|
٢٩ ـ موسى بن
عيسى
|
٥٤٧
|
|
٩ ـ أشعث بن
عبد الرحمن الأشعثي
|
٥١٢
|
٣٠ ـ جعفر بن
أبي جعفر المنصور
|
٥٤٧
|
|
١٠ ـ إسماعيل
بن عليّ
|
٥١٣
|
٣١ ـ منصور
بن عطاء الخراساني
|
٥٥٠
|
|
١١ ـ عيسى بن
لقمان الجمحي
|
٥١٦
|
٣٢ ـ موسى بن
عيسى
|
٥٥٠
|
|
١٢ ـ شريك بن
عبد الله النخعي
|
٥١٧
|
٣٣ ـ محمّد (الأمين)
بن هارون الرشيد
|
٥٥٠
|
|
١٣ ـ إسحاق
بن الصباح الكندي
|
٥٢٣
|
٣٤ ـ العبّاس
بن موسى الهادي
|
٥٥٨
|
|
١٤ ـ إسحاق
بن منصور
|
٥٢٥
|
٣٥ ـ الفضل
بن العبّاس بن موسى بن عيسى
|
٥٦٠
|
|
١٥ ـ يزيد بن
منصور
|
٥٢٥
|
٣٦ ـ طاهر بن
الحسين
|
٥٦١
|
|
١٦ ـ هاشم بن
سعيد بن منصور
|
٥٢٦
|
٣٧ ـ الحسن
بن سهل
|
٥٦٧
|
|
١٧ ـ صالح بن
داود بن عليّ
|
٥٢٧
|
٣٨ ـ سليمان
بن أبي جعفر المنصور
|
٥٧٣
|
|
١٨ ـ روح بن
حاتم
|
٥٢٨
|
|
|
|
١٩ ـ محمّد
بن سليمان
|
٥٣٢
|
|
|
|
٢٠ ـ موسى بن
عيسى
|
٥٣٣
|
|
|
|
٢١ ـ العبّاس
بن موسى بن عيسى
|
٥٣٩
|
|
|
|
٣٩ ـ خالد بن محجل الضبي
|
٥٧٧
|
٦٤ ـ أيّوب
بن حسن بن موسى
|
٦٣٦
|
|
٤٠ ـ محمّد
بن إبراهيم بن طباطبا
|
٥٧٨
|
٦٥ ـ يحيى بن
عمر بن يحيى
|
٦٣٧
|
|
٤١ ـ السري
بن منصور أبو السرايا
|
٥٨٣
|
٦٦ ـ الحسين
بن إسماعيل
|
٦٤١
|
|
٤٢ ـ محمّد
بن محمّد بن زيد
|
٥٨٧
|
٦٧ ـ أحمد بن
نصير بن حمزة
|
٦٤٣
|
|
٤٣ ـ إسماعيل
بن عليّ بن إسماعيل
|
٥٨٩
|
٦٨ ـ الحسين
بن أحمد بن حمزة
|
٦٤٤
|
|
٤٤ ـ أشعث بن
عبد الرحمن الأشعثي
|
٥٩٠
|
٦٩ ـ محمّد
بن جعفر بن حسن
|
٦٤٥
|
|
٤٥ ـ هرثمة
بن أعين
|
٥٩٠
|
٧٠ ـ عبد
الرحمن الأشعثي
|
٦٤٦
|
|
٤٦ ـ المنصور
بن المهدي
|
٥٩٤
|
٧١ ـ مزاحم
بن خاقان
|
٦٤٧
|
|
٤٧ ـ غسان بن
أبي الفرج
|
٥٩٧
|
٧٢ ـ أبو
الساج
|
٦٤٩
|
|
٤٨ ـ أبو عبد
الله (أخو أبو السرايا)
|
٦٠١
|
٧٣ ـ عيسى بن
جعفر وعليّ بن زيد
|
٦٥١
|
|
٤٩ ـ حميد بن
عبد الحميد الطوسي
|
٦٠١
|
٧٤ ـ عليّ بن
زيد
|
٦٥٢
|
|
٥٠ ـ العبّاس
بن موسى بن جعفر
|
٦٠٦
|
٧٥ ـ كيجور
التركي
|
٦٥٤
|
|
٥١ ـ هارون
بن محمّد
|
٦٠٨
|
٧٦ ـ أبو
أحمد (الموفّق) بن المتوكّل
|
٦٥٥
|
|
٥٢ ـ سعيد بن
الساجور وأبو البط
|
٦٠٩
|
٧٧ ـ الهيثم
العجلي
|
٦٦١
|
|
٥٣ ـ الفضل
بن محمّد بن الصباح الكندي
|
٦١١
|
٧٨ ـ محمّد
بن أحمد الطائي
|
٦٦٢
|
|
٥٤ ـ غسان بن
أبي الفرج
|
٦١٢
|
٧٩ ـ إسحاق
بن عمران
|
٦٦٥
|
|
٥٥ ـ الهول ـ
ابن أخي سعيد بن الساجور
|
٦١٣
|
٨٠ ـ إبراهيم
المسمعيّ
|
٦٦٧
|
|
٥٦ ـ إبراهيم
بن المهدي
|
٦١٣
|
٨١ ـ نزار
محمّد الضبي
|
٦٦٨
|
|
٥٧ ـ أبو
عيسى بن هارون الرشيد
|
٦٢٢
|
٨٢ ـ نجح
الطولوني
|
٦٧٠
|
|
٥٨ ـ محمّد
بن الليث
|
٦٢٧
|
٨٣ ـ (أبو
الهيجاء) عبد الله بن حمدان
|
٦٧١
|
|
٥٩ ـ عبيد
الله بن عبد الله
|
٦٢٧
|
٨٤ ـ مؤنس
المظفر
|
٦٧٤
|
|
٦٠ ـ طاهر بن
الحسين
|
٦٢٧
|
٨٥ ـ ياقوت
|
٦٧٨
|
|
٦١ ـ المنتصر
بالله
|
٦٢٨
|
٨٦ ـ جعفر بن
ورقاء الشيباني
|
٦٨١
|
|
٦٢ ـ محمّد
بن عبد الله بن طاهر
|
٦٣٣
|
٨٧ ـ محمّد
بن إسماعيل بن جعفر
|
٦٨٥
|
|
٦٣ ـ العبّاس
بن المستعين بالله
|
٦٣٦
|
٨٨ ـ أبو
طاهر القرمطي
|
٦٨٥
|
|
|
|
٨٩ ـ يوسف بن
أبي الساج
|
٦٨٩
|
|
٩٠ ـ أحمد بن عبد الرحمن
|
٦٩٢
|
١٠٩ ـ عليّ
بن مزيد الأسدي
|
٧٢٢
|
|
٩١ ـ عيسى بن
موسى
|
٦٩٣
|
١١٠ ـ دبيس
بن عليّ بن مزيد الأسدي
|
٧٢٤
|
|
٩٢ ـ هارون
بن غريب الخال
|
٦٩٤
|
١١١ ـ منيع
بن حسّان
|
٧٢٥
|
|
٩٣ ـ محمّد
بن ورقاء (أبو الفوارس)
|
٦٩٦
|
١١٢ ـ الحسن
بن أبي البركات
|
٧٢٦
|
|
٩٤ ـ محمّد
بن يزداد
|
٦٩٧
|
١١٣ ـ محمود
بن الأخرم الخفاجي
|
٧٢٧
|
|
٩٥ ـ لؤلؤ
|
٦٩٧
|
١١٤ ـ رجب بن
منيع
|
٧٢٧
|
|
٩٦ ـ بجكم
التركي
|
٦٩٨
|
١١٥ ـ بركة
بن المقلد
|
٧٢٨
|
|
٩٧ ـ أبو
الحسن بن هارون
|
٧٠٣
|
١١٦ ـ قريش
بن بدران العقيلي
|
٧٢٩
|
|
٩٨ ـ أبو بكر
البرجمالي
|
٧٠٣
|
١١٧ ـ منصور
بن دبيس
|
٧٣١
|
|
٩٩ ـ المبرقع
|
٧٠٤
|
١١٨ ـ صدقه
بن منصور
|
٧٣٢
|
|
١٠٠ ـ أبو
بكر بن محمّد بن عليّ بن شاهويه
|
٧٠٤
|
١١٩ ـ الأمير
جنغل قتلغ
|
٧٣٤
|
|
١٠١ ـ الأمير
جكفل
|
٧٠٨
|
١٢٠ ـ الأمير
قايماز
|
٧٣٥
|
|
١٠٢ ـ الأمير
خمارتكين الحسداني
|
٧٠٨
|
١٢١ ـ الأمير
قاياز
|
٧٣٧
|
|
١٠٣ ـ الأمير
أبو طريف
|
٧٠٩
|
١٢٢ ـ الأمير
أرغش
|
٧٣٧
|
|
١٠٤ ـ إسحاق
وجعفر الهجريان
|
٧١٠
|
١٢٣ ـ الوزير
ابن هبيرة
|
٧٣٨
|
|
١٠٥ ـ المقلد
بن المسيّب العقيلي
|
٧١١
|
١٢٤ ـ الأمير
قيران الناصري
|
٧٤٠
|
|
١٠٦ ـ قرواش
بن المقلد
|
٧١٣
|
١٢٥ ـ شمس
الدين أبو القاسم
|
٧٤١
|
|
١٠٧ ـ أبو
عليّ بن ثمال الخفاجي
|
٤٢٠
|
١٢٦ ـ الأمير
عماد الدين
|
٧٤٢
|
|
١٠٨ ـ أبو
جعفر الحجاج
|
٧٢١
|
|
|
|