

بسم الله الرحمن
الرحيم
الافتتاحية
الحمد لله مسدي
المنح والمواهب ، ومغدق النّعم على خلقه من كل جانب ، والصلاة والسلام على سيدنا
المصطفى ، وإمامنا المجتبى ، وأسوتنا المرتضى محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحابته
الذين حملوا دعوة الإسلام إلى أصقاع الأرض ، فآتت أكلها ، واستقام في النفوس عودها
، وجعلت من بلاد الإسلام صرح الحضارة ، وقلعة التمدن ، ومجمع العلوم (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ
نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ، وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً ،
كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ).
أما بعد فإن
خزائن الكتب الإسلامية المتبقية التي سلمت من عوادي الزمان ، ونجت من مصارع الأيام
، لتزخر بنفائس الأسفار ، وأمهات الكتب ، ونوادر الرسائل. غير أنها تحتاج إلى من
يكشف اللّثام عنها ، وينزع السّتر دونها ، ويخرجها إلى الناس في حلّة قشيبة سيراء
، وبردة حبيرة زهراء.
ومن تلك
النوادر الجليلة رسالة «الأمصار ذوات الآثار» للحافظ الذهبي ، التي ظن الناس أن
الضّياع قد غشّاها فيما غشّى ، وكنت ممن يزعم هذا المزعم ، إلى أن عثرت
عليها ضمن أحد المجاميع في المكتبة المحمودية
__________________
بالمدينة المنورة منذ أربع سنين ، فسررت بها غاية السرور ، وبادرت إلى
تصويرها ونسخها أملا في إخراجها وطبعها ، لكن حالت دون ذلك عوائق وصوارف أرجأت
الشروع في خدمتها إلى غرّة شهر ربيع الآخر من سنة ١٤٠٥ حيث بدأت في تحقيقها ،
والتعليق عليها ، وصنع مقدمة مسهبة لها تساعد على فهمها ، حتى تمت على هذه الصورة
المتواضعة التي أرجو أن تحظى بالقبول في الدنيا والآخرة ، والله ولي التوفيق.
|
وكتبه
قاسم علي سعد
في مدينة الرياض ١٢ ربيع الأول سنة ١٤٠٦
|
المقدمة
النهضة العلمية في ظل الدولة الإسلامية
ومواطن ضعفها
قصدت من عقد
هذا المبحث بيان أسباب قوة وضعف الحركة العلمية في بلاد الإسلام ، لكن لما كان
الخوض في هذا الأمر يحوج المتصدي له إلى كثرة الاعتراض والاستطراد في ذكر تواريخ
نشوء الدول وزوالها ، والإشارة إلى نبذ من أحوالها وأخبارها ، اخترت الاستهلال
بمدخل تاريخي يشتمل على عرض صور موجزة للدول الإسلامية المتعاقبة ، مع الإسهاب في
ذكر خبر التتار خاصة. ومن ثمّ أشرع في الموضوع الذي قصدت إليه.
المدخل التاريخي
تعد الأمة
الإسلامية سيدة الأمم في مجال العلم ، ورائدتها في إقامة الحضارة المتوازنة التي
طالما كان يتطلع إليها عقلاء الأمم ، لتنقذهم من غياهب الظّلم والظّلم ، إلى نور
العدل ، وشريعة الحق.
والعلم الذي
أقام تلك الحضارة المشرقة ، هو العلم المؤسّس على الفطرة السليمة التي فطر الله
سبحانه وتعالى الناس عليها.
فالإسلام دعا
إلى العلم ، وحثّ عليه ، وأرشد إليه ، وليس أدلّ على هذا من أن البعثة النبوية
افتتحت بتلك الآيات المباركات : (اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي
__________________
خَلَقَ*
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ...) ولا يخفى على ذي بصيرة أن هذه الآيات فيها دعوة إلى
العلم الموافق لفطرة الإنسان ، المقرّة بوجود رب خالق قاهر ، ومربوب مخلوق مقهور.
وهذا الارتباط
بين العلم والفطرة التي غذتها الرسالة النبوية أدى إلى نجاح الحركة العلمية عند
المسلمين نجاحا باهرا لم تعهده أمة من الأمم.
فقد قامت قديما
وحديثا حركات ومذاهب تدعو إلى العلم على غير هدى ، حيث أهملت جانب الفطرة ،
وانطلقت من نقطة فارغة ، وأخذت تتعثر بنفسها لأنها أرادت الخوض في أمور هي أوسع من
دائرة العقل الإنساني ، فأجهدت نفسها ، وأعدمت قوتها دون طائل ، ومن هنا نرى أن
معظم المذاهب الفلسفية لم تجد نفعا ، ولم تحقق غرضا ، إلا بث الجدليات العقيمة
التي حالت دون تقدم العلم.
فالحضارة لا
تكون سوية إلا إذا نشأت في ظل دين سماوي ، لأن هذا الدين يرسم للإنسان السبيل
القويم ، ويسلك به إلى شاطىء النجاة واليقين ، ويضعه أمام واقع يتجاوب عقل الإنسان
معه.
لقد تأخر العرب
قبل الإسلام عن مسايرة ركب الحضارة ـ مع شدة تقبّل نفوسهم لها ـ لتلك الغشاوة التي
أطبقت على فطرتهم ، فلما بعث سيد البشر ، وخاتم الرسل محمد بن عبد الله صلى الله
عليه وسلم أزال تلك الغشاوة فانطلقوا من عقالهم ، ونشطوا من سكرتهم ، فأصابت
الدعوة إلى العلم شغاف قلوبهم ، وحركت مكامن نفوسهم ، وخاصة عندما رأوا التناسب
الظاهر بينها وبين صلاح طبائعهم ، وصفاء أذهانهم ، وجودة قرائحهم ، وبعد مداركهم ،
فرأيتهم ينهلون من منابع العلم ، ويغرفون من عيونه ، حتى كانوا بعد فترة من الزمن
سادة عصرهم ، ونسيج وحدهم في هذا المجال ، فأقاموا حضارة عظيمة آذنت بأفول
الحضارات السابقة ، ومثلها كمثل الشمس إذا طلعت ، لا تبقي أثرا لسائر الكواكب.
إنها الحضارة
المتوازنة التي تناسب طبيعة الأبدان والأكوان ، وشفافية الأرواح والأذهان.
ولما كان أتباع
هذا الدين الحنيف خلفاء لله في أرضه ، ومستعمرين فيها ، تطلعوا إلى إنقاذ البشرية
كلها من مفاسد الانحراف عن الفطرة ، وهدايتها إلى الطريق السوي ، فبعث النبي صلى
الله عليه وسلم رسله إلى سادة الأرض وملوكها يدعوهم إلى الحق الواضح ؛ وكان في
طليعة هؤلاء المدعويين كسرى ملك الفرس ، وقيصر سيد الروم ، وكانت دولتاهما أعظم
الدول قوة ، وأوسعها رقعة ، وأعتاها حكما ، تقومان على إذلال الإنسان ، واستعباده
، وظلمه ، لكن تلك الدعوة المباركة لم تجد في نفسي كسرى وقيصر أثرا صالحا ، لأنهما
رأيا فيها ذهاب ملكهما ، وضياع عظمتهما.
فلما لم تفلح
حكمة اللسان معهما ، جاءت موعظة السّنان لتفهم هذين الجبارين في الأرض ، أن
الجبروت كله لله ، يعطي ويمنع ، ويرفع ويضع ، ويعز ويذل ، ويؤتي الملك من يشاء ،
وينزعه عمن يشاء.
فلم ينته عصر
الراشدين المهديين إلا وبلاد الفرس والروم بأيدي المسلمين ، بل اتسعت تلك الفتوحات
في عهدهم ، فشملت بلاد خراسان شرقا إلى أطرابلس الغرب ، وباب الأبواب (الدّربند)
ومناطق من آسيا الصغرى شمالا إلى جنوب جزيرة العرب ؛ وبعض الجزر كقبرص ورودس ، هذا
إلى جانب غزوهم لمناطق كثيرة كجرجان ، وطبرستان ، وأذربيجان ، وبلاد ما وراء النهر
في الشرق ، وبلاد النّوبة في الجنوب المصري.
ولم تقف تلك
الفتوحات في عهد خلفاء بني أمية ، بل امتدت لتشمل كافة بلاد السّند ، وبعض بلاد الهند
، وبلاد ما وراء النهر كبخارى وسمرقند والشاش والصّغد وفرغانة إلى حدود الصين ،
وبلاد المغربين الأوسط والأقصى ، وبلاد الأندلس وجنوب فرنسة ـ فرنجة ـ كما قاموا
بحصار حاضرة البيزنطيين «القسطنطينية».
ثم أفل نجم بني
أمية ، وبزغ فجر بني العباس ، فكان الخلفاء في هذا العهد يعملون على تثبيت ملك
الإسلام للبلاد المفتوحة قبلهم ، وعلى ضبط النظام في الداخل ، وقمع الخارجين ، كما
قاموا بفتح بعض البلاد ، وبغزو بلاد الهند والنّوبة باستمرار.
لكن حدث في هذا
العهد ـ أعني العصر الأول لبني العباس ـ خروج بعض البلاد عن حكمهم ، واستقلالها عن سلطانهم ، فاستأثر
عبد الرحمن الداخل الأموي بالأندلس ، وأسس فيها الدولة الأموية ، وكانت حاضرتها
قرطبة ، وأسس الأدارسة دولة في المغرب وحاضرتها مرّاكش ثم فاس ، وكذا فعل الأغالبة
في إفريقيّة ، وكانت حاضرتهم القيروان ، كما قامت في اليمن الدولة الزّيادية
وحاضرتها زبيد ، إلا أن الدولتين الأخيرتين لم تكونا تامة الاستقلال عن الدولة
العباسية.
ثم كان العصر
الثاني للعباسيين ، الذي ضعفت فيه الخلافة ضعفا شديدا ، واستبد الجند الأتراك بأمور الحكم ، فلم يبق للخليفة في معظم هذا
العهد إلا ذاك المظهر الديني والمركز الصوري ، من إقامة الخطبة له ، ونقش اسمه على
السّكة ، ونحو ذلك من ألقاب وشعارات خاوية ؛ بل راح كثير من الخلفاء ضحية لأهواء
هؤلاء الجند ، فكم خليفة قتل ، أو ضرب ، أو سملت عيناه ، أو عزل ، أو أهين.
وقد أدى هذا
الضعف إلى استقلال الولايات الكثيرة ، وقيام الدول ،
__________________
ونشوء المذاهب والدعوات الفاسدة كالإسماعيلية ، والقرمطية ، والعبيدية «الفاطمية».
كما قامت بعض
الدول الخارجة بالاستبداد بالحكم في حاضرة الخلافة بغداد ، وتصريف الأمور دون
الخليفة.
لكن كان لكثير من
تلك الدول المنفصلة عن جسم الدولة الأم ، فضل في نشر العلم ، وتثبيت ملك الإسلام
في المناطق المفتوحة ، وفتح بلاد جديدة ، ونشر الإسلام بين أهلها ، ومحاربة الكفرة
الذين يتضرر المسلمون منهم.
وأعرض الآن
صورا مختصرة لأهم الدول التي نشأت في هذا العصر ، أو كانت امتدادا لدول نشأت في
العصر العباسي الأول.
ويمكن تقسيم
هذا الأمر إلى ثلاث نقاط :
(١) دول
المشرق.
(٢) دول الشام
ومصر.
(٣) دول المغرب
والأندلس.
وبذلك يسهل
تناول تعاقب الدول بالبحث ، لأن كثرة تلك الدول تحجب الدقة عن البحث ما لم تنظم
هذا التنظيم أو ما يشاكله ، وأبدأ بالحديث عن دول المشرق فأقول :
(١) دول المشرق :
لقد قامت في
بلاد المشرق دول كثيرة على أيدي الفرس والأتراك وغيرهم ، وكانت معظم هذه الدول
تعترف بسلطان الخليفة العباسي ، وتعلن ولاءها الظاهري له.
فقد قامت
الدولة الطّاهرية على يد طاهر بن الحسين سنة ٢٠٥ في بلاد خراسان ، وكانت حاضرتها
نيسابور ، ثم زالت تلك الدولة سنة ٢٥٤ على يد يعقوب بن الليث الصفّار مؤسس الدولة
الصفّارية التي اتسعت رقعتها فشملت
بلاد خراسان ، وفارس ، وأصبهان ، وسجستان ، والسّند ، وكرمان ، وهمت بدخول
بغداد لكنها لم توفق ، ثم زالت الدولة الصفارية سنة ٢٩٨ على يد الدولة السامانية
التي أسسها نصر بن أحمد الساماني الفارسي سنة ٢٦١ في بلاد ما وراء النهر وكانت
حاضرتها بخارى ثم استولت هذه الدولة على بلاد خراسان ، وجرجان ، وطبرستان ،
وسجستان ، والجبال.
ثم انقرضت هذه
الدولة على يد الغزنويين ، وخانات تركستان ـ الذين تمتد بلادهم من حدود الصين شرقا
إلى حدود الدولة السامانية غربا ـ والبويهيين.
وكانت قد قامت
الدولة الزيارية سنة ٣٢٢ على يد مرداويج بن زيار الدّيلمي ، وشملت بلاد الجبال ،
وطبرستان ، والرّي ، وجرجان ، وغيرها ؛ وهمت بدخول بغداد لإعادة مجد الدولة الفارسية
، لكن سرعان ما زالت دولتهم على يد الدولة البويهية الفارسية الشيعية التي أسسها
عماد الدولة علي بن بويه ، وأخواه ركن الدولة حسن ، ومعز الدولة أحمد وذلك سنة ٣٢٣
وشملت بلاد الجبال ، والرّي ، وفارس ، والعراق ، والموصل ، وديار بكر وغيرها ، وقد
استطاعت هذه الدولة أن تمد نفوذها إلى حاضرة الخلافة بغداد ، فحكمت فيها أكثر من
قرن ، واستأثر سلاطينها بالسلطة فيها دون الخلفاء ؛ وكان عهد بني بويه من أسوأ
العهود ، حيث حرضوا الشيعة على أهل السنة ، وهموا بإقامة خلافة علوية ، وناصبوا
الخلفاء العداء فقتلوا ، وعذبوا ، وأهانوا ، وعزلوا من شاءوا منهم ، وشجعوا في آخر
عهدهم دعاة الباطنية ، والمذاهب الملحدة حتى دمر الله عليهم ملكهم على يد
الغزنويين والسلاجقة.
وكانت الدولة
الغزنوية ـ وحاضرتها غزنة ـ قد أخذت في الظهور سنة ٣٥٢ على يد ألبتكين التركي أحد
ولاة السامانيين ، لكن المؤسس الفعلي لها هو سبكتكين أحد مماليك إسحاق بن ألبتكين
وذلك سنة ٣٦٦ ، واتسعت رقعة هذه الدولة فشملت بلاد ما وراء النهر ، وخراسان ،
وفارس ، وسجستان ،
والري ، والجبال ، وأصبهان ، وطبرستان ، وخوارزم ، والسّند ، والبنجاب ،
وإقليم جوجرات ، وكشمير.
وكانت هذه
الدولة من محاسن الدول ، وسلاطينها من مفاخر السلاطين ، فقد توغلت في بلاد الهند
فتحا ، فقتلت وأسرت وغنمت ما لم يسمع بمثله ، وأزالت من تلك الديار المعابد
والأصنام ، واستولت على الحصون ، ولم يتهيأ لسلطان مسلم قبلهم فتح ما فتحوه من تلك
البلاد ، كما عملوا على نشر الإسلام بين الهنود ، وبين الغوريين الكفرة الذين تقع
بلادهم بين غزنة وهراة ، ومن أعظم محاسنهم أيضا قضاؤهم المبرم على سلطان البويهيين
الشيعة في الري وبلاد الجبال ، واستردادهم لبلاد ما وراء النهر من خانات تركستان
الكفرة ، ومحاربتهم أهل البدع والفساد من معتزلة ، ورافضة ، وإسماعيلية ، وقرامطة
، ومشبهة ، وإظهارهم للسنة.
ثم قامت الدولة
السّلجوقية ، ومؤسسها الأول هو سلجوق بن تقاق أحد ملوك الأتراك الذي فر مع قبيلته
وقومه من بلاد الترك ، إلى بلاد الإسلام ، حيث أسلم هو ومن معه ، وحسن إسلامهم ،
وأخذ يكثر من الإغارة على بلاد الترك الكفرة ، ويساعد المسلمين عليهم ، وكان يقيم
بنواحي جند ، ثم ملك أبناؤه من بعده ، وفتحوا البلاد ، واستولوا على مناطق كثيرة
من بلاد الغزنويين بعد معارك شديدة ، وأصبحت دولتهم من أعظم الدول ، حيث كانت أوسع
رقعة ، وأقوى سلطانا ، وأكثر ازدهارا من الدولة الغزنوية ، وكانت حاضرة
السّلجوقيين مدينة الرّي.
وقد امتدت هذه
الدولة من حدود الصين شرقا إلى أقاصي الشام غربا ، ومن بلاد آسيا الصغرى شمالا إلى
جنوب بلاد اليمن ، وكانت لهم مع الروم وقائع شديدة ، حققوا فيها انتصارات عظيمة ،
ودفع لهم إمبراطور الروم الجزية ، كما أنهم أزالوا حكم البويهيين عن بغداد وغيرها
، وحكموا في حاضرة الخلافة العباسية ، وأزالوا حكم العبيديين «الفاطميين» عن
الحجاز
وكثير من مدائن الشام ، وقضوا على ثورة البساسيري الرافضي أحد أمراء جند
بني بويه ، الذي خطب للعبيديين في بغداد نفسها ، وحاربوا الباطنية «الإسماعيلية»
وصلحت البلاد في أيامهم ، وأمنت الطرق ، وهنأت الرعية ، وانتشر العدل ، لكن سنّة
الله في مداولة الأيام بين الناس أصابتهم كما أصابت غيرهم ، فضعفت دولتهم ، وقام
في وجهها الخوارزميون والغوريون من الشرق ، والصليبيون والروم في آسيا الصغرى
وبلاد الشام وفلسطين ، ومن ثم زالت وتفرع عنها بعض الدول الصغيرة.
وكان من أخطر
الأحداث في عهد هذه الدولة ، خروج الصليبيين الفرنجة ، واجتماعهم على الاستيلاء
على ديار المسلمين ففي سنة ٤٧٨ استولوا لعنهم الله على مدينة طليطلة أكبر وأحصن
مدائن الأندلس ، وعلى غيرها من المدن في تلك الناحية وذلك في عهد ملوك الطوائف.
وفي سنة ٤٨٤ استولوا على جميع جزيرة صقلّيّة وكانت تابعة لسلطان العبيديين في مصر.
وفي سنة ٤٩٠ توجهوا بجحافلهم نحو بلاد الشام والجزيرة فاحتلوا الرّها وأنطاكية
وبيت المقدس ، وطرابلس ، وأسسوا في كل واحدة منها إمارة لاتينية ، كما ملكوا كثيرا
من مدائن الشام والجزيرة كعكا ، وحيفا ، ويافا ، واللّاذقيّة ، وبيروت ، وصيدا ،
وصور ، وجبيل ، وبانياس ، وغيرها الكثير ، فقتلوا فيها مئات الآلاف من رجال
المسلمين ، وسبوا نساءهم ، ونهبوا ديارهم وأموالهم ، وعاثوا في تلك الديار التي
كان يحكمها السّلاجقة والعبيديون الفساد ، وذلك لما رأوا ضعف هاتين الدولتين ، وما
تعانيانه من حروب داخلية قاتلة.
ومع ذلك فقد
قامت تلك الدولتان بالوقوف في وجه الصليبيين ، ومقاومتهم رغم ضعف إمكانياتهما ،
إلا أن الفضل الأكبر في ردع حملات الصليبيين الحاقدة ، واسترداد البلاد الإسلامية
منهم ، كان للدولة الأتابكية في الموصل وحلب ، والدولة الأيوبية ، ومن ثمّ دولة
المماليك.
وقد سبق أن
الدولة الغورية قامت في وجه الدولة السّلجوقية ؛ والدولة
الغورية قامت على أيدي الغور الأفغانيين ، وكانت حاضرتهم «فيروزكوه» وهي من
أعمال غزنة ، ويعتبر المؤسس الحقيقي لهذه الدولة هو علاء الدين الحسين بن الحسين
الغوري وذلك في سنة ٥٤٧ أو قبل ذلك ، وقد اتسعت رقعة هذه الدولة فشملت بعض بلاد
خراسان ، والسّند ، والهند ، وقد فاقوا الغزنويين كثيرا في فتوحاتهم في بلاد الهند
، ودانت لهم ملوك تلك الناحية ، وغنموا منها المغانم التي تفوق الحصر ، وقتلوا من
الهنود الكفرة العدد الكبير ، ونشروا الإسلام في تلك الديار ، وكانت دولتهم من
أحسن الدول سيرة.
كما كان على يد
هذه الدولة زوال الدولة الغزنوية.
ثم زالت الدولة
الغورية على يد الدولة الخوارزمية التي يعتبر أصل تأسيسها سنة ٤٧٠ على يد أنوشتكين
أحد موظفي بلاط السّلاجقة ، ومن ثم استقلت الدولة الخوارزمية عنهم ، وضاهت دولتهم ، حيث إنها جاءت على أنقاض الدولة السّلجوقية ،
والدولة الغورية ، وامتدت بلادهم من حدود الفرات غربا إلى حدود الهند وإلى بلاد ما
وراء النهر ، وتركستان شرقا ومن باب الأبواب ، وتفليس ، وبحر آرال شمالا إلى
الخليج الفارسي ، وبحر العرب جنوبا ، وقد دارت بينهم وبين السّلاجقة والغوريين
حروب ضارية.
ومن محاسن هذه
الدولة قضاؤها المبرم على الخطا الكفرة الذين كانوا يسكنون بلاد تركستان ـ الواقعة
بين الصين وبلاد ما وراء النهر ـ والذين كانوا يسومون المسلمين سوء العذاب حيث
إنهم سيطروا على بلاد ما وراء النهر ، وأخضعوا المسلمين فيها لسلطانهم ، وأجبروهم
على بذل المال لهم ، بل إنهم عبروا جيحون إلى بلاد خراسان فعاثوا فيها فسادا.
كما كان للدولة
الخوارزمية الفضل في قتل معظم الكرج الكفرة ، ونهب
__________________
بلادهم الواقعة شرق البحر الأسود ، وقد كان هؤلاء الكرج أهل بطش وظلم
وعدوان ، لم يسلم من إيذائهم أحد من جيرانهم قبل الإسلام ولا بعده ، فقد تضررت
منهم مملكة فارس قبل الإسلام ، ومن ثم راحوا يصبون النقمة والظلم على المسلمين من
حولهم في بلاد أذربيجان ، وأرّان ، ودربند شروان ، وأرزن الروم ، وخلاط ، ولم يجسر
أحد على الإيقاع بهم كما فعل جلال الدين بن علاء الدين خوارزم شاه آخر سلاطين الخوارزمية
رغم ضعف دولته ، وقضاء التتر على معظم جنده.
كما قامت
الدولة الخوارزمية بمحاربة الإسماعيليين الباطنيين ، ووضعوا السيف في جموع كبيرة
جدا منهم.
ثم زالت الدولة
الخوارزمية في آخر سنة ٦٢٨ ، ومحيت آثارها ، ونسفت ديارها ، وأبيدت جنودها على يد
التتار الكفرة لعنهم الله فإنهم فعلوا في بلاد المسلمين من القتل والفحش والسبي
والنهب والتخريب والفساد ما لم يسمع بمثله في تاريخ البشرية كلها.
وقد ذكرت من ذي
قبل أن الدولة السّلجوقية تفرع عنها دويلات ، وذلك كدولة سلاجقة الروم ، وشاهات
إرمينية ، ودول الأتابكة ، وسأتحدث فيما بعد إن شاء الله تعالى عن بعض دول
الأتابكة ودورهم الفريد في محاربة الصليبيين ، وتمهيدهم الطريق للأيوبيين ومن ثم
للمماليك في محو آثار الصليبيين من بلاد الشام ومصر.
(٢) دول الشام ومصر :
لم يحظ بلد من
البلدان بما حظيت به بلاد مصر والشام من موقع جغرافي ، وسوقي ، وروحي مميز ، فكانت
مهد النبوات ، ومهبط الحضارات ، وملتقى التجارات ، لذا تطلعت إليها الأنظار ،
وتأسست فيها الدول الكبار ، وكانت أولى البلاد التي فتحها المسلمون في زمن
الراشدين ، وظلت تحت
سلطة الخلافة الإسلامية المركزية ، إلى أن دب الضعف في جسم تلك الخلافة ،
وتفككت روابطها ، في العصر العباسي الثاني ، فاستقلت الولايات الكثيرة ، ومنها
بلاد مصر والشام.
ففي سنة ٢٥٩
ولي أحمد بن طولون التركي مصر من قبل الخليفة ، ومن ثم ضم إليه الشام ، واستقل
بتلك البلاد مؤسسا بذلك الدولة الطولونية التي امتدت من العراق شرقا إلى برقة غربا
، ومن آسيا الصغرى شمالا إلى بلاد النّوبة جنوبا ، وقد أكثر ملوكها من غزو بلاد
الروم حتى خافهم أباطرتها ، وكانت أيام هذه الدولة أيام ازدهار للبلاد ، ورخاء
للعباد ، ثم زالت رسوم هذه الدولة سنة ٢٩٢ على يد الخلافة العباسية.
وبعد أن خضعت
تلك البلاد لسلطان الخليفة فترة من الزمن ، قامت فيها الدولة الإخشيدية سنة ٣٢٣
على يد محمد الإخشيد بن طغج ـ أحد أولاد ملوك فرغانة ـ نائب العباسيين في تلك
الديار ، وكان لملوك هذه الدولة موقف جليل في صد حملات العبيديين الحربية لدخول
مصر ، كما دانت لها بلاد الحجاز ، وقد قامت هذه الدولة بإصلاحات كثيرة ، ثم سقطت
على يد العبيديين سنة ٣٥٨.
وكان
الحمدانيون قد استولوا على حلب من الإخشيديين ، ودولة بني حمدان تأسست في بلاد
الموصل سنة ٣١٧ على يد ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان الذي تولى إمرة
الأمراء في بغداد ؛ كما أنها تأسست في حلب وتوابعها على يد سيف الدولة الحمداني
أخي ناصر الدولة ، وقد امتاز عهد السيف هذا بكثرة وقائعه مع البيزنطيين الذين
استولوا على كثير من المناطق الإسلامية الشمالية في بلاد الروم ، والجزيرة ،
وغيرها ، ثم زالت الدولة الحمدانية في الموصل على يد البويهيين ، وفي حلب على يد
العبيديين.
ودولة
العبيديين قامت سنة ٢٩٧ في إفريقيّة ، والمغرب الأوسط على يد
أول خلفائها وهو عبيد الله المهدي ، بعد أن مهد الطريق له داعية الباطنية
أبو عبد الله الشيعي ، ثم اتسعت رقعة هذه الدولة فشملت المغرب الأقصى ومصر وفلسطين
والشام والموصل والحجاز واليمن ، وجزيرة صقلّيّة إلى جانب إفريقيّة والمغرب الأوسط
، وكانت حاضرة هذه الدولة القاهرة بعد أن كانت القيروان ، والمهدية ، والمنصورية
على التوالي ، وقد نشر العبيديون في البلاد التي امتدت أيديهم إليها المذاهب
الشيعية الغالية ، وناصبوا أهل السنة العداء ، وضيقوا عليهم. ثم زال حكمهم في
المغرب وإفريقيّة على يد دويلات ، وزال في الشام على يد السّلاجقة ، وبعض دول
الأتابكة ، والصليبيين ، وزال في مصر على يد صلاح الدين الأيوبي أحد قواد نور
الدين محمود.
وأنتقل الآن
للكلام عن بعض دول الأتابكة فأقول :
إن سلاطين السّلاجقة
كانوا يعهدون لبعض الأتراك النابهين بالوزارة لهم ، أو بتربية أولادهم ، وكان
السلاطين يولون أولادهم الصغار بعض الأقاليم والولايات ، ويرسلون معهم الأتابك ـ أي
الأمير الوالد ـ ليدير شئون تلك البلاد عنهم ، ريثما يتأهلون للحكم بأنفسهم ، وكان
السّلاجقة أيضا يسندون إدارة بعض الأقاليم أو الولايات ، لبعض الأتابكة ، فلما
ضعفت الدولة السّلجوقية ، وآذنت بالأفول استقل كثير من الأتابكة بولاياتهم ،
واستأثروا فيها دون سلاطينهم ، ومن ثم أطلق على دولهم تلك ، دول الأتابكة.
وقد كثرت هذه
الدول : كأتابكية الموصل ، وأتابكية دمشق ، وأتابكية حلب ، وأتابكية الجزيرة ،
وأتابكية سنجار ، وأتابكية كيفا وماردين ، وأتابكية أذربيجان وغيرها.
ومن أهم هذه
الأتابكيات : أتابكية دمشق ، وأتابكية الموصل ، وأتابكية حلب. فأتابكية دمشق :
أسسها طغتكين أحد قواد السّلاجقة ، واستمرت هذه الدولة تحت نفوذ أسرة طغتكين إلى
سنة ٥٤٩ حيث استولى عليها الملك العادل نور الدين محمود رحمه الله تعالى.
وأما أتابكية
الموصل : فقد أسسها عماد الدين زنكي أحد ولاة السّلاجقة المقربين ممن تولوا أرفع
المناصب في هذه الدولة ، ففي سنة ٥٢١ صدر قرار من السلطان السّلجوقي محمود بن محمد
بن ملكشاه بإقطاع عماد الدين الموصل ، وسائر البلاد الجزرية ، مع تسليمه ولدي
السلطان ليكون أتابكا لهما ، ومنذ ذلك الحين أطلق على زنكي لقب «أتابك» ، ثم ضم
زنكي إلى إقطاعه مدينة حلب ، وغيرها من مدائن الشام.
وقد تسلم الملك
الشهيد زنكي هذه البلاد في أصعب الأوقات وأحلكها ، حيث كان الفرنج النصارى يعيثون
في بلاد الإسلام الشامية والجزرية الفساد ، واتخذوا فيها مملكة واسعة الأطراف تمتد
من نواحي ماردين شمالا إلى عريش مصر ، وليس بيد المسلمين من مدن تلك الناحية سوى
حلب ، وحمص ، وحماه ، ودمشق ، وكانت جميع البلاد الشامية والجزرية تتعرض لغاراتهم
، وفسادهم ، ونهبهم ، وقتلهم.
فقام الملك
الشهيد زنكي بمحاربة الفرنجة والروم ، واشتبك معهم في وقائع شديدة ، واستعاد منهم
الحصون المنيعة ، ومن أهمها «الرّها» ، وأعاد لمناطق المسلمين أمنها واستقرارها ،
ثم توفي رحمه الله تعالى في سنة ٥٤١ بعد أن نشر العدل ، وبث الأمن ، وأرهب
الأعداء. وتولى مكانه الملك ولداه الملك سيف الدين غازي في الموصل وبلاد الجزيرة ،
والملك العادل نور الدين محمود في حلب ونواحيها ، وكانت دولة نور الدين من أعظم
الدول حيث قامت بجهاد الفرنجة ، والاستيلاء على كثير من حصونهم في ديار الإسلام ،
وأسر وقتل عدد من كبار ملوكهم حتى ذلوا ووهنت عزائمهم ، وخارت قواهم ، وضاقت عليهم
الأرض بما رحبت.
وبعد موت سيف
الدين غازي ملك البلاد الجزرية ، وخليفته من بعده أخيه قطب الدين مودود قام الملك
العادل بضم الموصل وبلاد الجزيرة إليه ، وكذلك فعل بدمشق وغيرها من مدن الشام وذلك
في سنة ٥٤٩ ولم يحمله على هذا
إلا فعل الخير بتقوية البلاد الإسلامية وتوحيدها لمواجهة الأعداء الحاقدين
من الفرنجة وغيرهم ، وقد قرر على بلاد الجزيرة ابني أخيه قطب الدين ، وهما سيف
الدين وعماد الدين ، كما بسط في جميع البلاد التي يحكمها الأمن والعدل والإحسان
فمالت إليه القلوب ، وأنست بعهده النفوس.
ولما تم للملك
العادل نور الدين محمود توحيد تلك البلاد أرسل أحد قواده العظام وهو أسد الدين
شيركوه وبرفقته ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي إلى مصر ففتحاها ، وطردوا الفرنجة من
ثغورها ، لكن سرعان ما توفي أسد الدين رحمه الله ، فتولى مكانه ابن أخيه صلاح
الدين الذي كانت على يديه الكريمتين زوال معالم الخلافة العبيدية الرافضية ، وفتح
بلاد اليمن بواسطة أخيه في سنة ٥٦٩ وتوحيدها بعد أن كانت مفككة تحكمها عدة دويلات.
وفي العام نفسه
توفي الملك العادل نور الدين رحمة الله عليه ، بعد حياة حافلة بالجهاد والإصلاح
والصلاح ، وكانت رقعة ملكه قد اتسعت لتشمل الموصل وبلاد الجزيرة ، وبلاد الشام ،
والديار المصرية ، واليمنية ، والحجازية ، وأطاعه أصحاب ديار بكر ، وبذلك مهد
العادل الطريق للسلطان الشهم المجاهد صلاح الدين الأيوبي ليسترد معظم مدن الشام من
الفرنجة لعنهم الله.
*
الدولة الأيوبية : قامت هذه
الدولة الفتية على يد البطل الشهير ، والسلطان الكبير صلاح الدين يوسف بن نجم
الدين أيوب ، وذلك أن هذا السلطان كان يحكم مصر نيابة عن الملك العادل نور الدين
محمود ، فلما مات العادل نور الدين رحمه الله ضعفت الدولة الزّنكية ، فرأى صلاح
الدين من الحكمة ضم جميع ولايات هذه الدولة تحت سلطانه ، ليتيسر له استرداد البلاد
الشامية من الفرنجة ، وقد تحقق لصلاح الدين هذا الأمر ، فدانت له البلاد الجزرية ،
والموصلية ، والشامية التي بأيدي المسلمين ، ثم كشف عن ساق الجد وراح يحارب
الفرنجة ، ويدفعهم عن بلاد الإسلام ، فخاض معهم معارك
مستمرة وضارية ، حتى استرجع منهم معظم البلاد الشامية وخاصة بيت المقدس ،
فتوسعت دولته بذلك بحيث شملت الديار المصرية ، والشامية ـ ما عدا أجزاء يسيرة ـ والجزرية
، والموصلية ، واليمنية ، والحجازية ، ثم توفي إلى رحمة الله سنة ٥٨٩ ، فتقاسم
دولته خلفاؤه من بعده ، ثم زالت الدولة الأيوبية من مصر سنة ٦٥٢ على يد المماليك
البحرية.
*
دولة المماليك البحرية : المماليك
البحرية هم الترك الذين اشتراهم الملك الصالح أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر ـ أخي
صلاح الدين ـ بن أيوب ملك مصر ، وبنى لهم قلعة بجزيرة الروضة في النيل وأسكنهم
فيها ـ فلذا سموا البحرية ـ واتخذهم أمراء ، وأعوانا ، وجندا ؛ ثم توفي الصالح سنة
٦٤٧ ، فتولى الملك من بعده ابنه المعظم توران شاه فلم يلبث فترة يسيرة حتى قتل على
يد مماليك أبيه سنة ٦٤٨ ، فأقام المماليك بعده زوجة أبيه الصالح شجرة الدر ، ثم
عزلوها ، وولوا مكانها المعز أيبك التّركماني المملوكي سنة ٦٤٨ وبه بدأت دولة
المماليك البحرية ، ثم ولوا مع المعز أحد الأيوبيين وهو الأشرف موسى بن يوسف ، لكن
المعز عزله بعد ذلك ، وتفرد بالسّلطنة ، ثم قتل المعز ، فتولى مكانه ابنه المنصور
علي الذي خلعه مملوك المعز الملك المظفر سيف الدين قطز وتولى مكانه عرش مصر ، وفي
عهد هذا السلطان العظيم انتصر المسلمون بقيادته على جحافل التتار في موقعة عين
جالوت الشهيرة فأفنى المسلمون التتار المحاربين قتلا ، وأخرجوهم من بلاد الشام
كلها بعد أن أحكموا سلطانهم فيها ، وتعتبر هذه المعركة أول معركة يهزم فيها التتار
هزيمة مؤثرة ، ثم تتالت عليهم الهزائم بعد ذلك ولله الحمد والمنّة ، وقد اشترك في
هذه المعركة العظيمة قائد جند قطز بيبرس البندقداري حيث أبلى فيها بلاء حسنا ،
وتتبع فلول التتار حتى أخرجهم من
__________________
الديار الشامية ومن دولة الروم السّلجوقية ، وضم تلك البلاد إلى حكم سلاطين
مصر ، ثم قتل المظفر قطز فتولى سدّة الملك بعده الملك الظاهر بيبرس أعظم سلاطين
المماليك ، وأول المماليك البحرية الذين علوا كرسي السلطنة ، وقد قام الظاهر
باسترداد بعض الحصون الشامية التي بقيت بيد الفرنجة كأنطاكية ، والقليعات ، وحلبا
، وعرقة ، وصفد ، ويافا ، وقيساريّة الشام ، وأرسوف ، وغيرها. وقد أخزى الله على
يديه التتار والفرنجة ، كما تمكن هذا السلطان من فتح بلاد النّوبة بأكملها.
وكان من أعمال
بيبرس المحمودة أن نصب سنة ٦٥٩ أحد العباسيين خليفة في مصر بعد أن زالت الخلافة في
بغداد على يد التتار سنة ٦٥٦ ، وانقطعت أكثر من ثلاث سنين ، ثم توفي الظاهر رحمه
الله تعالى سنة ٦٧٦ بعد أن دام حكمه سبع عشرة سنة.
فتولى بعده
ابنه بركة ، ثم ابنه الآخر سلامش ، ثم قام سيف الدين قلاوون بخلع الأخير ، وتولى
مكانه ، وتلقب بالمنصور ، وكان هذا السلطان كسلفه بيبرس من أعظم سلاطين المماليك ،
ففي عهده حقق المسلمون نصرا مؤزّرا على التتار بظاهر حمص ، حيث أفنى المسلمون
التتار المهاجمين ؛ كما تمكن من فتح حصن المرقب من الفرنجة وهو من أمنع الحصون ،
وقد حقق الله على يديه أيضا فتح طرابلس الشام ، وقتل من فيها من الفرنجة ، وكان
هؤلاء لعنهم الله قد استولوا عليها سنة ٥٠٣ ، ولم تفتح إلا سنة ٦٨٨ على يد قلاوون.
وفي السنة
التالية لهذا النصر ـ أي سنة ٦٨٩ ـ توفي قلاوون رحمة الله عليه فتولى بعده ابنه
الملك الأشرف صلاح الدين خليل.
وكان عهد
الأشرف عهدا ميمونا ، حيث قام هذا السلطان بفتح عكا ، وقتل فيها ما لا يحصى من
النصارى ، وكان هؤلاء قد أخذوها من صلاح الدين الأيوبي سنة ٥٨٧ ، وظلت تحت أيديهم
إلى سنة ٦٩٠ حيث فتحها الأشرف ،
ولما علم الفرنجة بهذا الفتح وهي الحصن الحصين ، والدرع المنيع ، دخل الرعب
في قلوبهم ، وعلموا أن لا قرار لهم في سواحل الشام ومدنه ، ففروا على وجوههم من
بيروت ، وصيدا ، وصور ، وأنطرطوس ، وغيرها ، فعادت بلاد الشام كاملة إلى المسلمين
، والحمد لله رب العالمين.
كما قام الأشرف
بفتح قلعة الروم ، وفتك بمن فيها من الأرمن ، ثم قتل رحمه الله تعالى.
وفي عهد خليفة
الأشرف وهو أخوه الملك الناصر بن قلاوون هجم التتار بجموع حاشدة على بلاد الشام ،
واستولوا على دمشق ، وكانت بينهم وبين السلطان وجيشه حروب ضارية كان النصر فيها
دولا ، لكن الخاتمة الخيرة كانت للمسلمين حيث قتلوا من التتار الجموع التي تفوق
الحصر.
ومن محاسن عهد
الناصر فتح جزيرة أرواد ، وقتل وأسر جميع أهلها من الفرنجة ، وكذلك فتح ملطية وقتل
من بها من النصارى ، ثم توفي الملك الناصر ، وكان قد عزل مرتين عن الملك ثم أعيد
إليه ، وقد خطب له ببغداد ، والعراق ، وديار بكر ، والموصل ، والروم إلى جانب
بلاده.
وكان الناصر قد
تابع ما ابتدأه أسلافه ، بيبرس ، وقلاوون ، والأشرف خليل من غزو بلاد النّوبة ،
وتعيين حكامها من قبله ، حتى أصبحت حاكميتها مسلمة.
ثم ضعفت الدولة
المملوكية البحرية ، وزالت على يد الدولة المملوكية البرجية سنة ٧٨٤ ، وكان
للبحرية فضل عظيم في دحر التتار ، وقتل مئات الآلاف منهم ، وفي القضاء على جميع ما
تبقى من سلطان للنصارى في بلاد الشام ، وفي الوقوف في وجه الحملات الصليبية على
الشّمال المصري ، وقتلهم لكثير من جند تلك الحملات.
*
الدولة المملوكية البرجية الجركسية : لما رأى السلطان المنصور قلاوون ازدياد نفوذ المماليك الأتراك ، وكثرة
شغبهم ، أراد أن يقوي أمره ،
ويستعين بأمراء يوالونه دون غيره ، فأكثر من شراء المماليك الجراكسة الذين
يقطنون في المناطق الواقعة على بحر نيطش (البحر الأسود) من شرقيّه.
وأسكنهم أبراج
القلعة في القاهرة ـ فلذا سموا بالبرجية.
ومن ثم قوي
نفوذ هؤلاء المماليك ، حتى استطاعوا سنة ٧٨٤ أن يخلعوا آخر سلاطين البحرية السلطان
الصالح أمير حاج بن شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن المنصور قلاوون ، ويولوا
مكانه الظاهر سيف الدين برقوق الجركسي ، وبتوليته بدأت دولة المماليك البرجية
الجركسية.
وقد تم في عهد
أحد سلاطين هذه الدولة وهو السلطان الأشرف برسباي فتح جزيرة قبرص.
وكانت هذه
الدولة تعيش في دوامة من الثورات الداخلية ، مما استنزف كثيرا من قوتها ، ثم زالت
في مستهل سنة ٩٢٣ على يد السلطان سليم العثماني ، وأصبحت مصر والشام تابعة لحاضرة
العثمانيين (إستنبول).
*
الدولة العثمانية : أسسها بنو عثمان ، وهم ينحدرون من أصل عربي كما يرى بعض العلماء ، فقد قام
جدهم الأول عثمان بالهجرة من موطنه في الحجاز إلى بلاد الروم السّلجوقية ، فعظم
شأنه عند حكامها ، وتقدم في المناصب ، حتى استطاع بعد ذلك أن يضع البذور الأولى
للدولة العظيمة الواسعة التي استوت على سوقها في عهد أولاده وأحفاده.
وكان أحد ملوك
هذه الدولة ـ وهو السلطان سليم بن بايزيد بن محمد بن مراد خان بن بايزيد ـ وهو
الذي أسره تيمور لنك كما سيأتي ـ بن أورخان بن أردن بن عثمان الثاني ـ قد تطلع إلى
توسعة رقعة دولته على حساب الصفويين الرافضة ملوك العراقين وغيرهما الذين لا يؤمن
جانبهم ، فتمكن في سنة ٩٢١ من هزيمة إسماعيل الصفوي ، وأباد معظم جنده ، وتملك
غالب بلاده.
ثم عزم على
الاستيلاء على بلاد المماليك في الشام ومصر ، زاعما أن السلطان الملك الأشرف
قانصوه الغّوري المملوكي كان يمالىء الصفويين عليه ، ويؤوي الخارجين من أمراء
العثمانيين ، فتقدم نحو بلاد الشام سنة ٩٢٢ ، وكان المصاف العظيم بينه وبين
السلطان الغوري في مرج دابق ، فقد جرت بين الفريقين وقعة شديدة هزم على أثرها
المماليك ، وقتل من الفريقين ما لا يوصف كثرة ، وكان من بين القتلى السلطان الغوري
رحمه الله ثم سلّم أمراء الشام بلادهم للسلطان سليم فملك تلك الديار دون ممانعة.
ثم تقدم
العثمانيون نحو مصر ، وكان اللقاء بينهم وبين المماليك وعلى رأسهم سلطانهم الجديد
الأشرف طومان باي عند الريدانية في آخر سنة ٩٢٢ ، فهزم المماليك في هذه الوقعة ،
ودخل العثمانيون مصر ، ووضعوا السيف في الجراكسة حتى أهلكوا منهم العدد الكثير ،
هذا ولم يسلم المصريون من إيذائهم ونهبهم وفسادهم وظلمهم الشديد ، ثم قبض السلطان
سليم على طومان باي وقتله شنقا.
ولما صفت
الديار المصرية للسلطان العثماني ، عين نائبا له عليها ، وتوجه إلى حاضرة ملكه
إستنبول بعد أن وضع يده على جميع أموال وذخائر المماليك التي تفوق الحصر ، بل نقل
إلى بلاده كثيرا من علماء وقضاة وأمراء وفقهاء مصر ، وكذلك بعض أرباب الوظائف ،
والمهن ، والحرف ، كما انه نقل المكتبات النفيسة في مصر ، واقتلع كثيرا من رخام
وأعمدة القصور والمدارس والمجالس في القلعة وسيرها إلى إستنبول ، ولم يقنع بهذا
كله حتى أمر الخليفة العباسي بالإقامة في الديار الرومية. ثم توفي السلطان سليم
سنة ٩٢٦. فتولى بعده ابنه السلطان سليمان فأظهر العدل في الرعية ، وعفا عن كثير من
أسرى المصريين ، وعن الذين أجبرهم والده على المسير إلى مصر ، وأعاد للمماليك
الجراكسة حريتهم واعتبارهم بعد أن ظلموا ظلما شديدا ، وأوذوا إيذاءا أليما.
(٣) دول المغرب
والأندلس :
فتح الأمويون
بلاد المغرب والأندلس ، وأخضعوها لسلطانهم النافذ ، لكن لما ضعفت الدولة الأموية
في آخر عهدها ذهب ذلك النفوذ ، وأصبحت تلك البلاد شبه مستقلة عن الدولة الأم.
ولما انتقلت
الخلافة إلى بني العباس ، حدث في عصرهم الأول خروج بلاد الأندلس عن أيديهم ، على
يد عبد الرحمن الداخل الأموي وذلك سنة ١٣٨ مؤسسا دولة أموية قوية ، أعادت للأمويين
بعض سلطانهم المسلوب ، وكانت هذه الدولة من محاسن الدول ، حيث حرصت على جهاد
الصليبيين ، والفرنجة ، ونصارى الأندلس ، وأوقعت بهم الهزائم في وقائع عديدة ،
وفرضت عليهم الجزية ، كما أنها أقامت حضارة أندلسية عريقة ، وكانت حاضرة هذه
الدولة «قرطبة».
ثم زالت الدولة
الأموية سنة ٤٢٢ على أيدي ملوك الطوائف الذين أسسوا في الأندلس دولا صغيرة متنازعة
، بعد أن كانت تلك الدولة قوية متماسكة ، بل إنها أقامت في ديار الأندلس خلافة ،
عندما أعلن أحد ملوكها وهو عبد الرحمن الناصر الذي حكم بين سنتي ٣٠٠ ـ ٣٥٠ نفسه
خليفة ، وسار على منواله من جاء بعده من حكام الأمويين .
ولما ضعف أمر
الأمويين ، وبني حمّود في الأندلس وثب الأمراء على الجهات فقامت ممالك الطوائف
التي زالت على يد الدولة المرابطية ثم زالت الدولة المرابطية على يد الدولة
الموحدية ثم زالت دولة الموحدين في الأندلس على يد محمد بن يوسف بن هود الجذامي ،
ثم زال حكم بني هود ، وحكم البقية الباقية من بلاد الأندلس بنو نصر ، ثم انتهى حكم
المسلمين في تلك الديار سنة ٨٩٧ عند سقوط غرناطة بيد الصليبيين.
__________________
وكانت قد تأسست
في بلاد المغرب الأقصى سنة ١٧٢ دولة الأدارسة المناهضة للدولة العباسية ، وقد امتد
سلطانها من وهران شمالا ، إلى بلاد السّوس الأقصى جنوبا ، ثم زالت هذه الدولة سنة
٣٧٥ على يد الأمويين في الأندلس ، والعبيديين في إفريقيّة ، وكانت قد خضعت ـ في
فترات من قبل ـ للعبيديين ، والأمويين.
وقامت في
إفريقيّة دولة الأغالبة التي أسسها إبراهيم بن الأغلب سنة ١٨٤ ، وكانت حاضرتها
القيروان ، ثم زالت هذه الدولة سنة ٢٩٦ على يد العبيديين ؛ ثم لم يلبث أن زال حكم
العبيديين عن بلاد المغرب كلها.
وفي سنة ٤٤٨
تأسست في المغرب الدولة المرابطية ـ وحاضرتها مرّاكش ـ على يد الأمير يحيى بن
إبراهيم اللّمتوني ، ويرجع الفضل الكبير في تأسيسها إلى الشيخ الفقيه عبد الله
ياسين المالكي ، وقد قامت هذه الدولة على الإيمان والتقوى ، وكانت من خيار الدول ،
ويكفيها شرفا أنها نشرت مذهب أهل السنّة في تلك البلاد التي حكمها وأفسدها
العبيديون.
وقد اتسعت
الدولة المرابطية في عهد أميرها يوسف بن تاشفين رحمه الله تعالى فامتدت من حدود
تونس شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا ، ومن جبال البرانس في الجنوب الفرنسي شمالا
إلى السّودان جنوبا ، وعملت على نشر الإسلام بين قبائل المغرب ، والصحراء ، وبلاد
السنغال وغيرها ، وقضت على آمال ملوك نصارى أوروبا ، والأندلس الذين استطاعوا في
عهد ملوك الطوائف أن يتوغلوا في بلاد الأندلس ، ويستولوا على كثير من مدنها ،
وأقاليمها ، وحصونها ، فخرجت جحافل المرابطين المنصورة من بلاد المغرب نحو الأندلس
، فاسترجعت كل ما ملكه النصارى من بلاد الإسلام في تلك الناحية ، بعد حروب ضارية ،
ووحدت بلاد الأندلس تحت رايتها بعد أن كان يحكمها ملوك كثيرون دب بينهم الخلاف
والشقاق ، كما وحدت بلاد المغربين الأقصى والأوسط وغيرهما من البلاد.
ولما ضعفت هذه
الدولة في أواخر أيامها ، عاد النصارى إلى بلاد المسلمين في الأندلس فملكوها ،
وأوقعوا بأهلها ، وساموهم سوء العذاب.
ثم زالت دولة
المرابطين بالكلية على أيدي الموحدين سنة ٥٤١.
وقد تأسست
الدولة الموحدية في المغرب سنة ٥٢٤ على يد عبد المؤمن بن علي الزّناتي ، وكان
للمهدي محمد بن تومرت فضل عظيم في قيامها ، وكانت حاضرتها مرّاكش كما هو حال
الدولة المرابطية ، وامتدت رقعة هذه الدولة حتى شملت المغربين الأقصى والأوسط ،
وإفريقيّة ، وكثيرا من بلاد الأندلس ، وكانت لهم مع نصارى الأندلس جولات وصولات ،
ثم زالت هذه الدولة سنة ٦٦٧ على يد الدولة المرينيّة في المغرب ، ودولة بني هود في
الأندلس ، وقامت في إفريقيّة الدولة الحفصية ، والحفصيون من أتباع الموحدين ، كما
قامت في المغرب الأوسط الدولة الزيانية ، وبزوال الدولة الموحدية ضعفت بلاد المغرب
، والأندلس.
ذكر خبر التتار
لا بد قبل
الخوض في شرح الحالة العلمية في العصور المتعاقبة من ذكر أمر التتار الذين زالت
بهم حضارة الشرق الإسلامية ، وعدمت بعد أن بلغت أوج مجدها وعزها.
فالتتار هم
عالم كثير من التّرك ، كانوا يقطنون في المناطق الواقعة شمالي صحراء جوبي في
منغوليا ، وفي مناطق من سيبيريا ، وكانوا قبائل متناحرة ، لا تخضع لقانون ، ولا
تلتزم بنظام ، ولا تمتثل لخلق ، وكانوا يعبدون الكواكب ، ويسجدون للشمس.
فأراد أحد
ملوكهم وهو «جنكيز خان» أن يجمع شمل تلك القبائل ، ويوحد بينها ، ويخضعها كلها
لسلطانه ، فمكث عشرات السنين يعمل على تحقيق هذا الغرض ، ولم يصف له إلا بعد حروب
ضارية ، ووقعات متتالية ؛ ثم قام بوضع قانون اجتماعي سارت على نهجه أمم التتار ؛
وبعد أن استتب له الأمر ، ودانت لسلطانه معظم القبائل ، رغب في توسعة رقعة مملكته
على حساب الآخرين ، فاستولى على معظم بلاد الصين ، ثم أكمل ولده وخليفته من بعده «أجتاي»
السيطرة على تلك البلاد.
وكان يفصل بين
مملكة «جنكيز خان» وبلاد الإسلام في خراسان ، وما وراء النهر ، بلاد تركستان التي
يحكمها قبائل من التّرك الكفرة تسمى بالخطا ، وهم عالم كثير ، كانوا يكثرون من
الإغارة على بلاد الإسلام ، حتى
دانت لهم ملوك ما وراء النهر ، وبعض بلاد خراسان ، إلى أن استطاع علاء
الدين محمد خوارزم شاه صاحب الدولة الخوارزمية استئصال تلك الأمة الباغية ، وعمل
على ضم بلادهم إليه.
وكان جنكيز خان
لعنه الله ـ بعد أن ثبّت أمر ملكه في الداخل ، وقضى على مناوئيه من التتار ، وأخضع
معظم بلاد الصين ـ يرغب في التوجه غربا نحو بلاد الإسلام ليضمها إلى مملكته. وعجل
بتحقيق هذه الرغبة ، قيام علاء الدين خوارزم شاه بقتل جماعة من تجار التتار ،
وغزوه لبلادهم ، فسار جنكيز خان بجموعه إلى بلاد تركستان ، فأباد فيها أقوام التتار
التي لا تخضع له ، ثم عبر نهر سيحون إلى بلاد الإسلام ، وعندها كانت الطامة الكبرى
، والمصيبة العظمى على المسلمين ، فقد فعل هذا الملك الملعون ، وخلفاؤه من بعده ،
في ديار الإسلام من القتل ، والنهب ، والفساد ، والتخريب ما لم يسمع بمثله في قديم
الأيام ، ولا ما تعاقب من الأزمان.
فلما عبر جنكيز
خان نهر سيحون ، توجه في أواخر ٦١٦ إلى بخارى ، فحاصرها حصارا محكما ، وقاتلها
قتالا شديدا ، حتى تمكن من دخولها ، ثم قتل جميع من كان بقلعتها ، وأمر جنده بنهب
البلد ، وتخريبه ، حتى جعلوه هباء منثورا ، فأحرقوا مساجده ، ومدارسه ، ومكتباته ،
وقتلوا معظم الرجال ، وسبوا النساء والذرية ، وفعلوا من الفحش ما لا يوصف.
واستصحبوا معهم من بقي من رجال بخارى ليكونوا عونا لهم على أخذ سمرقند ـ وكانت هذه
عادة التتار ، إذا غصبوا بلدة ، أمروا أهلها بمساعدتهم على دخول قلعتها ، أو دخول
بلد آخر ـ وقد وصلوا إلى هذه المدينة العريقة المنيعة في المحرم من سنة ٦١٧ ودارت
رحى الحرب بينهم وبين أهل سمرقند ، وجندها الذين يعدون بمئات الآلاف ، وبعد معارك
شديدة يشيب من هولها الولدان استطاع التتار أن يدخلوا المدينة ، فأفنوا رجالها ،
وسبوا النساء والذرية ، ونهبوا الأموال ، وأحرقوا المساجد والمدارس والمكتبات ،
ولم ينج من أهل هذا البلد إلا النفر اليسير.
وبذا يكون قد
تم للتتار السيطرة على بخارى وسمرقند ، وهما قصبتا بلاد ما وراء النهر.
واتخذ جنكيز
خان من سمرقند قاعدة له ، وأمر طائفة من فرسان جنده أن يطلبوا علاء الدين خوارزم
شاه ـ ملك خراسان ، وما وراء النهر ، وغيرهما من البلاد ـ الذي يعسكر بجيوشه في
نواحي بلخ ، فعبرت تلك الطائفة نهر جيحون ، وتوجهوا نحو علاء الدين فلما شعر
بدنوهم فر أمامهم ، فجعلوا يتتبعونه ، ويقصون أثره في البلدان الكثيرة ، حتى دخل
بحر طبرستان «بحر الخزر» حيث فر إلى قلعة له في إحدى جزره ، فيئسوا حينئذ من
اللّحاق به ، وتركوه وشأنه.
وكانوا لعنهم
الله لا يمرون ـ عند تتبعهم لخوارزم شاه ـ ببلدة إلا عملوا على قتل رجالها ، وسبي
نسائها ، واسترقاق صبيانها ، ونهب أموالها ، وتخريب ديارها ، وحرق عمرانها ، وطمس
آثارها ، وجعلها أطلالا بالية ورسوما خاوية ، هذا عدا بعض البلدان التي صالحوها
كهمذان ، فلم تسلم منهم الرّي ، ولا زنجان ، ولا قزوين ، ولا غيرها ، وقد عدّ
القتلى في قزوين وحدها فبلغوا (٤٠٠٠٠) وكان أهل قزوين قد قاوموا التتار ، وقتلوا
منهم العدد الكثير.
ثم سلكت تلك
الطائفة ـ تساعدهم الإسماعيلية وأهل الفساد ـ شمالا إلى بلاد أذربيجان ففعلوا
بمدنها وقراها مثل ما فعلوه في بلاد الجبال ، ولم تسلم منهم إلا تبريز التي صالحهم
صاحبها ، ثم تقدموا أيضا نحو الشّمال فوصلوا إلى بلاد الكرج الكفرة فقاتلوهم
وهزموهم شر هزيمة ، ثم عادوا نحو الجنوب إلى بلاد أذربيجان لشدة وعورة بلاد الكرج
، وقد تم لهم كل ما سبق في سنة ٦١٧ ، ووصلوا في مستهل السنة التالية إلى مدينة
مراغة من بلاد أذربيجان فملكوها بعد مقاومة شديدة ، وفعلوا فيها الأفاعيل ،
وتوجهوا بعد ذلك إلى همذان من بلاد الجبال ، وكانوا قد صالحوا أهلها كما تقدم ،
واستنفدوا أموالهم ، فاجتمع رأي الهمذانيين على قتال التتار ، وتحصنوا
بالبلد ، فوصل التتار ، وأحكموا حصارهم على المدينة ، وجرت وقائع شديدة قتل
فيها من التتار خلق كثير ، ثم تمكن المحاصرون من دخول المدينة في رجب من سنة ٦١٨
ووضعوا السيف في أهلها حتى أفنوهم ، ثم أحرقوا البلد حتى عفا رسمه.
وبعد ذلك عاد
التتار شمالا إلى بلاد أذربيجان فملكوا بعض مدنها ، ثم تقدموا إلى بلاد أرّان شمال
أذربيجان فملكوا كثيرا من مدنها وقراها وفعلوا فيها مثل ما فعلوا في قزوين. ثم
تقدموا إلى بلاد الكرج الكفرة ، ونشبت بين الجانبين معارك قاسية قتل فيها عشرات
الآلاف من الكرج ، ونهبت التتار كثيرا من بلادهم.
ثم توجه التتار
إلى دربند شروان وأهلها مسلمون ، فحاصروا مدينة شماخي ، وملكوها بعد مقاومة شديدة
من أهلها ، وعبروا بعد ذلك مضايق الدربند إلى جهة الشّمال حيث تقطن قبائل اللّان
النصرانيين ، وقبائل اللّكز ـ ومنهم المسلمون والكفار ـ فقاتلوهم ، ونهبوهم ،
وسبوا نساءهم ؛ ثم توجهوا إلى بلاد القفجاق ففر أهلها ، واعتصموا بالجبال ، ولحق
الكثير منهم ببلاد الرّوس ، واستقرت تلك الطائفة العادية من التتار في تلك البلاد
لكثرة مراعيها في الصيف والشتاء ، ثم توجهوا نحو بلاد الروس النصارى سنة ٦٢٠
فقاومهم أهلها بمساعدة القفجاق الهاربين مقاومة عنيفة ، لكن التتار انتصروا عليهم
، ودخلوا بلادهم ، فعملوا فيها مثل عملهم في ديار الإسلام ، وقد استطاع الكثير من
الروس الفرار من بلادهم ، ثم توجه التتار غربا فملكوا كثيرا من البلاد ، وفي
عودتهم كمن لهم البلغار في آخر سنة ٦٢٠ فقتلوا الكثير منهم ، وعادت بقيتهم إلى
ملكهم جنكيز خان.
فهذا هو خبر
التتار المغرّبة الذين أرسلهم جنكيز خان ليتتبعوا آثار خوارزم شاه.
وكان جنكيز خان
لعنه الله لما علم بفرار خوارزم شاه من بلاد خراسان ،
أراد أن يخضع جميع بلاد ما وراء النهر لحكمه وسلطانه ، فسيّر ـ وهو في
سمرقند ـ جيشا إلى فرغانة ، وآخر إلى ترمذ ، وآخر إلى قلعة كلانة ، وإلى غيرها من
تلك النواحي ، فاستولت تلك الجيوش على هذه المناطق ، فقتلوا ، ونهبوا ، وأحرقوا ،
وخربوا ، كما فعل أصحابهم المغربة ، ثم عادوا إلى ملكهم.
وجهز جنكيز خان
أيضا جيشا كبيرا إلى خوارزم ، وآخر إلى بلاد خراسان غربي جيحون.
فأما الجيش
الموجه إلى خوارزم فقد لاقى في حصار هذه المدينة عناء شديدا ، وذلك لكثرة جند هذا
البلد ، ومناعته ، وشجاعة أهله ، فقد قتل من الفريقين ما لا يحصى ، وكان قتلى
التتار أكثر ، عندها طلبت تلك الطائفة التتارية النجدة والعون من ملكهم جنكيز خان
، فأمدهم بجنود وفيرة ، واشتد الحصار على خوارزم ، وتفانى أهلها المسلمون في
الدفاع عنها إلى أن دخلها التتار ، فأعمل هؤلاء المجرمون السيف في أهلها ، ونهبوا
ثرواتها ، ثم فتحوا السّكر الذي يمنع ماء جيحون عنها ، فدخلها الماء ، وغرق كل ما
فيها ، وتهدمت مبانيها ، ولم يسلم منها أحد البتة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وأما الجيش
الموجه إلى خراسان ، فقد عبر نهر جيحون إلى مدينة بلخ فدخلوها صلحا سنة ٦١٧ ، ثم
قصدوا عدة مدن في ناحيتها فملكوها صلحا أيضا ، لكن أخذوا الرجال ليكونوا عونا لهم
على من يمتنع عليهم ، فقصدوا بلاد الطّالقان ، وبها قلعة حصينة ، فحاصروها ستة
أشهر ، فلما عجزوا عن نيل مأربهم منها استنجدوا بملكهم جنكيز خان ، فأجابهم بنفسه
، ومعه خلق كثير من أسرى المسلمين ، فمكث في حصار هذه القلعة ، ومقاتلة جندها
أربعة أشهر ، ثم تمكن من دخولها فنهبت ، وقتل من فيها ممن لم ينجه الفرار ، لكن
ذهب الكثير من جنده عند حصارها.
وقد قام جنكيز
خان بعد ذلك بجمع المقاتلة المسلمين من البلاد التي
صالح أهلها ، وسيرهم إلى مدينة مرو العظيمة ، وكانت من أمنع البلاد ، وكان
يرابط بظاهرها فقط ما يزيد على ٠٠٠ ، ٢٠٠ من المسلمين الذين نجوا من بلادهم
المصابة ، والتقت الفئتان ، وصمد الفريقان ، ولما اشتد على المسلمين القتال ولوّا
هاربين ، فتتبعتهم جيوش جنكيز خان فقتلت وأسرت العدد الكبير ، ولم ينج إلا القليل.
وجاء دور مرو
نفسها في الحصار ، فجمع التتار إلى جموعهم أناسي كثيرا من البلاد المجاورة ،
وأحكموا الحصار ، وتفانوا في القتال ، ولم يتمكنوا من دخولها ـ لقوة منعتها ـ إلا
بعد أن أغروا أهلها بالسلامة وطلب الأمان ، فلما طلبوه ، غدر التتار بهم ، ووضعوا
السيف في رقابهم حتى أفنوهم جميعا بعد أن سبوا من شاءوا من النساء والأطفال ،
وقدرت القتلى في هذه المدينة بنحو ٠٠٠ ، ٧٠٠ ، ولم ينج إلا الشريد ، فعادت تلك
الديار العامرة بلقعا كأن لم تغن بالأمس.
ثم توجهوا إلى
نيسابور ، فضيقوا عليها الحصار ، حتى تمكنوا من دخولها عنوة ، فسبوا نساءها ،
وقتلوا سائر أهلها ، ونهبوا خيراتها ، وخربوا ديارها ، ثم قطعوا رءوس القتلى لئلا
يسلم أحد ، وتوجهوا بعد ذلك إلى طوس فلم تكن أحسن من سابقتها ، ثم توجهوا إلى هراة
وهي من أحصن البلاد فملكوها بعد حصار شديد ، وقتلوا بعض أهلها ، وأمنوا الباقين.
وسلكوا بعد ذلك
إلى غزنة ، فأوقع بهم جلال الدين بن علاء الدين خوارزم شاه هزيمة منكرة ، قتل فيها
كثير من جند التتار ، فاستبشر أهل هراة بهذا النصر ، وحملوا على حامية التتار في
بلدهم فقتلوهم ، فعادت جنود التتار إلى هراة ، ودخلوها ، وأعملوا في جميع أهلها
السيف ، بعد أن سبوا من شاءوا ، ثم أحرقوا البلد.
ولما تم لهم كل
ذلك عادوا إلى ملكهم جنكيز خان وهو بالطّالقان يبعث
__________________
الجيوش إلى جميع بلاد خراسان ، حتى لم يسلم بلد من شرهم وفسادهم.
وقد وجه جنكيز
خان بعد ذلك طائفة كبيرة جدا من جنده لمحاربة جلال الدين ، فالتقى الفريقان في «كابل»
ودارت رحى الحرب ، واشتدت وزخرت ، وأسفرت عن هزيمة التتار ، وقتل الكثير منهم ،
وغنم المسلمون منهم غنائم كثيرة ، وأنقذوا الأسرى المسلمين من أيديهم ، لكن حدث
خلاف في صفوف جند جلال الدين ما لبث أن استحكم ، وأدى إلى الاقتتال بين المسلمين
أنفسهم ، وفر أحد كبار الأمراء إلى بلاد الهند ب ٠٠٠ ، ٣٠ مقاتل ، فاستعطفه جلال
الدين وذكره الله والجهاد فلم يرجع ، ليقضي الله أمرا كان مفعولا.
وبينما
المسلمون على هذه الحال ، إذ فاجأهم جنكيز خان بجيش عظيم لا قبل لهم به ، فآثر
جلال الدين النجاة ببقية جنده ، وفر نحو السّند ، فجد جنكيز خان في طلبه ، حتى
تلاقيا عند ماء السّند ـ حيث لم يتمكن جلال الدين من العبور بمن معه لعدم وجود
السفن ـ واستعرت الحرب ، والتحم الفريقان في معركة لم تشهد حروب المسلمين والتتار
قبلها مثلها حدة ، وضراوة ، وصدقا في القتال ، وسقط من الفريقين عدد كبير من
القتلى ثم انهزم التتار ولله الحمد ، وعبر جلال الدين بمن معه النهر بعد وصول
السفن ، فلما كان الغد عاد التتار إلى غزنة وفعلوا فيها وفي سوادها مثل ما فعلوه
في بلاد خراسان حتى عادت غزنة كأن لم تغن بالأمس.
وفي مستهل سنة
٦٢١ وجه جنكيز خان طائفة من جنده إلى الري ـ وهم غير الطائفة المغربة ـ فوضعوا
السيف في من بقي من أهلها حتى قتلوهم عن آخرهم ، ودمروا ما كان عمر منها بعد وقعة
التتار المغربة ، ثم ساروا في البلاد مفسدين ومهلكين الحرث والنسل فدخلوا ساوة
وقمّ ، وقاشان وغيرها من البلاد ، ثم قصدوا همذان فخربوها ، وقتلوا من كان سلم من
أهلها في الوقعة الأولى ، ولم ينج من قتلهم إلا الأسير.
وكان جلال
الدين قد قدم من بلاد الهند إلى خوزستان والعراق ، فملك أصبهان وغيرها من البلاد
الواسعة ، وخاصة بلاد أذربيجان ، ومدينة تفليس التي استولى عليها الكرج في سنة ٥١٥
، وأوقع بهؤلاء الكفرة هزيمة ساحقة ، قضى فيها على معظمهم ، وكان هؤلاء الكرج
يكثرون من الإغارة على بلاد المسلمين حولهم كخلاط ، وأذربيجان ، وأرّان ، وأرزن
الروم ، ودربند شروان ، والمسلمون معهم في ذل.
ولم يقدر أحد
من سلاطين وملوك الشرق المسلمين عليهم بمثل ما فعله فيهم جلال الدين رغم فناء كثير
من جنده ، فقد كاد أن يبيد أفرادهم ، ويستأصلهم.
وقام جلال
الدين بعد ذلك بحرب الباطنية ـ الإسماعيلية ـ فنهب بلادهم ، وخربها ، وقتل أهلها ،
وسبى واسترق كثيرا من نسائها وغلمانها ، انتقاما منهم لقيامهم بعون التتار على
المسلمين ، ولقتلهم أحد أمرائه المقدمين.
ولما فرغ جلال
الدين من أمر الإسماعيلية لقيته فئة عظيمة من التتار جهة الري فهزمهم ، ووضع السيف
فيهم ، وأقام بنواحي الري فلاقته طائفة كبيرة من التتار أيضا أرادوا سكن تلك
الديار بعد أن طردهم جنكيز خان فالتحم الفريقان في وقائع كثيرة كانت الحرب فيها
دولا.
وفي هذه الفترة
وقع خلاف شديد بين جلال الدين وبعض الملوك المسلمين ، فزين الإسماعيليون الملاحدة
لإخوانهم التتار سوء فسادهم ، وأعلموهم بضعف جلال الدين ، فتقدمت جموع التتار في
سنة ٦٢٨ من بلاد ما وراء النهر التي فيها عاصمة ملكهم ، إلى بلاد أذربيجان ، فمروا
ببلاد خراسان وكانت خرابا ثم توجهوا إلى الري وهمذان فاستولوا عليهما ، ثم قصدوا
أذربيجان فخشي جلال الدين من منازلتهم لضعف جنده ، وخروج الكثير منهم عن طاعته ، ففر
أمامهم ، وهم يتبعونه ، من بلد إلى آخر حتى تمزق جنده من التعب والنصب ، وكان
التتار عند قصّهم أثره لا يمرون على
بلد من بلاد أذربيجان والروم والجزيرة إلا ساموها سوء العذاب ، ينهبون ،
ويقتلون ، ويخربون ، ولم تنته سنة ٦٢٨ إلا وبلاد أذربيجان جميعها تحت سلطانهم.
وقد أكثروا في
هذه السنة وما بعدها ، من غاراتهم ، واعتداءاتهم على بلاد العراق والجزيرة والروم
وديار بكر ، وأكثروا فيها من القتل والنهب.
ولما رأى
التتار من ظهور أمرهم ، وعظم سلطانهم ، قام ملكهم تولي بن جنكيز خان في سنة ٦٣٨
بدعوة ملوك الإسلام إلى طاعته.
ولم يتوقف
التتار عن اعتداءاتهم على البلاد الإسلامية ، بل واصلوا ذلك ، حتى جرت بينهم وبين
جيش الخليفة العباسي وقعة عظيمة في سنة ٦٤٣ كسر فيها جند التتار ، ولاذوا بالفرار.
ومع هذا فقد ظلوا يعيثون الفساد في الأرض ، وقد استحكم هذا الفساد في سنة ٦٥٦
عندما ارتكبوا جريمتهم الكبيرة ، وجريرتهم الشنيعة ألا وهي دخولهم حاضرة الخلافة
العباسية بغداد بعد أن حاصرها ٢٠٠٠٠٠ مقاتل منهم حصارا محكما ، وضيقوا عليها
الخناق ، وقاتلوا جندها قتالا شديدا ، فقد وضعوا السيف في رقاب أهلها ولم يسلم
منهم عظماؤها وكبراؤها ، فقد قتلوا الخليفة الشهيد أبي أحمد عبد الله المستعصم
بالله بن المستنصر بالله آخر خلفاء بني العباس بالعراق وقتلوا العلماء والقضاة
والأئمة والأمراء ، وارتكبوا الفواحش ، وظلوا على هذه الحال أربعين يوما حتى خوت
بغداد على عروشها ، وسالت دروبها بدماء القتلى ، وأنتنت الجيف حتى حل بهذه البلدة
العظيمة وباء شديد ، سرت عدواه إلى بلاد الجزيرة والشام.
وقد قدرت أعداد
القتلى في حاضرة الخلافة ب ٨٠٠٠٠٠ ، وقيل ب ١٨٠٠٠٠٠ ، وقيل ب ٢٠٠٠٠٠٠ ، وكان الذي
تولى كبر ما حل ببغداد من مصائب هو الرافضي الخبيث ابن العلقمي وزير الخليفة
المستعصم بالله ، فهو الذي دعى ملك التتار هولاكو لدخول بغداد ، بعد أن عمل على
تقليص عدد جيش الخلافة ، فكان لعنه الله كما كان أسلافه الباطنيون من قبله ، عونا
ويدا على المسلمين.
ولما تم
لهولاكو إخضاع بغداد ، أخذ يعد العدة لضم البلاد الجزرية ، والشامية إلى مملكته ،
فقد تمكن في سنة ٦٥٧ من السيطرة على البلاد الجزرية ، وفي السنة التالية جاز
الفرات إلى بلاد الشام ، فذعر الناس ، وفر الكثير منهم إلى الديار المصرية وكان
ذلك في زمن الشتاء فلحقهم أذى شديد ، ومات منهم خلق كثير.
وقد قصد هولاكو
مدينة حلب ، فحاصرها ، ثم دخلها بالأمان ، لكنه كعادة قومه آثر الغدر ، ووضع السيف
في رقاب أهلها ، فقدرت قتلاها ب ٥٠٠٠٠ إنسان ، واقترف جنده فيها كل رذيلة ، وسبوا
من شاءوا من نسائها وأطفالها ، ونهبوا خيراتها وثرواتها ، وخربوا أسوارها ، فلما
علم أهل حمص وحماة ما حل بصاحبتهم طلبوا الأمان فأجيبوا إليه.
ثم أرسل هولاكو
طائفة من جنده إلى دمشق فدخلوها دون ممانعة ، وكتبوا الأمان لأهلها ، لكن حامية
قلعتها أبوا الاستسلام فحاصرتهم التتار وقاتلتهم حتى تملكوا القلعة ثم خربوها.
وقد تولى إمرة
دمشق رجل تتري فيه ميل إلى النصارى ، فعمل على رفع مكانة هؤلاء الضالين ، فراحوا
يعلنون عداءهم للمسلمين ، فذموا شرائع الإسلام ، ورفعوا صلبانهم ، ونشروا الخمور ،
وأسرفوا في الفساد.
ولما تمكن
التتار من دمشق ، واصلت طائفة منهم السير إلى نابلس وغزّة فملكوهما ، ونهبوا ما
مروا عليه من الديار ، وفي عزمهم مواصلة التقدم إلى مصر ، عندها أراد الله سبحانه
أن يكرم الأمة الإسلامية بنصر مؤزّر من عنده يذل به أمة التتار الظالمة التي جاست
خلال الديار ، وجعلت أعزة أهلها أذلة ؛ فقام سلطان مصر الملك المظفر سيف الدين قطز
بإعداد العدة ، وتعبئة الجيوش ، ثم زحف إلى جهة الشام ، والتقى مع جيش التتار ـ بقيادة
أميرهم الكبير كتبغانوين الذي فتح لهولاكو أقصى بلاد العجم إلى الشام ـ في عين
جالوت وذلك في سنة ٦٥٨ ، واشتد القتال بين الفئتين ، وصبر المسلمون
والتتار ، وتفانوا في الدفاع عن أنفسهم وديارهم ، ثم انجلت المعركة عن
هزيمة التتار ، وقتل قائدهم ، ومعظم جندهم.
وقد أبلى الملك
المظفر قطز ، وقائد جيشه بيبرس البندقداري بلاء حسنا ، وقد تولى بيبرس مع طائفة من
الشجعان تتبع فلول التتار في بلاد الشام والروم فأخرجوهم من حلب ، واستردوا منهم
مملكة الروم السلجوقية في آسيا الصغرى ، وأصبحت تلك الديار تابعة لسلطان مصر الملك
المظفر الذي جعله الله سبحانه قذى في أعين التتار ، وشجا في حلوقهم.
وبعد مقتل قطز
عند عوده من الشام إلى مصر ، تولى زمام الملك ، الملك الظاهر بيبرس البندقداري.
وفي هذا الوقت
أخذ ملك التتار هولاكو يعد العدة للانتقام من المسلمين لما حل بجنده ، ولاسترداد
بلاد الشام إليه ، فأرسل طائفة من جنده ، فدخلت حلب ، وقتلت معظم أهلها ، لكن
الملك الظاهر حال دون تقدمهم.
كما أرسل حملة
أخرى ، فالتقى معهم أصحاب حلب ، وحماة ، وحمص بجنودهم في شمالي حمص ، فكانت
الدائرة على التتار ، حيث هزموا ، وارتدوا على أعقابهم خاسئين ، بعد قتل وأسر
الكثير منهم.
ثم أرسل هولاكو
طائفة إلى الموصل ، فحاصرتها ، ثم دخلتها ، ووضعت السيف في رقاب أهلها.
وقد أوقع الله
سبحانه وتعالى العداوة والبغضاء بين ملوك التتار
__________________
أنفسهم ، فقد أحل ملك التتار الشّماليين بركة خان بهولاكو وجنده هزيمة
فظيعة في معركة فني فيها معظم جند هولاكو ، ثم هلك هولاكو ، ومات بعده ابن عمه
بركه خان ، فخلف الأول ابنه أبغا ، وخلف الثاني ابن عمه منكوتمر وقد سار هذا
الأخير على نهج سلفه في الإسلام.
وقد حدثت وقعة
شديدة بين أبغا ، وبركه بعد هلاك هولاكو سنة ٦٦٣ هزم فيها أبغا ، ومزقت جموعه ، ثم
جرت وقعة أخرى بين أبغا ، ومنكوتمر بعد وفاة بركه خان سنة ٦٦٥ هزم فيها منكوتمر.
وبذلك يكون
الله سبحانه قد جعل بأس التتار بينهم شديد.
ولما كان عهد
الملك المنصور السلطان قلاوون ، تقدم التتار بجحافلهم سنة ٦٨٠ لحرب المسلمين ،
وكان المصاف العظيم بين الفئتين بظاهر حمص ، وقد أسفرت المعركة عن دحر التتار حيث
قتل معظم رجالهم ، وشرد الباقون ، ولم يتقدم على التتار هزيمة أشد من هذه.
ثم هلك أبغا بن
هولاكو ، فخلفه أخوه بكدار الذي دخل في الإسلام ، وتسمى بأحمد سلطان ، فنقم منه
التتار إسلامه وقتلوه ، فتولى بعده أرغون بن أبغا ، فما لبث أن هلك ، فتولى مكانه
رجل من التتار ، وبعد هذا رجل آخر ثم تولى غازان بن أرغون سنة ٦٩٤ ودخل في دين
الإسلام ، وأسلم معه خلق كثير من التتار.
وقد جهز غازان
جيشا كبيرا من التتار ، وزحف بهم إلى الشام في
__________________
سنة ٦٩٩ ، وكان المصاف بينهم وبين المسلمين بقيادة الملك الناصر بن قلاوون
، عند حمص ، وأسفرت المعركة عن هزيمة الناصر ، ففر بجنده نحو مصر فتتبعته جنود
التتار.
ثم دخل غازان
إلى دمشق ، وخطب له فيها مئة يوم بدل السلطان المملوكي ، وهذه هي وقعة غازان
الشهيرة التي نهبت فيها دمشق ، ومكتباتها.
ثم تقدم التتار
إلى غزة ، والقدس ، والكّرك ، فنهبوا ، وغنموا الكثير ، ثم عادوا مع ملكهم إلى
ديارهم في الشرق.
ثم توجهوا مرة
أخرى إلى بلاد الشام ، وذلك في سنة ٧٠٠ ، لكنهم رجعوا على أعقابهم لشدة المطر.
ولما كانت سنة
٧٠٢ عادوا إلى بلاد الشام ، فذعر الناس ، وفر الكثير منهم إلى بلاد مصر ، والكّرك
، والحصون ، فالتقى معهم جيش مصر والشام بقيادة السلطان الناصر في شقحب ، وجرت بين
الفريقين وقائع شديدة ، واستبسل المسلمون ، وصبروا في ساعات القتال ، فأنزل الله
سبحانه وتعالى عليهم النصر ، وتم لهم قتل التتار المهاجمين عن آخرهم.
ولما علم غازان
بهزيمة جماعته ، وجه إلى الشام حملة كبيرة بقيادة نائبه ، فالتقى معهم السلطان
الناصر أيضا ، وأوقع بهم الهزيمة ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، لا تدخل تحت الحصر ،
والذين تمكنوا من الفرار أهلكهم الجوع والغرق ؛ فلله الحمد على منّه.
ثم توفي غازان
سنة ٧٠٣ كمدا على ما حل بجنده ، فتولى الملك بعده أخوه خربنده ، الذي ترفض بعد أن
كان في أول ملكه سنيا ، وأظهر بدعته في البلاد ، فقويت الرافضة على أهل السنّة ،
واشتطوا في ظلمهم لهم وشدتهم عليهم ؛ وكان خربنده قد أراد غزو مكة لكن الله أهلكه
قبل تحقق أمنيته ، وذلك في سنة ٧١٦. فتولى بعده ابنه بو سعيد.
وكان بو سعيد
بن خربنده من خيار ملوك التتار في الشرق ، وأحسنهم طريقة ، حيث أذل الرافضة ،
وأظهر أهل السنّة ، خلاف ما فعله أبوه ، ثم توفي سنة ٧٣٦ فضعف أمر التتار بعده
ضعفا شديدا.
وفي عهد بو
سعيد ، وبالتحديد في سنة ٧١٩ جرى اقتتال عظيم بين التتار أنفسهم فقتل منهم ما يربو
على ٣٠٠٠٠ رجل ، حتى كاد يزول ملكهم.
وبو سعيد بن
خربنده هو آخر من ملك من بني هولاكو ، وبموته تفرقت المملكة بأيدي أقوام.
ثم ظهر أمر
التتار في عهد تيمور لنك ملك الشرق ، حيث ضم لسلطانه كثيرا من بلاد ملوك التتار
الآخرين ، وتمكن من الاستيلاء على ممالك كثيرة ، منها العراقين ، وأقاليم ديار بكر
وقام بتخريب بلاد عراق العرب ، وبعض بلاد ديار بكر ، ثم قصد البلاد الشامية في سنة
٧٩٨ لكنه سرعان ما عاد منها إلى بلاده خوفا من السلطان الملك الظاهر سيف الدين
برقوق الجركسي الذي رابط بجنده عند حلب ، وزاد من خوف تيمور لنك اتفاق ملك التتار
الشّماليين طقتمش خان ، وملك بلاد الروم بايزيد بن عثمان ، وصاحب سيواس القاضي
برهان الدين أحمد ، مع السلطان برقوق على نصرته في حرب التتار.
وبينما تيمور
لنك في سمرقند بلغه خبر وفاة ملك الهند ، وحدوث نزاع شديد بعده ، فتوجه إلى تلك
البلاد ، وملك حاضرة مملكتها مدينة دلهي وذلك في سنة ٨٠٠ ، بعد وقائع استعمل فيها الخديعة
والمكر ، ثم قام جنده فجاسوا خلال ديارها فقتلوا وأسروا وسبوا ونهبوا وخربوا.
ولما كان تيمور
لنك ينظم أمر تلك الناحية ، ورده الخبر بموت الملك الظاهر برقوق ، وصاحب سيواس
القاضي برهان الدين ، فغمرته الفرحة ، واستبشر بملك بلاد الشام والروم ، فخرج إلى
حاضرة ملكه سمرقند ، ثم قطع
__________________
البلاد حتى وصل إلى سيواس في بلاد الروم ، فحاصرها ، ثم دخلها عنوة ، وأهلك
جميع مقاتلتها حيث دفنهم وهم أحياء ؛ ثم قصد عدة مناطق من بلاد المماليك الشمالية
فنهبها وخربها وسفك فيها الدماء.
عندها أصاب
الناس في بلاد الشام ذعر شديد ، وازداد خوفهم لما علموا برفض الأمراء المصريين
لطلب ملك بلاد الروم بايزيد بن عثمان الذي دعى فيه إلى جمع الشمل لمقاتلة التتار ،
ولما رأوا من تخاذل السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق ، وتباطئه عن المسير إلى
الشام.
وكان نواب
المماليك في الشام قد قرروا أن يخرجوا بجموعهم لمقاتلة التتار ، فتوجهوا إلى حلب ،
حيث انضم إليهم أهل حلب جميعهم ، ثم خرجوا إلى ظاهر المدينة ، فزحف عليهم تيمور لنك
بجنود كثيرة ، كالجراد المنتشر ـ وذلك في سنة ٨٠٣ ـ واشتد القتال بين الفريقين ،
وأبلى نواب الشام بلاء حسنا ، لكن لم تمض فترة وجيزة من اللقاء إلا وجنود الشام
يفرون إلى حلب ، فتتبّعهم التتار بشدة حتى هلك من المسلمين من شدة الزّحام وتحت
حوافر الخيل ما لا يدخل تحت الحصر.
ثم دخل تيمور
لنك بقبيله حلب ، فاستباحوها ، وكثر منهم القتل ، والسبي ، والنهب ، والتخريب ،
فقتلوا الرجال والأطفال ، وسبوا النساء ، وارتكبوا فيهن العظائم ، وهدموا الدور ،
وقطعوا الأشجار ، وأحرقوا المساجد والمدارس والمكتبات ، وأشعلوا النار في حلب كلها
حتى صارت أطلالا بالية.
وفي هذه الفترة
كان ابن تيمور لنك قد ملك حماه ، وسار فيها سيرة أبيه في حلب.
ثم مضى تيمور
لنك لعنه الله إلى دمشق ، وكان أهلها ، ومقاتلتها قد أتموا تحصينها ، واستعدوا
لملاقاة التتار ، وبينما هم كذلك وصل السلطان فرج بن برقوق إلى دمشق ، وعسكر مع
جنده في ظاهرها ، ومن ثم أخذت جموع التتار
تتقدم نحوهم ، حتى كان المصاف بين الفريقين في سنة ٨٠٣ ، وحمي بينهم وطيس
القتال ، واشتد الأمر على المسلمين.
وفي ساعة
العسرة هذه ، أشيع بين صفوف جند السلطان أن أحد الجراكسة في مصر نصب نفسه ملكا ،
فخرج بعض الأمراء بالسلطان سرا نحو مصر ، ولما علم كبار الأمراء والقواد بذلك
تبعوا سلطانهم ، فضعفت عندها العزائم ، وخارت القوى ، وتراجع المسلمون حتى دخلوا
دمشق ، وأغلقوا أبوابها ، وعزموا على القتال حتى ينالوا إحدى الحسنيين.
ثم تقدم تيمور
لنك إلى دمشق ، فأحكم حصارها ، وقاتلها قتالا شديدا ، لكنه لم يتمكن من دخول ، أو
نقب شيء من أسوارها لشدة حصانتها ، وتفاني أهلها في الدفاع عن أنفسهم ، وبلدهم ؛
عندها أعمل تيمور لنك الخديعة ، فقد دعى أهل دمشق إلى طلب الأمان ، فطلبوه بعد
خلاف بينهم ، وأرسلوا أحد القضاة إلى تيمور لنك ، فأغراه ملك التتار ، وأحسن له في
الكلام ، وتلطف معه في القول ، وهو يكثر الذكر والتسبيح مكرا وخدعة ، ولله در
القائل :
قد بلينا
بأمير
|
|
ظلم الناس
وسبح
|
فهو كالجزار
فيهم
|
|
يذكر الله
ويذبح
|
فرجع القاضي
إلى دمشق ، وراح يسرد على الناس محاسن تيمور لنك ، وأنه رجل عاقل يريد الصلح ، حتى
أقنع كثيرا من الناس بحسن نية الخبيث تيمور لنك ، ثم فتحت بعض أبواب دمشق ، وأخذ
ملك التتار يشتط في طلب الأموال والذخائر حتى عدمت الأقوات ، وغلت الأسعار ، ووقع
الناس في بلاء شديد.
ثم قسم تيمور
لنك دمشق على أمرائه ، فراحوا يسومون أهلها سوء العذاب عند استخراج الأموال منهم ،
حتى هلك بالعقوبة الشديدة القاتلة ، والجوع خلق لا يعلم عددهم إلا الله.
كما قام التتار
باقتراف العظائم بالنساء أمام ذويهن ، ولم ينج أحد من القتل والأسر إلا الأطفال
الذين لم يبلغوا الخامسة من أعمارهم الذين هلك معظمهم جوعا ، بل يذكر بعض المؤرخين
أنه جمع لتيمور لنك أطفال دمشق الذين هم دون الخامسة وكانوا نحو عشرة آلاف طفل
فأمر جنده أن يسوقوا الخيل عليهم ، حتى ماتوا أجمعين.
وقد أخرج
التتار الأسرى من الرجال والنساء والأولاد من دمشق ، وأضرموا النار في المنازل
والمساجد والمدارس والمتاجر والأسواق ، حتى أصبحت دمشق بلاقعا كأن لم تغن بالأمس.
ثم خرج تيمور
لنك نحو حلب ، فوصلها وأهلك من كان قد عاد إليها ، ثم زحف إلى بغداد فوضع السيف في
أهلها حتى بلغ عدد قتلاها في ذلك اليوم نحو مئة ألف إنسان. ثم عطف إلى بلاد الروم
، وكان المصاف بينه وبين صاحبها بايزيد بن عثمان ـ وذلك في سنة ٨٠٤ ـ فاستطاع
تيمور لنك بمكره أن يشتت جند ملك بلاد الروم ، حتى انضم الكثير منهم إلى فئته
الباغية ، ثم نشبت الحرب بينه ، وبين ما تبقى من جند بايزيد الذي قتل معظمهم ظمأ ،
فهزموا ، وأسر بايزيد ، وظل في الأسر حتى مات رحمه الله.
وبعد أن تم
للتتار القضاء على جند بلاد الروم راحوا يعيثون فيها الفساد ، فقتلوا ، وسبوا ،
ونهبوا ، وخربوا كما هي عادتهم.
ثم توجه تيمور
لنك نحو بلاد الصين يريد الاستيلاء عليها ، فهلك إلى غير رحمة الله سنة ٨٠٧ قبل
الوصول إليها ، فتولى بعده حفيده.
وبذا ينتهي
المدخل التاريخي الذي جعلته مقدمة لموضوع أسباب قوة الحركة العلمية وضعفها في بلاد
الإسلام.
أسباب قوة الحركة العلمية وضعفها
في بلاد الإسلام
لقد بعث
الإسلام في أرجاء الأرض نهضة علمية فريدة وعظيمة ، بدّد نورها ظلام الجهل ، وعمّ
ضياؤها الحزن والسهل ، فأنس الناس بحسن رونقها ، واستعذبوا طيب حلاوتها ، وقرّت
عيونهم ببهاء نضرتها ، فلم يمض عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعصر الراشدين
المهديين من بعده ، حتى انتشر العلم في جميع ديار المسلمين ، فأولاه الناس عظيم
عنايتهم ، وتوجهوا إليه بكليتهم ، فعشقته النفوس ، وشغفت بحبه القلوب ، وشنفت
لسماعه الآذان ، وودّ كل ذي علم أن ينال منه القسط الأوفى ، والقدح المعلّى ، ولكن
هيهات أن يحاط بجملته ، لأنه غائر الأعماق ، واسع الآفاق ، فهو بحر تنقطع الآجال
دون بلوغ ساحله ، وفضاء تقصر الأبصار عن درك آخره ، هذا فيما مكننا الله من علمه ،
فكيف بما وراء ذلك! وصدق ربنا حيث يقول : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ
الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً).
ويمكنني أن
أشرع في معالجة هذا الموضوع «أسباب قوة الحركة العلمية وضعفها في بلاد الإسلام» من
خلال تقسيمه إلى فقرتين رئيستين تبرزان في عنوانه ، ألا وهما :
(١) أسباب قوة
الحركة العلمية في بلاد الإسلام.
(٢) أسباب
ضعفها.
__________________
فالفقرة
الأولى : وهي أساس
هذا الباب ، وصلبه ، يمكن تناولها بدقة من خلال عرض تلك الأسباب ، وتوضيح مقاصدها
، وإليك هذا العرض والتوضيح :
السبب
الأول : دعوة القرآن
الكريم والسنة المشرفة إلى التعلم ، وحثّهما الناس على طلب العلم ، وبيانهما
لفضيلته ، وإشادتهما بأهله.
فقد قال الله
تعالى في كتابه الحكيم : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي
الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ، وقال أيضا : (يَرْفَعِ اللهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) ، وقال أيضا : (إِنَّما يَخْشَى
اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) ، كما أمر سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ،
ومن ثمّ عباده بالاستزادة من العلم فقال سبحانه : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي
عِلْماً).
وقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» ، وقال أيضا : «من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله
له طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم ، وإن العالم
ليستغفر له من في السماوات ، ومن في الأرض ، حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم
على العابد ، كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة الأنبياء ، إن
الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذ به أخذ بحظ
وافر» .
__________________
السبب
الثاني : العمل
بالعلم : لا شك أن الالتزام العملي بما يعلم ، يرسخ المعلومات في الأذهان ،
ويثبتها ، وقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن بعدهم من أئمة الدين
، يقرنون العلم بالعمل ، والقول بالفعل ، ومن الأدلة على هذا قول ابن مسعود
رضي الله عنه : «كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن ،
والعمل بهن» وقول أبي عبد الرحمن السلمي التابعي : «حدثنا الذين
كانوا يقرئوننا ، أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانوا إذا
تعلموا عشر آيات لم يخلّفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل ، فتعلمنا القرآن ،
والعمل جميعا» .
وأمر آخر وهو
أن الله سبحانه يهب عباده المؤمنين العاملين قوة في علمهم ، وثباتا في ذهنهم فضلا
منه ورحمة ، فقد حكي عن عيسى بن مريم عليه السلام أنه قال : «من عمل بما يعلم ورثه
الله علم ما لم يعلم» فهذا القول ولو لم نعلم صحة نسبته إلى عيسى عليه السلام
فإنه صحيح المعنى ، أما العصاة المذنبون فإنهم يحرمون بركة العلم ، قال الإمام
الشافعي رضي الله عنه :
شكوت إلى
وكيع سوء حفظي
|
|
فأرشدني إلى
ترك المعاصي
|
وأخبرني بأن
العلم نور
|
|
ونور الله لا
يهدى لعاص
|
السبب
الثالث : ترغيب
الشارع في تبليغ العلم ، وترهيبه من كتمه : فقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمته في تبليغ العلم عنه ، فقال صلى الله عليه وسلم : «نضّر الله امرءا سمع
__________________
منا حديثا فحفظه حتى يبلّغه ، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ورب حامل
فقه ليس بفقيه» ، وقال أيضا : «نضّر الله امرءا سمع منا شيئا فبلغه كما
سمع ، فرب مبلّغ أوعى من سامع» .
بل أمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم صحابته رضوان الله عليهم بتبليغ ما يتلقونه عنه إلى من
خلفهم ، كيما يشيع العلم ، ويفيض الخير ، فقال عليه الصلاة والسلام في خطبته بعد
الفتح بمكة : «وليبلّغ الشاهد الغائب» ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه
وسلم : «ليبلغ العلم الشاهد الغائب» .
وقد حذر الله
سبحانه ، ورسوله صلى الله عليه وسلم من كتم العلم ، وحجبه ، فقال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما
أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي
الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ* إِلَّا
الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
وقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة» .
فهذا الترهيب ،
وذاك الترغيب كان لهما وقع شديد في نفوس أهل العلم ، فقد حملاهم على الاعتناء
بتبليغ علوم الشريعة إلى الناس كافة ، وهم يرجون
__________________
لأنفسهم صفة النّضارة التي وعدوا بها ، ويخشون من لعنة الله ، ومن لجام
النار يوم القيامة إن هم كتموا ما أمروا بتبليغه.
ومع هذا فلم
ينسق العلماء في الرواية ، بل احتاطوا فيها كل حيطة ، خشية من التّقوّل على رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله ، لأنهم يروون عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قوله : «من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار» ، وقوله أيضا : «من يقل عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده
من النار» ، وقوله أيضا : «من حدث عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو
أحد الكاذبين» .
وقد صرح بعض
الصحابة بأنهم ما حدثوا حديثا لولا تلك الآيتان اللتان أوعدتا كاتم العلم ، وصرح
بعضهم أيضا بأن الذي حملهم على التقليل من الرواية حديث من كذب عليّ ... وإليك
إثبات ذلك : فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : «إن الناس يقولون أكثر أبو
هريرة ، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا ، ثم يتلو : إن الذين يكتمون ما
أنزلنا من البينات والهدى ـ إلى قوله ـ الرحيم» .
وعن عبد الله
بن الزبير رضي الله عنهما أنه قال : «قلت للزبير : إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كما يحدث فلان ، وفلان قال : أما إني
__________________
لم أفارقه ، ولكن سمعته يقول : من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار» .
لذا سار أئمة
الهدى في تبليغهم طريقا عدلا وسطا ، فلم يحدثوا إلا بما اطمأنت إلى صحته نفوسهم ،
ولم يجرءوا على كتم العلم ، حتى إن أبا هريرة رضي الله عنه قال : «لو وضعتم
الصّمصامة على هذه ـ وأشار إلى قفاه ـ ثم ظننت أني أنفذ كلمة
سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تجيزوا عليّ لأنفذتها» .
السبب
الرابع : بناء
الأمصار والمدن : لا ريب أن ينبوع الحضارة الزاهرة ، والنهضة العامرة ، يتفجر حيث
الأمن ، والجماعة ، والاستقرار ، وهذه العناصر كانت تتفرد بالاتصاف بها المدن ،
وحواضر البلدان.
فقد قام
الراشدون المهديون رضوان الله تعالى عليهم وكذلك الخلفاء ، والملوك ، والسلاطين من
بعدهم ، ببناء الأمصار ، والمدن في مختلف أصقاع الأرض ، لتكون مركزا صالحا لتجمع
الجند ، وانطلاقهم للفتوحات ، ولتكون أيضا مجمعا للناس ، ومأمنا لهم من أهل العبث
والفساد.
وعندما يأمن
الناس من الشرور ، ويكفون مؤونة النفير لرد العدوان ، يتطلعون إلى الغذاء الروحي
العظيم الذي هو العلم ، فكانت المدن والأمصار موئلا للعلوم ، ومنارا للفنون ،
وكانت كثرتها باعثة على النهضة العلمية العريقة التي تميزت بها الأمة الإسلامية.
ومن أهم تلك
المدن والأمصار : مكة ، والمدينة ، والبصرة ، والكوفة ، وبغداد ، ودمشق ، والفسطاط
، والقاهرة ، والقيروان ، وفاس ، وقرطبة ،
__________________
وبخارى ، ونيسابور ، ومرو ، والرّيّ ، ومرّاكش ، وغرناطة ، وغيرها من المدن
التي كان لها دور بارز في نشاط الحركة العلمية.
السبب
الخامس : سكن الخلفاء
والملوك والسلاطين في المدن والأمصار : فمن تأمل تاريخ الحركة العلمية عند المسلمين
، وجدها في أوج نشاطها ، وكامل نموها ، في حواضر الدول التي كان يسكنها الحكام
الكبار.
فحاضرة
العباسيين بغداد ، وحاضرة الأمويين في الأندلس قرطبة ، وحاضرة السامانيين بخارى ،
وحاضرتا السّلاجقة مرو والرّيّ ، وحاضرة الموحدين مرّاكش ، وحاضرة الدولتين
الصلاحية والمماليكية القاهرة ، لم يبلغن الدرجة العلمية الرفيعة لولا حلول حكامها
العظام فيها ، وقد أحسن ياقوت في قوله : «إنما تعمر البلدان بسكنى السلطان» .
السبب
السادس : فشو العلم
في الحكام ، واهتمامهم به ، وتشجيعهم للعلماء ، وإنشاؤهم للمراكز العلمية كالمدارس
، والمكتبات.
وأجد لزاما
عليّ قبل الدخول في صلب هذا الموضوع ، أن أذكر لمحة موجزة عن نوعية الحركة العلمية
في البلاد الإسلامية فأقول : كانت العلوم من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
آخر عهد الأمين العباسي لا تخرج عن العلوم النقلية ، والمساعدة لها ، وعن بعض
العلوم العقلية النافعة المفيدة ، فكانت علوم القوم في هذه الفترة : القراءات ،
والتفسير ، وعلوم القرآن ، والحديث ، وعلومه ، والتاريخ ، والأنساب ، والسير ،
واللغة ، والنحو ، والأدب ، والطب ، والهندسة ، ونحو ذلك.
فلما كان عهد
المأمون العباسي فرط عقد هذا النظام ، حيث شغف هذا الخليفة بعلوم الأوائل ، وصبت
نفسه إليها ، فناصرها ، وأمر بترجمة ونشر كتب كثيرة منها ، فكان ذلك مبدأ فساد
العلوم في ديار الإسلام ، إلى أن أذن الله
__________________
بخلافة المتوكل فأبطل هذا الأمر ، وأعاد الأمة إلى سبيل الخير والرشاد ،
ونصر العلوم النقلية ، فشكره الناس على فعلته الحميدة هذه.
ولما ضعفت
الدولة العباسية ، ووهنت قواها ، واستقلت ولاياتها ، اختلط الأمر ، فدولة تراها
تميل إلى العلوم النقلية ، ودولة تراها تجنح إلى العلوم العقلية البحتة ، ومنهم من
يتوسط بين الأمرين. ومجمل القول في ذلك أن الدولة الإسلامية التي كان يحكمها أهل
السنّة تنتشر فيها العلوم النقلية ، وخاصة علم الحديث ، أما الدول التي حكمها
الرافضة ، وأهل البدع فتراها منغمسة في علوم الأوائل ، ومحاربة لبعض العلوم
الإسلامية ، وأصدق مثال على هذا دولة بني بويه في المشرق ، وبغداد ، والدولة
العبيدية في المغرب ، ومصر.
وأعود الآن إلى
أصل الموضوع ، وأتناوله فقرة فقرة :
أولا ـ فشو العلم في الحكام ، وعنايتهم به : فقد كان
الراشدون رضوان الله تعالى عليهم أهل علم وفقه ، وكان كثير من الخلفاء بعدهم على
شاكلتهم ، كمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وعبد الملك بن مروان ، وعمر بن عبد
العزيز رضي الله عنه وأبي جعفر المنصور ، والمهدي بن المنصور ، وهارون الرشيد بن
المهدي ، والمأمون بن الرشيد ، والواثق بالله بن المعتصم.
كما برز في
العصر الثاني للدولة العباسية خلفاء علماء كالقادر بالله بن المقتدر ، والمستظهر
بالله بن المقتدي بالله ، والمسترشد بالله بن المستظهر بالله ، والراشد بالله بن
المسترشد بالله ، والمقتفي لأمر الله بن المستظهر بالله ، والناصر لدين الله بن
المستضيء بأمر الله.
بل كان من
خلفاء العباسيين بمصر من له اشتغال بالعلم ، ومشاركة للعلماء كالمستكفي بالله بن
الحاكم بأمر الله ، والمعتضد بالله بن المتوكل على
الله ، والمتوكل على الله بن يعقوب بن المتوكل على الله .
وقبل الانتقال
إلى بيان فشو العلم وشيوعه في باقي الملوك ، والخلفاء ، والحكام في ديار الإسلام
أجدني مضطرا لإظهار وبيان اهتمام الخلفاء الأمويين ، والعباسيين بعلم الحديث خاصة
، لأنه هو لب هذه المقدمة ، وأساسها ، وسأفعل مثل ذلك إن شاء الله تعالى في كل
دولة يتيسر لي معلومات عن اهتمام أصحابها بعلم الحديث.
فالأمويون برز
فيهم علماء كبار في الحديث ، وهم معاوية بن أبي سفيان ـ وناهيك به ـ وعبد الملك بن
مروان ، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، ولا حاجة لتفصيل أمرهم في ذلك لأنهم
عاشوا في عهد كان هذا العلم فيه رأس العلوم.
وأما العباسيون
فقد اهتم كثير من خلفائهم بعلم الحديث ، وأولوه عظيم عنايتهم : فأبو جعفر المنصور
كان طلّابة للعلم ، والحديث قبل الخلافة ، قال الصولي : «كان المنصور أعلم الناس
بالحديث ، والأنساب ، مشهورا بطلبه» ، وقال ابن كثير : «كان المنصور في شبيبته يطلب العلم
من مظانه ، والحديث ، والفقه ، فنال جانبا جيدا ، وطرفا صالحا ، وقد قيل له يوما :
يا أمير المؤمنين هل بقي شيء من اللذات لم تنله؟ قال : شيء واحد ، قالوا : وما هو؟
قال : قول المحدث للشيخ : من ذكرت رحمك الله؟ فاجتمع وزراؤه وكتابه ، وجلسوا حوله وقالوا
: ليمل علينا أمير المؤمنين شيئا من الحديث ، فقال : لستم بهم ، إنما هم الدّنسة
ثيابهم ، المشققة أرجلهم ،
__________________
الطويلة شعورهم ، رواد الآفاق ، وقطاع المسافات ، تارة بالعراق ، وتارة
بالحجاز ، وتارة بالشام ، وتارة باليمن ، فهؤلاء نقلة الحديث» .
وقال محمد بن
سلّام الجمحي : «قيل للمنصور : هل بقي من لذات الدنيا شيء لم تنله؟ قال : بقيت
خصلة أن أقعد في مصطبة وحولي أصحاب الحديث ، يقول المستملي : من ذكرت رحمك الله
قال : فغدا عليه الندماء ، وأبناء الوزراء بالمحابر ، والدفاتر ، فقال : لستم بهم
، إنما هم الدّنسة ثيابهم ، المشققة أرجلهم ، الطويلة شعورهم ، برد الآفاق ، ونقلة
الحديث» .
بل إن المنصور
أوصى ابنه المهدي بتلقي الحديث ونقله ، ومجاورة أهله فقال : «يا بني لا تجلس مجلسا
إلا وعندك من أهل الحديث من يحدثك ، فإن الزهري قال : علم الحديث ذكر لا يحبه إلا
ذكران الرجال ، ولا يكرهه إلا مؤنثوهم ، وصدق أخو زهرة» .
والمهدي بن
المنصور روى الحديث ، وروي عنه.
وهارون الرشيد
طلب العلم ، واهتم به قبل الخلافة ، وبعدها ، قال القاضي الفاضل في بعض رسائله : «ما
أعلم أن لملك رحلة قط في طلب العلم إلا للرشيد ، فإنه رحل بولديه الأمين والمأمون
لسماع الموطأ على مالك رحمه الله ... ثم رحل لسماعه السلطان صلاح الدين بن أيوب
إلى الإسكندرية ... ولا أعلم لهما ثالثا» .
والمأمون طلب
العلم من صغره ، وسمع الحديث من جماعة من الأئمة ، وكان أعلم خلفاء بني العباس ،
فصيحا ، فقيها ، بارعا في العربية ، وأيام الناس ، وعني بعلوم الأوائل ، وكانت
عنده حافظة قوية مستحضرة ، فقد قال
__________________
محمد بن المنذر الكندي : «حج الرشيد فدخل الكوفة ، فطلب المحدثين فلم يتخلف
إلا عبد الله بن إدريس ، وعيسى بن يونس ، فبعث إليهما الأمين والمأمون فحدثهما ابن
إدريس بمئة حديث ، فقال المأمون : يا عم ، أتأذن لي أن أعيدها من حفظي؟ قال : افعل
، فأعادها ، فعجب من حفظه» .
وقال الخطيب : «كان
المأمون أعظم خلفاء بني العباس عناية بالحديث ، كثير المذاكرة به ، شديد الشهوة
لروايته ، مع أنه قد حدث أحاديث كثيرة لمن كان يأنس به من خاصته ، وكان يحب إملاء
الحديث في مجلس عام يحضر سماعه كل أحد ، فكان يدافع نفسه بذلك حتى عزم على فعله ـ ثم
ساق الخطيب بسنده إلى ـ يحيى بن أكثم القاضي قال : «قال لي المأمون يوما : يا يحيى
أريد أن أحدث ، فقلت : ومن أولى بهذا الحديث من أمير المؤمنين؟! فقال : ضعوا لي
منبرا بالحلبة ، فصعد وحدث ، فأول حديث حدثنا به عن هشيم ، عن أبي الجهم ، عن
الزهري ، عن أبي سلمة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : امرؤ القيس صاحب لواء
الشعراء إلى النار ، ثم حدث بنحو من ثلاثين حديثا ، ثم نزل فقال : يا يحيى كيف
رأيت مجلسنا؟ فقلت : أجل مجلس يا أمير المؤمنين تفقه الخاص والعام ، فقال : لا ،
وحياتك ما رأيت لكم حلاوة ، وإنما المجلس لأصحاب الخلقان ، والمحابر ـ يعني أصحاب
الحديث» .
وقال إبراهيم
بن سعيد الجوهري : «لما فتح المأمون مصر ، قال له قائل : الحمد لله يا أمير
المؤمنين الذي كفاك أمر عدوك ، وأدان لك العراقين ، والشامات ، ومصر ، وأنت ابن عم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت له : ويحك إلا أنه بقيت لي خلّة وهو أن أجلس
في مجلس ويستملي يحيى فيقول لي : من ذكرت رضي الله عنك؟ فأقول ـ وساق الحديث» .
__________________
ومما يدل على
عناية المأمون بالحديث ، وحفظه له ، ما ذكره محمد بن سهل بن عسكر قال : «وقف
المأمون يوما للأذان ، ونحن وقوف بين يديه إذ تقدم إليه رجل غريب بيده محبرة فقال
: يا أمير المؤمنين صاحب حديث منقطع به ، فقال له المأمون : أيش تحفظ في باب كذا؟
فلم يذكر فيه شيئا ، فما زال المأمون يقول : حدثنا هشيم ، وحدثنا حجاج ، وحدثنا
فلان حتى ذكر الباب ، ثم سأله عن باب ثان فلم يذكر فيه شيئا فذكره المأمون ثم نظر
إلى أصحابه فقال : يطلب أحدهم الحديث ثلاثة أيام ثم يقول : أنا من أصحاب الحديث
أعطوه ثلاثة دراهم» .
كما اهتم كثير
من الخلفاء العباسيين في العصر الثاني للدولة العباسية بعلم الحديث ، وإليك جانبا
من ذلك :
فالمسترشد
بالله بن المستظهر بالله سمع الحديث من جماعة من الأئمة ، وسمع جزء بن عرفة مع
أخيه المقتفي لأمر الله.
والمقتفي لأمر
الله بن المستظهر بالله سمع الحديث ، وروى عنه جماعة ، قال السيوطي : «كان محبا
للحديث وسماعه ، معتنيا بالعلم» .
والناصر لدين
الله بن المستضيء بأمر الله اشتغل في وسط ولايته برواية الحديث ، وأجاز له جماعة ،
وكتب للملوك والعلماء إجازات ، وصنف كتابا في الحديث فيه أسانيد صحيحة عالية رواها
عن أكابر المحدثين ، وسماه «روح العارفين» وأجازه لجمع من العلماء.
والظاهر بأمر
الله بن الناصر لدين الله روى الحديث عن والده بالإجازة ، وقرىء عليه في مسند
الإمام أحمد بإجازته من والده.
والمستعصم
بالله بن المستنصر بالله الشهيد آخر خلفاء بني العباس في
__________________
بغداد ، استجاز له الحافظ ابن النجار من جماعة من مشايخ خراسان ، وحدث عنه
جماعة ، وخرج له الدمياطي أربعين حديثا.
كما اهتم بعض
الخلفاء العباسيين في مصر بعلم الحديث : فالحاكم بأمر الله بن المستكفي بالله بن
الحاكم بأمر الله سمع الحديث ، وأسمعه.
والمعتضد بالله
بن المستكفي بالله بن الحاكم بأمر الله لما قدم إلى دمشق جلس في المدرسة الدماغية
، فقرأ الحافظ ابن كثير بين يديه جزءا فيه ما رواه أحمد بن حنبل عن الشافعي في
مسنده.
وأتحول الآن
إلى الحديث عن عناية ملوك وخلفاء الأمويين في الأندلس بالعلم ، فأقول : إن عددا من
هؤلاء الملوك والخلفاء كانوا أهل علم وأدب ، يؤثرون العلوم النقلية ، والمساعدة
لها ، ولم يخرجوا عن ذلك إلا في بعض الأزمنة الضيقة.
فأول ملوكهم
وهو عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام كان عالما جليلا ، بل هو أول من نهض
بالحركة العلمية في الأندلس ، لأن من قبله من الولاة كانوا مشتغلين بأمور الحرب
والفتوح.
وكان ابنه هشام
له اشتغال بالعلوم الشرعية والأدبية ، وفي عهده ذاع مذهب مالك في الأندلس بعد أن
كانوا على مذهب الأوزاعي.
كما أن عبد
الرحمن بن الحكم بن هشام كان عالما بعلوم الشريعة والفلسفة ، وهو أول من أدخل كتب
الحكماء إلى تلك الديار ، وهذا من المآخذ العظام عليه.
وكان عبد الله
بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم من علماء ملوك الأندلس الأمويين ، متفننا في ضروب
العلوم الشرعية ، والمساعدة لها.
وإن الخليفة
الناصر عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن
عبد الرحمن ـ وهو أول من تسمى بالخلافة في الأندلس ـ كان بارعا في بعض
العلوم الشرعية والأدبية.
كما أن ابنه
الخليفة الحكم المستنصر كان عالما ، محبا للقراءة ، شغفا بالمطالعة ، وامتازت
مكتبته العظيمة بتعليقاته الحافلة على كثير من كتبها ، وكان له ميل إلى أهل الحديث
، استدعى كثيرا منهم من الآفاق ، وجالسهم ، وذاكرهم.
ولم يكن ملوك
وخلفاء بني أمية في الأندلس أقل عناية بالحديث من خلفاء بني العباس ، فقد كان هشام
بن عبد الرحمن ثاني ملوك الأندلس يؤثر مجالس الحديث ، وكان الإمام مالك يعجب
بسيرته ، ويشيد بخلاله ، وكذلك فإن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام سمع الحديث ،
وأسمعه للطلبة ، وعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم كان ولعا بحضور مجالس
المحدثين ، والخليفة الناصر سمع الحديث ودرسه ، كما أن الخليفة الحكم المستنصر ابن
الخليفة الناصر سمع الحديث كثيرا ، وعين لولده الخليفة هشام المؤيد كبير المحدثين
بقرطبة ليسمعه الحديث.
أما باقي ملوك
وسلاطين الدول الإسلامية في الشرق والغرب ، فأتناول الحديث عن اهتمامهم بالعلم ،
وسماعه ، وطلبه من خلال تقسيم دولهم إلى ثلاثة أقسام : دول المشرق ، ودول الشام
ومصر ، ودول المغرب ، وبذا يسهل الحديث عنهم.
(١) دول المشرق :
عني بعض ملوك
هذه الدول بالعلم ، فنالوا منه نصيبا يختلف باختلاف رغباتهم.
فالسلطان العظيم
محمود بن سبكتكين صاحب الدولة الغزنوية ، وفاتح بلاد الهند ، كان عالما ، كلفا
بدراسة العلوم الشرعية ، وخاصة الحديث ، وقد صنّفت له كتب كثيرة في فنون العلم ،
وقصده العلماء من أصقاع البلاد.
والسلطان محمود
بن محمد بن ملكشاه صاحب الدولة السّلجوقية ، كان غزير العلم ، وخاصة في النحو
والتاريخ والسير.
والسلطان محمد
بن أنوشتكين صاحب الدولة الخوارزمية كان عالما جليلا ، وخاصة في التفسير.
والسلطان علاء
الدين خوارزم شاه محمد ـ وهو الذي لحقه التتار في بلاد خراسان ـ كان عالما متفننا
، يجيد الفقه ، والأصول ، وعرف بكثرة مجالسة العلماء ومناظرتهم.
(٢) دول الشام ومصر
في عهد الخلافة العباسية البغدادية والمصرية :
*
فالدولة الطّولونية : كان أول ملوكها وهو أحمد بن طولون حافظا للقرآن ، يطلب الحديث. كما كان
خمارويه بن أحمد بن طولون ثاني ملوك هذه الدولة يطلب الحديث.
* الدولة
الحمدانية : اهتم أصحابها بالعلوم ، وخاصة الآداب ، ومهر عدد منهم فيها.
*
الدولة النّورية : كان سيدها ، وسلطانها العظيم الملك العادل نور الدين محمود عالما بالفقه
على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وسمع الحديث كثيرا ، وأسمعه طلبا للأجر والثواب ،
ومما يحكى عنه من قصص جليلة ما ذكره أبو شامة فقال : «بلغني من شدة اهتمام نور
الدين رحمه الله بأمر المسلمين حين نزل الفرنج على دمياط أنه قرىء عليه جزء من
حديث كان له به رواية فجاء في جملة تلك الأحاديث حديث مسلسل بالتبسم ، فطلب منه
بعض طلبة الحديث أن يتبسم لتتم السلسلة على ما عرف من عادة أهل الحديث ، فغضب من
ذلك وقال : إني لأستحي من الله تعالى أن يراني متبسما والمسلمون محاصرون بالفرنج» .
__________________
*
الدولة الأيوبية : لم يعتن ملوك دولة من دول مصر والشام بالعلم كاعتناء الأيوبيين به ،
وحرصهم على التزوّد منه ، ومن محاسنهم أنهم ابتعدوا عن علوم الأوائل ، وآثروا علوم
الشرائع ، وخاصة الآثار ، إلا أن أحد ملوكهم وهو الناصر داود بن المعظم ملك دمشق
اهتم بعلم الفلاسفة ، وشجعه ، وناصره ، لكن سرعان ما أزيل ذلك بعد عزله عن دمشق.
فأول ملوك هذه
الدولة وهو السلطان المجاهد صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب كان حريصا على طلب
العلم ، فقد رحل في زمن ملكه ومعه إخوانه ، وامراؤه إلى الإسكندرية ،
فسمعوا الحديث من الحافظ السّلفي وغيره ، وكان رحمه الله ملما ببعض العلوم كالحديث
، والفقه ، والأنساب ، والتواريخ ، وقد قرىء عليه الحديث في ساعات الوغى ، ولم
ينقل عن غيره مثل ذلك ، وآثر سماع الحديث بالأسانيد ، وأسمعه بها ، قال ابن شدّاد
: «كان رحمه الله شديد الرغبة في سماع الحديث ، ومتى سمع عن شيخ ذي رواية عالية ،
وسماع كثير ، فإن كان ممن يحضر عنده استحضره ، وسمع عليه ، فأسمع من يحضره في ذلك
المكان من أولاده ، ومماليكه المختصين به ، وكان يأمر الناس بالجلوس عند سماع
الحديث إجلالا له ، وإن كان ذلك الشيخ ممن لا يطرق أبواب السلاطين ، ويتجافى عن
الحضور في مجالسهم ، سعى إليه ، وسمع عليه ، تردد إلى الحافظ الأصفهاني ـ (أي
السّلفي) ـ بالإسكندرية حرسها الله تعالى وروى عنه أحاديث كثيرة» .
وقال أيضا : «لقد
قرىء عليه جزء من الحديث بين الصفين ، وذلك أني قلت له : قد سمع الحديث في جميع
المواطن الشريفة ، ولم ينقل أنه سمع بين الصفين ، فإن رأى المولى أن يؤثر عنه ذلك
كان حسنا ، فأذن في ذلك ، فأحضر جزءا ، وهناك أحضر من له به سماع فقرىء عليه ونحن
على ظهور
__________________
الدواب بين الصفين ، نمشي تارة ، ونقف أخرى» .
وقال أيضا : «لقد
مر بنا رجل جمع بين العلم والتصوف ، وأنه يؤثر زيارة السلطان ، فعرّفت السلطان
رحمة الله عليه تلك الليلة وصول هذا الرجل ، فاستحضره ، وروى عنه حديثا» .
وقال أيضا إنه
كان : «حافظا لأنساب العرب ووقائعهم ، عارفا بسيرهم وأحوالهم ، حافظا لأنساب خيلهم
، عالما بعجائب الدنيا ، ونوادرها ، بحيث كان يستفيد محاضره منه ما لا يسمع من
غيره» .
وكذلك كان كثير
من خلفاء صلاح الدين أهل علم ، ودراية ، ورواية ، وفقه :
فالملك المعظم
عيسى ابن الملك العادل محمد ملك دمشق والشام ـ وهو ابن أخي صلاح الدين ـ حفظ
القرآن ، وبرع في الفقه على مذهب أبي حنيفة ، ودرس العربية ، والحديث ، وغيرهما من
العلوم ، وصنف التصانيف المفيدة ، منها السهم المصيب في الرد على الخطيب ـ ذب فيه
عن الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه ـ وشرح الجامع الكبير في الفقه بمعاونة
غيره ؛ وسمع مسند الإمام أحمد ، وأمر بترتيبه ، وكان يبحث ، ويناظر ، ويفتي.
والملك الكامل
محمد ابن الملك العادل محمد ملك مصر والشام وغيرهما ـ وهو أخو المعظم ـ كان عالما
بالحديث ، يحرص على حفظه ونقله ، وقد شغف بسماعه ، وله تعليقات حسنة على صحيح مسلم
، وخرّج له الشيخ أبو القاسم بن الصّفراوي أربعين حديثا سمعها منه جماعة ، وكان
يناظر العلماء ، ويكثر من مجالستهم.
__________________
والملك المنصور
ناصر الدين محمد ابن الملك المظفر صاحب حماه كان عالما بالتواريخ ، والآداب ، له إلمام
بالحديث ، يكثر من المطالعة والبحث ، وله تصانيف حافلة منها : التاريخ الكبير ،
وطبقات الشعراء.
والملك المؤيد
عماد الدين أبو الفداء إسماعيل ابن الملك الأفضل علي صاحب حماه ، كان عالما متقنا
، متفننا ، له تصانيف نافعة منها المختصر في أخبار البشر ، وتقويم البلدان.
والملك ظهير
الدين أحمد بن صلاح الدين يوسف بن أيوب كان عالما ، محدثا ، سمع وكتب الكثير.
هذا وقد اهتم
الملوك الأيوبيون برواية الحديث وسماعه ، وقد ظهر شيء من ذلك فيمن مر ذكره منهم ،
وأضيف إليهم : الملك العادل محمد ملك مصر والشام وغيرهما ـ وهو أخو صلاح الدين ـ الذي
طلب الحديث ، وحدث بالجزء السابع من المحامليات عن السّلفي رواه عنه ابنه الملك
الصالح إسماعيل صاحب دمشق.
والملك الأشرف
موسى ابن الملك العادل صاحب دمشق روى عن جماعة ، وروى عنه آخرون ، وسمع صحيح
البخاري في ثمانية أيام من ابن الزّبيدي ، وكان له ميل إلى المحدثين والحنابلة ،
وقد كان لهذا الملك دور في نشر العلوم الشرعية ، وإقصاء العلوم الفاسدة ، فلما ملك
دمشق رغب الناس في العلوم الشرعية كالتفسير ، والفقه ، والحديث ، ونهاهم عن
الاشتغال بعلم الأوائل ، وكان أخوه الملك الناصر داود بن المعظم ملك دمشق قبله قد
اهتم بتلك العلوم الضارة ، وروّج أمرها.
والملك الظاهر
غازي ابن السلطان صلاح الدين صاحب حلب سمع الحديث كثيرا ، وأسمعه.
والملك الأفضل
علي ابن السلطان صلاح الدين صاحب الشام سمع الحديث بالإسكندرية وغيرها.
والملك العزيز
عثمان ابن السلطان صلاح الدين ملك مصر والشام سمع الحديث كثيرا.
والملك المعظم
تورانشاه ابن السلطان صلاح الدين سمع الحديث وأسمعه ، وانتخب له الدّمياطي جزءا.
والملك السعيد
عبد الملك بن الصالح إسماعيل بن العادل روى الموطأ.
والملك أبو
المحاسن يوسف ابن الملك الناصر داود بن المعظم سمع الحديث ، وروى عنه الدمياطي في
معجمه.
والملك المنصور
محمود ابن الملك الصالح إسماعيل بن العادل سمع الحديث كثيرا.
* الدولة
المماليكية : كان فيها عدد من السلاطين الذين عنوا بسماع الحديث ، وحرصوا على تلقي بعض العلوم الشرعية ،
والمساعدة لها ، ولم يبرز فيهم أحد يمكن أن يعد من العلماء.
فالسلطان
الناصر بن قلاوون سمع على قاضي القضاة ابن جماعة عشرين حديثا ، وحضر معه الأمراء.
والسلطان الملك
الأشرف شعبان بن حسين سمع الحديث.
والسلطان الملك
الأشرف برسباي الدّقماقي سمع الحديث أيضا.
والسلطان الملك
الظاهر سيف الدين جقمق العلائي الظاهري كان متفقها.
والسلطان الملك
الأشرف قانصوه الغوري كان مغرما بقراءة التواريخ ، والسير ، ودواوين الأشعار ،
وكان يعقد المجالس العلمية في القلعة كل أسبوع ، ويجمع إليه العلماء.
__________________
*
الدولة العبيدية : كان لبعض ملوكها عناية بالعلم ، لكنه علم السوء والضلال ، والفلسفة
والزندقة ، وقد أخرت ذكر هذه الدولة عن مكانها الطبيعي لأنها دولة خبيثة مفسدة.
(٣) دول المغرب
والأندلس :
(أ)
دول الأندلس : لقد حكم الأندلس عقب زوال الدولة الأموية ، ودولة بني حمّود الأدارسة ،
ملوك الطوائف الذين أحبوا العلم ، ونالوا منه قسطا صالحا ، وخاصة الآداب والشعر.
فملك إشبيلية
القاضي أبو القاسم محمد بن إسماعيل بن عبّاد كان عالما أديبا ، وشاعرا مطبوعا ،
وكذلك حفيده المعتمد محمد بن عبّاد.
وملك بطليوس
أبو بكر المظفر بن الأفطس كان أديبا مجيدا ، صنف كتابا عظيما في الأدب.
وملك سرقسطة
والثغر الأعلى المقتدر أحمد بن سليمان بن محمد بن هود الجذامي نظم الشعر ، وبرع في
الأدب ، ومهر في العلوم العقلية كالرياضة ، والفلك ، والفلسفة. كما أن خليفته
وابنه المؤتمن يوسف أتقن علم الرياضة ، وصنف فيه تصانيف مهمة ، واهتم بهذه العلوم
أيضا عدد آخر من ملوك بني هود.
وحاكم المريّة
وأعمالها أبو يحيى محمد بن معن بن صمادح الملقب بالمعتصم بالله كان شاعرا ، ومحبا
للعلوم الشرعية كالتفسير والحديث يجلس يوما كل أسبوع للفقهاء والعلماء فيتناظرون
بين يديه.
ولما ضعف أمر
الأندلس ، واستولى النصارى على معظم نواحيه ، بقيت منه بقية في أيدي المسلمين وهي
مملكة غرناطة التي حكمها بنو نصر (بنو الأحمر) ، وكان هؤلاء الملوك يميلون إلى
العلم ، وقد ظهر فيهم علماء وفقهاء.
فمحمد بن محمد بن
يوسف بن نصر المعروف والده بابن الأحمر كان عالما أديبا ، عرف بالفقيه لعلمه
وتقواه.
وأبو الحجاج
يوسف بن إسماعيل كان ذا علم وأدب أيضا.
(ب)
دول المغرب : لم يبلغ ملوك المغرب في العلوم ما بلغه نظراؤهم في المشرق ، ولعل ذلك
يعود إلى كثرة الاضطرابات في بلدهم.
فدولة الأدارسة
العلويين نبغ في العلم من ملوكها يحيى بن إدريس بن عمر بن إدريس الأصغر ، حيث كان
فقيها ، حافظا للحديث والآثار.
ودولة
المرابطين كان مؤسسها الأول ـ وإن لم يكن من ملوكها ـ الشيخ عبد الله بن ياسين أحد
العلماء الفقهاء.
ودولة الموحدين
كان مؤسسها الأول أيضا ـ وإن لم يكن من ملوكها ـ المهدي بن تومرت إماما في علوم
الشريعة ، فقيها ، حافظا للحديث ، متمكنا في العربية ، متعمقا في أصول الدين.
كما كان أول
ملوك هذه الدولة وهو عبد المؤمن بن علي عالما باللغة ، والنحو ، والأدب ،
والقراءات ، حافظا للقرآن ، والحديث ، يجيد نظم الشعر ، وله إلمام بعلم التاريخ ،
وعلم أصول الدين ، وقد طلب العلم من صغره.
وكان ابنه
وخليفته من بعده أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن ذا علم وفقه ، له إلمام بكلام العرب
يحفظ أيامهم ومآثرهم وجميع أخبارهم في الجاهلية والإسلام ، كما كان عارفا بالفقه ،
حافظا للغة ، متبحرا في النحو ، وكان يحفظ الصحيحين ويملي أحاديث الجهاد على جنده
، ثم عكف على دراسة الفلسفة والفلك والطب ، وقد لقي جماعة كثيرة من العلماء
واستفاد منهم.
وكان ابنه
وخليفته من بعده أبو يوسف يعقوب المنصور بن يوسف عالما ، يحفظ القرآن والحديث ،
ويتكلم ويناظر في الفقه ، ويفتي ، وعنده ولع
بمجالسة العلماء وخاصة أهل الحديث منهم ، وكانت مجالسه تفتتح بالتلاوة ، ثم
بقراءة بعض الأحاديث ، ثم بدعائه ، وقد صنف كتابا في العبادات.
دولة
بني زيري في إفريقيّة : وإفريقيّة من أقاليم المغرب ، وقد كان بنو زيري في بادىء أمرهم ولاة من
قبل العبيديين على إفريقيّة إلى أن خلع أحد ملوكهم وهو المعز بن باديس بن المنصور
طاعة هؤلاء الزنادقة ، وأظهر الدعوة للعباسيين ، وأدخل إلى إفريقيّة مذهب مالك رضي
الله عنه في الفروع ، ومذهب أهل السنّة في الأصول بعد أن كانت تلك الناحية تغلي
بالتشيع والرفض فقها واعتقادا ، كما قام بمحاربة الشيعة أتباع العبيديين ، ووضع
السيف فيهم حتى استأصلهم ، وقد سار على منواله ابنه تميم ، لكن يحيى بن تميم عاد
إلى طاعة العبيديين.
وقد كان تميم
بن المعز عالما من فحول الشعراء. وكان ابنه يحيى عالما باللغة ، والعربية ، والأدب
، والأخبار ، وأيام الناس ، والطب ، يجيد نظم الشعر ، ويكثر من مطالعة كتب السير
والأخبار.
هذا وقد اقتصرت
في كلامي السابق على بيان اهتمام الخلفاء ، والملوك ، والسلاطين بالعلم والتعلم ،
دون غيرهم من الحكام كالوزراء ، وكبار الأمراء ، لأنهم هم الأصل وغيرهم تبع ، ولما
كان كثير من الوزراء ، والكبراء ، ممن برع في العلم ، ونال منه نصيبا كبيرا ،
أحببت أن أذكر جانبا من أخبارهم حتى لا يستدرك عليّ فيها :
ففي الدولة
العباسية ظهر وزراء علماء ، ذوو معرفة ودراية ، ففي العهد الأول كالبرامكة ، ويحيى
بن أكثم وهو القائل : «وليت القضاء ، وقضاء القضاة ، والوزارة ، وكذا وكذا ، ما
سررت بشيء كسروري بقول المستملي :
من ذكرت رضي
الله عنك» . وفي العهد الثاني كوزير المقتفي لأمر الله
__________________
العالم ، الفقيه ، المحدث ، المتفنن يحيى بن محمد بن هبيرة ، صاحب التصانيف
الحافلة ، والتآليف البديعة ، ومن أهمها كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح ، وهو شرح
على صحيحي البخاري ومسلم ، وكان ابن هبيرة يحب علم الحديث ، ويكثر من سماعه
ومذاكرته ، وتصنيف الشروح عليه .
وفي الدولة
الأموية في الأندلس : كان الحاجب المنصور محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن
أبي عامر بارعا في العلوم الشرعية ، والأدبية ، واللغوية ، وخاصة علم الحديث ، فقد
طلبه منذ حداثته ، وأكثر من سماعه ، وقراءته على أئمة عصره.
أما باقي الدول
فقد ظهر في وزرائها من له علم ، ومعرفة ، وطلب :
ففي الدولة
الإخشيدية كان الوزير أبو المسك كافور له نظر في الفقه والنحو ، وكان وزيره ابن
حنزابة عالما يروي الحديث ، ويمليه في حال الوزارة.
وفي الدولة
البويهية كان محمد بن الحسين بن محمد المعروف بابن العميد وزير ركن الدولة البويهي
، عالما ، أديبا ، لغويا ، شاعرا ، حكيما. وكان إسماعيل بن عباد المعروف بالصاحب ـ
لصحبته الوزير ابن العميد ـ وزير مؤيد الدولة بن ركن الدولة البويهي عالما ، له
تصانيف جليلة.
وفي الدولة
السّلجوقية كان نظام الملك أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطّوسي وزير ألب أرسلان
، وملكشاه من أعظم وزراء الدنيا علما ودينا ، فقد حفظ القرآن ، وطلب الفقه في
حداثته حتى برع فيه ، كما أتقن علم العربية ، وأكثر من سماع الحديث ، وإملائه ،
فقد أملاه في بغداد ، ونيسابور ، وغيرهما من بلاد المشرق.
وفي الدولة
الخوارزمية كان شهاب الدين أبو سعد بن عمران الخيوقي
__________________
مستشار السلطان علاء الدين محمد خوارزم شاه ، ومقدم دولته ، فقيها ، مفتيا
، عنده إلمام بالطب ، واللغة ، والخلاف ، وسائر العلوم.
وفي الدولة
الأتابكية بالموصل : كان الأمير الكبير مجاهد الدين قايماز بن عبد الله الزيني
الذي فوض إليه حكم هذه الدولة عالما فهما ، قال ابن الأثير :
«وكان ... يعلم
الفقه على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه ويحفظ من الأشعار والحكايات والنوادر
والتواريخ شيئا كثيرا ، إلى غير ذلك من المعارف الحسنة» .
وفي الدولة
الأيوبية : برز في العلم والأدب وزيرها القاضي الفاضل العلامة عبد الرحيم بن علي
البيساني العسقلاني المصري ، الذي يعد أبلغ وأفصح أهل زمنه ، وقد سمع الحديث من
كبار محدثي عصره كالحافظ السّلفي ، والحافظ أبي القاسم بن عساكر. وكان وزير
الأيوبيين أيضا القاضي الأشرف أحمد ابن القاضي الفاضل ممن طلب العلم والحديث ،
واهتم بسماعه وإسماعه.
كما كان جمال
الدين علي بن يوسف بن إبراهيم القفطي أحد وزراء الأيوبيين في حلب عالما أديبا
متفننا في العلوم كالنحو ، واللغة ، والفقه ، وعلم القرآن ، والحديث ، والأصول ،
والتاريخ ، والجرح والتعديل ، والمنطق ، والرياضة ، والنجوم ، والهندسة ؛ وله
تصانيف عظيمة نافعة في عدد من الفنون الشرعية ، والتاريخية ، والأدبية ، وغيرها.
وكان القاضي
مجد الدين البهنسي أحد وزراء الأيوبيين عالما ، نحويا ، ولغويا.
كما كان ضياء
الدين بن الأثير صاحب المثل السائر ووزير الأيوبيين عالما مشهورا.
__________________
ونبغ في العلم
من وزراء الأيوبيين أيضا أمين الدولة بن غزال السامري وزير الملك الصالح إسماعيل
بن العادل. وصفي الدين عبد الله بن علي المعروف بابن شكر وزير الملك العادل ، الذي
صنف كتابا في الفقه على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه.
وفي الدولة
المماليكية : كان أحد أمرائها وهو علم الدين سنجر الدّويدار من العلماء الأجلاء
المفتين ، له مشاركة في الفقه والحديث ، صنف شرحا كبيرا على مسند الشافعي ، وقد
خرّج له المزّي جزأين عوالي ، كما خرّج له غيره. وكان نائب الشام من قبل المماليك
سيف الدين تنكز يكثر من طلب الحديث وسماعه ، وقد عمل على إسماعه أيضا. وكان نائب
الإسكندرية الأمير صلاح الدين خليل بن عرّام مشاركا في عدة علوم ، وله تصنيف في
التاريخ. كما أن الأمير الكبير بيبرس المنصوري الدّوادار كان مولعا بسماع الحديث ،
والبحث ، وقد صنف تاريخا كبيرا بمعاونة غيره.
وفي مملكة
غرناطة بالأندلس : برع الوزير الكبير أبو عبد الله محمد بن عبد الله السّلماني
المعروف بلسان الدين بن الخطيب بالعلم والأدب ، فقد كان كاتبا ، شاعرا ، أديبا ،
مؤرخا ، طبيبا ، فيلسوفا ، له إلمام ببعض العلوم الشرعية ، بل إن السّخاوي عده من
المتكلمين في الرجال .
ثانيا ـ تشجيع الحكام للعلماء :
فمن ألقى نظرة
عامة في سير وتواريخ حكام المسلمين عبر العصور الطويلة ، يجد الكثير منهم يميل إلى
العلماء ، ويقربهم ، ويغدق عليهم في العطاء.
ولا حاجة لبيان
تشجيع الخلفاء الأمويين في دمشق ، والعباسيين في عصرهم الأول ببغداد للعلماء ،
لأنه أمر واضح وجلي.
__________________
أما الذي يحتاج
إلى توضيح فهو تشجيع العلماء من قبل الخلفاء العباسيين في العهد الثاني ،
والأمويين في الأندلس ، وكذا ملوك الدول المستقلة التي عاشت في العهد الأول
والثاني لبني العباس.
وأبدأ بخلفاء
العباسيين في العهد الثاني فأقول : لقد وجد في هؤلاء الخلفاء من وصف بحبه للعلماء
، وحرصه على رفع مكانتهم كالقادر بالله بن المقتدر ، والمستظهر بالله بن المقتدي
بالله ، والمسترشد بالله بن المستظهر بالله ، والراشد بالله بن المسترشد ،
والمقتفي لأمر الله بن المستظهر بالله ، والمستضيء بأمر الله بن المستنجد بالله ،
والناصر لدين الله بن المستضيء بأمر الله ، والمستنصر بالله بن الظاهر بأمر الله ،
والمعتضد بالله بن المستكفي بالله ، والمعتضد بالله بن المتوكل على الله ،
والأخيران كانا بمصر.
أما ملوك
وخلفاء الأمويين في الأندلس فقد فاقوا خلفاء العصر الثاني لبني العباس ، في حبهم
للعلماء ، والمبالغة في إكرامهم ، وذلك مثل : عبد الرحمن الدّاخل ، وابنه هشام ،
وابنه الحكم بن هشام ، وابنه عبد الرحمن بن الحكم ، وابنه محمد بن عبد الرحمن ،
وابنه عبد الله بن محمد ، والخليفة عبد الرحمن الناصر ، والخليفة الحكم المستنصر
بن الناصر.
وكان ملوك دول
المشرق والشام ومصر من أكثر الناس ميلا للعلماء ، كإسماعيل بن أحمد السّاماني صاحب
الدولة السامانية ، وأحمد بن طولون صاحب الدولة الطولونية ، وابنه خمارويه ،
ومحمود بن سبكتكين صاحب الدولة الغزنوية ، وابنه السلطان مسعود ، وشهاب الدين محمد
بن حسام صاحب الدولة الغورية ، وأخيه غياث الدين ، وملكشاه صاحب الدولة السّلجوقية
، وحفيده محمود بن محمد ، بل وسائر سلاطين السّلاجقة ، وعلاء الدين خوارزم شاه محمد
صاحب الدولة الخوارزمية ، ونور الدين محمود ، ومظفر الدين كوكبوري صاحب إربل ،
وبدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل وغيرهم.
كما حرص
الأيوبيون كل الحرص على تشجيع العلماء ، وذلك كالأمير
نجم الدين أيوب والد صلاح الدين ، والسلطان صلاح الدين بن نجم الدين ،
والملك المعظم عيسى بن العادل ملك دمشق والشام ، والملك الكامل محمد بن العادل ملك
مصر والشام أيضا ، والملك الأشرف موسى بن العادل ملك دمشق ، والملك المؤيد إسماعيل
بن الأفضل علي صاحب حماه ، والملك المنصور ناصر الدين محمد ابن الملك المظفر صاحب
حماه ، والملك ظهير الدين أحمد ابن السلطان صلاح الدين ، والملك المنصور محمود ابن
الملك الصالح إسماعيل بن العادل ، وغيرهم.
وكان لمعظم
السلاطين المماليك يد طولى في الاهتمام بالعلماء ، والاحتفال بهم ، حتى إن الملك
الظاهر سيف الدين برقوق الجركسي كان إذا أتاه أحد من العلماء قام إليه ، قال ابن
تغري بردي : «ولم يعرف أحد قبله من الملوك الترك يقوم لفقيه» ، وممن تبع برقوق على هذا الأمر الملك الظاهر سيف الدين
جقمق الظاهري.
ومن السلاطين
المماليك الذين اشتهروا بحب العلماء ، والأنس بمجالسهم ، الملك الظاهر بيبرس
البندقداري ، والملك الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن قلاوون ، والملك
المؤيّد شيخ المحمودي ، والملك الأشرف برسباي ، والملك الأشرف إينال ، والملك
الظاهر خشقدم ، وغيرهم.
كما كان لبعض
الملوك العبيديين في مصر دور كبير في تشجيع العلم وأهله ، كالمعز لدين الله ،
والعزيز بالله ، وغيرهما ، لكنهم حاربوا علوم الشريعة والآثار ، وعملوا على إبعاد
أو قتل من نسب إليها من العلماء.
هذا بالنسبة
لملوك المشرق ، أما ملوك المغرب فقد وجد فيهم من أولى العلماء عنايته ، وبالغ في
إكرامهم ، فمن ملوك الموحدين عبد المؤمن بن علي ، وابنه يوسف الذي جعل من مرّاكش
منارة للعلم ، والمنصور يعقوب بن
__________________
يوسف. ومن ملوك المرابطين يوسف بن تاشفين ، وابنه علي ، ومن بني زيري أصحاب
إفريقيّة المعز بن باديس ، وتميم بن المعز ، ويحيى بن تميم. وفي الأندلس كان بنو
حمّود ، وملوك الطوائف ، وملوك غرناطة ممن اشتهر بالميل إلى العلماء ، والرغبة في
مجالسهم.
وقد وجد في
وزراء ، وأمراء بعض الدول المذكورة من عمل على تشجيع العلماء ، والإنفاق عليهم ،
والاهتمام بهم ، والحرص على إكرامهم ، ورفع شأنهم ، ففي الدولة الإخشيدية كأبي
المسك كافور ، وفي الدولة الأموية في الأندلس كالحاجب المنصور محمد بن أبي عامر ،
وفي الدولة السّلجوقية كالوزير العظيم نظام الملك ، وفي الدولة المماليكية كالأمير
علم الدين سنجر الجاولي.
ثالثا ـ إنشاء الحكام للمراكز العلمية كالمدارس والمكتبات :
لقد حرص
الخلفاء ، والملوك ، والسلاطين ، والأمراء المسلمون على تهيئة الأسباب اللازمة
لانتشار العلوم في بلادهم ، وكان من أهم ما قاموا به لتحقيق هذا الهدف إنشاؤهم
للمراكز العلمية كالمدارس والمكتبات.
ولم يكن
العلماء والأثرياء أقل رغبة منهم في هذا السبيل الخير ، بل إن العلماء هم الذين
شجعوا أصحاب السلطان على عملهم المذكور.
والمدارس
والمكتبات العامة لم تكن موجودة في الصدر الأول ، وذلك لأن المساجد كانت تعمل عمل
المدارس المتأخرة في نشر العلم ، قال المقريزي : «والمدارس مما حدث في الإسلام ولم
تكن تعرف في زمن الصحابة ولا التابعين ، وإنما حدث عملها بعد الأربع مئة من سني
الهجرة ، وأول من حفظ عنه أنه بنى مدرسة في الإسلام أهل نيسابور» . كما كانت معظم علوم القوم محفوظة في صدورهم ، ومخزونة
في أذهانهم ، مما جعلهم
__________________
يستغنون عن المكتبات ، أو عن الاعتماد على الكتب ، قال الحافظ الذهبي في
تذكرة الحفاظ عقب ذكره لتراجم حفاظ الطبقة الرابعة الذين شرع في عهدهم بتدوين
السنن ، وجمع الفروع ، وتصنيف العربية : «ثم كثر ذلك ـ (أي التصنيف) ـ في أيام
الرشيد ، وكثرت التصانيف ، وألّفوا في اللغات ، وأخذ حفظ العلماء ينقص ، ودوّنت
الكتب ، واتكلوا عليها ، وإنما كان قبل ذلك علم الصحابة والتابعين في الصدور فهي
كانت خزائن العلم لهم رضي الله عنهم» .
وسأقوم في هذا
المبحث إن شاء الله تعالى بإلقاء الضوء على تلك الجهود الخيّرة التي قام بها حكام
المسلمين ، وعلماؤهم ، خدمة للعلم وأهله ، ورغبة في نشره وإذاعته.
ولا يخفى ما في
هذا الموضوع من سعة ، وتشعب ، يضطران الباحث فيه إلى جعله أقساما أو فصولا تمنع من
التداخل ، وتساعد على التنظيم والترتيب.
والتقسيم الذي
يتناسب مع ما سبق من بحوث هذه المقدمة هو تنظيم المعلومات الواردة في هذا المبحث
على الدول الإسلامية في المشرق ، وفي الشام ومصر ، وفي المغرب والأندلس.
(١) دول المشرق :
وأبدأ بذكر
اهتمام الخلفاء بإنشاء المراكز العلمية ، وأتبعه ببيان اهتمام الملوك والسلاطين ،
ثم الوزراء والأمراء والكبراء ، ثم العلماء بهذا الأمر.
(أ)
حرص الخلفاء على تشييد المراكز العلمية : لقد شهدت مدينة السلام (بغداد) منذ تأسيسها تقدما حضاريا ، ونهضة علمية
رفيعة ، فكانت منارة ، وقبسا لذوي النّهى والألباب ، ولم يكن ذلك متحققا لولا
عناية الخلفاء بالعلوم ، وارتشافهم من معينها العذب ، وتطلعهم إلى نشرها بكل وسيلة
نبيلة ،
__________________
وطريقة حسنة ، ومن أعظم تلك الوسائل والطرائق إقامتهم للمراكز العلمية
العظيمة من مدارس ومكتبات ، ولم أر بعد تتبع دقيق ذكرا لمدرسة بنيت في العهد الأول
لبني العباس ، أما المكتبات فقد وجدت واشتهرت ، فقد كان للخليفة المنصور خزانة كتب
كبيرة ، وهي لا تذكر أمام المكتبة العظيمة التي أسسها هارون الرشيد ـ فيما قيل ـ وعمل
ابنه المأمون على توسعتها ، وجلب المجموعات الكبيرة من الكتب إليها ، وكانت تسمى
ببيت الحكمة ، وقد حرص المأمون على تزويدها بكل كتاب يعلم وجوده على ظهر البسيطة ،
سواء كان في علوم الشريعة ، أو العلوم الأخرى المفيدة ، والمذمومة ، ويقول
القلقشندي في هذه المكتبة : «ويقال إن أعظم خزائن الكتب في الإسلام ثلاث خزائن :
إحداها : خزانة الخلفاء العباسيين ببغداد ، فكان فيها من الكتب ما لا يحصى كثرة ،
ولا يقوّم عليه نفاسة ، ولم تزل على ذلك إلى أن دهمت التتر بغداد ، وقتل ملكهم
هولاكو المستعصم آخر خلفائهم ببغداد ، فذهبت خزانة الكتب فيما ذهب ، وذهبت معالمها
، وأعفيت آثارها» .
كما كان
للمأمون خزانة كتب خاصة به.
أما في العصر
الثاني لبني العباس فقد كان للخليفة المعتضد بالله ، والخليفة المقتدي بأمر الله ،
والخليفة الراضي بالله ، والخليفة الناصر لدين الله خزائن كتب.
وكان الخليفة
الناصر لدين الله قد أنشأ من خزانته المذكورة ثلاث خزائن ، فوقف واحدة منها على
المدرسة النّظامية ببغداد ، وأخرى على الرباط الخاتوني السّلجوقي ببغداد ، وثالثة على دار المسنّاة ببغداد أيضا ؛ كما أنشأ خزانة كبيرة في رباط بناه
بالحريم الطاهري ببغداد.
__________________
كما كان
للخليفة المستنصر بالله خزانة كتب خاصة غير الخزانة العظيمة ، العديمة المثل التي
وقفها على المدرسة المستنصرية ، وقد بنى المستنصر هذه المدرسة العظيمة الجامعة
سنة ٦٣١ ، ووقف عليها أوقافا عظيمة جدا ، وجعل فيها دروسا في الفقه على المذاهب
الأربعة ، وهو أول من ابتكر هذه الفكرة ، كما جعل فيها دورا للقرآن ، والحديث ،
والعربية ، والفرائض ، والطب ، والرياضة.
وكان لآخر
خلفاء العباسيين في بغداد ، وهو المستعصم بالله الشهيد خزانتان عظيمتان من الكتب ،
وقد بنى مدرسة للحنابلة ببغداد.
(ب)
عناية ملوك وسلاطين المشرق ببناء المراكز العلمية : عرفت المكتبات في المشرق منذ زمن بعيد ، أما المدارس فقد حدثت في وقت
متأخر عنها ، وكان أهل المشرق أول من حفظ عنهم بناء المدارس ، قال المقريزي : «والمدارس
مما حدث في الإسلام ، ولم تكن تعرف في زمن الصحابة ولا التابعين ، وإنما حدث عملها
بعد الأربع مئة من سني الهجرة ، وأول من حفظ عنه أنه بنى مدرسة في الإسلام أهل
نيسابور ، فبنيت بها المدرسة البيهقية ، وبنى بها أيضا الأمير نصر بن سبكتكين
مدرسة ، وبنى بها أخو السلطان محمود بن سبكتكين مدرسة ، وبني بها أيضا المدرسة السعيدية
، وبني بها أيضا مدرسة رابعة ، وأشهر ما بني في القديم المدرسة النّظامية ببغداد» .
ففي بلاد ما
وراء النهر أنشأ نوح بن نصر صاحب الدولة السامانية مكتبة كبيرة ببخارى ، كانت من
عجائب مكتبات الدنيا ، وكانت بخارى في عهد السامانيين أعظم المراكز العلمية في
المشرق الإسلامي الأقصى.
__________________
وقد عمل
السلطان محمود بن سبكتكين صاحب الدولة الغزنوية مكتبة عريقة في غزنة ، جلب إليها
مجموعات كبيرة من الكتب.
وأنشأ السلطان
مغيث الدين محمود بن غياث الدين محمد بن ملكشاه السّلجوقي مدرسة كبيرة للحنفية
ببغداد.
وأنشأ ملك
الغوريين السلطان غياث الدين محمد بن سام الغوري عدة مدارس في غزنة.
وأنشأ عضد
الدولة بن ركن الدولة البويهي في قصره بشيراز خزانة كتب زاخرة ، ضمت بين جنباتها
كل ما سمع به من كتب الدنيا ، مما تيسر له الحصول عليه ، وقد كان عضد الدولة هذا
محبا للعلوم وأهلها ، دنى منه العلماء ، وصنفوا له تصانيف حافلة ، كما أمد العضد
الخزانة الحيدرية في النّجف بكتب كثيرة.
وأنشأ الملك
السعيد نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود صاحب أتابكية الموصل مكتبة عظيمة ،
ومدرسة للشافعية كلاهما بالموصل ، وقد قال ابن الأثير في هذه المدرسة : «وهي من
أحسن المدارس» .
وأنشأ الملك
الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل مكتبة كبيرة ، وعدة مدارس في بلده ، وكان هذا
الملك محبا للعلم ، مقرّبا للعلماء ، يحب قراءة كتب التواريخ والسير ، وقد جمع له
عز الدين بن الأثير تاريخه المشهور.
وقد بنى
السلطان خوارزم شاه علاء الدين تكش بن أرسلان صاحب الدولة الخوارزمية مدرسة عظيمة
للحنفية في خوارزم ، وجعل فيها دارا للكتب. كما بنى آخر سلاطين الخوارزمية جلال
الدين منكبرتي مدرسة كبيرة بأصبهان.
وبنى الملك
المعظم أبو سعيد مظفر الدين بن زين الدين كوكبوري صاحب إربل ، والملك مبارز الدين
أبو بكر كك صاحب إربل والجبال مدرستين.
__________________
وبنى زين الدين
علي بن بكتكين صاحب إربل ووالد صاحبها مظفر الدين كوكبوري عدة مدارس بالموصل.
وأنشأ الملك
الصالح ابن الملك المنصور صاحب ماردين مدارس كثيرة في بلاده.
وبنى السلطان
شاه أرمن ناصر الدين محمد بن إبراهيم صاحب خلاط مدرسة في بلده.
وبنى الملك عز
الدين أبو الحارث أرسلان آبه بن أتابك صاحب مراغة مدرسة.
وكان يوجد في
مدينة تبريز أعظم مدن الشرق في عهد التتار عدة مدارس أنشأها السلطان محمود غازان
التتاري.
وكان سيف الدين
غازي بن عماد الدين زنكي صاحب الموصل قد بنى مدرسة عظيمة في بلده ، قال فيها ابن
الأثير : «وهي من أحسن المدارس وأوسعها ، وجعلها وقفا على الفقهاء الشافعية
والحنفية» .
وأنشأ عز الدين
مسعود بن قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي صاحب الموصل مدرسة في بلده جعلها
للحنفية والشافعية ، وقد قال فيها ابن خلّكان : «وهي من أحسن المدارس» .
وبنى القاهر عز
الدين مسعود بن أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي مدرسة بالموصل.
وأنشأ الملك
العادل نور الدين محمود مدرسة بالجامع الذي بناه في الموصل.
__________________
(ج)
اهتمام الوزراء والأمراء والكبراء بإنشاء المراكز العلمية : عني الخلفاء ، والملوك ، والسلاطين باختيار وزرائهم ، وكبار دولتهم ، من
أهل العلم والشرف والنباهة ، وقد حرص هؤلاء الرؤساء على التزود من العلم ، ونشره ،
والتقرب من أهله ، فبنوا المدارس والمكتبات الخاصة والعامة ، ووقفوا عليها الأوقاف
الجليلة.
فوزير الخليفة
هارون الرشيد يحيى بن خالد البرمكي الفارسي كانت له ببغداد خزانة كتب حافلة ، وقد
كان هذا الوزير زنديقا فهو أول من أدخل كتب الفلسفة إلى ديار الإسلام ، وأمر
بتعريبها ، وتبعه على فعلته هذه الخليفة المأمون عفا الله عنه.
ووزير الخليفة
المعتصم العالم الكبير محمد بن عبد الملك الزيات كانت له خزانة كتب نفيسة في سرّ
من رأى.
ووزير الخليفة
المتوكل العالم الفتح بن خاقان كان مغرما بالتقرب من العلماء ، وبالمطالعة ، وجمع
الكتب ، وقد عمل له أبو الحسن علي بن يحيى المنجّم خزانة كتب كبيرة جدا ، لكن
الكثير من كتبها كان في علوم اليونان الفلاسفة.
ووزير
الخليفتين المعتضد ، والمكتفي ، أبو الحسين القاسم بن عبيد الله كانت له خزانة كتب
، ضم إليها مكتبة الإمام أبي العباس أحمد بن يحيى النّحوي المعروف بثعلب.
ووزير
الخليفتين المقتفي ، والمستنجد ، العالم ، المتفنن ، أبو المظفر يحيى بن محمد بن
هبيرة ، كانت له خزانة كتب حافلة وقفها على مدرسته ببغداد.
ووزير الخليفة
الناصر لدين الله العالم مؤيد الدين أبو المظفر بن القصاب أنشأ مكتبة عظيمة في
بغداد.
ووزير الخليفة
المسعصم ، الخائن اللعين ، والأديب العالم مؤيد الدين بن العلقمي أنشأ في دار
الوزارة ببغداد دار كتب نادرة ، حوت نفائس الكتب وأعيانها.
ووزير بهاء
الدولة البويهي أبو نصر سابور بن أردشير أنشأ في الكرخ ببغداد مكتبة كبيرة سماها
دار العلم ، قيل إنها احتوت على أكثر من عشرة آلاف مجلد ، وكان العلماء والأدباء
يتنافسون في إهداء مؤلفاتهم لهذه المكتبة ، وقد قال فيها ياقوت : «ولم يكن في
الدنيا أحسن كتبا منها ، كانت كلها بخطوط الأئمة المعتبرة ، وأصولهم المحررة» .
ووزير ركن
الدولة البويهي ، الأديب الكبير ابن العميد كانت له خزانة كتب كبيرة.
ووزير مؤيد
الدولة بن ركن الدولة الصاحب بن عباد كانت له مكتبة عظيمة. وقد حوت مكتبتا ابن
العميد ، والصاحب كتبا كثيرة للفلاسفة والحكماء ، ولما مرّ السلطان محمود
السّلجوقي على الرّيّ أمر بحرق كتب الفلسفة التي كانت في مكتبة الصاحب.
وقد برز في عهد
السّلاجقة وزيرهم العظيم نظام الملك الذي كان له فضل كبير في نشر العلوم في البلاد
المشرقية ، فقد بنى في بغداد ونيسابور المدرستين العظيمتين ، الشهيرتين بالنّظامية
، وقف عليهما خزانتي كتب جليلتين ، وقد مر أن الخليفة الناصر لدين الله وقف على
نظامية بغداد خزانة كتب نفيسة ، كما أن الحافظ المؤرخ ابن النّجار وقف عليها
خزانتين من الكتب.
كما أنشأ نظام
الملك مدارس كثيرة في المشرق فبنى مدرسة بطوس ، ومدرسة بمرو ، ومدرسة بهراة ،
ومدرسة ببلخ ، ومدرسة بأصبهان ، ومدرسة
__________________
بالبصرة ، ومدرسة بجزيرة ابن عمر ، ومدرسة بالموصل ، ومدرسة بآمل طبرستان ، ووقف عليها أوقافا عظيمة ، ومكتبات قيمة. وبذا يعتبر
نظام الملك أكثر الوزراء عناية بالعلم ونشره ، وقد قال فيه ابن الأثير : «وأما
صدقاته ووقوفه فلا حد لها ، ومدارسه في العالم مشهورة ، لم يخل بلد من شيء منها
حتى جزيرة ابن عمر التي هي في زاوية من الأرض لا يؤبه لها ، بنى فيها مدرسة كبيرة
حسنة» .
وثمة وزير آخر
يلقب بنظام الملك واسمه مسعود بن علي وهو وزير الدولة الخوارزمية ، بنى المدرسة
النظامية للشافعية بخوارزم ، وكانت مدرسة عظيمة ، جعل فيها دار كتب حافلة.
وقد أنشأ علي
بن أحمد السّميري وزير السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه السّلجوقي مدرسة بأصبهان ،
وجعل فيها خزانة كتب نفيسة.
كما بنى وزير
صاحب الموصل الملك سيف الدين غازي بن عماد الدين مدرسة للشافعية بالموصل ،
ومدرستين بنصيبين ، وأوقف أوقافا كثيرة.
وأنشأ وزير
التتار نصير الدين محمد بن محمد الطّوسي المنجّم مكتبة عظيمة في مراغة عاصمة تتار
الشرق بأمر من سيده هولاكو ، وذلك في المرصد الذي بناه في تلك الناحية ، وقد حوت
هذه المكتبة مجموعات كبيرة من الكتب ، وخاصة في الرياضة ، والفلك ، والطب ، وسائر
العلوم العقلية ، وقد قدرت أعدادها بأكثر من ٤٠٠٠٠٠ مجلد ، نهب أكثرها من بغداد ،
والشام ، والجزيرة بعد وقعة هولاكو.
وقد أشار
الذهبي إلى عظمة هذه المكتبة فقال : «عملت أنا تاريخ
__________________
الإسلام ، وهو كاف في معناه فيما أحسب ، ولم يكن عندي تواريخ كثيرة مما قد
سمعت بها بالعراق ، وبالمغرب ، وبرصد مراغة ، ففاتني جملة وافرة» .
كما أن أحد
نواب التتار ، ووزرائهم وهو علاء الدين عطا الجويني ، قد جمع خزانة كتب نفيسة.
هذا بالنسبة
للوزراء ، أما الأمراء والكبراء فقد حفظ عن كثير منهم شدة الاهتمام بإنشاء المراكز
العلمية. ومن أشهر هؤلاء : الأمير الكبير ، قائد الفرسان ، وشرابي الخليفة
المستنصر بالله ، شرف الدين إقبال بنى المدرسة الشّرابية ببغداد ، وهي من أعظم
المدارس في أواخر أيام الدولة العباسية ، وقد ضم إليها مكتبة كبيرة عامرة ، كما
بنى مدرسة بواسط ، ووقف عليهما الأوقاف العظيمة.
وأمير الأمراء
في عهد الخليفة المستنصر بالله مجاهد الدين أيبك الجركسي بنى مدرسة ببغداد ووقفها
على الحنابلة ، وكان في هذه المدرسة المعمورة خزانة كتب نفيسة ، وقف عليها بعض
العلماء كتبهم.
والأمير الكبير
، نائب البصرة من قبل الخليفة الناصر لدين الله ، والخليفة المستنصر بالله أبو
المظفر باتكين بن عبد الله الرومي بنى مدارس كثيرة في البصرة ، ووقف عليها مكتبات
عامرة ، وأوقافا حسنة ، وكان هذا الأمير له اشتغال بالعلم ، وصلة بالعلماء.
والأمير ، رسول
الخليفة المستظهر بالله سعادة الرّسائلي أنشأ مدرسة ببغداد.
وأحد أركان
دولة الخليفة المقتفي لأمر الله ثقة الدولة علي بن محمد
__________________
الدريني ، العالم ، الخيّر ، الورع ، زوج العالمة المشهورة شهدة بنت الإبري
، بنى مدرسة للشافعية ببغداد.
وزوجة الخليفة
المستضيء بأمر الله ، وأم الخليفة الناصر لدين الله السيدة زمرد خاتون الصالحة
الخيرة ، بنت مدارس كثيرة ، ووقفت أوقافا حسنة ، ومن أعظم آثارها مدرسة الأصحاب
ببغداد التي كادت تضاهي المدرستين النظامية والمستنصرية.
ومولاة الخليفة
المستضيء بأمر الله ، وحظيّته بنفشا بنت عبد الله الرومية الكريمة الصالحة ، صاحبة
الصدقات والوقوف الكثيرة ، بنت مدرسة عظيمة للحنابلة ببغداد وأسندت مشيختها
للعلامة ابن الجوزي.
وجارية الخليفة
المستعصم آخر خلفاء بني العباس ببغداد ، وحظيته المعروفة بباب بشير بنت في بغداد
مدرسة عامرة واسعة ، وقفتها على المذاهب الأربعة كالمدرسة المستنصرية وهي ثاني
مدرسة في العالم تسند إلى فقهاء المذاهب الأربعة ، وقد وقفت عليها خزانة كتب
نفيسة.
وصاحبة أصبهان
زوجة السلطان ملكشاه السّلجوقي وأم ولده السلطان محمود ، الخبيرة بأمور السياسة
والحروب تركان خاتون بنت مدرسة للحنفية ببغداد.
والملكة جوهر
شاه بنت السلطان غياث الدين الغوري ، وزوجة السلطان شاه رخ أنشأت بهراة مدرسة
كبيرة حسنة.
وأحد رجال عضد
الدولة البويهي وهو أبو علي بن سوّار الكاتب أنشأ في البصرة خزانة كتب حوت نفائس
الأسفار وأمهاتها.
وأحد أركان
مملكة السلطان ألب أرسلان السّلجوقي ، عميد خراسان شرف الملك أبو سعد محمد بن
منصور بنى مدرسة كبيرة للحنفية عند مشهد الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان في بغداد
، وقيل إنها اول مدرسة أنشئت
بالعراق حيث افتتحت سنة ٤٥٩ قبل النظامية بعدة شهور ، وكان بها خزانة كتب
نفيسة. كما بنى العميد أبو سعد مدرسة عظيمة بمرو ، ولعلها التي وقفها على
السمعانيين ، وكان بها خزانة كتب قيمة. وقد بنى أيضا مدرسة ببغداد غير الأولى.
ومدبر مملكة
السلطان ملكشاه السّلجوقي تاج الملك المرزبان بن خسرو بنى مدرسة عظيمة للشافعية
ببغداد ، وهي ثاني مدرسة لهم بعد النظامية فيما عرف.
والأمير الكبير
المملوك ، أحد أمراء السلطان محمد بن ملكشاه السّلجوقي خمارتكين بن عبد الله ، بنى
مدرسة للحنفية ببغداد.
والأمير المولى
بهروز خادم السلطان غياث الدين السّلجوقي بنى مدرسة للحنفية في جامع السلطان
ملكشاه السّلجوقي ببغداد.
والأمير الكبير
قطلو دمور بنى مدرسة كبيرة بخوارزم.
والأمير بدر
الدين كهرتاش المعروف بزردار نديم السلطان السّلجوقي علاء الدين كيقباذ بنى مدرسة
كبيرة بقونية.
والأمير موسى
أحد أمراء السلطان السّلجوقي علاء الدين كيقباذ بنى مدرسة في مدينة قرمان.
والأمير مجاهد
الدين أبو منصور قايماز بن عبد الله الزيني أحد أركان دولة سيف الدين غازي بن
مودود صاحب الموصل بنى الجوامع والمدارس ، ومن أهمها الجامع المجاهدي ، والمدرسة
المجاهدية كلاهما بالموصل. وكان قد بنى في إربل لما كان مقدما عند صاحبها المدرسة
المجاهدية أيضا.
والأمير أبو
منصور سرفتكين الزيني نائب صاحب إربل بنى مدرسة كبيرة ، في بلده.
والأمير مجاهد
الدين أبو منصور يرنقش التركي أحد أمراء عماد الدين بن
قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي صاحب سنجار ، بنى مدرسة في بلده
للحنفية.
كما بنى شهاب
الدين أبو سعد بن عمران الخيوقي مستشار السلطان علاء الدين محمد خوارزم شاه ،
ومقدم دولته عدة مدارس في خوارزم ، وأنشأ دارا عظيمة للكتب ، قال النسوي : «وقد
بنى شهاب الدين بخوارزم في جامع الشافعية دار كتب لم ير قبلها ولا بعدها مثلها» .
ومما ينبغي
ذكره هنا أن أصحاب إمارة بهدينان العباسيين كانوا يهتمون بالعلوم ، وقد بنى بعضهم
المدارس ، وأنشأ المكتبات العامة في حاضرتهم العمادية ـ قلعة في شمالي الموصل ـ وأعمالها.
فالأمير غياث
الدين قاسم بن بهاء الدين العباسي بنى مدرسة في العمادية ، وضم إليها خزانة كتب
عظيمة.
والأمير سلطان
حسين العباسي جدد بناء إحدى المدارس في العمادية ، ووقف عليها خزانة كتب نفيسة ،
كما أنشأ مدرسة بالعقر ـ وهي من أعمال إمارة بهدينان ـ وجعل فيها مكتبة.
والأمير قباذ
ابن الأمير سلطان حسين بنى مدرسة في إحدى القرى التابعة للعمادية ، وجعل فيها
خزانة كتب.
__________________
والأمير مراد
خان ابن أخي الأمير سلطان حسين أنشأ مدرسة ، وضم إليها مكتبة حسنة.
والأميرة ،
الصالحة ، العابدة ، زاهدة العباسية بنت الأمير أبي نصر حفيد المستعصم بالله بنت
مدرسة كبيرة في العمادية ، ووقفت عليها خزانة كتب جليلة ، وكانت هذه الأميرة تحب العلماء
والشعراء وتقربهم.
(د)
عناية العلماء بإقامة المراكز العلمية : لقد حرص العلماء كغيرهم على إنشاء المدارس والمكتبات ،
بل إنهم هم الذين شجعوا ملوك الدنيا على بناء دور العلم ، وخزائن الكتب ، ولو أراد
الباحث أن يذكر كل ما وقف عليه من جهد العلماء في هذا المضمار لطال الأمر كثيرا ،
ويكفي هنا أن أشير إلى عدد قليل منهم ـ كالمثال ـ لأنهم في الأصل لا يدخلون في
مجال بحثي الذي يختص بالحكام دون غيرهم.
فالفقيه ،
الأديب ، الشاعر ، المصنف أبو القاسم جعفر بن محمد بن حمدان الموصلي ، المتوفى سنة
٣٢٣ كان له بالموصل دار علم ، تشتمل على مكتبة كبيرة وقفها على أهل العلم وطلبته.
والشريف ،
الزاهد ، العالم أبو الحسن علي بن أحمد الزيدي ، المتوفى سنة ٥٧٥ أنشأ خزانة كتب
عظيمة في مسجده ببغداد ، ووقفها على أهل العلم ، وقد شاركه في وقف الكتب رجلان ،
وتبعهما غير واحد من العلماء منهم ياقوت الحموي الذي وقف كتبه عليها.
والإمام الكبير
، الفقيه أبو حامد محمد بن محمد الغزالي المتوفى سنة ٥٠٥ بنى في بلده طوس مدرسة
للفقهاء.
وغيرهم الكثير.
فهذه لمحة
موجزة عن اهتمام الحكام في بلاد المشرق برفع المستوى العلمي من خلال بنائهم لدور
العلم ، وإن أهل المشرق ـ كما مر ـ هم أول
__________________
من ابتكروا فكرة المدارس ، وإنهم أيضا أول من وقفوا المكتبات ، وذلك أن أول
دار للكتب وقفت في الإسلام كانت في البصرة.
وقد كانت
المدارس والمكتبات منتشرة في البلاد المشرقية كلها ، في بلاد ما وراء النهر ،
وخراسان ، والسّند ، والهند ، والجبال ، وأذربيجان ، وفارس ، والعراق ، والموصل ،
وبلاد الروم ، وغيرها. وكان أعظمها ذكرا في العصور المتأخرة قبيل ورود التتار إلى
ديار الإسلام ، المدارس والمكتبات في البلاد الخراسانية ، قال ياقوت الحموي عند
كلامه على مرو : «ولولا ما عرا من ورود التتر إلى تلك البلاد ، وخرابها لما
فارقتها إلى الممات ، لما في أهلها من الرّفد ، ولين الجانب ، وحسن العشرة ، وكثرة
كتب الأصول المتقنة بها ، فإني فارقتها وفيها عشر خزائن للوقف لم أر في الدنيا
مثلها كثرة وجودة ، منها خزانتان في الجامع إحداهما يقال لها العزيزية وقفها رجل
يقال له عزيز الدين أبو بكر عتيق الزّنجاني أو عتيق بن أبي بكر ... وكان فيها إثنا
عشر ألف مجلد أو ما يقاربها ، والأخرى يقال لها الكمالية لا أدري إلى من تنسب ،
وبها خزانة شرف الملك المستوفي أبي سعد محمد بن منصور في مدرسته ، ومات المستوفي
هذا في سنة ٤٩٤ وكان حنفي المذهب ، وخزانة نظام الملك الحسن بن إسحاق في مدرسته ؛ وخزانتان للسمعانيين ؛ وخزانة
أخرى في المدرسة العميدية ؛ وخزانة لمجد الملك أحد الوزراء المتأخرين بها ؛
والخزائن الخاتونية في مدرستها ، والضميرية في خانكاه هناك ، وكانت سهلة التناول ،
لا يفارق منزلي منها مئتا مجلد وأكثر بغير رهن ، تكون قيمتها مئتي دينار ، فكنت
أرتع فيها ، وأقتبس من فوائدها ، وأنساني حبها كل بلد ، وألهاني عن الأهل والولد ،
وأكثر فوائد هذا الكتاب ـ (أي معجم البلدان) ـ وغيره مما جمعته فهو من تلك الخزائن»
.
__________________
وكانت نيسابور
أيضا تحفل بمدارس كثيرة ، ومكتبات عظيمة ، ومن أهم مكتباتها خزائن الكتب الوقفية
في مسجد عقيل.
(٢) دول الشام ومصر :
ـ الملوك والسلاطين :
(أ)
الدولة الحمدانية : أسس سيف
الدولة الحمداني مكتبة عظيمة في بلده حلب ، احتوت على نوادر الكتب الأدبية وغيرها.
(ب)
الدولة العبيدية : إن من
الإنصاف إعطاء هذه الدولة الخبيثة ، المارقة عن سنن الحق ، حقها في مجال نشر
العلوم ، وبناء المعاهد العلمية ، وإنشاء خزائن الكتب ، وقد قدّمت أن هذه الدولة
مع ما اشتهر عنها من حب للعلوم فإنها حاربت علوم الآثار والأخبار التي عليها مدار
الشريعة ، وروّجت علوم الأوائل الضالة ، وشجعت البحث في متاهات الفلسفة التي لا
توصل إلا إلى الزّيغ والمروق.
ولم يظهر
اهتمام العبيديين بالعلوم ، وإقامة المراكز العلمية قبل ورودهم القاهرة ، فلما
استولى قائد المعز لدين الله العبيدي جوهر الصّقلّي على مصر ، بنى مدينة القاهرة ،
وبنى فيها الجامع الأزهر الذي كانت تعقد فيه المجالس العلمية لدراسة المذاهب
الإسماعيلية والفلسفية ، ولما تولى العزيز بالله بن المعز لدين الله الملك بعد
أبيه جعل من هذا الجامع معهدا علميا واسعا ، تدرس فيه جميع العلوم خلا الحديث
والآثار.
ثم تولى الملك
بعد العزيز ابنه الزنديق الملقب بالحاكم بأمر الله عليه لعنة الله فأنشأ دار الحكمة التي كانت جامعة للعلوم ، حيث اشتغل فيها
__________________
جماعة كبيرة من العلماء في كثير من الفنون.
وقد برع
العبيديون بإنشاء المكتبات ، وخزائن العلم الخاصة والعامة ، فقد ألحق الحاكم بأمر
الله بدار الحكمة مكتبة عظيمة ، تحتوي على مجموعات كبيرة من الكتب ، وسماها دار
العلم.
كما كانت قصور
العبيديين تشتمل على خزائن كبيرة من الكتب ، قال القلقشندي : «ويقال : إن أعظم
خزائن الكتب في الإسلام ثلاث خزائن :
إحداها : خزانة الخلفاء العباسيين ببغداد ...
الثانية : خزانة الخلفاء الفاطميين بمصر ، وكانت من أعظم
الخزائن ، وأكثرها جمعا للكتب النفيسة من جميع العلوم ... ولم تزل على ذلك إلى أن
انقرضت دولتهم بموت العاضد آخر خلفائهم ، واستيلاء السلطان صلاح الدين يوسف بن
أيوب على المملكة بعدهم ، فاشترى القاضي الفاضل أكثر كتب هذه الخزانة ، ووقفها
بمدرسته الفاضلية بدرب ملوخيّا بالقاهرة فبقيت إلى أن استولت عليها الأيدي فلم يبق
منها إلا القليل» .
وقد أشار ابن
أبي طي إلى عظم خزائن العبيديين ، ونفاسة محتوياتها فقال : «وكانت من عجائب الدنيا
لأنه لم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم من الدار التي بالقاهرة في القصر ،
ومن عجائبها أنه كان بها ألف ومئتان وعشرون نسخة من تاريخ الطبري ، ويقال إنها
كانت تحتوي على ألفي ألف وستمائة ألف كتاب ، وكان فيها من الخطوط المنسوبة أشياء
كثيرة ، وحصل للقاضي الفاضل قدر منها كبير ، حيث شغف بحبها». انتهى نقلا عن كتاب
الروضتين .
كما ألمع أبو
شامة إلى سعة هذه الخزائن ، واحتوائها على أمهات الأسفار
__________________
فقال : «وكان فيها من الكتب الكبار ، وتواريخ الأمصار ، ومصنفات الأخبار ما
يشتمل كل كتاب على خمسين أو ستين جزءا مجلدا» .
(ج)
دولة بني عمار في طرابلس الشام : حكم بنو عمار الإسماعيليون طرابلس من قبل العبيديين فترة من الزمن انتهت
بدخول الصليبيين إلى هذه المدينة ، وقد بنوا دارا للعلم لنشر دعوتهم ، وجعلوا فيها
مكتبة عظيمة جمعت لهم من نواحي البلاد ، وقد قدرت أعداد الكتب فيها بثلاثة آلاف
ألف مجلد في مختلف الفنون ، وقيل أقل من ذلك ، وكانت تلك الدار تفتح طيلة الليل
والنهار ، يتناوب النساخ فيها العمل ، وكان بها ١٨٠ ناسخ.
(د)
الدولة النورية : لم يمنع قصر
مدة هذه الدولة من بلوغها الدرجة العالية في نشر العلم ، وتشييد المعاهد ،
والمراكز العلمية ، فأول ملوكها وهو الملك العادل نور الدين رضي الله عنه ، بنى
مدارس كثيرة للحنفية والشافعية في دمشق ، وحلب ، وحماه ، وحمص ، وبعلبك ، والموصل ، ومنبج ، والرّحبة
وغيرها ، ووقف عليها مكتبات قيمة ، وأوقافا عظيمة ، كما بنى دار الحديث بدمشق وهي
من أعظم مدارسه ، قال عز الدين بن الأثير : «وهو أول من بنى دارا للحديث فيما
علمناه» . وتبع ابن الأثير على قوله هذا المقريزيّ .
__________________
ومن مدارس نور
الدين بدمشق أيضا المدرسة الصّلاحية التي نسبت لصلاح الدين الأيوبي ، والمدرسة
العمادية المنسوبة لعماد الدين إسماعيل بن نور الدين ، والمدرسة النورية الصغرى ،
ومدرسة الكلّاسة التي أحرقت وأعاد عمارتها صلاح الدين لمّا ملك دمشق.
وقد أنشأ الملك
الصالح إسماعيل بن نور الدين المدرسة النورية الكبرى ، وقيل إن أباه قد ابتدأ
بإنشائها.
(ه)
الدولة الأيوبية : أولى الملوك
الأيوبيون عظيم عنايتهم لنشر العلم والمعرفة ، فأنشئوا المدارس والمكتبات ، ووقفوا
عليها الأوقاف العظيمة.
فأول وأعظم
سلاطينهم وهو صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب عني ببناء المدارس ، فعندما كان
وزيرا للعاضد العبيدي من قبل نور الدين محمود بنى في القاهرة المدرسة الناصرية
ووقفها على الشافعية ، وقد ذكر المقريزي أنها أول مدرسة عملت بديار مصر ، كما بنى في القاهرة في
زمن الوزارة المدرسة المعروفة بالقمحية ووقفها على المالكية ، ولما تولى الملك
واستأثر بالسلطان بنى مدارس كثيرة في القاهرة ، والشام ، والقدس وغيرها ، ومن أعظم
هذه المدارس المدرسة السّيوفية في القاهرة ، قال المقريزي : «وهي أول مدرسة وقفت
على الحنفية بديار مصر» . وبنى أيضا المدرسة الناصرية بالقرافة ـ وهي غير الأولى
ـ والمدرسة الصلاحية بدمشق. وقد وقف صلاح الدين رحمه الله تعالى على مدارسه وقوفا
عظيمة.
__________________
كما أنشأ الملك
العادل أخو صلاح الدين ملك مصر والشام مدرسة بمصر ، وإليه تنسب المدرسة العادلية
الكبرى بدمشق التي بدأ بإنشائها نور الدين محمود ، ثم بنى فيها الملك العادل ،
ولما توفي أتم بناءها ابنه الملك المعظم.
وبنى الملك
الكامل محمد بن العادل ملك مصر دار الحديث الكاملية في القاهرة ، قال المقريزي : «وهي
ثاني دار عملت للحديث ، فإن أول من بنى دارا على وجه الأرض الملك العادل نور الدين
محمود» .
وبنى الملك
الأشرف موسى بن العادل ملك دمشق دار الحديث الأشرفية بدمشق ، ووقف عليها الأوقاف
الجليلة ، وضم إليها مكتبة نفيسة ، كما بنى دارا للحديث بسفح قاسيون.
ووقف الملك
الصالح إسماعيل بن العادل ملك دمشق مدرستين ببلده ، إحداهما للحديث والإقراء ،
والأخرى تسمى الصالحية.
كما أنشأ الملك
العزيز عثمان بن صلاح الدين ملك مصر والشام مدرسة بدمشق ، كان قد ابتدأ بتأسيسها
أخوه الملك الأفضل.
وأنشأ الملك
العزيز عثمان بن العادل صاحب بانياس والحصون المدرسة العزيزية بدمشق.
وشيّد الملك
المعظم عيسى بن العادل المدرسة المعظمية بدمشق.
وبنى الملك
المعز بن طغتكين بن أيوب صاحب اليمن مدرسة بزبيد.
ووقف الملك
الظاهر غازي بن صلاح الدين صاحب حلب المدرسة الظاهرية بدمشق.
كما وقف الملك
المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه ابن الأمير نجم الدين
__________________
أيوب صاحب حماه ـ وهو ابن أخي صلاح الدين ـ المدرسة المعروفة بمنازل العز
في القاهرة ، ومبنى منازل العز هو من أبنية العبيديين ومنتزهاتهم ، اشتراه الملك
المظفر ووقفه. كما بنى المظفر المدرسة التّقوية وهي من أعظم مدارس دمشق ، وله
مدرسة كبيرة بحماه ، ومدرستان بالفيّوم ، ومدرسة بالرّها.
وبنى الملك
الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل ملك مصر مدرستين عظيمتين بالقاهرة وهما المدرسة
النّجمية ، والمدرسة الصالحية ، وكانت الأخيرة قلعة للعلماء ، وقد وقفها الصالح
على فقهاء المذاهب الأربعة. قال المقريزي : «وهو أول من عمل بديار مصر دروسا أربعة
في مكان» .
وبنى الملك
الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز ابن الملك الظاهر بن صلاح الدين صاحب حلب
مدرستين بدمشق إحداهما دار حديث ، وسميت كل واحدة بالناصرية.
كما بنى الملك
المنصور ناصر الدين محمد ابن الملك المظفر صاحب حماه مدرسة عظيمة في بلده ، وقف
عليها أوقافا جليلة ، وكان للمنصور خزانة كتب ضخمة.
ووقف الملك
المظفر نور الدين عمران ابن الملك الأمجد صاحب بعلبك المدرسة الأمجدية بدمشق.
(و)
دولة بني رسول في اليمن : اهتم بعض
ملوك هذه الدولة بالعلم ، وأقاموا المعاهد والمكتبات ، وشجعوا العلماء ، فأحد
ملوكهم وهو الملك المؤيد عزيز الدين داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول أنشأ
لنفسه خزانة كتب كبيرة ، اشتملت على مئة ألف مجلد. وكان هذا الرجل عالما متفننا.
(ز)
الدولة المماليكية : حرص السلاطين
المماليك كأسلافهم الأيوبيين
__________________
على رفع المستوى العلمي في بلادهم فبنوا المدارس ، وأنشئوا المكتبات ،
وشجعوا العلوم.
فأول سلاطينهم
وهو الملك المعز أيبك التّركماني بنى المدرسة المعزّيّة بالقاهرة.
والملك الظاهر
ركن الدين بيبرس العلائي البندقداري عمر المدرستين الظاهريتين الشهيرتين ، إحداهما
بالقاهرة ، وهي من أعظم مدارس مصر ، جعلها للشافعية والحنفية ، كما جعل فيها مشيخة
للحديث ، ومارستانا ، وضم إليها مكتبة عظيمة جدا. والأخرى بدمشق وقفها مدرسة ودار
حديث.
والملك المنصور
قلاوون أنشأ عدة مدارس ، أعظمها المدرسة المنصورية بالقاهرة ، وجعل فيها دروسا
للمذاهب الأربعة ، ودورا للحديث ، والتفسير ، والطب ، وهي من أحسن مدارس مصر
والشام ، وقد وقف عليها قلاوون خزانة كتب جليلة.
والملك الأشرف
صلاح الدين خليل بن قلاوون بنى مدرسة بالقاهرة.
والملك الناصر
محمد بن قلاوون أتم بناء المدرسة الناصرية بالقاهرة ، التي بدأ بإنشائها السلطان
كتبغا المنصوري ، ووقف عليها خزانة كتب حسنة.
والملك المظفر
بيبرس بن عبد الله الجاشنكير المنصوري أنشأ في الجامع الحاكمي بالقاهرة خزانة كتب
عامرة.
والملك الناصر
حسن بن الناصر محمد بن المنصور قلاوون بنى مدرسة كبيرة بالقاهرة ، تشتمل على أربعة
مدارس ، لكل شيخ مذهب مدرسة تختص به ، قال ابن إياس فيها : «لم يعمر مثلها في
الإسلام» .
والملك الظاهر
برقوق الجركسي أنشأ مدرسة بالقاهرة ، وجعل فيها دروسا
__________________
للمذاهب الأربعة ، ودرسا للتفسير ، وآخر للحديث ، وآخر للقراءات ، ووقف
عليها أوقافا عظيمة ، قال ابن تغري بردي : «لم يعمر مثلها بين القصرين» .
والملك الناصر
فرج بن الظاهر برقوق عمّر مدرسة بالقاهرة.
والملك المؤيّد
شيخ بن عبد الله المحمودي الظاهري أودع في الجامع المحمودي الذي بناه في القاهرة
خزانة كتب كبيرة تحتوي على نفائس الأسفار.
والملك الأشرف
برسباي الدّقماقي الظاهري بنى ثلاث مدارس بالقاهرة.
والملك الأشرف
سيف الدين إينال بن عبد الله العلائي بنى مدرسة بمصر.
والملك الأشرف
قايتباي المحمودي الظاهري أنشأ المدارس الكثيرة في القاهرة ، ومكة ، والمدينة ،
وبيت المقدس ، وغزة ، ودمياط ، والإسكندرية.
والملك الأشرف
قانصوه الغوري الأشرفي أنشأ مدرسة عظيمة في القاهرة ، ومدرسة أخرى بمكة.
وكان يوجد في
قلعة الجبل بالقاهرة ـ وهي مركز السلاطين المماليك ـ مكتبة كبيرة.
ـ الوزراء والأمراء والكبراء :
(أ)
الدولة العبيدية الخبيثة : كان يعقوب بن كلّس وزير ملكها العزيز بالله يملك خزانة عظيمة من الكتب ،
وكان هذا الوزير عالما مصنفا يحب العلماء ويقربهم.
ووزير هذه
الدولة أيضا ابن السّلّار السّني بنى مدرسة للشافعية بالإسكندرية وأسند مشيختها
للحافظ السّلفي.
__________________
وكذلك فإن صلاح
الدين الأيوبي وزير العاضد العبيدي من قبل نور الدين محمود بنى في القاهرة
المدرستين الناصرية ، والقمحية كما سبق.
والمدارس
السنية المذكورة لا يمكن بناؤها في هذه الدولة الرافضية لولا ضعفها ، وقلة حيلتها.
(ب)
الدولة السّلجوقية : أنشأ أحد
أمرائها وهو شجاع الدولة صادر بن عبد الله المدرسة الصادرية بدمشق ، قال النّعيمي
: «قال القاضي عز الدين : وهي أول مدرسة أنشئت بدمشق سنة إحدى وتسعين وأربع مئة»
ثم أنشأ أمين
الدولة كمشتكين والي أتابكية عسكر دمشق من قبل الأمير الأتابك طغتكين السّلجوقي
المدرسة الأمينية في دمشق : «قيل إنها أول مدرسة بنيت بدمشق للشافعية» . كما بنى أمين الدولة مدرسة ببصرى.
(ج)
الدولة النورية : قام صلاح
الدين نائب الملك العادل نور الدين على مصر ، ووزير العاضد العبيدي ببناء بعض
المدارس ، كما وقف الملك الكبير المنصور أسد الدين شيركوه بن شادي ملك الرّحبة
وحمص ، وأحد قواد نور الدين ، ووزير العاضد العبيدي من قبل نور الدين المدرسة
الأسدية بدمشق. ووقف الأمير الكبير مجاهد الدين الكردي أحد مقدمي جند نور الدين
__________________
مدرسة بدمشق ، ووقف خادم نور الدين ريحان الطّواشي المدرسة الريحانية بدمشق
، ووقفت زوجة نور الدين مدرسة بدمشق أيضا ، كما بنت فيها مدرسة زوجة والد نور
الدين السّلجوقية.
(د)
الدولة الأيوبية : اهتم الوزراء
، والأمراء ، والأعيان في هذه الدولة بإنشاء المعاهد العلمية ، ودور الكتب.
فوزير صلاح
الدين القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني العسقلاني ثم المصري بنى المدرسة
الفاضلية بالقاهرة ، قال المقريزي : «وكانت هذه المدرسة من أعظم مدارس القاهرة ،
وأجلها» ، وقد ضم القاضي إليها مكتبة عظيمة بلغ عدد كتبها ـ فيما
قيل ـ ١٢٤٠٠٠ مجلد ، معظمها مأخوذ من خزائن القصور العبيدية. وكان القاضي الفاضل
يهتم بجمع الكتب ، وقد بعث الرسل إلى النواحي لابتياعها واستنساخها.
كما بنى القاضي
الفاضل مدرسة بدمشق عرفت أيضا بالفاضلية.
وأنشأ مجد
الدين البهنسي وزير الملك الأشرف موسى بن العادل مدرسة بصالحية دمشق ، وضم إليها
خزانة كتبه.
كما أنشأ
الصاحب عز الدين بن القلانسي وزير الأيوبيين دارا للحديث بصالحية دمشق.
وأنشأ الصاحب
صفي الدين عبد الله بن علي بن شكر وزير الأيوبيين المدرسة الصاحبية بالقاهرة ،
ووقف بها خزانة كتب.
وكان لكل من
الوزيرين جمال الدين القفطي ، وأمين الدولة أبي الحسن بن غزال السّامري مكتبة
عظيمة ، تحتوي على نفائس الكتب ، كما وقف ابن غزال مدرسة ببعلبك.
وقد أنشأ قاضي
حلب بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع المعروف
__________________
بابن شداد أحد كبار الأعيان؟؟؟ في الدولة الأيوبية مدرستان في حلب ، جعل
إحداهما دار حديث.
وقد أنشأ عدد
من أمراء الأيوبيين المعاهد ، والمدارس في مصر والشام وغيرهما من بلاد الدولة
الأيوبية ، كالأمير علم الدين سنجر المعظمي ، والأمير صارم الدين قايماز ، والأمير
جهاركس الصلاحي نائب العادل على بانياس والشّقيف ، والأمير فخر الدين بن الزنجيلي
نائب عدن ، والأمير عز الدين أيبك المعظمي نائب صرخد ، والأمير ركن الدين منكورس
الفلكي ، والأمير جمال الدين آقوش الصالحي ، كلهم في دمشق ، والأمير الشريف فخر
الدين أبو نصر الجعفري ، والأمير فخر الدين أحد أمراء الملك الكامل ، والأمير سيف
الدين أيازكوج ، والأمير قطب الدين بن بلبل في مصر.
كما وقف محتسب
دمشق من قبل الأيوبيين محمد بن عقيل بن كروس دارا للحديث بدمشق.
وقد حرصت
النساء ، وأزواج الملوك من بني أيوب على تشييد المراكز العلمية ، فوقفت كل من بنتي
الملك العادل ، والملك المعظم بن العادل ، وأختي صلاح الدين زمرد ، وربيعة ، وزوجة الملك المعظم مدرسة بدمشق ، كما بنت بنت العادل
المذكورة مدرسة بالقاهرة ، وأخرى بحلب.
(ه)
الدولة المماليكية : تنافس وزراء
هذه الدولة ، وأمراؤها ، وأعيانها في التقرب من العلماء ، وفي تشييد دور العلم ،
وخزائن الكتب.
فالأمير جمال
الدين محمود بن علي الإستدّار بنى بالقاهرة سنة ٧٩٧ المدرسة المحمودية ، وجعل فيها
خزانة كتب جليلة ، وقد قال المقريزي في هذه المدرسة : «وعمل ـ (أي واقفها) ـ فيها
خزانة كتب لا يعرف اليوم بديار مصر ، ولا الشام مثلها ، وهي باقية إلى اليوم لا
يخرج لأحد منها كتاب إلا أن
__________________
يكون في المدرسة ، وبهذه الخزانة كتب الإسلام من كل فن ، وهذه المدرسة من
أحسن مدارس مصر» ، وقال الحافظ ابن حجر في كتب خزانتها : «وهي من أنفس
الكتب الموجودة الآن بالقاهرة» .
والأمير الكبير
، الوزير بهاء الدين علي بن حنا بنى مدرسة كبيرة بالقاهرة ، قال المقريزي : «وكانت
من أجل مدارس الدنيا ، وأعظم مدرسة بمصر» ، وجعل فيها خزانة كتب جليلة.
والأمير الكبير
سيف الدين الجاي أنشأ مدرسة عظيمة بالقاهرة ، وجعل فيها خزانة كتب.
والأمير ،
الوزير علاء الدين مغلطاي الجمّالي أنشأ المدرسة الجمّالية بالقاهرة ، ووقفها على
الحنفية ، قال المقريزي : «وتعد من أجل مدارس القاهرة» .
والأمير تنكز
نائب الشام أنشأ دار قرآن وحديث بدمشق ، ودار حديث بالقدس ، وجدد عمارة بعض
المدارس.
__________________
والأمير علم
الدين سنجر الدّويدار بنى مدرسة ودار حديث بدمشق.
والأمير سيف
الدين منكوتمر الحسامي نائب السلطنة بمصر بنى مدرسة ، وجعل فيها خزانة كتب.
والأمير سعد
الدين بشير أنشأ مدرسة بالقاهرة ، ووقف عليها خزانة كتب.
والأمير
الطّواشي سابق الدين أنشأ مدرسة بالقاهرة ، ووضع فيها خزانة كتب.
والأمير علاء
الدين طيبرس أنشأ مدرسة بالقاهرة ، وضم إليها خزانة كتب.
والأمير شرف
الدين عيسى الهكّاري أنشأ دارا للحديث بالقدس.
كما وقف عدد
آخر من أمراء المماليك مدارس في مصر ، ودمشق. فممن وقف بدمشق الأمير ناصر الدين
محمد ابن الأمير مبارك ، والأمير نائب الشام قجماس الإسحاقي ، والأمير سيف الدين
منجك ، وغيرهم. وفي مصر الأمير علاء الدين أقبغا عبد الواحد ، والأمير حسام الدين
طرنطاي نائب السلطنة بمصر ، والأمير شمس الدين قراسنقر نائب السلطنة بمصر ،
والأمير صلاح الدين خليل بن عرّام نائب المماليك بالإسكندرية ، والأمير سيف الدين
طغجي ، والأمير علم الدين سنجر الجاولي ، والأمير شمس الدين الفارقاني ، وغيرهم.
وقد أنشأت تتر
الحجازية ابنة السلطان الناصر محمد بن قلاوون مدرسة بمصر ، ووقفت عليها خزانة كتب
حسنة.
وكان يوجد
بدمشق في عهد المماليك دورا للحديث كثيرة أوقفها العلماء ، والتجار ، والأغنياء وغيرهم
كدار الحديث السكرية ودار الحديث القوصية ـ وقد بقيت من عهد الأيوبيين ـ ودار
الحديث السّامريّة ، ودار الحديث الحمصية ، ودار الحديث الشقيقية ، ودار الحديث
العروية وبها خزانة كتب ، ودار الحديث النّفيسيّة ، ودار الحديث البهائية.
__________________
ـ العلماء : ليس ذكر اهتمام العلماء بإقامة المراكز العلمية من
شرطي ـ كما سبق ـ ولكنني أذكر منهم هنا رجلين فقط عاشا في عهد الدولة الأيوبية ،
وكان لهما دور بارز في هذا المضمار وهما :
(١) الشيخ أبو
عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي أخو الإمام موفق الدين ، الذي أنشأ
مدرسة بصالحية دمشق ، وقد اعتنى بهذه المدرسة العلماء والناس من بعده فكانوا
يزيدون في بنائها وأثاثها حتى صارت من أعظم المدارس في بلاد الإسلام ، ووقف أبو
عمر عليها مكتبة عظمت كثيرا من بعده أيضا لأن العلماء كانوا يكثرون من وقف الكتب
عليها.
وقد بقي من هذه
المكتبة جملة كبيرة توجد الآن في المكتبة الظاهرية بدمشق.
(٢) والحافظ
الكبير ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي الذي أنشأ بصالحية دمشق المدرسة
الضيائية ، ووقف عليها خزانة كتب جليلة ، كثير منها بخطه.
(٣) دول المغرب
والأندلس :
ـ الخلفاء والملوك :
(أ) الأندلس : عني الخلفاء والملوك الأندلسيون عناية فائقة بنشر العلم والمعرفة في ربوع
جزيرتهم الواسعة ، فبنوا المعاهد العلمية ، وأنشئوا المكتبات العظيمة ، وشجعوا
العلماء.
فالأمير عبد
الرحمن بن الحكم بن هشام الأموي شغف بجمع الكتب ، وبعث الرسل إلى المشرق لانتقائها
، وابتياعها ، واستنساخها ، حتى أنشأ في قصر قرطبة مكتبة كبيرة كانت حينئذ أجل
مكتبات الأندلس ، ويعتبر ابن الحكم هذا أول أمراء الأندلس الذين اعتنوا بجمع
الكتب.
وقد سار على
منواله في هذا الشأن الخليفة الناصر عبد الرحمن بن
محمد بن عبد الله ، فأثرى مكتبة القصر بمجموعات كبيرة من الكتب جمعت له من
الآفاق.
ثم تولى الملك
من بعده ابنه الخليفة الحكم المستنصر بن عبد الرحمن بن محمد فتقدمت في عهده الحركة
العلمية تقدما عظيما لم يعهد من قبل في الأندلس ، فقد أنشأ المدارس الكثيرة ، حتى
صار معظم أهل قرطبة متعلمين ، وشغف بجمع الكتب شغفا لم يبلغه أحد من أسلافه ، فقد
أرسل الوفود الكثيرة إلى دمشق ، وبغداد ، والقاهرة ، وخراسان وغيرها من البلاد
ينتقون له الكتب ، ويشترونها ، كما كان له وراقون في كثير من مدن المشرق يستنسخون
له الكتب النفيسة ، والأسفار الثمينة ، حتى استطاع أن يجعل مكتبة القصر في قرطبة
من أعظم مكتبات الدنيا ، وكان كثير من علماء الشرق والغرب يهدون كتبهم للحكم
المستنصر لما يرون من علمه ، وحبه للكتب ، وقد قدر عدد الأسفار في مكتبة القصر
القرطبي ب ٤٠٠٠٠٠ وقيل ٦٠٠٠٠٠ مجلد.
وقد أشار
القلقشندي إلى عظم هذه المكتبة فقال : «ويقال إن أعظم خزائن الكتب في الإسلام ثلاث
خزائن :
إحداها : خزانة الخلفاء العباسيين ببغداد ...
الثانية : خزانة الخلفاء الفاطميين بمصر ...
الثالثة : خزانة خلفاء بني أمية بالأندلس ، وكانت من أجل خزائن
الكتب أيضا ، ولم تزل إلى انقراض دولتهم باستيلاء ملوك الطوائف على الأندلس ،
فذهبت كتبها كل مذهب» .
أما ملوك
الطوائف فقد اهتموا كثيرا بإنشاء المراكز العلمية ، وخاصة المكتبات.
ففي إشبيلية
كانت مكتبة بني عبّاد العظيمة.
وفي بطليوس
كانت مكتبة المظفر بن الأفطس الزاخرة بنفائس الأسفار.
__________________
وفي طليطلة
كانت مكتبة بني ذي النون الجليلة.
وفي منطقة
المريّة وجدت المكتبات القيمة ، وكذلك في سائر مدائن الأندلس.
واهتم بهذا
الأمر أيضا بنو الأحمر ملوك غرناطة.
(ب) المغرب : حرص الخلفاء والملوك في المغرب على إقامة المعاهد والمكتبات ، فأبو يعقوب
يوسف بن عبد المؤمن صاحب الدولة الموحدية أنشأ في مرّاكش مكتبة عظيمة. وملوك
المرينيون بنوا المدارس الكثيرة ، وشجعوا الحركة العلمية.
ـ
الوزراء والأمراء : لقد قيض الله
سبحانه وتعالى لبلاد الأندلس وزراء نابهين ، وحجابا صالحين ، وأمراء نجباء ،
ساعدوا على رفع المستوى العلمي في بلادهم ، ومن أجلّ هؤلاء الحاجب المنصور (محمد
بن أبي عامر) أعظم وزراء الأمويين في الأندلس ، الذي أنشأ دور العلم بقرطبة ،
وبالغ في الإنفاق عليها ، وتكريم أهلها من علماء وطلبة ، وكان رحمه الله تعالى
محبا للعلم والمعرفة ، يؤثر علوم الشرائع والعربية ، ويبغض علوم الأوائل ، وقد
استخرج من مكتبة القصر كتب الفلسفة التي جمعها الحكم المستنصر وأحرقها فجزاه الله
خير الجزاء ، وكان مغرما بجمع الكتب ، له خزانة كتب عظيمة تشتمل على أمهات الأسفار
ونفائسها.
وقد تنافس
الأمراء والأعيان في قرطبة ، وخاصة في عهد الحكم المستنصر ، في تأسيس المكتبات في
دورهم ، حتى غدت أسواق الكتب في قرطبة من أعظم الأسواق الكتبية وأحفلها في العالم.
وقد قيل إنه
كان يوجد في الأندلس حوالي ٧٠ مكتبة عامة.
وكان يوسف بن
نغرالة اليهودي أحد وزراء بني مناد البربر في غرناطة جمّاعة للكتب ، أنشأ لنفسه
مكتبة عظيمة.
الفقرة الثانية :
أسباب ضعف الحركة العلمية في ديار الإسلام
تختلف وجهات
نظر الباحثين في تحديد بدء ضعف الحركة العلمية في ديار الإسلام لاختلاف مشاربهم ،
فالباحثون المسلمون الواعون يرجعون ذلك إلى عهد المأمون العباسي الذي نشر علوم
الزنادقة والفلاسفة في قلب المجتمع الإسلامي. أما الباحثون الآخرون فإنهم يجعلون
بدء الضعف من وقت تدمير المنشآت العلمية من معاهد ، ومدارس ، ومكتبات ، وقتل
العلماء على يد الصليبيين ، والتتار ، وغيرهم.
والرأي الثاني
لا يرفضه بكامله أصحاب المذهب الأول ، إنما يرفضون منه جعله قاعدة البدء ، ولا
أريد الخوض في جميع عوامل ضعف الحركة العلمية عند المسلمين ، وإنما أتكلم عن
عاملين أساسيين فقط ـ مضت الإشارة إليهما ـ وهما :
(١) جلب علوم الأوائل الفاسدة إلى ديار
المسلمين ، وانصراف كثير من العلماء إليها.
(٢) نكبة المسلمين في أنفسهم ، وبلادهم
، ومراكزهم العلمية من أعدائهم الكفرة ، والمنتسبين للإسلام ، ونكبتهم في ذلك أيضا
عند تغيّر دولهم ، ونكبتهم أيضا عند حلول قوارع الزمن.
فالعامل
الأول : كان له أثر
كبير في وهن البنيان السليم للحركة العلمية
في بلاد المسلمين ، لأنه أراد تغيير مسارها الطبيعي إلى حيث الجدليات
العقيمة ، والمخاضات المهلكة ، والغياهب المتلفة التي شتتت أفكار المسلمين ،
وأوقعت بينهم العداوة والبغضاء. فبدل أن ينصرف جميع طلبة العلم إلى تعلم العلوم
الشرعية ، والعربية ، والتاريخية ، وعلوم الطب ، والهندسة وما إلى ذلك من علوم
نافعة تقيم الحضارة ، وترفع من شأن المجتمعات ، راح الكثير منهم يتخبطون في دراسة
نظريات أرسطو ، وأفلاطون المظلمة التي تفسد العقائد ، وتضل الأذهان.
وقد حكي أن
ملوك الروم لما دخلوا في النصرانية جمعوا كتب الفلاسفة من نواحي ممالكهم ، ووضعوها
في مخازن سرية موصدة كي لا يطلع عليها أحد من الناس ، خوفا من فساد المعتقد ،
وذهاب الدين ، لكن يحيى بن خالد البرمكي الفارسي الزنديق أحد وزراء العباسيين طلب
من ملوك الروم تلك الكتب فبذلوها إليه ، وإلى المأمون من بعده ، لا يريدون بذلك
إلا إضلال المسلمين ، وتحويلهم عن دينهم القويم.
أما
العامل الثاني : فيمكن تفصيل الكلام فيه من خلال تقسيمه إلى عدة نقاط ، وهي : نوائب
التتار ، وقواصم الصليبيين ، وقوارع الباطنيين ، ومهالك العابثين المفسدين ، وتبدل
دول المسلمين ، وحوالك الزمان.
(١) نوائب التتار :
لم ترزأ أمة من
أمم الأرض قاطبة بمثل تلك الرّزيئة المهولة التي فجع بها المسلمون عند دخول التتار
إلى بلادهم ، فقد أهلك هؤلاء الكفرة الحرث والنسل ، وعم فسادهم السهل والوعل ،
وجعلوا مدن الإسلام المشرقية خرابا يبابا ، بعد أن كانت آمنة مطمئنة ، وعامرة
مخضرة ، فدمروا عمرانها ، ونهبوا أموالها وثرواتها ، وقتلوا رجالها ، واسترقوا
صبيانها ، واستحيوا نساءها ، وجعلوها كأن لم تكن.
وكان ياقوت
الحموي ممن عاين هذه الفاجعة المروّعة ، وشاهد
شدائدها ، وعايش وقائعها حيث كان بخوارزم ، ولما وصل إلى الموصل هاربا ،
كتب إلى الوزير في حلب القاضي جمال الدين أبي الحسن القفطي رسالة بليغة طويلة ،
يصف فيها حاله ، وحال البلاد التي عدا عليها التتار ، وعاثوا فيها الفساد ، ومن
جملة ما فيها : «... إلى أن حدث بخراسان ما حدث من الخراب ، والويل المبير
والتّباب ، وكانت لعمر الله بلادا مونقة الأرجاء ، رائعة الأنحاء ، ذات رياض أريضة
، وأهوية صحيحة مريضة ، قد تغنت أطيارها ، فتمايلت طربا أشجارها ، وبكت أنهارها ،
فتضاحكت أزهارها ، وطاب روح نسيمها ، فصح مزاج إقليمها ... وجملة أمرها أنها كانت
أنموذج الجنة بلامين ، فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ العين ، قد اشتملت عليها المكارم
، وارجحنّت في أرجائها الخيرات الفائضة للعالم ، فكم فيها من حبر راقت حبره ، ومن
إمام توّجت حياة الإسلام سيره ، آثار علومهم على صفحات الدهر مكتوبة ، وفضائلهم في
محاسن الدنيا والدين محسوبة ... أطفالهم رجال ، وشبابهم أبطال ، ومشايخهم أبدال ،
شواهد مناقبهم باهرة ، ودلائل مجدهم ظاهرة ... فجاس خلال تلك الديار أهل الكفر
والإلحاد ، وتحكم في تلك الأبشار أولو الزّيغ والعناد ، فأصبحت تلك القصور ،
كالممحوّ من السطور ، وآضت تلك الأوطان ، مأوى الأصداء والغربان ، تتجاوب في
نواحيها البوم ، وتتناوح في أراجيها الريح السّموم ... فإنا لله وإنا إليه راجعون
من حادثة تقصم الظهر ، وتهدم العمر ، وتفت في العضد ، وتوهي الجلد ، وتضاعف الكمد
، وتشيب الوليد ... وجملة الأمر أنه لولا فسحة في الأجل ، لعز أن يقال سلم البائس
ـ (يقصد ياقوت نفسه) ـ أو وصل ، ولصفق عليه أهل الوداد صفقة المغبون ، وألحق بألف
ألف ألف ألف ألف هالك بأيدي الكفار أو يزيدون ...» انتهى.
فهذه صورة
وجيزة صادقة عن حال تلك البلاد قبل خروج التتار ، وما آلت
__________________
إليه بعد هجمتهم البئيسة ، وانقضاضهم عليها كانقضاض الذئب على الفريسة.
وقد أسهب أيضا
المؤرخ عز الدين بن الأثير في وصف هول هذه الوقعة التي عاصرها ، ولابس أخبارها ،
وشافه عددا ممن ذاق مرارتها ، وإليك بعض وصفه المجمل : «فلو قال قائل : إن العالم
مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم ، وإلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقا ، فإن
التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها ... ولعل الخلق لا يرون مثل هذه
الحادثة إلى أن ينقرض العالم ، وتفنى الدنيا إلا يأجوج ومأجوج ، وأما الدجال فإنه
يبقي على من اتبعه ، ويهلك من خالفه ، وهؤلاء لم يبقوا على أحد ، بل قتلوا النساء
، والرجال ، والأطفال ، وشقوا بطون الحوامل ، وقتلوا الأجنّة ، فإنا لله وإنا إليه
راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» .
وقد سبق في هذه
المقدمة شرح حال التتار ، ودخولهم المهيل إلى بلاد الإسلام ، وما اقترفوا فيها من
عظائم ، وما اجترحته أيديهم من سيئات ، فلا داعي لإعادته ، إلا ما تمس حاجة البحث
إليه من بيان إعدامهم للعلماء ، وتدميرهم للمعاهد العلمية ، وإحراقهم للمكتبات ،
وإتلافهم لها.
فعندما تمكن
جنكيز خان من بلاد ما وراء النهر ، وضع السيف في رقاب أهلها حتى استأصلهم ، وفيهم
ما لا يحصى من الأئمة ، والعلماء الأفذاذ الذين طار ذكرهم في الآفاق ، وضربت إليهم
آباط الإبل من كل مكان.
ولم يقنع جنكيز
خان وقبيله بهذا الأمر ، بل أرادوا أن يمحوا كل أثر للإسلام في تلك الديار ،
ويزيلوا منها كل معلم يشهد بحضارة المسلمين ، وينطق بمآثرهم ، فعمدوا إلى المدارس
، والمساجد ، ودور العلم فطمسوا آثارها ، وخربوا عمرانها ، وجعلوها قاعا صفصفا ،
ثم أضرموا النار في خزائن الكتب العامرة حتى صارت رمادا تذروه الرياح.
__________________
وتقدم التتار
بعد ذلك ـ بأمر من ملكهم جنكيز خان ـ إلى بلاد خوارزم ، وبلاد خراسان الواسعة ،
وبلاد الجبال ، وبلاد أذربيجان ، وبلاد أرّان ، وغيرها ففعلوا فيها مثل ما فعلوه
في بلاد ما وراء النهر. ولا يشعر بعظم هذه المصيبة القاصمة إلا من علم ما كانت
تشتمل عليه تلك البلاد من مدن وقرى كثيرة عامرة ، وما كانت تحويه هذه المدن والقرى
من خلق عظيم لا يعلم عددهم إلا الله تعالى ، وما كان في هذا الخلق من علماء الدين
، وأئمة المسلمين ، وأحبارهم الذين تعجز الأسفار العظيمة عن الوفاء بأسمائهم فضلا
عن تراجمهم.
وليست هذه
وحدها حادثة التتار ، بل إنهم لعنهم الله تقدموا في عهد ملكهم هولاكو إلى عاصمة
الإسلام ، وقاعدة الدنيا ، وموئل الأنام ، بغداد ، فجاسوا خلال ديارها ، وقضوا على
قضاتها وفقهائها وعلمائها ـ وناهيك بهم جلالة وكثرة ـ ودمروا مدارسها ، ومساجدها ،
وربطها ، وجعلوا من خزائنها العظيمة ، ودور كتبها الحافلة طعمة للنيران ، ومعابر
لخيولهم على دجلة ، ومرابط لحمرهم ، وقد ذكر ابن خلدون ، وابن الساعي ، والقلقشندي
صورا من جرائمهم ، وعبثهم في مكتبات بغداد الضخمة وبخاصة بيت الحكمة ، فقال ابن
خلدون : «وألقيت كتب العلم التي كانت بخزائنهم جميعها في دجلة ، وكان شيئا لا يعبر
عنه» . وقال ابن الساعي : «بنوا إسطبلات الخيول ، وطوالات المعالف بكتب العلماء
عوضا عن اللبن» . وقال القلقشندي : «خزانة الخلفاء العباسيين ببغداد :
فكان فيها من الكتب ما لا يحصى كثرة ، ولا يقوم عليه نفاسة ، ولم تزل على ذلك إلى
أن دهمت التتر بغداد ، وقتل ملكهم هولاكو المستعصم آخر خلفائهم ببغداد ، فذهبت
خزانة الكتب فيما ذهب ، وذهبت معالمها ، وأعفيت آثارها» .
__________________
ولما تحقق
لهولاكو مراده من بغداد ، توجه إلى بلاد الشام ، وقصد مدينة حلب ، فدخلها ، ووضع
السيف في جميع أهلها ، ودمر مراكزها العلمية ، ثم استولى على سائر مدن الشام.
وبعد فترة من
الزمن أرسل طائفة من جنده إلى مدينة الموصل من بلاد الجزيرة ، ففعلوا فيها مثل ما
فعله في حلب.
وفي سنة ٦٩٤
تولى غازان التتري ملك المشرق ، ودخل في الإسلام مع جماعة كبيرة من قومه ، لكن
انتسابه لهذا الدين لم يمنعه من الاعتداء على البلاد الإسلامية ، ففي سنة ٦٩٩ زحف
بجنده إلى الشام ، واستولى على جميع مدائنها ، وإليه تنسب الوقعة الشهيرة في كتب
التاريخ بوقعة غازان ، وفي هذه الوقعة الأليمة نهبت مكتبات دمشق ، كمكتبة الرباط
الناصري ـ نسبة إلى الملك الناصر بن قلاوون ـ ومكتبة المدرسة الضيائية ، وخزانة
ابن البزوري ، وغيرها من مكتبات المدارس والمساجد في دمشق والصالحية ، كما أحرقت
دار الحديث الأشرفية ، وذهب كل ما فيها.
ولم يقتصر أمر
التتار على هذا ، ففي سنة ٨٠٣ توجه ملكهم وطاغيتهم تيمور لنك لعنة الله عليه إلى
بلاد الشام ، فاستولى على حلب ، وحماه ، ودمشق وغيرها من مدن الشام ، وقام بقتل
جميع أهلها ، ودمر مساجدها ، ومدارسها ، ومكتباتها ، وأضرم النار في دورها ،
وأسواقها ، حتى عفت رسومها.
وكانت وقعة
تيمور لنك هذه أعظم ، وأقسى ، وأشد وقائع التتار على بلاد الشام.
ثم توجه تيمور
لنك إلى بغداد ، فأهلك كل من لم يمكنه الهرب من أهلها ، ثم قضى على كل أثر للعلم
والحضارة والحياة فيها ، حيث خرب المدارس ، والمساجد ، والربط ، والدور ، والأسواق
، وكان لعنه الله قد ورد بغداد سنة ٧٩٥ فقتل ، ونهب ، وخرّب.
(٢) قواصم الصليبيين
:
لقد نعم النصارى
بالأمن والطمأنينة في ظل دولة الإسلام قرونا طويلة ، حفظت لهم فيها الحقوق ،
وسلموا من الظلم والجور اللذين عاملهم ملوكهم قبل الإسلام بهما.
فأهل الذمة
منهم لقوا من المسلمين سماحة وعدلا لم يعهدوهما في سابق أيامهم فلم تهدم كنائسهم ،
ولم يمنعوا من أداء عباداتهم ، ولم يمس أحد من قساوستهم بأذى ، بل شاهدوا بأم
أعينهم أن حكم الإسلام العادل كان يردع كل من سولت له نفسه ظلمهم.
وكان حقا على
النصارى أن يعاملوا المسلمين بما عوملوا به ، لكنهم لما ظهرت دولتهم ، وتمكنوا من
بلاد الإسلام ، جازوا المسلمين جزاء سنمّار ، فأرخوا عنان ظلمهم وبغيهم على
المسلمين ، فلم يرحموا في بلاد الإسلام التي دخلوا عليها شيخا أو وليدا ، ولم
يتركوا فيها للإسلام ركنا مشيدا ، بل وضعوا السيف في المسلمين ، وأعدموا العلماء
والعابدين ، وهدموا المساجد على المصلين ، ونهبوا كل ما وصلت إليه أيديهم من أموال
وثروات ، هذا إلى جانب هتكهم للأعراض والحرمات.
لقد وهنت
الحركة العلمية وعدمت في البلاد التي دخلها النصارى ، لأنهم قتلوا العلماء ،
وهدموا المدارس ، وأحرقوا المكتبات ، بعد أن نهبوا منها ما أرادوا.
ـ ففي طرابلس
الشام : كانت مكتبة بني عمار الفريدة التي ضاهت بل وفاقت أعظم مكتبات الدنيا كثرة
ونفاسة ، وقد قدر البعض أعداد أسفارها بثلاثة آلاف ألف مجلد ، فلما دخل النصارى
طرابلس أضرموا النار في هذه المكتبة العظيمة ، ولم يسلم منها إلا ما أرادوا نهبه.
وقد صور ابن
الأثير دخول الصليبيين الفرنجة إلى طرابلس بقوله : «فهجموا على البلد ، وملكوه
عنوة وقهرا ، ونهبوا ما فيها ، وأسروا الرجال ،
وسبوا النساء والأطفال ، ونهبوا الأموال ، وغنموا من أهلها من الأموال
والأمتعة ، وكتب دور العلم الموقوفة ما لا يحد ولا يحصى فإن أهلها كانوا من أكثر
أهل البلاد أموالا وتجارة ، وعاقب الفرنج أهلها بأنواع العقوبات ، وأخذت دفائنهم
وذخائرهم في مكامنهم» .
ـ وفي بيت
المقدس : لما دخل النصارى إليه قتلوا من أهله مقتلة عظيمة ، وهدموا المساجد ،
وأحرقوا المكتبات ، قال السيوطي : «وفيها ـ (أي في سنة ٤٩٢) ـ أخذت الفرنج بيت
المقدس بعد حصار شهر ونصف ، وقتلوا به أكثر من سبعين ألفا ، منهم جماعة من العلماء
، والعباد ، والزهاد ، وهدموا المساجد ...» .
وقال ابن
الأثير : «وقتل الفرنج بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفا ، منهم جماعة كثيرة
من أئمة المسلمين ، وعلمائهم ، وعبادهم ، وزهادهم ممن فارق الأوطان ، وجاور بذلك الموضع
الشريف» .
وقد فعل
النصارى في مدائن الشام الأخرى مثل ما فعلوه في طرابلس ، وبيت المقدس.
ـ وفي الأندلس
: لما سقطت غرناطة سنة ٨٩٧ بيد الأسبان الصليبيين ، فرّ كثير من علمائهم إلى بلاد
المغرب ، وكان أصحاب السلطان في غرناطة قد اتفقوا مع النصارى المحاصرين لبلدهم ،
على تسليم المدينة بشروط منها : عدم التدخل في شئون المسلمين ، ومنحهم الحرية
المطلقة في أداء شعائر دينهم ، والاحتفاظ بأملاكهم ، ومراكزهم العلمية ومعاهدهم ،
لكن الأسبان الحاقدين لما تمكنوا من المدينة خرقوا كل المواثيق ، ونقضوا جميع
العهود ، وقد أمر أحد كبرائهم وهو الكاردينال خمنيس سنة ٩٠٥ بجمع الكتب من
__________________
جميع المكتبات الإسلامية الخاصة والعامة بغرناطة ـ مع إيعاده لكل من تستّر
على كتاب بالعذاب الشديد ، والقتل ـ ولما جمعت له انتقى منها بعض الكتب الطبية ،
والهندسية وغيرها وأرسلها إلى إحدى الجامعات ، ثم أضرم النار في البقية التي تعد
بمئات الآلاف في أحد ميادين غرناطة.
ولم يقتصر
الحقد الصليبي الدفين على هذا العمل المشين بل ضيقوا على المسلمين ، وهدموا
مساجدهم ، ومدارسهم ، وأجبروهم على التنصر تحت العذاب الأليم ، ومنعوهم من التكلم
بالعربية.
وكان النصارى
الأسبان قد ارتكبوا مثل هذه الجرائم في المدن الأندلسية الأخرى التي استولوا عليها
من قبل ، لكن عملهم في غرناطة كان أشد وأقسى لأن هذه المدينة كانت آخر معقل
للمسلمين في جزيرة الأندلس.
ولم يبرح
النصارى منذ الحروب الصليبية وإلى الآن يظهرون كل عداء للمسلمين ، ويعملون على
القضاء على حضارتهم بكل وسيلة ممكنة ، فعندما استولى الفرنجيون (الفرنسيون) على
قسنطينية إحدى مدن الجزائر في منتصف القرن الثالث عشر ، أحرقوا كل ما وقفوا عليه
من كتب فيها ، كما أن منظمة التحرير الفرنسية السرية التي تشكلت في الجزائر قبيل
استقلالها قامت بحرق مكتبة جامعة الجزائر التي كانت تحتوي على أكثر من خمس مئة ألف
كتاب.
فهذا هو حال
النصارى في القديم والحديث ، فما أحرى المسلمين اليوم أن يتنبهوا لمكايد هذه الفئة
الضالة ، التي بدلت دينها ، وتنكبت عن جادة طريقها ، ودأبت على تدبير الدسائس ،
وتحيّن الفرص للنيل من المسلمين ، والانتقاص من دينهم ، لكن الله ربنا لهم
بالمرصاد إن استقمنا على هديه ، واحتكمنا لشرعه (وَيَمْكُرُونَ
وَيَمْكُرُ اللهُ ، وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ).
__________________
(٣) قوارع الباطنيين
:
لقد ابتلى الله
سبحانه وتعالى المسلمين بأعداء أشداء ، قلوبهم كالحجارة بل أشد قسوة ، فجاسوا خلال
الديار ، وجعلوا أعزة أهلها أذلة ، فكم من دماء سفكوا ، ومن أعراض هتكوا ، ومن
معالم أزالوا.
وكان من ألد
هؤلاء الأعداء ، وأعتاهم ، الباطنيون ، وأعوانهم من غلاة الرافضة.
فالعبيديون
حاربوا أهل السنّة ، وقتلوا كثيرا من أئمتهم ، وعلمائهم ، فعبيد الله المهدي
المجوسي الذي نصب نفسه خليفة «كان باطنيا خبيثا ، حريصا على إزالة ملة الإسلام ،
أعدم العلماء ، والفقهاء ليتمكن من إغواء الخلق ، وجاء أولاده على أسلوبه» .
والقائم بأمر
الله بن المهدي ثاني ملوكهم كان «زنديقا ملعونا ، أظهر سب الأنبياء ... وقتل خلقا
من العلماء» .
والحاكم بأمر
الله لعنه الله كان من أشد ملوكهم إيذاءا للمسلمين ، وعلمائهم.
والمستنصر
بالله بالغ في محاربة السنّة وأهلها قال ابن تغري بردي : «وفي دولته كان الرفض
والسب فاشيا مجهرا ، والسنّة والإسلام غريبا» .
__________________
ولم يسلم من
الإفساد أحد من ملوك العبيديين إلا من لم يقدر عليه ، فعندما ذكر السيوطي بعض
الفتن التي أصابت أمة الإسلام قال : «ومن جملة ذلك ابتداء الدولة العبيدية ،
وناهيك بهم إفسادا وكفرا ، وقتلا للعلماء والصلحاء» .
ومن أخطر وأقبح
الأمور المنسوبة إليهم أنهم حرضوا النصارى على الدخول إلى بلاد الشام ، قال
السيوطي : «فقيل : إن صاحب مصر لما رأى قوة السّلجوقية واستيلاءهم على الشام كاتب
الفرنج يدعوهم إلى المجيء إلى الشام ليملكوها» .
هذا شيء من خبر
باطنيي المغرب ، أما أهل المشرق منهم فلم يكونوا أحسن من سابقيهم ، حيث لقي
المسلمون منهم كل سوء وبلاء ، ومن جرائمهم المروّعة أنهم كمنوا سنة ٥٥٢ لحجاج
خراسان وكانوا خلقا عظيما فيهم الأئمة ، والعلماء ، والصالحون ، فقتلوهم إلا يسيرا
منهم ، قال ابن الأثير :
«في هذه السنة
سار حجاج خراسان ، فلما رحلوا عن بسطام أغار عليهم جمع من الجند الخراسانية قد
قصدوا طبرستان ، فأخذوا من أمتعتهم ، وقتلوا نفرا منهم ، وسلم الباقون ، وساروا عن
موضعهم ، فبينما هم سائرون إذ طلع عليهم الإسماعيلية ، فقاتلهم الحجاج قتالا عظيما
، وصبروا صبرا عظيما ، فقتل أميرهم ، فانخذلوا ، وألقوا بأيديهم واستسلموا ،
وطلبوا الأمان ، وألقوا أسلحتهم مستأمنين ، فأخذهم الإسماعيلية ، وقتلوهم ، ولم
يبقوا منهم إلا شرذمة يسيرة ، وقتل فيهم من الأئمة ، والعلماء ، والزهاد ،
والصلحاء جمع
__________________
كثير ، وكانت مصيبة عظيمة عمت بلاد الإسلام ، وخصت خراسان ، ولم يبق بلد
إلا وفيه المأتم» .
وقد ساعد
الإسماعيليون (الباطنيون) التتار على المسلمين ، وأرشدوهم إلى مواطن ضعفهم ، فكان
ذلك من أسباب ظهور التتار وغلبتهم.
كما أن ابن
العلقمي الرافضي وزير المستعصم بالله العباسي هوّن لهولاكو دخول بغداد ، وصرف
كثيرا من جند المسلمين عن قتال التتار.
ولما دخل
التتار إلى بغداد ، قام نصير الدين الطوسي الرافضي منجم هولاكو بإتلاف الكتب
الشرعية الموجودة في مكتبات بغداد العظيمة ، قال ابن تيمية : «لما استولى التتار
على بغداد ، وكان الطوسي منجما لهولاكو استولى على كتب الناس الوقف والملك ، فكان
كتب الإسلام مثل التفسير ، والحديث ، والفقه ، والرقائق يعدمها ، وأخذ كتب الطب ،
والنجوم ، والفلسفة ، والعربية ، فهذه عنده هي الكتب المعظمة» .
فهذه نتف من
عظائم الباطنيين ، وغلاة الرافضة ، تدل على زندقة أصحابها ، وخبثهم ، وعدائهم
للإسلام والمسلمين.
(٤) جرائم العابثين
المفسدين :
لقد كان لتلك
الجرائم أثر كبير في ضعف الحركة العلمية ، وتأخرها ، قال ابن الأثير عند ذكره
لحوادث سنة ٥٥٦ : «ذكر الفتنة بنيسابور وتخريبها : كان أهل العبث والفساد بنيسابور
قد طمعوا في نهب الأموال ، وتخريب البيوت ، حيث خربوا نيسابور بالكلية ، ومن جملة
ما خرب مسجد عقيل كان مجمعا لأهل العلم ، وفيه خزائن الكتب الموقوفة ، وكان من
أعظم منافع نيسابور ، وخرب أيضا من مدارس الحنفية ثماني مدارس ، ومن مدارس
الشافعية سبع
__________________
عشرة مدرسة ، وأحرق خمس خزائن للكتب ، ونهب سبع خزائن كتب» .
ومن أعظم فتن
هؤلاء المفسدين ، فتنة الغزّ الأتراك المسلمين ، الذين قاموا سنة ٥٤٨ بغارات واسعة
على مدن وقرى خراسان ، فنهبوها ، ووضعوا السيف في أهلها ، وقتلوا جماعة لا تحصى من
القضاة والأئمة والعلماء ، وسبوا النساء والذرية ، وأحرقوا المكتبات العظيمة في
مرو ، ونيسابور ، وطوس ، وغيرها ، وهدموا دور العلم ، ولم يسلم من خراسان في هذه
الفتنة إلا هراة ودهستان.
وكان من خبرهم
في نيسابور أنهم لما دخلوا البلد اجتمع الناس في الجامع الكبير ، وطلبوا الأمان ،
فدخل عليهم الغز وقتلوهم عن آخرهم ، وفيهم عدد كبير من الأئمة.
ولم تقتصر
غارات الغز على بلاد خراسان بل تقدموا غربا إلى الرّيّ ، وأذربيجان ، والجبال ،
والعراق ، فنهبوا ، وقتلوا ، وسبوا ، وارتكبوا كل كبير .
ومن فتن
المفسدين التي ضيعت جملة كبيرة من تراثنا المكتبي العظيم ، ما حدث في البصرة سنة
٤٨٣ عندما دخلها رجل ادعى أنه المهدي ، وحارب أهل البصرة ، وشجع عليهم أهل العبث
والفساد فنهبوا المدينة ، وأحرقوا أعظم مكتباتها قال ابن الجوزي : «ورد البصرة رجل
كان ينظر في علوم النجوم ، يقال له تليا ، واستغوى جماعة ، وادعى أنه الإمام
المهدي ، وأحرق البصرة ، فأحرقت دار كتب عملت قبل عضد الدولة وهي أول دار كتب عملت
في الإسلام» .
__________________
وقال ابن
الأثير : «ودخل العرب حينئذ البصرة ... وملكوها ، ونهبوا ما فيها نهبا شنيعا ...
وأحرقوا مواضع عدة ، وفي جملة ما أحرقوا داران للكتب إحداهما وقفت قبل أيام عضد
الدولة بن بويه ... وهي أول دار وقفت في الإسلام ، والأخرى وقفها الوزير أبو منصور
بن شاه مردان وكان بها نفائس الكتب وأعيانها» .
(٥) تبدل دول
المسلمين :
شهد المسلمون
حروبا كثيرة ومريرة ، كانت تحدث عند تغيّر دولهم ، وتبدل ملوكهم وأمرائهم ، ولو
أراد الإنسان أن يسرد تلك الوقائع ، ويصور ما فيها من الشدائد والفظائع ، لطال
الأمر كثيرا ، ولخرج البحث عن مساره السليم ، وإني أكتفي هنا بذكر بعض الحوادث
التي كان لها أثر مباشر في ضعف الحركة العلمية.
فالخليفة
المقتدر بالله بن المعتضد بالله العباسي لما اعتلى كرسي الخلافة بعد خلعه عنها أمر
بقتل الذين خلعوه ، ومنهم قاضي القضاة ، وجماعة من العلماء والفقهاء ، قال السيوطي
وهو يعدد الفتن التي ابتلي بها المسلمون : «ثم فتنة المقتدر لما خلع ، وبويع ابن
المعتز ، وأعيد المقتدر ثاني يوم ، وذبح القاضي ، وخلقا من العلماء ، ولم يقتل قاض
قبله في ملة الإسلام» .
ولما ضعف أمر
الخلافة الأموية في الأندلس تمكن الثوار البربر في سنة ٤٠٠ من دخول عاصمة الخلافة
قرطبة ، وكان من أعظم مفاسدهم فيها نهبهم لمكتبة القصر العظيمة التي كانت تشتمل
على نحو من ٤٠٠٠٠٠ مجلد ، وقيل ٦٠٠٠٠٠.
وعندما خرج
الأمير يونس بلطا نائب المماليك على طرابلس الشام من
__________________
بلده ، خرج عليه نائب الغيبة ، فتوجه بلطا إلى قتاله ، ولما تمكن من دخول طرابلس ، سام أهلها
سوء العذاب ، فقتل منهم خلقا كثيرا فيهم نحو العشرين من الأعيان ، والقضاة ،
والعلماء ، وصادر أموال الناس ، وسبى الحريم.
ومن الحوادث
التي أودت ببعض المكتبات ، أن بعض البغداديين دخلوا الكرخ عندما قدم طغرل بك
السّلجوقي إلى بغداد لاستعادة مجد الخلافة العباسية عقب ثورة البساسيري ، وقام
هؤلاء البغداديون بحرق دور الكرخ وأسواقها ، وكان من جملة ما احترق مكتبة الوزير
سابور قال ياقوت : «بين السّورين : اسم لمحلة كبيرة كانت بكرخ بغداد ، وبها خزانة
الكتب التي وقفها الوزير أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة بن عضد الدولة
، ولم يكن في الدنيا أحسن كتبا منها ، كانت كلها بخطوط الأئمة المعتبرة ، وأصولهم
المحررة ، واحترقت فيما أحرق من محال الكرخ عند ورود طغرل بك أول ملوك السّلجوقية
إلى بغداد سنة ٤٤٧» .
وقال ابن
الجوزي : «ثار الهاشميون ، وأهل باب البصرة إلى الكرخ فنهبوها ، وطرحوا النار في
أسواقها ودورها ، واحترقت دار الكتب التي وقفها سابور بن أردشير الوزير في سنة
ثلاث وثمانين وثلاث مئة ، وكان فيها كتب كثيرة» .
(٦) حوالك الزمان :
فجع المسلمون بحوادث
أليمة ، أدت إلى ضعف في حضارتهم العظيمة ، ونقص في تراثهم العريق ، فمن تتبع كتب
التواريخ رأى أمثلة كثيرة من ذلك ، كاحتراق مكتبات بعض العلماء ، أو غرقها ، أو
تلفها بالعفونة والرّطوبة ونحو ذلك ، وأقتصر هنا على ذكر مثالين لذهاب مكتبتين
عامتين ، وعظيمتين :
__________________
فقد قال
المقريزي عند ذكره للمدرسة الفاضلية التي بناها القاضي الفاضل بالقاهرة : «ووقف
بهذه المدرسة جملة عظيمة من الكتب في سائر العلوم ، يقال إنها كانت مئة ألف مجلد ،
وذهبت كلها ، وكان أصل ذهابها أن الطلبة التي كانت بها لما وقع الغلاء بمصر في سنة
أربع وتسعين وست مائة ، والسلطان يومئذ الملك العادل كتبغا المنصوري مسّهم الضر ،
فصاروا يبيعون كل مجلد برغيف خبز حتى ذهب معظم ما كان فيها من الكتب ، ثم تداولت أيدي
الفقهاء عليها بالعارية ، فتفرقت» .
وقال أيضا
متحدثا عن مصير خزانة الكتب الكبيرة التي كانت في القلعة بالقاهرة في عهد المماليك
: «وقع بها الحريق ... سنة إحدى وتسعين وست مائة فتلف بها من الكتب في الفقه
والحديث ، والتاريخ ، وعامة العلوم شيء كثير جدا كان من ذخائر الملوك ، فانتهبها
الغلمان ، وبيعت أوراقا محرقة ، ظفر الناس منها بنفائس غريبة ما بين ملاحم وغيرها
، وأخذوها بأبخس الأثمان» .
__________________
المدخل
ويشتمل على عدة
موضوعات هي :
١ ـ ترجمة
موجزة للحافظ الذهبي.
٢ ـ الأصول
المعتمدة في تحقيق هذه الرسالة.
٣ ـ موضوع هذه
الرسالة ومحتواها.
٤ ـ كلمة بين
الأمصار ذوات الآثار للذهبي ، والإرشاد في علماء البلاد للخليلي.
٥ ـ طبعة سقيمة
لرسالة الذهبي هذه.
٦ ـ عملي في
الرسالة.
٧ ـ صورة عن
النسخة المحمودية ، ونسخة مكتبة الحرم المدني الشريف.
ترجمة موجزة للحافظ الذهبي
هو الإمام
الكبير ، الحافظ الجهبذ ، والمؤرخ المحقق ، والمقرىء المجود ، نسيج وحده ، وقريع
دهره ، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله
التّركماني الفارقي الأصل ، الدمشقي ، الشافعي ، المعروف بالذهبي .
ولد بدمشق في
شهر ربيع الآخر سنة ٦٧٣ ، وطلب العلم في حداثته ، ثم رحل فيه إلى مدائن الشام ،
ومصر ، والحجاز ، فسمع من جماعة كبيرة من الأئمة ، ثم عاد إلى بلده (دمشق) ، فأقام
فيها ، وتصدر للتحديث ، والإقراء ، والإفادة ، والتدريس. وولي مشيخة عدد من
المدارس. واشتغل بالتصنيف ، والتخريج ، وتآليفه كثيرة وحفيلة من أجلّها ميزان
الاعتدال في نقد الرجال ، وتذكرة الحفاظ ، وسير أعلام النبلاء ، وتاريخ الإسلام
وطبقات المشاهير والأعلام ، ومعرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار ، وغيرها.
__________________
وقد أعجب
بالذهبي الأئمة من بعده فلهجت ألسنتهم وأقلامهم بالثناء عليه ، وإليك جملة يسيرة
من ذلك تظهر مكانته العلمية ، ومنزلته العليّة :
قال تلميذه
الإمام تاج الدين السبكي : «إمام الوجود حفظا ، وذهب العصر معنى ولفظا ، وشيخ
الجرح والتعديل ، ورجل الرجال في كل سبيل ، كأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها
، ثم أخذ يخبر عنها إخبار من حضرها» .
وقال تلميذه
المؤرخ صلاح الدين الصفدي : «حافظ لا يجارى ، ولافظ لا يبارى ، أتقن الحديث ورجاله
، ونظر علله وأحواله ، وعرف تراجم الناس ، وأزال الإبهام في تواريخهم والإلباس ...
ولم أجد عنده جمود المحدثين ، ولا كودنة النقلة ، بل هو فقيه النظر ، له دربة بأقوال الناس ،
ومذاهب الأئمة من السلف ، وأرباب المقالات» .
وقال الحافظ
ابن ناصر الدين الدمشقي : «مفيد الشام ، ومؤرخ الإسلام ، ناقد المحدثين ، وإمام
المعدلين والمجرحين ... وكان آية في نقد الرجال ، عمدة في الجرح والتعديل» .
وقال الحافظ
ابن حجر : «مهر في فن الحديث ، وجمع فيه المجاميع المفيدة الكثيرة ، حتى كان أكثر
أهل عصره تصنيفا ... ورغب الناس في تواليفه ، ورحلوا إليه بسببها ، وتداولوها
قراءة ، ونسخا ، وسماعا» .
وقال أيضا : «هو
من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال» .
__________________
وقال الحافظ
السيوطي : «إن المحدثين عيال الآن في الرجال ، وغيرها من فنون الحديث على أربعة :
المزي ، والذهبي ، والعراقي ، وابن حجر» .
ولله درّ
الإمام العلّامة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الكريم بن الموصلي
الأطرابلسي حيث يقول فيه :
«ما زلت بالسمع أهواكم وما ذكرت
|
|
أخباركم قط
إلا ملت من طرب
|
وليس من عجب
أن ملت نحوكم
|
|
فالناس
بالطّبع قد مالوا إلى الذّهب»
|
وقد أضر الإمام
الذهبي قبل موته ببضع سنين ، وتوفي رحمه الله تعالى في شهر ذي القعدة من سنة ٧٤٨ ،
ودفن في مقابر باب الصغير بدمشق.
__________________
الأصول المعتمدة
في تحقيق هذه الرسالة
(١) نسخة
المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة ، وهي ضمن مجموع برقم ٢٦٧٨ ، وتقع في خمس
صفحات وخمسة أسطر ، وتشتمل كل صفحة على ٢٥ سطرا ، وقد نسخت سنة ١٢٢٠ على يد سعيد
بن مرجية باقديم.
ورمزت لها ب «المخطوط».
وهذه النسخة كثيرة التحريف ، والتصحيف ، مما يدل على عدم معرفة
ناسخها بهذا الفن.
__________________
(٢) كتاب
الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التّوريخ : حيث إن السخاوي ضمن رسالة الذهبي فيه ، مع
التصرف فيها ، وقد صرح بذلك عقب ذكره لها بقوله : «وهذا الفصل كله جزء أفرده
الذهبي ، وصدر بالأمصار ذوات الآثار ، وهو مفتقر لقليل تذييل سوى ما ألحقته في
أثنائه إما مميزا أو مدرجا» .
وقد اعتمدت على
طبعتي الترقي بدمشق من صفحة ١٣٦ إلى صفحة ١٤٤ ، ورمزت لها ب (ع) ، وفي الطبعة
المنشورة ضمن كتاب علم التاريخ عند المسلمين لروزنثال ترجمة الدكتور صالح العلي من
صفحة ٦٥٩ إلى صفحة ٦٦٨ ، ورمزت لها ب (ق).
__________________
موضوع هذه الرسالة ومحتواها
تناول الذهبي
رحمه الله تعالى في هذه الرسالة القيّمة النادرة ، ذكر المدن الكبيرة ، والأمصار ،
والأقاليم التي كان يوجد فيها علم الحديث والأثر.
فقد أورد اسم
تسع وعشرين مدينة وإقليما ، وذكر تحت كل واحدة منها بعض مشاهير أئمتها ، وأعلام حفاظها ، وأعيان
محدثيها ، وعني في معظم هذه البلدان بذكر أزمنة ابتداء العلم ، وذيوعه ، وشيوعه ،
ونقصه ، وعدمه منها ، وكان يشير في كثير من الأحيان إلى سبب ضعف العلم وعدمه. وقد
تعرض في مكانين فقط لذكر بعض التواريخ الرجالية المختصة بهمذان ، وخوارزم ، وليته
فعل ذلك في جميع البلاد ، لأنه أمر نافع ومفيد. كما ضمن كلامه بعض الفوائد
التاريخية والجغرافية كزمن بناء ، وفتح المدن ، ومدة استيلاء الكفار عليها ، وصفتها
ككونها أكبر مدائن أحد الأقاليم ، وشبهها لمدينة ما في السّعة.
ثم ذكر عدة مدن
وأقاليم وجد فيها الحديث بقدر يسير ، لكنه لم يسم أحدا من علمائها ، وهي شيراز ،
وكرمان ، وسجستان ، والأهواز ، وتستر ،
__________________
وقومس ، وقهستان ، وقد صرح في شيراز بقلة حديثها ، وفي قومس بخروج جماعة من
المحدثين فيها ، واكتفى في كرمان ، وسجستان ، والأهواز ، وتستر بذكر أسمائها فقط ،
واهتم عند ذكره لقومس وقهستان بالإشارة إلى بعض مدنهما الكبيرة والصغيرة والمتوسطة
، وبيان جهتهما وحدودهما ، وقد كان دقيقا في تحديده لموقع إقليم قهستان الذي أراده
، مما يدل على إلمامه بعلم الجغرافية.
ولم يقنع
الذهبي بما سبق بل أضاف إليه تسمية معظم الأقاليم التي لم تعرف بالحديث.
ثم أشار إلى ما
آل إليه الحال في زمنه من فقدان وضعف هذا العلم في كثير من الأمصار التي كانت
مشتهرة ومعروفة به ؛ وأتبع ذلك بذكر الأقاليم والمدن التي بقي ـ أي في زمنه ـ الحديث
فيها ولو بقلة.
وختم هذه
الرسالة المفيدة بذكر العلوم الشرعية الأخرى التي راج أمرها في العصور المتأخرة ،
وانتشرت في شرق الأرض وغربها ، لكنه نبه إلى الزّغل الذي أصابها في بعض البلاد
بسبب ما داخلها من علوم فاسدة ومبتدعة.
كلمة بين الأمصار ذوات الآثار للذهبي
والإرشاد في علماء البلاد للخليلي
يبدو أن الذهبي
رحمه الله تعالى استقى أصل رسالته «الأمصار ذوات الآثار» من كتاب «الإرشاد في علماء البلاد» للإمام الحافظ أبي يعلى الخليل بن عبد
الله القزويني المعروف بالخليلي والمتوفى سنة ٤٤٦.
ومن ألقى نظرة
فاحصة في الكتابين انقدح في نفسه صدق هذه الدعوى ، وتبين له صحتها ، ولا أريد
الإطالة باستيعاب البراهين على ذلك ، بل أكتفي بذكر دليلين واضحين قويين هما :
(١) تقارب
ترتيب البلدان في الكتابين :
ففي كتاب
الأمصار ذوات الآثار رتبت على هذا النحو : المدينة ، مكة ، بيت المقدس ، دمشق ،
مصر ، الإسكندرية ، بغداد ، حمص ، الكوفة ، البصرة ، اليمن ، الأندلس ، المغرب ،
الجزيرة ، الدّينور ، همذان ، الرّي ، قزوين ، جرجان ، نيسابور ، طوس ، هراة ، مرو
، بلخ ، بخارى ، سمرقند ، الشاش ، فرياب ، خوارزم.
وفي كتاب
الإرشاد سيقت على الشكل التالي : المدينة ، مكة ، مصر ، الشام ، البصرة ، الكوفة ،
واسط ، المدائن ، بغداد ، الموصل ، حلوان ،
__________________
الدّينور ، همذان ، الري ، قزوين ، أبهر ، زنجان ، أذربيجان ، قمّ ، ساوة ،
جرجان ، آمد ، نيسابور ، طوس ، هراة ، مرو ، بلخ ، سرخس ، بخارى ، سمرقند ، الشاش.
فقد افتتحا
بالمدينة المنورة ، ثم ذكرا مكة ، ثم مصر والشام ، ثم العراق ، لكن الذهبي أدخل
حمص بين مدن العراق ، وقدم الشام على مصر.
ولو حذف الزائد
من البلدان بين الدّينور والشاش من كتاب الخليلي لتماثل الترتيب بين الكتابين في
ثلاثة عشر بلدا.
(٢) اعتماد
الذهبي على الخليلي في إيراد أسماء العلماء ضمن البلدان : فالذهبي قصد في رسالته «الأمصار
ذوات الآثار» عند ذكره للبلدان تسمية بعض أكابر ومشاهير العلماء والحفاظ في كل بلد
، لذا ترى معظمهم مذكورين في كتابيه سير أعلام النبلاء ، وتذكرة الحفاظ. إلا أنه
أبعد النّجعة عندما أورد رجالا خفيت أمورهم ، وضنت الكتب بتراجمهم ، ولم يشتهروا
عنده في كتبه ، وهؤلاء جميعا مذكورون في كتاب الإرشاد للحافظ الخليلي مما يدل على
أصالة هذا الكتاب في عمل الذهبي.
وإليك نماذج من
ذلك تثبت قوام ما أجملته :
لما ذكر الذهبي
مدينة هراة أورد تحتها اسم الفضل بن عبد الله الهروي ، ولم أجد ترجمة هذا الرجل
إلا في كتاب الإرشاد.
وعندما ذكر
مدينة الدّينور أورد اسم محمد بن عبد العزيز الدّينوري ، ولم أقف على ترجمة هذا
الرجل إلا في كتاب الإرشاد ، وكتب الضعفاء كميزان الاعتدال.
وعند ذكره
لجرجان سمى عددا من العلماء ، منهم إسحاق بن إبراهيم الطلقي ، ومحمد بن عيسى
الدّامغاني ، فالأول توجد ترجمته في الإرشاد ، وفي مستدرك السهمي على تاريخ جرجان
، وكتاب الجرح والتعديل ، ولسان
الميزان ، والثاني لم أقف على ترجمته إلا في كتابي الإرشاد ، والجرح
والتعديل. ومن نظر ترجمة هذين الرجلين في كتاب الجرح والتعديل لم ير فيهما ما يدل
على مكانتهما ، مما يؤكد أن الذهبي تبع الخليلي في ذكرهما ، والله أعلم.
فهذان برهانان
قائمان يثبتان أصالة كتاب الإرشاد للخليلي في عمل الذهبي. وليس معنى هذا أن الذهبي
اكتفى بهذا الكتاب عن غيره ، بل إنه أضاف فوائد كثيرة ، وزيادات وفيرة ، وبلدانا
لم يتعرض لها الخليلي على الإطلاق.
طبعة سقيمة
لرسالة الذهبي هذه
لقد عم البلاء
في هذا الوقت بإخراج كتب العلم ونشرها في صور مشوّهة ومزيّفة ، يعتريها التحريف
والتبديل ، ويشوبها الزّغل والدّخل ، ولعل السبب في ذلك ينحصر في أمرين :
(١) التسرع
والعجلة : وقد أحسن القائل :
قد يدرك
المتأني جلّ مقصده
|
|
وقد يكون مع
المستعجل الزّلل
|
(٢) الجهل : ولله درّ القائل :
ما كل من نال
المعالي ناهضا
|
|
فيها ولا كل
الرجال فحول
|
وقال آخر :
احفظ لسانك
أن تقول فتبتلى
|
|
إن البلاء
موكل بالمنطق
|
وقال آخر :
ما تفعل
الأعداء في جاهل
|
|
ما يفعل
الجاهل في نفسه
|
وأمر التصنيف
والتأليف والتحقيق خطير ، فهو أمانة يسأل الإنسان يوم القيامة عن حسن أدائها ، كما
أنه شهادة على صاحبه في الدنيا ، فإن أحسن شكره الناس ، وإن كثرت إساءته أغمضوا
فيه ، وقد قال الجاحظ : «من صنّف فقد استهدف ، فإن أحسن فقد استعطف ، وإن أساء فقد
استقذف» .
__________________
وقد سمعت منذ
مدة يسيرة بأن رسالة الذهبي هذه قد حققت ، ونشرت في دمشق ، فبحثت عنها في مكتبات
الرياض التجارية فلم أجدها ، إلى أن وقفت عليها منذ بضعة أيام فلما تصفحتها وجدتها
كثيرة الأوهام والأخطاء ، ومدعاة للانتقاد والاعتراض ، سواء في أصلها المحقق أو في التعليقات عليها ، علما بأني لم أقرأ من
التعليقات إلا القليل.
ورأيت من
الأمانة أن أشير إلى بعض تلك الأوهام والمؤاخذات منظمة ليتنبّه لها ولما خلفها ،
وإليك هذا الأمر :
(أ) ضبط
البلدان والتعريف بها :
ففي صفحة ١١١
من المطبوعة «والخطى» : كتبها المحقق بالألف المقصورة ، وشكل الخاء بالضم ، وعرفها
بأنها موضع بين الكوفة والشام. وكل هذا خطأ ، والصواب «الخطا» بكسر الخاء ، وألف
ممدودة ، والخطا جنس من التّرك تقع بلادهم شرقي نهر سيحون ، والذهبي أورد ذكر هذه
الناحية في الأقاليم التي لا حديث بها ، والموضع الذي بين الكوفة والشام ليس
إقليما. ولفظ «الخطا» بالألف الممدودة موجود في الأصول المعتمدة عند المحقق.
وفي صفحة ١١٢ «وسراة»
: كتبها بالتاء المربوطة ، وارتبك في تعريف هذا البلد ، فنقل عن ياقوت عدة أقوال
تدور حول كونها ناحية جبلية تقع في الجزيرة العربية وتمتد شمالا أو جنوبا. وكل هذا
خطأ أيضا ، والصواب «سراي» بالياء ، وهي بلاد تقع شمال بحر الخزر. وقد ضبطت بالياء
أيضا في نسخة مكتبة الحرم المدني التي اعتمد عليها المحقق.
وفي صفحة ١١٣ «والبجاوة»
: ذكرها بالواو ، وعلق عليها في الحاشية بقوله : «قلت : في الأصل ، والإعلان
بالتوبيخ للسخاوي ص ١٤٣ : والبجاه ؛ وهو خطأ من النساخ والصواب ما أثبته» ا ه. قلت
أنا : أخطأ المحقق في
__________________
ضبطه للباء بالفتح ، وفي تخطئته للنساخ ، وذلك أن الصواب في الباء ضمها ،
وأنه يصح البجاوة والبجاه.
كما أنه أخطأ
في ضبط بعض البلدان الأخرى :
ففي صفحة ٥٥ «بجاية»
بفتح الباء والصواب كسرها.
وفي صفحة ٥٥
أيضا «تلمسان» بتسكين اللام وكسر الميم ، والصواب عكس ذلك أي «تلمسان».
وفي صفحة ١٠٦ «الدامغان»
بتسكين الميم ، والصواب فتحها.
وفي صفحة ١١٢ «قرم»
بفتح القاف وتسكين الراء ، والصواب كسرهما.
وفي صفحة ١١٢
أيضا «النّوبة» بفتح النون ، والصواب ضمها.
وقد غفل المحقق
عن ضبط بعض البلدان :
ففي صفحة ٥٤ «إفريقيّة»
لم يضبط الياء الثانية.
وفي صفحة ٥٤
أيضا «القيروان» لم يضبط الراء.
وفي صفحة ١١٢ «القفجاق»
لم يضبط حروفها ، وجعل جيمها حاء.
وفي صفحة ١١٣ «أسوان»
لم يضبط الألف.
وفي صفحة ١١٣
أيضا «الزّنج» لم يضبط الزاي ، مع أن الشائع نطقها بالكسر ، فالضبط ضروري.
(ب) ضبط
الأسماء والأنساب والتعريف بها :
لقد ادعى
المحقق في مقدمته أنه ترجم للأعلام الذين دعت الضرورة إلى ترجمتهم ، وليس الأمر
كما قال ، فقد أغفل تراجم أسماء كثيرة تدعو إليها الضرورة في نظر الناس جميعا :
ففي صفحة ١٤ «كعبد
الله بن عمرو بن أبي ذئب» : فالمحقق تبع وهم
__________________
النسخة المخطوطة في هذا الأمر ، ولو ترجم للرجل لعرف أنه رجلان ، وصواب
العبارة «كعبيد الله ـ (أو كعبد الله) ـ وابن أبي ذئب».
وفي صفحة ٤٨ «قدامة
بن منبّه» : وليت المحقق ترجم لهذا الرجل كي يعرف ، لأنني بحثت في عشرات الكتب فلم
أعثر على من اسمه قدامة في بني منبّه ، وغالب ظني أنه تصحف عن همام بن منبّه.
وفي صفحة ٦٧ «كثير
بن هشام» : هكذا ذكره المحقق اعتمادا على الأصول التي عنده ، ولو ترجم للرجل لعرف
أن الصواب فيه «كثير بن شهاب».
بل إن المحقق
لم يحالفه الصواب في بعض التراجم التي عقدها :
ففي صفحة ٢٠
ترجم للأزرقي بأنه محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الوليد صاحب كتاب أخبار
مكة. وهذا خطأ والصواب أنه جدّ المذكور.
وفي صفحة ٨١
أحال على مصادر ترجمة الفضل بن عبد الله الهروي بما يجانب الصواب ، لأن الذي أحال
عليه ليس هو الذي قصده الذهبي والله أعلم.
وفي صفحة ٩٧
أثبت في الأصل كلام الذهبي التالي : «خوارزم : بلد كبير ، رأيت المجلد الأول من
تاريخها لرجل معاصر لأبي القاسم بن عساكر من ثمان مجلدات». وقد علق عليه في
الحاشية بقوله : «قلت : جاء في كشف الظنون لحاجي خليفة ١ / ٣٩٣ ، ٣٩٤ ما نصه :
تواريخ خوارزم : منها الكافي ... وتاريخ محمد محمود بن محمد أرسلان العباسي
الخوارزمي الحافظ ، المتوفى سنة ثمان وستين وخمس مئة ، بسط الكلام في وصف خوارزم وأهلها
حتى بلغ إلى ثمانين مجلدا ...» ثم قال المحقق عقب هذا : «ولعل المعني بكلام الذهبي
هو تاريخ الخوارزمي الأخير ... ولعل لفظة ثمان مجلدات التي في كتابنا محرفة على يد
الناسخ من ثمانين مجلدة والله أعلم» انتهى كلام المحقق.
قلت : أخطأ في
عدة أمور ، فاسم الخوارزمي ليس كما ذكر ، بل الصواب «أبو محمد محمود بن محمد بن
العباس بن أرسلان العباسي» ، كما أن ابن أرسلان المذكور هو الذي قصده الذهبي يقينا
لا شكا ، وكتابه في ثمان مجلدات لا في ثمانين مجلدة ، والناسخ لم يحرف بل نقل
الصواب.
ومن أخطاء
المحقق في هذا الباب أيضا :
أنه في صفحة ١٩
شكل «الزنجي» بكسر الزاي ، والصواب فتحها.
وفي صفحة ٦٩
شكل «الدامغاني» بتسكين الميم ، والصواب فتحها.
ومن تسرعات
المحقق وعثراته أيضا :
أنه في أول سطر
من كتاب الذهبي أسقط بضع كلمات ، مع أنها موجودة في الأصول التي اعتمدها.
وفي صفحة ٢٧
بدّل قول الذهبي «ثم كثر بعد ذلك» وجعله «ثم تكاثر بعد ذلك» مع أن القول الأول
مذكور في الأصول التي اعتمدها.
وفي صفحة ٢٩
أسقط كلمة «وخمسين» من قول الذهبي «سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة» وهذه اللفظة موجودة
في الأصول التي اعتمدها.
ومن أوهامه
أيضا :
أنه في صفحة
١٠١ لم يستطع فهم كلام الذهبي ، حيث وضع كلامه التالي : «كرمان ، سجستان ، الأهواز
، تستر ، قومس في سطر واحد وبخط عريض ـ كما هي عادته في البلدان التي يكون للذهبي
كلام عليها ـ ثم ذكر تحت هذه الأسماء قول الذهبي «إقليم واسع ...» ، فدل هذا
الصنيع على أن قول الذهبي «إقليم واسع ...» يعود إلى البلدان الخمسة المذكورة ،
والصواب أنه يعود إلى قومس وحدها.
وفي صفحة ١٠٦
أسقط لفظة «منه» من نص المخطوط ، وادعى أنها خطأ ، مع أنه لا يصح الكلام إلا بها.
وفي صفحة ١٠٨ ـ
١٠٩ أثبت المحقق كلام الذهبي التالي : «قهستان : أكبر مدائن هذا الإقليم ، ثم زنجان
...» وعلق في الحاشية على لفظة «الإقليم» بقوله : «أي إقليم الجبال» وهذا خطأ لأن
الذهبي يتكلم عن إقليم قهستان لا الجبال ، وأمر آخر وهو أن العبارة التي أثبتها
فيها سقط ، وصوابها كما في الإعلان بالتوبيخ : «أكبر مدائن هذا الإقليم الرّيّ ،
ثم زنجان ...».
وفي صفحة ١١٠
أثبت قول الذهبي : «فالأقاليم التي لا حديث بها يروى ، ولا عرفت بذلك الصين ، أغلق
الباب. والهند والسند ...» وصورة ذلك عنده أنه وضع نقطة بعد قوله «أغلق الباب»
وابتدأ الكلام التالي بسطر جديد موهما أن الكلام غير مرتبط بسابقه ارتباطا تاما ،
والأمر خلاف ما فعل.
كما أن المحقق
أدخل في أصل رسالة الذهبي جملا من كلام السخاوي.
أما الحاشية
فقد أثقلها المحقق بالتراجم الطويلة المملة ؛ والمخلة في بعض الأحيان ، كما يلاحظ
اعتماده في تراجم كثيرة على الكتب الحديثة كالأعلام للزّركلي ، ويلاحظ عليه أيضا
إثقال الحواشي بما لا فائدة منه عند التعريف بالبلدان ، وقد ولع فيها بالنقل دون
تحقيق وتدقيق.
وأما المقدمة
فلم تسلم من بعض الأوهام الشديدة ، حيث قال فيها : «ثبت لنا من خلال المقابلة التي
أجريناها بين نسختنا من الكتاب ، وما أثبته السخاوي في كتابه ، بأن السخاوي رحمه
الله اعتمد على نسخة فيها الكثير من النقص والزيادة ...». وهذه دعوى فاسدة لأن
السخاوي صرح عقب ذكره لرسالة الذهبي هذه بأنه تصرف فيها.
هذا ومن وراء
ما ذكرته أمور كثيرة أغمض الطرف عنها خشية الإسهاب في الإطالة ، متمثلا قول بعضهم
:
فكان ما كان
مما لست أذكره
|
|
فظن خيرا ولا
تسأل عن الخبر
|
عملي في الرسالة
قمت بنسخها من
مصوّرة المحمودية ، وقابلت المنسوخ بها ، ثم عارضته بما نقله السخاوي في الإعلان
بالتوبيخ ، وأثبت ما غلب على ظني أن الذهبي أراده ، دون التزام نص معين.
ثم قمت بترجمة
جميع الأعلام الواردة ـ سواء أكانت صريحة أو مهملة أو مبهمة ـ بإيجاز واف بالغرض ،
يظهر مكانة الرجل العلمية ، ومنزلته العدلية ، مع ذكر كنيته ، واسمه ، واسم أبيه ـ
وجده في كثير من الأحيان ـ ونسبته ، وسنة وفاته ، كما ذكرت في كثير من التراجم بعض مصنفات أصحابها.
وقمت بعد ذلك
بالتعريف بالبلدان عدا المدينة المشرفة ، ومكة المكرمة ، وبيت المقدس ، ودمشق ،
والإسكندرية ، وبغداد ، وحمص ، والكوفة ، والبصرة ، والأندلس ، لأنها مشهورة الآن
ومعروفة ، إلا أنني عرفت ببعض
__________________
البلدان المشتهرة لكون حدودها تختلف في عرفنا اليوم عما كانت عليه سابقا ،
وذلك كمصر واليمن والبحرين.
وقد بذلت غاية
الجهد في تحديد البلدان ، وتعيين جهتها وموضعها ، حتى كنت أحيانا أجلس اليوم
واليومين في تعريف البلد الواحد ، مع مراعاتي للنظر في الخرائط الجغرافية ،
واستخلاص بعض الفوائد منها مما لم يذكر في معاجم البلدان لعدم الحاجة إليه في
الزمن السابق.
ولم يقتصر عملي
في البلدان على ذلك ، بل ذكرت بعض الكتب المؤلفة في علماء ومحدثي كل بلد استطعت
الوقوف على شيء من التصانيف المفردة فيه.
ونهضت أيضا
لخدمة ما تبقى من النص فوضحت مبهمه ، وبينت مشكله ، وشرحت مختصره ، ونبهت على بعض
فوائده.
كما حرصت على
ضبط جميع الأعلام والبلدان المشكلة ـ الواردة في الأصل والحاشية
ـ بالشكل ، لأنه كما قيل : «إعجام الكتب يمنع من استعجامها ، وشكلها يصونها عن
إشكالها».
هذا ولا أدعي
الصحة في جميع ما كتبته ، وإنما هو جهد المقل ، ووسع المزجى البضاعة ، القليل
العلم بهذه الصناعة.
والحمد لله
أولا وآخرا ، والصلاة والسلام على رسوله سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه.
__________________








بسم الله الرّحمن الرّحيم
قال الإمام ،
الحافظ ، المحدث ، النقّاد ، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، ما لفظه :
«الأمصار ذوات الآثار»
المدينة المشرّفة «* ١» :
دار الهجرة ،
كان العلم وافرا بها في زمن الصحابة من القرآن
__________________
والسنن ، وفي زمن التابعين كالفقهاء السّبعة ، وزمن صغار التابعين
__________________
«كزيد بن أسلم ، وربيعة الرأي ، ويحيى بن سعيد ،
__________________
وأبي الزّناد ، ثم في زمن تابعي التابعين» كعبيد الله بن عمر ، وابن أبي ذئب ، وابن عجلان ، وجعفر
__________________
الصادق ؛ ثم الإمام مالك ، ومقرئها الإمام نافع ، وإبراهيم بن سعد ، وسليمان بن بلال ، وإسماعيل بن جعفر ؛ ثم تناقص
__________________
العلم بها جدا في الطبقة التي بعدهم ، ثم تلاشى .
مكة «* ١» :
كان العلم بها
يسيرا في زمن الصحابة ، ثم كثر في أواخر عصر الصحابة ، وكذلك في أيام التابعين
كمجاهد ، وعطاء بن
__________________
أبي رباح ، وسعيد بن جبير ، وابن أبي مليكة ، وزمن أصحابهم كعبد الله بن أبي نجيح ، وابن كثير المقرىء ، وحنظلة بن أبي سفيان ، وابن جريج ، ونحوهم.
__________________
وفي زمن الرشيد
كمسلم بن خالد الزّنجي ، والفضيل بن عياض ، وابن عيينة ، ثم أبي عبد الرحمن المقرىء ، والأزرقي ،
__________________
والحميدي ، وسعيد بن منصور .
ثم في أثناء
المئة الثالثة تناقص علم الحرمين ، وكثر بغيرهما .
بيت المقدس «* ١» :
نزلها جماعة من
الصحابة كعبادة بن الصامت ، وشدّاد بن
__________________
أوس ؛ وما زال بها علم ليس بالكثير ، ثم نقص جدا ، ثم ملكها
النصارى تسعين عاما ، ثم أخذها المسلمون .
دمشق «* ١» :
نزلها عدة من
الصحابة ، منهم : بلال الصحابي المؤذن
__________________
لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغيره ، وكثر؟؟؟ بها العلم في زمن معاوية ، ثم في زمن عبد الملك ، وأولاده ، وما زالت بها الفقهاء ، والمقرئون ، والمحدثون في زمن
التابعين ، وتابعيهم ، ثم إلى أيام أبي مسهر ،
__________________
ومروان بن محمد الطّاطري ، وهشام ، ودحيم ، وسليمان بن بنت شرحبيل ، ثم أصحابهم ، وعصرهم.
وهي دار قرآن ،
وحديث ، وفقه.
وتناقص العلم
بها في المئة الرابعة ، والخامسة ، وكثر بعد ذلك
__________________
ولا سيما في دولة نور الدين ، وأيام محدثها ابن عساكر ، والمقادسة
__________________
النازلين
__________________
بسفحها ، ثم كثر بعد ذلك بابن
__________________
تيمية ، والمزّي ، وأصحابهما ، ولله الحمد.
__________________
مصر «* ١» :
افتتحها عمرو
بن العاص في زمن عمر رضي الله عنه ، وسكنها خلق من الصحابة ، وكثر العلم بها
في زمن التابعين ، ثم ازداد في زمن
__________________
عمرو بن الحارث ، ويحيى بن أيوب ، وحيوة بن شريح ، والليث بن سعد ، وابن لهيعة ، وإلى زمن ابن وهب ، والإمام
__________________
الشافعي ، وابن القاسم ، وأصحابهم ، وما زال بها علم جمّ إلى أن ضعف ذلك
باستيلاء العبيديين الرافضة عليها سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة ، وبنوا القاهرة ،
وشاع التشيع بها ، وقل الحديث والسنّة إلى
__________________
أن وليها أمراء السنّة النبوية ، وضعف الروافض ، والحمد لله .
الإسكندرية «* ١» :
تبع لمصر ، ما
زال بها الحديث قليلا حتى سكنها السّلفي ، فصارت
__________________
مرحولا إليها في الحديث والقراآت ، ثم نقص بعد ذلك .
بغداد «* ١» :
بنيت في آخر أيام التابعين ، وأول من بثّ فيها الحديث هشام بن عروة ،
__________________
وبعده شعبة ، وهشيم ، وكثر بها هذا الشأن ، فلم تزل معمورة بالأثر ، والخبر
إلى زمن الإمام أحمد بن حنبل ، ثم أصحابه ، وهي دار الإسناد العالي ، والحفظ ، إلى
أن استؤصلت في كائنة التتار الكفرة ، فبقيت على نحو الرّبع .
__________________
حمص «* ١» :
نزلها خلق من
الصحابة ، وانتشر بها الحديث في زمن التابعين ، وإلى أيام حريز بن عثمان ، وشعيب بن أبي حمزة ، ثم إسماعيل بن عيّاش ، وبقيّة ، وأبي المغيرة ، وأبي
__________________
اليمان ، ثم أصحابهم ، ثم تناقص ذلك في المئة الرابعة ، وتلاشى
.
الكوفة :
نزلها جماعة من
الصحابة كابن مسعود ، وعمّار بن ياسر ، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، وخلق من الصحابة ، «ثم كان بها من
__________________
التابعين» ، كعلقمة ومسروق ، وعبيدة ، والأسود ، ثم الشعبي ،
__________________
والنّخعي ، والحكم بن عتيبة ، وحمّاد وأبي إسحاق ، ومنصور ، والأعمش ، وأصحابهم ، وما زال العلم
__________________
بها متوفّرا إلى زمن ابن عقدة ، ثم تناقص شيئا فشيئا ، وتلاشى ، وهي الآن دار الروافض
.
البصرة :
نزلها أبو موسى
الأشعري ، وعمران بن الحصين ،
__________________
وابن عباس ، وعدة من الصحابة ، فكان خاتمتهم خادم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، وصويحبه أنس بن مالك ، ثم الحسن البصري ، ومحمد بن سيرين ، وأبو العالية ،
__________________
ثم قتادة ، وأيوب ، وثابت البناني ، ويونس ، وابن عون ،
__________________
ثم حمّاد بن سلمة ، وحمّاد بن زيد ، وأصحابهما ، وما زال بها هذا الشأن وافرا إلى رأس المئة الثالثة ، وتناقص جدا ،
وتلاشى.
__________________
اليمن «* ١» :
دخلها معاذ بن
جبل ، وأبو موسى الأشعري ـ أصله من تهامة اليمن ـ وخرج منها أئمة التابعين ، وتفرقوا في الأرض ، وكان
بها
__________________
جماعة من التابعين كوهب بن منبّه ، وأخوه همّام بن منبّه ، وطاوس ، وابنه ، ثم معمر ، وأصحابه ، ثم
__________________
عبد الرزاق ، وأصحابه ، وعدم منها بعدهم الإسناد .
__________________
الأندلس «* ١» :
كقرطبة «* ٢» ،
__________________
وإشبيلية «* ١» ، وغرناطة «* ٢» ، وبلنسية «* ٣»
__________________
فتحت في أيام
الوليد بن عبد الملك ، وجلب العلم إليها ، لكن اشتهر بها العلم والحديث في
المئة الثالثة بابن حبيب ، ويحيى بن يحيى ، وأصحابهما ، ثم ببقيّ بن مخلد ،
__________________
ومحمد بن وضّاح ، وخرج منها مثل ابن عبد البر ، وأبي عمرو الدّاني ، وابن حزم الظاهري ، وأبي الوليد
__________________
الباجي ، وأبي علي الغسّاني ، ولم تزل بها أثارة من علم إلى أن استولى على قرطبة ، وإشبيلية النصارى ، فتناقص بها العلم.
__________________
إقليم المغرب «* ١» :
فأدناه إقليم
إفريقيّة «* ٢» ، وأمها هي مدينة القيروان «* ٣» ،
__________________
كان بها سحنون
بن سعيد الفقيه ، وأما بجاية «* ١» ،
__________________
وتلمسان «* ١» ، وفاس «* ٢» ، ومرّاكش «* ٣» وغالب مدائن المغرب ،
__________________
فالحديث بها قليل ، وبها المسائل .
__________________
الجزيرة «* ١» :
أكبر مدائنها
الموصل «* ٢» ، خرج منها جماعة من المحدثين ،
__________________
وحرّان «* ١» ، والرّقة «* ٢» ، وغير ذلك ، خرج منها حفاظ ، وأئمة ، ثم
تناقص ، ثم انطوى البساط.
__________________
الدّينور «* ١» :
خرج منها حفاظ
كمحمد بن عبد العزيز الدّينوري ، وأبي محمد بن قتيبة ، وعبد الله بن محمد بن وهب ، وعمر بن سهل
__________________
المتوفى سنة ٣٣٠ ، وأبي بكر بن السّنّي .
همذان «* ١» :
دار السّنة ،
لها تاريخ لصالح بن أحمد الحافظ ، ولشيرويه بن شهردار بن شيرويه الدّيلمي ، وصار [بها
__________________
علماء] من سنة ٢٠٠ وهلمّ جرّا ، وختمت بالحافظ أبي العلاء العطّار ، وأولاده ، ثم استباحها التتار ، والجنكز خانية.
__________________
الرّيّ «* ١» :
صارت دار علم
بجرير بن عبد الحميد ، وأمثاله ، ثم بابن حميد ، وابن مهران الجمّال ، وإبراهيم بن
__________________
موسى ، «وسهل بن زنجلة» ، ثم بابن وارة ، وأبي زرعة ، وأبي حاتم ، وابنه ، وإلى أثناء المئة الرابعة ، وذهب ذلك.
__________________
قزوين «* ١» :
ذكرت في المئة
الثالثة ، وخرج منها محمد بن سعيد بن سابق القزويني ، وعلي بن محمد الطّنافسي ، وعمرو بن رافع ،
__________________
«وإسماعيل بن توبة ، ويحيى بن عبدك » ، وكثير بن شهاب ، وخلق بعدهم ، ثم ابن ماجه ، وصاحبه أبو الحسن القطّان .
__________________
جرجان «* ١» :
صار بها حديث
كثير في المئة الثالثة ، بإسحاق بن إبراهيم
__________________
الطّلقي ، ومحمد بن عيسى الدّامغاني ، ثم بأبي نعيم ابن عدي ، وإسحاق بن إبراهيم البحري ، وأبي أحمد بن
__________________
عدي ، وأبي بكر الإسماعيلي ، والغطريفي ، وأصحابهم ، ثم أغلق الباب.
__________________
نيسابور «* ١» :
دار السنة ،
والعوالي ، صارت بإبراهيم بن طهمان ، وحفص بن عبد الله ،
__________________
ثم يحيى بن يحيى ، وابن راهويه ، ومحمد بن رافع ، وعبد الرحمن بن بشر ، وعبد الله بن هاشم ، والذّهلي
__________________
وأحمد بن يوسف ، ومسلم ، وإبراهيم بن أبي طالب ، وأبي عبد الله البوشنجي ، ثم بابن خزيمة ، وأبي العباس
__________________
السّرّاج ، وابن الشّرقي ، وما زال يرحل إليها ، وآخر شيوخها المؤيّد الطّوسي ، إلى أن دخلها التتار ، ثم مضت كأن لم تكن.
__________________
طوس «* ١» :
صارت دار علم
بعد المئتين ، كان بها محمد بن أسلم الطّوسي ، وأصحابه ، إلى أن كان آخر الأئمة بها الإمام حجة
الإسلام الغزالي ، وهي بقدر حماه ظنا.
هراة «* ٢» :
منها أبو رجاء
عبد الله بن واقد ، والفضل بن عبد الله
__________________
الهروي ، وأحمد بن نجدة ، ومحمد بن عبد الرحمن السامي ، والحسين ابن إدريس ، ومحمد بن المنذر ، وما زال بها علم ، وحديث ، وعالي إسناد إلى أن ختمت
بأبي روح عبد المعزّ بن محمد ، ودثرت .
__________________
مرو «* ١» :
بلد كبير من
أقاصي خراسان ، خرج منها أئمة ، وكان
__________________
بها بريدة بن الحصيب ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وطائفة من
الصحابة ، ثم عبد الله بن بريدة ، ويحيى بن يعمر ، وعدة من التابعين ، ثم الحسين بن واقد ،
__________________
وأبو حمزة السّكّري ، وعبد الله بن المبارك ، والفضل بن موسى ، وأبو تميلة ، وعلي بن الحسن بن شقيق ،
__________________
وعبدان بن عثمان ، وأصحابهم ، ثم نقص في المئة الرابعة ، ولم ينقطع إلى
خروج التتار ، وفرغ ذلك.
بلخ «* ١» :
صار بها علماء [في] أواخر المئة الثانية ، كعمر بن
__________________
هارون ، ومكيّ بن إبراهيم ، وخلف بن أيوب ، وقتيبة بن سعيد ،
__________________
ومحمد بن أبان ، وعيسى بن أحمد العسقلاني ، ومحمد بن علي بن طرخان ، ثم نقص ذلك ، وتلاشى.
__________________
بخارى «* ١» :
نزلها عيسى بن
موسى غنجار ، وأحمد بن حفص الفقيه ،
__________________
ومحمد بن سلام البيكندي ، وعبد الله بن محمد المسندي ، وأبو عبد الله البخاري ، وصالح بن محمد جزرة ، وأصحابهم ، وما زال بها صبابة حتى دخلها العدو بالسيف.
__________________
سمرقند «* ١» :
بها أبو عبد
الله عبد الله بن عبد الرحمن الدّارمي ، ثم محمد بن نصر المروزي .
__________________
وعمر بن محمد
بن بجير ، وآخرون.
الشّاش «* ١» :
وهي آخر بلاد
الإسلام التي بها الحديث ، منها الحسن بن صاحب الشاشي ، والهيثم بن كليب ، ومحمد بن علي أبو بكر القفّال الشاشي ، ثم فرغ ذلك ، وعدم.
__________________
فرياب «* ١» :
خرج منها جماعة
من العلماء ، أقدمهم محمد بن يوسف الفريابي ، صاحب الثوري ، ومنهم القاضي جعفر بن محمد الفريابي ، صاحب التصانيف ، سمع بفرياب سنة ٢٢٦.
__________________
خوارزم «* ١» :
بلد كبير ،
رأيت المجلد الأول من تاريخها لرجل معاصر
__________________
لأبي القاسم بن
عساكر ، من ثمان مجلدات ، خرج منها جماعة من العلماء ، من أقدمهم الحافظ عبد
الله بن أبيّ .
شيراز «* ١» :
خرج منها جماعة
من الفقهاء ، وحديثها قليل ، وقل من ارتحل إليها.
كرمان «* ٢» :
__________________
سجستان «* ١» :
الأهواز «* ٢» :
تستر «* ٣» :
قومس «* ٤» :
إقليم واسع ،
خرج منه محدثون ، [منه الدّامغان «* ٥»] مدينة كبيرة ،
__________________
وسمنان «* ١»
مدينة صغيرة ، وبسطام «* ٢» مدينة متوسطة ، وهذه المدائن أوائل مدن خراسان من الجهة الغربية.
قهستان «* ٣» :
__________________
أكبر مدائن هذا الإقليم الريّ ، ثم زنجان «* ١» ، وأبهر «* ٢» ، وإقليم قهستان ملاصق
لإقليم قومس ، وهو غربي قومس ، وهو شرقيّ ، متشامل عن العراق متاخم لقزوين .
فالأقاليم التي
لا حديث بها يروى ، ولا عرفت بذلك ، الصّين «* ٣» ،
__________________
أغلق الباب ، والهند «* ١» ، والسّند «* ٢» ، والخطا «* ٣» ، وبلغار «* ٤»
، وصحراء القفجاق «* ٥» ، وسراي «* ٦» ،
__________________
وقرم «* ١» ، وبلاد التّكرور «* ٢» ،
__________________
والحبشة «* ١» ، والنّوبة «* ٢» ، والبجاه «* ٣» ، والزّنج «* ٤» ، وإلى
أسوان «* ٥» ،
__________________
وحضرموت «* ١» ، والبحرين «* ٢» ، وغير ذلك.
وأما اليوم فقد
كاد يعدم علم الأثر من العراق «* ٣» ، وفارس «* ٤» ،
__________________
وأذربيجان «* ١» ، بل لا يوجد بأرّان «* ٢» ، وجيلان «* ٣» ، وإرمينية «* ٤»
،
__________________
والجبال «* ١» ، وخراسان «* ٢» التي كانت دار الآثار ، وأصبهان «* ٣» التي
كانت
__________________
تضاهي بغداد في علوّ الإسناد ، وكثرة الحديث ، والأثر. والباقي من ذلك ففي مصر ، ودمشق حرسها الله تعالى ، وما تاخمها ،
__________________
وشيء يسير بمكة ، وشيء بغرناطة ، ومالقة «* ١» ، وشي بسبتة «* ٢» ، وشيء بتونس «* ٣» ،
نسأل الله حسن الخاتمة.
__________________
لكن القرآن ، وفروع الفقه ، موجود كثير شرقا وغربا ، لكن ذلك مكدّر
في المشرق ، وغيره بعلوم الأوائل ، وآراء المتكلمين ، والمعتزلة ؛ فالأمر لله
تعالى.
وهذا تصديق
لقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : «لا تقوم الساعة حتى يقل العلم ، ويكثر
الجهل» ، فنسأل الله تعالى العظيم ، علما نافعا
__________________
«وعملا متقبلا ، ورزقا حلالا واسعا طيبا ، وحسن الخاتمة لنا ، ولجميع
المسلمين أجمعين ، آمين ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الأمين ، وآله وصحبه أجمعين» .
انتهى الكتاب
__________________
الفهارس
١ ـ فهرس
الأعلام.
٢ ـ فهرس
الأماكن والبلدان .
٣ ـ فهرس الكتب
ومؤلفوها.
٤ ـ فهرس
المصادر والمراجع.
٥ ـ فهرس
الموضوعات.
__________________
فهرس الأعلام
ابن تيمية (تقي
الدين أحمد) : ١٦٦
ابن جريج (عبد
الملك بن عبد العزيز) : ١٥٧
ابن أبي حاتم
(عبد الرحمن بن محمد) : ١٩٩
ابن حبيب (عبد
الملك) : ١٨٦
ابن حزم
الظاهري (علي بن أحمد) : ١٨٧
ابن حميد (محمد)
: ١٩٨
ابن خزيمة (محمد
بن إسحاق) : ٢٠٧
ابن أبي ذئب (محمد
بن عبد الرحمن) : ١٥٤
ابن راهويه (اسحاق
بن إبراهيم) : ٢٠٦
ابن الشّرقي (أحمد
بن محمد) : ٢٠٨
ابن طاوس (عبد
الله) : ١٨٢
ابن عباس (عبد
الله) : ١٧٨
ابن عبد البر
(يوسف بن عبد الله) : ١٨٧
|
|
أولاد عبد
الملك بن مروان : ١٦١
ابن عجلان (محمد)
: ١٥٤
ابن عساكر (أبو
القاسم علي بن الحسن) : ١٦٣ ، ٢٢٣
ابن عقدة (أحمد
بن محمد) : ١٧٧
أولاد أبي
العلاء العطار : ١٩٧
ابن عون (عبد
الله) : ١٧٩
ابن عيينة (سفيان)
: ١٥٨
ابن القاسم (عبد
الرحمن) : ١٦٩
ابن كثير
المقرىء (عبد الله) : ١٥٧
ابن لهيعة (عبد
الله) : ١٦٨
ابن ماجه (محمد
بن يزيد) : ٢٠١
ابن مسعود (عبد
الله) : ١٧٤
ابن أبي
مليكة (عبد الله بن عبيد الله) : ١٥٧
ابن مهران
الجمّال (محمد) : ١٩٨
ابن وارة (محمد
بن مسلم) : ١٩٩
ابن وهب (عبد
الله) : ١٦٨
|
أبو أحمد بن
عدي (عبد الله) : ٢٠٣
أبو إسحاق (عمرو
بن عبد الله السّبيعي) : ١٧٦
أبو بكر
الإسماعيلي (أحمد بن إبراهيم) : ٢٠٤
أبو بكر بن
السني (أحمد بن محمد) : ١٩٦
أبو تميلة (يحيى
بن واضح) : ٢١٣
أبو حاتم (محمد
بن إدريس) : ١٩٩
أبو الحسن
القطان (علي بن إبراهيم) : ٢٠١
أبو حمزة
السّكّري (محمد بن ميمون) : ٢١٣
أبو رجاء عبد
الله بن واقد : ٢٠٩
أبو روح عبد
المعز بن محمد : ٢١٠
أبو زرعة (عبيد
الله بن عبد الكريم) : ١٩٩
أبو الزناد (عبد
الله بن ذكوان) : ١٥٤
أبو العالية (رفيع
بن مهران الرّياحي) : ١٧٨
أبو العباس
السّرّاج (محمد بن إسحاق) : ٢٠٧
أبو عبد
الرحمن المقرىء (عبد الله بن يزيد) : ١٥٨
أبو عبد الله
البخاري (محمد بن إسماعيل) : ٢١٨
|
|
أبو عبد الله
البوشنجي (محمد بن إبراهيم) : ٢٠٧
أبو العلاء
العطار (الحسن بن أحمد) : ١٩٧
أبو علي
الغساني (الحسين بن محمد) : ١٨٨
أبو عمرو
الداني (عثمان بن سعيد) : ١٨٧
أبو محمد بن
قتيبة (عبد الله بن مسلم) : ١٩٥
أبو مسهر (عبد
الأعلى بن مسهر) : ١٦١
أبو المغيرة (عبد
القدوس بن الحجاج) : ١٧٣
أبو موسى
الأشعري (عبد الله بن قيس) : ١٧٧ ، ١٨١
أبو نعيم بن
عدي (عبد الملك بن محمد بن عدي) : ٢٠٣
أبو الوليد
الباجي (سليمان بن خلف) : ١٨٧
أبو اليمان (الحكم
بن نافع) : ١٧٤
إبراهيم بن
سعد : ١٥٥
إبراهيم بن
أبي طالب : ٢٠٧
إبراهيم بن
طهمان : ٢٠٥
إبراهيم بن
موسى : ١٩٨
أحمد بن حفص
الفقيه : ٢١٧
أحمد بن حنبل
: ١٧٢
|
أحمد بن نجدة
: ٢١٠
أحمد بن يوسف
: ٢٠٧
الأزرقي (أحمد
بن محمد) : ١٥٨
إسحاق بن
إبراهيم البحري : ٢٠٣
إسحاق بن
إبراهيم الطلقي : ٢٠٢
إسماعيل بن
توبة : ٢٠١
إسماعيل بن
جعفر : ١٥٥
إسماعيل بن
عياش : ١٧٣
الأسود (ابن
يزيد) : ١٧٥
الأعمش (سليمان
بن مهران) : ١٧٦
أنس بن مالك
: ١٧٨
أيوب (ابن
أبي تميمة السّختياني) : ١٧٩
بريدة بن
الحصيب : ٢١٢
بقي بن مخلد
: ١٨٦
بقية (ابن
الوليد) : ١٧٣
بلال الصحابي
(ابن رباح) : ١٦٠
ثابت البناني
(ابن أسلم) : ١٧٩
جرير بن عبد
الحميد : ١٩٨
جعفر الصادق (ابن
محمد) : ١٥٤
جعفر بن محمد
الفريابي القاضي : ٢٢١
حريز بن
عثمان : ١٧٣
الحسن البصري
(ابن أبي الحسن) : ١٧٨
الحسن بن
صاحب الشاشي : ٢٢٠
الحسين بن
إدريس : ٢١٠
|
|
الحسين بن
واقد : ٢١٢
حفص بن عبد
الله : ٢٠٥
الحكم بن
عتيبة : ١٧٦
حماد (ابن
أبي سليمان) : ١٧٦
حماد بن زيد
: ١٨٠
حماد بن سلمة
: ١٨٠
الحميدي (عبد
الله بن الزبير) : ١٥٩
حنظلة بن أبي
سفيان : ١٥٧
حيوة بن شريح
: ١٦٨
خلف بن أيوب
: ٢١٥
دحيم (عبد
الرحمن بن إبراهيم) : ١٦٢
الذهلي (محمد
بن يحيى) : ٢٠٦
ربيعة الرأي
: ١٥٣
رجل معاصر
لأبي القاسم بن عساكر (محمود بن محمد) : ٢٢٢
الرشيد (هارون)
: ١٥٨
زيد بن أسلم
: ١٥٣
سحنون بن
سعيد : ١٩٠
سعيد بن جبير
: ١٥٧
سعيد بن
منصور : ١٥٩
السّلفي (أبو
طاهر أحمد بن محمد) : ١٧٠
سليمان بن
بلال : ١٥٥
سليمان بن
بنت شرحبيل : ١٦٢
سهل بن زنجلة
: ١٩٩
الشافعي
الإمام (محمد بن إدريس) : ١٦٩
|
شدّاد بن أوس
: ١٥٩
شعبة (ابن
الحجاج) : ١٧٢
الشّعبي (عامر
بن شراحيل) : ١٧٥
شعيب بن أبي
حمزة : ١٧٣
شيرويه بن
شهردار بن شيرويه الديلمي : ١٩٦
صالح بن أحمد
الحافظ : ١٩٦
طاوس بن محمد
جزرة : ٢١٨
طاوس (ابن
كيسان) : ١٨٢
عبادة بن
الصامت : ١٥٩
عبدان بن
عثمان : ٢١٤
عبد الرحمن
بن بشر : ٢٠٦
عبد الرزاق (ابن
نافع الصنعاني) : ١٨٣
عبد الله بن
أبيّ الحافظ : ٢٢٣
عبد الله بن
بريدة : ٢١٢
عبد الله بن
عبد الرحمن الدارمي : ٢١٩
عبد الله بن
المبارك : ٢١٣
عبد الله بن
محمد المسندي : ٢١٨
عبد الله بن
محمد بن وهب : ١٩٥
عبد الله بن
أبي نجيح : ١٥٧
عبد الله بن
هاشم : ٢٠٦
عبد الملك (ابن
مروان) : ١٦١
عبيد الله بن
عمر : ١٥٤
عبيدة (ابن
عمرو السّلماني) : ١٧٥
عطاء بن أبي
رباح : ١٥٦
علقمة (ابن
قيس) : ١٧٥
|
|
علي بن الحسن
بن شقيق : ٢١٣
علي بن أبي
طالب : ١٧٤
علي بن محمد
الطنافسي : ٢٠٠
عمار بن ياسر
: ١٧٤
عمر (ابن
الخطاب) : ١٦٧
عمر بن سهل :
١٩٥
عمر بن محمد
بن بجير : ٢٢٠
عمر بن هارون
: ٢١٤
عمران بن
الحصين : ١٧٧
عمرو بن
الحارث : ١٦٨
عمرو بن رافع
: ٢٠٠
عمرو بن
العاص : ١٦٧
عيسى بن أحمد
العسقلاني : ٢١٦
عيسى بن موسى
غنجار : ٢١٧
الغزالي حجة
الإسلام (محمد بن محمد) : ٢٠٩
الغطريفي (محمد
بن محمد) : ٢٠٤
الفضل بن عبد
الله الهروي : ٢٠٩
الفضل بن
موسى : ٢١٣
الفضيل بن
عياض : ١٥٨
قتادة (ابن
دعامة) : ١٧٩
قتيبة بن سعيد
: ٢١٥
كثير بن شهاب
: ٢٠١
الليث بن سعد
: ١٦٨
مالك الإمام
: ١٥٥
مجاهد (ابن
جبر) : ١٥٦
|
محمد بن أبان
: ٢١٦
محمد بن أسلم
الطوسي : ٢٠٩
محمد بن رافع
: ٢٠٦
محمد بن سعيد
بن سابق القزويني : ٢٠٠
محمد بن سلام
البيكندي : ٢١٨
محمد بن
سيرين : ١٧٨
محمد بن عبد
الرحمن السّامي : ٢١٠
محمد بن عبد
العزيز الدّينوري : ١٩٥
محمد بن علي
أبو بكر القفال الشاشي : ٢٢٠
محمد بن علي
بن طرخان : ٢١٦
محمد بن عيسى
الدّامغاني : ٢٠٣
محمد بن
المنذر : ٢١٠
محمد بن نصر
المروزي : ٢١٩
محمد بن
وضّاح : ١٨٧
محمد بن يوسف
الفريابي : ٢٢١
مروان بن محمد
الطّاطري : ١٦٢
المزي (يوسف
بن عبد الرحمن) : ١٦٦
مسروق (ابن
الأجدع) : ١٧٥
مسلم (ابن
الحجاج) : ٢٠٧
مسلم بن خالد
الزّنجي : ١٥٨
معاذ بن جبل
: ١٨١
|
|
معاوية (ابن
أبي سفيان) : ١٦١
معمر (ابن
راشد) : ١٨٢
المقادسة :
١٦٣
مكي بن
إبراهيم : ٢١٥
منصور (ابن
المعتمر) : ١٧٦
المؤيّد
الطوسي (ابن محمد) : ٢٠٨
نافع الإمام
: ١٥٥
النّخعي (إبراهيم
بن يزيد) : ١٧٦
نور الدين (محمود
بن زنكي) : ١٦٣
هشام (ابن
عمار) : ١٦٢
هشام بن عروة
: ١٧١
هشيم (ابن
بشير) : ١٧٢
همام بن
منبّه : ١٨٢
الهيثم بن
كليب : ٢٢٠
الوليد بن
عبد الملك : ١٨٦
وهب بن منبّه
: ١٨٢
يحيى بن أيوب
: ١٦٨
يحيى بن سعيد
: ١٥٣
يحيى بن عبدك
: ٢٠١
يحيى بن يحيى
(الليثي) : ١٨٦
يحيى بن يحيى
(النيسابوري) : ٢٠٦
يحيى بن يعمر
: ٢١٢
يونس (ابن
عبيد) : ١٧٩
|
***
فهرس الأماكن
والبلدان
أبهر : ٢٢٦
أذربيجان : ٢٣١
أرّان : ٢٣١
إرمينية : ٢٣١
الإسكندرية : ١٧٠
أسوان : ٢٢٩
إشبيلية : ١٨٥ ، ١٨٨
أصبهان : ٢٣٢
إفريقيّة : ١٨٩
الأندلس : ١٨٤
الأهواز : ٢٢٤
البجاه : ٢٢٩
بجاية : ١٩٠
البحرين : ٢٣٠
بخارى : ٢١٧
بسطام : ٢٢٥
البصرة : ١٧٧
بغداد : ١٧١ ، ٢٣٣
|
|
بلخ : ٢١٤
بلغار : ٢٢٧
بلنسية : ١٨٥
بيت المقدس : ١٥٩
تستر : ٢٢٤
التّكرور (إقليم) : ٢٢٨
تلمسان : ١٩١
تهامة اليمن : ١٨١
تونس : ٢٣٤
الجبال : ٢٣٢
جرجان : ٢٠٢
الجزيرة : ١٩٣
جيلان : ٢٣١
الحبشة : ٢٢٩
حرّان : ١٩٤
الحرمين : ١٥٩
حضرموت : ٢٣٠
حماه : ٢٠٩
|
حمص : ١٧٣
خراسان : ٢١١ ، ٢٢٥ ، ٢٣٢
الخطا : ٢٢٧
خوارزم : ٢٢٢
الدّامغان : ٢٢٤
دمشق : ١٦٠ ، ٢٣٣
الدّينور : ١٩٥
الرّقّة : ١٩٤
الرّيّ : ١٩٨ ، ٢٢٦
الزّنج : ٢٢٩
زنجان : ٢٢٦
سبتة : ٢٣٤
سجستان : ٢٢٤
سراي : ٢٢٧
سفح قاسيون : ١٦٥
سمرقند : ٢١٩
سمنان : ٢٢٥
السّند : ٢٢٧
الشّاش : ٢٢٠
شيراز : ٢٢٣
صحراء القفجاق : ٢٢٧
الصّين : ٢٢٦
طوس : ٢٠٩
العراق : ٢٢٦ ، ٢٣٠
غرناطة : ١٨٥ ، ٢٣٤
فارس : ٢٣٠
|
|
فاس : ١٩١
فرياب : ٢٢١
القاهرة : ١٦٩
قرطبة : ١٨٤ ، ١٨٨
قرم : ٢٢٨
قزوين : ٢٠٠ ، ٢٢٦
قهستان : ٢٢٥ ، ٢٢٦
قومس : ٢٢٤ ، ٢٢٦
القيروان : ١٨٩
كرمان : ٢٢٣
الكوفة : ١٧٤
مالقة : ٢٣٤
المدينة المشرفة : ١٥١
مرّاكش : ١٩١
مرو : ٢١١
مصر : ١٦٧ ، ١٧٠ ، ٢٣٣
المغرب (إقليم) : ١٨٩ ، ١٩١
مكة : ١٥٦ ، ٢٣٤
الموصل : ١٩٣
النّوبة : ٢٢٩
نيسابور : ٢٠٥
هراة : ٢٠٩
همذان : ١٩٦
الهند : ٢٢٧
اليمن : ١٨١
|
***
فهرس الكتب ومؤلفيها
تاريخ خوارزم
للإمام مظهر الدين محمود بن محمد بن العباس بن أرسلان الخوارزمي : ٢٢٢
تاريخ همذان
للحافظ شيرويه بن شهردار بن شيرويه الدّيلمي : ١٩٦
تاريخ همذان
للحافظ صالح بن أحمد الهمذاني : ١٩٦
***
فهرس المصادر والمراجع
١ ـ الإحاطة في
أخبار غرناطة للسان الدين بن الخطيب ، تحقيق محمد عنان ، مكتبة الخانجي بالقاهرة ،
الطبعة الأولى ١٣٩٣.
٢ ـ الإرشاد في
معرفة علماء البلاد للخليلي ـ انتخاب السّلفي ـ نسخة أيا صوفيا بتركية.
٣ ـ الإصابة في
تمييز الصحابة لابن حجر ، المكتبة التجارية بالقاهرة ١٣٥٨.
٤ ـ الإعجاز
والإيجاز لأبي منصور الثعالبي ، المطبعة العمومية بمصر ، الطبعة الأولى ١٨٩٧.
٥ ـ الإعلام بمن
حل مرّاكش وأغمات من الأعلام للعباس بن إبراهيم السملالي ، المطبعة الملكية
بالرباط ١٩٧٤.
٦ ـ أعلام
النساء في عالمي العرب والإسلام لعمر رضا كحالة ، المطبعة الهاشمية بدمشق ، الطبعة
الثانية ١٣٧٨.
٧ ـ الإعلان
بالتوبيخ لمن ذمّ أهل التّوريخ للسّخاوي ـ ضمن كتاب علم التاريخ عند المسلمين
لروزنثال مؤسسة الرسالة ببيروت ، الطبعة الثانية ١٤٠٣.
٨ ـ الإكمال في
رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب لابن ماكولا ، تحقيق
عبد الرحمن المعلمي ، دائرة المعارف العثمانية بالهند ، الطبعة الأولى ١٣٨١.
٩ ـ إنباء
الغمر بأبناء العمر لابن حجر ، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بالهند ،
الطبعة الأولى ١٣٨٧.
١٠ ـ الأنساب
للسمعاني ، تحقيق جماعة من أهل العلم ، وقد اعتمدت في الأجزاء العشرة الأولى منه
على نشرة محمد دمج ببيروت بطبعتيها الأولى
والثانية ١٣٩٦
ـ ١٤٠١ ، وفي الأجزاء الثلاثة الأخيرة على نشرة مجلس دائرة المعارف العثمانية
بالهند ، الطبعة الأولى ١٤٠٠.
١١ ـ أهل المئة
فصاعدا للذهبي ، تحقيق بشار عوّاد ـ ضمن مجلة المورد العراقية المجلد الثاني ،
العدد الرابع ، بغداد ١٩٧٣.
١٢ ـ بدائع
الزهور في وقائع الدهور لابن إياس الحنفي المصري ، المطبعة الأميرية بالقاهرة ،
الطبعة الأولى ١٣١١.
١٣ ـ البداية
والنهاية لابن كثير ، مكتبة المعارف ببيروت ، الطبعة الثانية ١٩٧٤.
١٤ ـ بذل
المجهود في خزانة محمود للسيوطي ـ نشرت ضمن مجلة معهد المخطوطات العربية بالقاهرة
مجلد (٤) جزء (١) ص ١٣٤ ـ ١٣٦ ـ مطبعة مصر ١٣٧٧.
١٥ ـ البيان
المغرب في أخبار الأندلس والمغرب لابن عذاري المرّاكشي ، تحقيق كولان ، وبروفنسال
، وإحسان عباس ، دار الثقافة ببيروت.
١٦ ـ تاريخ
الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي لحسن إبراهيم حسن ، مكتبة النهضة
المصرية بالقاهرة ، الطبعة الأولى ١٩٦٧ والطبعة الثامنة ١٩٧٤.
١٧ ـ تاريخ
الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام للذهبي ، مكتبة القدسي بالقاهرة ١٣٦٧.
١٨ ـ التاريخ
الباهر في الدولة الأتابكية بالموصل لعز الدين بن الأثير ، تحقيق عبد القادر
طليمات ، دار الكتب الحديثة بالقاهرة.
١٩ ـ تاريخ
بغداد للخطيب البغدادي ، مطبعة السعادة بالقاهرة ١٣٤٩.
٢٠ ـ تاريخ
التراث العربي لسزكين ، نقله إلى العربية حجازي وأبو الفضل ، الهيئة المصرية
العامة للكتاب ١٩٧٧.
٢١ ـ تاريخ
جرجان للسهمي ، مطبعة المعارف العثمانية بالهند ، الطبعة الأولى ١٣٦٩.
٢٢ ـ تاريخ ابن
خلدون (كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر ، في أيام العرب والعجم والبربر ، ومن
عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر) ، ١٣٩١.
٢٣ ـ تاريخ
الخلفاء للسيوطي ، المطبعة المنيرية بالقاهرة ، الطبعة الأولى ١٣٥١.
٢٤ ـ تاريخ
داريا لعبد الجبار الخولاني ، تحقيق سعيد الأفغاني ، مطبعة الترقي بدمشق ١٣٦٩.
٢٥ ـ تاريخ
العلماء والرواة للعلم بالأندلس لابن الفرضي ، نشرة عزت العطار ١٣٧٣.
٢٦ ـ تاريخ
الموصل لأبي زكريا الأزدي ، تحقيق علي حبيبة ، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
بالقاهرة ١٣٨٧.
٢٧ ـ تبصير
المنتبه بتحرير المشتبه لابن حجر ، تحقيق علي البجاوي ، الدار المصرية للتأليف
والترجمة.
٢٨ ـ تتمة
المختصر في أخبار البشر لابن الوردي ، تحقيق أحمد البدراوي ، دار المعرفة ببيروت
الطبعة الأولى ١٣٨٩.
٢٩ ـ التحبير
في المعجم الكبير للسمعاني ، تحقيق منيرة سالم ، مطبعة الإرشاد ببغداد ١٣٩٥.
٣٠ ـ التحفة
اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة للسخاوي ، نشرة أسعد طرابزوني ١٣٩٩.
٣١ ـ تذكرة
الحفاظ للذهبي ، دار إحياء التراث العربي ببيروت.
٣٢ ـ ترتيب
المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك للقاضي عياض ، تحقيق جماعة من
العلماء ، وزارة الأوقاف المغربية ، الطبعة الأولى ١٣٨٣.
٣٣ ـ تسمية ما
ورد به الخطيب دمشق من الكتب للمالكي ـ ضمن كتاب الحافظ الخطيب البغدادي للطحان ،
دار القرآن الكريم ببيروت ، الطبعة الأولى ١٤٠١.
٣٤ ـ تفسير
الطبري (جامع البيان عن تأويل القرآن) لأبي جعفر الطبري ، تحقيق محمود شاكر ، دار
المعارف بمصر.
٣٥ ـ تفسير القرطبي
(الجامع لأحكام القرآن) لأبي عبد الله القرطبي ، مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة
، الطبعة الثانية ١٣٧٢.
٣٦ ـ تقريب
التهذيب لابن حجر ، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف ، المكتبة العلمية بالمدينة
المنورة ، الطبعة الأولى ١٣٨٠.
٣٧ ـ تقويم
البلدان للملك المؤيّد عماد الدين صاحب حماه ، بعناية رينود والبارون ديسلان ، دار
الطباعة السلطانية بباريس ١٨٤٠.
٣٨ ـ التقييد
في معرفة رواة السنن والمسانيد لابن نقطة ، نسخة المتحف البريطاني.
٣٩ ـ تهذيب
الأسماء واللغات للنووي ، المطبعة المنيرية بالقاهرة.
٤٠ ـ تهذيب
التهذيب لابن حجر ، دار صادر ببيروت.
٤١ ـ الثقات
لابن حبان ، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد ، الطبعة الأولى ١٣٩٣.
٤٢ ـ الجامع
الصحيح (السنن) للترمذي ، تحقيق إبراهيم عوض ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة
، الطبعة الثانية ١٣٩٥.
٤٣ ـ جذوة
المقتبس في ذكر ولاة الأندلس للحميدي ، تصحيح محمد بن تاويت ، مطبعة السعادة بمصر
، الطبعة الأولى ١٣٧٢.
٤٤ ـ الجرح
والتعديل لابن أبي حاتم ، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بالهند ، الطبعة
الأولى ١٣٧١.
٤٥ ـ الجواهر
المضيّة في طبقات الحنفية لعبد القادر القرشي ، دائرة المعارف النظامية بالهند ،
الطبعة الأولى ١٣٣٢.
٤٦ ـ حلية
الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني ، مطبعة السعادة بالقاهرة ١٣٥١.
٤٧ ـ خزائن
الكتب القديمة في العراق لكوركيس عواد ، مطبعة المعارف ببغداد ١٩٤٨.
٤٨ ـ الدارس في
تاريخ المدارس للنعيمي ، تحقيق جعفر الحسني ، مطبعة الترقي بدمشق ١٣٦٧.
٤٩ ـ الدرر
الكامنة في أعيان المئة الثامنة لابن حجر ، تحقيق محمد سيد جاد الحق ، مطبعة
المدني بالقاهرة ، الطبعة الثانية ١٣٨٥.
٥٠ ـ الديباج
المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون ، تحقيق الدكتور محمد أبو النور ،
دار التراث بالقاهرة.
٥١ ـ ديوان
الإمام الشافعي ، جمع محمد الزعبي ، مؤسسة الزعبي ودار الجيل ببيروت ، الطبعة
الثالثة ١٣٩٢.
٥٢ ـ ذكر من
يعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبي ، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة ـ ضمن كتاب أربع
رسائل في علوم الحديث ، دار القرآن الكريم ببيروت ، الطبعة الأولى ١٤٠٠.
٥٣ ـ ذيل طبقات
الحنابلة لابن رجب الحنبلي ، تصحيح الفقي ، مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة ١٣٧٢.
٥٤ ـ الذيل على
الروضتين لأبي شامة ، دار الجيل ببيروت ، الطبعة الثانية ١٩٧٤.
٥٥ ـ الذيل
والتكملة لكتابي الموصول والصلة للمرّاكشي ، تحقيق محمد بن شريفة ، وإحسان عباس ،
دار الثقافة ببيروت ، الطبعة الرابعة ١٩٦٤.
٥٦ ـ الرد
الوافر على من زعم أن من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر ، تحقيق زهير الشاويش ،
المكتب الإسلامي ببيروت ، الطبعة الأولى ١٣٩٣.
٥٧ ـ كتاب
الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية لأبي شامة ، تحقيق محمد حلمي ،
المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر بالقاهرة ١٩٦٢.
٥٨ ـ رونق
الألفاظ بمعجم الحفاظ لسبط ابن حجر ، نسخة الخالدية بالقدس.
٥٩ ـ سنن
الدارمي ، تحقيق السيد عبد الله هاشم ، نشرة حديث أكاديمي بالباكستان ١٤٠٤.
٦٠ ـ سنن أبي
داود ، بعناية عزت الدعاس ، وعادل السيد ، دار الحديث بحمص ، الطبعة الأولى ١٣٨٨.
٦١ ـ السنن
لابن ماجه ، بعناية محمد فؤاد عبد الباقي ، دار إحياء التراث العربي ببيروت ١٣٩٥.
٦٢ ـ سير أعلام
النبلاء للذهبي ، تحقيق جماعة من أهل العلم ، مؤسسة الرسالة ببيروت ، الطبعة
الأولى ١٤٠١.
٦٣ ـ سيرة
السلطان جلال الدين منكبرتي لمحمد بن أحمد النسوي ، تحقيق حافظ حمدي ، مطبعة
الاعتماد بمصر ١٩٥٣.
٦٤ ـ شذرات
الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي ، المكتب التجاري ببيروت.
٦٥ ـ شرح علل
الترمذي لابن رجب الحنبلي ، تحقيق نور الدين عتر ، دار الملاح بدمشق ، الطبعة
الأولى ١٣٩٨.
٦٦ ـ شرف أصحاب
الحديث للخطيب البغدادي ، تحقيق محمد أوغلي ، دار إحياء السنة النبوية ١٩٧١.
٦٧ ـ صبح
الأعشى في صناعة الإنشا للقلقشندي ، مطابع كوستاتسوماس بالقاهرة.
٦٨ ـ صحيح
البخاري ، نشر المكتبة الإسلامية باستنبول ١٩٧٩.
٦٩ ـ صحيح مسلم
، بعناية محمد فؤاد عبد الباقي ، دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة ، الطبعة
الأولى ١٣٧٤.
٧٠ ـ الصلة في
تاريخ أئمة الأندلس وعلمائهم ومحدثيهم وفقهائهم وأدبائهم لابن بشكوال ، نشرة عزت
العطار بالقاهرة ١٣٧٤.
٧١ ـ الضوء
اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي ، دار مكتبة الحياة ببيروت.
٧٢ ـ طبقات
الحفاظ للسيوطي ، تحقيق علي عمر ، مكتبة وهبة بالقاهرة ، الطبعة الأولى ١٣٩٣.
٧٣ ـ طبقات
الشافعية لابن قاضي شهبة ، تحقيق عبد العليم خان ، مطبعة المعارف العثمانية بالهند
، الطبعة الأولى ١٣٩٨.
٧٤ ـ طبقات
الشافعية الكبرى للسبكي ، تحقيق الطناحي وحلو ، مطبعة البابي الحلبي بالقاهرة ،
الطبعة الأولى ١٣٨٣.
٧٥ ـ العبر في
خبر من غبر للذهبي ، تحقيق صلاح الدين المنجد وفؤاد السيد ، الكويت ١٩٦٠.
٧٦ ـ علماء
النّظاميات ومدارس المشرق الإسلامي لناجي معروف ، مطبعة الإرشاد ببغداد ، الطبعة
الأولى ١٣٩٣.
٧٧ ـ علوم
الحديث لابن الصلاح ، تحقيق نور الدين عتر ، المكتبة العلمية بالمدينة المنورة
١٣٨٦.
٧٨ ـ غاية
النهاية في طبقات القراء لابن الجزري ، بعناية برجسترار ، مكتبة المثنى ببغداد.
٧٩ ـ فتح
الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر ، المطبعة السلفية بالقاهرة ١٣٨٠.
٨٠ ـ فتح
الشكور في معرفة أعيان علماء التّكرور لأبي عبد الله الطالب محمد بن أبي بكر
البرتلي ، تحقيق محمد الكتاني ، ومحمد حجي ، دار الغرب الإسلامي ببيروت ، الطبعة
الأولى ١٤٠١.
٨١ ـ فتح
المغيث شرح ألفية الحديث للسخاوي ، تحقيق عبد الرحمن عثمان ، المكتبة السلفية
بالمدينة المنورة ، الطبعة الثانية ١٣٨٨.
٨٢ ـ فهرس
الفهارس ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات لعبد الحي الكتاني ، تحقيق إحسان عباس
، دار الغرب ببيروت ، الطبعة الثانية ١٤٠٢.
٨٣ ـ الفهرست
لابن خير الإشبيلي ، تحقيق فرنسشكة وخليان ، الطبعة الثانية ١٣٨٢.
٨٤ ـ الفهرست
لابن النديم ، مكتبة خياط ببيروت.
٨٥ ـ فوات
الوفيات للكتبي ، تحقيق إحسان عباس ، دار صادر ببيروت.
٨٦ ـ القلائد
الجوهرية في تاريخ الصالحية ، لابن طولون ، تحقيق محمد دهمان ١٣٦٨.
٨٧ ـ الكاشف في
معرفة من له رواية في الكتب الستة للذهبي ، تحقيق عزت عطية ، وموسى الموشى ، دار
الكتب الحديثة بالقاهرة ، الطبعة الأولى ١٣٩٢.
٨٨ ـ الكامل في
التاريخ لعز الدين بن الأثير ، دار صادر ودار بيروت ١٣٨٥.
٨٩ ـ كشف
الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة ، مكتبة المثنى ببغداد.
٩٠ ـ اللباب في
تهذيب الأنساب لعز الدين بن الأثير ، دار صادر ببيروت ١٤٠٠.
٩١ ـ لسان
الميزان لابن حجر ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ببيروت ، الطبعة الثانية ١٩٧١.
٩٢ ـ مجموع
فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم وابنه.
٩٣ ـ المحدث
الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي ، تحقيق محمد عجاج الخطيب ، دار الفكر
ببيروت الطبعة الأولى ١٣٩١.
٩٤ ـ المختصر
في أخبار البشر للملك المؤيّد أبي الفداء ، المطبعة الحسينية المصرية ، الطبعة
الأولى.
٩٥ ـ مراصد
الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع لصفي الدين البغدادي ، تحقيق علي البجاوي ، دار
المعرفة ببيروت ، الطبعة الأولى ١٣٧٣.
٩٦ ـ المستدرك
على تاريخ جرجان للسهمي ـ طبع مع تاريخ جرجان للسهمي.
٩٧ ـ مسند
الإمام أحمد ، المكتب الإسلامي ببيروت ، الطبعة الثانية ١٣٩٨.
٩٨ ـ المشتبه
للذهبي ، تحقيق علي البجاوي ، دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه
، الطبعة الأولى ١٩٦٢.
٩٩ ـ المشترك
وضعا والمفترق صقعا لياقوت الحموي ، مكتبة المثنى ببغداد.
١٠٠ ـ معجم
الأدباء (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب) لياقوت الحموي ، بعناية أحمد الرفاعي ،
مكتبة البابي الحلبي بالقاهرة ، الطبعة الأخيرة.
١٠١ ـ معجم
البلدان لياقوت الحموي ، دار صادر ببيروت ١٣٩٩.
١٠٢ ـ معجم
الشيوخ لعمر بن فهد ، تحقيق الزاهي ، دار اليمامة بالرياض.
١٠٣ ـ المعجم
الكبير للذهبي ، نسخة دار الكتب المصرية.
١٠٤ ـ معجم
المؤلفين لعمر كحالة ، مطبعة الترقي بدمشق ١٣٧٦.
١٠٥ ـ المعجم
المختص للذهبي ، نسخة الناصرية بلكنو في الهند.
١٠٦ ـ المعجم
المفهرس لابن حجر ، نسخة دار الكتب المصرية.
١٠٧ ـ معرفة
علوم الحديث لأبي عبد الله الحاكم ، تحقيق السيد معظم حسين ، المكتبة العلمية
بالمدينة المنورة ، الطبعة الثانية ١٣٩٧.
١٠٨ ـ معرفة
القراء الكبار على الطبقات والأعصار للذهبي ، تحقيق محمد سيد جاد الحق.
١٠٩ ـ المغني
عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار للعراقي ـ طبع بذيل
إحياء علوم الدين للغزالي ، دار الندوة الجديدة ببيروت.
١١٠ ـ مقدمة
الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بالهند ،
الطبعة الأولى.
١١١ ـ المنتظم
في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي ، دائرة المعارف العثمانية بالهند ، الطبعة
الأولى ١٣٥٧.
١١٢ ـ المنهل
الصافي والمستوفى بعد الوافي ، نسخة عارف حكمت.
١١٣ ـ المواعظ
والاعتبار بذكر الخطط والآثار (الخطط) للمقريزي ، دار صادر ببيروت.
١١٤ ـ ميزان
الاعتدال في نقد الرجال للذهبي ، تحقيق علي البجاوي ، دار المعرفة ببيروت ، الطبعة
الأولى ١٣٨٢.
١١٥ ـ النجوم
الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي ، مطابع كوستاتسوماس بالقاهرة.
١١٦ ـ نزهة
النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لابن حجر ، المكتبة العلمية بالمدينة
المنورة.
١١٧ ـ نكت
الهميان في نكت العميان لصلاح الدين الصفدي ، تحقيق أحمد زكي ، المطبعة الجمالية
بالقاهرة ١٣٢٩.
١١٨ ـ النوادر
السلطانية والمحاسن اليوسفية لابن شداد ، تحقيق جمال الدين الشيال ، مكتبة الخانجي
بالقاهرة ، الطبعة الأولى ١٩٦٢.
١١٩ ـ هدية
العارفين للبغدادي ، بيروت.
١٢٠ ـ الوافي
بالوفيات للصفدي ، تحقيق جماعة من أهل العلم ، وطبع في عدة أماكن ١٣٨١.
١٢١ ـ وفيات
الأعيان وأنباء أبناء الزمان لابن خلّكان ، تحقيق إحسان عباس ، دار الثقافة
ببيروت.
فهرس الموضوعات
الافتتاحية....................................................................... ٥
المقدمة : النهضة العلمية في ظل الدولة الإسلامية ومواطن ضعفها................ ٧ ـ ١٢٠
ـ المدخل التاريخي :............................................................. ٧
دول المشرق.............................................................. ١١
دول الشام ومصر......................................................... ١٦
دول المغرب والأندلس...................................................... ٢٦
ذكر خبر التتار........................................................... ٢٩
ـ أسباب قوة الحركة
العلمية وضعفها في بلاد الإسلام :............................ ٤٧
١ ـ أسباب قوة الحركة
العلمية في بلاد الإسلام :................................. ٤٨
السبب الأول : دعوة القرآن الكريم ، والسنة المشرفة إلى التعلم
، وحثهما الناس على طلب العلم ، وبيانهما لفضيلته ، وإشادتهما بأهله........................................................................ ٤٨
السبب الثاني : العمل بالعلم................................................ ٤٩
السبب الثالث : ترغيب الشارع في تبليغ العلم ، وترهيبه من كتمه............... ٤٩
السبب الرابع : بناء الأمصار والمدن.......................................... ٥٢
السبب الخامس : سكن الخلفاء والملوك والسلاطين في المدن
والأمصار............ ٥٣
السبب السادس : فشو العلم في الحكام ، واهتمامهم به ، وتشجيعهم
للعلماء ، وإنشاؤهم للمراكز العلمية كالمدارس والمكتبات ٥٣
١ ـ فشو العلم في
الحكام وعنايتهم به........................................... ٥٤
٢ ـ تشجيع الحكام
للعلماء.................................................... ٧١
٣ ـ إنشاء الحكام
للمراكز العلمية كالمدارس والمكتبات............................. ٧٤
٢ ـ أسباب ضعف الحركة
العلمية في ديار الإسلام :............................. ١٠٥
السبب الأول : جلب علوم الأوائل الفاسدة إلى ديار المسلمين ،
وانصراف كثير من العلماء إليها ١٠٥
السبب الثاني : نكبة المسلمين في أنفسهم ، وبلادهم ، ومراكزهم
العلمية من أعدائهم الكفرة ، والمنتسبين للإسلام ، ونكبتهم في ذلك أيضا عند تغير
دولهم ، ونكبتهم أيضا عند حلول قوارع الزمن.................. ١٠٦
المدخل : ويشتمل على
عدة موضوعات هي :............................. ١٢١
ـ ١٤٧
١ ـ ترجمة موجزة
للحافظ الذهبي.............................................. ١٢٣
٢ ـ الأصول المعتمدة
في تحقيق هذه الرسالة..................................... ١٢٦
٣ ـ موضوع هذه الرسالة
ومحتواها............................................. ١٢٨
٤ ـ كلمة بين الأمصار
ذوات الآثار للذهبي ، والإرشاد في علماء البلاد للخليلي..... ١٣٠
٥ ـ طبعة سقيمة لرسالة
الذهبي هذه.......................................... ١٣٣
٦ ـ عملي في الرسالة........................................................ ١٣٩
٧ ـ صورة عن النسخة
المحمودية ، ونسخة مكتبة الحرم المدني الشريف....... ١٤١
ـ ١٤٧
النص المحقق : الأمصار
ذوات الآثار :.................................... ١٥١
ـ ٢٣٦
المدينة المشرفة.............................................................. ١٥١
مكة...................................................................... ١٥٦
بيت المقدس............................................................... ١٥٩
دمشق.................................................................... ١٦٠
مصر..................................................................... ١٦٧
الإسكندرية................................................................ ١٧٠
بغداد..................................................................... ١٧١
حمص.................................................................... ١٧٣
الكوفة.................................................................... ١٧٤
البصرة.................................................................... ١٧٧
اليمن..................................................................... ١٨١
الأندلس.................................................................. ١٨٤
إقليم المغرب............................................................... ١٨٩
الجزيرة.................................................................... ١٩٣
الدّينور.................................................................... ١٩٥
همذان.................................................................... ١٩٦
الرّيّ...................................................................... ١٩٨
قزوين..................................................................... ٢٠٠
جرجان................................................................... ٢٠٢
نيسابور................................................................... ٢٠٥
طوس..................................................................... ٢٠٩
هراة...................................................................... ٢٠٩
مرو...................................................................... ٢١١
بلخ...................................................................... ٢١٤
بخارى.................................................................... ٢١٧
سمرقند.................................................................... ٢١٩
الشّاش.................................................................... ٢٢٠
فريابپ................................................................... ٢٢١
خوارزم.................................................................... ٢٢٢
شيراز..................................................................... ٢٢٣
كرمان.................................................................... ٢٢٣
سجستان................................................................. ٢٢٤
الأهواز................................................................... ٢٢٤
تستر..................................................................... ٢٢٤
قومس.................................................................... ٢٢٤
قهستان................................................................... ٢٢٥
الأقاليم التي لا حديث
بها................................................... ٢٢٦
الأقاليم والمدن
الكبار التي كاد يذهب منها علم الأثر بعد أن كان موجودا فيها..... ٢٣٠
المدن والبلدان التي
بقي فيها علم الأثر في عهد الذهبي........................... ٢٣٣
العلوم الشرعية الأخرى
المنتشرة في البلاد....................................... ٢٣٥
فهرس الأعلام................................................................ ٢٣٩
فهرس الأماكن والبلدان........................................................ ٢٤٥
فهرس الكتب ومؤلفيها........................................................ ٢٤٧
فهرس المصادر والمراجع......................................................... ٢٤٩
***
|