الإهداء

* إلى الذين صنعوا من دمائهم مدادا نكتب به تاريخ القدس والخليل.

* إلى الذين رسموا لنا خارطة القدس عربية إسلامية.

* إلى عمر بن الخطاب ، وصلاح الدين الأيوبي ، وعز الدين القسام ..

* إلى جيل وعد الاخرة الذي ينتظر ساعة الانطلاق لأسوار القدس ..

* إلى روح والدي الذي علمني عشق القدس وحب الخليل ..

* إلى والدتي وأخواتي ، وأخواني وزوجتي وأبنائي الذين قاسموني متاعب هذا الجهد

عرفان أبو تبانة


بسم الله الرحمن الرحيم


شكر وتقدير

يسعدني أن أتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان إلى أستاذي الفاضل الدكتور محمود عطا الله على عطائه الكبير وجهده العظيم في إنجاز هذا العمل ، لقد كان لمتابعته وحسن توجيهاته ، ودقة ملاحظاته الأثر الأكبر في إتمام هذه الرسالة ، حيث لم يبخل عليّ بوقت أو جهد ، وكان دوما مثالا للمربي الفاضل في حسن المتابعة والحث على الإنجاز.

كما أتقدم بالشكر إلى العاملين في مركز التوثيق والمخطوطات والنشر والقائمين عليه الذين لم يبخلوا عليّ بالدعم والتشجيع المتواصل لإتمام هذه الرسالة.

كما أشكر الأستاذ فهمي الأنصاري الذي قدم لي المخطوطات التي لولاها لما قدّر لهذه الرسالة أن تخرج للنور.

وأتقدم بالشكر إلى موظفي مكتبات جامعة الخليل ، وجامعة النجاح ، ومكتبة بلدية الخليل والذين قدموا لي العطاء المتواصل ، وإلى مؤسسات الخليل الصامدة ، وأخص بالذكر الجمعية الخيرية الإسلامية ، وجمعية الإحسان الخيرية ، ومنتدى الخليل الثقافي لدعمهم هذه الرسالة.

أما الزميل والصديق الأستاذ محمود كعابنة فله مني شكر خاص لما بذله من جهد متواصل وما تكبده من عناء السفر لأكثر من مرة مساهمة منه في إخراج هذا الكتاب.

كما أشكر الأخ الدكتور عزيز الدويك على ما بذله من جهد ودعم وتشجيع ، وأشكر الأديب والشاعر الفلسطيني الأستاذ أحمد بصيلة الذي دقق الجانب اللغوي. وأشكر الأخوة الأعزاء جهاد القواسمي ، وجمال التميمي والأخوات لا نا بدر وصفاء مجاهد ، وعزيزة غنيمات ، وغادة الناجي الذين أسهموا في طباعة وتنسيق هذا العمل.



تقديم

يتطلب التحقيق جهدا متميزا لكي يصل العمل المنوي تحقيقه إلى شكل مرض. وترجع فكرة تحقيق الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل إلى بداية التسعينات ، عندما طرحتها على اثنين من تلامذتي هما : عدنان أبو تبانة ومحمود كعابنة ، فلقيت الفكرة قبولا عندهما ، وهكذا أتيح لهما أن يصبحا أول محققين للأنس الجليل.

وكما هو معروف فقد طبع الكتاب أكثر من مرة وبأكثر من صورة إلى أن نجح المحققان في الوصول بالأنس الجليل إلى المستوى الذي نراه اليوم.

ومما هو جدير بالملاحظة أن بعض المحققين العرب نهجوا في تحقيقاتهم منهجا يركز على شرح النص بشكل مفرط أو خلط الهوامش بعضها ببعض وعدم فحص مصادر النقول التي يرجع إليها المؤلفون.

لذا جاء هذا العمل محاولة لإعادة النظر في موضوع التحقيق العربي بشكل عام ، ورسم الخطوط الرئيسة لعملية التحقيق التي ينبغي على الذين ينخرطون في هذا الميدن الاسترشاد بها والسير على نهجها ، آملا في الوصول إلى ترسيخ مدرسة عربية واضحة المعالم والأصول في علم التحقيق.

ويدل هذا العمل على سعة الصبر والأناة التي اتسم بها كل من محقّقي الكتاب ، فعلى الرغم من طول النص الذي كلف به كل منهما من جهة ، وتعدد نسخ المخطوط من جهة أخرى ، إلا أنهما نجحا في تحقيقه وفق المنهج العلمي المتبع في علم التحقيق ، فقد نجحا في ضبط النص ومقارنته بنسخه المختلفة ، وميزا بين هامش المقارنات للنسخ المختلفة وهامش التحقيق ، وخرّجا بشكل نسبي مصادر النقول والوصول به إلى أقرب شكل رسمه مجير الدين العليمي.

وتأتي أهمية هذا العمل في كونه محاولة جدية تسمو إلى تحقيق كتب التاريخ المحلي الفلسطيني ، مما يسهم في توفير المادة العلمية الصحيحة عن تاريخ هذه المنطقة.

وما كان هذا النجاح في هذا العمل العلمي المميز لو لا أن المحقّقين أحبا


عملهما ووصلا به إلى بر الأمان ، وتمكنا بذلك أن يقدما الأنس الجليل في صورة علمية سليمة ومنهجية تيسر سهولة الاطلاع والمتابعة.

ويكفيني في هذا المقام أن أقدم هذا العمل الجاد للقارىء آملا أن يجد في نهجه وأسلوبه ما يدعو إلى السير على هداه في ميدان التحقيق ، لتقديم صورة أفضل لتراثنا ، راجيا للباحثين دوام التوفيق والنجاح.

(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)

جامعة النجاح الوطنية

رئيس قسم التاريخ

رئيس قسم الدراسات العليا د

. محمود علي عطا الل

ه ٢٢ / ٥ / ١٩٩٩


مقدّمة

مدينة القدس التي تعاقب على زيارتها وسكناها الأنبياء والرسل ، والصحابة والتابعون ، وقادة الشعوب والأمم ، ومهوى أفئدة الملايين من شعوب الأرض ، كانت لا بد أن تحظى بكل هذا الاهتمام. كيف لا والقدس هي بؤرة الصراع الدولي منذ أقدم العصور؟ أليست القدس لب الصراع العقدي بين أتباع الأديان الثلاثة؟! أليست القدس أرض الرباط ، والقبلة الأولى وأرض الإسراء والمعراج؟!.

أليست القدس في إنسانها ، وأقصاها ، وأرضها ، وسمائها ، وكل ذرة من ترابها مصدر إلهام للعرب والمسلمين يتعلمون منها الصمود رغم حملات الاقتلاع والتهويد؟!.

ولأن القدس تبقى والغزاة يرحلون .. كان واجبا على أهل القدس خاصة ، وفلسطين عامة المحافظة على تراثها وكتابة تاريخها ، وأن يحفروا صورة الأقصى في وجدان كل طفل عربي مسلم ، وأن يعلموا أبناءهم حب القدس والخليل كما يعلمونهم السورة من القرآن.

ومن هنا جاء الاهتمام بهذا الكتاب العظيم ، والسفر الجليل «الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل» في وقت تكالبت فيه قوى الشر لا بتلاع القدس والخليل.

وهذا الكتاب يؤرخ للمدينتين المقدستين بشكل خاص ، ولفلسطين في فتراتها المتعاقبة بشكل عام.

وقد واجهت منذ بداية عملي في هذه الدراسة صعوبات جمة ، أولاها الانقطاع المتواصل عن الكتب والمكتبات نتيجة الاعتقالات المتكررة في سجون الاحتلال ، والتي كان آخرها الاعتقال الأخير ، حيث قبعت في السجن قريبا من السنتين ، قضيتها متنقلا بين سجون عسقلان ، ومجدو ، والدامون.

أما الصعوبة الثانية فقد واجهتها في جمع هذه المخطوطات حيث إنها موجودة في مكتبات العالم المختلفة ، والتي لا أستطيع الوصول إليها بسبب منعي من السفر منذ مدة طويلة وقد ذلل هذه الصعوبة أخوان فاضلان ، هما : الأخ فهمي الأنصاري


من القدس والأخ الزميل محمود كعابنة ، حيث قام الأول مشكورا بتصوير ما لديه من مخطوطات وتزويدي بها ، وقام الثاني بأعباء السفر لأكثر من مرة لتوفير المخطوطات المطلوبة من الجامعة الأردنية.

أما الصعوبة الثالثة فهي مشكلة الطباعة ، حيث إن هذا النمط من الرسائل غير معتاد عليه خاصة وجود الهوامش والرموز.

ورغم هذه الصعاب فقد قسمت هذا العمل إلى قسمين رئيسين ، تناولت في الأول منهما الحديث عن عصر مجير الدين العليمي ، فركزت على حياته التي تناولت التعريف باسمه ونسبه ولقبه وكنيته ، وولادته ونشأته ، وشيوخه ورحلاته ، ووظائفه ، ووفاته.

وفيما يخص الحياة العلمية في عصر المؤلف فقد بينت أشهر المدارس في الشام ، ونماذج من المدارس في بيت المقدس ، وأشهر المؤرخين في عصر المؤلف.

أما الجزء الأخير من هذا القسم والذي خصصته للتعريف بالكتاب فتناولت فيه عدة أمور شملت : موضوع الكتاب ومصادر المؤلف ونسخ المخطوط.

والقسم الثاني من هذا العمل تم تخصيصه لتحقيق النص.

إن التأريخ للقدس بحاجة إلى عمل موسوعي متخصص يقوم به المؤرخون الفلسطينيون والعرب ، لأن القدس ليست ملكا لأهلها وإنما ملك لأجيال المسلمين المتعاقبة ، وأمة لا تعرف ماضيها ، لن تعرف النهوض في حاضرها.

ولأن الطريق إلى القدس يبدأ من وعي التاريخ ، ووعي الحضارة ، فقد كانت هذه الدراسة ، وهي تحقيق كتاب الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ، أقل ما نقدمه خدمة لقضية المسلمين الأولى القدس.


مجير الدين العليمي (١)(٢)

أولا ـ حياته :

[١ : ١] اسمه ونسبه ولقبه وكنيته :

هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن عيسى بن عبد الواحد بن عبد الرحيم بن محمد بن عبد المجير بن عبد السلام بن إبراهيم بن أبي الفياض بن علي بن عليل بن محمد بن يوسف بن يعقوب بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي ، القرشي.

ويقال له العمري (٣) نسبة إلى عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، وقد حملها عن والده مع ما حمل عنه في انتسابه.

ونسبة العليمي ارتبطت بمجير الدين عن طريق أحد أجداده يدعى عليل (٤) ، واشتهر مجير الدين الحنبلي بنسبته إلى المذهب الحنبلي ، ورغم أن أجداده كانوا شافعية ، إلا أن والده عكف على دراسة المذهب الحنبلي حتى صار حنبليا مخالفا بذلك سائر أجداده (٥).

واشتهر عبد الرحمن بلقب مجير الدين (٦) الحنبلي ، ونسب أحيانا إلى هذا

__________________

(١) قسم هذا البحث بيني وبين الزميل محمود كعابنة الذي حقق الجزء الثاني من المخطوط وقد تحدث عن عصر العليمي من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وكذلك أسلوب العليمي ومؤلفاته.

(٢) ينظر ترجمته في : ابن العماد ٧ / ٣١٦ ؛ حاجي خليفة ١ / ١٩١ ، ٥ / ٤٤١ ؛ الشطي ٧٤ ؛ العامري ٢١٢ ـ ٢١٤ ؛ الزركلي ٣ / ٣٣١ ؛ سركيس ١ : ١ / ٣٥٨ ؛ الأنصاري ، ماميلا ٩٧ ؛ الأنصاري ، مؤرخ ٩ ـ ١٠ ؛ العسلي ، فضائل ١٠٥ ؛ أبو حمد ٣٦٧ ، الحسيني ٢.

(٣) ينظر : ابن الأثير ، اللباب ٢ / ٣٥٩ ، الأنصاري ، مؤرخ ١١.

(٤) ينظر : العليمي ١٠٠ ، الأنصاري ، مؤرخ ١٣ ـ ١٤.

(٥) ينظر : العليمي ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، ابن العماد ٧ / ٣١٦ ؛ الشطي ٦٧ ؛ أبو حمد ٣٦٧.

(٦) ينظر : البغدادي ، هداية ٥ / ٤٤١ ؛ النابلسي ٣١٥ ؛ الشطي ٧٣ ؛ كحالة ٥ / ٥٤٤ ، الأنصاري ، مؤرخ ٢٤.


اللقب ، ودعي المجيري (١) مجير الدين ، ومصدر هذه النسبة مجهول ولا ندري إن كان هذا اللقب متداولا في زمانه أم أنه جاء بعد وفاته ، كما لقب أيضا بالزين بن الشمس (٢).

[١ : ٢] ولادته ونشأته :

ولد العليمي بالقدس في الثالث عشر من ذي القعدة سنة (٨٦٠ ه‍ / ١٤٥٦ م) ، وقد أشار بنفسه إلى تاريخ ولادته فقال : «فإن مولدي بالقدس الشريف في ليلة يسفر صباحها عن يوم الأحد ثالث عشري ذي القعدة ، سنة ستين وثمانمائة» (٣)

ونشأ في بيت عرف عنه حب العلم والعلماء ، فقد كان أبوه أحد العلماء الأفذاذ في زمنه ، حافظا للقرآن الكريم ، تدرج في تحصيل العلم وارتحل في سبيله إلى الشام ومصر وبيت المقدس ، فأخذ الفقه الحنبلي عن علمائه والحديث عن أئمته ، وتمكن من علوم اللغة مما أهّله ليكون فقيها ومحدثا وخطيبا وقاضيا إلى أن انتهى به الأمر أن يصبح قاضيا للقضاة الحنابلة (٤).

ويقول العليمي عن أبيه : «كان خيرا متواضعا ، حسن الشكل ، متبعا للسنة ، كثير التعظيم للأئمة الأربعة ، ليس عنده تعصب ، وكان سخيا مع قلة ماله ، مكرما لمن يرد عليه ، لا يحب الكبر ولا الخيلاء ، ويدخل إلى المسجد الأقصى الشريف في أوقات الصلاة بمفرده مع ما كان عليه من الهيبة والوقار ، وله معرفة تامة بالمصطلح في الأحكام وكتابة المستندات ، وباشر القضاء بالأعمال المذكورة نحو أربعين سنة ، وكانت أحكامه مرضية وأموره مسددة» (٥).

وفي رحاب المسجد الأقصى ، وفي مدارس بيت المقدس العامرة بالعلماء والتلاميذ نشأ مجير الدين منذ نعومة أظفاره على حب العلم والعلماء ، وأخذ والده يستجيز (٦) له وهو في السادسة من عمره (٧) ، كما اهتم والده بتحفيظه

__________________

(١) ينظر : الأنصاري ، مؤرخ ٢٤ ، نقلا عن سجل ٣ / ٩٤.

(٢) ينظر : العامري ٢١٢ ؛ الحسيني ٢.

(٣) ينظر : العليمي ٢٦٩.

(٤) ينظر : العليمي ٣٥٨ ـ ٣٦٢ ؛ ابن العماد ٧ / ٣١٦ ـ ٣١٧ ؛ العامري ٢١٢ ؛ الشطي ٦٦ ـ ٦٧ ؛ الزركلي ٢ / ٥٩٨ ؛ كحالة ١٠ / ١٩٣ ، أبو حمد ٣٦٧.

(٥) ينظر : العليمي ٣٥٥.

(٦) الإجازة : إذن يعطى لطالب العلم من شيخه ؛ أو من عالم عرض عليه ما حفظه من علم من العلوم ، ينظر : القلقشندي ، صبح ١٤ / ٣٢٢ ـ ٣٣٥.

(٧) العليمي ٢٦٩.


القرآن الكريم برواية عاصم (١).

حتى إذا ما بلغ العاشرة (٢) من عمره ، أتم حفظ القرآن ، وأخذ بتلك الإجازة ، واستمر عالمنا في طلب العلم والاجتهاد ، ويعود الفضل في ذلك إلى أصدقاء والده من العلماء والقراء والمحدثين الذين أولوا عبد الرحمن عنايتهم الفائقة ، فحصل على إجازة في الحديث وله من العمر أحد عشر عاما (٣) ، وفي سن الثانية عشرة ، نراه يحضر ختم «صحيح البخاري» في الصخرة الشريفة ، ويأخذ إجازة أخرى بذلك (٤).

واصل عبد الرحمن في الارتقاء فبعد إجازته في العربية والقرآن الكريم والحديث انتقل إلى الفقه ليأخذ أكثر من إجازة ، وهو في الثالثة عشرة (٥).

ورغم وفاة والده سنة (٨٧٣ ه‍ / ١٤٦٨ م) إلا أن عناية الله ، ثم عناية أصدقاء والده به ، جعلت العليمي يستمر في طريقه.

[١ : ٣] شيوخه :

إن عالما حافظا كالعليمي ، رحمه الله ، اشتغل في طلب العلم قبل الخامسة من عمره ، وأكثر من الرحلات في طلبه قاصدا خيرة شيوخ عصره متلقيا عنهم سماعا وقراءة حتى كون شخصية متعددة الجوانب ، ضاربة جذورها في كل فن وعلم كالتفسير ، والحديث ، واللغة ، والتاريخ ، لا بد أن يكثر شيوخه تبعا لتلك الروافد كي ينهل من بحار علمهم خاصة أن الفترة المملوكية المتأخرة كانت تزخر بالعلماء في مجالات العلوم المختلفة.

أما أشهر شيوخ العليمي فهم :

١ ـ الشيخ تقي الدين عبد الله بن إسماعيل القرقشندي (٦) :

هو شيخ الإسلام تقي الدين أبو بكر عبد الله بن شيخ الإسلام أبي عبد الله محمد بن الشيخ العلامة تقي الدين إسماعيل القرقشندي ، ولد بالقدس سنة (٧٨٣ ه‍ / ١٣٨١ م) ، اشتغل في صغره على والده وغيره ، كما أخذ العربية

__________________

(١) هي قراءة عاصم بن أبي النجود ، وهي إحدى قراءات أهل الكوفة ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٢٩٥ ؛ ابن النديم ٤٧ ؛ البستاني ٧ / ١٦٩٥.

(٢) ينظر : العليمي ٣٢٩ ؛ العامري ٢١٣.

(٣) ينظر : العليمي ٣٢٠.

(٤) المصدر نفسه ٣٧٢.

(٥) المصدر نفسه ١٦٧.

(٦) ينظر العليمي ٢٦٨ ـ ٢٧٠ ؛ السخاوي ، الضوء ١١ / ٦٩ ـ ٧١ ؛ ابن العماد ٧ / ٣٠٦ ، الأنصاري ، تراجم ٩٧ ـ ١٠٠.


والفرائض والحساب على عدد من الشيوخ والعلماء ، وكان من أهل العلم والبراعة والمنطق ، متقنا عالما بالحديث وعلم القرآن والنحو والمنطق.

وحج مرارا وزار القاهرة أكثر من مرة ، وقد وصفه السخاوي بأنه : «كان خيرا ثقة متقنا متحريا متواضعا ، تام العقل ، حسن التفكير ، جيد الخط ، وافر المحاسن ، غزير المروءة ، مكرما للغرباء والوافدين» (١).

كان الشيخ تقي الدين أول شيخ يتتلمذ العليمي على يديه ، وقد عرض عليه ملحة الأعراب (٢) وأجازه بها ، كما عرض عليه ما يجوز روايته من الحديث الشريف (٣).

توفي الشيخ تقي الدين يوم الخميس ثاني عشر جمادى الآخرة سنة (٨٦٧ ه‍ / ١٤٦٢ م) ، ودفن في تربة ماملا ببيت المقدس (٤).

٢ ـ شهاب الدين أحمد بن زين الدين عمر بن خليل العميري الشافعي ويعرف بالعميري (٥) :

ولد سنة (٨٣٢ ه‍ / ١٤٢٨ م) ببيت المقدس ، حفظ القرآن الكريم ، ودرس النحو والحديث والأصول والتصوف من أهل بلده والواردين عليها ، وأخذ في القاهرة ، التفسير وغيره من شيوخها ، عينه الأشرف قايتباي في مشيخة المدرسة الأشرفية بالقدس (٦).

وقد تأثر به العليمي منذ نعومة أظفاره ، وأخذ عنه علوم الفقه ، كما كان متابعا لدروسه ووعظه في المسجد الأقصى ، وحصل منه على أكثر من إجازة (٧).

وقد توفي سنة (٨٩٠ ه‍ / ١٤٨٤ م) ، ودفن في تربة ماملا ببيت المقدس ، وكان خيرا فاضلا متوددا متأدبا (٨).

__________________

(١) ينظر : السخاوي ، الضوء ١١ / ٧٠.

(٢) يعني ملحة الإعراب وهي منظومة في النحو ألفها أبو محمد ، القاسم بن علي بن محمد الحريري صاحب المقامات المشهورة (ت ٥١٦ ه‍ / ١١٢٢ م) ، ينظر : البغدادي ، هدية ٥ / ٦٥٩ ؛ كحالة ٨ / ١٠٨.

(٣) ينظر : العليمي ٢٦٩.

(٤) ينظر : العليمي ٢٦٩ ؛ السخاوي ، الضوء ١١ / ٧٠ ؛ ابن العماد ٧ / ٣٠٦ ؛ الدباغ ٩ / ٣٧٧.

(٥) ينظر : العليمي ٢٨٥ ـ ٢٨٦ ؛ السخاوي ، الضوء ٢ / ٢٠٣ ؛ الدباغ ٩ / ٣٩١.

(٦) ينظر : العليمي ٢٨٦.

(٧) ينظر : المصدر نفسه.

(٨) ينظر : المصدر نفسه ؛ السخاوي ، الضوء ٢ / ٥٣.


٣ ـ علاء الدين علي بن عبد الله بن محمد الغزي المغربي الحنفي المعروف بابن قماموا (١).

: ولد سنة (٨٢٢ ه‍ / ١٤١٦ م) ، وأقام ببيت المقدس دهرا ، حفظ القرآن الكريم ، وتميز بالقراءات السبع ، وكان مؤدبا للأطفال ، وكتب بخطه مصحفا على الرسم العثماني مع بيان القراءات السبع ، وسمع الحديث في آمد والقدس والقاهرة (٢).

وقد أفاد العليمي من ابن قماموا في علم القراءات ، وكرر ختم القرآن على مسامعه أكثر من مرة ، وقرأ عليه بعضه برواية عاصم وحصل على الإجازة منه (٣).

توفي الشيخ ابن قماموا في الثاني عشر من ذي الحجة سنة (٨٩٠ ه‍ / ١٤٨٤ م).

٤ ـ الشيخ كمال الدين ، محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف (٤)

عالم بيت المقدس ، ولد سنة (٨٢٢ ه‍ / ١٤١٦ م) وحصّل العلوم في القدس ومصر ومكة ، وكان مفتيا ومدرسا ، تولى مشيخة الصلاحية ، وكذلك مشيخة المدرسة الأشرفية ، وأصبح من أعيان علماء الإسلام.

وقد عرض العليمي عليه قطعة من كتاب المقنع في الفقه وأجازه ، وحضر مجالسة من الدروس والإملاء بالمدرسة الصلاحية ، وحضر كثيرا من مجالسه بالمسجد الأقصى الشريف قبل رحلته إلى القاهرة ، وبعد قدومه إلى بيت المقدس (٥).

وتوفي الشيخ في بيت المقدس في الخامس عشر من جمادى الأولى سنة (٩٠٦ ه‍ / ١٥٠٠ م) ، ودفن في مقبرة ماملا (٦)

٥ ـ قاضي القضاة نور الدين علي بن إبراهيم البدرشي القاهري المالكي المصري (٧) :

صاحب ديوان الإنشاء الشريف ، ومن قراء الحديث بقلعة الجبل ، ناب في

__________________

(١) ينظر : العليمي ٣٢٩ ؛ السخاوي ، الضوء ٥ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤ ؛ الأنصاري ، مؤرخ ٤٥.

(٢) ينظر : السخاوي ، الضوء ٥ / ٢٥٣.

(٣) ينظر : العليمي ٣٢٩.

(٤) ينظر : العليمي ٤٧٤ ـ ٤٧٩ ؛ السخاوي ، الضوء ٩ / ٦٤ ـ ٦٧ ؛ ابن العماد ٨ / ٢٩ ؛ كحالة ١١ / ٢٠٠ ؛ الزركلي ٧ / ٥٣ ؛ الأنصاري ، تراجم ٢٠٣ ـ ٢١٤.

(٥) ينظر : ابن العماد ٨ / ٢٩.

(٦) ينظر : العليمي ٤٧٨.

(٧) ينظر : العليمي ٣٤٤ ؛ السخاوي ، الضوء ٥ / ١٦٠ ؛ ابن العماد ٧ / ٣٢٤ ، كحالة ٧ / ٤.


الحكم بالقاهرة ، ثم ولي قضاء المالكية بالقدس الشريف ، وكان من أهل العلم ، وله معرفة بالعربية ، وعلم الفرائض ، والحساب ، والحديث الشريف ، وكان يحفظ القرآن الكريم حفظا جيدا (١).

وقد التقاه العليمي وأفاد منه وقرأ عليه في الفقه والنحو ، وأكثر من مجالسته والتردد إليه ، وحصل له منذ غاية الخير والنفع (٢).

توفي الشيخ البدرشي في الثاني من جمادى الأولى سنة (٨٧٨ ه‍ / ١٤٧٣ م) ودفن ، بباب الرحمة (٣).

٦ ـ شمس الدين أبو مساعد محمد بن عبد الوهاب بن خليل بن غازي المقدسي الشافعي (٤) :

ولد ببيت المقدس سنة (٨١٩ ه‍ / ١٤١٣ م) ، ونشأ بها ، فقرأ القرآن وجوّده ، ودرس العربية ، والفقه ، والحديث على شيوخ القدس والقاهرة والشام ، وكان من أعيان بيت المقدس ، ومعيدا بالمدرسة الصلاحية وله كتاب الإرشاد (٥) في الأصول ، وكان خيرا متواضعا ، وقد عرض العليمي عليه قطعة من كتاب المقنع وأجازه ، توفي في سنة (٨٧٣ ه‍ / ١٤٦٨ م) (٦).

٧ ـ الشيخ برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن الأنصاري السعدي الخليلي الشافعي (٧) :

ولد بالخليل سنة (٨١٩ ه‍ / ١٤١٣ م) ، وتلقى علومه على شيوخ الخليل والقدس والقاهرة والشام ومكة ، وصار من أعيان العلماء ، وأذن له بالإفتاء والتدريس ، وانتقل من الخليل إلى القدس ، وباشر نيابة الحكم فيه ، وسكن القاهرة سنين ، لكونه منع من التوجه لبيت المقدس ، ثم سمح له بالإقامة في الخليل فتوجه إليها (٨).

__________________

(١) ينظر : العليمي ٣٤٤.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) ينظر : العليمي ٢٧٢ ؛ السخاوي ، الضوء ١١ / ١٤٢ ؛ كحالة ١٠ / ٢٦٨.

(٥) ينظر : السخاوي ، الضوء ١١ / ١٤٢.

(٦) ينظر : العليمي ٢٧٢.

(٧) ينظر : العليمي ٢٨٩ ـ ٢٩١ ؛ السخاوي ، الضوء ١ / ٥٦ ـ ٥٧.

(٨) ينظر : العليمي ٢٩١ ـ ٢٩٢.


وقد عرض عليه العليمي قطعة من كتاب المقنع في الفقه وأجازه (١).

توفي الشيخ برهان الدين في مدينة الخليل في السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة (٨٩٣ ه‍ / ١٤٨٨ م) ، ودفن في تربة الشيخ علي البكاء (٢) بالخليل (٣).

٨ ـ الشيخ شمس الدين محمد بن عمران الغزي الحنفي (٤) :

ولد في غزة سنة (٧٩٤ ه‍ / ١٣٩١ م) وكان رجلا صالحا ملازما لقراءة القرآن حتى أصبح شيخا للقرّاء في بيت المقدس.

وقد سمع العليمي عليه صحيح البخاري بقراءة القاضي شهاب الدين بن عبيد الشافعي في سنة (٨٧١ ه‍ / ١٤٦٦ م) وأجازه بروايته وبرواية غيره (٥).

توفي الشيخ شمس الدين سنة (٨٧٣ ه‍ / ١٤٦٨ م) ، ودفن في مقبرة ماملا بالقدس.

٩ ـ الشيخ محمد بن محمد بن أبي بكر السعدي (٦) :

ولد في القاهرة سنة (٨٣٦ ه‍ / ١٤٣٢ م) ، سمع على الحافظ ابن حجر وغيره ، واشتغل بالفقه ، وقرأ كثيرا من العلوم وحققها ، وبرع في المذهب الحنبلي وصار من أعيانه ، وأخذ عن علماء الديار المصرية ، وأتقن العربية وغيرها من العلوم الشرعية والنقلية.

وعندما انتقل العليمي من القدس إلى القاهرة انكب على طلب العلم ، ولزم الشيخ السعدي ، وتفقه عليه (٧).

يقول ابن العماد : «وبالجملة فقد كان آية باهرة من حسنات الدهر ذكر تلميذه العليمي في طبقاته ، وهو آخر من ذكرهم فيها» (٨) ، توفي في سنة (٩٠٠ ه‍ / ١٤٩٤ م).

__________________

(١) ينظر : المصدر نفسه ٢٩٠.

(٢) أحد مشايخ الخليل ، اشترك في الحروب مع الفرنج وخاصة معركة أرسوف أيام الظاهر بيبرس ، توفي عام (٦٧٠ ه‍ / ١٢٧١ م) ، ينظر : ابن كثير ، البداية ١٣ / ٢٦٢ ؛ ابن الملقن ٤٦١ ؛ العليمي ٢١٦ ؛ أبو سارة ٢٧.

(٣) ينظر : العليمي ٢٩١.

(٤) ينظر : العليمي ٣١٩ ـ ٣٢٠ ؛ السخاوي ، الضوء ٩ / ٥٨ ـ ٥٩ ؛ أبو حمد ٤٠٣ ، الأنصاري ، تراجم ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

(٥) ينظر : العليمي ٣٢٠.

(٦) ينظر : السخاوي ، الضوء ٩ / ٥٨ ـ ٥٩ ؛ ابن العماد ٧ / ٣٦٦ ـ ٣٦٧ ، الشطي ٧٣ ؛ الزركلي ٧ / ٢٨١.

(٧) ينظر : الشطي ٧٣.

(٨) ينظر : ابن العماد ٧ / ٣٦٧.


١٠ ـ شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أحمد بن منصور بن نعيم العامري ، الرملي (١) :

ولد بالرملة سنة خمس أو ست أو عشر وثمانمائة ، وأخذ العلم بها وببيت المقدس والخليل ودمشق والشام ومصر ، ولي قضاء الرملة ، ثم انتقل إلى القدس ، وعمل بالمدرسة الصلاحية ، وعرض عليه مجير الدين قطعة من كتاب المقنع وأجازه ، توفي بالرملة في النصف من شعبان سنة (٨٧٧ ه‍ / ١٤٧٢ م) ، ودفن عند الجامع الأبيض (٢).

١١ ـ الشيخ زين الدين عمر بن الشيخ عبد المؤمن الحلبي الشافعي (٣) :

ولد سنة (٧٨٩ ه‍ / ١٣٨٧ م) ، وكان رجلا صالحا له سند عال في الحديث الشريف ، وقد حضر العليمي ختم البخاري على يده وأجازه ، توفي سنة (٨٧٣ ه‍ / ١٤٦٨ م) ، ودفن في مقبرة ماملا (٤).

١٢ ـ الشيخ نجم الدين أبو البقاء محمد بن برهان الدين بن إبراهيم بن عبد الله بن جماعة الكناني (٥) :

ولد بالقدس الشريف سنة (٨٣٣ ه‍ / ١٤٢٩ م) ، واشتغل بالعلم من صغره ، ودأب وحصل ، وأخذ عن العلماء حتى صار من أعيان بيت المقدس ، وتولى الخطابة بالمسجد الأقصى الشريف ، وتولى التدريس في المدرسة الصلاحية ، وقد عرض العليمي عليه قطعة من كتاب المقنع في الفقه ، وأجازه (٦).

[١ : ٤] رحلاته :

استمر مجير الدين في نشاطه واستزادته من العلم ، والتقرب من أهله ، أثناء إقامته ببيت المقدس ، حيث كان يتردد دوما على شيخه الكمالي (٧) ويحضر مجالسه في المدرسة الصلاحية (٨) ، واستمر في تلقي العلم عنده إلى أن ارتحل شيخه

__________________

(١) ينظر : العليمي ٢٧٦ ؛ السخاوي ، الضوء ١ / ٣٢٧ ؛ ابن العماد ٧ / ٣٢٣ ؛ كحالة ١ / ٢٦٥ ؛ أبو حمد ٦١ ـ ٦٢.

(٢) ينظر : العليمي ٢٧٦.

(٣) ينظر : العليمي ٢٧٢ ؛ السخاوي ، الضوء ٦ / ٩٩.

(٤) ينظر : العليمي ٢٧٢.

(٥) ينظر : العليمي ١٦٥ ؛ السخاوي ، الضوء ٦ / ٢٥٦ ؛ ابن العماد ٨ / ١٠ ؛ كحالة ٨ / ٢٠٧.

(٦) ينظر العليمي : ١٦٧.

(٧) ينظر : ص ١٩.

(٨) المدرسة الصلاحية : من أقدم المدارس التي أقيمت في بيت المقدس بعد تحريره من الفرنج ، أنشأها صلاح الدين الأيوبي ، ينظر : ابن واصل ٢ / ٤٠٧ ؛ العليمي ٥٥ ؛ غواتمة ، تاريخ ١٦٦ ـ ١٦٧.


الكمالي إلى القاهرة ليقيم فيها (١).

بقي عبد الرحمن في القدس وتخلل ذلك مرافقة شيخه الكمالي في رحلة إلى القاهرة في رمضان سنة (٨٧٥ ه‍ / ١٤٧٠ م) ، ويبدو أن هذه الرحلة لم تأخذ الصفة العلمية ، لأن شيخه الكمالي كان على رأس وفد لمقابلة السلطان الأشرف قايتباي حيث حضر العليمي هذه المقابلة ، وسجل أحداثها في كتابه (٢).

وبعد عودته من هذه الزيارة استمر العليمي في الإقامة بالقدس ولم يغادرها.

وفي سنة (٨٨٠ ه‍ / ١٤٧٥ م) انتقل إلى القاهرة ، وليست واضحة طبيعة المهمة التي أخذها على عاتقه ، فهل كانت الرحلة للاستزادة من العلوم أم أنها مهمات سياسية مرتبطة بالوضع السياسي في القدس ، حيث يشير بعض الباحثين إلى إمكانية توكله بمهمات سرية لا ندري طبيعتها (٣). وقد أقام مجير الدين في مصر قريبا من عشر سنوات (٤) ، وغادرها في سنة (٨٨٩ ه‍ / ١٤٨٤ م) ، وعن عودته إلى بيت المقدس يقول : «وفي العشرين من شهر رجب ، دخلت عين العروب إلى القدس الشريف ... وزينت المدينة ثلاثة أيام» (٥).

وفي سنة (٩٠٩ ه‍ / ١٥٠٤ م) ، أدى فريضة الحج وأقام بمكة نحو شهر ملازما للتلاوة والعبادة (٦).

[١ : ٥] وظائفه :

وبعد عودته من مصر ولّي قضاء الرملة سنة (٨٨٩ ه‍ / ١٤٨٤ م) ، وسافر إليها وأقام بها سنتين ، ثم توسع عمل عبد الرحمن ، وأصبح قاضيا في أربع مدن هي :

القدس والخليل والرملة ونابلس ، ثم ترك قضاء نابلس باختياره بعد سنتين واستمر على الباقي (٧).

وقد أشار ابن فهد (٨) أن العليمي استمر في القضاء «إلى الدولة العثمانية في

__________________

(١) ينظر : العليمي ٤١٥.

(٢) ينظر : العليمي ٣٢٨٦ ـ ٣٨٩ ، الأنصاري ، مؤرخ ٥٩.

(٣) ينظر : الأنصاري ، مؤرخ ٦٨.

(٤) الشطي ٧٣.

(٥) العليمي ٤٢٩.

(٦) ينظر : العامري ٢١٣.

(٧) ينظر : العامري ٢١٣ ؛ الأنصاري ، مؤرخ ٨٤ ـ ٨٦.

(٨) محب الدين محمد بن عبد العزيز بن تقي الدين محمد بن فهد المعروف بابن فهد ، المتوفى سنة (٩٥٤ ه‍ / ١٥٤٧ م) ؛ من مؤلفاته : بلوغ الأدب بمعرفة الأنبياء من العرب ، بهجة الزمان بعمارة الحرمين لملوك آل عثمان ، التحفة اللطيفة في بناء المسجد الحرام والكعبة الشريفة ، ينظر : السخاوي ، الضوء ٣ / ٥٢ ؛ الغزي ٢ / ١٣١ ؛ ابن العماد ٨ / ٣٠١ ؛ البغدادي ، هدية ٦ / ١٩١ ؛ الزركلي ٦ / ٢٠٩.


خامس ذي القعدة سنة (٩٢٢ ه‍ / ١٥١٦ م) ، وكانت مدة ولايته للقدس ٣١ سنة ونصفا ، غير السنتين المتقدمتين في الرملة ، لم يتخللها عزل» (١).

غير أن الباحث الفلسطيني فهمي الأنصاري خالفه في ذلك ونشر عدة وثائق (٢) تثبت أن مجير الدين الحنبلي بقي في القضاء إلى سنة (٩٢٧ ه‍ / ١٥١٩ م).

[١ : ٦] وفاته :

توفي العليمي بالقدس ، وقد اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ وفاته ، فمنهم من أرخ وفاته في أوائل القرن العاشر دون تحديد السنة أو اليوم (٣) ، ومنهم من قال إنه توفى سنة (٩٢٧ ه‍ / ١٥٢٠ م) (٤) ، ومنهم من ذكر أن تاريخ وفاته في سنة (٩٢٨ ه‍ / ١٥٢١ م) (٥) ، ودفن عبد الرحمن في مقبرة ماملا في بيت المقدس (٦).

ورغم أن العليمي من العلماء الأفذاذ إلا أن المؤرخين وكتاب الطبقات لم يتوسعوا في ترجمته بل نراهم يتغاضون عنه فلا يذكرون عنه إلا نتفا صغيرة هنا أو هناك.

أما الصورة التي رسمها العليمي لنفسه فيعتريها النقص ولا تشفي غليل الباحث ، حيث إن صفحات بيضاء من حياته تبقى بحاجة إلى إبراز معالمها المتناثرة.

فالأحداث المهمة في تاريخ العليمي كمؤرخ وعالم وكذلك التحولات الجذرية في تاريخ فلسطين في بداية القرن العاشر مفقودة ، وإلا فأين عبد الرحمن من دخول العثمانيين إلى القدس؟ وأين تراجم الحكام والقواد والعلماء الذين كانوا في أوائل الحكم العثماني (٧)؟؟.

__________________

(١) ينظر : العامري ٢١٣ ؛ الأنصاري ، مؤرخ ٩٢.

(٢) ينظر : الأنصاري ، مؤرخ ٩٣ ، ٩٩ ، ١٠٦ ، ١٠٧ ، ١٠٨ ، ١١٥.

(٣) ينظر : الشطي ٧٤.

(٤) ينظر : حاجي خليفة ١ / ١٩١ ؛ البغدادي ، هدية ٥ / ٤٤١ ؛ العارف ، المفصل ١ / ٥٥١ ؛ العارف ، تاريخ ٢٤٤ ؛ الأنصاري ، ماملا ٩٧ ؛ الأنصاري ، مؤرخ ١٢٠ ـ ١٢١.

(٥) ينظر : كحالة ٥ / ١٧٧ ؛ الزركلي ٣ / ٣٣١ ؛ نجم ٣١٦ ؛ الموسوعة الفلسطينية ٣ / ١٦٠.

(٦) ينظر : النابلسي ٦٢ ؛ الأنصاري ، مؤرخ ١٢٣.

(٧) ينظر : الأنصاري ، مؤرخ ٩٠.


ثانيا ـ الحياة العلمية في عصر العليمي :

على الرغم من تدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في أواخر العصر المملوكي (١) إلا أن مصر والشام كانتا ميدانا لنشاط علمي واسع يدل عليه التراث الضخم من الموسوعات والمؤلفات في مختلف العلوم الأدبية والتاريخية والدينية خلّفها علماء ذلك العصر كالمقريزي (٢) ، وابن حجر (٣) ، وابن تغري بردي (٤) ، والكناني (٥) ، وابن الصيرفي (٦) ، والسخاوي (٧).

وما كان لهذا النشاط العلمي أن يزدهر في عصر المماليك لو لا تشجيع بعض سلاطينهم للعلم والعلماء (٨).

والدليل على رعاية سلاطين المماليك للنشاط العلمي هو حرصهم الشديد على إنشاء الكثير من المدارس ، بالإضافة إلى المؤسسات الأخرى التي قامت أحيانا بوظيفة المدارس مثل : المساجد.

ولقد كانت المدارس في ذلك العصر على درجة عالية من التنظيم وحسن الإدارة والتخطيط ، وقد أعطتنا المصادر معلومات عن عدد المدرسين ورواتبهم ، والتنظيم الإداري لهذه المدارس ، فقد كان لكل مدرسة شيخ ، وفيها عدد كبير من المدرسين والمعيدين والخدم ، وقد أعطى ابن كثير (ت ٧٧٤ ه‍ / ١٣٧٢ م) صورة تفصيلية عن المدرسة الناصرية بالقاهرة ، فقال : «كان عدد المدرسين ثلاثين في كل مذهب فجعلهم السلطان أربعة وخمسين» (٩).

أما المدرسة السكرية في دمشق فقد عين لها ثلاثون محدثا وثلاثون نفرا يقرأون القرآن لكل عشرة شيخ ، ولكل واحد من القراء نظير ما للمحدثين ورتب لها

__________________

(١) ينظر : ابن تغري بردي ، النجوم ٧ / ٥٥ ؛ العليمي ٢ / ٣٤٨ ؛ ابن العماد ٦ / ٣٣٩ ؛ عاشور ، العصر المماليكي ٣٢٢ ـ ٣٢٣ ؛ غوانمة ، تاريخ ٤٩ ـ ٥٢ ، ١١٨ ـ ١١٩.

(٢) ينظر : ص ٣٤.

(٣) ينظر : ص ٣٥.

(٤) ينظر : ص ٣٦.

(٥) ينظر : ص ٣٦.

(٦) ينظر : ص ٣٧.

(٧) ينظر : ص ٣٧.

(٨) ينظر : ابن تغري بردي ، النجوم ٧ / ١٨٢ ؛ عاشور ، العصر المماليكي ٣٤١.

(٩) ينظر : ابن كثير ، البداية ١٤ / ١١٣.


إمام ، وقارىء حديث ونواب (١).

ويؤكد على هذا الاهتمام العليمي نفسه فقد أشار في أحداث سنة (٨٧٧ ه‍ / ١٤٧٢ م) ، عن اهتمام السلاطين بالمدارس فيقول : «وفيها رتب السلطان (٢) لمدرسته بالقدس الشريف صوفية وفقهاء وعين لها أوقافا بمدينة غزة وجعل عدة الصوفية ستين نفرا ، لكل نفر في كل شهر خمسة عشر درهما شامية ، وجعل للطلبة كل نفر في كل شهر خمسة وأربعين درهما ، وجعل لها أرباب وظائف من الفراش والبواب ونحو ذلك ، وجعل للشيخ في كل شهر خمسمائة درهم» (٣) ، وأحيانا كان السلاطين يكرمون شيوخ المدارس بالعطايا المالية والخلع (٤).

وأما الطلاب فقد تمتعوا بحرية اختيار المواد التي يدرسونها ، بحيث لا يمنع فقيه أو مستفيد من الطلبة ما يختاره من العلوم الشرعية ، وكثيرا ما اعتمد هذا الاختيار على مكانة المدرس وشهرته العلمية بحيث ينتقل طالب العلم من بلد بعيد ليتتلمذ على فقيه أو محدث مشهور (٥).

ونظرا لكثرة المدارس في ذلك العصر فسأتناول الحديث عن أشهرها في بلاد الشام عامة وفي بيت المقدس خاصة.

[٢ : ٢] أشهر المدارس في الشام :

١ ـ المدرسة العادلية الكبرى (٦) :

كانت هذه المدرسة تقع داخل دمشق شمالي الجامع وشرقي الخانقاه (٧) الشهابية تجاه باب الظاهرية يفصل بينهما طريق.

بدأ بإنشائها نور الدين محمود زنكي ، لكنه توفي قبل أن يكملها ، ثم بنى بعضها الملك العادل سيف الدين ، وأكملها ابنه المعظم ، وأوقف عليها أوقافا كثيرة (٨).

وقد درس بها أكابر العلماء والقضاة أمثال : القاضي جمال الدين

__________________

(١) ينظر : ابن كثير ، البداية ١٤ / ١٨٤.

(٢) أي السلطان الأشرف قايتباي ، ينظر : ص : ٣٢.

(٣) ينظر : العليمي ٣٩٢.

(٤) ينظر : العيني ٣٣٣.

(٥) ينظر : ابن رجب ٦٧ ؛ عاشور ، العصر المماليكي ٣٤٤.

(٦) ينظر : النعيمي ١ / ٣٥٩ ، ٣٦٢ ، ٣٦٣ ، ٣٦٧.

(٧) الخانقاه : بيت ينقطع فيه الصوفية للعبادة والذكر ، ينظر : عاشور ، العصر المماليكي ٢٣٣.

(٨) ينظر : النعيمي ١ / ٣٥٩.


المصري (١) ، وقاضي القضاة شمس الدين الخيوبي (٢) ، والقاضي كمال الدين أبو حنفي التفليسي (٣) ، وقاضي القضاة تقي الدين السبكي (٤) ، وقاضي القضاة تاج الدين السبكي (٥) ، وقاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء السبكي (٦). ومما يدلل على أهمية هذه المدرسة أن معظم الذين تولوا منصب التدريس فيها كانوا يلقبون بقاضي القضاة.

٢ ـ المدرسة الحنبلية الشريفة (٧) :

هذه المدرسة من وقف الشيخ شرف الإسلام عبد الوهاب بن الشيخ أبي الفرج الحنبلي الشيرازي (٨) الدمشقي ، شيخ الحنابلة بالشام.

__________________

(١) هو : يونس بن بدران بن فيروز القرشي الحجازي الأصل ، أبو الوليد جمال الدين المصري ، ولد في مصر سنة (٥٥٥ ه‍ / ١١٥٩ م) ، ولي القضاء في دمشق ودرس بالأمينية ثم في العادلية الكبرى ، توفي سنة (٦٢٣ ه‍ / ١٢٢٦ م) ينظر : النعيمي ١ / ١٨٦ ـ ١٨٨ ؛ ابن العماد ٥ / ١١٢.

(٢) هو : قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خليل المهلبي الشافعي ، أبو العباس ، ولد سنة (٥٨٣ ه‍ / ١١٨٧ م) ، ولي قضاء القضاء في الشام وله كتاب الأصول ، توفي سنة (٦٣٧ ه‍ / ١٢٣٩ م) ، ينظر : ابن العماد ٥ / ١٨٣.

(٣) هو : القاضي كمال الدين عمر أبو حفص التفليسي ، ولد سنة (٦٠٢ ه‍ / ١٢٠٥ م) ، درس بالمدرسة العادلية إلى أن توجه للديار المصرية ، وتوفي هناك سنة (٦٧٢ ه‍ / ١٢٧٣ م) ، ينظر : النعيمي ١ / ٣٦٣ ؛ السيوطي : حسن المحاضرة ١ / ٤١٦ ؛ ابن العماد ٥ / ٣٣٧.

(٤) هو شيخ الإسلام ، قاضي القضاة ، تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي الأنصاري الخزرجي السبكي ، ولد سنة (٦٨٣ ه‍ / ١٢٨٧ م) ، أخذ الفقه عن والده ودرس بدمشق في العادلية الكبرى ، وتوفي سنة (٧٥٦ ه‍ / ١٣٥٥ م) ، ينظر : ابن حجر : الدرر ٣ / ٦٣ ـ ٧١ ؛ النعيمي ١ / ١٣٤ ـ ١٣٥ ؛ ابن العماد ٦ / ١٨٠.

(٥) هو : قاضي القضاة تاج الدين ، أبو نصر عبد الوهاب بن الشيخ تقي الدين السبكي ، ولد بالقاهرة سنة (٧٢٨ ه‍ / ١٣٢٧ م) ، اشتغل على والده وعلى غيره ، درس بمدارس كبار العزيزية ، والغزالية ، والناصرية ، والعادلية الكبرى ، توفي سنة (٧٧١ ه‍ / ١٣٦٩ م) ، ينظر : ابن حجر ، الدرر ٣ / ٣٩ ؛ النعيمي : ١ / ٣٧ ـ ٣٨ ؛ ابن العماد ٦ / ٢٢١.

(٦) هو : قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء ، محمد بن سديد الدين السبكي ، ولد سنة (٧٠٧ ه‍ / ١٣٠٧ م) ، سمع الحديث بمصر والشام ، ولي القضاء بالديار المصرية ، ثم ولي القضاء بالشام ، درس بالعادلية ، والغزالية ، والناصرية ، توفي سنة (٧٧٧ ه‍ / ١٣٧٥ م). ينظر : ابن حجر ، الدرر ٣ / ٤٩٠ ؛ النعيمي ١ / ٣٨ ، ٣٩ ؛ ابن العماد ٦ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤.

(٧) ينظر : النعيمي ٢ / ٦٤ ، ٦٥ ، ٧٢ ، ٧٣.

(٨) هو : شرف الإسلام عبد الوهاب بن الشيخ أبي الفرج الحنبلي ، عبد الواحد بن محمد الأنصاري الشيرازي ، الواعظ الفقيه ، شيخ الحنابلة بالشام بعد والده ، وهو باني مدرسة الحنابلة ، تفقه وأفتى ودرس الفقه والتفسير ، له تصانيف في الفقه والأصول ، توفي سنة (٥٣٦ ه‍ / ١١٤١ م) ، ينظر : النعيمي ٢ / ٦٤ ـ ٦٥ ؛ ابن العماد ٤ / ١١٣ ـ ١١٤.


وقد درس بالمدرسة الحنبلية شرف الإسلام التاج ابن الحنبلي الدمشقي (١) ، وكان مفتيا عارفا بالمذهب حسن المعرفة ، كما درس بها الشيخ زين الدين بن المنجا (٢) ، شيخ الحنابلة وعالمهم ، ودرس بها أيضا الشيخ زين الدين بن رجب الحنبلي (٣) ، والشيخ شمس الدين بن التقي (٤) ، والشيخ جلال الدين بن التقي (٥).

[٢ : ٣] نماذج عن المدارس في بيت المقدس في العصر المملوكي :

تحدث العليمي عن المدارس والمعاهد العلمية في بيت المقدس ، وعمل إحصائية شاملة لهذه المواقع الموجودة داخل الحرم وخارجه.

واحتلت المدارس حيزا كبيرا في كتابه ، وقد ذكر العليمي أكثر من ستين مدرسة ، وزاوية ، وخانقاه ، مما يدلل على الأهمية العلمية لبيت المقدس في عصر العليمي. وقد يكون العليمي أحد تلاميذ هذه المدارس ، حيث كان يتردد على شيخه الكمالي ، ويحضر دروسه بالمسجد الأقصى ، وبدون ما كان يمليه على الطلبة في المدرسة الصلاحية (٦).

وقد ذكر أنه كان أحد طلاب الشيخ العميري في المدرسة الأشرفية (٧) ، ومن الأمثلة على هذه المدارس التي تحدث العليمي عنها :

__________________

(١) التاج مظفر بن عبد الكريم بن نجم بن عبد الوهاب الدمشقي الحنبلي ، ولد بدمشق سنة (٥٨٩ ه‍ / ١١٨٤ م) ، حدث بمصر والشام وروى عنه جماعة ، توفي سنة (٦٦٧ ه‍ / ١٢٦٨ م) ، ينظر : النعيمي ٢ / ٧٢ ؛ ابن العماد ٥ / ٣٢٥.

(٢) المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا ، زين الدين ، أبو البركات التنوخي الدمشقي الحنبلي ، ولد سنة (٦٣١ ه‍ / ١٢٣٤ م) ، فقيه ، أصولي ، مفسر ، توفي سنة (٦٩٥ ه‍ / ١٢٩٥ م) ، ينظر : النعيمي ٢ / ٧٣ ؛ ابن العماد ٥ / ٤٣٣.

(٣) عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن محمد البغدادي الدمشقي ، درس في المدرسة الحنبلية وله مصنفات منها شرح الترمذي ، ذيل طبقات الحنابلة ، توفي سنة (٧٩٥ ه‍ / ١٣٩٢ م) ، ينظر : النعيمي ٢ / ٧٦ ـ ٧٧.

(٤) تقي الدين عبد الله ابن قاضي القضاة شمس الدين بن التقي الحنبلي ، درس بالحنبلية وأفتى ، وتولى قضاء نابلس فترة طويلة ، توفي سنة (٨١٥ ه‍ / ١٤١٢ م) ، ينظر : ابن حجر ، الدرر ٢ / ٣٢١ ـ ٣٢٢ ؛ النعيمي ٢ / ٧٧.

(٥) جلال الدين محمد بن شمس الدين ، أبو عبد الله محمد بن تقي الدين الحنبلي ، عمل بالتدريس بالحنبلية ، وتولى قضاء طرابلس نيابة عن أخيه ، وتوفي سنة (٨٢٤ ه‍ / ١٢٢١ م) ، ينظر : العليمي ٢ / ٧٨.

(٦) ينظر : العليمي ٤٧٨.

(٧) ينظر : العليمي ٢ / ٥٣.


١ ـ المدرسة التنكزية (١) :

واقفها الأمير تنكز الناصري (٢) نائب الشام (وهي مدرسة عظيمة وهي بخط باب السلسلة ولها مجمع راكب على الأروقة الغربية بالمسجد) (٣) ، وقد كتب على واجهتها الخارجية فوق الباب الشمالي أن المقر الكريم السيفي تنكز المملوكي الناصري ، أنشأها سنة (٧٢٩ ه‍ / ١٣٢٨ م).

وعندما كانت مدرسة كان يدرس بها شيوخ قديرون أمثال : الشيخ أحمد بن هلال أبو محمود صاحب كتاب مثير الغرام بفضائل القدس والشام ، وقد توفي في مصر سنة (٧٦٥ ه‍ / ١٣٦٤ م) (٤) ، وكذلك الشيخ أحمد الشهابي بن الشيخ محمد تنكز (٥) ، وقد استخدم السلاطين هذه المدرسة كمقر إقامة عند زيارتهم للقدس ، وكانت أحيانا مركزا للقضاة والنواب (٦).

٢ ـ المدرسة الصلاحية (٧) :

أنشأها صلاح الدين الأيوبي بعد تحرير القدس سنة (٥٨٣ ه‍ / ١١٨٧ م) ، مكان دير أو كنيسة أقامها الفرنج ، وقد كانت تعرف قبل الإسلام ب (صند حنة) ، وقد رتبها صلاح الدين لتكون مدرسة للفقه الشافعي ، ورباطا للصوفية (٨).

وتقع المدرسة الصلاحية على بعد عدة أمتار من سور القدس الشرقي قرب باب الأسباط.

وكانت هذه المدرسة من أجل المدارس في بيت المقدس ولا يتولى المشيخة فيها إلا من شهد له بالعلم والفضل ، ويتم ذلك بمرسوم سلطاني من القاهرة ، وكان لشيخ الصلاحية مكانة كبرى لدى السلاطين (٩).

وبقيت هذه المدرسة تؤدي دورها في خدمة العلم والعلماء طيلة العهد المملوكي.

__________________

(١) ينظر : العليمي ٤٦ ؛ العارف ، المفصل ١ / ٢٤٥ ؛ الدباغ ٩ / ٢٧١ ؛ غواتمه ، تاريخ ١٦٥.

(٢) ينظر : ابن حجر ، الدرر ٢ / ٥٧ ؛ العارف ، المفصل ١ / ٢٢٤.

(٣) ينظر : العليمي ٢ / ٣٥ ؛ العليمي ٤٦.

(٤) أبو محمود أحمد بن هلال المقدسي ولد سنة (٧١٤ ه‍ / ١٣٤٢ م) ، كان إماما في الفقه والنحو والأصول ، ينظر : ابن حجر ، الدرر ١ / ٢٥٧ ؛ ابن فهد ١٤٨ ؛ العليمي ٢ / ٥٧ ؛ حاجي خليفة ٢ / ١٥٨٩ ؛ العارف ، المفصل ٢٤٥.

(٥) ينظر : العارف ، المفصل ١ / ٢٤٥ ؛ الدباغ ٩ / ٢٧١.

(٦) ينظر : العارف ، المفصل ١ / ٢٤٥ ؛ غواتمه ، تاريخ نيابة ١٦٦.

(٧) ينظر : العليمي ٢ / ٤١ ؛ النابلسي ٢٠٤ ؛ العليمي ٥٥.

(٨) ينظر : العليمي ٢ / ٤١ ؛ النابلسي ٢٠٤ ؛ نجم ١٠٢.

(٩) ينظر : غواتمه ، تاريخ نيابة ١٦٧.


٣ ـ المدرسة الكريمية (١) :

بنى هذه المدرسة كريم الدين عبد الكريم بن المعلم هبة الله بن مكانس (٢) ناظر الخواص السلطانية في مصر سنة (٧١٨ ه‍ / ١٣١٨ م) ، وقد زارها ابن بطوطة في رحلته المشهورة ، وعدها خانقاه ، وقال : إن من فضلاء القدس (شيخ الخانقاه الكريمية أبو عبد الله ، محمد بن مثبت الغرناطي نزيل القدس) (٣).

٤ ـ المدرسة الأشرفية (٤) :

من أهم المنشآت التي أقيمت في عهد السلطان قايتباي (٥) في بيت المقدس مدرسته التي نسبت إليه ، وتقع في الجهة الغربية من ساحة الحرم شمالي باب السلسلة ، وتمتد من باب السكينة أو باب السلام جنوبا حتى المدرسة العثمانية شمالا.

وقد وصفها مجير الدين بقوله : «وبالمدرسة المشار إليها من آلات البسط والقناديل ما هو في غاية الحسن مما لا يوجد في غيرها ، وعلى ظاهرها الرصاص المحكم كظاهر المسجد الأقصى الشريف ، ومن أعظم محاسنها كونها في هذه البقعة الشريفة ، ولو بنيت في غير هذا المحل لم يكن لها الرونق الموجود عليها ببنايتها هنا ، فإن الناس كانوا يقولون قديما مسجد بيت المقدس به جوهرتان هما : قبة الجامع ، وقبة الصخرة الشريفة ، قلت : وهذه المدرسة صارت جوهرة ثالثة ، فإنها من العجائب في حسن المنظر ولطف الهيئة» (٦).

وقد بناها الأمير حسن الظاهري في عهد السلطان الظاهر سيف الدين خوشقدم (٧) سنة (٨٧٥ ه‍ / ١٤٧٠ م) وتوفي السلطن دون أن تتم.

__________________

(١) ينظر : العارف ، المفصل ١ / ٢٤٤ ؛ العليمي ٢ / ٣٩ ؛ العليمي ٥٣ ؛ غواتمه ، تاريخ نيابة ١٥٥.

(٢) ينظر : ابن تغري بردي ، النجوم ٩ / ٧٥ ـ ٧٦.

(٣) ينظر : ابن بطوطة ٤٤.

(٤) ينظر : العليمي ٢ / ٣٥ ـ ٣٦ ، ٤٢٥ ـ ٤٢٧ ؛ النابلسي ٩٩ ـ ١٠٣ ؛ نجم ٣٠٦ ؛ العارف ، المفصل ١ / ٢٥٨ ؛ الدباغ ٩ / ٢٩٤ ـ ٢٩٩ ؛ غواتمه ، تاريخ نيابة ١٦٣ ـ ١٦٤.

(٥) قايتباي الجركسي المحمودي الأشرفي ثم الظاهري ، أحد ملوك الديار المصرية ، ويلقب بالأشرف أبي النصر ، وتقلبت به الأحوال بين مد وجزر ، حتى تسلطن سنة (٨٧٢ ه‍ / ١٤٦٧ م) ، وبقي في الحكم إلى أن توفي سنة (٩٠١ ه‍ / ١٤٩٥ م). ينظر : ابن تغري بردي ، النجوم ١٦ / ٣٥٤ ؛ السخاوي ، الضوء ٦ / ٢٠١ ؛ العليمي ٣٧٩ ـ ٣٨٠.

(٦) العليمي : ٤٢٧.

(٧) هو السلطان الملك الظاهر أبو سعيد سيف الدين خشقدم بن عبد الله الناصري ، المؤيدي ، السلطان الثامن والثلاثون من ملوك الأتراك ، تسلطن في (٨٦٥ ه‍ / ١٤٦٠ م) ـ (٨٧٢ ه‍ / ١٤٦٧ م) ، ينظر :


قدّمها الأمير حسن للسلطان الأشرف قايتباي فقبلها منه وسميت باسمه.

وعند زيارة السلطان للقدس سنة (٨٨٠ ه‍ / ١٤٨٢ م) لم تعجبه فأمر بهدمها وإعادة بنائها سنة (٨٨٧ ه‍ / ١٤٨٢ م) ، وقد أثبت الأشرف قايتباي بناءها في لوحة موجودة على أحد جدران المدرسة وهذا نصها :

«أمر بإنشاء هذه المدرسة الشريفة مولانا السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي عز نصره ، بتاريخ مستهل ربيع شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وثمانمائة ، وذلك في أيام المعز الأشرف الناصري سيدي محمد الخازندار ناظر الحرمين الشريفين عظم الله شأنه» (١).

وهناك نقش آخر على أحد الجدران :

«أمر بإنشاء هذه المدرسة المباركة الإمام الأعظم ، والملك المكرم ، السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي ، عز نصره ، فكان الفراغ من ذلك في شهر رجب الفرد سنة سبع وثمانين وثمانمائة» (٢).

والمدرسة الأشرفية الآن وقف ، فيها مدرسة دار الأيتام الإسلامية ، وقبر لأحد الشيوخ ، ومخزن للأدوات المسجدية (٣).

٥ ـ المدرسة المزهرية (٤) :

تقع في الجهة الغربية من ساحة الحرم بباب الحديد ، واقفها وبانيها الزيني أبو بكر بن مزهر الأنصاري الشافعي ، صاحب ديوان الإنشاء بالديار المصرية ، زمن السلطان الأشرف قايتباي ، ولها مجمع على أروقة المسجد ، وكان الفراغ من بنائها سنة (٨٨٥ ه‍ / ١٤٨٠ م) ، وجانب منها اليوم خراب ، والجانب الآخر أصبح دارا للسكن (٥).

[٢ : ٤] أشهر المؤرخين في عصر العليمي :

كان عصر العليمي يزخر بالعلماء الأعلام الذين خلفوا الموسوعات التاريخية ، ومن أعلام ذلك العصر :

__________________

المقريزي ، الخطط ٢ / ٢٤٤ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ١٦ / ٢٢٢ ؛ السخاوي ، الضوء ٣ / ١٧٥ ؛ ابن العماد ٧ / ٣١٥.

(١) ينظر : غواتمة ، تاريخ نيابة ١٦٤.

(٢) ينظر : المرجع نفسه ١٦٤.

(٣) ينظر : العارف ، المفصل ٢٥٨ ؛ الدباغ ٩ / ٢٩٩.

(٤) ينظر : العليمي ٢ / ٣٧ ؛ العارف ، المفصل ٢٥٥.

(٥) ينظر : العارف ، المفصل ٢٥٥ ؛ الدباغ ٩ / ٢٩٢ ؛ غواتمة ، تاريخ نيابة ٢٩٢.


١ ـ المقريزي (٧٦٦ ـ ٨٤٥ ه‍ / ١٣٥٦ ـ ١٤٤١ م) (١) :

هو أبو العباس ، تقي الدين ، أحمد بن علي ، بن عبد القادر ، بن محمد بن إبراهيم ، العبيدي ، الحسيني ، أصله من بعلبك من حارة المقارزة فيها ، كما كان يدعى النسب الفاطمي ، ومن هنا كانت النسبة للعبيدي.

ولد في القاهرة سنة (٧٦٦ ه‍ / ١٣٥٦ م) ، وتولى مناصب عديدة في الدولة. فقد كان موقعا في ديوان الإنشاء ، ثم تولى وظائف الوعظ والتدريس في عدد من المساجد ، وتولى حسبة القاهرة ، وتقلب في عدد من وظائف القضاء والإدارة في مصر والشام ، وقد برع المقريزي في علوم الدين من فقه وحديث ، وإن أبدى هواية للتاريخ جعلته يعتزل العمل الوظيفي ليعمل في التأليف ، ومن مصنفاته التاريخية :

١ ـ اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا.

٢ ـ الإشارة والإعلام ببناء الكعبة والبيت الحرام.

٣ ـ الإلمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام.

٤ ـ الخبر عن البشر.

٥ ـ درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة.

٦ ـ الذهب المسبوك في ذكر من حج من الخلفاء والملوك.

٧ ـ السلوك في معرفة دول الملوك.

٨ ـ المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار.

٩ ـ النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم.

٢ ـ ابن حجر العسقلاني (٧٧٣ ـ ٨٥٢ ه‍ / ١٣٦١ ـ ١٤٤٨ م) (٢) :

هو شهاب الدين بن الفضل ، أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد ، العسقلاني الأصل ، المصري المولد والنشأة والدار ، وهو واحد من أكابر تلك السلسلة الطويلة من المحدثين والمؤرخين ، وإنما دخل علم التاريخ من باب الحديث وما يجب لعلومه من المعرفة بالرجال والأحداث والرواية ، فكان مؤرخا

__________________

(١) ينظر : ابن حجر العسقلاني ، إنباء الغمر ٩ / ١٧٠ ـ ١٧٢ ؛ العيني ، عقد الجمان ٥٧٤ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ١٥ / ٤٩٠ ـ ٤٩١ ؛ ابن تغري بردي ، حوادث الدهور ١ / ٦٣ ؛ السخاوي ، الضوء اللامع ٢ / ٢١ ـ ٢٥ ؛ ابن العماد ٧ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥ ؛ البغدادي ، هدية ٥ / ١٠٦.

(٢) ينظر : ابن تغري بردي ، النجوم ١٥ / ٥٣٢ ـ ٥٣٤ ؛ حوادث الدهور ١ / ١٩٦ ـ ١٩٩ ؛ ابن فهد ٣٢٦ ـ ٣٤٢ ؛ السيوطي ، طبقات الحفاظ ٣٨٠ ـ ٣٨٢ ؛ السيوطي ، حسن المحاضرة ١ / ٣٦٣ ـ ٣٦٦ ؛ السخاوي ، الضوء اللامع ٢ / ٣٦ ـ ٤٠ ؛ ابن العماد ٧ / ٢٧٠ ـ ٢٧٣ ؛ البغدادي ، هدية ٥ / ١٠٧ ؛ زيادة ٧ ـ ٢٠ ؛ ارنديك ، ابن حجر العسقلاني ١ / ١٣١ ـ ١٣٢.


كبيرا بقدر ما كان محدثا كبيرا ، وقد عمل ابن حجر في التدريس كغيره من العلماء في العديد من مدارس القاهرة ، وتولى منصب قاضي قضاة الشافعية في القاهرة مدة ٢١ عاما.

ترك ابن حجر من التراث العلمي أكثر من مائتي كتاب ، ومن كتبه في التاريخ والتراجم :

١ ـ الإصابة في تمييز الصحابة.

٢ ـ الإعلام عمن ولي مصر في الإسلام.

٣ ـ الإعلام عن ذكر من في البخاري من الأعلام.

٤ ـ أنباء الغمر بأبناء العمر.

٥ ـ الإيناس بمناقب العباس.

٦ ـ تقريب التهذيب.

٧ ـ تقويم اللسان.

٨ ـ تهذيب التهذيب.

٩ ـ الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة.

١٠ ـ رفع الأصر عن قضاة مصر.

١١ ـ لسان الميزان.

٣ ـ ابن تغري بردي (٨١٣ ـ ٨٧٤ ه‍ / ١٤١٠ ـ ١٤٦٩ م) (١) :

أبو الحسام ، جمال الدين ، يوسف بن الأمير سيف الدين ، تغري بردي ، وكان أبوه مملوكا رومي الأصل ، صار من كبار أمراء المماليك ومن أعيان الدولة ، ومن خلال هذه العلاقة استطاع الوصول لأرقى المناصب ، وتولى نيابة حلب ودمشق ، واستطاع التعرف على الأحوال السياسية ، والإدارية والعسكرية للحكم المملوكي بحكم الصلات القوية بينه وبين البلاط السلطاني.

وقد قدم في ميدان التاريخ المؤلفات والتصانيف الكثيرة ، منها :

١ ـ الأنوار الظاهرة والكواكب الباهرة من النجوم الساهرة.

٢ ـ البحر الزاخر في علم الأوائل والأواخر.

٣ ـ حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور.

٤ ـ الدليل الشافي على المنهل الصافي.

__________________

(١) السخاوي ، الضوء ١٠ / ٣٠٥ ـ ٣٠٨ ؛ ابن العماد ٧ / ٣١٧ ـ ٣١٨ ؛ البغدادي ، هدية ٦ / ٤٣٥ ؛ بروكلمان ، أبو المحاسن ١ / ٣٩٦ ؛ زيادة ٣٥ ؛ غواتمة ، التاريخ الحضاري ٢٢.


٥ ـ السكر الفاضح والعطر الفائح.

٦ ـ المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي.

٧ ـ مورد اللطافة فيمن ولي السلطنة والخلافة.

٨ ـ النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة.

٩ ـ نزهة الألباب في اختلاف الأسماء والألقاب.

١٠ ـ نزهة الرأي في التاريخ.

١١ ـ نزهة الزاي في التاريخ.

٤ ـ الكناني (٨٠٠ ـ ٨٧٦ ه‍ / ١٣٩٧ ـ ١٤٧١ م) (١) :

هو عز الدين أبو البركات أحمد بن البرهان إبراهيم بن نصر الله القاضي ، من ولد ناصر الدين الكناني العسقلاني الأصل ، ولي قضاء الديار المصرية ، وارتفع أمره عند السلاطين وأركان الدولة والرعية ، له تصانيف كثيرة في الفقه والحديث ، ومن تصانيفه في التاريخ والتراجم :

١ ـ شفاء القلوب في مناقب بني أيوب.

٢ ـ طبقات الحنابلة الكبرى.

٣ ـ الطبقات الصغرى.

٤ ـ الطبقات الوسطى.

٥ ـ ابن الصير في الجوهري (٨١٩ ـ ٩٠٠ ه‍ / ١٤١٦ ـ ١٤٩٤ م) (٢) :

هو علي بن داود بن إبراهيم الإسرائيلي الحنفي ، المعروف بابن الصيرفي ، وبابن الخطيب الجوهري.

كان خطيبا لجامع السلطان الملك الظاهر برقوق ونائبا للحكم عن قاضي القضاة الحنفية بالقاهرة ، وقد استفاد ممن سبقه من المؤرخين كالمقريزي ، وابن تغري بردي ، وابن حجر ، ومؤلفات ابن الصيرفي في التاريخ ليست كثيرة ومنها :

١ ـ أنباء الهصر في أبناء العصر.

٢ ـ تاريخ مصر.

٣ ـ الدر المنظوم فيما ورد في مصر موجودا ومعدوم.

٤ ـ سيرة الملك الأشرف قايتباي.

٥ ـ نزهة النفوس والأبدان في تواريخ الزمان.

__________________

(١) ابن العماد ٧ / ٣٢١ ـ ٣٢٢ ؛ البغدادي ، هدية ٥ / ١١١.

(٢) السخاوي ، الضوء ٥ / ٢١٧ ـ ٢١٩ ؛ البغدادي ، هدية ٥ / ٥٩١.


٦ ـ السخاوي (٨٣١ ـ ٩٠٢ ه‍ / ١٤٢٨ ـ ١٤٩٧ م) (١) :

شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان السخاوي المصري الشافعي ، وهو محدث كبير ، ومؤرخ شهير ، ويعد من الشخصيات البارزة التي صنعت النهضة الثقافية لفن التاريخ الإسلامي في القرنين الثامن والتاسع الهجريين.

والسخاوي أحد الذين تتلمذوا على يد علامة عصره ابن حجر العسقلاني ومن مؤلفاته :

١ ـ الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ.

٢ ـ تاريخ المحيط.

٣ ـ التبر المسبوك في ذيل السلوك.

٤ ـ الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر.

٥ ـ خير الكلام وذيل التام بدول الإسلام للذهبي.

٦ ـ ذيل رفع الأصر عن قضاة مصر.

٧ ـ ذيل على طبقات القراء.

٨ ـ الرحلة الإسكندرية.

٩ ـ السر المكتوم في الفرق.

١٠ ـ السيف القاطع في التاريخ.

١١ ـ الضوء اللامع في علماء القرن التاسع.

٧ ـ السيوطي (٨٤٩ ـ ٩١١ ه‍ / ١٤٤٥ ـ ١٥٠٥ م) (٢) :

جلال الدين أبو الفضل ، عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد الخضيري ، السيوطي ، المصري ، الشافعي.

يعد من أغزر الكتّاب المصريين إنتاجا في العصر المملوكي ، انحدر من أسرة فارسية كانت تعيش أول الأمر في بغداد ، ثم استقرت في أسيوط قبل مولده بعشرة أجيال على الأقل ، تولى منصب الأستاذية الذي كان يتولاه أبوه من قبل في المدرسة الشيخونية ، ثم انتقل إلى المدرسة البيبرسية.

تعددت مواهب السيوطي وتنوعت كتاباته ما بين النحو والأدب وعلم الحديث

__________________

(١) ينظر : السخاوي ، الضوء ٨ / ١ ـ ٣٢ ؛ ابن العماد ٨ / ١٥ ـ ١٦ ؛ البغدادي ، هدية ٦ / ١٧٤ ـ ١٧٦ ؛ زيادة ٣٦ ـ ٣٨ عطا الله ٤٢.

(٢) ابن العماد ٨ / ٥١ ـ ٥٥ ؛ البغدادي ، هدية ٥ / ٤٣٤ ـ ٤٤١ ؛ بروكلمان ، السيوطي ٧ / ٢٧ ـ ٣٣.


والأصول ، والفقه والتفسير ، وقد نبغ السيوطي في علم التاريخ ومن تصانيفه :

١ ـ بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة.

٢ ـ تاريخ الخلفاء.

٣ ـ تحفة الظرفاء بأسماء الخلفاء.

٤ ـ تحفة الكرام بأخبار الأهرام.

٥ ـ ترجمة النووي والبلقيني.

٦ ـ تهذيب الأسماء.

٧ ـ حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة.

٨ ـ الشماريخ في علم التاريخ.

٩ ـ الفضل العميم في إقطاع تميم.

١٠ ـ لب الألباب في تحرير الأنساب.

١١ ـ نظم العقيان في أعيان الأعيان.

٨ ـ ابن إياس (٨٥٢ ـ ٩٣٠ ه‍ / ١٤٤٨ ـ ١٥٢٣ م) (١) :

أبو البركات زين العابدين أبو شهاب الدين محمد بن أحمد إياس الجركسي الأصل الناصري القاهري ، ولد في القاهرة سنة (٨٥٢ ه‍ / ١٤٤٨ م) ، وهو سليل أسرة من القواد والشراكسة ، وقد تتلمذ على يد اثنين من كبار علماء عصره وهما :

السيوطي ، وعبد الباسط بن خليل الحنفي المؤرخ والفقيه (ت سنة ٩٢٠ ه‍ / ١٥١٤ م).

وقد كان ابن إياس شاهدا على الانقلاب التاريخي الذي حدث بعد الانهيار المماليكي والسيطرة التركية. وقد كتب مجموعة من التصانيف منها :

١ ـ بدائع الزهور في وقائع الدهور.

٢ ـ الجواهر الفريدة والنوادر المفيدة.

٣ ـ عقد الجمان في وقائع الزمان.

٤ ـ نشق الأزهار في عجائب الأقطار.

ثالثا ـ التعريف بالكتاب :

[٣ : ١] الموضوع :

لمدينة القدس مكانة خاصة في تاريخ البشرية ، فهي مهوى أفئدة الشعوب على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وأديانهم ، وتعد من أقدس بقع العالم فهي قبلة الأديان

__________________

(١) البغدادي ، هدية ٦ / ١٨٣ ؛ سوبرنهايم ، ابن إياس ١ / ٩٢.


السماوية الأولى ، وعلى أرضها نشأت أرقى الحضارات.

والقدس مدينة عربية إسلامية منذ القدم ، فقد سكنها الأنبياء ورسالتهم واحدة ، هي رسالة الإسلام العظيم ، حملوا دعوته ، ونشروها فوق أرض فلسطين وانطلقوا بها إلى العالم أجمع.

ففي جبال الخليل انطلق صوت إبراهيم ، عليه‌السلام ، بالتوحيد ، وفي ربى بيت لحم والناصرة هتف المسيح ، عليه‌السلام ، بالبشارة ، ومن المسجد الأقصى كان معراج نبينا محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وللقدس منزلة عظيمة عند الأمة العربية المسلمة ، فقد سكنها العرب اليبوسيون منذ حوالي ستة آلاف عام ، ويعد هؤلاء أول من أسس القدس وسموها (يبوس) ، وهذا يدحض الادعاء الصهيوني الكاذب والمزعوم بالحق التاريخي.

وموضوع هذه الدراسة هو تحقيق مخطوط الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل للعليمي ، وهذا النوع من كتب الفضائل يعالج التاريخ المحلي لمدينة القدس والخليل ، يتحدث عنهما ويصف محاسنهما.

وكان الهدف الذي توخاه العليمي هو الهدف نفسه الذي توخاه غيره من مصنفي كتب الفضائل الذين سبقوه ، وهو بيان إسلامية القدس والخليل ، وإبراز المكانة الروحية لكلا المدينتين ، وارتباطهما بالأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام.

أما مرتكزات هذا الهدف والتي ظهرت من خلال النص :

١ ـ إن بيت المقدس والمسجد الأقصى لهما ارتباط بالعقيدة الإسلامية وإن الأنبياء هم الذين بنوا هذا المسجد ، وقدسية هذه الأرض نابعة من تقديس الله لها واهتمام الأنبياء بها ، فهي الأرض المباركة ومهاجر إبراهيم ، عليه‌السلام ، وهي أرض الإسراء والمعراج ، وعلى أرضها ينتصر الحق ، وينهزم أهل الباطل.

٢ ـ بيت المقدس هو القبلة الأولى للمسلمين قبل أن يأمرهم الله بالتوجه نحو الكعبة.

٣ ـ فلسطين أرض إسلامية عبر التاريخ ، فقد سكنها الأنبياء وهم مسلمون ، وفتحها الصحابة براية التوحيد ، وعلى أرضها عاش التابعون والعلماء ينشرون أنوار علومهم في ساحات الأقصى ومساجد القدس.

٤ ـ الصراع على القدس قديم قدم الحق والباطل ، وهذا الصراع باق ما بقيت


الحياة وحسم الصراع لصالح المسلمين لا يكون إلا بوحدة الأفكار ووحدة الأقطار.

ابتدأ النص موضوع التحقيق من كتاب الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ، بمقدمة المؤلف والتي يشرح فيها عن كتابه والسبب الداعي لتأليفه ، ثم ينتقل إلى تفسير سورة الإسراء والتي ينتقل من خلالها لإبراز الأهمية الدينية للأرض المقدسة ، ثم ينتقل كعادة مؤرخي الحوليات إلى بدء الخليقة وابتداء خلق العرش والكرسي والعقل ، والشمس والقمر ، والجنة والنار ، والجن والجان.

ثم ينتقل لذكر الأنبياء بدءا بآدم ، عليه‌السلام ، ونوح ، وهود ، وصالح ، وعند الحديث عن إبراهيم يذكر العلاقة بين هذا النبي وبين مدينة الخليل التي سكن بها ودفن فيها ، ثم يتحدث عن أبنائه الكرام إسحاق ، وإسماعيل وأولادهم ويذكر أزواجهم وأماكن دفنهم ، وعلاقتهم بالأرض المقدسة.

ثم يتحدث عن بناء سليمان للحير الذي به قبور الخليل وزوجته وإسحاق وزوجته ، ويعقوب وزوجته ، ووصف السور السليماني والبناء الموجود بداخل السور.

ثم ينتقل إلى ذكر باقي الأنبياء كيوسف ، ولوط ، وشعيب ، وأيوب ، ويفرد موضوعا عن سيدنا موسى كليم الله ، عليه‌السلام ، ويذكر قصة ميلاده ورميه في النيل ، وهو داخل التابوت ، وقصة إرضاعه ونشأته في ظل فرعون ، وقصته مع القبطي ، وهجرته إلى أرض مدين ، وزواجه من ابنة شعيب ، عليه‌السلام ، وكذلك عودته إلى مصر بعد بشارته بالنبوة ، وقصته مع السحرة ، وصراعه مع فرعون الذي انتهى بغرق الأخير.

ويبرز العليمي كذلك علاقة موسى بقومه بني إسرائيل وعلاقتهم بالأرض المقدسة والجبارين الذين كانوا يسكنونها.

ويستمر العليمي بسرد قصص الأنبياء ممن لهم علاقة بالأرض المقدسة كداود وسليمان ، ويونس ، ويتخلل هذه السيرة أحداث تتعلق ببيت المقدس كخرابه على يد بخت نصر ، وإعادة إعماره على يد الملك الفارسي كورش.

وينهي العليمي حديثه عن الأنبياء بالتحدث عن الصراع بين عيسى ، عليه‌السلام ، وبين بني إسرائيل والذي انتهى برفع عيسى ، عليه‌السلام ، وخراب بيت المقدس على يد طيطوس الرومي ، وإعادة إعماره للمرة الثالثة على يد الملكة هيلانة أم الامبراطور قسطنطين.


ويفرد العليمي مساحة واسعة من كتابه للسيرة النبوية الشريفة ، ابتدأها بميلاد النبي محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر نسبه ، ومبعثه ، وهجرته ، وعلاقته مع الأنصار ، وبنائه المسجد وغزواته ، وحجته ، وصفاته ، ومعجزاته ، وأزواجه ، ووفاته ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ثم يعود العليمي بالحديث عن الأهمية الدينية للمسجد الأقصى ولبيت المقدس مستشهدا بالآيات القرآنية ، وبالأحاديث الشريفة ، وبأقوال الصحابة والتابعين مدللا على الأهمية الروحية التي يمثلها المسجد الأقصى في الوعي الإسلامي ، ومركزا على كون القدس محورا للصراع بين الحق والباطل ، وأنها أرض الرباط إلى يوم القيامة.

ثم يأتي إلى ذكر الفتح الإسلامي للقدس ، وعلاقة الفاتحين بها ، وقد أعد العليمي إحصائية يذكر فيها الصحابة الذين سكنوا بها ، أو زاروها ، أو ماتوا فيها ، ووضع لهم تراجم مختصرة تبين علاقتهم بالقدس وأمكنة وفاتهم.

ولا يغفل العليمي ذكر الأحداث المستقبلية في تاريخ مدينة القدس ، فقد تحدث عن المهدي الذي يكون آخر الزمان ، والذي يهاجر لبيت المقدس.

أما عن العمارة في بيت المقدس في العهد الأموي ، فقد ذكر قصة بناء المسجد الأقصى وقبة الصخرة زمن الخليفة عبد الملك بن مروان ، ووصف المسجد في ذلك الزمن من حيث عمارته ، وأبوابه ، ومساحته ، وقبابه ، وأعمدته ، ومحاريبه ، وسلاسله ، وقناديله ، وخدامه.

ويذكر العليمي كذلك جماعة من أعيان التابعين ممن لهم علاقة ببيت المقدس ممن زاروه أو استوطنوا فيه قبل الغزو الفرنجي للأرض المقدسة ، ويترجم لهم.

ثم ينتقل العليمي للحديث عن الصراع الفرنجي الإسلامي على هذه الأرض المقدسة ، والذي توج بحصار القدس سنة (٤٩٢ ه‍ / ١٠٩٩ م) ثم احتلالها وارتكاب المجازر البشعة في حق أهلها.

ويتحدث العليمي عن ظهور صلاح الدين الأيوبي ، وانتقاله إلى مصر حيث تملكها ، ويشير إلى معاركه مع الفرنج التي توجت بفتح القدس بعد موقعة حطين سنة (٥٨٣ ه‍ / ١١٨٧ م). ثم يختم هذا الفصل بوفاة صلاح الدين وما استقرت عليه حال البلاد بعد وفاته.

[٣ : ٢] مصادره :

تعددت مصادر العليمي ، وذلك لتعدد المواضيع التي تطرق إليها فهو يعتمد على من سبقه في نشأة الكون وأصل الإنسان ، وتاريخ الأنبياء ، وسيرة الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.


كما أنه أسهم في التأريخ لمن عاصرهم من الخلفاء ، والسلاطين والأمراء والشيوخ والقضاة ، ويمكننا أن نصنف هذه المصادر كما يلي :

١ ـ المشاهدة والمعاصرة :

ويظهر ذلك جليا في الفترة التي عاشها المؤلف وعاصرها وهي أواخر العصر المملوكي ، وأوائل العصر العثماني ، وكان في هذه الفترة شاهد عيان.

فعند كلامه عن الدعاء المستجاب عند قبر إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام ، يقول : «وهذا ما لا شك فيه ، فإني جربته في أمر وقع لي من أمور الدنيا ، فكنت أتوقع الهلاك منه ، فتوجهت من بيت المقدس إلى بلد سيدنا الخليل ، عليه‌السلام» (١).

ولدى تحدثه عن البناء الموجود داخل السور السليماني يصف لنا هذا البناء وصفا دقيقا ، يجعلنا نرجح أنه قام بإجراء القياس والمساحة بنفسه (٢).

٢ ـ المصادر المكتوبة :

عوّل العليمي بشكل أساسي ، على المصادر المكتوبة محاراة لروح العصر ، وقد أورد العليمي الكثير من أسماء مصادره بين ثنايا وصفحات كتابه ، واتسعت نقوله عن هذه المصادر تبعا لاتساع النطاقين الزماني والمكاني لكتاب الأنس الجليل ، وهذه النقول والإشارة إلى المصادر تقل كلما اقتربنا من عصر العليمي حيث اعتمد على مشاهداته وخبرته ووظيفته.

أما موضوعات كتابه المتنوعة ، فاستقاها مؤرخنا من المصادر التالية :

١ ـ التوراة.

٢ ـ القرآن الكريم.

٣ ـ كتب السنن والأخبار النبوية كصحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، ومسند أحمد بن حنبل ، وكتب الموضوعات والأحاديث الضعيفة.

٤ ـ كتب التفسير.

٥ ـ كتب المغازي والسيرة النبوية.

٦ ـ كتب التاريخ العام المرتبة على السنين وغيرها.

٧ ـ تواريخ الخلفاء والسلاطين.

__________________

(١) ينظر : ص ٩٥.

(٢) ينظر : ص ١٠٠ ـ ١٠١.


٨ ـ كتب الأنساب والتراجم.

٩ ـ كتب الجغرافيا.

ونظرا لوفرة هذه المصادر فإننا سنكتفي بذكر أبرزها :

١ ـ التوراة :

أخذ العليمي معظم أخبار التوراة عن طريق بعض المحدثين المسلمين المنحدرين من أصول يهودية كوهب بن منبه وكعب الأحبار ويذكر ما نقل عن التوراة مسبوقا بعبارة : «وقال أهل التوراة» (١) ، ولعل عدم أخذ العليمي عن التوراة مباشرة يعود إلى عدم قناعته بصحتها كما هي عادة المحدثين المسلمين حيث يقول : «وأما التوراة العبرانية التي بأيدي اليهود ، والتوراة السامرية فكل واحدة منهما مبدلة لا عمل عليها والله أعلم» (٢).

واستفاد العليمي من التوراة في ذكر أخبار الأنبياء ، وأزواجهم ، وأولادهم وعلاقتهم بالأرض المقدسة ، كما أشار إلى آراء أهل الكتاب في بدء الخليفة.

٢ ـ القرآن الكريم :

يأتي القرآن الكريم على رأس سلم المصادر التي اعتمد عليها العليمي ، لا سيما عندما يتحدث عن بدء الخلق أو قصص الأنبياء ، والسيرة النبوية وأخبار الصحابة من المهاجرين والأنصار ، وكثيرا ما وردت الآيات ضمن السياق التاريخي.

كما ربط العليمي بين آيات القرآن الكريم والأهمية الروحية والدينية لبيت المقدس خاصة عند تفسيره لسورة الإسراء وبعض الآيات التي تذكر الأماكن المقدسة في فلسطين (٣).

٣ ـ السنة النبوية :

تعد السنة النبوية مصدرا من مصادر العليمي الأساسية أتاحت له ثقافته الواسعة الإفادة منها خاصة في قصص الأنبياء ، والهجرة النبوية وفضائل الصحابة ، وفضائل الشام وبيت المقدس ، وقد أورد العليمي هذه الأحاديث مستندا إلى كتب الصحاح (٤) أحيانا ، وأوردها دون سند صحيح أحيانا أخرى (٥).

__________________

(١) ينظر : ص ١٣ ، ٢٢ ، ١٧٤ ، ١٧٥.

(٢) ينظر : ص ٢٤٦.

(٣) ينظر : ص ٩ ، ١٠.

(٤) ينظر : ص ١٦٥ ، ١٦٦ ، ١٧٣.

(٥) ينظر : ص ١٥ ، ١٩ ، ٢١ ، ٣١ ، ٣٥.


٤ ـ كتب التفسير :

لجأ العليمي إلى كتب التفسير والبحوث القرآنية في كثير من الأحيان ، وقد أورد العليمي أسماء هذه التفاسير التي اتكأ عليها ومنها : تفسير ابن عباس ، وتفسير ابن جماعة (١) ، وتفسير البغوي (٢) ، وتفسير ابن برجان (٣) ، وتفسير القرطبي (٤) ، وتفسير البيضاوي (٥) ، وهناك تفاسير لم يصرح العليمي بذكرها وإن كنا نرجح أنه استخدمها كتفسير الطبري وابن كثير.

٥ ـ كتب التاريخ والفضائل وقصص الأنبياء :

اتصفت المصادر التي اعتمد عليها العليمي بالتنوع والتعدد ، وهذا راجع لطبيعة الدراسة حيث شملت المساحة الزمنية فترة طويلة ، وامتدت من بداية الخليقة وحتى بدايات القرن العاشر الهجري.

وقد اعتمد العليمي على كتابات من سبقه من المؤرخين حيث قال : «... عنّ لي أن أجمعه من كتب المتقدمين وأهذب ألفاظه من فوائد المؤرخين وتراجم الأعيان على وجه الاختصار» (٦).

ومن هؤلاء المؤرخين الذين اعتمد العليمي على كتاباتهم :

١ ـ أحمد بن محمد الثعلبي (ت ٤٢٧ ه‍ / ١٠٣٥ م) (٧) :

يعتبر الثعلبي من رواد الثقافة الإسلامية له مصنفات عدة ، وقد اعتمد العليمي على كتابه قصص الأنبياء المعروف بعرائس المجالس ، واستفاد من معلوماته في التأريخ لحياة الأنبياء على وجه الخصوص (٨).

٢ ـ عماد الدين أبو عبد الله الأصفهاني (ت ٥٩٧ ه‍ / ١٢٠١ م) (٩) :

صاحب كتاب الفتح القسي في الفتح القدسي ، وقد تحدث فيه عن معركة

__________________

(١) ينظر : العليمي ١٦١ ؛ حاجي خليفة ١ / ٣٦٠.

(٢) ينظر : ص ٢٣٨ ، ٢٤٤ ، ٢٦١ ؛ حاجي خليفة ١ / ٣٦٤.

(٣) ينظر : ص ٥٠٥ ؛ حاجي خليفة ١ / ١١٥.

(٤) ينظر : ص ١٦٨ ؛ حاجي خليفة ١ / ٣٦٠.

(٥) ينظر : العليمي ٤٢٣ ؛ حاجي خليفة ١ / ١٩٧.

(٦) ينظر : ص ١.

(٧) ينظر : ابن خلكان ١ / ٧٩ ـ ٨٠ ؛ ابن العماد ٣ / ٢٣٠ ؛ البغدادي ، هدية ٥ / ٦٤.

(٨) ينظر : ص ٥٤ ، ٧١ ، ٨٧ ، ٩٠ ، ١١٧.

(٩) ينظر : ياقوت ، معجم الأدباء ١٩ / ١٢ ـ ١٤ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٣٧٨ ؛ ابن خلكان ٥ / ١٤١ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ١٥٩ ـ ١٦٠.


حطين وفتح عكا بعد أن أعطى صلاح الدين لأهلها الأمان ، كما تحدث عن المعارك التي خاضها صلاح الدين ضد الفرنج ، وكان الأصفهاني معاصرا للأحداث التي جرت في تلك الفترة ، بل شارك في هذه الأحداث بشكل فاعل ، وقد نقل عنه العليمي في أكثر من موقع (١).

٣ ـ الملك المؤيد بن السلطان الأفضل نور الدين بن الحسن المشهور بأبي الفداء صاحب حماة (ت ٧٣٢ ه‍ / ١٣٣١ م) (٢) :

صاحب كتاب المختصر في أخبار البشر وهو يتناول تاريخ فترة ما قبل الإسلام ، ثم تاريخ الإسلام حتى عام (٧٢٩ ه‍ / ١٣٢٩ م) ، وقد أفاد البحث بمعلومات عن تاريخ الأنبياء والسيرة النبوية ، والصراع بين صلاح الدين الأيوبي والفرنجة. ونظام الكتاب على الترتيب الحولي ، وقد نقل العليمي الكثير عنه (٣).

٤ ـ شهاب الدين أبو محمود أحمد بن محمد بن إبراهيم بن هلال المقدسي الشافعي (ت ٧٦٥ ه‍ / ١٣٦٤ م) (٤) :

صاحب كتاب مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام ، وقد أورد العليمي الكثير من النقول عن صاحب هذا الكتاب خاصة عندما يتحدث عن تاريخ الأنبياء وتاريخ المسجد الأقصى وقبة الصخرة وفضائل الشام والصحابة والتابعين الذين سكنوها (٥).

٥ ـ القاضي أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله الشافعي (٦) :

صاحب كتاب الأنس في فضائل القدس (٧) ، وقد احتوى هذا الكتاب على فضائل المسجد الأقصى ، وقد نقل العليمي عنه (٨).

__________________

(١) ينظر : ص ٥٠٢ ، ٥٦٠ ، ٥٨٤.

(٢) ينظر : اليافعي ٤٠٠ / ٢٨٤ ؛ ابن كثير ، البداية ١٤ / ١٥٨ ؛ ابن حجر ، الدرر ١ / ٣٧١ ـ ٣٧٣ ؛ ابن العماد ٦ / ٩٨ ؛ بروكلمان ، أبو الفداء ١ / ٣٨٦ ـ ٣٨٧ ؛ عطا الله ٢٨ ؛ Gibb ,Abu Alfida ١١٩ ـ ١١٨ / ١.

(٣) ينظر : ص ٨١ ، ٩٠ ، ٢٤٦.

(٤) ينظر : ابن حجر ، الدرر ١ / ٢٥٧ ؛ الخطيمي ٢٣ ـ ٣٨ ؛ حاجي خليفة ٢ / ٤٨٩.

(٥) ينظر : ص ٢٠٠ ، ٢٠٢ ، ٢٦٨ ، ٤٠٦ ، ٤٠٧ ، ٤٣١ ، ٤٤٤ ، ٤٤٨.

(٦) ينظر : حاجي خليفة ١ / ١٩١.

(٧) ينظر : المصدر نفسه.

(٨) ينظر : العليمي ٢ / ٥٨.


٦ ـ أبو المعالي المشرف بن المرجا المقدسي (ت ٨٣٨ ه‍ / ١٤٣٤ م) (١) :

وقد اعتمد العليمي على كتابه فضائل القدس والشام (٢) ، ونقل عنه في أكثر من موقع (٣).

٦ ـ كتب الأنساب والتراجم والطبقات :

اعتمد العليمي على من سبقه في ترجمته للصحابة والتابعين ، والعلماء والزهاد الذين زاروا أو أقاموا في بيت المقدس.

ومن أصحاب التراجم الذين اعتمد عليهم :

١ ـ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي (ت ٥٩٧ ه‍ / ١٢٠٠ م) (٤) :

وله كتاب صفوة الصفوة ، وهو مختصر لطبقات الأولياء ، وفيه تراجم للصحابة والتابعين ، وقد استفاد منه العليمي عندما تحدث عن الصحابة والتابعين الذين زاروا أو أقاموا في بيت المقدس (٥).

٢ ـ شمس الدين أحمد بن محمد بن خلكان (ت ٦٨١ ه‍ / ١٢٨٢ م) (٦) :

صاحب كتاب وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، وقد استفاد العليمي من هذا الكتاب في الترجمة لبعض التابعين وكذلك بعض العلماء الذين زاروا أو أقاموا في بيت المقدس ، وقد رجع العليمي لهذا المصدر عندما تحدث عن فتح بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي (٧).

٣ ـ تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي (ت ٧٧١ ه‍ / ١٣٧٠ م) (٨) :

في كتابه طبقات الشافعية ، وقد اعتمد العليمي على هذا الكتاب لدى ترجمته لعلماء بيت المقدس من الشافعية ، وذكر هذا المصدر في أكثر من موقع (٩).

__________________

(١) ينظر : حاجي خليفة ٢ / ٢٥٦.

(٢) ينظر : المصدر نفسه.

(٣) ينظر : ص ٣٦٣ ، ٣٦٥ ، ٤٣١ ، ٤٥٦.

(٤) ينظر : ابن خلكان ٣ / ١٤٠ ـ ١٤٢.

(٥) ينظر : العليمي ٢ / ٢٦٢ ، ٣٠٢.

(٦) ينظر : ابن خلكان ١ / ٥ ؛ السبكي ٥ / ١٤ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٥ / ٣٥٣ ؛ ابن العماد ٥ / ٣٧١.

(٧) ينظر : ص ٥٠٦.

(٨) ينظر : ابن حجر ، الدرر ٢ / ٤٢٥ ـ ٤٢٩ ؛ حاجي خليفة ٢ / ١١٨.

(٩) ينظر : العليمي ٤٥٧.


٧ ـ كتب الجغرافيا :

لقد أشار الجغرافيون المسلمون إلى القدس والخليل ، وإلى مكانتهما الدينية ، وقد أخذ العليمي عمن سبقه من الجغرافيين. ومن هؤلاء الذين أشار إليهم :

١ ـ أبو الحسن علي بن أبي بكر الهروي (ت ٦١١ ه‍ / ١١٦٢ م) (١) :

وقد اعتمد العليمي على كتابه الإشارات إلى معرفة الزيارات ، خاصة في تحديده للأماكن في الشام حيث وصف الهروي زياراته لأضرحة الأولياء والمقامات والمساجد والمقدسات عموما ، واحتوى الكتاب على بيانات تاريخية ، وخصوصا عن بلاد الشام في زمن الفرنجة (٢).

٢ ـ محمد بن أحمد البناء المقدسي (ت ٣٨٠ ه‍ / ٩٩٠ م) (٣) :

في كتابه البديع في تفصيل مملكة الإسلام (٤) ، وقد أفاد منه في ذكر بعض المواقع الجغرافية مثل : قرية حبرى (٥).

وبالإضافة لما سبق رجع العليمي إلى مصادر أخرى نقل عنها ، ومن أصحاب هذه المصادر :

علي بن أبي محمد الحسن المعروف بابن عساكر الدمشقي (ت ٦٦٥ ه‍ / ١٢٦٧ م) ، وله كتاب تاريخ دمشق ، والقاضي عياض بن موسى بن عياض اليحصبي (ت ٥٤٤ ه‍ / ١١٤٨ م) صاحب كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، ويحيى بن شرف الدين النووي الدمشقي (ت ٦٧٦ ه‍ / ١٢٧٧ م) في كتابه تهذيب الأسماء واللغات ، وأبو حفص عمر بن محمد بن عبد الله السهروردي (ت ٥٦٣ ه‍ / ١٢٣٤ م) في كتابه عوارف المعارف.

[٣ : ٣] نسخ المخطوط :

اعتمدت في تحقيق القسم موضوع الأطروحة من كتاب الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل الذي بدأ من المقدمة وانتهى إلى الفتح الناصري الداودي لبيت المقدس على خمس نسخ مصورة أشرت إليها بالرموز أ ، ب ، ج ، د ، ه ، وهي كما يلي :

__________________

(١) ينظر : ابن خلكان ٣ / ٣٤٦ ؛ ابن العماد ٥ / ٤٩ ؛ البغدادي ، هدية ٥ / ٥٦٥ ؛ العسلي ، بيت المقدس ٥٦.

(٢) ينظر : الهروي ٢٠٢.

(٣) ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٥ / ١٩٦ ؛ البغدادي ، هدية ٦ / ٥١ ؛ الزركلي ٥ / ٣١٢.

(٤) ينظر : البغدادي ، هدية ٦ / ٥١.

(٥) ينظر : ص ٨٠.


١ ـ نسخة الأصل أ :

وهي نسخة محفوظة في مكتبة لندن تحت رقم (٨٥١٦) B.L ، وقد حصلت على صورة منها من مكتبة الأستاذ فهمي الأنصاري.

تقع هذه النسخة في (١٧٦) ورقة من القطع المتوسط ، ويبلغ عدد الأسطر في الصفحة الواحدة (٣٣) سطرا ، ومتوسط عدد الكلمات في كل سطر يتراوح بين ١٧ ـ ٢٠ كلمة.

وقد كتبت هذه النسخة بخط واضح مقروء ، يغلب عليه الضبط والإتقان ، ويظهر عنوان هذا المخطوط بشكل واضح على الصفحة الأولى. وكتبها أبو سعود الدقاق سنة (١١١٨ ه‍ / ١٧٠٦ م).

ومن هذه المميزات النسخية التي توفرت فيها ، ومن مقارنتها مع النسخ الأخرى التي اعتمدت عليها في التحقيق تبين لي أنها أدق النسخ وأكثرها ضبطا ، لذا اعتمدتها أصلا في تحقيق هذا الكتاب ، وقد رمزت لهذه النسخة (أ).




٢ ـ نسخة ب :

وقد حصلت على صورة منها أيضا من مكتبة الأستاذ فهمي الأنصاري ، وقد كان أصلا للطبعة التي أصدرتها المطبعة الوهبية في مصر سنة (١٢٨٣ ه‍ / ١٨٦٦ م) ، وعن هذه الطبعة تمت طباعة طبعات عديدة هي :

١ ـ طبعة النجف الأشرف في العراق ضمن سلسلة مطبوعات المكتبة الحيدرية د. ت.

٢ ـ طبعة بيروت عام ١٩٧٢ م.

٣ ـ طبعة مكتبة المحتسب ، عمان ١٩٧٣ م.

٤ ـ طبعة دار النهضة ، بغداد ١٩٩٦ م.

يبلغ عدد أوراق النص (٤٠٨) ورقة ، ومتوسط عدد السطور (٢٥) ، ومتوسط عدد الكلمات (١٣).

وعلى الرغم من ضبط هذه النسخة وإتقانها ودقة كتابتها ، إلا أننا نفتقد القدرة على الاستدلال على تاريخ هذه النسخة ومكان كتابتها ، وناسخها.




٣ ـ نسخة ج :

حصلت عليها من الأستاذ محمود كعابنة ، والذي صورها عن نسخة في مركز الوثائق والمخطوطات التابع للجامعة الأردنية.

وعنوان الكتاب واسم مؤلفه ظاهران على غلاف هذه النسخة بشكل واضح ، وتاريخ هذه النسخة يعود إلى عام  (١٠٢٢ ه‍ / ١٦١٣ م) ، ولم يتم تصنيفه أو فهرسته ، ويبلغ عدد أوراقه (٢٠٨) ورقة ، ومتوسط عدد الأسطر في كل ورقة (١٩) سطرا ، ومتوسط عدد الكلمات في كل سطر (١٤) كلمة ، ويعد أقدم النسخ التي اعتمدت عليها.

وعلى الورقة الأولى تمليك نصه : «تشرف بتملكه العبد الفقير الشيخ حسام الدين الشهير زاده» ، وخط هذه النسخة واضح ومقروء ، ولكن لا يوجد تاريخ نسخ أو اسم ناسخ. وهذا المخطوط به نقص وخاصة في الصفحات الأخيرة منه.





٤ ـ نسخة د :

وهي مصورة عن مخطوط موجود في الجامعة الأمريكية في بيروت ، ويحمل الرقم (٤٦٣) وقد اعتمدت على صورة بالميكروفيلم موجودة في الجامعة الأردنية وتحمل رقم (٧٩٨).

يبلغ عدد صفحات هذا المخطوط (٣٠٦) صفحات ، وعدد السطور في كل صفحة (١٩) سطرا ، ومتوسط عدد الكلمات (١٠) كلمات في السطر الواحد ، ولا يوجد ذكر للناسخ.

وهذه النسخة خطها غير واضح ولحقتها آثار الرطوبة والأرضة ويظهر ذلك بين ثنايا الصفحات ، فكثير من الأسطر مطموسة ، وكثير من الكلمات غير واضحة ، وفي هذه النسخة تداخل في المواضيع ، وذكر في نهاية هذه النسخة أن تاريخ تبييضها كان في يوم الثلاثاء ٩ شوال سنة (١٠٧٤ ه‍ / ١٦٦٣ م).




٥ ـ نسخة ه :

وهذه النسخة موجودة في مكتبة لندن تحمل الرقم (B.L.٧١٥٨) ، وقد حصلت على صورة عنها من مكتبة الأستاذ فهمي الأنصاري بالقدس ، والذي حصل عليها من مكتبة لندن. يبلغ عدد أوراق هذا المخطوط (٤٢٩) صفحة ، وتحتوي الصفحة على (٢٥) سطرا ، ومتوسط الكلمات في كل سطر (١٧) كلمة.

لم يذكر اسم الناسخ على هذا المخطوط ، ويعود تاريخ نسخه إلى عام (١١٤٤ ه‍ / ١٧٠٢ م) وهذا المخطوط خطه واضح ومقروء ، وبعض الكلمات خلت من النقط والإعجام مثل كلمة : قال ، وابن ، وأبو.




٥ ـ منهج التحقيق :

ينحصر منهج تحقيق كتاب الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل للعليمي في النقاط التالية :

١ ـ بعد أن حصلت على النسخ السابق ذكرها لكتاب الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل محاولا التعرف على أدق النسخ وأكثرها ضبطا ، فتبين لي بعد المقارنة أن أكثر هذه النسخ صحة هي نسخة مكتبة لندن ذات الرقم (.. ٨٥١٦) ، والتي حصلت عليها من الأستاذ فهمي الأنصاري ورمز له ب (أ).

وقد اتخذت من هذه النسخة أصلا وذلك لأنها كاملة ، وحالتها جيدة وخطها واضح ، ويبدو أن ناسخها كان على علم بما يكتب ، فجاءت قليلة التصحيف والتحريف ، كبيرة الجودة والإتقان.

٢ ـ قمت بنسخ المخطوط (أ) بخط اليد ، وبعد ذلك قارنت النسخ الأخرى على نسخة الأصل ، وأثبت الفروق بين هذه النسخ في الهوامش ، وقد أشرت إلى هوامش مقارنة المخطوطة بالخط الأسود الداكن.

ورمزت لكل مخطوط بحرف أ ، ب ، ج ، د ، ه.

٣ ـ أرجعت الآيات القرآنية إلى مصدرها مبينا سورها وأرقامها من الكتاب العزيز ، وقد قمت بطباعة الآيات حسب الرسم القرآني مع التطبيع.

٤ ـ قمت بتخريج الأحاديث النبوية من مظانها الأصلية في كتب الحديث.

٥ ـ قمت بالترجمة للكثير من الأعلام الواردين في الكتاب ممن رأيت أنهم بحاجة إلى ترجمة وتعريف ، وقد رجعت في ذلك إلى العشرات من كتب الأنساب والتاريخ والتراجم والطبقات. وفي بعض الأحيان قمت بالإشارة إلى المصادر التي ترجمت لهؤلاء الأعلام.

٦ ـ قمت بشرح بعض الألفاظ والمصطلحات اللغوية العربية منها والأجنبية مما رأيت أنه بحاجة إلى شرح أو تعليق ، كما عرفت بالكثير من البلدان والمواقع الواردة في النص معتمدا في ذلك على المعاجم اللغوية والبلدانية.

٧ ـ اتبعت الرسم الإملائي الحديث في كثير من الكلمات مثل : إسحاق ، إبراهيم ، السماوات فإنها في المخطوط كتبت بهذا الشكل : (إسحق ، إبراهيم ، السموات).

٨ ـ أشرت في جوانب الصفحات إلى نهاية جانب كل صفحة في المخطوط ، حيث قسمنا الصفحة إلى قسمين (أ) و (ب).


٩ ـ وحدت كلمتي الفرنج والإفرنج وجعلتهما كلغة المصادر التاريخية (الفرنج).

١٠ ـ قلبت الياء همزة في كثير من الكلمات ، حيث كتبت بالمخطوط بالياء ، وكان يجب أن تكتب بالهمزة مثل : (المنائر بدل المناير ، والعزائم بدل العزايم ، والضرائب بدل الضرايب).

١١ ـ أدخلت مختصر كلمة هجري ـ ه ـ على السنوات في المخطوط لعدم وجوده ولضرورته.

١٢ ـ اعتمدت على المصادر التاريخية أحيانا كالطبري ، وابن الأثير ، والثعلبي ، عند اختلاف النسخ ، وأشرت إلى ذلك في هوامش المقارنات.



النص


بسم الله الرحمن الرحيم (١)

الحمد لله المتفضل على خلقه بفتح أبواب الرحمة ، المحسن إلى أهل الملة الحنيفية (٢) بترادف الخير والرحمة (٣) ، الذي يسر لمن اختاره دينه أسباب علو الهمة ، وأنعم على عبيده سكان البيت المقدس (٤) بما منحهم من الإقامة به ، وكشف عنهم الغمة ، أحمده سبحانه على ما منّ به علينا من المجاورة للمسجد الأقصى (٥) ، وأشكره على مننه التي كثرت فلا تعد ولا تحصى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الفعال لما يريد ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي نصر به دينه وقمع كل جبار عنيد ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين أيد الله بهم الإسلام ، فمهدوا قواعد الدين من بعده وقاموا بنصرته أعظم قيام ، صلاة وسلاما دائمين إلى أن نلقاه ، إن شاء الله ، بدار السلام.

أما بعد (٦)) فهذا مختصر استخرت الله تعالى في جمعه ، وسألته المعونة لي بفضله في ترتيب وضعه ، يتضمن تاريخ البيت المقدس الذي هو على التقوى مؤسس ، وقصة السيد الجليل ، سيدنا إبراهيم الخليل (٧) ، وأبنائه السادة الكرام وغيرهم من الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام (٨) ، عنّ لي أن أجمعه من كتب المتقدمين وأهذب ألفاظه من فوائد المؤرخين ، وأذكر ما يتعلق ببيت المقدس من ابتداء أمره وبنائه ، وما وقع من أخباره وأنبائه ، من لدن سيدنا آدم ، عليه‌السلام ، إلى عصرنا هذا وهو أواخر (٩) عام تسعمائة من هجرة النبي المصطفى خير الأنام ،

__________________

(١) بسم الله الرحمن الرحيم أ ب : وبه نستعين د : رب يسر كريم ه : ـ ج.

(٢) الحنيفية : الحنيف الذي يؤمن بالرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم ، والحنيفية : شهادة أن لا إله إلا الله ، ينظر : ابن كثير ، تفسير ١ / ١٨٧.

(٣) الخير والرحمة أ ج د ه : + النعمة ب.

(٤) البيت المقدس أ ب ج د : بيت المقدس ه.

(٥) للمسجد الأقصى أ ب ج د ه : للمسجد الشريف الأقصى د.

(٦) أما بعد أ ب ج ه : وبعد د.

(٧) السيد الجليل سيدنا إبراهيم ب ج د ه : السيد الجليل إبراهيم أ.

(٨) عليهم الصلاة والسلام ب د ه : عليهم‌السلام أ ج.

(٩) أواخر أ د ه : أخر ب ج.


إلى ذلك نبذة من الحوادث والأخبار وتراجم الأعيان على وجه الاختصار ، فاستعنت بالله سبحانه فيما قصدته ، وتوكلت عليه في تيسير ما تصورته ، وشرعت في ذلك طالبا من الله التوفيق والمنّ بالهداية لأقوم طريق ، فأذكر أولا نبذة يسيرة من تفسير أول سورة الإسراء وأسماء (١) المسجد الأقصى وبيت المقدس وما ورد من الخلاف في ابتداء أمره ، ثم أذكر (٢) أول ما خلق الله سبحانه وتعالى من مخلوقات إلى حين خلق آدم ، وأذكر سيدنا آدم ، عليه‌السلام ، ومن بعده من الأنبياء إلى إبراهيم ونبذة يسيرة من أخبارهم.

ثم أذكر قصة سيدنا إبراهيم الخليل (٣) ، عليه‌السلام ، ومولده ونبوته ونبذة من سيرته ومعجزاته وأولاده الكرام وهجرته وبناء الكعبة المشرفة وقصة الذبيح (٤) وشراء المغارة ووفاته وبناء السور السليماني المحيط بقبره وكونه صار مسجدا وذرعه طولا وعرضا ، وأذكر صفة المسجد وما هو مشتمل عليه ، وترتيب قبور الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام (٥) ، ونبذة من أخبار السماط (٦) الكريم ونظامه ، ثم أذكر (٧) ما بعد إبراهيم من الأنبياء إلى سيدنا موسى وأخيه هارون ، عليهما‌السلام ، ثم أذكر (٨) السبب في ملك سيدنا داود ، عليه‌السلام ، ونبذة (٩) يسيرة من سيرته واهتمامه ببناء المسجد الأقصى الشريف بإذن الله تعالى ، ثم أذكر عمارة سيدنا سليمان (١٠) ، عليه‌السلام ، لمدينة القدس الشريف (١١) والمسجد الأقصى وما كان عليه من الصفات التي من العجائب ، ونبذة من سيرة سيدنا سليمان ، ثم أذكر تخريبه على يد بخت

__________________

(١) وأسماء أ ج د ه : أو أسماء ب.

(٢) ثم أذكر أ ب ج د : وأذكرها ه.

(٣) إبراهيم الخليل أ ب ج د : الخليل إبراهيم ه.

(٤) الذبيح ب ج د ه : الذبح أ.

(٥) عليهم الصلاة والسلام أ ج د ه : عليهم‌السلام ب.

(٦) السماط : ما يمد ليوضع عليه الطعام في المآدب وغيرها ، والمقصود بسماط الخليل : الطعام الذي يطبخ ويوزع على المجاورين والواردين ، ويعرف في زماننا هذا بشوربة سيدنا إبراهيم ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٧ / ٣٢٥ ؛ المقريزي ، الخطط ٢ / ٤١٠ ؛ النابلسي ٢٥٢ ؛ المعجم الوسيط ٢ / ٢١٠.

(٧) ثم أذكر ما بعد إبراهيم ب ج د ه : ثم أذكر من بعد إبراهيم أ.

(٨) ثم أذكر أ ب ج : وأذكر ه : ـ د.

(٩) ونبذة أ ج د ه : ثم أذكر نبذة ب.

(١٠) ثم أذكر عمارة سليمان ... سيدنا سليمان أ ب ج ه : ـ د.

(١١) لمدينة القدس الشريف أ ج د ه : القدس الشريف ب / / من الصفات التي من العجائب أ ج د ه : الصفات والعجائب ب.


نصر (١) والسبب فيه ، ثم أذكر عمارته الثانية (٢) على يد كورش (٣) ملك الفرس ، [١ / أ] وأذكر من كان من الأنبياء من بعد سليمان إلى / / سيدنا يونس ، عليهم‌السلام ، ثم أذكر (٤) سيدنا زكريا ويحيى وعيسى بن مريم ، عليهم‌السلام ، ونزول المائدة على عيسى وصعوده إلى السماء ونبذة من سيرته ، ثم أذكر خراب بيت المقدس الثاني على يد طيطوش (٥) وزوال دولة اليهود ، ثم أذكر عمارته الثالثة.

ثم أذكر سيد الأولين والآخرين ، وحبيب رب العالمين ، محمدا ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٦) ، ونبذة من سيره الشريفة وقصة المعراج وما وقع له ليلة الإسراء بالمسجد الأقصى الشريف ، وهجرته وبناء مسجده (٧) الشريف ، وتحويل القبلة من صخرة بيت المقدس إلى المسجد الحرام ، ونبذة من أخبار وغزواته ووفاته ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم أذكر نبذة من فضائل المسجد الأقصى وما ورد فيه (٨) ، ثم أذكر الفتح العمري الذي يسّره الله ، سبحانه وتعالى ، على يد أمير المؤمنين (٩) عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، وعمارته على يده (١٠) ، ومن دخله من أعيان الصحابة واستوطنه ، وأذكر المهدي الذي يكون آخر الزمان (١١) بالقدس ، ثم أذكر بناء عبد الملك بن مروان لقبة الصخرة (١٢) والمسجد

__________________

(١) بخت نصر : ولي عرش بابل من عام ٦٠٥ إلى ٥٦٢ ق. م ، وهو الذي فتح بيت المقدس ، وانتصر على بني إسرائيل ودمر هيكلهم وانصرف إلى بابل ومعه السبابا من بني إسرائيل ، وتقول التوراة اليهودية : أن نقمة الله حلت به فاختلط عقله ، ينظر : الدينوري ٢٣ ؛ الطبري ، تاريخ ١ / ٥٤٢ ؛ الثعلبي ١٨٣ ـ ١٨٦ ؛ القزويني ٢٩٦ ؛ الدباغ ٨ / ٨٣.

(٢) الثانية د : الثالثة أ ب ج ه.

(٣) كورش : وهو كورش الثاني الكبير (٥٨٥ ـ ٥٢٩ ق. م) ملك فارس (٥٥٠ ـ ٥٢٩ ق. م) يعد المؤسس للأمبراطورية الإخمينية ، فتح بابل وأنهى الأسر البابلي وسيطر على سوريا وفلسطين ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٢٩ ؛ الطبري ، تاريخ ١ / ٥٣٦ ؛ المسعودي ١ / ٢٣١ ؛ بعلبكي ٢ / ٩٩٢.

(٤) أذكر أ ج د ه : + مولد ب.

(٥) طيطوش : ويقال له طيطوس وهو امبراطور روماني ولد سنة ٤٠ م ، وتوفي ٨١ م ، كان قائد للرومان في الحرب مع اليهود ، وقد أنهى الحرب عام ٧٠ م ، وأخذ أورشليم وقتل سكانها وبدد شملهم ، ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٦٠٦ ؛ المسعودي ١ / ٣١٢ ـ ٣١٣ ؛ المقدسي ، البدء ٣ / ٢١١ ؛ البستاني ٦ / ٢٩٦.

(٦) محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د ه : ـ د.

(٧) مسجده أ ب ج د : مسجد ه.

(٨) فيه أ ب ج د : ه / / الله سبحانه وتعالى أ د ه : الله تعالى ب ج.

(٩) أمير المؤمنين أ ب ج د : ـ ه.

(١٠) يده أ ج د ه : يديه ب.

(١١) يكون آخر الزمان أ ج د ه : يكون في آخر الزمان ب / / بالقدس أ ج د ه : + الشريف ب.

(١٢) الصخرة أ : + الشريفة ب ج د ه / / والمسجد أ د ه : وبناء المسجد ب ج / / أخبار أ ب ج ه : ـ د.


الأقصى وما وقع في ذلك ، وأذكر طرفا من أخبار عبد الله بن الزبير ، رضي‌الله‌عنه ، وما وقع له مع الحجاج بن يوسف بأمر عبد الملك وهدم الكعبة وبناءها مرة بعد أخرى (١) ، ونبذة من أخبارها ، وذرع المسجد الحرام طولا وعرضا وعدد أبوابه ومنائره (٢) ، ثم أذكر جماعة من أعيان التابعين والعلماء والزهاد ممن دخل بيت المقدس زائر ومستوطنا قبل استيلاء الفرنج عليه ، ثم أذكر تغلب الفرنج واستيلائهم على بيت المقدس بعد ذلك لضعف دولة الفاطميين وسوء تدبيرهم ، ثم أذكر الفتح الصلاحي الذي يسّره الله تعالى على يد السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب (٣) ، تغمده الله برحمته (٤) ورضي عنه ، وما وقع له من الغزوات ونبذة من سيرته ووفاته ، ثم أذكر ما وقع بعده من تسليم القدس للفرنج وانتزاعه منهم مرة بعد أخرى لوقوع الخلف بين ملوك بني أيوب.

ثم أذكر (٥) صفة المسجد الأقصى وما هو عليه في عصرنا وذرعه طولا وعرضا وكذلك صحن الصخرة الشريفة وارتفاع القبة ، ثم أذكر غالب ما في بيت المقدس من المدارس والمشاهد مما هو مجاور (٦) سور المسجد الأقصى وغيره ، وأسماء من عرفته من الواقفين للمدارس وما اطلعت عليه من تواريخ أوقافهم ، ثم أذكر ما بظاهر بيت المقدس من عين سلوان (٧) وعين المقذوفات (٨) ، وبئر أيوب (٩) وطور زيتا (١٠)(١١) وقبر مريم (١٢) ، والساهرة (١٣) وبيت

__________________

(١) مرة بعد أخرى أ ب ج ه : مرة أخرى بعد أخرى د.

(٢) ومنائره ب ج د ه : ومنابره أ.

(٣) صلاح الدين الأيوبي : أبو المظفر يوسف بن أيوب بن شاذي الملقب بالملك الناصر صلاح الدين ، صاحب الديار المصرية والشامية والفراتية واليمنية ، أصله من قرية دوين في أذربيجان ، وهو بطل معركة حطين ومحرر القدس ، توفي في صفر سنة ٥٨٨ ه‍ / ١١٣٩ م ، ينظر : ابن شداد ، سيرة صلاح الدين ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٢١٢ ـ ٢٢٤ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٥٨٩ ؛ ابن خلكان ٧ / ١٣٩ ؛ اليافعي ٣ / ٤٣٩ ـ ٤٦٥ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

(٤) تغمده الله برحمته أ ب ج د : وأسكنه فسيح جناته ه / / ورضي عنه أ ج ه : ـ ب : ورضوانه د.

(٥) ثم أذكر أ ب ج د : وأذكر ه.

(٦) مجاور ب ج ه : بجوار أ د / / سور أ ج د ه : لسور ب.

(٧) ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٤ / ٢١١ ؛ العليمي ٢ / ٥٧ ؛ العليمي ٧٨.

(٨) ينظر : العليمي ٢ / ٥٤ ؛ العليمي ٧٩.

(٩) ينظر : العليمي ٢ / ٥٨ ؛ العليمي ٧٩ ؛ الدباغ ٨ / ١٥٢.

(١٠) وطور زيتا أ ج د ه : وطول زيتا ب.

(١١) ينظر : العليمي ٢ / ٦٠ ؛ العليمي ٨٣ ؛ الدباغ ٨ / ١٥.

(١٢) ينظر ابن بطوطة ١ / ١٨٤ ؛ العليمي ٢ / ٦١ ؛ العليمي ٨٥ ؛ النابلسي ١٥١ ؛ الدباغ ٨ / ٢٠.

(١٣) ينظر : العليمي ٢ / ٦٣.


لحم (١) ورملة فلسطين (٢) واللد (٣) وغيرها (٤).

ثم أذكر نبذة من أخبار مدينة سيدنا (٥) الخليل ، عليه‌السلام ، وما فيها وما حولها مما اشتهر من المشاهد والأماكن المقصودة للزيارة ، وأذكر الإقطاع التميمي ، ثم أذكر جماعة من أعيان ملوك الإسلام ممن تولى على بيت المقدس وبلد سيدنا الخليل ، عليه‌السلام ، وفعل فيهما الخير من أنواع البر والعمارة ، ثم أذكر ما تيسر من أعيان علماء البلدتين من المذاهب الأربعة ومن ولي فيهما من المناصب الحكمية والوظائف الدينية ، ومن عرف (٦) بالزهد والصلاح ، وأذكر في تراجمهم (٧) نبذة مما اطلعت عليه من الحوادث والأخبار مما لا يخلو من فائدة ، إن شاء الله تعالى ، ثم أذكر (٨) ختم الكتاب بذكر ترجمة ملك العصر والزمان وهو (٩) مولانا السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي (١٠) ، نصره الله تعالى ، وأذكر (١١) مدرسته الشريفة فإنها (١٢) من محاسن بيت المقدس لا سيما كونها بالمسجد الأقصى الشريف ، وهي آخر مدرسة بنيت فيه ، وأذكر ابتداء ولايته السلطنة ، وأحوال بيت المقدس وبلد سيدنا الخليل (١٣) ، عليه‌السلام ، في أيامه ، وسبب بناء مدرسته وتولية مشيختها

__________________

(١) بلدة على بعد ١٠ كم عن القدس وفيها ولد المسيح عليه‌السلام ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ١ / ٦١٨ ؛ الحميري ١٢٣ ؛ العليمي ٩٠ ؛ شرّاب ٢٠٠.

(٢) رملة فلسطين : هي مدينة الرملة الفلسطينية المحتلة والتي كانت عاصمة وحاضرة فلسطين إلى أن احتلها الفرنجة سنة ١٠٩٩ م / ٤٩٢ ه‍ ، وسميت بالرملة لكثيرة الرمل فيها ، وفيها الكثير من الآثار الإسلامية ، ينظر : الحميري ٢٦٨ ؛ العليمي ٩١ ؛ شرّاب ٤١٧.

(٣) لد : مدينة فلسطينية محتلة ، تقع على مسافة ١٦ كم جنوبي شرق يافا ، ترتفع ٥٠ م عن البحر ، بلغ عدد سكانها قبل نكبة عام ١٩٤٨ م (١٨٢٥٠) نسمة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٣٧ ؛ الحميري ٥١٠ ؛ العليمي ٩٨ ؛ شرّاب ٦٣٧ ـ ٦٣٨.

(٤) وغيرها أ ج د ه : وغير ذلك.

(٥) سيدنا أ ج د ه : + إبراهيم ب / / عليه‌السلام أ ج د ه : عليه الصلاة السلام ب.

(٦) ومن عرف أ ج د ه+ فمنهم ب.

(٧) تراجمهم ب ج د ه : التراجم أ.

(٨) ثم أذكر ختم أ : ثم أختم ب ج د ه.

(٩) هو أ : هو ج د ه ـ ب.

(١٠) الأشرف أبو النصر سيف الدين قايتباي المحمودي الأشرفي ، ثم الظاهري ، سلطان الديار المصرية ومن ملوك الجراكسة ، وكان مملوكا اشتراه الأشرف برسباي صغيرا ، وتلقب بعد بيعته بالسلطنة بالملك الأشرف ، توفي عام ٩٠١ ه‍ / ١٤٩٦ م ، ينظر : السخاوي ، الضوء ٣ / ٢٠٢ ؛ العليمي ٣٧٩ ـ ٣٨٣ ؛ ابن إياس ٣ / ٣.

(١١) وأذكر ب ج د ه : وذكر أ.

(١٢) فإنها أ ج : وإنها ب د : ـ ه / / بالمسجد أ ج د ه : في المسجد ب.

(١٣) وبلد سيدنا الخليل أ ج د ه : وأحوال بلد سيدنا الخليل ب / / عليه‌السلام أ ج د ه : عليه الصلاة ـ والسلام د / / وسبب أ ج د ه : وأذكر سبب ب.


لشيخ الإسلام كمال / / الدين (١) أبي المعالي محمد بن أبي شريف الشافعي (٢) ، أدام [١ / ب] الله النفع بعلومه ، وأذكر تاريخ مولده وأسماء مصنفاته وما تيسر من ترجمته ، واجتهدت (٣) في إيجاز لفظ هذا الكتاب حسب الإمكان طلبا للاختصار.

وسميته ب (الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل) وإذا منّ الله بإكماله كان تاريخا للقدس والخليل خاصة ولغيرهما عامة ، فإنه يكون فيه تاريخ المساجد الثلاثة وغيرها ، فالكعبة المشرفة ذكرها بالنسبة إلى ذكر قصة سيدنا الخليل ، عليه الصلاة والسلام ، ومسجد النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ذكره بالنسبة لذكره (٤) الشريف ، وغير ذلك من الحوادث بالنسبة لارتباط الأخبار بعضهما ببعض ، وحين عزمي على جمعه لم أقصد ذلك وإنما قصدت ذكر ما يتعلق بالقدس والخليل فقط ، فتأملت ما قصدت جمعه فرأيت الحال (٥) يتطرق إلى ذكر جميع ذلك لأمور لا تخفى على من تأمل ، والله يعلم أني لم أقصد بذلك الفخر (٦) ، ولا أن يقال إني من جملة المصنفين لعلمي بحقيقة حالي في التقصير وأن بضاعتي في العلم مزجاة ، وإنما دعاني لذلك أن غالب بلاد الإسلام قد اعتنى بها الحفاظ وكتبوا ما يتعلق بتاريخها مما يفيد أخبارها الواقعة في الزمن السابق (٧).

وبيت المقدس لم أطلع له على شيء من ذلك يختص به ، وإنما ذكروا في التواريخ أشياء في أماكن متفرقة ، ورأيت الأنفس متشوقة إلى شيء من هذا النمط الذي قصدت فعله ، وإن بعض (٨) العلماء كتب شيئا يتعلق بالفضائل فقط ، وبعضهم تعرض لذكر الفتح العمري وعمارة بني أمية ، وبعضهم ذكر (٩) الفتح الصلاحي

__________________

(١) كمال الدين أ : الشيخ كمال الدين ب : كمال الملة والدين ج د ه.

(٢) كمال الدين أبي شريف : هو محمد بن محمد بن أبي بكر بن أبي شريف القدسي الشافعي ، ولد في بيت المقدس ونشأ بها ، وحفظ القرآن الكريم ، وقدم القاهرة وأخذ عن علمائها ، ثم تولى مشيخة الصلاحية ، ومن تصنيفه : الإسعاد لشرح الإرشاد في الفقه ، واللوامع في الأصول ، والفرائض في حل شرح العقائد ، توفي سنة ٩٠٠ ه‍ / ١٤٩٥ م ، ينظر : السخاوي ٩ / ٦٤ ـ ٦٧ ؛ العليمي ٢ / ٣٧٧ ـ ٣٨٢ ؛ العليمي ٤٧٤ ـ ٤٧٩.

(٣) واجتهدت أ د : واجتهد ب ج ه.

(٤) لذكره أ ج د ه : إلى ذكره ب.

(٥) فرأيت الحال أ ب ج : فإذا الحال د : ـ ه.

(٦) الفخر أ ب ج د : ـ ه.

(٧) السابق أ ب : السالف ج د ه.

(٨) وإن بعض أ : فإن بعض ب ج ه / / يتعلق ب ج د ه : ـ أ.

(٩) وبعضهم ذكر ... مما ليس فيه كثير فائدة أ ب ج د : ـ ه.


واقتصر عليه ولم يذكر ما وقع بعده ، وبعضهم ذكر (١) تاريخا تعرض فيه إلى ذكر بعض جماعة من أعيان بيت المقدس مما ليس فيه كبير فائدة ، وأحببت (٢) أن أجمع بين ذكر البناء والفضائل والفتوحات وتراجم الأعيان ، وذكر بعض الحوادث المشهورة ليكون تاريخا كاملا ، والله سبحانه المسؤول وهو المأمول أن يمنّ عليّ بتيسير إتمامه ، وكما وفقني لبدايته يعينني على إكماله وختامه ، وأن ينفعني والمسلمين بما فيه ، إنه قريب مجيب وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

نبذة يسيرة من تفسير أول سورة الإسراء

وذكر أسماء المسجد الأقصى

قال الله سبحانه وتعالى (٣) وهو أصدق القائلين في كتابه العزيز : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١) (٤).

قال المفسرون (٥) ، رضي‌الله‌عنهم (٦) : سبحان هي تنزيه الله تعالى من كل سوء ووصفه بالبراءة من كل نقص ، وتكون سبحان بمعنى التعجب ، أسرى بعبده ليلا أي سيره والعبد هو محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لم يختلف في ذلك أحد من الأمة ، من المسجد الحرام ، يعني مكة إلى المسجد الأقصى ، هو مسجد بيت القدس ، الذي باركنا حوله ، يعني بالأنهار والأشجار والثمار (٧).

وعن ابن عباس (٨) في قوله تعالى : باركنا حوله فلسطين والأرض ويأتي ذكر فلسطين فيما بعد إن شاء الله تعالى ، وأما الأردن فهو نهر الشريعة المذكور في قوله

__________________

(١) ذكر أ : كتبه ب ج د ه / / إلى ذكر أ ج د ه : لذكر ب.

(٢) وأحببت أ د : فأحببت ب ج ه.

(٣) قال الله سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلين في كتابه العزيز أ د : قال الله تعالى في كتابه العزيز بعد قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ب ج ه.

(٤) الإسراء : [١].

(٥) ينظر : ابن كثير ، تفسير ٣ / ٣ ـ ٧.

(٦) رضي‌الله‌عنهم أ ج د ه : رضي الله تعالى عنهم ب.

(٧) والثمار أ د ه : والأثمار ب ج.

(٨) ابن عباس : عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، رضي‌الله‌عنهما ، الإمام البحر عالم العصر ، ابن عم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مات صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولعبد الله ثلاث عشرة سنة ، وقد دعي له أن يفقه في الدين ويعلمه التأويل ، توفي ابن عباس في الطائف سنة ٦٨ ه‍ / ٦٨٧ م ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٧٣ ؛ ابن سعد ١ / ٢٧٨ ـ ٣٨٤ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١٤٨ ؛ الذهبي ، تذكرة ١ / ٤٠ ؛ ابن العماد ١ / ٢٩٤.


تعالى : (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ)(١) وهو بضم الهمزة وسكون الراء وضم الدال المهملة وتشديد النون (٢).

وقال أبو القاسم السهيلي (٣) قوله (٤) : الذي باركنا حوله يعني الشام والشام بالسريانية الطيب سميت بذلك لطيبها وخصبها ، وقيل : باركنا حوله (٥) بمقابر الأنبياء ، وقبلتهم ومهبط الملائكة والوحي ، وفيه يحشر الناس يوم القيامة ، وسمي الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام ، وقيل : كان هذا أبعد مسجد عن أهل مكة في الأرض يعظم بالزيارة (٦) ، وقيل : لبعده عن الأقذار والخبائث ، وروي أنه سمي الأقصى لأنه وسط الدنيا لا يزيد شيئا ولا ينقص.

/ / وقوله تعالى : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) (٣) (٧)(٨) ، [٢ / أ] روي عن أبي هريرة (٩) ، رضي‌الله‌عنه ، قال : أقسم ربنا جل جلاله بأربعة أشياء فقال : والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين. قال : التين طور سيناء مسجد دمشق ، والزيتون طور زيتا مسجد بيت المقدس ، وطور سينين حيث كلم الله موسى ، عليه‌السلام ، وهذا البلد الأمين جبل مكة.

ومن أسماء بيت المقدس إيليا همزة مكسورة ثم ياء آخر الحروف ساكنة ثم لام مكسورة ثم ياء آخر الحروف ثم ألف ممدودة كسر ياء وحكى (١٠) فيها القصر ومعناه بيت الله المقدس ، وبيت المقدس بفتح الميم وسكون القاف أي المكان

__________________

(١) البقرة : [٢٤٩].

(٢) ينظر : ابن عباس ، تفسير ٢٣٣.

(٣) أبو القاسم السهيلي : عبد الرحمن بن الخطيب أبي محمد عبد الله بن الخطيب السهيلي ، الإمام المشهور صاحب كتاب الروض الأنف في شرح سيرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سكن إشبيلية ولازم القاضي ابن العربي ، وتوفي في مراكش سنة (٥٨١ ه‍ / ١١٥٨ م) ، ينظر : ابن خلكان ٣ / ١٤٣ ـ ١٤٤ ؛ الذهبي ، تذكرة ٤ / ١٣٤٨ ؛ المقري ٢ / ٣٧٤.

(٤) قوله ب ج د ه : ـ أ.

(٥) باركنا حوله بمقابر الأنبياء أ : غير ذلك ، وقيل سماء مباركا لأنه مقر الأنبياء ب ج د ه.

(٦) بالزيارة أ ب ج : للزيارة ب د.

(٧) التين : [١ ـ ٣].

(٨) وطور سينين وهذا البلد الأمين أ ب ج ه : ـ د.

(٩) أبو هريرة : عبد الرحمن الدوسي اليماني ، حفظ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الكثير ، وعن أبي بكر ، وعن عمر ، وكان من حفظة العلم ، وكان أحفظ من روى الحديث في دهره ، توفي سنة ٥٨ ه‍ / ٦٧٩ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٩٢ ؛ ابن سعد ٤ / ٢٤٣ ـ ٢٥٤ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١٨١ ؛ الذهبي ، تذكرة ١ / ٣٢ ـ ٣٣ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٤ / ١٩٩.

(١٠) وحكى أ : وحكى ب ج د : وحاكى ه.


المطهر من بالذنوب واشتقاقه من القدس وهي الطهارة والبركة ، فمعنى بيت المقدس المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب ويقال : المرتفع المنزه عن الشرك ، والبيت المقدس (١) بضم الميم وفتح الدال المشددة أي المطهر وتطهيره إخلاؤه من الأصنام ، وبيت المقدس بضم الدال ومكونها لغتان ، ومن أسماء بيت المقدس شلم بشين معجمة وتشديد اللام ، ويروى بالمهملة وكسر اللام ، ويروى شلم (٢) ومعناه بالعبرانية بيت السلام وصهيون بكسر الصاد المهملة ، ويقال لمسجد بيت المقدس الزيتون ولا يقال له الحرم.

وقد اختلف في أول من بنى مسجد بيت المقدس ، قبل داود ، عليه‌السلام ، وروى (٣) بعض العلماء أن أول من بناه الملائكة بأمر الله تعالى ، وقيل (٤) إن الذي بناه إسرافيل ، عليه‌السلام ، وقد روى المحدثون عن أبي ذر (٥) ، رضي‌الله‌عنه ، أنه قال : (قلت : يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولا؟ قال : المسجد الحرام ، قلت : ثم أي؟ قال : المسجد الأقصى ، قلت : كم بينهما؟ قال : أربعون سنة ، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد (٦) فصل فإن الفضل فيه) (٧).

وقد روي أن الملائكة بنوا المسجد الحرام قبل خلق آدم بألفي عام فكانوا يحجونه ، قال الإمام أبو العباس القرطبي (٨) : يجوز أن يكون بناه يعني مسجد بيت المقدس الملائكة بعد بنائها البيت الحرام (٩) بإذن الله تعالى ، وظاهر (١٠) الحديث

__________________

(١) والبيت المقدس أ ج د ه : وبيت المقدس ب.

(٢) شلم ب د ه : سلم أ ج.

(٣) وروى أ ج د ه : فروى ب.

(٤) وقيل أ : ويقال ب ج د ه.

(٥) أبو ذر الغفاري : جندب بن جنادة بن سكن ، كان من السابقين إلى الإسلام ، وهو من قبيلة غفار ، لم يشهد بدرا ، ولكن ألحقه عمر بالبدريين ، قال فيه الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يرحم الله أبا ذر ، يعيش وحده ويموت وحده ويحشر وحده» وكانت وفاته في الربذة سنة (٣١ ه‍ / ٦٥٠ م) ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ١٤٦ ؛ الذهبي ، تذكرة ١ / ١٦ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٤ / ٦١ ـ ٦٣.

(٦) بعد أ ج د ه : ـ ب.

(٧) ينظر : مسلم ١ / ٣٧٠.

(٨) أبو العباس القرطبي : أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري ، المالكي ، المحدث ، نزيل الإسكندرية كان من كبار الأئمة ، ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة ، وسمع بالمغرب من جماعة ، واختصر الصحيحين ، وصنف المفهم في شرح مختصر مسلم ، وتوفي في ذي القعدة سنة (٦٥٦ ه‍ / ١٢٥٨ م) ، ينظر : ابن كثير ، البداية ١٣ / ٢١٣ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٧ / ٦٤ ؛ ابن العماد ٥ / ٤٧٣.

(٩) البيت الحرام ج د ه : البيت أ : البيت المعمور ب.

(١٠) وظاهر ب ج د ه : ظاهر أ.


يدل على ذلك ، والله أعلم.

ومن العلماء من قال : بنى مسجد بيت المقدس آدم ، عليه‌السلام ، ومنهم من قال : أسسه سام (١) بن نوح ، عليهما‌السلام ، ومنهم من قال : أول من بناه وأري موضعه يعقوب بن إسحاق ، عليه‌السلام (٢) ، وروي أن أباه إسحاق أمره أن لا ينكح امرأة من الكنعانيين وأمره أن ينكح من بنات خاله ، فلما توجه إلى خاله لينكح ابنته أدركه الليل في بعض الطريق فبات متوسدا حجرا ، فرأى فيما يرى النائم أن سلما منصوبا إلى باب من أبواب السماء والملائكة تعرج فيه وتنزل (٣) فأوحي إليه : أني أنا الله لا إله إلا أنا وقد ورثتك هذه الأرض المقدسة وذريتك من بعدك ، ثم أنا معك أحفظك حتى أردك إلى هذا المكان فأجعله بيتا تعبدني فيه فهو بيت المقدس ، وقد تأول بعض العلماء معنى الحديث الشريف الوارد أن بناء المسجد الأقصى كان بعد بناء المسجد الحرام بأربعين سنة على أن المراد به بناء يعقوب ، عليه‌السلام ، لمسجد بيت المقدس بعد بناء إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام ، الكعبة المشرفة (٤) ، والله أعلم.

والحديث الشريف المتقدم وهذه الأقوال (٥) تدل على أن بناء داود وسليمان ، عليهما‌السلام ، إياه إنما كان على أساس قديم لا أنهما المؤسسان له بل هما مجددان ، وكل قول من الأقوال في المسجد الأقصى لا ينافي الآخر فإنه يحتمل أن يكون بناه الملائكة أولا ثم جدده آدم (٦) ، عليه‌السلام ، ثم سام بن نوح ، عليهما‌السلام ، ثم يعقوب بن إسحاق ، عليهما‌السلام (٧) ، ثم داود وسليمان ، عليهما‌السلام ، فإن كل نبي منهم بينه وبين النبي (٨) الآخر مدة تحتمل أن يجدد / / فيها البناء المتقدم قبله ، والقول بأن سام بن نوح أسسه ظاهر ، فإن سام بن نوح هو الذي اختط مدينة بيت المقدس (٩) وبناها ، وكان ملكا عليها فلا يبعد أن يكون جدد أساس

__________________

(١) أسسه سام أ ب ج د : أسسه ابنه ه.

(٢) عليه‌السلام أ ج د ه : عليها‌السلام ب / / وروي أن أباه إسحاق أ ب ج : وروي عن إسحاق ه : ـ د.

(٣) وتنزل أ ب ج ه : وتترع د / / فأوحي إليه أ ج د ه : فأوحى الله إليه ب.

(٤) الكعبة المشرقة أ ج ه : الكعبة الشريفة ب د.

(٥) الأقوال أ د ه : + الواردة ب ج / / بناء أ : بناه ب ج د ه.

(٦) آدم أ ب ج د : ـ ه.

(٧) ثم سام ... إسحاق ، عليهما‌السلام أ ب ج ه : ـ د.

(٨) النبي أ ج د : ـ ب ه.

(٩) بيت المقدس أ ب ج ه : القدس ه.


المسجد (١) حين بنائه المدينة ، ولكن يحمل على تجديده للبناء (٢) لا تأسيسه ، والله أعلم.

وأما مدينة القدس فكانت أرضها في ابتداء الزمان صحراء بين أودية وجبال وهي خالية لا أبنية فيها ولا عمران (٣) ، فأول من بناها واختطها سام بن نوح ، عليهما‌السلام ، وكان ملكا عليها وكان يلقب مليكيصادق (٤) بفتح الميم وسكون اللام وكسر الكاف وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح الصاد المهملة وبعدها ألف ، ثم دال مهملة مكسورة وبعدها قاف ، ومعناه بالعبرانية ملك الصدق.

ومما حكي في أمر بناء القدس في تواريخ الأمم السالفة أن مليكيصادق نزل بأرض بيت المقدس وقطن بكهف (٥) من جبالها يتعبد فيه واشتهر أمره حتى بلغ ملوك الأرض الذين هم بالقرب من أرض بيت المقدس وبالشام وسدوم (٦) وغيرها (٧) ، وعدتهم اثنا عشر ملكا فحضروا إليه ، فلما رأوه وسمعوا كلامه اعتقدوه وأحبوه حبا شديدا ، ودفعوا له مالا ليعمر به مدينة القدس ، فاختطها وعمرها وسميت يروشلم (٨) ، وتقدم أن معناه بالعبرانية بيت السلام (٩) ، فلما انتهت عمارتها اتفق الملوك كلهم أن يكون مليكيصادق ملكا عليها ، وكنوه (١٠) بأبي الملوك ، وكانوا بأجمعهم تحت طاعته واستمر حتى مات بها ، وسيأتي (١١) ذكر مولده ووفاته عند ذكر والده نوح ، إن شاء الله تعالى.

ولما بنيت القدس (١٢) كان محل المسجد في وسطها وهو صعيد واحد والصخرة الشريفة قائمة في وسطه حتى بناه داود ثم سليمان ، كما سنذكره إن شاء الله (١٣).

__________________

(١) جدد أساس المسجد أ ج : جدد المسجد ب : أسس المسجد د ه.

(٢) يحمل على تجديده للبناء أ : + القديم ب : يحتمل أن يجدد البناء المتقدم مثله ج د : يحتمل على تجديده البناء القديم ه.

(٣) لا أبنية فيها ولا عمران أ ج د ه : لا بناء فيها ولا عمارة ب.

(٤) ورد ذكر لهذا الملك بالتوراة ، ينظر : التكوين ١٤ / ١٨ ـ ١٩.

(٥) بكهف أ ب ج د : ـ ه.

(٦) سدوم : مدينة من مدائن لوط ، عليه‌السلام ، كان قاضيها يقال له سدوم ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٣ / ٢٦٦ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٧٠٠ ؛ الحميري ٣٠٨.

(٧) وغيرها أ ج د : وغيرهما ب ه.

(٨) يروشلم أ ج د ه : بروشلم ب.

(٩) بيت السلام أ ب ج د : دار السلام ه / / اتفق أ ج ه : اتفقت ب د.

(١٠) وكنوه أ ب ج ه : فكنوه د وكانوا أ ب ج : فكانوا د ه.

(١١) وسيأتي أ ب : ويأتي ج د ه.

(١٢) القدس أ ج د ه : بيت المقدس ب.

(١٣) إن شاء الله أ د : + تعالى ب ج ه.


ذكر أول ما خلق الله سبحانه وتعالى

قال ابن عباس ، رضي‌الله‌عنهما : أول ما خلق الله تعالى اللوح المحفوظ فحفظه بما كتب الله فيه مما كان ويكون لا يعلم ما فيه إلا الله عز وجل ، وهو من درة بيضاء دفتاه (١) ياقوتتان حمراوتان ، وهو في عظم لا يوصف. وخلق الله له قلما (٢) من جوهرة طولها مسيرة خمسمائة عام مشقوق السن ينبع منه النور كما ينبع من أقلام أهل الدنيا المداد ، ثم نودي القلم أن اكتب فاضطرب من هول النداء حتى صار له ترجيع كترجيع الرعد ثم جرى في اللوح بما هو كائن (٣) وما هو فاعله في الوقت الذي يفعله إلى يوم القيامة وامتلأ (٤) اللوح وجف القلم سعد من سعد ، وشقي من شقي. وخلق الله الماء ثم خلق ، بعد ذلك درة بيضاء في عظم السموات والأرضين ، ثم ناداها الرب سبحانه (٥) ، فاضطربت وذابت من هول النداء حتى صارت ماء يموج (٦) بعضها في بعض ، ثم نودي أن اسكن فاستقر وهو ماء صافر لا كدر فيه ولا موج ولا زبد (٧).

خلق العرش والكرسي والريح

ثم خلق الله تعالى العرش والكرسي من جوهرتين عظيمتين ووضعهما على تيار الماء قال الله تعالى (٨) : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ)(٩).

قال ابن عباس (١٠) ، رضي‌الله‌عنهما : كل صانع بنى الأساس فإذا تم (١١) يتخذ عليه السقف ، وإن الله تعالى خلق السقف أولا ثم خلق الأساس لأنه خلق العرش قبل السموات والأرضين ، ثم خلق الله الريح وجعل لها أجنحة (١٢) لا يعلم كثرتها إلا

__________________

(١) دفتاه أ ب ج د : حافتان ه / / حمراوتان أ ج د ه : حمراوان ب.

(٢) وخلق الله له قلما أ د ه : خلق الله قلما ب : خلق الله له قلما ج.

(٣) بما هو كائن ... وجف القلم أ ب د ه : ـ د.

(٤) وامتلأ أ ج ه : فامتلأ ب : ـ د.

(٥) سبحانه أ : + وتعالى ب ج د ه.

(٦) يموج ب ج وه : تموج أ.

(٧) ينظر : ابن كثير ، تفسير ٤ / ٧٨٣.

(٨) قال الله تعالى أ ب : قال تعالى ج د ه.

(٩) هود : [٧].

(١٠) ينظر : ابن كثير ، البداية ١ / ١٤.

(١١) فإذا تم ... الأساس أ ب ج ه : ـ د.

(١٢) ثم خلق الله الريح وجعل لها أجنحة أ ب ج د : ثم خلق الريح له أجنحة ه.


الله ، وأمرها أن تحمل (١) هذا الماء ، وكان العرش على الماء ، والماء على الريح ، ثم خلق الله حملة العرش وهم اليوم أربعة (٢) ، فإذا كان يوم القيامة أمدهم الله بأربعة أخر (٣) ، فذلك قوله تعالى : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) (١٧) (٤) وهم في عظم لا يوصفون ، ثم خلق الله حول العرش حية محدقة به رأسها من درة بيضاء وجسدها من ذهب وعيناها ياقوتتان لا يعلم / / عظم تلك الحية إلا الله تعالى ، فالعرش عرش العظمة والكبرياء ، والكرسي كرسي الجلالة والبهاء (٥) ، لأن الله تعالى لا حاجة له إليهما فقد كان قبل تكوينهما لا على مكان.

خلق الأرضين والجبال والبحار

لما أراد الله خلق الأرضين أمر الريح أن تضرب الماء بعضه في بعض فلما اضطرب ازبدّ (٦) وارتفعت (٧) أمواجه وعلا بخاره ، فأمر الله الزبد أن يجمد فصار يابسا (٨) فهو الأرض ، فدحاها على وجه الماء في يومين ، فذلك قوله تعالى : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ)(٩).

ثم أمر تلك الأمواج فسكنت فهي الجبال فجعلها عماد الأرض ، فذلك قوله تعالى : (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ)(١٠)(١١) ، فلولاها لماجت الأرض وعروق هذه الجبال متصلة بعروق جبل قاف (١٢) ، وهو الجبل المحيط (١٣) بالأرض ، ثم خلق الله تعالى سبعة أبحر فأولها محيط بالأرض وراء جبل قاف وكل بحر منها محيط بالبحر الذي يقدمه (١٤).

__________________

(١) أن تحمل أ ج د ه : أن تحتمل ب / / الماء أ ب ج د : المكان ه.

(٢) أربعة أ ب ج د : أربع ه.

(٣) أخر ب ج د ه : أخرى أ.

(٤) الحاقة : [١٧].

(٥) والبهاء أ ج د ه : أو البهاء ب.

(٦) أزبد : بحر مزبد أي مائج يقذف بالزبذ ، أي الرغوة ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٣ / ١٩٢.

(٧) وارتفعت أ ب ج د : وارتفعه ه / / فأمر الله الزبد ب ج د ه : فأمر الزبد أ.

(٨) يابسا ب ج د ه : يبسا أ.

(٩) فصلت : [٩].

(١٠) الأنبياء : [٣١].

(١١) وجعلنا ب ج د ه : فجعلنا أ / / هم القرآن الكريم : بكم أ ب ج د ه.

(١٢) جبل قاف : هو الجبل المحيط بالأرض وأصول الجبال من جبل قاف ، وزعم بعضهم أن وراءه عوالم وخلائق لا يعلمها إلا الله ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٤ / ٣٣٨ ـ ٣٣٩.

(١٣) الجبل المحيط ... قاف أ ب ج د : ـ ه.

(١٤) يقدمه أ د : تقدمه ب ج ه.


وأما هذه البحار التي على وجه الأرض فإنها بمنزلة الخليج لها وفي تلك البحار من الخلائق والدواب ما لا يعلم عدده (١) إلا الله تعالى ، وخلق الله عز وجل (٢) هذه البحار وما فيها من الدواب في اليوم الثالث ، ثم خلق أرزاقها وقدرها في اليوم الرابع فذلك (٣) قوله تعالى : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ) (١٠) (٤) وهي سبع (٥) أرضين كل أرض تلي الأخرى ، وكانت الأرض تموج بأهلها كالسفينة تذهب وتجيء لأنه لم يكن لها قرار ، فأهبط الله ملكا ذا بهاء عظيم (٦) وقوة ، فأمره (٧) الله أن يدخل تحتها فيحملها على منكبه فأخرج الله له يدا في المغرب ويدا في المشرق ، وقبض على أطراف الأرض فأمسكها (٨) ، ثم لم يكن لقدميه قرار فخلق الله له صخرة مرتفعة من ياقوتة خضراء وأمرها حتى دخلت تحت قدمي (٩) الملك فاستقرت قدما الملك عليها ، ثم لم يكن للصخرة قرار فخلق الله لها نورا عظيما صفته لا يحيط بها إلا الله تعالى لعظمها (١٠) ، وأمره أن يدخل تحت الصخرة فحملها على ظهره وقرونه ، ثم لم يكن للثور قرار فخلق الله له (١١) حوتا عظيما لا يقدر أحد أن ينظر إليه لعظمه ، ولبروق عينيه ، وأمره الله تعالى (١٢) أن يصير تحت قوائم الثور واسم هذا الحوت بهموت ، ثم جعل قراره على الماء وتحت الماء هواء (١٣) وتحت الهواء الظلمة ، فالأرضون (١٤) كلها على منكبي الملك والملك على الصخرة والصخرة على الثور والثور على الحوت

__________________

(١) عدده أ ب د : عددهم ج ه.

(٢) عز وجل أ ج د ه : تعالى ب / / خلق أ ب ه : + الله ب ج.

(٣) فذلك أ ج د ه : وذلك ب.

(٤) فصلت : [١٠].

(٥) سبع أ ب د : سبعه ج ه.

(٦) عظيم أ ب ج : ـ ه.

(٧) فأمره أ ج د ه : وأمره ب / / يدا في المغرب ويدا في المشرق أ ج د : يدا في المشرق ويدا في المغرب ب ه.

(٨) فأمسكها أ ج د ه : وأمسكها ب.

(٩) قدمي أ د : أقدام ب ج ه.

(١٠) لعظمها أ ب ج د : لعظمتها ه / / تحت الصخرة أ ج د ه : تحتها ب / / وقرونه أ ج د ه : وقيل على قرونه ب.

(١١) الله له أ ج د ه : للصخرة ب.

(١٢) وأمره الله تعالى أن يصير أ ب ه : وأمره حتى صار ج د.

(١٣) هواء أ ه : الهواء ب ج د.

(١٤) فالأرضون ج د ه : والأرضون أ ب.


والحوت على الماء والماء على الهواء والهواء على الظلمة ، ثم انقطع علم الخلائق ، بما تحت الظلمة.

العقل

ثم خلق الله (١) العقل فقال له أقبل فأقبل ، ثم قال له أدبر فأدبر ، ثمّ قال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أحب إليّ منك ، بك آخذ وبك أعطي وعليك أثيب وبك أعاقب.

وروي عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «العاقل هو الصادق الطويل صمته الذي يسلم الناس من شره فإن الله تعالى (٢) يدخله الجنة وإن الله تعالى ليعاقب العاقل (٣) يوم القيامة بما لا يعاقب به الجاهل وإن الجاهل هو الكاذب بلسانه الخائض فيما لا يعنيه ، وإن كان قارئا أو كاتبا» ، ثم قال : «ما تزين العبد بزينة أحسن من العقل وما من شيء أقبح من الجهل» (٤).

فالعقل ما يحصل به التمييز وهو بعض العلوم الضرورية ، وهو غريزة نص عليه الإمام أحمد ، رضي‌الله‌عنه ، والمشهور عنه : أنه في الدماغ وفاقا للحنفية ، وعند أصحاب أحمد والشافعي والأطباء أن محله القلب وله اتصال بالدماغ. قال أصحاب أحمد : العقل يختلف فعقل بعض الناس أكثر.

خلق الله السماوات وسكانها وصفات (٥) الملائكة وخلق الشمس والقمر

قال ابن عباس ، رضي‌الله‌عنهما : أمر الله تعالى البخار الذي علا من / / الماء أن يعلو الهواء فخلق (٦) منه السماء في يومين ، فكانت أرضا واحدة في يومين ، وسماء واحدة في يومين ، وما بينهما (٧) في ستة أيام ، ثم تفتقت السماء والأرض خوفا من ربها فصارت سبع سماوات وسبع أرضين فذلك قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ

__________________

(١) الله أ ج د ه : + تعالى ب / / فقال له فأدبر ب د ه ـ أ ج / / ثم قال أ ج د ه : ثم قال له ب.

(٢) فإن الله تعالى يدخله الجنة ب د : ـ أ ج ه.

(٣) ليعاقب العاقل أ : ليعاقب العاقل يوم القيامة ب ج د : ـ ه الجاهل هو الكاذب أ ب ج ه : الجاهل الكاذب د.

(٤) ينظر : ابن الجوزي ، الموضوعات ١ / ٧٤ ، وقال عنه أنه حديث موضوع ولا يصح أي حديث في فضل العقل.

(٥) وصفات أ : صفة ب ج د ه.

(٦) فخلق أ ج ه+ الله تعالى ب د.

(٧) وما بينهما في ستة أيام أ ج د ه : وما بينهما في يومين ب.


كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما)(١)(٢) ، ثم قال : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها)(٣)(٤).

فالسماء الأولى (٥) من زبرجدة خضراء وسكانها ملائكة على صور البقر.

والثانية (٦) من ياقوتة حمراء وسكانها ملائكة على صور العقاب.

والثالثة (٧) من ياقوتة صفراء وسكانها ملائكة على صور النسور.

والرابعة (٨) من فضة بيضاء سكانها ملائكة على صور الخيل.

والخامسة (٩) من ذهب وسكانها ملائكة على صور الحور العين.

والسادسة (١٠) من درة بيضاء وسكانها ملائكة على صفة الولدان.

والسابعة (١١) من نور يتلألأ وسكانها ملائكة على صور بني آدم.

وهؤلاء الملائكة لا يفترون عن التسبيح ، فذلك قوله تعالى : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٢٠) (١٢) فأفضل الملائكة جبريل (١٣) ، وهو الروح الأمين له ستة أجنحة في كل جناح مائة جناح وله وراء ذلك جناحان أخضران ينشرهما ليلة القدر وجناحان ينشرهما عند هلاك القرى والأجنحة كلها من أنواع الجواهر.

وإسرافيل (١٤) ملك عظيم الشأن له أربعة أجنحة ، جناح يسدّ به المشرق ،

__________________

(١) الأنبياء : [٣٠].

(٢) السموات والأرض أ ج د : السماوات والأرض ب : الأرض والسماء ه.

(٣) فصلت : [١٢].

(٤) سموات أ ج د ه : سماوات ب.

(٥) فالسماء الأولى أ ب ج د : السماء الأولى ه / / صور البقر أ : صورة البقر ب : صفة البقر ج د ه.

(٦) والثانية أ ج د ه : والسماء الثانية ب / / صور العقاب أ : صورة العقبان ب : صفة العقاب ج د ه.

(٧) والثالثة أ ج د ه : والسماء الثالثة ب / / صور النسور أ ج : صورة النسور ب : صفة النسور د ه.

(٨) والرابعة أ ج د ه : والسماء الرابعة ب / / صور الخيل أ ج : صورة الخيل ب : صفة الخيل د ه.

(٩) والخامسة أ ج د ه : والسماء الخامسة ب / / صور الحور أ ج د ه : صورة الحور ب.

(١٠) والسادسة أ ج د ه : والسماء السادسة ب / / صفة الولدان أ ج : صورة الولدان ب : صور الولدان د ه.

(١١) والسابعة أ ج د ه : والسماء السابعة ب / / صور بني آدم أ : صورة بني آدم ب : صفة بني آدم ج د ه.

(١٢) الأنبياء : [٢٠].

(١٣) فأفضل الملائكة جبريل أ ج د ه : فأفضلهم جبريل ب.

(١٤) وإسرافيل أ ج د ه : ويليه إسرافيل وهو ب له أ ج د ه : وله ب.


وجناح يسد به المغرب ، والثالث يسد به ما بين السماء والأرض ، والرابع قد التئم (١) به قدماه تحت الأرض السابعة السفلى ورأسه قد انتهى إلى أركان قوائم العرش وبين عينيه لوح من جوهرة ، فإذا أراد الله أن يحدث في عباده أمرا أمر القلم أن يخط في اللوح ، ثم يدلي اللوح إلى إسرافيل فيكون بين عينيه ، ثم ينتهي الوحي إلى جبريل (٢) ، وهو أقرب من إسرافيل.

ومن وراء البيت المعمور ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله تعالى ، وفي السماء السابعة البحر المسجور.

وأما ملك الموت عزرائيل فسكنه في السماء الدنيا (٣) ، وقد خلق الله له عيونا بعدد من يذوق طعم الموت (٤) ، رجلان في تخوم الأرضين ورأسه في السماء العليا عند آخر الحجب ووجهه مقابل للوح المحفوظ وهو ينظر إليه وكل الخلق بين عينيه ولا يقبض روح مخلوق إلا بعد أن يستوفي رزقه (٥) وينقضي أجله (٦).

الشمس والقمر (٧)

ثم خلق الله الشمس والقمر ، فالشمس من نور عرشه والقمر من نور حجابه الذي يليه وأثنى الله عليهما فقال : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ)(٨) ، ثم وكل بهما جمعا من الملائكة يرسلونهما بمقدار ويقبضونهما بمقدار (٩) ، فذلك قوله

__________________

(١) التئم أ : التئم ب ج د ه / / السفلى أ د : ـ ب ج ه / / إلى أركان أ ب : في أركان ج د ه.

(٢) جبريل أ ج د ه : + عليه‌السلام ب.

(٣) السماء الدنيا أ ب ج د : سماء الدنيا ه.

(٤) يذوق طعم الموت ب ج د ه : يذوق الموت أ / / الأرضين أ ج د ه : الأرض ب.

(٥) يستوفي رزقه أ ب د : يستوفي أجله ج ه.

(٦) هذه الأقوال ليس لها أصل صحيح من كتاب أو سنة ، وقد روى ابن الجوزي بعض هذه الأحاديث الموضوعة والتي اعتمد عليها المصنف ومنها : (أن رجلا من اليهود أتى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا رسول الله ، هل احتجب الله من خلق غير السماوات؟ قال : نعم ، بينه وبين الملائكة الذين حول العرش سبعون حجابا من نور وسبعون حجابا من در أبيض ... قال : فخبرني عن ملك الله الذي يليه! .... قال فإن الملك الذي يليه ، إسرافيل ، ثم جبريل ، ثم ميكائيل ، ثم ملك الموت) قال ابن الجوزي : عن هذا الحديث أنه موضوع ، ينظر : ابن الجوزي ، الموضوعات ١ / ١١٧.

(٧) الشمس والقمر أ ج د ه : خلق الشمس والقمر ب.

(٨) إبراهيم : [٣٣].

(٩) ويقبضوهما بمقدار أ ب ج ه : ـ د.


تعالى : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ)(١) ، فما نقص من أحدهما زاد في الآخر. وقال أهل التوراة (٢) : ابتدأ الله في خلق الخلق (٣) في يوم الأحد وانتهى في السبت ، فاستوى على العرش فيه ، فاتخذوا السبت عيدا. وقال النصارى : وقع الابتداء في الاثنين والانتهاء في الأحد ، ثم استوى على عرشه فيه (٤) ، فاتخذوا الأحد عيدا.

قال ابن عباس (٥) : كان الابتداء في السبت والانتهاء الجمعة سيد الأيام وهو عند الله (٦) أعظم من يوم الفطر ويوم الأضحية وفيه ست فضائل :

فيه خلق الله آدم (٧) ، وفيه نفخ الروح فيه ، وفيه تاب الله عليه ، وفيه توفاه (٨) ، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا من الله إلا أعطاها إياه ما لم يسأل (٩) حراما ، وفيه تقوم الساعة.

الجنة والنار (١٠) وما فيهما

ثم خلق الله الجنة وهي ثمان جنان (١١) : أولها دار الجلال من اللؤلؤ الأبيض ، ثم دار السلام (١٢) من الياقوت الأحمر ، ثم جنة المأوى من الزبرجد (١٣) الأخضر ، ثم جنة الخلد (١٤) من المرجان (١٥) الأصفر ، ثم جنة النعيم من الفضة البيضاء ، ثم

__________________

(١) الحديد : [٦].

(٢) ابتدأ الله في خلق الخلق أ د ه ج : ابتدأ الله تعالى الخلق ب.

(٣) السبت أ ب ج ه : يوم السبت د / / وقالت النصارى أ ب ج د : وقال النصارى ه / / الاثنين أ د : يوم الاثنين ب ج ه.

(٤) عرشه أ ج د ه : العرش ب.

(٥) ابن عباس أ : + رضي‌الله‌عنه ج د : + رضي‌الله‌عنهما ب ه / / الجمعة ب ج ه.

(٦) عند الله أ ب ج ه : عبد الله د / / ست أ : ستة ب ج د ه.

(٧) آدم أ ج د ه : + عليه‌السلام ب.

(٨) توفاه ب ج د : توفي أ / / لا يسأل الله العبد أ د ه : لا يسأل العبد فيها ب : لا يسأل أحد فيها ج / / من الله أ ج د ه : ـ ب / / أعطاها أ د : أعطاه ج ه : أعطاه الله ب.

(٩) يسأل أ ج د ه : يكن ب.

(١٠) الجنة والنار وما فيهما أ ج : ذكر الجنة والنار وما فيهما ب د : وفيه خلق النة والنار ه.

(١١) جنان أ د ه : جنات ب ج.

(١٢) دار السلام أ ج د ه : + وهي ب / / جنة المأوى أ ج د ه : + وهي ب.

(١٣) الزبرجد : الزمرّد وهو حجر كريم ذو ألوان كثيرة ، أشهرها الأخضر والأصفر القبرصي ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٣ / ١٩٤ ؛ شيخ الربوة ٢٣٠ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٤٠٤.

(١٤) جنة الخلد ١ ج د ه : + وهي ب / / جنة النعيم أ ج د ه : + وهي ب.

(١٥) المرجان : صنف من صغار اللؤلؤ ، لها هيكل وكلس أحمر ، ويعد من الأحجار الكريمة ، ينظر : الرازي ٦٢٠ ؛ شيخ الربوة ١٠٤ ؛ المعجم الوسيط ٢ / ٨٩٥.


الفردوس (١) من الذهب ، ثم دار القرار من المسك ، ثم جنة عدن من الدر (٢).

وهي مشرفة على الجنان لها بابان من الذهب (٣) بين كل مصراع كما بين [٤ / أ] السماء والأرض / / وبناؤها لبنة من ذهب ولبنة من فضة (٤) ، بلاطها المسك ، وترابها العنبر ، وحشيشها الزعفران ، وقصورها اللؤلؤ ، وغرفها الياقوت ، وأبوابها الجوهر ، وفيها أنهار منها : نهر الرحمة ونهر الكوثر وهو لنبينا محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥) ، ونهر الكافور ، ثم التسنيم ، ثم السلسبيل ، ثم الرحيق وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله (٦) ، وللجنان ثمانية أبواب وفيها من الحور العين ما لا يقدر على وصف حسنهن (٧) ، إلا الذي خلقهن.

وأما جهنم فلها سبعة أبواب : فأولها (٨) جهنم ، وثانيها لظى ، والثالث الحطمة ، والرابع السعير ، والخامس سقر ، والسادس الجحيم ، والسابع الهاوية. ولها سبع طباق (٩) ، وفيها أشجار من النار شوكها كأمثال الرماح الطوال تتلظى بالنيران عليها (١٠) ثمار من نار في كل ثمرة حية تأخذ بأجفان عيني (١١) الكافر وشفتيه تسقط لحمه إلى قدميه ، وفيها عقارب وأسود وذئاب وكلاب من نار وزبانية بأيديهم مقامع من نار ، وعليها تسعة عشر من الملائكة كما قال الله تعالى (١٢) : (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) (٢٩) (١٣) ، وقال تعالى : (عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٦) (١٤).

__________________

(١) الفردوس أ ج د ه : + وهي ب / / من الذهب أ ج د ه : + الأحمر ب / / ثم أ ج د ه : + جنة ب / / القرار من أ ج د ه : القرار وهي من ب.

(٢) من الدر أ ج د ه : وهي من الدر ب.

(٣) الذهب أ : ذهب ب د ه.

(٤) لبنة من ذهب ولبنة من فضة أ ج د ه : لبنة من فضة ولبنة من ذهب د.

(٥) لنبينا محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ج د ه : لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ب.

(٦) الله أ د ه : + تعالى ب ج.

(٧) وصف حسنهن أ : وصفهن ب د : وصفهن وحسنهن ج ه.

(٨) فأولها أ ج د ه : أولها ب / / وثانيها أ : والثاني ب ج د ه.

(٩) طباق أ ب : طبقات ج د ه / / كأمثال أ ب ج : مثل ه.

(١٠) عليها أ ج د : وعليها ب ه.

(١١) عيني أ : عين ب ج د ه / / وشفتيه أ ج د ه : وشفته ب.

(١٢) وقال تعالى أ ج د : وقال الله تعالى ب ه.

(١٣) المدثر : [٢٨ ـ ٢٩].

(١٤) التحريم : [٦].


ذكر الجن والجان (١) وما كان من ابتداء أمرهم وعبادة إبليس

عن وهب (٢)(٣) قال (٤) : خلق الله نار السموم وهي نار لا حر لها ولا دخان ، ثم خلق الله منها الجان فذلك قوله (٥) : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) (٢٧) (٦) ، قال : فخلقه الله خلقا عظيما وسماه مارجا (٧) ، وخلق منه زوجه وسماها مرجة ، فواقعها فولدت الجان ، وولد للجان ولد فسماه الجن ، فمنه تفرعت قبائل الجن ومنهم : إبليس اللعين وكان يلد من الجان ، الذكر والأنثى ، ومن الجن كذلك توأمين ، فصاروا سبعين ألفا ، وتوالدوا حتى بلغوا عدد الرمل ، وتزوج (٨) إبليس امرأة من ولد الجان وكثر أولاده وانتشروا حتى امتلأت الأقطار منهم ، وأسكن (٩) الله الجان في الهواء وإبليس وأولاده في سماء الدنيا وأمرهم بالعبادة والطاعة ، وكانت السماء تفتخر على الأرض بأن الله رفعها وجعل فيها ما لم يكن في الأرض.

فشكت الأرض إلى الله (١٠) الوحشة إذ ليس على ظهرها خلق يذكر الله فنوديت الأرض (١١) : اسكني فإني خالق من أديمك صورة لا مثل لها في الجن ، وأرزقها العقل واللسان ، وأعلمها من علمي ، وأنزل عليها من كلامي ما أملأ منه (١٢) بطنك وظهرك وشرقك وغربك على مزاج تربتك في الألوان والخيرية والشريّة فافتخري يا أرض على السماء بذلك. فاستقرت الأرض وهي مع ذلك بيضاء نقية كأنها الفضة

__________________

(١) ذكر الجن والجان ... وعبادة إبليس أ ب ج د : ـ ه.

(٢) وهب بن منبه : أبو عبد الله وهب بن منبه اليماني ، ولد في آخر خلافة عثمان ، وهو صاحب الأخبار والقصص ، وكانت له معرفة بأخبار الأوائل وهو من علماء التابعين ، له كتاب : الملوك المتوجة من حمير وأخبارهم وقصصهم وأسفارهم ، وكان يكثر النقل عن الإسرائيليات ، توفي سنة (١١٦ ه‍ / ٧٣٤ م) ، ينظر : ابن سعد ٥ / ٣٩٥ ؛ ياقوت ، معجم الأدباء ١٩ / ٢٥٩ ؛ ابن خلكان ٦ / ٧٥ ؛ الذهبي ، تذكرة ٤ / ٣٥٢.

(٣) عن وهب أ ج د : روي عن وهب ب : ـ ه.

(٤) ينظر : الطبري ، تفسير ٨ / ٣١.

(٥) قوله أ ج د ه : تعالى ب.

(٦) الحجر : [٢٧].

(٧) المارج : الشعلة الساطعة ذات اللهب الشديد أو هو اللهب المختلط بسواد النار ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٢ / ٣٦٥ ـ ٣٦٦ ؛ المعجم الوسيط ٢ / ٨٩٥.

(٨) وتزوج أ ج د ه : فتزوج ب / / وكثر أ ج د : فكثر ب ه.

(٩) وأسكن أ ج د ه : فأسكن ب.

(١٠) إلى الله أ ج د ه : إلى خالقها ب / / يذكر أ ج د : يذكرون ب ه.

(١١) الأرض أ ب ج د : الأرضين ه / / فإن خالق ب ج د ه : فأنا خالق أ.

(١٢) أملأ منه أ د : فأملأ منها ب ه : أملأ ج.


البيضاء فأشرفت الجان على الأرض فقالت (١) : ربنا أهبطنا إلى الأرض ، فأذن الله لهم بذلك على أن يعبدوه ولا يعصوه ، فأعطوه العهود على ذلك ، ونزلوا وهم ألوف يعبدوا (٢) الله حق عبادته دهرا طويلا ، ثم أخذوا في المعاصي وسفك الدماء حتى استغاثت الأرض منهم ، وقالت : إن خلوي يا رب أحب إليّ من أن يكون على ظهري من يعصيك ، فأوحى الله إليها أن اسكني فإني باعث إليهم رسلا (٣)(٤).

قال كعب (٥)(٦) : فأول نبي بعثه الله من الجان نبيا منهم يقال له عامر بن عمير ابن الجان فقتلوه ، ثم صاعق (٧) بن ناعق بن مارد بن الجان ، فقتلوه ، حتى بعث (٨) الله إليهم ثمانمائة نبي في ثمانمائة سنة في كل سنة نبيا ، وهم يقتلونهم ، فلما كذبوا الرسل أوحى الله إلى أولاد الجن في السماء أن انزلوا إلى الأرض (٩) وقاتلوا من فيها من أولاد الجن وعليهم إبليس اللعين ، وقاتلهم بمن كان معه حتى أجلوهم (١٠) إلى بقعة من الأرض ، فاجتمعوا فيها ، فأرسل الله عليهم نارا فأحرقتهم ، وسكن إبليس الأرض مع الجن وعبد الله حق عبادته وكانت عبادة إبليس (١١) أكثر من عبادتهم ثم رفعه الله تعالى إلى سماء الدنيا لكثرة عبادته ، فعبد الله فيها ألف سنة حتى سمي فيها العابد ، ثم رفعه الله تعالى إلى السماء الثانية فعبد الله فيها ألف سنة ، ثم رفعه إلى

__________________

(١) فقالت أ ج د ه : وقالت ب.

(٢) يعبدوا أ ه : فعبدوا ب ج د.

(٣) رسلا أ ج د ه : رسلي ب.

(٤) بالنسبة لإفساد الجن في الأرض هي أقوال لابن عباس ، ذكرها ابن كثير في تفسيره ١ / ١٠٨.

(٥) كعب الأحبار : كعب بن فاقع الحميري ، أبو إسحاق المعروف بكعب الأحبار ، قال البخاري : ويقال له كعب الحبر ، يكنى أبا إسحاق ، من آل ذي رعية أو من ذي الكلاع ، وقد أدرك النبي وأسلم في خلافة أبي بكر أو عمر ، وقيل : زمن الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان مشهور بالقصص ، روى عنه من الصحابة ابن عمر ، وأبو هريرة ، وابن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، ومعاوية ، وكان كعب قدم المدينة ثم انتقل إلى حمص الشام ، وتوفي في خلافة عثمان سنة (٣٢ ه‍ / ٦٥٢ م) ، ينظر : الواقدي ٣ / ١٠٨٢ ؛ البخاري ، التاريخ الصغير ٢ / ٨٧ ؛ الذهبي ، تذكرة ١ / ٥٢.

(٦) كعب أ ج د ه : + الأحبار ب / / بعثه ب : بعث أ ج د ه.

(٧) ثم صاعق بن ناعق بن مارد أ ج د : ثم بعث لهم من بعد عامر صاعق بن ماعق بن مارد ب : ثم صاعق بن ناعق بن مارد بن الجان ه.

(٨) حتى بعث ... في كل سنة أ ب ج د : ـ ه / / نبيا ب : نبي أ ج د ه.

(٩) الأرض أ ج د ه : والأرض ب / / وقاتلهم بمن كان معهم أ د ه : فقاتلهم إبليس اللعين ومن كان معه : فقاتلهم بمن كان معه ج.

(١٠) أجلوهم أ ه : أدخلهم إلى بقعة ب ه : أدخلوهم إلى بقعة د.

(١١) وكانت عبادة إبليس أ ج د ه : فكانت عبادته ب / / عبادتهم أ ج د ه : عباداتهم ب / / الله تعالى أ ج : الله ه : ـ ب د.


الثالثة فعبد الله كذلك حتى رفع (١) إلى السماء السابعة فيقال : إنه كان يوم السبت في الأولى والأحد (٢) في الثانية حتى إذا كان / / يوم الجمعة يكون في السماء السابعة [٤ / ب] يعبد الله في كل سماء يوما.

وكان إبليس ، لعنه الله ، بمنزلة عظيمة بحيث إذا مر به جبريل وميكائيل (٣) وغيرهما يقول بعضهم لبعض : لقد أعطى الله هذا العبد من القوة على طاعة ربه ما لم يعط أحدا (٤) من الملائكة. فلما كان بعد ذلك بدهر طويل أمر الله تعالى جبريل ، عليه‌السلام ، أن يهبط إلى الأرض ويقبض قبضة من شرقها وغربها ووعرها وسهلها ليخلق منها خلقا جديدا يجعله (٥) أفضل الخلائق ، فعرف ذلك إبليس فهبط (٦) حتى وقف في وسط الأرض وقال لها : إني جئتك ناصحا ، فقالت : وما نصحك يا زين العابدين وإمام الزاهدين؟ فقال لها : إن الله يريد أن يخلق منك خلقا يفضله على جميع خلقه وأخاف منه أن يعصيه فيعذبه وقد أرسل إليك (٧) جبريل فإذا جاءك فأقسمي عليه أن لا يقبض منك شيئا.

فلما هبط جبريل (٨) نادته الأرض وقالت : يا جبريل بحق من أرسلك إليّ ألا (٩) تقبض مني شيئا فإني أخاف أن يخلق مني خلقا فيعصيه ذلك الخلق فيعذبه بالنار ، فارتعد جبريل من هذا القسم ، فرجع ولم يأخذ منها شيئا ، فأخبر ربه (١٠) بذلك ، فبعث الله ميكائيل ليأتيه بالقبضة ، فكانت حالته كحالة جبريل ، فبعث الله ملك الموت ، فلما همّ أن يقبض ما أمره ربه ، أقسمت (١١) عليه أيضا ، فقال ملك الموت (١٢) : وعزة ربي لا أعصيه أمرا ، فقبض منها قبضة من جميع بقاعها عذبها

__________________

(١) رفع أ ج ه : رفعه ب د / / إنه أ ج د ه : + في ب.

(٢) والأحد أ ج د ه : ويوم الأحد ب.

(٣) وميكائيل أ ج د ه : أو ميكائيل ب / / وغيرهما أ ج د ه : أو غيرهما ب / / العبد أ ج د ه : العابد ب.

(٤) أحدا ب ج د ه : أحد أ.

(٥) يجعله أ د : ليجعله ب ه : فيجعله ج.

(٦) فهبط حتى وقف وسط الأرض أ ج د ه : فهبط إلى الأرض حتى وقف في وسطها ب.

(٧) إليك أ د : إليكي ب ج ه.

(٨) جبريل أ ج د ه : + عليه‌السلام ب.

(٩) ألا ب ج د ه : لا أ.

(١٠) فأخبر ربه أ ج د ه : فأخبر جبريل ربه ب.

(١١) أقسمت ب د : فأقسمت أ ج ه.

(١٢) ملك الموت أ ج ه : + عليه‌السلام ب د / / وعزة ربي لا أعصيه أمرا أ : وعزة ربي لا أعصي له أمرا ب ج د ه.


ومالحها وحلوها ومرها وطيبها وخبيثها ، وكل ابن آدم مخلوق من تلك القبضة ، فلما رجع ملك الموت بالقبضة وقف في موقفه أربعين عاما لا ينطق ، ثم أتاه النداء : يا ملك الموت ما الذي صنعته؟ ـ وهو أعلم ـ فأخبره بقسمه وقسم الأرض عليه ، قال (١) : وعزتي وجلالي (٢) لأخلقن مما جئت به خلقا ولأسلطنّك على قبض روحه لقلة رحمتك به (٣) ، فجعل نصف تلك القبضة في الجنة ونصفها في النار ، ثم قال : أنا الله أقضي ولا يقضى عليّ (٤).

ذكر آدم ، عليه‌السلام (٥)(٦)

قال النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض منهم الأحمر ، والأسود ، والأبيض وبين ذلك (٧) ، ومنهم السهل والحزن وبين ذلك» (٨) ، وإنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض.

وخلق (٩) الله تعالى جسد آدم وتركه أربعين ليلة وقيل : أربعين سنة ملقى بغير روح. وقال الله تعالى للملائكة : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) (٧٢) (١٠)(١١) ، فلما نفخ فيه الروح سجد الملائكة (١٢) كلهم أجمعون

__________________

(١) قال أ ج : فقال تعالى ب د ه.

(٢) وجلالي أ ب ج د : ـ ه / / روحه أ ج د : أرواحهم ب ه.

(٣) به أ ج د : هم ب ه / / أنا الله أ ج د ه : + الذي لا آله إلا أنا ب.

(٤) أقضي ولا يقضى عليّ أ ج د ه : أقبض ولا يقبض عليّ د.

(٥) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٨٩ ـ ١٠٦ ؛ الثعلبي ١٦ ـ ٣٠ ؛ ابن كثير ، البداية ١ / ٦٨ ـ ٨١.

(٦) ذكر آدم عليه‌السلام أ ب ج د : ـ ه.

(٧) وبين ذلك أ ج د ه : وما بين ذلك ب / / ومنهم السهل والحزن أ ج د ه : ومنهم الحزن والسهل ب.

(٨) وزاد الطبري : «والحزن والخبيث والطيب ، ثم بلت طينته حتى صارت طينا لازبا ، ثم تركت حتى صارت حما مسنونا ، ثم تركت حتى صارت صلصالا ، كما قال الله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) ، ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٩١ ؛ الثعلبي ١٧٠ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٨.

(٩) وخلق أ ج د ه : ولما خلق ب / / وتركه أ ج د ه : تركه ب.

(١٠) ص : [٧٢].

(١١) (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) القرآن الكريم : إذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين أ ب ج د ه.

(١٢) سجد الملائكة أ د : سجد له الملائكة ب ه : سجدوا له الملائكة ج.


(إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٧٤) (١) ، ولم يسجد كبرا وبغيا (٢) ، فأوقع الله تعالى على إبليس اللعنة والإياس من رحمته وجعله شيطانا رجيما وأخرجه من الجنة بعد أن كان ملكا على سماء الدنيا والأرض وخازنا من خزان (٣) الجنة.

وأسكن الله (٤) آدم الجنة ، ثم خلق الله من ضلع آدم حواء زوجته ، وسميت حواء لأنها خلقت من شيء حي ، فأوحى الله تعالى إليه : (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (٣٥) (٥) ، ثم إن إبليس (٦) أراد دخول الجنة ليوسوس لآدم وزوجته (٧) ، فمنعه الخزنة ، فعرض نفسه على دواب الأرض أن تحمله حتى يدخل الجنة ليكلم آدم وزوجته ، فكل الدواب أبى ذلك (٨) غير الحية ، فإنها أدخلته الجنة بين نابيها ، وكان إذ ذاك على غير شكلها الآن. فلما أدخل (٩) إبليس الجنة وسوس لآدم وزوجته وحسن عندهما الأكل من الشجرة التي نهاهما الله (١٠) عنها وهي الحنطة في قول ، وقرر عندهما بعد أن حلف لهما أنهما إن أكلا (١١) منها خلدا ولم يموتا ، : (فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما)(١٢) أي ظهرت لهما عوراتهما وكانا لا يريان ذلك.

فقال الله تعالى : (قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)(١٣)(١٤) وهم : آدم وحواء وإبليس والحية وأهبطهم (١٥) الله من الجنة إلى الأرض ، وسلب آدم وحواء كل ما كانا فيه من النعمة والكرامة ، فهبط آدم بسر نديب (١٦) من أرض الهند على جبل يقال

__________________

(١) ص : [٧٤].

(٢) كبرا وبغيا أ ب ج ه : كبرا وبغضا د.

(٣) خزان أ ج د ه : خزنة ب.

(٤) الله أ ج د ه : + تعالى ب.

(٥) البقرة [٣٥].

(٦) ثم إن إبليس أراد أ د : ثم أراد إبليس عليه اللعنة ب : ثم أراد إبليس إن يدخل ج ه / / دخول الجنة أ د : أن يدخل الجنة ب ج ه.

(٧) لآدم وزوجته ج د : لآدم أ : لآدم وحواء ب ه.

(٨) أبى ذلك أ : أبت ذلك ب : أبوا ذلك ج د ه.

(٩) أدخل أ : دخل ب ج د ه / / وزوجته ج د : وزجه أ : وحواء ب ه.

(١٠) الله أ ج د ه : + تعالى ب.

(١١) إن أكلا أ ب : إذا أكلا ج د ه.

(١٢) طه : [١٢١].

(١٣) الأعراف : [٢٤].

(١٤) وهم آدم ب ه : آدم أ ج د.

(١٥) وأهبطهم أ ج د ه : فأهبطهم ب / / وسلب أ ج د ه : + عن.

(١٦) سرنديب : جزيرة عظيمة في بحر هركند بأقصى بلاد الهند فيها الجبل الذي نزل فيه آدم ، ينظر :


[٥ / أ] له نود ، وحواء (١) بجدة (٢) / / وإبليس بأيلة (٣) ، والحية بأصفهان (٤) ، فجعل كل واحد منهما يطلب صاحبه فاجتمعا بعرفات يوم عرفة ، وتعارفا فسمي اليوم عرفة والموضع عرفات ، وكان هبوط آدم من باب التوبة ، وحواء من باب الرحمة ، وإبليس من باب اللعنة ، والحية من باب السخط ، وكان في وقت العصر.

وكان بين هبوط آدم والهجرة الشريفة الإسلامية (٥) ستة آلاف سنة ومائتان (٦) وستة عشر سنة على حكم التوراة اليونانية وهي المعتمدة عند المحققين من المؤرخين ، وفي ذلك خلاف لا فائدة لذكره خشية الإطالة. وقد مضى من الهجرة الشريفة إلى عصرنا تسعمائة سنة كاملة فيكون الماضي من هبوط آدم إلى سنة تسعمائة من الهجرة الشريفة سبعة آلاف سنة وستة عشر سنة وهو المعتمد عند المؤرخين.

ولما هبط آدم إلى الأرض كان له ولدان هابيل وقابيل ، فقربا قربانا ، فتقبل قربان هابيل (٧) دون قابيل فحسده على ذلك ، وكان لقابيل أخت توأمته ، وكانت أحسن من توأمة هابيل ، وأراد آدم (٨) أن يزوج توأمة قابيل بهابيل وعكسه ، فلم يطب لقابيل ذلك ، ورأى قربان أخيه تقبل (٩) دون قربانه ، فقتل أخاه (١٠) هابيل ، وأخذ قابيل توأمة أخيه وهرب بها ، وعاش آدم تسعمائة وثلاثين سنة باتفاق المؤرخين ،

__________________

ـ ياقوت ، معجم البلدان ٣ / ٢١٥ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٧١٠.

(١) وحواء أ ج د ه : وهبوط حواء ب.

(٢) جدة : بليدة على مرحلتين من مكة ، وهي مرسي مكة ، يقال أن بها قبر أمنا حواء ، عليها‌السلام ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ١٣٣ ؛ القرماني ٣ / ٣٤٨.

(٣) أيلة : مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام ، قيل : هي آخر الحجاز وأول الشام ، وهي مدينة اليهود الذين اعتدوا في السبت ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ١ / ٣٤٧ ـ ٣٤٨ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٣٣٨ ؛ الحميري ٧٠ ؛ القرماني ٣ / ٣١٠ ؛ شرّاب ١٣٤.

(٤) أصفهان : مدينة عظيمة من أمهات مدن فارس ، بناها الإسكندر ، وهي موصوفة بصحة الهواء وعذوبة الماء ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ١ / ٢٤٤ ـ ٢٤٩ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٣٢٢ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٣٣٧ ؛ الحميري ٤٣ ؛ القرماني ٣ / ٢٩٩ ـ ٣٠٠.

(٥) والهجرة الشريفة الإسلامية أ ج د ه : والهجرة النبوية ب.

(٦) ومائتان أ ب ج د : ومائتا ه / / وستة أ د ه : ومائة ب : ومائتان ج.

(٧) فتقبل قربان هابيل أ ج د ه : فتقبل من هابيل ب / / دون أ ج د ه : ولم يتقبل قربان قابيل د / / وكان لقابيل ... هابيل ب ج د ه : ـ أ / / توأمته ج : توأمه ب د ه : ـ أ.

(٨) وأراد آدم ج د ه : ـ أ ب.

(٩) تقبل أ ج د ه : قد تقبل ب.

(١٠) أخاه ب ج د ه : أخيه أ.


وكان آدم (١) رجلا طويلا ، كأنه نخلة سحوق (٢) ، كثير شعر الرأس ، وقد بلغ عدد ولده (٣) وولد ولده لما توفي أربعين ألفا ، ونزل عليه جبريل (٤) ، عليه‌السلام ، اثنتي عشرة مرة.

وقد تقدم (٥) الخلاف في أنه أول من بنى مسجد بيت المقدس ، وقد اختلف في دفنه فقيل : إن قبره في مغارة بين بيت المقدس ومسجد إبراهيم ، ورجلاه عند الصخرة ورأسه عند مسجد إبراهيم ، عليه‌السلام (٦) ، وعن ابن عمران (٧)(٨) قال : إن آدم ، عليه‌السلام ، رأسه عند الصخرة ورجلاه عند مسجد الخليل ، عليه‌السلام ، والخلاف في ذلك كثير.

وبعد (٩) قتل هابيل ولد لآدم شيث ، وهو وصي آدم ، وتفسير شيث هبة الله ، عاش تسعمائة سنة واثنتي (١٠) عشرة سنة ، ومات لمضى ألف ومائة واثنتين (١١) وأربعين سنة لهبوط آدم ، وإلى شيث تنتهي أنساب بني آدم كلهم.

ثم ولد لشيث أنوش عاش تسعمائة (١٢) وخمسين سنة ، ثم ولد لأنوش قينان عاش تسعمائة وعشرين سنة ، ثم ولد (١٣) لقينان مهلاييل عاش ثمانمائة وخمسا

__________________

(١) آدم أ ج د : + عليه‌السلام ب ه / / طويلا أ ب ج د : طوالا ه.

(٢) نخلة سحوق : أي الطويلة التي بعد ثمرها عن المجتني ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١٠ / ١٥٤ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٤٢٦.

(٣) ولده أ ج د ه : + لصلبه به.

(٤) جبريل أ : جبريل عليه‌السلام ب ج د ه / / اثنتي عشرة ب : اثنتا عشر أ د : اثنتا عشر ج ه.

(٥) تقدم أ ج د ه : + ذكر ب.

(٦) هذه الخرافة تتناقض مع الحديث الصحيح ، حيث قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خلق الله عز وجل آدم على صورته طوله ستون ذراعا ...» ، ينظر : مسلم ٤ / ٢١٨٣ ؛ ابن الجوزي ، المنتظم ١ / ٢٠٢ ؛ ابن كثير ، البداية ١ / ٨٨.

(٧) ابن عمران : الشيخ الإمام العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن موسى بن عمران الغزي ثم القدسي الحنفي ، شيخ القراء في القدس الشريف ، سمع الحديث على الحافظ شمس الدين الجزري ، وأخذ عنه علم القراءات ، وتوفي سنة (٨٧٥ ه‍ / ١٤٧٠ م) ، ينظر : العليمي ٢ / ٢٩٩ ـ ٢٣٠ ؛ السخاوي ، الضوء ١٠ / ٣٣.

(٨) وعن ابن عمران أ ج : وعن ابن عمرانه د ه : ـ ب / / وعن ابن عمران ... كثير أ ج د ه : ـ ب.

(٩) وبعد أ ج د ه : ثم بعد ب / / شيث أ ج د ه : + عليه‌السلام ب / / وصي آدم أ ج د ه : وصيه ب / / آدم أ ج د ه : ـ ب.

(١٠) واثنتي أ د : واثني ب ج ه.

(١١) واثنتين أ : واثنين ب ج د ه.

(١٢) تسعمائة أ ج د ه : + سنة ب.

(١٣) ثم ولد ب ج د ه : ولد أ.


وتسعين سنة ، ثم ولد لمهلاييل يود ـ بالدال المهملة ـ عاش تسعمائة واثنتين (١) وستين سنة ، ثم ولد ليود خنوخ ـ بخاء ونون وواو وخاء معجمة ـ وهو إدريس (٢) ، عليه‌السلام ، وأدرك إدريس من حياة شيث جد جده عشرين سنة ، ولما صار له من العمر ثلاثمائة (٣) وخمس وستون سنة رفعه الله إلى السماء ، وكان قد نبأه الله وانكشفت له الأسرار السماوية ونزل عليه جبريل ، عليه‌السلام ، أربع مرات وله صحف : (منها) : لا تروموا أن تحيطوا بالله خبرة فإنه أعظم وأعلم أن تدركه فطن المخلوقين إلا من أثره.

ثم ولد لخنوخ (٤) متوشلح ـ بتاء مثناة من فوقها وآخره حاء مهملة ـ ، عاش تسعمائة وتسعا وستين سنة ، ثم ولد لمتوشلح لامخ ، ولما صار له من العمر مائة وثمان وثمانين (٥) سنة ولد له نوح.

ذكر نوح عليه‌السلام (٦)

اسمه عبد الغفار ولد بعد أن مضى ألف وستمائة واثنتان (٧) وأربعون سنة من هبوط آدم ، عليه‌السلام ، وكان بعد رفع إدريس (٨) بمائة وخمس وسبعين سنة ، ويقال : إن دمشق كانت دار نوح ، عليه‌السلام ، وأرسله الله تعالى إلى قومه وكانوا أهل أوثان (٩) ، فصار يدعوهم إلى طاعة الله وهم لا يلتفتون إليه وكانوا يخنقونه حتى يغشى عليه ، فإذا أفاق قال (١٠) : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ، وكانوا يضربونه حتى يظنوا أنه مات ، فإذا أفاق اغتسل وأقبل عليهم يدعوهم (١١) إلى الله.

__________________

(١) واثنتين أ : واثنين ب ج د ه / / خنوخ أ د ه ، ابن الأثير ، ابن كثير : حنوخ ب ج أبو الفداء : أخنوخ التوراة.

(٢) إدريس أ ج د ه : + عليه‌السلام ب.

(٣) ثلاثمائة أ : ثلثمائة ب ج د ه / / وخمس أ ج د ه : ـ د.

(٤) لخنوخ أ د ه : لحنوخ ب ج / / فوقها أ ج د ه : فوق د.

(٥) وثمانين ب ج ه : وثمانون أ د.

(٦) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ١٧٩ ـ ١٨٥ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٣٨ ـ ٤٢ ؛ ابن كثير ، البداية ١ / ١٠٠ ـ ١٢٠ ؛ ابن إياس ١ / ٤٧ ـ ٥٦.

(٧) واثنتان أ ب د : واثنان ج ه.

(٨) إدريس أ ج د ه : + عليه‌السلام ب.

(٩) أهل أوثان أ ب ج د : ـ ه.

(١٠) قال أ ب ج د : ـ ه.

(١١) يدعوهم أ ج د ه : وهو يدعوهم ب.


فلما طال ذلك شكاهم إلى الله تعالى فأوحى الله (١) أنه لن يؤمن لك من قومك إلّا من قد آمن ، فلما آيس منهم دعا عليهم فقال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (٢٦) (٢). فأوحى الله إليه أن اصنع السفينة فصنعها من خشب الساج ، فلما أقبل على عمل الفلك وجعل يقطع الخشب ويضرب الحديد ، وكان قومه يمرون عليه وهو في عمله ويسخرون (٣) منه ويقولون يا نوح قد صرت نجارا بعد النبوة ويضحكون (٤) : (قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ ـ إذا عاينتم عذاب الله ـ كَما تَسْخَرُونَ) (٣٨) (٥)(٦) ، واتخذ السفينة / / وكان طولها [٥ / ب] ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسون ذراعا وطولها في السماء ثلاثون (٧) ذراعا ، وقيل غير ذلك.

فلما فار التنور وكان هو الآية بين نوح وبين ربه حمل نوح من أمره الله بحمله من أهله وغيرهم سوى ولده كنعان فإنه كان كافرا ، ثم أدخل في السفينة ما أمره الله به من الدواب ، واختلف في موضع التنور فقيل : كان بالكوفة (٨) ، وقيل : بالشام ، وقيل غير ذلك.

فلما دخل نوح ومن معه السفينة فتح الله ، عز وجل ، عيون الماء ففارت الأرض والتقت البحار (٩) ، وأمطر الله من السماء ، وارتفع الماء ، وجعلت الفلك تجري بهم في موج كالجبال ، وعلا الماء على رؤوس الجبال أربعين ذراعا فهلك (١٠) من على وجه الأرض ، حيوان ونبات سوى عوج بن عناق ـ نسبة لأمه عناق بنت آدم ـ وهي أول من بغى (١١) وعمل الفجور ، وعملت السحر ، وجاهرت

__________________

(١) الله أ ج د : + تعالى ب ه / / أنه لن يؤمن أ ب ج د : ـ ه / / لك أ ج د ه : ـ ب.

(٢) نوح : [٢٦].

(٣) ويسخرون أ د : فيسخرون ب ج ه.

(٤) ويضحكون أ ج د : + عليه فقال لهم ب : وتضحكون ه.

(٥) هود : [٣٨].

(٦) عذاب الله أ ب ج د : ـ ه.

(٧) ثلاثون أ ج ه : ثلاثين ب د.

(٨) الكوفة : المصر المشهور بأرض بابل من سواد العراق ، سميت بالكوفة لا ستدارتها واجتماع الناس بها ، وهي أول مدينة اختطها المسلمون في العراق ، ينظر : البلاذري ، فتوح ٢٧٠ ـ ٢٨٤ ؛ ياقوت ، معجم البلدان ٤ / ٥٥٧ ـ ٥٦١ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٨٧ ؛ الحميري ٥٣٠.

(٩) والتقت البحار أ ب ج ه : والتقت الرياح والبحار د / / السماء أ ج د ه : + ماء ب / / وارتفع أ ج د ه : فارتفع ب.

(١٠) فهلك أ د ه : + كل ب د / / حيوان ونبات أ ب د : + وخلق ج ه.

(١١) بغى أ د ه : بغت ب : بغا ج / / وعمل الفجور أ ج د ه : وعمت الفجور ب.


بالمعاصي ، وولدت عوجا (١) الجبار ، ولم يغرقه الطوفان ولا بلغ بعض جسده ، وطلب السفينة ليغرقها وكان طوله ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثين ذراعا وثلث ذراع بالهاشمي (٢) ، والذراع الهاشمي طوله قامة الرجل المعتدل القامة ، وكان يحتجز بالسحاب ويشرب (٣) منه ويتناول الحوت من قرار البحر ويشويه في عين (٤) الشمس يرفعه إليها ثم يأكله (٥).

وعاش ثلاثة آلاف سنة وعمر إلى زمان فرعون وقطع صخرة على قدر عسكر (٦) موسى ، عليه‌السلام ، ليطرحها عليهم وكان العسكر فرسخا (٧) في فرسخ ، فأرسل الله طيرا فنقر تلك (٨) الصخرة فنزلت من رأسه إلى عنقه ومنعته الحركة ، فوثب عليه موسى ، وكانت (٩) وثبته عشرة أذرع وطوله مثل ذلك وطول عصاه مثل ذلك ، ولم يلحق إلا (١٠) عرقوبه ، فقتله وتركه بموضعه وردم عليه بالصخر والرمل فكان كالجبل العظيم في صحراء مصر ، وقيل غير ذلك.

وكان بين أن أرسل (١١) الله الماء في الطوفان وبين أن غاض ستة أشهر وعشر ليال وكان ركوب نوح في السفينة في مستهل شهر رجب ، وقيل (١٢) : لعشر ليال مضت من رجب وكان أيضا لعشر ليال خلت من آب ، وخرج من السفينة يوم عاشوراء (١٣) من المحرم ، وكان استقرار السفينة على الجودي (١٤) وهو جبل من أرض الموصل (١٥).

__________________

(١) عوجا أ د ه : عوج ب ج.

(٢) ذراع بالهاشمي ب ج ه : ـ أ د.

(٣) ويشرب أ : ويشرب منه ب ج د ه.

(٤) في عين أ ج د ه : بعين د.

(٥) يأكله أ ب ج ه : يأكلها د.

(٦) الفرسخ : وحدة للقياس تساوي ثلاثة أميال ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٣ / ٤٤ ؛ هنتز ٩٤ ؛ الرفاعي ٢٦٩.

(٧) عسكر أ ج د ه : المعسكر ب.

(٨) تلك أ ب ج د : ـ ه / / من رأسه إلى عنقه أ ب : في عنقه ج : في رأسه د ه.

(٩) وكانت أ ب ج ه : وكان د.

(١٠) إلا أ ج د ه : سوى ب / / بموضعه أ ب د : موضعه ج ه.

(١١) أرسل أ ب ج د : وأرسله ه / / الماء في الطوفان أ ج د ه : ماء الطوفان ب.

(١٢) وقيل ... من أ ب ج د : ه.

(١٣) يوم عاشوراء ... أن السفينة أ ب ج ه : ـ ه.

(١٤) ورد هذا الخبر عن ابن عباس ، ينظر : الأزرقي ١ / ٥٢ ؛ الطبري ، تاريخ ١ / ١٨٥.

(١٥) الموصل : مدينة في شمالي العراق ، وهي مدينة قديمة الأساس ، على طرف دجلة ، ومقابلها من الجانب بالشرقي نينوى ، سميت بذلك لأنها وصلت دجلة بالفرات ، ينظر : البغدادي ، مراصد


وقد ورد حديث أن السفينة طافت بالبيت الحرام أسبوعا (١) ، ثم طافت ببيت المقدس أسبوعا ، واستوت على الجودي ، وروي أن السفينة سارت حتى بلغت بيت المقدس ، فوقفت ونطقت بإذن الله تعالى وقالت : يا نوح هذا موضع بيت المقدس الذي يسكنه (٢) الأنبياء من أولادك ، وكان الطوفان بعد هبوط آدم بألفي سنة ومائتين واثنتين وأربعين سنة ، وكان لستمائة (٣) سنة مضت من عمر نوح ، وبين الطوفان والهجرة الشريفة (٤) ثلاثة آلاف وتسعمائة وأربع (٥) وسبعون سنة ، وقد مضى من الهجرة إلى عصرنا تسعمائة سنة كاملة ، فيكون الماضي من الطوفان إلى سنة (٦) تسعمائة من الهجرة الشريفة (٧) أربع آلاف وثمانمائة وأربعا وسبعين سنة ، والله أعلم.

ولما مضت ثلاثمائة (٨) وخمسون سنة للطوفان توفي نوح ، عليه‌السلام ، وله من العمر (٩) تسعمائة وخمسون سنة ، هكذا وقع في كلام المؤرخين أن نوحا عاش القدر المذكور فقط ، وظاهر (١٠) الآية الشريفة يخالفه لأنه يدل على أنه لبث القدر المذكور في قومه بعد إرساله إليهم ينذرهم ، وأن الطوفان وقع بعد ذلك ، وقيل : إن عمر نوح ألف وأربعمائة وخمسون سنة (١١) وهو موافق للآية ، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ) (١٤) (١٢) ، فظاهر (١٣) الآية الشريفة دل على أنه عاش أكثر مما ذكره المؤرخون ، والله أعلم.

ونزل عليه جبريل ، عليه‌السلام ، خمسين مرة وقبره بكرك نوح (١٤) ، ومن

__________________

٣ / ١٣٣٤ ؛ الحميري ٥٦٣.

(١) أسبوعا ... بلغت ببيت المقدس أ ب ج ه : ـ د.

(٢) يسكنه أ ب د : تسكنه ج ه.

(٣) لستمائة ب ج د ه : لتسعمائة أ.

(٤) الشريفة أ د ه : ـ ب ج.

(٥) وأربع ب ج : وأربعة أ د ه.

(٦) إلى سنة أ ب ج د : إلى عصرنا ه.

(٧) الشريفة أ د ه : ـ ب ج / / أربع ب ج : أربعة أ د ه.

(٨) ثلاثمائة أ د ه : ثلثمائة ب ج.

(٩) وله من العمر ب د ه : ـ أ ج / / وقع أ ب ج د : ـ ه.

(١٠) وظاهر ب : فظاهر أ ج د ه.

(١١) سنة أ ب ج ه : ـ د.

(١٢) العنكبوت : [١٤].

(١٣) فظاهر أ ج د : وظاهر ب ه.

(١٤) كرك نوح : قرية كبيرة تقع قرب بعلبك في لبنان ، وبها قبر يزعم أهل المنطقة أنه قبر النبي نوح ، عليه


أولاده سام ولد قبل الطوفان بمائة سنة وعاش ستمائة سنة ووفاته بعد الطوفان بخمسمائة سنة وهو أبو العرب وفارس والروم ، وكان هو القيم بعد نوح في الأرض [٦ / أ] ومن ولده (١) / / الأنبياء كلهم عربهم وعجمهم ، وجعل الله في ذريته النبوة والكتاب ونزل بنوه سرّة الأرض ، وهو الذي اختط مدينة القدس (٢) وأسس مسجدها ، وكان ملكا عليها كما تقدم ، وحام أبو السودان ويافث أبو الترك ، ويأجوج ومأجوج والفرنج والقبط من ولد (٣) فوط بن حام.

ولما خرج نوح من السفينة قسم الأرض بين أولاده الثلاثة فأعطى سام الحجاز واليمن والشام والجزيرة ، وأعطى (٤) حام الغرب وأعطى يافث الشرق (٥) ، وولد لسام أرفخشد عاش أربعمائة وخمسا وستين سنة ، وولد لأرفخشد قينان عاش أربعمائة وثلاثين سنة ، وولد لقينان شالح عاش أربعمائة سنة وستين سنة ، وولد لشالح غابر عاش أربعمائة وأربعا وستين سنة ، ثم ولد لغابر فالغ عاش ثلاثمائة وتسعا وثلاثين سنة ، ثم ولد لفالغ رعون عاش ثلاثمائة وتسعا وثلاثين سنة ، وعند مولد رعون تبلبلت الألسن وتقسمت الأرض وتفرقت (٦) بنو نوح وذلك لمضي ستمائة وسبعين سنة للطوفان ، ثم ولد لرعون شاروع واسمه في التوراة (٧) سروج (٨) عاش ثلاثمائة وثلاثين سنة ، ثم ولد لشارع ناحور عاش مائتين وثماني وستين سنة ، ثم ولد لناحور ولد اسمه تارخ وهو آزر عاش مائتين وخمس سنين ، وهو أبو إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام.

ذكر هود وصالح عليهما‌السلام (٩)

وهما نبيان أرسلا بعد نوح وقبل إبراهيم الخليل ، وأرسل الله هودا (١٠) إلى

__________________

السلام ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٤ / ٥١٤.

(١) ولده أ ج د : ذريته ب ه.

(٢) القدس أ ب ج ه : ـ د.

(٣) من ولد ب ج د ه : من ولده أ.

(٤) وأعطى ب ج د ه : ـ أ / / الغرب أ ب ج : المغرب د ه.

(٥) الشرق أ ب ج : المشرق د ه / / وولد أ ج د ه : ثم ولد ب / / وولد لسام أ ج د ه : وولد لسام ولد سماه ب / / أرفخشذ أ ج د : + ولد سماه ب ه.

(٦) وتفرقت أ د : وتفرقه ب ج ه.

(٧) في التوراة اسمه سروج ، ينظر : التكوين ١١ : ٢٢.

(٨) سروج : التوراة : سرور أ ب ج د ه / / ثلاثمائة أ ج د ه : ثلثمائة ب.

(٩) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٢١٦ ـ ٢٣٢ ؛ الثعلبي ٣٦ ـ ٤٣.

(١٠) هودا ب : هود أ ج د ه.


عاد ، وكانوا أهل أصنام ، وكان عاد وثمود جبارين طوال القامات (١) ، ودعا (٢) هود قوم عاد فلم يؤمن منهم إلا القليل فأهلك الله الذين لم يؤمنوا بريح سخرها عليهم (٣) سبع ليال وثمانية أيام حسوما ، والحسوم الدائم ، فلم تدع غير هود والمؤمنين معه فإنهم اعتزلوا في حضرموت (٤) ، وبقي هود (٥) كذلك حتى مات وقبره بحضر موت ، وقيل : بالحجر من مكة ، وقيل : إن هودا (٦) هو غابر ، المتقدم ذكره ، والذي صححه جماعة من أكابر العلماء أن هودا هو ابن عبد الله بن رباح ، وليس هو غابر ، والله أعلم. وروي (٧) أنه كان من عاد شخص اسمه لقمان وهو غير لقمان الحكيم الذي كان على عهد سيدنا داود ، عليه‌السلام.

وأما صالح : فهو ابن آسف (٨) ، وأرسله الله تعالى إلى ثمود ، فدعاهم إلى التوحيد ، وكان مسكنهم بالحجر وهي مدينة بين المدينة الشريفة (٩) والشام فلم يؤمن به إلا قليل مستضعفون ، ثم إن كفارهم عاهدوه على أنه إن أتى (١٠) بما يقترحونه عليه آمنوا ، واقترحوا عليه أن يخرج من صخرة معينة ناقة فسأل الله (١١) في ذلك فخرج من تلك الصخرة ناقة ولدت فصيلا ، فلم يؤمنوا وعقروا الناقة فأهلكهم الله تعالى بعد ثلاثة أيام بصيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة فتقطعت قلوبهم ، فأصبحوا في دارهم جاثمين.

وسار صالح إلى فلسطين ، ثم انتقل إلى الحجاز يعبد الله إلى أن مات وهو ابن ثمان وخمسين سنة ، وورد أنه توفي بفلسطين (١٢) ، وأقام بها بعد مهلك قومه ،

__________________

(١) القامات أ ج د : القامة ب ه.

(٢) ودعا أ ج د ه : فدعا ب / / القليل أ ب ه : قليل ج د.

(٣) سخرها عليهم أ ب : ـ ج د ه.

(٤) حضرموت : ناحية باليمن مشتملة على مدينتين ، يقال لإحداهما شيام ، وللأخرى تريم ، وهي بقرب البحر في شرقي عدن ، وهي بلاد قديمة فيها قبر هود ، عليه‌السلام ، ينظر : القرماني ٣ / ٣٥٣.

(٥) وبقي هود ب ج د : مضى هود أ : ـ ه.

(٦) هودا ب : هود أ ج د ه.

(٧) وروي أ : ويروى ب ج د ه.

(٨) ابن آسف أ ب ج د : بن يوسف ه / / وأرسله أ د : أرسله ب : فأرسله ج : فإنه أرسله ه / / تعالى أ د ه : ـ ب ج.

(٩) المدينة الشريفة أ ب ج د : بيت المقدس الشريف ه.

(١٠) أتى أ ج د ه : أتاهم ب / / يخرج أ ج د ه : + لهم ب.

(١١) الله أ ج د ه : + تعالى ب / / ولدت أ ه : وولدت ب ج د.

(١٢) بفلسطين أ د ه : في فلسطين ب ج / / بها أ ب ج ه : ـ د.


ويقال : إن قبره بالمغارة التي بالجامع الأبيض بالرملة (١).

ذكر قصة إبراهيم الخليل وأبنائه الكرام عليهم‌السلام (٢)

أقول والله الموفق (٣) : إبراهيم خليل الرحمن وأبو الأنبياء الكرام من أولي العزم من المرسلين ، روي أنه أنزل الله تعالى (٤) عليه عشرة صحف كانت (٥) كلها أمثالا ، وجعل له لسان صدق في الآخرين أي ثناء حسنا فليس أحد من الأمم إلا يحبه (٦) ، وأكرمه الله تعالى بالخلة ، وجعل أكثر الأنبياء من ذريته ، وختم ذلك (٧) بسيد المرسلين محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وشرف وكرم ، وإبراهيم (٨) بن تارخ وهو آزر.

ولما أراد الله (٩) ، عز وجل ، أن يبعث السيد إبراهيم ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حجة على قومه ، ورسولا إلى عباده ، رأى نمروذ (١٠) في منامه ، كأن كوكبا قد طلع فذهب بضوء الشمس والقمر حتى لم يبق لهما ضوء ففزع الملك (١١) فزعا شديدا وجمع السحرة والكهنة وسألهم عن ذلك فقالوا له : هو مولود يولد في ناحيتك هذه السنة ، ويكون هلاكك وذهاب ملكك على يديه (١٢). ويقال إنهم وجدوا ذلك في كتب (١٣) الأنبياء ، [٦ / ب] عليهم‌السلام ، وكانت الملوك / / الذين ملكوا الأرض أربعة (١٤) : مؤمنان وهما : سليمان بن داود وذو القرنين ، وكافران وهما : نمروذ وبخت نصر (١٥).

فنمروذ هو ابن كنعان بن كوش بن سام بن نوح ، وهو أول من وضع التاج

__________________

(١) بالرملة أ : + والله أعلم ب ج ه : ـ ه.

(٢) عليهم‌السلام أ د : عليهم الصلاة والسلام ب : عليهم أفضل الصلاة وأتم السلام ج : عليهم أفضل الصلاة والسلام ه.

(٣) والله الموفق أ ج د ه : وبالله التوفيق ب / / وأبو أ ج د ه : وهو أبو ب.

(٤) تعالى أ ج د ه : ـ ب / / عشرة صحف أ ج ه : عشر صحف ب : عشر صحايف د.

(٥) كانت أ د : وكانت ب ج ه.

(٦) إلا يحبه ب ج د ه : لا يحبه أ.

(٧) ذلك ب ج د ه : بذلك أ / / محمد أ ج د : + المصطفى ب ه.

(٨) وإبراهيم أ ج د ه : + هو ب.

(٩) الله ، عز وجل أ ب ج ه : الله تعالى د / / صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د ه : عليه‌السلام ب.

(١٠) نمروذ أ ج د ه : النمرود ب.

(١١) الملك أ د : ـ ب ج ه / / عن ذلك أ ب ج ه : ـ د.

(١٢) يديه أ ج د ه : يده ب.

(١٣) كتب أ ب ج د : كتاب ه.

(١٤) أربعة أ ب ج د : أربع ه.

(١٥) بخت نصر أ ب ج د : بخت النصر ه.


على رأسه وتجبر في الأرض ، ودعا الناس إلى عبادته ، فلما أخبر (١) نمروذ بذلك أمر بذبح كل غلام يولد في تلك الناحية تلك السنة ، وأمر بعزل الرجال عن النساء ، وجعل على كل حامل أمينا ، وكانت (٢) الحامل إذا وضعت ولدها (٣) وكان ذكرا ذبحه ، وقيل : بل حبس جميع الحوامل إلا ما كان من أم إبراهيم فإنه لم يعلم بحملها وعميت عنها الأبصار ، وخرج نمروذ بجميع (٤) الرجال إلى المعسكر ونحاهم عن النساء كل ذلك تخوفا من ذلك المولود الذي أخبر به.

وقيل : إن نمروذ لما خرج بعسكره بدت له حاجة في المدينة ولم (٥) يأمن عليها أحدا من قومه إلا (٦) آزر ، وذلك قبل حمل أم إبراهيم ، فبعث إلى آزر وأسرّ إليه (٧) حاجته وقال له : أما إني لم أبعثك إلا لثقتي بك فأقسمت عليك أن لا تدنو من أهلك ، فقال آزر (٨) : أنا أشح على ديني منك ، ودخل آزر المدينة وقضى حاجته ، ثم بدا له الدخول على أهله (٩) لرؤية حالهم وإصلاح شأنهم ، ولما (١٠) دخل الدار واجتمع بأهله حكم عليه نفوذ الأقدار ونسي ما التزم به لنمروذ (١١) فواقع أهله واسمه يونا ، وقيل غير ذلك ، فحملت بإبراهيم ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما استقر (١٢) في بطنها تنكست الأصنام وظهر نجم إبراهيم ، عليه‌السلام ، وله طرفان : أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب ، فلما رآه نمروذ (١٣) تحير وازداد خوفه.

ولما تم حمل إبراهيم وجاء لأمه الطلق أرسل الله (١٤) إليها ملكا على

__________________

(١) أخبر أ ب ج د : أخبروا ه.

(٢) وكانت أ ه : فكانت ب ج د.

(٣) ولدها أ ج د ه : حملها ب / / بل حبس أ ج د ه : إنه حبس ب.

(٤) بجميع أ ج ه : يجمع ب / / المعسكر أ ب د : العسكر ج ه / / ونحاهم أ ب ج د : وطحاهم ه.

(٥) ولم أ د : لم ب ج ه.

(٦) إلا أ ج د ه : سوى ب / / إبراهيم أ ج د ه : + به ب.

(٧) وأسرّ إليه أ د : وأسر له ب : وسر له ج ه.

(٨) فقال آزر أ ب ج ه : ـ د / / ودخل أ ج د ه : ثم دخل ب.

(٩) أهله أ د ه : زوجته ب ج.

(١٠) ولما أ د ه : فلما ب ج / / الأقدار أ ج د : القدر ب ه / / ونسي أ ج د ه : فنسي ب.

(١١) لنمروذ أ ج د ه : للنمروذ ب / / أهله أ د ه : زوجته ب ج / / يونا أ ج د ه : نونا ب / / صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ د ه : عليه‌السلام ب ج.

(١٢) استقر أ ب ج ه : ظهر د.

(١٣) رآه نمروذ أ ج د : رأى ذلك النجم ب ه.

(١٤) الله أ ج د ه : + تعالى ب.


أجمل (١) صورة من بني آدم فأنسها وسكن خوفها وبشرها بولد يكون له شأن عظيم ، فلما ثقل عليها الحال قال لها : انهضي معي (٢) فقامت معه وتبعته فتوجه بها حتى أدخلها غارا هناك معميّ عن الخلق (٣). فلما دخلت الغار وجدت فيه جميع ما تحتاج إليه (٤) ، وخفف الله عنها الطلق فوضعت السيد إبراهيم ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥) ، ليلة الجمعة ، ليلة عاشوراء.

وكان مولده لمضي ألف وإحدى وثمانين سنة من الطوفان ، وكان الطوفان بعد هبوط آدم ، عليه‌السلام ، بألفين ومائتين واثنتين وأربعين سنة (٦) ، وبين مولد إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام ، والهجرة الشريفة النبوية ، على صاحبها (٧) ، أفضل الصلاة والسلام ، ألفان وثمانمائة وثلاثا وتسعين سنة (٨) على اختيار المؤرخين ، وقد مضى من الهجرة الشريفة إلى عامنا هذا تسعمائة سنة كاملة ، فيكون الماضي من مولد سيدنا إبراهيم ، عليه‌السلام ، إلى آخر تسعمائة من الهجرة الشريفة ثلاث آلاف وسبعمائة وثلاثا وتسعين سنة ، والاختلاف في ذلك كثير. فلما سقط إلى الأرض ، نزل عليه جبريل ، عليه‌السلام ، وقطع سرته وأذن في أذنه وكساه ثوبا أبيض ، ثم عاد بها (٩) الملك إلى منزلها (١٠) ، وتركت ولدها في الغار.

ولما طالت غيبة نمروذ عن أرضه (١١) عاد في تدبير ما أهمه ، فبينما هو جالس يوما (١٢) على سريره إذ هو قد انتفض من تحته انتفاضا شديدا ، وسمع (١٣) هاتفا

__________________

(١) أجمل أ ج د : أحسن صورة وأجمل وجه من بني آدم ب ه / / خوفها أ ج د : روعها ب ه / / شأن عظيم أ ج د : + وهو خليل رب العالمين ب : + وهو خليل الرحمن ه.

(٢) انهضي معي أ ب ج د : امضي معي ه.

(٣) معمي عن الخلق أ ب ج ه : معمي عن الأبصار د.

(٤) ما تحتاج إليه أ ج د ه : ما تحتاجه ب.

(٥) إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د ه : إبراهيم الخليل عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ب / / ليلة عاشوراء أ ج د : وكانت ليلة عاشوراء ب : فكانت عاشوراء ه.

(٦) واثنتين وأربعين ب ج د ه : وأربعين أ.

(٧) على صاحبها ... والسلام أ ج د : ـ ب ه.

(٨) وثلاثا وتسعين أ ج د : وثلاث وتسعون ب : ـ ه / / على اختيار ... كاملة ب ج د ه : ـ أ.

(٩) عاد بها أ ج د : عاد بأمه ب ه.

(١٠) منزلها أ ج د ه : مكانها ب / / في أ ب ج د : ـ ه.

(١١) عن أرضه أ ج د : + وبلاده ب ه / / عاد في أ د : عاد إلى ب ج ه / / ما أ ج د ه : + كان ب.

(١٢) جالس يوما أ ج د : ذات يوم ب ه / / إذ هو أ : وإذا هو بالسرير ب : إذا وقد ج : إذ هو بالسرير د ه / / شديدا ب ج د : ـ ه.

(١٣) وسمع أ ج د : فسمع نمروذ ب / / تعس أ ب ج د : ـ أ.


يقول : تعس من كفر بإله إبراهيم ، فقال لآزر : هل سمعت ما سمعت؟ قال : نعم ، قال : فمن إبراهيم؟ قال آزر : لا أعرفه ، فأرسل للسحرة (١) والكهنة يدلونك عليه (٢) واسألهم عن إبراهيم ، فلم يخبروه بشيء مع علمهم به ، وكان ذلك في يوم ولادته ، ثم توالت (٣) على نمروذ الهواتف ونطقت (٤) الوحوش والطيور مثل ذلك فكان نمروذ لا يمر بمكان إلا ويسمع قائلا يقول : تعس من كفر بإله إبراهيم (٥) ، ثم إن نمروذ رأى رؤيا أخرى هالته ، وذلك أنه رأى القمر قد طلع من ضلع (٦) آزر وبقي نوره كالعمود الممدود بين السماء والأرض ، وسمع قائلا يقول : جاء الحق وزهق الباطل ، ونظر (٧) إلى الأصنام وهي منكسة عن كراسيها فاستيقظ نمروذ فزعا ، فقص رؤياه على آزر ، فخاف آزر على نفسه منه وقال له : إنما ذلك لكثرة عبادتي لها.

وكان نمروذا بليدا جبانا (٨) ، فرضي بقول آزر وسكت ثم بدا له الدخول إلى البلد (٩) ، فلما دخلها / / دخل آزر على الأصنام ، وكان هو القيّم لها ، فلما وقع [٧ / أ] نظره عليها ، تساقطت عن كراسيها ، فسجد آزر حين رأى ذلك ، وأنطقها (١٠) الله تعالى وقالت : يا آزر جاء الحق وزهق الباطل ، ووافى نمروذ ما كان يحذره فدخل آزر بيته ، وكان (١١) قد توهم في زوجته أنها حامل ، فلما رآها وهي نشيطة (١٢) سألها عن حالها فقالت : إن الذي كان ببطني لم يكن ولدا وإنما كان ريحا ، وقد تصرف عني ، فصدقها على ذلك ، وألقى الله على (١٣) نمروذ النسيان لأمر إبراهيم ، فكانت

__________________

(١) فأرسل للسحرة أ ب ج د : فأرسل نمروذ جلف السحرة ه.

(٢) يدلونك ب د ه : ـ أ ج / / واسألهم عن إبراهيم أ ج د ه : + وسألهم عن ذلك ب.

(٣) توالت أ ب ج د : تواترت ه.

(٤) ونطقت أ ج د : حتى نطقت ب ه / / مثل ب ج د ه.

(٥) بإله إبراهيم أ ج د : + فازداد همه ب : برب إبراهيم الخليل ه / / ثم إن نمروذ رأى رؤيا أخرى هالته أ ج د ه : ورأى رؤيا هائلة في منامه ب.

(٦) ضلع أ ب ج د : ظهر ه / / كالعمود أ ب : العامود ج د ه.

(٧) ونظر أ ج د ه : فنظر ب / / وهي منكسة عن كراسيها أ د : فوجدها كلها منكسة على رؤوسها ب : وهي منكسة على رؤوسها ج ه / / فاستيقظ فزعا أ ج د ه : فاستيقظ النمروذ فزعا خائفا مرعوبا ب / / فقص ب ه : وقص أ ج د.

(٨) بليدا جبانا أ ب ج د : جبارا عنيدا ه.

(٩) إلى البلد أ ب ج د : على البلد د / / دخلها أ ب ج ه : ـ د.

(١٠) وأنطقها أ ب ج د : فأنطقها ه.

(١١) وكان أ ب ج د : ـ ه.

(١٢) نشيطة أ ج د : نشطة ب ه.

(١٣) الله أ ج د ه : + تعالى ب.


أمه تتوجه إلى الغار (١) في كل ثلاثة أيام مرة ترى حاله (٢) ، فتراه في أحسن هيئة ، فتوجهت إليه مرة فرأت الوحوش والطيور على المغارة فخافت واضطربت ، فظنت (٣) أن ولدها هالك ، فلما دخلت عليه وجدته بنعمة وعافية (٤) وهو جالس على فراش من السندس (٥) وهو مدهون مكحول (٦) ، فلما رأت ذلك منه ازدادت تعظيما له ، وعلمت أن له شأنا عظيما ، وأن له ربا يتولاه (٧) ووجدته يمص من أصابعه من أصبع ماء ، ومن أصبع لبنا ، ومن أصبع عسلا (٨) ، ومن أصبع زبدا ، ومن أصبع سمنا ، صلوات الله وسلامه عليه ، وكان يشب شبا (٩) لا يشبه الغلمان ، يومه كالشهر وشهره كالسنة.

ولم يمكث في الغار إلا (١٠) خمسة عشر شهرا ، وتكلم فقال لأمه يوما : من ربي (١١)؟ قالت : أنا ، قال : فمن ربك؟ قالت : أبوك ، قال : فمن رب أبي؟ قالت : نمروذ ، قال : فمن رب نمروذ (١٢)؟ قالت له : اسكت ، فسكت ، فرجعت (١٣) إلى زوجها ، وقالت له : أ رأيت الغلام الذي يتحدث به أنه بغير دين أهل الأرض؟ قال (١٤) : لا ، قالت : إنه ابنك ، ثم أخبرته بأمره ومكانه ، فأتاه أبوه ونظره وفرح به (١٥) ، وقال له إبراهيم : يا أبتاه من ربي؟ قال : أمك ، قال : فمن رب أمي؟ قال : أنا ، قال : فمن ربك؟ قال : النمروذ (١٦) ، قال : فمن رب النمروذ؟

__________________

(١) الغار أ ب ج ه : المغار د.

(٢) ترى حاله أ ج د : لترى حال ولدها ب ه / / هيئة أ ب ج د : صورة ه.

(٣) فظنت أ ج ه : وظنت ب : ـ د / / ولدها أ ب ج ه : ابنها د / / هالك أ : قد هلك ب ج د ه.

(٤) بنعمة وعافية أ ج د : بخير وعافية وهو جالس ب ه.

(٥) السندس : ضرب من رقيق الديباج ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٦ / ١٣٧ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٤٧٢.

(٦) مدهون مكحول أ ج د ه : + بأحسن حال ب / / تعظيما له أ ج د : فيه محبة وعظمة ب.

(٧) يتولاه ج د ه : + يحرسه ويتولاه فنظرت إليه ب / / ووجدته أ ج د ه : فوجدته ب / / من أ د ه : في ب ج / / من أصبع ماء ... عليه أ ج د ه : فوجدت يخرج له من أصبع لبن ... عليه ب.

(٨) عسلا أ ج ه : عسل ب : ـ د / / ومن أصبع زبدا أ ج د ه : ـ ب / / سمنا أ ج د ه : سمن ب

(٩) يشب شبا ب د ه : يشب شابا أ ج / / يشبه أ ج د ه : + أحدا من ب.

(١٠) إلا أ ج د ه : سوي ب / / فقال أ ب ج د : وقال ه / / يوما أ ج د : + يا أماه ب : ـ ه.

(١١) من ربي أ ج د ه : يا أماه من ربي ب / / قالت أ ج د ه : فقالت ب / / قال أ ج د ه : فقال لها ب / / فمن ربك أ ج د ه : ومن ربك ب.

(١٢) فمن رب نمروذ أ ج ه : + فلطمته لطمة ب / / فسكت أ ج د ه : ـ د.

(١٣) فرجعت أ ج د : ورجعت ب ه / / له أ ج د ه : ـ د / / أرأيت أ ج د ه : يا آزر أرأيت ب.

(١٤) قال : لا ، قالت ب : ـ أ ج د ه :/ / إنه أ ج د : إنه بعد ب : فإنه ه / / ومكانه أ ج د ه : وبمكانه ب.

(١٥) وفرح به أ ج د ه : + وقال له : أنت ولدي ، فقال إبراهيم ، نعم يا أبت ب / / وقال له إبراهيم أ : ثم قال إبراهيم ب : فقال له إبراهيم ج د ه / / من أ ج د ه : فمن د.

(١٦) النمروذ أ ج د : نمروذ ب ه.


فلطمه (١) وقال له : اسكت وذلك قوله تعالى : (* وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ.)(٢)

ثم إن إبراهيم قال لأمه يوما : أخرجيني من الغار ، فأخرجته عشيا (٣) فلما خرج نظر وتفكر في خلق السماوات والأرض ثم قال : إن الذي خلقني ورزقني ويطعمني ويسقيني لربي ما لي إله غيره ، ثم نظر إلى السماء فرأى كوكبا (٤) قال : هذا ربي ، ثم أتبعه بصره ينظر إليه حتى غاب فسأمه وقال : لا أحب الآفلين وهذا يدل على كمال عقله وعلمه إذ الآفل لا يجوز أن يكون إلها ، ثم رأى القمر بازغا قال : هذا ربي وأتبعه (٥) بصره حتى غاب فسأمه (٦) ورجع لفكره متوجها إلى ربه وقال : (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ.) (٧٧) (٧) ، ومعنى قوله (٨) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لئن لم يهدني ربي لأن الهداية (٩) والتوفيق بيده سبحانه ، ثم طلعت الشمس فقال : هذا ربي ، هذا أكبر فلما أفلت سئمها وتوجه إلى ربه بقلب سليم ووجه وجهه للحق والصدق (١٠) واليقين ونادى على قومه بالشرك المبين : (قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٧٩) (١١) ، فنقله الله (١٢) من علم اليقين إلى عين اليقين ، ثم إن أباه ضمه إليه فشب شبابا حسنا ولا زال (١٣) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في جميع أحواله مجملا مكملا حتى أكرمه الله تعالى بما أكرم من الآيات البينات (١٤) والكرامات الباهرات ثم ألبس (١٥) حلة

__________________

(١) فلطمه أ د : فلطمه لطمة كادت أن تخرج عينيه ب : فلطمه لطمة ج ه / / قوله تعالى أ ب د : قوله عز وجل ج ه.

(٢) الأنبياء : [٥١].

(٣) عشيا أ ج د : عشاء ب : ـ ه.

(٤) فرأى كوكبا أ ج د ه : فرأى كواكبها ورأى كوكبا ب / / قال أ ج د ه : فقال ب / / أتبعه أ ب ج د : فأتبعه ه / / حتى غاب فسأمه أ ج د ه : حتى غاب وهو ينظر إليه فما غاب قال ب.

(٥) وأتبعه أ ب ج د : فأتبعه ه.

(٦) حتى غاب فسأمه أ ج د ه : + وقال أنا لا أحب الآفلين ب.

(٧) الأنعام : [٧٧].

(٨) قوله أ ج د ه : مقاله ب.

(٩) لأن الهداية أ د : أن الهداية ب ج د.

(١٠) والصدق أ : بالصدق ب ج د ه.

(١١) الأنعام : [٧٨ ـ ٧٩].

(١٢) الله أ د : + تعالى ب ج ه.

(١٣) ولا زال أ ج د ه : ولم يزل ب.

(١٤) البينات ب ج د : المبينات أ ه.

(١٥) ألبس أ : ألبسه ب ج د ه / / حالة أ : خلعه ب ج د ه.


الخلة ، وجعله من أولي العزم من الرسل وجعله أبا الأنبياء وتاج الأصفياء ، ونصرة أهل الأرض ، وشرف أهل السماء.

وكان مولده ، عليه‌السلام (١) ، بكوثا من إقليم بابل من أرض العراق على أرجح الأقوال ، وكان آزر أبو إبراهيم يصنع الأصنام ويعطيها لإبراهيم ليبيعها (٢) ، فكان إبراهيم يقول : من يشتري ما يضره ولا ينفعه فلا يشتريها أحد فإذا بارت عليه ذهب (٣) إلى نهر فصوّب فيه رؤوسها وقال لها : اشربي استهزاء بقومه وبما هم فيه من الضلالة حتى فشا استهزاؤه بها في قومه وأهل (٤) قريته فحاجه قومه في دينه ، قال لهم : أتحاجّوني في الله وقد هداني للتوحيد والحق ولا أخاف ما تشركون به؟ وذلك [٧ / ب] أنهم قالوا له (٥) : احذر الأصنام / / فإنا نخاف أن تمسك بسوء من خبل أو جنون لعيبك (٦) إياها ، فقال لهم : لا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما ـ أي أحاط علمه بكل شيء ، أفلا تتذكرون.

ثم لما أمر الله تعالى إبراهيم (٧) أن يدعو قومه إلى التوحيد دعا أباه فلم يجبه ، ودعا قومه وفشا أمره واتصل بنمروذ (٨) ، وهو ملك تلك البلاد ، ثم جاهر (٩) إبراهيم قومه بالبراءة مما كانوا يعبدون وأظهر دينه وقال : (قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) (٧٧) (١٠)(١١) ، قالوا (١٢) : فمن تعبد أنت؟ قال : رب العالمين ، قالوا : ربنا النمروذ ، قال : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ

__________________

(١) عليه‌السلام أ ب ج د : عليه الصلاة والسلام ه.

(٢) ليبيعها أ ج د : يبيعها ه / / ما أ ب ج د : ـ ه.

(٣) ذهب أ ه : + بها ب ج د.

(٤) وأهل أ ب د : وف أهل ج ه / / قال أ ج د ه : فقال ب.

(٥) قالوا له ... لا أخاف أ ج د ه : ـ د.

(٦) لعيبك أ ج د : لسبك ب : ـ ه.

(٧) إبراهيم أ ج د : + عليه‌السلام ب : ـ ه / / دعا أ ج د : ودعا ب : فدعا ه.

(٨) واتصل بنمروذ أ ج د ه : واتصلت أخباره بنمروذ ب.

(٩) جاهر أ : جاهد ب ج د : جاءهم ه / / قومه أ ب ج د : ـ ه.

(١٠) الشعراء : [٧٥ ـ ٧٧].

(١١) فإنهم عدو أ ب ج د : فإنه عدو ه.

(١٢) قالوا أ ج د ه : فقالوا ب / / ربنا النمروذ أ : نحن ربنا نمروذ ب د ه : قالوا ربنا نمروذ ج / / قال أ ب ج د : + أنا عبد الله ب.


يُبْعَثُونَ (٨٧) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (٨٩) (١).

ففشى (٢) ذلك في الناس حتى بلغ الخبر إلى النمروذ فدعاه إليه فقال : يا إبراهيم أرأيت الذي (٣) بعثك وتدعو إلى عبادته وتذكر عظيم قدرته ، ما هو؟ فقال له (٤) إبراهيم : هو ربي الذي يحيي ويميت ، قال النمروذ : أنا أحيي وأميت ، قال إبراهيم : كيف تحيي وتميت؟ قال : آخذ الرجلين (٥) قد استوجبا القتل في حكمي فأقتل أحدهما فأكون قد أمته ثم أعفو عن الآخر فأتركه فأكون قد أحييته ، فانتقل (٦) إبراهيم إلى حجة أخرى أعجز فإن حجته كانت لازمه لأنه أراد بالإحياء ، إحياء الميت فكان له أن يقول : فأحى من أمت إن كنت صادقا ، فانتقل إلى حجة أخرى أوضح من الأولى فقال (٧) : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ.)(٨) أي تحير واندهش وانقطعت حجته. ولما أراد إبراهيم ، عليه‌السلام ، أن يرى قومه ضعف الذي كانوا عليه (٩) وضعف الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله (١٠) وعجزها إلزاما للحجة عليهم ، فجعل ينتظر لذلك فرصة إلى أن حضر عيدا (١١) لهم ، وكان لهم في كل سنة عيد يخرجون إليه ويجتمعون فيه ، فكانوا (١٢) إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام ، فسجدوا لها ثم عادوا إلى منازلهم.

فلما كان ذلك العيد قال (١٣) أبو إبراهيم : يا إبراهيم لو خرجت معنا إلى عيدنا

__________________

(١) الشعراء : [٧٨ ـ ٨٩].

(٢) ففشى أ ج د ه : قال : ففشى ب / / الخبر أ ج د ه : ـ ب / / النمروذ أ ب د : لنمروذ ج ه / / فقال أ ج د ه : وقال ب.

(٣) أرأيت الذي أ ه : أرأيت الملك ب ج د / / وتدعو إلى عبادته أ ه : وتدعوا الناس إلى الناس إلى عبادته ب : وتدعو إلى عبادته طاعته ج د.

(٤) فقال له ب : فقال أ ج د ه :/ / هو ربي أ ج د ه : والذي د / / قال النمروذ أ ج د ه : فقال نمروذ ب.

(٥) الرجلين أ د : رجلين ب ج ه.

(٦) فانتقل أ ج ه : قال فأنتقل ب : وانتقل د / / أخرى ب ج : ـ أ د ه / / أعجز أ ب : لأعجز ج : أعز د ه.

(٧) فقال أ ج د ه : فقال إبراهيم ب.

(٨) البقرة : [٢٥٨].

(٩) كانوا عليه أ ب ج ه : كانوا فيه د.

(١٠) دون الله أ د : دون الله تعالى ب : دون الله عز وجل ج ه.

(١١) عيدا أ د ه : عيد ب ج.

(١٢) فكانوا أ د : وكانوا ب ج ه / / فسجدوا لها أ د : فيسجدون لها ب : فيسجدوا لها ج : فيهتدوا إليها ه / / ثم عادوا أ د : ثم يعودون ب ه : ثم يعودوا ج.

(١٣) قال أ ج د ه : + آزر ب / / يا إبراهيم أ ج ه : لإبراهيم ب : ـ د.


أعجبك (١) ديننا ، فخرج معهم فلما كان في بعض الطريق ألقى نفسه وقال : إني سقيم فقعد ومضوا وهو صريح ، فلما مضوا نادى في آخرهم ، وقد بقي ضعفاء الناس : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) (٥٧) (٢) فسمعوا منه (٣) ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة فإذا هم قد جعلوا طعاما فوضعوه بين يدي (٤) الآلهة وقالوا : إذا رجعنا وقد باركت الآلهة في طعامنا أكلنا (٥).

فلما نظر إليها إبراهيم (٦) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإلى ما بين أيديها من الطعام قال لهم ، على طريق الاستهزاء : (فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ.) (٩١) (٧) ، فلما (٨) لم يجبه أحد قال (٩) : (ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) (٩٣) (١٠) ، وجعل يكسرها (١١) بفأس في يده حتى إذا لم يبق إلا الصنم الأكبر علق الفأس في عنقه ثم خرج فذلك (١٢) قوله تعالى : (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ.) (٥٨) (١٣).

فلما رجع القوم من عيدهم إلى بيت آلهتهم (١٤) ورأوا أصنامهم جذاذا (١٥) إلا كبيرا لهم قالوا : (قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ.) (٥٩) (١٦) ـ أي المجرمين ـ قال الذين سمعوا قول (١٧) إبراهيم ، عليه‌السلام ، وتالله لأكيدن

__________________

(١) أعجبك أ ج د ه : لأعجبك ب.

(٢) الأنبياء : [٥٧].

(٣) منه أ ج د ه : كلامه ب.

(٤) يدي أ ج د ه : أيدي ب / / وقد أ ج د ه : تكون قد ب.

(٥) أكلنا أ ج د ه : فنأكله ب.

(٦) لما نظر إليها إبراهيم ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د ه : فلما نظر إبراهيم عليه‌السلام إلى الأصنام ب / / أيديها أ : أيديهم ب ج د ه.

(٧) الصافات : [٩١].

(٨) فلما أ ه : فلم ب : لم ج د / / لم أ ج د : فلم ب ه.

(٩) أحد قال أ ج د ه : أحد منهم فقال ب.

(١٠) الصافات : [٩٢ ـ ٩٣].

(١١) يكسرها أ د ه : يكسرهم ب ج / / إذا أ د : ـ ب ج ه / / الأكبر أ د : الكبير ب ج ه / / علق أ ج د ه : فعلق ب.

(١٢) فذلك ب : في ذلك أ ج د ه.

(١٣) الأنبياء : [٥٨].

(١٤) بيت آلهتهم أ ب ج : بيت الأصنام د ه.

(١٥) جذاذا أ : + إلا كبيرا لهم ب ج ه د.

(١٦) الأنبياء : [٥٩].

(١٧) قول أ ج د ه : كلام ب / / إبراهيم عليه‌السلام أ : + حيث قال ب ج د ه.


أصنامكم (١) : (سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) ـ يعيبهم ويسبهم ـ (يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) (٦٠) ـ وهو الذي نطق أنه صنع (٢) هذا ، فبلغ ذلك نمروذ الجبار وأشراف قومه ـ (قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ)(٣) ـ أي ظاهرا ـ (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) (٦١) (٤) عليه أنه الذي فعله ، كرهوا أن يأخذوه بغير بينة ، فلما أتوا به (قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٦٢) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) (٦٣) (٥) غضب من أن تعبدوا معه هؤلاء الصغار وهو أكبر منها (٦) فكسرهم وأراد إبراهيم ، عليه‌السلام ، بذلك إقامة الحجة عليهم ، فذلك قوله : (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) (٦٣) (٧) حتى يخبروا من فعل ذلك بهم (٨).

روي عن أبي (٩) هريرة ، رضي‌الله‌عنه ، أن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «لم يكذب إبراهيم ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلا ثلاث كذبات : كذبتان (١٠) منهن في ذات الله ، عز وجل ، قوله : أني سقيم ، وقوله : بل فعله (١١) كبيرهم هذا ، وقوله لسارة : هذه أختي» (١٢) ، وليس هذا من باب الكذب الحقيقي الذي يلام (١٣) فاعله وإنما أطلق الكذب على هذا تجوزا ، ويجوز أن يكون الله ، عز وجل (١٤) ، أذن له في ذلك لقصد الصلاح وتوبيخهم والاحتجاج عليهم كما أذن ليوسف ، عليه‌السلام ، حيث أمر مناديه فقال لإخوته (١٥) : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ.) (٧٠) (١٦) ، ولم يكونوا سرقوا فرجعوا إلى أنفسهم أي تفكروا بقلوبهم ورجعوا إلى عقولهم فقالوا : ما نراه إلا كما قال إنكم

__________________

(١) أصنامكم أ : + بعد أن تولوا مدبرين ب ج د ه.

(٢) صنع أ ج د ه : فعل ب / / هذا أ ج د ه : + بآلهتنا ب.

(٣) الناس أ ب ج د : ـ ه.

(٤) الأنبياء : [٦٠].

(٥) الأنبياء : [٦٢ ـ ٦٣].

(٦) منها أ ج د ه : منهم ب.

(٧) الأنبياء : [٦٣].

(٨) ذلك هم أ ج د ه : هم ذلك ب.

(٩) روى عن أ ج د ه : روى أبو هريرة ب.

(١٠) كذبتان أ د ه : ثنتان ب ج / / وقوله ... هذا أ ب ج ه : ـ د.

(١١) بل فعله ب ج د ه : بل فعلهم أ.

(١٢) ينظر : البخاري ، الجامع ٣ / ٢٤٠ ؛ الطبري ، تاريخ ١ / ٢٤٦.

(١٣) يلام أ د : يذم ب ج : ـ ه / / أطلق أ د : إطلاق ب ج : ـ ه / / تجوزا أ د : تجوز ب : يجوز ج : ـ ه.

(١٤) عز وجل أ ج د ه : تعالى ب / / أذن له أ ج د ه : قد أذن ب / / وتوبيخهم أ ب ج د : ـ ه.

(١٥) لإخوته أ ب ج د : لأخيه ه.

(١٦) يوسف : [٧٠].


أنتم الظالمون ، يعني بعبادتكم من لا يتكلم ثم نكسوا على رؤوسهم أي ردوا إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم وقالوا : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ.)(١) فكيف نسألهم؟.

فلما اتجهت الحجة عليهم إلى إبراهيم (٢) ، عليه‌السلام ، (قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً)(٣) إن عبدتموه ولا يضركم إن تركتم عبادته (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ ـ) أي نتنا وقذرا لكم ـ (وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(٤) ، فلما ألزمتهم (٥) الحجة وعجزوا عن الجواب (قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) (٦٨) (٦)(٧) ، إن كنتم ناصرين.

فلما جمع نمروذ قومه لإحراق إبراهيم ، صلوات (٨) الله وسلامه عليه ، حبسوه في بيت وبنوا بنيانا كالحظيرة (٩) قيل : طوله في السماء ثلاثون ذراعا وعرضه (١٠) عشرون ذراعا وملؤه من الحطب وأوقدوا فيه النار ليطرحوه (١١) فيها ، فلم يطيقوا لشدة الحر أن يقربوها ولا علموا كيف يلقوه فيها فجاء إبليس وعلمهم عمل المنجنيق (١٢) فعملوه. ثم عمدوا إلى إبراهيم الخليل ، عليه الصلاة والسلام ، فرفعوه على رأس البنيان وقيدوه ، ثم وضعوه في المنجنيق مقيدا مغلولا وألقوه في النار فكانت عليه بردا وسلاما.

ولما أرادوا إلقاءه في النار أتاه خازن المياه فقال (١٣) : إن أردت أخمدت النار ، وأتاه (١٤) خازن الريح فقال : إن شئت طيرت النار في الهواء ، فقال إبراهيم ،

__________________

(١) الأنبياء : [٦٥].

(٢) إلى إبراهيم أ : لإبراهيم ب ج د ه.

(٣) الأنبياء : [٦٦].

(٤) الأنبياء : [٦٧].

(٥) ألزمتهم أ ج د ه : لزمتهم ب / / حرقوه أ ج د ه : أحرقوه ب.

(٦) الأنبياء : [٦٨].

(٧) فاعلين أ ج د ه : + أي ب / / ناصرين أ ج د ه : + لها ب.

(٨) صلوات الله وسلامه عليه أ ج د ه : ـ ب.

(٩) كالحظيرة أ ج د ه : كالحضيرة ب / / طوله ب ج د : طولها أ ه.

(١٠) وعرضه ب ج د : وعرضها أ ه / / وأوقدوا فيه أ ب ج د : وأوقدوا عليه ه.

(١١) ليطرحوه ... يلقوه فيها ه : ليطرحوه ... يلقوه فيه ب : ـ أ ج د / / الحر أ ج د ه : حر النار ب.

(١٢) المنجنيق : وجمعه مجانيق ، آلة من خشب لقذف الحجر على العدو من مسافات بعيدة وأصلها يوناني ، ينظر : القلقشندي ، صبح الأعشي ٢ / ١٣٧ ؛ عاشور ٤٧٧ ؛ المنجد ٧٧٦.

(١٣) فقال أ ج د ه : وقال يا إبراهيم ب / / أخمت أ ج د ه : أخمدها لك فقال لا ب.

(١٤) وأتاه أ ج ه : ثم أتاه ب د / / الريح أ د : الرياح ب ج ه / / فقال أ ج د ه : وقال ب / / طيرت أ


صلوات الله وسلامه عليه (١) : لا حاجة لي إليكم ، حسبي الله ونعم الوكيل.

ولما ألقي في النار كان ابن ستة عشر سنة وقد مدحه الله في كتابه العزيز بقوله تعالى : (* وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ)(٢) ، والكلمات التي ابتلاه الله بها من أجل شرائع (٣) الإسلام ومن أعز ما امتحن به أهل الإيمان ، ولذلك مدحه الله ، عز وجل (٤) ، بقوله : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (٣٧) (٥) ، ومعنى التوفية هو الإتمام لما طولب (٦) به في دينه ونفسه وماله وولده ، فأتم الجميع على الوجه المطلوب ، ولما صنع له نمروذ (٧) المنجنيق وألقاه في النار ظهر تحقيق (٨) الابتلاء وصدق الولاء ، وذلك أنه لما نزل به من عدوه ، وأنزل ووضع في المنجنيق استغاثت الملائكة قائلة : يا رب هذا خليلك قد نزل به من عدوك ما أنت أعلم به ، فقال الله تعالى لجبريل : اذهب إليه فإن استغاث بك (٩) فأغثه وإلا فاتركني وخليلي ، فتعرض له جبريل وهو يقذف به في لجة الهواء إلى النار ، وقال له : هل لك من حاجة؟ فقال : أما إليك فلا ، وأما إلى الله فبلى ، قال جبريل : فاسأل (١٠) ربك ، فقال إبراهيم : حسبي من سؤالي علمه بحالي.

فلم يستنصر بغير الله ولا جنحت همته لما سوى الله بل استسلم لحكم الله (١١) مكتفيا تدبير الله ، عز وجل ، عن تدبير نفسه ، فأثنى الله عليه بقوله تعالى : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (٣٧) (١٢) ، ونجاه من النار (١٣) ، وقال لها : (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ)(١٤).

__________________

ج : + لك ب د ه.

(١) صلوات الله وسلامه عليه أ ج د ه : عليه‌السلام ب / / إليكم أ ج د : بكم ب : إليكما ه.

(٢) البقرة : [١٢٤].

(٣) أجل شرائع أ ب ج : حمله شرائع د : ـ ه / / من أجل ... الإتمام أ ب ج د : ـ ه / / ومن أعز أ ج د ه : وأعز ب.

(٤) عز وجل أ ج د ه : تعالى ب.

(٥) النجم : [٣٧].

(٦) طولب أ ب ج ه : طلب د / / دينه ونفسه وماله وولده أ ج د : دينه وماله ونفسه وولده ب ه.

(٧) نمروذ أ ج د ه : النمروذ ب.

(٨) تحقيق أ ب ج د : تحقق ه / الولاء أ ب ج د : القول ه.

(٩) بك أ ب ج د : إليك ه.

(١٠) فاسأل أ ج د ه : فسل ب.

(١١) لحكم الله أ ج د : لحكمه ب ه / / تدبير الله عز وجل أ ج د : بتدبيره ب ه.

(١٢) النجم : [٣٧].

(١٣) ونجاه من النار وقال لها أ ج د ه : فقال الله تعالى للنار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ونجاه من النار ب.

(١٤) الأنبياء : [٦٩].


قال كعب الأحبار (١) : جعل كل شيء يطفيء عنه النار إلا الوزغ (٢) فإنه كان ينفخ في النار ، قال الثعلبي (٣)(٤) : فلذلك أمر النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بقتلها وسماها فويسقة.

وعن علي (٥) ، رضي‌الله‌عنه ، أنه قال : إن البغال كانت تتناسل ، وكانت أسرع [٨ / ب] الدواب في نقل الحطب لنار إبراهيم ، فدعا عليها (٦) / / فقطع الله نسلها.

وقال بعض أهل العلم (٧) : لو لم يقل الله سبحانه (وَسَلاماً) لأهلكه بردها. وقيل : إنه لم يبق في ذلك الوقت نار تشتعل بمشارق (٨) الأرض ولا مغاربها إلا خمدت ظانة أنها المعينة بالخطاب.

وكان (٩) حين وضع في المنجنيق ورمي به جرد عن ثيابه ولم يترك عليه إلا (١٠) السراويل فقصد بعض السفهاء أن ينزع السراويل عنه فشلت يده ، وكان مقيدا (١١) بقيود وتلقاه جبريل ، عليه‌السلام ، فلم يضره ألم الهوى ، فلما استقر على الأرض ، وهي إذ ذاك جمرا أحمرا (١٢) يلتهب ويتوقد لم يؤثر فيه شيء من حرارة النار (١٣) ، وظهر للناظرين إليه والمراقبين له أن الأرض التي سقط عليها مخضرة مورقة (١٤)

__________________

(١) كعب الأحبار أ ج د ه : + رضي‌الله‌عنه ب / جعل أ د ه : فجعل ب : وجعل ج.

(٢) الوزغ : سام أبرص ، يطلق على الذكر والأنثى ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٨ / ٤٥٩ ؛ المعجم الوسيط ٢ / ١٠٧١ ، والخبر حديث عن الرسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رواه ابن ماجه ٢ / ٢٥٥ ؛ والإمام أحمد ٦ / ٨٣.

(٣) الثعلبي : أبو إسحاق أحمد إبراهيم الثعلبي النيسابوري المعز المشهور ، صنف كتاب التفسير الكبير ، وله كتاب العرائس في قصص الأنبياء ، توفي سنة ٤٢٧ ه‍ / ١٠٣٤ م ؛ ينظر : ابن خلكان ١ / ٧٩ ـ ٨٠ ؛ ابن العماد ٣ / ٢٣٠.

(٤) الثعلبي أ ج د ه : + رضي‌الله‌عنه ب.

(٥) وعن علي أ د ه : وعن علي رضي‌الله‌عنه أنه قال ب ج / / إن البغال ... لنا إبراهيم أ ب ج د : ـ ه.

(٦) فدعا عليها أ ج د ه : + إبراهيم ب.

(٧) وقال بعض أهل العلم أ د : وقال بعض العلماء ب ج ه.

(٨) بمشارق أ ب ج د : لا في المشارق ه.

(٩) وكان أ ج د ه : + إبراهيم ب / / جرد عن أ د ه : جرد عنه ب : جرد عنه ج.

(١٠) إلا أ ج د ه : سوى ب / / يده أ ج د ه : يداه ب.

(١١) مقيدا أ ب ج ه : + مغلولا د. / / وتلقاه أ ج د ه : فتلقاه ب / / فلم أ د : ولم ب : ـ ج ه.

(١٢) أحمرا أ ج د ه : أحمر ب / / يلتهب ويتوق أ د ه : تلتهب وتتوقد ب ج / / ولم يؤثر أ د ه : فلم يؤثر ب ج.

(١٣) حرارة النار أ ج د : حرارتها ب ه / / للناظرين إليه أ ب : للرائين ج د ه / / والمراقبين له أ ج د ه : ـ ب.

(١٤) مورقة أ ج : مونقة ب د ه.


وجليسه جليس صالح حسن الوجه والهيئة كأحسن ما رآه (١) راء ، ثم ألبسه قميصا من ثياب الجنة وفك قيده وآنسه وقال له : ربك يقرئك السلام ويقول لك : أما علمت أن النار (٢) لا تضر أحبابي؟ فقال ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣) : حسبي الله ونعم الوكيل.

وكان ، عليه‌السلام ، أول من جرد (٤) ثيابه في سبيل الله فلذلك كساه الله وادخر (٥) له كسوة يكتسي بها أول الخلق يوم القيامة كل ذلك وهو بمشهد من الخلق ينظرون إليه ، فلما رأوه (٦) وقد أكرمه الله بما أكرمه به آمن بالله جمع كبير في سر (٧) خوفا من النمروذ.

وخرج إبراهيم من مكانه وهو يمشي (٨) وفارقه جبريل ، عليه‌السلام ، فأقبل نحو منزله فأرسل إليه النمروذ (٩) وسأله عن كسوته ورفيقه فقال : إنه ملك أرسله إليّ ربي ، وقص عليه القصة (١٠) ، فقال نمروذ : إن إلهك الذي تعبده لإله عظيم وإني مقرب قربانا إليه لما رأيت (١١) من عزته وقدرته فيما صنع بك حين أبيت (١٢) إلا عبادته ، فقرب أربعة آلاف بقرة ، ثم احترم إبراهيم بعد ذلك وكف عنه.

وقد عذب الله النمروذ بإرسال (١٣) البعوض عليه وعلى جيشه فأكلت لحومهم ودماءهم (١٤) ، وتركتهم عظاما ، ودخلت واحدة منها في منخر الملك نمروذ ، فلبثت في منخره أربعمائة (١٥) سنة عذبه الله تعالى بها ، فكان يضرب رأسه بالمرازب (١٦) في

__________________

(١) رآه أ+ راء ب ج د ه / / وقال له أ ج د ه : وقال له جليسه ب.

(٢) النار أ ب ج ه : ـ د.

(٣) فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د ه : فقال الخليل عليه‌السلام ب.

(٤) جرد أ ب ج د : تجرد ه / / سبيل الله أ ج د ه : + تعالى ب.

(٥) وادخر أ ب ج د : ـ ه / / يكتسي أ ب د : يكسى ج ه / / وهو أ ب ج د : ـ ه.

(٦) رأوه أ : رآه قومه ب ه : رأوه قومه ج.

(٧) في سر أ ب ج ه : في السر د / / النمروذ أ د ه : نمروذ ب ج.

(٨) وهو يمشي ب ج ه : يمشي أ د.

(٩) النمروذ أ ج د ه : نمروذ ب / / وسأله أ د ه : يسأله ب ج / / ورفيقه أ ج د ه : وعن رفيقه ب.

(١٠) القصة أ ج د ه : قصته ب / / فقال نمروذ أ د ه : فقال له نمروذ ب ج.

(١١) لما رأيت أ ج د ه : وذلك لما رأيت ب.

(١٢) حين أبيت أ ب ج د : حتى أبيت د.

(١٣) بإرسال أ ج د ه : بإرساله د / / عليه وعلى جيشه أ ج د ه : عليه وعلى حاشيته وجيوشه ب.

(١٤) دماءهم أ ج ه : شربت دماءهم ب د.

(١٥) أربعمائة أ ب ج ه : أربعين سنة د / / الله تعالى ه : الله ب : الله عز وجل أ ج د.

(١٦) المرازب : مفردها المرزبة : مشددة الباء ، عصية من حديد ، والعامة تستعملها للعصا القصيرة الغليظة ، جمعها مرازب ، ينظر : الحسيني ٤٦٠.


المدة كلها حتى أهلكه الله ، عز وجل ، وسلط الله على مدينة كوثا (١) الزلازل حتى خربت.

قال الثعلبي (٢)(٣) : لما حاجة إبراهيم في ربه قال النمروذ : إن كان ما يقول حقا فلا أنتهي حتى أعلم ما في السماوات ، فبنى صرحا عظيما ببابل (٤) ورام الصعود (٥) إلى السماء لينظر إلى إله إبراهيم ، عليه‌السلام ، واختلف في طول الصرح في السماء فقيل : خمسة آلاف ذراع ، وقيل : فرسخا (٦).

ثم عمد إلى أربعة أفراخ من النسور وأطعمها (٧) اللحم والخبز حتى كبرت ، ثم قعد في تابوت ومعه غلام له (٨) وقد حمل القوس والنشاب ، وجعل لذلك التابوت بابا من أعلاه وبابا من أسفله ، ثم ربط التابوت بأرجل النسور وعلق اللحم على عصي فوق التابوت ، ثم خلى عن النسور فطارت (٩) النسور ، طمعا في اللحم حتى أبعدت في الهواء ، وحالت الريح بينها وبين الطيران ، فقال لغلامه : افتح الباب الأعلى فانظر ، ففتح (١٠) فإذا السماء كهيئتها ، وفتح الباب الأسفل فإذا الأرض سوداء مظلمة ، ونودي : أيها الطاغي (١١) أين تريد؟ فأمر عند ذلك غلامه (١٢) فرمى بسهم فعاد إليه السهم متلطخا بالدم ، فقال : كفيت شر (١٣) إله السماء.

__________________

(١) كوثا : قرية في العراق فيها تلال من رماد ، يقال : إنه رمال النار التي أوقدها نمروذ لإحراق إبراهيم ، عليه‌السلام ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٤ / ٤٠٧ ـ ٤٠٨ ؛ القزويني ٤٤٩ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٨٥ ؛ القرماني ٣ / ٤٥١.

(٢) ينظر : الثعلبي ٥٧.

(٣) الثعلبي أ ج د ه : + رضي‌الله‌عنه ب / / النمروذ أ ج د ه : نمروذ ب / / إن كان ما يقول أ د ه : ما تقول ب ج.

(٤) بابل : اسم ناحية في العراق ومنها الكوفة والحلة ، وهي المدينة الشهيرة بالخراب قرب الحلة ، يقال : إن إبراهيم ولد فيها ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ١٤٥ ؛ الحميري ٧٣ ؛ القرماني ٣ / ٣٢٤.

(٥) الصعود أ ج د ه : + منه ب / / لينظر أ د ه : لنظر ب ج / / عليه‌السلام ... إلى الشام أ ب ج د ه : ـ ج.

(٦) فرسخا أ : فرسخان ب د ه : ـ ج.

(٧) وأطعمها أ د ه : فأطعمها ب : ـ ج.

(٨) غلام له أ ب د : غلامه ه : ـ ج / / وقد أ ج د ه : قد ب / / النشاب أ د ه : + معه ب : ـ ج.

(٩) فطارت أ : + النسور ب د ه : ـ ج.

(١٠) ففتح أ د ه : ففتحه ب : ـ ج.

(١١) أيها الطاغي أ د ه : أيها العاصي ه : ـ ج.

(١٢) فأمر عند ذلك غلامه أ د ه : فعند ذلك أمر غلامه ب : ـ ج / / بسهم أ د ه : سهما ب : ـ ج / / فعاد إليه السهم متلطخا أ ج د ه : فعاد السهم إليه وهو ملطخ ب.

(١٣) شر ب د ه : شغل أ : ـ ج.


واختلف في ذلك السهم بأي شيء تلطخ فقيل : سمكة في السماء من بحر معلق في الهواء ، وقيل : أصاب طيرا من الطيور فتلطخ بدمه.

ثم أمر نمروذ غلامه أن يصوب العصي ، وينكس اللحم ففعل ذلك ، فهبطت النسور بالتابوت ، فسمعت الجبال خفقان هبوط (١) التابوت والنسور ، ففزعت وظنت أن (٢) قد حدث في السماء أمرا أو أن الساعة قد قامت ، فذلك قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) (٤٦) (٣).

ثم أرسل الله ريحا على صرح نمروذ (٤) ، فألقت رأسه في البحر ، وانكفأت بيوتهم ، وأخذت نمروذ الرجفة ، وتبلبلت ألسن الناس حين سقط الصرح من الفزع ، فتكلموا بثلاثة وسبعين (٥) لسانا ، فلذلك سميت بابل لتبلبل الألسنة بها.

واستجاب لإبراهيم ، عليه‌السلام ، رجال (٦) من قومه حين / / رأوا صنع الله ، [٩ / أ] عز وجل ، من برد النار عليه (٧) وغير ذلك من المعجزات ، فآمن به لوط وهو ابن أخيه ، وآمنت به سارة زوجته ، وقد ذكر المؤرخون (٨) والمفسرون (٩) قصة إبراهيم ، عليه‌السلام ، مع نمروذ (١٠) وما وقع له بأبسط من هذا والغرض في هذا الكتاب الاختصار ، والله المستعان.

ذكر هجرة (١١) إبراهيم الخليل عليه‌السلام

لما نجى (١٢) الله خليله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من النمروذ الجبار ، استجاب له رجال من قومه (١٣) على خوف من نمروذ وملأه ، ثم إن إبراهيم ومن كان آمن معه من

__________________

(١) خفقان هبوط ب د : ـ أ ج ه.

(٢) أن أ د ه : أنه ب : ـ ج / / أمرا أ د ه : حادث ب : ـ ج.

(٣) إبراهيم : [٤٦].

(٤) أرسل الله ريحا على صرح نمورذ أ د ه : أرسل الله تعالى على صرح نمروذ ريحا ب : ـ ج.

(٥) بثلاثة وسبعين أ د : بثلاث وسبعين ب : باثنتين وسبعين ه : ـ ج.

(٦) رجال أ د ه : جماعة ب : ـ ج.

(٧) عليه أ د ه : ـ ب ج.

(٨) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٢٤٠ ـ ٢٥٠ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٥٣ ـ ٥٨.

(٩) ينظر : ابن كثير ، تفسير ١ / ١٦٧ ـ ١٦٩.

(١٠) نمروذ أ د ه : + وأخباره ب : ـ ج.

(١١) هجرة أ ب د : هجرته ه : ـ ج.

(١٢) نجى أ ب د : نجاه ه : ـ ج / / الله أ د : + تعالى ب ه : ـ ج / / خليله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من النمروذ أ د ه : خليله من نار النمروذ ب : ـ ج.

(١٣) رجال من قومه أ د ه : رجال وآمن معه قوم ب : ـ ج.


أصحابه (١) أجمعوا على فراق نمروذ وقومهم ، فقالوا لقومهم : (إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ)(٢) ، فخرج (٣) هو وأهله ومن معه من قومه فنزل الرّها (٤)(٥) ثم سار إلى مصر ، ويقال : إلى بعلبك (٦) ، وصاحبها (٧) فرعون ، فذكر لفرعون جمال سارة زوج الخليل ، عليه‌السلام ، وهي ابنة عمه هاران (٨) ، فسأل إبراهيم عنها فقال : هذه أختي ، يعني في الإسلام ، خوفا أن يقتله ، فقال له : زينها وأرسلها إليّ.

فأقبلت سارة إلى الجبار ، وقام إبراهيم يصلي ، فلما دخلت عليه ورآها ، أهوى إليها ليتناولها (٩) بيده فأيبس الله يده ورجله ، فلما تخلى عنها أطلقه الله (١٠) ، وتكرر ذلك منه ، فأطلقها ووهبها هاجر.

وفي بعض الأخبار أن الله تعالى رفع الحجاب بين إبراهيم وسارة (١١) حتى ينظر لها (١٢) من وقت خروجها من عنده إلى وقت انصرافها كرامة لهما صلوات الله عليهما وتطيبا لقلب إبراهيم ، عليه‌السلام.

ثم سار إبراهيم من مصر إلى الشام وأقام (١٣) بين الرملة وإيلياء ، فهو أول من هاجر من موطنه (١٤) في ذات الله حفظا لإيمانه. ولما نزل في الموضع الذي يعرف بوادي السبع (١٥) وهو شاب لا مال له ، فأقام حتى كثر ماله وشاخ وضاق على أهل

__________________

(١) أصحابه أ ب : الصحابة د ه : ـ ج.

(٢) الممتحنة : [٤].

(٣) فخرج أ ه : ورحل إبراهيم ب : وخرج إبراهيم د : ـ ج.

(٤) فنزل الرها أ ج د ه : فنزلوا بالرها ب / / سار أ ب د : ساروا ه : ـ ج.

(٥) الرها : بضم أوله ويمد ويقصر : مدينة بالجزيرة فوق حران بينهما ستة فراسخ ، ذات عيون كثيرة ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٣ / ١٢٠ ؛ الصوري ٢ / ٢٦٥ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٦٤٤ ؛ الحميري ٢٧٣.

(٦) بعلبك : مدينة في شرقي لبنان على طريق دمشق ، فيها أبنية أعجمية وآثار وقصور ، ينظر : البكري ، معجم البلدان ١ / ٣٦٠ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٢٠٨ ؛ الحميري ، ١٠٩ ؛ القرماني ٣ / ٣٢١.

(٧) وصاحبها أ د ه : + يومئذ ب : ـ ج / / جمال سارة أ د : حسن سارة وجمالها ب ه : ـ ج / / زوج أ د : زوجة ب ه.

(٨) هاران أ ب د : هاردن ه : ـ ج / / فسأل أ د ه : فسئل ب : ـ ج.

(٩) إليها ليتناولها أ د ه : أراد أن يتناولها ب : ـ ج / / ورجله أ د ه : وجله ب : ـ ج.

(١٠) أطلقه الله ... ووهبها هاجرا أ د ه : أطلق الله يده ورجله ب : ج.

(١١) وسارة أ ه : وبين سارة ب د ج.

(١٢) لها أ : إليها ب د ه : ـ ج / / لهما أ ه : لها ب د : ـ ج.

(١٣) وأقام أ ج د ه : أقام ب.

(١٤) موطنه أ ه : وطنه ب ج د / / في الموضع أ د ه : بالموضع ب ج.

(١٥) وادي السبع : نسبة إلى بئر السبع ، وهي منطقة تشمل جميع الأراضي بين غزة والخليل ، ينظر : الدباغ ١ / ١٢٢.


الموضع (١) مواضعهم من كثرة ماله ومواشيه. فقالوا له : ارحل (٢) عنا فقد آذيتنا بمالك أيها الشيخ الصالح ، وكانوا يسمونه بذلك ، فقال لهم : نعم (٣) ، فلما همّ بالرحيل ، قال بعضهم لبعض : جاءنا وهو فقير وقد جمع عندنا هذا المال كله فلو قلنا له (٤) أعطنا شطر مالك وخذ شطر ، فقالوا له ذلك ، فقال لهم ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥) : صدقتم جئتكم وكنت شابا فردوا عليّ شبابي وخذوا ما شئتم من مالي فخصمهم ورحل (٦).

فلما كان وقت ورود (٧) الغنم الماء جاءوا يستقون فإذا الآبار قد جفت ، فقال بعضهم لبعض : الحقوا الشيخ الصالح (٨) واسألوه الرجوع إلى موضعه فإنه إن لم يرجع هلكنا وهلكت مواشينا ، فلحقوه فوجدوه بالموضع (٩) الذي يعرف بالمغار (١٠)(١١) ، وسألوه أن يرجع ، فقال : إني لست براجع ، ودفع إليهم سبع شياة من غنمه ، فقال (١٢) : أوقفوا كل شاة على بئر فإن الماء يرجع وإنما سمي ذلك الوادي واد السبع لأنه دفع إليهم سبع شياة من غنمه ، وقال لهم : اذهبوا بها معكم فإنكم إذا أوردتموها البئر ظهر الماء (١٣) ، حتى يكون عينا معينا طاهرا (١٤) كما كان ، فاشربوا ولا يقربها امرأة حائض.

فرجعوا بالأغنام ، فلما وقفت على البئر ظهر الماء ، فكانوا يشربون

__________________

(١) على أهل الموضع أ ج د ه : أهل البلد ب.

(٢) ارحل أ ج د ه : يا شيخ ارحل ب.

(٣) نعم أ ج د ه : + أرحل عنكم ب / / جاءنا أ ج د ه : أنه قد جاء عندنا ب.

(٤) فلو قلنا له أ ب ج د : فقولوا له ه / / شطر أ ج د ه : الشطر ب.

(٥) صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د ه : ـ ب / / صدقتم أ د ه : يا قوم صدقتكم ب ج / / وكنت شابا أ ج د ه : + واليوم صرت شيخا ب.

(٦) ورحل أ ج د ه : + عنهم ب.

(٧) ورود أ ج د ه : ورد ب.

(٨) الشيخ الصالح أ ج د ه : + الذي كنتم في بركته ب / / الرجوع ب : أن يرجع أ ج د ه.

(٩) بالموضع أ ج د ه : في الموضع ب / / الذي يعرف أ ج د ه : المسمى ب.

(١٠) بالمغار أ ج د : بالغار ب : بالمغارة ه / / يرجع أ ج د ه : الرجوع ب / / فقال أ ج د ه : وقال لهم ب / / إليهم أ ج د ه : لهم ب.

(١١) المغار : قرية فلسطينية محتلة منذ عام ١٩٤٨ م ، وهي من قرى قضاء الرملة وكانت منزلا لقبيلة لخم ، ينظر : الدباغ ، ٤ / ٥٩٩ ؛ شرّاب ٦٨٢.

(١٢) فقال : أوقفوا ... من غنمه أ ج د ه : ـ ب.

(١٣) ظهر الماء أ ج د ه : ظهر لكم الماء / / حتى يكون عينا ... ظهر الماء أ ب ج د ه : ـ د.

(١٤) معينا طاهرا كما كان أ ج د ه : ـ ب / / فاشربوا أ ج د ه : فاملؤوا واشربوا واسقوا مواشيكم ب.


منها وهي على تلك الحالة (١) حتى أتت امرأة حائض واغترفت منها فغاض (٢) ماؤها.

ورحل إبراهيم ، عليه‌السلام ، ونزل اللجون (٣) ، فأقام (٤) بها ما شاء الله (٥) ، ثم أوحى الله إليه أن انزل حبرى ، فرحل ونزل عليه جبريل ، عليه‌السلام ، وميكائيل ، عليه‌السلام ، بحبرى وهما يريدان قوم لوط ، عليه‌السلام ، فخرج إبراهيم ، عليه‌السلام ، ليذبح (٦) العجل ، فانفلت منه ، ولم يزل حتى دخل مغارة حبرون (٧) ، فنودي : يا إبراهيم سلم على عظام أبيك آدم ، عليه‌السلام ، فوقع ذلك في نفسه (٨) ، ثم ذبح العجل وقربه إليهم ، وكان من شأنه ما نص الله ، عز وجل ، في كتابه (٩) ، وسنذكر ملخص القصة عند ذكر سيدنا إسحاق ، عليه‌السلام.

فمضى إبراهيم معهم إلى قرب ديار قوم لوط ، فقالوا له : أقعدها هنا ، فقعد وسمع صوت الديكة (١٠) في السماء ، فقال : هذا هو الحق اليقين ، فأيقن بهلاك القوم ، فسمي ذلك الموضع مسجد اليقين (١١) ، وهو على نحو فرسخ من بلد سيدنا الخليل (١٢) ، عليه‌السلام ، ثم رجع إبراهيم ، عليه‌السلام ، ويأتي (١٣) ذكر القصة ملخصا عند ذكر سيدنا لوط ، عليه‌السلام.

__________________

(١) وهي على تلك الحالة أ ج د ه : وهي على حالها لم تنقص أبدا واستمرت على تلك الحالة ب.

(٢) فغاض أ ب ج د : فغار ه.

(٣) اللجون : بلد بالأردن بينه وبين طبرية عشرون ميلا مر بها إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام ، حين خرج من مصر ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١٢٠٠ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٢٢٧.

(٤) فأقام أ ج د : وأقام ب ه.

(٥) الله أ ج د ه : + تعالى ب / / فرحل ونزل أ ج د ه : فنزل بها ب / / جبريل عليه‌السلام وميكائيل عليه‌السلام أ ج د ه : جبريل وميكائيل عليهما‌السلام ب / / عليه‌السلام أ ج د ه : ـ ب.

(٦) ليذبح العجل أ ج ه : ليذبح لهم عجلا ب : ـ د / / فانفلت أ ج د ه : + العجل ب.

(٧) حبرون : هو اسم لمدينة إبراهيم عليه‌السلام ، وغلب عليها اسمها الخليل ، ويقال حبرى ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٣٧٦.

(٨) في نفسه أ ج د ه : في نفس إبراهيم عليه‌السلام ب.

(٩) كتابه أ د ه : + العزيز ب ج.

(١٠) صوت الديكة أ ب ج ه : صوت الملائكة د.

(١١) مسجد اليقين : لا تزال آثاره موجودة في قرية بني نعيم شرقي الخليل ، وبه قبر يقال إنه لسيدنا لوط ، عليه‌السلام ، المحقق.

(١٢) الخليل أ ج د ه : إبراهيم الخليل ب / / عليه‌السلام أ ج د ه : ـ ب / / إبراهيم أ ج د ه :+ الخليل ب.

(١٣) ويأتي أ ج د : وسيأتي ب ه.


قصة بناء الكعبة المشرفة وذكر إسماعيل عليه‌السلام

قد تقدم أن إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام ، لما سار إلى مصر ومعه زوجته سارة ، ووهبها (١) فرعون مصر هاجر ، فلما قدم إلى الشام ، وأقام بين الرملة وإيلياء (٢) ، وكانت سارة لا تحمل ، فوهبت هاجر لإبراهيم ، عليه‌السلام ، فوقع عليها (٣) ، فولدت إسماعيل ، عليه‌السلام ، ومعنى إسماعيل بالعبراني : مطيع الله ، وكانت ولادته لمضي ست وثمانين سنة من عمر إبراهيم (٤).

فحزنت (٥) سارة لذلك ، ووهبها الله إسحاق ولدته ولها تسعون سنة ، ثم غارت سارة من هاجر وابنها (٦) ، وطلبت من إبراهيم أن يخرجهما عنها ، فسار بهما إلى الحجاز (٧) ، وتركهما بمكة بإذن الله تعالى ، وليس بمكة يومئذ أحد ولا بها ماء ، ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء (٨) فيه ماء ، ثم قفل إبراهيم ، عليه‌السلام ، منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت : يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ وقالت له ذلك مرارا ، وهو لا يلتفت إليها فقالت له : الله أمرك بهذا؟ قال : نعم ، فقالت : إذا لا يضيعنا الله ، ثم رجعت فانطلق إبراهيم ، عليه‌السلام ، حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه ، استقبل القبلة بوجهه ، ثم دعا بهذه لدعوات ، ورفع يديه فقال : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (٣٧) (٩).

وجعلت أم إسماعيل ، عليه‌السلام ، ترضعه وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء ، وعطش ابنها ، وجعلت تنظر إليه يتلوى ، فانطلقت كراهة أن تنظر

__________________

(١) ووهبها ب : وهبها أ ج د ه.

(٢) وإيلياء أ ج د ه : إيلياء ب / / لا تحمل أ ج د : لا تحبل ب ه / / فوهبت أ ج د ه : وهبت ب.

(٣) فوقع عليها أ ج د : فواقعها ب ه / / فولدت أ ج د ه : وولادت ب / / بالعبراني أ ج : بالعبرانية ب د ه.

(٤) إبراهيم أ ج د ه : + عليه‌السلام ب.

(٥) فحزنت أ ج د : فغارت وحزنت ب ه.

(٦) وابنها أ ج د : ومن ولدها ب ه.

(٧) فسار بهما إلى الحجاز أ ج د ه : فأخذهما إبراهيم وسار بهما إلى أرض الحجاز ب / / بمكة أ ج د ه : + وذلك كله ب.

(٨) وسقاه أ ب ج د : وإناء ه.

(٩) إبراهيم : [٣٧].


إليه (١) ، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها ، فقامت عليه ، ثم استقبلت الوادي تنظر (٢) إليه ، هل ترى أحدا؟ فلم تر أحدا ، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي ، رفعت طرف درعها ، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ، ثم أتت المروة فقامت عليها ، ونظرت هل ترى أحدا؟ فلم تر أحدا ، ففعلت ذلك سبع مرات ، قال ابن عباس (٣) : قال النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فلذلك سعى الناس بينهما» (٤) ، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا ، فقالت : صه (٥) ، تريد نفسها ، ثم تسمعت فسمعت أيضا (٦) ، فقالت : قد سمعت إن كان عندك غوث فأغث ، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم ، فبحث بعقبه ـ أو قال بجناحه ـ حتى ظهر الماء ، فجعلت تحوطه وتقول بيدها (٧) هكذا ، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهي تقول بعد ما تغرف : زم زم.

قال ابن عباس ، رضي‌الله‌عنه : قال النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم ، أو قال : لو لم تغرف من الماء ، لكانت زمزم عينا معينا» (٨).

قال : فشربت وأرضعت ولدها (٩) فقال لها الملك : لا تخافي الضيعة فإن هاهنا بيت الله ، عز وجل (١٠) ، يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وأن الله لا يضيع أهله ، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه (١١) وشماله.

ثم نزل هناك أبيات من جرهم ، وشب إسماعيل ، عليه‌السلام ، وتعلم العربية منهم ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم ، وماتت هاجر (١٢) ، فجاء إبراهيم ، عليه‌السلام ، فلم يجد إسماعيل ، فسأل امرأته فقالت : خرج يبتغي لنا الصيد ، ثم سألهم (١٣) عن عيشتهم فقالت : نحن بشر وشكت إليه بعلها ، فقال لها : إذا جاء

__________________

(١) تنظر إليه أ ج د ه : + وهو على تلك الحالة ب / / يليها أ د ه : إليها ب ج.

(٢) تنظر أ ج د ه : وجعلت تنظر ب / / فلم تر أحدا أ ج د ه : لعلها تنظر أحدا ب.

(٣) عباس أ ج د ه : + رضي‌الله‌عنهما.

(٤) ابن كثير : قصص الأنبياء ١٤٦.

(٥) صه أ د : مه ب ج ه.

(٦) فسمعت أيضا أ د ه : فسمعت الصوت ثانيا ب ج.

(٧) بيدها أ ج د ه : بيديها ب.

(٨) البخاري ٢ / ٥٣ ؛ باب المساقاة.

(٩) ولدها أ ج د : ابنها ب ه.

(١٠) بيت الله عز وجل أ ج د ه : بيت الله الحرام ب / / يبنيه أ ج د ه : وسيبنيه ب.

(١١) يمينه ب : يمنه أ ج د ه.

(١٢) هاجر أ ج د ه : أمه ب.

(١٣) ثم سألهم أ ج د : ثم سألها ب ه.


زوجك اقرئي عليه‌السلام (١) وقولي له يغير عتبة بابه.

فلما جاء إسماعيل أخبرته بما كان ، قال : ذلك كان أبي (٢) قد أمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك ، فطلقها وتزوج منهم أخرى (٣).

فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله تعالى ، ثم أتاهم بعد ذلك فلم يجده ، فسأله امرأته فقالت : خرج يبتغي لنا رزقا (٤) ، قال : كيف أنتم؟ فقالت : نحن بسعة وخير من الله تعالى (٥) ، وأثنت على بعلها خيرا ، وشكرت الله تعالى ، فقال (٦) : ما طعامكم؟ قالت : اللحم ، قال : فما شرابكم؟ قالت : الماء ، قال : اللهم بارك لهم في اللحم والماء ، ثم قال لها (٧) : فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه (٨) السلام وامريه / / أن [١٠ / أ] يثبت عتبة بابه ، فلما جاء إسماعيل أخبرته بما كان (٩) ، قال : ذلك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك.

ثم لبث عنهم (١٠) ما شاء الله ، ثم جاء وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بالولد (١١) والولد بالوالد (١٢) ، ثم شرعا في بناء الكعبة.

وقد اختلف في أول من بنى الكعبة ، فقيل : الملائكة بإذن الله تعالى ، وقيل : آدم ، عليه‌السلام ، واندرس (١٣) زمن الطوفان ، ثم أظهره الله ، عز وجل ، ...

__________________

(١) أقرئي عليه‌السلام أ د : فاقرئيه السلام ب : ـ ج ه.

(٢) ذلك كان أ د ه : ـ ب ج / / قد أ ج د : ـ ب ه.

(٣) وتزوج منهم أخرى أ : وتزوج بأخرى منهم ب د ه : تزوج غيرها د.

(٤) رزقا أ : صيدا ب : الصيد ج د ه / / قال أ ج د ه : فقال لها ب.

(٥) من الله تعالى ب : ـ أ ج د ه / / وأثنت على بعلها خيرا وشكرت الله تعالى ب د : وأثنت على الله عز وجل أ ه : ـ ج.

(٦) فقال أ د ه : + لها ب : ـ ج / / قال أ د ه : فقال ب : ـ ج.

(٧) ثم قال لها ب د ه : ـ أ ج.

(٨) عليه أ د ه : + مني ب : ـ ج.

(٩) كان أ د ه : قال ب : ـ ج / / قال أ د ه : فقال ب : ـ ج.

(١٠) ثم لبث عنهم أ د ه : ثم إنه لبث ب : ـ ج / / ثم لبث عنهم ... فجعل إبراهيم يبنيه أ ب د ه : ـ ج / / جاء أ : + بعد ذلك ب د ه : ـ ج / / وإسماعيل أ د ه : وكان إسماعيل ب : ـ ج / / نبلا أ ج د ه : + له ب.

(١١) كما يصنع الوالد بالولد أ ب د : فصنع إليه ه : ـ ج.

(١٢) والولد بالوالد أ ب ه : ـ ج د.

(١٣) واندرس من أ د : ولكن اندرس في زمان ب ه : ـ ج / / عز وجل أ د ه : تعالى ب : ـ ج.


لإبراهيم (١) ، عليه‌السلام ، وقصة بناء إبراهيم ، عليه‌السلام ، مشهورة وملخصها :

إن إبراهيم لما سار من الشام وقدم مكة قال : يا إسماعيل إن الله أمرني أن أبني له هنا بيتا (٢) ، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها ، فقال إسماعيل : أطع ربك (٣) ، فقال إبراهيم : وقد أمرك أن تعينني ، فقال : إذا أفعل ، فجعل (٤) إبراهيم يبنيه وإسماعيل يناوله الحجارة وكانا كلما بنيا دعيا فقالا : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (١٢٧) (٥) ، وكان وقوف إبراهيم (٦) على حجر وهو يبني ، وذلك الموضع هو مقام إبراهيم ، واستمر البيت على ما بناه (٧) إبراهيم إلى أن هدمته قريش سنة خمس وثلاثين من مولد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبنوه.

وكان بناء الكعبة بعد مضي مائة سنة من عمر إبراهيم (٨) ، فيكون بالتقريب بين بناء الكعبة وبين الهجرة الشريفة ألفان وسبعمائة وثلاث وتسعون سنة ، وقد مضى (٩) من الهجرة إلى عصرنا هذا تسعمائة سنة كاملة ، فيكون الماضي من بناء إبراهيم الخليل الكعبة الشريفة (١٠) إلى آخر سنة تسعمائة من الهجرة الشريفة ثلاثة آلاف وستمائة وثلاث وتسعين سنة ، والله أعلم.

وسيأتي ذكر ما وقع في الكعبة الشريفة من الهدم والبناء في السيرة الشريفة المحمدية ، وفي ذكر بناء عبد الملك بن مروان مسجد (١١) بيت المقدس ، إن شاء الله تعالى.

قصة الذبيح

ثم أمر الله ، عز وجل ، إبراهيم ، عليه‌السلام ، أن يذبح ولده ، وفداه الله بكبش ، وقد اختلف في الذبيح هل هو إسحاق أم إسماعيل؟. فأهل

__________________

(١) لإبراهيم عليه‌السلام أ : + حتى بناه ب د ه : ـ ج / / إبراهيم أ د ه : + عليه‌السلام ب.

(٢) هنا بيتا أ : بيتا ها هنا ب : ها هنا بيتا د ه : ـ ج / / فقال أ د ه : + إسماعيل ب : ـ ج.

(٣) أطع ربك أ د ه : السمع والطاعة لما قال ربنا ب : ـ ج / / فقال أ د ه : قال ب : ـ ج.

(٤) فجعل أ ب د : وجعل ه : ـ ج / / يبنيه أ د ه : يبني ب : ـ ج / / وكانا أ ج د ه : فكانا ب / / دعيا أ ج د ه : دعوا ب.

(٥) البقرة : [١٢٧].

(٦) إبراهيم ب د ه : ـ أ ج.

(٧) ما بناه أ ب ه : بناء د : ـ ج.

(٨) من عمر إبراهيم أ ج ه : من مولد إبراهيم عليه‌السلام ب : ـ ج.

(٩) وقد مضى ... وتسعين سنة أ ب د : ـ ج ه.

(١٠) الكعبة الشريفة ب د ه : ـ أ ج.

(١١) مسجد أ د ه : لمسجد ب : ـ ج.


الكتابين (١) يقولون : على أنه إسحاق وهو قول علي وابن مسعود (٢) وكعب ومقاتل (٣) وقتادة (٤) وعكرمة (٥) والسدي (٦).

وقال ابن عباس (٧) ، رضي‌الله‌عنهما : هو إسماعيل وهو قول سعيد بن المسيب (٨) ، والشعبي (٩) ، والحسن (١٠) ، ومجاهد (١١) ، وكلا القولين يروي عن

__________________

(١) فأهل الكتابين أ د ه : فالكتابيون يقولون ب : ـ ج.

(٢) ابن مسعود : هو عبد الله بن مسعود بن غافل ... بن مخزوم ، من المسلمين الأوائل وأحد المبشرين بالجنة وأحد أعمدة العلم وكان خادما للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، توفي سنة ٣٢ ه‍ / ٦٥٢ م ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ١٤٤ ؛ ابن سعد ٣ / ١١١ ؛ ابن عبد البر ٣ / ٩٨٧.

(٣) مقاتل : أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير ، أصله من بلخ وانتقل للبصرة ودخل بغداد واشتهر بتفسير القرآن الكريم ، وقد اختلف فيه أهل الحديث من حيث التضعيف أو التوثيق ، وتوفي سنة ١٥٠ ه‍ / ٧٦٧ م ، ينظر : ابن سعد ٧ / ٢٦٣ ؛ ابن خلكان ٥ / ٢٥٥ ؛ الذهبي ، ميزان ٤ / ١٧٣.

(٤) قتادة : هو قتادة بن دعامة السدوسي وأبوه ولد بالدعامية إعرابيا وأمه سريرة من مولدات الإعراب ويكنى قتادة أبا الخطاب ، مفسر حافظ ضرير ، توفي سنة ١١٧ ه‍ / ١٧١ م ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٢٦٢ ؛ ابن سعد ٧ / ١٧١ ؛ ابن خلكان ٤ / ٨٥.

(٥) عكرمة : أبو عبد الله بن عبد الله مولى عبد الله بن عباس أصله من البربر ، وروى عن جماعة من الصحابة ، وعن الزهري وعمرو بن دينار والشعبي ، واختلف في تاريخ وفاته قيل : في سنة ١٠٧ ه‍ / ٧٢٥ م ، وقيل : ١٠٦ ه‍ / ٧٢٤ م ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٢٥٨ ؛ ابن سعد ٥ / ٢١٧ ؛ ابن خلكان ٣ / ٣٦٥ ؛ الذهبي ، ميزان ٣ / ٩٣.

(٦) السدي : إسماعيل بن عبد الرحمن السدي ، صاحب التفسير ، توفي سنة ١٢٧ ه‍ / ٧٤٤ م ، ينظر : ابن سعد ٦ / ٣١٨.

(٧) ابن عباس ب : ابن عباس بن عبد الملك أ : ابن عباس بن عبد المطلب رضي‌الله‌عنهما د : العباس بن عبد المطلب ه : ـ ج.

(٨) سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب من بني عمران بن مخزوم : كان أفقه أهل الحجاز ، وأعمر الناس للرؤيا ، ولد لسنتين من خلافة عمر ، وتوفي بالمدينة سنة ٩٤ ه‍ / ٧١٢ م ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٢٤٨ ؛ ابن سعد ٢ / ٢٩١ ؛ ابن خلكان ٢ / ٣٧٥ ؛ ابن العماد ١ / ١٠٢.

(٩) الشعبي : عامر بن شراحيل بن عبد الشعبي ، وهو من حمير وعداده في همذان ، ويكنى أبا عمرو ، وكان مولده لمضي ست سنين من خلافة عثمان ، وكان كاتبا لعامل ابن الزبير على الكوفة ، وهو أحد أعيان التابعين ، وتوفي سنة ١٠٥ ه‍ / ٧٢٣ م ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٢٥٥ ؛ ابن سعد ٦ / ٢٥٩ ؛ البخاري ، التاريخ الصغير ١ / ٢٧٨.

(١٠) الحسن : هو الحسن بن علي أبي طالب ، سبط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبه جمع الله المسلمين ، توفي عام ٥٨ ه‍ / ٦٧٧ م ، ينظر : البخاري ، التاريخ الصغير ١٢٥ ؛ المقدسي ، البدء ٥ / ٢٣٥ ؛ السيوطي ، تاريخ الخلفاء ٢٢٣.

(١١) مجاهد : هو مجاهد بن جبر ، وكان مولى لقيس بن السائب المخزومي ، وهو من علماء التابعين يكنى أبا الحجاج ، ومات بمكة وهو ساجد سنة ١٠٣ ه‍ / ٧٢١ م ، وهو ابن ٨٣ سنة ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٣٥٣.


الرسول (١) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمن قال إن الذبيح إسحاق فقد احتج بقوله ، عز وجل : (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) (١٠١) (٢) ، فلما بلغ معه السعي أمره بذبح من بشر به وليس في القرآن أنه بشر بولد غير إسحاق. ومن قال إنه إسماعيل (٣) احتج له بما قيل إن ذكر البشرى بإسحاق بعد الفراغ من قصة المذبوح ، قال (٤) تعالى : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (١١٢) (٥) ، فدل على أن المذبوح غيره.

وأما قصة الذبيح (٦) ، فقال البغوي (٧) : قال السدي : لما دعا إبراهيم ، عليه‌السلام ، فقال : (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) (١٠٠) (٨) ، وبشر به ، فقال : هو إذا ذبيح ، فلما ولد وبلغ معه السعي ، قال له : أوف بنذرك. هذا هو السبب في أمر الله تعالى إياه بذبح ابنه ، فقال عند ذلك (٩) لابنه : انطلق نقرب قربانا لله ، عز وجل. فأخذ سكينا وحبلا وانطلق معه حتى ذهب بين الجبال ، فقال له (١٠) الغلام : يا أبت أين قربانك؟ فقال له : (يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ.) (١٠٣) (١١) ، ـ انقادا وخضعا لأمر الله (١٢) ـ أي صرعه على الأرض ، فقال له ابنه الذي أراد ذبحه ، يا أبت أشدد رباطي حتى لا أضطرب ، واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء فينقص أجري وتراه أمي فتحزن عليّ ، واستحد شفرتك ، واسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون عليّ [١٠ / ب] فإن الموت شديد ، وإذا أتيت أمي ، فاقريء عليها‌السلام / / مني ، وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي ، فافعل فإنه عسى أن يكون (١٣) إسلاء لها عني ، فقال له

__________________

(١) الرسول أ د ه : رسول الله ب : ـ ج.

(٢) الصافات : [١٠١].

(٣) أنه إسماعيل أ د ه : أن الذبيح إسماعيل ب : ـ ج.

(٤) قال أ : فقال ب د ه : ـ ج.

(٥) الصافات : [١١٢].

(٦) ينظر : ابن عباس ، تفسير ٣٧٧.

(٧) البغوي : الحافظ الثقة الكبير مسند العالم أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي الأصل البغدادي ، مولده سنة ٢١٤ ه‍ / ٨٤٩ م وبكر بالسماع ، فسمع من علي بن الجعد وعلي بن المدني وأحمد بن حنبل ، وخلق كثير ، وجمع ، وصنف معجم الصحابة ، وتوفي سنة ٣١٧ ه‍ / ٩٢٩ م ، ينظر : الذهبي ، تذكرة الحفاظ ٢ / ٧٠٧ ـ ٧٤٠ ؛ ابن حجر ، لسان ٣ / ٣٢٨ ؛ ابن العماد ٢ / ٢١٥.

(٨) الصافات : [١٠٠].

(٩) فقال عند ذلك أ د ه : فعند ذلك قال ب : ـ ج.

(١٠) فقال له أ د ه : قال ب : فقال ج.

(١١) انقادا أ ه : أي انقادا ب ج د.

(١٢) الصافات : [١٠٢ ـ ١٠٣].

(١٣) فافعل فإنه عسى أن يكون أ ب : فعسى أن يكون ج د ه.


إبراهيم (١) ، عليه‌السلام : نعم العون أنت يا بني على أمر الله تعالى ، ففعل (٢) ما أمره به ابنه ، وقبله بين عينيه ، وقد ربطه وهو يبكي ثم وضع السكين ، وكان (٣) يجرها على حلقه فلا تقطع ، فقال الابن عند ذلك : يا أبتي كبني (٤) لوجهي على جبيني ، فإنك إذا نظرت في وجهي رحمتني وأدركتك الرأفة فتحول بينك وبين (٥) أمر الله تعالى ، وأنا لا أنظر إلى الشفرة فأجزع ، ففعل ذلك إبراهيم ، عليه‌السلام (٦) ، ثم وضع السكين على قفاه ، فانقلبت السكين (٧) ، ونودي : يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ، فنظر إبراهيم فإذا هو بجبريل ، عليه‌السلام ، ومعه كبش أكلح أقرن ، فقال (٨) : هذا فداء ابنك فاذبحه دونه ، فكبّر جبريل ، عليه‌السلام ، وكبّر الكبش ، وكبّر إبراهيم ، عليه‌السلام ، وكبّر ابنه فأخذ إبراهيم الكبش وأتى به المنحر من منى فذبحه ، وكان ذلك الذبح (٩) كبشا ، رعى في الجنة أربعين خريفا.

قال القرطبي : سأل (١٠) عمر بن عبد العزيز ، رضي‌الله‌عنه ، رجلا كان من علماء اليهود ـ أسلم وحسن إسلامه ـ أي ابني إبراهيم أمر بذبحه؟ فقال : إسماعيل ، ثم قال : يا أمير المؤمنين إن اليهود لتعلم ذلك ، ولكنهم يحسدونكم معاشر العرب على أن يكون أبوكم (١١) هو الذي أمر الله بذبحه ويزعمون أنه إسحاق أبوهم.

وروى الثعلبي عن الصنابحي (١٢)(١٣) قال : كنا عند معاوية ، فذكروا إسماعيل

__________________

(١) إبراهيم أ ج : + عليه‌السلام ب د ه.

(٢) ففعل أ ج د ه : + إبراهيم ب / / ابنه أ ج د ه : الغلام ب.

(٣) السكين وكان أ د ه : السكين على حلقه وجعل ب : السكين على قفاه ج.

(٤) كبني أ ب ج د : أكبني ه / / لوجهي على جبيني أ د ه : على وجهي ب : على جبيني ج / / في وجهي أ ج د ه : إلى وجهي ب.

(٥) بينك وبين أ ج د ه : بيني وبينك وبين ب / / إلى أ ج د ه : ـ ب.

(٦) ففعل ذلك إبراهيم عليه‌السلام أ ج د ه : ففعل إبراهيم ذلك ب / / إبراهيم أ : + عليه‌السلام ب ج : عليه الصلاة والسلام ه.

(٧) فانقلبت السكين أ ج د ه : فانقلبت ب.

(٨) فقال أ ج د : وقال ب : قال ه.

(٩) الذبح أ د ه : الذبيح ب ج.

(١٠) سأل أ ج د ه : سئل ب.

(١١) أبوكم ب : أباكم أ ج د ه.

(١٢) الصنابحي : عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي ، قبيلة من اليمن نسب إليها ، وكان مسلما على عهد الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقصده ، فلما انتهى إلى الجحفة لحقه الخبر بموته وهو معدود في كبار التابعين ، روى عن أبي بكر ، وعمر ، وبلال ، وعبادة بن الصامت ، وكان فاضلا ذو عبادة ، روى عن عطاء بن يسار ، ومرثد اليزيدي ، ينظر : ابن سعد ٧ / ٣٨ ؛ ابن عبد البر ٢ / ٨٤١.

(١٣) الصنابحي أ د ه : الصنهاجي ب ج.


الذبيح أو إسحاق ، فقال (١) : على الخبير سقطتم ، كنت عند رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجاء رجل فقال له : يا ابن الذبيحين ، فضحك رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، وما الذبيحان؟ فقال : «إن عبد المطلب لما حفر زمزم ، نذر لئن سهل الله تعالى له أمرها ليذبحن أحد أولاده ، فخرج السهم على عبد الله (٢) ، فمنعه أخواله ، قالوا له : بل افد ابنك بمائة من الإبل ففداه ، والثاني إسماعيل ، عليه‌السلام (٣) ، فمن (٤) زعم أن الذبيح إسحاق فيقول : كان موضع الذبح بالشام على ميلين من إيلياء وهي بيت المقدس ، وزعمت اليهود أنه كان على صخرة بيت المقدس ، ومن يقول إنه إسماعيل فيقول : إن ذلك كان بمكة (٥) ، وأرسل الله إسماعيل إلى قبائل اليمن وإلى العماليق.

وزوج إسماعيل ابنته من ابن أخيه العيص بن إسحاق وعاش إسماعيل مائة وسبعا وثلاثين سنة ، ومات بمكة ، ودفن عند قبر أمه هاجر بالحجر (٦) ، وكانت وفاته بعد وفاة أبيه إبراهيم ، عليه‌السلام (٧) ، بثمان وأربعين سنة.

ولما ماتت سارة بعد وفاة هاجر ، تزوج إبراهيم (٨) امرأة من الكنعانيين ، وولدت منه ستة نفر (٩) وهم : يقشان ، وزمران ، ومدان ، ومديان ، ويشق ، وشوخ (١٠) ؛ ثم تزوج امرأة أخرى فولدت له خمسة بنين ، وكان جميع أولاد إبراهيم ، عليه‌السلام ، ثلاثة عشر ولدا مع إسماعيل وإسحاق ، وكان (١١) إسماعيل أكبر ولده (١٢) ، فأنزل الله إسماعيل أرض الحجاز ، وإسحاق أرض الشام ، وفرق سائر ولده في البلاد ، والله أعلم.

__________________

(١) فقال أ ج د ه : وقال ب.

(٢) عبد الله أ ج د ه : ولده عبد الله ب / / فمنعه أخواله أ ج د ه : + من ذلك ب.

(٣) عليه‌السلام أ ج د ه : ـ د.

(٤) فمن أ ج د ه : ومن ب.

(٥) بمكة أ ج د ه : + المشرفة ب.

(٦) الحجر : حجر الكعبة ، وهو ما تركت قريش في بنائها من أساس إبراهيم ، عليه‌السلام ، وحجرت على الموضع ليعلم أنه من الكعبة فسمي حجرا لذلك ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ٢٥٥.

(٧) عليه‌السلام ب ج د ه : إبراهيم أ.

(٨) إبراهيم أ ج د ه : + الخليل عليه‌السلام ب.

(٩) نفر أ ج د ه : ـ ب / / يشق أ ب ج ه : يقشام د.

(١٠) وشوخ أ د ه : وشرخ ب : وسوح ج / / وكان أ ج د ه : فكان ب / / وكان جميع ... وإسحاق أ ج ه : فكان جميع ... وإسحاق ب : ـ د.

(١١) وكان أ ج د ه : فكان ب.

(١٢) ولده أ د ه : أولاده ب ج / / فأنزل الله أ د ه : فأثر إسماعيل ب : فأنزل إسماعيل ج.


ذكر شراء المغارة

عن كعب الأحبار (١) أنه قال : أول من مات ودفن في حبرى سارة ، وذلك أنها لما ماتت خرج الخليل ، عليه‌السلام ، يطلب موضعا ليقبرها فيه ورجا أن يجد (٢) بقرب حبرى موضعا ، فمضى إلى عفرون ، وكان ملك الموضع ، وكان مسكنه حبرى ، فقال له إبراهيم : بعني موضعا أقبر فيه من مات من أهلي. فقال له عفرون الملك : قد أبحتك ، ادفن (٣) حيث شئت من أرضي ، قال : إني لا أحب إلا بثمن (٤) ، فقال له : أيها الشيخ الصالح ادفن حيث شئت من أرضي ، فأبى عليه (٥).

وطلب منه المغارة فقال له : أبيعها بأربعمائة (٦)(٧) درهم كل درهم وزن خمسة دراهم وكل مائة درهم ضرب ملك. وأراد بذلك التشديد عليه كي لا يجد شيئا من ذلك فيرجع إلى قوله ، وخرج (٨) من عنده فإذا جبريل ، عليه‌السلام (٩) ، فقال له : إن الله قد سمع مقالة الجبار لك وهذه الدراهم ادفعها إليه ، فأخذها إبراهيم ، عليه‌السلام (١٠) ، ودفعها إلى الجبار ، فقال له : من أين لك هذه الدراهم؟ فقال له : من عند إلهي وخالقي ورازقي ، فأخذها منه.

وحمل إبراهيم (١١) سارة ، عليها‌السلام ، ودفنها في المغارة ، فكانت أول من دفن فيها ، وتوفيت ولها من العمر مائة وسبع عشرة سنة. وقيل : مائة وسبع وعشرون سنة.

ثم لما توفي الخليل ، عليه‌السلام ، دفن بحذائها من جهة الغرب ، وسنذكر تاريخ وفاته فيما بعد ، إن شاء الله تعالى. ثم توفيت ربقة (١٢) زوجة إسحاق ، فدفنت

__________________

(١) الأحبار أ ج د ه : + رضي‌الله‌عنه ب / / أنه أ ج د : ـ ب د / / حبرى أ ج د ه : حبرون ب.

(٢) يجد أ ب ج ه : ـ د / / ملك أ ب ج د : يملك ه.

(٣) ادفن أ ج د ه : فادفن موتاك ب.

(٤) قال إني لا أحب إلا بثمن أ د ه : فقال إبراهيم عليه‌السلام إني لا أحب إلا بالثمن ب : ـ ج.

(٥) من أرضي ، فأبى عليه أ : ـ ب ج د ه.

(٦) ورد في الكتاب المقدس أن ثمن المغارة أربعمائة شيكل فضة ، ينظر : الكتاب المقدس ، التكوين ٣٢ ـ ١٦.

(٧) بأربعمائة درهم أ ج د ه : بأربعة آلاف درهم ب.

(٨) وخرج أ ج د ه : فخرج إبراهيم الخليل ب.

(٩) عليه‌السلام أ ج د ه : + واقف ب / / فقال له أ ج ه : + يا إبراهيم ب : ـ د ا / ادفعها إليه أ ج د ه : + فإنها كما طلب ب.

(١٠) فأخذها إبراهيم عليه‌السلام أ ج د ه : فأخذ إبراهيم عليه‌السلام ، الدراهم ب.

(١١) إبراهيم أ ج د ه : + عليه‌السلام ب / / عليها‌السلام أ ج د ه : ـ ب.

(١٢) ربقة أ ج د ه : ريقة ب.


فيها بحذاء سارة من جهة القبلة ، ثم توفي إسحاق ، عليه‌السلام ، فدفن بحذاء زوجته من جهة الغرب ، ثم توفي يعقوب ، عليه‌السلام ، فدفن عند باب المغارة وهو بحذاء قبر الخليل ، عليه‌السلام ، من جهة الشمال ، ثم توفيت ليقا زوجته فدفنت بحذائه من جهة الشرق ، فاجتمع أولاد يعقوب والعيص وأخوته وقالوا : ندع باب المغارة مفتوحا ، وكل من مات منا دفناه فيها ، فتشاجروا فرفع واحد من أخوة العيص ، وفي رواية أحد أولاد يعقوب (١) يده (٢) ولطم العيص لطمة ، فسقط رأسه في المغارة ، فحملوا (٣) جثته ودفن بغير رأس وبقي الرأس في المغارة ، وحوطوا عليها حائطا ، وعملوا فيها علامات القبور في كل موضع ، وكتبوا عليه : هذا قبر إبراهيم ، عليه‌السلام (٤) ، هذا قبر سارة ، هذا قبر إسحاق ، هذا قبر ربقة ، هذا قبر يعقوب ، وهذا قبر زوجته ليقا.

وخرجوا منه وأطبقوا بابه (٥) ، فكل من جاء إليه يطوف به ولا يصل إليه أحد حتى جاءت الروم بعد ذلك ففتحوا له بابا ودخلوا إليه وبنوا فيه كنيسة. ثم أظهر الله الإسلام بعد ذلك ، وملك المسلمون تلك الديار ، وهدموا الكنيسة ، وبالقرب من مدينة سيدنا (٦) الخليل ، عليه‌السلام ، قرية تسمى سعير ، وهي الفاصلة بين عمل الخليل (٧) وعمل القدس بها قبر بداخل مسجدها يقال إنه قبر العيص ، عليه‌السلام ، وقد اشتهر ذلك عند الناس ، فصار يقصد (٨) ، للزيارة ، والله أعلم.

وروي عن وهب بن منبه قال : أصبت على قبر إبراهيم ، عليه‌السلام ، مكتوبا حلقة في حجر :

غر جهولا أمله يموت من جاء أجله لن تغني عنه حيله

زاد بعض أهل العلم :

__________________

(١) وفي رواية أحد أولاد يعقوب أ ج د ه : وقيل كان الضارب للعيص واحد من أولاد يعقوب ب.

(٢) يده ب : ـ أ ج د ه / / فسقط أ ج ه : ولما سقط ب : فوقع د.

(٣) فحملوا أ ج د ه : وحملوا أ ج د ه : وحملوا ب / / ودفن أ ج د ه : ودفنوها ب.

(٤) عليه‌السلام أ ج د ه : ـ ب / / هذا أ ج د ه : وهذا ب / / قبر سارة أ د ه : قبر زوجته سارة ب ج / / هذا قبر ربقه أ د ه : وهذا قبر زوجته ربقة ب ج.

(٥) وأطبقوا بابه أ د ه : وطبقوا الباب ب : وطبقوا بابه ج / / فكل أ د : وكل ب ج ه.

(٦) سيدنا أ ج ه : + إبراهيم ب د.

(٧) عمل الخليل وعمل القدس أ ج : أعمال القدس والخليل ب : أعمال القدس وأعمال الخليل ه : ـ د.

(٨) فصار يقصد أ د ه : وصاروا يقصدونه ب : وصار يقصد ج.


والمرء لا يصحبه

في القبر إلا عمله (١)

وحدث محمد بن بكران بن محمد ، خطيب مسجد الخليل ، عليه‌السلام ، قال : سمعت محمد بن إسحاق النحوي (٢) يقول : خرجت مع القاضي أبي عمر وعثمان بن جعفر بن شاذان (٣) إلى قبر إبراهيم (٤) ، عليه‌السلام ، فأقمنا به ثلاثة أيام ، فلما كان في اليوم الرابع جاء إلى النقش المقابل لقبر ربقة (٥) زوجة إسحاق ، عليه‌السلام ، فأمر بغسله حتى ظهرت كتابته ، وتقدم إليّ بأن أنقل ما هو مكتوب في الحجر إلى درج كان معنا على التمثيل فنقلته ، ورجعنا إلى الرملة ، فأحضر أهل كل لسان ليقرأه ، عليه فلم يكن أحد يقرأه ، ولكنهم أجمعوا على أن هذا بلسان اليوناني القديم ، وأنهم لا يعلمون أن أحدا بقي (٦) يقرأه غير شيخ بحلب ، فعمدوا إلى إحضاره ، فلما أحضره عنده أحضرني فإذا هو شيخ (٧) ، فأملى عليّ الشيخ المحضر من حلب ما نقلته في الدرج على التمثيل (٨) : باسم إلهي وإله العرش القاهر الهادي الشديد البطش ، العليم الذي لا يحد ، هذا قبر ربقة زوجة إسحاق ، عليه‌السلام (٩) ، والذي يوازيه قبر إسحاق ، عليه‌السلام ، والعلم الأعظم الذي يوازيه قبر إبراهيم ، عليه‌السلام ، والعلم الذي بحذائه من الشرق قبر زوجته سارة ، والعلم الأقصى الموازي (١٠) لقبر إبراهيم الخليل قبر يعقوب ، والعلم الذي يليه من الشرق (١١) قبر زوجة يعقوب ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وكتب العيص بخطه ، واسم زوجة يعقوب إليا ، والمشهور ليقا ، والله أعلم.

وهذا الحجر موجود إلى يومنا هذا ، وقد اشتهر عند الناس مكانه بمقام آدم ، ويقال / / إن عنده رأس آدم ، عليه‌السلام.

__________________

(١) ينظر الأبيات : ابن عساكر ٦ / ٢٥٨ ؛ ابن كثير ، البداية ١ / ٢٠٢.

(٢) محمد بن إسحاق النحوي : لم أعثر على ترجمته في المصادر الموجودة بين أيدينا.

(٣) عثمان بن جعفر بن شاذان : لم أعثر على ترجمته في المصادر الموجودة.

(٤) إبراهيم أ ج د ه : + الخليل ب.

(٥) ربقة أ ج د ه : ريقه ـ ب.

(٦) أن أحدا بقي أ د ه : أنه بقي أحد ب : لم يكن فيهم أحد ج.

(٧) شيخ أ ج د ه : + كبير ب / / أحضره أ ج : حضر ب د : أحضر ه.

(٨) التمثيل أ ج د ه : + أوله ب / / باسم أ ج د ه : بسم ب / / وإله أ ج د ه : إله ب.

(٩) هذا قبر ربقة ... إسحاق عليه‌السلام ج د ه : ـ أ ب.

(١٠) والعلم الأقصى الموازي ب : والعلم الأعظم الذي يوازيه أ د ه : ـ ج.

(١١) من الشرق أ ج ه : جهة الشرق ب د.


وقال ابن عساكر (١)(٢) : قرأت في بعض كتب أصحاب الحديث ونقلت منها قال محمد بن بكران (٣) بن محمد خطيب مسجد إبراهيم ، عليه‌السلام ، وكان قاضيا بالرملة في أيام الراضي بالله (٤) في سنة اثنتين (٥) وعشرين وثلاثمائة وما بعدها ، وله زاوية في الحديث ، سمع من جماعة من أهل العلم قال : سمعت محمد بن أحمد بن على بن جعفر الإنباري (٦) يقول : سمعت أبا بكر الإسكافي (٧)(٨) يقول : صح عندي أن قبر إبراهيم ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٩) ، في الموضع الذي هو الآن فيه لما رأيت وعاينت ، وذلك أنني وقفت على السدنة وعلى الموضع أوقافا كثيرة بنحو (١٠) من أربعة آلاف دينار ، رجاء ثواب الله ، عز وجل ، وطلبت أن أعلم صحة ذلك حتى ملكت قلوبهم بما كنت أعمل (١١) معهم من الجميل والكرامة والملاطفة والإحسان إليهم ، وأطلب بذلك أن أصل إلى ما يصح ، وحاك في صدري فقلت لهم يوما من الأيام ، وقد جمعتهم عندي بأجمعهم : أسألكم أن توصلوني إلى باب المغارة كي أنزل إلى حضرة الأنبياء ، صلوات الله وسلامه عليهم ، وأشاهدهم.

__________________

(١) ابن عساكر : الحافظ أبو القاسم علي بن أبي محمد الحسن بن هبة الله أبي الحسن المعروف بابن عساكر الدمشقي ، الملقب ثقة الدين ، كان محدث الشام في وقته ، ومن أعيان الفقهاء الشافعية ، وكانت ولادته سنة ٤٩٩ ه‍ / ١١١٣ م ، وتوفي سنة ٥٧١ ه‍ / ١١٧٥ م ، ينظر : ياقوت ، معجم الأدباء ١٣ / ٧٣ ؛ ابن خلكان ٤ / ٣٠٩ ـ ٣١١.

(٢) وقال ابن عساكر أ ج د ه : قال الحافظ ابن عساكر ب.

(٣) ابن بكران أ ب ج ه : بن أبي بكران د / / إبراهيم أ ج د ه : + الخليل ب.

(٤) الراضي بالله : هو الخليفة العباسي التاسع ، وهو محمد بن جعفر بن أحمد بن طلحة بن جعفر وهو الراضي بن المقتدر بن المعتضد بن الموفق بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ومات الراضي في أول سنة ٣٢٧ ه‍ / ٩٣٨ م ، ينظر : ابن حبان ، السيرة ٥٨١.

(٥) اثنتين ه : ثنتين أ ب ج د.

(٦) محمد بن أحمد بن جعفر الأنباري : محمد بن أحمد بن جعفر الإمام الترمذي الفقيه الشافعي بالعراق ، كان زاهدا ناسكا ، وكان رأس الشافعية ، بالعراق توفي سنة ٢٩٥ ه‍ / ٩٠٧ م ، ينظر : السمعاني ١ / ٤٦٠ ؛ اليافعي ٢ / ٢٢٤ ؛ ابن العماد ٢ / ٢٢.

(٧) الحافظ الكبير ، العلامة أبو بكر ، أحمد بن محمد بن هانىء الإسكافي ، صاحب الإمام أحمد ، صنف التصانيف وله كتاب العلل يدل على إمامته وسعة حفظه ؛ توفي سنة ٣٥٢ ه‍ / ٨٧٣ م ؛ ينظر : السمعاني ١ / ١٤٩ ـ ١٥٠ ؛ ابن أبي يعلي ١ / ٦٦ ؛ البغدادي ، تاريخ ٥ / ١١٠ ؛ الذهبي ، تذكرة ٢ / ٥٧٠ ؛ السيوطي ، طبقات ٢٥٩ ؛ ابن العماد ٣ / ١١.

(٨) الإسكافي أ ب ج ه : الإسكاف د.

(٩) صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د ه : عليه‌السلام ب.

(١٠) بنحو من أ د ه : تقرب من نحو ب : تقرب بنحو من ج.

(١١) كنت أعمل أ ج د ه : عملت ب.


فقالوا : قد أجبناك إلى ذلك لأن لك علينا حقا واجبا ، ولكن ما يمكن (١) في هذا الوقت ، لأن الطارق لنا كثير ، ولكن حتى يدخل الشتاء. فلما دخل كانون الثاني خرجت إليهم وقالوا : أقم عندنا حتى يقع الثلج ، فأقمت عندهم حتى وقع الثلج ، وانقطع الطارق عنهم ، فجاءوا إلى صخرة (٢) ما بين قبر إبراهيم الخليل وإسحاق (٣) ، عليهما‌السلام ، فقلعوا البلاطة ونزل رجل منهم يقال له : صعلوك ، وكان رجلا صالحا فيه خير ودين (٤) ، ونزلت معه ، ومشى (٥) وأنا من ورائه ، فنزلنا اثنتين وسبعين درجة ، فإذا عن يميني دكان عظيمة (٦) من حجر أسود فإذا عليه شيخ خفيف العارضين ، طويل اللحية ، ملقى على ظهره ، وعليه ثوب أخضر ، فقال لي صعلوك : هذا إسحاق ، عليه‌السلام.

ثم سرنا غير بعيد فإذا (٧) دكان أكبر من الأولى وعليها شيخ ملقى على ظهره ، وله شيبة قد أخذت ما بين منكبيه ، أبيض الرأس واللحية والحاجبين وأشفار العينين ، وتحت شيبته ثوب أخضر قد جلل بدنه ، والرياح تلعب بشيبته (٨) يمينا وشمالا ، فقال لي صعلوك : هذا إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام ، فسقطت على وجهي ودعوت الله (٩) ، عز وجل ، بما فتح عليّ.

ثم سرنا وإذا بدكان لطيفة وعليها شيخ آدم (١٠) ، شديد الآدمة ، كث اللحية ، وتحت منكبيه ثوب أخضر قد جلله ، فقال لي صعلوك : هذا يعقوب النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١١) ، ثم إننا عدلنا يسارا لننظر إلى الحرم ، فحلف أبو بكر الإسكافي ما إن تممت (١٢) الحديث.

__________________

(١) ما يمكن أ ج د ه : لا يمكن ب.

(٢) صخرة أ ب ج ه : الصخرة د.

(٣) وإسحاق أ ج د : وقبر إسحاق ب ه / / فقلعوا أ ج د : وقلعوا ب : فقطعوا ه.

(٤) ودين أ ج د : ولين ب ه / / ونزلت معه أ ج د ه : فنزلت أنا معه ب.

(٥) ومشى أ د ه : فمشى ب : ـ ج / / اثنتين أ د : اثنتين ب ج ه / / فإذا أ ج د ه : وإذا ب.

(٦) عظيمة ب ج ه : عظيم أ د.

(٧) فإذا أ ج د ه : وإذا ب.

(٨) بشيبته أ ب ج ه : ـ د / / عليه‌السلام أ ج د ه : عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ب.

(٩) دعوت الله أ ب ج د : عدلتما ب.

(١٠) شيخ أ ج د ه : + لطيف ب.

(١١) صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د ه : ـ ب.

(١٢) تممت أ ج د ه : نممت ب.


قال (١) : قمت من عنده في الوقت الذي حدثني فيه من وقتي إلى مسجد إبراهيم ، عليه‌السلام ، فلما وصلت إلى المسجد سألت عن صعلوك فقيل لي الساعة يحضر ، فلما جاء قمت إليه ، وجلست عنده ، وطارحته بعض الحديث ، فنظر إليّ بعين منكر للحديث الذي سمع (٢) ، فأومأت إليه بلطف تخلصت به من الإثم ، ثم قلت له : إن أبا بكر الإسكافي عمي ، فأنس عند ذلك ، فقلت : يا صعلوك بالله عليك لما عدلتما (٣) إلى نحو الحرم ، فماذا كان؟ وماذا رأيتما؟ فقال : ما حدثك أبو بكر ، فقلت : أريد أن أسمعه (٤) منك أيضا.

فقال : سمعنا من نحو الحرم صائحا يصيح (٥) : تجنبوا الحرم يرحمكم الله فوقعنا مغشيا علينا ، ثم إنا بعد وقت (٦) أفقنا وقمنا وقد أيسنا من الحياة وأيست الجماعة منا ، قال : فقال لي الشيخ (٧) : فعاش أبو بكر الإسكافي بعد ما حدثني أياما يسيرة (٨) وتوفي وكذلك صعلوك رحمهما الله تعالى ، وروى الحسن بن عبد الواحد بن رزق الرازي (٩) قال : قدم أبو زرعة (١٠) القاضي بفلسطين إلى مسجد إبراهيم ، عليه‌السلام ، فجئت أسلم (١١) عليه ، وقد قعد عند قبر سارة ، عليها‌السلام (١٢) ، في وقت الصلاة فدخل شيخ فدعاه ، فقال : يا شيخ أيما هو قبر إبراهيم من (١٣) هؤلاء؟

[١٢ / أ] فأومأ له الشيخ إلى قبر إبراهيم ، عليه‌السلام ، ومضى ، وجاء شاب فدعاه ، / / فقال

__________________

(١) قال ب ج د ه : فقال أ.

(٢) سمع أ ج د ه : سمعه ب.

(٣) عدلتما ب : عدلتم أ ج د ه.

(٤) أسمعه أ ج د ه : أسمع ب.

(٥) يصيح أ ج د ه : + وهو يقول ب.

(٦) ثم إنا بعد وقت أ ج د : ـ ب ه.

(٧) فقال لي الشيخ أ ب ج د : ـ ه.

(٨) أياما يسيرة أ ج د ه : زمانا يسيرا ب.

(٩) الحسن بن عبد الواحد بن رزق الرازي : لم أعثر على ترجمة ، وهذه الرواية موجودة بتصرف في كتاب «إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى» ٢ / ١٠٢.

(١٠) أبو زرعة : قاضي القضاة شمس الدين أبو زرعة محمد بن برهان الدين بن إبراهيم الزرعي الشافعي المقري ، كان شيخ القراء بمدينة الرملة ومن أهل العلم ، ولي قضاء الرملة مدة ثم اشتغل بالقضاء في سنة ٨٧٥ ه‍ / ١٤٧٠ م بولاية السيد الشريف وكيل السلطان واستمر إلى سنة ٨٧٧ ه‍ / ١٤٧٢ م ، ثم عزل واستوطن بيت المقدس ، وصار معيدا بالصلاحية ، وتوفي سنة ٨٨٤ ه‍ / ١٤٧٩ م ، ينظر : العليمي ٢ / ١٩٩ ـ ٢٠٠ ؛ العليمي ٢٨١ ؛ السخاوي ، الضوء ١٠ / ٣٥.

(١١) أسلم أ ج د ه : لأسلم ب.

(١٢) عليها‌السلام أ ج د ه : ـ ب / / فقال أ ه : وقال ب ج د.

(١٣) من أ ج د ه : بين ب.


له (١) مثل ذلك فأشار إليه ومضى (٢) ، ثم جاء صبي فدعاه ، وقال له مثل ذلك فأومأ إليه ، فقال أبو زرعة : أشهد أن هذا قبر إبراهيم ، عليه‌السلام (٣) ، لا شك فيه نقله الخلف عن السلف ، كما قال مالك بن أنس ، رضي‌الله‌عنه ، إن نقل الخلف عن السلف ، أصح الحديث لأن الحديث ربما يقع فيه الخطأ والنقل لا يقع فيه خطأ ولا يطعن فيه إلا صاحب بدعة ومخالف ، ثم قام ودخل إلى داخل ، فصلى الظهر ، ثم رحل من الغد.

وقال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر البناء المقدس (٤)(٥) في كتاب البديع (٦) في تفصيل مملكة الإسلام (٧) : وحبرى هي قرية إبراهيم ، عليه‌السلام ، فيها حصن عظيم يزعمون أنه من بناء الجن من حجارة (٨) عظيمة منقوشة ووسطه فيه من الحجارة الإسلامية على قبر إبراهيم ، وقبر إسحاق قدام في المغطى ، وقبر يعقوب في المؤخر ، حذاء (٩) كل نبي امرأته ، وقد جعل الحصن مسجدا وبنى حوله دور للمجاورين (١٠) له واتصلت العمارة به من كل جانب ، ولهم قناة (١١) ماء ضعيفة ، وهذه القرية على نصف مرحلة ، ومن كل جانب قرى وكروم وأعناب وتفاح وعامتها تحمل إلى مصر ، وفي هذه القرية ضيافة دائمة وطباخ وخباز وخدام مرتبون يقدمون (١٢) العدس بالزيت لكل من يحضر (١٣) من الفقراء ويدفع إلى الأغنياء إذا أخذوا.

__________________

(١) له أ ج د ه : ـ ب.

(٢) ومضى أ ج د ه : ثم مضى الشيخ ب / / فقال أ ج د : وقال ب ه / / فأومأ إليه أ ج ه : فأشار إلى قبر إبراهيم عليه‌السلام ب : ـ د.

(٣) إبراهيم عليه‌السلام أ ج ه : إبراهيم الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام ب : ـ د / / فيه أ ج د ه : + ولا خفاء ب.

(٤) أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر البناء المقدسي : شمس الدين أبو عبد الله ، ولد بالقدس وولع في الأسفار ، فطاف أكثر بلاد الإسلام ، وعرفته المصادر بأنه رحالة جغرافي ، مات نحو ٣٨٠ ه‍ / ٩٩٠ م ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٥ / ١٩٦ ؛ الزركلي ٥ / ٣١٢ ؛ كحالة ٣ / ٣٠.

(٥) المقدسي أ ب ج د : القدسي ه.

(٦) البديع أ ج د ه : البدائع ب / / إبراهيم أ ج د ه : + الخليل ب.

(٧) البديع في الممالك الإسلامية ، ينظر : البغدادي ، هدية ٦ / ٥١ ؛ ياقوت ، معجم البلدان ٥ / ١٩٦.

(٨) من حجارة ب : الحجارة أ ج د ه.

(٩) حذاء أ ج د ه : عند ب.

(١٠) للمجاورين أ : + له ب ج د ه.

(١١) ولهم قناة ... نصف مرحلة أ ب ج ه : ـ د / / وهذه أ ج ه : وهذه ب : ـ د / / على أ ج ه : إلى ب : ـ د / / ومن أ ه : من ب ج : ـ د.

(١٢) يقدمون أ ج د : وهم يقدمون ب.

(١٣) يحضر أ ج د ه : + عندهم ب.


وحكى (١) الملك المؤيد إسماعيل (٢) صاحب حماه (٣) في تاريخه في وقائع سنة ثلاث (٤) عشرة وخمسمائة أن في تلك السنة ظهر قبر إبراهيم الخليل وقبر ولديه إسحاق ويعقوب (٥) بالقرب من بيت المقدس ، ورآهم كثير من الناس لم تبل أجسادهم ، وعندهم في المغارة قناديل من ذهب وفضة ، ولم يذكر كيف ظهر ذلك (٦) ، وفيه إشكال لأن في التاريخ المذكور كانت بيت المقدس وبلد سيدنا الخليل ، عليه‌السلام ، في يد الفرنج وليس للمسلمين عليه (٧) تكلم ، ولا أعلم أن الفرنج كانوا يمكنون المسلمين من البلاد حتى استيلائهم عليها ، والله أعلم بحقيقة الحال.

ذكر ختانه وتسروله وشيبته عليه‌السلام (٨)

روي عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «اختتن إبراهيم ، عليه‌السلام ، وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم» (٩)(١٠) بالتخفيف والتشديد ، وروي عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١١) ، أنه قال : «ربط إبراهيم ، عليه‌السلام ، غزلته وجمعها إليه وحدّ قدومه (١٢) وضرب قدومه بعود كان معه فندرت بين يديه (١٣) بلا ألم ولا دم» (١٤) ، وختن إسماعيل وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وختن إسحاق وهو ابن سبعة أيام.

__________________

(١) ينظر : أبو الفداء ، المختصر ٢ / ٢٣١.

(٢) الملك المؤيد إسماعيل بن السلطان الأفضل نور الدين بن الحسن المشهور بأبي الفداء ، صاحب حماة ، له كتاب «المختصر في أخبار البشر» وكتاب «تقويم البلدان» ، توفي سنة ٧٣٢ ه‍ / ١٣٣١ م ، ينظر : اليافعي ٤ / ٢٨٤ ؛ ابن كثير ، البداية ١٤ / ١٥٨ ؛ ابن حجر ، الدرر ١ / ٣٧١ ـ ٣٧٣ ؛ ابن العماد ٦ / ٩٨ ؛ عطا الله ٢٨.

(٣) حماة : مدينة كبيرة عظيمة كثيرة الخيرات ، واسعة الرقعة ، يحيط بها سور محكم ، وفيها أسواق كثيرة ، تشرف على نهرها المعروف بالعاصي ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ٣٤٤ ؛ الحميري ٥٧٥.

(٤) ثلاث أ ج د : ثلاثة ب ه / / الخليل أ ه : + عليه‌السلام ب ج د.

(٥) يعقوب أ ج د ه : + عليهما‌السلام ب.

(٦) كيف ظهر ذلك أ ه : كيف كان ظهور ذلك ب : كيف ظهور ذلك ج د / / كانت أ ج ه : كان ب د.

(٧) عليه أ ج د ه : عليها ب / / أن الفرنج كانوا أ د ه : هل كانت الفرنج ب ج.

(٨) وتسروله وشيبة عليه‌السلام أ د : وتسروله عليه‌السلام وشيبته ب : وتسروله عليه‌السلام ج : وتسروله وشيبته عليه الصلاة والسلام ه.

(٩) روي عن النبي ... بالقدوم أ ب ج ه : ـ د : اختتن بالقدوم ابن عساكر.

(١٠) ينظر : البخاري ، الجامع ٤ / ٩٧ ؛ الطبري ، تاريخ ١ / ٢٨٧ ؛ ابن عساكر ٦ / ١٩٦.

(١١) ج : عليه‌السلام أ ب د ه.

(١٢) وحد أ ج د ه : فحد ابن عساكر / / يعود أ د ه : وضرب عليه بعمود ب : بعمود ج.

(١٣) بين يديه ب ج د ه : إليه أ / / إسماعيل أ ج د ه : + عليه‌السلام ب.

(١٤) ينظر : ابن عساكر ٦ / ٢١١ ؛ السيوطي ، إتحاف ٢ / ٧٤.


وعن عكرمة أنه اختتن إبراهيم (١) وهو ابن ثمانين سنة ، فأوحى الله إليه إنك قد أكملت أيمانك إلا بضعة من جسدك فالقها ، فختن نفسه بالفأس ، وسبب ختانه أنه أمر بقتال العمالقة ، فقاتلهم فقتل خلق كثير من الفريقين فلم يعرف إبراهيم أصحابه (٢) ليدفنهم فأمر بالختان ليكون علامة المسلم ، وختن نفسه بالقدوم.

وقال (٣) ابن عباس : كان إبراهيم أول من لبس السراويل ، وذلك أنه كان كثير الحياء ، وكان من حيائه (٤) يستحي أن ترى الأرض مذاكيره فاشتكى إلى الله تعالى (٥) ، فأوحى الله إلى جبريل ، عليه‌السلام ، فهبط عليه بخرقة من الجنة ، ففصلها جبريل ، عليه‌السلام ، سراويل وقال له : ادفعها إلى سارة وكان اسمها ـ يساره ـ فلتخطه (٦) ، فلما خاطته سارة ولبسه إبراهيم قال : ما أحسن هذا وأستره (٧) يا جبريل ، فإنه نعم الستر للمؤمن ، فكان إبراهيم ، عليه‌السلام ، أول من لبس السراويل ، وأول من فصل جبريل ، وأول من خاط سارة بعد إدريس ، عليه‌السلام.

وعن علي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه ، أنه قال : كان الرجل يبلغ الهرم (٨) ولم يشب ، وكان الرجل يأتي القوم وفيهم الوالد والولد فيقول : أيكم الأب؟ لا يعرف الأب من الابن. فقال إبراهيم : رب اجعل لي شيئا أعرف به ، فأصبح رأسه ولحيته أبيضين.

وروي عن ابن عباس (٩) أنه قال : أول من سمانا مسلمين إبراهيم ، عليه‌السلام ، وهو أول من ضرب بالسيف من الأنبياء ، وكسر الأصنام ، واختتن ، ولبس السراويل والنعلين ، ورفع اليدين (١٠) في الصلاة في كل خفض ورفع ، وصلّى / / أول النهار أربع ركعات جعلهن على نفسه ، فسماه الله وفيا ، فقال تعالى : [١٢ / ب] (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (٣٧) (١١)

__________________

(١) إبراهيم أ ه : + عليه‌السلام ب ج د / / الله أ ج ه : + تعالى ب د.

(٢) أصحابه أ ب ج د : أصحابهم ه / / المسلم أ ج د ه : للمسلم ب.

(٣) وقال أ ج د ه : قال ب / / عباس أ ه : + رضي‌الله‌عنهما ب ج د.

(٤) وكان من حيائه أ ج د ه : ـ د.

(٥) الله تعالى أ د ه : الله عز وجل ب ج.

(٦) فلتخطه أ د ه : ومرها أن تخيطه ب : فلخيطه ج.

(٧) أستره أ ج د ه : وما أستره ب.

(٨) الهرم أ ب ج د : الحرم ه / / أيكم الأب؟ ... من الابن أ ج د ه : أيكم الأب من الابن؟ ب.

(٩) عباس أ د ه : + رضي‌الله‌عنهما ب : رضي‌الله‌عنه ج / / مسلمين أ ج ه : المسلمين ب د.

(١٠) اليدين أ د ه : يديه ب ج.

(١١) النجم : [٣٧].


قال ابن عباس (١) : هي الأربع في أول النهار ، وهو أول من أضاف الضيف ، وثرد الثريد ، وفرق الشعر ، واستنجى بالماء ، وقلم الظفر ، وقص الشارب ، ونتف الإبط ، وأول من استاك وتمضمض واستنشق بالماء وحلق العانة ، وأول من صافح وعانق وقبّل بين العينين موضع السجود ، وأول من شاب ، فقال : ما هذا؟ فقال الله تعالى : وقارا ، فقال : رب زدني وقارا (٢) ، فما برح حتى ابيضت لحيته ، وأول من جر الذيل هاجر امرأته ، فصارت سنة من النساء ، فغارت (٣) سارة وحلفت أن تملأ يدها من دمها ، فقال إبراهيم ، عليه‌السلام : خذيها فاختنيها (٤) كيف يكون ذلك سنة بعدكما ، وتخلصي من يمينك ، ففعلت فكانت هاجر أول من اختتن من النساء ، وإبراهيم أول من اختتن من الرجال.

ذكر رأفته بهذه الأمة (٥)

روي عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «لقيت إبراهيم ، عليه‌السلام (٦) ، ليلة الإسراء ، فقال : يا محمد أقريء أمتك السلام ، وأخبرهم أن الجنة طيبة (٧) التربة عذبة الماء ، وأنها قيعان ، وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» (٨). وفي رواية : «فرأيت إبراهيم (٩) فرحب بي وسهل وقال (١٠) : مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة ، وأرضها واسعة ، فقال : وما غراس الجنة؟ فقال : لا حول ولا قوة إلا بالله. وفي رواية فقال لي (١١) إبراهيم : مرحبا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته يا نبي الله (١٢) : إنك لاق ربك الليلة وإن أمتك هي آخر الأمم وأضعفها ، فإن استطعت أن تكون حاجتك (١٣) في أمتك فافعل) (١٤).

__________________

(١) عباس أ د ه : رضي‌الله‌عنهما ب : رضي‌الله‌عنه ج / / وهو أول أ ج د ه : وأول ب.

(٢) وقارا أ ج د ه : هذا وقار ب / / لحيته أ ج د ه : جميع لحيته ب.

(٣) فغارت أ : + منها ب ج د ه / / أن أ : أنها ب ج د ه.

(٤) فاختنيها أ د ه : واختنيها ب ج.

(٥) ذكر ... الأمة أ ج د ه : + صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب.

(٦) عليه‌السلام أ ج د ه : ـ ب / / الإسراء أ ه : أسري بي ب ج د / / فقال أ ج ه : + لي ب : وقال د / / وأخبرهم أ ج د ه ابن عساكر : قل لهم ب.

(٧) طيبة أ ب ج ه : ـ د.

(٨) ينظر : ابن عساكر ٦ / ٢٥١ ؛ ابن القيم ، حادي الأرواح ٤٥.

(٩) إبراهيم أ ج د ه : + الخليل ب.

(١٠) وقال أ ه : ثم قال لي ب : ثم قال ج د / / غراس ب ابن عساكر : غرس أ ج د ه.

(١١) لي أ د ه : أبي ب ج.

(١٢) الله ب ج د : ـ أ ه.

(١٣) حاجتك أ ه : + أوجها ب ج د.

(١٤) ينظر : ابن القيم ، حادي الأرواح ٤٥.


ذكر ضيافته وإكرامه للضيف وأخلاقه الكريمة

وروي أن إبراهيم ، عليه‌السلام ، كان إذا أراد أن يأكل خرج ميلا أو ميلين يلتمس من يأكل معه ، وكان يكنى أبا (١) الضيفان ، ولصدق نيته في الضيافة دامت ضيافته في مشهده إلى يومنا هذا (٢) ، فلا ينقضي يوم ولا ليلة إلا ويأكل عنده جماعة.

وحكي : أن رجلا شريف القدر من أهل دمشق ذا وجاهة كان يزور الخليل ، عليه‌السلام ، في كل حين (٣) ، وكان يؤتي بالضيافة التي جرت العادة بها لزواره فيردها ولا يأكل منها شيئا ، فجاء مرة وهو ملهوف فجعل يطلبها ويجد في طلبها حتى قيل : إنه كان يتتبع ما بقي في القصاع (٤) ويلتقط ما يجد من لباب (٥) الخبز وفتاته فيأكله ، فقيل له في ذلك ، فقال : رأيت الخليل ، عليه‌السلام (٦) ، فقال لي : ما أكلت ضيافتنا ونحن ما قبلنا زيارتك.

وعن ابن (٧) عباس ، رضي‌الله‌عنهما ، قال : إن الله تعالى وسع على إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام ، في المال والخدم ، فاتخذ بيت ضيافة له (٨) بابان ، يدخل الغريب من أحدهما ، ويخرج من الآخر ، ووضع في ذلك البيت كسوة الشتاء (٩) ، وكسوة الصيف ، ومائدة منصوبة عليها طعام فيأكل الضيوف ، ويلبس إن كان عريانا ، ويجدد إبراهيم (١٠) ، عليه‌السلام ، كل حين ذلك ، وروي أن إبراهيم (١١) ، عليه‌السلام ، لما قرب العجل إلى الضيوف ورأى أيديهم لا تصل إليه قال : لم لا تأكلون؟ قالوا : لا نأكل طعاما إلا بثمنه؟ قال : أو ليس معكم

__________________

(١) أبا أ د ه : بأبي ب : أبو ج.

(٢) لا زالت هذه الضيافة موجودة في مدينة الخليل ويسميها أهل الخليل : «بشوربة سيدنا إبراهيم الخليل» وتتبع دائرة الأوقاف الإسلامية ، وتوزع وجبة واحدة لفقراء المسلمين يوميا ، كما أنها تقدم في رمضان وجبات السحور والفطور مجانا على مدى أيام الشهر ، المحقق.

(٣) كل حين أ ج : في كل حين ب د ه.

(٤) القصاع أ ج د ه : القصع ب.

(٥) لباب أ ب ج د : ـ ه.

(٦) عليه‌السلام أ ج د ه : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب / / ونحن أ ج د ه : فنحن ب.

(٧) وعن ابن أ ج د ه : وروي عن ابن ب / / قال أ ج د ه : أنه قال ب.

(٨) فاتخذ بيت ضيافة له أ ج د ه : فاتخذ بيتا لضيافته ب / / له بابان أ ج د ه : وجعل له بابين ب.

(٩) الشتاء ب : للشتاء أ ج د ه :/ / الصيف ب : للصيف أ ج د ه.

(١٠) ويجدد إبراهيم أ ج د ه : وإبراهيم يجدد ب.

(١١) إبراهيم أ ج د ه : + الخليل ب / / عليه‌السلام أ د : ـ ب ج ه.


ثمنه (١)؟ قالوا : وأنّي لنا بثمنه ، قال : تسمّون الله تبارك وتعالى إذا أكلتم وتحمدونه إذا فرغتم. قالوا : سبحان الله! لو كان ينبغي لله أن يتخذ خليلا من خلقه لا تخذك خليلا يا إبراهيم ، فاتخذ الله إبراهيم خليلا (٢).

وقيل : إن الملائكة لما رأت ازدياد إبراهيم ، عليه‌السلام ، في الخير ، وإقبال الدنيا عليه ، ولم يشغله ذلك عن الله طرفة عين ، عجبت (٣) من ذلك ، وقالت : إن ظاهره حسن ، وإنه لا يؤثر على ربه شيئا (٤) فهل هو في قلبه هكذا؟ فعلم الله سبحانه وتعالى منهم قبل ما تكلموا به (٥) فأمر ملكين من أجلاء الملائكة ، وقيل : إنهما جبريل وميكائيل ، عليهما‌السلام ، أن ينزلا عليه ويستضيفانه (٦) ، ويذكراه بربه ، ويرفعا صوتهما عنده بالتسبيح والتقديس لله تعالى ، فنزلا على صورة بني آدم فسألاه الإذن لهما بالمبيت ، عنده فأذن لهما ، وأكرم نزلهما ، ورفع محلهما ، فلما كان في [١٣ / أ] بعض الليل ، وهو يسامرهما (٧) ، / / إذ رفع أحدهما صوته ، وقال : سبحان ذي الملك والملكوت ، ثم رفع الآخر صوته وقال : سبحان الملك القدوس ، بصوت لم يسمع مثله. قال : فأغمي على إبراهيم ، عليه‌السلام ، ولم يملك نفسه من الوجد والطرب ، ثم أفاق بعد ساعة ، وقال لهما : أعيدا عليّ ذكركما ، فقالا (٨) : لا نفعل حتى تجعل لنا شيئا معلوما ، فقال لهما (٩) : خذا ما تختارا من مالي ، فقالا له : أعطيناما شئت ، فقال : لكما جميع مالي من الغنم ، وكان شيئا كثيرا فرضيا بذلك ، ثم رفعا صوتهما ، وقالا كالأول (١٠) ، فأغمي عليه ، فلما أفاق وعلم أنهما لا يقولون شيئا إلا بمعلوم قال لهما : لكما جميع مالي من البقر ، فرضيا وأعادا ، ولم يزالا يكرران عليه الذكر ويتجلى ويستغرق (١١) في لذاته حتى أعطاهما جميع موجوداته من ماله وأهله ، ولم يبق إلا نفسه ، فباعها لهما ، ورضي أن يكون في رقهما ، وجعل في

__________________

(١) بثمنه أ ج د ه : ثمنه ب.

(٢) لأتخذك خليلا يا إبراهيم أ ج : لا تخذك يا إبراهيم خليلا ب د ه.

(٣) عجبت أ د ه : تعجبت ب ج.

(٤) شيئا أ ب ج د : ـ ه.

(٥) ما تكلموا أ ب ج د : مقالتهم ه.

(٦) ويستضيفانه أ د ه : يستضيفاه ب ج.

(٧) يسامرهما أ ج ه : يستضيفاه ب ج.

(٨) فقالا أ ج : + له ب : فقال د ه / / لا نفعل أ ج د ه : إنا لم نفعل ب.

(٩) لهما أ ج د : ـ ب ه.

(١٠) كالأول أ ج د ه : كالأولى ب.

(١١) ويستغرق أ ج د ه : وهو يستغرق ب.


عنقه شدادا (١)(٢) ، وأسلمهما (٣) نفسه وقال : لعلكما تجودان عليّ بالذكر مرة أخرى. فلما رأيا منه ذلك ، قالا : يحق لك أن يتخذك الله خليلا ، ثم حكيا له ما كان من الملائكة. فتبسم وقال : حسبي الله ونعم الوكيل ، ثم قالا له (٤) : أمسك عليك بارك الله لك وعليك (٥) وعلى ذريتك. فمن الله عليه بإبقاء ذريته وسماطه ، وزاده بركة وخيرا ، وجعل سماطه ممدودا من يومه إلى يومنا هذا ، جعله الله دائما إلى يوم القيامة ، إن شاء الله تعالى.

وأما أخلاقه الكريمة فقد سماه الله (٦) حليما آواها منيبا ، والحليم الرشيد الذي يملك نفسه عند الغضب ، والأواه الذي يكثر التأوه من الذنوب ، والمنيب المقبل على ربه عز وجل في شأنه كله.

روى الثعلبي عن أبي إدريس الخولاني (٧) عن أبي ذر الغفاري ، رضي‌الله‌عنه ، قال : قلت (٨) : يا رسول الله كم من كتاب أنزل الله عز وجل؟ قال (٩) : مائة كتاب وأربعة كتب ، أنزل الله على آدم عشر صحائف ، وعلى شيث خمسين صحيفة ، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم عشر صحائف وأنزل الله التوراة والإنجيل والزبور والفرقان.

قلت (١٠) : يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم؟ قال : كانت أمثالا : (أيها الملك (١١) المبتلى ، المسلط المغرور ، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى

__________________

(١) شدادا : ما يشتد به ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٣ / ٢٣٦ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٤٩٤.

(٢) شدادا أ ب ج د : شدا ه.

(٣) وأسلمهما أ ه : وسلمهما ب ج : ـ د / / وأسلمهما ... قالا أ ب ج ه : ـ د / / وقال أ ج د ه : + لهما ب / / تجودان أ ج ه : تجودا ب : ـ د.

(٤) قالا أ ه : + له ب : قالوا ج : ـ د.

(٥) وعليك أ ج د ه : + مالك ب.

(٦) الله أ ج : + تعالى ب د ه.

(٧) أبو إدريس الخولاني : عائذ الله بن عبد الله ، ولد عام حنين ، وكان ثقة ، وقد روى عنه الزهري ، وهو عالم أهل الشام ، وكان واعظ دمشق ، وقاضيهم وقاصهم ، وتوفي سنة ٨٠ ه‍ / ٦٩٩ م ، ينظر : ابن سعد ٧ / ٣١٢ ؛ ابن عبد البر ٤ / ١٥٩٤ ؛ الذهبي ، تذكرة ١ / ٥٦.

(٨) قلت أ ج د ه : + لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب أنزل الله أ ب ج د : ـ ه.

(٩) قال أ ج د ه : + رسول الله ب / / مائة أ ج د ه : أنزل الله تعالى مائة ب / / آدم أ ج د ه : + عليه‌السلام ب / / وعلى شيث ... وعلى إدريس ... وعلى إبراهيم أ ج د ه : وعلى إبراهيم ... وعلى شيث ... وعلى إدريس ب.

(١٠) قلت أ ج د ه : قال : قلت ب د.

(١١) الملك أ ج د ه : + المغرور ب / / المبتلى أ ب ج د ه : + المسلط الثعلبي / / المسلط أ : ـ ب ج د ه.


بعض ، ولكن بعثتك لترد عني (١) دعوة المظلوم ، فإني لا أردها ولو كانت من كافر) وكان فيها أمثال (٢) ومنها : (وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله ، أن يكون له أربع ساعات (٣) : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يتفكر فيها (٤) في صنع الله ، وساعة يحاسب فيها نفسه على ما قدم وأخر ، وساعة يخلو فيها لحاجته (٥) من الحلال لا من الحرام في المطعم والمشرب وغيرهما (٦) ، وعلى العاقل ألا يكون طاعنا إلا في ثلاث : تزود لمعاده ، ومؤنة لمعاشه ، ولذة في غير محرم ، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظا للسانه ، ومن علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه) (٧) ، والله أعلم.

ذكر (٨) معنى الخلة

أصل الخلة الاستصفاء ، وسمي إبراهيم خليل الله لأنه يوالي في الله ويعادي في الله ، وخلة الله نصره وجعله إماما لمن بعده ، والخليل أصله الفقير المحتاج المنقطع ، مأخوذ من الخلة وهي الحاجة ، سمي بها لأنه قصر حاجته على ربه ، وانقطع إليه بهمته ، ولم يجعل وليا غيره ، حيث قال له جبريل ، عليه‌السلام ، وهو في المنجنيق ليرمي به في النار ، ألك حاجة؟ فقال : أما إليك فلا.

وروي (٩) عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال لجبريل : «يا جبريل لم اتخذ الله إبراهيم خليلا؟ قال : لإطعامه الطعام» ، وفي الصحيحين : «أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أيها الناس إن الله تعالى اتخذني (١٠) خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا» (١١). واختلف في تفسير الخلة واشتقاقها ، فقيل : المنقطع إلى الله تعالى الذي ليس له في انقطاعه إليه ومحبته له

__________________

(١) لترد عني الثعلبي : لترد أ ج د ه : لتنصر ب / / ولو كانت الثعلبي : وإن كانت أ ب ج د ه.

(٢) أمثال أ ج : أمثالا د ه : + بكثير ب / / ومنها أ د : منها ب ج ه.

(٣) ساعات أ ج د ه : أربع ساعات الثعلبي / / وساعة يتفكر فيها الثعلبي : ـ أ ج د ه.

(٤) فيها الثعلبي : ـ أ ب ج د ه :/ / على ما قدم الثعلبي : فيما قدم أ ب ج د ه.

(٥) لحاجته أ ه : بحاجته ب ج : ـ د ... / / لا من الحرام ب د ه : ـ ب ج : والحرام الثعلبي / / المطعم والمشرب أ د ه : المطعوم والمشروب ب ج.

(٦) وغيرهما ب : وغيرها أ ج د ه / / وعلى العاقل ألا يكون طاعنا ... غير محرم الثعلبي : ـ أ ب ج د ه.

(٧) ينظر : الثعلبي ٥٩ ؛ السيوطي ، الدر ٦ / ٥٧١.

(٨) ذكر أ د : ـ ب ج ه.

(٩) وروي أ ج د ه : روي ب.

(١٠) اتخذني أ ج ه : قد اتخذني ب د.

(١١) ينظر : ابن كثير ، البداية ١ / ١٦٩.


اختلال ، واختلف أيضا هل الخلة والمحبة بمعنى واحد؟ أو إحداهما أرفع من الأخرى؟ فقيل بمعنى واحد (١) ، والحبيب خليل وعكسه ، لكن خص إبراهيم بالخلة ومحمد بالمحبة ، وقيل : الخلة أرفع للحديث الوارد عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لو كنت متخذا خليلا غير ربي لا تخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة في الإسلام» (٢). فلم يتخذ أبا بكر خليلا وأطلق على نفسه الشريفة المحبة له ولعائشة وفاطمة / / وابنيها وأسامة [١٣ / ب] وغيرهم.

والأكثر على أن المحبة أرفع ، لأن درجة نبينا الحبيب ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أرفع من درجة إبراهيم الخليل (٣) ، وأصل المحبة الميل إلى ما يوافق المحبوب ، وهذا فيمن يتأتى منه الميل وهي درجة المخلوقين ، أما الخالق ، جل جلاله ، فمنزه عن ذلك ، فمحبته لعبده ، تمكينه من سعادته وعصمته ، وتوفيقه لطاعته وإفاضة رحمته عليه ، سبحانه وتعالى.

ذكر وفاته عليه‌السلام

قد تقدم أن بين مولده (٤) والهجرة الشريفة النبوية المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام (٥) ألفين وثمانمائة وثلاثا وتسعين سنة ، على اختيار المؤرخين ، واختلف في عمره : فقيل (٦) : عاش مائة وخمسا وسبعين سنة ، وهو الذي ذكره (٧) الملك المؤيد صاحب حماة في تاريخه (٨) ، وقيل : مائة وخمسا وتسعين ، وقيل : مائتي سنة ، ونزل عليه جبريل ، عليه‌السلام ، اثنتين وأربعين مرة.

قال أهل السير : لما أراد الله ، عز وجل ، قبض روح خليله إبراهيم ، عليه‌السلام ، أرسل إليه ملك الموت في صورة رجل شيخ هرم ، وقال (٩) الثعلبي (١٠) : قال السدي بإسناده قال : كان إبراهيم كثير الإطعام يطعم الناس ،

__________________

(١) بمعنى واحد أ ب ج : هما بمعنى واحد د ه.

(٢) ينظر : ابن كثير ، البداية ١ / ١٦٩.

(٣) إبراهيم الخليل أ د ه : إبراهيم الخليل صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج.

(٤) مولده والهجرة أ ج د ه : الهجرة الشريفة النبوية المحمدية ومولده ب.

(٥) أفضل الصلاة والسلام أ ج د ه : عليه‌السلام ب.

(٦) فقيل أ ج د ه : + إن إبراهيم الخليل ب ج.

(٧) وهو الذي ذكره ... وخمسا وتسعين ب ج د ه : ـ أ.

(٨) ينظر : أبو الفداء ، المختصر ١ / ١٤.

(٩) وقال أ ج ه : قال ب د.

(١٠) ينظر : الثعلبي ٥٨.


ويضيفهم ، فبينما هو يطعم الناس إذا هو بشيخ كبير يمشي في الحرة (١) فبعث إليه بحماره وأركبه حتى أتاه وأطعمه ، فجعل الشيخ يأخذ اللقمة ليدخلها فاه ، فيدخلها في عينه وأذنه ، ثم يدخلها فاه فإذا دخلت جوفه خرجت من دبره ، وكان إبراهيم قد سأل ربه أن لا يقبض روحه حتى يكون هو الذي يسأل (٢) الموت ، فقال الشيخ حين رأى حاله : يا شيخ ما لك تصنع هكذا؟ قال : يا إبراهيم من الكبر ، فقال : ابن كم أنت؟ قال : فزاد على عمر إبراهيم سنتين ، فقال إبراهيم : أنا بيني وبينك سنتان ، فإذا بلغت ذلك صرت مثلك ، قال : نعم ، فقال إبراهيم : اللهم اقبضني إليك قبل ذلك فقام الشيخ فقبض (٣) نفسه وكان ملك الموت ، صلوات الله وسلامه عليهما ، وحكي غير ذلك.

فيكون بين وفاة الخليل ، عليه‌السلام ، والهجرة الشريفة (٤) على القول الأول في عمره الذي ذكره صاحب حماة ألفان وسبعمائة وثمانية عشر سنة ، ومضى من الهجرة الشريفة إلى عصرنا تسعنمائة سنة ، فيكون الماضي من وفاته (٥) إلى سنة تسعمائة من الهجرة الشريفة ثلاثة آلاف سنة وستمائة وثماني عشرة سنة ، وقيل غير ذلك.

وروي عن ابن عباس ، رضي‌الله‌عنهما ، أنه قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٦) : «أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بخلته ، ثم أنا بصفوتي ، ثم علي بن أبي طالب يزف بيني وبين إبراهيم زفا إلى الجنة» ، وفي الصحيحين عن ابن عباس ، رضي‌الله‌عنهما ، أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «أول الخلائق (٧) يكسى يوم القيامة إبراهيم (٨) ، عليه‌السلام» ، وروي أنه قال : «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا ، فيقول الله تعالى : لا أرى (٩) خليلي عريانا فيكسى ثوب أبيض ، فهو أول من يكسى ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (١٠).

__________________

(١) الحرة : أرض ذات حجارة سوداء كأنها أحرقت ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٤ / ١٧٩ ؛ المعجم الوسيط ١ / ١٧٢.

(٢) يسأل أ ج د ه : يسأله ب / / فقال الشيخ حين رأى حاله أ ج ه : فلما رأى حال الشيخ قال له ب.

(٣) فقبض أ ج د : وقبض ب : قبض ه / / نفسه أ د : روح إبراهيم ب : روحه ج ه.

(٤) الشريفة أ ج د ه : النبوية ب.

(٥) وفاته أ ج د ه : وفاة إبراهيم ب.

(٦) إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د ه : إبراهيم الخليل عليه‌السلام ب.

(٧) أول الخلائق يكسى أ : أول من يكسى ب ج د ه.

(٨) إبراهيم أ ج د ه : + الخليل ب.

(٩) لا أرى أ ج د ه : ما لي أرى ب.

(١٠) ينظر : النسائي ، باب البعث ٤ / ١١٤.


ذكر قصة الإسكندر

وكان زمن إبراهيم (١) ، عليه‌السلام ، الإسكندر المشهور بذي القرنين الذي ذكره الله في القرآن ، وهو من ذرية نوح ، عليه‌السلام ، ومما ورد في أمره : أنه إنما سمي ذا القرنين (٢) أنه كان عبدا صالحا بعثه الله ، عز وجل ، إلى قومه ولم يكن نبيا ، فضربوه على قرنه ، فمات فأحياه الله تعالى ، ثم بعثه مرة أخرى إليهم فضربوه على قرنه فمات ، فأحياه الله تعالى ، فسمي ذا القرنين (٣) ، وقيل غير ذلك.

وتوفي الإسكندر بناحية السواد في موضع يقال له شهر زور (٤) بعد أن غزا الهند ، حتى انتهى إلى البحر المحيط فهال ذلك ملوك الغرب فوفدت عليه رسلهم بالانقياد والطاعة ، ودخل بحر الظلمات (٥) مما يلي القطب الشمالي ، وبحر الشمس (٦) في الجنوب في أربعمائة رجل من أصحابه ، يطلب عن الحياة فلم يصبها ، فسار فيه ثمانية عشر (٧) يوما وبنى اثنتي عشر مدينة ، سماها كلها بالإسكندرية (٨) ، ولما مات عرض الملك بعده على ابنه فأبى واختار النسك والعبادة ، وكانت مملكته (٩) اثنتي عشر سنة ، وقيل : ثلاث عشرة سنة ، وقيل : أربع عشرة سنة ، والله أعلم ؛ وكان عمره ستا وثلاثين سنة باتفاق (١٠) ، والله أعلم.

ذكر بناء سليمان ، عليه‌السلام ، الحير (١١) الذي

على المغارة بوحي من الله تعالى

روي أن سليمان ، / / عليه‌السلام ، لما فرغ من بناء بيت المقدس ، أوحى الله

__________________

(١) إبراهيم أ ج د ه : + الخليل ب.

(٢) ذا أ : بذي ب ج د ه / / أنه أ ج د ه : لأنه ب.

(٣) ذا القرنين أ د ه : بذو القرنين ب : ذو القرنين ج.

(٤) شهر زور : كورة واسعة في الجبال بين إربل وهمذان ، وأهلها كلهم أكراد ، والمدينة في صحراء عليها سور ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٣ / ٢٥ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٢٢.

(٥) بحر الظلمات ه : الظلمات ب ج : ـ د / / القطب الشمالي أ ب ج د : القطب الشمال ه.

(٦) وبحر الشمس أ ج د : في بحر الشمس ب : ـ ه / / في الجنوب أ ج د : ـ ب ه.

(٧) عشر ب ج د ه : عشرة أ.

(٨) بالإسكندرية ب : إسكندرية أ د : الإسكندرية ج ه / / ولما مات ... والعبادة أ ب ج د : ـ ه.

(٩) مملكته أ ج د ه : مدة تملكه ب / / عشر ب ج د ه : عشرة أ / / ثلاث عشرة أ : ثلاثة عشر ب ج ه : ـ ب.

(١٠) باتفاق أ ج د : بالاتفاق ب : اتفاقا ه / / والله أعلم أ ج د ه : ـ ب.

(١١) الحير : شبه الحظيرة أو الحمى ، ينظر : المعجم الوسيط ١ / ٢١٨.


تعالى إليه : يا ابن داود ابن (١) على قبر خليلي حيرا حتى يكون لمن يأتي بعدك ، لكي يعرف ، فخرج سليمان وبنو إسرائيل من بين المقدس حتى قدم أرض كنعان وطاف فلم يصبه ، فرجع إلى بيت المقدس ، فأوحى الله تعالى إليه : يا سليمان خالفت أمري. فقال : يا رب عني الموضع ، فأوحى الله إليه امض فإنك ترى نورا من السماء إلى الأرض فإنه موضع قبر خليلي إبراهيم.

فخرج سليمان مرة ثانية فنظر وأمر الجن فبنوا في الموضع الذي يقال له الرامة (٢) ، وهو بالقرب من مدينة سيدنا الخليل ، عليه‌السلام (٣) ، من جهة الشمال قبلي قرية حلحول (٤) التي بها قبر يونس ، عليه‌السلام ، فأوحى الله تعالى إليه أن هذا ليس هو الموضع ولكن انظر ، إلى النور المتدلي من السماء إلى الأرض فابن ، فخرج سليمان ، عليه‌السلام ، فنظر (٥) فإذا النور على بقعة من بقاع حبرون فعلم أن ذلك الموضع هو المقصود ، فبنى الحير على البقعة.

وسنذكر وصف هذا البناء وذرعه وطولا وعرضا فيما بعد ، إن شاء الله تعالى ، ويأتي ذكر ما مضى من تاريخ سليمان ، عليه‌السلام ، مسجد بيت المقدس ، فيعلم منه تاريخ بناء الحير الذي (٦) على مقام سيدنا الخليل ، عليه الصلاة والسلام.

ذكر فضل سيدنا الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام

وفضل زيارته

قد نص الله تعالى في كتابه العزيز على فضله بقوله تعالى (٧) : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) (١٢٥) (٨) إلى غير ذلك مما أنزل الله في حقه من الآيات المخصوصة به.

__________________

(١) يا ابن أ ج ه : يا بن ب د.

(٢) الرامة : من قرى بيت المقدس ، بها مقام إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، وتقع الآن في الضواحي الشمالية لمدينة الخليل ، وبها أثر معروف يسمى بئر حرم الرامة ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٣ / ٢٠ ؛ الدباغ ٥ / ١٦٣.

(٣) عليه‌السلام أ ج د ه : عليه الصلاة والسلام ب.

(٤) حلحول : إحدى قرى الخليل المتصلة بها إلى الشمال منها ، وهي قديمة بناها الكنعانيون ، وبها قبر يونس عليه‌السلام ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ٣٣٣ ؛ الدباغ ٥ / ١٣٩.

(٥) فنظر أ ج : ونظر ب : فنظره ه : ـ د.

(٦) الذي ب : ـ أ ج د ه.

(٧) بقوله تعالى أ ج د ه : في قوله تعالى ب.

(٨) النساء : [١٢٥].


وعن أنس بن مالك (١) ، رضي‌الله‌عنه ، قال : قال رجل (٢) للنبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا خير الناس ، قال : «ذلك أبي إبراهيم (٣) ، عليه‌السلام» ، وفي لفظ (٤) مسلم قال له : يا خير البرية ، قال : «ذلك إبراهيم ، عليه‌السلام» (٥).

وروي عنه (٦) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «لما أسري بي إلى بيت المقدس مر بي جبريل ، عليه‌السلام ، إلى قبر إبراهيم ، عليه‌السلام ، فقال : انزل فصل ها هنا ركعتين (٧) ، فإن ها هنا قبر أبيك إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام» (٨). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من لم يمكنه زيارتي ، فليزر قبر أبي إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام» (٩).

وعن كعب (١٠) قال : أكثروا من الزيارة إلى قبر رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأظهروا الصلاة عليه وعلى صاحبيه أبي بكر وعمر ، رضوان الله عليهما ، قبل أن تمنعوا ذلك ، ويحال بينكم وبين ذلك بالفتن وفساد السبيل (١١) ، فمن منع ذلك أو حيل بينه وبين الزيارة إلى قبر رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فليجعل رحلته وإتيانه إلى قبر إبراهيم (١٢) ، عليه‌السلام ، وليظهر الصلاة عليه ، وليكثر الدعاء عنده (١٣) ، فإن الدعاء عنده مستجاب ، ولم يتوسل به أحد إلى الله ، جل ثناؤه ، في شيء (١٤) ، إلا لم يبرح حتى يرى الإجابة في ذلك عاجلا أو آجلا.

__________________

(١) أنس بن مالك بن ضمضم بن زيد بن حرام الأنصاري النجاري : خدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشر سنين ، وروى عن طائفة من الصحابة ، وروى عنه بنوه والحسن البصري وخلق كثير ، وتوفي سنة ٩٠ ه‍ / ٧٠٨ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٥٩ ـ ١٦٠ ؛ ابن الأثير ، أسد ١ / ١٥١ ؛ المزي ١ / ١٥ ؛ ابن العماد ١ / ١٠٠.

(٢) قال رجل أ ج د ه : جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له ب / / قال أ ج د ه : أنه قال ب / / قال : أ ج د ه : فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب.

(٣) أبي إبراهيم أ ج د : ذلك إبراهيم ب : ذاك إبراهيم ه.

(٤) وفي لفظ أ ج د ه : وفي رواية ب / / عليه‌السلام أ ج د ه : ـ ب.

(٥) ينظر : ابن كثير : البداية ١ / ١٧١.

(٦) عنه أ ج د ه : عن النبي ب.

(٧) فصل ها هنا ركعتين أ ج ه : فصل ركعتين ها هنا ب : فصل هنا ركعتين د.

(٨) ينظر : السيوطي : إتحاف ٢ / ٦٢.

(٩) المرجع نفسه ، ٢ / ٦٣.

(١٠) كعب أ د ه : كعب الأحبار رضي‌الله‌عنه ب : كعب الأحبار ج.

(١١) السبيل أ ج د : السبل ب ه.

(١٢) إبراهيم أ ج د ه : + الخليل ب / / عليه‌السلام أ ج د : عليه الصلاة والسلام ب : ـ ه.

(١٣) عنده أ ج د ه : عند قبر سيدنا إبراهيم ب.

(١٤) جل ثناؤه في شيء أ ج د : ـ ب ه / / إلا لم أ ج د : ولم ب : لم ه / / يبرح أ ج د : + من مكانه ب : يرجع ه.


قلت : هذا مما لا شك فيه فإنني (١) جربته بأمر وقع لي من أمور الدنيا ، فكنت أتوقع الهلاك منه ، فتوجهت من بيت المقدس إلى بلد سيدنا الخليل ، عليه‌السلام ، في ضرورة اقتضت سفري (٢) ، فلما دخلت مسجده ، ودخلت إلى الضريح المشهور بأنه قبر إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام ، وتعلقت (٣) بأستاره ، ودعوت الله تعالى ، فيما كنت أرجوه (٤) ، فما كان بأسرع أن فرج الله كربتي ، ولطف بي ، وأزال عني كل ما أزعجني ، فله الفضل سبحانه (٥).

وحكي عن رجل من أهل بعلبك ، أنه قال : زرنا قبر إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام ، وكان معنا رجل مغفل من أهل بعلبك فسمعناه وقد زار القبر وهو يبكي ويقول : حبيبي إبراهيم ، سل ربك يكفيني فلانا وفلانا فإنهم يؤذونني ، ونحن نضحك منه ونتعجب ، ثم رجعنا بعد مدة إلى يافا (٦) فوصل قارب من بيروت وفيه رجل من أهل بعلبك ، فخبرنا (٧) أن الثلاثة الذي سماهم ماتوا.

آداب الزيارة (٨)

يستحب لمن قصد زيارة إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام (٩) ، أن يقلع عن الذنوب ويتوب (١٠) إلى الله تعالى ، توبة نصوحا ، ثم ينوي زيارته ، ويتوجه نحوه بعزم ورغبة (١١) ، ويكثر في طريقه من الصلاة على النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلى سائر (١٢) النبيين والمرسلين.

فإذا أتى باب المسجد وقف يسيرا ، ثم يقدم رجله اليمنى ، ويدعو بما يستحب أن يدعى به إذا دخل المساجد ، فيقول (١٣) : بسم الله ، اللهم صل على محمد ، وافتح

__________________

(١) فإنني أ ج : فإني ب د ه / / بأمر أ ج د ه : في أمر ب.

(٢) في ضرورة ... سفري أ ب ج د : ـ ه / / دخلت أ ج د ه : أن دخلت ب.

(٣) وتعلقت أ ج د ه : تعلقت ب.

(٤) فيما كنت أرجوه ب : ـ أ ج د ه :/ / أن فرج أ : من أن فرج ب ج د ه.

(٥) فله الفضل سبحانه أ ج د ه : فلله الحمد سبحانه ب.

(٦) يافا أ ج د ه : يافة ب.

(٧) فخبرنا أ ه : فأخبرنا ب : فحدثنا ج ه.

(٨) آداب الزيارة أ ج د ه : القول في آداب الزيارة ب.

(٩) عليه‌السلام أ ج د ه : عليه الصلاة والسلام ب.

(١٠) ويتوب أ ج د ه : وأن يتوب ج ه.

(١١) ورغبة أ ب ج د : ورعبته ه / / في طريقه أ ج ه : في الطريق ب د.

(١٢) سائر أ ج د ه : جميع ب.

(١٣) فيقول أ ج د ه : ثم يقول ب.


لي أبواب رحمتك ، ثم يصلي ركعتين تحية المسجد ، ثم يقصد قبر الخليل (١) ، عليه‌السلام ، فيقف على باب / / حجرته مطرقا رأسه ، ثم يستغفر الله ، ويصلي على محمد (٢) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم يقول : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا رسول الله (٣) ، وأنك عبد الله ورسوله وخليله ، جزاك الله عنا خيرا (٤) كما هو أهله.

ثم يقول : صلوات الله (٥) البر الرحيم والملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين من أهل السموات وأهل الأرض عليك يا أبا الأنبياء يا خليل الله ، وعلى ولدك السيد الكامل ، الفاتح الخاتم ، سيد الأولين والآخرين ، محمد المصطفى ، حبيب الله ، وعلى آلكما وأصحابكما (٦) كما ذكركما الذاكرون ، وغفل عن ذكركما الغافلون ، ثم يدعو بما شاء من خير (٧) الدنيا والآخرة.

ثم يلتفت نحو السيدة سارة ويقول : السلام عليكم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ورحمة الله وبركاته ، ثم يقول (٨) : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣٣) (٩) ، ثم يتوجه إلى قبر السيد إسحاق ، عليه‌السلام ، ويقول : السلام عليك أيها النبي الكريم ورحمة الله وبركاته ويدعو عنده (١٠) ، ثم يلتفت عن شماله ويسلم على زوجته السيدة الجليلة ربقة ويقول : السلام عليكم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ورحمة الله وبركاته ، ثم يمضي بأدب وسكون ويقصد السيد الجليل نبي الله يعقوب ، عليه‌السلام ، ويفعل عنده كما فعل عند أبيه إسحاق ، وكذلك عند زوجته ليقا ، ثم يقصد نبي الله يوسف الصديق ، عليه‌السلام ، ويفعل كما سبق (١١) ، ثم يقصد شباك الخليل (١٢) ، عليه‌السلام ، الذي تجاه قبر سيدنا

__________________

(١) قبر الخليل أ ج د ه : قبر سيدنا إبراهيم الخليل ب.

(٢) محمد أ ج د ه : نبيه محمد ب.

(٣) رسول الله أ د ه : عبده ورسوله ب ج.

(٤) خيرا أ ب ج د : ـ ه.

(٥) الله أ د ه : رب العالمين ب ج.

(٦) وأصحابكما أ ب ج : وصحبكما د ه.

(٧) خير أ ب ج : خيري د ه.

(٨) ثم يقول ب ج د : ـ أ ه.

(٩) الأحزاب : [٣٣].

(١٠) ويدعو عنده أ ج د ه : + بما شاء ب.

(١١) كما سبق أ ج د ه : كما فعل ب.

(١٢) شباك الخليل أ ج د ه : شباك سيدنا إبراهيم الخليل ب / / عليه‌السلام أ د ه : ـ ب ج.


يعقوب ، عليه‌السلام ، ويقف بالقرب منه ثم يسلم (١) ويدعو الله بما شاء فإن الدعاء هناك مستجاب ، ثم يتوجه إلى الله تعالى بجميع أنبيائه خصوصا بسيد الأولين والآخرين ثم يمسح وجهه ، ويمضي مسرورا مقبولا ، إن شاء الله تعالى.

وكل ما ذكره العلماء ، رضي‌الله‌عنهم ، في مناسكهم من آداب (٢) الزيارة في حق النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهو سائغ في حق ، هذا النبي (٣) الكريم خليل الله إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه وعلى أبنائه الأكرمين (٤).

فصل في حكم السور السليماني

هذا البناء المنسوب لسيدنا سليمان ، عليه‌السلام ، المحيط بقبر إبراهيم ، عليه الصلاة والسلام (٥) ، قد صار مسجدا ويثبت له أحكام المساجد.

وقد روي عن ابن عمر (٦)(٧) ، رضي‌الله‌عنهما ، أنه قال : إن آدم ، عليه‌السلام ، رأسه عند الصخرة ورجلاه عند مسجد الخليل (٨) ، عليه‌السلام ، فسماه مسجدا.

وفي رواية : أن قبره في مغارة بين بيت المقدس ومسجد إبراهيم ، رجلاه عند الصخرة ورأسه عند مسجد إبراهيم (٩) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٠) ، وإذا كان مسجدا جاز الدخول إليه ، وسماه السبكى (١١) ، وكتب بخطه في آخر حديث يسمى تحفة أهل

__________________

(١) ثم يسلم ب ج : ويسلم أ د ه.

(٢) آداب أ ب ج ه : أدب د.

(٣) هذا النبي ... الأكرمين أ ب ج د : ـ ه.

(٤) صلوات الله وسلامه أ د ه : اللهم صل عليه ب : صلوات الله عليه وسلامه ج : وعلى أبنائه الأكرمين أ ج : جميع أولاده الأكرمين ب د : ـ ه.

(٥) الصلاة والسلام أ د ه : عليه‌السلام ب ج.

(٦) عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي ، أبو عبد الرحمن المكي ، هاجر مع أبيه وشهد الخندق ، وبيعة الرضوان ، له ألف وستمائة وثلاثون حديثا ، ومات سنة (٧٤ ه‍ / ٦٩٣ م) ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ١١٥ ، ابن الأثير ، أسد الغابة ٣ / ٣٤٠ ؛ ابن العماد ١ / ٨١.

(٧) ابن عمر أ ب ج د : ابن عمرانه ه / / عنهما أ : عنه ب ج : ـ د ه.

(٨) الخليل أ : إبراهيم الخليل ب ج ه : إبراهيم د.

(٩) إبراهيم أ د : إبراهيم الخليل ب ج ه / / صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ : عليه‌السلام ب ج د ه.

(١٠) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٦٩.

(١١) السبكي : قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن الشيخ تقي الدين السبكي ، ولد بالقاهرة سنة ٧٢٨ ه‍ / ١٣٢٧ م ، واشتغل على والده وعلى غيره ، وقرأ على الحافظ المزي ، ولازم الذهبي ، وتخرج به ، ودرس بالمدارس الكبرى ، كالمقريزية والعادلية الكبرى وتوفي شهيدا بالطاعون سنة ٧٧١ ه‍ / ١٣٧٠ م ، ينظر : النعيمي ١ / ٣٧ ـ ٣٨ ؛ ابن حجر العسقلاني ، الدرر ٣ / ٣٩ ؛ ابن العماد


الحديث (١) في سماعه على الشيخ برهان الدين الجعبري ، وذكر جماعة سمعوه (٢) معه بالحرم ، ثم قال : وصح وثبت في يوم السبت ثامن عشر صفر لسنة (٣) ثمان وسبعمائة بحرم الخليل ، عليه‌السلام ، وأطلق على المسجد المذكور حرما ، وكلامه صريح في أنه دخله هو والشيخ برهان الدين الجعبري (٤) والسامعون معه ، فدل على جواز دخوله ، وعمل الناس اليوم على دخوله وزيارة (٥) القبور الشريفة والوقوف عند الإشارات التي عليها وصلاة الجماعات والجمعات (٦) هناك ، فإنه بني فيه محراب شريف ، ووضع إلى جانبه منبر ، وقد مضى على ذلك أزمنة متطاولة ، والعلماء وأعيان الإسلام (٧) مطلعون على ذلك ، وقد أقره الخلفاء وملوك الإسلام ولم ينكره منكر ، فصار كالإجماع.

وإذا تقرر هذا يثبت (٨) له أحكام المساجد من جواز الاعتكاف فيه ، وتحريم المكث على الحائض والجنب فيه ، وفعل التحية ، ولا يقال إنه مقبرة ، فإن الأنبياء الذين فيه ، صلوات الله سلامه عليهم ، أحياء في قبورهم ، وأما النساء فعلى خلاف فيه ، والله أعلم.

ذكر ذرعه طولا وعرضا

وهذا المقام الكريم الذي هو دخل السور السليماني ، طوله في سعته قبلة بشام (٩) من صدر المحراب الذي عند المنبر إلى صدر المشهد الذي به ضريح سيدنا يعقوب ، عليه‌السلام ، ثمانون ذراعا بذراع العمل (١٠) ينقص يسيرا نحو نصف ذراع

__________________

٦ / ٢٢١ ؛ الزركلي ٤ / ١٨٤.

(١) الحديث أ ب ج ه : حديثي د.

(٢) سمعوه أ ب ج ه : سمعوا معه د.

(٣) لسنة أ : سنة ب ج د ه.

(٤) برهان الدين الجعبري : برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل المقري الجعبري الخليلي الشافعي ، وكان يقال له شيخ الخليل ، ولد بجعبر في شدود سنة أربعين وستمائة ، ثم قدم دمشق ، ثم رحل إلى بلد الخليل ، عليه‌السلام ، وصنف نزهة البررة في قراءة الأئمة العشرة ، وشرح الشاطبية ، وله الكثير من المصنفات التي تقارب المائة ، ولي مشيخة الخليل إلى أن توفي عام ٧٣٢ ه‍ / ١٣٣١ م ، ينظر : العليمي ٢ / ١٥٣ ؛ ابن العماد ٦ / ٩٨ ؛ البغدادي ، هدية ٥ / ١٥.

(٥) وزيارة أ د ه : وزيارتهم ب : وزيارته ج.

(٦) الجماعات والجمعات أ ج ه : الجماعة والجماعات ب : ـ د / / بني فيه أ ب ج ه : ـ د.

(٧) وأعيان الإسلام أ : وأئمة الإسلام ب ج د ه.

(٨) يثبت أ : ثبتت ب : ثبت ج د ه.

(٩) بشام أ ج د ه : بشمال ب.

(١٠) ذراع العمل : وهو الذراع الذي يستخدم لقياس البناء ، ويعادل ثلاثة أشبار بشبر رجل معتدل ، ويساوي


أو ثلثي ذراع تقريبا ، / / وعرضه شرقا بغرب من السور الذي به باب الدخول إلى صدر الرواق (١) الغربي الذي به شباك يتوصل منه إلى ضريح سيدنا يوسف ، عليه‌السلام ، أحد وأربعون ذراعا ، ويزيد على ذلك يسيرا نحو ثلث ذراع أو نصف ذراع تقريبا بذراع العمل المذكور ، وهو الذي تذرع به الأبنية في عصرنا (٢) ، وسمك السور ثلاثة أذرع ونصف من جانب ، وعدد (٣) مداميكه في البناء خمسة عشر مدماكا من الأماكن وهو الذي عند باب القلعة من جهة الغرب إلى القبلة ، وارتفاع البناء عن الأرض من البناء المذكور ستة (٤) وعشرون ذراعا بذراع العمل غير البناء الرومي الذي فوق السليماني ، ومن حملة الأحجار بالبناء السليماني حجر عند مكان الطبلخانة (٥) ، طوله أحد عشر ذراعا بالعمل ، وعرض كل مدماك (٦) من البناء السليماني نحو ذراع وثلثي ذراع بالعمل (٧) ، وعلى السور المذكور منارتان إحداهما من جهة (٨) الشرق مما يلي القبلة ، والثانية من جهة الغرب مما يلي الشمال ، وبناؤهما في غاية اللطف.

وأما صفة البناء الموجود بداخل السور على ما هو عليه في عصرنا وقد صار مسجدا ، كما تقدم القول فيه ، فهو يشتمل على بناء معقود من داخل السور على نحو النصف من جهة القبلة إلى جهة الشمال ، والبناء من عهد الروم وهو ثلاثة أكوار (٩) : الأوسط منها مرتفع عن الكورين (١٠) الملاصقين له من جهتي (١١) المشرق والمغرب ، والسقف مرتفع على أربعة أسوار محكمة البناء وبصدد هذا البناء المعقود

__________________

٧٥ سم ، ينظر : القلقشندي ، صبح ٣ / ٤٤٣ ؛ هنتز ٨٩.

(١) الرواق : سقف في مقدمة البيت أو ممر محصور بين جدار مبني وعقود تقوم على أعمدة ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١٠ / ١٣٢ ؛ غالب ٢٠٧.

(٢) عصرنا أ د ه : عصرنا هذا ب : عصرنا به ج.

(٣) وعدد أ : وعدة ب ج د ه.

(٤) ستة أ ج د ه : ست ب.

(٥) الطبلخاناة : جمعها طبلخانات ، وتطلق على جماعة من الأمراء يؤدون الزفة على باب السلطان ، والمقصود هنا مكان عمل الدشيشة ، ينظر : القلقشندي ، صبح ٤ / ١٦ ؛ المقريزي ، الخطط ٢ / ٢١٣ ؛ الحسيني ٤٥٣ ؛ عطا الله ١٣٣.

(٦) وعرض كل مدماك ... بالعمل أ ب ج ه : ـ د.

(٧) بالعمل أ ج د ه : بالعملي ب.

(٨) جهة أ ج د ه : ـ ب.

(٩) كوّر الشيء : جعله على شكل الاستدارة ، ينظر : ابن منظور ٣ / ١١٨ ؛ المعجم الوسيط ٢ / ٨٤ ؛ غالب ٢٣٨.

(١٠) عن الكورين ... والسقف أ ب ج د : ـ ه.

(١١) جهتي أ د : جهة ب ج : ـ ه.


تحت الكور الأعلى المحراب وإلى جانبه المنبر ، وهو من الخشب وهو في غاية الإتقان والحسن ، وهذا المنبر عمل في زمن (١) المستنصر بالله أبي تميم معد الفاطمي (٢) ، خليفة مصر بأمر بدر الجمالي (٣) ، مدبر دولته برسم مشهد عسقلان (٤) ، الذي زعمت الفاطمية أن به رأس الحسين بن علي بن أبي طالب (٥) ، رضي‌الله‌عنهما.

وكان عمل المنبر في شهور سنة أربع وثمانية وأربعمائة (٦) وعليه تاريخ عمله مكتوب (٧) بالكوفي ، والظاهر أن الذي نقله ووضعه بمسجد الخليل ، عليه‌السلام ، الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ، رحمه الله ، لما هدم عسقلان ، وهذا المنبر موجود إلى عصرنا هذا ، ويقابله دكة المؤذنين على عمد من رخام في غاية الحسن ، والرخام مستدير على حيطان المسجد من الجهات الأربع وهو من عمارة تنكز (٨) ، نائب الشام في سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون (٩)

__________________

(١) زمن أ ج : زمان ب د ه.

(٢) المستنصر بالله الفاطمي : معد بن علي ابن الحاكم بأمر الله أبو تميم من خلفاء الدولة الفاطمية بمصر ، بويع وهو طفل بعد موت أبيه سنة ٤٢٧ ه‍ / ١٠٣٥ م ، واستمر في الخلافة إلى أن توفي سنة ٤٨٧ ه‍ / ١٠٩٤ م ، ينظر : ابن خلكان ٥ / ٢٢٩ ؛ ابن العماد ٥ / ٣٧٦ ؛ الزركلي ٧ / ٢٦٦.

(٣) بدر الجمالي : بدر بن عبد الجمالي ، أبو النجم ، أمير الجيوش المصرية ووالد الملك الأفضل شاهنشاه ، ولي إمارة دمشق للمستنصر صاحب مصر سنة ٤٥٥ ه‍ / ١٠٦٣ م ، وتقلد وزارة السيف والقلم وأصبح الحاكم الفعلي زمن المستنصر ، توفي في القاهرة عام ٤٨٧ ه‍ / ١٠٩٤ م ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٨ / ١٧٢ ؛ ابن العماد ٥ / ٣٧٩ ؛ الزركلي ٢ / ٤٥.

(٤) عسقلان : مدينة شامية على الساحل الفلسطيني ، تشرف على البحر المتوسط بين غزة وبيت جبرين ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ٩٤٠.

(٥) الحسين بن علي بن أبي طالب : ولد في شعبان سنة أربع من الهجرة وله من الولد علي الأكبر ، وعلي الأصغر والعقب وجعفر وفاطمة وسكينة ، قتل الحسين بن علي يوم الجمعة الذي صادف يوم عاشوراء في محرم سنة إحدى وستين هجرية ، وهو ابن ست وخمسين سنة وخمسة أشهر وقيل كان ابن ثمان وخمسين ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٤٠٣ ـ ٤٠٤ ؛ ابن قتيبة ، المعارف ١٢٤ ؛ ابن الجوزي ، صفوة ١ / ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

(٦) ٤٨٤ ه‍ / ١٠٩١ م.

(٧) مكتوب ب ج د ه : ـ أ.

(٨) تنكز : تنكز الناصري نائب الشام له مآثر خير في المسجد الأقصى وحوله ، بنى المدرسة النكزية وأوصل المياه إلى المسجد الأقصى ، وعمل البركة الرخام بين الصخرة والأقصى ، وله حمام بباب القطانين ، توفي مسموما بالإسكندرية سنة ٧٤١ ه‍ / ١٣٤٠ م ، ينظر : ابن الوردي ٢ / ٤٦٦ ؛ الكتبي ١ / ٢٥١ ؛ ابن حجر ، الدرر ٢ / ٥٥ ؛ المقريزي ، السلوك ٣ / ٢٩١ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٩ / ١١٦.

(٩) الناصر محمد بن قلاوون : ناصر الدين أبو الفتح محمد بن الملك المنصور قلاوون مولده سنة ٦٨٤ ه‍ / ١٢٨٥ م ، استقر في السلطنة ثلاث مرات وكانت مدة ملكه ثلاثا وأربعين سنة في ولاياته


في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة.

والقبور الشريفة بداخل السور من تحت البناء المذكور قبر سيدنا إسحاق ، عليه‌السلام ، إلى جانب السارية التي عند المنبر ويقابله قبر زوجته ربقة إلى جانب السارية الشرقية. وهذا البناء له ثلاثة أبواب تنتهي إلى صحن المسجد أحدهما وهو (١) الأوسط ينتهي إلى الحضرة الشريفة الخليلية ، وهي مكان معقود والرخام مستدير على حيطانه (٢) الأربعة به إلى جهة الغرب الحجرة الشريفة التي بداخلها القبر المنسوب لسيدنا إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام (٣) ، ويقابله من جهة الشرق قبر زوجته سارة ، والباب الثاني من جهة الشرق عند باب السور السليماني خلف قبر سارة ، والباب الثالث من جهة الغرب خلف قبر إبراهيم ، عليه‌السلام.

وإلى جانبه محراب المالكية وينتهي هذا الباب إلى الرواق ، وفتح هذا الباب (٤) ، وعمر محراب المالكية الأمير شهاب الدين اليغموري (٥) ، ناظر الحرمين الشريفين (٦) ونائب السلطنة في دولة الملك الظاهر برقوق (٧) ، وفتح الشباك بالسور السليماني المتوصل منه إلى مقام السيد (٨) يوسف الصديق ، وعمر الأروقة مكان القلال التي كانت هناك ورتب قراءة سبع ، وشيخا لقراءة البخاري (٩) ومسلم (١٠) في

__________________

الثلاث ، وتوفي في ذي الحجة سنة ٧٤١ ه‍ / ١٣٤٠ م ، ينظر : ابن تغري بردي ، النجوم ٨ / ٣٥ ؛ العليمي ٢ / ٩٣.

(١) وهو أ ج د ه : وهي ب.

(٢) حيطانه أ ب ج د : حيطانها ه.

(٣) عليه‌السلام أ د ه : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ج : ـ ب.

(٤) وفتح هذا الباب أ ب : وهذا الباب فتحه ج ه : ـ د.

(٥) شهاب الدين اليغموري : شهاب الدين أحمد بن اليغموري ناظر الحرمين الشريفين ونائب السلطنة بالقدس الشريف وبلد الخليل ، أبطل المكوس والمظالم والرسوم التي أحدثها النواب قبله بالقدس الشريف ، ينظر : العليمي ٢ / ٩٥.

(٦) الشريفين أ ب ج ه : ـ د.

(٧) الظاهر برقوق : هو برقوق بن أنص العثماني ، أبو سعيد ، سيف الدين ، الملك الظاهر ، أول من ملك مصر من الشراكسة ، استمر في السلطنة وخلع ثم أعيد سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ، توفي سنة ٨٠١ ه‍ / ١٤١٢ م ، ينظر : المقريزي ، السلوك ٥ / ٤٢٧ ـ ٤٤٣ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٩ / ٣٥٦ ؛ السخاوي ، الضوء ٦ / ١٦٨ ؛ ابن العماد ١ / ١١٢.

(٨) السيد أ ب ج : ـ د ه.

(٩) أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرية الجعفي ، روى عن الإمام أحمد وإبراهيم بن المنذر ، وابن المديني ، وروى عنه مسلم والترمذي وابن أبي الدنيا وله مصنفات أشهرها : الجامع الصحيح ، التاريخ الكبير ، الأدب المفرد ، ينظر : ابن النديم ٢٨٢ ؛ السبكي ٢ / ٢١٢.

(١٠) محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري القرشي ، أبو بكر ، أول من دوّن الحديث ، أحد كبار


الأشهر الثلاثة ، وذلك في شهر (١) رمضان سنة ست وتسعين وسبعمائة (٢) ، وبآخر الساحة (٣) التي بداخل السور السليماني من جهة الشمال الضريح المنسوب لسيدنا يعقوب ، عليه‌السلام (٤) ، وهو من جهة الغرب بحذاء قبر إبراهيم (٥) ، عليه‌السلام ، ويقابله من جهة الشرق قبر زوجته ليقا.

وصحن المسجد المكشوف تحت السماء بين مقام الخليل ومقام يعقوب ، عليهما‌السلام ، والقباب المبنية على الأضرحة المنسوبة للخليل وزوجته سارة ويعقوب وزوجته ليقا ، أخبرت أنهما من بناء بني أمية ، وجميع الأرض / / التي بداخل السور مما هو تحت السقف وبالساحة السماوية مفروشة بالبلاط السليماني الذي رؤيته من العجائب لكبره وهيئته ، وبجوار قبر الخليل ، عليه‌السلام ، من داخل البناء المعقود سفل الأرض مغارة تعرف بالسرداب (٦) بداخلها باب لطيف ينتهي إلى المنبر ، وقد نزل إليه بعض الخدام من مدة قريبة نحو السنة بسبب أوجب ذلك ، وهو أن شخصا معتوها من الفقراء سقط فيه ، فنزل إليه جماعة من الخدام ، ودخلوا من هذا الباب ، فانتهى بهم الحال إلى المنبر تحت القبة التي على عمد من رخام (٧) بجوار بيت الخطابة. وأخبرني من نزل (٨) هناك ، أنه عاين سلما من حجر عدته خمس عشرة درجة ، مبني عند آخر هذا المغارة من جهة القبلة ، وقد سد بالبناء من آخره ، والظاهر (٩) أن هذا الباب كان عند المنبر يتوصل منه إلى السرداب.

وبظاهر السور السليماني من جهة الشرق مسجد في غاية الحسن وبين هذا المسجد والسور السليماين الدهليز (١٠)(١١) ، وهو معقود مستطيل عليه الأبهة

__________________

الحفاظ الفقهاء ، وهو تابعي توفي سنة ١٢٤ ه‍ / ٧٤١ م ، ينظر : ابن النديم ٢٨٢ ؛ الأصفهاني ، حلية ٣ / ٣٦٠ ؛ الذهبي ، سير ٥ / ٣٢٦.

(١) شهر أ ب ج ه : ـ د.

(٢) ٧٩٦ ه‍ / ١٣٩٣ م.

(٣) الساحة ... الشمال أ ب ج د : ـ ه.

(٤) عليه‌السلام أ ج د ه : ـ ب.

(٥) إبراهيم أ ج د ه : + الخليل ب.

(٦) بالسرداب أ ج د ه : بالسرداب ب.

(٧) من رخام أ د ه : الرخام بج.

(٨) من نزل أ ج د ه : الذي نزل ب / / هناك أ ج د ه : ـ ب / / خمس عشرة : خمسة عشر أ ب ج د ه.

(٩) والظاهر أ د : فالظاهر ب ج : ظاهر ه.

(١٠) الدهليز : المدخل بين الباب والدار ، وهو ممر تحت الأرض يصل البناء الخارجي بالصحن الداخلي ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٢ / ٣٤٩ ؛ غالب ١٩٠.

(١١) وبين هذا المسجد والسور السليماني أ ج د ه : وبين السور السليماني وهذا المسجد ب.


والوقار ، والذي عمر المسجد والدهليز (١) الأمير أبو السعيد سنجر الجاولي (٢) ناظر الحرمين الشريفين ونائب السلطنة ، فعرف هذا المسجد بالجاولية ، وهو من العجائب قطع في جبل ، ويقال : إنه كان مقبرة يهود على هذا الجبل فقطعه الجاولي وجوفه وبنى السقف عليه والقبة ، وهو مرتفع على اثنتي (٣) عشرة سارية قائمة في وسطه ، وفرش أرض المسجد وحيطانه وسواريه بالرخام ، وعمل شبابيك حديد على آخره من جهة الغرب ، وهذا المسجد طوله قبلة (٤) بشام ثلاثة وأربعون ذراعا ، وعرضه شرقا بغرب خمسة وعشرون ذراعا بذراع العمل ، وكان الابتداء في عمارة هذا المسجد في ربيع الآخر سنة ثماني عشرة ، وانتهت العمارة في ربيع الآخر سنة عشرين وسبعمائة (٥) في دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون ، ومكتوب في حائطه أن سنجر عمر ذلك من خالص ماله لم ينفق عليه شيئا من مال الحرمين الشريفين ، رحمه الله تعالى (٦).

وبجوار المسجد الجاولي من جهة القبلة المطبخ الذي يعمل به الجريشة (٧) للمجاورين والواردين وعلى باب المطبخ تدق الطبلخانات في كل يوم بعد العصر عند تفرقة السماط الكريم.

وهذا السماط من عجائب الدنيا يأكل منه أهل البلد والواردين (٨) ، وهو خبز يعمل في كل يوم ، ويفرق في ثلاثة أوقات بكرة النهار وبعد الظهر لأهل المدينة وبعد العصر تفرقة عامة لأهل البلد ، والواردين ، ومقدار ما يمل فيه من الخبز كل يوم أربعة عشر ألف رغيف ، ويبلغ إلى خمسة عشر ألف رغيف في بعض الأوقات (٩).

وأما سعة وقفه : فلا تكاد تنضبط ، ولا يمتنع من سماطه الكريم (١٠) أحد لا

__________________

(١) المسجد والدهليز أ ج د ه : الدهليز والمسجد ب.

(٢) أبو سعيد سنجر الجاولي : الأمير علم الدين الجاولي كان نائبا للشوبك ، ثم نقل منها وجعل أميرا ثم نائبا وولي بلد الخليل والقدس ونابلس وقافون والرملة وهو الذي عمر الجامع في بلد الخليل وعمر حماما ومدرسة وجامعا في غزة وتوفي سنة ٧٤٥ ه‍ / ١٣٤٤ م ، ينظر : الصفدي ١٥ / ٤٨٣ ؛ ابن العماد ٦ / ١٤٢ ؛ عطا الله : ٢٨٠ ـ ٢٨٣.

(٣) اثنتي أ ج د ه : اثني ب.

(٤) قبلة أ ج د ه : من القبلة ب.

(٥) ٧٣٠ ه‍ / ١٣٢٠ م.

(٦) رحمه الله تعالى أ ج د ه : ـ ب.

(٧) الجريشة أ د : الدشيشة ب ه : الجشيشة ج / / الطبلخانات أ ه : الطبلخانة ب ج د.

(٨) والواردين أ ج ه : والواردون ب د / / وهو خبز ... والواردين أ ب ج د : ـ ه.

(٩) في بعض الأوقات أ ج د ه : + إذا كان عندهم زائر ب.

(١٠) ولا يمتنع من سماطه الكريم أ د : وأما سماطه الكريم فإنه لا يمنع منه ب ه : ولا يمنع سماطه


من الأغنياء ولا من الفقراء.

وأما السبب في دق الطبلخانة في كل يوم عند تفرقة السماط بعد العصر فيقال : أن الأصل في ذلك أن سيدنا إبراهيم الخليل (١) ، عليه‌السلام ، كان لما يأتي إليه الضيوف (٢) ، ويصنع لهم ما يأكلونه ويكونون جماعة متفرقين في المنازل التي أنزلهم فيها ، فإذا قصد إطعامهم دق الطبل لإعلامهم (٣) أنه هيأ لهم ما يأكلونه ليجتمعوا ، فإذا سمعوا بادروا واجتمعوا لأكل سماطه الكريم (٤) ، فصارت سنة بعده تعمل في كل يوم عند تفرقة السماط بحضرته الشريفة ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥) ، وعلى باب المسجد الذي تدق عنده الطبلخانات (٦) المكان الذي يصنع فيه السماط من الأفران والطواحين ، وهو مكان متسع يشتمل على ثلاثة أفران وستة أحجار للطحن ، وخلف (٧) هذا المكان الحاصل التي يوضع فيها القمح والشعير ورؤية هذا المكان علوا وسفلا (٨) من العجائب فإنه يدخل إليه بالقمح فلا يخرج منه إلا وقد صار خبزا.

وأما الاهتمام بعمل سمطاه وكثرة (٩) الرجال في تعاطي أسبابه من طحن القمح وعجنه وخبزه وتجهيز آلاته (١٠) من الحطب وغيره والاعتناء بأمره ، فذلك من العجائب لا يكاد يوجد مثل ذلك عند ملوك الأرض ، ولا يستكثر مثل ذلك في معجزات هذا / / النبي الكريم ، عليه (١١) أفضل الصلاة والتسليم (١٢).

ذكر إسحاق عليه‌السلام

هو إسحاق بن إبراهيم (١٣) خليل الرحمن النبي بن النبي بن النبيين ، صلوات

__________________

الكريم ج.

(١) الخليل أ ج د ه : ـ ب.

(٢) كان لما يأتي إليه الضيوف أ ج ه : لما كانت تأتيه الضيوف ب : كان لما يأتي إليه الأعيان د.

(٣) لإعلامهم أ ج د ه : ليعلموا ب / / ما يأكلونه أ د ه : الطعام ب ج / / ليجتمعوا أ ج د ه : ـ ب.

(٤) الكريم أ ج د ه : ـ ب / / عند تفرقة ـ ب ج د ه : تفرقة أ.

(٥) صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د : صلى الله على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين ه : ـ ب.

(٦) الطبلخانات أ ه : الطبلخانة ب ج د / / السماط أ ج د ه : خبز السماط ب.

(٧) وخلف أ : وعلو ب ج د ه.

(٨) علوا وسفلا أ ب ج د : من العلو والسفل ه.

(٩) وكثرة أ : من كثرة ب ج د : من كثيرة ه.

(١٠) آلاته أ ب ج د : آلته ه.

(١١) عليه أ ج د : + أفضل ب ه.

(١٢) والتسليم أ د ه : والسلام ب ج.

(١٣) إبراهيم أ ج د ه : ـ ب.


الله وسلامه عليهم أجمعين ، وأمه سارة حملت به في الليلة التي خسف الله تعالى بقوم لوط فيها ، وولدته ولها من العمر تسعون سنة ، ومن ولده الروم واليونان والأرمن ومن يجري مجراهم بنو إسرائيل. وكان إبراهيم ، صلوات الله عليه (١) ، يضيف من نزل به ، وقد أوسع الله تعالى عليه وبسط له في (٢) الرزق والخدم.

فلما (٣) أراد الله هلاك قوم لوط ، أمر رسله من الملائكة أن ينزلوا بإبراهيم ، فيبشروه (٤) هو وسارة بإسحاق ومن وراء إسحاق بعقوب ، فلما نزلوا على إبراهيم ، عليه‌السلام ، كان الضيف قد حبس عنه خمسة عشر يوما حتى شق ذلك عليه ، وكان لا يأكل إلا مع الضيف ما أمكنه ، فلما رآهم على صورة الرجال سرّ بهم ، ورأى أضيافا لم يضفه مثلهم حسنا وجمالا. فقال : لا يخدم هؤلاء القوم إلا أنا ، فخرج إلى أهله فجاء بعجل سمين حنيذ (٥) ، وهو المشوي بالحجارة ، فلما رأى أيديهم لا تصل إلى العجل أنكرهم وأوجس منهم خيفة ، وذلك أنهم كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم (٦) يأكل من طعامهم ، ظنوا أنه لم يأت (٧) بخير وإنما جاء بشر ، قالوا : لا تخف يا إبراهيم إنا ملائكة الله تعالى ، أرسلنا إلى قوم لوط ، وامرأته (٨) سارة قائمة من وراء الستر تسمع كلامهم ، وإبراهيم جالس معهم ، فضحكت لزوال الخوف عنها وعن إبراهيم (٩) حين قالوا (١٠) : لا تخف ، وقيل : فضحكت بالبشارة.

وقال ابن عباس ووهب : فضحكت تعجبا من أن يكون (١١) لها ولد على كبر سنها وسن زوجها وعلى هذا القول تكون الآية على التقديم والتأخير تقديره : (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (٧١) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً)(١٢) ، وكان سن إبراهيم ، عليه‌السلام ، مائة وعشرين سنة ،

__________________

(١) صلوات الله عليه أ د ه : عليه‌السلام ب ج.

(٢) في أ ج د ه : من ب.

(٣) فلما أ ج د ه : ولما ب.

(٤) فيبشروه أ ج د ه : ويبشروه ب.

(٥) حنيذ أ ج د : حينئذ ب ه.

(٦) فلم أ ج د ه : ولم ب.

(٧) يأت أ ج د : يأتهم ب : يأتي ه / / جاء أ ج د ه : جاءهم ب.

(٨) وامرأته أ ج د ه : وكانت امرأته ب.

(٩) عنها وعن إبراهيم أ ج د ه : عنهما ب.

(١٠) قالوا أ ج د ه : + لإبراهيم ب / / فضحكت أ ج د ه : ضحكت ب.

(١١) من أن يكون أ ب ج ه : ـ د.

(١٢) هود : [٧١].


وفي قول ابن إسحاق (١) : (إن هذا الشيء عجيب ـ قالوا : يعني الملائكة ـ أتعجبين من أمر الله ، رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ، إنه حميد مجيد).

وسنذكر ما تكلم به إبراهيم ، عليه‌السلام ، في أمر قوم لوط عند ذكره ، عليه‌السلام.

ثم إن إسحاق (٢) تزوج بنت عمه ربقة بنت بتويل ، عليه‌السلام ، وكان إسحاق ضريرا ، فولدت (٣) له العيص ويعقوب ولم يمت إبراهيم ، عليه‌السلام ، حتى بعث الله إسحاق ، عليه‌السلام ، إلى أرض الشام ، وبعث يعقوب إلى أرض كنعان ، وإسماعيل إلى جرهم ، ولوطا إلى سدوم ، وكانوا (٤) أنبياء على عهد إبراهيم ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وعاش إسحاق (٥) مائة سنة وثمانين سنة ومات بالأرض المقدسة ، ودفن عند أبيه إبراهيم ، عليهما‌السلام.

ذكر يعقوب عليه‌السلام

هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم النبي بن النبي أبو (٦) الأنبياء ، صلوات الله وسلامه عليهم (٧) ، وهو الذي يسمى إسرائيل ، قيل : معناه صفوة الله ، وهو أخ (٨) العيص ، وسمي يعقوب لأنه كان هو والعيص توأمين ، فخرج من بطن أمه آخذا بعقب أخيه العيص ، قيل : وفيه نظر لأن هذا الاشتقاق (٩) عربي ويعقوب اسم أعجمي (١٠).

وكان مولده بعد مضي ستين سنة من عمر أبيه إسحاق ، ورزق يعقوب من

__________________

(١) محمد بن إسحاق بن يسار : صاحب المغازي ، القرشي المطلبي ، أحد الأئمة ، روى عن أبيه وأبان بن عثمان وجعفر الصادق والزهري وعطاء ، وروى عنه شعبة ويحيى الأنصاري وغيرهم ، وثقه ابن معين مرة وضعفه أخرى ، قال أحمد : حسن الحديث ، مات سنة ١٥١ ه‍ / ٧٦٨ م ، ينظر : ابن النديم : ١٢١ ؛ السيوطي ، طبقات ٧٥ ـ ٧٦ ؛ ابن العماد ١ / ٢٣٠.

(٢) إسحاق أ ج ه : عليه‌السلام ب د / / بتويل أ ج د ه الثعلبي : تنويل ب : بتوئيل التوراة.

(٣) فولدت أ ج د ه : وولدت ب.

(٤) وكانوا أ : فكانوا كلهم ب ج د ه.

(٥) وعاش إسحاق ... إبراهيم عليه‌السلام أ ب ج د : ـ ه.

(٦) أبو أ ج د ه : أبي ب.

(٧) عليهم أ د : + أجمعين ب ج ه / / وهو الذي أ ب ج د : ـ ه.

(٨) وهو أخ أ ج د ه : وهو أخو ب.

(٩) الاشتقاق ب ه : اشتقاق أ ج د.

(١٠) أعجمي أ ب : عجمي ج د ه.


زوجته ليقة (١) روبيل ، وهو أكبر أولاده ، ثم شمعون ولاوي ويهودا ، ثم تزوج أختها راحيل (٢) فرزق منها يوسف وبنيامين وولد له من سريتين ستة أولاد. فكان بنو يعقوب اثني عشر رجلا ، وهم الأسباط الإثنا (٣) عشر ، وهم : روبيل وشمعون ولاوي ويهودا ويسافر وزيلون ويوسف وبنيامين ودان ونفتالي (٤) وكاد وأشر.

وسموا بالأسباط لأنه ولد لكل منهم جماعة ، وعاش لاوي بن يعقوب مائة وسبعا وثلاثين سنة ، وولد له فاهت وعاش مائة وسبعا وعشرين سنة ، ثم ولد لفاهت عمران وعاش مائة وستا وثلاثين سنة ، ثم ولد لعمران موسى ، عليه‌السلام (٥) ، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

وعاش يعقوب مائة وسبعا وأربعين سنة ، ومات بمصر ، وأوصى بأن يحمل إلى الأرض المقدسة ، ويدفن عند أبيه / / وجده ، فحمله ابنه يوسف ودفنه عندهما ، وسنذكر ذلك في قصة ولده يوسف ، إن شاء الله تعالى.

وتقدم ذكر الخلاف في أن يعقوب ، عليه‌السلام (٦) ، أول من بنى مسجد بيت المقدس ، وأري (٧) موضعه بوحي من الله تعالى ، وتقدم لفظ الأثر الوارد في ذلك ، ونقل بلفظ آخر غير المتقدم وهو : أن والده إسحاق أوصى (٨) إليه أن لا ينكح امرأة من الكنعانيين ، وأن ينكح من بنات خاله ـ وكان مسكن يعقوب ، عليه‌السلام ، القدس ـ فتوجه إلى خاله ، وأدركه (٩) الليل في بعض الطريق ، وبات (١٠) متوسدا حجرا ، فرأى فيما يرى النائم : أن سلما منصوبا إلى باب (١١) من أبواب السماء عند رأسه والملائكة تنزل فيه وتعرج منه ، فأوحى الله إليه أني إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسحاق (١٢) ، وقدر ورثك هذه الأرض المقدسة لك ولذريتك من بعدك ، وباركت

__________________

(١) ليقة أ د ه : ليا ب ج : ليئة التوراة.

(٢) أختها راحيل أ ب ج ه : ـ ب.

(٣) الاثنا ب ج د ه : الاثني أ.

(٤) ونفتالي أ ب ج د : ومعتالي ه : نفتالي التوراة.

(٥) عليه‌السلام أ د ه : ـ ب ج.

(٦) عليه‌السلام أ د ه : ـ ب ج.

(٧) وأري أ ب ج ه : ـ د.

(٨) ينظر : التكوين ٢٨ : ١ ـ ٢٢.

(٩) وأدركه أ : فأدركه ب ج د ه.

(١٠) وبات أ : فبات ب ج د ه.

(١١) إلى باب أ ب ج د : ـ ه.

(١٢) إسحاق أ ب ج ه : ـ د.


فيك وفيهم وجعلت لكم الكتاب والحكم والنبوة ، ثم أنا معك أحفظك حتى أردك إلى هذا المكان ، فأجعله بيتا تعبدني فيه أنت وذريتك (١) ، وقد حكى الحافظ أبو محمد (٢) هذا الأثر (٣) المتقدم قبله ، وليس في أحدهما ما ينافي الآخر سوى اختلاف في بعض اللفظ.

ذكر يوسف عليه‌السلام (٤)

هو يوسف الصديق بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، فهو نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله وخليله ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ولد يوسف ، عليه‌السلام ، لما كان ليعقوب إحدى وتسعون سنة.

ولما كان (٥) يوسف ثماني عشرة سنة ، كان فراقه ليعقوب وبقيا مفترقين (٦) إحدى وعشرين سنة ، ثم اجتمع يعقوب بيوسف في مصر وليعقوب من العمر (٧) مائة وثلاثون سنة ، وبقيا مجتمعين سبع عشرة سنة ، وقيل غير ذلك.

وسبب فراقه (٨) عن أبيه حسد إخوته ، فألقوه في الجب كما أخبر الله تعالى في كتابه العزيز ، واختلف في الجب فقال قتادة : هو في بيت المقدس ، وقال وهب : بأرض (٩) الأردن ، وقال مقاتل : هو على بعد ثلاثة فراسخ من منزل أبيه (١٠) يعقوب.

وكان بالجب ماء وبه صخرة فآوى إليها ، وأقام في الجب ثلاثة أيام ، فمرت به

__________________

(١) هذا النص من الإسرائيليات بل هو نص توراتي ذكر في سفر التكوين «فخرج يعقوب من بئر سبع وذهب حاران وصادف مكانا وبات هناك لأن الشمس كانت قد غابت ، وأخذ من حجارة المكان ووضعه تحت رأسه فاضطجع في ذلك المكان ورأى حلما وإذا سلم منصوبة على الأرض ورأسها يصل السماء وملائكة الله صاعدة ونازلة عليها وهو ذا الرب واقف عليها فقال : أنا الرب إله إبراهيم أبيك ، وإله إسحاق ، الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك». ينظر : الكتاب المقدس ، التكوين : ١٢ ـ ١٥.

(٢) أي ابن عساكر.

(٣) الأثر أ : + والأثر ب : + والمتقدم ج د ه.

(٤) عليه‌السلام أ ب ج د : عليه الصلاة والسلام ه.

(٥) ولما كان أ ج ه : ولما صار ب د / / ثماني عشرة ج د ه : ثمانية عشر أ ب / / كان أ : صار ب ج د ه / / ليعقوب أ ج د ه : + من العمر ب.

(٦) مفترقين أ ه : متفرقين ب ج د.

(٧) من العمر أ ب ج د : ـ ه / / سبع عشرة ج د ه : سبعة عشر أ ب.

(٨) فراقه أ ب ج د : ـ ه.

(٩) بأرض أ د ه : في أرض ب ج / / بعد أ د ه : ـ ب ج.

(١٠) ينظر : الثعلبي ٦٧ ؛ المقدسي ، مثير ٢٧٢.


السيارة فأخرجته (١) ، وأخذوه ، فجاء أخوه يهودا إلى الجب بطعام ليوسف ، فلم يجده في الجب ورآه عند تلك السيارة ، فأخبر يهودا بقية إخوته ، بذلك ، فأتوا السيارة وقالوا : هذا عبدنا أبق منا ، فاشتروه من أخوته بثمن بخس ، قيل : عشرون درهما ، وقيل : أربعون درهما ، ثم ذهبوا به إلى مصر ، فباعوه (٢) لأستاذهم الذي على خزائن مصر واسمه العزيز.

وكان فرعون مصر حين ذلك الريان بن الوليد رجلا من العماليق ، والعماليق من ولد (٣) عملاق بن سام بن نوح ، فهويته امرأته راعيل ، وراودته عن نفسها ، فأبى وهرب ، فلحقته من خلفه ، وأمسكته بقميصه فانقد ، ووصل أمرها (٤) إلى زوجها العزيز وابن عمها بتحقيق وبيان ، فظهر لهما براءة يوسف ، ثم بعد ذلك ما زالت تشكو إلى زوجها وتقول إنه يقول للناس : أني راودته عن نفسه وفضحني ، فحبسه زوجها سبع سنين ، ثم أخرجه (٥) فرعون مصر بسبب تعبير الرؤيا التي رآها.

ثم مات العزيز فجعل (٦) فرعون يوسف موضعه على خزائنه ، وجعل القضاء إليه ، ودعا (٧) يوسف الريان فرعون مصر إلى الإيمان ، فآمن به. وبقي كذلك إلى أن مات الريان ، وملك بعده مصر قابوس بن مصعب من العمالقة أيضا ولم يؤمن.

وكان يوسف إذ سار في أزقة (٨) مصر يتلألأ نور وجهه على الجدران ، وكان من صفته ، عليه‌السلام ، أنه أبيض اللون ، حسن الوجه ، جعد الشعر ، ضخم العين (٩) ، مستوي الخلقة ، غليظ الساعدين والعضدين والساقين ، أقنى الأنف ، صغير السرة ، بخده الأيمن خال أسود ، وكان ذلك الخال يزين وجهه ، وبين عينيه شامة تزيده حسنا وجمالا ، كأنه القمر ليلة البدر ، وكان إذا تبسم رأيت النور من ضواحكه ، وإذا تكلم رأيت شعاع النور يثور من بين ثناياه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ووصل إلى يوسف أبوه يعقوب وأخوته جميعا من كنعان ، وهي الشام (١٠) ،

__________________

(١) فأخرجته أ ج د ه : فأخرجوه ب / / إلى الجب بطعام أ د ه : بطعام إلى الجب ب ج.

(٢) فباعوه لأستاذهم ب ه : فباعه أستاذه أ : فباعوه لأستاذه د : فباعه أستاذن ه.

(٣) من ولد أ د ه : هم ولد ب : ولد ج.

(٤) أمرها أ ج د ه : أمرهما ب / / فظهر لهما أ ج د ه : وظهر لهما ب.

(٥) ثم أخرجه أ ج : + لما ب د ه.

(٦) فجعل أ : جعل ب ج د ه / / يوسف موضعه أ ج د ه : موضعه يوسف ب.

(٧) ودعا أ ج د ه : ثم دعا ب.

(٨) أزقة أ ب ج د : الأزقة ه / / نور وجهه أ ج د ه : نوره ب.

(٩) ضخم العين أ د : ضخم العينين ب ج : صحيح العين ه / / الخلقة أ ه : الخلق ب ج د.

(١٠) الشام أ د ه : أرض الشام ب ج.


وقد ذكر الله قصته في القرآن مبسوطة / / مفصلة ، ومات يعقوب ، وأوصى إلى يوسف (١) أن يدفنه مع أبيه إسحاق ، فسار به إلى حبرون ، ودفنه مع أبيه (٢) ، وقبره بحذاء قبر الخليل ، عليه‌السلام ، من جهة الشمال وهو مشهور.

وكان عمر يوسف لما توفي والده يعقوب ستا وخمسين سنة ، فلما دفنه (٣) عاد إلى مصر ، وعاش يوسف مائة وعشرين سنة ، وبينه وبين موسى (٤) أربعمائة سنة ، ونزل جبريل ، عليه‌السلام ، أربع مرات ، وتوفي بمصر ، ودفن بها حتى كان زمن (٥) موسى ، عليه‌السلام ، وفرعون.

فلما سار موسى من مصر ببني إسرائيل إلى التيه نبش قبر يوسف (٦) ، عليه‌السلام (٧) ، وحمله معه في التيه (٨) حتى مات موسى ، فلما قدم يوشع (٩) ببني إسرائيل إلى الشام ، دفنه بالقرب من نابلس ، وقيل : عند الخليل وهو المشهور ، عند الناس فإن قبره عند الخليل ، ظاهر مشهور ، وقد استفاض عند الناس (١٠) فلم ينكر.

وروي أن الله تعالى أوحى إلى موسى ، عليه‌السلام ، أن أحمل يوسف إلى بيت المقدس عند آبائه فلم يدر أين هو ، فسأل بني (١١) إسرائيل ، فلم يعرف أحد منهم أين هو (١٢) ، فقال شيخ له ثلاثمائة سنة : يا نبي الله ما يعرف قبر يوسف إلا والدتي ، قال له (١٣) : قم معي إلى والدتك ، فقام الرجل ودخل منزله ، فأتاه (١٤) بقفة

__________________

(١) وأوصى إلى يوسف أ ج د ه : وأوصى ولده يوسف ب.

(٢) مع أبيه أ ج د ه : عند أبيه ب / / قبر الخليل أ ج د ه : قبر جده الخليل ب.

(٣) فلما دفنه أ ج د ه : ولما دفنه ب.

(٤) موسى أ د : + عليه‌السلام ب ج : عليه الصلاة والسلام ه.

(٥) زمن أ ب ج د : زمان ه.

(٦) قبر يوسف أ : نبش على يوسف ب ج : فنبش يوسف د ه.

(٧) عليه‌السلام أ د : ـ ب ج ه / / يوشع أ : + بن نون ب ج د ه.

(٨) التيه : هو الموضع الذي ضل فيه موسى بن عمران ، عليه‌السلام ، وقومه ، وهي أرض بين أيلة ومصر وبحر القلزم وجبال السراة من أرض الشام ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ٨١.

(٩) يوشع بن نون بن أفرايم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، عليهم‌السلام ، قادة بني إسرائيل بعد وفاة موسى عليه‌السلام ، وحارب العماليق وفتح أريحا ، ينظر : المسعودي ١ / ٥٠.

(١٠) وقد استفاض عند الناس أ ب ج د : ـ ه.

(١١) فسأل بني ... أين هو أ ب ج ه : ـ د.

(١٢) هو أ ج د ه : قبره ب / / شيخ له ثلاثمائة سنة أ د ه : له شيخ عمره ثلثمائة ب ج.

(١٣) قال له أ ج د ه : فقال له موسى عليه‌السلام ب / / والدتك أ ج د ه : أمك ب / / الرجل أ د ه : معه ب ج / / ودخل أ ج د ه : إلى ب.

(١٤) فأتاه أ ج د : فدخلا المنزل وأتاه ب : وأتاه ه / / فيها أ ج د ه : وفيها ب.


فيها والدته ، فقال لها موسى ، عليه‌السلام : ألك علم بقبر يوسف؟ قالت : نعم (١) ، أدلك على قبره على أن تدعو الله أن يرد عليّ شبابي إلى سبعة عشر سنة ، ويزيد (٢) في عمري مثل ما مضى ، فدعا موسى ، عليه‌السلام ، لها (٣) وقال : كم عشت؟ فقالت : تسعمائة سنة ، فعاشت ألفا وثمانمائة سنة ، وأرته (٤) قبر يوسف ، عليه‌السلام ، وكان في وسط نيل مصر في صندوق من رخام ، وذلك أنه لما مات تشاحن (٥) عليه الناس ، وكل يحب أن يدفن في محله (٦) لما يرجون من بركته ، عليه‌السلام ، فاختلف رأيهم في ذلك حتى هموا أن يقتتلوا (٧) ، فرأوا أن يدفن في النيل ، فيمر عليه الماء ، ثم يصل جميع مصر ، فيكونون كلهم شركاء في بركته (٨) ، ففعلوا ذلك.

فلما (٩) علم موسى مكانه أخرجه وهو في التابوت ، فحمله على عجل من حديد إلى بيت المقدس ، وقبره في البقيع خلف الحير السليماني حذاء قبر يعقوب وجوار جديه إبراهيم وإسحاق ، عليهم‌السلام (١٠).

وعن إبراهيم بن أحمد الخلنجي (١١) أنه لما سألته جارية المقتدر (١٢) ، وكانت تعرف بالعجوز ، وكانت مقيمة ببيت المقدس ، الخروج إلى الموضع الذي روي أن قبر يوسف ، عليه‌السلام (١٣) ، فيه وإظهاره والبناء عليه ، قال : فخرجت والعمال

__________________

(١) قالت نعم أ ج د ه : + قال : فدليني عليه ، قالت ب / / على قبره ب : ـ أ ج د ه / / على أن أ ج ه : بشرط أن ب : ـ د.

(٢) ويزيد أ ج د : وأن يزيد لي ب : ـ ه / / فدعا أ ج د ه : قال : فدعا ب.

(٣) لها وقال أ ج د : ـ ب ه / / ألفا أ ب ج ه : ألفان د.

(٤) وأرته أ ج د ه : وأورت موسى عليه‌السلام ب.

(٥) تشاحن أ ج : تشاجر ب د ه / / يحب أ ج د ه : أراد ب.

(٦) محله أ د : محلته ب ج ه / / يرجو أ د : يرجوا ب ج : يرونه ه / / حتى هموا أ د ه : حتى أرادوا ب ج.

(٧) أن يقتتلوا أ ب ج د : أن يقتلوا بعضهم بعضهم بعضا ه / / فيمر أ ج د ه : لي يمر ب / / ثم يصل أ ج د ه : فتصل بركته ب / / مصر أ ج د ه : + وما حولها ب.

(٨) شركاء في بركته أ ج د ه : في بركته مشتركين ب.

(٩) فلما أ ج د ه : ولما ب / / فحمله أ ج د ه : وحمله ب.

(١٠) عليهم‌السلام أ ج : عليهما‌السلام ب د : عليهم الصلاة والسلام ه.

(١١) إبراهيم بن أحمد الخلنجي : لم أعثر على ترجمته في المصادر الموجودة.

(١٢) المقتدر بالله : هو أبو الفضل جعفر بن المعتضد ولد في رمضان سنة ٢٨٢ ه‍ / ٨٩٥ م وأمه رومية ولي الخلافة وله ثلاث عشر سنة وفي عهده اختل النظام لصغر سنه وهو أحد الخلفاء العباسيين وتوفي مقتولا سنة ٣٢٠ ه‍ / ٩٣٢ م ، ينظر : المسعودي ٤ / ٢٩٢ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٦ / ٢٢١ ؛ المقدسي ، البدء ٦ / ١٢٦ ؛ ابن حبان ، السيرة ٥٨٠ ؛ السيوطي ، تاريخ ٤٤٠ ؛ ابن العماد ٢ / ٢٨٤.

(١٣) عليه‌السلام أ د : عليه الصلاة والسلام ه : ـ ب ج.


معي لكشف (١) البقيع الذي روي أنه فيه خارج الحير حذاء قبر أبيه يعقوب ، عليه‌السلام (٢).

قال : فاشترى البقيع من صاحبه وأخذ في كشفه فخرج في الموضع الذي روي أنه فيه حجر عظيم وأمر (٣) بكسره فكسر منه قطعة قال : وكنت معهم في الحفر ، فلما شالوا القطعة من الحجر ، فإذا (٤) هو بيوسف ، عليه‌السلام ، على الصفة من الحسن والجمال (٥) ، وصارت روائح الموضع مسكا ، ثم جاء ريح عظيم فأطبق العمال الحجر على ما كان (٦) ، ثم بنى عليه القبة التي هي عليه الآن على صحة من رؤيته ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو خارج السور السليماني من جهة الغرب بداخل مدرسة منسوبة للسلطان الملك الناصر حسن (٧) ، وتسمى الآن بالقلعة ، ويدخل إليه من عند باب المسجد الذي عند السوق تجاه عين الطواشي (٨) ، وهو موضع مأنوس وفيه الضريح.

ثم إن بعض النظار على مسجد الخليل (٩) ، عليه‌السلام ، وهو شهاب الدين أحمد اليغموري فتح بابا في السور السليماني من جهة الغرب بحذاء القبر المنسوب لسيدنا يوسف الصديق (١٠) ، وجعل فوق القبر السفلي إشارة تدل عليه كبقية الأضرحة (١١) الكائنة بمسجد الخليل ، عليه‌السلام ، وذلك في سلطنة الملك الظاهر برقوق.

وروي عن أبي هريرة ، رضي‌الله‌عنه ، أنه قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، ولو لبثت في

__________________

(١) لكشف أ ج د ه : فكشف ب.

(٢) عليه‌السلام أ ج ه : عليهما‌السلام ب : ـ د.

(٣) وأمر أ ج د ه : فأمر ب.

(٤) فإذا أ ج د ه : وإذا ب.

(٥) من الحسن والجمال أ ج د : بحسنه وجماله ب : من الحسن والكمال ه.

(٦) ما كان أ ج د ه : + سابقا ب.

(٧) الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون ، تولى السلطة بعد مقتل أخيه حاجي وذلك في سنة ٧٤٨ ه‍ / ١٣٤٧ م ، توفي في سنة ٧٦٢ ه‍ / ١٢٧٣ م ، ينظر : ابن حجر ، الدرر ٢ / ٣٨ ـ ٤٠ ، ابن دقماق ٢ / ١٩٥ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ١٠ / ١٨٧ ؛ ابن العماد ٦ / ١٩٦.

(٨) الطواشي : الخصي وهم طواشية ، وعين الطواشي إحدى عيون مدينة الخليل على باب المسجد الإبراهيمي الشمالي بالقرب من السور ، ينظر : العليمي ١١٠ ؛ المعجم الوسيط ٢ / ٦٩ ؛ عاشور ٤٥٥.

(٩) مسجد الخليل أ ج د ه : وقف سيدنا الخليل ب / / عليه‌السلام أ ج د : عليه الصلاة والسلام ب ه.

(١٠) الصديق أ ه : + عليه‌السلام ب ج د.

(١١) الأضرحة ب : الأضرح أ ج د ه : بمسجد أ ه : + سيدنا ب ج د.


السجن ما لبث يوسف ، ثم جاءني الداعي لأجبت» (١)(٢).

وسئل رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أكرم الناس؟ قال : «أتقاهم لله» ، فقالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : «فأكرم الناس يوسف (٣) نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله بن خليل الله» (٤).

فهؤلاء الأنبياء / / الأربعة وهم : إبراهيم الخليل ، وولده إسحاق ، وولده يعقوب ، وولده يوسف ، قبورهم في محل واحد وعليهم من الوقار والجلالة ما لا يكاد يوصف ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

ذكر لوط عليه‌السلام

هو لوط ابن أخي إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام (٥) ، وهو لوط بن هازان بن آزر ، قال الثعلبي (٦) : وإنما سمي لوطا لأن حبه ليط (٧) بقلب إبراهيم أي تعلق به ولصق. وكان إبراهيم ، عليه‌السلام (٨) ، يحبه حبا شديدا ، وكان ممن آمن بعمه إبراهيم ، وهاجر معه إلى مصر (٩) ، وعاد معه إلى الشام.

فأرسله الله إلى أهل سدوم وكانوا أهل كفر وفاحشة. ودام لوط يدعوهم إلى الله تعالى وينهاهم فلم يلتفتوا إليه ، وكانوا على ما أخبر الله عنهم في قوله تعالى : (لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ)(١٠) ، وكانوا يقطعون الطريق ، وإذا مر بهم المسافر (١١) أمسكوه ، وفعلوا به اللواط (١٢) ، فنهاهم فلم ينتهوا ، ولا يزيدهم

__________________

(١) ينظر : ابن كثير ، البداية ١ / ١٧١.

(٢) لأجبت أ ج د : لأجبته ب ه.

(٣) يوسف أ ج د ه : + الصديق ب.

(٤) ينظر : ابن كثير : البداية ١ / ١٧١.

(٥) عليه‌السلام أ ج د ه : عليهما‌السلام ب / / وهو لوط بن هاران أ ج د : واسم أبيه هارون ب : وهو لوط بن هارون ه.

(٦) ينظر : الثعلبي ٦١.

(٧) ليط أ ب ج د ه : لاط الثعلبي / / إبراهيم أ ج د ه : + عليه‌السلام ب.

(٨) عليه‌السلام أ ج د : عليه الصلاة والسلام ه : ـ ب.

(٩) إلى مصر أ ج د ه : + حين هاجر من نمروذ.

(١٠) العنكبوت : [٢٨ ـ ٢٩].

(١١) المسافر أ ج د ه : أحد من المسافرين ب.

(١٢) اللواط أ ب ج د : اللواطة ه / / فنهاهم أ د ه : وهو ينهاهم ب : فينهاهم ج / / ولا يزيدهم أ د ه : ولم يزدهم ب : فلم يزدادوا ج.


وعظه إلا تماديا وضلالا ، فسأل الله النصرة عليهم ، فأرسل الله الملائكة لقلب سدوم وقراها المؤتفكات وهي خمس مدائن.

وكان الملائكة (١) قد أعلموا إبراهيم الخليل بما أمرهم الله تعالى به من الخسف بقوم لوط حين قدموا عليه وبشروه بإسحاق ، كما تقدم ، فسأل إبراهيم جبريل فيهم وقال له : أرأيت إن كان فيهم خمسون (٢) من المسلمين؟ فقال جبريل : إن كان فيهم خمسون من المسلمين لا يعذبهم الله فقال إبراهيم؟ وأربعون؟ قال (٣) : وأربعون ، قال إبراهيم ، وثلاثون ، قال : وثلاثون ، وكذلك حتى قال إبراهيم : وعشرة ، قال جبريل : وعشرة ، فقال إبراهيم (٤) : إن هناك لوطا ، فقال جبريل والملائكة : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) (٣٢) (٥).

فلما وصلت الملائكة إلى لوط هم قومه أن يلوطوا بهم ، لأن الملائكة جاؤوا إليه على صورة غلمان مرد (٦) ، حسان الوجوه ، فقال لهم لوط : يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ، يعني بالتزويج ، فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد؟ فلم يرضوا بقوله ، وقالوا : (قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ)(٧) أي من حاجة وشهوة ، وإنك لتعلم ما نريد من إتيان الرجال فعالجهم وناشدهم وهم على العناد والبغي (٨) ، فأعماهم جبريل بجناحه ، وقالت الملائكة للوط : (إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ)(٩)(١٠).

فلما خرج لوط بأهله قال للملائكة : أهلكوهم الساعة ، فقالوا : لم نؤمر إلا بالصبح : (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) (٨١) (١١).

__________________

(١) وكان الملائكة أ ب ج د : وكانوا ه.

(٢) خمسون أ ج د ه : + رجلا ب.

(٣) قال أ ج د ه : + جبريل ب / / وكذلك حتى قال ... وعشرة أ ج د ه : قال إبراهيم ولم أزل كذلك حتى قال جبريل وعشرة ب.

(٤) فقال إبراهيم أ د ه : قال إبراهيم ، فقلت ب : قال إبراهيم ج.

(٥) العنكبوت : [٣٢].

(٦) مرد أ ج د ه : ـ ب.

(٧) هود : [٧٩].

(٨) والبغي أ ج د ه : والغي ب.

(٩) هود : [٨١].

(١٠) امرأتك ى : أنه مصيبها ما أصابهم ب : ـ ج د ه.

(١١) هود : [٨١].


فلما كان الصبح قلبت (١) الملائكة سدوم وقراها الخمس بمن فيها ، وكان فيها أربعمائة ألف (٢) ، فرفعوا المدائن كلها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة ونباح الكلاب ، فلم يكفأ لهم إناء ولم ينتبه نائم ، ثم قلبوها فجعلوا عاليها سافلها ، وسمعت (٣) امرأة لوط الهدة فقالت : واقوماه ، فأدركها حجر فقتلها ، وأمطر الله الحجارة على من لم يكن بالقرى فأهلكهم.

وأما قبر لوط ، عليه‌السلام ، فهو في قرية تسمى كفر بريك (٤)(٥) ، تبعد من مسجد الخليل ، عليه‌السلام ، نحوا من فرسخ ، ونقل أن في المغارة الغربية تحت المسجد العتيق ستين نبيا منهم عشرون مرسلا ، وصار (٦) هذا المكان مشهورا ، يقصد ويزار (٧).

وعلى فرسخ من حبرى (٨) جبل صغير مشرف على بحيرة زغر وموضع قريات (٩) لوط ، ثم مسجد بناه أبو بكر محمد بن إسماعيل الصياحي (١٠) فيه مرقد إبراهيم ، عليه‌السلام ، قد غاص في الصخر نحوا من ذراع يقال إن إبراهيم ، عليه‌السلام (١١) ، لما رأى قريات لوط في الهواء وقف ، أو رقد ، ثم قال : أشهد (١٢) أن هذا لهو الحق اليقين ، فلذلك سمي ذلك المسجد مسجد اليقين ، وكان بناء ذلك المسجد في شهر شعبان سنة اثنتين (١٣) وخمسين وثلاثمائة (١٤) ، وبظاهر المسجد مغارة به قبر فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنهم أجمعين ، وعند قبرها رخامة مكتوب عليها بالكوفي :

__________________

(١) قلبت أ ب د : قلب ج ه.

(٢) ألف أ : + وقيل : أربعة آلاف ألف ب ج د ه.

(٣) وسمعت أ ج د ه : فسمعت ب.

(٤) كفر بريك : هي قرية بني نعيم الحالية إلى الجنوب الشرقي من مدينة الخليل ، ينظر : شراب ١٧١.

(٥) بريك أ ج د ه : بريك ب.

(٦) وصار أ ج د ه : فصار ب.

(٧) ويزار أ د ه : للزيارة ب ج.

(٨) حبرى أ ج د ه : حبرون ب / / زغر أ ج د ه : زعروا ب.

(٩) قريات أ ج د ه : قرى ب.

(١٠) ينظر : السيوطي ، إتحاف ٢ / ١٢٠.

(١١) عليه‌السلام أ ج د : ـ ب ه / / قريات أ ج د ه : قرية ب / / لوط أ ج د ه : + وهي طائرة ب / / وقف أ ج د ه : + وقيل ب / / أو رقد أ ج د ه : رقد ب.

(١٢) اشهد أ ج د ه : + أن لا إله إلا الله وأن هذا ب / / فلذلك أ ج د ه : ولذلك ب.

(١٣) اثنتين د ه : اثنين أ ب ج.

(١٤) ٣٥٢ ه‍ / ٩٦٣ م.


أسكنت من كان في الأحشاء مسكنه

بالرغم من بيت الترب والحجر

أفديك فاطمة بنت ابن فاطمة

بنت الأئمة بنت الأنجم الزهر

ذكر أيوب عليه‌السلام

وهو رجل من أمة الروم ، لأنه من ولد العيص وهو أيوب بن موص بن رازح (١) بن العيص بن إسحاق / / بن إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام ، وكانت له زوجة يقال لها رحمة ، وكان (٢) صاحب أموال عظيمة ، وكان له الثنية جميعها ، وهي من أعمال دمشق ، ملكا ، فابتلاه الله تعالى بأن أذهب أمواله حتى صار (٣) فقيرا ، ثم ابتلاه في جسده حتى تجذم ودود ، وبقي مرميا على مزبلة (٤) ، لا يطيق أحدا أن يشم رائحته وزوجته صابرة عليه تخدمه فتراءى لها إبليس اللعين ، وقال لها : اسجدي لي لأرد مالكم (٥) ، فاستأذنت أيوب ، فغضب ، وحلف ليضربها (٦) مائة سوط.

ثم عافاه الله تعالى ورزقه ورد على امرأته شبابها وحسنها (٧) ، وولدت له ستة وعشرون ذكرا (٨) ، ولما عوفي أمره الله أن يأخذ عرجونا (٩) من النخل فيه مائة شمراخ (١٠) فيضرب به زوجته رحمة ، ليبر في يمينه (١١) ففعل.

وكان أيوب نبيا في عهد (١٢) يعقوب وعاش ثلاثا وتسعين سنة ، ومن ولد أيوب ابنه بشر ، وبعث الله بشرا بعد أيوب ، وسماه ذا الكفل ، وكان مقامه بالشام ، وقبره في قرية كفل حارس من أعمال نابلس.

__________________

(١) رازح أ ج د ه الطبري : واذح ب : تارخ الثعلبي : زارح التوراة.

(٢) وكان أ ج د ه : وكانت ب.

(٣) حتى صار أ ج د ه : فصار ب / / حتى تجذم ودود أ ج د ه : حتى تفجر دما ودودا ب.

(٤) مزبلة ب ج د ه : المزبلة أ.

(٥) لأرد مالكم أ ج د ه : وأنا أرد لكما مالكما ب.

(٦) ليضربها أ ج ه : ليضربنها ب د / / مائة سوط أ ل ج د : ـ ه.

(٧) وحسنها أ ج د ه : + وجمالها وشبابها ب.

(٨) ذكرا أ ج د : ولدا ب ه / / ولما أ ج د ه : فلما ب / / الله أ ج د : + تعالى ب ه.

(٩) عرجونا : ما يحمل التمر والغدق وهو من النخل كالعنقود من العنب ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١٣ / ٢٨٤ ؛ المعجم الوسيط ٢ / ٥٩٢.

(١٠) الشمراخ : العنقود عليه عنب ، ينظر : المعجم الوسيط ١ / ٤٩٣.

(١١) ليبر في يمينه أ د ه : كي يبر في يمينه ب ج.

(١٢) عهد أ د ه : زمن ب ج.


ذكر شعيب عليه‌السلام

وهو نبي بعثه الله إلى أصحاب الأيكة وأهل مدين ، وقد اختلف في نسب شعيب ، فقيل : إنه من ولد إبراهيم ، وقيل : من ولد بعض الذين (١) آمنوا بإبراهيم ، وكانت الأيكة من شجر ملتف فلم يؤمنوا به.

فأهلك الله أصحاب الأيكة بسحابة أمطرت عليهم نارا يوم الظّلة ، وذلك أنهم رأوا حرا شديدا فدخلوا الأسراب (٢) فوجدوها أشر حرا ، فخرجوا منها فرأوا سحابة ، فاستظلوا بها ، فأمطرت عليهم نارا (٣) ، فاحترقوا ، وأهلك الله أهل مدين بالزلزلة. وجاء في الخبر : أن شعيبا كان خطيب الأنبياء ، عليهم‌السلام ، وكان ضرير البصر ، وقبر شعيب بقرية يقال لها : حطين من أعمال مدينة صفد وهو يبعد عن بيت المقدس نحو ثلاثة أيام.

ذكر سيدنا موسى الكليم (٤) عليه أفضل الصلاة والتسليم

وأخيه هارون عليه‌السلام

أقول ، وبالله التوفيق ، موسى نبي الله وكليمه وهو ابن عمران بن فاهت بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، عليه‌السلام (٥) ، ولد لمضي ألف وخمسمائة وست وستين من الطوفان واسم أمه يوحانذ بنت لاوي بن يعقوب ، وكان فرعون مصر الوليد بن مصعب ، وكان قد تزوج آسية بنت مزاحم.

وقد روي أن الله تعالى لما خلق الحور العين في نهاية الحسن والجمال قالت الملائكة : آلهنا وسيدنا هل خلقت خلقا هو (٦) أحسن منهن؟ فجاءهم النداء (٧) : إني خلقت سيدات نساء العالمين وفضلتهن على الحور كفضل الشمس على الكواكب وهن : آسية بنت مزاحم ، ومريم ابنة عمران ، وخديجة بنت خوليد ، وفاطمة بنت رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) ولد بعض الذين ب ج : ولد الذين أ د ه.

(٢) الأسراب أ ب ج د : الأسروب ه / / حرا أ ب ج ه : ـ د.

(٣) نارا ب ج د ه : النار أ.

(٤) الكليم أ ب ج ه : ـ د.

(٥) ابن إبراهيم عليه‌السلام أ ج د : بن إبراهيم الخليل سلام الله عليه ب : بن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ه.

(٦) هو أ ج : ـ ب د ه.

(٧) النداء أ ج د ه : + من العلي الأعلى ب / / سيدات نساء ب : نساء أ ج د ه :/ / الحور أ د : + العين ب ج ه.


فلما وصفت آسية لفرعون أحب أن يتزوج منها ، فتزوجها على كره منها ومن أبيها ، وبذل لها أموالا (١) جزيلة وزفت إليه ودخل عليها ، فلما همّ بها أخذه الله عنها فلم يقدر عليها ، وكان ذلك (٢) حاله معها ، وكان قد رضي منها بالنظر إليها. فبينما هو معها في قبتها إذ سمع هاتفا يقول : ويلك يا فرعون لقد قرب زوال ملكك (٣) على يدي فتى من بني إسرائيل ، فقال فرعون لآسية : سمعت (٤)؟ هذا من عمل النساء.

ثم (٥) رأى عدة منامات أزعجته فاستدعى بالمعبرين وقص عليهم ما رآه ، فقال أحدهم : إن (٦) هذه الرؤيا تدل على مولود يولد ، يسلبك ملكك ، ويزعم أنه رسول إله السماء والأرض (٧) ، فيكون هلاكك وهلاك قومك على يديه. فلحقه (٨) من ذلك أمر شديد ، استشار وزراءه وأهل مملكته ، فأشاروا عليه أنه يوكل بالحبالى (٩) من يحملهن إلى داره حتى تكون ولادتهن عنده ، فإذا كان الولد (١٠) ذكرا قتله ، وإن كانت أنثى تركها ، ففعل ذلك ، فقتل اثني عشر ألف مولود وكان يعذب الحبالى (١١) حتى يسقطن ، فضجت الملائكة من ذلك إلى ربهم ، فأوحى الله إليهم : أن اسكنوا فإن له أجلا محدودا (١٢) إلى وقت محدود ، ثم بشرهم الله ، عز وجل (١٣) ، بمولود هو موسى ، عليه‌السلام ، وحملت أمه به (١٤).

وكان (١٥) فرعون قد منع وزراءه وكبراء مملكته من الاجتماع بأهلهم ، لأنه كان

__________________

(١) لها أموالا أ د ه : لهم أموالا ب : له أموال ج.

(٢) وكان ذلك أ ب ج : وكان هذا د ه.

(٣) زوال ملكك أ ج د : زوالك وزوال ملكك ب ه / / يدي فتى أ ج د : يد نبي ب ه.

(٤) سمعت؟ هذا من عمل النساء أ ج د ه : سمعت هذا؟ قالت له : سمعت لكن هذا من عمل النساء ب.

(٥) ثم أ ج د ه : + إن فرعون ب / / منامات أ ب ج د : منايات ه.

(٦) إن أ ج د ه : ـ ب / / مولود يولد أ ج د ه : + من بني إسرائيل ب.

(٧) إله السماء والأرض أ ج د ه : + يأتي إليك ب / / فيكون أ ج د ه : وسيكون ب.

(٨) فلحقه أ ج د ه : فلما سمع فرعون ذلك لحقه ب / / أمر شديد أ د ه : غم شديد فجمع وزراء مملكته واستشارهم ب.

(٩) بالحبالى أ ج د ه : على النساء الحبالى ب.

(١٠) الولد أ د ه : المولود ب ج / / كانت أ : كان ب ج د ه / / ففعل ذلك أ ج د ه : + ولم يزل ب / / فقتل أ ج د ه : حتى قتل ب.

(١١) الحبالى أ ج د ه : النساء الحبالى ب / / يسقطن أ ج د ه : + حملهن ب.

(١٢) محدودا أ : ممدودا ب ج د ه د.

(١٣) عز وجل أ : تعالى ب ج ه : ـ د.

(١٤) وحملت ب : وحمل أ ج د ه.

(١٥) وكان أ د ه : فكان ب ج.


قد بلغه أن ذلك (١) المولود يكون من أقرب الناس إليه ، وكان عمران / / من أقرب الناس إليه لا يفارقه (٢) ، فبينما عمران قاعد عند رأس فرعون إذ نظر إلى امرأته ، وقد حملت إليه على جناح ملك ، فلما نظر إليها فزع فزعا شديدا ، وقام على قدميه ، وقال لها : ما الذي جاء بك (٣)؟ فقال له الملك : إن الله يأمرك أن تواقع أهلك (٤) على فراش فرعون ليكون ذلك هوانا لفرعون (٥) ، ثم جذب الملك فراش فرعون من تحته ، وألقاه لعمران ، وتوارى الملك ، فواقعها فحملت بموسى ، عليه‌السلام ، ثم احتملها الملك إلى دارها ، هذا وكان على باب فرعون ألف من الحرس (٦) والأعوان.

فلما أصبح دخل عليه المنجمون والكهنة وقالوا لفرعون : إن المولود الذي كنا نحذرك منه قد حملت به أمه (٧) ، وقد ظهر نجمه وعلا شعاعه ، فاشتد فزعه (٨) وزاد احتياطه.

ولما مضت مدة الحمل ، أخذ أمه الطلق في نصف الليل ، وليس عندها (٩) أحد إلا أختها ، فلما وضعته ونوره يتلألأ (١٠) ، فرحت به إلا أنها مكروبة لخوفها من فرعون وأعوانه ، فسألت الله (١١) أن يحفظه عليها وأن يرزقها الصبر ، فاستوى موسى قاعدا (١٢) وقال لها : يا أمي لا تخافي ولا تحزني إن الله معنا.

وسمع فرعون (١٣) في تلك الليلة هاتفا في قصره وهو يقول : ولد موسى وهلك فرعون. فصار كل صنم في تلك الليلة منكوسا (١٤) ، وأصبح فرعون ممتلئا

__________________

(١) ذلك أ ج د ه : ـ ب.

(٢) لا يفارقه أ ج : فكان شأنه أن لا يفارقه ب ه : ـ د.

(٣) بك أ ج د ه : + في هذا الوقت ب.

(٤) أهلك أ ج د ه : زوجتك ب.

(٥) لفرعون أ د : له ب ج : ـ د.

(٦) الحرس أ ج : الحراس ب د ه.

(٧) أمه أ ج د ه : + في هذه الليلة ب.

(٨) فزعه أ د ه : فزع فرعون ب ج / / احتياطه أ ج ه : اختباطه ب : إحباطا د.

(٩) وليس عندها أ ج : ولم يكن عندها ب د ه.

(١٠) ونوره يتلألأ أ ج د : نظرت إلى نوره وهو يتلألأ ب : ـ ه / / فرحت به أ ج د : ففرحت ب ه.

(١١) الله أ ج د ه : + تعالى ب.

(١٢) فاستوى موسى قاعدا أ ج د ه : فما استتمت دعاءها ونظرت إلى موسى فإذا هو قد استوى قاعدا ب.

(١٣) وسمع فرعون أ ب ج د : وكان فرعون قد سمع ه / / في تلك الليلة أ ب ج د : ـ ه.

(١٤) منكوسا أ د ه : منكسا ب ج.


غضبا (١) وشدد في طلب المولودين.

وكانت أم موسى إذ خرجت في حاجة تعمد (٢) إلى موسى ، فتضعه في مهده في التنور (٣) ، وتغطيه ، فاتفق أنها خرجت يوما وكانت أختها قد عجنت عجينا وأرادت الخبز (٤) ، فأمرت بسجر التنور ، فسجروه ولم يعلم أحد أن موسى في التنور ، وكان قد وقع (٥) في قلب هامان أن الولد في بيت عمران ، فكبس داره فقال (٦) : ها هنا مولود ، فقالت أختها : كيف يكون ها هنا مولود وعمران محبوس عندكم؟ فجعل هامان يفتش حتى جاء إلى التنور (٧) يسجر نارا فانصرف ، وعلم أنه لا يكون مولود في التنور.

فرجعت (٨) أم موسى فإذا بالأعوان والحرس قد خرجوا من دارها ، فكادت تزهق روحها من الغم (٩) ، فدخلت منزلها وقالت : هل نظر هامان إلى ولدي في التنور (١٠)؟ وأسرعت نحو التنور فإذا هو مسجور والنار تعلو منه ، فلطمت وجهها (١١) وقالت : ما ينفعني الحذر قد أحرقتم ولدي ، فناداها موسى : لا تخافي عليّ يا أماه فإن الله ، عز وجل (١٢) ، منعني من النار فلم تحرقني فأدخلت يدها (١٣) وأخرجته ولم تمسها النار.

__________________

(١) غضبا أ د : غيظا ب ه : غيضا ج / المولودين أ ج د ه : + تلك الليلة ب.

(٢) تعمد أ ب ج د : تعتمد ه / / فتضعه في مهده في التنور أ ج د ه : وتضعه في مهده وتضعه في التنور ب.

(٣) في التنور أ ج د ه : في النار ب.

(٤) الخبز أ د ه : أن تخبز ب : تخبز ج / / ولم يعلم أحد أن أ ج د : ولم تعلم أن فيه موسى ب : فلم يعلم أحد أن ه.

(٥) وكان قد أ ج د ه : وقد ب / / الولد أ ج د ه : المولود ب.

(٦) فقال : أ ج : وقال ب د ه.

(٧) التنور أ ج د ه : + فوجده ب.

(٨) فرجعت أ ج د ه : ثم رجعت ب / / فإذا أ ج د ه : وإذا ب / / الأعوان والحرس أ ج ه : + فلما رأتهم ب د / / الحرس أ ج ه : الحراس ب د.

(٩) الغم أ ج د ه : الغم والهم ب.

(١٠) التنور أ ج د : + قالوا لا ب : ـ ه / / وأسرعت أ ج د ه : ثم أسرعت أم موسى ب.

(١١) وجهها أ د ه : على وجهها ب : ـ ه / / ينفعني أ ج د ه : نفعني ب.

(١٢) عز وجل أ ج د ه : تعالى ب / / منعني من النار فلم تحرقني أ ج د ه : قد منعني من النار وأن النار لا تحرقني ، فمدي يدك إليّ فإن النار لا تصل إلينا ولا تحرقنا ب.

(١٣) يدها أ ج د ه : + في التنور ب.


قصة التابوت (١)

فلما كان بعد أربعين يوما صنعت له تابوتا ، وكان عمران توفي قبل أن يتم لموسى أربعون يوما ، فعمدت إلى ذلك التابوت وفرشته وأرضعت موسى وكحلته ودهنته وألقته في التابوت وأغلقت عليه بابه وهي تبكي ، ثم احتملت التابوت في نصف الليل ومعها أختها وجاءت إلى شاطىء النيل فألقته في اليم (٢) وبكت فسمعت النداء : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٧) (٣).

وبقي التابوت في النيل أربعين يوما ، وقيل : ثلاثة أيام ، وقيل : ليلة واحدة. وصعد فرعون إلى صرح له ، فجلس وهو مشرف على النيل ، فألقت الريح التابوت حذاء قصره (٤) ، وكان له سبع بنات ليس فيهن واحدة إلا فيها (٥) أنواع الأمراض ، وكان في داره حوض عظيم يركد فيه الماء ، فكن يغتسلن فيه ، فلم يزل (٦) التابوت يجري حتى ركض في ذلك الحوض ، فبادرت الكبيرة وأخذت التابوت وفتحته فإذا فيه موسى ، عليه‌السلام ، وله شعاع ونور كنور (٧) الشمس ، فأخرجته فلما لمسته ذهب ما كان بها من البلاء ، وتناولنه (٨) ما بينهن حتى شفين مما كن فيه من الأمراض ، وصرن صحاحا من بلائهن ببركته ، فأخذنه ودخلن به إلى آسية وذكرن لها القصة ، فنظرت (٩) إليه وأخرجته وقبلته وحملته إلى فرعون.

فلما رآه (١٠) فزع فقالت له : أيها الملك ، لا تخف وذكرت له حديث التابوت وكيف ذهب بلاء البنات (١١) ببركته فلما رآه قال : يا آسية أخاف أن يكون هذا عدوي

__________________

(١) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٣٨٨ ؛ المقدسي ، البدء ٣ / ٨٣ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٩٧.

(٢) في اليم ... وبقي التابوت أ ب ج ه : ـ د / / النداء أ ج د ه : + من العلا ب.

(٣) القصص : [٧].

(٤) حذاء قصره أ ج د : تحت قصره ب : إلى حذاء قصره ه / / فيهن أ د ه : منهن ب ج.

(٥) فيها أ د : وبها ب ج ه / / أنواع الأمراض أ د ه : سائر الأمراض ب ج / / عظيم أ ج د ه : ـ ب / / فكن أ د ه : وكن البنات ب وكن ج / / فيه الماء أ ج د ه : + من النيل ب.

(٦) فلم يزل التابوت يجري حتى ركض في ذلك الحوض أ ج د ه : فلم تزل الريح بأمر الله تسوق التابوت إلى أن دخل في هذا الحوض وركد ب.

(٧) كنور أ ج د ه : كشعاع ب.

(٨) وتناولته ما بينهن حتى شفين مما كن فيه من الأمراض أ ج د ه : فتناولته الثانية ولمسته فعوفيت ، ولم يزل يتناولنه حتى عوفيت السبع بنات ب.

(٩) فنظرت إليه وأخرجته أ ج د ه : فلما رأتهن قد عوفين أحبته ونظرت ب.

(١٠) رآه أ ج د : + فرعون ب : رآه الفرعون ه / / فزع أ د ه : + منه ب ج.

(١١) ذهب بلاء البنات أ ج ه : عوفيت البنات ب : ـ د / / قال أ ج د ه : فقال ب / / أخاف أ ج د ه : إني أخاف ب.


ولا بد (١) من قتله ، وقالت له : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً)(٢) ، وقالت (٣) : أيها الملك / / أنت من قتله متمكن في أي وقت شئت ، وأنت ليس لك ولد (٤) فأطعم الناس لأجله ، ولم تزل به حتى فعل ذلك ، فجاع الطفل وأتي (٥) بالمراضع فلم يقبل ثدي واحدة منهن ، وذلك قوله تعالى : (* وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ)(٦) يعني (٧) لا يرضع من غير أمه.

قصة الرضاع (٨)(٩)

ثم بلغ أمه وصول التابوت إلى قصر فرعون فقالت لبنتها كلثوم : أخرجي فقصي أمره ، فجاءت قصر فرعون فإذا هو في حجر آسية ، فقالت لها : (أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) (١٢) (١٠) ، فلم تعرفها (١١) آسية أنها ابنة عمها لرثاثة ثيابها ، فقال فرعون : من هؤلاء القوم؟ فقالت : هم من آل إبراهيم ، فأمر بإتيانهم ، فحضرت أم موسى فعرفتها آسية أنها امرأة عمها عمران ، فأعطتها الصبي ، فلما أخذته ضحك وارتضع منها (١٢).

فقال لها فرعون : إني أرى لك لبنا كثيرا فهل لك ولد؟ فقالت : هل ترك أهلك (١٣) ولدا لم يقتلوه؟ فقال لها فرعون : ويلك من قتل ولدك؟ فقالت : الملك أعلم بذلك ، ولا يعلم فرعون أنها امرأة عمران ، واستمرت عند آسية سنة (١٤) ، ثم

__________________

(١) ولا بد أ ج د ه : وأنا لا بد لي ب / / وقالت له أ د : وقالت ب ج ه / / لا تقتلوه القرآن : لا تقتله أ ب ج د ه.

(٢) القصص : [٩].

(٣) وقالت أ : + له ب ج ه / / أيها الملك أ ج د ه : + إنه في قبضتك ب / / أنت أ ج ه : وإنك ب : أن د / / أنت أ ب ج د : ـ ه.

(٤) ولد أ ج د ه : + ذكر ب.

(٥) وأتي أ ج د ه : + فأتي ب.

(٦) القصص : [١٢].

(٧) يعني أ د ه : معناه ب : معني ج.

(٨) قصة الرضاع أ ج د ه : ذكر قصة الرضاع ب.

(٩) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٣٨٩ ، الثعلبي ٩٨ ؛ المقدسي ، البدء ٣ / ٨٤ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٩٨ ؛ النجار ١٥٩.

(١٠) القصص : [١٢].

(١١) تعرفها أ د ه : تعلم ب ج.

(١٢) وارتضع أ ج د ه : ورضع ب.

(١٣) أهلك أ ج د ه : + وأعوانك ب / / لم أ ج : ولم ب د ه.

(١٤) سنة أ ج د ه : + كاملة ب / / انصرفت أ ج د ه : + من عندها ب.


انصرفت مسرورة مستبشرة.

فلما صار لموسى ثلاث سنين دعا به فرعون ، وأقعده في حجره ، وجعل يلاعبه ، فقبض موسى ، عليه‌السلام ، بيده (١) لحية فرعون ولطمه بالأخرى ، فقال فرعون في نفسه : لا شك أن يكون هذا (٢) عدوي ، فهم بقتله فأسرعت إليه آسية ، وقالت له (٣) : إن الصبيان لهم حركة ولعب من غير معرفة ولا عقل وأنا أريك أنه لا يعقل ، فأمرت بإحضار طشت من فضة ، ووضعت فيه تمرة (٤) وجمرة ، وقدمته لموسى ، عليه‌السلام ، وقالت : خذ يا ولدي أيهما شئت ، فأراد موسى أن يأخذ التمرة (٥) ، فضرب جبريل بيده على الجمرة ، فأخذ موسى بيده (٦) الجمرة ، ورفعها إلى فيه فاحترق لسانه ، فرماها من فيه ، وبكى بكاء شديدا.

فقالت له : الآن علمت ذلك (٧) ولو كان له عقل لم يؤثر الجمرة على التمرة؟ فسكت فرعون عند ذلك ، ثم أظهر الله آياته وبانت معجزات موسى ، عليه‌السلام ، وأنبته الله نباتا حسنا ، وأعطاه الله حلما وعلما في دينه ودين آبائه.

(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى)(٨). قال ابن عباس : الأشد : ما بين الثمان (٩) والعشرين سنة إلى ثلاثين سنة (١٠) ، واستوى : إذا صار ابن أربعين سنة ، وكان يذكر لبني إسرائيل ما في فرعون وما هو عليه من الضلالة ، وكان موسى (١١) يأمر فرعون بالمعروف وينهاه عن المنكر ، ويبغضه في الكفر حتى شاع ذلك في البلد وأنه مخالف رأي فرعون.

__________________

(١) بيده أ ب ج د : ـ ه.

(٢) أن يكون هذا أ د ه : أن هذا الذي يكون ب : أن هذا يكون ج.

(٣) وقالت له أ ب ج : فقالت له د : فقالت ه.

(٤) تمرة أ ج د ه : جمرة ب / / خذ يا ولدي أ ج د ه : يا ولدي خذ ب.

(٥) أن يأخذ التمرة أ : أن يمد يده ويأخذ التمرة ب : أن يأخذ الدرة ج د ه.

(٦) بيد أ ج د : يده ب ه / / إلى فيه أ ب : إلى فمه ج ه : إلى فاه د / / فاحترق لسانه أ ب د ه : فأحرقت لسانه.

(٧) الآن علمت ذلك أ ج د ه : أرأيت لو ب / / عقل أ د ه : + أكان ب : ما كان ج / / لم يؤثر أ د ه : أكان يؤثر ب : ما كان يؤثر ج.

(٨) القصص : [١٤].

(٩) الثمان والعشرين سنة أ د ه : الثمان وعشرين سنة ب ج.

(١٠) في تفسير ابن عباس ، الأشد : إذا بلغ ثماني عشرة سنة ، ينظر : ابن عباس ٣٢٤.

(١١) موسى أ ب ج ه : + عليه‌السلام د / / ويبغضه أ د ه : ويعظه ب ج.


قصة القبطي (١)

وقوله تعالى : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ)(٢)(٣) ، وذلك أن موسى ، عليه‌السلام ، كان يمشي في بعض الأيام ، فوجد إسرائيليا وقبطيا يختصمان ، فاستغاث به (٤) الإسرائيلي ، فوكز (٥) القبطي في صدره فمات ، فندم موسى : (قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي)(٦) فأعلم أهل المدينة فرعون بفعل موسى (٧) ، فلم يصدق.

ثم أصبح موسى وهو خائف أن يأخذ بدم القتيل ، فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه على آخر من القبط ، والقبطي يقول : قتل ابن عمي بالأمس ، فقال : يا موسى أعنّي على هذا القبطي ، فإنه يريد أن يحملني إلى فرعون ، فقال له موسى ، كما أخبر الله تعالى : (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) (١٨) (٨) ، فحزن الفتى من كلامه ، وعلم (٩) أن موسى قد ندم على ما كان منه بالأمس.

ثم إن موسى لم يجد بدا من نصرته لأنه قد استغاث به فدنا موسى من القبطي ونزع الإسرائيلي من يده ، فظن القبطي أنه يريد قتله ، فقال ، كما أخبر الله تعالى : (يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) (١٩) (١٠).

ثم دخل القبطي على فرعون ، فأخبره (١١) أن موسى قتل رجلا ، فأرسل فرعون في طلبه ، وأذن لأولياء المقتول أن يقتلوه حيثما وجدوه ، فسمعه رجل مؤمن من آل

__________________

(١) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٣٩١ ؛ الثعلبي ٩٩ ؛ المقدسي ، البدء ٣ / ٨٤ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٩٨ ؛ النجار ١٦٣.

(٢) القصص : [١٥].

(٣) يقتتلان القرآن الكريم أ ب ج د : يقتلان ه.

(٤) فاستغاث به أ ج د ه : فاستغاثه ب.

(٥) فوكز أ ج د ه : + موسى ب / / موسى أ ج د ه : + بفعله ب.

(٦) القصص : [١٦].

(٧) فأعلم أهل المدينة فرعون بفعل موسى أ ج : فذهب بعض القبط إلى فرعون وأعلمه بذلك ب : فنمّ أهل المدينة لفرعون بفعل موسى د ه.

(٨) القصص : [١٨].

(٩) فحزن الفتى من كلامه وعلم أ ج د ه : فحزن الفتى وعلم من كلامه ب.

(١٠) القصص : [١٩].

(١١) فأخبره أ ج د ه : وأخبره ب / / رجلا أ د ج : نفسا د ه : + بالأمس ب.


فرعون ، فأقبل إلى موسى (١) فقال ، كما أخبر الله تعالى بينهما : (يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ)(٢)(٣).

قصة أرض مدين (٤)

فلم يزل موسى ، عليه‌السلام ، يسير حتى صار إلى أرض مدين في اليوم السادس أو السابع وبه جهد من الجوع والعطش ، فإذا (٥) بجماعة من أهل مدين على بئر لهم يسقون أغنامهم ، ونظر (٦) امرأتين تذودان ، أي تمنعان ، أغنامهما عن الماء من بين الرعاة وهم ما بين العشرة إلى الأربعين ، فقال موسى (٧) للمرأتين : ما خطبكما؟ يعني ما قصتكما : (قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ)(٨)(٩) ، يعني يصرفوا مواشيهم عن الماء ، لأننا امرأتان (١٠) لا نطيق أن نسقي ولا نستطيع أن نزاحم الرجال وأبونا شيخ كبير وهو (١١) شعيب وهو نبي القوم ، وكلهم يحسدونه على ما أتاه الله ، قال لهما موسى : وهذا الماء لهم خاصة؟ قالتا : لا ، بل لجميع الخلق ، وكانوا إذا فرغوا عمدوا إلى حجر عظيم (١٢) يطبقونه على رأس البئر لئلا يقدر أحد على تنحيته.

فسكت موسى ، عليه‌السلام ، حتى فرغ الناس من سقي أغنامهم ، فأطبقوا (١٣) الحجر وانصرفوا ، فقام موسى وقال للمرأتين : قربا أغنامكما من الحوض ، ثم إنه تقدم إلى البئر وضرب الصخرة برجله ، فرماها أربعين ذراعا على ضعفه من الجوع ، فسقى أغنامهما (١٤) ، فلما فرغ من ذلك تولى إلى الظل وهي شجرة

__________________

(١) إلى موسى أ ج د ه : على موسى ب / / فقال ، كما أخبر الله تعالى بينهما أ د ه : وأخبره وقال ب : كما قال الله عنهما ج.

(٢) القصص : [٢٠ ـ ٢١].

(٣) يا موسى أ ب ج ه : ـ د.

(٤) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٣٩١ ؛ الثعلبي ١٠٠ ؛ المقدسي ، البدء ٣ / ٨٥ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٩٨ ؛ النجار ١٦٤.

(٥) فإذا أ ج د ه : وإذا ب.

(٦) ونظر أ ج د ه : فنظر ب.

(٧) موسى أ ب ج ه : ـ د.

(٨) القصص : [٢٣].

(٩) يعني أ د ه : أي ب ج.

(١٠) امرأتان ب : امرأتين أ ج د ه.

(١١) وهو أ ج د ه : ـ ب / / أتاه الله أ ج د ه : + من الغنم وغيرها ب.

(١٢) حجر عظيم أ ج د ه : حجر كبير عظيم ب / / لئلا يقدر أ ج د ه : لا يقدر ب.

(١٣) فأطبقوا أ ج د ه : فاجتمعوا وطبقوا ب / / من أ د : إلى ب ج ه.

(١٤) فسقى أغناهما ، فلما فرغ من ذلك أ ج د ه : ولما فرغ من سقي أغنامهما ب.


كانت (١) هناك ، فقال : (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (٢٤) (٢).

فانصرفت المرأتان إلى أبيهما شعيب ، فأخبرتاه (٣) بما كان ، فقال لإحداهما (٤) : اذهبي فأتيني به ، فأقبلت إلى موسى ، وأومأت إليه فقالت : إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ، فقام موسى ومرت المرأة بين يديه ، فكشف الريح عن ساقيها (٥) ، فقال لها موسى : تأخري ورائي ودليني على الطريق ، فتأخرت وكانت تقول : عن يمينك وشمالك (٦) وقدامك حتى وقف على باب شعيب ، فبادرت المرأة لأبيها (٧) وأخبرته ، فأذن له بالدخول ، وشعيب يومئذ شيخ كبير وقد كف بصره ، فسلم موسى عليه (٨) ، فرد عليه‌السلام وعانقه ، ثم أجلسه بين يديه ، وسأله عن حاله وقصته ، فأخبره الخبر (٩) ، فقال : لا تخف نجوت من القوم الظالمين ، ودعا له بطعام ، فأكل على اسم الله ، فلما (١٠) فرغ من أكله حمد الله وأثنى عليه بالجميل ، فقالت بنت شعيب ، واسمها صافورا : (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (٢٦) (١١). فرغب شعيب فيه لأجل قوته (١٢) وأمانته ، فقال : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) فرضي موسى و (قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) (٢٨) (١٣) ، فرضي شعيب وجمع المؤمنين من أهل مدين وزوجه ابنته صافورا ، ودخل موسى البيت ، وأقام (١٤) يرعى غنم شعيب عشر حجج وهي عشر سنين.

__________________

(١) كانت أ ب ج ه : ـ د.

(٢) القصص : [٢٤].

(٣) فأخبرتاه أ ج د ه : وأخبرتاه ب.

(٤) لإحداهما أ : لأحدهما ب د ه : لأحدهن ج.

(٥) ساقيها أ : ساقها ب ج د ه / / ورائي أ ج د ه : خلفي ب.

(٦) وشمالك أ د ه : عن شمالك ب ج / / وقدامك أ ج د ه : خلفك وقدامك ب.

(٧) لأبيها أ د ه : إلى أبيها ب ج.

(٨) عليه أ ج : + السلام ب د ه.

(٩) الخبر أ ج د ه : بخبره وقص عليه قصته ب / / ودعا له بطعام أ د : وأتاه بطعام ب : فدعا له بطعام د ه / / فأكل على اسم الله أ ج د ه : فقال : بسم الله الرحمن الرحيم وأكل ب.

(١٠) فلما أ ج د ه : ولما ب / / الله أ ج د ه : + تعالى ب.

(١١) القصص : [٢٦].

(١٢) لأجل قوته أ د : لقوته ب ج ه.

(١٣) القصص : [٢٧ ـ ٢٨].

(١٤) وأقام أ ج د ه : وجعل.


قصة رجوعه من أرض مدين (١)

ثم قصد موسى ، عليه‌السلام ، المسير (٢) إلى أهله ، فبكى شعيب وقال : يا موسى كيف تخرج عني وقد ضعفت وكبرت؟ فقال له (٣) : قد طالت غيبتي عن أمي وخالتي وهارون أخي وأختي فإنهم في مملكة (٤) فرعون ، فقام شعيب وبسط يديه (٥) ، وقال : يا رب إبراهيم الخليل ، وإسماعيل الصفي ، وإسحاق الذبيح ، ويعقوب الكظيم ، ويوسف الصديق ، رد قوتي وبصري ، فأمن موسى على دعائه ، فرد الله عليه بصره وقوته ثم أوصاه بابنته. وسار موسى وأهله وضرب خيمته على الوادي وأدخل أهله فيها ، وهطلت السماء بالمطر والثلج ، وكانت امرأته حاملا فأخذها الطلق ، فأراد أن يقدح فلم يظهر له نار ، فاغتم لذلك ، فإذا (٦) هو بنار من بعيد (قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) (٢٩) (٧) ، فلما دنا (٨) منها رأى نارا (٩) ممتدة من السماء إلى شجرة عظيمة من العوسج (١٠) وقيل : من العناب ، فتحير وخاف ، فلما أتاها نودي من جانب الواد (١١) الأيمن من الشجرة أن : (يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٢) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى) (١٦) (١٢) ، ثم قال : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨))(١٣).

__________________

(١) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٣٩٩ ؛ الثعلبي ١٠٢ ؛ المقدسي ، بدء ٣ / ٨٥ ؛ النجار ١٧٣.

(٢) المسير أ د ه : السير ب : الرجوع ج.

(٣) فقال له أ د ه : فقال موسى ب : ـ ج.

(٤) مملكة أ ج د ه : أسر ب.

(٥) بسط يديه أ ج د ه : وبسط يديه إلى ربه ب.

(٦) فإذا أ ج د ه : وإذا ب / / من بعيد أ ج د ه : من بعد ب د.

(٧) القصص : [٢٩].

(٨) فلما دنا منها أ ج د ه : + فأتى نحو النار.

(٩) نارا ممتدة أ ج د ه : نورا ممتدا ب ج د ه.

(١٠) العوسج : جنس نبات شائك من الفصيلة الباذنجية له ثمر مدور أحمر كأنه خرز العقيق ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٢ / ٣٢٤ ؛ المعجم الوسيط ٢ / ٦٢١.

(١١) من جانب الواد الأيمن أ ج د ه : من شاطىء الوادي الأيمن ب.

(١٢) طه : [١٢ ـ ١٦].

(١٣) طه : [١٧ ـ ١٨].


قال تعالى (١) ، عز وجل : (أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) (٢٠) (٢). فلما رآها ولى مدبرا ولم يعقب فسمع النداء : أيملك (٣) أحد الموت والحياة إلا الله ، عز وجل (٤)؟ فرجع موسى إلى موضعه والحية على حالها ، فقال عز وجل : (خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١))(٥) ، وأدخل (٦) يده في كمه ليأخذها فسمع النداء : أرأيت لو آذنت لها أن تضربك أكان يغنيك كمك (٧)؟ فكشف يده وأدخلها في فيها (٨) فإذا هي عصى ، قال الله عز وجل : (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ)(٩) ، أي من غير برص ، آية أخرى مع العصى ، فعند ذلك أنس موسى وذهب عنه الخوف ، قال الله تعالى (١٠) : يا موسى إني اخترتك على الناس برسالاتي وبكلامي لأبعثك لعبد من عبيدي كفر بنعمتي وتسمى باسمي واستعبد عبيدي ولو لا حلمي (١١) لأهلكته ، ولكن هان عليّ وأنا مستغن عنه أمهله لأقيم عليه حجتي فبلغه رسالاتي وادعه إلى عبادتي.

فقال موسى : (قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي) (٢٨) ـ يعني ليعرفوا كلامي ـ (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢))(١٢)(١٣) يعني (١٤) عونا لي على الرسالة ، قال تعالى : (قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) (٣٦) (١٥) ، ثم ذكر ما كان منه من قتل النفس فخافهم فقال : رب إني قتلت منهم نفسا : (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤) قالَ كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) (١٥) (١٦) ، ثم قال اذهبا ، يعني هو وهارون (١٧)(اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) (٤٣)

__________________

(١) قال تعالى أ : قال الله تعالى ب ج د ه.

(٢) طه : [١٩ ـ ٢٠].

(٣) أيملك أ ج د ه : هل يملك ب / / إلا الله أ د ه : غير الله ب ج.

(٤) عز وجل أ ج د ه : الله تعالى ب.

(٥) طه : [٢١]. (٦) وأدخل أ : فأدخل ب ج د ه.

(٧) كمك ب : ـ أ ج د ه.

(٨) فيها أ ج د ه : فمها ب / / عصى أ ج د ه : + كما كانت ب.

(٩) طه : [٢٢].

(١٠) الله تعالى أ ج د ه : ـ ب.

(١١) حلمي أ د ـ : + وكرمي ب ج.

(١٢) طه : [٢٥ ـ ٣٢].

(١٣) ليعرفوا أ ج ه : يعرفوا ب : ـ د.

(١٤) يعني أ ج د ه : + يكون ب / / قال تعالى أ ه : قال الله تعالى ب ج د.

(١٥) طه : [٣٦].

(١٦) الشعراء : [١٤ ـ ١٥].

(١٧) وهارون أ ج د ه : وأخيه هارون د.


(فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ)(١). وهذه المخاطبة له وحده (٢) ، والرسالة له ولأخيه هارون.

ومر موسى في المخاطبة مع ربه عز وجل وصافورا (٣) بنت شعيب قد اشتد بها الأمر (٤) في الطلق ، فسمع بأنينها سكان ذلك الوادي ، فأتوا إليها وأوقدوا عندها نارا وجلسوا إليها (٥) ، ثم أقبل موسى إلى أهله فسار بهم نحو مصر حتى أتاها ليلا.

قصة دخوله إلى مصر

وأوحى (٦) الله تعالى إلى هارون بقدوم أخيه موسى وهو يومئذ وزيرا من وزراء فرعون لا يفارقه ليلا ولا نهارا ، وكانت الأبواب مغلقة فاحتمله الملك إلى قارعة الطريق ثم قال له : امض يا هارون واستقبل أخاك فقال له هارون : كيف (٧) أسلك الطريق في هذا الليل وأنا لا أعرفه ، فنزل عليه جبريل وبشره بالرسالة بأخيه موسى إلى فرعون (٨) ثم احتمله الملك حتى أتى به إلى شاطىء النيل فالتقيا وتعانقا وبشره بالرسالة ، ثم أقبلا يريدان أمهما فاجتمعا بها وأخبرها موسى بما كان من أمره ، ثم حمل جبريل هارون من عند أمه إلى منزل فرعون.

ثم خرج موسى متنكرا ونظر (٩) ما أحدثه فرعون بأرض مصر من البنيان ، ثم قصد الاجتماع بفرعون ، فحضر إلى بابه ، فمنهم من يعرفه ، ومنهم من ينكره ، ثم علم به فرعون فتغير لونه (١٠) وارتعدت مفاصله ، ثم إن هامان أمسكه

__________________

(١) طه : [٤٣ ـ ٤٧].

(٢) له وحده ... مع ربه ب ج د ه : ـ أ.

(٣) وصافورا أ ج د ه : وزوجته صافورا ب.

(٤) اشتد بها الأمر في الطلق أ ج د ه : اشتد بها الطلق ب / / بأنينها أ ج د ه : أنينها ب / / ذلك أ ج د ه : ـ د.

(٥) وجلسوا إليها أ ج د ه : وجلسوا عندها ب / / إلى أهله أ ج د ه : ـ د.

(٦) وأوحى أ د : فأوحى ب ج ه / / أخيه أ ج د ه : ـ ب / / وهو يومئذ أ ج د ه : وهارون كان ب.

(٧) كيف أ ج د ه : وكيف ب.

(٨) إلى فرعون ... بأخيه موسى ب ج د ه : ـ أ.

(٩) ونظر أ ج د ه : ينظر ب.

(١٠) لونه ب : ـ أ ج د ه.


وحبسه وأخبر فرعون بأمره وأنه حبسه ، فدعا فرعون بالفراشين وزين قصره واستحضره (١).

فلما نظر فرعون إلى موسى (٢) عرفه ولكنه قال له : من أنت؟ قال : أنا عبد الله ورسوله وكليمه ، قال فرعون (٣) : إنك عبدي وابن أمتي ، قال موسى : إن الله (٤) أعز من أن يكون له ندا أو ضدا ، قال له فرعون : فأنت رسول / / إليّ وحدي؟ قال (٥) : إليك وإلى جميع أهل مصر ، قال له : فبماذا أرسلت ، قال : لتقولوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن موسى عبده ورسوله ، قال له فرعون : فما حجتك فإنك لكل مدع بينة (٦) ، فقال موسى : إن أتيتك ببينة واحدة تؤمن بي؟ قال : نعم ، قال موسى : يا هارون انزل عن الكرسي (٧) ، فنزل هارون ثم قال : يا فرعون (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ) ـ يعني بالبناء ونقل الحجارة (٨) ـ (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ)(٩) ، فتحير (١٠) فرعون لأنه كان عنده أن هارون شاهد على أخيه لاختصاصه به وقربه منه.

ثم قال : فمن ربكما يا موسى؟ (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى)(١١) ، وكان هارون كلما تكلم أخوه موسى بشيء صدقه فيه فأعانه (١٢) عليه ، فغضب فرعون على هارون وخلع ما عليه من اللباس حتى بقي (١٣) بالسراويل ، فبادر موسى ونزع مدرعة (١٤) مما عليه فألبسها هارون ، ثم نزل

__________________

(١) واستحضره أ ج د ه : وأحضره ب.

(٢) إلى موسى ب : ـ أ ج د ه / / له أ ج د ه : ـ ب / / من أنت أ ب د : ـ ج ه.

(٣) قال فرعون أ د : فقال فرعون ب : قال له فرعون ج ه / / قال موسى أ ج د ه : فقال موسى ب.

(٤) الله أ د : عز وجل ب ج ه / / ندا أو ضدا أ ج ه : ند وضد ب : ضد وند د / / قال له فرعون أ د : فقال له فرعون ب : قال فرعون ج ه.

(٥) قال أ ج د ه : فقال موسى ب.

(٦) بينة أ ج د : بينة وبرهانا ب : ـ ه.

(٧) عن الكرسي أ ب ج د : على الكرسي ه.

(٨) الحجارة أ ج د ه : الأحجار ب.

(٩) طه : [٤٧].

(١٠) فتحير أ ج د ه : قال فتحير ب / / لأنه كان عنده أن هارون شاهد على أخيه أ ج د ه : لأن هارون كان عنده وهو يظن : أنه يساعده على أخيه ب.

(١١) طه : [٥٠].

(١٢) فأعانه أ ج د : وأعانه ب ه / / وخلع أ ج د ه : فخلع ب / / ما عليه أ ج د ه : ما كان عليه ب.

(١٣) بقي أ ج د ه : + هارون ب / / موسى أ ج د ه : + عليه‌السلام ب / / فألبسها أ ج د ه : وألبسها ب / / هارون أ د : لهارون ب ج ه.

(١٤) مدرعة : الدراعة وهي ثوب من صوف ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٨ / ٨٢ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٢٨٠.


جبريل (١) بقميص من الجنة فأفرغه على هارون ، فتحير من أمره ، ثم أمر هامان بحملهما إلى داره ومداراتهما على أن يرجعا إلى طاعته ويشركهما (٢) فيما هو فيه ، فلم يلتفتا لقوله ، فجاء هامان وأخبر فرعون بامتناعهما (٣).

فأمر بإحضارهما (٤) وقال لموسى : (قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) ـ يعني القتل ـ (قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٢١) (٥) ، يعني إليك يا فرعون ، ثم قال له : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (٢٢) (٦) ، يعني أنك جعلت بني إسرائيل عبيدا لك تذبح أبناءهم وتستحيي نساءهم ، وكان فرعون متكئا ، فاستوى جالسا (٧) ، فقال : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢٣) (٨) ، قال موسى : (قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) (٢٤) (٩) ، فالتفت فرعون وقال لمن حوله (١٠) : ألا تسمعون؟ يعني إلى قول موسى ، قال موسى : (قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) (٢٦) ـ قال فرعون ـ (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) (٢٧) ـ قال موسى ـ (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (٢٨) قال ـ فرعون ـ (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) (٣٠) ـ يعني آية بينة ـ (قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١))(١١)(١٢).

قصة الحية واليد البيضاء (١٣)

فبينما هما في المجادلة إذا بالعصا قد اضطربت في كف موسى فناداه جبريل :

__________________

(١) جبريل أ ج د ه : + عليه‌السلام ب / / فأفرغه على هارون أ ج د ه : ـ د / / فتحير من أمره أ د ه : فتحير فرعون في أمره ب.

(٢) ويشركهما فيما هو فيه أ ج د ه : ـ ب / / لقوله أ ج د ه : إلى قوله ب / / فجاء هامان ب : ـ أ ج د ه.

(٣) بامتناعهما أ ج د ه : أهما لم يقبلا ذلك ولم يلتفتا إلى قوله.

(٤) فأمر بإحضارهما أ د ه : فأحضرهما فرعون ب : فأحضرهما ج.

(٥) الشعراء : [١٨ ـ ٢١].

(٦) الشعراء : [٢٢].

(٧) جالسا أ ب ج : فجلس د.

(٨) الشعراء : [٢٣].

(٩) الشعراء : [٢٤].

(١٠) لمن حوله أ د : إلى من حوله ب ج ه / / ألا تسمعون أ ب د : ألا تستمعون ج ه.

(١١) الشعراء : [٢٦ ـ ٣١].

(١٢) كنتم تعقلون أ ب ج د : كنتم تفعلون ه.

(١٣) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٠٢ ؛ الثعلبي ١٠٥ ؛ المقدسي ، البدء ٣ / ٨٧ ؛ النجار ١٨٩.


أن ألقها يا نبي الله (١)(فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) (٢٠) (٢) يعني ثعبان مبين أعظم ثعبان (٣) ، والناس ينظرون إليه ، وقام على رجليه حتى أشرف على الحائط ، وجعل يقلع الصخور من قصر فرعون ويهدمها ، ثم تتنفس (٤) في البيوت والمخازن (٥) ، فاشتعلت نارا ، وجعلت تهيج كما يهيج الجمل ولها صوت كالرعد (٦) ، والناس يهربون منها ، وآسية تنظر وتتعجب من ذلك ، فلما نظر فرعون إلى ذلك وثب عن سريره ، وقد أحدث في ثيابه ، وأخذت الحية ذيل ثيابه حتى رمى بنفسه خلف السرير ، وقال : يا موسى بحق التربية والرضاع وبحق آسية ، قال : فلما سمع موسى بذكر آسية صاح بالحية فأقبلت نحوه كالكلب ، فأدخل يده في فمها ، وقبض على لسانها ، فإذا هي عصا كما كانت بقدرة الله ، عز وجل (٧).

فلما نظر فرعون إلى ذلك قال : يا موسى! لقد تعلمت (٨) سحرا عظيما هل عندك غير هذا؟ قال : نعم وأدخل يده في جيبه ثم أخرجها وإذا هي بيضاء ولها نورا (٩) ، ثم ردها إلى جيبه وأخرجها على لونها الأول ، فأقبل فرعون على قومه وقال : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ (٣٥))(١٠).

قصة السحرة (١١)

ثم أقبل الملأ من قوم فرعون عليه وقالوا : أيها الملك (١٢)(إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) (٦٣) (١٣) ، وقالوا : (أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٣٦) بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (٣٧))(١٤)(١٥). فأمر فرعون بذلك

__________________

(١) يا نبي الله أ د ه : يا موسى ب : يا موسى يا نبي الله ج / / يعني أ ج د ه : أي ب.

(٢) طه : [١٩ ـ ٢٠].

(٣) أعظم ثعبان أ ج د ه : ـ ب.

(٤) ثم تتنفس أ ج د ه : وجعلت تتنفس ب.

(٥) والمخازن أ : والخزائن ب ج د ه / / فاشتعلت أ ج د ه : واشتعلت ب.

(٦) كالرعد أ ج د ه : + القاصف ب / / وآسية تنظر وتتعجب من ذلك أ ب ج ه : ـ د.

(٧) عز وجل أ ج د ه : تعالى ب.

(٨) تعلمت سحرا أ ج د ه : حويت سحرا ب / / عظيما أ ب ج ه : كثيرا د.

(٩) نورا أ : نور ب ج د ه / / الأول أ ج د ه : + كما كانت ب.

(١٠) الشعراء : [٣٥].

(١١) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٠٧ ؛ الثعلبي ١٠٥ ؛ النجار ١٨٩.

(١٢) الملك أ : + إن ب ج د ه.

(١٣) طه : [٦٣].

(١٤) الشعراء : [٣٦ ـ ٣٧].

(١٥) سحار القرآن ب : ساحر أ ج د ه.


وأرسل قصاده (١) إلى جميع البلاد ، فاجتمع إليه سبعون ألف ساحر وهم أحذق الخلق ، / / ثم بعث إلى موسى ودعاه ، وقال فرعون للسحرة : اجتهدوا أن تغلبوا موسى.

ثم اجتمع الناس في صعيد واحد لينظروا من يكون الغالب. وخرج فرعون بجنده. وأقبل (٢) موسى وهارون وقد أحدقت بهم الملائكة ، وكان السحرة قد أخرجوا ثلاثمائة وقر (٣) من الحبال والعصي ، وسحروا أعين الناس ، فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ، فامتلأ الوادي من العصي والحبال وجعلت تركض بعضها على بعض : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) (٦٧) ـ وأوحى الله إليه ـ (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩))(٤) ، فزال عن موسى الخوف وقال : (ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) (٨١) (٥) ثم ألقى عصاه في وسط الوادي ، وبطل ما أظهروه من السحر ، فإذا (٦) حبال وعصي ، وصارت عصا موسى ثعبان لها سبع رؤوس ، ثم أتت على حبالهم وعصيهم ، فابتلعتها عن آخرها وجميع ما في الوادي (٧) من زينة فرعون ، ثم حملت على السحرة ، فولوا هاربين على وجوههم ، ثم اجتمعوا في موضع واحد وقالوا : ما هذا بسحر (٨) إنا آمنا بربنا ، ثم خرجوا جميعهم ساجدين ، فاغتم فرعون لذلك ، وقال للسحرة (٩) : (قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ)(١٠) ، فقطع (١١) أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وأمر بصلبهم أجمعين.

__________________

(١) وأرسل قصاده ب : ـ أ ج د ه.

(٢) وأقبل أ ج د ه : فأقبل ب.

(٣) الوقر : الحمل الثقيل ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٥ / ٢٨٩ ؛ المعجم الوسيط ٢ / ١٠٤٩.

(٤) طه : [٦٧ ـ ٦٩].

(٥) يونس : [٨١].

(٦) فإذا أ ج د ه : وإذا هو ب.

(٧) الوادي : ب ج د ه.

(٨) بسحر أ : سحر ب ج د ه / / جميعهم أ د ه : بأجمعهم ب : أجمعهم ج.

(٩) للسحرة أ ب ج ه : ـ د / / له القرآن ب : به أ ج د ه / / علمكم السحر أ ج د ه : + فسوف تعلمون ب.

(١٠) الشعراء : [٤٩].

(١١) فقطع أ ج د ه : فأمر بقطع ب.


قصة الصرح (١)

ثم أقبل فرعون على هامان (٢) ، وقال له (٣) : (ابْنِ لِي صَرْحاً) ـ يعني قصرا مشيدا ـ (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً)(٤) ـ يعني في الرسالة (٥) ، فجمع هامان خمسين ألف بناء وصانع ، وأخذوا (٦) في ذلك ، وأسسوه حتى بنوا الصرح ، وارتفع في الهواء ارتفاعا لم يبلغه أحد من الخلق (٧) ، أراد الله أن يفتنهم فيه.

واشتد (٨) ذلك على موسى وهارون لأن بني إسرائيل كانوا معذبين في بنائه ، فلما فرغوا منه (٩) ارتقى فرعون فوقه ، وأخذ سهما فرمى به نحو السماء فرد إليه وهو ملطخ دما (١٠) ، قال : قد قتلت إله موسى ، ثم أمر الله جبريل ، عليه‌السلام (١١) ، أن يهدم الصرح ، فجعل عاليه سافله ، ومات كل من كان فيه من الفعلة ممن كان على دين فرعون.

قصة الآيات التسع (١٢)

ثم أخذ الله قوم فرعون بالآيات التسع وهي أنه (١٣) حبس عنهم المطر ، فأجدبت الأرض (١٤) ، وماتت المواشي ، وخرب الصرح ، وجاءهم الطوفان ، فدام عليهم ثمانية أيام بلياليها ، وبعث الله عليهم الجراد ، فأكل جميع ما عندهم ، ثم

__________________

(١) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٠٥ ؛ الثعلبي ١٠٧ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٠٤ ؛ النجار ١٨٤.

(٢) هامان : وزير فرعون الذي تولى بناء الصرح ، ينظر : الثعلبي ١٠٨.

(٣) وقال له أ ج د ه : ـ د.

(٤) غافر : [٣٦ ـ ٣٧].

(٥) الرسالة أ ج د ه : رسالته ب.

(٦) وأخذوا أ ج د ه : وأخذ ب / / وأسسوه أ د : أسسوا ج ه : ولم يزالوا ب.

(٧) من الخلق أ ج د ه : من بني آدم ب / / أراد الله أن يفتنهم فيه أ ج د ه : ـ ب.

(٨) واشتد أ ج د ه : قال : واشتد ب / / موسى وهارون أ : هارون وموسى ب ج د ه.

(٩) منه أ ج د ه : من بنائه وارتفاعه ب / / فرمى أ : ورمى ب ج د ه.

(١٠) دما أ ج د ه : بالدم ب / / قال أ ج د ه : فقال الكلب ب / / ثم أمر الله أ : فأمر الله عز وجل ب : ثم أمر الله عز وجل ج د ه.

(١١) عليه‌السلام أ : ـ ب ج د ه / / فجعل أ ج د ه : وجعل د.

(١٢) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤١٩ ؛ الثعلبي ١٠٩ ؛ النجار ١٩٧.

(١٣) ثم أخذ الله قوم فرعون بالآيات التسع وهي أنه أ : ثم إن الله ب ج د ه / / حبس عنهم أ ج ه : حبس عن قوم فرعون ب : حبس عليهم د.

(١٤) الأرض أ ج د ه : + عليهم ب.


القمل (١) حتى أكل جميع ما على وجه الأرض ، ووقع في ثيابهم يقرضها ، ويقرض (٢) أيديهم ، ثم أرسل الله عليهم الضفادع ، وكانت أشد عليهم من جميع ذلك (٣) ، لأنها كانت تقتحم في الطعام وفي دورهم وفي ثيابهم ، ثم أوحى الله لموسى (٤) : (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ)(٥) ، فصار دما عبيطا (٦) من وقته ، فاشتد بهم العطش.

وكان الفرعوني والإسرائيلي يعمدان إلى موضع واحد يستقيان (٧) ، فإذا أخذ الإسرائيلي يكون ماء ، وإذا أخذ القبطي (٨) يكون دما ، فدام ذلك ثمانية أيام حتى أجهدهم (٩) العطش ، وكان بين كل آية أربعون يوما فهذه التسع آيات.

قصة المسخ وقتل آسية

ثم دعا موسى (١٠) عليهم وأمن هارون على دعائه ، فمسخ الله سبحانه وتعالى كثيرا منهم حتى أصبح الرجال والنساء والصبيان حجارة ، ثم إن آسية أظهرت الإنكار على فرعون ، وواجهته (١١) بقبح القول ، فقتلها لعنه الله ، ثم بعث الله الظلمة على أهل مصر ثلاثة أيام (١٢) ، فلم يعرفوا الليل من النهار.

قصة النيل

وانقطع عنهم النيل فضجوا إلى فرعون ، فخرج بهم على أن يجري لهم النيل ، فلما قرب من النيل أوقفهم وانفرد عنهم بحيث لا يرونه فنزل عن فرسه (١٣) ورفع

__________________

(١) ثم القمل أ ج د ه : ثم بعث الله القمل ب.

(٢) يقرضها ويقرض أ ج د ه : فقرضها وقرض ب / / وكانت أ ج د ه : فكانت ب / / أشد عليهم أ ج د ه : عليهم أشد ب.

(٣) جميع ذلك أ ج د ه : الكل ب / / في الطعام أ ج د ه : في طعامهم ب / / وفي ثيابهم أ ب ج د : ـ ه.

(٤) الله لموسى أ : الله تعالى إلى موسى ب : الله إلى موسى ج د ه.

(٥) الشعراء : [٦٣].

(٦) دما عبيطا : أي طريا ، ينظر : المعجم الوسيط ٢ / ٥٨١.

(٧) يستقيان ب : ـ أ ج د ه.

(٨) القبطي أ ج د ه : الفرعوني ب.

(٩) أجهدهم ب ج د ه : أجهدوا أ / / التسع آيات أ ج د ه : الآيات التسع ب.

(١٠) موسى عليهم أ : عليهم موسى ب ج د ه.

(١١) وواجهته أ ب د : وأوجعته ج : وواجعته ه / / لعنه الله أ ج : لعنة الله عليه ب د ه.

(١٢) ثلاثة أيام أ ب ج د : ـ ه.

(١٣) فنزل عن فرسه أ ج د ه : + فمرغ وجهه على الأرض ب.


يديه إلى السماء وقال : إلهي وسيدي ومولاي ، علمت أنك إله السماء والأرض لا إله فيهما سواك ، حلمك الذي يحملني (١) أن أسألك ما ليس لي (٢) بحق ، وأنت المتكفل بأرزاقهم ، اللهم إني أسألك أن تجري لهم النيل.

فأجرى (٣) الله لهم النيل ، فلما رآه القوم سجدوا له وازدادوا كفرا وقالوا : قد أتانا بالماء والنيل في طاعته وعلم الله منه أنه لا يزداد إلا كفرا (٤) لكن أراد الله أن يؤكد / / الحجة عليه بذلك ، وبلغ ذلك موسى وهارون ، فتعجبا (٥) واشتد عليهما.

قصة غرق (٦) فرعون (٧) وخروج موسى من مصر

ثم أوحى الله (٨) إلى موسى : أنه قد اقترب أجل فرعون وهلاكه ، وأهبط الله جبريل (٩) على صورة آدمي حسن الوجه ، فدخل على فرعون فقال له فرعون (١٠) : من أنت؟ قال : أنا عبد من عبيد الملك جئتك مستغيثا على عبد من عبيدي مكنته من نعمتي ، فاستكبر وبغى وجحد حقي وتسمى باسمي وادعى في جميع ما أنعمت عليه أنه له ، فقال فرعون : بئس ذلك العبد بين العبيد ، فقال جبريل ، عليه‌السلام : فما جزاؤه؟ قال : يغرق في هذا (١١) البحر ، قال جبريل ، عليه‌السلام : إني أسألك أن تكتب لي خطا بيدك ، فكتب له خطا (١٢).

فأخذه جبريل وخرج من عنده حتى صار إلى موسى ، فأخبره بذلك (١٣) وقال له : إن الله يأمرك أن ترحل من موضعك ، فنادى موسى في بني إسرائيل بالرحيل ،

__________________

(١) يحملني أ ج د ه : حملني ب.

(٢) لي أ ج د : ـ ب ه / / بأرزاقهم أ ج د ه : بالأرزاق ب.

(٣) فأجرى أ ج د ه : قال : فأجرى ب / / الله لهم النيل ... في طاعته أ ب ج ه : ـ د / / رآه القوم سجدوا أ ج د ه : + طنوا أنه أجرى لهم النيل فسجدوا ب.

(٤) كفرا أ ج د ه : + وعصيانا ب / / لكن أراد الله أ ج د ه : لكنه أراد ب / / عليه بذلك أ ج د ه : عليه ب.

(٥) فتعجبنا واشتد عليهما أ ج د ه : فتعجبا من لطف الله تعالى ب.

(٦) غرق أ ج د ه : ـ د.

(٧) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٢٠ ؛ المسعودي ١ / ٤٩ ؛ الثعلبي ١١٢ ؛ النجار ٢٠٠.

(٨) الله أ ج د ه : + تعالى ب.

(٩) جبريل أ ج د ه : + عليه‌السلام ب / / آدمي أ ج د ه : رجل ب.

(١٠) له فرعون ب : ـ أ ج د ه.

(١١) هذا أ ج د ه : ـ ب / / خطا بيدك ... خطا أ ب ج د : ـ ه.

(١٢) خطا أ ج د : + بيده ب : ـ ه.

(١٣) بذلك أ ه : ذلك ب ج د.


فارتحلوا وهو يومئذ ستمائة ألف.

فلما سمع فرعون بذلك نادى في جنوده ، وكان في كثرة لا يحصون عددا ، وسار (١) بهم في أتباع موسى ، فإنه كان يعتقد أنه خرج هاربا منه ، فسار حتى قرب من بني إسرائيل (٢) ، فقالوا : يا موسى قد لحقنا فرعون وجنوده ، فقال موسى : (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) (٦٢) (٣) ، فقالوا (٤) : قد قرب القوم وليس بين أيدينا إلا البحر (٥) وما خلفنا إلا السيوف وقد هلكنا ، فأوحى الله إلى موسى : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (٦٣) (٦) ، وصار فيه اثنا عشر طريقا للأسباط (٧) الإثنى عشر ، فجعلوا يسيرون فيه ويحدث بعضهم بعضا وموسى بين أيديهم وهارون (٨) من ورائهم.

فأقبل فرعون وهامان عن يمينه (٩) ووزراؤه وجنوده ، فنظروا إلى البحر يابسا وإلى تلك الطريق (١٠) ، فأحب لحوق موسى ، فتقدم وهو على فرسه ، فتأخر الفرس ونفر ، فهبط جبريل على فرسه ، ثم تقدم جبريل إلى جنب فرس فرعون ، فاشتم رائحة فرس جبريل ، فاتبعها (١١) فرعون وجنوده وجبريل يقول : أيها الملك لا تعجل ، وجعل ميكائيل يسوق الناس خلفه ، فأخرج جبريل الصحيفة وقال (١٢) : أيها الملك أتعرف هذه الصحيفة؟ فلما فتحها علم أنه هالك.

وجعل البحر ينضم بعضه إلى بعض والناس يغرقون وفرعون ناظر (١٣) إليهم ، فلما استيقن بالموت قال : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ

__________________

(١) وسار بهم في إتباع موسى أ ج د ه : وسار فرعون بجنده ف تبع موسى وبني إسرائيل ب / / يعتقد أنه خرج هاربا أ ج د ه : معتقدا أنهم خرجوا هاربين ب.

(٢) إسرائيل أ ج د ه : فلما رأوه ب / / فقالوا أ ج د ه : قالوا لموسى ب.

(٣) الشعراء : [٦٢].

(٤) فقالوا أ ج د ه : قالوا له ب.

(٥) إلا البحر أ ج د ه : شيء سوى البحر ب / / إلا السيوف أ ج ه : سوى السيوف ب : السيف د.

(٦) الشعراء : [٦٣].

(٧) الأسباط : السبط في كلام العرب الشجرة الملتفة الكثيرة الأغصان والمقصود هنا أبناء يعقوب عليه‌السلام ، وعددهم اثنا عشر رجلا ، ينظر : الثعلبي ٦٠.

(٨) فجعلوا يسيرون ... وهارون أ ب ج د : ـ ه.

(٩) عن يمينه أ ج د ه : ـ ب / / ووزراؤه وجنوده أ ج د ه : بين يديه ومن ورائه وزراؤه وحجابه ب.

(١٠) الطريق أ ج ه : الطرق ب : الطرقات د.

(١١) فاتبعها أ ب ج د : فلحقها ه / / وجنوده أ ج د ه : ولحقه جنوده ب.

(١٢) وقال أ ج د ه : + فرعون ب / / هذه الصحيفة أ ج د ه : + التي كتبتها بيدك ب.

(١٣) ناظر أ ج د ه : ينظر ب.


الْمُسْلِمِينَ) (٩٠) (١) ، فقال له جبريل ، عليه‌السلام : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (٩١) (٢) ، فلما أخبر موسى قومه بهلاك فرعون وقومه ، قال بنو إسرائيل : ما مات فرعون ، فأمر الله البحر فألقاه على الساحل فرآه بنو إسرائيل ، فمن ذلك الوقت لا يقبل الماء ميتا أبدا بل يلقيه (٣) ، فذلك قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً)(٤) ، عبرة وعظة (٥) ، فغرق القوم كلهم وبنو إسرائيل ينظرون إليهم كيف يغرقون.

ولما عبر (٦) موسى البحر ببني إسرائيل إذ رأوا في طريقهم قوما يعبدون الأصنام فقال سفهاء بني إسرائيل (٧) : (قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩))(٨).

ثم قال : (قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) (١٤٠) (٩) ، ثم قال لهم : استغفروا الله مما قلتم ، فساروا وفي قلوبهم حب الأصنام ، فلما قرب موسى من الطور (١٠) ، استخلف أخاه هارون على قومه (١١) ، وخرج موسى إلى البقعة التي كلم الله فيها وهو صائم ، فتطهر وطمع أن يكلمه الله وهو في ذلك يكثر (١٢) التسبيح والتقديس والتمجيد.

قصة السامري (١٣)

ثم إن السامري عمل لبني إسرائيل بعد رواح موسى لمناجاة (١٤) ربه ،

__________________

(١) يونس : [٩٠].

(٢) يونس : [٩١].

(٣) بل يلقيه ب : ـ أ ج د ه :/ / فذلك أ ج د ه : وذلك ب.

(٤) يونس : [٩٢].

(٥) وعظة أ ج د : وموعظة ب ه.

(٦) عبر أ ب ج ه : جاوز د / / إذ رأوا ب : ـ أ ج د ه.

(٧) سفهاء بني إسرائيل أ ج ه : سفهائهم ب د.

(٨) الأعراف : [١٣٨ ـ ١٣٩].

(٩) الأعراف : [١٤٠].

(١٠) الطور : طور سيناء الذي أقسم الله بفضله على الجبال ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ١٠٧ ؛ الحميري ٣٩٧.

(١١) على قومه أ ب : ـ ج د ه.

(١٢) يكثر التسبيح أ ب ج د : يكثر من التسبيح ه.

(١٣) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٢٢ ؛ الثعلبي ١١٣ ؛ النجار ٢١١.

(١٤) لمناجاة أ د : إلى مناجاة ب ج ه.


وأخذ (١) منهم ما كان معهم من الزينة والحلي ، واتخذ لهم عجلا ، وكان معه قبضة من الرمل من الساحل من تحت فرس جبريل ، وطرحها في جوف ذلك العجل فصار له خوار ، فقال (٢) لبني إسرائيل هذا إلهكم وإله موسى ، فمال إليه خلق وامتنع آخرون ، وبلغ هارون ذلك فقال : (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١))(٣) ، واهتم لذلك (٤) ولم يمكنه التغير عليهم خشية الفتنة وموسى لا يعلم.

فأوحى الله عز وجل (٥) ، إلى موسى : (* وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ)(٦) ، واحتمل جبريل موسى إلى الموضع الذي كلمه (٧) فيه ربه ، فوقف (٨) وذلك قوله تعالى : (وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) (٥٢) (٩) ، فسمع موسى في ذلك الوقت صرير القلم يجري في اللوح ، واللوح من الزمرد الأخضر ، فأوحى (١٠) الله إلى القلم أن اكتب فقال القلم : يا رب وما أكتب؟ فنودي يا موسى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ولا تشرك بي شيئا فمن أشرك بي أدخلته النار (١١) ، لا تسرق مال غيرك فيحل عليك عذابي في الدنيا والآخرة وكتب غير ذلك.

قصة (١٢) طلب الرؤية (١٣)

وسار (١٤) موسى ببني إسرائيل مستقبلين الأرض المقدسة ، فلما أتوا إلى جانب الطور أمره الله تعالى أن يقيم ببني إسرائيل في ذلك المكان وأن يستخلف

__________________

(١) وأخذ أ ج د ه : فأخذ ب.

(٢) فقال أ : + لهم ب ج د ه.

(٣) طه : [٩٠ ـ ٩١].

(٤) واهتم أ : فاهتم ب ج د : ـ ه / / التغير أ د ه : التغيير ب ج.

(٥) عز وجل أ ج د ه : ـ ب.

(٦) طه : [٨٣ ـ ٨٥].

(٧) كلمه أ ب د : كلم ج ه.

(٨) فوقف أ ب ج د : توقف ه.

(٩) مريم : [٥٢].

(١٠) فأوحى أ د : وأوحى ب ج ه.

(١١) النار أ : + يا موسى ب ج د ه.

(١٢) قصة طلب الرؤية أ ج د ه : ذكر قصة الرؤية ب.

(١٣) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٢٨ ؛ الثعلبي ١١٩ ؛ النجار ٢١٢.

(١٤) وسار أ ه : + موسى ب ج د / / مستقبلين ... أن تقيم أ ب ج ه : ـ د.


عليهم هارون ، وظلل الغمام الجبل (١) كله ، ثم دنا منه موسى فأمره الله أن يقطع الألواح من صخرة صماء فقطعها ، وكتب الله فيها التوراة بيد القدرة (٢) ، وكان موسى يسمع جريان القلم ، فحدث نفسه بالرؤية لله عز وجل (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)(٣) فأنت الحنان المنان ذو الفضل والإحسان متفضل عليّ بكرمك فلا تحرمني النظر إلى وجهك الكريم ، يا ذا الجلال والإكرام فأوحى الله إليه : يا موسى سألت شيئا لم يسأله أحد من خلقي فهل تستطيع ذلك يا موسى؟ فإنه لا يراني أحد من خلقه إلا خر صعقا ، فقال موسى : يا رب أراك وأموت أحب إليّ من أن لا أراك وأحيا.

فأوحى الله إليه : (لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً)(٤) ، لا يعقل من أمره شيئا ، ثم أزال الله خوفه فذلك قوله تعالى : (صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (١٤٣) (٥) ، معناه : أنا أول المصدقين بأنه لا يراك أحد في الدنيا.

ثم أوحى الله إليه : (قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (١٤٤) (٦). ثم أوحى الله إليه : (قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) (٨٥) ، بعبادة العجل ، (فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً)(٧) ، واشتد غضبه عليهم وقال : (بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي)(٨).

ثم ألقى الألواح وعمد إلى أخيه هارون ، وأخذ بلحيته وبرأسه (٩) وقال له : لم لا تبعتني لما رأيتهم ضلوا ، أفعصيت أمري؟ فبكى هارون وقال : (قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي)(١٠) ، وارفق (١١) بي فإني أكبر منك سنا (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا

__________________

(١) الجبل أ ج د ه : ذلك الجبل.

(٢) القدرة أ ب : قدرته ج د ه.

(٣) الأعراف : [١٤٣].

(٤) الأعراف : [١٤٣].

(٥) الأعراف : [١٤٣].

(٦) الأعراف : [١٤٤].

(٧) طه : [٨٥ ـ ٨٦].

(٨) الأعراف : [١٥٠].

(٩) وبرأسه أ : ـ ب ج د ه.

(١٠) طه : [٩٤].

(١١) وارفق أ ج د ه : فارفق ب.


يَقْتُلُونَنِي)(١) ، فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين ، فاستحيا موسى منه ثم خلاه وضمه إلى صدره ، وسأل الله المغفرة والرحمة له ولأخيه.

وأقبل (٢) موسى على بني إسرائيل يعاتبهم فأخبروه بقول السامري ، فأقبل السامري وهو مغضب ، وسأل (٣) عن أمره فأخبره بما كان ، فهم موسى بقتله ، فأوحى الله إليه : أن (٤) لا تقتله فإنه سخي في قومه ، ولكن أخرجه من عسكرك ، ثم عمد موسى إلى صخرة عظيمة فلم (٥) يزل يضرب بها العجل حتى تقطع ، ثم أحرقه بالنار حتى صار رمادا وذراه في البحر فقال : لو كان هذا إلها كان يدفع عن نفسه ، وسكت عن موسى الغضب ، فأقبل على بني إسرائيل وقال لهم : (ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ)(٦) ، فقالوا : يا موسى اسأل ربك لنتوب.

فأوحى الله إليه : إنه لا توبة لهم لأن في قلوبهم مرضا من حب العجل ، فأخرج من رماد العجل وألقاه (٧) في الماء ، ثم أمرهم ليشربوا منه ، فإنه يظهر ما في قلوبهم على وجوههم ، فلما فعل ذلك لم يبق أحد ممن في قلبه مرض أو غم من كسر العجل إلا أصبح مصفرا لونه ، فلما رأوا ذلك أيقنوا بالموت ، فقالوا : يا موسى ما لنا غير التوبة الخالصة ، وقد أخلصنا في توبتنا حتى أنك لو تسأل ربنا (٨) أن نقتل أنفسنا فنقتلها.

فأوحى الله لموسى (٩) إني قد رضيت عليهم بحكمهم في أنفسهم ، فذلك قوله تعالى : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)(١٠) ، فقالوا (١١) : كيف نقتل أنفسنا ونحن أهل وأقارب ، فأنزل الله عليهم ظلمة ، فلم يبصر بعضهم بعضا حتى أن الرجل كان يأتي إلى أخيه وابن عمه وهو لا يعرفه فيقتله (١٢) ، والسلاح لم يعمل فيمن لم

__________________

(١) الأعراف : [١٥٠].

(٢) وأقبل : أ د ه : فسأله ب ج.

(٣) وسأل أ : فسأله ب ج د : ـ ه / فهم أ : + موسى ب ج د : ـ ه.

(٤) أن أ : ـ ب ج د ه / / من أ : عن ب ج د : ـ ه.

(٥) فلم أ ج د ه : ولم ب.

(٦) البقرة : [٥٤].

(٧) وألقاه أ ج د ه : وألقه ب / / أمرهم أ ج د ه : مرهم ب.

(٨) لو تسأل ربنا أ د : لو سألت ربك ب : لو تسأل ربك ج ه / / فنقتلها أ ج د : لقتلناها ب : ـ ه.

(٩) لموسى أ ج د ه : إلى موسى ب / / قد أ ج د : ـ ب ه.

(١٠) البقرة : [٥٤].

(١١) فقالوا أ ب ج ه : قالوا د.

(١٢) وهو لا يعرفه فيقتله أ ج د ه : فيقتله وهو لا يعرفه ب / / والسلاح لم يعمل أ ج د ه : وكان السلاح لا يعمل ب.


يعبد العجل ، فلم يزالوا في ذلك (١) حتى غاصوا في الدماء ، فاستغاثوا / / يا موسى العفو العفو ، فبكى موسى ، ودعا إلى الله سبحانه (٢) بالعفو عنهم ، فارتفعت عنهم الظلمة.

ثم أقبل عليهم موسى بالتوراة وقال : هذا كتاب ربكم فيه الحلال والحرام والأحكام (٣) والسنن والفرائض والرجم للزاني والزانية المحصنين والقطع للسارق والقصاص من كل ذنب يكون منكم ، فضجوا من ذلك وقالوا : لا حاجة لنا بهذه الأحكام ، وما كنا فيه (٤) من عبادة العجل كان أرفق بنا فلم يكن في عبادته علينا قطع ولا رجم ولا قصاص.

قصة الجبل (٥)

فقال موسى : يا رب إنك تعلم أنهم قد ردوا كتابك وكذبوا بآياتك ، فأمر الله جبريل برفع طور سيناء في الهواء على عسكر بني إسرائيل ، فرفعه على رؤوسهم في الهواء حتى (٦) لم يروا السماء ونودوا : أن قبلتم هذا الكتاب وإلا ألقي عليكم هذا الجبل ، فلما نظروا إلى الجبل (٧) يدنو منهم حتى ظنوا أنه سيسقط (٨) عليهم ، وأيقنوا بالموت فخروا سجدا ، فلما قبلوا الكتاب رد الله عنهم الجبل.

قصة الحجر

وكان بنو إسرائيل إذا اغتسلوا في مواضعهم يكشفون (٩) عوراتهم ، وكان يرون موسى في اغتساله مستترا (١٠) ، فاعتقدوا فيه أن ببدنه عيبا ، وكان إذا اغتسل وضع ثوبه على حجر هناك ، ثم قرع (١١) الحجر بعصاه حتى ينفجر منه الماء فيغتسل ، ففعل

__________________

(١) في ذلك أ ج ه : كذلك ب : ـ د / / غاصوا أ : خاضوا ب ج د ه.

(٢) سبحانه أ : تعالى ب ج د ه.

(٣) والأحكام أ ج د ه : + الشرعية ب.

(٤) كنا فيه أ ج د ه : كنا عليه ب.

(٥) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٢٧ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٠٨ ؛ ابن كثير ، البداية ١ / ٢٨٦.

(٦) حتى أ ج د ه : + أنهم ب / / السماء أ ج د ه : + منه ب ، / / ونودوا أ ج د ه : + يا بني إسرائيل ب.

(٧) الجبل أ ج د ه : + وهو ب.

(٨) سيسقط أ ج د ه : ساقط ب / / فخروا أ ج د ه : خروا ب / / سجدا أ ج د ه : + وقبلوا الكتاب ب.

(٩) يكشفون أ ب ج ه : يكشفوا د.

(١٠) مستترا أ : مستورا ب ج د ه.

(١١) قرع أ ج د ه : يضرب ب / / ينفجر أ د : ينبع ب ج ه.


ذلك يوما (١) فانقلع الحجر من مكانه ، بإذن الله تعالى ، ومر (٢) على وجه الأرض ، فعدا موسى خلفه عريانا وهو يقول : أيها الحجر قف (٣) حتى وقف على جماعة من بني إسرائيل ، فنظروا إلى موسى ولا عيب فيه (٤) ، فندموا على ما قالوا ، فذلك قوله تعالى : (فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً)(٥).

قصة طلب بني إسرائيل الرؤية (٦)(٧)

ثم طلب بنو إسرائيل من موسى الرؤية : (فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً)(٨) ، فأوحى الله إليه : أن اختر من قومك سبعين رجلا وسر بهم إلى الطور ، واحمل معك أخاك هارون ، واستخلف على عسكرك (٩) يوشع بن نون ففعل ذلك ، وسار بهم نحو الجبل ، فنودوا من السماء : يا بني إسرائيل فصعقوا كلهم وماتوا ، فحزن موسى عليهم (١٠) ، وقال موسى : (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) ـ يعني الذين عبدوا العجل ـ (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) ـ يعني ابتلاؤك ـ (تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا)(١١).

فرد الله عليهم أرواحهم ، فذلك قوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ)(١٢) ، ورجعوا إلى عسكرهم (١٣) فرحين ، وأخبروا قومهم بما رأوه ، ثم أنهم بدلوا التوراة بعد ذلك وزادوا فيها (١٤) ، ونقصوا منها ، فذلك قوله تعالى : (يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٧٥) (١٥)(١٦).

__________________

(١) يوما أ ج د ه : + من الأيام ب.

(٢) ومر أ ج د ه : وسار ب / / وهو يقول أ ج د ه : وصار ينادي ويقول ب.

(٣) قف أ ج د ه : + بإذن الله تعالى ب.

(٤) ولا عيب فيه أ ج د ه : فلم يروا في بدنه عيبا من العيوب.

(٥) الأحزاب : [٦٩].

(٦) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٢٢ ؛ الثعلبي ١١٣ ؛ النجار ٢١١.

(٧) قصة طلب بني إسرائيل الرؤية أ ج د ه : قصة طلب الرؤية ب.

(٨) النساء : [١٥٣].

(٩) على عسكرك أ ج د ه : على قومك ب.

(١٠) موسى عليهم أ : عليهم موسى ب ج د ه / / موسى أ ج د ه : ـ ب.

(١١) الأعراف : [١٥٥].

(١٢) البقرة : [٥٦].

(١٣) عسكرهم أ ج د ه : معسكرهم ب.

(١٤) فيها أ ج د ه : ـ ب.

(١٥) البقرة : [٧٥].

(١٦) يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون القرآن الكريم ب : يحرفون الكلم عن مواضعه بعد ما عقلوه


قصة الجبارين (١) والتيه والحطة (٢)

ثم أوحى الله (٣) أن يسير بهم إلى الأرض المقدسة ، فإذا أردتم دخولها فلا تدخلوا (٤) إلا ساجدين شاكرين بربكم على تبليغكم إياها ، فقاتلوا الجبارين وجاهدوهم ، فاستثقلوا ذلك (٥) ، واستبعدوا الأرض المقدسة ، واختاروا أيام فرعون على هذه الأيام.

فأوحى الله إلى موسى : إني ممطر عليهم المن وأمرت (٦) الريح أن تأتيهم بالسلوى ، والحجر أن ينفجر لهم بماء عذب ، والغمام (٧) أن يسير معهم ، وأخفافهم أن لا تنثقب ، وثيابهم تكون (٨) بقدر صغارهم وكبارهم ، فلما سمعوا ذلك طابت نفوسهم وساروا والأمر على ذلك.

ثم اختار موسى اثني عشر رجلا بإذن الله تعالى ووجههم إلى أريحا (٩) ، مدينة الجبارين (١٠) ، ليأتوه بخبرها وصفة أهلها ، فخرجوا ومعهم يوشع بن نون ، فلما قربوا من المدينة استقبلهم رجل من الجبارين ، فساقهم بين يديه إلى أريحا ، فاجتمعوا عليهم يتعجبون من ضعف أبدانهم ، وقالوا : هؤلاء الذين يزعمون أنهم يخرجونا (١١) من مدينتنا ، وهموا بقتلهم ، ثم اقتضى رأيهم أن يدعوهم ليكونوا عبيدا لهم ، فلما أقبل الليل هربوا على وجوههم حتى صاروا (١٢) إلى عسكر بني إسرائيل ، وأخبروهم بذلك.

__________________

وهم يعلمون أ : يحرفون الكلم من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ج د ه.

(١) الجبارون : هم العماليق الذين سكنوا جنوبي فلسطين ، وأرض التيه بين أيلة ومصر وبحر القلزم «البحر الأحمر» وجبال السراة ، من أرض الشام ، ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٢٩ ؛ الثعلبي ١٣٣ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١١٠ ، النجار ٢٢٧.

(٢) والحطة أ ب د : والحنطة ج ه.

(٣) الله أ : + إليه ب ج د ه.

(٤) تدخلوا أ د : تدخلوها ب ج ه.

(٥) فاستثقلوا أ ب ه : فاستقلوا ج د.

(٦) وأمرت أ ج د ه : وأمر ب.

(٧) والغمام أ ج د ه : وأمرت الغمام ب.

(٨) تكون أ ب ج ه : ـ د / / أن لا تنثقب أ : لا تنثقب ب ج د ه.

(٩) أريحا : مدينة الجبارين في الغور من أرض الأردن بالشام ، سميت باسم أريحا بن مالك بن أرفشخذ بن سام بن نوح ، ينظر : الحموي ، معجم البلدان ١ / ١٩٦ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٢٣٤ ؛ شراب ١١١.

(١٠) مدينة الجبارين ... إلى أريحا أ ب ج د : ـ د.

(١١) يخرجونا أ ج د ه : يخرجوننا ب.

(١٢) صاروا أ ج د ه : وصلوا ب / / عسكر أ ج د ه : معسكر ب.


وبلغ (١) موسى صنيعهم ، فدعاهم وقال لهم : ألم أقل لكم اكتموا ما ترون فلم تقبلوا حتى هولتم عليهم وأرعبتم قلوبهم ، ثم دعا عليهم فمات منهم عشرة وبقي رجلان يوشع (٢) وكالب (٣) فإنهما كانا كتماه.

ووقع (٤) الخوف في بني إسرائيل من الجبارين ، وقالوا : يا موسى إن مملكة فرعون كانت علينا أخف (٥) / / مما نحن فيه ودخول مدينة الجبارين و (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (٢٤))(٦) ، واختلفوا عليه وهو يقول لهم : (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) (٢١) (٧) ، فقال عند ذلك يوشع (٨) وكالب : (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ)(٩) ، فلم يلتفتوا (١٠) إلى قول موسى (قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢٥) (١١) ، فأوحى الله إليه بقوله : (قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢٦) (١٢)(١٣). فلم (١٤) يدخل الأرض المقدسة أحد من ولد بمصر.

وسلط (١٥) الله عليهم التيهان ، فكان كلما خرج واحد منهم يتيه في الأرض فلا يهتدي إلى أن يرجع حتى يموتوا ، وأما المؤمنون فلا يموتوا (١٦) وإن تاهوا ، فلم يزالوا (١٧) كذلك حتى انقرض آخرهم على رأس أربعين سنة.

__________________

(١) وبلغ أ ج د ه : فبلغ ب / / صنيعهم أ د ه : ما صنعوا ب : صنعهم ج.

(٢) أي يوشع بن نون.

(٣) كالب : كالب بن يوقنا بن بارض بن يهودا وهو الذي قاد بني إسرائيل بعد يوشع بن نون ، وتسميه التوراة كالب بن يفنّة ، ينظر : المسعودي ١ / ٥٢ ؛ المقدسي ، البدء ٣ / ٩٧.

(٤) ووقع أ ج د ه : ثم وقع ب.

(٥) علينا أخف أ : أخف علينا ب ج د ه.

(٦) المائدة : [٢٤].

(٧) المائدة : [٢١].

(٨) يوشع أ د ه : + بن نون ب ج.

(٩) المائدة : [٢٣].

(١٠) فلم يلتفتوا إلى قول موسى أ ج د ه : فلم يلتفت إلى قولهما ب.

(١١) المائدة : [٢٥].

(١٢) المائدة : [٢٦].

(١٣) فإنها محرمة ... الفاسقين أ ب ج ه : ـ د.

(١٤) فلم أ ج د ه : ولم ب.

(١٥) وسلط أ ب ج د : وسلطه ه.

(١٦) يموتوا أ ج ه : يموتون ب د.

(١٧) يزالوا أ ب ج د : يزالوه ه.


وسار موسى إلى باب حطة (١) وعليه مكتوب اسم الله الأعظم ، وأقبل المؤمنون فسجدوا عند الباب ، ودخل أولاد الفاسقين ، وهم يقولون حنطة حمراء ، فذلك قوله تعالى : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (٥٩) (٢) يعني أخذهم الطاعون حتى ماتوا جميعا.

ثم غلب موسى ، عليه‌السلام ، على مدينة أريحا (٣) ، وأسر من كان فيها من الجبارين ، وتفرقوا على البلاد حتى أهلكهم الله عز وجل (٤). وسار موسى ببني إسرائيل يريد مدينة البلقاء (٥)(٦) فقتل ملكها وغنم بنو إسرائيل من أرض البلقاء من النساء والولدان شيئا كثيرا.

ثم إن بني إسرائيل ملّوا (٧) أكل المن والسلوى فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفولها وعدسها وبصلها فإنا لا نصبر (٨) على طعام واحد ، فقال لهم موى : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ)(٩) ، فأبدلهم الله بالمن والسلوى ما سألوا ، ورفع عنهم ذلك بقوله تعالى : (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ)(١٠) ، وهم يزيدون على أربعين ألفا.

قصة قارون (١١)

وكان لموسى رجل يقال له قارون بن مصعب ، وهو ابن عم موسى ، وكان فقيرا جدا ، فتعلم صنعة الكيمياء من كلثوم أخت موسى ، وكانت (١٢) تعرف ذلك ، فرزق مالا عظيما يضرب به المثل على طول الدهر ، وكانت مفاتيح كنوزه تحمل

__________________

(١) باب حطة : هو الباب الذي طلب الله من اليهود التوبة عنده وأن يدخلوه وهم سجود ، ينظر : ناصر خسرو ٦٤ ؛ العليمي ٣٨ ؛ بور شارد ١٨١ ؛ النابلسي ٩٩ ؛ العارف ، تاريخ ٢١٥.

(٢) البقرة : [٥٩].

(٣) مدينة أريحا أ ج د ه : أهل مدينة أريحا ب.

(٤) عز وجل أ ج د ه : تعالى ب.

(٥) البلقاء : كورة من أعمال دمشق ، بين الشام ووادي القرى قصبتها عمان وفيها قرى ومزارع كثيرة ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٢١٩ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٢٣٧.

(٦) البلقاء ب ج د ه : بلقاء أ / / فقتل أ ج د ه : وقتل ب.

(٧) ملوا أ ج د ه : + من ب.

(٨) لا نصير أ ج د ه : لن نصير ب.

(٩) البقرة : [٦١].

(١٠) البقرة : [٦١].

(١١) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٤٣ ؛ المقدسي ، البدء ٣ / ٩٤ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١١٥.

(١٢) وكانت ب : وكان أ ج د ه / / المثل أ ب ج ه : الأمثال د.


على أربعين بغلا ، وبنى دارا وصفحها بالذهب ، وجعل أبوابها ذهبا (١) ، فتكبر بسبب كثرة ماله على موسى ، وقذفه وخرج عن طاعته ، وأحضر امرأة بغيا وأمرها بقذف موسى بنفسها.

فبلغ (٢) موسى فغضب وقال : يا رب إن قارون قد بغى عليّ فانصرني عليه ، فأوحى الله إليه : إني قد أمرت الأرض بالطاعة لك وسلطتك عليه ، فأقبل موسى حتى دخل على قارون وقال : يا عدو الله تبعث إليّ المرأة واتهمتني (٣) على رؤوس بني إسرائيل ، تريد فضيحتي! أيا أرض خذيه ، فساخت داره في الأرض ذراعا ، وسقط قارون عن سريره (٤) ، فأخذته الأرض إلى ركبتيه فقال : يا موسى أغثني ، فقال له (٥) : يا عدو الله تبني مثل هذه الدار ، وتشرب في آنية الذهب والفضة ، وأنا أدعوك إلى حظك فلا تقبله (٦) وتقول إنما أوتيته على علم عندي. أيا أرض خذيه ، فأخذته فذلك (٧) قوله تعالى : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (٨١) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ)(٨) الآية ، قال الله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٨٣) (٩).

قصة الخضر عليه‌السلام (١٠)(١١)

وأذن (١٢) الله لموسى ، عليه‌السلام ، في الاجتماع بالخضر ، عليه‌السلام ،

__________________

(١) ذهبا أ د ه : من ذهب ب : ذهب ج / / فتكبر أ ج د ه : وتكبر ب / / وقذفه وخرج ... فبلغ موسى أ ج د ه : ـ د.

(٢) فبلغ أ : + ذلك ب ج د ه.

(٣) واتهمتني ب : واتهمتها أ ج د ه / / على رؤوس بني إسرائيل أ ب ج : رؤوس الأشهاد ه : ـ د / / تريد أ ج د ه : وأنت تريد ب / / أيا أ : يا ب ج د ه.

(٤) عن سريره أ د : من علو سريره ب : من على سريره ج ه.

(٥) له أ ب ج ه : ـ د.

(٦) فلا تقبله أ ب ج د : فلا تقبل ه / / أيا أ : يا ب ج د ه فأخذته أ د ه : فأخذته الأرض ب ج.

(٧) فذلك أ د ه : وذلك بج.

(٨) القصص : [٨١ ـ ٨٢].

(٩) القصص : [٨٣].

(١٠) الخضر عليه‌السلام : اسمه بنيا بن ملكان بن عامر بن أرفخشذ بن سام بن نوح وكنيته الخضر ، ويقال : إنه سمي بالخضر لأنه أينما صلى أخضر حوله ، ينظر : الثعلبي ١٢٤ ؛ ابن كثير ، البداية ١ / ٢٩٥.

(١١) قصة الخضر عليه‌السلام أ د ه : قصة الخضر واجتماعه مع موسى عليه‌السلام ب : قصة الخضر ج.

(١٢) وأذن أ ج د ه : أذن ب.


وكان (١) مسكنه في جزيرة من جزائر البحر ، فانطلق إليه موسى واجتمع به ، وكان من شأنهما ما نص الله عليه في كتابه العزيز.

وعن ابن عباس (٢) ، رضي‌الله‌عنهما ، في قوله تعالى : (وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما)(٣) قال كان لوح (٤) من ذهب مكتوب عليه بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله محمد رسول الله ، عجبا لمن يؤمن بالقدر / / كيف يحزن ، وعجبا لمن يعلم أن الموت (٥) حق كيف يفرح ، وعجبا لمن يرى الدنيا وتصاريف أهلها كيف يطمئن إليها ، ولما فارق موسى الخضر ، عليهما‌السلام ، وودعه سار عنه حتى عاد إلى بني إسرائيل.

قصة البقرة (٦)

وكان في زمان (٧) بني إسرائيل في أيام موسى عبد صالح ، فمات وترك امرأته حاملا ، فولدت بعده غلاما فسمته أمه ميشا ، فكبر وكان صالحا بارا بأمه ، فأعلمته أمه أن أباه خلف عجلة ، وأنها دفعتها إلى الراعي (٨) وهي عنده وأمرته بأخذها منه ، فتوجه إلى الراعي وأخذها منه. فلما عاد ، قالت (٩) له : هذه بقرتك بارك الله لك فيها فانطلق إلى السوق ، فتعرض له ملك من الملائكة فقال له (١٠) : يا أيها الفتى البار لأمه! بكم تبيعها؟ فقال الفتى : بثلاثة دنانير على (١١) أن أستأذن أمي ، فقال له : خذ لك خمسة دنانير ولا تستأذن أمك ، فأبى وعاد لأمه (١٢) فأخبرها ، فقالت له : يا بني ارجع وبعها بخمسة دنانير ، فعاد بها إلى السوق وجاء (١٣) الملك فقال له : بكم تبيعها؟ فقال : بخمسة دنانير على أن أستأذن أمي ، فقال له (١٤) الملك : خذ لك

__________________

(١) وكان أ ج د ه : فكان ب.

(٢) ينظر : الثعلبي ١٢٨.

(٣) الكهف : [٨٢].

(٤) لوح أ ج د ه : لوحا ب.

(٥) يعلم أن الموت حق أ ج د ه : يعلم بالموت وأن الموت حق ب.

(٦) ينظر : الثعلبي ١٣٠ ؛ ابن كثير ، البداية ١ / ٢٩٣ ؛ النجار ٢٣٥.

(٧) زمان أ د ه : زمن ب ج / / في أيام أ ه : وأيام ب : ـ ج د.

(٨) إلى الراعي أ ج د ه : للراعي ب.

(٩) قالت أ ج ه : قالت له أمه ب : + أمه د.

(١٠) فقال له أ ج د ه : وقال له ب / / يا أيها أ : أيها ب ج د ه / / بكم أ ب ج ه : ـ د.

(١١) على أ ج د ه : بشرط ب.

(١٢) لأمه أ د : إلى أمه ب ج ه.

(١٣) وجاء أ د : فجاء ب : فجاءه ج ه.

(١٤) فقال له أ ج د ه : وقال ب.


عشرة دنانير ولا تستأذن أمك ، فلم يفعل وعاد لأمه (١) وأخبرها ، فقالت له : يا بني غدا (٢) بعها بعشرة دنانير على إذني ، واعلم يا بني أنها لا تساوي عشرة دنانير غير أن الذي يعرض لك في شرائها ملك يستخبرك (٣) كيف برك لأمك وطاعتك إياها (٤) ، فإذا جاءك فقل له : أيها الملك المقرب فبكم أبيعها؟ وافعل ما يقول لك الملك.

فلما كان من الغد جاء الملك وقال له : قد جئتك أطلب بقرتك ثلاث (٥) مرات فلم تبعني إياها ، فقال : إن أمي أخبرتني أنك لست بآدمي وإنما أنت ملك من الملائكة ، فأخبرني ما أعمل بها (٦)؟ فقال له : ردها إلى منزلك فإنه سيقتل من (٧) بني إسرائيل قتيل ، ولا يعرفون قاتله ، فيشترون بقرتك ليحيى القتيل بها ، فتبيعها بما تريد ، فانصرف الفتى إلى أمه وأخبرها بذلك.

فقتل (٨) في بني إسرائيل قتيل دعوه أقاربه إلى ضيافة لهم ، فقتلوه ، ثم حملوه إلى قرية أخرى ، وألقوه على باب من أبواب أهل القرية ، واستعدوا إلى موسى ، وادعوا على الذين وجدوا القتيل على بابه ، فحلف الرجل (٩) بين يدي موسى (١٠) أربعين يمينا أنه ما قتل وشهد من بني إسرائيل أربعون رجلا بصلاح المتهم.

فتحير موسى من ذلك ، فأوحى الله إليه : أن قل لأولياء (١١) المقتول يشتروا بقرة ويذبحوها ويضربوا ببعضها بدن المقتول حتى يحييه الله تعالى لهم ويخبرهم بالذي قتله ، فقال لهم موسى ذلك : (قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً)(١٢) ، فقال لهم : (قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٦٧) (١٣) ، فقالوا (١٤) لموسى : ادع لنا

__________________

(١) لأمه أ : إلى أمه ب ج د ه.

(٢) غدا أ ج د ه : في غاب.

(٣) يستخبرك أ ب ج د : يختبرك ه.

(٤) طاعتك إياها أ ب ج د : طاعتك لها ه / / فبكم أ ب ج د : بكم ه.

(٥) ثلاث ب ج د ه : ثلث أ / / فقال أ : فقال له ب ج د ه.

(٦) ما أعمل بها أ د ه : ما أصنع ببقرتي ب : ما أفعل فيها ج / / فقال له أ ج د ه : + الملك ب / / ردها إلى أ ب ج د : تعود إلى ه.

(٧) من أ د ه : في ب ج.

(٨) فقتل أ ج د ه : ثم قتل ب / / أقاربه أ ب ج د : قرابته ه.

(٩) الرجل أ ج د ه : الذي وجد على بابه ب.

(١٠) موسى أ ج د ه : + ع ب / / أربعون رجلا أ ج د ه : أربعون شاهدا ب.

(١١) لأولياء أ ب ج ه : لولي د.

(١٢) البقرة : [٦٧].

(١٣) البقرة : [٦٧].

(١٤) فقالوا لموسى أ د ه : فقالوا يا موسى ب ج.


ربك يبين لنا ما صفة البقرة فأوحى الله إليه : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ)(١) ، يعني لا كبيرة ولا صغيرة ، فقال لهم موسى ذلك (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) (٦٩) (٢)(٣).

فلما قال لهم ذلك ، قالوا له : (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) (٧٠) (٤) ، فأوحى الله إليه : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ)(٥) أي لا مذللة للعمل تثير الأرض ، تقلبها للزراعة ولا تسقي الحرث ، أي ليست بساقية (مُسَلَّمَةٌ) ـ بريئة من العيوب ـ (لا شِيَةَ فِيها)(٦) وإنما لونها واحد (٧).

فلما سمعوا ذلك من موسى ، اشتدوا (٨) في طلبها فلم يجدوا هذه الصفة إلا عند ميشا البار بأمه (٩) ، ولو كان في ابتداء الأمر ذبحوا بقرة سواها ، كانت أغنت عنهم بظاهر الأمر الأول غير أنهم شددوا على أنفسهم ، فشدد (١٠) الله عليهم.

فجاءوا إلى ميشا ليبيعهم البقرة فامتنع وقال : أنا أبيعها لموسى ، فرضوا بذلك ، وأخرج ميشا بقرته ، وسار بها إلى موسى ، عليه‌السلام ، فقال له موسى : بكم تبيعها؟ (١١) فقال لهم : لا أبيعها إلا بملء جلدها ذهبا لا يزيد ولا ينقص ، فقالوا له (١٢) : هذا شيء كبير لا قدرة لنا عليه ، فأقبل موسى ، عليه‌السلام ، على بني إسرائيل فقال لهم : إن ذلك من أجل تشديدكم في الأمر ، فضمن موسى ثمن (١٣) البقرة على بني إسرائيل ، وسلم إليهم البقرة ، قال الله تعالى :

__________________

(١) البقرة : [٦٨].

(٢) البقرة : [٦٩].

(٣) قالوا القرآن أ ج د ه : فقالوا ب.

(٤) البقرة : [٧٠].

(٥) البقرة : [٧١].

(٦) البقرة : [٧١].

(٧) وإنما لونها واحد أ ب د : وأنها لونها واحد ج : وأنها بلون واحد ه.

(٨) اشتدوا أ ج د ه : اجتهدوا ب.

(٩) بأمه أ ب د : لأمه ج ه / / كان أ : كانوا ب ج د ه.

(١٠) فشدد أ ب ج ه ك فشدّد.

(١١) بكم تبيعها أ ب د ه : بكم هذه ب / / فقال أ ج د ه : + فقال ميشا البار بأمه ب / / لا أبيعها إلا بملء جلدها ذهبا أ ج د ه : أبيعها بملأ جلدها ذهبا ب.

(١٢) فقالوا له ... لنا عليه ب : ـ أ ج د ه / / كبيرا : كثير ب : ـ ج د ه فأقبل موسى على بني إسرائيل أ ج د ه : فقال لهم موسى عليه‌السلام.

(١٣) ثمن أ ب ج د : الثمن ه.


(فَذَبَحُوها وَما كادُوا)(١) ، يعني ما كادوا معتقدين بوفاء ثمنها.

فلما ذبحوها قطعوا أذنيها (٢) وضربوا بها القتيل ، / / فاستوى قاعدا فسألوه من الذي قتله ، فقال لهم : قتلني فلان وفلان ، ثم خر ميتا ، فقتلهما موسى ، عليه‌السلام ، بذلك القتيل ، ثم أمرهم بسلخ البقرة فلما سلخوها (٣) ملأوا جلدها ذهبا وأعطاه موسى لميشا (٤) ، فذلك قوله تعالى : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٧٣) (٥).

ذكر وفاة هارون عليه‌السلام (٦)

ثم نظر هارون إلى جبل بالتيه بعيد (٧) عن معسكر بني إسرائيل فقال لموسى (٨) : ألا تنظر إلى ذلك الجبل وما فيه من الخضرة؟ فقال له : بلى ولكن إلى غد إن شاء الله تعالى تمضي إليه ، فلما كان من الغد مضيا عليه ومع هارون أولاده ، فلما وصلوا الجبل وإذا فيه كهوف كثيرة ، وإذا بكهف منها يسطع منه النور ، فتبادروا إليه ، فلما دخلوا إلى الكهف ، إذ نظروا (٩) إلى سرير من ذهب وعليه أنواع الفرش ومكتوب على حافته بالعبرانية : هذا السرير لمن كان على طوله.

فصعد موسى على السرير ، فلما مد رجليه فضلت من طوله ، فنزل موسى عنه.

وصعد هارون واضطجع عليه فإذا هو على طوله فهمّ أن ينزل فإذا هو بملك الموت قد دخل عليهم فسلم عليهم ، وأعلمهم أنه ملك الموت أرسله الله ليقبض روح هارون ، فدمعت عيناه ، وقال لموسى (١٠) : أوصيك يا أخي بأولادي (١١) وتقربهم إليك ، وتقرىء سلامي على بني إسرائيل ، ثم أمر ملك الموت موسى أن

__________________

(١) البقرة : [٧١].

(٢) قطعوا أذنيها أ د : قطعوا ذنبها ب : قطعوها ج ه / / بها أ ج د ه : به ب.

(٣) فلما سلخوها ملأوا أ ج د ه : فسلخوها وملؤا جلدها ب.

(٤) وأعطاه موسى لميشا أ ج د ه : فسلخوها وملؤا جلدها ب.

(٥) البقرة : [٧٣].

(٦) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٣٢ ؛ الثعلبي ١٣٨ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١١١ ؛ السيوطي ، إتحاف ١٢٨ ؛ النجار ٢٩٨.

(٧) بعيد أ ج د ه : وهو بعيد ب.

(٨) لموسى أ د ه : يا موسى ب ج.

(٩) إذ نظروا أ ج د ه : نظروا ب / / إلى سرير أ ج د ه : فيه سريرا ب.

(١٠) وقال لموسى أ د ه : لأخيه موسى ب : ـ ج / / يا أخي أ ج د ه : يا موسى ب.

(١١) بأولادي أ ج د ه : + أهلي ب.


يخرج من الكهف ، فخرج ثم قبض (١) روح هارون قبضة الملائكة.

ثم دخل موسى وأولاد هارون (٢) الكهف فصلوا عليه ، ثم خرجوا وأغلقوا أبواب الكهف.

وانصرف موسى إلى عسكره (٣) ، وأخبرهم بموت هارون ، فاتهموه بقتله ، فقال لهم موسى : يا سفهاء بني إسرائيل ماذا لقيت منكم؟ أقتل أخي وشقيقي وعضدي (٤)؟ ودعا ربه أن يبرئه عندهم ، فأمر الله سبحانه وتعالى الملائكة ليحملوا سرير هارون فحملوه في الهواء (٥) ، حتى نظر إليه بنو إسرائيل ، ونادت الملائكة : يا بني إسرائيل لا تتهموا موسى بقتل أخيه فهذا سرير هارون (٦) قد قبضه الله إليه ، وحزن بنو إسرائيل على موت هارون لأنه كان محبوبا عندهم.

ثم خلفه من بعده ابنه العيزار ، وأعطاه الله وقار هارون ولينه (٧) وسكونه وشبهه ، فكانوا لا يشكون أنه هارون ، فأحبوه حبا شديدا.

وفاة موسى عليه‌السلام (٨)

ثم لما قرب أجل موسى قام خطيبا في بني إسرائيل ، فخطب (٩) لهم وخوفهم وأنذرهم وحذرهم وأشهدهم (١٠) على أنفسهم ، وأشهد الله عليه بالإبلاغ وأمرهم بالطاعة والتقوى (١١).

واستخلف يوشع بن نون على بني إسرائيل ، ولما فرغ من وصيته أوحى الله

__________________

(١) ثم قبض أ ج د ه : فقبض الملك ب.

(٢) هارون أ ج د ه : + ع ب / / فصلوا عليه أ ج د ه : فأخرجوا هارون وغسلوه وصلوا عليه ب / / ثم خرجوا وأغلقوا أبواب الكهف أ ج د ه : ووضعوه في الكهف وسدوا بابه ب.

(٣) عسكره أ ج د ه : بني إسرائيل ب / / بموت هارون أ د : بموت أخيه هارون ب : موت هارون ج : ـ ه.

(٤) وعضدي أ ب ج د : ـ ه / / أن يبرئه أ ب ج د : ـ ه.

(٥) في الهواء أ ج د ه : ـ ب / / نظر إليه أ ج د : نظره ب : نظروا إليه ه.

(٦) فهذا سرير هارون أ ب ج ه : ـ د / / وحزن بنو إسرائيل أ د ه : فبكوا وحزنوا عليه لأنهم كانوا يحبونه ب : وحزنوا بنوا إسرائيل ج.

(٧) ولينه أ ب ج ه : ـ د.

(٨) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٣٢ ؛ الثعلبي ١٣٩ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١١١ ؛ السيوطي ، إتحاف ١٢٨ ؛ النجار ٣٩٩.

(٩) فخطب لهم أ ج د ه : + ووعظهم ب.

(١٠) وأشهد الله عليه بالإبلاغ أ ج د ه : وأشهد الله عليهم أنه بلغهم الرسالة ب.

(١١) بالطاعة والتقوى أ ج د ه : + والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ب.


إليه : إني قابض روحك ، وذكره بما أنعم عليه من النبوة والرسالة والتكليم ، فاعترف بنعمة الله وحده (١) وأثنى عليه ، ثم نزل عليه ملك الموت وهو جالس (٢) يتلو التوراة فسلم عليه وقبض روحه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «أرسل الله ملك الموت إلى موسى ، عليه‌السلام ، فلما جاءه صكه وقلع عينه (٣) ، فرجع إلى ربه ، عز وجل ، فقال : أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ، قال : فرد الله إليه عينه وقال (٤) : ارجع فقل له : يضع يده على متن ثور فله بكل ما غطت يده بكل شعرة سنة (٥) ، قال : أي رب ثم ماذا؟ قال : ثم الموت ، قال (٦) : فالآن ، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة برمية حجر ، قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فلو (٧) كنت ثمّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر» (٨).

وكانت وفاته في التيه في سابع آذار لمضي ألف وستمائة وست وعشرين سنة (٩) من الطوفان ، وكان موته بعد أخيه هارون بأحد عشر شهرا ، وقيل غير ذلك ، وكان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين ، وعاش موسى مائة وعشرين سنة ، ونزل عليه جبريل (١٠) أربعمائة مرة.

وكان جملة مقام بني إسرائيل بمصر حتى أخرجهم موسى ٢١٥ سنة ، وبين وفاة موسى والهجرة الشريفة النبوية ، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام (١١) ، ٢٣٤٨ سنة على اختيار المؤرخين / / وقد مضى من الهجرة الشريفة إلى عصرنا ٩٠٠ (١٢) سنة كاملة ، فيكون الماضي من وفاة موسى ، عليه‌السلام (١٣) ، إلى آخر

__________________

(١) وحده أ ج د ه : وحمده ب.

(٢) جالس أ ب ج ه : وحمده ب.

(٣) وقلع عينه أ د ه : ففقا عينه ب ج / / فقال أ ج د ه : وقال يا رب ب.

(٤) وقال أ ج د ه : وقال له ب / / ارجع فقل أ : ارجع إليه وقل ب : ارجع إليه فقل ج د ه.

(٥) سنة أ ج د ه : + فجاءه وقال له ذلك ب / / قال أ ج د ه : فقال ب / / أي أ ج د : يا ب : ـ ه / / ماذا أ ج د ه : وما بعد ذلك ب.

(٦) قال : فالآن أ ج د ه : فقال : الآن ب.

(٧) فلو أ ج د ه : ولو ب / / ثمّ ب ج د ه : هناك أ.

(٨) ينظر : البخاري ، الجامع الصحيح ٢ / ٢٤٨ ؛ الطبري ، تاريخ ١ / ٤٣٣ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١١٢.

(٩) بأحد عشر شهرا أ ج د ه : بإحدى عشرة سنة ب.

(١٠) جبريل أ : + عليه‌السلام ب ج د ه.

(١١) على صاحبها أفضل الصلاة والسلام أ ج د ه : ـ ب.

(١٢) ٩٠٠ ه‍ / / ١٤٩٤ م.

(١٣) عليه‌السلام أ ج د ه : ـ ب.


سنة ٩٠٠ من الهجرة ٣٢٤٨ سنة.

ومات موسى ولم يدر أحد من بني إسرائيل أين قبره ولا أين توجه ، فماج (١) الناس في أمره ولبثوا لذلك ثلاثة أيام لا ينامون الليل ، فلما كان ثالث ليلة غشيتهم سحابة على قدر بني إسرائيل ، فسمعوا (٢) منها مناديا يقول بأعلى صوته : مات موسى وأي نفس لا تموت؟! ولم يزل (٣) يكرر ذلك القول حتى فهمه الناس كلهم ، وعلموا أنه قد مات ، ولم (٤) يعرف أحد من الخلائق أين قبره ، ونقل أنه دفن في الوادي من الأرض التي مات فيها.

واختلف الناس في محل قبره ، فقيل وهو المشهور عند الناس : إنه شرقي بيت المقدس ، بينهما (٥) مرحلة ودربه عسر لكثرة الوعر وعليه بناء وداخله مسجد وعلى (٦) يمينه قبة معقودة بالحجارة وفيها ضريح يوضع عليه (٧) في أيام موسم زيارته ستر من حرير أسود عليه طراز أحمر مزركش ، دائر على جميع أطرافه بالذهب ، والأكثرون على أن هذا قبره ، وفي الصحيح ، أن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، «مر به ليلة أسري (٨) به وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر» (٩).

والذي بنى القبة المذكورة الملك الظاهر بيبرس (١٠) ، رحمه الله (١١) تعالى ، عند عوده من الحج وزيارة بيت المقدس في سنة ٦٦٨ ه‍ (١٢) ، ثم بنى (١٣) أهل

__________________

(١) فماج الناس أ ب ج ه : فما جوا د.

(٢) فسمعوا أ ب : وسمعوا ج د ه.

(٣) ولم يزل أ ب ج ه : ـ د.

(٤) ولم أ ج د ه : فلم ب / / من الخلائق أ ج د ه : من بني إسرائيل ب.

(٥) بينهما أ د : بينه وبين المقدس ب ج ه.

(٦) وعلى أ ج د ه : وعن ب / / ضريح ب ج : ضريحه أ د ه / / يوضع عليه أ ه : ويوضع على قبره ب : وعليه ج : ـ د.

(٧) عليه أ ج د ه : وعلى الستر ب.

(٨) أسري به أ د : الإسراء ب ج ه.

(٩) ينظر : مسلم ٤ / ١٨٤٤.

(١٠) الظاهر بيبرس : الملك الظاهر ركن الدنيا والدين ، بيبرس العلائي البند قداري الصالحي ، صاحب الفتوحات وهو الرابع من ملوك الترك ، وأصله تركي اشتراه الملك الصالح أيوب ، واشتهر بفتوحاته واهتمامه بالعمارة ، توفي سنة ٦٧٦ ه‍ / ١٢٧٧ م ، ينظر : ابن عبد الظاهر ٤٦ ؛ ابن خلكان ٤ / ١٥٥ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٧ / ٩٤ ؛ السيوطي ، حسن المحاضرة ٢ / ٩٥ ـ ١٠٥ ؛ ابن العماد ٥ / ٣٥٠ ؛ الشرقاوي ١٧٣.

(١١) الله أ : + تعالى ب ج د ه.

(١٢) ٦٦٨ ه‍ / ١٢٦٩ م.

(١٣) بنى أ ج د ه : + بعده ب.


الخير ، وزادوا زيادات في المسجد وحوله ، فحصل النفع (١) للزائر بذلك ، ثم في سنة ٨٧٥ ه‍ (٢) وسع داخل المسجد من جهة القبلة ، ولم تكمل عمارته إلى سنة ٨٨٥ ه‍ (٣) ، ثم بنى به منارة بعد الثمانين والثمان مائة (٤) ، وهذا المكان بالقرب (٥) من أريحا الغور ، من أعمال بيت المقدس وأهل بيت المقدس ، يقصدونه (٦) في كل سنة عقب الشتاء ويقيمون عنده أياما.

وقد ظهر في هذا المكان (٧) من أنواع المعجزات (٨) منها : أنه عند الضريح الذي بداخل القبة لا يزال يرى فوق المحراب خيال (٩) أشباح ألوانهم مختلفة ، منهم صفة الراكب ، ومنهم صفة الماشي ، ومنهم من على كتفه رمح ، ومنهم لابس أبيض ، ومنهم لابس أخضر ويصافح بعضهم بعضا وغير ذلك من الصفات ، وللناس في ذلك أقوال مختلفة (١٠) ، فيقال : إنهم الملائكة ، ويقال : إنهم الصالحون ، وينظرهم كل الناس من الرجال والنساء والأطفال ولا يخفون على أحد.

وإذا دخل إلى المسجد امرأة (١١) عليها حيض أو جنابه أو فعل أحد حول المسجد منكرا من المعاصي ، يثور هواء في تلك البرية حتى لا يقدر الرجل على رؤية (١٢) من بجانبه ، وتنقطع حبال الخيام وتقلع الخيام من مكانها وغير ذلك من الخوارق الباهرات التي يستدل بها على أنه (١٣) مدفون في هذا المكان ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٤).

__________________

(١) النفع ب ج د ه : ـ أ / / للزائر أ ب ج ه : للزوار د.

(٢) ٨٧٥ ه‍ / ١٤٧٤ م.

(٣) ٨٨٥ ه‍ / ١٤٨٠ م.

(٤) ٨٨٠ ه‍ / ١٤٧٥ م.

(٥) بالقرب أ ب ج ه : ـ د / / من أعمال أ ب ج ه : من عمل د / / بيت المقدس أ ب د ه : القدس ج.

(٦) يقصدونه أ ج د ه : يقصدون زيارته ب / / أياما أ د ه : عدة أيام ب : سبعة أيام ج.

(٧) المكان أ : + أشياء ب ج د ه.

(٨) هذه خرافات لا أصل لها ، ينظر : النابلسي ٢١٥.

(٩) يرى فوق المحراب خيال أ ب ج د : يرى فيه خيال ه.

(١٠) مختلفة أ ب ج د : مختلفات ه / / الملائكة أ ج د ه : ملائكة ب.

(١١) امرأة أ د ه : امرأة من النساء ب : أحد من النساء ج.

(١٢) رؤية أ ب : يرى ج د ه / / من بجانبه أ ب د : من إلى جانبه ج ه / / وتنقطع ... مكانها أ ب ج ه : ـ د.

(١٣) أنه أ ج د ه : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب.

(١٤) صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د ه : ـ ب.


فائدة

فإن قيل : لم سأل موسى ، عليه‌السلام (١) ، الدنو من الأرض المقدسة ولم يسأل بيت المقدس ولا مكانا مخصوصا معروفا عند الناس؟.

فالجواب عنه : ما رواه القرطبي (٢) في تفسيره : بأنه إنما سأل الدنو (٣) منها لشرفها ولم يسأل مكانا معروفا : خوفا من أن يعبد ولا ينافي سؤاله الدنو منها القول بأن قبره بيت المقدس ، فإنه سأل شيئا أعطاه الله فوقه وهذا شأن الكريم يعطي فوق المسؤول (٤) ، وأما صلاته في قبره فلم تكن بحكم التكليف بل بحكم الإكرام والتشريف لأن الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام (٥) ، حبب إليهم في الدنيا عبادة الله تعالى ، فكانوا يلازمون ذلك وتوافوا (٦) عليه ، فشرفهم الله تعالى بإبقائهم على ما كانوا يحبون (٧) فعله في الدنيا ، فعبادتهم إلهامية كعبادة الملائكة لا تكليفية (٨) ، وأما رأفته بهذه الأمة فيأتي طرف منها في قصة الإسراء على نبينا محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ذكر السبب في ملك سيدنا داود عليه‌السلام

أقول ـ وبالله التوفيق ـ كما توفي سيدنا موسى الكليم ، على نبينا (٩) محمد وعليه أفضل الصلاة والسلام ، قام بعد وفاته بتدبير بني إسرائيل يوشع (١٠) ، عليه‌السلام (١١) ، وهو من ذرية يوسف بن يعقوب ، عليهما‌السلام ، وبعثه الله نبيا وأمره بقتل الجبابرة ، فتوجه ببني إسرائيل إلى أريحا الغور ، وأحاط بها ستة أشهر

__________________

(١) موسى عليه‌السلام ب : ـ أ ج د ه / / الأرض المقدسة أ ب ج ه : بيت المقدس د.

(٢) القرطبي : محمد بن أحمد بن أبي بكر الأنصاري الخزرجي القرطبي ، نسبة إلى قرطبة ، من كبار المفسرين ، ومن أهل العبادة والصلاح ، من تصانيفه : الجامع لأحكام القرآن ، التقريب لكتاب التمهيد ، توفي عام ٧٧١ ه‍ / ١٢٧٢ م ، ينظر : المقري ٣ / ٣٦٠ ؛ ابن العماد ٥ / ٣٣٥.

(٣) الدنو من الأرض المقدسة ب : الدنو.

(٤) المسؤول أ ج د ه : المطلوب ب / / بحكم التكليف بل أ ب ج ه : ـ د منها أ ج د ه.

(٥) عليهم الصلاة والسلام أ : عليهم‌السلام ب ج د ه.

(٦) وتوافوا أ ج : وتوافقوا ب د : وتوقف ه.

(٧) يحبون أ ج د ه : يصغون ويحبون ب / / فعله في الدنيا ب ج د ه : ـ أ.

(٨) لا تكليفيه أ د ه : لا تكليف فيها ب ج.

(٩) على نبينا محمد وعليه أفضل الصلاة أ د ه : عليه‌السلام ب : ـ ج.

(١٠) يوشع عليه‌السلام : يوشع بن نون بن أفراييم بن يوسف بن يعقوب ، ذكر أن الله تعالى جعل يوشع نبيا في زمن موسى ، فلما توفي موسى ابتعثه الله تعالى ، ينظر : الطبري ١ / ٤٣٥ ؛ ابن الجوزي ، المنتظم ١ / ٣٧٧ ؛ ابن كثير ، البداية ١ / ٣١٩.

(١١) عليه‌السلام أ : ـ ب ج د ه.


فلما كان السابع نفخوا في القرون وضج الشعب ضجة واحدة فسقط السور ، ودخلوا (١) فقاتلوهم وهجموا على الجبارين فهزموهم وقتلوهم ، وكان يوم الجمعة ، فبقيت منهم بقية وكادت الشمس تغرب وتدخل ليلة السبت فقال : اللهم اردد الشمس عليّ ، وسأل الشمس أن تقف والقمر (٢) أن يقيم حتى ينتقم من أعداء [٢٥ / أ] / / الله تعالى ، قبل دخول السبت ، فوقفت الشمس وزيد في النهار ساعة حتى قتلهم أجمعين ، وتتبع ملوك الشام واستباحهم ، وملك يوشع الشام وفرق عماله واستمر يدبر بني إسرائيل ثمانية وعشرين سنة.

ثم توفي يوشع ودفن في كفل حارس (٣)(٤) ، وهي قرية من أعمال نابلس ، وله من العمر مائة وعشرين سنة (٥) ، وكانت وفاته سنة ٢٨ لوفاة موسى ، وقيل : إنه مدفون في المعرة.

ثم ولي على بني إسرائيل جماعة من الملوك واحد بعد واحد ، لا (٦) حاجة إلى ذكر أسمائهم ، لأن المراد هنا الاختصار.

ثم ولي عليهم شموئيل (٧) ، عليه‌السلام ، ومولده بقرية يقال لها شيلوا (٨) ويقال (٩) إنها القرية المشهورة الآن بالسيلة (١٠) من أعمال جبل نابلس ، وتنبأ لما صار له من العمر أربعون (١١) سنة ، فدبر شموئيل بني إسرائيل إحدى عشر سنة ، ومنتهى هذه الإحدى عشرة سنة هي آخر ...

__________________

(١) ودخلوا أ ج د ه : فدخلوا ب / / الجبارين أ ج د ه : الجبابرة ب.

(٢) والقمر أن يقيم أ ج ه : ـ ب د.

(٣) كفل حارس : قرية في الجنوب الغربي من مدينة نابلس بها مقام ذو الكفل ، وقبر يوشع بن نون ، ينظر : شراب ٦٣٢.

(٤) كفل حارس أ د : كفل حارث ب : كفر حارس ج : ـ ه.

(٥) مائة وعشرين أ د : مائة وعشرون ب : مائة وعشرون ب : مائة وعشر ج ه.

(٦) لا أ : ولا ب ج د ه.

(٧) شموئيل أ : شمويل ب ج د ه / / ومولده أ ج د ه : وكان مولده ب / / شيلوا أ ج : سيلوا ب : سيلون د ه.

(٨) شيلوا : ذكرها البغدادي باسم سيلوا أو سيلون ، قرية من قرى نابلس ، يقال إنها منزل يعقوب عليه‌السلام ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ٧٦٨ ؛ القرماني ٣ / ٣٨٨ ؛ شراب ٢٦٥.

(٩) ويقال أ ج د ه : وقيل ب / / المشهورة أ : المشتهرة ب ج د ه / / لما صار أ ج د ه : بعد أن صار ب.

(١٠) السيلة : هناك سيلتان : سيلة الحارثية ، وسيلة الظهر من قرى مدينة جنين الفلسطينية ، ينظر : شراب ٢٦٤.

(١١) أربعون أ ب د : أربعين ج ه / / شموئيل أ : شمويل ب ج د ه.


سنين (١) أحكام بني إسرائيل وقضاتهم ، فيكون انقضاء سنين حكامهم في سنة ٤٩٣ لوفاة موسى ، عليه‌السلام.

ثم حضر بنو إسرائيل إلى شمويل (٢) وسألوه أن يقيم فيهم ملكا ، فأقام فيهم شاؤل وهو طالوت بن قيس وسبط بنيامين ، ولم يكن طالوت من أعيانهم قيل : أنه كان راعيا ، وقيل (٣) : سقاء ، وقيل : دباغا ، فملك طالوت سنتين واقتتل هو جالوت ، وكان جالوت من جبابرة الكنعانيين ، وكان ملكه بجهات فلسطين ، وكان من الشدة وطول القامة بمكان عظيم.

فلما برز (٤) للقتال طلب طالوت داود ، عليه‌السلام ، وكان أصغر بني أبيه ، وأمره بمبارزة جالوت بعد أن رأى فيه العلائم التي يستدل بها على أنه هو الذي يقتل جالوت وهي دهن ، كان يستدير على رأس من يكون فيه السر ، وأحضر أيضا تنورا حديدا وقال : الشخص الذي يقتل جالوت يكون ملأ هذا التنور ، فلما اعتبر داود ملأ التنور (٥) ، واستدار الدهن على رأسه ، ولما تحقق ذلك منه بالعلامة ، أمره طالوت بمبارزة (٦) جالوت ، فبارزه وقتل داود جالوت ، وكان عمر داود إذ ذاك ثلاثين سنة.

ثم بعد ذلك مات شموئيل (٧) ، فدفنه بنو إسرائيل في الليل ، وناحوا عليه ، وكان عمره اثنين وخمسين سنة.

وأحب الناس داود ومالوا إليه بالمحبة (٨) ، فحسده طالوت حسدا عظيما ، وقصد قتله مرة بعد أخرى ، فهرب داود منه ، وبقي متحرزا على نفسه ، وندم طالوت (٩) بعد ذلك على ما كان منه من قصد قتل داود ، ثم إن طالوت قصد فلسطين للعزاة وقاتلهم حتى قتل هو وأولاده في الغزاة ، فيكون موته في أواخر سنة خمس وتسعين وأربعمائة لوفاة موسى ، عليه‌السلام.

__________________

(١) سنين أحكام أ : سني أحكام ب د : سنين بني إسرائيل ج : سني بني إسرائيل ه.

(٢) إلى شمويل أ ب ج ه : إليه د.

(٣) وقيل أ ب ج د : فقيل ه / سقاء أ ج د ه : وكان سقاء ب.

(٤) برز أ ج د ه : برزوا ب.

(٥) فلما اعتبر داود ملأ التنور أ ب ج ه : ـ د.

(٦) بمبارزة أ د : أن يبارز.

(٧) شموئيل أ : شمويل ب ج د ه.

(٨) بالمحبة ب : ـ أ ج د ه.

(٩) وندم طالوت أ ج د ه : ثم ندم ب / / على ما كان منه من قصد أ د : على ما كان منه في حق داود ب : على ما كان منه فيما قصد د ه / / قتل داود أ : قتله ب ج د ه.


ثم ملك بعده (١) ولده أشر يوشت ثلاث سنين ، وكان ملكه على أحد عشر سبطا من بني إسرائيل وخرج من حكمه سبط يهوذا بن يعقوب فقط ، فملكوا عليهم سيدنا داود وهو من ذرية يهودا المذكور.

ثم ملك عليهم جميعهم داود ، عليه‌السلام ، وهو داود بن بيشي بن عوفيد (٢) بن يوعز بن سلمون بن فخشون بن عيناراب بن رم بن حطرون بن يارض بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام ، وكان مقام داود بحبرون ، فلما استوثق له الملك ، ودخلت جميع الأسباط تحت طاعته ، وذلك في سنة ثمان وثلاثين من عمره ، انتقل إلى القدس الشريفة (٣) ، ثم فتح في الشام فتوحات كثيرة من أرض فلسطين وغيرها من الأقاليم.

وكان لقمان الحكيم على عهد داود ، عليه‌السلام ، قاضيا في بني إسرائيل ، وآتاه الله الحكمة ، ولم يكن نبيا ، وقبره بقرية صرفند (٤) ، ظاهر مدينة الرملة ، وعليه مشهد وهو مقصود للزيارة ، وقال قتادة : قبره بالرملة ما بين مسجدها وسوقها ، وهناك قبور سبعين (٥) نبيا ماتوا بعد لقمان جوعا في يوم واحد أخرجهم بنو إسرائيل من القدس فألجأوهم إلى الرملة ، ثم أحاطوا بهم هناك ، فتلك قبورهم.

وقد (٦) آتى الله داود ما نص عليه في كتابه العزيز ، قال الله تعالى : (* وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً)(٧) يعني النبوة والكتاب ، وقيل : الملك ، وقيل : جميع ما أوتي من حسن الصوت وتليين الحديد وغير ذلك مما خص به ، وقوله تعالى : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) ـ أي سبحي معه ، وقيل : نوحي معه ـ (وَالطَّيْرَ)(٨) عطف على موضع الجبال وقيل : معناه وسخرنا وأمرنا (٩) الطير أن تسبح (١٠) معه فكان داود إذا نادى

__________________

(١) بعده أ د ه : بعد ذلك ب ج / / ثلاث سنين أ ج د ه : ـ ب.

(٢) عوفيد أ : عوفيل ب ج د ه / / فخشون أ ج د ه : محشون ب / / رم أ ج د ه : ردم ب / / حطرون أ د : حضرون ب ج : حفرون ه.

(٣) الشريفة أ : الشريف ب ج د ه / / ثم فتح أ ج د ه : ـ د.

(٤) صرفند : قرية تقع على بعد ستة أكيال غرب الرملة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٤٣ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٣٨ ؛ شراب ٤٨٣.

(٥) سبعين أ ب ج د : ستين ه.

(٦) وقد أ ج د ه : ولقد ب / / الله أ ج د ه : + تعالى ب.

(٧) سبأ : [١٠].

(٨) سبأ : [١٠].

(٩) وأمرنا أ د ه : أي أمرنا ب : أمر ج.

(١٠) تسبح أ ج د ه : يسبح ب / / أجابت الجبال أ ب : أجابته الجبال ج د ه.


بالنياحة ، أجابت الجبال بصداها ، وعكفت الطير عليه (١) / / من فوقه ، فصدى [٢٥ / ب] الجبال الذي يسمعه الناس اليوم من ذلك : وقيل ، كان داود ، عليه‌السلام ، إذا تخلل الجبال (٢) فسبح الله ، جعلت الجبال تجاوبه بالتسبيح نحو ما يسبح ، وقوله تعالى : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) (١٠) (٣) حتى كان في يده كالشمع والعجين يعمل منه ما شاء (٤) من غير نار ولا ضرب مطرقة ، وكان سبب ذلك : أن داود لما ملك بني إسرائيل كان من عادته أن يخرج للناس متنكرا ، وإذا (٥) رأى رجلا لا يعرفه تقدم إليه ويسأله (٦) عن داود ويقول له : ما تقول في داود وإليكم هذا أي رجل هو؟ فيثنون عليه ويقولون خيرا ، فقيض الله له ملكا في صورة آدمي ، فلما رآه داود ، تقدم إليه على عادته ، فسأله (٧) فقال الملك : نعم الرجل هو لو لا خصلة واحدة فيه ، فراع ذلك داود وقال : ما هي يا عبد الله؟ قال : إنه يأكل ويطعم عياله (٨) من بيت المال ، فتنبه لذلك ، وسأل الله أن يسبب له شيئا يستغني به عن بيت المال ، فيتقوت منه ويطعم عياله ، فألان الله تعالى (٩) له الحديد وعلمه صنعة الدروع ، وهو أول من اتخذها ، ويقال (١٠) : إنه كان يبيع كل درع بأربعة آلاف (١١) ، فيأكل ويطعم عياله ، ويتصدق منها على الفقراء والمساكين ، ويقال : إنه كان يعمل في كل يوم درعا يبيعه بستة آلاف درهم فينفق ألفقين منها على نفسه وعياله (١٢) ، ويتصدق بأربعة آلاف درهم على فقراء بني إسرائيل ، قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كان داود لا يأكل إلا من عمل يده».

__________________

(١) الطير عليه أ : عليه الطير ب ج د ه.

(٢) تخلل الجبال أ ب ج د : اتخذ ه / / فسبح أ ب ج د : يسبح ه.

(٣) سبأ : [١٠].

(٤) ما شاء أ ج د ه : ما يشاء ب.

(٥) وإذا أ : فإذا ب ج د ه / / لا يعرفه تقدم إليه أ ب ج ه : ـ د.

(٦) ويسأله أ : يسأله ب ج د ه.

(٧) فسأله أ ج د ه : وسأله ب / / فقال أ : + له ب ج د ه.

(٨) ويطعم عياله أ ج ه : + ويتقوت به ب : ـ د.

(٩) تعالى أ : ـ ب ج د ه.

(١٠) ويقال أ ج د ه : وقيل ب.

(١١) آلاف أ : + درهم ب ج د ه.

(١٢) على نفسه وعياله أ ج د ه : على عياله ونفسه ب / / على فقراء بني إسرائيل أ ج د ه : على الفقراء والمساكين من بني إسرائيل ب.


ذكر قصة أوريا (١)

ولما صار لداود ٥٨ سنة ، وهي السنة الثانية والعشرين من ملكه ، كانت قصته مع أوريا وزوجته ، وهي واقعة مشهورة ، وملخصها ما نقله المفسرون في قوله تعالى : (* وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) (٢١) (٢) هذه الآية من قصة امتحان داود ، عليه‌السلام ، واختلف العلماء بأخبار الأنبياء في سببه فقال قوم : كان سبب ذلك أنه تمنى يوما من الأيام منزلة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، وسأل (٣) ربه أن يمتحنه كما امتحنهم ، ويعطيه من الفضل ما أعطاهم ، فروي أن داود كان قد قسم الدهر ثلاثة أيام (٤) يوما يقضي فيه بين الناس ، ويوما يخلو فيه لعبادة ربه ، ويوما لنسائه وأشغاله.

وكان يجد فيما يقرأ من الكتب المتقدمة (٥) فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب فقال : يا رب أرني الخير كله قد ذهب به آبائي الذين كانوا قبلي ، فأوحى الله إليه : أنهم ابتلوا ببلايا لم تبتل بها (٦) ، فصبروا عليها ، ابتلي إبراهيم بنمروذ (٧) وبذبح ابنه ، وابتلى إسحاق بالذبح وذهاب بصره ، وابتلي يعقوب بالحزن وذهاب بصره (٨) على فقد ولده يوسف ، فقال : رب لو ابتليتني بمثل ما ابتليتهم صبرت (٩) أيضا ، فأوحى الله إليه : إني مبتليك في شهر كذا في يوم كذا فاحترس.

فلما كان ذلك اليوم الذي وعد (١٠) الله ، عز وجل ، دخل داود محرابه وغلّق بابه (١١) ، وجعل يصلي ويقرأ الزبور ، فبينما هو كذلك إذ جاء الشيطان قد تمثل (١٢)

__________________

(١) هذه القصة من الإسرائيليات التي دخلت كتب التفسير والتي تسيء للنبي داود وتتهمه بالقتل من أجل امرأة ، ينظر : السيوطي ، الدر ٥ / ٣٠٠ ؛ أبو شهبة ٢٦٦.

(٢) ص : [٢١].

(٣) وسأل أ ج د ه : فسأل ب.

(٤) أيام أ ج د ه : + جعل ب.

(٥) المتقدمة ب : ١٤ ـ أ ج د ه.

(٦) بها أ ج د ه : + أنت ب.

(٧) بنمروذ أ ج د ه : + وناره ب / / وبذبح ابنه أ ج د ه : وذبح إسحق ب.

(٨) وذهاب بصره على فقد ولده أ ب ج ه : ـ د / / فقال أ ج د ه : + داود ب / / رب أ ج د ه : يا رب ب.

(٩) صبرت أ ج د ه : لصبرت ب.

(١٠) وعد أ : وعده ب ج د ه / / الله أ ج د ه : + فيه ب / / عز وجل أ : ـ ب ج د ه.

(١١) وغلّق بابه أ د ه : وأغلق عليه بابه ب ج / / جاء أ : جاءه ب ج د ه.

(١٢) قد تمثل أ ج د ه : وقد تمثل له ب / / صورة أ : صفة ب ج د ه / / من أ ج د ه : ـ ب.


في صورة حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن ، وقيل : كان جناحاها من الدر والزبرجد ، فوقعت بين رجليه فأعجبه (١) حسنها ، فمد يده ليأخذها ويريها بني إسرائيل ، فينظرون (٢) إلى قدرة الله تعالى ، فلما قصد أخذها ، طارت غير بعيد من غير أن تؤيسه من نفسها ، فامتد إليها ليأخذها ، فتنحت (٣) فتبعها فطارت حتى وقفت في كوة ، فذهب ليأخذها ، فطارت من الكوة فنظر داود أين تقع فيبعث من يصيدها ، فأبصر امرأة في بستان على شط بركة لها تغتسل (٤) ، وقيل : رآها تغتسل على سطح لها ، فرأى امرأة من أجمل الناس خلقا ، فتعجب داود (٥) من حسنها وحانت منها التفاتة ، فأبصرت ظله فنفظت شعرها فغطى بدنها ، فزاده ذلك إعجابا بها ، فسأل عنها فقيل له : هي بشارع (٦) زوجة أوريا بن حنانا وزوجها في غزاة بالبلقاء (٧) مع أيوب بن صوريا ابن أخت داود.

فذكر بعضهم أنه كتب داود إلى ابن أخته أيوب أن ابعث أوريا إلى موضع كذا ، وقدمه قبل التابوت (٨) ، وكان من قدم على التابوت لا يحل له أن يرجع وراءه حتى يفتح الله على يديه أو يستشهد ، فبعثه وقدمه ففتح (٩) له فكتب إلى داود كتابا (١٠) يعلمه بما فتح على يديه ، فكتب إليه أيضا أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا (١١) ليفتحه أيضا ، فبعثه ففتح له فكتب إلى داود بذلك / / فكتب إليه (١٢) أيضا أن ابعثه إلى عدو كذا أشد منه بأسا ، فبعثه فقتل في المرة الثالثة.

__________________

(١) فأعجبه حسنها أ ب د : فأعجبته من حسنها ج ه.

(٢) فينظرون أ ج د ه : ليتعجبوا من ب.

(٣) فتنحت أ ج د ه : + عن مكانها ب.

(٤) تغتسل على سطح لها أ ج د ه : على سطح لها تغتسل ب.

(٥) هذه الرواية موضوعة وفيها قدح بعصمة النبي داود ، ينظر : ابن كثير ، البداية ٢ / ١٣ ؛ السيوطي ، الدر ٥ / ٣٠٠ ـ ٣٠١ ؛ أبو شبهة ٢٦٦.

(٦) بشارع أ ب : بتشارع ج د ه.

(٧) البلقاء : كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القرى ، قصبتها عمان ، وفيها قرى ومزارع كثيرة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٨٣ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٢١٩ ؛ الحميري ٩٧.

(٨) التابوت : صندوق فيه مخلفات بني إسرائيل ، فكانوا يقدمونه بين يدي الجيش كي ينصروا ، ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٨٣ ؛ أبو شبهة ٤٦٥.

(٩) ففتح له فكتب أ ج ه ك ففتح الله على يديه فكتب ب د.

(١٠) كتابا يعلمه بما فتح على يديه ب : ـ أ ج د ه / / إليه أ : له ب ج د ه / / أيضا أ ج د ه : كتابا ثانيا ب.

(١١) عدو كذا وكذا أ ج د ه : مكان كذا ب / / فكتب إلى داود بذلك أ ج د ه : وكتب لداود لذلك ب.

(١٢) إليه أ : له ب ج د ه / / أيضا أ ج د ه : له ثالثا ب / / أن ابعثه أ ب ج ه : ـ د / / إلى عدو كذا أ ج ه : إلى كذا وكذا ب د.


فلما انقضت عدة المرأة (١) تزوجها داود فهي أم سليمان ، عليه‌السلام ، فلما دخل داود بامرأة (٢) أوريا لم يلبث إلا يسيرا : حتى بعث الله إليه ملكين في صورة رجلين في يوم ، عبادته ، فطلبا أن يدخلا عليه ، فمنعهما الحرس ، فتسوروا (٣) المحراب عليه ، فما شعر وهو يصلي في المحراب إلا وهما بين يديه جالسين ، يقال كانا جبرائيل (٤) وميكائيل ، فذلك قوله تعالى : (* وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) (٢١) (٥) صعدوا وعلوا ، يقال : تسورت الحائط والسور إذا علوته (٦) ، وقوله تعالى : (إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ)(٧) خاف منهم حين هجما (٨) عليه في محرابه بغير إذنه فقال : ما أدخلكما عليّ (قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ) ـ أي نحن خصمان ـ (بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) ـ جئناك لتقضي بيننا ـ (فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ) ـ أي لا تجر (٩) ـ (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ)(١٠) ، أي ارشدنا إلى طريق الصواب.

فقال داود لهما : تكلما ، فقال أحدهما : إن هذا أخي ـ أي على ديني وطريقتي (١١) ـ له ٩٩ نعجة ـ يعني امرأة ـ ولي نعجة واحدة ـ أي امرأة واحدة والعرب تكنى بالنعجة عن المرأة فقال اكفلينها ـ والمعنى طلقها لأتزوجها وعزني ـ أي غلبني في الخطاب ـ أي في القول ، وقيل : قهرني لقوة ملكه ، وهذا كله تمثيل لأمر داود مع أوريا زوج المرأة التي تزوجها داود حيث كان لداود تسع وتسعون امرأة ولأوريا امرأة واحدة فضمها إلى نسائه.

قال داود : (قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ) ـ أي الشركاء ـ (لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) ـ أي يظلم على بعض ـ (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ـ فإنهم لا يظلمون أحدا ـ (وَقَلِيلٌ ما هُمْ)(١٢) أي قليل هم ، يعني الصالحين (١٣) ، الذين لا

__________________

(١) عدة المرأة أ ب ج د : عدتها ه / / عليه أ : عليهما ب ج د ه.

(٢) بامرأة أ ج د ه : بزوجة ب.

(٣) فتسوروا أ ب د : وتسوروا ج ه / / وهما بين يديه جالسين أ ج د ه : وهما جالسان بين يديه ب.

(٤) جبرائيل أ : جبريل ب ج د ه.

(٥) ص : [٢١].

(٦) إذا علوته أ ج د ه : إذا علوتهما ب.

(٧) ص : [٢٢].

(٨) هجما عليه أ د : هجموا ب ج ه.

(٩) لا تجر أ ب د : لا تجوز ج ه.

(١٠) ص : [٢٣].

(١١) وطريقتي أ د : وطريقي ب ج ه.

(١٢) ص : [٢٤].

(١٣) الصالحين أ ج د ه : الصالحون ب.


يظلمون قليل.

فلما قضى بينهما داود نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك (١) وصعدا في السماء ، فعلم داود أن الله (٢) ابتلاه ، وذلك قوله تعالى : (وَظَنَّ داوُدُ) ـ أيقن وعلم ـ (أَنَّما فَتَنَّاهُ)(٣) أي ابتليناه.

وعن ابن عباس كعب ووهب قالوا جميعا : إن داود ، عليه‌السلام ، لما دخل عليه الملكان ، فقضى على نفسه (٤) ، فتحولا في صورتهما فعرجا إلى السماء (٥) ، فسمعهما وهما يقولان : قد قضى الرجل على نفسه ، فعلم داود أنه عني بذلك فخر ساجدا أربعين يوما لا يرفع رأسه إلا لحاجة (٦) أو لوقت صلاة مكتوبة ، ثم يعود ساجدا إلى تمام الأربعين يوما لا يأكل ولا يشرب وهو يبكي حتى نبت العشب حول رأسه وهو يناجي ربه ، عز وجل (٧) ، ويسأله التوبة.

وكان دعائه (٨) في سجوده : سبحان الملك الأعظم الذي يبتلي الخلق بما يشاء ، سبحان خالق النور ، سبحان الحائل بين القلوب (٩) ، سبحان خالق النور ، إلهي خليت بيني وبين عدوي إبليس ، فلم أقم لفتنته إذ نزلت بي ، سبحان (١٠) خالق النور ، إلهي أنت الذي خلقني ، وكان في سابق علمك ما أنا إليه صائر ، سبحان خالق النور ، إلهي الويل لداود إذا كشف عنه الغطاء ، فيقال (١١) هذا داود الخاطيء ، سبحان خالق النور ، إلهي بأي عين أنظر إليك يوم القيامة وإنما ينظر الظالمون من طرف خفي (١٢) ، إلهي بأي قدم أقدم أمامك يوم القيامة ، يوم تزل أقدام الخاطئين ، سبحان خالق النور ، إلهي من أين يطلب العبد المغفرة (١٣) إلا من عند سيده ،

__________________

(١) فضحك أ د ه : وضحك ب ج / / في السماء أ ج د ه : إلى السماء ب.

(٢) الله أ ج د ه : + تعالى ب.

(٣) ص : [٢٤].

(٤) فقضى على نفسه أ ج ه : وقضى بينهما ب د / / في صورتهما فعرجا أ ج د ه : إلى صورتهما وعرجا ب.

(٥) إلى السماء ب : ـ أ ج د ه / / فعلم داود أ ب ج د : فظن داود ه.

(٦) لحاجة أ ج د ه : لوقت حاجة ب / / أو لوقت أ ج د ه : أو لأداء ب.

(٧) عز وجل أ ج د ه : ـ ب.

(٨) دعائه أ د : من جملة دعائه ب : من دعائه د ه.

(٩) سبحان الحائل بين القلوب أ ج د ه : ـ ب.

(١٠) سبحان أ ب ج ه : ـ د.

(١١) فيقال أ ب د : فيقول ج ه / / بأي عين ينظر إليك ب ج ه : ـ أ د.

(١٢) خفي أ ج د ه : + سبحان خالق النور ب / / أقدم أ د : أقوم ب ج ه.

(١٣) العبد المغفرة أ ب ج د : عبد المغفرة ه.


سبحان خالق النور ، إلهي أنا الذي لا أطيق حر شمسك فكيف أطيق (١) حر نارك ، سبحان خالق النور ، إلهي أنا الذي لا أطيق صوت رعدك فكيف أطيق صوت جهنم ، سبحان خالق النور ، إلهي الويل لداود من الذنب العظيم الذي أصابني (٢) ، سبحان خالق النور (٣) ، إلهي قد تعلم سري وعلانيتي فاقبل عذري ، سبحان خالق النور ، إلهي برحمتك اغفر لي ذنوبي ، ولا تباعدني من رحمتك لهواني (٤) ، سبحان خالق النور ، إلهي أعوذ بنور وجهك الكريم من ذنوبي التي أوبقتني ، سبحان خالق النور (٥) ، إلهي أقررت إليك بذنوبي واعترفت بخطيئتي فلا تجعلني (٦) من القانطين [٢٦ / ب] / / ولا تخزني يوم الدين ، سبحان خالق النور.

قال مجاهد : مكث داود أربعين يوما لا يرفع رأسه (٧) حتى نبت المرعى (٨) من دموع عينيه حتى غطى رأسه ، فنودي : يا داود أجائع فتطعم؟ أم ظمآن فتسقى؟ أو عار فتكسى؟ فأجيب في غير (٩) ما طلب ، قال : فنحب نحبة هاج منها العود (١٠) فاحترق من حر جوفه ، ثم أنزل الله التوبة والمغفرة.

قال وهب : إن داود أتاه نداء من العلي الأعلى (١١) قد غفرت لك ، قال يا رب (١٢) كيف وأنت لا تظلم أحدا؟ قال : اذهب إلى قبر أوريا فناده وأنا أسمعه نداءك فتحلل منه. قال : فانطلق (١٣) وقد لبس المسوح حتى جلس عند قبره (١٤) ، ثم نادى أوريا فقال : لبيك من هذا الذي قطع عليّ لذتي وأيقظني؟ قال : أنا داود ، قال : فما

__________________

(١) أطيق أ ج ه : + أسمع ب / / شمسك أ : شمعتك ب ج ه : الشمس د.

(٢) أصابني أ : أصابه ب : أصاب ج ه : ـ د.

(٣) سبحان خالق النور أ ج د ه : + إلهي أنا الذي اعترفت بذنبي إن لم يغفر السيد لعبده من ذا الذي يغفر له ب / / قد أ ج د ه : ـ ب.

(٤) لهواني أ ب ج ه : ـ د.

(٥) سبحان خالق النور ... أوبقتني أ ب ج ه : ـ د / / أقررت أ ب د : فررت ج ه.

(٦) فلا تجعلني ... لا يرفع أ ب ج د : ـ ه.

(٧) لا يرفع رأسه ب ج ه : ـ د.

(٨) المرعى أ ج د ه : العشب ب / / حتى غطى أ ج د ه : وغطى ب.

(٩) في غير أ ج د ه : بغير ب.

(١٠) منها العود أ ب ه : العود : ج : ـ د.

(١١) من العلي الأعلى ب د : ـ أ ج ه / / قد أ ج : إني قد ب د ه.

(١٢) كيف أ ب ج ه : فكيف د / / اذهب أ ج د ه : يا داود اذهب ب.

(١٣) فانطلق أ د ه : فانطلق داود إلى قبر أوريا ب : فانطلق داود ج.

(١٤) قبره أ ؛ قبر أوريا ب ج د ه / / ثم نادى أوريا أ ج د ه : وقال يا أوريا ب.


حاجتك (١) يا نبي الله؟ قال : جئت أسألك أن تجعلني في حل مما كان مني إليك ، قال : وما كان منك إليّ؟ قال : عرضتك للقتل ، قال : عرضتني للجنة فأنت في حل مني.

فأوحى الله إليه : يا داود ألم تعلم أني حكم عدل (٢) لا أقضي بالتعنت ، ألا أعلمته (٣) أنك قد تزوجت بامرأته؟ قال : فرجع إليه فناداه فأجابه ، فقال : من هذا الذي قطع عليّ لذتي؟ قال : أنا داود ، قال : يا نبي الله أليس (٤) حللتك (٥) وعفوت عنك؟ قال : نعم ولكن إنما فعلت ذلك بك إلا بمكان امرأتك وتزوجتها ، قال : فسكت ولم يجبه (٦) ، فدعاه فلم يجبه ، وثالثا فلم يجبه ، فقام عند قبره وجعل يبكي (٧) ويحثو التراب على رأسه ، ثم نادى : الويل لداود إذا نصب الميزان (٨) بالقسط ، سبحان خالق النور ، الويل لداود ثم الويل الطويل له حين يسحب على وجهه مع الخاطئين إلى النار ، سبحان خالق النور.

فأتاه نداء من السماء (٩) : يا داود قد غفرت لك ذنبك ورحمت بكائك واستجبت دعاءك وأقلت عثرتك ، قال : يا رب كيف وصاحبي (١٠) لم يعف عني؟ قال : يا داود أعطيه (١١) يوم القيامة من الثواب ما لم تره عيناه ولم تسمع أذناه ، فأقول له رضي عبدي فيقول : يا رب أنّي لي هذا ولم يبلغه عملي؟ فأقول هذا عوض عن عبدي داود فاستوهبك (١٢) منه فيهبك لي.

قال : يا رب (١٣) الآن قد عرفت أنك قد غفرت لي ، فذلك قوله تعالى :

__________________

(١) فما حاجتك أ د : ما حاجتك ب ج ه / / أسألك أ ج د ه : جئت لأسألك ب.

(٢) حكم عدل أ ج ه : الحكم العدل ب : أحكم بالعدل د.

(٣) ألا أعلمته أ د ه : لم لا أعلمته ب ج / / فرجع إليه فناداه فأجابه أ ج : فرجع داود إلى القبر ونادى : يا أوريا فأجابه وقال ب د ه.

(٤) أليس أ ج د ه : ألست ب.

(٥) حللتك ب : ـ أ ج ه / / إنما فعلت ذلك بك إلا بمكان امرأتك وتزوجتها أ ج ه : لكني ما أرسلتك حتى قتلت إلا لمكان امرأتك وقد تزوجت بها ومرادي تحاللني بذلك قال ب د.

(٦) وثالثا فلم يجبه ب : ـ أ ج د ه / / فقام عند قبره أ ج د ه : فقام داود عند قبره ب.

(٧) يبكي ب : ـ أ ج د ه / / ثم نادى أ ج ه : وهو ينادي ب د.

(٨) الميزان أ ج د ه : + غدا ب / / بالقسط أ ج د ه : القسطاس ب.

(٩) فأتاه نداء من السماء أ ج د ه : فأتاه النداء من العلي ب.

(١٠) وصاحبي أ ج ه : وخصمي ب د.

(١١) أعطيه أ ب ج ه : أعطيته د / / يوم القيامة أ ب ج ه : ـ د / / عيناه أ ج د ه : + يوم القيامة ب.

(١٢) فاستوهبك أ ب ج ه : فاستوهبتك د.

(١٣) يا رب الآن قد عرفت أ ج د ه : يا رب قد عرفت الآن ب.


(فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) (٢٤) (١) أي ساجدا عبر عن السجود بالركوع ، لأن كل واحد فيه انحناء ومعناه فخر بعدما كان راكعا ، أي سجد وأناب ـ أي رجع ـ فغفرنا له ذلك ـ يعني ذلك الذنب ـ وأن له عندنا (٢) بعد المغفرة يوم القيامة (لَزُلْفى) ـ لقربه ومكانه ـ (وَحُسْنَ مَآبٍ)(٣) حسن مرجع ومنقلب.

قال وهب : إن داود لما تاب الله عليه بكى على خطيئته ثلاثين سنة لا يرقأ دمعه ، ليلا ولا نهارا ، وكان أصاب (٤) الخطيئة وهو ابن سبعين سنة ، فقسم الدهر بعد تلك الخطيئة على أربعة أقسام (٥) : يوما للقضاء بين بني إسرائيل ، ويوما لنسائه ، ويوما يسيح في الفيافي والجبال والساحل (٦) ، ويوما يخلو في دار له فيها أربعة آلاف محراب ، فيجتمع إليه الرهبان ، فينوح معهم على نفسه ، فيساعدونه (٧) على ذلك ، فإذا كان يوم سياحته ، يخرج في الفيافي ، فيرفع صوته بالمزامير ، فيبكي (٨) معه الشجر والرمال والطير والوحوش حتى يسيل من دموعهم مثل الأنهار ، ثم يجيء إلى الجبال (٩) ، فيرفع صوته بالمزامير ، فيبكي وتبكي (١٠) الجبال والحجارة والطير والدواب حتى تسيل أودية من بكائهم ، ثم يجيء إلى الساحل ، فيرفع صوته فيبكي وتبكي معه الحيتان ودواب البحر (١١) وطير الماء والسباع ، فإذا أمسى رجع.

فإذا كان يوم نواحه (١٢) على نفسه نادى مناديه : إن اليوم يوم نوح داود على نفسه فليحضر من يساعده فيدخل الدار التي فيها المحاريب فيبسط له ثلاثة فرش من مسوح (١٣) حشوها ليف فيجلس عليها ، ويجيء أربعة آلاف راهب عليهم البرانس (١٤)

__________________

(١) ص : [٢٤].

(٢) وإن له عندنا بعد المغفرة يوم القيامة أ ج د ه : حسن مرجع ومنقلب يوم القيامة ب.

(٣) ص : [٢٥].

(٤) كان أصاب أ ج ه : قد أصاب ب د.

(٥) أقسام أ : أيام ب ج د ه / / بين بني إسرائيل أ : بين الناس ب ج د ه.

(٦) الساحل أ ج د ه : السواحل والأوعار ب.

(٧) فيساعدونه أ ب ج ه : وهم يساعدونه د / / يخرج أ ب ج د : فيخرج ه.

(٨) فيبكي أ ج ه : فتبكي ب د / / الشجر والرمال أ ج د ه : الأشجار والأوعار والرمل ب.

(٩) إلى الجبال أ ب ه : في الجبال د.

(١٠) وتبكي أ : + معه ب د : فتبكي معه ج ه / / أودية أ ج د ه : الأودية ب.

(١١) ودواب البحر ... رجع فإذا أ ب ج ه : ـ د.

(١٢) نواحه أ : نوحه ب ج د ه.

(١٣) من مسوح أ ب ج ه : من المسوح د / / ليف أ ب ج ه : من ليف د.

(١٤) البرانس : جمع برنس وهو كل ثوب رأسه منه ، ملتزق به ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٦ / ٢٦ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٥٤.


وفي أيديهم العصي فيجلسون في تلك المحاريب ، ثم يرفع داود صوته بالبكاء والنوح (١) على نفسه ، ويرفع الرهبان معه أصواتهم فلا يزال يبكي حتى تغرق الفرش من دموعه ، ويقع داود (٢) فيها مثل الفرخ يضطرب ، فيجيء ابنه سليمان ، فيحمله فيأخذ داود من تلك الدموع بكفيه ، ثم يمسح بها وجهه ويقول : يا رب / / اغفر ما [٢٧ / أ] ترى فلو عدل بكاء داود ببكاء أهل الدنيا لعدله.

قال وهب : ما رفع داود رأسه حتى قال له الملك : أول أمرك (٣) ذنب وآخره معصية ارفع رأسك ، فرفع رأسه ، فمكث حياته لا يشرب ماء إلا مزجه (٤) بدموعه ، ولا يأكل طعاما إلا بله بدموعه.

وذكر الأوزاعي (٥) مرفوعا إلى الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «إن مثل عيني داود كالقربتين ينطفان (٦) ماء ولقد خدّت الدموع في وجهه كخديد الماء في الأرض» (٧).

قال وهب : لما تاب الله على داود قال : يا رب غفرت لي فكيف لي أن لا أنسى خطيئتي فاستغفر منها وللخاطئين إلى يوم القيامة قال : فوسم الله خطيئته في يده اليمنى ، فما رفع طعاما ولا شرابا إلا بكى إذا رآها ، وما قلم خطيبا في الناس إلا بسط راحتيه ، فاستقبل (٨) الناس ليروا وسم خطيئته ، واستغفر للخاطئين قبل نفسه.

وعن الحسن : كان داود بعد الخطيئة لا يجالس إلا الخاطئين يقول : تعالوا إلى داود الخاطىء ولا يشرب شرابا إلا مزجه بدموع عينيه ، وكان يجعل خبز الشعير اليابس في قصعته (٩) ، فلا يزال يبكي حتى تبتل من عينيه ، وكان يذر عليه الملح والرماد فيأكل (١٠) ويقول : هذا أكل الخاطئين ، وكان داود قبل الخطيئة يقوم نصف

__________________

(١) النوح أ ب ج ه : النواح د.

(٢) ويقع داود فيها ... الدموع أ ب ج د : ـ ه.

(٣) أول أمرك أ ج د ه : فأول أمرك ب.

(٤) مزجه أ ب ج ه : ممزوجا د.

(٥) الأوزاعي : عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، من أوعية العلم ، كثير الحديث والعلم والفقه ، توفي عام ١٥٧ ه‍ / ٧٧٣ م ؛ ينظر : ابن خلكان ٢ / ٣١٠ ؛ الذهبي ، تذكرة ١ / ١٧٨ ؛ ابن العماد ٢ / ٢٤١ ؛ الجابي ٤٠٢.

(٦) ينطفان أ ب ج د : لينطفان ه.

(٧) ينظر : الثعلبي ١٥٩.

(٨) فاستقبل أ ب د : فاستقبله د ه.

(٩) قصعته أ ب د : قصعة ج ه / / من عينيه أ د هت : بدموع عينيه ب ج.

(١٠) فيأكل أ ب د : ويأكله ج ه.


الليل ويصوم نصف الدهر (١) ، فلما كان من خطيئته (٢) ما كان ، صام الدهر كله ، وقام الليل كله ، وكان إذا ذكر عقاب الله تخلعت أوصاله ، وإذا ذكر رحمة الله تراجعت ، وفي القصة أن الوحوش والطير كانت تسمع إلى قراءته فلما فعل ما فعل كانت لا تصغي إلى قراءته ، فروي أنها قالت : يا داود ذهبت خطيئتك بحلاوة صوتك.

ذكر بناء سيدنا داود عليه‌السلام مسجد بيت المقدس (٣)

عن رافع بن عميرة (٤) قال : سمعت رسول الله (٥) يقول : «قال الله تبارك وتعالى لداود : يا داود ابن لي بيتا في الأرض ، فبنى داود بيتا لنفسه قبل البيت الذي أمر الله به (٦) ، فأوحى الله تعالى إليه : يا داود بنيت بيتك قبل بيتي ، قال : أي رب هكذا قلت فيما قضيت من ملك استأثر ، ثم أخذ في بناء المسجد ، يعني مسجد بيت المقدس.

وعن وهب : لما تاب الله (٧) على داود ، عليه‌السلام ، وكان قد بنى مدائن كثيرة وصلحت أمور بني إسرائيل أحب أن يبني بيت المقدس وعلى الصخرة الشريفة (٨) قبة في الموضع الذي قدسه الله تعالى في إيلياء (٩) ، وكانت (١٠) قد حسنت حال بني إسرائيل وملأوا الشام وضاقت بهم فلسطين وما حولها ، فأحب داود ، عليه‌السلام ، أن يعلم عددهم فأمر بإحصائهم في (١١) أنسابهم وقبائلهم ، فكبر عليهم (١٢) فلم يطيقوا إحصائهم.

وروي أن الله تعالى أوحى إلى داود ، عليه‌السلام ، لما كثر طغيان بني إسرائيل أني أقسمت بعزتي لأبتلينّهم بالقحط سنتين أو أسلط عليهم العدو شهرين أو الطاعون

__________________

(١) نصف الدهر أ : نصف الدهر ب ج د ه.

(٢) خطيئته أ د ه : خطيته ب ج.

(٣) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٨٥ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٢٨.

(٤) رافع بن عميرة : رافع بن أبي رابع الطائي ، صحابي ، يكنى أبا الحسن ، توفي عام ٢٣ ه‍ / ٦٤٣ م ، ينظر : ابن عبد البر ٢ / ٤٨٢ ؛ ابن الجوزي ، تلقيح ١٩٠ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٢ / ١٨٨.

(٥) رسول الله أ : + صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج د ه.

(٦) أمر الله به أ : أمره الله تعالى به ب : أمر به ج : أمره به د ه.

(٧) الله أ : + عز وجل ب ج د ه / / وكان أ ج د ه : كان ب حال أ ب د : أحول ج ه.

(٨) الشريفة أ : ـ ب ج د ه.

(٩) إيلياء : اسم مدينة القدس العبري معناه : بيت الله ، ينظر : ابن خرداذبة ٧٨ ؛ الإدريسي ١ / ٣٥٨ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ١٣٨ ؛ الحميري ٦٨.

(١٠) وكانت أ ج د : وكان ب / / حال أ ب د : أحوال ج ه.

(١١) في أ : على ب ج د ه.

(١٢) فكبر عليهم أ ج د ه : فكثر عليهم ب.


ثلاثة أيام ، فجمعهم داود وخيرهم بين إحدى الثلاث ، فقالوا : أنت نبينا وأنت انظر إلينا (١) من أنفسنا ، فاختر لنا ، فقال : أما الجوع فإنه بلاء فاضح لا يصبر عليه أحد ، وأما العدو والموت فإني أخبركم إن اخترتم تسليط العدو فإنه لا بقيه لكم ، والموت بيد الله تعالى تموتون بآجالكم في بيوتكم ففوضوا ذلك إلى الله تعالى ، فهو أرحم بكم (٢).

فاختار لهم الطاعون ، وأمرهم أن يتجهزوا (٣) له ويلبسوا أكفانهم ويخرجوا نساءهم وإماءهم وأولادهم أمامهم وهم خلفهم على الصخرة والصعيد الذي بنى عليه مسجد بيت المقدس ، وهو يومئذ صعيد واحد ، ففعلوا ثم نادى (٤) : يا رب إنك أمرتنا بالصدقة وأنت تحب المتصدقين ، فتصدق علينا برحمتك ، اللهم إنك أمرتنا بعتق الرقاب فنسألك برحمتك أن تعتقنا اليوم ، اللهم وقد أمرتنا أن لا نرد السائل إذا وقف بأبوابنا (٥) ، وأنت تحب من لا يرد السائل ، وقد جئناك سائلين فلا تردنا ، ثم خروا سجدا (٦) من حين طلع (٧) الصبح.

فسلط الله عليهم الطاعون من ذلك الوقت إلى أن زالت الشمس ، ثم رفعه عنهم ، ثم أوحى الله إلى داود ، عليه‌السلام ، أن ارفعوا رؤوسكم فقد شفعتك فيهم ، فرفع داود رأسه ثم نادى : أن ارفعوا رؤوسكم فرفعوا رؤوسهم ، وقد مات (٨) منهم مائة ألف وسبعون ألف ، أصابهم الطاعون وهم سجود ، فنظروا (٩) إلى الملائكة يمشون بينهم بأيديهم الخناجر //.

ثم عمد داود ، عليه‌السلام ، فارتقى (١٠) الصخرة رافعا يديه يحدث لله شكرا ، ثم إنه جمع بني إسرائيل بعد ذلك ، وقال : إن الله سبحانه وتعالى قد رحمكم وعفا عنكم ، فأحدثوا لله شكرا بقدرما ابتلاكم ، فقالوا له : مرنا (١١) بما شئت ، قال : إني لا

__________________

(١) انظر لنا ب : انظر إلينا أ ج د ه / / فاختر لنا أ ب ج ه : واختر لنا ما شئت.

(٢) فهو أرحم بكم أ ب ج ه : لأنه أرحم بكم د.

(٣) يتجهزوا أ ب ج ه : يجهزوا د.

(٤) نادى أ ج : نادوا ب د : ـ ه / / ثم نادى ... تعتقنا اليوم أ ب ج د : ـ ه.

(٥) بأبوابنا أ ب ج ه : على أبوابنا ب / / وأنت تحب من لا يرد السائل أ ج د ه : ـ ب.

(٦) سجدا أ ب : ساجدين ج د ه ت.

(٧) طلع أ ج د ه : طلوع ب.

(٨) فقد شفعتك ... وقد مات أ ب ج د : ـ د.

(٩) فنظروا أ ب ج : فنظر داود د ه / / يمشون أ ب ج ه : يسبحون د.

(١٠) فارتقى أ ج د ه : وارتقى ب.

(١١) مرنا ب ه : أمرنا أ ج د.


أعلم أمرا أبلغ في شكركم من بناء مسجد على هذا الصعيد الذي رحمكم الله عليه ، فنبنيه مسجدا يعبد الله فيه ويقدسه (١) أنتم ومن بعدكم ، قالوا : نفعل ، وسأل داود ربه فأذن له ، وأقبلوا على بنائه.

وروي (٢) أن الله تعالى لما أمر داود ، عليه‌السلام ، أن يبني مسجد بيت المقدس قال : يا رب وأين أبنيه؟ قال : حيث ترى الملك شاهرا سيفه ، قال : فرآه داود في ذلك المكان فأسس قواعده ورفع حائطه (٣) فلما ارتفع انهدم ، فقال داود : يا رب أمرتني أن أبني لك بيتا فلما ارتفع هدمته ، فقال : يا داود إنما جعلتك خليفتي في خلقي فلم أخذت المكان من صاحبه بغير ثمن؟ إنه سيبنيه رجل من ولدك (٤).

وحكى في معنى هذا الأثر أن المكان كان لجماعة من بني إسرائيل ولكل واحد منهم فيه حق ، فطلبه داود منهم ، وأنعم به (٥) البعض باللفظ والبعض بالسكوت ففهم داود من الساكتين الرضا (٦) ، وكان بعضهم غير راض في الباطل فحمل داود الأمر على ظاهره فبناه (٧).

فجاء بعض أصحاب الحق (٨) إلى بني إسرائيل وقال لهم : إنكم تريدون أن تبنوا على حقي وأنا مسكين وأنه موضع بيدري أجمع فيه طعامي فارتفق (٩) بحمله إلى منزلي لقربه إن بنيتم عليه أضررتم بي ، فانظروا في أمري فقالوا له : كل من بني إسرائيل له مثل حقك وأنت أبخلهم ، فإن أعطيته (١٠) طوعا وإلا أخذناه على كره منك ، فقال : أتجدون هذا في حكم داود؟ ثم انطلق وشكاهم إليه ، فدعاهم وقال لهم : تريدون أن تبنوا بيت الله بالظلم (١١) ما أراكم يا بني إسرائيل تستكينون لله عز وجل ولا أرى إلا أن البلاء يضغطكم.

__________________

(١) ويقدسه أ ج د ه : وتقدسوه ب.

(٢) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١١٣.

(٣) حائطه أ ب ج ه : حيطانه د.

(٤) ولدك أ ب ه : أولادك ج د.

(٥) وأنعم أ : فأنعم ب ج د ه.

(٦) الرضا ب : الرضى أ ج د : الأمر على ظاهره ه.

(٧) فبناه فجاء أ ب ج ه : ولما بناه جاءه د.

(٨) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١١٤.

(٩) فارتفق ... لقربه أ ب ج ه : ـ د.

(١٠) أعطيته أ ب د : أعطيت ج ه / / على كره أ ب ج ه : كرها د.

(١١) بالظلم أ ب : بظلم ج د ه.


ثم قال له داود : أتطيب نفسك عن حقك فتبيعه بحكمك؟ فقال : ما تعطيني ، فقال : أملأه لك إن شئت غنما وإن شئت بقرا وإن شئت إبلا ، فقال : يا نبي الله زدني فإنما تشتريه لله (١) فلا تبخل عليّ ، فقال له داود : احتكم فإنك لا تسألني (٢) شيئا إلا أعطيتك ، فقال : ابن لي حائطا قدر قامتي ، ثم املأه لي ذهبا ، فقال له داود ، عليه‌السلام : نعم وهو في الله قليل.

فالتفت الرجل إلى بني إسرائيل فقال : هذا والله التائب الصادق والمخلص (٣) ، ثم قال : يا نبي الله قد علم الله ، عز وجل ، مني لمغفرة ذنب من ذنوبي وذنوب هؤلاء أحب إليّ من ملء الأرض ذهبا فكيف يظن هؤلاء أني أبخل عليهم وعلى نفسي بما أرجو به المغفرة لذنوبي وذنوبهم ولكني جربتهم رحمة لهم وشفقة عليهم وقد جعلته لله تعالى.

فأقبلوا على عمل مسجد بيت المقدس ، وباشر داود العمل بنفسه وجعل الحجر (٤) على عاتقه ويضعه بيده في مواضعه ومعه أحبار بني إسرائيل.

وروي (٥) أن داود لما ابتدأه ورفعه قامة رجل أوحى الله إليه أني لم أقض ذلك على يديك ولكن ابن لك أملكه بعدك اسمه سليمان أقضي إتمامه على يده (٦) ، وتوفي داود قبل إتمامه وله سبعون سنة ، وقيل غير ذلك.

وأنزل الله عليه الزبور ، وهو مائة وخمسون سورة بالعبرانية في خمسين منها ما يلقونه من بخت نصر ، وفي خمسين ما يلقونه من الروم ، وفي خمسين مواعظ وحكم ، ولم يكن فيه حلال ولا حرام ولا حدود (٧) ولا أحكام.

وكانت وفاته في يوم السبت أواخر سنة خمس وثلاثين وخمسمائة لوفاة موسى ، عليه‌السلام (٨) ، وملك داود أربعين سنة ، وأوصى قبل موته بالملك إلى سليمان (٩) ولده وأوصاه بعمارة بيت المقدس ، وعين لذلك عدة بيوت أموال تحتوي

__________________

(١) لله أ د : + عز وجل ب ج : تعالى ه.

(٢) لا تسألني أ ب ج ه : لا تطلب د / / ابن لي حائطا أ ب : ابن لي حيطا ج ه : أطلب منك أن تبني حيطا د.

(٣) والمخلص أ : المخلص ب ج د ه.

(٤) الحجر أ ب ج ه : الأحجار د / / مواضعه أ : موضعه ب ج د ه.

(٥) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٨٥ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٢٨.

(٦) على يده أ ج ه : على يديه ب د / / داود أ : + عليه‌السلام ب ج د ه.

(٧) ولا حدود ولا أحكام ب : ـ أ ج د ه.

(٨) عليه‌السلام أ ج د ه : ع ب.

(٩) إلى سليمان أ ب ج د : لسليمان ه.


على جملة كثيرة (١) من الذهب.

وعن كعب ووهب (٢) : أن داود ، عليه‌السلام ، أعد لبناء بيت المقدس مائة ألف بدرة (٣) ذهبا وألف ألف بدرة ورقا (٤) وثلثمائة ألف دينار لطلي (٥) البيت ، وذكر أن هذا مال لا تفي به المعادن.

قال وهب : ودفن (٦) داود بالكنيسة المعروفة بالجسمانية شرقي / / بيت المقدس في الوادي ، ويقال : إن قبر داود ، عليه‌السلام ، بكنيسة صهيون وهي التي بظاهر القدس من جهة القبلة بأيدي طائفة الفرنج لأنها كانت داره ، وفي كنيسة صهيون (٧) المذكورة موضع تعظمه النصارى ، ويقال : إن قبر داود فيه وهذا الموضع هو الآن بأيدي المسلمين.

وسنذكر ما وقع في ذلك في عصرنا من التنازع بين المسلمين والنصارى فيما بعد ، في حوادث سنة خمس وتسعين وثمانمائة إن شاء الله تعالى.

ذكر (٨) ملك سليمان عليه‌السلام (٩)

لما توفي داود ملك ابنه سليمان وعمره اثنتا عشرة سنة ، ومولد سليمان بغزة ، وأتاه الله الحكمة والعلم والملك ما لم يؤته لأحد سواه على ما أخبر الله ، عز وجل ، به في محكم كتابه العزيز ، فأطاع الله له الأنس والجن والشياطين والرياح والطيور والوحوش (١٠) والهوام وكل المخلوقات على اختلاف أجناسها فسبحان المتفضل بما شاء على من يشاء (١١).

__________________

(١) جملة كثيرة أ د : جمل كثيرة ب ج ه.

(٢) ووهب أ ب ج ه : ـ د.

(٣) بدرة : كيس مقدار من المال يتعامل به ويقدم في العطايا ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٤ / ٤٩ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٤٤.

(٤) الورق : فضة مضروبة كانت أو غير مضروبة ، وهي الدراهم ، ينظر : ابن خالويه ٢٦ ؛ ابن منظور ، لسان ٤ / ٤٩ ؛ المعجم الوسيط ٢ / ١٠٦٨.

(٥) لطلي أ ج د ه : لطلاء ب.

(٦) ودفن أ ج د ه : دفن ب.

(٧) ينظر : النابلسي ٣٠٤.

(٨) ذكر أ ج د ه : ـ ب.

(٩) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٨٦ ؛ الثعلبي ١٦٣ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٢٨ ؛ النجار ٣١٧.

(١٠) والطيور والوحوش أ ج د ه : الطير والوحش د.

(١١) من يشاء أ ج د ه : كم شاء ب.


ذكر بناء سليمان عليه‌السلام مدينة بيت المقدس ومسجدها (١)

لما كان في السنة الرابعة من ملكه في شهر أيار وهي سنة ٥٣٩ (٢) لوفاة موسى ، عليه‌السلام ، ابتدأ سليمان ، عليه‌السلام ، في عمارة بيت المقدس حسبما تقدم به وصيه أبيه إليه.

وكانت مدينة بيت المقدس في زمن إسرائيل عظيمة البناء ، متسعة العمران ، فكانت أكبر من مصر ومن بغداد ، على ما يوصف (٣) فيقال : إن العمارة والمنازل كانت متصلة من جهة القبلة إلى القرية المعروفة يومئذ بدير السنة (٤) ، ومن جهة الشرق إلى جبل طور زيتا (٥) ، واستمرت العمارة بطور زيتا إلى حين الفتح العمري (٦) ، ومن جهة (٧) الغرب إلى ماميلا (٨) ، ومن جهة الشمال إلى القرية التي بها قبر النبي شموئيل (٩) ، عليه‌السلام ، واسمها عند اليهود رامة (١٠) ومسافتها عن بيت (١١) المقدس تقرب من ربع بريد (١٢) لعمارة داود وسليمان ، عليهما‌السلام ، لمدينة القدس إنما هي تجديد للبناء (١٣) القديم.

وتقدم في أول الكتاب ذكر أول من عمر المدينة (١٤) واختطها وأنه سام بن

__________________

(١) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٥٠٠ ؛ الثعلبي ١٦٧ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ١١٧.

(٢) سنة ٥٣٩ ه‍ أ ج د ه : سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ب.

(٣) ما يوصف أ ب ج ه : وصفت المؤرخون د.

(٤) دير السنة : لم أستطيع تحديد موقعه.

(٥) جبل طور زيتا : جبل مطل على المسجد الأقصى شرقي وادي سلوان ، وهو وادي جهنم ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ٥٤ ؛ النابلسي ١٦٣.

(٦) الفتح العمري : الفتح الذي يسره الله على يد عمر بن الخطاب للقدس عام ١٥ ه‍ / ٦٣٦ م. ينظر : البلاذري ، فتوح ١٤٠ ؛ الطبري ، تاريخ ٣ / ٦٠٧ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٢ / ٣٤٨.

(٧) ومن جهة الغرب إلى ماميلا أ ب ج ه : ـ د / / ماميلا أ ج د ه : ماء مولا ب.

(٨) ماميلا : مقبرة بظاهر القدس بها دفن الأعيان والعلماء ، ينظر : النابلسي ١٨٧ ؛ الأنصاري ، مقبرة ماميلا.

(٩) شموئيل أ : شمويل ب ج د ه / / عليه‌السلام أ ج د ه : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب.

(١٠) رامة : قرية النبي صموئيل ، وهي قرية فلسطينية شمال بيت المقدس تسمى الآن الرام ، ينظر : الدباغ ٢ / ٩٤ ؛ خمار ٢٣٤ ؛ عبد الملك ٣٩٢.

(١١) عن بيت أ ب ج د : من بيت ه.

(١٢) بريد : كلمة فارسية والبريد يساوي ٤ فراسخ ، والفرسخ يساوي ٤ كم ، ينظر : التونجي ١١ ، هنتس ٩٤ هارتمان ، بريد ٣ / ٦٠٩ ؛ Sourdel ,Baread ١ / ٠١

(١٣) للبناء أ ج ه : البناء د.

(١٤) من عمر المدينة أ ج د ه : من بنى المدينة وعمرها ب.


نوح ، عليهما‌السلام ، وكان محل المسجد بين عمران المدينة وهو صعيد واحد والصخرة الشريفة قائمة في وسط حتى بناه داود ، ثم سليمان ، عليهما‌السلام.

وكان من خبر ذلك ما روي أن الله ، عز وجل ، لما أوحى إلى سليمان ، عليه‌السلام ، أن ابن بيت المقدس جمع حكماء الأنس والجن وعفاريت الأرض وعظماء الشياطين وجعل منهم فريقا يبنون ، وفريقا يقطعون الصخور والعمد من معادن الرخام (١) ، وفريقا يغوصون في البحر فيخرجون منه الدر والمرجان (٢) ، وكان في الدر ما هو مثل بيضة النعامة وبيضة الدجاجة ، وأخذ في بناء بيت المقدس وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفاح (٣) وجعلها اثني عشر ربضا (٤) ، وأنزل كل ربض منها سبطا من الأسباط ، وكانوا اثني عشر سبطا ، فلما فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد ، فلم يثبت البناء ، فأمر بهدمه ثم حفر الأرض (٥) حتى بلغ الماء ، فأسسه على الماء وألقوا فيه الحجارة ، فكان الماء يلفظها فدعا سليمان ، عليه‌السلام ، الحكماء الأخيار (٦) ورئيسهم آصف بن برخيا واستشارهم فقالوا : إنا نرى أن نتخذ (٧) قلالا من نحاس ثم نملأها حجارة ثم نكتب عليها الكتاب الذي في خاتمك (٨) ثم نلقي القلال في الماء ، وكان الكتاب الذي على الخاتم لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد عبده ورسوله.

ففعلوا فثبتت القلال ، فألقوا المؤن والحجارة عليها ، وبنى حتى ارتفع بناؤه ، وفرق الشياطين في أنواع العمل ، فدأبوا (٩) في عمله وجعل فرقة منهم يقطعون معادن الياقوت والزمرد ويأتون بأنواع الجواهر ، وجعل الشياطين صفا مرصوفا (١٠) من معادن الرخام إلى حائط المسجد ، فإذا قطعوا من المعادن حجرا أو أسطوانة

__________________

(١) الرخام : ضرب من الحجارة استخدم في العمارة الإسلامية ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١٢ / ٢٣٤ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٣٤٩ ؛ بعلبكي ١ / ٥٣٧ ؛ غالب ١٩٩.

(٢) والمرجان أ ب ج د : + والجواهر ه.

(٣) الصفاح : حجارة رقيقة عريضة ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٢ / ٥١٣ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٥٣٥.

(٤) ربض : الناحية من الشيء وما حول المدينة ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٧ / ١٥٢ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٣٣٤.

(٥) حفر الأرض أ ب : حفر الأساس ج د ه.

(٦) الأخيار أ ج ه : الأحبار ب د.

(٧) أن نتخذ أ ب : أن نأخذ ج د ه.

(٨) في خاتمك أ ب ه : على خاتمك ج د / / على الخاتم أ ب : في خاتمه ج د : في خاتمك د.

(٩) فدأبوا أ ب ج ه : ـ د.

(١٠) مرصوفا أ : مرصوصا ب ج د ه / / حائط أ ب ه : حيطان ج د.


تلقاه (١) الأول منهم ، ثم الذي يليه ويلقيه بعضهم إلى بعض حتى ينتهي إلى المسجد ، وجعل فرقة لقطع الرخام الأبيض الذي منه ما هو مثل بياض اللبن بمعدن يقال له السامور والذي دلهم على معدن السامور عفريت من الشياطين كان في جزيرة من جزائر البحر ، فدلوا سليمان ، عليه‌السلام ، فأرسل إليه بطابع من حديد ، وكان خاتمه يرسخ في الحديد والنحاس فيطبع إلى الجن بالنحاس وإلى الشياطين بالحديد ولا يجيبه أقصاهم إلا بذلك ، وكان / / خاتما (٢) نزل عليه من السماء حلقته بيضاء وطابعه كالبرق لا يستطيع أحد أن يملأ بصره منه فلما وصل الطابع إلى العفريت وجيء به قال له : هل عندك من حيلة أقطع بها الصخر فإني لأكره (٣) صوت الحديد في مسجدنا هذا ، والذي أمرنا الله به من ذلك هو الوقار والسكينة.

فقال له العفريت : إني لا أعلم في السماء طيرا أشد من العقاب ولا أكثر حيلة منه ، وذهب يبتغي وكر عقاب ، فوجد وكرا (٤) ، فغطى عليه بترس عظيم من حديد ، فجاء العقاب إلى وكره ، فوجد الترس مسدودا ، فنفخه (٥) برجله ليزيحه أو ليقطعه ، فلم يقدر عليه فحلق في السماء ، ولبث يومه وليلته ، ثم أقبل ومعه قطعة من السامور ، فتعرفت (٦) عليه الشياطين حتى أخذوها منه ، وأتوا بها سليمان ، عليه‌السلام ، فكان (٧) يقطع بها الصخرة العظيمة.

وكان (٨) عدد من عمل معه في بناء بيت المقدس ثلاثين ألف رجل وعشرة آلاف يتراوحون عليهم قطع الخشب (٩) في كل شهر عشرة آلاف خشبة وكان الذين يعملون في الحجارة سبعين (١٠) ألف رجل ، وعدد الأمناء عليهم ثلاثمائة غير المسخرين من الجن والشياطين ، وعمل فيه سليمان (١١) عملا لا يوصف وزينه بالذهب والفضة والدر والياقوت والمرجان وأنواع الجواهر في سمائه وأرضه وأبوابه

__________________

(١) تلقاه أ ب ج ه : ألقاها د.

(٢) خاتما أ ب ه : خاتمه ج د.

(٣) لأكره أ د : أكره ب ج ه.

(٤) وكرا أ ب ج د : وكره ه / / بترس عظيم أ ج : بترس غليظ ب د : بريش غليظ ه.

(٥) فنفخه أ د ه : فبحثه ب : فنفحه ج.

(٦) فتعرفت أ د : فتفرقت ب ج ه.

(٧) فكان أ : وكان ب د : فكانوا ج ه / / بها أ : + إلى ب ج د ه.

(٨) وكان ب : فكان أ ج : فكانوا د ه / / ثلاثين ب : ثلاثون أ ج د ه.

(٩) الخشب أ ب : الأخشاب ج د ه / / في كل شهر ... خشبه أ ب ج ه : ـ د.

(١٠) سبعين أ ب : سبعون ج د ه.

(١١) سليمان أ : + عليه‌السلام ب ج د ه.


وجدرانه وأركانه ما لم ير مثله وسقفه بالعود اليلنجوج (١)(٢) ، وصنع له مائتي سكرة من الذهب زنة كل سكرة منها عشرة أرطال وأولج فيه تابوت موسى وهارون ، عليهما‌السلام.

ولما فرغ سليمان ، عليه‌السلام ، من بناء بيت المقدس أنبت الله شجرتين عند باب الرحمة إحداهما تنبت الذهب ، والأخرى تنبت الفضة فكان في كل يوم ينزع من كل واحدة مائتي رطل ذهبا وفضة ، وفرش المسجد بلاطة من ذهب وبلاطة من فضة ، فلم يكن يومئذ في الأرض بيت أبهى ولا أنور من ذلك المسجد ، كان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر.

وكانت صخرة بيت المقدس أيام سليمان ، عليه‌السلام ، ارتفاعها اثني عشر ذراعا ، وكان الذراع ذراع الأمان ذراعا وشبرا وقبضة ، وكان ارتفاع القبة التي عليها (٣) ثمانية عشر ميلا ، وروي اثني عشر ميلا ، وفوق القبة غزال (٤) من ذهب بين عينيه درة أو ياقوتة حمراء ، تغزل نساء البلقاء على ضوئها بالليل (٥)(٦) ـ وهي فوق مرحلتين (٧) من القدس ـ وكان أهل عمواس (٨) يستظلون بظل القبة إذا طلعت الشمس من المشرق (٩) ، وعمواس بفتح الميم وسكونها ، وهي التي سمي بها الطاعون على الراجح لأنه منها ابتداء ، وكان في سنة ١٨ (١٠) من الهجرة (١١) ، وهي بالقرب من رملة فلسطين مسافتها عن بيت المقدس نحو بريد ونصف ، وإذا غربت الشمس استظل بها أهل بيت الرامة وغيرهم من الغور ، ومسافتها عن

__________________

(١) العود اليلنجوج : العود الطيب الرائحة ، ينظر : المعجم الوسيط ٢ / ٨٤٩.

(٢) اليلنجوج أ ب : الأنجوح ج ه : الافلنج د / / سكرة أ ب : فقل ج د ه.

(٣) التي عليها أ ب د : الذي عليها ج ه.

(٤) غزال أ ب : صفة غزال ج د ه.

(٥) هذه الخرافة ليس هناك أي دليل عقلي أو منطقي يسندها واستنكرها ابن تيمية في فتاويه ، ينظر : ابن تيمية ٢٧ / ١٣ ؛ ابن كثير ، البداية ٨ / ١٨٠ ؛ التنشئة ١٢٩.

(٦) المرحلة : المسافة يقطعها السائر في نحو يوم ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١١ / ٣٨٠ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٣٤٧.

(٧) بالليل أ ب د : في الليل ج ه.

(٨) عمواس : كورة من فلسطين قرب بيت المقدس ، وكانت عمواس قصتها قديما وهي على بعد ستة أميال من القدس ، وقد اشتهرت بالطاعون أول الفتح ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ٩٦٣ ؛ الحميري ٤١٥ ؛ شراب ٤٣٦.

(٩) من المشرق أ ب د : من الشرق ج ه.

(١٠) ١٨ أ ج د ه : ثماني عشرة ب.

(١١) ١٨ ه‍ / ٦٣٩ م.


بيت المقدس أبعد من عمواس.

قال بعض المؤرخين : وعمل خارج البيت سورا محيطا به (١) امتداده خمسمائة ذراع وأقام سليمان في عمارة بيت المقدس سبع سنين ، وفرغ منه في السنة الحادية عشر من ملكه ، فيكون الفراغ من عمارة بيت المقدس في أواخر سنة ٥٤٦ (٢) لوفاة موسى ، عليه‌السلام ، ومن هبوط آدم ، عليه‌السلام ، إلى ابتداء سليمان ببناء بيت المقدس ٤٤١٤ (٣) سنة ، وبين عمارة بيت المقدس والهجرة الشريفة (٤) المحمدية ، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، ألف وثمانمائة وقريب ستين ، وقد مضى (٥) من الهجرة الشريفة إلى عصرنا هذا ٩٠٠ سنة كاملة ، فيكون الماضي من عمارة بيت المقدس على يد سليمان إلى عصرنا هذا أواخر ذي الحجة ختام عام ٩٠٠ ه‍ ألفين وسبعمائة سنة وقريب ستين.

وأما بناء بيت المقدس (٦) الأول فقد تقدم أن أول من بناها سام بن نوح ، وكانت وفاته بعد الطوفان بخمسمائة سنة ، ومن وفاة سام إلى بناء سليمان (٧) ألف وستمائة واثنتان وسبعون سنة ، / / وبين الطوفان والهجرة الشريفة ثلاث آلاف وتسعمائة أربع وسبعون (٨) سنة ، فيكون الماضي من وفاة سام إلى آخر سنة ٩٠٠ (٩) من الهجرة الشريفة ٤٣٧٤ سنة ، فيعلم من ذلك تاريخ بناء مدينة القدس (١٠) الأول تقريبا ، والله أعلم.

وملخص القول : إن من هبوط آدم ، عليه‌السلام ، إلى الطوفان ألفين ومائتين واثنتين وأربعين سنة ، ومن الطوفان إلى وفاة سام بن نوح خمسمائة سنة ، ومن وفاة سام إلى بناء سليمان بيت المقدس ألف وستمائة واثنتين وسبعين سنة ، ومن بناء سليمان إلى الهجرة الشريفة ألفا وثمانمائة (١١) وقريب ستين ، ومن الهجرة الشريفة

__________________

(١) به أ ج د ه : ـ ب.

(٢) ٥٤٦ أ ج د ه : سنة ستة وأربعين وخمسمائة ب.

(٣) ٤٤١٤ أ ج د ه : أربعة آلاف وأربعمائة وأربع عشرة سنة ب.

(٤) الشريفة أ : + النبوية ب ج د ه.

(٥) وقد مضى ... هذا سنة ٩٠٠ أ ج د ه : ـ ب.

(٦) بيت المقدس أ ج د ه : مدينة القدس ب.

(٧) سليمان أ ج د ه : + بيت المقدس ب.

(٨) ثلاثة آلاف وتسعمائة وأربع وسبعون ب ٩٠٠ : ثلاثة آلاف وتسعمائة وأربعة وسبعون أ ج د ه.

(٩) ٩٠٠ أ د ه : تسعمائة ب ج / / ٤٣٧٤ سنة أ ج د ه : أربعة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين ب.

(١٠) مدينة القدس أ : بيت المقدس ب ج د ه.

(١١) وثمانمائة أ ج د ه : وثلثمائة ب.


إلى عصرنا هذا تسعمائة سنة.

فهذه المدة التي تقدم تفصيلها قبل ذلك في أماكن متفرقة وجملتها : من هبوط آدم إلى آخر سنة تسعمائة (١) من الهجرة الشريفة سبعة آلاف سنة ومائة سنة وستة عشر سنة على اختيار المؤرخين كما تقدم عند ذكر سيدنا آدم ، عليه‌السلام ، والخلاف في ذلك كثير ويأتي ذكر بناء مدينة سيدنا الخليل ، عليه‌السلام ، وأول من اختطها فيما بعد ، إن شاء الله تعالى.

ولما فرغ (٢) سليمان من بناء مسجد بيت المقدس سأل الله ثلاثا : سأله حكما يوافق حكمه ، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، وسأله أن لا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه ، إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، ولهذا كان عبد الله بن عمر ، رضي‌الله‌عنهما ، يأتي بيت المقدس فيدخل (٣) فيصلي ركعتين ، ثم يخرج ولا يشرب فيه ، كأنه يطلب دعوة سليمان.

وروي عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «إن سليمان بن داود ، عليهما‌السلام (٤) ، سأل ربه ثلاثا فأعطاه اثنتين ، ونحن نرجو أن يكون قد أعطاه الثالثة : سأله حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه (٥) ، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه ، وسأله أيما رجل يخرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد أن يخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه ، فنحن نرجو أن يكون قد أعطاه إياه» (٦).

ولما رفع سليمان (٧) ، عليه‌السلام ، يده من البناء بعد الفراغ منه وإحكامه ، جمع الناس وأخبرهم أنه مسجد لله تعالى ، وهو أمره ببنائه ، وأن كل شيء فيه لله سبحانه وتعالى من انتقصه (٨) أو شيئا منه فقد خان الله تعالى ، وأن داود عهد إليه ببنائه وأوصاه بذلك من بعده ، ثم اتخذ طعاما وجمع الناس جمعا لم ير مثله قط ، ولا طعاما أكثر منه ، ثم أمر بالقرابين (٩) فقربت إلى الله تعالى ، وجعل القربان في رحبة المسجد وميز ثورين وأوقفهما قريبا من

__________________

(١) ٩٠٠ ه‍ / ١٤٩٤ م.

(٢) ولما فرغ أ ب ج د : فلما فرغ ه / / مسجد أ : ـ ب ج د ه.

(٣) فيدخل أ ج د ه : ـ ب.

(٤) عليهما‌السلام أ ج د ه : ع ب.

(٥) إياه أ ج د ه : ـ ب.

(٦) ينظر : ابن كثير ، البداية ٢ / ٢٦ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ١٢١.

(٧) رفع سليمان أ ب ج د : فرغ سليمان ه.

(٨) من انتقصه أ ب د : فمن انتقصه ج ه.

(٩) بالقرابين أ ب ج د : القرابين ه.


الصخرة (١) ، ثم قام على الصخرة ، فدعا بدعائه المتقدم ذكره ، وزاد عليه زيادة وهي : اللهم أنت وهبت لي هذا الملك منّا منك وطولا عليّ (٢) وعلى والدي ، وأنت ابتدأتني وإياه بالنعمة والكرامة ، وجعلته حكما بين عبادك وخليفة في أرضك ، وجعلتني وارثه من بعده وخليفة في قومه ، وأنت الذي خصصتني بولاية مسجدك هذا ، وأكرمتني به قبل أن تخلقني ، فلك الحمد على ذلك ، ولك المن ولك الطول ، اللهم وأسألك (٣) لمن دخل هذا المسجد خمس خصال (٤) :

أن لا يدخل إليه مذنب لا يعمده إلا لطلب التوبة أن تتقبل منه توبته وتغفر له ، ولا يدخله خائف لا يعمده إلا لطلب الأمن أن تؤمنه (٥) من خوفه وتغفر له ذنبه ، ولا يدخله (٦) سقيم لم يعمده إلا لطلب الشفاء أن تشفي سقمه وتغفر ذنبه ولا يدخله مقحط لا يعمده إلا للاستسقاء أن تسقي (٧) بلاده ، وأن لا تصرف بصرك عن من دخله حتى يخرج منه ، اللهم إن أجبت دعوتي وأعطيتني مسألتي ، فاجعل علامة ذلك أن تتقبل مني قرباني ، فتقبل القربان ، ونزلت نار من السماء فامتدت بين (٨) الأفقين ، ثم امتد عنق منها فأخذ القربان وصعد به إلى السماء.

وروي أن نبي الله سليمان ، عليه‌السلام ، لما فرغ من بنائه ، ذبح ثلاثة آلاف بقرة وسبعة آلاف شاة ، ثم أتى المكان / / الذي في مؤخرة المسجد مما يلي باب الأسباط وهو الموضع الذي يقال له كرسي سليمان (٩) وقال : اللهم من أتاه من ذي ذنب فاغفر له ، أو ذي ضر فاكشف ضره ، فلا يأتيه أحد إلا أصاب من دعوة سليمان ، عليه‌السلام.

وهذا الموضع الذي هو معروف بكرسي سليمان من الأماكن المعروفة بإجابة الدعاء وهو داخل القبة المعروفة بقبة سليمان (١٠) عند باب

__________________

(١) الصخرة أ ب ج ه : + المشرفة د.

(٢) عليّ أ ب ج ه : إلى د / / وجعلته أ ب ج د : وجعلت ه.

(٣) وأسألك أ ج د ه : إني أسألك د.

(٤) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٢١.

(٥) أن تؤمنه أ ه : من أن تؤمنه ب ج د.

(٦) ولا يدخله ... ذنبه أ ب ج ه : ـ د / / لطلب الشفاء أ ب ج د : للاستشفاء ه.

(٧) تسقي أ : أن تسقي ب ج د : ـ ه.

(٨) بين أ : ما بين ب ج د ه / / امتد عنق أ ب ج ه : امتد لها د.

(٩) كرسي سليمان : المكان الذي في مؤخر المسجد مما يلي باب الأسباط ، ينظر : العليمي ٢٨ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ١٢٣ ؛ النابلسي ١٤٩.

(١٠) قبة سليمان : ينظر : العليمي ٢٨ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ١٢٣ ؛ النابلسي ١٤٩ ؛ النتشه ١٤٩ ؛ العارف ،


الدويدارية (١) ، ورتب له سليمان ، عليه‌السلام ، عشرة آلاف من قراء بني إسرائيل خمسة آلاف بالليل وخمسة آلاف بالنهار حتى لا تأتي ساعة من ليل ولا نهار إلا والله تعالى يعبد فيه.

وكان سليمان ، عليه‌السلام ، إذا دخل مسجد بيت المقدس ، وهو ملك الأرض ، يقلب بصره ليرى أين يجلس المسكين (٢) من العمي والخرس ، والمجذوبين ، فيدع الناس وينطلق (٣) فيجلس معهم تواضعا ، ويرفع طرفه إلى السماء ، ثم يقول : مسكين مع المساكين.

وروي أن مفتاح بيت المقدس كان يكون عند سليمان (٤) ولا يأمن عليه أحد ، فقام ذات ليلة ليفتحه فعسر عليه (٥) ، فاستعان عليه بالأنس فعسر عليهم ، ثم استعان عليه بالجن فعسر عليهم ، فجلس كثيبا حزينا يظن أن ربه قد منعه منه ، فبينما هو كذلك إذ أقبل شيخ يتكىء على عصا له (٦) وقد طعن في السن ، وكان من جلساء داود ، عليه‌السلام ، فقال : يا نبي الله أراك حزينا؟ فقال : قمت إلى هذا الباب لأفتحه (٧) ، فعسر عليّ ، فاستعنت عليه بالأنس والجن فلم ينفتح ، فقال الشيخ : ألا أعلمك كلمات كان أبوك يقولهن عند كربه فيكشف الله عنه (٨)؟ قال : بلى ، قال : قل اللهم بنورك اهتديت ، وبفضلك استعنت ، وبك أصبحت وأمسيت ، ذنوبي بين يديك ، أستغفرك وأتوب إليك ، يا حنان يا منان ، فلما قالها فتح له الباب ، فيستحب أن يدعو الزائر وغيره بهذا الدعاء إذا دخل من باب الصخرة وكذلك من باب المسجد.

ومن العجائب التي كانت ببيت المقدس السلسلة (٩) التي جعلها سليمان بن

__________________

تاريخ قبة الصخرة ٢٠٢.

(١) الدويدارية : نسبة إلى الدودار : أي ممسك الدواة والوظيفة اسمها الدوادارية وصاحبها يحمل دواة السلطان أو الأمير ويقوم بإبلاغ الرسائل وتقديم الشكاوى إليه ويعرف هذا الباب بباب شرف الأنبياء ، ينظر : القلقشندي ، صبح ٤ / ١٩ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٠٤ ؛ عاشور ٤٣٨.

(٢) المسكين أ ج د ه : المساكين ب.

(٣) ويطلق أ ج د ه : ـ ب / / ويرفع أ : لا يرفع ب ج د ه.

(٤) سليمان أ : + عليه‌السلام ب ج د ه.

(٥) فعسر عليه أ د : فصعب عليه ب : فتعسر عليه ب ج.

(٦) عصا له أ ب ج د : عصاه هت.

(٧) لأفتحه أ ب ج ه : لفتحه ه.

(٨) عند كربه فيكشف الله عنه أ ب ج د : ـ ه.

(٩) هذه الخرافة ليس لها أساس شرعي من كتاب أو سنة ولا تتناسب مع المنطق العقلي السليم ، ينظر : ابن كثير ، البداية ٢ / ٢٦ ؛ العارف ، تاريخ قبة الصخرة ٢٣٤.


داود ، عليهما‌السلام ، معلقة من السماء إلى الأرض شرقي الصخرة مكان قبة السلسلة (١) ، الموجودة الآن وفيها يقول الشاعر

لقد مضى الوحي ومات العلا (٢)

وارتفع الجود مع السلسلة

وكانت هذه السلسلة لا يأتيها رجلان إلا نالها المحق منهما ومن كان مبطلا ارتفعت فلم ينلها ، وملخص حكايتها مع اختلاف فيه : أن رجلا يهوديا كان قد استودعه رجل مائة دينار ، فلما طلب الرجل وديعته جحده ذلك اليهودي فترافعا (٣) إلى ذلك المقام عند السلسلة ، فأخذ اليهودي بمكره ودهائه ، فسبك تلك الدنانير ، وحفر لها (٤) في عصاه وجعلها فيه ، فلما أتى ذلك المقام دفع العصا إلى صاحب الدنانير ، وقبض على السلسلة ، ثم حلف بالله لقد أعطاه دنانيره ، ثم دفع إليه صاحب الدنانير العصا ، وأقبل حتى أخذ السلسلة ، فحلف أنه لم يأخذها منه ومسك (٥) كلاهما السلسلة ، فعجب الناس من ذلك ، فارتفعت السلسلة من ذلك اليوم لخبث الطويات (٦) وحكى غير ذلك.

وعمل (٧) سليمان ، عليه‌السلام ، تحت الأرض بركة وجعل فيها ماء وجعل على وجه ذلك الماء بساطا وجلس رجل عظيم أو قاض جليل فمن كان على الباطل إذا وقع في ذلك الماء غرق ، ومن كان على الحق لا يغرق.

ومن العجائب التي كانت أيضا في بيت المقدس في الزمان (٨) الأول ما حكاه (٩) صاحب (مثير الغرام) (١٠) أن الضحاك بن قيس (١١) صنع فيه العجائب :

__________________

(١) قبة السلسلة : قبة ظريفة مكشوفة من جميع جوانبها ، بمنزلة الخيمة الكبيرة المثمنة ، وهي قبالة الباب الشرقي الذي لجامع الصخرة ، ينظر : العليمي ٢٥ ـ ٢٧ ؛ السيوطي ، إتحاف ١٢٢ ؛ النابلسي ١٣٦ ؛ نجم ٧٣ ؛ العارف ، تاريخ قبة الصخرة ١٩٩.

(٢) ومات العلا أ ب ج ه : وزال العلا ه.

(٣) فترافعا ب : فارتفعوا أ ج د ه.

(٤) وحفر لها في عصاه أ ج ه : وحفر جوف عصاه فيها ب : وحفر فيها د.

(٥) ومسك أ ج د ه : ومس ب.

(٦) لخبث الطويات أ ب ج ه : ـ د.

(٧) وعمل أ ه : وجعل ب ج : وحفر د.

(٨) الزمان أ ب ج ه : ـ د.

(٩) ينظر : المقدسي ، مثير ١٧٩ ـ ١٨٠.

(١٠) صاحب مثير الغرام : كتاب مثير الغرام بفضائل القدس والشام تأليف الإمام أبي محمود أحمد بن إبراهيم بن هلال بن تيم بن سرور المقدسي الشافعي ، توفي سنة ٧٦٥ ه‍ / ١٣٦٣ م ، ينظر : ابن حجر ، الدرر ١ / ٢٥٧ ؛ حاجي خليفة ٢ / ١٥٨٩ ؛ العارف ، تاريخ قبة الصخرة ٢٤٢.

(١١) الضحاك بن قيس : اختلف كتب الأنساب في نسبه وقيل : هو الضحاك بن عدنان أخوه معد بن عدنان ،


الأولى : أنه صنع به في ذلك الزمان نارا عظيمة اللهب ، فمن عصى الله في تلك الليلة أحرقته تلك النار حين ينظر إليها.

الثانية (١) : من رمى بيت المقدس بنشابة ، رجعت النشابة إليه.

الثالثة (٢) : وضع كلبا من خشب على باب بيت المقدس فمن كان عنده شيء [٣٠ / أ] من السحر إذا مرّ بذلك الكلب ، فإذا نبح (٣) عليه نسي ما عنده / / من السحر.

الرابعة (٤) : وضع بابا فمن دخل من ذلك الباب إذا كان ظالما من اليهود ضغطه ذلك الباب حتى يعترف بظلمه.

الخامسة (٥) : وضع عصا في محراب بيت المقدس فلم يقدر أحد يمس تلك العصا إلا من كان من ولد الأنبياء ومن كان سوى ذلك أحرقت يده.

السادسة (٦) : كانوا يحبسون أولاد الملوك عندهم في محراب بيت المقدس فمن كان من أهل المملكة إذا أصبح أصابوا يده مطلية بالدهن.

وكان ولد هارون يجيئون إلى الصخرة ويسمونها الهيكل بالعبرانية وكانت تنزل عليهم عين زيت من السماء ، فتدور في القناديل فتملأها من غير أن تمس ، وكانت تنزل نار من السماء فتدور على مثال سبع على جبل طور زيتا ، ثم تمتد حتى تدخل من باب الرحمة (٧) ، ثم تصير على الصخرة فيقول ولد هارون : تبارك الرحمن لا إله إلا هو.

فغفلوا ذات ليلة عن الوقت الذي كانت تنزل النار فيه ، فنزلت وليس هم حضورا ، ثم ارتفعت النار ، فجاءوا فقال الكبير للصغير : يا أخي قد كتبت الخطيئة أي شيء ينجينا من بني إسرائيل إن تركنا هذا البيت الليلة بلا نور ولا سراج ، فقال

__________________

واليمن تدعيه وتزعم أنه قحطاني من ولد الهيوب ابن الأزد ، ينظر : المقدسي ، مثير ١٧٩ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ٢١٧.

(١) الثانية أ : والثانية ب ج د ه.

(٢) الثالثة أ ج د ه : والثالثة ب / / باب بيت المقدس أ ب ج ه مثير الغرام. مدينة بيت المقدس د.

(٣) فإذا نبح ب ه : نبح أ ج د.

(٤) الرابعة أ د ه : والرابعة ب ج.

(٥) الخامسة أ ج ه : والخامسة ب : الخامس د.

(٦) السادسة أ : والسادسة ب ج د ه.

(٧) باب الرحمة ، ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٩٧ ؛ النابلسي ٩٨ ؛ العارف ، تاريخ قبة الصخرة ٢١٨ ؛ الدباغ ١٠ / ٥٩.


الصغير للكبير : تعال حتى نأخذ من نار الدنيا فنسرج القناديل لئلا يبقى هذا البيت في هذه الليلة بلا نور ولا سراج ، فأخذا (١) من نار الدنيا وأسرجا فنزلت عليها النار في ذلك الوقت ، فأحرقت نار السماء نار الدنيا وأحرقت ولدي هارون ، فناجى نبي ذلك الزمان ، فقال : يا رب أحرقت ولدي هارون وقد علمت مكانهما فأوحى الله تعالى إليه (٢) هكذا أفعل بأوليائي إذا عصوني فكيف بأعدائي (٣)؟؟!!.

قصة طلسم الحيات (٤)

قال الحافظ ابن عساكر : قرأت في كتاب قديم فيه : وفي بيت المقدس حيات عظيمة قاتلة إلا أن الله تعالى قد تفضل على عباده بمسجد على ظهر الطريق أخذه عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، من كنيسة هناك تعرف بمقامة وفيه أسطوانتان كبيرتان من حجارة على رأسهما صورة (٥) حيات يقال إنه (٦) طلسم لها فمتى لسعت إنسانا حية في بيت المقدس لم يضره شيئا ، وإن خرج عن بيت المقدس شبرا من الأرض مات في الحال ، ودواؤه من ذلكأن يقيم بيت المقدس ثلاثمائة وستين يوما ، فإن خرج وقد بقي من العدة يوم واحد هلك.

وذكر (٧) الهروي (٨) أيضا نحو هذا في كتاب الزيارات له ، قال صاحب مثير الغرام (٩) رحمه الله : وقد أخبرني الفقيه شمس الدين محمد بن علي بن عقبة وهو معدل (١٠) فاضل ثقة : أن ذلك اتفق لشخص سماه هو وأنسيت اسمه كان يلقب بآكل الحيات ، فلدغته حية فخرج من القدس فمات وهذا يؤيد ما ذكراه.

وقلت (١١) : وهذا المسجد معروف وهو بحارة النصارى بالقدس الشريف ،

__________________

(١) فأخذا أ ج د ه : فأخذ ب.

(٢) إليه أ ج د ه : ـ ب.

(٣) بأعدائي أ ج : أفعل بأعدائي ب د ه.

(٤) من الخرافات التي لا تتناسب مع المنطق السليم ولو أنها صحيحة لرأيناها في عصرنا هذا.

(٥) صورة أ ج د ه : صور ب.

(٦) أنه أ ج د ه : أنها ب / / يضره أ : تضره ب ج د ه.

(٧) ينظر : الهروي ٢٧.

(٨) ينظر : أبو الحسن علي بن أبي بكر بن علي الهروي ، اشتهر بالسياحة والتنقل بين البلدان ، له مصنفات منها : «كتاب الإشارات في معرفة الزيارات» ، «الخطب الهروية» ، وتوفي عام ٦١١ ه‍ / ١٢١٤ م ؛ ينظر : ابن خلكان ٣ / ٣٤٦ ؛ ابن العماد ٥ / ٤٩.

(٩) ينظر : المقدسي ، مثير ١٨٣.

(١٠) معدل أ ج د ه مثير : عدل ب.

(١١) وقلت أ د ه : قلت ب ج.


بجوار كنيسة (١) قمامة من جهة الغرب وعن يمنة السالك من درج القمامة إلى الخانقاه الصلاحية ، والذي يظهر أن طلسم الحيات بطل منه ، والله أعلم.

ولما انتهت عمارة مسجد بيت المقدس شرع سليمان ، عليه‌السلام ، في بناء دار مملكته بالقدس الشريف ، واجتهد في عمارتها وتشييدها ، وفرغ منها في مدة ثلاث عشرة سنة ، وانتهت عمارتها في السنة الرابعة والعشرين من ملكه.

قصة بلقيس (٢)

وفي السنة الخامسة والعشرين من ملكه (٣) جاءته بلقيس ملكة اليمن ومن معها وقصتها معه مشهورة وملخصها : أن سيدنا سليمان (٤) لما فرغ من بناء بيت المقدس ، عزم على الخروج إلى مكة ، فتجهز للسير واستصحب من الجن والإنس والشياطين والطيور والوحوش ما بلغ معسكره (٥) مائة فرسخ ، فحملتهم الريح ، فلما وافى الحرم أقام به ما شاء الله أن يقيم ، وكان ينحر كل يوم طول مقامة بمكة ، خمسة آلاف ناقة ، ويذبح خمسة آلاف ثور وعشرين ألف شاة ، وقال لمن حضره من أشراف [٣٠ / ب] قومه : إن هذا (٦) مكان يخرج منه / / نبي عربي (٧) صفته كذا وكذا ، يعطي النصر على من عاداه ، وتبلغ هيبته مسيرة شهر ، القريب والبعيد عنده في الحق سواء ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، قالوا : فبأي دين يدين يا نبي الله (٨)؟ قال : يدين بدين الحنيفية فطوبى لمن آمن به وأدركه ، فقالوا : كم بيننا وبين خروجه يا نبي الله؟ قال : مقدار ألف عام ، فليبلغ الشاهد منكم الغائب فإنه سيد الأنبياء وخاتم الرسل.

فأقام بمكة حتى قضى نسكه ، ثم خرج من مكة صباحا وسار حتى لحق اليمن فوافى صنعاء وقت الزوال (٩) ، فرأى أرضا حسناء ، تزهى خضرتها ، فأحب النزول بها ليتغدى ويصلي.

وكان الهدهد دليل سليمان على الماء فإنه كان يعرف موضع

__________________

(١) كنيسة أ ب ج ه : ـ د.

(٢) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٨٥ ؛ الثعلبي ١٧٣ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ٢١.

(٣) ملكه أ ب ج ه : ملك سليمان د.

(٤) سليمان أ ج د ه : عليه‌السلام ب.

(٥) معسكره أ ب ج ه : عسكره د.

(٦) إن هذا أ ج د ه : ـ ب.

(٧) نبي عربي أ ب ج ه : النبي العربي د.

(٨) يا نبي الله أ ب ج ه : ـ د.

(٩) وقت الزوال فرأى أ ج د ه : وقت الزوال وذلك مسيرة شهر ب.


الماء (١) ويراه تحت الأرض كما يرى في الزجاجة (٢) ، فيعرف قربه من بعده.

فينقر الأرض حتى تجيء الشياطين فيسلخونها ويستخرجون الماء ، فلما نزل سليمان قال الهدهد : إن سليمان قد اشتغل بالنزول ، فارتفع نحو السماء حتى نظر إلى طول الدنيا وعرضها ، فنظر يمينا وشمالا ، فرأى بستانا (٣) لبلقيس ، فمال إلى الخضرة ، فوقع فيه فإذا هو هدهد ، فهبط عليه ، وكان اسم هدهد (٤) سليمان يعفور واسم هدهد اليمن عنفير.

فقال عنفير اليمن ليعفور سليمان : من أين أقبلت وأين تريد؟ قال : أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود ، فقال : ومن سليمان؟ قال : ملك الجن والإنس (٥) والشياطين والوحوش والطيور والرياح ، فقال يعفور لعفير : من (٦) أين أنت؟ قال : أنا من هذه البلاد ، قال : ومن ملكها؟ قال : امرأة يقال لها بلقيس وإن لصاحبكم ملكا عظيما ولكن ليس ملك بلقيس دونه ، فإنها ملكة اليمن كلها وتحت يديها اثنا عشر ألف قائد تحت يد كل قائد مائة ألف مقاتل ، فهل أنت منطلق معي حتى تنظر إلى ملكها؟ قال : أخلف أن يفتقدني سليمان في وقت الصلاة إذا احتاج الماء ، قال الهدهد اليماني : إن صاحبكم يسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة ، فانطلق معه ونظر (٧) إلى بلقيس وملكها وما رجع إلى سليمان إلى وقت (٨) العصر ، فلما نزل ودخل عليه وقت الصلاة ، وكان نزل على غير ماء ، فسأل الجن والإنس والشياطين عن الماء فلم يعلموا ، فتفقد الطير ففقد الهدهد فدعى عريف الطير (٩) وهو النسر فسأله عن الهدهد فقال : أصلح (١٠) الله الملك ما أدري أين هو وما أرسلته مكانا ، فغضب عند ذلك سليمان وقال : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١))(١١).

__________________

(١) موضع الماء أ ب ه : مواضع ج د.

(٢) الزجاجة أ ب : الزجاج ج د ه.

(٣) بستانا لبلقيس أ ب : بستانا مليح لبلقيس ج د ه / / فمال إلى الخضرة فوقع فيه أ ب : ـ ج د ه.

(٤) هدهد أ ج د ه : بهدهد ب.

(٥) الجن والإنس أ : الإنس والجن ب ج د ه / / والشياطين أ ب ج ه : ـ د.

(٦) من أ : فمن ب ج د ه.

(٧) ونظر أ ج د ه : حتى نظر ب.

(٨) إلى وقت أ د : إلا وقت ب : لوقت ج ه.

(٩) الطير أ ب ج ه : الطيور د.

(١٠) أصلح الله الملك أ ب ج د : ـ ه.

(١١) النمل : [٢١].


واختلف في العذاب الذي أوعد به (١) ، فأظهر الأقوال أن عذابه أن ينتف ريشه وذنبه ويلقيه في الشمس طعاما لا يمتنع من النحل ولا من هوام الأرض ، أو لأذبحنه أي لأقطعن حلقه (٢) ، أو ليأتيني بسلطان مبين : بحجة بينه في غيبته وعذر ظاهر ، ثم دعي (٣) العقاب سيد الطير فقال : عليّ بالهدهد الساعة.

فرفع العقاب نفسه دون السماء حتى التصق بالهواء فنظر إلى الدنيا كالقصعة بين يدي أحدكم ، ثم التفت يمينا وشمالا فإذا هو بالهدهد مقبلا من ناحية اليمن ، فانقض العقاب عنوة يريده ، فلما رأى الهدهد ذلك علم أن العقاب يقصده بسوء ، فناشده فقال : بالذي قواك وأقدرك عليّ ألا رحمتني ولم تتعرض لي بسوء ، فولى العقاب وقال : ويلك ثكلتك أمك إن نبي الله حلف أن يعذبك أو يذبحك ، ثم طارا متوجهين نحو سليمان.

فلما انتهى إلى العسكر تلقاه النسر والطير فقالوا له : ويلك أين غبت في يومك هذا القدر توعدك سليمان نبي الله ، وأخبروه بما قال (٤) ، فقال الهدهد : وما استثنى رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قالوا : بلى ، قال : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) (٢١) (٥) ، قال : نجوت إذا.

ثم لما انطلق العقاب والهدهد حتى أتيا سليمان ، وكان قاعدا على كرسيه ، فقال العقاب : وقد أتيتك به يا نبي الله ، فلما قرب الهدهد منه رفع رأسه [٣١ / أ] وأرخي ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعا لسليمان فلما / / دنا منه أخذ برأسه ، فمده إليه فقال : أين كنت؟ لأعذبنك عذابا شديدا ، فقال له الهدهد : يا نبي الله أذكر وقوفك بين يدي الله ، عز وجل ، فلما سمع سليمان ذلك ارتعد وعفا عنه.

ثم سأله فقال : ما الذي أبطأك عني؟ فقال الهدهد ما أخبر (٦) الله تعالى في قوله : (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) ـ أي غير طويل ـ (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ)(٧) والإحاطة : العلم بالشيء من جميع جهاته ، يقول علمت ما لم تعلم وبلغني ما لم

__________________

(١) أو عد به أ ج د ه : توعد به ب.

(٢) لأقطعن حلقه أ ب : ـ ج د ه.

(٣) دعي أ ج د ه : دعا ب / / الطير أ ج د ه : الطيور ب.

(٤) قال ب : ـ أ ج د ه.

(٥) النمل : [٢١].

(٦) أخبر أ ج د ه : + به ب.

(٧) النمل : [٢٢].


تبلغه أنت ولا جنودك (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) (٢٢) (١) ، واختلف في سبأ فقيل : اسم البلد ، وقيل : اسم رجل.

فقال (٢) سليمان : وما ذاك؟ فقال : إني وجدت امرأة تملكهم ، وكان اسمها بلقيس بنت شراحيل من نسل يعرب بن قحطان ، وكان أبوها ملكا عظيم الشأن وقد ولد له أربعون ملكا ، وهي آخرهم ، وكان يملك أرض اليمن ، وكان يقول لملوك الأطراف : ليس أحد منكم كفؤا لي ، وأبي أن يتزوج فيهم فزوجوه امرأة من الجن ، يقال لها : ريحانة بنت السكن ، فولدت له بلقيس ولم يكن له ولد غيرها.

وجاء في الحديث : أن أحد أبوي بلقيس كان جنيا (٣) ، فلما مات أبو بلقيس طمعت في الملك فطلبت من قومها أن يبايعوها ، فأطاعها قوم وعصاها آخرون ، فملكوا عليهم رجلا فافترقوا فرقتين كل فرقة استولت على طرف من أرض اليمن (٤) ، ثم إن الرجل الذي ملكوه أساء السيرة في أهل مملكته حتى كان يمد يده إلى حرم (٥) رعيته فيفجر بهن ، فأراد قومه خلعه فلم يقدروا عليه.

فلما رأت بلقيس ذلك أدركتها الغيرة ، فأرسلت إليه تعرض نفسها عليه ، فأجابها الملك وقال : ما منعن أن أبتدئك بالخطبة إلا اليأس (٦) منك ، فقالت : لا أرغب عنك ، كفؤ كريم ، فاجمع رجال قومي واخطبني إليهم ، فجمعهم وخطبها إليهم ، فقالوا : لا نراها تفعل هذا. فقال لهم : إنها طلبت ذلك ، وأنا أحب أن تسمعوا قولها ، فجاءوها فذكروا لها ذلك ، فقالت : نعم أحببت الولد ، فزوجوها منه.

فلما زفت إليه خرجت بأناس كثيرة من حشمها ، فلما جاءته سقته الخمر حتى سكر ، ثم حزت رأسه ، فانصرفت (٧) من الليل إلى منزلها.

فلما أصبحوا ورأوا الملك قتيلا ورأسه منصوب على باب دارها ، علموا أن تلك المناكحة كانت مكرا وخديعة منها ، فاجتمعوا إليها ، وقالوا : أنت بهذا الملك أحق من غيرك ، فملكوها وقد جاء في الحديث الشريف أن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لما

__________________

(١) النمل : [٢٢].

(٢) فقال أ ج د ه : قال ب / / وكان أ ج د ه : ـ ب.

(٣) جنيا ب ج د ه : حيا أ.

(٤) من أرض اليمن أ ب د : من أطراف اليمن ج ه.

(٥) حرم أ ج د ه : حريم ب.

(٦) إلا اليأس أ ج د : الإياس ب ه.

(٧) فانصرفت أ : وانصرفت ب ج د ه.


بلغه أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى (١) قال : «لا أفلح قوم ولو أمرهم امرأة» (٢).

قال الله تعالى : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) ـ أي تحتاج إليه الملوك من الآلة والعدة ـ (وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ)(٣) سرير ضخم كان مضروبا من الذهب مكللا بالدر والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر قوائمه (٤) من الياقوت ومن الزمرد وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق (٥).

قال ابن عباس : كان عرش بلقيس (٦) ثلاثين ذراعا ، في ثلاثين ذراعا وطوله في السماء ثلاثون ذراعا ، وقيل غير ذلك.

(وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ـ فخبء السماء المطر ، وخبء الأرض النبات ـ (وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)(٧) أي هو المستحق للعباده والسجود لا غيره.

وعرش ملكة سبأ وإن عظيما فعو صغير حقير في جنب عرشه ، عز وجل.

فلما فرغ الهدهد من كلامه قال سليمان : (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ) ـ فيما أخبرت (٨) ـ (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ)(٩) ، فدلهم الهدهد على الماء فاحتفروا الركايا (١٠) وروي الناس والدواب ، ثم كتب سليمان كتابا :

من عند سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ : بسم الله الرحمن الرحيم سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) (٣١) (١١) ، ولم يزد سليمان [٣١ / ب] على ما قص الله في كتابه ، وكذلك / / كانت تكتب الأنبياء جملا لا يطيلون ولا

__________________

(١) هى بوران بنت كسرى أبرويز ، تولت المملكة فأحسنت السيرة ، وملكت سنة وأربعة أشهر ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢٩٧ ؛ القرماني ٣ / ١٥٩.

(٢) ابن العماد ١ / ١٣.

(٣) النمل : [٢٣].

(٤) قوائمه أ : وقوائمه ب ج د ه.

(٥) مغلق أ ج د ه : يغلق ب.

(٦) بلقيس أ ج د ه : إبليقس ب.

(٧) النمل : [٢٤ ـ ٢٦].

(٨) فيما أخبرت أ د : ـ ب ج ه.

(٩) النمل : [٢٧].

(١٠) الركايا : مفردها ركية : البئر تحفر ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١٤ / ٣٣٤.

(١١) النمل : [٣١].


يكثرون ، فلما كتب الكتاب طبعه بالمسك وختمه بخاتمه فقال (١) للهدهد : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) ـ تنح عنهم ، وكن قريبا منهم ـ (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ)(٢) يردون من الجواب.

فأخذ الهدهد الكتاب ، وأتى به إلى بلقيس ، وكانت بأرض (٣) يقال لها مأرب (٤) بأرض صنعاء على ثلاثة أيام ، فوافاها في قصرها ، وقد أغلقت (٥) الأبواب وأخذت المفاتيح ، فوضعتها تحت رأسها ، فأتاها وهي نائمة مستلقية على قفاها ، فألقى الكتاب على نحرها ، فأخذت بلقيس الكتاب ، وكانت قارئة ، فلما رأت الخاتم ارتعدت وخضعت ، لأن ملك سليمان كان في خاتمه ، وعرفت أن الذي أرسل الكتاب أعظم ملكا منها ، فقرأت الكتاب ، وتأخر الهدهد غير بعيد.

فجاءت حتى قعدت على سرير ملكها ، وجمعت الملأ من قومها وهو اثنا عشر ألف قائد (٦) مع كل قائد مائة ألف مقاتل ، فجاءوا وأخذوا مجالسهم ، فقالت لهم بلقيس : (يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا) ـ وهم أشراف الناس وكبراؤهم ـ (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) (٢٩) (٧) سمته كريما لأنه كان مختوما (٨).

وروي عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «كرامة الكتاب ختمه».

ثم بينت ممن الكتاب وقالت (٩) : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ)(١٠) وبينت المكتوب

__________________

(١) فقال أ؟؟؟ ـ : وقال ب / / عنهم أ ج : ـ ب د ه.

(٢)؟؟؟].

(٣) بأرض يقال لها مأرب أ ج د ه : بأرض باليمن قال لها مأرب ب.

(٤) مأرب : هو بلاد الأزد باليمن ، وقيل : هو اسم قصر كان لهم ، وقيل : هو اسم لملك سبأ ، وهي كورة بين حضرموت وصنعاء ، ينظر : ابن خرداذبه ١٣٩ ؛ ياقوت ، معجم البلدان ٥ / ٤١ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٢١٨.

(٥) أغلقت أ ب ج ه : غلقت ه.

(٦) هذه الرواية وأمثالها من العيب أن تكون في كتب تراثنا ، فكيف يرويها الشيوخ والمحدثون؟ وكيف نقنع كل ذو عقل وبصيرة أن جيش بلقيس تعداده مليارا ومائتي مليون جندي ، يقول ابن الأثير : وما أظن الساعة راوي هذا الكذب الفاحش عرف الحساب ، حيث يعلم مقدار جهله ، ولو عرف مبلغ العدد لأقصر عن إقدامه على هذا القول السخيف ، فإن أهل الأرض لا يبلغون جميعهم شبابهم وشيوخهم وصبيانهم مثل هذا العدد ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٣١.

(٧) النمل : [٢٩].

(٨) مختوما أ ب د : مختوم ج ه.

(٩) وقالت أ : فقالت ب ج د ه.

(١٠) النمل : [٣٠].


وقالت : (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ)(١) ، قال ابن عباس : لا تتكبروا عليّ : (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) (٣١) (٢) طائعين.

قيل : هو من الإسلام ، وقيل : من الاستسلام قالت (٣) : أيها الملأ أفتوني في أمري ـ أشيروا عليّ فيما عرض لي وأجيبوني ما كنت قاطعة وقاضية وفاصلة أمرا ـ حتى تشهدون ـ أي تحضرون قالوا ـ مجيبين لها نحن أولوا قوة في المال ـ وأولوا بأس شديد ، عند الحرب (٤).

ثم قالوا : والأمر إليك أيتها الملكة في القتال وتركه ، فانظري من الرأي ماذا تأمرين تجدينا لأمرك مطيعين.

قالت بلقيس ، مجيبة لهم عند التعريض بالقتال : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً) ـ عنوة ـ أفسدوها ـ خربوها ـ (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) ـ أي أهانوا أشرافها وكبراءها كي يستقيم لهم الأمر. تحذرهم مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم ، تناهي (٥) الخبر عنها هاهنا ، فصدق الله قولها فقال : (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ)(٦) ، أي كما قالت هي يفعلون ، ثم قالت : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (٣٥) (٧) والهدية هي العطية على ظهر الملاطفة.

وذلك أن بلقيس كانت امرأة لبيبة قد سيست وساست ، فقالت للملأ (٨) من قومها : إني مرسلة إلى سليمان وقومه بهدية أصانعه بها عن ملكي وأختبره بها أملك هو أم نبي؟ فإن يكن ملكا قبل الهدية وانصرف ، وإن كان (٩) نبيا لم يقبل الهدية ولم يرضه منا إلا أن نتبعه على دينه. وذلك قوله تعالى : (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (٣٥) (١٠).

فأهدت له وصفاء ووصائف وألبستهم لباسا واحدا كي لا يعرف ذكر من

__________________

(١) النمل : [٣١].

(٢) النمل : [٣١].

(٣) قالت أ : + يا ب ج د ه.

(٤) الحرب أ ج د ه : + والقتال ب.

(٥) تناهى أ : وتنتهي ب ج د ه.

(٦) النمل : [٣٤].

(٧) النمل : [٣٤].

(٨) للملأ أ ج د ه : + حولها ب.

(٩) كان أ : يكن ب ج د ه.

(١٠) النمل : [٣٥].


أنثى (١) ، وقيل : ألبست الغلمان لباس الجواري وعكسه ، وكان في لباسهم ما هو مرصع بأنواع الجواهر ، وأركبتهم الخيول بلجم ذهب (٢) مرصعة بالجواهر والغواشي (٣) من الديباج الملون ، وبعثت إليه خمسمائة لبنة من ذهب وخمسمائة لبنة من فضة (٤) مكسوة بالدر والياقوت ، وأرسلت إليه المسك والعنبر العود اليلنجوج (٥) وعمدت إلى حقة (٦) فجعلت فيها درة ثمينة غير مثقوبة وخرزة جزعية (٧) مثقوبة معوجة (٨) الثقب ، ودعت رجلا من أشراف قومها يقال له المنذر بن عمرو ، وضمت إليه رجالا من قومها أصحاب رأى وعقل ، وكتبت معه (٩) كتابا بنسخة الهدية وقالت : إن كنت نبيا فميّز بين الوصفاء والوصائف ، واخبر بما في الحقة قبل أن تفتحها ، واثقب الدرة ثقبا مستويا وادخل خيطا في الخرزة المثقوبة من غير علاج أنس ولا جن.

وأمرت بلقيس الغلمان وقالت (١٠) : إذا كلمكم سليمان فكلموه بكلام تأنيث وتخنث يشبه كلام النساء ، وأمرت الجواري أن يكلمنه بكلام فيه غلظة يشبه كلام الرجال ، ثم قالت للرسول (١١) : انظر إلى الرجل إذا دخلت عليه فإن نظر إليك نظر غضب ، فاعلم أنه ملك ولا يهولنك منظره (١٢) فإنه أعز منه ، وإن رأيت الرجل بشاشا لطيفا ، فاعلم أنه نبي مرسل / / فافهم قوله ورد الجواب. فانطلق الرسول (١٣) [٣٢ / أ] بالهدايا ، وأتى الهدهد مسرعا إلى سليمان فأخبره الخبر كله.

فأمر سليمان الجن أن يضربوا لبنات الذهب ولبنات الفضة ، ففعلوا ، ثم أمرهم

__________________

(١) ذكر من أنثى أ ج د ه : ذكرهم من أنثاهم ب.

(٢) ذهب أ د ه : الذهب ب ج.

(٣) والغواشي أ ج د ه : وجعلت الغواشي ب / / من ذهب أ د : الذهب ب ج ه.

(٤) من فضة أ ج د ه : من الفضة ب / / مكسوة أ : مكللة ب ج د : ومكللة ه / / والياقوت أ ج د ه : واليواقيت ب.

(٥) اليلنجوج أ ب : الألنجوج ج د ه.

(٦) الحقة : وعاء صغير ذو غطاء يتخذ من عاج أو زجاج أو غيرهما ، ينظر : المعجم الوسيط ١ / ١٩٥.

(٧) جزعية : ضرب من العقيق يعرف بخطوط متوازية مستديرة مختلفة الألوان والحجر في جملته بلون الظفر ، ينظر : المعجم الوسيط ١ / ١٢٦.

(٨) خرزة جزعية مثقوبة أ ب ج ه : ـ ه.

(٩) وكتبت معه أ د : وكتبت إليه ب : وكتبت له ج : وكتبت لهم ه.

(١٠) وقالت أ ج د ه : + لهم ب.

(١١) للرسول أ ج د ه : لرسولها ب.

(١٢) منظره ب ج د ه : ـ أ.

(١٣) الرسول أ ج د ه : رسولها ب / / بالهدايا أ د : بالهدية ب ج ه.


أن يبسطوا من موضعه الذي هو فيه ، وكان تسع فراسخ ، ميدانا واحدا بلبنات الذهب والفضة ، وأن يتركوا على طريقهم موضعا على قدر اللبنات خاليا وباقي الأرض (١) مفروشة ، وأن يجعلوا حول الميدان حائطا شرفها (٢) من الذهب والفضة.

ثم قال : أي الدواب أحسن (٣) ما رأيتم في البر والبحر؟ قالوا : يا نبي الله إنا رأينا دواب في بحر كذا وكذا منقطة (٤) مختلفة ألوانها على صفات الخيل لها (٥) أجنحة وأعراف ونواصي ، قال : عليّ بها الساعة ، فأتوا بها فقال : شدوها عن يمين الميدان وعن يساره على لبنات الذهب والفضة ، والقوا لها علوفها (٦) فيها.

ثم قال (٧) للجن : عليّ بأولادكم فاجتمع خلق كبير فأقامهم على يمين الميدان ويساره (٨) ، ثم قعد سليمان في مجلسه على سريره ، ووضع له أربعة آلاف كرسي عن يمينه ومثلها عن يساره ، وأمر الشياطين أن يصطفوا (٩) صفوفا ، فاصطفوا فراسخ ، وأمر (١٠) الإنس أن يصطفوا ، فاصطفوا فراسخ ، وأمر الوحوش والسباع والهوام والطير (١١) ، فاصطفوا فراسخ عن يمينه وعن يساره.

فلما دنا (١٢) القوم من الميدان ، ونظروا إلى ملك سليمان ، ورأوا الدواب البحرية التي لم تر أعينهم مثلها تروث (١٣) على لبن الذهب والفضة ، تقاصرت أنفسهم ورموا بما معهم (١٤) من الهدايا خوفا أن يتهموا بذلك.

وطرحوا ما معهم في ذلك المكان (١٥). فلما رأوا الشياطين ، نظروا إلى منظر

__________________

(١) وباقي الأرض ب ج د ه : وكل الأرض أ.

(٢) شرفها أ د : شرفاتها ب : شراريفها ، ج ه.

(٣) أحسن ما رأيتم أ د ه : خير ما رأيتم ب ج.

(٤) منطقة أ د ه : ممنطقة ب : منقطعة ج / / على صفات الخليل ب : ـ أ ج د ه.

(٥) لها أ ج د ه : ولها ب / / قال أ د ه : فقال سليمان ب : فقال ج.

(٦) علوفها أ د : علفها ب : أعلفتها ج ه.

(٧) قال أ ج د ه : + سليمان ب.

(٨) ويساره أ د ه : وعن يساره ب ج.

(٩) يصطفوا أ ج د ه : + مثلهم ب.

(١٠) وأمر أ ج د : ثم أمر ب : ـ ه.

(١١) والطير أ د ه : والطيور ب : ـ ج / / عن يمينه وعن يساره أ د ه : عن يمين سليمان وعن يساره ب : وعن يمينه وعن شماله ج.

(١٢) دنا ب ج د : دنى أ : ـ ه / / ونظروا إلى ملك سليمان أ ج د ه : ورأوا سليمان ونظروا ملكه.

(١٣) تروث على لبن الذهب أ ج د ه : وهم يبولون على لبن الذهب ويروثون عليها ب.

(١٤) بما معهم أ ج د : جميع ما معهم ب ه / / خوفا أ ج د ه : + من ب.

(١٥) وطرحوا ما معهم في ذلك المكان أ ج د ه : ـ ب / / فلما رأوا أ : فلما نظروا إلى ب ج د ه / /


عجيب ففزعوا (١) ، فقال لهم الشياطين : جوزوا فلا بأس عليكم ، فكانوا يمرون على كردوس (٢)(٣) من الجن والإنس والطير والسباع والوحوش حتى وقفوا بين يدي سليمان ، عليه‌السلام ، فنظر إليهم نظرا حسنا (٤) بوجه طلق (٥) وقال : ما وراءكم؟ فأخبره رئيس القوم بما جاؤوا له ، وأعطاه كتاب الملكة فنظر فيه ثم قال : أين الحقة (٦)؟ فأتي بها فحركها ، وجاء جبريل ، عليه‌السلام ، فأخبره (٧) بما فيها.

فقال (٨) : إن فيها درة ثمينة غير مثقوبة وخرزة مثقوبة معوجة الثقب ، فقال له الرسول : صدقت ، فاثقب لنا الدرة وادخل الخيط في الخرزة ، فقال سليمان : من لي بثقبها ، فسأل (٩) سليمان الأنس والجن ، فلم يكن عندهم علم من ذلك ، ثم سأل الشياطين ، فقالوا : أرسل (١٠) إلى الأرضة (١١). فجاءت فأخذت شعرة في فمها فدخلت فيها (١٢) ، ثم خرجت من الجانب الآخر ، فقال سليمان : ما حاجتك (١٣)؟ فقالت : أن يصير رزقي في الشجر ، فقال : لك ذلك ، ثم قال من لهذه الخرزة يسلكها الخيط؟ فقالت دودة بيضاء : أنا لها يا رسول الله ، فأخذت الدودة الخيط في فمها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر (١٤) ، فقال لها سليمان : ما

__________________

إلى منظر عجيب أ : منظرا عجيبا ب ج د ه.

(١) ففزعوا أ ج د ه : فزعوا وخافوا ب.

(٢) كردوس : الفرقة العظيمة من الجيش ، وقيل : القطعة من الخيل العظيمة ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٦ / ١٩٥.

(٣) كردوس أ : كردوس كردوس ب ج د ه / / والطير والسباع والوحوش أ : والوحوش والطير والسباع والهوام ب : والوحش والطير والسباع ج د ه.

(٤) نظرا حسنا أ ج د : منظرا حسنا ب ه.

(٥) طلق أ ج د ه : + وبشاشة ب / / وراءكم أ ج د ه : رواءكم ب / / جاءوا له أ ج د ه : جاءوا له به ب.

(٦) أين الحقة ب ج د ه : الحقة أ.

(٧) فأخبره أ ج د : وأخبره ب : وأخبر ج.

(٨) فقال أ د ه : فقال سليمان ب : فقال للرسول ج.

(٩) فسأل أ ج د ه : وسأل ب.

(١٠) أرسل إلى ب ج د ه : نرسل أ.

(١١) الأرضة : حشرة بيضاء مصفرّة تشبه النملة تأكل الخشب ونحوه ، ينظر : المعجم الوسيط ١ / ١٤.

(١٢) فدخلت فيها أ ج د ه : ودخلت الخرزة بها ب / / فقال سليمان أ ج د ه : + للأرضة ب.

(١٣) ما حاجتك أ د ه : ما حاجتك وما الذي تريدين ب : ما تريدين ج / / أن يصير أ ج : أن تصير ب د ه / / قال أ ج د ه : + سليمان ب.

(١٤) من الجانب الآخر أ ج د : من جانب ب : ـ ه.


حاجتك (١)؟ قالت : تجعل رزقي في الفواكه ، قال : لك ذلك.

ثم ميز الجواري والغلمان بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم ، فجعلت الجارية تأخذ الماء من الآنية بإحدى يديها ثم تجعله على اليد (٢) الأخرى ، ثم تضرب به الوجه ، وجعل الغلام كلما أخذ من الآنية يضرب به وجهه ، وكانت الجارية تصب الماء صبا والغلام يحدر (٣) الماء على يديه حدرا ، فميز بينهما (٤) بذلك.

ثم رد سليمان الهدية كما قال الله تعالى (٥) : (فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ) ـ من الدين والنبوة والحكمة والملك ـ (مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ)(٦) لأنكم أهل مفاخرة بالدنيا ومكاثرة بها تفرحون بإهداء بعضكم إلى بعض ، وأما أنا فلا أفرح بها وليست الدنيا من حاجتي ، لأن الله تعالى قد مكنني فيها ، وأعطاني منها ما لم يعط أحدا (٧) ، ومع ذلك أكرمني بالدين والنبوة.

ثم قال للمنذر بن عمرو ، أمير الوفد (٨) ، ارجع إليهم بالهدية (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها ـ) ـ لا طاقة لهم بها ـ (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها) ـ أي من أرضهم وبلادهم وهي سبأ ـ (أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) (٣٧) (٩) ذليلون إن لم يأتوني مسلمين.

فلما رجعت رسل (١٠) بلقيس إليها قالت : قد عرفت والله ما هذا بملك وما لنا من طاقة ، فبعثت (١١) إلى سليمان أني قادمة عليك بملوك قومي أنظر ما أمرك وما تدعو إليه من دينك.

[٣٢ / ب] ثم أمرت بعرشها في آخر سبعة أبيات بعضها في بعض في آخر / / قصر من

__________________

(١) ما حاجتك أ د : ما تريدين ب ج ه / / قال : لك ذلك أ د : فقال لها ذلك لك ب : فقال لك ذلك ج ه.

(٢) على اليد أ ب ج د : ـ ه.

(٣) يحدر : حدر الشيء ويحدره حدرا وحدورا فانحدر : حطه من علو إلى سفل ، ينظر : ابن منظور ، لسن ٤ / ١٧٢.

(٤) بينهما ب : بينهم أ ج د ه.

(٥) تعالى أ ج د ه : + عنه ب.

(٦) النمل : [٣٦].

(٧) يعط أحدا أ ج د ه : يعطه لأحد ب.

(٨) أمير الوفد أ ج د ه : أمير القوم ب.

(٩) النمل : [٣٧].

(١٠) رسل أ ج د ه : رسول ب / / وما لنا أ ج د ه : ولا لنا ب.

(١١) فبعثت أ ج د ه : ثم بعثت ب.


سبعة قصور لها. ثم أغلقت (١) دونه الأبواب ووكلت به حراسا يحفظونه ، ثم قالت لمن خلفت على سلطانها : احتفظ بما قبلك وسرير ملكي لا يخلص (٢) إليه أحد ولا يدنيه حتى آتيك ، ثم أمرت مناديا ينادي في أهل مملكتها تؤذنهم بالرحيل ، وشخصت (٣) إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل (٤) من ملوك اليمن تحت يد كل قيل ألوف كثيرة.

وكان سليمان رجلا مهيبا (٥) لا يبتدىء بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه ، فخرج يوما فجلس على سرير ملكه ، فرأى رهجا قريبا منه ، فقال : ما هذا؟ قالوا (٦) : بلقيس وقد نزلت بهذا المكان ، وكانت على مسيرة فرسخ من سليمان ، فأقبل سليمان حينئذ على جنوده ، فقال (٧) : يا أيها الملأ آيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين (٨) ، أي مؤمنين. قال ابن عباس (٩) : طائعين.

واختلفوا في السبب الذي لأجله أمر سليمان بإحضار عرشها ، فقال أكثرهم : لأن سليمان علم أنها إن أسلمت يحرم عليه مالها ، فأراد أن يأخذ سريرها قبل أن يحرم عليه (١٠) أخذه بإسلامها. وقيل : ليريها قدرة الله ، عز وجل ، وعظيم سلطانه (١١) في معجزة يأتي بها عرشها.

قال قتادة (١٢) : لأنه أعجبه صفته بما وصفه الهدهد فأحب أن يراه ، وقال زيد (١٣) : أراد أن يأمر (١٤) بتنكيرها وتغييرها فيختبر بذلك عقلها

__________________

(١) أغلقت أ ج د هت : غلقت ب.

(٢) لا يخلص إليه أحد أ ج د ه : لا تخلص إليه أحدا ب / / يدنيه أ ج د ه : أ ج ه : تدنيه ب د.

(٣) وشخصت أ ج د ه : ثم شخصت.

(٤) قيل : هو لقب لملوك حمير ، وهو دون الملك الأعلى يقول ما شاء ، فينفذ وهو كالوزير في الإسلام ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١ / ٣٠.

(٥) مهيبا أ : مهابا له ب ج د.

(٦) قالوا أ ه : قالوا له ب ج د.

(٧) فقال أ ج د ه : وقال لهم ب.

(٨) مسلمين ب ج د ه : ـ أ / / قال أ د ه : وقال ب ج.

(٩) ينظر : الثعلبي ١٧٧.

(١٠) يحرم عليه أ د : حرم عليه ب ج ه / / ليريها أ ج د ه : أراد أن يريها ب.

(١١) وعظيم سلطانه أ ب ج د : وعظم ه.

(١٢) ينظر : الثعلبي ١٧٧.

(١٣) زيد بن أسلم : مولى عمر بن الخطاب ، ويكنى أبا أسامة ، وكان ثقة كثير الحديث ، مات عام ١٤٥ ه‍ / ٧٦٢ م ، ينظر : ابن خياط ، طبقات ٤٥٦ ؛ ابن قتيبة ، المعارف ١١٠ ؛ ابن سعد ٥ / ٤١٢.

(١٤) يأمر أ ج د ه : يبدأ ب / / وتغييرها أ د ه : وتغيرها ب ج.


(قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِ)(١) ، وهو المارد القوي ، قيل : اسمه كودي ، وقيل : كودان (٢) ، وقيل : صخر (٣) الجني ، وكان بمنزلة حبل يضع قدمه عند منتهى طرفه (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ)(٤) أي مجلسك الذي تقضي فيه (٥) ، وكان له كل غداة مجلس يقضي فيه إلى مفرغ النهار (٦)(وَإِنِّي عَلَيْهِ) ـ أي على حمله ـ (لَقَوِيٌّ أَمِينٌ)(٧) على ما فيه من الجواهر (٨)

فقال سليمان : أريد أسرع من هذا (٩)(قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)(١٠) ، واختلفوا فيه ، فقيل : هو جبريل ، عليه‌السلام ، وقيل : هو ملك من الملائكة أيد الله به سليمان ، عليه‌السلام ، وقال الأكثر (١١) : هو آصف بن برخيا ، وكان صديقا يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى.

وروي عن ابن عباس قال : إن آصف قال لسليمان ـ حين صلى ـ : مد عينيك حتى ينتهي طرفك ، فمد سليمان (١٢) عينيه ونظر نحو اليمن ، فدعا آصف بين يدي سليمان ، فبعث الله الملائكة ، فحملوا السرير من تحت الأرض وهم يخدون خدا حتى انخرقت الأرض (١٣) بالسرير بين يدي سليمان ، وقيل غير ذلك ، وقيل : كانت المسافة مقدار شهرين.

واختلفوا (١٤) في الدعاء الذي دعا به آصف ، فقيل : يا ذا الجلال والإكرام ،

__________________

(١) النمل : [٤٠].

(٢) كودان أ ه : دون كان ب : كودان دركان ج د.

(٣) صخر أ : هو صخر ب ج د ه.

(٤) النمل : [٤٠].

(٥) تقضي فيه أ د ه : تحكم فيه ب ج.

(٦) مفرغ النهار أ : فراغ النهار ب : نصف النهار ج : طلوع النهار د : آخر النهار ه.

(٧) النمل : [٣٩].

(٨) الجواهر أ ج د ه : + والمعادن ب.

(٩) أريد أسرع من هذا أ د ه : أريد شيئا أسرع من ذلك ب : أريد أسرع من ذلك ه / / أنا أتيك ... طرفك ب د : ـ أ ج ه.

(١٠) النمل : [٤٠].

(١١) الأكثر أ د ه : الأكثرون ب ج / / يعلم أ ج د ه : يعرف ب.

(١٢) فمد سليمان أ ج د ه : فمد ب / / عينيه أ ه : + أي بصره ب : عيناه ج : بصره د / / ونظر أ ج د ه : فنظر ب / / فدعا ب د : فدعى أ ج ه.

(١٣) الأرض وهم ب ج د ه : ـ أ.

(١٤) واختلفوا أ ج د ه : واختلف ب.


وقيل : يا حي يا قيوم.

وعن الزهري (١) قال : الذي عنده علم من الكتاب : يا إلهنا وإله كل شيء ، إلها واحدا لا إله إلا أنت ائتني بعرشها ، وقيل : إنما هو سليمان ، قال له عالم من بني إسرائيل آتاه الله علما وفهما (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)(٢) ، قال سليمان : هات ، قال : أنت النبي وليس أحد عند الله أوجه منك فإذا دعوت إليه وطلبت منه (٣) كان عندك ، قال : صدقت ففعل ذلك فجيء بالعرش في الوقت.

وقوله : (قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)(٤) ، قال سعيد بن جبير (٥) : يعني من قبل أن يرجع إليك أقصى من ترى وهو أن يصل إليك من كان منك على مدّ بصرك (٦) وقيل غير ذلك (فَلَمَّا رَآهُ) ـ يعني سليمان العرض مستقرا عنده محمولا إليه من هذه المسافة البعيدة في قدر ارتداد الطرف ـ (قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) ـ فلا أشكر ـ (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ)(٧)(٨) أي يعود نفع شكره إليه (٩) ، وهو أن تستوجب به تمام النعمة ودوامها لأن الشكر قيد النعمة الموجودة وصيد النعمة المفقودة (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (٤٠) (١٠) عن شكره كريم بالإفضال على من يكفر نعمته.

قال (١١) عز وجل : (قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها)(١٢) أي سريرها إلى حال تنكره إذا رأه ، فقيل : جعل أسفله أعلاه وعكسه وجعل مكان الجوهر الأحمر أخضر (١٣)

__________________

(١) الزهري : محمد بن سلم بن عبيد الله ... بن زهرة بن كلاب بن مرة ، وكان الزهري ثقة كثير الحديث والعلم والرواية ، فقيها جامعا ، وتوفي عام ١٢٤ ه‍ / ٧٤١ م ، ينظر : ابن سعد ٥ / ٣٥٧ ؛ المزي ١٢٦٩ ؛ ابن حجر ، تهذيب ٩ / ٤٤٥.

(٢) النمل : [٣٩].

(٣) وطلبت منه أ ج د ه : وطلبته ب.

(٤) النمل : [٣٩].

(٥) سعيد بن جبير : أبو عبد الله ، من أكابر التابعين ، كان أعلمهم ، أخذ العلم عن ابن عباس بن عمر ، قتله الحجاج بن يوسف الثقفي عام ٩٥ ه‍ / ٧١٣ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٤٩١ ؛ الذهبي ، سير ٤ / ٣٢١ ؛ ابن العماد ١ / ١١١.

(٦) مد بصرك أ ب ج د : على بعد بصرك ه.

(٧) النمل : [٤٠].

(٨) أ أشكر ب ج د ه : أشكر أ / / فلا أشكر أ : فلأشكرها ب ج : فلا أشكرها د : ـ ه.

(٩) إليه أ د : عليه ب ج ه / / تستوجب أ د ه : يستوجب ب ج.

(١٠) النمل : [٤٠].

(١١) قال أ ج ه : + سليمان ب د.

(١٢) النمل : [٤١].

(١٣) أخضر أ ج د ه : الأخضر ب.


وعكسه (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي) ـ إلى عرشها فتعرفه ـ (أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ)(١) الذين لا [٣٣ / أ] يهتدون إليه وإنما / / حمل سليمان على ذلك أن الشياطين خافت أن يتزوجها سليمان فتفشي إليه أسرار (٢) الجن ، لأن أمها كانت جنية ، وإذا ولدت له (٣) ولدا لا ينفكون من تسخير سليمان وذريته من بعده ، فأساءوا الثناء عليها ليزهدوه فيها ، وقالوا له : إن في عقلها شيئا (٤) وإن رجليها كحافر الحمار وأنها مشعرة الساقين ، فأراد سليمان أن يختبرها في عقلها بتنكير (٥) عرشها وينظر إلى قدميها ببناء الصرح.

فلما جاءت قيل لها : أهكذا عرشك؟ قالت : (كَأَنَّهُ هُوَ)(٦) ، عرفته ولكن شبهت عليهم كما شبهوا عليها ، ولم تقل نعم خوفا من أن تكذب (٧) ، ولم تقل لا خوفا من التكذيب ، قالت (٨) كأنه هو فعرف سليمان كمال عقلها حيث لم تقرر (٩) ولم تنكر ، وحكي غير ذلك.

فقالت : وأوتينا العلم بصحة نبوة سليمان بالآيات المتقدمة من أمر الهدية والرسل من قبلها ومن قبل الآية في العرش : (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) (٤٢) (١٠) منقادين طائعين لأمر سليمان ، وقيل غير ذلك.

قال الله تعالى : (وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ)(١١) أي منعها ما كانت تعبد من دون الله وهي (١٢) الشمس أن تعبد الله أي صدها عبادة الشمس عن التوحيد وعبادة الله تعالى (١٣) ، وقيل غير ذلك.

قوله تعالى : (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ)(١٤) الآية ، وذلك أن سليمان أراد أن ينظر

__________________

(١) النمل : [٤١].

(٢) أسرار أ ج د ه : أمر ب.

(٣) له أ د ه : لسليمان ب ج / / لا ينفكون من تسخير أ ج د ه : لا ينفكوا من تسخيرهم ب.

(٤) شيئا أ ب ج د : خلل ه / / وإن رجليها كحوافر الحمار ب ج : رجلها كحافر الحمار أ د ه.

(٥) بتنكير أ ج د ه : فنكر ب.

(٦) النمل : [٤٢].

(٧) من أن تكذب ب ج د ه : التكذيب ب / / ولم تقل لا خوفا من التكذيب ج د ه : ـ أ ب.

(٨) قالت أ ج د ه : فقالت ب.

(٩) تقرر أ : تقر ب ج ه : تعرف د.

(١٠) النمل : [٤٢].

(١١) النمل : [٤٣].

(١٢) وهي ب : وهو أ ج د ه.

(١٣) تعالى أ ج ه : + قيل لها ب د.

(١٤) النمل : [٤٤].


إلى قدميها وساقيها من غير أن يسألها كشفها (١) لما قالت له الشياطين : أن رجلها كحافر الحمار (٢) ، وهي مشعرة الساقين ، فأمر الشياطين فبنوا صرحا أي قصرا من زجاج ، وقيل : بيتا من زجاج كأنه الماء بياضا ، وقيل : الصرح صحن الدار وأجرى تحته الماء وألقى فيه كل شيء من دواب البحر حتى (٣) السمك والضفدع وغيرهما ، ثم وضع سريره في صدره وجلس عليه ، وعكفت (٤) الطير والجن والإنس وإنما بنى الصرح ليختبر فهمها كما فعلت هي بالوصفاء (٥) والوصائف.

فلما جلس على السرير دعا بلقيس ، فلما جاءت (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً)(٦) وهي معظم الماء ، (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها)(٧) لتخوضه إلى سليمان.

فنظر سليمان فإذا هي أحسن الناس قدما وساقا إلا أنها شعرة الساقين (٨) ، فلما رأى سليمان ذلك صرف بصره عنها وناداها (٩) : إنه صرح ممرد أي مملس من قوارير ، ثم دعاها سليمان (١٠) للإسلام.

وكانت قد رأت حال العرش وعلمت أن ملك سليمان من الله تعالى ، فأجابت وقالت : (إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ـ بالكفر وعبادة غيرك ـ وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٤) (١١) أخلصت (١٢) له التوحيد.

واختلف في أمرها هل تزوجها سليمان ، عليه‌السلام ، فقال بعضهم : تزوجها ولما أراد أن يتزوجها كره ما رأى من كثرة شعر ساقيها ، فسأل الأنس ما يذهب هذا ، قالوا له : الموسى ، فقال : إنها تجرح (١٣) ساقيها ، فسأل الجن ، فقالوا : لا ندري ،

__________________

(١) من غير أن يسألها كشفها أ ج د ه : من غير أن يسلبها أثوابها ب / / لما قالت له الشياطين أ ج د ه : وينظر ما قالت الشياطين عنها ب.

(٢) رجلها كحافر الحمار أ د ه : رجليها كحوافر الحمار ب ج / / فأمر الشياطين أ : فأمر سليمان الشياطين ب ج د ه.

(٣) حتى ب ج : ـ أ د ه.

(٤) وعكفت أ ج د ه : فعكفت ب.

(٥) بالوصفاء والوصائف أ د ه : بالوصائف والوصفاء ب ج.

(٦) النمل : [٤٤].

(٧) النمل : [٤٤].

(٨) شعرة الساقين أ ج د : مشعرة الساقين ب ه.

(٩) وناداها أ د ه : ثم ناداها ب : فناداها ج.

(١٠) سليمان أ ج د ه : ـ ب.

(١١) النمل : [٤٤].

(١٢) أخلصت أ ج د ه : أي أخلصت ب.

(١٣) تجرح ب ج ه : يقطع أ د / / فسأل أ ج د ه : وسأل ب.


ثم سأل الشياطين ، فقالوا : نحتال لك بحيلة (١) حتى تصير (٢) كالسبيكة الفضة من غير أذى ، فقال : افعلوا ، فاتخذوا النورة (٣) والحمام ، فكانت (٤) النورة والحمام من يومها.

ويقال : إن الحمام الذي (٥) بباب الأسباط بالقدس الشريف ، بجوار المدرسة الصلاحية وهو من جملة الأوقاف (٦) عليها من الملك صلاح الدين ، وإنما بنى لبلقيس ، وإنه أول حمام بني على (٧) وجه الأرض ، والله أعلم.

فلما تزوجها (٨) سليمان ، أحبها حبا شديدا ، وأقرها على ملكها ، وأمر الجن فابتنوا بأرض اليمن ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعا وحسنا ، ثم كان سليمان يزورها في كل شهر مرة بعد أن ردها إلى ملكها ، ويقيم عندها ثلاثة أيام ، وولدت له فيما يذكر ، والله أعلم.

فتنة (٩) سليمان عليه‌السلام (١٠)

قال الله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ)(١١) أي اختبرناه وابتليناه بسلب ملكه ، وسبب ذلك ما روي عن وهب بن منبه قال : سمع سليمان ، عليه‌السلام ، بمدينة في جزيرة من جزائر البحر ، يقال لها : صدوف (١٢) ، ولها ملك عظيم الشأن لم يكن للناس عليه سبيل لمكانه بالبحر ، وكان الله ، عز وجل ، قد أتى سليمان في ملكه سلطانا لا يمتنع عليه شيء في بر ولا بحر بما يركب إليه الريح.

__________________

(١) بحيلة ب : ـ أ ج د ه.

(٢) تصير أ د : يصير ب : فصيرها ج ه / / كالسبيكة ... افعلوا ب : ـ أ ج د ه.

(٣) النورة : حجر الكلس ، أخلاط من أملاح الكالسيوم والبريون تستعمل لإزالة الشعر ، ينظر : المعجم الوسيط ٢ / ١٠٠٠.

(٤) فكانت أ د ه : وكانت ب ج / / من يومها أ : من ذلك اليوم ب ج ه : من يومئذ د.

(٥) الذي أ ج د ه : + كان ب / / بجوار أ ج د ه : وهو الحمام الذي بجوار ب.

(٦) الأوقاف أ ج د : أوقاف المدرسة ب : ـ ه / / عليها أ د : + ب ج ه / / وهو من جملة ... صلاح الدين أ ب ج د : ـ ه.

(٧) بني على أ ج د ه : وضع على ب.

(٨) فلما تزوجها أ د : ولما تزوجها ب ج ه.

(٩) فتنة أ : ذكر فتنة ب ج : ذكر قصة د ه.

(١٠) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٤٩٩ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٣٥ ؛ ابن كثير ، قصص ٤٤٢.

(١١) ص : [٣٤].

(١٢) يقال لها صدوف ... بالبحر ب : ـ أ ج د ه.


فخرج (١) إلى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء حتى نزل بها بجنوده من الجن والإنس ، فقتل ملكها (٢) ، وأصاب فيما أصاب فيها أصاب بنتا (٣) لذلك الملك يقال / / لها جرادة لم ير مثلها حسنا وجمالا ، فاصطفاها لنفسه ، ودعاها إلى [٣٣ / ب] الإسلام (٤) ، فأسلمت على جفاء منها وقلة موافقة ، وأحبها حبا لم يحبه أحدا من نسائه ، وكانت (٥) على منزلة عظيمة عنده ولا يذهب حزنها ولا يرقأ دمعها ، فشق ذلك على سليمان ، فقال لها : ويحك (٦) ما هذا الحزن الذي لا يذهب (٧) والدمع الذي لا يرقأ؟ قالت : إني أذكر أبي وأذكر ملكه وما كان فيه وما أصابه فيحزنني ذلك.

قال سليمان : فقد (٨) أبدلك الله ملكا هو أعظم من ملكه ، وسلطانا هو أعظم من سلطانه ، وهداك للإسلام (٩) وهو خير من ذلك ، قالت : إن ذلك كذلك ولكني إذا ذكرته (١٠) أصابني ما ترى من الحزن ، فلو أنك أمرت الشياطين فيصوروا صورته في داري التي أنا فيها فأراها بكرة وعشيا لرجوت أن يذهب ذلك حزني وأن يسلي (١١) عني بعض ما أجد في نفسي.

فأمر سليمان الشياطين فقال : مثّلوا لها (١٢) صورة أبيها في دارها حتى لا تنكر منه شيئا ، فمثلوه لها (١٣) حتى نظرت إلى أبيها بعينه إلا أنه لا روح فيه ، فعمدت إليه حين صفوه (١٤) فآزرته وقمصته وعممته وردته بمثل ثيابه التي كان يلبسها في حال

__________________

(١) فخرج أ ج د ه : فخرج سليمان ب.

(٢) فقتل ملكها وأصاب أ : فقتل ملكها واستقام فيها فأصاب ب : فقتل ملكها واستقاما فيها ج : فقتل ما فيها واستقاما فيها د : ـ ه.

(٣) بنتا لذلك الملك أ ج د : ابنة الملك : ـ ه / / يقال لها أ د : تسمى ب ج : ـ ه.

(٤) الإسلام أ د : للإسلام ب ج ه.

(٥) وكانت أ ج د ه : فكانت ب / / عظيمة ب ج : ـ أ د ه / / ولا يذهب أ ج ه : فكانت لا يذهب ب : لا يذهب د.

(٦) ويحك أ ج د : ويلك ب ه.

(٧) لا يذهب أ ج د : لم يذهب ب ه / / إني أذكر أبي ب ج د : إن أبي أذكره أ : إني أذكر والدي ه.

(٨) فقد أ ج د ه : قد ب / / من ملكه أ ج د ه : ملك أبيك ب.

(٩) وهداك للإسلام أ د ه : وهداك الله للإسلام ب ج / / خير أ ج د ه : + لك ب.

(١٠) ذكرته أ ج د ه : تذكرته ب.

(١١) وأن يسلي أ ج ه : وأن يسلبني ب د.

(١٢) فقال مثلوا لها أ د : أن يمثلوا لها ب ج ه.

(١٣) فمثلوه لها أ د : فمثلوها ب ج ه.

(١٤) حين صفوه أ د ه : وحين وضعوه ب : حتى وصفوه ج / / التي كان يلبسها أ د ه : + في حال حياته


حياته ، ثم كانت (١) إذا خرج سليمان ، عليه‌السلام ، من دارها تغدوا عليه (٢) في ولائدها حتى تسجد له ويسجدون له كما كانت تصنع به في ملكه ، وتروح في كل عشية (٣) بمثل ذلك وسليمان لا يعلم بشيء من ذلك أربعين صباحا.

وبلغ ذلك آصف بن برخيا ، وكان صديقا وكان لا يرد عن أبواب سليمان أي (٤) ساعة أراد دخول شيء من بيوته ، دخل حاضرا كان سليمان أم (٥) غائبا ، فأتاه فقال : يا نبي الله كبر سني ورق عظمي ونفد عمري ، وقد حان مني ذهابه ، وقد أحببت أن أقوم مقاما قبل الموت أذكر فيه من مضى من أنبياء الله (٦) ، وأثني عليهم بعلمي فيهم ، وأعلم الناس بعض ما كانوا يجهلون كثيرا من أمورهم.

فقال (٧) : افعل ، فجمع له سليمان الناس ، فقام فيهم خطيبا ، فحمد الله تعالى ، فذكر (٨) من مضى من أنبياء الله ، وأثنى على كل نبي بما فيه ، فذكر ما فضله الله به حتى انتهى إلى سليمان ، فقال : ما كان أحلمك في صغرك ، وأورعك في صغرك ، وأفضلك في صغرك ، وأبعدك من كل ما يكره في صغرك ، ثم انصرف ، فوجد سليمان في نفسه من ذلك حتى امتلأ غيظا ، فلما دخل سليمان داره أرسل إليه فقال : يا آصف ذكرت ما مضى من أنبياء الله (٩) ، فأثنيت عليهم خيرا في كل زمانهم وعلى كل حال من أمرهم ، فلما ذكرتني جعلت تثني عليّ بخير في صغري وسكت عما سوى ذلك من أمري (١٠) في كبري ، فما الذي أحدث في آخر أمري؟.

__________________

ب ج.

(١) ثم كانت أ ج د ه : ثم إنها كانت ب.

(٢) عليه أ : إليه ب ج د ه / / ولائدها حتى تسجد له أ ج د ه : ولائدها ومن يلوذ ومن يلوذ بها ثم تسجد له ب / / به أ ج د ه : له ب.

(٣) وتروح في كل عشية أ ج د ه : واستمرت تفعل ذلك بكرة وعشية ب / / من ذلك أ د : + مدة ب ج ه.

(٤) أي أ ج د ه : وأي ب / / دخول شيء من بيوته أ د : أن يدخل دار سليمان ب : يدخل شيئا من بيوته ج ه.

(٥) أم أ : أو ب ج د ه / / فأتاه فقال أ د ه : فأتى سليمان وقال ب : فأثر سليمان فقال ج.

(٦) الله أ ج د : + تعالى ب ه.

(٧) فقال أ د ه : فقال له سليمان ب ج / / فحمد الله تعالى ب : ـ أ ج د ه.

(٨) فذكر أ ج د : وذكر : فذكرهم ه / / الله أ ج د ه : + تعالى ب.

(٩) الله أ ج د ه : + تعالى ب / / فأثنيت أ د ه : وأثنيت ب ج / / كل أ ج ه : ـ ب د / / وعلى أ د : وفي ب ج ه / / أمرهم أ ج د ه : أمورهم ب.

(١٠) من أمري أ ج د ه : في أمري ب.


فقال له : إن غير الله ليعبد (١) في دارك منذ أربعين صباحا في هوى امرأة ، فقال : في داري؟ فقال : نعم في دارك ، فقال (٢) سليمان : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لقد عرفت أنك ما قلت الذي قلت إلا عن شيء بلغك. ثم رجع سليمان إلى داره ، فكسر (٣) ذلك الصنم ، وعاقب تلك المرأة وولائدها ، ثم أمر بثياب الطهرة فأتى بها ، وهي ثياب لا يغزلها إلا الأبكار (٤) ، ولا ينسجها إلا الأبكار ، ولا يغسلها إلا الأبكار ، لم تمسها (٥) امرأة قد رأت الدم ، فلبسها ، ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحده ، فأمر (٦) برماد ففرش له ، ثم أقبل تائبا إلى الله تعالى حتى جلس على ذلك الرماد وتمعك فيه بثيابه تذللا لله وتضرعا إليه (٧) ، يبكي ويدعو ويستغفر مما كان في داره ، فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى ، ثم رجع إلى داره.

وكانت له أم ولد يقال لها (٨) الأمينة ، كان إذا دخل مذهبه أو أراد إصابة امرأة من نسائه ، وضع خاتمه عندها حتى يتطهر ، وكان لا يمس (٩) خاتمه إلا وهو طاهر (١٠) ، وكان ملكه في خاتمه ، فوضعه يوما عندها ، ثم دخل مذهبه ، وأتاها (١١) الشيطان صاحب البحر واسمه صخر على صورة سليمان لا تنكر منه شيئا ، فقال : خاتمي (١٢) يا أمينة ، فناولته إياه فجعله في يده ثم خرج حتى جلس على سرير سليمان ، وعكفت عليه (١٣) الطير والجن والإنس.

وخرج (١٤) سليمان فأتى أمينة ، وقد تغيرت حالته وهيئته عند كل من يراه

__________________

(١) ليعبد أ : يعبد ب ج د ه.

(٢) فقال أ ج د ه : + سليمان ب / / فقال أ ج د ه : قال ب.

(٣) فكسر أ ج د ه : وكسر ب.

(٤) الأبكار أ ج د ه : البنات الأبكار ب.

(٥) لم تمسها أ : لا يمسها ب ج د ه.

(٦) فأمر أ د ه : وأمر ب ج.

(٧) إليه ب ج د ه : عليه أ / / يبكي ويدعو أ ج د ه : وجعل يبكي ويدعو ب.

(٨) يقال لها أ د : تسمى ب ج ه.

(٩) لا يمس أ ج ه : لا يلبس ب ه.

(١٠) إلا وهو طاهر أ ج د ه : إلا طاهرا ب / / دخل أ د : + إلى ب ج ه.

(١١) وأتاها أ د : فأتاها ب ه : فأتاه ج / / واسمه أ ج د ه : وكان اسمه ب / / لا تنكر ه : لم تنكر ب : لا ينكر ج د أ.

(١٢) خرافة وأي خرافة بل وسبة يقصد منها الانتقاص من الأنبياء بجعل ملكهم ونبوتهم معلقة في خاتم ، ثم كيف يدخل الشيطان على نساء الأنبياء بهذه الصورة المقيتة؟.

(١٣) وعكفت عليه أ ج د : فعكفت عليه ب : ثم عكفت عليه ه.

(١٤) وخرج أ ج د : فخرج ب ه / / فأتى أمينة أ د : وأتى الأمينة ب : فأتى الأمينة ج ه.


[٣٤ / أ] فقال :/ / يا أمينة خاتمي (١) ، فقالت له : من أنت؟ قال : أنا سليمان بن داود ، قالت (٢) : كذبت ، فقد جاء سليمان وأخذ خاتمه وهو جالس على سرير ملكه ، فعرف سليمان أن خطيئة (٣) قد أدركته ، فخرج فجعل يقف على الدار من دور بني إسرائيل فيقول : أنا سليمان بن داود ، فيكذبوه ، ويحثون عليه (٤) التراب ، ويسبونه ويقولون : انظروا إلى هذا المجنون أي شيء يقول يزعم أنه سليمان.

فلما رأى سليمان ذلك عمد إلى البحر ، وكان ينقل الحيتان لأصحاب البحر إلى السوق ، فيعطونه كل يوم سمكتين فإذا أمسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة (٥) وشوى الأخرى ، فأكلها ، فمكث كذلك أربعين صباحا عدة ما كان عبد الوثن في داره.

فأنكر آصف وعظماء (٦) بني إسرائيل حكم عدو الله الشيطان في تلك الأربعين يوما ، فقال آصف : يا معشر بني إسرائيل هل رأيتم من اختلاف حكم ابن داود (٧) ما رأيت؟ قالوا : نعم ، قال آصف : أمهلوني حتى أدخل على نسائه فأسألهن (٨) هل أنكرن منه شيئا في خاصة أمره ما أنكرنا في عامة أمر الناس ، وعلانيته (٩) ، فدخل على نسائه فقال : ويحكن هل أنكرتن من أمر ابن داود ما أنكرناه؟ فقلن : أشد ما يدع امرأة منا في دمها ولا يغتسل من الجنابة (١٠)! فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، إن هذا لهو البلاء المبين.

ثم خرج (١١) على بني إسرائيل ، فقال : ما في الخاصة أعظم مما في العامة ، فاجتمع قراء بني إسرائيل وعلماؤهم ، فأقبلوا حتى أحدقوا به ونشروا التوراة

__________________

(١) يا أمينة خاتمي أ ج د ه : خاتمي يا أمينة ب / / أنا أ ج د ه : ـ ب / / سليمان بن داود أ ج د : نبي الله ب : ـ ه.

(٢) قالت أ ج د ه : + له ب / / فقد أ د : قد ب ج : ـ ه.

(٣) خطيئة أ ج د ه : الخطيئة ب / / فجعل أ د ه : وجعل ب ج.

(٤) فيكذبوه ويحثون عليه ب : فيكذبوه ويحثوه أ ه : ـ ج د.

(٥) بأرغفة أ ج د ه : برغيفين ب / / شوى الأخرى أ ج د ه : شوى السمكة الأخرى ب / / فأكلها أ ج د ه : وأكلها ب / / عدة أ ج د ه : بعدد ب.

(٦) وعظماء أ ج د : وكبراء ب ه.

(٧) ابن داود أ ج د ه : سليمان ب / / ما رأيت أ ب ج د : ـ ه.

(٨) فأسألهن أ ج : واسألهن ب : فسألهن ه : ـ د / / هل أنكرن أ ج : هل ينكرن ب : أنكرتن د ه / / شيئا ب : ـ أ ج د ه / / ما أنكرنا أ ج د ه : كما ذكرناه ب.

(٩) وعلانيته أ : وعلانيتهم ج : ـ ب د ه.

(١٠) هل بعد هذا السخف من سخف؟! فهل يرضى الله أن تفعل الفواحش لنساء الأنبياء من أجل خاتم؟.

(١١) ثم خرج أ ج د ه : ثم خرج آصف ب / / ما في الخاصة ... وعلماؤهم أ ب ج د : ـ ه.


فقرأوها ، فطار من بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه ، ثم طار حتى ذهب إلى البحر فوقع الخاتم منه في البحر ، فابتلعه (١) حوت ، فأخذه بعض الصيادين.

وقد عمل (٢) له سليمان صدر يومه ذلك حتى إذا كان العشاء أعطاه سمكتيه ، فأعطي السمكة التي أخذت (٣) الخاتم ، وخرج سليمان بسمكتيه ، فباع التي ليس في بطنها الخاتم بالأرغفة (٤) ، ثم عمد إلى السمكة الأخرى فبقرها ليشويها ، فاستقبله خاتمه في جوفها ، فأخذه فجعله في يده ، فرد الله عليه ملكه وبهاءه ، فوقع ساجدا وعكفت عليه الطير (٥) والوحوش والأنس والجن ، وأقبل عليه الناس ، وعرف الذي كان ، دخل عليه لما أحدث في داره ، فرجع إلى ملكه وأظهر التوبة من ذنبه ، وأمر الشياطين فقال : ائتوني بصخر ، فطلبته الشياطين حتى أخذته ، فأتي به ، فجاء له بصخرة ، فأدخله فيها ، ثم سد عليه بأخرى ، ثم أوثقها بالحديد والرصاص ، ثم أمر به ، فقذف به في البحر ، هذا حديث وهب ، وحكي غيره (٦).

وأشهر الأقاويل : أن الجسد الذي ألقى على كرسيه هو صخر الجني فذلك قوله ، عز وجل : (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ) (٣٤) (٧) أي رجع إلى ملكه بعد أربعين يوما فلما رجع (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي)(٨) يريد هب لي ملكا لا تسلبنيه في باقي عمري وتعطيه غيري كما سلبتنيه فيما مضى (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (٣٥) (٩) قيل (١٠) : سأل ذلك ليكون علما على قبول توبته حيث أجاب الله دعاءه ورد إليه ملكه وزاد فيه.

وقال مقاتل : كان سليمان ملكا ولكنه أراد بقوله : (لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي)(١١)

__________________

(١) فابتلعه أ ج د ه : وابتلعه ب.

(٢) وقد عمل ... أعطاه سمكتيه أ ج د ه : وكان سليمان قد عمل لذلك الصياد من صدر النهار حتى إذا كانت العشية أعطاه سمكتين ب.

(٣) التي أخذت الخاتم أ ج د ه : التي فيها الخاتم من جملة السمكتين ب / / وخرج أ ج د : فخرج ب : ـ ه.

(٤) بالأرغفة أ ج د ه : بالرغيفين ب.

(٥) وعكفت عليه الطير أ : فعكفت عليه الطير ب ج د ه.

(٦) غيره أ ج د ه : غير ذلك ب.

(٧) ص : [٣٤].

(٨) ص : [٣٥].

(٩) ص : [٣٦].

(١٠) قيل أ ه : + سأل ذلك ليكون آية لنبوته ودلالة على رسالته ومعجزة له : وقيل ب ج د.

(١١) ص : [٣٦].


تسخير الرياح (١) والشياطين بدليل ما بعده.

وروى أبو هريرة ، رضي‌الله‌عنه (٢) ، عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «إن غفريتا من الجن تفلت البارحة عليّ (٣) ليقطع صلاتي ، فأمكنني الله منه فأخذته ، فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم ، فذكرت دعوة أخي سليمان : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي)(٤) فرددته خاسئا» (٥).

ولما رد الله على سليمان ملكه وبهاءه ، وحامت عليه الطير ، وعرف الناس أنه سليمان قاموا يعتذرون إليه مما صنعوا فقال : ما أحمدكم على غدركم (٦) ولا ألومكم على ما كان منكم هذا أمر كان لا بد منه ، ثم جاء حتى أتى ملكه ، وأطاع سليمان (٧) جميع ملوك الأرض ، وحملوا إليه نفائس أموالهم ، واستمر سليمان على ذلك حتى توفي.

ذكر وفاته عليه‌السلام (٨)

وقد روي في وفاة سيدنا (٩) سليمان ، عليه‌السلام ، ما قاله أهل العلم : إنه كان [٣٤ / ب] يتحنث في بيت المقدس / / السنة والسنتين والشهر والشهرين وأقل من ذلك وأكثر ، يدخل فيه طعامه وشرابه ، فأدخله في المرة التي مات فيها. وكان بدء (١٠) ذلك أنه لا يصبح يوما إلا نبتت في محرابه ببيت المقدس شجرة فيسألها ما اسمك؟ فتقول اسمي كذا ، فيقول : لأي شيء أنت؟ فتقول : لكذا وكذا ، فيأمر بها فتقطع ، فإن كانت نبتت لغرس غرسها (١١) ، وإن كانت لدواء كتب (١٢) ، حتى نبتت الخروبة فقال لها : ما أنت؟ قالت الخروبة ، قال : لأي شيء تنبتين (١٣)؟ قالت : لخراب مسجدك ،

__________________

(١) الرياح أ : + والطير ب ج د ه.

(٢) رضي‌الله‌عنه أ ج د ه : ـ ب.

(٣) عليّ أ ج د ه : ـ ب / / فأمكنني أ ب ج د : فمكنني ه.

(٤) ص : [٣٦].

(٥) ينظر : البخاري ، الجامع الصحيح ، صلاة ٧٥.

(٦) غدركم أ ج ه : عذركم ب : ـ د.

(٧) وأطاع سليمان أ ج د ه : وأطاعه ب.

(٨) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٥٠١ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٣٦ ؛ ابن كثير ، قصص ٤٥١.

(٩) سيدنا أ ج د : السيد ه : ـ ب.

(١٠) بدء أ ج د ه : بدأ ب.

(١١) غرسها أ ج د ه : يغرسها ب.

(١٢) كتب أ ج د ه : كتبها ب.

(١٣) تنبتين أ ه : نبت ب د : نبتت ج.


فقال سليمان : ما كان الله ليخربه وأنا حي ، أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس ، فنزعها وغرسها في حائط ، ثم قال : اللهم غمم (١) على الجن موتي حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب.

وكانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون من الغيب أشياء ويعلمون ما في غد ، ثم دخل المحراب ، فقام يصلي متكئا على عصاه ، نقل أنه نحتها من الخروب ، فمات قائما ، وكان للمحراب كوى بين يديه وخلفه ، فكان الجن يعملون تلك الأعمال الشاقة التي كانوا يعملون (٢) في حياته ، وينظرون إليه يحسبون أنه حي ، ولا ينكرون احتباسه عن الخروج إلى الناس لطول صلاته قبل ذلك ، فمكثوا يدأبون له بعد موته حولا كاملا حتى أكلت الأرضة عصا سليمان ، فخر ميتا فعلموا بموته فشكرت الجن الأرضة ، فهم يأتونها بالماء والطين في جوف الخشب ، فذلك قوله تعالى : (ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) ـ وهي الأرضة ـ (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) ـ يعني عصاه ـ (فَلَمَّا خَرَّ) ـ أي سقط على الأرض ـ (تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) (١٤) (٣) أي علمت الجن (٤) وأيقنت أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين أي في التعب والشقاء مسخرين لسليمان وهو ميت ، أراد الله بذلك أن يعلم الجن أنهم لا يعلمون الغيب لأنهم يظنون حياته ، وقيل : إن معنى تبينت الجن ، أي ظهرت (٥) وانكشفت الجن للأنس ، أي ظهر أمرهم أنهم لا يعلمون الغيب ، لأنهم كانوا قد شبهوا على الإنس ذلك.

وتوفي سليمان وعمره اثنتان (٦) وخمسون سنة ، فكانت مدة ملكه أربعين سنة ، فتكون وفاته في أواخر سنة خمس وسبعين وخمسمائة (٧) لوفاة موسى ، عليه‌السلام ، وذلك بعد فراغ بناء (٨) بيت المقدس بسبع وعشرين سنة ، فيكون الماضي من وفاته إلى عصرنا وهو أواخر سنة تسعمائة (٩) من الهجرة الشريفة النبوية ألفين وستمائة وثلاثا وسبعين سنة ، والله أعلم.

__________________

(١) غمم أ : غم ب ج د : غمي ه.

(٢) يعملون أ ج د ه : يعملونها ب / / في حياته أ ب ج د : في حال حياته ه.

(٣) سبأ : [١٤].

(٤) علمت الجن ... المهين ب : ـ أ ج د ه.

(٥) أي ظهرت وانكشفت الجن للإنس أ ب ج د : ـ ه.

(٦) اثنتان وخمسون ب : اثنان وخمسون أ ج د ه.

(٧) وخمسمائة أ ب ج د : ـ ه //.

(٨) بناء ب ج د : ـ أ ه / / بسبع أ : بتسع ب ج د ه.

(٩) ٩٠٠ ه‍ / ١٤٩٤ م.


ونقل أن قبره بالبيت المقدس عند الجسمانية (١) ، وأنه هو وأبوه داود في قبر واحد ، واستمر بيت المقدس على العمارة السليمانية أربعمائة وثلاثا (٢) وخمسين سنة.

ذكر خراب بيت المقدس على يد بخت نصر

(٣) لما توفي سليمان ، عليه‌السلام ، ملك بعده ابنه رحبعم (٤) ، بضم الراء والحاء المهملتين وسكون الباء الموحدة وفتح العين المهملة ثم ميم ، وفي أيامه اختل نظام الملك ، وخرج عن طاعته عشرة أسباط ، ولم يبق تحت طاعته سوى سبطين ، وصار الأسباط العشرة ملوكا تعرف بملوك الأسباط ، واستمر الحال على ذلك نحو مائتين وإحدى وستين سنة.

وكان ولد سليمان في بني إسرائيل بمنزلة الخلفاء للإسلام ، لأنهم أهل الولاية ، وكان الأسباط مثل ملوك الأطراف والخوارج ، وارتحل الأسباط إلى جهات (٥) فلسطين وغيرها بالشام ، واستقر ولد داود ببيت المقدس.

واستمر رحبعم على ما استقر له من الملك ، وزاد في عمارة بيت لحم وغزة وصور (٦)(٧) ، وعمر أيلة وجددها وملك سبع عشرة سنة ومات.

ثم ملك بعده ابنه أفيّا ، بفتح الهمزة وكسر الفاء التي هي بين الألف والياء على مقتضى اللغة العبرانية وتشديد الياء المثناة من تحتها ثم ألف ، وكانت مدة ملكه ثلاث سنين ومات.

ثم ملك بعده ابنه أسا ، بفتح الهمزة والسين المهملة ثم ألف ، وكانت مدة ملكه إحدى وأربعين سنة ومات.

ثم ملك بعده ابنه يهوشافاط (٨) ، بفتح الياء المثناة من تحتها وضم الهاء

__________________

(١) الجسمانية أ د : الجسمانية ب ج ه.

(٢) وثلاثا ب : وثلاثة أ ج د : وثلاث ه.

(٣) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٥١٧ ؛ الثعلبي ١٨٢ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ٣٤.

(٤) يذكر ابن خلدون أن اسمه يربعام ، ينظر : ابن خلدون ١ / ١٤٨.

(٥) جهات أ ب : جهة ج د ه / / بيت المقدس أ ج د ه : بالبيت المقدس ب.

(٦) صور : مدينة في جنوب لبنان على ساحل المتوسط ، حصينة جدا والمياه تحيط بها من جهات ثلاثة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٤٤ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٥٦ ؛ الحميري ٣٦٩ ؛ القرماني ٣ / ٤٠٢.

(٧) وصور أ ج ه : + وغير ذلك ب د / / سبع عشرة أ : سبعة عشرة ب ج د ه.

(٨) يهوشافاط : كذا ضبطه ابن خلدون ١ / ١٤٩ ؛ وذكر ابن الأثير أن اسمه أسافاط ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٤٣.


وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وبعدها ألف ثم فاء وألف وطاء مهملة ، وكان رجلا صالحا كثير العناية بعلماء بني إسرائيل وكانت / / مدة ملكه خمسا وعشرين [٣٥ / أ] سنة ومات.

ثم ملك بعده ابنه يهورام ، بفتح الياء المثناة من تحتها وضم الهاء وسكون الواو ثم راء مهملة ثم ألف وميم ، وكانت مدة ملكه ثماني سنين (١) ومات.

ثم كان (٢) بعده ابنه أهزياهو ، بفتح الهمزة والهاء المهملة وسكون الزاي المعجمة ثم مثناة من تحتها ثم ألف وهاء ثم واو ، وكانت مدة ملكه سنتين ومات.

ثم كان (٣) بعده أهزياهو فترة بغير ملك ، وحكمت في الفترة المذكورة امرأة ساحرة أصلها من جواري سليمان ، عليه‌السلام ، واسمها عثلياهو (٤) ، بفتح العين المهملة والثاء المثلثة وسكون اللام وفتح الياء المثناة من تحتها وبعدها ألف ثم هاء مضمومة ثم واو ، ويقال عثليا بغير هاء ولا واو ، وتتبعت (٥) بني داود ، فأفنتهم وسلم منها طفل أخفوه عنها ، وكان اسم ذلك الطفل يواش بن أحزبوا (٦) ، واستولت عثلياهو سبع سنين ، فيكون آخر الفترة وعدمت عثلياهو في أواخر سنة ثمان وسبعين وسبتمائة لوفاة موسى ، عليه‌السلام.

ثم ملك بعد عثلياه ويؤاش وهو ابن سبع سنين ، ويؤاش ، بضم الياء المثناة من تحتها ثم همزة وألف وشين معجمة ، وفي السنة الثالثة والعشرين من ملكه رمم بيت المقدس وجدد عمارته ، وملك أربعين سنة ومات.

ثم ملك بعده ابنه أمصياهو (٧) ، بفتح الهمزة والميم وسكون الصاد المهملة ومثناة من تحتها ثم ألف وهاء ثم واو ، وملك تسعا وعشرين سنة ، وقيل : خمس عشرة وقتل.

ثم ملك بعده عزياهو (٨)(٩) ، بضم العين المهملة وتشديد الزاي المعجمة ثم

__________________

(١) ثماني سنين ب ج د ه : سنتين أ.

(٢) كان أ : ملك ب ج د ه / / أهزياهو أ : أحزياهو ب ج د ه.

(٣) كان أ ج د ه : ملك ب / / أهزياهو أ : أحزياهو ب ج د ه.

(٤) وردت في الطبري باسم (عثليا) ١ / ٥٣١ ؛ وفي ابن الأثير (عزليا) ١ / ١٤٣.

(٥) وتتبعت أ ب : وتبعت ج د ه.

(٦) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٤٣.

(٧) المصدر نفسه ١ / ١٤٣.

(٨) المصدر نفسه ١ / ١٤٣.

(٩) ملك بعده عزياهو أ ج ه : ثم ملك بعده ابنه عزياهو ب : ملك من بعده عزياهو د.


مثناة من تحتها ثم ألف وهاء ثم واو ، وملك اثنتين وخمسين سنة ولحقه البرص ، وتنغصت عليه أيامه ، وضعف أمره في آخر وقته (١) ، وتغلب عليه ولده يوثم ومات.

ثم ملك بعده ابنه يوثم ، بضم المثناة من (٢) تحتها وسكون الواو وفتح الثاء المثلثة ثم ميم ، وفي أيامه كان يونس النبي ، عليه‌السلام ، وملك ست عشرة سنة ومات.

ثم ملك بعده (٣) ابنه آحز بهمزة ممدودة ممالة أيضا وحاء مهملة مفتوحة ثم زاي معجمة ، وملك (٤) ست عشرة سنة ومات.

ثم ملك بعده ابنه حزقيا (٥) ، بكسر الحاء المهملة (٦) وسكون الزاي المعجمة وكسر القاف وتشديد الياء المثناة من تحتها ثم ألف ، وكان رجلا صالحا مظفرا ، ولما دخلت السنة السادسة من ملكه انقرضت دولة الخوارج ملوك الأسباط ، الذين نبهنا عليهم عند ذكر رحبعم بن سليمان ، وانضم من بقي من الأسباط إلى حزقيا ، ودخلوا تحت طاعته ، وكان من الصلحاء الكبار وكان قد خرج عليه سنحاريب (٧) ملك بابل (٨) والموصل (٩) ، ونزل حول بيت المقدس في ستمائة ألف راية (١٠) ، فنصره الله وأهلك عسكر سنحاريب ، ووقع سنحاريب في أسره ثم أطلقه وسيره إلى بلاده ، وكان قد فرغ عمر حزقيا قبل موته بخمس عشرة سنة ، فزاده الله في عمره خمس عشرة سنة ، وأمره أن يتزوج ، وأخبره بذلك نبي كان في زمانه (١١) ، وهو أشعيا ، وأشعيا (١٢) هو الذي بشر بالنبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبشر بعيسى ، عليه‌السلام ، وملك

__________________

(١) في آخر وقته ب د : في آخر وقت أ ج ه.

(٢) من ب ه : ومن أ : ـ ج د.

(٣) ثم ملك بعده ... حزقيا أ ب ج ه : ـ د.

(٤) وملك أ ه : ملك ب : ملكه ج : ـ ه.

(٥) ينظر : الإصحاح ٢٨ إلى آخر الإصحاح ٣٠ من سفر التثنية.

(٦) الحاء المهملة سكون والزاي المعجمة أ ب ج د : ـ ه.

(٧) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٥٣٢ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٤٣ ؛ القرماني ١ / ١٨٩.

(٨) بابل : اسم ناحية منها الكوفة والحلة ، والمشهور بهذا الاسم المدينة الخراب قرب الحلة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٣٠٣ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ١٤٥ ؛ الحميري ٧٣.

(٩) الموصل : مدينة في شمال العراق وهي مدينة قديمة على طرف دجلة ، ومقابلها من الجانب الشرقي نينوى ، وبينها وبين بغداد أربعة وسبعون فرسخا ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٦٤ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٢٨٩ ؛ الحميري ٥٥٤ ؛ القرماني ٣ / ٤٨٥.

(١٠) ستمائة ألف راية أ ج ه : ستمائة راية ب د / / عسكر سنحاريب ب ج د ه : ـ أ.

(١١) نبي كان في زمانه أ ب د : نبي ذلك الزمان ج ه.

(١٢) وأشعيا أ : + ع ب : عليه‌السلام ج د ه.


حزقيا تسعا وعشرين سنة ومات.

ثم ملك (١) بعده ابنه منشا ، بميم ونون مفتوحتين وشين معجمة مشددة وألف وملك خمسا وخمسين سنة ومات.

ثم ملك بعده ابنه آمون (٢) ، بهمزة ممالة وميم مضمومة ثم واو ونون ، وملك سنتين ، ومات.

ثم ملك بعده ابنه يوشيا ، بضم المثناة من تحتها وسكون الواو وكسر الشين المعجمة وتشديد المثناة من تحتها ثم ألف ، ولما ملك أظهر الطاعة والعبادة وجدد عمارة بيت المقدس وأصلحه ، وملك يوشيا إحدى وثلاثين سنة ومات.

ثم ملك بعده ابنه يهوياخين ، بياء مثناة (٣) من تحتها مفتوحة وهاء مضمومة وبعدها واو ثم ياء مثناة من تحتها مفتوحة وبعدها ألف ثم خاء معجمة مكسورة ثم ياء مثناة من تحتها ساكنة ثم نون ، ولما ملك غزاه فرعون مصر ، وهو الأعرج ، فأخذ يهوياخين (٤) أسيرا إلى مصر فمات بها ، وكانت مدة ملكه ثلاثة أشهر.

ولما أسر يهوياخين ملك بعده أخوه يهوياقيم ، بفتح المثناة من تحتها وضم الهاء ثم واو ساكنة وياء مثناة من تحتها / / وألف وقاف مكسورة وياء مثناة من تحتها [٣٥ / ب] ساكنة وميم ، وفي السنة الرابعة من ملكه تولى بخت نصر على بابل ، وكان ابتداء ولايته في سنة تسع وسبعين وتسعمائة لوفاة موسى ، عليه‌السلام ، وتفسير بخت نصر بالعبرانية ـ عطارد (٥) وهو ينطق ـ سمي بذلك لتقريبه العلماء والحكماء وحبه أهل العلم.

واختلف المؤرخون فيه هل كان ملكا مستقلا بنفسه أم كان نائبا للفرس ، والأصح عند الأكثر (٦) : أنه كان نائبا للملك اسمه لهراسف ، وبين ولاية بخت نصر والهجرة الشريفة ألف وثلثمائة وتسع وستون سنة ومائة وسبعة عشر يوما ، وقد مضى من الهجرة الشريفة إلى عصرنا تسعمائة سنة ، فيكون الماضي من ولاية بخت نصر إلى آخر تسعمائة من الهجرة الشريفة ألفين ومائتين وتسعا وستين سنة وأياما.

__________________

(١) ثم ملك ... سنين ومات أ ج د ه : ـ ب.

(٢) ثم ملك بعده ابنه آمون ... ومات أ ج د ه : ـ ب.

(٣) بياء مثناة ... ثم نون أ ب ج د : ـ ه.

(٤) فأخذ يهوياخين أسيرا إلى مصر أ ب ج د : ـ ه.

(٥) عطارد وهو ينطق أ ج د ه : عطارد وهو سطو ب.

(٦) الأكثر أ ب د : الأكثرين ج ه / / لهراسف أ ب د : بهراسف ج ه.


وفي السنة الرابعة من ملكه ، وهي السابعة (١) من ملك يهوياقيم ، سار بخت نصر بالجيوش إلى الشام ، وغزا بني إسرائيل لما حصل منهم من التغيير (٢) والتبديل وفعل القبيح فلم يحاربه يهوياقيم ودخل تحت طاعته فأبقاه بخت نصر على ملكه ، ورجع بنو إسرائيل (٣) إلى الله تعالى ، وتابوا عن المعاصي ، فرد الله عنهم بخت نصر وبقي يهوياقيم تحت طاعة بخت نصر ثلاث سنين ، ثم خرج عن طاعته وعصى عليه (٤) ، فأرسل بخت نصر وأمسك يهوياقيم ، وأمر بإحضاره ، فمات يهوياقيم في الطريق من الخوف ، فكانت مدة ولايته نحو إحدى عشرة سنة ، وانقضى ملكه في أوائل (٥) سنة ثمان لابتداء ملك بخت نصر.

ولما أخذ يهوياقيم المذكور إلى العراق استخلف مكانه ابنه يخنيو ، بفتح المثناة من تحتها والخاء المعجمة وسكون النون وضم المثناة من تحتها ثم واو ، فأقام موضع أبيه مائة يوم ، ثم أرسل بخت نصر من أخذه إلى بابل وأخذ معه أيضا جماعة منعلماء بني إسرائيل من جملتهم : دانيال النبي ، وحزقيل (٦) النبي ، وهو من نسل هارون ، عليه‌السلام ، وحال وصول يخنيو سجنه بخت نصر. ولم يبرح مسجونا حتى مات بخت نصر.

ولما أمسك بخت نصر يخنيو نصب مكانه على بني إسرائيل عم يخنيو المذكور ، وهو صدقيا ، بكسر الصاد المهملة وسكون الدال المهملة وكسر القاف وفتح الياء المثناة من تحتها مع التشديد وبعدها ألف ، واستمر صدقيا تحت طاعة (٧) بخت نصر ، وكان أرميا النبي ، عليه‌السلام ، في أيام صدقيا فبقي يعظه ويعظ بني إسرائيل لما أحدثوا من المعاصي والطغيان ونقض التوبة ، ويهددهم ببخت نصر وهم لا يلتفتون إلى وعظه.

وفي السنة التاسعة من ملك صدقيا عصى على بخت نصر ، وكان أرميا ، عليه‌السلام ، قد رأى بخت نصر قديما ، وهو صبي أقرع ، ورآه (٨) يأكل ويتغوط

__________________

(١) وهي السابعة أ ب ج د : ـ ه.

(٢) التغير أ د : التغيير ب ج ه.

(٣) ورجع بنو إسرائيل ... ثلاث سنين أ ب ج : ـ د ه.

(٤) وعصي عليه أ ج د : وعصاه ب : وحصل عليه ه.

(٥) في أوايل أ ب ج د : أوائل ه.

(٦) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٥٣٨ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٤٩ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ٣٣ ؛ القرماني ١ / ١٩١.

(٧) طاعة بخت نصر أ ب ج د : طاعته ه.

(٨) ورآه أ ب ج د : ـ ه.


ويقتل القمل ، فقال له : ما هذا؟ فقال : أذى يخرج ومنفعة تدخل وعدو يقتل ، فقال له : سيكون لك شأن ، فأخذ أرميا من بخت نصر أمانا لبيت المقدس ومن فيها ، وكتب له الأمان في جلد ، فلما صار الملك إلى بخت نصر وعصى عليه صدقيا ، كما تقدم ، قصد بخت نصر بيت المقدس ، فلما بلغ سهول الرملة وأعلم أرميا بذلك سار إليه وأعطاه الأمان ، فنظره وقال : هو أماني ولكني مبعوث ، وقد أمرت أن أرمي بسهمي (١) فحيثما وقع سهمي طلبت الموضع ، فرمى بسهمه فوقع في قبة بيت المقدس ، فرجع أرميا إلى أهل (٢) بيت المقدس وأخبرهم بذلك.

ثم سار بخت نصر بالجيوش ، وكان معه ستمائة (٣) ألف راية ، ودخل بيت المقدس ، وأعانهم على ذلك النصارى (٤)(٥) قال الله تعالى : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ)(٦). قال : وهم النصارى ، لا يدخلون (٧) المسجد إلا مسارقة إن قدر عليهم عوقبوا (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ)(٨) قال : يعطون الجزية عن يد (وَهُمْ صاغِرُونَ) (٢٩) (٩).

ذكر عمارة بيت المقدس الثانية (١٠)

لما جرى ما ذكر من تخريب بيت المقدس ولبثه على التخريب سبعين سنة ، عمّره بعد ذلك بعض ملوك الفرس واسمه عند اليهود ، كورش (١١). وقيل : اختلف فيه ، فقيل : هو دارا بن بهمن ، وقيل : هو بهمن المذكور وهو الأصح. وكان كريما متواضعا علامته على كتبه : من أردشير بهمن ، عبد الله ، وخادم الله ، والسائس لأمركم (١٢) ، وتفسير بهمن بالعبرانية : الحسن النية.

__________________

(١) بسهمي أ ج د ه : سهمي ب.

(٢) أهل ب ج د ه : أهالي أ.

(٣) ستمائة ألف أ ج د ه : ستمائة ب.

(٤) كيف يكون هناك نصارى والمسيح لم يبعث إلا بعد قرون؟!!.

(٥) النصارى أ ج د ه : الروم ب.

(٦) البقرة : [١١٤].

(٧) يدخلون ب ج ه : يدخلوا أ د.

(٨) البقرة : [١١٤].

(٩) التوبة : [٢٩].

(١٠) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٥٧١ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٥٨ ؛ القرماني ١ / ٩٣.

(١١) وفي الطبري باسم كيرش ، ينظر : الطبري ١ / ٥٧١ ؛ وعند القرماني يوشك ١ / ٩٣.

(١٢) لأمركم أ ج د : لأموركم ب : وأمركم ه.


وكان قد امره الله على لسان عبده أرميا النبي ، عليه‌السلام (١) ، أن يبني بيت المقدس. ففعل ذلك ، وأصعد إليها من بني إسرائيل أربعين ألفا ، وقربوا القرابين على رسومهم الأولى ، ورجعت إليهم دولتهم ، وعظم محلهم عند الأمم ، قال الله تعالى : (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٦) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها)(٢) ، وعاد البلد أحسن مما كان.

وحكى بعض المؤرخين : إن الله تعالى أوحى إلى أشعيا النبي ، عليه‌السلام ، أن كورش يعمر بيت المقدس ، ذكر لفظ أشعيا الذي قال (٣) في الفصل الثاني والعشرين (٤) من كتابه حكاية عن الله ، عز وجل ، وهو أن القائل لكورش راعى الذي يتمم جميع محياي ، ويقول لأورشليم عودي مبنية ، ولهيكلها كن زخرفا مزينا ، هكذا قال الرب لمسبحه كورش الذي أخذ بيمينه لتدبير الأمم ، وينحي ظهور [٣٦ / أ] الملوك ، سائرا يفتح الأبواب / / أمامه فلا تغلق (٥) ، وأسهل لك الوعر ، وأكسر أبواب النحاس ، وأحبوا لك بالدخائر التي في الظلمات ، انتهى.

ولما عادت عمارة بيت المقدس تراجع (٦) إليه بنو إسرائيل من العراق وغيره ، وكانت عمارته في أول سنة تسعين لابتداء ولاية بخت نصر.

ولما تراجع بنو إسرائيل إلى القدس كان من جملتهم عزير ، عليه‌السلام (٧) ، وكان بالعراق ، وقدم معه من بني إسرائيل ما يزيد على ألفين من العلماء وغيرهم ، وترتب (٨) مع عزير في القدس مائة وعشرون شيخا من علماء بني إسرائيل ، وكانت التوراة (٩) قد عدمت منهم إذ ذاك ، فمثلها الله تعالى (١٠) في صدر العزير ووضعها لبني إسرائيل يعرفونها بحلالها وحرامها ، فأحبوه حبا شديدا ، وأصلح العزير أمرهم ، وأقام بينهم على ذلك.

__________________

(١) عليه‌السلام أ ج د ه : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب.

(٢) الإسراء : [٦].

(٣) قال أ : ذكره ب د : قاله ج ه.

(٤) ينظر : سفر أشعيا ؛ الإصحاح ٤٤ ـ ٤٥ ص ١٠٤٧.

(٥) فلا أ ج د ه : ولا ب / / وأحبوا لك أ : وأحبوك ب ج د ه.

(٦) تراج أ ج د ه : رجع ب.

(٧) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٢٩ ؛ الطبري ، تاريخ ١ / ٥٥٧ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٥٨ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ٤٣.

(٨) وترتب أ ج د ه : ورتب ب.

(٩) التوراة أ ب ج د : التورية ه.

(١٠) تعالى أ ج د ه : ـ ب.


ولبث مع بني إسرائيل في القدس يدبر أمرهم حتى توفي بعد مضي أربعين سنة لعمارة بيت المقدس. فتكون وفاته سنة ثلاثين ومائة لابتداء ولاية بخت نصر ، واسم العزير بالعبرانية : عزرا وهو من ذرية هارون بن عمران ، ثم تولى رئاسة بني إسرائيل ببيت المقدس بعد العزير شمعون الصديق (١) وهو أيضا من نسل هارون.

ولما تراجع بنو إسرائيل إلى القدس بعد عمارته ، صار لهم حكام (٢) منهم ، وكانوا تحت حكم ملوك الفرس ، واستمروا كذلك حتى ظهر الإسكندر (٣) ملك اليونان في سنة خمس وثلاثين وأربعمائة لولاية بخت نصر ، وغلب اليونان على الفرس ، ودخل حينئذ بنو إسرائيل تحت حكم اليونان.

وبين غلبة الإسكندر على ملك الفرس (٤) وبين الهجرة الشريفة تسعمائة وأربع وثلاثون سنة. ومات الإسكندر بعد غلبته على الفرس (٥) بقريب سبع سنين ، فيكون بين موته وبين الهجرة الشريفة تسعمائة وقريب ثمان وعشرين سنة ، وقد مضى من الهجرة الشريفة إلى عصرنا تسعمائة سنة ، فيكون الماضي من وفاة الإسكندر إلى آخر سنة تسعمائة من الهجرة الشريفة ألفا وثمانمائة وقريب ثمان وعشرين سنة.

وهذا الإسكندر ليس هو ذو القرنين (٦) الذي ذكره الله (٧) في القرآن ، فإن ذلك ملك قديم كان على زمن إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام ، وقد تقدم (٨) ذكره.

ولما دخل بنو إسرائيل تحت حكم اليونان أقام اليونان من بني إسرائيل ولاة عليهم ، وكان يقال للمتولي عليهم : هردوس (٩). واستمر بنو إسرائيل على ذلك حتى خرب بيت المقدس الخراب الثاني ، وتشتت منه بنو إسرائيل على

__________________

(١) ينظر : ابن سعد ١ / ٥٣ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢١١.

(٢) حكام أ ب د : حاكما ج ه.

(٣) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٥٧٣ ؛ الثعلبي ٢٠٠ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٥٩ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ١٠٥.

(٤) على ملك الفرس أ ج د ه : ـ ب / / تسعمائة وأربع وثلاثون سنة أ ب ج د : تسعمائة وأربعة آلاف سنة ه.

(٥) على الفرس أ ج د ه : ـ ب / / بقريب أ ج د ه : لقريب ب.

(٦) ذو القرنين : اختلف فيه إن كان نبيا من الأنبياء أو ملكا من الملائكة أو ملكا عادلا ، وقد ذكره الله تعالى في سورة الكهف في الآية ٨٢ ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٣٢ ؛ الطبري ، تاريخ ١ / ٥٧٢ ؛ الثعلبي ٢٠٠ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٥٩ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ١٠٢.

(٧) الله أ ج د ه : + تعالى ب.

(٨) وقد تقدم أ ه : وتقدم ذكره ب ج د.

(٩) هردوس أ ب د : هردودوس ج ه.


ما سنذكره ، إن شاء الله تعالى.

قصة أرميا عليه‌السلام

(١) قد تقدم عند ذكر صدقيا ، الذي هو آخر ملوك بني إسرائيل ، أن أرميا النبي ، عليه‌السلام ، كان فيه أيامه وكان يأمر بني إسرائيل بالتوبة ويهددهم ببخت نصر وهم لا يلتفتون إليه. فلما رأى أنهم لا يرجعون عما هم فيه فارقهم أيضا واختفى حتى غزاهم بخت نصر وخرب (٢) القدس ، كما تقدم ذكره ، ثم إن الله تعالى أوحى إلى أرميا النبي (٣) : أني عامر بيت المقدس فاخرج إليها. فخرج أرميا وقدم إلى القدس وهي خراب فقال : سبحان الله ، أمرني الله أن أنزل هذه البلدة ، وأخبرني أنه عامرها فمتى يعمرها ومتى يحييها الله بعد موتها. ثم وضع رأسه فنام (٤) ، ومعه حماره وسلة فيها طعام وهو تين وركوة فيها عصير عنب.

وكان من قصته ما أخبر الله تعالى به في محكم كتابه العزيز في قوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) ـ أي لم يتغير ـ (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩))(٥).

وقد قيل : إن صاحب القصة هو العزير (٦) والأصح أنه أرميا. وقد أهلك الله بخت نصر ببعوضة دخلت دماغه ، ونجى الله تعالى من بقي من بني إسرائيل ، ولم [٣٧ / أ] يمت أحد منهم (٧) ببابل ، وردهم الله جميعا (٨) / / إلى بيت المقدس ونواحيه.

قال البغوي في تفسيره : وعمر الله أرميا فهو الذي يرى في الفلوات فذلك قوله

__________________

(١) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٢٨ ؛ الطبري ، تاريخ ١ / ٥٤٨ ؛ الثعلبي ١٩١ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٤٨ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ٣٤ ؛ ابن كثير ، قصص ٤٤٨ ؛ القرماني ١ / ١٩١.

(٢) وخرب أ ب د : وأخر ب ج ه.

(٣) النبي أ : ـ ب ج د ه / / أني عامر بيت المقدس ج د ه : عمر بيت المقدس أ : أني عامر بلدة بيت المقدس ب.

(٤) فنام أ د : ونام ب ج ه.

(٥) البقرة : [٢٥٩].

(٦) ينظر : الثعلبي ١٩١ ؛ القرماني ١ / ١٩٨.

(٧) أحد منهم أ : ـ ب ج د ه.

(٨) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٥٥٦ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٥١.


تعالى : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ)(١) أي أحياه ، وبعثه الله على السن الذي توفاه عليه بعد مائة سنة وهو أربعون سنة ولابنه عشر ومائة سنة ، ولا بن ابنه تسعون سنة ، وأنشد في ذلك :

واسود رأس شاب من قبل ابنه

ومن قبله ابن ابنه فهو أكبر (٢)

ترى ابنه شيخا يأتي على عصا

ولحيته سوداء والرأس أشقر (٣)

وما لابنه حيل ولا فضل قوة

يقوم كما يمشي الصبي فيعثر

يعد ابنه في الناس تسعين حجة

وعشرين لا يجري ولا يتبختر (٤)

وعمر أبيه أربعون أمرها

ولابن ابنه في الناس تسعون غير (٥)

فما هو في المعقول إن كنت داريا

وإن كنت لا تدري فبالجهل تعذر

فصل

لما (٦) ملك الإسكندر وقهر الفرس ، وعظمت مملكة اليونان صار بنو إسرائيل وغيرهم تحت طاعتهم ، وتولت (٧) ملوك اليونان بعد الإسكندر وكان يقال لكل واحد منهم بطليموس (٨). فلما مات الإسكندر ملك بعده بطليموس بن لاغوس (٩)(١٠) عشرين سنة ، ثم ملك بعده بطليموس (١١) تخت أخيه واسمه عند اليهود ثلماي ـ بثاء مثناة (١٢) من فوقها ثم لام ساكنة ثم ميم مفتوحة وبعدها ألف ثم ياء آخر الحروف ، وهو الذي نقلت له (١٣) التوراة وغيرها من كتب الأنبياء من اللغة العبرانية إلى اللغة اليونانية (١٤). وكان نقل التوراة بعد عشرين سنة مضت من موت الإسكندر.

__________________

(١) البقرة : [١٥٩].

(٢) هذه الأبيات أنشدها أبو حاتم السجستاني ، ينظر : ابن كثير ، البداية ٢ / ٤٥.

(٣) يأتي على عصا أ : يجيء على عصا ب د ه : ـ ج : أيدب على عصا ابن كثير.

(٤) لا يجري ولا يتبختر أ ه ابن كثير : لا يحذري ولا يتعجر ب د : لا يحتر ولا يتحير ج.

(٥) أبيه أ ج ه : ابن ب د / / أربعون أ : أربعين ب ج د ه.

(٦) لما أ ج ه : ولما ب د / / صار بنو إسرائيل ... بعد الإسكندر أ ب ج د : ـ ه.

(٧) وتولت أ ج د ه : وتوالت ب.

(٨) بطلميوس أ ج ه : بطليوس ب د.

(٩) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٥٧٨ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٦٥.

(١٠) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٥٧٨ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٦٦.

(١١) لاغوس أ ، الطبري ، ابن الأثير ، الكامل : الأغوش ب ج د ه / / بطلميوس أ ج ه : بطليوس ب د.

(١٢) بثاء مثناة أ ج ه : بناء مثلثة ب د / / وبعدها ألف أ ج ه : ـ ب د.

(١٣) نقلت له أ ج ه : نقلت إليه ب د.

(١٤) اليونانية أ : + وكان نقل التوراة ب د ه : + فكان نقل التوراة ج.


ولما تولى بطليموس (١) الثاني تخت أخيه المسمى عند اليهود ـ ثلماي ـ وجد جملة (٢) من الأسرى منهم نحو ثلاثين ألفا من اليهود ، فأعتقهم كلهم ، وأمرهم بالرجوع إلى بلادهم. ففرحوا بذلك وأكثروا له بالدعاء والشكر. فأرسل رسولا وهدايا إلى بني إسرائيل المقيمين بالقدس الشريف وطلب منهم أن يرسلوا إليه عدة (٣) من علماء بني إسرائيل لنقل التوراة وغيرها إلى اللغة اليونانية. فسارعوا إلى امتثال أمره ، ثم إن بني إسرائيل تزاحموا على الرواح إليه ، وبقي كل منهم يختار ذلك واختلفوا ، ثم اتفقوا على أن يبعثوا إليه من كل سبط من أسباطهم ستة. فبلغ ذلك من عددهم اثنين وسبعين رجلا.

فلما وصلوا إلى بطليموس المذكور المسمى عندهم ثلماي ، أحسن إليهم ، قراهم ، وصيرهم ستا وثلاثين فرقة ، وخالف بين أسباطهم ، وأمرهم ، فترجموا له ستا وثلاثين نسخة من التوراة ، وقابل بعضها إلى بعض ، فوجدها مستوية لم تختلف اختلافا يعتد به ، وفرق النسخ المذكورة في بلاده. وبعد فراغهم من الترجمة ، أكثر لهم الصلاة وجهزهم إلى بلدهم (٤). وسأله المذكورون في نسخة من تلك النسخ ، فأسعفهم بنسخة ، فأخذها المذكورون وعادوا بها إلى بني إسرائيل ببيت المقدس.

فنسخة التوراة المنقولة لبطليموس (٥) المسمى ثلماي ، أصح نسخ التوراة وأثبتها ، وهي التوراة اليونانية التي عليها عمل المؤرخين. وأما التوراة العبرانية وهي التي بأيدي اليهود ، والتوراة السامرية (٦) فكل واحدة منهما مبدلة لا عمل عليها ، والله أعلم.

ذكر سيدنا يونس بن متى عليه‌السلام (٧)

ومتى أبو يونس ، وقيل : إن متى (٨) أمه ، والذي عليه أكثر العلماء ، إنه أبوه.

__________________

(١) بطلميوس أ ج ه : بطليوس ب د.

(٢) جملة أ ج ه : جماعة ب د / / الأسرى أ ه : الأسارى ب ج د.

(٣) إليه عدة ب ج : له عدة أ د ه.

(٤) بلدهم أ : بلادهم ب ج د ه.

(٥) لبطليموس أ ج ه : بطليوس ب د.

(٦) منسوبة إلى السمرة وهي طائفة يهودية تعيش في مدينة نابلس على جبل جرزيم ، ويعدون توراتهم هي الحقيقة وما سواها مزيف ، وأنهم أتباع موسى الحقيقيون ، ينظر : الحموي ، معجم البلدان ٣ / ٢٠٠ ؛ شريدة ١٨ ؛ Auirgod.Samaria IV.

(٧) ينظر : سفر يونان ، الإصحاح الأول ١٣١٥ ؛ الطبري ، تاريخ ٢ / ١١ ؛ المسعودي ١ / ٢١٣ ؛ الثعلبي ٢٣٨ ؛ ابن كثير ، البداية ١ / ٢٣١ ؛ القرماني ١ / ١٥٨.

(٨) أن متى أ ج د ه : ـ ب.


وقد ورد في الحديث الشريف : أن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى» (١) ونسبه إلى أبيه ، ولكن نقل الملك المؤيد صاحب حماة في تاريخه (٢) : إن متى أمه ، قال : ولم يشتهر نبي بأمه غير عيسى ويونس ، عليهما‌السلام.

وقيل : إن يونس من بني إسرائيل ، وأنه من سبط بنيامين ، وتزوج بنت رجل من الأولياء اسمه زكريا ، وكان زكريا (٣) مقيما بالرملة فأقام يونس عنده ، ثم بعد وفاة زكريا توجه إلى بيت المقدس يعبد الله تعالى (٤) ، وكانت بعثته في أيام يوثم بن عزياهو أحد ملوك بني إسرائيل ، وتقدم ذكر ذلك عند ذكر يوثم المذكور.

وبعث الله يونس إلى أهل نينوى (٥) ـ وهي قبالة الموصل بينهما دجلة ـ وكانوا يعبدون الأصنام فنهاهم وأوعدهم العذاب في يوم معلوم إن لم يتوبوا وضمن ذلك عن ربه ، عز وجل. فلما أظلهم العذاب آمنوا ، / / فكشف الله عنهم ، فجاء (٦) يونس [٣٧ / ب] لذلك اليوم ، فلم ير العذاب حل ، ولا علم بإيمانهم ، فذهب مغضبا ، ودخل في سفينة من سفن دجلة (٧) ، فوقفت السفينة ولم تتحرك ، فقال رئيسها : فيكم من له ذنب ، فتساهموا على من يلقونه في البحر (٨) ، فوقعت المساهمة على يونس ، فرموه في البحر (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) (١٤٢) (٩) وسار به (١٠).

وكان من شأنه ما أخبر الله تعالى به في كتابه العزيز وملخص قصته : إن الحوت التقمه ، فكان (١١) يونس يسبح على قلب الحوت ، والحوت يقول : يا يونس اسمعني تسبيح المقمومين ، وهو يقول : (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٨٧) (١٢) ، فتقول الملائكة : إلهنا وسيدنا إنا نسمع تسبيح مكروب كان

__________________

(١) رواه البخاري ومسلم والإمام أحمد ، ينظر : ابن كثير ، البداية ١ / ٢٣٦.

(٢) ينظر : أبو الفداء ، المختصر ١ / ٣٢.

(٣) وكان زكريا ب ج د ه : ـ أ.

(٤) تعالى أ ج د ه : ـ ب.

(٥) نينوى : قرية يونس عليه‌السلام ، بالموصل تقابلها من الجانب الشرقي ، ينظر : المسعودي ١ / ٢١٣ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٤١٦ ؛ الحميري ٥٧٩ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٤١٤.

(٦) فجاء أ : وجاء ب ج د ه.

(٧) دجلة : النهر المعروف ، والذي يخرج من بلاد آمد من ديار بكر ، ويمر بالموصل وتكريت وسر من رأى ومدينة السلام ويصب في خليج البصرة ، ينظر : المسعودي ١ / ١٠٥.

(٨) في البحر ب ج د ه : ـ أ / / فالتقمه الحوت وهو مليم ب ج د ه : ـ أ.

(٩) الصافات : [١٤٨].

(١٠) به أ ج د ه : عنه ب.

(١١) فكان أ ج ه : وكان ب د / / والحوت يقول ب ج : والحوت تقول أ د ه.

(١٢) الأنبياء : [٨٧].


لك شاكرا ، اللهم فارحمه في كربته وغربته (١) ، قال الله تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٨٧) (٢) يعني ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت ، قال الله تعالى : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤))(٣). وروي أنه ما قرأ هذه الآية مكروب إلازال كربه (٤) وهي سورة الأنبياء. واختلف (٥) في مدة لبثه ، فمنهم من قال : أربعين يوما ، وقيل : ثلاثة أيام ، فلما انقضت المدة التي قدرها الله تعالى (٦) له أمر الحوت ، أن يرده إلى الموضع الذي أخذه منه. فشق ذلك على الحوت لاستثناسه بذكر الله تعالى ، فقيل له : اقذفه ، فقذفه في الساحل ، فذلك قوله تعالى : (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) (١٤٥) (٧) واسم الحوت : النون.

وخرج يونس مثل الفرخ المنتوف وقد ذهب بصره وهو لا يقدر على القيام فأنبت الله شجرة من يقطين لها أربعة آلاف غصن ، فكانت فراشه وغطاءه ، وأمر الله الظبية فجاءته وأرضعته حتى قوي ، وهبط جبريل ، عليه‌السلام ، فسلم عليه وأمرّ يده على رأسه وجسده ، فأنبت الله لحيته ، ورد عليه بصره ، وأوحى الله بإيمان قومه حين رأوا العذاب ، ثم هبط إليه ملك ودفع إليه حلتين وقال : سر إلى قومك فإنهم يتمنوك (٨) ، فاتزر بواحدة وارتدي بالأخرى ، وسار يونس ، عليه‌السلام ، واجتمع بزوجته وولديه قبل وصوله إلى قومه ، ثم وصل الخبر إلى قومه بوصوله ، فوثب الملك عن سريره وخرجوا كلهم إلى يونس ، عليه‌السلام ، وسلموا عليه ، وفرحوا به ، فحملوه (٩) إلى المدينة. وأقام فيهم يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، فمات الملك وماتت زوجة يونس وأولاده (١٠).

ومات يونس (١١) في سنة خمس عشر وثمانمائة لوفاة موسى ، عليه‌السلام ،

__________________

(١) في كربته وغربته أ ه : في غربته وكربته ب د : من كربته وغربته ج.

(٢) الأنبياء : [٨٧].

(٣) الصافات : [١٤٤].

(٤) ينظر : ابن كثير ، البداية ١ / ٢٣٤.

(٥) واختلف أ ج ه : واختلفوا ب د.

(٦) قدرها الله تعالى له أ ج ه : قدرها الله له ب د.

(٧) الصافات : [١٤٥].

(٨) يتموك أ ج ه : يتمونك ب د.

(٩) فحملوه أ ه : وحملوه ب ج د / / وأقام أ ج ه : فأقام ب د.

(١٠) وماتت زوجة يونس أ ج ه : وماتت زوجة ب د.

(١١) ومات يونس أ : وكانت وفاة يونس ب ج د ه.


وقبره في قرية بالقرب من بلد سيدنا الخليل ، عليه‌السلام ، على مسافة قرية ، وهذه القرية تسمى حلحول (١) ، وهي على طريق بيت المقدس ، وصار على قبره منارة ومسجد (٢) والذي بنى المنارة الملك المعظم عيسى (٣) بولاية الأمير رشيد الدين فرج بن عبد الله المعظم (٤) في شهر رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة (٥) ، وقد اشتهر أمره والناس يقصدونه للزيارة ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومتى مدفون بالقرب منه بقرية يقال لها بيت أمر (٦) ، وكان رجلا صالحا من أهل بيت النبوة ، والله أعلم.

ذكر زكريا ويحيى وعيسى عليهم‌السلام (٧)

وما وقع لسيدنا عيسى بن مريم ، عليه‌السلام ، وصعوده إلى السماء وملخص ما وقع لزكريا ويحيى ، عليهما‌السلام. أقول ـ وبالله التوفيق ـ أن سيدنا زكريا من ولد سليمان بن داود ، عليهم‌السلام (٨) ، وكان نبيا ذكره الله تعالى (٩) في القرآن ، وكان نجارا ، وهو الذي كفل مريم أم عيسى. وكانت مريم بنت عمران بن ماثان من ولد سليمان بن داود ، وكانت أم مريم اسمها حنة ، وكان زكريا متزوجا أخت حنة واسمها إيساع ، فكانت زوج (١٠) زكريا خالة مريم ، ولذلك كفل زكريا مريم ، وسنذكر ذلك.

__________________

(١) حلحول : بلدة إلى الشمال من مدينة الخليل ، بها قبر النبي يونس ، عليه‌السلام ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٤١٨ ؛ شراب ٢٩٧.

(٢)؟؟؟ منارة ومسجد أ ه : مسجد ومنارة ب ج د.

(٣)؟؟؟ عظم عيسى : شرف الدين عيسى بن العادل الحنفي الأديب ، ولد سنة ٥٧٦ ه‍ / ١١٨٠ م ، وحفظ القرآن ، وملك الشام بعد أبيه من العرش إلى حمص ، وتوفي عام ٦٢٤ ه‍ / ١٢٢٧ م ؛ ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٣٧٤ ؛ أبو شامة ، الذيل ١٥٢ ؛ ابن وصال ٤ / ٢٠٩ ـ ٢٢٣ ؛ ابن العماد ٥ / ١١٥ ؛ اليافعي ٤ / ٥٨ ؛ ابن قطلوبغا ٢٢٥ ؛ الجابي ٥٧٣ ؛ غواتمة ٥ پ ٢.

(٤) رشيد الدين فرج بن عبد الله : لم أعثر له على ترجمة.

(٥) ٦٢٣ ه‍ / ١٢٢٦ م.

(٦) بيت أمر : قرية تقع إلى الشمال من الخليل على طريق القدس ، وفي القرية جامع النبي متى ، ينظر : شراب ١٧٦ ؛ إبريغيث ١٩.

(٧) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٣١ ؛ الطبري ، تاريخ ١ / ٥٨٠ ؛ المسعودي ١ / ٦٣ ؛ الثعلبي ٢٠٧ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٦٩.

(٨) ولد سليمان ... السلام أ ب ج : ـ د ه / / عليهم أ ج : عليها ب : ـ د ه / / ذكره أ ج ه : وقد ذكره ب د.

(٩) تعالى أ ه : ـ ب ج د / / أم عيسى وكانت مريم بنت عمران أ ج د ه : مريم بنت عمران بن ماثان ب.

(١٠) فكانت زوج أ ج ه : وكانت زوجة ب ه.


وأرسل الله تعالى جبريل ، عليه‌السلام ، فبشر زكريا بيحيى مصدقا بكلمة من الله يعني عيسى بن مريم ، ثم أرسل الله تعالى ، جبريل ، عليه‌السلام ، ونفخ (١) في جيب مريم ، فحملت بعيسى ، عليه‌السلام ، وكانت قد حملت خالتها إيساع ، بيحيى [٣٨ / أ] وولد يحيى ، قبل عيسى بستة أشهر ، ثم ولدت مريم عيسى.

فلما علمت اليهود أن مريم ولدت من غير بعل اتهموا زكريا بها وطلبوه فهرب واختفى في شجرة عظيمة ، فقطعوا الشجرة وقطعوا زكريا معها (٢). وكان عمر زكريا حينئذ نحو مائة سنة ، وكان قتله بعد ولادة المسيح ، وكانت ولادة المسيح (٣) لمضى ثلاثمائة وثلاث سنين للإسكندر ، ويأتي تحرير تاريخ مولده قريبا ، فيكون مقتل زكريا بعد ذلك بقليل (٤).

وأما يحيى ابنه فإنه نبي وهو صغير ، ودعا الناس إلى عبادة الله ، ولبس الشعر ، واجتهد في العبادة حتى نحل جسمه.

وكان عيسى بن مريم قد حرم نكاح بنت الأخ. وكان لهرودوس (٥) ـ وهو الحاكم على بني إسرائيل ـ بنت أخ وأراد أن يتزوجها كما هو جائز في ملة اليهود ، فنهاه يحيى عن ذلك ، فطلبت أم البنت من هرودوس (٦) أن يقتل يحيى ، فلم يجبها إلى ذلك ، فعاودته. وسألته البنت أيضا وألحت عليه فأجابها إلى ذلك ، وأمر بيحيى فذبح (٧) ووضع رأسه بين يدي هرودوس ، وكان الرأس (٨) يتكلم ويقول : لا تحل لك ، واستمر غليان دمه ، فأمر بتراب فألقي عليه فما ازداد إلا انبعاثا ، فبعث الله عليهم ملكا من جهة المشرق يقال له خرودوش (٩) ، فقتل منهم على دم يحيى سبعين ألفا إلى أن سكن دمه.

وزعم قومه : أن بخت نصر هو الذي غزاهم وقتلهم على دم يحيى. وليس بصحيح : لأن بخت نصر خرب بيت المقدس قبل (١٠) ولادة يحيى بنحو خمسمائة

__________________

(١) ونفخ أ ج : فنفخ ب ه : ـ د.

(٢) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٣١ ؛ الثعلبي ٢١٣ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ٥٤ ؛ القرماني ١ / ٢٠٥.

(٣) وكانت ولادة المسيح ب ج ه : ـ أ د.

(٤) بقليل أ ج ه : بيسير ب : ـ د.

(٥) لهرودوس أ : لهردوس ب ج ه : ـ د.

(٦) هرودوس أ : هردوس ب ج ه : ـ د.

(٧) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٥٨٧ ؛ الثعلبي ٢١٢ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ٥٤ ؛ القرماني ١ / ٢٠٩.

(٨) وكان الرأس أ ج : فكان ب ه : ـ د / / لا تحل ب ج د ه : لا يحل أ.

(٩) خرودوش أ ج : خرودوش ب د ه.

(١٠) قبل أ ج د ه : من قبل ب.


سنة ، وكان قتل يحيى قبل رفع المسيح (١) بمدة يسيرة ، لأن عيسى ، عليه‌السلام ، إنما ابتدأ بالدعوة لما صار له ثلاثون سنة ، ولما أمره الله تعالى أن يدعو الناس إلى دين النصارى غمسه يحيى في نهر الأردن ، ولعيسى نحو ثلاثين سنة ، وخرج من نهر الأردن (٢) وابتدأ بالدعوة ، وجميع ما لبث المسيح (٣) بعد ذلك ثلاث سنين ، فذبح يحيى كان قبل رفع عيسى بسنة ونصف (٤). قال قتادة : وكان رفع عيسى بعد نبوته بثلاث سنين.

والنصارى تسمي سيدنا يحيى يوحنا المعمدان ، لكونه عمد المسيح ، كما ذكر ، وكان يحيى ، عليه‌السلام ، لا يأتي النساء لأنه لم يكن له ما للرجال (٥) ، فلذلك سماه الله تعالى : (وَسَيِّداً وَحَصُوراً)(٦) كذا قيل ، وهو غير مرضي. وقد تكلم القاضي عياض (٧) في الشفاء (٨) على معنى كون يحيى حصورا بما حاصله : إن هذا الذي قيل نقيصة وعيب لا يليق بالأنبياء وإنما معناه أنه معصوم عن الذنوب لا يأتيها (٩) ، فكأنه حصر عنها ، أو أنه حصر نفسه عن الشهوات فمنعها (١٠) ، ويأتي ذكر الخلاف في محل قبره وقبر والده زكريا عند ذكر قبر مريم ، عليهم‌السلام (١١) ، إن شاء الله تعالى.

وأما مريم فاسم أمها حنة زوجة عمران (١٢) ، وكان حنة لا تلد ، واشتهت الولد فدعت بذلك ونذرت إن رزقها الله ولدا جعلته من خدمة بيت المقدس. فحملت حنة

__________________

(١) المسيح أ ج ه : عيسى ب د.

(٢) نهر الأردن : نهر يصب في بحيرة برية ثم يمر جنوبا مارا ببيسان وأريحا والعوجا ثم يصب في البحيرة المنتنة (البحر الميت) ، ينظر : السمعاني ١ / ١٠٩ ؛ ياقوت ، معجم البلدان ١ / ١٧٧ ؛ الحميري ٢١ ؛ القرماني ٣ / ٣١٢ ؛ الدباغ ٦ / ٣٩.

(٣) المسيح أ ج ه : عيسى ب د.

(٤) بسنة ونصف أ ج ه : بنحو سنة ونصف ب د / / رفع عيسى أ ج ه : رفعه ب د.

(٥) ما للرجال ب ج د ه : ما للرجل أ.

(٦) آل عمران : [٣٩].

(٧) عياض : عياض بن موسى بن عياض بن عمر بن اليحصبي السبتي ، أبو الفضل عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته ، توفي عام ٥٤٤ ه‍ / ١١٤٩ م. ينظر : ابن خلكان ٣ / ٤٨٣ ؛ الذهبي ، تذكرة ٣ / ١٣٠٤ ؛ اليافعي ٣ / ٢٨٢ ؛ ابن الملقن ٥٧٥ ؛ الجابي ٥٦٩.

(٨) هو كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، ينظر : كحالة ٨ / ١٦.

(٩) لا يأتيها ... وأما مريم أ ب ج ه : ـ د / / فكأنه أ ج ه : كأنه ب : ـ د.

(١٠) ينظر : عياض ٢٥١.

(١١) عليهم‌السلام إن شاء الله تعالى أ ج ه : ـ ب د.

(١٢) زوجة عمران ب ج د ه : زوج عمران أ.


وهلك زوجها عمران وهي حامل (١) ، فولدت بنتا وسمتها مريم ، ومعناه (٢) العابدة ، قال الله تعالى مخبرا عن أمها : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى)(٣) أي لخدمة بيت المقدس ، لما يلحقها من الحيض والنفاس وعدم الصيانة عن التبرج للناس ، ثم حملتها وأتت بها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار وقالت : دونكم هذه المنذورة.

فتنافسوا فيها لأنها بنت عمران ـ وكان من أئمتهم ـ فقال زكريا : أنا أحق بها لأن خالتها زوجتي ، فأخذها زكريا ، وضمها إلى إيساع (٤)(٥) خالتها (٦) ، فلما كبرت (٧) مريم ، بنى لها زكريا غرفة في المسجد ، وانقطعت في تلك الغرفة للعبادة : وكان لا يدخل على مريم غير زكريا فقط ، قال الله تعالى : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) ـ فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف ـ (قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٣٧) (٨).

وأرسل الله جبريل فنفخ في جيب مريم فحملت بعيسى ، وولدته في بيت لحم ، وهي قرية قريبة من القدس (٩) سنة أربع وثلاثمائة لغلبة الإسكندر (١٠). وبين مولد سيدنا عيسى ، عليه‌السلام ، والهجرة الشريفة النبوية المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام (١١) ، ستمائة وإحدى وثلاثون سنة ، وقد مضى من الهجرة [٣٨ / ب] / / الشريفة إلى عصرنا هذا تسعمائة سنة ، فيكون الماضي من مولد المسيح إلى آخر سنة تسعمائة من الهجرة الشريفة ألفا وخمسمائة وإحدى وثلاثين سنة.

ولما جاءت مريم بعيسى تحمله قال لها قومها : (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا)(١٢) ، وأخذوا الحجارة ليرجموها ، فتكلم عيسى وهو في المهد معلقا في منكبها ، فقال :

__________________

(١) حامل أ ج د ه : حاملة ب.

(٢) ومعناه أ ج ه : ومعناها ب ج.

(٣) آل عمران : [٣٦].

(٤) يذكر ابن كثير أن اسمها : أشياع ، ينظر : ابن كثير ، قصص ٤٨٧.

(٥) إيساع أ ب ج د ه : أشياع ابن كثير.

(٦) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٣١ ؛ الطبري ، تاريخ ١ / ٥٨٥ ؛ الثعلبي ٢١٣ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٧٠ ؛ ابن كثير ، قصص ٤٨٦ ؛ القرماني ١ / ٢٠٤.

(٧) فلما كبرت أ ج د ه : ولما كبرت ب.

(٨) آل عمران : [٣٧].

(٩) القدس أ ج ه : بيت المقدس ب د / / وثلاثمائة أ ج ه : وثمانمائة ب د.

(١٠) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٣١ ؛ الطبري ، تاريخ ١ / ٥٨٥ ؛ الثعلبي ٢١٣ ـ ٢١٤ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٧٥ ؛ ابن كثير ، قصص ٤٩٥ ؛ القرماني ١ / ٢١٣.

(١١) وأتم السلام أ ه : والسلام ب د : ـ ج.

(١٢) مريم : [٢٧].


(قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ)(١)(٢) ، فلما سمعوا كلام ابنها تركوها.

ثم إن مريم أخذت عيسى وسارت به إلى مصر ، وسار معها ابن عمها (٣) يوسف بن يعقوب بن ماثان النجار (٤) ، وكان حكيما ، ويزعم بعضهم : إن يوسف المذكور قد تزوج بمريم لكنه لم يقربها ، وهو أول من أنكر حملها ، ثم علم وتحقق براءتها ، وسار معها إلى مصر ، وأقاما (٥) هناك اثنتي عشرة سنة. ثم عاد عيسى وأمه إلى الشام ونزلا الناصرة (٦) وبها سميت النصارى ، وأقام بها عيسى حتى بلغ ثلاثين سنة. فأوحى الله تعالى (٧) إليه ، وأرسله إلى الناس ، وسار إلى الأردن وهو نهر الغور المسمى بالشريعة ، فاعتمد (٨) وابتدأ بالدعوة ، وكان يحيى بن زكريا هو الذي عمده كما تقدم ، وكان ذلك لستة أيام خلت (٩) من كانون الثاني لمضي سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة للإسكندر ، وأظهر عيسى ، عليه‌السلام ، المعجزات (١٠) وأحيا ميتا يقال له : عازر ، بعد ثلاثة أيام من موته ، وجعل من الطين طائرا ، قيل : هو الخفاش ، وأبرأ الأكمه والأبرص ، وكان يمشي على الماء ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

نزول المائدة

(١١) وأنزل الله تعالى (١٢) عليه المائدة ، وأوحى الله إليه الإنجيل ، وكان عيسى ، عليه‌السلام ، يلبس الصوف والشعر ويأكل من نبات الأرض ، وربما تقوت من غزل أمه.

__________________

(١) مريم : [٣٠ ـ ٣١].

(٢) وأوصاني بالصلاة والزكاة ب د : ـ أ ج ه.

(٣) ابن عمها أ ب ج د : ابن عمتها ه.

(٤) ينظر : إنجيل متى ، الإصحاح الأول ٣ ـ ٤.

(٥) وأقاما ب : وأقام أ ج د ه.

(٦) الناصرة : مدينة بينها وبين طبرية ثلاثة عشر ميلا ، منها اشتق اسم النصارى لأن المسيح سكنها فنسب إليها ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٥ / ٢٩١ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٣٤٨ ؛ الحميري ٥٧١ ؛ الدباغ ٧ / ٣٤ ؛ شراب ٧٠٢.

(٧) تعالى : أ ج د ه : ـ ب.

(٨) اعتمد : اغتسل بماء المعمودية وهو ماء نهر الأردن ، ينظر : المعجم الوسيط ٢ / ٦٤٩.

(٩) خلت أ ج د ه : مضت ب.

(١٠) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٥٩٧ ؛ المسعودي ١ / ٦٤ ؛ الثعلبي ٢٢٠ ؛ القرماني ١ / ٢١٧.

(١١) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٨٠ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ٨٦.

(١٢) تعالى أ ج د ه : ـ ب / / وأوحى الله أ ه : وأوحى إليه ب د : وأوحى إليه ج.


وكان الحواريون الذين اتبعوه اثني عشر رجلا وهم : شمعون ، الصفا ، وبطرس وأخوه أندراوس ، ويعقوب بن ريردي ، وفيلبس ، وبرطولومادس ، وأندريوس ، ومرقص ، ويوحنا ، ولوقا ، وتوما ، ومتى ، وهؤلاء الذين سألوه نزول المائدة (١) ، فلما سألوه ذلك قام عيسى ، فألقى الصوف عنه ولبس الشعر ووضع يمينه على شماله ووضعهما على صدره وصف بين قدميه وألصق الكعب بالكعب والإبهام بالإبهام وخفض رأسه (٢) خاشعا ، ثم أرسل عينيه بالبكاء حتى سألت الدموع على لحيته وجعلت تقطر على صدره ، وقال : (اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا) ـ أي تكون عطية منك لنا وعلامة بيننا وبينك وارزقنا عليها طعاما نأكله ـ (وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (١١٤) (٣). فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين ، غمامة فوقها وغمامة تحتها وهم ينظرون إليها تهوي منقضة في الهواء ، وعيسى ، عليه‌السلام ، يبكي ويقول : إلهي اجعلنا (٤) لك من الشاكرين ، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا ، إلهي (٥) كم أسألك من العجائب فتعطيني. إلهي أعوذ بك أن يكون إنزالها غضبا ورجزا ، اللهم اجعلها عافية وسلاما (٦) ولا تجعلها فتنة ولا مثلة. حتى استقرت بين يدي (٧) عيسى ، عليه‌السلام ، والناس حوله يجدون ريحا طيبة لم يجدوا مثلها ، وخر عيسى (٨) ساجدا لله تعالى ، وخر الحواريون معه.

قال الحواريون : يا روح الله وكلمته لو أريتنا اليوم آية من هذه السمكة؟ فقال عيسى ، عليه‌السلام : يا سمكة أحيي بإذن الله تعالى فاضطربت السمكة طربة تدور عيناها ، لها بصيص تتلمظ بفيها كما يتلمظ السبع وعاد عليها فلوسها (٩) ، ففزع القوم ، فقال عيسى : ما لكم تسألون الشيء إذا (١٠) أعطيتموه كرهتموه ، فما أخوفني أن تعذبوا بهذه السمكة. ثم قال : عودي كما كنت بإذن الله

__________________

(١) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٨ ابن كثير ، البداية ٢ / ٨٦.

(٢) رأسه أ ب ج د : برأسه ه.

(٣) المائدة : [١١٤].

(٤) إلهي اجعلنا أ ج ه : اللهم اجعلنا ي د.

(٥) إلهي أ ج ه : اللهم ب د.

(٦) وسلاما أ : وسلامة ب ج د ه.

(٧) يدي أ ج ه : يديه د : ـ ب / / ريحا أ ج : رائحة ب د ه.

(٨) عيسى أ ج د ه : + عليه‌السلام ب.

(٩) ينظر : ابن كثير ، تفسير ٢ / ١١٨.

(١٠) فلوسها ب ج د ه : فلوسا أ.


تعالى (١) ، فعادت مشوية على حالها ، قالوا : كن أنت يا روح الله أول من يأكل ثم نأكل بعدك ، قال عيسى : معاذ الله أن يأكل منها إلا من طلبها وسألها. ففرق الحواريون أن تكون إنما أنزلت (٢) سخطه فيها مثلة ، فلم يأكلوا منها.

ودعا لها عيسى ، عليه‌السلام ، أهل الفاقة (٣) والزمانة من العميان والمجذومين (٤) والبرصى والمقعدين وأصحاب الماء الأصفر والمجانين. فقال : كلوا من رزق الله هو ربكم ودعوة نبيكم فإنه رزق ربكم فتكون المهنأة لكم والبلاء لغيركم واذكروا اسم ربكم ، وكلوا (٥) ففعلوا.

وصدر عن تلك السمكة والأرغفة والرمانات والتمرات والبقول ألف وثلاثمائة من رجل وامرأة بين فقير جائع وزمن ومبتلى بآفة كلهم شبعان (٦) يتجشى (٧) ، فنظر عيسى فإذا ما عليها كهيئته حين نزل (٨) من السماء. ورفعت السفرة إلى السماء ، وهم ينظرون إليها.

واستغنى كل فقير أكل منها يومئذ ، فلم يزل غنيا حتى مات ، وبرىء كل زمن من زمانته فلم يزل بريئا حتى مات. وندم الحواريون وسائر الناس ممن أبى أن يأكل منها حسرة (٩) ، وشابت منها شعورهم ، وكانت إذا نزلت بعد ذلك أقبلوا إليها حبورا من كل مكان يركب بعضهم بعضا الأغنياء والفقراء والرجال والنساء ، فلما رأى عيسى ذلك جعلها نوبا بينهم.

وكانت تنزل غبا (١٠) يوما وتغيب ، يوما كناقة ثمود ترعى يوما وترد يوما ، فلبثت كذلك أربعين صباحا تغيب يوما وتنزل يوما ، حتى إذا فاء الفيء طارت صعدا ينظرون إليها وإلى ظلها في الأرض حتى توارت عنهم ، فأوحى الله إلى عيسى : أن اجعل مائدتي رزقا لليتامى والزمنى دون الأغنياء من الإنس ، فلما فعل ذلك (١١)

__________________

(١) إذا أ : فإذا ب ج ه : ـ د.

(٢) أنزلت أ ج ه : نزلت ب : ـ د.

(٣) أهل الفاقة أ ج ه : بأهل الفاقة ب : ـ د.

(٤) ينظر : الثعلبي ٢٢٤ ؛ ابن كثير ، قصص ٥٢٥.

(٥) وكلوا أ ج ه : + من رزق ربكم ب : ـ د.

(٦) كلهم شبعان أ ب ج د : وبات كل منهم شبعان ه.

(٧) في تفسير : ابن كثير يتجشأ ٢ / ١١٨.

(٨) حين نزل أ ب ج د : حين نزوله ه.

(٩) ينظر : ابن كثير ، تفسير ٢ / ١١٨.

(١٠) غبا أ ج ه : + تنزل ب : ـ د / / كناقة ثمود أ ب ج د : كناقة ثمود وصالح ه.

(١١) ذلك أ ج د ه : ـ ب.


بهم ، عظم ذلك على الأغنياء (١) وأذاعوا القبيح حتى شكوا وشككوا فيه الناس ، فوقعت فيه الفتنة في قلوب المرتدين ، قال قائلهم : يا روح الله وكلمته إن المائدة لحق أنها تنزل من عند الله ، قال عيسى : ويحكم هلكتم إن لم يرحمكم الله.

فأوحى الله إلى عيسى : إني آخذ بشرطي (٢) من المكذبين قد اشترطت عليهم إني معذب من كفر منهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين بعد نزولها ، قال عيسى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١١٨) (٣) فمسخ الله منهم ثلاثمائة وثلاثين خنازير (٤) من ليلتهم ، فأصبحوا يأكلون القذرات في الحشوش ، ويتبعون ما في الكناسة والطرق ، وكانوا قد باتوا أول الليل على فرشهم (٥) عند نسائهم في ديارهم بأحسن صورة ، وأوسع رزق ، فأصبح الناس يفرون إلى عيسى فزعا وخوفا من عقوبة الله تعالى ، وعيسى يبكي عليهم ويبكون معه عليهم.

وجاءت الخنازير بين يديه تسعى إليه حين أبصرته (٦) ينظرون إليه ، ويمشون (٧) ويشمون ريحه ويسجدون له وأعينهم تسيل دموعا لا يستطيعون الكلام ، ثم قام عيسى يناديهم بأسمائهم فيقول : يا فلان فيقول برأسه نعم ، يا فلان ابن فلان ، قد كنت خوفتكم عذاب الله وعقوبته ، وكأني (٨) قد كنت أنظر إليكم ممثلا بكم في غير صوركم.

قال الله تعالى لمحمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ)(٩) ، وقال الله تعالى : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ) [٣٩ / ب] (داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) (٧٨) (١٠).

فسأل عيسى ، عليه‌السلام ، ربه أن يميتهم (١١) ، فأماتهم بعد ثلاثة أيام ، فما

__________________

(١) ينظر : ابن كثير ، تفسير ٢ / ١١٩.

(٢) بشرطي ب ج ه : بشرط أ : ـ د.

(٣) المائدة : ١١٨.

(٤) ينظر : الثعلبي ٢٢٤ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٨١ ؛ ابن كثير ، تفسير ٢ / ١١٩.

(٥) فرشهم أ ج ه : فراشهم ب : ـ د.

(٦) حين أبصرته أ ج د ه : حتى أبصرته ب.

(٧) ويمشون أ ج : ـ ب د ه / / ريحه أ ج ه : رائحته ب : ـ د / / دموعا أ ب : بالدموع ج : من الدموع ه : ـ د.

(٨) وكأني أ ب : فكأني ج ه : ـ د.

(٩) الرعد : [٦].

(١٠) المائدة : [٧٨].

(١١) يميتهم ب ج ه : يمتهم أ : ـ د.


رأى (١) أحد من الناس منهم جيفة في الأرض ، والله أعلم (٢) ، ونسأله العافية.

ذكر صعود عيسى (٣) عليه‌السلام إلى السماء (٤)

ولما أعلم الله سبحانه وتعالى ، المسيح أنه خارج من الدنيا ، جزع من ذلك ، ودعا الحواريين (٥) ، فصنع لهم طعاما وقال : أحضروني الليلة فإن لي إليكم حاجة. فلما اجتمعوا بالليل عشاهم وقام يخدمهم ، فلما فرغوا (٦) من الطعام أخذ يغسل أيديهم ويمسحها بثيابه ، فتعاظموا ذلك. فقال : من رد عليّ شيئا مما أصنع فليس مني. فتركوه (٧) حتى فرغ ، فقال لهم : إنما فعلت هذا اليوم ليكون أسوة بي (٨) في خدمة بعضكم بعضا. وأما حاجتي إليكم فإن تجتهدوا في الدعاء إلى الله تعالى ، أن يؤخر أجلي.

فلما أرادوا ذلك ألقى الله عليهم النوم حتى لم يستطيعوا الدعاء ، وجعل المسيح يوقظهم وينبههم ، فلم يزدادوا (٩) إلا نوما وتكاسلا ، وأعلموه أنهم مغلوبون على ذلك ، فقال المسيح : سبحان الله يذهب بالراعي وتتفرق الغنم. ثم قال لهم : الحق أقول لكم ليكفرن (١٠) بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ، وليبغي أحدكم بدراهم يسيرة ويأكل ثمني (١١).

وكان اليهود قد جدوا في طلبه ، فحضر بعض (١٢) الحواريين إلى هرودوس (١٣) الحاكم على اليهود وإلى جماعة من اليهود وقال : ما تجعلون لي إذا دللتم على المسيح ، فجعلوا له ثلاثين درهما ، فأخذها ودلهم عليه. فرفع الله

__________________

(١) فما رأى أ ج هت : فما وارى ب : ـ د / / والله أعلم ونسأله العافية أ ه : فسأل الله تعالى العافية في ذلك والله أعلم ب : والله أعلم ج : ـ د.

(٢) هذا الخبر قال عنه ابن كثير أنه غريب جدا ، ينظر : ابن كثير ، تفسير ٢ / ١١٩.

(٣) صعود عيسى أ ج ه : صعود سيدنا عيسى ب د.

(٤) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٦٠٢ ؛ الثعلبي ٢٢٥ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٨١ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ٩١ ؛ ابن كثير ، قصص ٥٣٢ ؛ القرماني ١ / ٢٢٠.

(٥) ودعا الحواريين فصنع أ ه : فدعا الحواريين ووضع لهم ب د : فدعا الحواريين وصنع لهم ج.

(٦) فلما فرغوا أ ج د ه : فلما فرغ ب.

(٧) فتركوه حتى فرغ أ ج ه : فتركوه فلما فرغ ب د / / فقال لهم أ ج ه : قال لهم ب د.

(٨) في ب ج د ه : لي أ.

(٩) فلم يزدادوا أ ه : فلا يزدادون ب ج د.

(١٠) ليكفرن بي ب ج د ه : يكفرون في أ.

(١١) ويأكل ثمني أ ج د : وكلن ثماني أ : ويأكلن ه.

(١٢) بعض : هنا تأتي بمعنى أحد الحواريين كما وردت في تاريخ ابن كثير ٢ / ٩٤.

(١٣) هرودوس أ ه : هردوس ب ج د.


تعالى (١) المسيح إليه وألقى شبهه على الذي دلهم عليه. فإن اليهود لما قصدوه أظلمت الدنيا حتى صارت كالليل ، وأظلمت الشمس ، وظهرت الكواكب ، وانشقت الصخور (٢) ، فلذلك لم يتحققوا المشبه به من شدة الظلمة وحصول الإرجاف (٣).

وقد اختلف العلماء في موته قبل رفعه ، فقيل : رفع ولم يمت ، وقيل : بل توفاه الله ثلاث ساعات ، وقيل : سبع ساعات (٤) ، ثم أحياه (٥) ، وتأوّل قائل هذا قوله تعالى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ)(٦).

ولما أمسك اليهود الشخص المشبه به ربطوه وجعلوا يقودونه بحبل ويقولون : أنت كنت تحيي الموتى أفلا تخلص نفسك من هذا الحبل ، ويقبضون يديه (٧) ، ويبصقون في وجه ، ويلقون عليه الشوك ، فصلبوه على الخشب. فمكث عليه ست ساعات ، ثم استوهبه يوسف النجار من الحاكم الذي على اليهود ، وكان اسمه فيلاطوس (٨) ، ولقبه هرودوس (٩) ، ودفنه في قبر ، كان يوسف المذكور قد أعده لنفسه.

وأنزل الله المسيح من السماء إلى أمه مريم وهي تبكي عليه ، فقال لها : إن الله رفعني إليه ولم يصبني إلا الخير ، وأمرها فجمعت له الحواريين ، فبثهم في الأرض رسلا عن الله ، وأمرهم (١٠) أن يبلغوا عنه ما أمره الله به ، ثم رفعه الله به ، وتفرق الحواريون حيث أمرهم.

وكان رفع المسيح لمضي ثلاثمائة وست وثلاثين سنة من غلبة الإسكندر على دارا (١١)(١٢) ، ثم إن أربعة من الحواريين وهم : متّى وثلاثة معه اجتمعوا وجمع كل واحد منهم إنجيلا. وخاتمة إنجيل متى أن المسيح قال : إني أرسلتكم إلى

__________________

(١) تعالى أ ج د ه : ـ ب.

(٢) ينظر : ابن كثير ، البداية ٢ / ٩٤.

(٣) الإرجاف ب ج ه : الإخافة أ : الارتجاف د.

(٤) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٨٣.

(٥) أحياه أ : + الله ب ج د ه.

(٦) آل عمران : [٥٥].

(٧) ويقبضون يديه ب : ـ أ ج د ه / / فصلبوه أ ج د : وصلبوه ب ه.

(٨) كان الحاكم يسمى طيباريوس ، أما فيلاطوس فهو القاضي المندوب عن القيصر ، وكان حكم طيباريوس ثلاثا وعشرين سنة ، ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٦٠٥ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٨٣.

(٩) هرودرس أ ه : هردوس ب ج د.

(١٠) أمره الله ب ج د ه : أمر الله أ.

(١١) هي الهزيمة التي ألحقها الإسكندر المكدوني بالملك دارا بن دارا بن بهمن الملك الفارسي ، ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٥٧٦.

(١٢) دارا أ ج هت : دارهم ب د / / وثلاثة أ ج هت : وثلاث ب : ـ د.


جميع (١) الأمم ، كما أرسلني ربي إليكم ، فاذهبوا وادعوا الأمم باسم الأب والابن وروح القدس (٢) ، وكان بين رفع المسيح ومولد النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خمسمائة وخمس وأربعون سنة تقريبا.

وعاش المسيح إلى أن رفع ثلاثا وثلاثين سنة ، وبين رفعه والهجرة الشريفة خمسمائة وثمان وتسعون سنة ، وقد مضى من الهجرة الشريفة إلى عصرنا تسعمائة سنة ، فيكون الماضي (٣) من رفعه إلى آخر سنة تسعمائة من الهجرة الشريفة ألفا وأربعمائة وثمان وتسعين سنة.

ونزل عليه جبريل عشر مرات. وأمته النصارى على اختلافهم ، وأما أمه مريم فإنها عاشت نحو ثلاث وخمسين سنة. لأنها حملت به لما صار لها من العمر ثلاثة عشر سنة ، وعاشت معه مجتمعة ثلاثا وثلاثين سنة (٤) ، وبقيت بعد رفعه ست سنين (٥) ، والله أعلم. ويأتي ذكر قبرها فيما بعد إن شاء الله تعالى ، وكان رفع عيسى (٦) ، عليه‌السلام ، من طور زيتا ـ جبل شرقي بيت المقدس ـ.

وروي أنه دعا وقت رفعه الله (٧) تعالى بهذا الدعاء / / وهو دعاء مستجاب : [٤٠ / أ] اللهم أنت القريب في علوك المتعالي في دنوك ، الرفيع على كل شيء من خلقك ، الذي نفذ بصرك في خلقك ، وحسرت الأبصار دون النظر إليك ، وغشيت دونك ، وسبح لك الفلق في النور ، وأنت الذي جليت الظلم في النور فتباركت اللهم أنت خالق الخلق بقدرتك ، مقدر الأمور بحكمتك ، مبدع الخلق بعظمتك ، القاضي في كل شيء بعلمك ، الذي خلقت سبعا طباقا في الهواء بكلماتك ، مستويات الطباق مذعنات لطاعتك ، سماعين لعلو سلطانك ، فأجبن وهن دخان من خوفك فأتين طائعين لأمورك فيهن الملائكة يسبحونك ويقدسونك ، وجعلت فيهن نورا يجلو الظلام ، وضياء أضوأ من الشمس ، وجعلت فيهن مصابيحا يهتدي بها في ظلمات البر والبحر ، ورجوما للشياطين ، فتباركت اللهم في مفطور سماواتك. وفيما دحوت (٨) من الأرض ودحوتها على الماء ، فأذلك لها الماء الطاهر فذل لطاعتك ،

__________________

(١) جميع أ ه ؛ ـ ب ج د / / ربي أ ب ج د : الله ه.

(٢) ينظر : إنجيل متى ، الإصحاح ٢٨ ، ص ٥٥.

(٣) فيكون الماضي ... الهجرة الشريفة ب ج د ه : ـ أ.

(٤) ثلاثين سنة أ : ثلاثة عشر سنة ب ج د ه / / ثلاثين سنة أ ج د ه : + ورفع ب.

(٥) ينظر : الثعلبي ٢٢٦.

(٦) رفع عيسى أ ه : رفع المسيح ب ج : رفع سيدنا عيسى د.

(٧) الله أ ج د ه : ـ ب / / بهذا الدعاء ب ج د ه : بهذه الدعوات أ.

(٨) وفيما دحوت أ ج ه : وفيما دحيت ب د.


وأذعن لأمرك ، وخضع لقوتك (١) أمواج البحار ، ففجرت فيها بعد البحار الأنهار ، وبعد الأنهار العيون الغزار والينابيع ، ثم أخرجت منها الأشجار بالثمار (٢) ، ثم جعلت على ظهرها الجبال أوتادا فأطاعتك أطوادها ، فتبارك اللهم صفاتك ، ومن يبلغ صفة قدرتك ومن ينعت بنعتك ، ومن بعد تنزل الغيث (٣) ، وتنشىء السحاب ، وتفك الرقاب ، وتقضي الحق وأنت خير الفاصلين لا إله إلا أنت وإنما يخشى الله من عباده العلماء (٤) ، وأشهد أنك لست بإله استحدثناك (٥) ، وأشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت جل ثناؤك ولا رب لنا سواك نذكره ، ولا كان لك شركاء يقضون معك فندعوهم وندعك ، ولا أعانك أحد على خلقك فنشك فيك أشهد أنك أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له (٦) كفوا أحد ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، اجعل لي من أمري فرجا ومخرجا ، فلما أتم (٧) دعاءه رفعه الله إليه ، ولما ماتت أمه مريم ، عليها‌السلام ، دفنت بالكنيسة المعروفة بالجيسمانية (٨) خارج باب الأسباط في ذيل جبل طور زيتا ، وهو مكان مشهور يقصده الناس للزيارة من المسلمين والنصارى ، واستمر (٩) بيت المقدس عامرا بعد رفع المسيح أربعين سنة ، فيكون لبثه على عمارة بيت المقدس (١٠) الثانية التي عمرها كورش سبعمائة وإحدى وعشرين سنة (١١).

ذكر خراب بيت المقدس الخراب الثاني

وهلاك اليهود (١٢) وزوال دولتهم زوالا لا رجوع بعده

لما جرى ما تقدم شرحه من رفع المسيح إلى السماء استمرت بيت المقدس بعده عامرا بعده أربعين سنة ، وتولى على بني إسرائيل جماعة من الملوك واحدا بعد

__________________

(١) وخضع لقوتك ب د ه : وخضع لقولك أ ج.

(٢) بالثمار أ ب ج د : الثمار ه.

(٣) ومن بعد تنزل الغيث أ ج د ه : ـ ب.

(٤) إنما يخشى الله من عباده أ : إنما يخشاك من عبادك العلماء ب ج د ه.

(٥) وأشهد أنك لست بإله استحدثناك ب ج د ه : ـ أ / / وأشهد أنك ... ثناؤك أ ج د ه : ـ ب / / أنت الله ... جل ثناؤك أ : ـ ب ج د ه.

(٦) ولم يكن له أ د ه : ولم يكن لك ب ج / / ولم يتخذ أ ه : ولم تتخذ ب ج د.

(٧) أتم ب : تم أ ج د ه.

(٨) ينظر : السيوطي ، إتحاف ٢ / ١٨.

(٩) استمر بيت المقدس ب ج : استمرت بيت المقدس أ د ه / / عامرا بعد رفع المسيح أ ه : عامرا بعد رفع عيسى ب : عامرة بعد رفع عيسى ج : عامرة بعد رفع سيدنا عيسى د.

(١٠) عمارة بيت المقدس الثانية أ ه : عمارته الثانية ب ج د.

(١١) سنة أ ج د ه : + والله سبحانه وتعالى أعلم ب.

(١٢) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٦٠٦ ؛ المسعودي ١ / ٣١٢ ـ ٣١٣ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٨٤.


واحد إلى أن ملك طيطوس (١)(٢) الرومي ، وكان محل ملكه مدينة روما من بلاد الفرنج ففي السنة الأولى من ملكه ، قصد بيت المقدس ، وأوقع باليهود ، فقتلهم (٣) وأسرهم عن آخرهم إلا من اختفى ، ونهب القدس وخربه ، وأحرق الهيكل وأحرق كتبهم ، وأخلى (٤) القدس من بني إسرائيل : (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ)(٥) ، ولم يعد لهم بعد ذلك رئاسة ولا حكم.

وكان ذلك بعد رفع المسيح بنحو أربعين سنة كما تقدم وهو لمضي ثلاثمائة وست وسبعين سنة من غلبة الإسكندر ولثمانمائة وإحدى عشرة سنة مضت لابتداء ملك بخت نصر. وهذه المرة التي ذكرها الله تعالى في القرآن العظيم (٦) ، فقال : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ)(٧) من إفسادكم وذلك قصدهم قتل عيسى ، عليه‌السلام ، حين رفع ، وقتلهم يحيى ، عليه‌السلام ، فسلط الله (٨) عليهم الفرس والروم وخردوش وطيطوش حتى قتلوهم وسبوهم ونفوهم عن ديارهم فذلك قوله تعالى : (لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ) ـ بإدخال الهم والغم والحزن ـ (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (٧) عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ)(٩) ، بعد انتقامه منكم فيرد الدولة إليكم وإن عدتم إلى المعصية عدنا إلى العقوبة. قال قتادة : فعادوا ، فبعث الله محمدا ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهم يعطون / / الجزية عن يد وهم صاغرون. وبين مدة التخريب (١٠) [٤٠ / ب] الثاني والهجرة الشريفة خمسمائة وثمان وخمسون سنة بالتقريب ، فيكون الماضي من خراب بيت المقدس الثاني إلى آخر سنة تسعمائة هجرية (١١) ألفا وأربعمائة وثمان وخمسين سنة بالتقريب وهو تاريخ تشتت اليهود إلى البلاد (١٢) ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) ينظر : الطبري ، تاريخ ١ / ٦٠٦ ؛ المسعودي ١ / ٣١٣ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٨٤.

(٢) طيطوس ب ج د : طيطوش أ ه.

(٣) فقتلهم أ ه : وقتلهم ب ج : وقتل د / / ونهب القدس وخربه أ ه : وخرب بيت المقدس ونهبه ب : ونهب بيت المقدس وخربه ج : ـ د.

(٤) وأخلى ب د : وجلى أ : وخلى ج ه.

(٥) يونس : [٢٤].

(٦) في القرآن العظيم فقال أ : ـ ب ج د ه.

(٧) الإسراء : [٧].

(٨) فسلط الله أ ب ج د : تسلط الله ه.

(٩) الإسراء : [٧].

(١٠) وبين مدة التخريب أ : وبين هذا التخريب ب ج ه : ـ د.

(١١) هجرية أ ه : من الهجرة الشريفة ب ج : ـ د.

(١٢) إلى البلاد أ ج ه : في البلاد ب : ـ د.


ذكر عمارة بيت المقدس الشريف المرة الثالثة (١)

لما جرى ما ذكر (٢) من تخريب طيطوس بيت المقدس وما فعله في اليهود تراجع إلى العمارة قليلا (٣) وترمم شعثه واستمر عامرا حتى سارت هيلانة (٤) أم قسطنطين (٥) المظفر إلى القدس وابنها قسطنس ، كان ملكا في رومية (٦) ، ثم انتقل منها إلى قسطنطينية وبنى سورها وتنصر ، وكان اسمخا بزنطية فسماها القسطنطينية (٧).

وزعمت النصارى أنه بعد ست سنين خلت من ملكه ظهر له في السماء شبه الصليب فأمر بالنصرانية ، وكان قبل ذلك هو ومن تقدمه على دين الصابئة (٨) يعبدون أصناما على أسماء الكواكب السبعة ، ولمضي عشرين سنة من ملك قسطنطين المذكور اجتمع ألفان وثمانمائة وأربعون أسقفا ، ثم اختار منهم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا ، فحرموا آريوس (٩)(١٠) الإسكندري لكونه يقول إن المسيح كان مخلوقا ، واتفق (١١) الأساقفة المذكورون لدى قسطنطين ووضعوا شرائع النصرانية بعد أن لم تكن ، وكان رئيس هذه البطارقة (١٢) بطريق الإسكندرية ومن هنا كان أصل النصرانية في الروم.

__________________

(١) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٨٩.

(٢) لما جرى ما ذكر ب ج ه : ـ أ د / / طيطوس ب ج : طيطوش أ ه : ـ د.

(٣) قليلا أ : قليلا قليلا ب ج د ه.

(٤) هيلانة : والدة الامبراطور قسطنس وكان أبوه قد سباها من الرها فولدت قسطنطين وهي التي بنت كنيسة القيامة ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٨٩ ؛ بور شارد ١٣٧ ؛ العارف ، المفصل ٥١٧.

(٥) قسطنطين بن قسطنس كان ملكه ثلاثا وثلاثين سنة وهو الذي تنصر من ملوك الروم وقاتل عليها حتى قبلها الناس ، ينظر : ابن الأثير ١ / ١٨٩ ؛ عاشور ، أوروبا ١٧ ـ ٢١.

(٦) رومية : مدنية رئاسة الروم وعلمهم ، وهي من عجائب الدنيا بناء وسعة وكثيرة خلق ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢١٠ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٦٤٢ ؛ الحميري ٢٧٤.

(٧) القسطنطينية : ويقال قسطنطينية بإسقاط ياء النسبة ، وكان اسمها بيزنطية فنزلها قسطنطين الأكبر وبنى عليها سورا ، واسمها الآن اسطنبول ، وهي على الخليج الآخذ من البحر الأسود إلى بحر الروم ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٨٩ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٢١٣ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٠٩٢ ؛ الحميري ٤٨١.

(٨) الصابئة : وهي فرقة أحدثها رجل اسمه بوراسف ، تعتقد بأن الكواكب لها السيطرة على حياة الإنسان وبدورانها يتم ما يكون في العالم من الآثار ، ينظر : المسعودي ١ / ٢٢٢ ؛ الشهرستاني ١ / ٢٣٠.

(٩) أريوس الإسكندري : أسقف الإسكندرية الذي ذهب إلى أن عيسى بن مريم عبد الله ورسوله واتبعه على هذا طائفة من النصارى نسبت إليه ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٨٩ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ١٥٠.

(١٠) أريوس أ ج ه : أريثوس ب د.

(١١) واتفق أ ج ه : واتفقت ب : ـ د.

(١٢) رئيس هذه البطاقة أ ب ج د : رأس هذه البطارقة ه.


وكان قبل ذلك في سنة إحدى عشرة خلت من ملكه سارت أمه هيلانة ، المتقدم ذكرها ، إلى القدس في طلب خشبة المسيح (١) التي تزعم النصارى أن المسيح صلب عليها ، ولما وصلت إلى القدس أخرجت خشبة الصليب ، وأقامت لذلك عيد الصليب ، وبنت كنيسة قمامة (٢) على القبر الذي تزعم النصارى أن عيسى دفن فيه (٣) ، وبنت المكان المقابل لقمامة (٤) المعروف (٥) يومئذ بالدركاه ، وكنيسة بيت لحم والكنيسة بطور زيتا بمصعد سيدنا عيسى ، عليه‌السلام (٦) ، وكنيسة الجيسمانية التي بها قبر مريم ، عليها‌السلام ، وغير ذلك ، وخربت هيكل بيت المقدس إلى الأرض وهو الذي كان في المسجد ، وأمرت أن يلقى في موضعه قمامات البلد وزبالته (٧) ، فصار موضع الصخرة الشريفة (٨) مزبلة.

وبقي الحال على ذلك حتى قدم عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، وفتح بيت المقدس الشريف (٩) على ما سنذكره عند ذكر الفتح العمري إن شاء الله تعالى. قال المشرّف عن كعب قال : كانت قبة صخرة بيت المقدس طولها في السماء اثني عشر ميلا (١٠) وكان أهل أريحا وعمواس يستظلون بظلها ، وكان عليها ياقوتة تضيء بالليل كضوء الشمس ، فإذا كان النهار طمس الله ضوءها ، فلم تزل كذلك حتى أتت الروم فغلبوا عليها. فلما صارت في أيديهم قالوا : تعالوا نبني عليها أفضل من البناء الذي كان عليها فبنوا عليها على قدر طولها في السماء وزخرفوه بالذهب والفضة. فلما فرغوا من البناء دخله سبعون ألفا من الرهبان (١١) وشمامسهم في أيديهم مجامر الذهب والفضة وأشركوا فيها فانقلبت عليهم فما خرج منهم أحد.

فلما رأى ملك الروم ذلك جمع البطارقة والشمامسة ورؤساء الروم فقال لهم :

__________________

(١) المسيح أ ج ه : عيسى عليه‌السلام ب : شبيهه المسيح د.

(٢) هي كنيسة القيامة ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ، ١ / ١٨٩.

(٣) ينظر : المسعودي ١ / ٣١٧ ، ابن الأثير ، الكامل ١ / ١٨٩.

(٤) لقمامة أ ج د ه : للقمامة ب.

(٥) المعروف ب ج د ه : المعروفة أ / / بالدركاه ب ج د ه : الزردكانه أ.

(٦) عليه‌السلام ب ج د ه : ـ أ.

(٧) وزبالته أ ب د : زبالاتها ج ه.

(٨) الشريفة ب : ـ أ ج د ه.

(٩) الشريف ب : ـ أ ج د ه.

(١٠) هذا العلو للسماء من المستحيلات في هذا العصر وهذا القول ينفيه ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد ، ينظر : ابن عبد ربه ، العقد ٦ / ٢٦٣.

(١١) الرهبان أ : رهبانهم ب ج د ه.


ما ترون؟ قالوا : نرى أنا لم نرض إلهنا ، فلذلك (١) لم يقبل بناءه ، قال : فأمر (٢) به الثانية فبنوها وأضعفوا فيها النفقة ودخلوها سبعين ألفا مثل ما دخلوا أول مرة ، ففعلوا كفعلهم. فلما أشركوا انقلبت عليهم. ولم يكن الملك معهم ، فلما رأى (٣) ذلك جمعهم ثالثة وقال لهم : ما ترون؟ قالوا : لم نرض ربنا كما ينبغي فلذلك خربت ونحب أن تبنى ثالثة ، فبنوا الثالثة حتى إذا رأوا أنهم قد أتقنوها وفرغوا منها جمع النصارى وقال : هل ترون من العيب شيئا؟ قالوا : لا ، فكلها بصليب الذهب والفضة ، ثم دخلها قوم قد اغتسلوا وتطيبوا ، فلما دخلوا أشركوا كما أشرك أصحابهم فخرت عليهم ثالثة ، فجمعهم ملكهم رابعة واستشارهم ، وكثر خوضهم في ذلك.

فبينما هم على ذلك إذ أقبل عليهم شيخ كبير عليه برانس سود وعمامة سوداء قد انحنى ظهره يتوكأ على عصا (٤) وقال : يا معشر النصارى إلىّ فإني أكبركم سنا وقد خرجت من متعبدي لأخبركم الموضع الذي بنوا فيه كنيسة القمامة ـ وأنا أريكم الموضع إن هذا المكان قد لعن أصحابه وأن القدس قد نزع وتحول إلى هذا الموضع ـ وأشار إلى الموضع الذي بنوا فيه كنيسة القمامة وأنا أريكم الموضع ولستم تروني بعد هذا اليوم أبدا اقبلوا (٥) مني ما أقول لكم وأغواهم وزادهم طغيانا [٤١ / أ] وأمرهم / / أن يقلعوا الصخرة ويبنوا بحجارتها الموضع الذي أمرهم به ، فبينما هو يكلمهم ويقول لهم ذلك إذ خفي فلم يروه وازدادوا كفرا وقالوا فيه قولا عظيما ، فخربوا المسجد (٦) ، وحملوا العمد وغيرها وبنوا بها كنيستهم الكنيسة التي في وادي جهنم (٧). وقال لهم : إذا فرغتم من هذه فأفرغوه واتخذوه مزبلة لعذراتكم. ففعلوا ذلك حتى كانت المرأة الحائض (٨) تطرح خرق حيضها عليه من القسطنطينية.

واكبوا على ذلك حتى بعث الله محمدا ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأسري به إليها (٩) وذكر فضلها. حكى ذلك صاحب (مثير الغرام) وقال (١٠) : وقد تقدم إن بخت نصر هو

__________________

(١) فلذلك لم يقبل بناءه ب ج د ه : فلذلك خربت أ.

(٢) قال فأمر ... ولم يكن الملك معهم ب ج د ه : أ.

(٣) فلما رأى ... فبنوا الثالثة ب ج د ه : أ / / ثالثة أ ج ه : الثالثة ب : ـ د.

(٤) عصا ب ج د ه : عصى أ.

(٥) اقبلوا أ ب : فاقبلوا ج ه : د.

(٦) فخربوا المسجد أ ج ه : فخربوا بيت المقدس ب : ـ د : فخربوا المسجد مثير الغرام.

(٧) وادي جهنم : الوادي الذي خارج أسوار مدينة القدس من جهة الشرق ، ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٤١٣.

(٨) الحائض أ : ـ ب ج د ه.

(٩) ذكر هذا الخبر بطوله السيوطي ، ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٣٠.

(١٠) ينظر : المقدسي ، مثير ١٥٢.


الذي خرب عمارة سليمان ، وهذا الذي رواه المشرف عن كعب الأحبار يقتضي أن الذي خرب عمارة سليمان وتغلب عليها إنما هم الروم ، وهذا غير مستقيم اللهم إلا أن نجعل ملك الفرس المتقدم الباني لها بعد تخريب بخت نصر بناء المكان على نعت بناء سليمان ، عليه‌السلام (١).

قصة الفيل (٢)

وهي أن الحبشة ملكوا اليمن بعد حمير (٣) ، فلما صار الملك إلى أبرهة (٤) منهم بنى كنيسة عظيمة وقصد أن يصرف حج العرب إليها ويبطل الكعبة الحرام. فجاء شخص من العرب وأحدث في تلك الكنيسة ، فغضب أبرهة لذلك وسار بجيشه ومعه الفيل ، وقد (٥) كان معه ثلاثة عشر فيلا لهدم الكعبة. فلما وصل إلى الطائف (٦) بعث الأسود بن مقصود إلى مكة (٧) فساق أموالها (٨) وأحضرها إلى أبرهة ، وأرسل أبرهة إلى قريش وقال لهم : لست أقصد الحرب بل جئت لأهدم الكعبة (٩).

فقال عبد المطلب : والله ما نريد حربه ، هذا بيت الله فإن منع عنه فهو بيته وحرمه ، وإن خلى بينه وبينه فو الله ما عندنا من دفع (١٠)(١١). ثم انطلق مع رسول أبرهة إليه. فلما استأذن عبد المطلب ، قالوا لأبرهة : هذا سيد قريش ، فأذن له أبرهة وأكرمه ونزل عن سريره وجلس معه وسأله عن حاجته ، فذكر عبد المطلب أباعره التي أخذت له فقال له أبرهة : إني كنت أظن أنك تطلب مني أن لا أخرب

__________________

(١) السلام أ ج ه : + والله سبحانه وتعالى أعلم ب : ـ د.

(٢) ينظر : القرآن الكريم ، سورة الفيل.

(٣) ينظر : ابن هشام ، سيرة ١ / ٣١ ؛ ابن حبيب ، المنمق ٧٠ ؛ ابن حبان ، السيرة ٣٤ ؛ العسكري ، الأوائل ١٨ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢٦٠ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ١٦٩.

(٤) أبرهة بن الأشرم : وتسمى الكنيسة بالقليس بناها في صنعاء ، ينظر : ابن هشام ١ / ٣٧ ؛ ابن حبيب ، المنمق ٧٠ ؛ ابن حيان ، السيرة ٣٤ ؛ العسكري ، الأوائل ١٨ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢٦٠ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ١٧٠.

(٥) وقد أ : وقيل ب ج ه : ـ د / / لهدم الكعبة ب ج ه : وقصد هدم الكعبة د.

(٦) الطائف : ناحية ذات نخيل وأعناب ومزارع وأودية وهي على ظهر جبل غزوان ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٩٥ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٧٧ ؛ الحميري ٣٧٩.

(٧) ينظر : ابن هشام ١ / ٤٣ ؛ الأزرقي ١٠٧ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ١٧١.

(٨) أموالها أ : أموال أهلها ب ج د ه / / وأرسل أبرهة إلى قريش أ ب ج د : ـ ه / / قال لهم أ ب : فقال لهم ج ه : يقول لهم د.

(٩) لأهدم الكعبة ب ج د ه : لهدم الكعبة أ.

(١٠) ينظر : ابن هشام ١ / ٤٣ ؛ ابن حبيب ، المنمق ٧٥ ؛ ابن حبان ، سيرة ٣٦ ؛ العسكري ، الأوائل ١٩ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢٦١ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ١٧٢.

(١١) من دفع أ ج : دافع ب ه : مدافع د.


الكعبة (١) التي هي دينك. فقال عبد المطلب : أنا رب الأباعر فأطلبها وللبيت رب يمنعه (٢) ، فأمر أبرهة برد الأباعر عليه ، فأخذها عبد المطلب وانصرف إلى قريش.

ولما قارب (٣) أبرهة مكة وتهيأ لدخولها بقي كلما أقبل فيله من مكة ينام ويرمي نفسه إلى الأرض ولم يسير ، فإذا قبلوه (٤) غير مكة قام يهرول ، وكان اسم الفيل محمودا (٥).

فبينما هم كذلك إذ أرسل الله عليهم طيرا أبابيل أمثال الخطاطيف (٦) مع كل طائر ثلاثة أحجار في منقاره ورجليه فقذفتهم بها ، وهي مثل الحمص والعدس ، فلم تصب منهم أحدا (٧) إلا هلك وليس كلهم أصابت (٨).

ثم أرسل الله تعالى سيلا فألقاهم في البحر والذي سلم منهم ولى هاربا مع أبرهة إلى اليمن يبتدر الطريق (٩) ، وصاروا يتساقطون بكل منهل وأصيب أبرهة في جسده ، وسقطت أعضاؤه ، ووصل إلى صنعاء كذلك ومات (١٠).

ولما جرى ذلك خرجت قريش إلى منازلهم وغنموا من أموالهم شيئا كثيرا ، فسبحان القادر على ما يشاء بعظمته (١١).

ذكر سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين وحبيب رب

العالمين محمد النبي (١٢) البشير النذير الداعي إلى الله بإذنه والسراج

المنير ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورضوانه على أصحابه أجمعين

هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن

__________________

(١) ينظر : ابن هشام ١ / ٤٣ ؛ ابن حبيب ، المنمق ٧٥ ؛ ابن حبان ، سيرة ٣٦.

(٢) أن لا أخرب أ ج ه : أني لا أخرب ب د.

(٣) ولما قارب أ ج ه : ولما قرب ب : ولما قدم د / / مكة ينام أ ب ج د : ـ ه.

(٤) قبلوه أ ب ج : وإذا وجهوه د ه.

(٥) ينظر : ابن هشام ١ / ٤٦ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢٦٢ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ١٧٣.

(٦) ينظر : ابن هشام ١ / ٤٧ ؛ والخطاطيف نوع من الطيور.

(٧) فلم تصب منهم أحد ب ج د ه : فلم يبق أحد منهم أ.

(٨) ينظر : ابن هشام ١ / ٤٧ ؛ ابن حبان ، السيرة ٣٨ ؛ ابن حبيب ، المنمق ٧٧ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ١٧٣.

(٩) يبتدر الطريق أ ج د ه : يستبدل الطريق ب.

(١٠) ينظر : ابن هشام ١ / ٢٤٨ ؛ ابن حبان ، السيرة ٣٩ ؛ ابن حبيب ، المنمق ٧٧ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ١٧٣.

(١١) فسبحان القادر على ما يشاء وبعظمته أ ج ه : والله أعلم ب د.

(١٢) محمد النبي أ ج هت : ـ ب د / / والسراج المنير ب ج د ه : وسراجا منيرا أ / / صلى الله عليه ... أجمعين أ : ـ ب ج د ه.


قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ، وفهر (١) المذكور هو قريش فكل من كان من ولده فهو قرشي ومن لم يكن من ولده فليس قرشيا ، وقيل : سمي قريشا لشدة شبهه بدابة من دواب البحر يقال لها : القرش تأكل دواب البحر وتقهرهم (٢).

وقيل : إن قصي بن كلاب لما استولى على البيت وجمع أشتات بني فهر ، سموا قريشا ، لأنه قرش بني فهر أي جمعهم حول الحرم فقيل لهم قريش (٣) وعلى يكون (٤) لفظ قريش اسما لبني فهر لا لفهر نفسه.

وفهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة (٥) بن إلياس / / بن [٤١ / ب] مضر بن نزار بن معد بن عدنان (٦) ، هذا هو النسب (٧) المتفق على صحته من غير خلاف.

وعدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، عليهما‌السلام ، من غير خلاف ولكن الخلاف في عدة الآباء الذين بين عدنان وإسماعيل ، فعد بعضهم بينهما نحو أربعين رجلا وعدّ (٨) بعضهم سبعة والمختار أن : عدنان بن أدد بن اليسع بن الهميسع (٩) بن سلاط بن بتت بن حمل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام (١٠) ، بن تارخ ، وهو آزر ، بن ناخور بن ساروع بن رعون (١١) بن فالغ بن عابر بن شالح بن قينان بن أفرشخذ بن سام بن نوح ، عليهما‌السلام ، بن لامخ ـ ويقال لامك ـ ابن متوشلح بن أخنوخ (١٢) ، وهو إدريس ، عليه‌السلام ، بن بارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم ، عليه‌السلام (١٣).

__________________

(١) وفهر أ ه : ففهر ب ج د / / فكل من كان أ ج ه : وكل من كان ب د.

(٢) ينظر : القلقشندي ، نهاية الأرب ٣٥٦.

(٣) ينظر : ابن هشام ١ / ٨٧ ؛ ابن حبيب ، المنمق ٢٨ ؛ القلقشندي ، نهاية الأرب ٣٥٧.

(٤) وعلى أ ج د : فعلى ب ه.

(٥) ابن مدركة ب ج د ه : بن مدرك أ.

(٦) ينظر : ابن حبان ، السيرة ٤٠ ؛ القرماني ١ / ٢٣٩.

(٧) النسب ب د : ـ أ ج ه.

(٨) وعد بعضهم ب ج د ه : وعند بعضهم أ.

(٩) ابن الهميسع ب ج د ه : بن الهميتع أ.

(١٠) عليه‌السلام أ ج د ه : ع ب.

(١١) ابن رعون أ ج ه : بن راعون ب : بن أرغون د / / شالح أ ج د ه : سالح ب.

(١٢) ابن أخنوخ ب ج د ه : بن خنوخ أ / / بن بارد ... قال علماء أ ب ج د : ـ ه.

(١٣) ينظر : السمعاني ١ / ١٣ ؛ ابن حبان ، السيرة ٤٢ ـ ٤٣ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٣٠.


قال علماء السير : كانت آمنة (١) بنت وهب بن عبد مناف في حجر عمها وهيب (٢) ، فمشى إليه عبد المطلب بن هاشم بابنه عبد الله ، وخطب منه آمنة وعقد عليها نكاحه (٣) ، ودخل بها فحملت بسيد العالم وأشرف بني آدم.

ثم خرج عبد الله إلى الشام ، وعاد ، فمر بالمدينة وهو مريض ، فأقام عند أخواله بني عدي بن النجار مدة شهر ، وتوفي (٤) ودفن في دار النابغة ، وهو رجل من بني عدي بن النجار ، ورسول الله (٥) يومئذ ابن شهرين ، وقيل : كان حملا.

وولد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يوم الاثنين لعشر ليال خلون من ربيع الأول ، وقيل : لاثني عشر عام الفيل (٦). وكان قدوم أصحاب الفيل قبل ذلك في نصف المحرم. وتقدم ذكر (٧) قصتهم ، فبين الفيل وبين مولد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خمس وخمسون ليلة وهي سنة ستة آلاف ومائة وثلاث وستين سنة من هبوط آدم ، عليه‌السلام ، على حكم التوراة اليونانية المعتدة عند المؤرخين. وولد (٨) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مختونا مسرورا (٩) ففرح به عبد المطلب وحظي عنده وقال : ليكونن لا بني هذا شأن عظيم. فكان له شأن (١٠) وأي شأن صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وخلق من الأنبياء أربعة عشر مختونين (١١) وهم : آدم وشيث ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب ويوسف وموسى وسليمان وزكريا وعيسى (١٢) وحنظلة بن صفوان ، من أصحاب الرس ، ونبينا محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأولو العزم من الرسل خمسة وهم : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٣) ، وقيل غير ذلك. وأول

__________________

(١) ينظر : ابن هشام ١ / ١٤٤ ؛ ابن حبان ، السيرة ٤٤ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢٧٠ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٣٢.

(٢) وهيب أ ب ج د : وهب ه.

(٣) عليها نكاحه ب : عليه نكاحها أ ج ه : نكاح ولده د.

(٤) ينظر : ابن هشام ١ / ١٤٧ ؛ ابن حبان ، السيرة ٤٩ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٣٣.

(٥) ورسول الله أ : + صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج د ه.

(٦) ينظر : ابن هشام ١ / ١٤٦ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٣٤.

(٧) وتقدم ذكر قصتهم أ ج ه : وتقدمت قصتهم ب : وقصتهم قد تقدمت د / / فبين الفيل أ ج ه : وبين الفيل ب د.

(٨) وولد أ ج ه : ولد ب د.

(٩) ينظر : ابن سعد ١ / ٨٢ ؛ ابن منظور ، مختصر ٢ / ٣٧.

(١٠) فكان له شأن أ ج ه : وكان له شأن ب : وكان كما ذكر د.

(١١) ينظر : ابن الجوزي ، تلقيح ٦.

(١٢) وعيسى أ ج ه : ويحيى ب د.

(١٣) صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... وأخرهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب : ـ أ ج د ه.


الرسل ، عليهم‌السلام ، آدم ، وآخرهم محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومن الأنبياء أربعة سريانيون وهم : آدم وشيث وأخنوخ ـ وهو إدريس وهو أول من خط بالقلم ـ ونوح ، وأربعة من العرب هم : هود وشعيب وصالح ومحمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأول أنبياء بني إسرائيل : موسى ، وآخرهم : عيسى.

وأما أسماء رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهي ثلاثة وعشرون اسما : محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب والمقفي ونبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملاحم والشاهد والمبشر (١) والنذير والضحوك والقتال والمتوكل والفاتح والأمين والخاتم والمصطفى والرسول والنبي والأمي (٢) والقثم (٣) ، قاله ابن الجوزي (٤)(٥) ، وذكر غيره أسماء كثيرة منها : طه ويس والمزمل والمدثر ، وله أسماء غير ذلك وفيما ذكرته كفاية طلبا للاختصار.

وأول من أرضعه (٦) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثويبة (٧) بلبن ابن لها يقال له مروح أياما ، وكانت أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب ، وهو (٨) عم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأخوه من الرضاعة. ثم قدمت حليمة (٩) إلى مكة فأخذته ومضت به إلى بلادها وهي بادية بني سعد ، وأتاه الملكان (١٠) هناك فشقا بطنه واستخرجا علقة سوداء فطرحاها وغسلا بطنه بماء الثلج في طشت (١١) من ذهب. والقصة مشهورة ، فلما علمت حليمة بذلك رجعت (١٢) به إلى مكة لأهله وهو ابن خمس ،

__________________

(١) والمبشر أ ج د ه : البشير ب.

(٢) والأمي أ ج ه : الأمي ب : ـ د.

(٣) ينظر : في أسماء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ابن سعد ، الطبقات ١ / ٨٣ ؛ ابن الجوزي ، صفوة ١ / ١٨٥ ؛ ابن سيد الناس ٣٩ ـ ٤٠ ؛ ابن منظور ، مختصر ٢ / ١١ ؛ ابن القيم ، زاد ١ / ٢٠ ـ ٢١.

(٤) ابن الجوزي : جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن الجوزي ، علامة عصره في التاريخ والحديث ، كثير التصانيف ، مولده ووفاته في بغداد ، توفي سنة ٥٩٧ ه‍ / ١٠٢١ م ، ينظر : الذهبي ، تذكرة ٤ / ١١٤٣ ـ ١٣٤٨ ؛ اليافعي ٣ / ٤٨٨ ؛ الجابي ٤٠١.

(٥) ابن الجوزي أ ج ه : ابن الجزري ب : ـ د.

(٦) أرضعه أ ج ه : أرضعته ب د.

(٧) ينظر : ابن القيم ، زاد ١ / ١٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١ / ٢٧٣ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٤١.

(٨) وهو أ : فهو ب ج د ه.

(٩) ينظر : ابن هشام ١ / ١٤٨ ؛ ابن حبان ، السيرة ٥٤ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢٧١ ؛ ابن منظور ، مختصر ٢ / ٣٨ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٤٢ ؛ القرماني ١ / ٢٤٢.

(١٠) ينظر : ابن هشام ١ / ١٤٨ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢٧٣ ؛ القرماني ١ / ٢٤٣.

(١١) طشت أ ج ه : طست ب : ـ د.

(١٢) ينظر : ابن هشام ١ / ١٤٨ ؛ ابن حبان ، السيرة ٥٧ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢٧٢ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٤٦.


وتوفيت (١) أمه آمنة وله ست سنين.

ولما صار لرسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، اثني عشر سنة وشهران ارتحل به أبو طالب إلى الشام. فلما نزل ببصرى (٢) من أرض الشام وبها راهب يقال له بحيرا (٣) في صومعته ، فرأى رسول / / الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وغمامة تظله من بين القوم ، ورأى فيه إمارات النبوة ، وبشر به (٤) ، وقال لأبي طالب : إن لابن أخيك شأنا عظيما.

وشب رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى بلغ ، وكان أعظم الناس مروءة وحلما ، وأحسنهم جوابا ، وأصدقهم حديثا ، وأعظمهم أمانة حتى صار اسمه في قومه الأمين (٥) ، لما جمع الله (٦) فيه الأمور الصالحة.

وفي سنة خمس وعشرين (٧) من مولده تزوج خديجة بنت خويلد ، رضي‌الله‌عنها ، ولها أربعون سنة ، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت ، ولم يتزوج بكرا غير عائشة.

وولدت له خديجة أولاده كلهم إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية (٨) ، ويأتي ذكر مولده ووفاته ، وبقية الأولاد (٩) من خديجة وهم : زينب (١٠) ورقية (١١) وأم كلثوم (١٢) وفاطمة الزهراء والقاسم (١٣) وبه كان يكنى ، توفي بمكة وله من العمر سنة ، والطاهر (١٤) وهو عبد الله توفي بمكة بعد النبوة قبل الهجرة ، والطيب (١٥) توفي بمكة.

__________________

(١) ينظر : ابن هشام ١ / ١٥٥ ؛ ابن سعد ١ / ٩٣ ؛ ابن حبان ، السيرة ٥٧ ؛ ابن الأثير ، الكامل ١ / ٢٧٥ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ٢٧٩ ؛ القرماني ١ / ٢٤٧.

(٢) بصرى : وهي قصبة كورة حوران ، من أعمال دمشق ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٢١٠.

(٣) ينظر : ابن هشام ١ / ١٦٥ ؛ ابن سعد ١ / ٩٦ ـ ٩٧ ؛ ابن حبان ، السيرة ٥٨ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ٢٨٣ ؛ القرماني ١ / ٢٤٧.

(٤) وبشر به أ ج ه : بشر به ب : بشر بذلك د.

(٥) ينظر : ابن هشام ١ / ١٦٧ ؛ ابن سعد ١ / ٩٧ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ٦٨٧.

(٦) الله ب ج د ه : ـ أ.

(٧) ينظر : ابن هشام ١ / ١٧١ ؛ ابن سعد ١ / ١٠٥ ؛ ابن حبان ، السيرة ٦٢ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٦٢.

(٨) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨٣ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٣٩٠.

(٩) وبقية الأولاد أ ج ه : وبقية أولاده ب : ـ د.

(١٠) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨٣ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٣٩٠.

(١١) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨٤ ؛ ابن القيم ، زاد ١ / ٢٥.

(١٢) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨٤ ؛ ابن القيم ، زاد ١ / ٢٥.

(١٣) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨٣ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٣٠٥ ؛ ابن القيم ، زاد ١ / ٢٥.

(١٤) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨٣ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٣٦٥.

(١٥) والطيب توفي ... من الهجرة ب ج د ه : ـ أ.


وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام ، فأسلمن وهاجرن معه ، فرقية ماتت في سنة اثنتين من الهجرة ، وزينب ماتت في سنة ثمان (١) من الهجرة ، وأم كلثوم ماتت بعد مرجع النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من حجة الوداع ، وفاطمة ماتت بعد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بستة أشهر (٢) ، وقيل : أقل من ذلك ، وروي : أن عائشة ، رضي‌الله‌عنها ، أسقطت سقطا اسمه عبد الله.

وفي سنة خمس وثلاثين من مولده هدمت قريش الكعبة (٣) ، وكان سبب هدمها : أنها كانت قصيرة البناء فأرادوا رفعها وسقفها فهدموها ، ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الحجر الأسود فاختصموا فيه ، لأن كل قبيلة أرادت رفعه إلى موضعه. ثم اتفقوا على أن يحكموا أول من دخل باب الحرم ، فكان (٤) أول من دخل رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلما رأوه قالوا : هذا الأمين رضينا به وأخبروه الخبر. فقال : «هلموا إليّ ثوبا» ، فأتي به ، فأخذ الحجر فوضعه فيه بيده ، ثم قال : «لتأخذ كل قبيلة بناحية (٥) من الثوب ثم ارفعوه جميعا» ، ففعلوا فلما بلغوا به موضعه وضعه بيده الشريفة (٦) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم أتموا بناء الكعبة (٧) ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ذكر مبعثه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وابتداء الوحي إليه (٨)(٩)

بعث (١٠) رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونزل عليه الوحي وهو ابن أربعين سنة ، وكان يوم الاثنين لثماني عشرة ليلة خلت من رمضان ، وأول ما بدىء (١١) به من الوحي الرؤيا الصالحة ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح (١٢) ، ثم حبب إليه الخلاء.

__________________

(١) ٨ ه‍ / ٦٢٩ م.

(٢) ينظر : ابن القيم ، زاد ١ / ٢٥.

(٣) ينظر : ابن هشام ١ / ١٧٨ ؛ ابن سعد ، طبقات ١ / ١١٦ ؛ الطبري ٢ / ٢٨٣.

(٤) فكان أ ج د ه : وكان ب / / من دخل أ : أول داخل ب ج د ه.

(٥) بناحية أ ج د ه : ناحية ب.

(٦) الشريفة ب د ه : ـ أ ج.

(٧) ينظر : ابن هشام ١ / ١٨٢ ؛ ابن سعد ، طبقات ١ / ١١٧ ؛ الطبري ٢ / ٢٩٠ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٦٥.

(٨) ينظر : ابن هشام ١ / ٢١٨ ؛ ابن سعد ، طبقات ١ / ١١٨ ؛ الطبري ٢ / ٢٩٠ ـ ٢٩٣ ؛ ابن حبان ٦٤ ؛ ابن سيد الناس ١ / ١٠١ ـ ١٠٢.

(٩) وابتداء الوحي إليه ب ج د : ـ أ ه.

(١٠) بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونزل ب ج د ه : ـ أ.

(١١) بدىء أ ج د ه : بدأ ب.

(١٢) ينظر : ابن سعد ، طبقات ١ / ١٥٢ ؛ ابن حبان ؛ السيرة ٦٤ ؛ ابن سيد الناس ١ / ١٠٤.


وكان يخلو بغار حراء (١) ، فيتعبد فيه ، فجاءه الملك وأقرأه كما في الحديث الشريف والقصة مشهورة.

فعاد إلى خديجة وأخبرها الخبر (٢) ، فانطلقت به حتى أتت ورقة بن نوفل (٣) ، فأخبرته خبر ما رأى ، فقال له ورقة : هذا الناموس الذي أنزل (٤) الله على موسى يا ليتني فيها جذعا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أو مخرجي هم؟» قال : نعم لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلا عودي وإن أدركني (٥) يومك أنصرك نصرا مؤزرا. ثم لم يلبث ورقة أن توفي. وفتر الوحي.

ثم كان أول ما نزل عليه القرآن بعد : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)(٦) ، (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) (١) (٧) ، (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (١) (٨) ، (وَالضُّحى) (١) (٩). وأول من آمن به من النساء خديجة زوجته. ثم أول شيء فرض الله عليه من شرائع الإسلام بعد الإقرار بالتوحيد والبراءة من الأوثان ، الصلاة ، أتاه جبريل فعلمه الوضوء والصلاة ، ورميت الشياطين بالشهب (١٠) لمبعثه ، وأسلم علي بن أبي طالب ، وكان عمره إحدى عشرة سنة ، ثم زيد بن حارثة ، ثم أسلم أبو بكر ، رضي‌الله‌عنه ، وقيل : إنه أول من أسلم ، وأسلم على يده عثمان بن عفان ، والزبير بن العوام ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيد الله فجاء بهم إلى رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأسلموا وصلوا ، وكان هؤلاء النفرهم الذين سبقوا إلى الإسلام فأسلم بعدهم من أسلم.

وأمر الله سبحانه وتعالى نبيه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بعد مبعثه بثلاث سنين أن يصدع بما يؤمر ، وأن يظهر دعوته ، وكان قبل ذلك في السنين الثلاث مستترا بدعوته لا يظهرها إلا لمن يثق (١١) إليه ، وكان أصحابه إذا أرادوا الصلاة ذهبوا إلى الشعاب فاستخفوا.

__________________

(١) وكان يخلو بغار حراء أ ب ج د : وكان يجاور بغار حراء ه.

(٢) ينظر : ابن سيد الناس ١ / ١٠٤.

(٣) ورقة بن نوفل : أحد حنفاء قريش الذين اتبعوا دين إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، ثم تنصر وأصبح من العلماء فيها ، ثم أسلم وهاجر إلى الحبشة ثم عاد إلى النصرانية ومات عليها ، ينظر : ابن هشام ١ / ٢٠٥ ؛ ابن حبان ، السيرة ٦٥ ؛ ابن سيد الناس ١ / ١٠٥.

(٤) أنزل أ ب ج د : أنزله ب.

(٥) وإن أدركني أ : وإن يدركني ب ج د ه.

(٦) العلق : [١].

(٧) القلم : [١].

(٨) المدثر : [١].

(٩) الضحى : [١].

(١٠) بالشهب ب ج د : بالشهاب أ : بالشهيب ه.

(١١) يثق أ ه : إلا إلى من يثق ب ج د.


ثم إن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، صدع بأمر الله تعالى (١) ، وأمر قومه بالإسلام ، فكان المشركون يحصل منهم الضرر للمستضعفين من المسلمين / / فمن لا عشيرة له تمنعه يعذبونه بإلقائه في الرمضاء على ظهره وقت الظهيرة ، وبإلقاء الصخرة العظيمة على صدره ويقال له : لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى ، وكانوا يفعلون بهم غير ذلك من أنواع التعذيب ، ومن المسلمين من مات من فعل المشركين ، وكان بعض المشركين يؤذي رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويستهزىء به. ثم أسلم حمزة على النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فعرفت قريش أن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قد عز وامتنع فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه. ثم أسلم عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، فأعز الله بإسلامه وقال : يا رسول الله ألسنا على الحق؟ قال : «أي والذي بعثني بالحق نبيا» (٢) ، قال : أما والذي بعثك بالحق نبيا لا يعبد الله بعد اليوم سرا (٣) فأظهر الله الدين بإيمانه (٤).

الهجرة الأولى (٥)

لما رأى رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ما يصيب أصحابه من البلاء أمرهم بالخروج (٦) إلى أرض الحبشة ، فخرج جماعة منهم : عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقدموا على النجاشي (٧) وكان ملكا عادلا اسمه أصحمة ومعناه بالعربي (٨) : عطية ، فأكرمهم وأقاموا عنده بخير ، ثم أسلم النجاشي بعد ذلك.

وكان السبب (٩) في ولايته عليهم بعد قتل أمير الحبشة : أن أباه كان أميرا عليهم فكرهوه ، وكان له أخ فقصدوا ولايته عليه بعد قتل أخيه فقتلوه ، وقصدوا قتل النجاشي فقال لهم عمه : أنتم قتلتم أباه وتقتلوه ، أخرجوه من بلادكم. فأخذوه إلى البحر فرأوا سفينة فباعوه ورجعوا إلى بلادهم فوجدوا عمه مات ، فقالوا : ذلك من خطيئة النجاشي فأدركوه وأتوا به ليكون أميرا مكان أبيه فجاءوا به أميرا مكان أبيه ،

__________________

(١) بأمر الله ب ج د ه : بما أمر الله أ / / وأمر قومه ب ج د ه : فأمر قومه أ.

(٢) نبيا أ ج د ه : ـ ب.

(٣) سرا أ ج د : إلا جهرا ب ه.

(٤) ينظر : ابن هشام ، السيرة ١ / ٢٧٩.

(٥) ينظر : ابن هشام ١ / ٢٨٠ ؛ ابن حبان ، السيرة ٨١ ؛ ابن سيد الناس ١ / ١٤٣ ؛ ابن القيم ، زاد ١ / ٢٤.

(٦) بالخروج أ ج د ه : إلا جهرا ب ه.

(٧) ينظر : ابن هشام ١ / ٢٨٠ ؛ السيرة ٨١ ؛ ابن سيد الناس ١ / ١٤٧.

(٨) بالعربي أ ج د ه : بالعربية ب.

(٩) وكان السبب ... إلى أوطانهم ب د : ـ أ ج ه.


فأول ما حكم أن الذين اشتروه قالوا : إن هؤلاء باعونا عبدا وأخذوه منا ، فقال لهم : إما أن تعطوهم ما أخذتم منهم وإما أن تسلموهم عبدهم ، فهذا أول حكمه فيهم ، ثم بعد ذلك وقع من الحبشة تعصب على أصحاب رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا له : إن هؤلاء لهم دين غير ديننا. فأرسل وراءهم وقال لهم : ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقالوا : نؤمن به ونصدقه فيما جاء به ، فقال للحبشة : ما تقولون في نبيهم؟ فلم يؤمنوا به ، فقال لهم : هؤلاء يؤمنون بنبيكم وأنتم لا تؤمنون بنبيهم فأنتم الآن ظلمة فكل منكم على دينه ولا أحد منكم يعارض هؤلاء ، فاستمروا في بلاده مدة ، وعادوا إلى أوطانهم.

ومات النجاشي ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مات اليوم رجل صالح فصلوا على أخيكم أصحمة» (١) فصلى عليه النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأصحابه.

أمر الصحيفة (٢)

ولما رأى المشركون أن الإسلام يفشو (٣) ويزيد ائتمروا أن يكتبوا بينهم كتابا يتعاقدون فيه على أن لا ينكحوا بني هاشم وبني المطلب ولا ينكحوا منهم ، ولا يبيعوهم ولا يبتاعوا منهم ، فكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في جوف الكعبة (٤). وأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا ، هذا ورسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يدعو الناس سرا وجهرا ، والوحي يتتابع (٥).

ثم قام نفر من قريش وتعاهدوا في نقض (٦) الصحيفة ، ووقع بينهم خلاف (٧) ، فقام مطعم بن عدي (٨) إلى الصحيفة ليشقها ، فوجد الأرضة قد أكلتها إلا ما كان باسمك اللهم ، وكانت قريش تستفتح بها كتابها ، وأكلت الأرضة ما فيها من ظلم وقطع رحم ، وتركت ما فيها من اسم الله تعالى.

وكان النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أخبر بذلك ، فاجتمعت قريش (٩) وأحضروا الصحيفة ،

__________________

(١) ينظر : مالك ، الموطأ ١ / ٢٢٦ ؛ سابق ١ / ٥٣٤.

(٢) ينظر : ابن هشام ٢ / ٣ ؛ ابن سعد ١ / ١٦٣ ؛ المسعودي ٢ / ٢٩٤ ؛ ابن سيد الناس ١ / ١٥٨ ـ ١٥٩.

(٣) يفشو أ ج د ه : ينموت.

(٤) الكعبة أ ج د ه : + الشريفة ب / / أو ثلاثا ب ج ه : أو ثلاثة د.

(٥) والوحي يتتابع أ ج د : والوحي تتابع ب ه.

(٦) في نقض أ ج د ه : على نقض ب.

(٧) خلاف أ ج د ه : الخلاف ب.

(٨) ينظر : ابن هشام ٢ / ١٨ ؛ ابن سعد ١ / ١٦٤ ؛ ابن سعد الناس ١ / ١٦٠.

(٩) فاجتمعت قريش أ د ه : فاجتمع قريش ب ج.


فوجدوا الأمر كما قاله ، فنكسوا رؤوسهم ، واتفق جماعة من قريش ونقضوا ما تعاهدوا عليه في الصحيفة من قطيعة بني عبد المطلب (١) وبني هاشم (٢).

قصة المعراج وما وقع لنبينا محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ليلة الإسراء بالمسجد

الأقصى (٣)

لما بعث الله رسوله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنزل (٤) عليه الوحي وأمره بإظهار دينه وأيده بالمعجزات (٥) الظاهرة والآيات الباهرة ، أسرى به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله (٦) وهو بيت المقدس من إيلياء وقد فشا الإسلام في قريش وفي القبائل كلها.

وكان (٧) الإسراء ليلة سبع عشرة من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة. وقال ابن الجوزي (٨) : وقد قيل : كان ليلة السابع والعشرين من رجب ، واختلف الناس في الإسراء برسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقيل : إنما كان جميع ذلك في المنام والحق الذي عليه أكثر الناس ومعظم السلف وعامة المتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين أنه أسري بجسده ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقظة ، لأن قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)(٩) تدل على ذلك ولو كانت الرؤيا نوم ما افتتن بها الناس حتى ارتد كثير ممن كان أسلم.

وقال الكفار : يزعم محمد أنه أتى بيت المقدس ورجع إلى مكة في ليلة واحدة والعير تطرد إليه شهرا مقبلة وشهرا مدبرة. ولو كانت (١٠) رؤيا نوم لم يستبعدوا (١١) ذلك منه ، قال ابن عباس (١٢) ، رضي‌الله‌عنهما : هي رؤيا عين رآها النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

__________________

(١) بني عبد المطلب وبني هاشم د ه : بني عبد المطلب أ ج : بني هاشم وبني عبد المطلب ب.

(٢) هام أ ج د ه : + والله أعلم ب.

(٣) ينظر : ابن هشام ٢ / ٣٤ ـ ٣٦ ؛ ابن حبان ، السيرة ١١٢ ؛ ابن سيد الناس ١ / ١٧٤ ـ ١٨٧ ؛ ابن كثير ، تفسير ٣ / ٣ ؛ الحلبي ١ / ٣٦٥.

(٤) وأنزل ب ج د ه : ما أنزل أ.

(٥) بالمعجزات الظاهرة والآيات الباهرة أ ج د ه : بالمعجزات الظاهرات والآيات الباهرات ب.

(٦) الذي باركنا حوله أ : ـ ب ج د ه.

(٧) كان أ : + في ب ج د ه.

(٨) ينظر : ابن الجوزي ، الوفا ١ / ٢١٩.

(٩) الإسراء : [٦٠].

(١٠) ولو كانت أ ج د ه : فلو كانت ب / / رؤيا ب ج د ه : الرؤيا أ.

(١١) بستبعدوا أ يستبعد ب ج د ه.

(١٢) ينظر : ابن سيد الناس ١ / ١٨٢.


رؤيا منام ، قال الله تعالى : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) (١٧) (١) أضاف الأمر إلى البصر (٢) ، وقوله تعالى : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) (١١) (٣) أي لم يوهم القلب العين غير الحقيقة بل صدق رؤيتها. واختلف السلف والخلف : هل رأى محمد (٤) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ربه ليلة الإسراء ، فأنكرته (٥)(٦) عائشة ، رضي‌الله‌عنها. وروي عن ابن عباس ، رضي‌الله‌عنهما ، أنه قال : رآه بعينيه (٧) ومثله عن أبي ذر وكعب والحسن وكان يحلف على ذلك. وحكي مثله عن ابن مسعود / / وأبي هريرة والإمام أحمد بن حنبل ، رضي‌الله‌عنهم (٨) ، وحكى النقاش (٩) عن الإمام أحمد أنه قال : أنا أقول بحديث ابن عباس بعينيه رآه ، رآه ، رآه ، حتى انقطع نفس الإمام أحمد.

واختلفوا في أن نبينا هل كلم ربه عز وجل ، ليلة الإسراء ، فذكر عن جعفر بن محمد الصادق (١٠) أنه قال : أوحي (١١) إليه بلا واسطة. وإلى هذا ذهب المتكلمون (١٢) أن محمدا كلم ربه ، عز وجل ، في ليلة الإسراء ، وحكوه عن ابن عباس وابن مسعود.

واختلف في المكان الذي أسرى به ربه منه : فروي عنه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «بينما أنا نائم في بيت أم هانىء (١٣) بنت أبي طالب ـ وفي رواية : بينما أنا في الحطيم وربما قال : في الحجر مضطجعا ، ومنهم من قال : بينما أنا بين النائم واليقظان ، وكانت ليلة الاثنين إذ هبط عليّ الأمين جبريل ، عليه‌السلام (١٤)» ، وذكر القصة.

__________________

(١) النجم : [١٧].

(٢) إلى البصر أ ه : للبصر ب ج د.

(٣) النجم : [١١].

(٤) ل رأى محمد أ د ه : هل رأى نبينا ب ج.

(٥) ينظر : عياض ١ / ١٩٥.

(٦) الإسراء ب ج د ه : أسري به أ.

(٧) ينظر : عياض ١ / ١٩٦.

(٨) رضي‌الله‌عنهم أ ج د ه : ـ ب.

(٩) النقاش : محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون ، أبو بكر النقاش ، عالم بالقرآن وتفسيره توفي عام ٣٥١ ه‍ / ٩٦٢ م ؛ ينظر : السمعاني ٥ / ٥١٧ ؛ اليافعي ٢ / ٣٤٧ ؛ الجابي ٦٩٣.

(١٠) جعفر الصادق : جعفر بن محمد بن علي زين العابدين بن الحسين السبط الهاشمي القرشي ، الملقب بالصادق ٨٠ ـ ٤١٨ ه‍ / ٦٩٩ ـ ٧٦٥ م ، سادس الأئمة الإثني عشر عند الإمامية ، ينظر : ابن خلكان ١ / ٣٢٧.

(١١) أوحي أ : + الله ب ج د ه.

(١٢) المتكلمون أ : بعض المتكلمين وقال ب ج د ه.

(١٣) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٧١ ؛ ابن منظور ، مختصر ٢ / ٢٩٣.

(١٤) ينظر : ابن هشام ١ / ٣٢ ـ ٣٣.


وكان من حديث المعراج الشريف ما روي عن النبي ، عليه‌السلام (١) ، أنه قال : «أتيت بالبراق ، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه ، قال : فركبته متى أتيت بيت المقدس (٢) فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء ، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين» (٣). وفي رواية : فلما دخلت المسجد إذا أنا بالأنبياء والمرسلين قد حشروا إليّ من قبورهم ، ومثلوا لي وقد قعدوا صفوفا صفوفا ينتظرونني فسلموا عليّ ، فقلت : يا جبريل من هؤلاء القوم؟ قال : إخوانك الأنبياء والمرسلين (٤) ، زعمت قريش أن لله شريكا ، وزعمت النصارى أن لله ولدا ، إسأل هؤلاء النبيين هل كان لله ، عز وجل (٥) ، شريك؟ ثم قرأ : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) (٤٥) (٦).

قال أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب (٧) المفسر في كتاب التنزيل له : إن هذه الآية أنزلت (٨) على النبيّ ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ببيت المقدس ليلة الإسراء (٩) ، وقد عدها غيره من العلماء في الشامي والذي قاله أبو القاسم أخص مما ذكروه ، فلما أنزلت وسمعها الأنبياء ، عليهم‌السلام ، أقروا لله عز وجل بالوحدانية. قال عليه الصلاة والسلام : «ثم جمعهم جبريل وقدمني فصليت بهم ركعتين ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن ، فقال جبريل : اخترت الفطرة ، ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل فقيل : من أنت؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا ، فإذا بآدم ، عليه‌السلام (١٠) ، فرحب بي ودعا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء الثانية ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث

__________________

(١) النبي عليه‌السلام أ ه : النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج د.

(٢) بيت المقدس ب ج د ه : البيت المقدس أ.

(٣) ينظر : عياض ١ / ١٧٧.

(٤) والمرسلين أ ج د ه : والمرسلون ب.

(٥) عز وجل أ ج د : ـ ب ه.

(٦) الزخرف : [٤٥].

(٧) ابن حبيب : أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري المفسر ، صنف في علوم القرآن والآداب ، وتوفي عام ٤٠٦ ه‍ / ١٠١٥ م ؛ ينظر : ابن العماد ٣ / ١٨١.

(٨) أنزلت أ ج د : نزلت ب ه.

(٩) ليلة الإسراء ب د ه : ليلة أسري به أ ج.

(١٠) فإذا بآدم أ ب د : فإذا أنا بآدم ج : وإذا أنا بآدم ه.


إليه ، ففتح لنا فإذا أنا ببني (١) الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا ، عليهم‌السلام ، فرحبا بي ، ودعوا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة ، فذكر مثل الأول ، ففتح لنا فإذا أنا بيوسف ، عليه‌السلام ، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن ، فرحب بي ، ودعا لي بالخير (٢).

ثم عرج إلى السماء الرابعة ، وذكر مثله ، فإذا أنا بإدريس ، فرحب بي ، ودعا لي بالخير (٣) ، قال الله تعالى : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) (٥٧) (٤).

ثم عرج بي إلى السماء الخامسة ، فذكر مثله (٥) ، فإذا أنا بهارون ، فرحب بي ، ودعا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء السادسة ، فذكر مثله ـ فإذا أنا بموسى ، فرحب بي ، ودعا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء السابعة ، فذكر مثله ، فإذا أنا بإبراهيم ، عليه‌السلام (٦) ، مسندا ظهره إلى البيت المعمور ، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألفا ملك لا يعودون إليه.

ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى ، فإذا ورقها كآذان الفيلة (٧) ، وإذا ثمرها كالقلال. قال : فلما غشيها (٨) من أمر الله ما غشي تغيرت ، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها ، فأوحى الله تعالى إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة.

فنزلت إلى موسى فقال : ما فرض ربك (٩) على أمتك؟ قلت : خمسين صلاة ، قال : ارجع إلى ربك واسأله (١٠) التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم. قال : فرجعت إلى ربي فقلت : يا ربي (١١) خفف عن أمتي

__________________

(١) فإذا أنا ببني الخالة أ ب ج د : فإذا بابن الخالة ه.

(٢) بالخير أ د ه : بخير ب ج.

(٣) بالخير أ د ه : بخير ب ج / / قال الله ... عليا أ ج د ه : ـ ب.

(٤) مريم : [٥٧].

(٥) فذكر مثله ... ودعا لي بخير ب ج د ه : ـ أ.

(٦) عليه‌السلام أ : ـ ب ج د ه.

(٧) الفيلة ب ج ه : الفيل أ د.

(٨) غشيها من أمر الله ما غشي أ ج ه : غشيها الله من أمره ما غشيها ب : غشيها من أمر الله ما غشيها د.

(٩) فرض ربك على أمتك أ ج ه : فرض ربك عليك وعلى أمتك ب د.

(١٠) واسأله أ : فاسأله ب ج د ه / / قال ب : ـ أ ج د ه.

(١١) يا ربي أ د ه : يا رب ب ج.


فحط عني خمسا ، فرجعت إلى موسى فقلت : حط عني خمسا ، قال : إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف.

قال : فلم أزل أرجع بين يدي ربي (١) وبين موسى حتى صارت خمس صلوات ، قال : إن أمتك لا يطيقون ذلك ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف.

قال : يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم (٢) وليلة بكل صلاة عشر فتلك خمسون / / صلاة ، ومن هم بحسنة فلم يعملها (٣) كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشرا ، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا ، فإن عملها كتبت له سيئة واحدة.

قال : فنزلت حتى انتهيت (٤) إلى موسى ، فأخبرته فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت : قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه ، وفي رواية : يا موسى قد والله استحييت من ربي مما أختلف إليه (٥) ، قال : فأهبط الله جبريل (٦).

قال ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ثم حملني جبريل حتى أنزلني على جبل بيت المقدس ، وإذا أنا بالبراق واقف على حاله في موضعه ، فسميت الله ، واستويت على ظهره ، فما كان بأسرع من أن أشرفت على مكة ومعي جبريل ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لما كانت صبيحة (٧) ليلة أسري بي أصبحت بمكة متحيرا في أمري ، وعلمت أن الناس يكذبونني فقعدت معتزلا حزينا إلى ناحية من نواحي المسجد فمر بي أبو جهل عدو الله ، فجاء حتى جلس إليّ فقال كالمستهزىء : هل كان من شيء يا محمد؟ فقلت : نعم ، قال : وما هو؟ قلت : إني أسري بي الليلة ، قال : إلى أين؟ قلت : إلى بيت المقدس ، ثم قال (٨) : ثم أصبحت بين أظهرنا؟ قلت : نعم ، فقال أبو جهل : يا معشر قريش يا معشر بني كعب ، يا معشر بني لؤي ، هلموا. فانقضت المجالس (٩) وجاءوا

__________________

(١) بين يدي ربي أ ه : بين ربي تعالى ب ج د / / صارت خمس ... فاسأله التخفيف ب ج د ه : ـ أ.

(٢) كل يوم وليلة أ ج ه : في اليوم والليلة ب د / / بكل صلاة أ ه : لكل صلاة ب ج د.

(٣) فلم يعملها أ ج ه : ولم يعملها بد.

(٤) انتهيت أ ب ج د : أتيت ه.

(٥) ينظر : عياض ١ / ١٧٧ ـ ١٧٩ ؛ ابن منظور ، مختصر ٢ / ١١٥ ـ ١١٦.

(٦) قال : فأهبط الله جبريل أ : قال : بسم الله فاهبط ب ج د ه.

(٧) لما كانت صبيحة أ : لما كان صبيحة ب ج د ه / / ليلة أسري بي أ ج ه : ليلة الإسراء ب د.

(٨) ثم قال أ ج د : قال ب ه / / فقال أبو جهل : يا معشر ب ج د ه : ـ أ.

(٩) المجالس ب ج د ه : المجلس أ.


حتى جلسوا إلى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فقال أبو جهل : حدث قومك يا محمد بما حدثتني ، فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إني أسري بي (١) الليلة ، قالوا : إلى أين؟ قال : إلى بيت المقدس ، قالوا : ثم أصبحت بين أظهرنا؟ قال : نعم ، فبقي منهم المتعجب ، ومنهم المصفق ومنهم الواضع يده إلى رأسه (٢).

ثم قالوا : هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد (٣)؟ قلت : نعم ، قال : فذهبت أنعته حتى التبس عليّ بعض النعت لكوني دخلته ليلا ، فجيء بالمسجد أنظر إليه حتى وضع (٤) دون دار عقيل فجعلت أنظر إليهم وأخبرهم عن آياته ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وآية ذلك أني مررت بعير بني فلان بوادي كذا وكذا فأنفرهم حس الدابة فندّ لهم (٥) بعير فدللتم عليه ، ثم أقبلت حتى إذا كنت بضجنان (٦)(٧) مررت بعير بني فلان ، فوجدت القوم نياما ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه شيء ، فكشفت غطاءه (٨) وشربت ما فيه ، ثم غطيت عليه كما كان وأن عيرهم الآن تصوب من البيضاء ثنية التنعيم (٩) يقدمها جمل أورق عليه غرارتان إحداهما سوداء والأخرى برقاء ، فابتدر القوم الثنية فلم يلقوا أولا إلا الجمل الذي وصف لهم ، وسألوهم عن الإناء ، فأخبروهم أنهم وضعوا (١٠) مملوء ماء ثم غطوه ، وأنهم افتقدوه من الليل ، فوجدوه كما غطوه ولم يجدوا فيه ماء ، وسألوا القوم الذين ندّلهم البعير فقالوا : صدق والله لقد ندّ لنا بعير بالوادي الذي ذكره ، فسمعنا صوت رجل يدعونا إليه وأنه لأشبه الأصوات بصوت محمد بن عبد الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجئنا حتى أخذناه (١١).

وذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا : هل لك يا أبا بكر في صاحبك أنه يزعم أنه

__________________

(١) إني أسري أ ب ج د : أنه أسري ه.

(٢) إلى رأسه أ : على أم رأسه ب ج د ه.

(٣) تنعت لنا المسجد أ ج ه : تنعت لنا بيت المقدس ب د.

(٤) حتى وضع ... أنظر إليه ب ج د ه : ـ أ.

(٥) فندّ لهم بعير ب ج د ه : ـ أ.

(٦) ضجنان : جبل على بريد من مكة ، وقيل : بين مكة وضجنان خمسة وعشرون ميلا ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٦٤.

(٧) بضجنان ب ج د ه : ـ أ.

(٨) غطاءه ب ج د ه : ـ أ.

(٩) ثنية التنعيم : قرب مكة تهبطك إلى فخ وأنت مقبل من المدينة تريد مكة ، أسفل مكة من قبل ذي طوى ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٣٠١.

(١٠) وضعوه مملوء ماء ثم غطوه ب ج د ه : ـ أ.

(١١) ينظر : الحلبي ١ / ٣٨.


قد جاء هذه الليلة ببيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة ، فقال أبو بكر ، رضي‌الله‌عنه : والله لئن كان قال لكم ذلك لقد صدق فما تعجبكم من ذلك فو الله إنه ليخبرنا عن الوحي من الله يأتيه من السماء الأرض في ساعة واحدة من ليل أو نهار فتصدقه فهذا أبعد مما تعجبون منه. ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا نبي الله ، أحدث هؤلاء أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة : قال : نعم ، قال : صدقت ، فصفه لي با نبي الله فإني جئته. قال رسول الله (١) : فرفع لي حتى نظرت إليه. وجعل يصفه لأبي بكر وهو يقول : صدقت أشهد أنك رسول الله ، حتى انتهى. فقال النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) : وأنت يا أبا بكر الصديق. فسمي من ذلك اليوم صديقا (٣). قال الله تعالى : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (٣٣) (٤). ثم أنزل الله تعالى سورة النجم تصديقا له صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ثم توفي أبو طالب عم النبي ، عليه‌السلام (٥) ، وخديجة ، رضي‌الله‌عنها (٦) ، قبل الهجرة الشريفة ، وماتت خديجة قبل أبي طالب بخمسة وثمانين يوما ، وقيل : بخمس وعشرين ، وقيل : بثلاثة أيام ، فعظمت المصيبة على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بموتهما (٧) ، وقال : «ما نالت (٨) قريش مني شيئا (٩) أكرهه حتى مات أبو طالب» (١٠) ، وذلك أن قريش وصلوا من أذاه / / بعد موت أبي طالب إلى ما لم يكونوا يصلون إليه في حياته.

وتزوج بعد خديجة عائشة ، رضي‌الله‌عنها ، ولها (١١) ست سنين ، وتزوج رسول الله (١٢) بسودة (١٣) وخرج رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى قبائل العرب

__________________

(١) رسول الله أ : + صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج د ه.

(٢) فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د ه : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب.

(٣) ينظر : ابن هشام ٢ / ٣٤.

(٤) الزمر : [٣٣].

(٥) النبي عليه‌السلام أ د ه : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج.

(٦) عنها أ ج د ه : عنها ب / / قبل أبي طالب أ ج د ه : قبل الهجرة الشريفة ب.

(٧) ينظر : ابن هشام ٢ / ٤٥.

(٨) ما نالت قريش مني أ ج د ه : ما نالتني قريش ب.

(٩) شيئا أ ج د ه : بشيء ب / / وصلوا من أذاه أ ج ه : وصلوا من إيذائه ب د.

(١٠) ينظر : ابن هشام ٢ / ٤٦.

(١١) ولها ست سنين أ ج د ه : ولها تسع سنين ب.

(١٢) رسول الله أ : ـ ب ج د ه.

(١٣) سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨٠ ؛ ابن منظور ، مختصر ٢ / ٢٧١.


يلتمس منهم نصرته والقيام معه على من خالفه (١) ويدعوهم إلى الله ، فلم يجيبوه (٢).

ابتداء أمر الأنصار (٣)

ولما أراد الله إظهار دينه خرج رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى الموسم فعرض نفسه على القبائل كما كان يفعل ، فبينما هو عند العقبة إذ لقي رهطا من الخزرج فدعاهم إلى الله تعالى. فأجابوه وصدقوه وانصرفوا راجعين إلى بلادهم ، فلما قدموا المدينة ذكروا لهم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ودعوا قومهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم الإسلام (٤).

بيعة العقبة الأولى (٥)

فلما كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثني عشر رجلا فلقوه بالعقبة فبايعوه أن لا يشركوا بالله شيئا ، ولا يسرقوا ، ولا يزنوا ، ولا يقتلوا أولادهم ، وبعث رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، معهم (٦) مصعب بن عمير ، وأمره أن يقرئهم القرآن ، ويعلمهم الإسلام ، فنزل بالمدينة.

بيعة العقبة الثانية (٧)

ولما فشا الإسلام في الأنصار اتفق جماعة منهم على المسير لرسول الله (٨) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مستخفين. فساروا في ذي الحجة مع كبار قومهم (٩) واجتمعوا برسول الله ، عليه الصلاة والسلام ، وأوعدوه أواسط أيام التشريق بالعقبة. فلما كان الليل خرجوا حتى اجتمعوا بالعقبة ، وهم سبعون رجلا معهم امرأتان (١٠) ، وجاءهم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبايعوه ، فتكلم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتلا القرآن. ثم قال : «لأبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأولادكم» ، ودار الكلام بينهم ، واستوثق كل فريق من الآخر ، ثم سألوا رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : إن قتلنا دونك ما لنا؟ قال :

__________________

(١) من خالفه أ ج : من يخالفه ب د ه.

(٢) الطبري ، تاريخ ٢ / ٣٤٤ ٣٤٥.

(٣) ينظر : ابن هشام ٢ / ٥١ ـ ٥٣ ؛ الطبري ، تاريخ ٢ / ٣٥٢ ـ ٣٥٣.

(٤) الإسلام أ د ه : ـ ب ج.

(٥) ينظر : ابن هشام ٢ / ٥٦ ـ ٥٧ ؛ الطبري ، تاريخ ٢ / ٣٥٥.

(٦) معهم أ ج د ه : ـ ب.

(٧) ينظر : ابن هشام ٢ / ٦١ ؛ تاريخ ٢ / ٣٦٢ ـ ٣٦٦ ؛ ابن حبان ، السيرة ١١٨ ؛ ١٢٥.

(٨) لرسول الله أ : إلى رسول الله ب ج د ه.

(٩) كبار قومهم أ : كفار قومهم ب ج د ه / / عليه‌السلام وأوعدوه أواسط أ ه : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووعدوه أوسط ب ج : ـ د.

(١٠) ينظر : ابن هشام ٢ / ٦٣ ؛ ابن الجوزي ، الوفا ١ / ٢٢٥.


«الجنة» (١) ، قالوا : فابسط يدك فبسط يده وبايعوه (٢)(٣) ، ثم رجعوا إلى المدينة ، وكان قدومهم في ذي الحجة ، فأقام رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بقية ذي الحجة والمحرم وصفر ، والله أعلم.

ذكر الهجرة الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام (٤)(٥)

وهي ابتداء التاريخ الإسلامي. وأما لفظة التاريخ فإنها محدثة في لغة العرب لأنه لفظ معرب من ماه روز ، لأن عمر ، رضي‌الله‌عنه ، قصد التوصل إلى الضبط (٦) من رسوم الفرس فاستحضر الهرمزان وسأله عن ذلك ، فقال : إن لنا به حسابا نسميه ماه روز ومعناه حساب الشهور والأيام ، فعربوا الكلمة فقالوا : مؤرخ ، ثم جعلوا اسمه التاريخ واستعملوه (٧) ، ثم طلبوا وقتا يجعلونه أولا لتاريخ دولة الإسلام ، واتفقوا أن يكون المبدأ سنة هذه الهجرة ، فكانت الهجرة (٨) من مكة إلى المدينة شرفها الله تعالى ، وقد تصرم من شهور هذه السنة وأيامها المحرم فصفر (٩) وثمانية أيام من ربيع الأول.

فلما عزموا على تأسيس الهجرة رجعوا القهقرى ثمانية وستين يوما وجعلوا مبدأ التاريخ أول محرم (١٠) من هذه السنة. ثم أحصوا من أول يوم من المحرم إلى آخر يوم من عمر النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكان عشر سنين وشهرين وأياما ، وإذا حسب عمره من الهجرة ، فيكون قد عاش بعدها تسع سنين وأحد عشر شهرا واثنين وعشرين يوما ، وأما التاريخ القديم (١١)(١٢) فكانت الأمم السالفة تؤرخ بالأحداث العظام وتملك الملوك. فأرخوا بهبوط آدم ثم ببعث نوح (١٣) ، ثم بالطوفان ، وأرّخ بنو

__________________

(١) قال الجنة أ ج ه : قال : لكم الجنة ب د.

(٢) ينظر : ابن هشام ٢ / ٦٧ ؛ ابن حيان ، السيرة ١١٨ ـ ١٢٢ ؛ ابن الجوزي ، الوفا ١ / ٢٢٦.

(٣) وبايعوه أ : فبايعوه ب ج د ه / / فأقام رسول الله ... والله أعلم أ ب ج د : ـ ه.

(٤) الشريفة أ : الشريفة النبوية ب ج د ه.

(٥) ينظر : ابن هشام ٢ / ٨٩ ؛ ابن قتيبة ، المعارف ٨٩ ؛ ابن حيان ، السيرة ١٢٧ ؛ ابن الجوزي ، الوفا ١ / ٢٣٥.

(٦) الضبط ب ج د ه : ضبط أ.

(٧) ينظر : الطبري ، تاريخ ٢ / ٣٨٩ ؛ الدوري ١٩.

(٨) فكانت الهجرة أ : وكانت هذه الهجرة ب د ه : وكانت الهجرة ه.

(٩) فصفر أ : وصفر ب ج د ه.

(١٠) محرم أ : المحرم ب ج د ه.

(١١) وأما التأريخ القديم أ : وأما التواريخ القديمة ب ج د ه.

(١٢) ينظر : الطبري ، تاريخ ٢ / ٣٩٠ ـ ٣٩١.

(١٣) ببعث نوح أ ج د ه : بعث نوح ب.


إسحاق بنار إبراهيم إلى يوسف ، ومن يوسف إلى مبعث موسى (١) ، ومن موسى إلى ملك سليمان بن داود ، ثم بما كان من الكوائن ، ومنهم من أرخ بوفاة يعقوب ، عليه‌السلام ، ثم بخروج موسى من مصر ببني إسرائيل ، ثم بخراب بيت المقدس ، وأما بنو إسماعيل فأرّخوا ببناء الكعبة ، ولم يزالوا يؤرخون بذلك حتى تفرقوا. وكان كل من خرج منهم من تهامه (٢) يؤرخ بخروجه. ثم أرخوا بعام الفيل ، ثم أرخوا بأيام الحروب.

وكانت (٣) حمير يؤرخون بملوكهم التبابعة (٤) ، وأما اليونان والروم فأرخوا بظهور الإسكندر. وأما النبط (٥) فكانوا يؤرخون بملك بخت نصر ، وأما المجوس فكانوا يؤرخون بقتل دارا وظهور الإسكندر ، ثم بظهور أردشير (٦)(٧) ، ثم بملك يزدجرد (٨) وولد سيدنا محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والعرب تؤرخ بعام الفيل.

ولم يزل التاريخ كذلك إلى أن ولي عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، الخلافة فقرر الأمر على أن يؤرخوا بهجرة النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من مكة إلى المدينة فجعلوا التاريخ من المحرم أول عام الهجرة. وقد ورد في حديث المعراج الشريف أن جبريل ، عليه‌السلام (٩) ، قال للنبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حين أسري به : انزل فصلّ هنا ، ففعل ، فقال : أتدرين أين / / صليت؟ صليت بطينة (١٠) وإليها المهاجرة (١١).

وأما ما كان من حديث الهجرة ، فإن رسول الله ، عليه الصلاة والسلام ، هاجر إلى المدينة في شهر ربيع الأول وأمر أصحابه بالمهاجرة إلى المدينة. فخرج جماعة وتتابع الصحابة ، ثم هاجر عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، وأقام النبي ، عليه

__________________

(١) إلى مبعث موسى أ ب ج د : ـ ه.

(٢) تهامة : بالكسر ، تهامة تساير البحر ، منها مكة ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٢٨٣.

(٣) وكانت ب د ه : وكان أ ج.

(٤) ينظر : الطبري ، تاريخ ٢ / ٣٩٠ ـ ٣٩١ ؛ الدوري ١٣.

(٥) وأما النبط ... وظهور الإسكندر ب د : ـ أ ج ه.

(٦) أردشير : أردشير بن بابك بن ساسان أحد ملوك الطوائف على أرض اصطخر ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٣٦٢ ؛ الطبري ، تاريخ ١ / ٥٦٨.

(٧) أردشير أ ج د ه : أزدشير ب.

(٨) يزدجرد : يزدجرد بن بهرام ، ورث أباه في الملك وكان فظا غليظا ، كان ملكه إحدى وعشرين سنة ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٣٦٧.

(٩) عليه‌السلام أ ج د ه : ـ ب.

(١٠) طيبة : هي اسم لمدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقال لها طيبة وطابة من الطيب وهي الرائحة الحسنة ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٤ / ٦٠.

(١١) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٦٧.


والسلام (١) ، بمكة ينتظر ما يؤمر به ، وتخلف معه أبو بكر وعلي ، رضي‌الله‌عنهما ، واجتمعت (٢) قريش على مكيدة يفعلونها مع رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنجاه الله من مكرهم ، وأنزل عليه في ذلك : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٣) الآية ، وأمر بالهجرة.

فأمر عليا أن يتخلف عنه ويؤدي ما عنده من الودائع لأربابها (٤) ، وخرج (٥) هو وأبو بكر إلى غار ثور ، وهو جبل أسفل مكة ، فأقاما فيه ثم خرجا بعد ثلاثة أيام وتوجها إلى المدينة وقدماها لاثني عشر ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى ، وكان الاثنين (٦) الظهر. فنزل بقباء (٧) وأقام بها الاثنين ، والثلاثاء والأربعاء ، وأسس مسجد قباء ، وهو الذي نزل فيه : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ)(٨)(٩) ، ثم خرج من قباء يوم الجمعة ، وأدركته الجمعة في بنى عمرو بن عوف فصلاها في المسجد الذي ببطن الوادي. وكانت (١٠) أول جمعة (١١) صلاها بالمدينة. فولد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يوم الاثنين ، وهاجر يوم الاثنين ، وقبض صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يوم الاثنين.

واختلف العلماء في مقامه بمكة بعد أن أوحى إليه فقيل : عشر سنين ، وقيل : ثلاث عشرة سنة ، وهو الصحيح. ولعل الذي قال عشر سنين أراد بعد إظهار الدعوة فإنه بقي ثلاث سنين يسرها ، والله أعلم.

ذكر بناء المسجد الشريف النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام (١٢)

ثم إن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رحل من قباء يريد المدينة فما مر عن دار (١٣) من دور الأنصار إلا قالوا : هلم يا رسول الله إلى العدد والعدة. ويعترضون ناقته ، فيقول :

__________________

(١) عليه‌السلام أ ج د ه : «ص» ب.

(٢) واجتمعت أ ج ه : وأجمعت قريش ب د.

(٣) الأنفال : [٣٠].

(٤) ينظر : ابن هشام ٢ / ٩٩.

(٥) وخرج أ ج ه : ثم خرج ب د.

(٦) الاثنين أ : يوم الاثنين ب ج د ه.

(٧) قباء : بالضم قرية قرب المدينة ، وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الأنصار على بعد ميلين من المدينة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٨١ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٠٦١ ؛ الحميري ٤٨١.

(٨) التوبة : [١٠٨].

(٩) رجال ب ج د ه : ـ أ.

(١٠) وكانت أ ب ج د : وكان ه.

(١١) ينظر : ابن هشام ٢ / ١٠٠ ؛ ابن الجوزي ، تلقيح ١٠٤٣.

(١٢) ينظر : ابن هشام ٢ / ١٠٢ ؛ الطبري ، تاريخ ٢ / ٣٩٦ ؛ ٣٩٧ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

(١٣) عن دار أ ج ه : على دار ب د.


«خلّوا سبيلها فإنها مأمورة» ، حتى انتهت إلى موضع مسجد النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبركت هناك ، فنزل عنها النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأخذ (١) أبو أيوب الأنصاري (٢) الناقة إلى بيته.

وكان موضع (٣) المسجد مربدا للتمر لسهل وسهيل ابني عمر ، يتيمين في حجر أسعد بن زرارة (٤) ، فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حين بركت ناقته : «هذا إن شاء الله المنزل». ثم دعا الغلامين فساومهما بالمربد (٥) ليتخذه مسجدا ، فقالا : لا بل نهبه لك يا رسول الله ، فأبى أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما ، ثم بناه مسجدا. وطفق رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ينقل معهم اللبن في بنائه.

وقيل : بل كان الموضع لبني النجار ، وكان فيه قبور المشركين وخرب ونخل ، فأراد النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن يشتريه من بني النجار فقال لهم : «يا بني النجار ثامنوني حائطكم» ، فقالوا : لا نطلب ثمنه إلا إلى الله ، فأمر رسول الله ، عليه‌السلام (٦) ، بقبور المشركين فنبشت ، وبالخرب فسويت ، والنخل فقطع. قال : «فصفوا النخل قبلة المسجد» وجعلوا عضادتيه (٧) حجارة ، وجعلوا ينقلون ذلك الصخر وهم يرتجزون ورسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول :

اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة

فانصر الأنصار والمهاجرة (٨)(٩)

وأقام رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عند أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه. وكان قبله يصلي (١٠) حيث أدركته الصلاة. وبناه هو والمهاجرون والأنصار ، رضوان الله عليهم أجمعين.

__________________

(١) وأخذ ب ج د ه : فأخذ أ.

(٢) خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة الأنصاري ، شهد العقبة مع السبعين وشهد الغزوات مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وشارك في غزو القسطنطينية في زمن يزيد بن معاوية وتوفي هناك سنة ٥٢ ه‍ / ٦٧٢ م ، ينظر : ابن خياط ، تاريخ ١٥٩ ؛ ابن سعد ٣ / ٣٦٨ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٨٦ ؛ ابن عبد البر ٤ / ١٦٠٦.

(٣) موضع ب ج د ه : ـ أ.

(٤) أسعد بن زرارة ... بن مالك بن النجار ، من الستة الرهط الذين استجابوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حين دعاهم إلى الإسلام ، شهد العقبتين ، وكان نقيبا ، ومات في السنة الأولى للهجرة ٦٢٢ م ، ينظر : ابن هشام ٢ / ٥٦ ؛ ابن سعد ٣ / ٤٥٦ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢٧ ؛ ابن حجر ، الإصابة ١ / ٣٢.

(٥) بالمربد أ ج ه : المربد ب د.

(٦) عليه‌السلام أ : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج د ه.

(٧) عضادتا الشيء : الخشبتان تكون على جانبيه ، وعضادتا الباب : خشبتان منصوبتان مثبتتان في الحائط ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٣ / ٢٩٤ ؛ المعجم الوسيط ٢ / ٦٢٩.

(٨) ينظر : ابن هشام ٢ / ١٠٢ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٢٣٦.

(٩) عيش إلا عيش الآخرة ب د ابن هشام : خير إلا خير الآخرة أ ج ه.

(١٠) وكان قبله يصلي ... أجمعين أ ب د ه : ـ ج.


وكان المسجد الشريف على عهد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مبنيا باللبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل. فلم يزد (١) فيه أبو بكر شيئا ، وزاد عمر فيه وبناه على بنائه في عهد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، باللبن والجريد وأعاد (٢) عمده (٣) خشبا ، ثم غيره عثمان بن عفان ، رضي‌الله‌عنه ، في خلافته ، فزاد فيه زيادة كثيرة ، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة ، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج (٤).

ثم لما صارت الخلافة إلى الوليد بن عبد الملك ، الذي عمر مسجد دمشق ، استعمل على المدينة عمر بن عبد العزيز وكتب إليه في سنة سبع وثمانين (٥) من الهجرة الشريفة يأمره (٦) بهدم مسجد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهدم بيوت أزواج النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورضي عنهن ، وأن يدخل البيوت في المسجد بحيث تصير مساحة المسجد مائتي ذراع في مائتي ذراع ، وأن يضع أثمان البيوت من بيت المال ، فأجابه أهل المدينة إلى ذلك ، وقدم الصناع من عند الوليد لعمارة المسجد ، وتجرد لذلك عمر بن عبد العزيز ، وشيد مسجد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأدخل فيه ما حوله من المنازل.

ثم لما صارت الخلافة لبني العباس ووليها المهدي ـ أبو عبد الله محمد بن أبي / / جعفر المنصور ـ وسع (٧) المسجد الشريف ، وزاد فيه ، وحمل إليه العمد الرخام ، ورفع سقفه ، وألبس خارج القبر الشريف الرخام ، وذلك في سنة سبع وستين ومائة (٨) ، وأمر بتقصير المنابر (٩)(١٠) في البلاد وجعلها بمقدار منبر رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقد عمر في المسجد الشريف جماعة من ملوك الإسلام من الخلفاء والسلاطين وجددوا فيه أشياء من المحاسن.

وكان قد احترق المسجد الشريف في زمن (١١) الملك الظاهر ببيرس ، رحمه

__________________

(١) فلم يزد فيه أبو بكر أ ج ه : فلم يزد أبو بكر فيه ب د.

(٢) وأعاد ب ج د : ودعا أ : ـ ه.

(٣) العمد : ما يدعم به سقف أو جدار ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٣ / ٣٠٤ ؛ غالب ٢٩٣.

(٤) ينظر : القرماني ٣ / ٤٦٨.

(٥) ٨٧ ه‍ / ٧٠٦ م.

(٦) يأمره ب ج د ه : يأمر أ.

(٧) وسع ب ج د ه : ووسع أ.

(٨) ١٦٧ ه‍ / ٧٨٣ م.

(٩) المنبر : مقعد من حجر أو خشب يجلس عليها الخطيب يوم الجمعة وتقع قرب المحراب ، ينظر : بن منظور ، لسان ١ / ٦٥٩ ؛ غالب ٣٠٩ ؛ مؤنس ١٣٧ ؛ بعلبكي ٢ / ٩٣٠.

(١٠) المنابر أ ب ج د : + كلها ه.

(١١) زمن أ ب ج د : زمان ه.


الله ، فاهتم بعمارته (١) ، ووضع الدرابزينات (٢) حول الحجرة الشريفة ، وعمل فيه منبر وسقفه بالذهب (٣).

ثم في عصرنا جرت حادثة وهي في ليلة الثالث عشر من شهر رمضان سنة ست وثمانين وثمانمائة (٤) ، وقعت صاعقة بالليل في المدينة الشريفة (٥) فاحترق (٦) منها المسجد الشريف النبوي والحجرة الشريفة (٧) وجميع ما بالمسجد الشريف من المصاحف والكتب وغير ذلك. ووردت الأخبار بذلك إلى السلطان الملك الأشرف قايتباي ، نصره الله تعالى (٨) ، وكتب أهل المدينة محضرا بما وقع ، وجهزوه إلى القاهرة في أسرع وقت ، وجزع الناس لذلك. ثم اهتم السلطان بعمارته ، وقام في ذلك (٩) أعظم قيام ، وأنشأه وجدد عمارته فجاءت في غاية الحسن ، ولله الحمد والمنة (١٠).

وأما المسجد الشريف فله أربعة أبواب من جهتي المشرق والمغرب ، فمن جهة المشرق باب جبريل وباب النساء ، ومن جهة الغرب باب السلام وباب الرحمة ، وعليه خمسة منائر (١١) : أربعة قديمة والخامسة مستجدة بمدرسة السلطان الملك الأشرف قايتباي ، وقد وقف السلطان المشار إليه ، على المدينة الشريفة أوقافا كثيرة وأكثرها عقارات بالقاهرة ، ورتب قمحا يحمل في كل سنة ، يصرف لأهلها والواردين إليها ، وكان ذلك في سنة ثمان وثمانين وثمانمائة (١٢) عند انتهاء عمارة المسجد الشريف ، وإنما ذكرت هذه الحوادث هنا (١٣) استطرادا على وجه الاختصار ولتعلقها بالمسجد الشريف.

ولنرجع إلى ذكر أخبار الهجرة الشريفة فأقول وبالله التوفيق : ولما أقام النبي ،

__________________

(١) بعمارته أ ج د ه : لعمارته ه.

(٢) الدرابزين : قوائم مصفوفة تعمل من خشب أو حديد تحاط بها السلالم وغيرها ، ينظر : الحسيني ٤٤٣.

(٣) ينظر : القرماني ٣ / ٤٦٦.

(٤) ٨٨٦ ه‍ / ١٤٨١ م.

(٥) في المدينة الشريفة ب ج د ه : بالمدينة أ.

(٦) ينظر : القرماني ٣ / ٤٦٦.

(٧) والحجرة الشريفة ب ج د : ـ أ ه.

(٨) نصره الله تعالى أ ج : رحمة الله تعالى عليه ه : ـ ب د.

(٩) وقام في ذلك أ ج ه : وأقام في ذلك ب د.

(١٠) والمنة ب ج د : ـ أ ه.

(١١) خمسة منائر ج د ه : منابر أ ب / / والخامسة مستجدة ب ج د ه : ـ أ.

(١٢) ٨٨٨ ه‍ / ١٤٨٣ م.

(١٣) هنا ب ج د ه : ـ أ.


صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بالمدينة الشريفة ، ففي السنة الأولى من هجرته ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بني (١) بعائشة رضي‌الله‌عنها ، في شهر ذي القعدة وهي بنت تسع سنين ، وفيها كانت المؤاخاة (٢) بين المسلمين آخى بينهم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاتخذ هو علي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه ، أخا ، وصار أبو بكر وخارجة (٣) بن زيد بن أبي زهير الأنصاري أخوين ، وتواخى أبو عبيدة بن الجراح وسعد بن معاذ ، وعمر بن الخطاب وعتبان (٤) بن مالك (٥) ، وطلحة بن عبد الله ، وكعب بن مالك (٦) ، وسعيد بن زيد (٧) ، وأبي بن كعب الأنصاري (٨) ، رضي‌الله‌عنهم. وفيها كانت غزوة الأبواء (٩) وهي أول غزواته ثم غزواته ثم غزوة بواط (١٠) ثم غزوة العشيرة (١١).

ثم دخلت السنة الثانية من الهجرة الشريفة (١٢) على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، وكان تحويل القبلة من صخرة بيت المقدس (١٣) إلى المسجد الحرام ، قال الله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)(١٤) ، وروى الليث (١٥) عن

__________________

(١) ينظر : الطبري ، تاريخ ٢ / ٣٩٨ ؛ ابن الجوزي ، تلقيح ٢٠.

(٢) ينظر : ابن هشام ٢ / ١٠٨ ـ ١٠٩.

(٣) خارجة بن زيد بن أبي زهير ... بن الخزرج ، بدري قتل يوم أحد شهيدا ، ينظر : ابن حجر ، الإصابة ١ / ٤٠٠.

(٤) عتبان بن مالك بن ج د ه ابن سعد : عتبان بن الملك أ.

(٥) عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان بن زيد بن غنم ... بن الخزرج ، شهد بدرا ، جاءه النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى بيته فصلى فيه ، بقي إلى أيام يزيد بن معاوية ، ينظر : ابن سعد ٣ / ٥٥٠ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٢ / ٤٥٢ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١٩٧.

(٦) كعب بن مالك بن القين بن كعب ... بن الخزرج الأنصاري ، شهد العقبة وتوفي زمن علي بن أبي طالب ، وقيل : سنة ٥٠ ه‍ / ٦٧٠ م ، ينظر : ابن حبان ، تاريخ ٢١٨ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٣ / ٣٠٢.

(٧) سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى ، أحد الصحابة المبشرين بالجنة ، مات سنة ٥١ ه‍ / ٦٧١ م ، ينظر : ابن حبان ، تاريخ ٢٥ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٢ / ٣٣.

(٨) أبي بن كعب بن عمرو ... بن عدي بن كعب ، كنيته أبو الأعور ، قدم من الحوراء مع طلحة بعد ما انصرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بدر ومات سنة ٥٠ ه‍ / ٦٧٠ م ، ينظر : ابن حبان ، تاريخ ٢٤ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٢ / ٤٤.

(٩) الأبواء : قرية من أعمال الفرع قرب المدينة المنورة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٨١.

(١٠) بواط : واد من الأودية القبلية ، وهو جبل جهينة بناحية رضوى ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٢٢٨.

(١١) العشيرة : حصن صغير بين ينبع والمروة ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ٩٤٣.

(١٢) الشريفة ... وكان ب : ـ أ ج د ه.

(١٣) المقدس أ ج د ه : + الشريف ب.

(١٤) البقرة : [١٤٤].

(١٥) الليث بن سعد بن عبد الرحمن مولى قيس بن رفاعة ، كان أصله من أصفهان ، ولد سنة ٩٣ ه‍ / ٧١١ م ـ


يونس (١) عن الزهري قال : لم يبعث الله عند هبوط آدم إلى الأرض نبيا إلا جعل قبلته صخرة بين المقدس. وعن ابن عباس ، رضي‌الله‌عنهما ، قال : أول ما نسخ من القرآن القبلة وذلك أن النبي (٢) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأصحابه ، كانوا يصلون بمكة إلى الكعبة فلما هاجر إلى المدينة ، أمره الله تعالى (٣) أن يصلي نحو صخرة بيت المقدس ليكون أقرب إلى تصديق اليهود إياه إذا صلى إلى قبلتهم مع ما يجدون من نعته في التوراة ، فصلى بعد الهجرة الشريفة ستة عشر أو سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس ، وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة ، لأنها كانت قبلة أبيه إبراهيم ، عليه‌السلام ، فأنزل الله عليه الآية وأمره باستقبال الكعبة.

ولما حولت القبلة كان النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في مسجد القبلتين في بني سلمة ، وكان يصلي فيه الظهر إلى بيت المقدس ، وقد صلى بأصحابه ركعتين من صلاة الظهر ، فتحول في الصلاة واستقبل الميزاب وحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال ، فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين.

وعن البراء (٤) : أن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، صلى إلى البيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت الحرام (٥) ، فإنه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم ، فخرج رجل ممن صلى معه (٦) ، فمر على أهل مسجد وهم راكعون (٧) فقال : أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله ، عليه‌السلام ، قبل مكة ، فداروا كلهم (٨) وجوههم قبل البيت ، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس. فلما ولى (٩) وجهه قبل البيت / / أنكروا ذلك.

__________________

واستقل بالفتوى في مصر ، عرف عنه كثرة العلم والإسناد وتوفي سنة ١٧٥ ه‍ / ٧٩١ م ، ينظر : الشيرازي ٧٦ ؛ ابن الجوزي ، صفوة ٤ / ٢٢١.

(١) يونس بن يزيد الأيلي محدث روى عن عكرمة ونافع وعند الأوزاعي والليث ، وثقه النسائي وغيره ، ينظر : البخاري ، التاريخ ٢ / ١٢٣ ؛ ابن العماد ١ / ٢٣٣.

(٢) النبي أ ج د ه : محمدا ب.

(٣) أمره الله تعالى أ ج د ه : أمر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب.

(٤) البراء بن عازب الأنصاري ، سكن الكوفة كنيته أبو عمارة ويقال أبو عمرو ، استصغره الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يوم بدر فرده ، مات في ولاية مصعب بن الزبير سنة ٧٢ ه‍ / ٦٩١ م ، ينظر : ابن سعد ٤ / ٢٦٩ ؛ ابن حجر ، الإصابة ١ / ١٤٧.

(٥) قبلته قبل البيت الحرام أ ج ه : قبلته البيت ب د.

(٦) ممن صلى أ ج ه : ممن صلوا ب د.

(٧) وهم راكعون ب ج د ه : وهم راكعين أ / / مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ه : مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج د.

(٨) فداروا كلهم وجوههم قبل البيت ب ج د ه : فداروا كما هم قبل المدينة أ.

(٩) فلما ولى أ ج هت : ولما ولوا ب د.


وقال البراء في حديثه هذا : إنه مات على القبلة قبل أن تحوّل رجال وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم ، فأنزل الله عز وجل : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١٤٣) (١) وكان تحويل القبلة (٢) في يوم الثلاثاء منتصف شعبان (٣) ، وقيل : في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين من السنة الثانية (٤) من الهجرة الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.

وفيها ـ أعني السنة الثانية في شعبان ـ فرض صوم شهر رمضان ، وأمر الناس بإخراج زكاة الفطر قبل الفطر بيوم أو يومين ، فصام صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تسع رمضانات إجماعا ، وفيها رأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري (٥) صورة الآذان في النوم ، وورد الوحي به (٦).

وفيها تزوج علي (٧) بفاطمة بنت رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : «إن الله (٨) سبحانه وتعالى عقد عقد فاطمة لعلي في السماء فنزل الوحي بذلك» ، فجمع الصحابة لذلك وأرسل وراء علي بن أبي طالب وأخبره بالخبر ، فعقد النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عقد علي على فاطمة ، فقيل لعلي : أولم يا علي ، فنزل بدرعه يبيعه ، فعرفه عبد الرحمن فاشتراه بألف درهم ودفعها لعلي ، ثم أوهبه الدرع.

وفيها كانت غزوة بدر الكبرى (٩) التي أظهر الله بها الدين ، وسببها قتل عمر بن الحضرمي ، وإقبال أبي سفيان بن حرب في عير لقريش عظيمة (١٠) من الشام ، وفيها أموال كثيرة ، فانتدب المسلمون بأمر النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وخرجوا إليهم ، فبلغ أبا سفيان (١١) ذلك فبعث إلى مكة وأعلم قريشا بذلك ، فخرج المشركون من مكة ، وكانت عدتهم تسعمائة وخمسين رجلا فيهم مائة فرس ، وخرج رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من

__________________

(١) البقرة : [١٤٣].

(٢) ينظر : ابن هشام ٢ / ١٨١.

(٣) شعبان ج ه : شهر شعبان ب د.

(٤) ٢ ه‍ / ٦٢٣ م.

(٥) عبد الله بن زيد الأنصاري : كان على النفل يوم بدر ومعروف برواية الآذان ، ينظر : ابن سعد ١ / ١٩٠ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٥ / ١٣٥.

(٦) وورد الوحي به أ ج د ه : وورد به الوحي ب.

(٧) علي أ : + رضي‌الله‌عنه ب ج د ه.

(٨) وقال إن ... ثم أوهبه الدرع ب د : ـ أ ج ه.

(٩) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٣٥٨.

(١٠) عظيمة ب ج د ه : عظيم أ.

(١١) أبا سفيان ب د ج : أبو سفيان أ : أبي سفيان ه.


المدينة ومعه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ولم يكن فيهم إلا فارسان ، وكانت الإبل سبعين يتعاقبون عليها ، ونزل في بدر وبنى له عريش وجلس عليه ومعه أبو بكر.

وأقبلت قريش ، فلما رآهم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها (١) وفخرها تكذّب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتني به (٢)» ، ولم يزل كذلك (٣) ، والتقى الصفان وتزاحف القوم ، ورسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومعه أبو بكر في العريش وهو يدعو ويقول : «اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض ، اللهم أنجز لي ما وعدتني به» ، ولم يزل كذلك حتى سقط رداؤه فوضعه أبو بكر عليه ، وخفق رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم انتبه فقال : «أبشر أبا بكر فقد أتى نصر الله».

ثم خرج رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من العريش يحرض المسلمين على القتال ، وأخذ حفنة من الحصا (٤) ورمى بها قريش وقال : «شاهت الوجوه» ، وقال لأصحابه : «شدوا عليهم» ، فكانت الهزيمة على المشركين ، وكانت الوقعة صبيحة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان (٥) ، وحمل عبد الله بن مسعود رأس أبي جهل بن هشام إلى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسجد شكرا لله تعالى.

ونصر الله نبيه بالملائكة قال تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (١٠) (٦).

وكانت عدة قتلى بدر من المشركين سبعين رجلا والأسرى كذلك (٧) وكان من جملة الأسرى العباس (٨) عم النبي (٩) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولما انقضى القتال أمر النبي ، عليه

__________________

(١) بخيلائها ب ج د ه ابن هشام : بخيلها أ.

(٢) ينظر : ابن هشام ٢ / ١٩٦.

(٣) ولم يزل كذلك ب ج د ه : ـ أ.

(٤) الحصا ب : الحصى أ ج د ه.

(٥) ينظر : المصدر نفسه ٢ / ١٩٦.

(٦) الأنفال : [٩ ، ١٠].

(٧) ينظر : ابن هشام ٢ / ٢٥٦.

(٨) العباس بن عبد المطلب بن هاشم ، أبو الفضل ، عم الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أسلم قديما لكن كان يكتم إسلامه ، وقع أسيرا في بدر وفادى نفسه ورجع إلى مكة ، ثم أقبل إلى المدينة مهاجرا ، توفي العباس سنة ٣٢ ه‍ / ٦٥٢ م ودفن في البقيع ، ينظر : ابن سعد ٣٢ / ٦٥٢ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١٨٣ ؛ ابن الجوزي ، صفوة ١ / ٢٢٠ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٢ / ٢٧١.

(٩) عم النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د ه : عم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب.


السلام (١) ، بسحب القتلى إلى القليب (٢) وكانوا أربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا فيه وجميع من استشهد من المسلمين أربعة عشر رجلا ، وعاد النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى المدينة ، وكانت غيبته تسعة عشر يوما ، وماتت ابنته رقية ، زوجة عثمان ، في غيبته. وكان عثمان تخلف في المدينة بأمره ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بسببها (٣) ، وفيها هلك (٤) أبو لهب. ثم كانت غزوة بني قينقاع (٥) ، من اليهود ، وأمر بإجلائهم ، ثم كانت غزوة السويق (٦) ، ثم كانت غزوة قرقرة الكدر (٧) ، وقرقرة الكدر : ماء مما يلي جادة العراق إلى مكة ، وقتل كعب (٨) بن الأشرف اليهودي بأمر النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ثم دخلت السنة الثالثة من الهجرة فيها كانت غزوة بني النضير (٩) من اليهود ، وكانت على رأس ستة أشهر من بدر قبل أحد (١٠) فأجلاهم النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحرق نخلهم (١١).

وفيها كانت غزوة أحد (١٢) وسببها : وقعة بدر. فاجتمع المشركون وكانوا ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع (١٣) ، ومائتا فارس وقائدهم أبو سفيان ، وساروا من مكة حتى نزلوا ذا الحليفة (١٤) مقابل المدينة يوم الأربعاء لأربع مضين من شوال ، وخرج النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في ألف من الصحابة إلى أن صار بين المدينة وأحد ونزل الشعب من أحد ، ثم كانت الوقعة بين السبت لسبع مضين من شوال وعدة أصحاب النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سبعمائة وفيهم مائة دارع ، ولم يكن معه من الخيل سوى / / فرسين ، والتقى الناس ودنا بعضهم من بعض. وقامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها وضربن بالدفوف خلف الرجال يحرضن المشركين على القتال (١٥) وحرب المسلمين. وقاتل

__________________

(١) عليه‌السلام أ ج د ه : ص ب.

(٢) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٣٥٨.

(٣) بسببها أ ج ه : لسببها ب د.

(٤) ينظر : ابن سيد الناس ١ / ٣١٩.

(٥) ينظر : ابن سعد ٢ / ٢١ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٣٥٢.

(٦) ينظر : ابن سعد ٢ / ٢٢ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٣٥٤.

(٧) ينظر : ابن سعد ٢ / ٢٣ ؛ ابن سيد الناس ١ / ٣٥٥.

(٨) ينظر : ابن سيد الناس ١ / ٣٥٦.

(٩) ينظر : ابن سعد ٣ / ٤٢٧ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٣٥٨.

(١٠) قبل أحد أ ج د ه : ـ ب.

(١١) وحرق نخلهم أ ج ه : وحرق نخيلهم ب د.

(١٢) ينظر : ابن سعد ١ / ٣٧٧ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٥ ؛ ابن القيم ، زاد ٢ / ٨٨.

(١٣) دارع ب ج د ه : مدرع أ.

(١٤) ذا الحليفة ب ج د ه : ـ أ.

(١٥) القتال ب د ه : ـ أ ج.


حمزة عم النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يومئذ قتالا شديدا إلى أن قتل. ضربه وحشي ، عبد جبير بن مطعم وكان حبشيا بحربة فقتله ، وقتل مصعب (١) حامل لواء رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد ظن قاتله أنه رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال لقريش : إني قتلت محمدا. ولما قتل مصعب أعطى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الراية لعلي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه ، وانهزم المشركون. فطمعت الرماة في الغنيمة (٢) ، وفارقوا المكان الذي أمرهم النبي ، عليه‌السلام (٣) ، بملازمته ، ووقع الصراخ أن محمدا قتل. وانكشف المسلمون وأصاب منهم العدو. وكان يوم بلاء على المسلمين وكان عدة الشهداء ، منهم سبعين رجلا ، وعدة قتلى المشركين اثنين وعشرين رجلا.

ووصل العدو إلى رسول الله ، عليه‌السلام (٤) ، وأصابته حجارتهم حين وقع ، وأصيبت رباعيته وشج وجهه ، وجعل الدم يسيل على وجهه (٥) ، وهو يقول : «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعو إلى ربهم» (٦) فنزل في ذلك قوله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) (١٣٨) (٧). ودخلت حلقتان من المغفر في وجهه الشريف من الشجة ، ونزع أبو عبيدة الجراح إحدى الحلقتين (٨) من وجهه فسقطت ثنيته الواحدة. ثم نزع الأخرى فسقطت الثنية الأخرى (٩).

ومثلت هند وصواحبها بالقتلى من الصحابة فجدعن الآذان والأنوف وبقرت هند عن كبد حمزة ولاكتها. وصعد زوجها أبو سفيان الجبل ، فصرخ (١٠) بأعلى صوته الحرب سجال يوم بيوم بدر أعل هبل أي ـ أظهر دينك ـ فأجابه المسلمون : الله أعلى وأجل. ونادى : إن موعدكم بدر العام القابل. فقال النبي ، عليه

__________________

(١) مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة ، من شهداء أحد ، بعثه رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بعد بيعة العقبة الأولى إلى المدين ، فأسلم أهل المدينة على يده قبل قدوم النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ينظر : ابن سعد ٣ / ٨٥ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٣ / ٤٢١.

(٢) في الغنيمة أ ج د ه : بالغنيمة ب.

(٣) عليه‌السلام أ ج د ه : «ص» ب.

(٤) عليه‌السلام أ : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج د ه ب / / وأصابته حجارتهم أ ه : وأصابه حجارتهم ب د : ووصلته حجارتهم ه.

(٥) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ١٩.

(٦) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ١٩.

(٧) آل عمران : [١٢٨].

(٨) إحدى الحلقتين أ ج د ه : أحد الحلقتين ب.

(٩) فسقطت الثنية الأخرى أ ه : فسقطت ثنيته الأخرى ب ج د.

(١٠) فصرخ أ : وصرخ ب ج د ه / / الحرب سجال ب ج د ه : ـ أ.


السلام (١) ، لواحد : «قل هو بيننا وبينكم» (٢) ، ثم التمس رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عمه حمزة فوجده وقد بقر بطنه (٣) وجدع أنفه وأذناه ، فقال : «لئن أظهرني الله على قريش لأمثلن بثلاثين منهم» ، وجاء (٤) جبريل فأخبره أن حمزة مكتوب في أهل السماوات السبع : حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله (٥) ، ثم أمر رسول الله ، عليه‌السلام (٦) ، فسجي ببردة ، ثم صلى عليه ، فكبر (٧) بسبع تكبيرات. ثم أتي بالقتلى يوضعون إلى حمزة فصلى عليهم وعليه اثنتين وسبعين صلاة. وهذا دليل لأبي حنيفة فإنه يرى الصلاة على الشهيد بخلاف (٨) الشافعي وأحمد ، رحمهم الله تعالى ، ثم أمر بحمزة فدفن ، واحتمل أناس من المسلمين إلى المدينة ، فدفنوا بها. ثم نهاهم النبي (٩) ، عليه‌السلام ، فقال : «ادفنوهم حيث صرعوا» ، وأصيبت عين قتادة (١٠) فردها رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بيده ، فكانت (١١) أحسن عينيه ، واستشهد أنس بن النضر ، عم أنس بن مالك وقد أبلى (١٢) بلاء حسنا وفيه نزلت : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ)(١٣) الآية.

وفيها تزوج النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حفصة (١٤) بنت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنهما ، وبنى بها وكانت تحت خنيس بن حذافة (١٥) السهمي.

ثم دخلت السنة الرابعة من الهجرة وفيها كانت غزوة بدر الثانية ـ وهي في شعبان ، وفيها خرج النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى بدر لميعاد أبي سفيان ، وخرج أبو

__________________

(١) عليه‌السلام أ ج د ه : «ص» ب / / لواحد أ ب ج د : ـ ه.

(٢) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٢٧.

(٣) وقد بقر بطنه أ ب د : بقرت هند بطنه ولاكت كبده ه : ـ ج.

(٤) وجاء أ : وجاءه ب ج د ه.

(٥) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٢٩.

(٦) ثم أمر رسول الله عليه‌السلام أ ج ه : ثم أمر النبي ص ب د.

(٧) فكبر أ ج ه : وكبر ب د / / بسبع تكبيرات أ : سبع تكبيرات ب ج د ه.

(٨) بخلاف أ : خلافا ب ج د ه.

(٩) نهاهم النبي عليه‌السلام أ ه : نهاهم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ب ج د / / فقال أ : وقال ب ج د ه.

(١٠) قتادة بن النعمان بن زيد ... بن الخزرج شهد بدرا ، وأصيبت عينه في أحد ، توفي سنة ٢٣ ه‍ / ٦٤٣ م ، ينظر : ابن سعد ٣ / ٣٤٥ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢١٤ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٣ / ٢٢٥.

(١١) فكانت أ ج ه : وكانت ب د.

(١٢) وقد أبلى ه : وقد بلى أ ب ج د.

(١٣) الأحزاب : [٢٣].

(١٤) ينظر ترجمتها : ابن خياط ، الطبقات ٦٢٥ ؛ ابن قتيبة ، المعارف ٨١ ؛ ابن سعد ٨ / ٦٥ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٨٣.

(١٥) حذافة ب ج د ه : الحذاف أ.


سفيان (١) في أهل مكة ، ثم رجع ورجعت قريش معه ، وانصرف رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى المدينة (٢).

ثم دخلت السنة الخامسة من الهجرة الشريفة فيها كانت غزوة الخندق (٣) وهي غزوة الأحزاب ، وكانت في شوال ، وسببها : أن نفرا من اليهود حزبوا الأحزاب على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقدموا على قريش بمكة يدعونهم (٤) إلى حربه. فلما بلغ النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ذلك أمر بحفر الخندق حول المدينة وعمل فيه بنفسه وفرغ من الخندق (٥) ، وأقبلت قريش ومن تبعها من بني قريظة ، واشتد البلاء حتى ظن المؤمنون كل الظن. فأقام (٦) رسول الله ، عليه‌السلام ، والمشركون بضعا وعشرين ليلة ، لم يكن بين القوم حرب إلا الرمي. ثم نصر الله نبيه على المشركين وخذلهم ، وأخلف بين كلمتهم (٧) ، وأهب الله ريح الصبا كما قال الله تعالى (٨) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها)(٩) ، فجعلت الريح تقلب أبنيتهم وتكفأ قدورهم وانقلبوا خاسرين. فبلغ ذلك رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «الآن نغزوهم ولا يغزونا» (١٠) ، فكان (١١) كذلك حتى فتح مكة.

فيها ، أي في ذي القعدة ، كانت غزوة بني قريظة (١٢) عقيب (١٣) عود النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى المدينة من غزوة الخندق / / بوحي من الله تعالى نزل على نبيه محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسار إليهم وحصرهم (١٤) خمسا وعشرين ليلة ، وقذف في قلوبهم الرعب ، ونزلوا على حكم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فرد الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ (١٥) ، فحكم

__________________

(١) وخرج أبو سفيان أ ب ج د : ـ ه.

(٢) ينظر : ابن هشام ٣ / ١٢٣ ؛ ابن سعد ٢ / ٤٥ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٧٤.

(٣) ينظر : ابن هشام ٣ / ١٢٧ ؛ ابن سعد ٢ / ٤٦ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٧٦ ـ ٧٧.

(٤) يدعونهم ب د : يدعوهم ج ه : يدعونه ب / / إلى حربه أ ب ج د : إلى حرب رسول الله ه.

(٥) ابن هشام ٢ / ١٢٨ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٧٧.

(٦) فأقام أ : وأقام ب ج د ه / / عليه‌السلام أ ج د ه : ص ب.

(٧) وأخلف بين كلمتهم أ : واختلفت كلمتهم ب ج د ه / / ريح الصبا أ ب ج د : الريح الصبا ه.

(٨) تعالى أ : ـ ب ج د ه.

(٩) الأحزاب : [٩].

(١٠) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٩١.

(١١) فكان أ ج ه : وكان ب د.

(١٢) ينظر : ابن هشام ٣ / ١٤٠ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٩٦ ؛ ابن القيم ، زاد ٢ / ١١٩.

(١٣) عقيب أ ج ه : عقب ب د.

(١٤) وحصرهم أ ج ه : وحاصرهم ب د.

(١٥) ينظر ترجمته في : ابن هشام ٣ / ١٣٥ ـ ١٣٦ ؛ ابن سعد ٣ / ٥ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١١٢.


بقتل المقاتلة وسبى الذرية والنساء ، وقسم الأموال.

ثم رجع النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى المدينة فضرب أعناقهم (١) ، وكانوا ستمائة أو تسعمائة ، وقيل : ما بين الثمانمائة والسبعمائة. ثم قسم الأموال والسبايا واصطفى لنفسه ريحانة بنت شمعون (٢) ، فكانت في ملكه حتى مات (٣). ولم يستشهد في هذه الغزوة سوى خلاد بن سويد بن ثعلبة (٤) ألقت عليه امرأة من بني قريظة رمحا شدقت رأسه فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، «له أجر شهيدين» (٥) وقتلها بها.

ثم دخلت السنة السادسة من الهجرة وفيها في شعبان كانت غزوة بني المصطلق ، وهي غزوة المريسيع (٦). وكان (٧) في جملة السبي جويرية (٨) بنت الحارث كان اسمها برة ، فسماها رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، جويرية وكانت إحدى أزواجه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفيها كانت قصة الإفك (٩) فرميت السيدة أم المؤمنين عائشة ، رضي‌الله‌عنها ، بالإفك مع صفوان بن المعطل. وكان صفوان حصورا لا يأتي النساء والقصة مشهورة في الحديث الشريف ، فيها نزلت آية التيمم. وفيها كانت غزوة الحديبية (١٠) وهي أن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خرج من المدينة في ذي القعدة سنة ست معتمرا لا يريد حربا ، وساق الهدي وأحرم بالعمرة ، وسار حتى وصل إلى ثنية المرار (١١) مهبط الحديبية أسفل مكة والحديبية بئر. ووقع من معجزاته نبع الماء في ذلك المكان.

وتأهبت قريش للقتال ، وبعثوا رسولهم إلى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبعث رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عثمان بن عفان إليهم يعلمهم أنه لم يأت لحرب وإنما جاء زائرا ومعظما لهذا البيت (١٢). فلما وصل إليهم أمسكوه وحبسوه. وبلغ رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن عثمان (١٣)

__________________

(١) فضرب أعناقهم أ : وضرب أعناقهم ب ج د : وضرب رقابهم ه.

(٢) ينظر ترجمتها في : ابن سعد ٨ / ١٠٢ ؛ ابن القيم ١ / ٢٩.

(٣) ينظر : ابن سعد ٣ / ٤٠١ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٩٠.

(٤) حتى مات أ ب ج د : إلى أن مات ه / / ابن سويد أ ه ابن سعد : بن زيد ب ج د.

(٥) ينظر : ابن هشام ٣ / ١٥٦.

(٦) المريسيع : ماء لخزاعة وعن غزوة بني المصطلق ، ينظر : ابن هشام ٣ / ١٨٢ ؛ ابن سعد ٢ / ٣ ؛ ابن حبان ، السير ٢٥٣.

(٧) وكان أ ب ج د : وكانت ه.

(٨) ينظر ترجمتها : ابن سعد ٨ / ٩٢ ؛ ابن القيم ، زاد المعاد ١ / ٢٧ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٤ / ٢٦٥.

(٩) ينظر : ابن هشام ٣ / ١٨٧ ـ ١٩٦ ؛ ابن حبان ، السيرة ٢٥٤.

(١٠) الحديبية : اسم بئر قريبة من مكة وطريق جدة ، ينظر : الحميري ١٩٠.

(١١) ثنية المرار ابن هشام ابن حبان البستي : ثنية المزار أ ج ه : ثنية الزمار ب د.

(١٢) ينظر : ابن هشام ٣ / ١٩٩ ؛ ابن حبان ، السيرة ٢٨٢.

(١٣) أن عثمان قتل أ ج ه : قتله ب د.


قتل ، فدعا الناس إلى البيعة ، فكانت بيعة الرضوان (١) تحت الشجرة ، فبايع الناس على الموت ، ثم أتاه الخبر أن عثمان لم يقتل.

ثم وقع الصلح بين رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبين قريش. فإنهم بعثوا سهيل بن عمرو (٢) في الصلح ، فأجاب (٣) النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم دعا علي بن أبي طالب فقال : «أكتب بسم الله الرحمن الرحيم» ، فقال سهيل : لا أعرف هذا ولكن أكتب باسمك اللهم ، فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اكتب باسمك اللهم» ، ثم قال : «اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله» ، فقال سهيل : لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ولكن اسمك واسم أبيك ، فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو على وضع الحرب عن الناس عشر سنين ، وإنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه» ، وأشهدوا في الكتاب على الصلح رجالا من المسلمين والمشركين ، ولما فرغ رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من ذلك نحر هدية وحلق رأسه وفعل الناس كذلك ، ثم عاد إلى المدينة حتى إذا كان بين مكة والمدينة نزلت سورة الفتح : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً)(٤) ، ودخل في الإسلام في هذه السنة مثل ما دخل فيه قبل ذلك وأكثر ، والقصة مبسوطة (٥) ولكن المراد هنا الاختصار (٦).

ثم دخلت السنة السابعة من الهجرة ، وفيها كانت غزوة ذي قرد ، وذو قرد : موضع على ميلين من المدينة على طريق خيبر (٧) ، وهي الغزوة التي أغاروا (٨) فيها على لقاح النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قبل خيبر بثلاث.

وفيها كانت غزوة خيبر في منتصف المحرم. سار النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى خيبر وهي على ثمان برد من المدينة وأشرف (٩) عليها وقال لأصحابه : قفوا ثم قال : «اللهم رب

__________________

(١) ينظر : ابن هشام ٣ / ٢٠٢.

(٢) ينظر : ابن حبان ، تاريخ ١٢٢ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٢٨٤.

(٣) فأجاب ب ج د ه : وأجاب أ.

(٤) الفتح : [١].

(٥) والقصة مبسوطة ب ج د ه : والقصة مشهورة أ.

(٦) عن صلح الحديبية : ينظر : ابن هشام ٣ / ٢٠٣ ؛ ابن سعد ٢ / ٧٢ ؛ ابن حبان السيرة ٢٨٤.

(٧) خيبر : الموضع الذي غزاه النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على ثمانية برد من المدينة من جهة الشام وكان بها سبعة حصون لليهود وحولها مزارع ونخل ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٨٨ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٤٩٤ ؛ الحميري ٢٢٨.

(٨) أغاروا ب ج د ه : غاروا أ.

(٩) وأشرف أ ه : فأشرف ب ج د.


السماوات وما أظللن ، ورب الأرضين ما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ، ورب الرياح وما ذرين ، نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها / / وشر ما فيها ، أقدموا بسم الله» (١).

ونزل على خيبر ليلا ولم يعلم أهلها. فلما أصبحوا خرجوا إلى عملهم (٢) ، فلما رأوه عادوا وقالوا : محمد والخميس ـ يعنون الجيش ـ فقال النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الله أكبر خربت خيبر إنا إذا أنزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» (٣). ثم حاصرهم وضيق عليهم وأخذ الأموال وفتح الحصون ، وأصاب سبايا منهن صفية بنت حيي (٤) فاصطفاها رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لنفسه وتزوجها جعل عتقها صداقها. وهذا مذهب الإمام أحمد ، رضي‌الله‌عنه ، وهي (٥) من مفردات مذهبه ، وكان علي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه ، قد تخلف بالمدينة لرمد لحقه ، فلما أصبحوا جاء علي فتفل النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في عينيه (٦) ، فما اشتكى رمدا بعدها ، ثم أعطاه الراية فنهض بها وأتى خيبر. فأشرف عليه رجل من يهود خيبر وقال : من أنت؟ فقال : أنا علي بن أبي طالب ، فقال اليهودي : غلبتم يا معشر اليهود فخرج مرحب من الحصن وعليه مغفر يماني وعلى رأسه بيضة عادية وهو يقول :

قد علمت خيبر أني مرحب

شاكي السلاح بطل مجرّب (٧)

أطعن أحيانا وحينا أضرب

إذا الليوث أقبلت تلتهب (٨)

فخرج إليه علي ، رضي‌الله‌عنه ، وهو يقول :

أنا الذي سمتني أمي حيدرة

أكيلكم بالسيف كيل السندرة (٩)

ليث بغابات شديد قسورة (١٠)

واختلف بينهما ضربتان فسبقه علي ، رضي‌الله‌عنه ، فقد البيضة والمغفر ورأسه فسقط عدو الله ميتا. وكان فتح خيبر في صفر على

__________________

(١) ينظر : ابن هشام ٣ / ٢١٢.

(٢) إلى عملهم أ ج ه : إلى عمالهم ب د.

(٣) ينظر : ابن هشام ٣ / ٢١٢ ؛ ابن حبان ، السيرة ٣٠٠.

(٤) ينظر ترجمتها : ابن هشام ٣ / ٢١٧ ؛ ابن سعد ٨ / ٩٥ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١٣٩.

(٥) وهي أ ه : وهو ب ج : وهذا د.

(٦) عينيه أ ب ج د : عينتيه ه.

(٧) شاكي ب ج د ه : شاك أ.

(٨) ينظر : ابن هشام ٣ / ٢١٦.

(٩) أكيلكم ب د ه : أكيلهم أ ج.

(١٠) ينظر : ابن هشام ٣ / ٢١٤ ـ ٢١٥ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ١٧٥.


يد (١) علي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه. ثم انصرف رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى وادي القرى (٢) فحصره (٣) ليلة وفتحه عنوة ، ثم سار إلى المدينة. وكان قد كتب إلى النجاشي يطلب منه بقية المهاجرين ويخطب أم حبيبة (٤) بنت أبي سفيان. فزوجها للنبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ابن عمها خالد بن سعيد (٥) ، وأصدقها النجاشي عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أربعمائة دينار.

وفي غزوة خيبر أهديت للنبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الشاة المسمومة ، فأخذ منها قطعة ولاكها ، ثم لفظها وقال : «تخبرني هذه الشاة أنها مسمومة» (٦) ، ثم بعد غزوة خيبر كانت غزوة ذات الرقاع (٧) فتقارب (٨) الناس ولم يكن بينهم حرب. وقال أبو موسى (٩) : سميت غزوة ذات الرقاع ، لما كنا نعصب بالخرق (١٠) على أرجلنا (١١). وفي هذه السنة أرسل النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رسله (١٢) إلى الملوك. فأرسل إلى كسرى ، فمزق كتاب النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما بلغه ذلك قال : «مزق الله ملكه» (١٣) ، فسلط الله عليه ابنه شيرويه (١٤) فقتله.

__________________

(١) ينظر : ابن هشام ٣ / ٢١٤.

(٢) وادي القرى : واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة ، كثير القرى ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١٤١٧ ؛ الحميري ٦٠٢.

(٣) فحصره أ ج ه : فحاصره ب د.

(٤) أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية زوج النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٦٢٢ ؛ ابن سعد ٨ / ٧٦ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١٠٣ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٤ / ٣٠٥.

(٥) خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، قتل يوم أجنادين سنة ١٣ ه‍ / ٦٣٤ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٤٨ ؛ ابن سعد ٤ / ٧٠ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٨٦ ؛ ابن حجر ، الإصابة ١ / ٤٠٦.

(٦) ينظر : ابن حبان ، السيرة ٣٠٥.

(٧) ينظر : ابن القيم ، زاد ٢ / ١١٠.

(٨) فتقارب أ ج ه : فتفارق ب د.

(٩) أبو موسى الأشعري : عبد الله بن قيس بن وهب الأشعري ، ولي الكوفة والبصرة وهو من رواة حديث رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، توفي سنة ٤٤ ه‍ / ٦٦٤ م ، وقيل : سنة ٥٠ ه‍ / ٦٧٠ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٢٦ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١٥٤ ؛ ابن عبد البر ٢ / ٣٦٣ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٢ / ٣٥٩.

(١٠) نعصب بالخرق أ ه : نعصب من الخرق ب ج د.

(١١) ينظر : ابن القيم ٢ / ١١٠.

(١٢) رسله أ ج ه : كتبه د : ـ ب / / إلى الملوك أ ج ه : إلى ملوك الأرض / / ب فأرسل أ ج د ه : وأرسل ب.

(١٣) ينظر : ابن سعد ٢ / ٢٣.

(١٤) شيرويه أ ج ه : برويز ب د.


وأرسل إلى قيصر ـ وهو هرقل ـ وكان إذ ذاك ببيت المقدس فإنه مشى من حمص (١) إلى إيلياء شكرا لما كشف الله عنه جنود فارس. وكان على الصخرة مزبلة قد حاذت محراب داود (٢) مما ألقته النصارى عليها مضارة لليهود ، حتى كانت المرأة تبعث بخرق حيضها من رومية فتلقى عليها. فلما قرأ قيصر كتاب رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : إنكم يا معشر الروم لحقيق (٣) أن تقتلوا ، على هذه المزبلة بما انتهكتم من حرمة هذا المسجد كما قتلت بنو إسرائيل على دم يحيى بن زكريا ، عليهما‌السلام ، فأمر بكشفها ، فأخذوا في ذلك ، فقدم المسلمون الشام ولم يكشفوا منها إلا ثلثها.

فلما قدم عمر ، رضي‌الله‌عنه ، بيت المقدس وفتحه ورأى ما عليها من المزبلة ، أعظم ذلك ، فأمر بكشفها وسخر لها أنباط فلسطين (٤) ، وأكرم هرقل قاصد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو دحية الكلبي (٥) ، ووضع كتاب النبي (٦) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على فخذه وقصد أن يسلم فمنعه بطارقته ، فخاف على نفسه واعتذر ورد دحية ردا جميلا.

وأرسل إلى المقوقس ـ صاحب مصر ـ فأكرم القاصد وقبل كتاب رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأهدى إليه أربع جوار (٧) إحداهن مارية أم ولده إبراهيم ، وأهدى إليه بغلته دلدل وحماره يعفور وكسوة (٨). وأرسل إلى النجاشي بالحبشة فقبل كتاب النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وآمن به واتبعه وأسلم (٩).

وأرسل إلى الحارث الغساني بدمشق. فلما قرأ الكتاب قال : ها أنا سائر إليه ، فلما بلغ رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قوله (١٠)(١١) قال : «باد ملكه» (١٢).

__________________

(١) حمص : مدينة في الشام قرب نهر العاصي جنوب حماة ومن آثارها الشهيرة جامع خالد بن الوليد ويعتقد أن القائد الفاتح توفي ودفن فيها ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ؛ البكري ٢ / ٤٦٨ ؛ القزويني ١٨٤ ؛ التطيلي ١٢٠ ؛ شيخ الربوة ٢٦٩ ؛ الحميري ١٩٨.

(٢) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٣٧.

(٣) لحقيق ب ج د ه : لخليق أ.

(٤) ينظر : السيوطي ، إتحاف ٢٣٨.

(٥) دحية بن خليفة بن فردة بن نضالة ... الكلبي مات في خلافة معاوية بن أبي سفيان ، ينظر : ابن سعد ٤ / ١٨٨ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٩٤ ؛ ابن حجر ، الإصابة ١ / ٤٧٣.

(٦) كتاب النبي ب د : كتاب رسول الله أ ج ه.

(٧) أربع جوار أ ج ه : أربع جواري ب د.

(٨) ينظر : ابن الجوزي ، الوفا ٢ / ٧١٧ ؛ ابن القيم ، زاد ١ / ٣٠.

(٩) ينظر : ابن الجوزي ، الوفا ٢ / ٧٣٥ ؛ ابن القيم ، زاد ١ / ٣٠.

(١٠) أي قول الحارث الغساني : من ينزع مني ملكي؟! ينظر : ابن القيم ، زاد ١ / ٣٠ ؛ المباركفوري ٣٤٥.

(١١) قوله أ ج د ه : ـ ب.

(١٢) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٣٤٤.


وأرسل / / إلى هوذة ملك اليمامة (١) وكان نصرانيا. فقال : إن جعل الأمر لي من بعده سرت إليه وأسلمت ونصرته وإلا قصدت حربه. فقال النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا» ، ولا كرامة اللهم اكفنيه» (٢) فمات بعد قليل.

وأرسل إلى المنذر ملك البحرين (٣) فأسلم ، وأسلم جميع العرب بالبحرين.

عمرة القضاء (٤)

ثم خرج رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في ذي القعدة سنة سبع معتمرا عمرة القضاء وساق معه (٥) سبعين بدنة فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام. فلما كتبوا الكتاب (٦) ، كتبوا هذا ما قضى عليه محمد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالوا (٧) : لا نقر بهذا ، لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئا ، ولكن أنت محمد بن عبد الله ، فقال : أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله.

ثم قال لعلي : امح رسول الله. فقال علي : لا والله (٨) لا أمحوك أبدا. فأخذ رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الكتاب ـ وليس يحسن أن يكتب ـ فكتب : «هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله : لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب وأنه لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه وأن لا يمنع من أصحابه أحدا إن أراد أن يقيم بها».

فلما دخل المسجد اضطجع بردائه ، ورمل في أربعة أشواط من الطواف ، ثم خرج إلى الصفا والمروة فسعى بينهما وتزوج في سفره هذا ميمونة بنت الحارث (٩) ـ وهو محرم ـ وهذا من خصائصه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهي آخر امرأة تزوجها. وأقام بها ، ثلاثا فأرسل المشركون إليه مع علي بن أبي طالب : ليخرج عنهم ، فخرج وبنى (١٠)

__________________

(١) اليمامة : ناحية بين الحجاز واليمن مشهورة بالنخل ، كانت في القديم منزل طسم وجديس ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١٤٨٣ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٩٦ ؛ الحميري ٦١٩ ؛ القرماني ٣ / ٥٠٦.

(٢) يروي ابن سيد الناس وابن القيم أن الرسول قال : لو سألني سبابة من الأرض ما فعلت ، باد وباد ما في يديه ، ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٣٤٢ ابن القيم ، زاد ١ / ٣٠ ؛ المباركفوري ٣٤٤.

(٣) البحرين : اسم جامع لبلاد على ساحل بحر الهند بين البصرة وعمان من جزيرة العرب ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ١٦٧ ؛ الحميري ٨٢ ؛ القرماني ٣ / ٣٢٦.

(٤) ينظر : ابن خياط ، تاريخ ٥١ ؛ البخاري ، الجامع ، باب عمرة القضاء ؛ الندوي ٣٦٣.

(٥) وساق معه سبعين بدنة أ ب د : وساق معه الهدي سبعين بدنة ج ه.

(٦) كتبوا الكتاب ب ج ه : ـ أ د.

(٧) قالوا أ ب ج د : وقالوا ه.

(٨) لا والله أ ج د ه : ـ ب.

(٩) الحارث ب ج د ه : الحرث أ.

(١٠) وبنى أ ج ه : ـ ب د.


بميمونة وانصرف إلى المدينة ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ثم دخلت السنة الثامنة (١) من الهجرة (٢) ، فيها أسلم عمرو بن العاص وخالد بن الوليد ، رضي‌الله‌عنهما.

وفيها كانت (٣) غزوة مؤتة (٤) ، وهي أول الغزوات بين المسلمين والروم ومؤتة من أرض الشام وهي قبل الكرك (٥) وفيها اتخذ لرسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، المنبر (٦) وكان يخطب إلى جذع نخلة (٧) ، فلما كان يوم الجمعة خطب على المنبر فإذا الجذع (٨) الذي كان يقوم عليه يئن كما يئن الصبي ، فقال النبي (٩) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن هذا بكى لما فقده من الذكر» ، فنزل فمسحه (١٠) بيده حتى سكن (١١). فلما هدم المسجد وتغير أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب (١٢) ، فكان عنده في داره حتى بلي.

نقض الصلح وفتح مكة (١٣)

سبب ذلك أن بني بكر بن عبد مناف عدت على خزاعة وهم على ماء لهم (١٤) بأسفل مكة يقال له : الوثير. وكانت خزاعة في عهد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبنو بكر في عهد قريش في صلح الحديبية. وكانت بينهم حروب في الجاهلية ، فكلمت بنو بكر أشراف قريش أن يعينوهم على خزاعة بالرجال والسلاح ، فوعدوهم وأوفوهم (١٥)

__________________

(١) ٨ ه‍ / ٦٢٩ م.

(٢) من الهجرة أ ج د هت : + الشريفة ب.

(٣) وفيها كانت أ ب ج د : ـ ه.

(٤) مؤتة : قرية من قرى البلقاء في حدود الشام ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١٣٣٠.

(٥) الكرك : قلعة حصينة في طرف الشام من نواحي البلقاء وهي على جبل عال ، ينظر : ياقوت ، المشترك ٣٧ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٥٩ ؛ العمري ٢ / ٢١٢ ؛ طلاس ٢٩ ؛ غوانمة ، إمارة الكرك ٥٢ ـ ٥٦.

(٦) المنبر : مقعد من الحجر أو الخشب تتسع لوقوف وجلوس الخطيب وتقع قرب المحراب تعلوها قبة صغيرة ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٥ / ١٨٩ ؛ غالب ٤٠٦ ؛ مؤنس ٨٢.

(٧) إلى جذع نخلة ب ج د هت : على جذع النخلة أ.

(٨) فإذا الجذع الذي كان يقوم عليه يئن أ ج ه : فإن الجذع الذي كان يقوم عليه أنين الصبي ب د.

(٩) فقال النبي أ ج ه : فقال رسول الله ب د / / بكى ب ج د ه : بكا أ.

(١٠) فمسحه أ ج د ه : يمسحه ب.

(١١) ينظر : ابن الجوزي ، الوفا ٢ / ٣٢٢ ؛ حوى ٢ / ٨٩.

(١٢) أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد ... بن الخزرج ، كان كاتبا للرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مات سنة ٢٢ ه‍ / ٦٤٢ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٥٧ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢٩ ؛ ابن عبد البر ١ / ٢٧.

(١٣) ينظر : ابن خياط ، تاريخ ٥٢ ؛ ابن سعد ٤ / ١٣ ؛ ابن حبان ٣٢١ ـ ٣٤٦.

(١٤) ماء لهم أ ب ج د : ماءهم ه / / الوثير أ ب ج د : الدثير ه.

(١٥) فوعدوهم وأوفوهم أ : فوعدوهم ووافوهم ب : فواعدوهم ووافوهم ج د ه.


متنكرين ، فبيتوا خزاعة ليلا ، فقتلوا منهم عشرين. ثم ندمت قريش على ما فعلوا وعلموا أن هذا نقض للعهد (١) الذي بينهم وبين رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وخرج عمرو بن سالم الخزاعي في طائفة من قومه فقدموا على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مستغيثين به. فوقف عمرو عليه وهو جالس في المسجد ، وأنشد (٢) أبياتا يسأله أن ينصره. فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نصرت يا عمرو بن سالم» (٣). ثم قدم بديل بن ورقاء الخزاعي (٤) في نفر من خزاعة على النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم (٥) يشد العقد ويزيد في المدة. فكان كذلك.

ثم قدم أبو سفيان المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة أم المؤمنين زوج رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، طوته عنه وقال : ما أدري أرغبت لي (٦) عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟ قالت : بل هو فراش رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنت رجل مشرك نجس. قال : والله لقد أصابك بعدي يا بنية شر.

ثم خرج وأتى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكلمه فلم يرد عليه شيئا. فذهب إلى أبي بكر ثم إلى عمر ثم إلى علي ، رضي‌الله‌عنهم (٧) ، على أن يكلموا النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في أمره وتشفع بهم ، فلم يفعلوا. فقال لعلي : يا أبا الحسن إني أرى الأمور (٨) قد اشتدت عليّ فانصحني. فقال : والله لا أعلم شيئا يغني عنك ، ولكنك سيد بني كنانة ، فقم فأجر بين الناس (٩) والحق بأرضك ، قال : أو ترى ذلك يغني عني شيئا؟ قال : لا والله ما أظنه / / ولكن لا أجد لك غير ذلك.

فقام أبو سفيان في المسجد فقال : أيها الناس إني قد أجرت بين الناس. ثم ركب بعيره وانطلق فلما قدم على قريش قالوا له : ما وراءك؟ فقص شأنه وأنه قد أجار (١٠) بين الناس ، قالوا : فهل أجاز محمد ذلك؟ قال : لا ، قالوا : والله إن زاد

__________________

(١) نقض للعهد ب ج د ه : نقض العهد أ.

(٢) وأنشد أ د ه : وأنشده ب ج.

(٣) ينظر : الندوي ٣٧٤.

(٤) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٨١ ؛ ابن عبد البر ١ / ٢٨٤.

(٥) قد جاءكم أ ج د ه : قد جاء ب / / العقد أ ج ه : العقدة ب د / / في المدة أ ب ج د : ـ ه.

(٦) أم رغبت به أ ج ه : أرغبت لي ب د.

(٧) رضي‌الله‌عنهم أ ج د ه : رضوان الله عليهم أجمعين ب.

(٨) أرى الأمور ب ج د ه : ـ أ.

(٩) فأجر بين الناس ... ثم ركب بعيره أ ب ج د : ـ ه.

(١٠) أجار أ ج د ه : أجاز ب.


الرجل على أن لعب بك (١).

ثم أمر رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بالجهاد وأمر أهله أن يجهزوه. ثم أعلم (٢) الناس بأنه يريد مكة ، فقال : اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتهم في بلادهم (٣)(٤) ، ثم مضى رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لسفره هذا ، واستخلف على المدينة كلثوم بن الحصين الغفاري (٥) ، فخرج رسول الله (٦) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لعشر مضين من شهر رمضان ومعه المهاجرون والأنصار وطوائف من العرب ، فكان جيشه عشرة آلاف ، فصام وصام الناس معه حتى إذا كان بالكديد (٧) ، وهو الماء الذي بين قديد وعسفان أفطر.

وبلغ ذلك قريشا فخرج ، أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء ، يتجسسون الأخبار. وكان العباس ، رضي‌الله‌عنه ، أسلم قديما ، وكان يكتم إسلامه ، فخرج بعياله مهاجرا ، فلقي رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بالجحفة (٨) ، وقيل : بذي الحليفة. ثم حضر أبو سفيان بن حرب على يد العباس إلى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بعد أن استأمن له : فأسلم وأسلم معه حكيم بن حزام (٩) وبديل بن ورقاء وممن أسلم يوم الفتح (١٠) معاوية بن أبي سفيان وأخوه يزيد (١١) وأمه هند بنت عتبة ، وكان معاوية يقول : إنه أسلم يوم الحديبية فكتم إسلامه عن أبيه وأمه.

وقال العباس : يا رسول الله إن أبا سفيان يحب الفخر فاجعل له شيئا يكون في

__________________

(١) عن وساطة أبي سفيان ، ينظر : ابن هشام ، السيرة ٤ / ٢٧ ؛ ابن حبان ، السيرة ٣٢٢ ـ ٣٢٤.

(٢) أعم أ ج د ه : علم ب / / فقال أ ه : وقال ب ج د.

(٣) بلادهم أ ب ج د : البلاد ه.

(٤) بلادهم أ ب ج د : البلاد ه.

(٥) كلثوم بن الحصين بن خلف بن عبيد ... بن غفار ، أسلم بعد قدوم النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى المدينة وشارك في غزوات الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ينظر : ابن سعد ٤ / ١٨٤ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢٢٠ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٣ / ٣٠٤.

(٦) رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ب ج د ه : ـ أ.

(٧) الكديد : موضع بالحجاز على اثنين وأربعين من مكة ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٥١ ؛ الحميري ٤٩٠.

(٨) الجحفة : هي ميقات أهل الشام ومصر إن لم يمروا على المدينة وبينها وبين البحر ستة أميال ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٨٧ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٣١٥ ؛ الحميري ١٥٦.

(٩) حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى ، مات سنة ٥٤ ه‍ / ٦٧٣ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٤٤.

(١٠) يوم الفتح أ ج ه : يومئذ ب : ـ د.

(١١) يزيد بن أبي سفيان بن حرب أخوه معاوية وكان من أمراء أجناد الشام ، مات في طاعون عمواس في الشام سنة ١٨ ه‍ / ٦٣٩ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٣٩ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢٦٧.


قومه. فقال : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن (١).

وكان فيمن خرج ولقي رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ببعض الطريق (٢) أبو سفيان بن الحارث (٣) وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة (٤) بالأبواء ، فأعرض (٥) عنهما ، فجاء إليه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله فقبلا وجهه ، فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (٩٢) (٦). وقبل منهما إسلامهما. فأنشده أبو سفيان معتذرا إليه أبياتا فضرب رسول الله ، عليه‌السلام (٧) ، صدره (٨) وقال : أنت طردتني كل مطرد (٩).

وكان أبو سفيان بعد ذلك ممن حسن إسلامه ويقال (١٠) : إنه ما رفع رأسه إلى رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، منذ أسلم حياء منه ، وكان رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يحبه ويشهد له بالجنة ويقول : «أرجو أن يكون خلفا من حمزة» (١١).

ثم أمر النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن تركز راية سعد (١٢) بن عبادة (١٣) بالحجون (١٤) لما بلغه أنه قال : اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة. فقال : كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ، ويوم تكسى فيه الكعبة (١٥).

وأمر خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء (١٦) في بعض الناس.

__________________

(١) ينظر : ابن حبان ، السيرة ٣٣١ ؛ الندوي ٣٨١.

(٢) ببعض الطريق أ ج ه : ببعض الطرق ب د.

(٣) ينظر : ابن سعد ٤ / ٣٧ ـ ٤٠.

(٤) ينظر : ابن هشام ٤ / ٣١.

(٥) فأعرض أ ب ج د : وأعرض ه.

(٦) يوسف : [٩٢].

(٧) عليه‌السلام أ : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ب ج د ه.

(٨) صدره وقال ب ج ه : ـ أ د.

(٩) ينظر : ابن هشام ٤ / ٣٢.

(١٠) ويقال ب ه : فيقال أ ج : ـ د.

(١١) ينظر : ابن سعد ٤ / ٣٩.

(١٢) راية سعد أ ب ج د : مدية سعد ه.

(١٣) سعد بن عبادة بن دليم بن أبي خزيمة بن ثعلبة ... بن الخزرج الأنصاري شهد بدرا والعقبة وكان نقيبا ومات لسنتين من خلافة عمر ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٦٦ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١١٣ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٣ / ٢٣٩.

(١٤) الحجون : جبل بمكة عنده مقبرة لأهلها ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٣٨٣.

(١٥) ينظر : ابن هشام ٤ / ٣٦.

(١٦) كداء : ثنية بأعلى مكة ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٥١ ؛ الحميري ٤٩٠.


فكل هؤلاء (١) الجنود لم يقاتلوا لأن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، نهى عن القتال ، إلا أن خالد بن الوليد لقيه جماعة من قريش فرموه بالنبل ومنعوه من الدخول فقاتلهم خالد فقتل من المشركين ثمانية وعشرين رجلا (٢). فلما ظهر النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على ذلك قال : «ألم أنهكم عن القتال»؟ فقالوا له : إن خالد قوتل فقاتل وقتل من المسلمين رجلان. ودخل النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من كداء وهو على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح ويرجع.

وكان فتح مكة يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان ، ودخل رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مكة وملكها عنوة بالسيف ، وإلى ذلك ذهب مالك وأصحابه وهو الصحيح من مذهب أحمد ، رضي‌الله‌عنه (٣). وقال أبو حنيفة والشافعي ، رضي‌الله‌عنهما : أنها فتحت صلحا. والله أعلم.

ولما دخل النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مكة كان على الكعبة ثلاثمائة وستون صنما قد شد لهم إبليس أقدامها برصاص ، فجاء ومعه قضيب ، فجعل يومىء إلى كل صنم منها فيخر لوجهه فيقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (٨١) (٤) حتى مر عليها كلها.

وأتى إلى النبي (٥) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحشي (٦) بن حرب قاتل / / حمزة ، رضي‌الله‌عنه ، وهو يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أوحشي»؟ قال : نعم ، قال : «أخبرني كيف قتلت عمي»؟ فأخبره فبكى وقال : «غيب وجهك عني» (٧).

ولما دخل رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مكة كانت عليه عمامة سوداء فوقف على باب الكعبة وقال : «لا إله إلا الله وحده لا شريك له (٨) صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده». ثم قال : «يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟» قالوا : خيرا ، أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : «اذهبوا فأنتم الطلقاء» (٩) ، فأعتقهم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

__________________

(١) فكل هؤلاء أ ه : وكل هؤلاء ب ج د.

(٢) ينظر : ابن هشام ٤ / ٣٧.

(٣) رضي‌الله‌عنه أ ج ه : رضي‌الله‌عنهم ب د.

(٤) الإسراء : [٨١].

(٥) وأتى إلى النبي أ ج ه : وأتى النبي ب د.

(٦) وحشي مولى جبير بن مطعم ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٣٨ ؛ ابن سعد ٧ / ٢٩٣ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٦ / ٣١٥.

(٧) ينظر : ابن عبد البر ٤ / ١٥٦٥.

(٨) لا شريك له أ ج د ه : ـ ب.

(٩) ينظر : ابن هشام ٤ / ٤٠ ـ ٤١.


وكان الله تعالى قد أمكنه منهم ، فكانوا له فيئا ، فبذلك سمي أهل مكة الطلقاء.

ولما اطمأن الناس خرج رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى الطواف ، فطاف بالبيت سبعا على راحلته واستلم الركن بمحجن (١) كان في يده ، ودخل الكعبة ورأى فيه الشخوص على صور الملائكة ، وصورة إبراهيم وفي يده الأزلام (٢) يستقسم بها فقال : قاتلهم الله جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام ما شأن إبراهيم والأزلام (٣) ، ثم أمر بتلك الصور (٤) فطمست ، وصلى في البيت (٥) ، ثم جلس ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على الصفا واجتمع الناس لبيعته على الإسلام ، فكان يبايعهم على السمع والطاعة لله ولرسوله ، فبايع الرجال ثم النساء.

ولما جاء وقت الظهر يوم الفتح أذن بلال (٦) على ظهر الكعبة ، فقال الحارث بن هشام (٧) : ليتني مت قبل هذا. وقال خالد بن أسيد (٨) : لقد أكرم الله أبي فلم ير هذا اليوم. فخرج عليهما رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم ذكر لهما ما قالاه ، فقال الحارث بن هشام : أشهد أنك لرسول (٩) الله ، ما اطلع على هذا أحد فيقول (١٠) أخبرك.

وقام (١١) علي ، رضي‌الله‌عنه ، ومفتاح الكعبة في يده فقال : يا رسول الله ، اجمع لنا الحجابة مع السقاية ، فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أين عثمان بن طلحة» (١٢)؟ فدعي له ، فقال : «هاك مفتاحك اليوم يا عثمان (١٣) يوم بر ووفاء» ، وقال : «خذوها

__________________

(١) المحجن : عصا معقفة الرأس ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١٣ / ١٨٠ ؛ المعجم الوسيط ١ / ١٦٥.

(٢) الأزلام : السهام التي يستقسم بها ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١٢ / ٢٧٠ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٤١٣.

(٣) ينظر : ابن هشام ٤ / ٤١.

(٤) بتلك الصور أ ج د ه : بتلك الصورة ب.

(٥) وصلى في البيت أ ب ج د : وصلى بالبيت ه.

(٦) بلال بن رباح مؤذن الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أعتقه أبو بكر الصديق رضي‌الله‌عنه ، مات سنة ٢٠ ه‍ / ٦٤٠ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٠ ؛ ابن سعد ٣ / ١٧٤ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٤٣.

(٧) الحارث بن هشام بن المغيرة بن مخزوم استشهد يوم اليرموك ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٤٨ ؛ ابن عبد البر ١ / ٣٠٧ ؛ ابن الأثير ، أسد الغابة ١ / ٣٠٧.

(٨) خالد بن أسيد بن أبي العاص بن أمية ، ينظر : ابن سعد ٦ / ٥ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٨٥.

(٩) لرسول أ : رسول ب ج د ه.

(١٠) فيقول أ : فنقول ب ج د ه.

(١١) وقام ب ج د هت : وأقام أ.

(١٢) عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار مات سنة ٤٢ ه‍ / ٦٦٢ م ، ينظر : ابن سعد ٦ / ٦ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١٧١.

(١٣) اليوم يا عثمان أ : يا عثمان اليوم ب ج د ه.


تالدة خالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم (١) ، يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف» (٢).

وذكر أن فضالة (٣) بن عمير أراد قتل النبي ، عليه‌السلام (٤) ، وهو يطوف بالبيت عام الفتح ، فلما دنا منه قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أفضالة»؟ قال : نعم ، فضالة يا رسول الله ، قال : «ماذا كنت تحدث به نفسك»؟ قال : لا شيء ، كنت أذكر الله تعالى ، فضحك النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قال : «أستغفر الله» ووضع يده على صدره وسكن (٥) قلبه ، فقال فضالة : والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله تعالى شيئا أحب إليّ منه.

وبعث رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، السرايا إلى الأصنام التي حول مكة فكسروها (٦). ونادى مناديه بمكة : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنما إلا كسره ، ولما بعث السرايا حول مكة إلى الناس يدعوهم إلى الإسلام ولم يأمرهم بقتال وكان من السرايا سرية مع خالد بن الوليد فنزل على ماء لبني خزيمة (٧)(٨) فأقبلوا بالسلاح فقال لهم خالد : ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا. فوضعوه فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون : صبأنا صبأنا. فقتل منهم من قتل. فلما بلغ ذلك النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رفع يده (٩) وقال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ـ مرتين ـ.

ثم أرسل علي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه ، بمال وأمره أن يؤدي لهم الدماء والأموال ، ففعل ذلك. ثم سألهم هل بقي (١٠) لكم مال أو دم؟ فقالوا : لا ، وكان قد فضل مع علي ، رضي‌الله‌عنه ، قليل مال فدفعه إليهم زيادة تطييبا لقلوبهم ، وأخبر النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بذلك فأعجبه (١١).

__________________

(١) إلا ظالم أ ج ه : إلا الظالم ب د : ـ ابن هشام.

(٢) ينظر : ابن هشام ٤ / ٤١.

(٣) ينظر : قصة فضالة عند ابن هشام ٤ / ٤٤.

(٤) عليه‌السلام أ : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج د ه.

(٥) وسكن أ ج : فسكن ب د ه.

(٦) فكسروها ب ج د ه ك فكسرها أ.

(٧) وردت في سيرة ابن هشام بني جذيمة ، ينظر : ابن هشام ٤ / ٥٣ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٢٣٩.

(٨) لبني خزيمة أ ب ج د ه : بني حذيمة ابن هشام ، ابن سيد الناس.

(٩) يده أ ج ه : يديه ب د.

(١٠) هل بقي ب ج د ه : هل تبقى أ / / مال أو دم أ ج ه : دم أو مال ب د.

(١١) عن سرية خالد هذه ، ينظر : ابن هشام ٤ / ٥٣ ـ ٥٥.


غزوة هوزان وهي غزوة حنين (١)(٢)

وكانت في شوال سنة ثمان من الهجرة الشريفة ، وحنين واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال ، ولما فتحت (٣) مكة تجمعت هوازن بخيولهم وأموالهم لحرب رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومقدمهم مالك بن عوف النضري (٤) ، وانضمت إليه ثقيف وهم أهل الطائف ، وبنو سعد وهم الذين كان رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مرتضعا عندهم ، فلما سمع النبي ، عليه‌السلام ، باجتماعهم خرج من مكة لست خلون من شوال وخرج معه اثني عشر ألفا : ألفان من أهل / / مكة. وعشرة آلاف كانت معه ، وحضرها جماعة كثيرة (٥) من المشركين وهم مع رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وانتهى إلى حنين وركب بغلته الدلدل وقال رجل من المسلمين ـ لما رأى كثرة من مع النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : لن يغلب هؤلاء من قلة ، وفي ذلك نزل قوله تعالى : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً)(٦) ولما التقوا انكشف المسلمون (٧) لا يلوي أحد على أحد ، وانحاز رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته ، واستمر ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثابتا ، وتراجع المسلمون واقتتلوا قتالا شديدا ، وقال النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لبغلته : «إلبدي» فوضعت بطنها على الأرض ، وأخذ حفنة تراب ، فرمى بها في وجه المشركين فكانت الهزيمة عليهم ، ونصر الله المسلمين ، واتبع المسلمون المشركين يقتلونهم ويأسرونهم (٨).

ولما فرغ (٩) النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من حنين ، بعث أبا عامر (١٠) على جيش لغزوة أوطاس (١١) فاستشهد ، رضي‌الله‌عنه ، وانهزمت ثقيف إلى الطائف ، وأغلقوا (١٢) باب مدينتهم ، فسار النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إليه وحاصرهم نيفا وعشرين يوما وقاتلهم

__________________

(١) ينظر : ابن هشام ٤ / ٦٠ ؛ البلاذري ، فتوح ٦٢ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٢٤٢.

(٢) غزوة هوازن وهي غزوة حنين أ ج ه : وفيها كانت غزوة حنين وهوازا ب د.

(٣) ولما فتحت ب د : لما فتح أ : لما فتح الله ج ه / / وأموالهم أ ب ج د : + وحريمهم ه.

(٤) ينظر : ابن حبان ، تاريخ ٢٣٣ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٦ / ٣٢.

(٥) كثيرة أ ب ج د : ـ ه.

(٦) التوبة : [٢٥].

(٧) انكشف المسلمون أ ج ه : انهزم المسلمون ب د / / على أحد أ ب ج د : ه.

(٨) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٣٤٨.

(٩) ولما فرغ أ ج ه : فلما فرغ ب د.

(١٠) أبو عامر الأشعري : قدم مع الأشعريين على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وشهد معه فتح مكة وحنين واستشهد في غزوة أوطاس ، ينظر : انب سعد ٤ / ٢٦٤.

(١١) أوطاس : واد في ديار هوازن فيه كانت وقعة حنين ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ١٣٢ ؛ الحميري ٦٢.

(١٢) وأغلقوا أ ب ج د : فأغلقوا ه.


بالمنجنيق ، وأمر بقطع أعناقهم ، ثم رحل عنهم فنزل بالجعرانة (١)(٢) ، وأتى إليه بعض هوازن ودخلوا عليه ، فرد عليهم نصيبه ونصيب بني عبد المطلب ، ورد الناس أبناءهم ونساءهم ، ثم لحق مالك بن عوف (٣) ـ مقدم هوازن ـ برسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأسلم وحسن إسلامه ، واستعمله رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على قومه وعلى من أسلم من تلك القبائل. وكانت عدة السبي الذي أطلقه ستة آلاف. ثم قسم الأموال وكانت عدة الإبل أربعة وعشرين ألف بعير ، والغنم أكثر من أربعين ألف شاة ، ومن الفضة (٤) أربعة آلاف أوقية ، وأعطى المؤلفة قلوبهم مثل : أبي سفيان وابنيه يزيد ومعاوية ، وسهل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل (٥) ، والحارث بن هشام أخي أبي جهل ، وصفوان بن أمية وهؤلاء من قريش ، وأعطى الأقرع بن حابس التميمي (٦) ، وعيينة بن حصن (٧) ، ومالك بن عوف ـ مقدم هوازن ـ وأمثالهم ، فأعطى لكل واحد (٨) من الأشراف مائة من الإبل ، وأعطى الآخرين أربعين أربعين ، وأعطى العباس بن مرداس السلمي (٩) أباعر لم يرضها (١٠) وقال في ذلك أبيات شعر :

فأصبح نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع

وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في مجمع

وما كنت دون امرىء منهما ومن تضع اليوم لم يرفع (١١)

فروي أن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «اقطعوا عني لسانه» (١٢) ، فأعطي حتى رضي ، ولما فرق رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الغنائم لم يعط الأنصار شيئا ، فوجدوا في أنفسهم ، فدعاهم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصبئة وإني أردت أن أحبوهم (١٣)

__________________

(١) الجعرانة : منزل بين الطائف ومكة وهي إلى مكة أقرب ، نزله النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقسم غنائم حنين ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٣٣٦.

(٢) بالجعرانة ب ج د ه : الجعران أ.

(٣) مالك بن عوف ب ج ه : ملك بن عوف أ د.

(٤) ومن الفضة أ ب د : + والذهب ج ه.

(٥) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٣ ؛ ابن سعد ٦ / ٤.

(٦) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٣٠٣ ؛ ابن سعد ٧ / ٢٧.

(٧) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ١٩٢.

(٨) لكل واحد أ ج ه : ـ ب د.

(٩) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٠٠ ؛ ابن قتيبة ، المعارف ١٩٢.

(١٠) لم يرضها أ ب ج د : ـ ه / / أبيات أ ج : أبياتا ب د ه.

(١١) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٠٢.

(١٢) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٠٢.

(١٣) أحبوهم ب د ه : أجيرهم أ : أخيرهم ج.


وأتألفهم أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله إلى بيوتكم؟» ، قالوا : بلى ، قال : «والله لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار» (١). ثم اعتمر رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعاد إلى المدينة ، واستخلف على مكة عتاب بن أسيد (٢) ، وهو شاب لم يبلغ عشرين سنة ، وترك معه معاذ بن جبل يفقه الناس ، وحج بالناس في هذه السنة عتاب بن أسيد على ما كانت العرب (٣) تحج ، وفي ذي الحجة سنة ثمان (٤) ولد إبراهيم بن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من مارية القبطية ، وفي السنة المذكورة مات حاتم الطائي ، وكان يضرب بجوده وكرمه (٥) المثل ، وكان من الشعراء المجيدين.

ثم دخلت السنة التاسعة (٦) من الهجرة ، فيها فرض الحج (٧) على الصحيح ، وفيها ترادفت وفود العرب على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ووفد كعب بن زهير بن أبي سلمي (٨) بعد أن كان النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أهدر دمه ومدحه بقصيدته المشهورة وهي : «بانت سعاد فقلبي اليوم متبول» ، وأعطاه النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بردته. فلما كان زمن (٩) معاوية أرسل إلى كعب : أن بعنا بردة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : ما كنت لأوثر بثوب رسول الله (١٠) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أحد / / فلما مات كعب اشتراها معاوية من أولاده بعشرة آلاف درهم ، ونقل الملك المؤيد صاحب حماة في تاريخه (١١) : أنه اشتراها بأربعين ألف درهم ، ثم توارثها الخلفاء الأمويون والعباسيون حتى أخذها التتر (١٢)(١٣).

__________________

(١) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٠٦ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٢٥١ ـ ٢٥٢.

(٢) عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية ، مات بمكة سنة ١٣ ه‍ / ٦٣٣ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٤٠ ؛ ابن سعد ٦ / ٥.

(٣) على ما كانت العرب تحج أ ج ه : على ما كانت تحج عليه العرب ب د.

(٤) سنة ٨ ه‍ / ٦٢٨ م.

(٥) وكرمه أ ب ج د : ـ ه.

(٦) سنة ٩ ه‍ / ٦٢٩ م.

(٧) فرض الحج أ ج د ه : فرض الله الحج ب.

(٨) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٨٢ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٢٦٧ ـ ٢٦٩.

(٩) زمن أ ب ج د : رمن ه.

(١٠) بثوب رسول الله أ ب ج د : بثوبه ه.

(١١) ينظر : أبو الفداء ، المختصر ١ / ١٤٨.

(١٢) التتار ، التتر ، Tatars ، قبيلة مغولية استقرت بعد القرن الخامس للميلاد في منغوليا الشرقية وسنشوريا الغربية ، وشكلت جزءا من قوات جنكيز خان ، وفي القرن الرابع عشر دخل التتار الإسلام ، ويبلغ عددهم نحو خمسة ملايين نسمة في جمهورية التتار السوفياتية وفي شمال القوقاز ، وشبه جزيرة القرم وبعض من سيبيريا ، ينظر : هوتسما ، التتر ٤ / ٥٧٦.

(١٣) التتر أ ب ج د : التتار ه.


وفيها كانت غزوة تبوك (١) وهي غزوة العسرة لوقوعها في زمن الحر والبلاد مجدبة والناس في عسرة ، فأنفق أبو بكر جميع ماله ، وأنفق عثمان نفقة عظيمة ، وسار النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى تبوك واستخلف عليا ، رضي‌الله‌عنه ، فقال علي : أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال : ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي (٢) ، وتخلف عبد الله بن أبي المنافق (٣) ومن تبعه من أهل النفاق ، وتخلف ثلاثة من الصحابة وهم : كعب بن مالك (٤) ومرارة بن الربيع (٥) وهلال بن أمية (٦) ولم يكن لهم عذر.

ثم رجع النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى المدينة بعد أن أقام بتبوك بضع عشرة ليلة لم يجاوزها ، وكان إذا قدم من سفره بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس. فلما فعل ذلك جاءه (٧) المخلفون ، فطفقوا يعتذرون إليه ، ويحلفون (٨) ، وكانوا بضعة وثمانين رجلا ، فقبل منهم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، علانيتهم ، وبايعهم ، واستغفر لهم ، ووكل سرائرهم إلى الله (٩) ، ثم جاءه كعب ، وكان تقدمه مرارة وهلال ، فسألهم عن تخلفهم ، فاعترفوا أن لا عذر لهم ، فأمرهم بالمضي حتى يقضي الله فيهم ، ونهى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، المسلمين عن كلامهم من بين من تخلف عنه ، فاجتنبهم الناس ، فلبثوا على ذلك خمسين ليلة. ولما مضت أربعون ليلة من الخمسين أمرهم النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، باعتزال نسائهم ، وجاءت امرأة هلال لرسول الله (١٠) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تستأذنه في خدمته ، فأذن لها من غير أن يقربها ، فلما كملت لهم خمسون ليلة من حين نهي رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عن كلامهم ، أذن لهم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بتوبة الله عليهم ، وذهب الناس يبشرونهم ، وجاء كعب إلى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسلم عليه (١١) ، فقال له ، وهو يبرق وجهه من

__________________

(١) تبوك : قرية بين وادي القرى والشام بها عين ماء ونخل ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٨٦ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٢٥٣ ؛ الحميري ١٣٠.

(٢) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٢١.

(٣) ينظر : المصدر نفسه ٤ / ١٢٠.

(٤) كعب بن مالك بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن الخزرج ، كنيته أبو عبد الله ، ومات سنة ٥٠ ه‍ / ٦٧٠ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٧٣ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢١٨ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٣ / ٣٠٢.

(٥) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٢٠ ؛ ابن قتيبة ، المعارف ١٩٣.

(٦) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٢٠ ؛ ابن قتيبة ، المعارف ١٩٣ ؛ ابن خياط ، الطبقات ١٥١.

(٧) جاءه أ ج د ه : جاء ب.

(٨) ويحلفون ب د ه : ـ أ ج.

(٩) إلى الله أ ج د : + تعالى ب ه.

(١٠) لرسول الله أ : إلى رسول الله ب : رسول الله ج ه : إلى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم د.

(١١) فسلم عليه أ ج ه : وسلم عليه ب : ـ د / / فقال له ب : ـ أ ج د ه.


السرور : «أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك» ، فقال : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال : «لا بل من عند الله» (١).

وأنزل الله على رسوله ، عليه‌السلام (٢) : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (١١٩) (٣)(٤). قال كعب (٥) : فو الله ما أنعم الله عليّ نعمة (٦) قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن لا أكون كذبته (٧) فأهلك كما هلك الذين كذبوا فإن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد ، فقال تبارك وتعالى : (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٩٦) (٨). وفي ذي القعدة من سنة تسع هلك رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول ، والله أعلم.

حج أبي بكر الصديق ، رضي‌الله‌عنه بالناس (٩)

بعث النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أبا بكر الصديق ، رضي‌الله‌عنه ، في سنة تسع ليحج بالناس ومعه عشرون بدنة لرسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومعه ثلاثمائة رجل ، فلما كان بذي الحليفة ، أرسل النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، علي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه ، وأمره بقراءة آيات من أول سورة براءة على الناس وأن ينادي : أن لا يحج بعد العام (١٠) مشرك ولا يطوف (١١) بالبيت عريان (١٢).

__________________

(١) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٣٤.

(٢) على رسوله عليه‌السلام أ ج ه : على نبيه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب : على رسوله د.

(٣) التوبة : [١١٧ ـ ١١٩].

(٤) والأنصار أ ب ج د : ـ ه.

(٥) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٣٤.

(٦) نعمة أ ج ه : بنعمة ب د.

(٧) أن لا أكون كذبته أ ج ه ابن هشام : أن أكون كذبته ب د.

(٨) التوبة : [٩٥ ـ ٩٦].

(٩) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٣٩ ؛ ابن حبان ، السيرة ٣٨٣ ـ ٣٨٤.

(١٠) بعد العام أ ب ج د : بعد اليوم ه.

(١١) ولا يطوف بالبيت عريان ج ه : ولا يطوف عريان ب د : ولا عريان يطوف أ.

(١٢) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٤١ ؛ ابن حبان ، السيرة ٣٨٤.


فسار أبو بكر ، رضي‌الله‌عنه ، أميرا على الموسم وعلي / / بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه ، يؤذن ببراءة يوم الأضحى وأن لا يحج مشرك ، ولا يطوف عريان.

ثم دخلت السنة العاشرة (١) من الهجرة الشريفة (٢) ، وفيها كان قدوم الوفود (٣) على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بالمدينة وجاءته وفود العرب قاطبة ، ودخل الناس في الدين أفواجا كما قال تعالى (٤) : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) (٣) (٥) ، فقدم عليه وفد بني تميم ، ووفد عبد القيس ، ووفد بني حنيفة وغيرهم (٦) ، وفشا الإسلام في جميع القبائل ، وفيها توفي إبراهيم ابن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في يوم الثلاثاء لعشر ليال خلت من ربيع الأول.

حجة الوداع (٧)

خرج رسول الله (٨) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حاجا لخمس بقين من ذي القعدة ، وقد اختلف في حجه هل كان قرانا (٩) أم تمتعا أم أفرادا ، قال صاحب حماه : والأظهر (١٠) الذي اشتهر أنه كان قارنا ، وحج رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بالناس ولقي علي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه ، محرما فقال : حل كما حل أصحابك ، فقال : إني أهللت بما أهل به رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبقي على إحرامه ، ونحر رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الهدي عنه ، وعلم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الناس مناسك الحج والسنن ، ونزل قوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)(١١).

فبكى أبو بكر ، رضي‌الله‌عنه ، لما سمعها وكأنه استشعر أن ليس بعد الكمال

__________________

(١) سنة ١٠ ه‍ / ٦٣١ م.

(٢) الشريفة ب : ـ ب ج د ه.

(٣) الوفود أ ج ه : الوفد ب د.

(٤) قال تعالى أ د ه : قال الله تعالى ب ج.

(٥) النصر : [١ ـ ٣].

(٦) عن الوفود : ينظر : ابن هشام ١٥٢ ١٥٥ ؛ ابن خياط ، تاريخ ٥٧ ؛ ابن الجوزي ، الوفا ٢ / ٧٤٧ ـ ٧٥٨.

(٧) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٨٣ ـ ١٨٤ ؛ ابن الجوزي ، الوفا ٢ / ٧٦١.

(٨) خرج رسول الله أ ج ه : خرج النبي ب : ـ د / / لخمس بقين أ ب ج د : ـ ه.

(٩) قرانا أ ب ج د : قارنا ه.

(١٠) والأظهر ... بالناس أ ب ج د : ـ ه.

(١١) المائدة : [٣].


إلا النقصان ، وأنه قد نعيت إلى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، نفسه.

وخطب رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الناس (١) بعرفة خطبة بيّن فيها الأحكام منها : «أيها الناس إنما النسيء زيادة في الكفر ، وأن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض ، وأن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا» (٢) ، وتمم حجه وسميت حجة الوداع لأنه لم يحج بعدها ، ولم يحج من المدينة (٣) إلى مكة غير حجة الوداع ، ثم رجع رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى المدينة وأقام بها حتى خرجت السنة.

وكانت غزواته ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تسع عشرة غزوة (٤) ، قاتل في تسع منها وهذه الغزوات غير السرايا.

ثم دخلت السنة الحادية عشرة (٥) من الهجرة الشريفة والنبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بالمدينة ، وكان قد قدم من حجة الوداع فأقام بها حتى خرجت سنة عشر والمحرم ومعظم صفر من سنة إحدى عشرة ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ذكر وفاته عليه‌السلام (٦)(٧)

قال الله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (٣١) (٨) ، وعن عائشة ، رضي‌الله‌عنها ، قالت : كان النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول في مرضه الذي مات فيه : «يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم» (٩).

بدأ برسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مرضه الذي مات فيه يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة في بيت ميمونة ، ثم انتقل حين اشتد وجعه إلى بيت عائشة ، رضي‌الله‌عنها.

وعن ابن عباس قال : لما احتضر (١٠) رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي البيت رجال ،

__________________

(١) الناس أ ج ه : للناس ب د.

(٢) ينظر : ابن هشام ٤ / ١٨٥.

(٣) لم يحج من المدينة ... رجع إلى المدينة أ ب ج د : ـ ه.

(٤) تسع عشرة غزوة أ ج ه : تسعة عشر غزوة ب د.

(٥) سنة ١١ ه‍ / ٦٣١ م.

(٦) ينظر : ابن هشام ٤ / ٢٢٢ ـ ٢٢٤ ؛ الطبري ، تاريخ ٣ / ٢١٧.

(٧) عليه‌السلام أ : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج د ه.

(٨) الزمر : [٣٠ ـ ٣١].

(٩) البخاري ، الجامع ٣ / ٩١.

(١٠) احتضر ب د ه : حضر أ ج.


فقال النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوه بعده أبدا» (١) ، فقال بعضهم : إن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قد غلبه الوجع (٢) وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت واختصموا ، فمنهم من يقول : قربوا له يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا ، ومنهم من يقول غير ذلك. فلما أكثروا اللغو والاختلاف. قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قوموا» (٣). فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية (٤) ما حال بين رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم.

وعن عائشة ، رضي‌الله‌عنها ، قالت : دعا النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاطمة عليها‌السلام ، في شكواه (٥) الذي قبض فيه ، فسارّها بشيء فبكت ، ثم دعاها فسارها بشيء فضحكت ، فسألنا (٦) عن ذلك ، فقالت : سارني / / النبي (٧) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه يقبض في وجهه الذي توفي فيه فبكيت ، ثم سارني النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأخبرني أني أول أهله لحوقا به فضحكت (٨).

ولما ثقل وجع (٩) رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، جاءه بلال يؤذنه بالصلاة فقال : «مروا أبا بكر أن يصلي بالناس» ، قالت (١٠) عائشة ، رضي‌الله‌عنها : يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف وأنه حتى يقوم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر ، فقال : «مروا أبا بكر أن يصلي بالناس» ، فقالت عائشة لحفصة قولي له : إن أبا بكر رجل أسيف وأنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر ، فقال : «مروا أبا بكر يصلي بالناس». فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في نفسه خفة فقام يتهادى (١١) بين رجلين ورجلاه تحطان في الأرض حتى دخل المسجد ، فلما سمع أبو بكر ، رضي‌الله‌عنه ، حسه ، ذهب أبو بكر يتأخر فأومأ إليه رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجاء إلى رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى جلس عن يسار أبي بكر (١٢) ، فكان أبو بكر يصلي قائما وكان

__________________

(١) بعده أبدا ب ج د ه : ـ أ.

(٢) قد غلبه الوجع أ ج ه : ثقل عليه الوجع ب د / / فاختلف أ ج ه : ثم اختلف ب د.

(٣) البخاري ، الجامع ٣ / ٩١ ؛ المباركفوري ٤٤٩.

(٤) كل الرزية ب ج د ه : ـ أ.

(٥) شكواه أ ب ج د : شكوته ه.

(٦) فسألنا أ ج ه : فسألناها ب : فساءلناها د.

(٧) النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ب ج د : ـ ه.

(٨) البخاري ، الجامع ٣ / ٩٢ ؛ المباركفوري ٤٥١.

(٩) وجع ب ج د ه : ـ أ / / رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج ه : النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب : ـ د.

(١٠) قالت أ ج ه : فقالت ب د.

(١١) يتهادى أ د : يهادي أ ج ه / / تحطان أ ج د ه : يخطان ب.

(١٢) يسار أبي بكر أ ج ه : يساره ب د / / أبو بكر أ ج ه : + رضي‌الله‌عنه ب د.


رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يصلي قاعدا. يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والناس يقتدون بصلاة أبي بكر ، رضي‌الله‌عنه (١).

وعن عائشة ، رضي‌الله‌عنها ، كانت تقول : إن من نعم الله عليّ أن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، توفي في بيتي وبين سحري ونحري وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته ، ودخل عبد الرحمن (٢) وبيده السواك وأنا مسندة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قرأيته (٣) ينظر إليه فعرفت (٤) أنه يحب السواك ، فقلت آخذه لك فأشار برأسه أن نعم ، فناولته له فاشتد عليه ، فقلت : ألينه لك ، فأشار برأسه أن نعم ، فلينته ، وبين يديه ركوة أو علبة وفيها ماء فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ويقول : «لا إله إلا الله إن للموت سكرات» ، ثم نصب يده الكريمة فجعل يقول : «في الرفيق الأعلى» حتى قبض ومالت يده (٥).

وعن عائشة ، رضي‌الله‌عنها ، قالت : كان النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول وهو صحيح : «أنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده (٦) في الجنة ثم يخير ، فلما نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت ثم قال : «اللهم الرفيق الأعلى» (٧) ، فقلت : إذا لا يختارنا ، فعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به وهو صحيح قالت : وكانت آخر كلمة تكلم بها : اللهم الرفيق الأعلى. وتوفي رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو ابن ثلاث وستين سنة ، ونزل عليه جبريل ، عليه‌السلام ، أربعا وعشرين ألف مرة ، وتوفي ودرعه مرهون عند يهودي بثلاثين وسقا (٨)(٩) من شعير ، ولما مات قالت فاطمة ، رضي‌الله‌عنها : يا أبتاه أجاب ربا دعاه ، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل (١٠) ننعاه (١١). فلما دفن قالت : يا أنس أطابت نفوسكم إن تحثوا على نبيكم التراب؟.

__________________

(١) ينظر : المباركفوري ٤٥٠.

(٢) هو عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، ينظر : المباركفوري ٤٥٢.

(٣) فرأيته ... فقرأ أبو بكر أ ب د ه : ـ ج.

(٤) فعرفت أ : وعرفت ب د : وقد عرفته ه : ـ ج.

(٥) ينظر : البخاري ، الجامع ٣ / ٩٢ ؛ المباركفوري ٤٥٢.

(٦) مقعده أ ه : مقامه ب د : ـ ج.

(٧) ينظر : البخاري ، الجامع الصحيح ٣ / ٩٣.

(٨) الوسق : مكيلة معلومة ، وقيل : هو حمل بعير وهو ستون صاعا بصاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو خمسة أرطال وثلث ينظر : ابن منظور ، لسان ، ١٠ / ٣٧٨.

(٩) بثلاثين وسقا أ ه : على ثلاثين وسقا ب د : ـ ج / / يا أبتاه أ ه : وا أبتاه ب : ـ ج د.

(١٠) إلى جبريل ننعاه أ ه : أتى جبريل ينعاه ب : ـ ج د.

(١١) ينظر : البخاري ، الجامع الصحيح ٢ / ٩٣.


ولما توفي دهش الناس وطاشت عقولهم واختلفت أحوالهم في ذلك. فقال عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، من قال إن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مات علوت رأسه سيفي هذا (١) ، وإنما ارتفع إلى السماء ، فقرأ أبو بكر ، رضي‌الله‌عنه : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (١٤٤) (٢) ، فرجع الناس (٣) إلى قوله وبادروا سقيفة بني ساعدة (٤) ، فبايع عمر أبا بكر ثم بايعه الناس خلا جماعة.

وغسله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، علي والعباس وابناه الفضل (٥) وقثم (٦) ، وغسلوه وعليه قميصه لم ينزع. فكان علي بن أبي طالب يحتضنه إلى صدره والعباس يصب الماء ، وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية (٧). وصلى عليه المسلمون أفرادا لم يؤمهم أحد وحفر له أبو طلحة الأنصاري (٨) ، ودفن في الموضع الذي توفاه الله فيه. وكانت وفاته يوم الاثنين ، وفرغ من جهازه يوم الثلاثاء ، ودفن يوم الأربعاء (٩) في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة الشريفة ، وكان مرضه ثلاث عشرة ليلة. قال أنس بن مالك ، رضي‌الله‌عنه : لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ـ يعني المدينة ـ ، أضاء منها / / كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم (١٠) كل شيء ، ورثاه جماعة منهم أبو بكر وعلي وفاطمة وعمته صفية ، رضي‌الله‌عنهم أجمعين (١١).

__________________

(١) ينظر : ابن هشام ٤ / ٣٣٤.

(٢) آل عمران : [١٤٤].

(٣) فرجع الناس أ : فرجع القوم ب ه : ـ ج د.

(٤) عن أمر السقيفة ، ينظر : ابن هشام ٤ / ٢٢٥ ؛ الطبري تاريخ ٣ / ٢١٨ ـ ٢٢٣ ؛ ابن حبان ، السيرة ٢١.

(٥) الفضل بن عباس : أبو عبد الله ، استشهد بالشام يوم أجنادين ويقال : يوم مرج الصفر سنة ١٣ ه‍ ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٣٠ ؛ ابن سعد ٤ / ٤٠ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢٠٥.

(٦) قثم بن عباس : ابن عم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خرج مع زمن معاوية في فتح ما وراء النهر واستشهد بسمرقند ، ينظر : ابن سعد ٧ / ٢٦٠ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢١١.

(٧) يروي ابن هشام أنه كفن في ثلاثة أثواب ، ثوبين صحاريين نسبة إلى صحار في اليمن وبرد حبرة ، ينظر : ابن هشام ٤ / ٢٢٩.

(٨) زيد بن سهل ... بن مالك بن النجار ، شهد بدرا ومات بالمدينة سنة ٣٢ ه‍ ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٥٦ ؛ ابن سعد ٧ / ٣١٩.

(٩) يوم الأربعاء أ ه : ليلة الأربعاء ب د : ـ ج.

(١٠) أظلم أ ج د ه : + منها ب.

(١١) رضي‌الله‌عنهم أجمعين أ ج د ه : + والله سبحانه وتعالى أعلم.


ذكر صفاته (١) ونبذة عن معجزاته (٢)

كان النبي (٣) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مليح الوجه ، حسن الخلق معتدل القامة ، ليس بالقصير ولا بالطويل ، أبيض اللون مشربا بحمرة ، يتلألأ وجهه تلألأ (٤) القمر ليلة البدر ، كث اللحية ، واسع الجبين ، بعيد ما بين المنكبين ، لم يبلغ الشيب في رأسه ولحيته عشرين شعرة ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سما وعلاه البهاء ، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد ، وأحلاهم وأحسنهم من قريب ، بين كتفيه خاتم النبوة ، ريح عرقه أطيب من ريح المسك الإذفر ، يقول ناعته : لم أر قبله ولا بعده مثله.

وأما معجزاته ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأفضلها القرآن الكريم الذي أعجز الفصحاء وأخرس البلغاء ، ومنها انشقاق الصدر والتئامه ، ومنها انشقاق القمر فرقتين ، ومنها : نبع الماء من بين أصابعه ، وتكثير الطعام ببركته ، وكلام الشجرة وشهادتها له بالنبوة ، وإجابتها دعوته ، وسلام الحجر والشجر عليه ، وحنين الجذع إليه ، وتسبيح الحصى في كفه ، وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى ، ولا يحاط به ولا يستقصي ، ومن ذا يحيط بالبحر الزاخر ولو أجهد نفسه آناء الليل وأطراف النهار.

وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لا ينتقم لنفسه ولا يغضب لها ، إلا أن تنتهك حرمات الله تعالى ، فينتقم لله ، وكان أحسن الناس خلقا ، وأرجحهم علما ، وأعظمهم عفوا ، وأسخاهم كفا ، وأوسعهم صدرا ، وأصدقهم لهجة ، وكان أشد الناس حياء من العذراء في خدرها ، وإذا كره شيئا عرف في وجهه ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، وكان يخصف النعل ، ويرقع الثوب ، ويخدم في مهنة أهله ، ويجيب الدعوة ، ويقبل الهدية ، ويكافىء عليها ويأكلها (٥) ، ولا يأكل الصدقة ، ويعود المريض ، ويشهد الجنائز ، متواضعا ، يمزح ولا يقول إلا حقا ، يضحك من غير قهقهة ، وما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه إثم أو قطيعة رحم ، فيكون أبعد الناس عن ذلك.

مولده بمكة وهجرته لطيبة (٦) وملكه بالشام ، أرأف الناس وخيرهم ، لا ترتفع في مجلس الأصوات ، إذا قام من مجلسه قال : «سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن

__________________

(١) صفاته أ د ه : + صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج.

(٢) ينظر : ابن الجوزي ، الوفا ١ / ٢٦٥ ـ ٣٢٥ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٣٦١ ـ ٤٠٠.

(٣) النبي أ : ـ ب ج د ه.

(٤) تلألأ أ ج ه : كتلألؤ ب د.

(٥) ويأكلها أ ج ه : ويأكل منها ب د.

(٦) لطيبة أ : بطيبة ب ج د ه.


لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك» ، طويل السكوت (١) لا يتكلم في غير حاجة ، وأحب الطعام إليه ما كثرت عليه الأيدي ، وإذا وضعت المائدة قال : «بسم الله اللهم اجعلها نعمة دائمة (٢) مشكورة نصل بها نعيم الجنة» ، وإذا فرغ منها : «اللهم لك الحمد أطعمت وأسقيت وآويت لك الحمد غير مكفور ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا» (٣).

وكان يشرب في ثلاث دفعات له فيها ثلاث تسميات وفي آخرها ثلاث تحميدات ، وكان يعجبه الثياب اخضر ، وأكثر ثيابه البياض (٤) ويقول : «ألبسوها أحياءكم وكفنوا فيها موتاكم» ، وكان ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تنام عيناه ولا ينام قلبه ، وكان زاهدا في الدنيا ، مات ولم يخلف دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا ، وعرض عليه أن يجعل له (٥) بطحاء مكة ذهبا فقال : «لا يا رب أجوع يوما وأشبع يوما» ، فأما اليوم (٦) الذي أجوع فيه فأتضرع إليك وأدعوك ، وأما اليوم الذي أشبع فيه فأحمدك وأثني عليك. وكان ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خاتم النبيين وسيد المرسلين ، وآتاه الله علم الأولين والأخرين وفضله على سائر الخلق أجمعين ، ولا يحصى أحد مناقبه من العالمين ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلى أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين صلاة دائمة إلى يوم الدين ، والحمد لله رب العالمين.

ذكر أزواجه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٧)

أول من تزوج خديجة بنت خويلد ، رضي‌الله‌عنها ، ثم سودة بنت زمعة ، ثم عائشة بنت أبي بكر الصديق ، رضي‌الله‌عنهما ، ثم حفصة بنت عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنهما ، ثم زينب بنت خزيمة (٨) ، وكانت تدعى أم المساكين لرأفتها بهم ، ومكثت عنده ثمانية أشهر ، وتوفيت وقد بلغت ثلاثين سنة ، ودفنت بالبقيع (٩) ، ولم

__________________

(١) السكوت أ ج ه : الصمت ب د الأيدي أ ب ج د : الأيادي ه.

(٢) دائمة أ ج د ه : ـ ب.

(٣) عنه ربنا ب ج د ه : ـ أ.

(٤) البياض أ ب ج د : البيض ه.

(٥) أن يجعل له أ ج د : أن تجعل ب ه.

(٦) اليوم ب ج د ه ك : ـ أ.

(٧) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨٣ ، ٧٩ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٣٧٧ ـ ٣٩٠.

(٨) زينب بنت خزيمة الهلالية من بني عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨٢ ؛ ابن حبان تاريخ ١١٠ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٣٨١.

(٩) البقيع : هو مقبرة أهل المدينة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٧٩ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٢١٣ ؛ الحميري ١١٣.


يمت من أزواجه في حياته إلا هي وخديجة ، رضي‌الله‌عنهما ، ثم أم سلمة (١) ، واسمها : هند بنت أبي أمية بن / / المغيرة ، ثم زينب بنت جحش (٢) ، وكان اسمها : برة فسماها ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، زينب وكانت قبله عند زيد بن حارثة مولاه فطلقها ، فلما حلت زوّجها الله تعالى إياه من السماء ، وهي التي قال الله تعالى فيها : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها)(٣) ، وأو لم عليها وأطعم المساكين خبزا ولحما. وفيها أنزلت (٤) آية الحجاب ، وكانت كثيرة الصدقة والإيثار ، رضي‌الله‌عنها ، ثم جويرية بنت الحارث ، وكان اسمها : برة فسماها جويرية ، ثم أم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان ، أصدقها عنه النجاشي ـ كما تقدم ـ ثم صفية بنت حيي من سبي خيبر ، اصطفاها لنفسه ، وتزوجها وجعل عتقها صداقها ـ كما تقدم ـ ثم ميمونة بنت الحارث (٥) وكان اسمها : برة فسماها ميمونة ، وهي التي وهبت نفسها للنبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهؤلاء نساؤه المدخول بهن إحدى عشرة امرأة ، ومات عن تسع منهن ، وتزوج وخطب ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، نساء غير هؤلاء ولم يدخل بهن فمنهن أسماء بنت النعمان الجوينية (٦)(٧) تزوج بها ثم فارقها ، فقيل : إن سبب فراقها أنه لما دخلت عليه قالت : أعوذ بالله منك ، فقال لها : قد عذت بعظيم أو بمعاذ ، إلحقي بأهلك ، فطلقها (٨) فكانت تسمي نفسها بالشقية ، وقيل : إن صاحبة هذه القصة امرأة غير أسماء هذه.

وخولة بنت الهذيل (٩) ، تزوجها رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فماتت في الطريق قبل وصولها إليها ، وأم شريك (١٠) هي عرفة بنت دودان (١١) ، تزوجها ولم يدخل بها. وصفية بنت هشام العبدية (١٢)(١٣) ، وشراف الكلبية (١٤) أخت دحية ، والعالية

__________________

(١) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨١ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢٥٩ ؛ ابن الجوزي ، صفوة ٢ / ٢١ ـ ٢٢.

(٢) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨١ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١١٠ ؛ ابن الجوزي ، صفوة ٢ / ٢٤ ـ ٢٦.

(٣) الأحزاب : [٣٧].

(٤) أنزلت أ ج ه : نزلت ب د.

(٥) ميمونة بنت الحارث ب ج د ه : ميمونة بنت الحرث أ.

(٦) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٨٣.

(٧) الجوينية أ ج د ه : الجونية ب.

(٨) فطلقها أ ج : وطلقها ب د ه / / بالشقية ب ج د ه : الشقية أ.

(٩) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٣٨٨.

(١٠) المصدر نفسه ٢ / ٣٨٨.

(١١) دودان ب ج د ه : دوداره أ.

(١٢) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٣٨٨.

(١٣) العبدية أ ب ج د : العبيدية ه.

(١٤) ينظر : ابن سيد الناس ٢ / ٣٨٨.


الكلابية (١). روى أنها مكثت عند رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ما شاء الله ثم طلقها ، وسبا السلمية ، ماتت قبل أن يصل إليها ، وقتيلة بنت قيس الكندية (٢) قبض رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قبل خروجها إليه من اليمن ، وعمرة بنت يزيد الكلابية (٣) طلقها ، وضباعة بنت عامر القسيرية (٤) خطبها ثم أمسك ، وليلى بنت الحطيم (٥) الأوسية (٦) تخطت منكبه وهو غافل فقال : «من هذه أكلها الأسد»؟ فقالت : أنا ليلى بنت الحطيم بن مطعم الطير قد جئتك أعرض عليك نفسي ، فقال : «قد قبلتك». فرجعت إلى أهلها فقالوا : إن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كثير الضرائر وأنت امرأة غيورة ولسنا نأمن أن تغيظيه فيدعو عليك فاستقيليه. فأتته فأقالها ، فدخلت بعد ذلك حيطان المدينة ، فشد عليها الأسد فأكلها.

وأما سراريه (٧) فكن أربعا : مارية بنت شمعون (٨) القبطية أهداها له المقوقس ، صاحب مصر ، وريحانة بنت شمعون (٩) النضرية (١٠) ، وأخرى جميلة (١١) أصابها في السبي ، وجارية وهبتها له زينب بنت جحش ، وتقدم ذكر أولاده ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ذكر الأسود العنسي ومسيلمة وسجاح وطليحة وما جرى منهم

أما الأسود (١٢) فاسمه عبهلة وهو ممن ارتد وتنبأ ، وكان من الكاذبين (١٣) ، وكان باليمن. وادعى النبوة قبل وفاة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بأربعة أشهر ، فلما بلغه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ذلك أرسل إلى نفر من اليمن يأمرهم بقتله وأرسلوا إلى رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٤) ، خبره ، فسبق خبر السماء إليه فأخبر الناس بذلك قبل وفاته بقليل (١٥) ، ووصل

__________________

(١) المصدر نفسه ٢ / ٣٨٩.

(٢) المصدر نفسه ٢ / ٣٨٩.

(٣) المصدر نفسه ٢ / ٣٨٩.

(٤) المصدر نفسه ٢ / ٣٨٩.

(٥) المصدر نفسه ٢ / ٣٨٩.

(٦) الحطيم الأوسية ... اعرض عليك نفسي ب ج د ه : ـ أ.

(٧) وأما سراريه ب ج د ه : ـ أ.

(٨) ابن الجوزي ، الوفا ٢ / ٦٤٨ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٣٩٠.

(٩) ابن الجوزي ، الوفا ٢ / ٦٤٨.

(١٠) النضرية أ د : النضيرية ب ج : المطرية ه.

(١١) ابن الجوزي ، الوفا ٢ / ٦٤٨.

(١٢) ينظر : الطبري ، تاريخ ٣ / ٢٢٧.

(١٣) وكان من الكذابين ب د ه : من الكاذبين ج : ـ أ.

(١٤) صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د ه : ص ب.

(١٥) قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله قد قتل الأسود الكذاب العنسي ، قتله بيد رجل من إخوانكم» ، ينظر :


الكتاب بقتل الأسود في خلافة أبي بكر ، رضي‌الله‌عنه ، فكان كما أخبر به الرسول (١) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان قتله قبل وفاة النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بيوم وليلة.

وأما مسيلمة فإنه قدم على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في وفد بني حنيفة ، ثم ارتد ، وادعى النبوة ، وتسمى : رحمان اليمامة (٢) ، وخاف أن لا يتم له مراده فقال : إن محمدا قد أشركني معه. وشرع يسجع لقومه ويضاهي القرآن وذلك في حياة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكانت له فتنة فاحشة. وقتله أبو بكر ، رضي‌الله‌عنه ، في خلافته ، وكان قاتله وحشي (٣) بالحربة التي قتل بها حمزة عم النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وشاركه في قتله رجل من الأنصار.

وأما سجاح بنت الحارث (٤)(٥) التميمية كانت قد ادعت النبوة في الردة وتبعها جماعة ، وقصدت قتال أبي بكر. ثم ذهبت إلى اليمامة واجتمعت بمسيلمة وتزوجت به. وتنقلت بها الأحوال إلى زمن (٦) معاوية ، فأسلمت وحسن إسلامها ، وانتقلت إلى البصرة (٧) ، وماتت بها.

وأما طليحة (٨) الأسدي فإنه ادعى النبوة وتبعه جماعة وقوي أمره. وقاتله خالد بن الوليد في الردة ثم أسلم وخرج نحو مكة معتمرا في خلافة أبي بكر ، رضي‌الله‌عنه ، وقاتل في الفتوحات ، فقتل يوم وقعة نهاوند (٩) مع الأعاجم / / في سنة إحدى وعشرين (١٠) في خلافة عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه.

__________________

ـ الطبري ، تاريخ ٣ / ٢٣٩.

(١) الرسول أ ج د ه : ـ ب.

(٢) ينظر : الطبري ، تاريخ ٣ / ٢٦٩ ـ ٢٧١.

(٣) قاتله وحشي أ ج د ه : وحشي قاتله ب.

(٤) ينظر : الطبري ، تاريخ ٣ / ٢٦٩.

(٥) سجاح بنت الحارث ب ج د ه : سجاح بنت الحرث أ.

(٦) إلى زمن أ ب ج د : إلى زمان ه.

(٧) البصرة : مدينة في العراق ، كانت قبة الإسلام ، بنيت زمن عمر بن الخطاب ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٣٠٨ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٢٠١ ؛ الحميري ١٠٥.

(٨) ينظر : الطبري ، تاريخ ٣ / ٢٥٣ ـ ٢٦١ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٤٢٨ ـ ٤٢٩ ؛ ابن الجوزي ، الوفا ٢ / ٧٦٤.

(٩) نهاوند : مدينة عظيمة قبل همدان ، بها آثار للفرس ، وبها قبور جماعة من شهداء المسلمين ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٤١٦ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٣٩٧ ؛ الحميري ٥٧٩.

(١٠) سنة ٢١ ه‍ / ٦٤٢ م.


فصل في الصلاة (١) على النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكيفيتها

روي عن الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا عليّ ، فإنه من صلى عليّ مرة واحدة ، صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الوسيلة فإنها منزلة لا تنبغي إلا لعبد واحد وأرجو أن أكون أنا هو (٢) ، فمن سأل الوسيلة حلت له الشفاعة (٣)».

وقال عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه : إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصل على نبيك ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإذا فعلت انخرقت (٤) الحجب ، ودخل الدعاء ، وإن لم تفعل ذلك ، رجع ذلك الدعاء. وعنه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «إن أنجاكم يوم القيامة من أهوالها ومواطنها أكثركم عليّ صلاة (٥) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (٦).

وروي عن علي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه ، أنه قال : حدثني رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعدهن في يدي قال : «عدهن في يدي جبريل ، عليه‌السلام ، وقال جبريل : هكذا أنزلت بهن من عند رب العزة اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم وترحم (٧) على محمد وعلى آل محمد ، كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم وتحنن على محمد وعلى آل محمد ، كما تحننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم وسلم على محمد وعلى آل محمد ، كما سلمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد».

وعن أبي بكر ، رضي‌الله‌عنه ، أنه قال : الصلاة على النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أمحق للذنوب من الماء البارد للنار ، والسلام عليه أفضل من عتق الرقاب (٨).

__________________

(١) فصل في الصلاة أ ج ه : فضل الصلاة ب د.

(٢) هو أ ج د ه : ـ ب.

(٣) ينظر : عياض ، الشفا ٢ / ٧٦ ؛ ابن منظور ، مختصر ٢ / ٤١٦.

(٤) انخرقت الحجب ب د : انخرق الحجاب أ : انخرق الحجب ج ه / / ذلك أ ج ه : ـ ب د.

(٥) ينظر : ابن منظور ، مختصر ٢ / ٤١٤.

(٦) صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج د ه : ـ ب.

(٧) اللهم وترحم ... إنك حميد مجيد ب ج د ه : ـ أ.

(٨) ينظر : ابن منظور ، مختصر ٢ / ٤١٤.


قال ابن الفاكهاني (١)(٢) ، قلت : وإنما كان أفضل من عتق الرقاب ـ والله أعلم ـ لأن عتق الرقاب في مقابلته (٣) العتق من النار ودخول الجنة ، والسلام عليه في مقابلته سلام الله تعالى وسلام من الله أفضل من مائة ألف ألف جنة (٤) ، فناهيك بها من جنة ، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا مرافقته في الجنة بمنه وكرمه وجوده وإحسانه آمين.

فصل (٥) في زيارة النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

وما يستحب أن يفعله الزائر ويدعو به (٦)

يستحب لمن قدم المدينة الشريفة أن يغتسل قبل دخوله إليها ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ويدخل بسكينة ووقار ، ويقول : بسم الله وعلى ملة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا. ويكره له (٧) الركوب في أزقتها إلا لعذر ، فإذا وصل إلى أحد أبواب المسجد الشريف قال : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد واغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وكف عني أبواب سخطك ، الحمد لله الذي بلغني هذا الموضع الشريف وجعلني أهلا لحضور هذا المسجد العظيم وزيارة قبر رسوله الكريم ، فالحمد لله على ذلك عدد نعمه التي لا تحصى وإفضاله الذي لا يستقصى ولا يفنى ، ثم يقدم رجله اليمنى قائلا (٨) : بسم الله الرحمن الرحيم ، وبالله ومن الله وإلى الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا. وكذا يتلو إذا خرج ويصلي على النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ثم يأتي المنبر مستديما للذكر والثناء والصلاة على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيصلي عنده ركعتين تحية المسجد ويتحرى لصلاته جانب المنبر تجاه صندوق المصاحف ، ويجعل عمود المنبر حذاء منكبه الأيمن ويستقبل السارية التي إلى جانبها الصندوق ،

__________________

(١) ابن الفاكهاني : لم أعثر له على ترجمة في المصادر المتوافرة.

(٢) قال ابن الفاكهاني ... عتق الرقاب أ ب ج د : ـ ه.

(٣) في مقابلته أ ج ه : في مقابلة ب د / / ودخول الجنة أ ب ج د : والدخول للجنة ه.

(٤) جنة أ د ه : منه ب : حسنة ج.

(٥) فصل في أ : ذكر آداب أ ب د : آداب ج ه.

(٦) عن فضل زيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ينظر : ابن منظور ، مختصر ٢ / ٤٠٦.

(٧) ويكره به ب ج د ه : ويكره أ.

(٨) قائلا أ ج ه : ويقول ب د.


وتكون الدائرة التي في قبلة المسجد بين عينيه ، فذلك موقف النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الذي كان يؤم الناس فيه.

ثم يقول بعد فراغهما : الحمد لله الذي بلغني هذا المكان ووفقني لإتيانه وأوصلينه في يسر وعافية ، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت (١) وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام والطول والإنعام ، فلك الحمد ملء السموات والأرض ، وملء (٢) ما شئت من شيء بعد.

ويأتي القبر الشريف من باب المقصورة القبلي ، فإذا وصل المقصورة استقبل وجهه / الكريم ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذلك بأن يستدبر القبلة ويستقبل جدار القبر الشريف على نحو أربعة أذرع من السارية التي في زاوية المقصورة ، ويجعل القنديل على رأسه ولا يمس الجدار بيده ولا بشيء من بدنه ، ويقف متأدبا بين يديه كما لو كان حيا مظهرا لاحترامه ، ويستحضر في نفسه أن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عالم بحضوره وقيامه تجاهه وسلامه عليه ، وأنه يجيب من سلم عليه من بعيد فكيف (٣) بالقريب ، ويسلم على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويصلي عليه.

وقد ورد أشياء كثيرة في صفة الصلاة (٤) عليه فأيها فعل أجزأه. ثم يتقدم يسيرا فيقف ويسلم على خليفته سيدنا أبي بكر الصديق ، رضي‌الله‌عنه ، ثم يتقدم يسيرا فيسلم على سيدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه.

ثم يأتي الروضة فيصلي بها ما تيسر له (٥) ويصلي عند المنبر أيضا ، ثم يدعو عند انصرافه فيقول : اللهم إني أتيت قبر نبيك ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، متقربا إليك بزيارته ، متوسلا لديك به ، وأنت قلت وقولك الحق ولا تخلف الميعاد : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً)(٦) ، اللهم اجعلها زيارة مقبولة ، وسعيا مشكورا ، وعملا متقبلا مبرورا ، ودعاء تدخلنا به جنتك ، وتسبغ به علينا رحمتك ، اللهم (٧) اجعل سيدنا محمدا أنجح السائلين ، وأكرم الأولين والآخرين ، اللهم كما آمنا به ولم نره وصدقناه ولم نلقه ، فأدخلنا

__________________

(١) تباركت وتعاليت ب ج د ه : ـ أ.

(٢) وملء ما شئت أ ج د ه : وملىء ما شئت ب.

(٣) فكيف بالقريب أ ج : فكيف من قريب ب د : ـ ج.

(٤) الصلاة أ ه : السلام بد : ـ ج.

(٥) ما تيسر له أ ه : ما يسر الله له ب د : ـ ج.

(٦) النساء : [٦٤].

(٧) اللهم أ ب د : ـ ج ه.


مدخله ، واحشرنا محشره ، وأوردنا حوضه ، واسقنا بكأسه مشربا رويا سائغا هنيا لا نظمأ بعده (١) أبدا.

ويستحب له زيارة البقيع ، فيبدأ بقبر سيد إبراهيم ابن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيزوره ، ويزور العباس ، وعثمان بن عفان ، والحسن بن علي ، وبنات رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وغيرهم ويستحب زيارة ما بتلك الأرض الشريفة من الأماكن المشهورة.

ثم إذا قصد الذهاب إلى وطنه اغتسل ولبس أحسن ثيابه ، وأتى المسجد الشريف مكررا للصلاة على النبي (٢) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويأتي القبر الشريف ، ويسلم على رسول الله ، عليه‌السلام ، وعلى ضجيعيه ويكثر من الصلاة عليه وعليهما ، ويدعو بما أحب من خيري الدنيا والآخرة. ثم يخرج غير مستدبر القبر الشريف ، ويبدأ برجله اليسرى قائلا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، وافتح لي أبواب فضلك ، وحط عني أوزاري بزيارة نبيك ، واحسن منقلبي إلى أهلي ووطني ببركته ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يا أرحم الراحمين ، أدخلنا في شفاعته أجمعين (٣).

ذكر فضائل المسجد الأقصى الشريف

وما ورد في ذلك من آيات وأحاديث (٤)

قد تقدم في أول الكتاب الكلام على (٥) سورة الإسراء ، فلو لم يكن له من الفضيلة غير هذه الآية لكانت كافية فيه ، لأنه إذا بورك حوله فالبركة فيه مضاعفة. وقال تعالى ـ إخبارا عن نبيه موسى ، عليه‌السلام ـ : وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم مّا لم يؤت أحدا من العالمين (٢٠) (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ)(٦) أي المطهرة ، والتقديس هو التطهير. وسمي البيت المقدس مقدسا لأنه يتطهر فيه من الذنوب. وتقدم ذلك عند أسماء بيت المقدس.

قال ابن عباس : بيت المقدس (٧) عليه الطل والمطر منذ خلق الله السنين

__________________

(١) بعده أ ه : بعدها ب د : ـ ج.

(٢) على النبي أ ه : على رسول الله ب د : ـ ج.

(٣) أدخلنا في شفاعته أجمعين ب : ـ أ ج د ه.

(٤) من آيات وأحاديث أ ه : من الآيات والأحاديث ب ج د.

(٥) على أ ج : + أول ب د د ه.

(٦) المائدة : [٢٠ ـ ٢١].

(٧) بيت المقدس أ ج : بيت المقدس ب ه : ـ د.


والأيام (١). وروي في قوله تعالى : (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) (٧١) (٢). قال : هي الأرض المقدسة بارك الله فيها للعالمين ، لأن كل ماء في الأرض عذب منها يخرج من أصل الصخرة الشريفة ، ثم يتفرق في الأرض (٣). وقال تعالى : (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) (١٠٥) (٤) ، قيل في أحد الأقوال : إنها الأرض المقدسة ترثها أمة محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال تعالى : (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) (٥٠) (٥). قال ابن عباس : هي بيت المقدس (٦) ، وهو قول قتادة وكعب ، وقال كعب : هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا ، يعني لأن الربوة المكان المرتفع من الأرض. وقال تعالى : (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ)(٧) ، المنادي : هو إسرافيل ، عليه‌السلام ، ينادي من صخرة بيت المقدس بالحشر وهي في وسط الأرض (٨). وروي أن المكان القريب هو صخرة بيت المقدس. وقال تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)(٩) يعني به بيت المقدس. وقال تعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) (١٣) (١٠) يعني بين / / المؤمنين وبين المنافقين وهو حائط بين الجنة والنار ـ له أي لذلك السور ـ باب فيه الرحمة وهي الجنة ، وظاهره ـ أي من خارج ذلك السور ـ من قبله ـ أي من قبل ذلك الظاهر العذاب ـ. وعن أبي العوام (١١)(١٢) ، سمعت عبد الله بن عمر قال (١٣) : إن السور الذي ذكره الله في القرآن بقوله : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ) (١٣) (١٤) هو سور بيت المقدس الشرقي باطنه فيه الرحمة المسجد ، وظاهره من قبله العذاب وادي جهنم.

__________________

(١) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٩٤.

(٢) الأنبياء : [٧١].

(٣) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١٣٤.

(٤) الأنبياء : [١٠٥].

(٥) المؤمنون : [٥٠].

(٦) ينظر : المقدسي ، مثير ٧٤.

(٧) ق : [٤١].

(٨) وسط الأرض أ ب ج د : وسط الدنيا ه.

(٩) النور : [٣٦ ـ ٣٧].

(١٠) الحديد : [١٣].

(١١) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٣٩.

(١٢) أبي العوام أ ب ج د : أم العوام ه / / العوام أ ج ه : + قال ب د.

(١٣) قال أ ج ه : قول ب د.

(١٤) الحديد : [١٣].


وروى الإمام أحمد ، رضي‌الله‌عنه ، في مسنده من حديث أمامة قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من اللأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك» قالوا : يا رسول الله وأين هم؟ قال : «ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس» (١).

وعن أبي هريرة ، رضي‌الله‌عنه ، قال : قال رسول الله (٢) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أربع من مدائن الجنة : مكة والمدينة ودمشق وبيت المقدس» (٣).

وعن معاذ ، رضي‌الله‌عنه ، قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا شام أنت صفوتي من بلادي وأنا سائق إليك صفوتي من عبادي من كان مولده فيك فاختار عليك غيرك فبذنب يصيبه ، ومن كان مولده في غيرك فاختارك على غيرك فبرحمة مني ، يا شام اتسعي لأهلك بالرزق كما يتسع الرحم للولد ، وعيني عليك بالطل والمطر منذ (٤) خلقت السنين والأيام ، ومن يعدم فيك المال لا يعدم فيك الخير. يا روشلم أنت مقدسة بنوري وفيك المحشر والمنشر (٥) أزفك يوم القيامة كما تزف العروس إلى بعلها ، ومن دخلك استغنى عن الزيت والقمح (٦)».

وعن معاذ ، قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا معاذ إن الله ، عز وجل ، سيفتح عليكم الشام من بعدي من العريش (٧) إلى الفرات رجالهم ونساؤهم وإماؤهم (٨) مرابطون إلى يوم القيامة ، فمن اختار ساحلا من سواحل الشام أو بيت المقدس فهو في جهاد إلى يوم القيامة (٩)».

وعن كعب (١٠) قال : قال الله تعالى لبيت المقدس : أنت جنتي وقدسي

__________________

(١) رواه الإمام أحمد ، ينظر : المقدسي ، مثير ١٠٢.

(٢) قال رسول الله ب ج د ه : ـ أ.

(٣) ينظر : القرطبي ، تفسير ٦ / ٣٨٢٨ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ٢١١.

(٤) منذ أ ج د : مذ ب ه.

(٥) والمنشر ب ج د : ـ أ ه.

(٦) ينظر : ابن منظور ، مختصر ١ / ٥٩.

(٧) العريش : مدينة كانت أول عمل مصر من ناحية الشام على ساحل بحر الروم (المتوسط) ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ١٠٩ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٩٤٠ ؛ الحميري ٤٢١.

(٨) وإماؤهم أ ب ج د : ـ ه / / فمن اختار ... إلى يوم القيامة أ ب ج د : ـ ه / / اختار أ ج : + منكم : ـ ه.

(٩) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٠١.

(١٠) كعب أ ج ه : + الأحبار ب د.


وصفوتي من بلادي من يسكنك فبرحمة مني ومن خرج منك فبسخط مني عليه (١).

فضل الصلاة في بيت المقدس

روي عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «إن سليمان ، عليه‌السلام ، سأل ربه ثلاثا فأعطاه اثنتين ونحن نرجو أن يكون قد أعطاه الثالثة : سأله حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه ، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه ، وسأله أيما رجل يخرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد أن يخرج من خطيئة كيوم ولدته أمه ، فنحن نرجو أن يكون قد أعطاه إياه» (٢).

وعن مكحول (٣) قال : من خرج إلى بيت المقدس لغير حاجة إلا للصلاة (٤) ، فصلى فيه خمس صلوات صبحا وظهرا وعصرا ومغربا وعشاء ، خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه (٥).

وعن كعب الأحبار (٦) قال : شكا بيت المقدس إلى ربه الخراب ، فأوحى الله إليه : لأملأنك خدودا سجدا يزفون إليك زفيف النسور إلى أوكارها ويحنون إليك حنين الحمام إلى بيضها. فقال رجل لكعب (٧) : اتق الله يا كعب وأن له لسانا قال : نعم وقلبا كقلب أحدكم (٨).

وعن أنس ، رضي‌الله‌عنه ، قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من زار بيت المقدس محتسبا أعطاه الله أجر ألف شهيد» (٩). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من زار عالما ، فكأنما زار بيت المقدس ، ومن زار بيت المقدس محتسبا ، حرم الله لحمه وجسده على النار».

وعن أبي هريرة ، رضي‌الله‌عنه ، قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من صلى في بيت المقدس غفرت ذنوبه كلها» (١٠).

__________________

(١) ينظر : المقدسي ، مثير ٩٢.

(٢) رواه الإمام القرطبي نقلا عن النسائي ، ينظر : القرطبي ، تفسير ٨ / ٥٣٦٤.

(٣) مكحول بن أبي مسلم ، أبو عبد الله ، فقيه الشام في عصره ، من حفاظ الحديث ، توفي سنة ١١٢ ه‍ / ٧٣٠ م ، ينظر : الذهبي ، سير ٥ / ١٥٥.

(٤) للصلاة أ ج ه : الصلاة ب د.

(٥) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٣٨.

(٦) الأحبار أ ج ه : ـ ب د.

(٧) لكعب أ ج ه : ـ ب د.

(٨) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٣٧.

(٩) ينظر : المصدر نفسه ١ / ١٣٧.

(١٠) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٣٨.


وعن كعب الأحبار من أتى بيت المقدس ، فصلى عن يمين الصخرة ، وعن شمالها ، ودعا عند موضع السلسلة ، وتصدق بما قل أو كثر ، استجيب له دعاؤه ، وكشف الله عنه حزنه ، وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وإن سأل الله الشهادة أعطاه إياها (١) ، والله أعلم.

مضاعفة الصلاة في بيت المقدس

روي عن أبي الدرداء (٢) عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «فضلت / / الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة وفي مسجدي بألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس بخمسمائة صلاة» ، رواه الإمام أحمد ، رضي‌الله‌عنه.

مضاعفة الحسنات والسيئات في مسجد بيت المقدس

روي عن جرير بن عثمان (٣) وصفوان بن عمرو (٤) أنهما قالا : الحسنة في بيت المقدس بألف والسيئة بألف وعن الليث بن سعد (٥) عن نافع (٦) قال : قال لي ابن عمر ـ ونحن ببيت المقدس ـ : يا نافع اخرج بنا من هذا البيت ، فإن السيئات (٧) تضاعف فيه كما تضاعف الحسنات ، وأحرم وخرج من بيت المقدس.

قال العلماء : معنى ذلك أن عقوبة من اقترف ذنبا في أحد المساجد الثلاثة أعظم عقوبة (٨) ممن اقترف في غيرها لشرف هذه المساجد وفضلها ، والذنب الواحد في أحدها أعظم من ذنوب كثيرة في غيرها من المواضع ، ولذلك تضاعف فيه السيئات ومعناه : تغليظ عقوبتها : لأن الإنسان يعمل ذنبا واحدا فيكتب عليه عشرة ذنوب ، والله تعالى يقول في كتابه العزيز : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ

__________________

(١) ينظر : المصدر نفسه ١ / ١٦٢.

(٢) أبو الدرداء : عويمر بن زيد الأنصاري ، يقال عنه حكيم هذه الأمة ، كان عالم أهل الشام ومقرىء أهل دمشق وفقيههم وقاضيهم مات سنة ٣٢ ه‍ / ٦٥٢ م ، ينظر : ابن حجر ، الإصابة ٢ / ٣٥١.

(٣) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٧٧.

(٤) ينظر : المصدر نفسه ، ابن سعد ٤ / ٧٨.

(٥) الليث بن سعد مولى قيس ، ولد سنة ٩٣ ه‍ / ٧١١ م واستقل بالفتوى في مصر ، أسند لخلق كثير من التابعين وتوفي سنة ١٧٥ ه‍ / ٧٩١ م ، ينظر : ابن الجوزي ، صفوة ٤ / ٢١٨.

(٦) نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم ، إمام دار الهجرة ، كان إماما فاضلا ، قرأ على سبعين من التابعين ، أخذ عنه مالك وكان يصلي وراءه ومات بالمدينة سنة ١٦٩ ه‍ / ٧٨٥ م. ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٤٩٨ ؛ ابن سعد ٦ / ٣٩.

(٧) فإن السيئات ب ج د ه : فالسيئات أ.

(٨) عقوبة ممن اقترف أ ج د ه : عقوبته د / / اقترف أ ج د ه : اقترفه ب.


بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها)(١) ، فقد غلظت الدية على من قتل في الحرم أو في الأشهر الحرم ، أو قتل ذي رحم (٢) محرم ، لحرمة هذه الأشياء وعظم محلها. فالتعدد في المعنى من حيث إنه انتهك حرمة بيوت الله ، وقد قال تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ)(٣). وقد ارتكب المعصية فيها فهذا معنى التضعيف (٤).

شد الرحال إليه (٥)

عن أبي سعيد الخدري (٦) ، رضي‌الله‌عنه : أن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا» (٧).

كراهية استقبال الصخرة ببول أو غائط

روى أبو داود (٨) ، رحمه الله ، في سننه : أن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، نهى أن تستقبل القبلتان ببول أو غائط. وعن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تستقبلوا واحدة من القبلتين ببول أو غائط» (٩). وروي تحريم ذلك عن الشعبي.

فضل الإهلال بالحج والعمرة من بيت المقدس

عن أم سلمة زوج النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنها سمعت رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : «من أهل بحج أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر الله له ما تقدم من ذنبه

__________________

(١) الأنعام : [١٦٠].

(٢) ذي رحم أ ج ه : ذا رحم ب د.

(٣) النور : [٣٦].

(٤) وقد ارتكب ... معنى التضعيف ب ج د ه : ـ أ.

(٥) شد الرحال إليه أ ب ج د : شد الرحال عليه ه.

(٦) أبو سعيد الخدري : سعد بن مالك بن سنان ، صحابي جليل توفي سنة ٧٤ ه‍ / ٦٩٣ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٦٦ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٢ / ٨٣.

(٧) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٩٨.

(٨) أبو داود : الإمام الحافظ ، سليمان بن داود ، كان كثير الحديث ، يعد من أصحاب السنن ، وتوفي سنة ٢٠٣ ه‍ / ٨١٨ م ؛ ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٢٩٠ ؛ ابن سعد ٧ / ٢١٨.

(٩) ينظر : المقدسي ، مثير ٢١٠.


وما تأخر ووجبت له الجنة» (١).

وقد أحرم منه عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، ثم قال : لوددت أني ما جئت بيت المقدس (٢) ، كذلك أهل ابن عمر من بيت المقدس بعمرة (٣).

الماء تخرج والرياح (٤) من تحت صخرة بيت المقدس

وروي عن أبي هريرة ، رضي‌الله‌عنه ، عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «المياه العذبة والرياح اللواقح تخرج (٥) من تحت صخرة بيت المقدس (٦) ، وعن ابن عباس ، رضي‌الله‌عنهما ، قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الأنهار الأربعة (٧) : سيحان وجيحان والنيل والفرات ، فأما سيحان فنهر بلخ (٨) ، وأما جيحان فدجلة ، وأما النيل ، فنيل مصر ، وأما الفرات ، ففرات الكوفة (٩). وكل ماء يشربه (١٠) ابن آدم فهو من هذه الأربعة ، وتخرج من تحت الصخرة» (١١)(١٢).

وقد نقل في فضل ماء بيت المقدس وما فيه من المنفعة وأن من أراد أن يشرب ماء في جوف الليل : فليقل يا ماء ماء بيت المقدس يقرئك السلام ، ثم يشرب فإنه أمان بإذن الله ، عز وجل.

بيت المقدس أرض المحشر والمنشر

عن أبي ذر (١٣) قال : قلت : يا رسول الله ، الصلاة في مسجدك أفضل من الصلاة في بيت المقدس؟ قال : صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ،

__________________

(١) ينظر : المقدسي ، مثير ٢١٢ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ١٥١.

(٢) ثم قال لوددت ... المقدس ب د : ـ أ ج ه.

(٣) كذلك أهل ابن عمر ... بعمرة أ : وأحرم منه ابنه عبد الله ، رضي‌الله‌عنه أيضا ب ج ه : ـ د.

(٤) الماء تخرج والرياح أ ج : الماء والريح يخرجان ب د : ـ ه.

(٥) تخرج من ب د : ـ أ ج ه.

(٦) ينظر : المقدسي ، مثير ٢١٧ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ١٥٥.

(٧) الأربعة أ ج ه : أربعة ب د.

(٨) بلخ : مدينة مشهورة بخرسان من أشهرها ذكرا وأكثرها خيرا ، ينظر. أبو الفداء ، تقويم ٦١ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٢١٧.

(٩) الكوفة : المصر المشهور بأرض بابل من سواد العراق ، سميت الكوفة لاستدارتها أو لاجتماع الناس بها ؛ ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٨٧ ؛ الحميري ٥٠١.

(١٠) يشربه ب د ه : يشرب أ ج.

(١١) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٥٦.

(١٢) وتخرج من تحت الصخرة أ ج د : ويخرج من تحت صخرة بيت المقدس ب ه.

(١٣) ذر أ ج ه : + رضي‌الله‌عنه ب د.


ولنعم المصلى هو أرض المحشر والمنشر (١).

وعن كعب قال : إن الكعبة بميزان البيت المعمور في السماء السابعة الذي تحجه ملائكة الله تعالى ، لو وقعت (٢) منه أحجار وقعت على أحجار البيت الحرام (٣) ، وأن الجنة في السماء السابعة بميزان بيت المقدس لو وقع منها حجر لوقع على الصخرة الشريفة ، ولذلك دعيت أورشلم ، ودعيت الجنة دار السلام (٤).

وقال مقاتل بن سليمان عن بيت المقدس : ما فيه موضع شبر إلا وقد صلى عليه نبي مرسل ، أو قام عليه ملك مقرب.

وقال وهب بن منبه : أهل بيت المقدس جيران الله ، وحق / / على الله أن لا يعذب جيرانه.

وعن عبد الله بن عمر أنه قال : إن الحرم المحرم في السماوات السبع بمقداره في الأرض ، وإن بيت المقدس لمقدس (٥) في السماوات السبع بمقداره في الأرض (٦).

توكل (٧) الملائكة بالمسجد الحرام

ومسجد المدينة والمسجد الأقصى

عن ابن مسعود ، عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «ثلاثة أملاك : ملك موكل بالكعبة ، وملك موكل بمسجدي ، وملك موكل بالمسجد الأقصى. فأما الموكل بالكعبة فينادي في كل يوم (٨) : من ترك فرائض الله خرج من أمان الله ، وأما الموكل بمسجدي هذا فينادي في كل يوم : من ترك سنة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لا يرد حوضه (٩) ولا تدركه شفاعة محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأما الموكل بالمسجد الأقصى فينادي في كل يوم : من كانت طعمته حراما كان عمله مضروبا به وجهه» (١٠).

__________________

(١) ينظر : ابن منظور ، مختصر ١ / ٧٥ ؛ المقدسي ، مثير ٢٢٠.

(٢) لو وقعت ب : وقعت أ ج ه : لوقع د.

(٣) الحرام ب ج د ه : ـ أ.

(٤) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٥٢.

(٥) لمقدس أ : مقدس ب ج د ه.

(٦) ينظر هذه الأقوال : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٠٠ ـ ١٠٣.

(٧) توكل أ ب د : توكيل ج ه.

(٨) فيكل يوم أ ب ج د : ـ ه.

(٩) لا يرد حوضه ب ج د : ـ أ ه.

(١٠) المقدسي ، مثير ٢٢٣ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ١٣٩.


فضل إسراج بيت المقدس الشريف عند العجز

عن الوصول إليه (١) فإنه يقوم مقام الصلاة فيه وفضل عمارته

روي عن ميمونة بنت سعد مولاة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنها قالت : يا رسول الله افتنا في بيت المقدس ، فقال : «أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه ، فإن كل صلاة فيه كألف صلاة». قلنا : يا رسول الله فمن لم يستطع أن يصلي إليه؟ قال : «فمن لم يستطع أن يأتيه فليهد إليه زيتا يسرج في قناديله ، فإن من أهدى إليه زيتا كان كمن أتاه» (٢). وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أسرج في بيت المقدس سراجا لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام ضوءه في المسجد» (٣) ، وفي نبوة يحيى ، عليه‌السلام ، من بنى في بيت المقدس بناء ، أو أثر فيه أثرا حسنا ، أو عمر فيه شيئا ، زاد الله في عمره خمس عشرة سنة ، وزاد له من المال والولد ، وإن كان ملكا ملكه الله إياها ـ يعني الأرض ـ.

صفة الدجال قاتله الله (٤) ـ الدجال لا يدخل بيت المقدس ـ

روى عن الضحاك أنه قال : الدجال ليس له لحية وافر الشارب طول وجهه ذراعان وقامته في السماء ثمانون ذراعا وعرض ما بين منكبيه ثلاثون ذراعا ، ثيابه وخفاه وسرجه ولجامه بالذهب والجواهر ، على رأسه تاج مرصع بالذهب والجوهر في يده طبرزن (٥)(٦) هيئته هيئة المجوس ترسه فارسية وكلامه الفارسية ، تطوى له الأرض ولأصحابه طيا طيا ، يطأ مجامعها ، ويرد مناهلها إلا المساجد الأربعة ، مسجد مكة ومسجد المدينة ومسجد بيت المقدس ومسجد الطور.

وعن عبد الله بن مسعود قال : يدخل الدجال (٧) الأرض كلها إلا أربعة مساجد وأربع قرى مكة والمدينة وبيت المقدس وطور سيناء (٨) ، وروي نحوه عن عبد الله بن

__________________

(١) عن الوصول إليه أ ب ج د : عن الذهاب إليه ه.

(٢) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٥٣.

(٣) ينظر : المصدر نفسه ١ / ١٥٣.

(٤) صفة الدجال قاتله الله أ ب د : ـ ج ه.

(٥) طبرزن : أصلها بالفارسية (تيرزل) وهي آلة من السلاح تشبه الطبر ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١٣ / ٢٦٤ ؛ الحسيني ٤٥٣.

(٦) طيرزن ب د : طيرزان أ ج ه.

(٧) الدجال أ ب ج د : ه.

(٨) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٣٢.


عمرو بن العاص (١) ، وروى ثور (٢) عن خالد بن معدان (٣)(٤) أنه قال : عصمة المؤمنين من مسيح الدجال (٥) ببيت المقدس. وعن ربيعة بن يزيد (٦) قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تزالون تقاتلون الكفار حتى تقاتل بقيتكم جنود (٧) الدجال ببطن الأردن بينكم النهر أنتم غربيه وهم شرقيه» ، قال ربيعة : فقال المحدث من أصحاب رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فمات سمعت بنهر الأردن إلا من رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وروي أن نبي الله عيسى ، عليه‌السلام ، يأخذ من حجارة بيت المقدس ثلاثة أحجار : الأول : منها يقول : باسم إله إبراهيم ، والثاني (٨) : باسم إله إسحاق ، والثالث : باسم إله يعقوب ، ثم يخرج بمن تبعه من المسلمين إلى الدجال ، فإذا رآه انهزم عنه ، فيدركه عند باب لد (٩) ، فيرميه بأول حجر ، فيصيبه (١٠) بين عينيه ، ثم الثاني ، ثم الثالث ، فيقع فيضربه سيدنا عيسى فيقتله ويقتل اليهود حتى أن الحجر والشجر ليقولان يا مؤمن هذا (١١) تحتي يهودي فأته فاقتله (١٢). قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم إماما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير» (١٣).

__________________

(١) عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي ، أبو محمد ، بينه وبين أبيه إحدى عشرة سنة ، له سبعمائة حديث ، مات سنة ٦٥ ه‍ / ٦٨٤ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٦٢ ؛ ابن سعد ٤ / ١٩٧ ؛ ابن حجر ، الإصابة ١ / ٣٤٣.

(٢) ثور بن يزيد الكلاعي ، من أهل حمص ، مات سنة ١٣٥ ه‍ ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٧٧ ؛ ابن سعد ٧ / ٣٢٤.

(٣) خالد بن معدان الكلاعي ، حمصي يكنى أبا عبد الله ، مات سنة ١١٨ ه‍ / ٧٣٦ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٦٦ ؛ ابن سعد ٧ / ٣١٦ ؛ ابن العماد ١ / ١٢٦.

(٤) خالد بن معدان أ ج ه : خالد بن صفوان ب د.

(٥) من مسيح الدجال أ ج ه : المسيح الدجال ب د.

(٦) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٧٤.

(٧) جنود أ ب ج د : ـ ه.

(٨) والثاني أ ج ه : + يقول ب د.

(٩) لد : قرية قرب بيت المقدس من نواحي فلسطين وتقع الآن تحت السيطرة الإسرائيلية ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٣٧ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٢٠٢ ؛ شراب ٦٣٧.

(١٠) فيصيبه ب د : فيضعه أ ج ه.

(١١) هذا أ ج : ـ ب د ه.

(١٢) فأته فاقتله أ ب ج د : فيأتيه فيقتله ه.

(١٣) عن أحاديث الدجال ، ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٢٠.


فضل الأذان فيه (١)

روى جابر (٢) ، رضي‌الله‌عنه ، أن رجلا قال : يا رسول الله أي الخلق أول دخولا إلى الجنة؟ قال : «الأنبياء» ، قال : ثم من؟ قال : «الشهداء» ، قال : ثم من؟ قال : «مؤذنو بيت / / المقدس» ، قال : ثم من؟ قال : «مؤذنو المسجد الحرام» ، قال : ثم من؟ قال : «مؤذنو (٣) مسجدي» ، قال : ثم من؟ قال : «سائر المؤذنين» (٤).

وعن العلاء بن هارون قال : بلغني أن الشهداء يسمعون آذان مؤذني بيت المقدس لصلاة الغداة يوم الجمعة ، وعن كعب قال : لم يستشهد عبد قط في بر ولا بحر إلا وهو يسمع آذان مؤذني بيت المقدس ، وأنه يسمع آذان مؤذني بيت المقدس من السماء.

فضل الصدقة فيه (٥)

روي عن الحسن البصري (٦) ، رضي‌الله‌عنه (٧) ، أنه قال : من تصدق في بيت المقدس بدرهم كان له براءة من النار ، من (٨) تصدق برغيف كان كمن تصدق بجبال الأرض ذهبا (٩).

فضل الصيام فيه والاستغفار

روي عن كعب (١٠) أنه قال : من صام يوما ببيت المقدس أعطاه الله براءة من النار ، ومن استغفر للمؤمنين والمؤمنات في بيت المقدس ثلاث مرات كتب الله (١١)

__________________

(١) فيه أ ج ه : في بيت المقدس ب د.

(٢) جابر بن عبد الله ، الإمام أبو عبد الله الأنصاري الفقيه ، مفتي المدينة في زمانه ، صحابي جليل ، مات سنة ٧٨ ه‍ / ٦٩٧ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٧٤ ؛ ابن الأثير ، أسد ١ / ٣٠٧.

(٣) مؤذنو أ ب ج د : مؤذنين ه.

(٤) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٤٧.

(٥) فيه أ ج ه : في بيت المقدس ب د.

(٦) الحسن البصري : أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري من سادات التابعين وكبرائهم ، كان إمام أهل البصرة وحبر الأمة في زمانه ، مات سنة ١٦٠ ه‍ ، ينظر : ابن خلكان ٢ / ٦٩ ؛ الذهبي ، سير ٤ / ٥٦٣ ؛ الزركلي ٢ / ٢٢٦.

(٧) رضي‌الله‌عنه أ ب ج د : قدس الله روحه د.

(٨) من أ : ومن ب ج د ه.

(٩) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٤٤.

(١٠) عن كعب أ ب ج ه : عن سيدنا كعب رضي‌الله‌عنه د.

(١١) كتب الله له أ ج ه : كتب له ب د.


له مثل جميع حسنات المؤمنين والمؤمنات ودخل على كل مؤمن ومؤمنة من دعائه في كل يوم وليلة سبعون مغفرة (١).

فضل الدفن فيه (٢)

قد سأل موسى ، عليه‌السلام ، ربه أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر ، وتقدم ذكر ذلك عند ذكره ، عليه‌السلام ، وعن كعب أن ببيت المقدس ألف قبر من قبور الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام (٣). وعن أبي هريرة ، رضي‌الله‌عنه ، عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «من مات في بيت (٤) المقدس فكأنما مات في السماء» (٥).

فضل الصخرة

روي عن ابن عباس ، رضي‌الله‌عنهما ، أنه قال : صخرة بيت المقدس من صخور الجنة (٦) ، وعن عبادة بن الصامت (٧) ، رضي‌الله‌عنه ، قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صخرة بيت المقدس على نخلة والنخلة على نهر من أنهار الجنة وتحت النخلة آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران تنظمان (٨) سموط أهل الجنة إلى يوم القيامة» (٩) ، وعن علي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه ، قال : سمعت رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : «سيدة البقاع (١٠) بيت المقدس وسيد الصخور صخرة بيت المقدس» (١١) ، وعن أم عبد الله ابنة خالد بن معدان (١٢) عن أبيها : لا تقوم الساعة حتى تزف الكعبة إلى الصخرة ، فيتعلق بها جميع من حجها واعتمرها فإذا رأتها

__________________

(١) ينظر : المصدر نفسه ١ / ١٤٦.

(٢) فيه أ ج ه : في بيت المقدس ب د.

(٣) عليهم الصلاة والسلام أ ج د ه : عليهم‌السلام ب.

(٤) في بيت أ ج ه : ببيت ب د.

(٥) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٤٧ ، وهو حديث موضوع.

(٦) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٣٠.

(٧) عبادة بن الصامت : أبو الوليد عبادة بن الصامت الخزرجي ، صحابي ، من الموصوفين بالورع ، شهد الغزوات ، وحضر فتح مصر ، مات سنة ٣٤ ه‍ / ٦٥٣ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٥٤ ؛ ابن سعد ٣ / ٤١٢.

(٨) تنظمان أ : ينظمان ب ج د ه.

(٩) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٣٠.

(١٠) سيدة البقاع أ : سيد البقاع ب د : سيد بقاع الأرض ج ه.

(١١) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٣٢.

(١٢) ابن معدان ه : مقدان أ : بن سعدان ب ج د.


الصخرة قالت : مرحبا بالزائرة والمزورة (١). وروي أن الله ، عز وجل ، يجعل الصخرة يوم القيامة مرجانة بيضاء ثم يبسطها عرض السماء والأرض.

فضل الصلاة عن يمين الصخرة

عن أبي هريرة ، رضي‌الله‌عنه ، عن أبي سعيد (٢) قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صليت ليلة أسري بي إلى بيت المقدس عن يمين الصخرة» (٣). قال المشرف : ولم يختلف اثنان أنه عرج به من عند القبة التي يقال لها قبة المعراج (٤).

البلاطة السوداء

وهي التي من داخل الباب الشمالي (٥) من أبواب الصخرة ، ويعرف هذا الباب بباب الجنة ، يحكي أنه رؤي الخضر ، عليه‌السلام ، يصلي هناك ، والله أعلم. ويقال : إن قبر سليمان ، عليه‌السلام ، بهذا الباب ، وتقدم عند ذكر وفاته ما قيل أن قبره بالبيت المقدس (٦) عند الجيسمانية وأنه هو وأبوه داود في قبر واحد.

اليمين عند الصخرة

وحكى عن عمر بن عبد العزيز ، رضي‌الله‌عنه ، أنه أمر أن يحمل عمال سليمان بن عبد الملك يستحلفون عند الصخرة فحلفوا إلا رجلا واحدا فدى يمينه بألف دينار ، يقال له : أهيب بن جندب (٧) فما حال عليهم الحول حتى ماتوا (٨) ، والله أعلم.

فضل الصخرة ليلة الرجفة

روى أبو عمير عن جندب عن رستم الفارسي قال : أتت الرجفة فقيل لي : قم فأذن ، فاستهنت بذلك ، فأبيت ، ثم أتت الثانية فقيل لي : قم فأذن ، فاستهنت بذلك ، ثم أتت الثالثة فانتهزت انتهازة شديدة وقيل لي : قم فأذن ، فأتيت المسجد ، فإذا

__________________

(١) ينظر : ابن عبد ربه ٦ / ٢٦٥ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ١٣٣.

(٢) أبي سعيد أ ب ج د : + الخدري ه.

(٣) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٥٤ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ١٣٤.

(٤) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٥٧.

(٥) الشمالي أ ج ه : الشامي ب د.

(٦) بالبيت المقدس أ ج ه : ببيت المقدس ب د.

(٧) لم أتبينه في كتب التراجم.

(٨) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٥٨.


الدور قد تهدمت. قال : فخرج إليّ بعض حرس (١) الصخرة فقال لي : اذهب فأتني بخبر أهلي وتعال حتى أخبرك بالعجب قال : فأتيت منزله فإذا هو قد تهدم (٢) ، فرجعت فأعلمته ، فقال : لما كان من الأمر ما كان أتي إليها ، فحملت حتى نظرنا إلى السماء والنجوم ، ثم أعيدت فسمعناهم يقولون : ساووها عدلوها. حتى أعيدت على حالها (٣).

ورواه عبيد الله بن محمد القرماني عن ضمرة / / عن رستم بنحوه وفيه : أن الذي خرج إليه رجل من حرس (٤) الصخرة الشريفة وكان على كل باب عشرة ، وفيه : لما أخبره عن أهله قال : لم نعلم في أول الليل إلا وقد قلعت القبة من موضعها حتى بدت لنا الكواكب ، فلما كان قبل مجيئك سمعنا حفيفا وجلبة (٥) ، ثم سمعنا قائلا يقول : ساووها عدلوها ثلاث مرات ، فأعيدت على حالها (٦).

ورواه (٧) الوليد بن حماد عن عبد الرحمن بن محمد بن منصور بن ثابت قال : حدثني أبي عن أبيه عن جده أن أبا عثمان الأنصاري (٨) كان يحيي الليل بعد انصرافه من القيام في شهر رمضان على البلاطة السوداء ، قال : فبينما هو قائم في الصلاة حتى سمع صوت الهدة في المدينة وصراخ الناس واستغاثتهم. وكانت ليلة باردة مظلمة كثيرة الرياح والأمطار ، قال فسمعت قائلا يقول ـ اسمع الصوت ولا أرى الشخص ـ : ارفعوها رويدا بسم الله. فقلعت القبة قلعا حتى تبدى لنا بياض السماء والنجوم ، فأصاب وجهه من رش المطر حتى أذن رستم الفارسي ، فسمع قائلا يقول : ردوها رويدا بسم الله ساووها عدلوها ، فردت القبة على حالة (٩) ما كانت عليه ، وكان هذا في الرجفة الأولى وكانت هذه الرجفة في شهر رمضان سنة ثلاثين ومائة (١٠) ، والله أعلم.

__________________

(١) حرس أ ج ه : حراس ب د.

(٢) تهدم أ ج : هدم ب د ه.

(٣) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٥٨.

(٤) حرس أ ج ه : حراس ب د.

(٥) حفيفا وجلبة أ ه : حفيفا وحبكه ب ج د.

(٦) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٥٨.

(٧) ورواه أ ج د ه : وروى ب / / الرحمن أ ج د ه : الرحمان ب.

(٨) ينظر : ابن عبد البر ٤ / ١٨٢.

(٩) حالة أ ج د ه : ـ ب.

(١٠) سنة ١٣٠ ه‍ / ٧٤٧ م.


نبذة مما ذكر من فضائل بيت المقدس (١)

قد تقدم ما رواه أبو هريرة ، رضي‌الله‌عنه ، عن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «أربع من مدائن الجنة مكة والمدينة ودمشق وبيت المقدس» (٢).

وروى المشرف بسنده عن عمران بن الحصين (٣) قال : قلت : يا رسول الله ما أحسن المدينة ، قال : «لو رأيت بيت المقدس» ، قال : قلت : أهي أحسن منها؟ فقال : كيف لا تكون أحسن منها وكل من فيها يزار ولا يزور وتهدى إليها (٤) الأرواح ولا يهدي روح بيت المقدس لغيرها ، إلا أن الله أكرم المدينة الشريفة وطيبها بي فأنا فيها حي (٥) ، وأنا فيها ميت ، ولو لا ذلك ما هاجرت من مكة فإني ما رأيت القمر في بلاد إلا وهو بمكة أحسن (٦). وروى أن موسى ، عليه‌السلام ، نظر وهو ببيت المقدس إلى نور رب العزة ينزل ويصعد إلى بيت المقدس (٧). وعن كعب قال : باب مفتوح من السماء من أبواب الجنة تنزل منه الرحمة (٨) على بيت المقدس كل صباح حتى تقوم الساعة ، والطل الذي ينزل على بيت القدس شفاء من كل داء لأنه من الجنة. وعن مقاتل بن سليمان : كل ليلة ينزل سبعون ألف ملك من السماء إلى مسجد بيت المقدس يهللون الله ويسبحون الله ويقدسون الله ويحمدون الله لا يعودون إليه حتى تقوم الساعة (٩). وعن ابن عباس ، رضي‌الله‌عنهما قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أراد أن ينظر إلى بقعة من بقع الجنة فلينظر إلى بيت المقدس» (١٠). وقال كعب (١١) : إن الله ينظر إلى بيت المقدس كل يوم مرتين. وقال أنس بن مالك ، رضي‌الله‌عنه : إن الجنة (١٢) لتحن شوقا إلى بيت المقدس وبيت المقدس من جنة

__________________

(١) بيت المقدس أ ج ه : + الشريف المعظم ب : + المشرف المعظم د.

(٢) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٥٩.

(٣) عمران بن الحصين : يكنى أبا نجيد ، أسلم قديما ، وغزا مع رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، غزوات ، توفي في البصرة سنة ٥٣ ه‍ / ٦٧٢ م ، ينظر : ابن الجوزي ، صفوة ١ / ٣٠٤ ـ ٣٠٥.

(٤) إليها أ ج د ه : إليه ب.

(٥) فأنا فيها حي أ ج ه : وأنا فيها حي ب د.

(٦) لم أعثر على هذا الحديث.

(٧) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٦٠.

(٨) تنزل منه الرحمة أ ج ه : ينزل منه النور والرحمة ب د.

(٩) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٦٠.

(١٠) المرجع نفسه ٢٥١.

(١١) كعب أ ب ج د : + الأحبار ه.

(١٢) إن الجنة أ ب ج د : ـ ه.


الفردوس والفردوس بالسريانية : البستان ، وقيل : الكرم. وعن خالد بن معدان : إن حذو بيت المقدس باب من السماء (١) يهبط منه كل يوم سبعون ألف ملك يستغفرون لمن يجدونه يصلي فيه. وقال عبد الله بن عمر ، رضي‌الله‌عنهما : بيت المقدس بنته الأنبياء وعمرته وما فيه موضع شبر إلا وقد سجد عليه نبي أو قام عليه ملك.

وقال مقاتل : إن الله تعالى تكفل لمن سكن بيت المقدس بالرزق إن فاته المال ، ومن مات مقيما محتسبا في بيت المقدس ، فكأنما مات في السماء ، ومن مات حول بيت المقدس فكأنما مات في بيت المقدس ، وأول أرض بارك الله فيها بيت المقدس والأرض المقدسة التي ذكرها الله تعالى في القرآن فقال : (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) (٧١) (٢) هي أرض بيت المقدس. وكلم الله موسى في أرض بيت المقدس. وتاب الله على داود وسليمان ، عليهما‌السلام ، في أرض بيت المقدس. ورد الله على سليمان ملكه في بيت المقدس. وبشر الله زكريا بيحيى في بيت المقدس. وسخر الله لداود الجبال والطير ببيت المقدس ، وكان (٣) الأنبياء ، صلوات الله وسلامه / / عليهم أجمعين ، يقربون القرابين ببيت (٤) المقدس ، وتتغلب يأجوج ومأجوج (٥) على الأرض كلها غير بيت المقدس. ويهلكهم الله في أرض بيت المقدس ، وينظر الله في كل يوم بخير إلى بيت المقدس. وأوصى ، آدم ، عليه‌السلام ، لما ماتا بأرض الهند أن يدفنا في بيت المقدس. وأوتيت مريم ، عليها‌السلام ، فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء في بيت المقدس. وولد عيسى (٦) وتكلم في المهد في بيت المقدس ، وأنزلت عليه المائدة في أرض بيت المقدس ، ورفعه الله إلى السماء من بيت المقدس ، وينزل من السماء إلى الأرض ببيت المقدس. وماتت مريم ، عليها‌السلام ، ببيت المقدس. وهاجر إبراهيم ، عليه‌السلام ، من كوثا (٧)(٨) إلى بيت المقدس. وصلى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، زمانا إلى بيت المقدس ، وأسري به إلى بيت المقدس.

__________________

(١) السماء أ ب ج د : + الدنيا ه.

(٢) الأنبياء : [٧١].

(٣) وكان أ ج ه : وكانت ب د.

(٤) ببيت المقدس أ ج د ه : في بيت المقدس ب.

(٥) ومأجوج أ ج د ه : ـ ب.

(٦) عيسى أ : + عليه‌السلام ب ج ه : صلى‌الله‌عليه‌وسلم د.

(٧) كوثا : قرية في العراق فيها مشهد إبراهيم عليه‌السلام ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٣٠٥ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٨٥.

(٨) من كوثا ب ج د ه : ـ أ.


وتكون الهجرة في آخر الزمان إلى بيت المقدس. والمحشر والمنشر إلى بيت المقدس والحساب يوم القيامة ببيت المقدس (١) ، وينصب الصراط على جهنم إلى الجنة ببيت المقدس. وينفخ إسرافيل في الصور ببيت المقدس. والحوت الذي الأرضون على ظهره رأسه في مطلع الشمس وذنبه في المغرب (٢) ووسطه تحت بيت المقدس (٣) ، ومن صلى في بيت المقدس فكأنما صلى في السماء الدنيا (٤) ، وتخرب الأرض كلها وتعمر ببيت المقدس.

ومن صبر ببيت المقدس (٥) سنة على بلائها وشدتها جاءه الله برزقه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن تحته ومن فوقه يأكل رغدا ويدخل الجنة إن شاء الله تعالى.

وأول بقعة بنيت من الأرض كلها موضع صخرة بيت المقدس ، وتظهر عين موسى ، عليه‌السلام (٦) ، في آخر الزمان في بيت المقدس. وقال النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن خيار أمتي من هاجر هجرة إلى بيت المقدس ومن صلى ببيت المقدس بعد أن يتوضأ (٧) ويسبغ الوضوء ركعتين أو أربعا غفر له ما كان قبل ذلك» (٨).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأبي عبيدة بن الجراح ، رضي‌الله‌عنه : «النجاء النجاء إلى بيت المقدس إذا ظهرت الفتن ، قال : يا رسول الله فإن لم أدرك بيت المقدس ، قال : فأبذل وأحرز دينك ، وفي لفظ آخر : فابذل مالك وأحرز دينك» (٩).

وقال علي ، رضي‌الله‌عنه ، لصعصعة : نعم المسكن عند ظهور الفتن بيت المقدس القائم فيها كالمجاهد في سبيل الله وليأتين على الناس زمان يقول أحدهم : يا ليتني تبنة في لبنة من لبنات (١٠) بيت المقدس وأحب الشام إلى الله تعالى بيت المقدس ، وأحب جبالها إليه الصخرة ، وهي آخر الأرض (١١) خرابا بأربعين عاما ،

__________________

(١) ببيت المقدس أ ج ه : إلى بيت المقدس ب : في بيت المقدس د.

(٢) في المغرب أ : بالمغرب ب : في مغرب الشمس ج ه : بمغربها د.

(٣) لا يوجد دليل على هذا القول.

(٤) السماء الدنيا أ ج ه : سماء الدنيا ب د.

(٥) ببيت المقدس أ ج ه : في بيت المقدس ب د / / بلائها أ : لأوائها ب ج د : أذها ه.

(٦) عليه‌السلام أ ج ه : ـ ب : صلى‌الله‌عليه‌وسلم د.

(٧) يتوضأ ويسبغ أ ج ه : توضأ وأسبغ ب : أسبغ الوضوء د.

(٨) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٠٨.

(٩) المصدر نفسه ١ / ١٠٩.

(١٠) من لبنات ب ج د ه : ـ أ / / وأحب أ ج د ه : أحب ب.

(١١) الأرض ب ج د ه : الأرضين أ.


قال : وهي روضة من رياض الجنة (١).

وروي عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني (٢) أنه قال : لا تقوم الساعة حتى يضرب على بيت المقدس سبعة أحياط : حائط من فضة وحائط من ذهب وحائط من لؤلؤ وحائط من ياقوت وحائط من زمرد وحائط من نور وحائط من غمام.

وأما ما يقال إن بيت المقدس طشت من ذهب مملوء عقارب وأنه كأجمة الأسد فداخله إما أن يسلم وإما أن يدركه العطب. فقد حمل ذلك على زمان بني إسرائيل الذين كانوا يعملون فيه بمعاصي الله تعالى ، فإن اللفظ المذكور قيل : إنه مكتوب في التوراة. قال بعض العلماء : وظاهر الخطاب يدل على أنهم ـ يعني العقارب ـ كانوا موجودين في ذلك الوقت ولو أراد قوما من هذه الأمة قال : املؤها عقارب متى يكون للمستقبل ، والله أعلم. وأما اليوم فالحمد لله فإنما به وبأفنائه (٣) الطائفة المنصورة ـ كما تقدم (٤) ـ.

وعن ابن عمرو الشيباني قال : ليس يعد من الخلفاء إلا من ملك المسجد الحرام ومسجد (٥) بيت المقدس الشريف ، وقد أجمعت الطوائف كلها على تعظيم بيت المقدس ما عدا السامرة فإنهم يقولون : إن القدس جبل نابلس (٦) وخالفوا جميع الأمم في ذلك.

وقد كان بنو إسرائيل إذا نزل بهم خوف من عدو أو أجدبوا صوروا القدس وجعلوه هيكلا وصوروا أبوابه ومحاربيه واستقبلوا به العدو ، فيهزمه الله تعالى ، وكذلك في الجدب إذا سوروه واستقبلوا به فلا تزال السماء تمطرهم (٧) / / حتى يرفعوا الهيكل وكانوا يفعلون ذلك في كل أمر يدهمهم ، والله (٨) سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١١٠.

(٢) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٧٨ ؛ ابن سعد ٧ / ٣١٨.

(٣) وبأفنائه ب ج د : ـ أ ه.

(٤) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٦١.

(٥) ومسجد ب ج د ه : ـ أ / / وقد أجمعت ب د ه : وقد اجتمعت أ ج.

(٦) نابلس أ ب ج د : نابلوس ه.

(٧) تمطرهم أ ج ه : تمطر عليهم ب د.

(٨) والله ... أعلم ب د : ـ أ ج ه.


ذكر ما يستحب أن يدعى به عند دخول المسجد الشريف

والصخرة الشريفة وآداب دخولها ومن أين يدخل

يستحب (١) لمن أراد دخول المسجد الأقصى أن يبدأ برجله اليمنى ويؤخر اليسرى ويقول : اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك. وإذا خرج صلى على النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : اللهم اغفرلي ذنبي (٢) ، وافتح لي أبواب فضلك.

ويستحب لمن أراد دخول الصخرة (٣) أن يجعلها عن يمينه حتى يكون بخلاف الطواف حول البيت الحرام ويقدم النية ويعقد التوبة بالإخلاص مع الله تعالى. وإن أحب أن ينزل تحت الصخرة (٤) في المغارة فليفعل. فإذا نزل يكون بأدب وخشوع ويصلي ما بدا له ويدعو بدعاء سليمان ، عليه‌السلام ، الذي دعا به لما فرغ من بنائه وقرب القربان وهو قوله : «اللهم من أتاه من ذي ذنب فاغفر ذنبه أوذي ضر (٥) فاكشف ضره ، ثم يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة ، ويجتهد في الدعاء تحت الصخرة ، فإن الدعاء في ذلك الموضع مقطوع له بالإجابة (٦) ، إن شاء الله تعالى». وحكى جماعة من العلماء : أن الأدعية التي يدعى بها ليس فيها خصوصية بهذا الموضع فإن الإنسان مأمور بالدعاء موعود عليه بالإجابة لقوله تعالى : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(٧) ، وقوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ)(٨) والمراد من الأدعية : ما وردت به السنة الشريفة النبوية.

فمن ذلك ما رواه أنس بن مالك ، رضي‌الله‌عنه ، عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال لأبي عياش (٩) زيد بن الصامت الزرقي حين رآه يصلي ويقول : اللهم إني أسألك يا ذا الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام ، فقال

__________________

(١) ما يستحب ب ج د ه : ـ أ.

(٢) ذنبي أ : ذنوبي ب ج د ه.

(٣) دخول الصخرة أ ج ه : الدخول للصخرة الشريفة ب د.

(٤) الصخرة أ ج ه : + الشريفة ب د.

(٥) ينظر : المقدسي ، مثير ١٤٥.

(٦) بالإجابة أ ج د هت : بالاستجابة ب.

(٧) غافر : [٦٠].

(٨) البقرة : [١٨٦].

(٩) أبو عياش الزرقي : اسمه زيد بن النعمان ، ويقال : زيد بن الصامت وهو من بني زريق ، كان فارس رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ينظر : ابن حبان ، تاريخ ١٠٦ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٤ / ١٤٢.


رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى» (١).

ومن ذلك ما رواه عبد الله بن يزيد (٢) عن أبيه : أن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سمع رجلا يقول : اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب» (٣).

ومن ذلك ما روي عنه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه كان يدعو به ويقول : إنه لن يدعو به ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا عبد صالح إلا كان من دعائه (٤). اللهم بعلمك الغيب وبقدرك على الخلق أحيني ما علمت أن الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا علمت أن الوفاة خيرا لي ، وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة ، وكلمة الحق في الغضب والرضا ، والقصد في الفقر والغنى ، وأسألك نعيما لا ينفذ وقرة عين لا تنقطع وبرد العيش بعد الموت وأسألك النظر إلى وجهك (٥) والشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة ، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين (٦).

وروى أن إدريس النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كان يدعو بدعوة ويأمر أن لا يعلموها السفهاء فيدعو (٧) بها ، فكان يقول : «يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطول لا إله إلا أنت ظهر اللاجئين وجار المستجيرين ومأمن الخائفين ، اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيا أو محروما أو مقترا عليّ في رزقي ، فامح اللهم بفضلك (٨) شقاوتي وحرماني وإقتار رزقي وأثبتني عندك (٩) في أم الكتاب سعيدا مرزوقا موفقا إلى الخير مستورا مكفيا مؤنة من يؤذيني إنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل على لسان (١٠) نبيك المرسل : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٣٩) (١١).

__________________

(١) ينظر : ناصف ، التاج ٥ / ٩٧ ؛ والحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

(٢) ينظر : ابن حبان ، تاريخ ١٥٥.

(٣) ينظر : ناصف ، التاج ٥ / ٩٧.

(٤) دعائه أ ج ه : الدعاء المستجاب ب : ـ د.

(٥) وجهك أ ب ج : + الكريم ه : ـ د.

(٦) لم أعثر على هذا النص في كتب الصحاح.

(٧) فيدعو أ ج د ه : فيدعوا ب.

(٨) اللهم بفضلك ب ه : ـ أ ج د.

(٩) وأثبتني عندك في أم الكتاب ب ه : ـ أ ج د / / إلى الخير أ : إلى الخيرات ب ج ه : ـ د.

(١٠) لسان ب : ـ أ ج د ه.

(١١) الرعد : [٣٩].


وقد رأيت منقولا : أنه يستحب الدعاء بهذا في ليلة النصف من شعبان ، وقد ورد في الأحاديث والأخبار (١) غير ذلك ، والمراد هنا الاختصار ، والله الموفق (٢).

ذكر الفتح العمري (٣)

الذي يسره الله تعالى على يد أمير المؤمنين وسيدنا عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، وعمارة المسجد الأقصى الشريف على يده.

روى عن عوف بن مالك (٤) قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اعدد ستا (٥) بين يدي الساعة موتي». قال : فوجمت عندها وجمة قال : «قل إحدى» ، قال : «ثم فتح بيت المقدس ، ثم موتان / / يكون فيكم كقعاص (٦) الغنم واستفاضة المال فيكم حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل له سلخطا ، ثم تكون فيكم فتنة فلا يبقى بيت من بيوت (٧) العرب إلا دخلته ، ثم هدنة تكون بينكم (٨) وبين بني الأصفر فيغدرون بكم ، ثم يأتونكم في ثمانين راية تحت كل راية (٩) اثنا عشر ألفا» (١٠).

قوله : فوجمت وجمة ، قال الجوهري (١١) : الواجم (١٢) الذي اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام. والموتان ـ تضم الميم وسكون الواو ـ وهو الموت الكثير السريع وقوعه ولذلك شبهه النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بقعاص (١٣) الغنم فهو داء يأخذها لا يلبثها أن تموت والقعص (١٤) : أن يضرب الإنسان فيموت مكانه سريعا ، فقيل : لهذا الدعاء قعاص لسرعة الموت ثم شبه به الموتان.

__________________

(١) الأحاديث والأخبار أ ج ه : الأخبار والأحاديث ب : ـ د.

(٢) والله الموفق أ ه : + المهدي للصواب ب : والله أعلم ج : ـ د.

(٣) هذا الفصل مأخوذ حرفيا عن مثير الغرام في معظم رواياته.

(٤) عوف بن مالك الأشجعي : كنيته أبو عبد الرحمن ، سكن الشام ، مات سنة ٧٣ ه‍ في أول خلافة عبد الملك بن مروان ، ينظر : ابن حبان ، تاريخ ١٩٨.

(٥) ستا أ ج د : ـ د ه.

(٦) كقعاص أ ج ه : كقصاع ب : ـ د.

(٧) من بيوت ب ه : ـ أ ج د.

(٨) بينكم أ ج ه : ـ ب د.

(٩) راية أ ه : غاية ب ج : ـ د.

(١٠) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٢٠.

(١١) ينظر : السمعاني ٢ / ١٢٦.

(١٢) الواجم أ ج ه : الوجم ب : ـ د.

(١٣) بقعاص ب ه : بقصاص أ ج : ـ د.

(١٤) والقعص ب ه : والقصع أ ج : ـ د.


وعن عوف قال : أتيت رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال لي : يا عوف أعدد ستا بين يدي الساعة. موتي ثم فتح بيت المقدس (١). وروي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال لشداد بن أوس (٢) : ألا إن الشام ستفتح وبيت المقدس ستفتح (٣) ، إن شاء الله تعالى ، وتكون أنت وولدك من بعدك أئمة بها ، إن شاء الله تعالى (٤).

ثم إن الست المذكورة قد وقع بعضها ، فموته ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفتح بيت المقدس قد وجدا ، ووقع الطاعون وهم بالجابية (٥). ويقال : إنه طاعون عمواس (٦) الواقع في سنة ثماني عشرة (٧) من الهجرة الشريفة. ثم استفاض المال في خلافة عثمان. قال الوليد بن مسلم (٨) : قال سعيد (٩) بن عبد العزيز (١٠) : زاد عثمان (١١) للناس عامة الديوان مائة دينار بزيادة دينار في عطائهم ، وكانت الفتنة وهي مقتل الحسين (١٢) وما وقع بين الناس بالشام والعراق وخراسان (١٣) من الفرقة والعصبة ولا تزال متتابعة حتى تقع هدنة الروم.

ولما توفي رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، استقر الإمام أبو بكر الصديق ، رضي‌الله‌عنه ، بعده في الخلافة واسمه عبد الله ، ولقبه عتيق الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن

__________________

(١) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٢٠.

(٢) شداد بن أوس بن ثابت بن منذر بن حرام بن عمرو البخاري ، سكن الشام ومات ببيت المقدس سنة ٥٨ ه‍ / ٦٧٧ م في ولاية معاوية بن أبي سفيان وقبره بها ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٥٧ ؛ ابن حبان ، تاريخ ١٣١.

(٣) ستفتح أ ج ه : سيفتح ب : ـ د.

(٤) ينظر : المقدسي ، مثير ٣١٦.

(٥) الجابية : قرية من أعمال دمشق من ناحية الجولان قربها تل يسمى بتل الجابية ، ويقال لها جابية الجولان ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٣١٢ ؛ الحميري ، الروض ١٥٣.

(٦) عمواس أ ج : عموس ب ه : ـ د.

(٧) سنة ١٨ ه‍ / ٦٣٩ م.

(٨) الوليد بن مسلم : مولى لقريش يكنى أبا العباس ، مات سنة ١٩٤ ه‍ ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٨٠ ؛ ابن سعد ، الطبقات ٧ / ٣٢٦.

(٩) قال سعيد أ ب ج : قال سعد ه : ـ د.

(١٠) سعيد بن عبد العزيز التنوخي ، يكنى أبا محمد ، مات سنة ١٦٧ ه‍ ، وهو دمشقي ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٧٧ ؛ ابن سعد ٧ / ٣٢٤.

(١١) عثمان أ ج ه : + عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه : ـ د / / بزيادة دينار في عطائهم ب : ـ أ ج د ه.

(١٢) مقتل الحسين ج ه : قتل الوليد أ ب : ـ د.

(١٣) خراسان : بلاد واسعة حدودها مما يلي العراق وآخر حدودها مما يلي الهند ومن أمهات بلادها نيسابور ، وهرات ، ومرو ، وبلخ ، وطالقان ، ونسا ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٤٤١ ؛ البغدادي ، مراصد ٤٤١.


عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة بن كعب (١) بن لؤي بن غالب القرشي التيمي ، يلتقي مع رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في مرة بن كعب.

وهو أول خليفة في الإسلام وكان يدعى خليفة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وله المواقف الرفيعة في الإسلام.

ثم ختم ذلك بمهم من أحسن مناقبه وأجل فضائله وهو استخلافه على المسلمين عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، فمهد به الإسلام وأعز به الدين ، وذلك أنه لما حضر الوفاة شاور الصحابة في ذلك فأشاروا به ، ثم دعا أبو بكر عثمان بن عفان ، رضي‌الله‌عنهما ، فقال : اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر (٢) بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا منها. وعند أول عهده بالآخرة داخلا فيها حين يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب ، إني مستخلف عليكم عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا ، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه ، وإن بدل فلكل امرىء ما اكتسب ، والخير أردت ولا أعلم الغيب : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٢٢٧) (٣) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (٤) ، ثم أمره فختم الكتاب وخرج به إلى الناس فبايعوا عمر ورضوا به.

ولما أراد أبو بكر أن يقلد عمر الخلافة قال له عمر : اعفني يا خليفة رسول الله فإني غني عنها ، قال : بل هي فقيرة إليك ، قال : ليس لي بها حاجة ، قال : هي محتاجة إليك. فقلده الخلافة على كره منه ، ثم أوصاه بما أوصاه ، فلما خرج رفع أبو بكر يديه وقال : اللهم إني لا أريد (٥) بذلك إلا صلاحهم (٦) وخفت عليهم الفتنة فوليت عليهم خيارهم ، وقد حضرني من أمرك ما حضرني فاخلفني فيهم فهم عبادك ونواصيهم في يديك (٧) وأصلح لهم ولاتهم واجعله من خلفائك الراشدين يتبع هدى نبي الرحمة وأصلح له رعيته.

ثم توفي (٨) أبو بكر ، رضي‌الله‌عنه ، ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء لثمان

__________________

(١) كعب أ ج ه : + بن لؤي بن غالب القرشي ب : ـ د.

(٢) عهد أبو بكر أ ج ه : ما عاهد عليه أبو بكر ب : ـ د.

(٣) الشعراء : [٢٢٧].

(٤) ينظر : كتاب استخلاف أبي بكر لعمر ؛ الطبري ، تاريخ ٣ / ٤٢٩.

(٥) لا أريد أ : لم أرد ب ج د ه.

(٦) صلاحهم أ ج ه : إصلاحهم ب د.

(٧) في يديك أ ج ه : في يدك ب د.

(٨) ينظر : الطبري ، تاريخ ٣ / ٤٢٠.


ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة (١) من الهجرة الشريفة ، وله ثلاث وستون سنة ، ودفن عند رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال (٢) //.

وبويع عمر ، رضي‌الله‌عنه ، بالخلافة في اليوم الذي مات فيه أبو بكر ، رضي‌الله‌عنه ، وهو أول من سمي بأمير المؤمنين. وأما نسبه : فهو أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى. بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح (٣) بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب وفي كعب يجتمع نسبه مع نسب رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، القرشي العدوي.

وأول خطبة خطبها قال : يا أيها الناس والله ما فيكم أحد أقوى من الضعيف عندي حتى آخذ الحق له ولا أضعف عندي من القوي حتى آخذ الحق منه. ثم أول شيء أمر به أن عزل خالد بن الوليد (٤) عن الإمرة وولى أبا عبيدة بن الجراح على الجيش والشام ، وأرسل بذلك إليهما فإنهما كانا قبل وفاة أبي بكر ، رضي‌الله‌عنه ، في وقعة اليرموك ، وفرغا منها وقصدا دمشق. فلما ورد عليهما كتاب عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، سار أبو عبيدة ونزل دمشق (٥) الشام من جهة باب الجابية (٦) ، ونزل خالد من جهة الباب الشرقي (٧) ، ونزل عمرو بن العاص من جهة باب توما (٨) ، ويزيد بن أبي سفيان من جهة الباب الصغير (٩) إلى باب كيسان (١٠) ، وحاصروها قريبا من سبعين ليلة ، وفتح خالد ما يليه بالسيف. فخرج أهل دمشق وبذلوا الصلح لأبي عبيدة من الجانب الآخر وفتحوا له الباب فأمنهم ودخل والتقى مع خالد في وسط البلد.

وبعث أبو عبيدة بالفتح (١١) إلى عمر ، ثم فتح بعد دمشق بيسير حمص بعد

__________________

(١) سنة ١٣ ه‍ / ٦٣٤ م.

(٢) ليال أ ج د ه : ليالي ب.

(٣) ابن رزاح أ ج د ه الطبري : بن رواح ب.

(٤) ينظر : الطبري ، تاريخ ٣ / ٤٣٤.

(٥) ونزل دمشق ب : ونازل دمشق أ ج ه : ونزل على دمشق د.

(٦) باب الجابية : منسوب إلى قرية الجابية لأن الخارج إليها ، يخرج منه لكونه مما يليها ، ينظر : ابن منظور ، مختصر ١ / ٣٠٠.

(٧) الباب الشرقي : سمي بذلك لأنه شرقي البلد ، ينظر : ابن منظور ، مختصر ١ / ٢٩٩.

(٨) باب توما : ينسب إلى عظيم من عظماء الروم ، اسمه توما ، ينظر : ابن منظور ، مختصر ١ / ٢٩٩.

(٩) الباب الصغير : هو الباب القبلي سمي بذلك لأنه أصغر أبواب دمشق ، ينظر : المصدر نفسه ١ / ٢٩٩.

(١٠) باب كيسان : ينسب إلى كيسان مولى معاوية ، ينظر : المصدر نفسه ١ / ٢٩٩.

(١١) بالفتح ب ج د ه : الفتح أ.


حصار طويل ، ثم فتح حماه صلحا ، وكذلك المعرة ، ثم فتح اللاذقية (١) عنوة ، وفتح جبلة (٢) والطرطوس (٣)(٤) ثم فتح حلب (٥) وأنطاكية (٦) ، وفتح بلادا أخرى منها : قيسارية (٧) وسبسطية (٨) ، ويقال : إن بها قبر يحيى وزكريا ، ونابلس ولد ويافا وتلك البلاد جميعها حتى دخلت سنة خمس عشرة (٩) من الهجرة الشريفة.

ثم سار أبو عبيدة بن الجراح ، رضي‌الله‌عنه ، حتى أتى الأردن (١٠) فعسكر بها ، وبعث الرسل إلى أهل إيلياء وكتب إليهم : بسم الله الرحمن الرحيم من أبي عبيدة بن الجراح إلى بطارقة أهل إيلياء وسكانها سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله وبالرسول (١١) ، أما بعد : فإنا ندعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، فإذا (١٢) شهدتم بذلك حرمت علينا دماؤكم وأموالكم وذراريكم وكنتم لنا إخوانا ، وإن أبيتم (١٣) فأقروا لنا بأداء الجزية عن يد وأنتم صاغرون وإن أنتم أبيتم سرت إليكم بقوم هم أشد حبا للموت منكم لشرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، ثم لا أرجع عنكم ، إن شاء الله تعالى أبدا حتى أقتل مقاتليكم وأسبي ذراريكم (١٤).

وكتب إلى عمر بن الخطاب ، أمير المؤمنين (١٥) ، رضي‌الله‌عنه : بسم الله

__________________

(١) اللاذقية : مدينة في سواحل الشام ، وهي مدينة عتيقة رومية فيها أبنية قديمة تعد في أعمال حمص وهي غربي جبلة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٥٣ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٩٤ ؛ الحميري ٥٠٨.

(٢) جبلة : قلعة مشهورة بساحل الشام من أعمال اللاذقية قرب حلب ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٣١٢.

(٣) طرطوس : بلد بالشام على ساحل البحر عليها سوران ويجري الماء حولها ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٨٤ ؛ الحميري ٣٨٨.

(٤) والطرطوس ب د ه : طرسوس أ : انطرسوس ج.

(٥) حلب : مدينة قديمة معروفة ولها شهرتها في شمال بلاد الشام ، وهي اليوم ثاني المدن السورية بعد العاصمة دمشق ، ينظر : ياقوت ، معجم ٢ / ٢٨٢ ـ ٢٩٠ ؛ الحميري ١٩٦.

(٦) أنطاكية : مدينة هي قصبة العواصم من الثغور الشامية موصوفة بالحسن وطيب الهواء وبها كانت مملكة الروم ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٥٥ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ١٢٥.

(٧) قيسارية : بلدة على ساحل الشام من أرض فلسطين ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٣٨٣ ؛ شراب ٦١٢.

(٨) سبسطية : بلدة قرب نابلس بأرض فلسطين ، بها مقام يسمى بمشهد زكريا ، ينظر : شراب ٤٤٣.

(٩) سنة ١٥ ه‍ / ٦٣٦ م.

(١٠) حتى أتى الأردن أ ب ج د : حتى أتى إلى الأردن ه.

(١١) وبالرسول أ ب ج د : ورسوله ه.

(١٢) فإذا أ ج ه : فإن ب د.

(١٣) وإن أبيتم ب : إن أنتم أبيتم أ ج د ه.

(١٤) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٢٧.

(١٥) أمير المؤمنين أ : ـ ب ج د ه.


الرحمن الرحيم ، لعبد الله عمر أمير المؤمنين من أبي عبيدة بن الجراح : سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد : فالحمد لله الذي أهلك المشركين ونصر المسلمين ، وقد نما ما تولى الله أمرهم وأظهر فلاحهم وأعز دعوتهم ، فتبارك الله رب العالمين أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أنا لقينا الروم وهم جموع (١) لم تلق العرب مثلها جموعا ، فأتونا وهم يرون لا غالب لهم من الناس أحد ، فقاتلوا المسلمين قتالا شديدا ما قوتل المسلمين مثله في موطن قط ، ورزق الله المؤمنين النصر وأنزل عليهم الصبر ، فقتلهم الله تعالى في كل قرية وفي كل شعب وواد وجبل وسهل وغنم الله المسلمين عسكرهم ، وما كان فيهم من أموالهم ومتاعهم ، ثم إني تبعتهم بالمسلمين حتى بلغت أقصى بلاد الشام ، وقد بعثت إلى أهل الشام عمالي ، وقد بعثت إلى أهل إيلياء أدعوهم إلى الإسلام فإن قبلوا وإلا فليؤدوا الجزية إلينا عن يد وهم صاغرون ، فإن أبوا سرت إليهم حتى أنزل بهم ثم لا أزال (٢) حتى يفتح الله تعالى على المسلمين ، إن شاء الله تعالى (٣) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وكتب (٤) عمر إليه : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى أبي عبيدة بن الجراح سلام عليك فإني أحمد إليك (٥) الله الذي لا إله إلا هو أما بعد : فقد أتاني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من إهلاك الله تعالى للمشركين ونصر (٦) المؤمنين وما صنع الله بأوليائه وأهل / / طاعته ، والحمد لله على حسن صنيعه إلينا وسيتم الله ذلك بشكره ، ثم اعلموا إنكم لم تظهروا على عدوكم بعدد ولا قوة ولا عدة ولا حول ، ولكن بعون الله ونصره ومنه وفضله ، فلله الطول والمن (٧) والفضل العظيم ، فتبارك الله أحسن الخالقين والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم (٨).

ثم إن أبا عبيدة انتظر أهل إيلياء ، فأبوا أن يأتوه وأن يصالحوه ، فأقبل سائرا إليهم حتى نزل بهم ، فحاصرهم (٩) حصارا شديدا ، وضيق عليهم ، فخرجوا إليه ذات

__________________

(١) وهم جموع أ ب ج د : وهم جمع ه.

(٢) لا أزال حتى أ ه : لا أريلهم ب : لا أزايلهم ج : ـ د.

(٣) تعالى أ ج د ه : ـ ب.

(٤) وكتب أ ج ه : فكتب ب : ـ د / / عبد الله عمر أمير المؤمنين أ ج ه : عبد الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ب : ـ د.

(٥) أحمد إليك الله أ ه : أحمد الله إليك ب ج : ـ د.

(٦) ونصر أ ج ه : ونصره ب : ـ د.

(٧) والمن أ ج ه : والمنة ب : ـ د.

(٨) والسلام عليكم أ د ه : والسلام عليك ب ج.

(٩) فحاصرهم أ ج د : وحاصرهم ب ه.


يوم فقاتلوا المسلمين ساعة ، ثم إن المسلمين شدوا عليهم من كل جانب فقاتلوهم ساعة ثم انهزموا فدخلوا حصنهم ، وكان الذي ولي قتالهم يومئذ خالد بن الوليد ، رضي‌الله‌عنه ، ويزيد بن أبي سفيان ، كل رجل منهم بجانب.

فبلغ ذلك سعيد بن زيد وهو على أهل دمشق ، فكتب إلى أبي عبيدة (١) بن الجراح : بسم الله الرحمن الرحيم لأبي عبيدة بن الجراح من سعيد بن زيد سلام عليك فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد (٢) : فإني لعمري ما كنت لأوثرك وأصحابك بالجهاد على نفسي وعلى ما يدنيني من مرضاة ربي فإذا (٣) أتاك كتابي هذا فابعث إلى عملك من هو أرغب فيه فليليه ما بدا لك ، فإني قادم عليك (٤) وشيكا ، إن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله وبركاته (٥).

فقال أبو عبيدة حين جاء الكتاب ليتركنها خلوفا (٦). ثم دعا يزيد (٧) بن أبي سفيان وقال : اكفني دمشق. فقال له يزيد : أكفيكها ، إن شاء الله تعالى ، وسار إليها فولاها له.

ولما حضر أبو عبيدة أهل إيلياء وأوجب على نفسه أنه غير مقلع عنهم ولم يجدوا لهم طاقة بحربه قالوا : نصالحك ، قال : فإني (٨) قابل منكم ، قالوا : فأرسل إلى خليفتكم فيكون هو الذي يعطينا هذا العهد ويكتب لنا الأمان. فقبل أبو عبيدة ، رضي الله تعالى عنه ، وهم أن يكتب ذلك (٩).

وكان أبو عبيدة قد بعث معاذ بن جبل على الأردن ولم يكن سار. فقال معاذ لأبي عبيدة : أتكتب لأمير المؤمنين تأمره بالقدوم عليك فلعله يقدم ، ثم يأبى هؤلاء الصلح فيكون مجيئه فضلا وعناء فلا تكتب حتى يوثقوا لك (١٠) واستحلفهم بالإيمان المغلظة والمواثيق المؤكدة إن أنت بعثت إلى أمير المؤمنين ، فقدم عليهم وأعطاهم

__________________

(١) لأبي عبيدة أ ج ه : إلى أبي عبيدة ب د.

(٢) أحمد إليكم الله ... بعد أ ج ه : أحمد الله ... هو إليك ب د / / إليكم أ ج ه : ـ ب د / / إلا هو أ ج ه : + إليك ب د.

(٣) فإذا أ ج د ه : ـ ب.

(٤) عليك أ ج ه : إليك ب د.

(٥) ينظر : المقدسي ، مثير ١٥٦ ـ ١٥٧.

(٦) ينظر : المصدر نفسه ١٥٧.

(٧) يزيد أ ب ج د : ـ ه.

(٨) فإني أ ج د ه : وإني ب.

(٩) ذلك أ : ـ ب ج د ه.

(١٠) لك أ ج د ه : إليك ب.


الأمان على أنفسهم وأموالهم ، وكتب لهم بذلك كتابا ليقبلن وليؤذن الجزية وليدخلن فيما دخل فيه أهل الشام. فبعث بذلك إليهم أبو عبيدة فأجابوا إليه (١)(٢).

فلما فعلوا ذلك كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه : بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله عمر أمير المؤمنين من أبي عبيدة بن الجراح سلام عليك ، «فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو أما بعد : فإنا أقمنا على أهل إيلياء (٣) وظنوا أن لهم في مطاولتهم فرجا فلم يزدهم الله بها إلا ضيقا ونقصا وهزلا (٤) وذلا ، فلما رأوا ذلك سألوا أن يقدم عليهم أمير المؤمنين فيكون هو الموثق (٥) لهم والكاتب ، فخشينا أن يقدم أمير المؤمنين فيغدر القوم ويرجعوا فيكون مسيرك ـ أصلحك الله ـ عناء وفضلا ، فأخذنا عليهم المواثيق المغلظة بإيمانهم ليقبلن وليؤدن الجزية وليدخلن فيما دخل فيه أهل الذمة ففعلوا ، فإن رأيت أن تقدم فافعل فإن في مسيرك أجرا وصلاحا أتاك الله رشدك ويسر أمرك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

وبعث المسلمون إليه وفدا وبعث الروم (٦) وفدا مع المسلمين حتى أتوا المدينة ، فجعلوا يسألون عن أمير المؤمنين. فقال الروم لترجمانهم عمن يسألون. فقال : عن أمير المؤمنين. فاشتد عليهم وقالوا : هذا الذي غلب فارس والروم وأخذ كنوز كسرى وقيصر ليس له مكان مخصوص بهذا (٧) غلب الأمم ، فوجدوه وقد ألقى نفسه حين أصابه الحر نائما فازدادوا تعجبا.

فلما قدم الكتاب على عمر ، رضي‌الله‌عنه ، دعا برؤساء المسلمين إليه وقرأ عليهم كتاب أبي عبيدة ، رضي‌الله‌عنه ، واستشارهم في الذي كتب إليه. فقال له عثمان ، رضي‌الله‌عنه : إن الله تعالى قد أذلهم وحصرهم وضيق عليهم وهم في كل يوم يزدادون نقصا وهزلا (٨) وضعفا ورعبا ، فإن أنت أقمت ولم تسر إليهم رأوا أنك بأمرهم مستخف ولشأنهم حاقر غير معظم ، فلا يلبثون إلا قليلا حتى ينزلوا على الحكم ويعطوا الجزية. فقال عمر : ماذا ترون (٩)؟ هل عند أحد منكم رأي غير هذا؟

__________________

(١) ينظر : المقدسي ، مثير ١٧٥.

(٢) فأجابوا أ ج د ه : فأجابوه ب.

(٣) على أهل إيلياء ب : على إيلياء أ ج د ه.

(٤) وهزلا أ ج د ه : وهزالا ب.

(٥) الموثق مثير الغرام : الموثوق أ ب ه : الموفق ج : الموافق د.

(٦) وبعث الروم ... المسلمين ب ج د ه : ـ أ.

(٧) مخصوص بهذا أ : معروف بهذا ب ج د ه.

(٨) وهزلا أ ج د ه : هزالا ب.

(٩) ماذا ترون أ ج ه : ما ترون ب د.


فقال علي بن أبي طالب / / رضي‌الله‌عنه : نعم ، عندي غير هذا الرأي ، قال (١) : ما هو؟ فقال : إنهم قد سألوا المنزلة التي فيها لهم الذل والصغار وهو على المسلمين فتح ، ولهم فيه عز وهم يعطونكها الآن في العاجل في عافية ليس بينك وبين ذلك إلا أن تقدم عليهم ولك في القدوم عليهم الأجر في كل ظمأ ومخمصة وفي قطع كل واد وفي كل نفقة حتى تقدم عليهم فإذا أنت (٢) قدمت عليهم كان الأمن والعافية والصلاح والفتح ، ولست آمن إن أيسوا من قبولك الصلح منهم أن يتمسكوا بحصنهم فيأتيهم عدو لنا أو يأتيهم منهم مدد فيدخل على المسلمين بلاء ، ويطول بهم حصار ، فيصيب المسلمين من الجهد والجوع نحو ما يصيبهم ، ولعل المسلمين يدنون من حصنهم فيرشقونهم بالنشاب أو يقذفونهم بالمناجيق فإن أصاب بعض المسلمين تمنيتم أنكم افتديتم قتل رجل من المسلمين بمشرك إلى منقطع التراب فكان (٣) المسلم لذلك من إخوانه أهلا.

فقال عمر ، رضي‌الله‌عنه : قد أحسن عثمان النظر في مكيدة العدو ، وقد (٤) أحسن علي بن أبي طالب النظر لأهل السلام ، سيروا على اسم الله تعالى ، فإني سائر.

فخرج فعسكر خارج المدينة ، ونودي في الناس بالعسكر (٥) والمسير ، فعسكر العباس بن عبد المطلب (٦) بأصحاب النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ووجوه قريش والأنصار والعرب ، رضي‌الله‌عنهم ، حتى إذا تكامل عنده الناس استخلف على المدينة علي بن أبي طالب (٧) ، رضي‌الله‌عنه ، وسار. فكل غداة (٨) إلا وهو يقبل على المسلمين بوجهه ويقول : الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام ، وأكرمنا بالإيمان ، ورحمنا بنبيه محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهدانا (٩) به من الضلالة ، وجمعنا به من بعد الشتات ، وألف بين قلوبنا ، ونصرنا به على الأعداء ، ومكن لنا في البلاد ، وجعلنا إخوانا متحابين ، فاحمدوا الله عباد الله على هذه النعمة ، واسألوه المزيد منها ، والشكر عليها وتمام ما أصبحتم

__________________

(١) قال أ ج : فقال ب د ه / / الذل والصغار أ : الذل الصغار ب : الذل لهم والصغار ج د ه.

(٢) أنت أ ج د ه : ـ ب.

(٣) فكان أ : وكان ب ج ه : ـ د.

(٤) وقد أ : ـ ب ج د ه.

(٥) بالعسكر ب ج د ه : بالمعسكر أ.

(٦) العباس بن عبد المطلب أ ب د : + وعلي بن أبي طالب ج ه.

(٧) ينظر : المقدسي ، مثير ١٥٧ ـ ١٥٩.

(٨) فكل غداة أ : فقل غداة ب ه : فقبل غداة ج : ـ د.

(٩) فهدانا أ ب ج د : ـ ه.


متقلبين فيه منها ، فإن الله تعالى (١) يزيد المزيدين من الراغبين ، ويتم نعمته على الشاكرين ، وكان لا يدع هذا القول في كل غداة في سفره كله.

فلما دنا من الشام عسكر حتى تتام إليه (٢) من تخلف من العسكر ، فما هو إلا أن طلعت الشمس فإذا الرايات والرماح والجنود قد أقبلوا على الخيول يستقبلون عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه.

قال الراوي : فكان أول مقنب (٣) لقينا من الناس فسألنا (٤) عن المدينة ، وأخبرناه بصلاح الناس. فنادوا : هل لكم (٥) بأمير المؤمنين من علم؟ فسكتنا ، ومضوا فأقبل مقنب آخر فسلموا ، ثم سألوا عن أمير المؤمنين هل لكم به علم ، فقال لنا : ألا تخبرون القوم عن صاحبكم؟ فقلنا : هذا أمير المؤمنين ، فذهبوا يرجعون يقتحمون (٦) عن خيولهم. فناداهم عمر ، رضي‌الله‌عنه : لا تفعلوا. ورجع الآخرون الذين مضوا فساروا معنا.

وأقبل المسلمون يصفون الخيل ويشرعون الرماح في طريق عمر حتى طلع أبو عبيدة في عظيم الناس فإذا هو على قلوص (٧) مكتنفها (٨) بعباءة خطامها من شعر لابس سلاحه متنكب قوسه ، فلما نظر إلى عمر (٩) أناخ قلوصه (١٠) ، وأناخ عمر بعيره ، فنزل أبو عبيدة ، وأقبل إلى عمر ، وأقبل عمر إلى أبي عبيدة ، فلما دنا (١١) من أبي عبيدة مد أبو عبيدة يده إلى عمر ليصافحه ، فمد عمر يده ، فأخذها أبو عبيدة وأهوى ليقبلها يريد أن يعظمه في العامة ، فأهوى عمر إلى رجل أبي عبيدة ليقبلها ، فقال أبو عبيدة : مه يا أمير المؤمنين ، وتنحى. فقال عمر : مه يا أبا عبيدة فتعانق الشيخان ، ثم ركبا يتسامران (١٢) ، وسار الناس أمامهما.

__________________

(١) تعالى أ ج د هت : ـ ب.

(٢) حتى تتام أ ج ه : حتى قدم إليه ب د.

(٣) المقنب : جماعة من الفرسان والخيل دون المائة تجمع للغارة ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١ / ٦٩٦ ؛ المعجم الوسيط ٢ / ٧٩١.

(٤) فسألنا أ ج ه : سألنا ب د.

(٥) هل لكم أ ج ه : هل لنا ب د.

(٦) يرجعون يقتحمون أ ج ه ك يرجعون ويقتحمون ب د.

(٧) القلوص : الفتية من الإبل بمنزلة الجارية الفتاة من النساء ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٧ / ٨١.

(٨) مكتنفها أ ج ه : أكفها ب : ـ د.

(٩) عمر أ : أمير المؤمنين ب ج د ه.

(١٠) قلوصة أ ج : قوسه ب ه : ـ د / / عمر أ : أمير المؤمنين ب ج ه : ـ د.

(١١) فلما دنا أ ج د ه : + عمر ب.

(١٢) يتسامران أ ب ج د : ـ ه / / وسار أ : وسارا وسار ب ج : ـ د : وساروا وسار ه.


وحكي أنهم تلقوا عمر ببرذون وثياب بيض وكلموه أن يركب البرذون ليراه العدو فهو أهيب له عندهم وأن يلبس الثياب البيض ويطرح الفروة عنه ، فأبى ، ثم ألحوا عليه فركب البرذون بفروة (١) وثيابه ، فهملج (٢) به البرذون وخطام راحلته بعد في يده ، فنزل ، وركب راحلته (٣) ، وقال : لقد غيرني هذا حتى خفت أن أتكبر وأنكر نفسي ، فعليكم يا معشر المسلمين بالصدق (٤) وإنما أعزكم الله ، عز وجل ، به.

وروي عن طارق بن شهاب (٥) قال : لما قدم عمر الشام عرضت له مخاضة فنزل عن بعيره ونزع جرموقيه (٦) فأمسكهما بيده وخاض الماء ومعه بعيره. / / فقال أبو عبيدة له (٧) : لقد صنعت اليوم صنعا عظيما عند أهل الأرض ، فصكه عمر في صدره وقال له : لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة ، إنكم كنتم أذل الناس وأحقر الناس وأقل الناس فأعزكم الله بالإسلام ، ومهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله تعالى (٨).

وروي أنه لما قدم عمر من المدينة ناهضوهم القتال بعد قدومه ، فظهر المسلمون على أماكن لم يكونوا ظهروا عليها قبل ذلك (٩). وظهروا يومئذ على كرم كان في أيديهم لرجل من النصارى له ذمة مع المسلمين في كرمه عنب فجعلوا يأكلونه. فأتى الذمي عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، فقال له : يا أمير المؤمنين كرمي كان في أيديهم فلم يستبيحوه ، ولم يتعرضوا له (١٠) ، وأنا رجل لي ذمة مع المسلمين ، فلما ظهر عليه المسلمون وقعوا فيه فدعا عمر ، رضي‌الله‌عنه ، ببرذون له فركبه عريانا من العجلة ، ثم خرج يركض في أعراض المسلمين فكان أول من لقيه أبو هريرة يحمل فوق رأسه عنبا فقال له : وأنت أيضا يا أبا هريرة ، فقال له : يا أمير

__________________

(١) بفروة أ ج : بفروته ب : ـ د ه.

(٢) فهملج : هملاج الهملاج من البرادين وأحد الهماليج ومشيها الهملجة فارسي معرب ، والهملجة والهملاج حسن سير الدابة ، ينظر : ابن منظور ، لسان ٢ / ٣٩٣.

(٣) راحلته أ ج ه : ناقته ب ه.

(٤) بالصدق ج ه : بالقصد أ ب د.

(٥) طارق بن شهاب بن عبد شمس بن مسلمة البجلي الأحمسي ، أبو عبد الله ، توفي سنة ٨٣ ه‍ / ٧٠٢ م ؛ ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٩٧ ؛ الزركلي ٣ / ٢١٧.

(٦) الجرموق : الخف القصير يلبس فوق خفه ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١٠ / ٣٥ ؛ المعجم الوسيط ١ / ١٢٣.

(٧) له أ ج ه : ـ ب د.

(٨) هذه الروايات منقولة حرفيا عن مثير الغرام ، ينظر : المقدسي ، مثير ١٥٧ ـ ١٦١.

(٩) وظهروا أ ب ج د : فظهروا ه.

(١٠) ولم يتعرضوا له أ ج ه : وكم يتعرضوا لي ب د.


المؤمنين أصابتنا مخمصة (١) شديدة فكان أحق من أكلنا من ماله من قاتلنا من ورائه (٢). فتركه عمر ، ثم أتى إلى الكرم فنظر فإذا الناس قد أسرعوا فيه ، فدعا عمر ، رضي‌الله‌عنه ، الذمي فقال له : كم كنت ترجو من غلة كرمك هذا؟ فقال له : شيئا ، قال : فخل سبيله ، ثم أخرج عمر ، رضي‌الله‌عنه ، الذي قال له الذمي (٣) فأعطاه إيه ثم أباحه للمسلمين (٤).

وعن سيف (٥) عن أبي حازم وأبي عثمان عن خالد وعبادة قالا : صالح عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، أهل إيلياء بالجابية ، وكتب لهم فيه الصلح لكل كورة كتابا واحدا ما خلا أهل إيلياء : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أعطى (٦) عبد الله أمير المؤمنين عمر أهل إيلياء من الأمان ، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ، ولكنائسهم ، وصلبانهم ، ومقيمها وبريها وسائر أمتها إنها لا تسكن كنائسهم ، ولا تهدم ، ولا ينتقص (٧) منها ولا من حدها ، ولا من صليبهم ، ولا شيء من أموالهم ، ولا يكرهون على دينهم ، ولا يضار أحد منهم ، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود ، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن ، وعلى أن يخرجوا منها الروم واللصوص ، فمن خرج منهم (٨) فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم ، ومن أقام منهم فهو آمن ، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعتهم وصليبهم ، فإنهم آمنون على أنفسهم ، وعلى بيعتهم وصليبهم حتى يبلغوا مأمنهم.

ومن كان فيها من أهل الأرض فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ، ومن شاء سار مع الروم ومن شاء رجع إلى أرضه فإنه لا يؤخذ منه شيء حتى يحصد حصادهم وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسوله (٩) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

__________________

(١) المخمصة : المجاعة ، وقد خمصه الجوع خمصا ومخمصة ، والخمصة الجوعة ، ينظر : ابن منظور ، لسان ، مادة خمص.

(٢) من ورائه أ : ـ ب ج د ه / / فنظر أ : فنظروا ب : فنظره ج ه : ـ د / / فإذا الناس قد أسرعوا فيه أ ج : فإذا هو قد أسرعت الناس فيه ب د ه.

(٣) الذمي أ ج ه : ـ ب د.

(٤) ينظر : أبو عبيد ، الأموال ٤٢٣ ؛ المقدسي ، مثير ١٦٣.

(٥) سيف بن عمر الضبي مصنف الفتوح والردة ، ينظر : ابن النديم ، ١٢٣ ؛ الذهبي ، ميزان ٢ / ٢٥٥.

(٦) هذا ما أعطى أ ج د هت : هذا كتاب إيلياء مثير الغرام.

(٧) ولا ينتقص ب د ه : ولا ينقص أ ج.

(٨) فمن خرج منهم ب ج د ه : ـ أ.

(٩) وذمة رسوله أ ه : وذمة رسول الله ب ج د.


وذمة الخلفاء ، وذمة المؤمنين ، إذا أعطوا الذين عليهم من الجزية. شهد (١) على ذلك خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان (٢).

وعن عبد الرحمن بن غنم (٣) ، قال : كتب لعمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، حين صالح نصارى أهل الشام : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب لعبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا ، إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا ، وأهل ملتنا ، وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث على مدائننا (٤) ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ، ولا نحيي منها ما كان في خطط المسلمين ، ولا نمنع كنائسنا (٥) أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل أو نهار ، وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل ، وأن ننزل من مر من المسلمين ثلاث ليال نطعمهم ولا نؤوي (٦) في منازلنا ، ولا كنائسنا جاسوسا ، ولا نكتم غشا للمسلمين ، ولا نعلم أولادنا القرآن ، ولا نظهر شركا ، ولا ندعو إليه أحدا ، ولا نمنع أحد من ذوي (٧) قرابتنا الدخول في الإسلام إن أراده ، وأن نوقر المسلمين ونقوم لهم من مجالسنا إذا أرادوا الجلوس ولا نتشبه بهم في شيء من لباسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا نتكلم بكلامهم ، ولا نتكنى بكناهم ، ولا نركب السروج ، ولا نتقلد السيوف ، ولا نتخذ شيئا / / من السلاح ولا نحمله معنا ، ولا ننقش على خواتمنا بالعربية ، ولا نبيع الخمور ، وأن نجز مقادم رؤوسنا ، وأن نلزم زينا حيثما كنا ، وأن نشد زنانير على أوساطنا ، ولا نظهر الصليب على كنائسنا ، ولا نظهر صلباننا ولا كتبنا في شيء من طرق المسلمين ، ولا في أسواقهم ولا نضرب نواقيسنا في كنائسنا إلا ضربا خفيفا ولا نرفع أصواتنا مع موتانا ولا نظهر النيران (٨) معهم في شيء من طرق المسلمين ، ولا

__________________

(١) شهد ب ج د ه : يشهد أ.

(٢) ينظر هذه الرواية : المقدسي ، مثير ١٦١.

(٣) عبد الرحمن بن غنم الأشعري الفقيه الإمام ، شيخ أهل فلسطين ، ثقة ، توفي سنة ٨٧ ه‍ / ٦٩٧ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٦١ ؛ ابن سعد ٧ / ٣٧.

(٤) على مدائننا أ ج ه : على مدينتا ب د.

(٥) ولا نمنع كنائسنا أ ج : ولا تمنع كنائسها ب د : ـ ه / / في ليل أو نهار أ ج د : في ليل ولا نهار ب ه.

(٦) ولا نؤوي أ ج ه : ولا نواري ب د / / نؤوي في منازلنا ولا كنائسنا أ ج د ه : نواري في كنائسنا ولا في منازلنا ب.

(٧) ولا نمنع أحد من ذوي أ ب ج د : ـ ه.

(٨) ولا نظهر النيران ... نجاورهم بموتانا أ ج د ه : ـ ب.


أسواقهم ولا نجاورهم بموتانا ، ولا نتخذ من الرقيق ما جرت به (١) عليه سهام المسلمين ولا نطلع عليهم في منازلهم.

قال : فلما أتيت عمر ، رضي‌الله‌عنه ، بالكتاب زاد فيه : ولا نضرب (٢) أحدا من المسلمين ، شرطنا لكم ذلك على أنفسنا ، وأهل ملتنا وقبلنا عليه الأمان فإن نحن خالفنا شيئا مما شرطناه لكم وضمناه على أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل لكم منا ما حل من أهل المعاندة والشقاق (٣).

رواه الإمام البيهقي (٤) وغيره وقد اعتمد أئمة الإسلام هذه الشروط وعمل بها الخلفاء الراشدون.

وروي أن عمر ، رضي‌الله‌عنه ، أمر في أهل الذمة أن تجز نواصيهم وأن يركبوا على الأكف عرضا ولا يركبوا كما يركب المسلمون ، وأن يوثقوا المناطق أي الزنانير. ولما قدم عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، ببيت المقدس نزل على الجبل الشرقي وهو طور زيتا ، وأتى رسول ـ بطريقها إليه ـ بالترحيب ، وقال : إنا سنعطي بحضورك (٥) ما لم نكن نعطيه لأحد دونك. وسأله أن يقبل منه الصلح والجزية ، وأن يعطيه (٦) الأمان على دمائهم وأموالهم وكنائسهم ، فأنعم له عمر بذلك. فسأله الرسول الأمان لصاحبه ليتولى مصالحته ومكاتبته فأنعم وخرج إليه بطريقها في جماعة فصالحهم وأشهد على ذلك (٧).

والبطريق هو الأمير وأما البطرك فهو الكاهن وكان اسم البطرك يوم ذاك (٨) صفرونيوس. وكان قد أخبر النصارى أن الله يفتح البيت المقدس على يد عمر بغير (٩) قتال.

فلما فرغ عمر من كتاب الصلح بينه وبين أهل القدس (١٠) قال لبطريقها : دلني

__________________

(١) به أ ج د ه : ـ ب.

(٢) ولا نضرب أحدا أ ه : ولا نضر بأحد ب د : ـ ج.

(٣) ينظر : المقدسي ، مثير ١٦٣ ـ ١٦٤.

(٤) هو الحافظ العلامة الفقيه شيخ الإسلام ، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخراساني ، توفي سنة ٤٥٨ ه‍ / ١٠٦٥ م ، له من التآليف : «السنة الكبرى» و «الأسماء والصفات» و «معرفة السنن والآثار» وغيرها ، ينظر : الذهبي ، سير ١٨ / ١٦٣ ـ ١٧٠ ؛ اليافعي ٣ / ٨١ ؛ الزركلي ١ / ١١٦.

(٥) سنعطي بحضورك أ ب : سنعطي بحضرتك ه : ـ ج د.

(٦) وأن يعطيه ب ه : ـ أ ج د.

(٧) ينظر : المقدسي ، مثير ١٥٤.

(٨) ذاك أ ج ه : ذلك ب : ـ د / / صفر ونيوس أ ه : صقريوس ب : ـ ج د.

(٩) بغير أ ه : من غير ب : ـ ج د.

(١٠) القدس أ ج ه : بيت المقدس ب د.


على مسجد داود. قال : نعم ، وخرج عمر مقلدا بسيفه في أربعة آلاف من الصحابة الذين قدموا معه متقلدين بسيوفهم وطائفة ممن كان عليهم ليس عليهم (١) من السلاح إلا السيوف والبطريق بين يدي عمر في أصحابه حتى دخلوا بيت المقدس فأدخلهم الكنيسة التي يقال لها : القمامة ، وقال : هذا مسجد داود. فنظر عمر وتأمل فقال له : كذبت ولقد وصف لي رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مسجد داود بصفة ما هي هذه. فمضى به إلى كنيسة يقال لها صهيون ، وقال له : هذا مسجد داود ، فقال له : كذبت ، فمضى به إلى مسجد بيت المقدس حتى انتهى به إلى بابه (٢) الذي يقال له باب محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد انحدر ما في المسجد من الزبالة على درج الباب حتى خرج إلى الزقاق الذي فيه الباب وكثر على الدرج حتى كاد أن يلصق بسقف الرواق فقال له : لا نقدر أن ندخل إلا حبوا ، فقال عمر : ولو حبوا ، فحبا بين يدي عمر وحبا عمر ومن معه خلفه حتى ظهروا إلى صحنه واستووا فيه قياما ، فنظر عمر وتأمل مليا ، ونظر يمينا وشمالا ، ثم قال : الله أكبر هذا والذي نفسي بيده مسجد داود ، عليه‌السلام ، الذي أخبرنا رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه أسري به إليه (٣). ووجد على الصخرة زبلا كثيرا مما طرحته الروم غيظا لبني إسرائيل ، فبسط عمر رداءه ، وجعل يكنس ذلك الزبل ، وجعل المسلمون يكنسون معه الزبل (٤) ، ومضى نحو محراب داود وهو الذي على باب البلد في القلعة فصلى فيه ، ثم قرأ سورة (ص) وسجد. وروى أنه لما جلا المزبلة عن الصخرة قال : لا تصلوا فيها حتى يصيبها ثلاث مطرات.

وروي أنه لما فتح عمر ، رضي‌الله‌عنه ، بيت المقدس قال لكعب : يا أبا إسحاق أتعرف موضع الصخرة؟ فقال : أذرع من الحائط الذي يلي واد جهنم كذا وكذا ذراعا ، ثم احفر فإنك تجدها. وكانت يومئذ مزبلة فحفروا فظهرت لهم (٥) ، / / فقال عمر لكعب : أين ترى أن نجعل المسجد ـ أو قال : القبلة؟ ـ فقال : أجعله خلف الصخرة فتجتمع القبلتان قبلة موسى وقبلة محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له : ضاهيت (٦) اليهودية يا أبا إسحاق ، خير المساجد مقدمها فبناها في مقدم المسجد (٧).

__________________

(١) عليهم أ ج د ه : عليها ب.

(٢) إلى بابه أ ج د ه : إلى الباب ب.

(٣) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٣٦.

(٤) الزبل ب ج د ه : ـ ه.

(٥) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

(٦) ضاهيت ... اليهودية أ ب ج د : ـ ه.

(٧) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٣٧ ـ ٢٤٠.


وفي رواية (١) : أن عمر قال لكعب : أين ترى نجعل المصلى؟ قال : إلى الصخرة ، فقال : ضاهيت والله يا كعب اليهودية ، بل نجعل قبلته صدره كما جعل رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قبلة مساجدنا صدورها ، اذهب إليك فإنا لم نؤمر بالصخرة ولكن أمرنا بالكعبة. ولما فرغ عمر من فتح إيلياء وعزل الصخرة من القمامة ، وأبقى النصارى على حالهم بأداء الجزية ، فسمى المسلمون كنيسة النصارى العظمى (٢) عندهم قمامة تشبيها بالمزابل وتعظيما للصخرة الشريفة ، ثم ارتحل من القدس إلى أرض فلسطين.

وكان هذا الفتح في سنة خمس عشرة (٣) (٤) من الهجرة الشريفة ، قاله ابن الجوزي (٥) ، رضي‌الله‌عنه ، وغيره من المؤرخين. وقيل : كان في سنة ستة عشر (٦) في ربيع الأول. وقيل : لخمس خلون من ذي القعدة ، والله أعلم. ووجد على رأس بعض التصاوير التي كانت في المسجد الأقصى عقب ما استنقذه المسلمون منهم هذه الأبيات ويقال إنها لابن ضامن الضبعي بعكا :

أدمى الكنائس أن تكن عبثت

بكم أيدي الحوادث أو تغير حال

فلطالما سجدت لكن شمامس

شم الأنوف ضراغم أبطال

بعدا على هذا المصاب لأنه

يوم بيوم والحرب سجال (٧)

روي أن أمير المؤمنين عمر لما فتح بيت المقدس وكتب كتاب الأمان والصلح وقبضوا كتابهم وأمنوا الناس بعضهم في بعض وأقام عمر أياما ، ثم قال لأبي عبيدة : لم يبق (٨) أمير من أمراء الأجناد غيرك إلا استزارني ، فقال أبو عبيدة : يا أمير المؤمنين إني أخاف أن أستزيرك فتعصب عينيك في بيتي. قال : فاستزرني ، قال : فزرني ، فلما أتاه عمر في بيته فإذا ليس فيه (٩) إلا لبد فرسه ، وإذا هو فراشه وسرجه ووسادته ، وإذا كسر يابسة في كوة بيته فجاء بها فوضعها (١٠) على الأرض بين يديه

__________________

(١) وفي رواية أن عمر قال لكعب أ : وروي أن عمر قال لكعب ب ج د ه.

(٢) العظمى أ ب ج د : المعظمة ه.

(٣) سنة ١٥ ه‍ / ٦٣٦ م.

(٤) خمس عشرة أ ج : خمسة عشر ب د ه.

(٥) ورد هكذا في كتاب فضائل القدس لابن الجوزي ، ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٤٠.

(٦) سنة ١٦ ه‍ / ٦٣٧ م.

(٧) ينظر هذه الأبيات : المقدسي ، مثير ١٦٩ ـ ١٧٠.

(٨) لم يبق ... استزارني أ ب ج : ـ د ه.

(٩) فيه أ : + شيء ب ج د ه / / ووسادته أ لا : وإذا هو وسادته ب ج د ه.

(١٠) فوضعها أ ب ج : ووضعها د ه.


وأتاه بملح جريش وكوز خزف فيه ماء. فلما نظر عمر إلى ذلك بكى ، ثم التزمه وقال : أنت أخي ، وما من أحد من أصحابي إلا وقد نال من الدنيا ونالت منه غيرك ، فقال له أبو عبيدة : ألم أخبرك أنك ستعصب عينيك.

ثم إن عمر قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قال : «يا أهل الإسلام إن الله تعالى قد صدقكم الوعد ونصركم على الأعداء وورثكم (١) البلاد ، ومكن لكم في الأرض فلا يكونن جزاؤه منكم إلا الشكر وإياكم والعمل بالمعاصي فإن العمل بالمعاصي كفر النعم. وقلما كفر قوم بما أنعم الله عليهم ثم لم يفزعوا إلى التوبة إلا سلبوا عزهم وسلط عليهم عدوهم». ثم نزل ، وحضرت (٢) الصلاة فقال : يا بلال ألا تؤذن لنا رحمك الله ، قال بلال : يا أمير المؤمنين والله ما أردت أن أؤذن لأحد بعد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولكن سأطيعك إذا (٣) أمرتني في هذه الصلاة وحدها.

فلما أذن بلال وسمعت الصحابة صوته ذكروا نبيهم ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فبكوا بكاء شديدا (٤) ولم يكن من المسلمين يومئذ أطول بكاء من أبي عبيدة (٥) ومعاذ بن جبل ، حتى قال لهما عمر : حسبكما رحمكما الله.

فلما قضى صلاته انصرف أمير المؤمنين راجعا (٦) إلى المدينة واجتهد فيما هو بصدده من إقامة شعائر الإسلام والنظر في مصالح المسلمين والجهاد في سبيل الله. ولم يزل كذلك حتى توفي ، رضي‌الله‌عنه ، وجمعنا به وجمع بيننا وبينه في دار الكرامة إنه ولي الحسنات وغافر السيئات عنه وكرمه.

وقد حكى المصنفون بفضائل (٧) بيت المقدس قصة الفتح من طرق كثيرة بروايات وألفاظ مختلفة وأحسن ما رأيت منها ما نقلته هنا ، والله الموفق.

__________________

(١) وورثكم أ ج ه : وأورثكم ب د.

(٢) وحضرت أ ب ج د : وحضرته ه.

(٣) إذا أ ج د ه : إذ ب.

(٤) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٢ / ٣٩٤.

(٥) أبي عبيدة ب ج د : ـ أ ه.

(٦) راجعا إلى المدينة أ ب ج : ـ د ه.

(٧) بفضائل أ د ه : لفضائل ب ج / / وأحسن أ د ه : فأحسن ب ج.


ذكر وفاة عمر رضي‌الله‌عنه

روي أنه خرج لصلاة الصبح في جماعة فضربه أبو لؤلؤة / / غلام المغيرة بن شعبة ، لما وقف يصلي ـ بخنجر برأسين وطعنه ثلاث طعنات إحداها (١) تحت سرته وهي التي قتلته ، وطعن اثني عشر رجلا من أهل المسجد. فمات منهم ستة. ثم نحر نفسه بخنجره ، فمات لعنه الله.

ولما طعنه أبو لؤلؤة وقع على الأرض ثم قال : أفي الناس عبد الرحمن بن عوف؟ قالوا : نعم ، قال : مروه يصلي بالناس ، وقال لولده عبد الله : انظر من الذي قتلني؟ فقال : يا أمير المؤمنين (٢) ذلك أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة ، فقال : الحمد لله الذي لم يجعل قتلي على يد رجل سجد لله سجدة واحدة.

ثم بعث ابنه عبد الله إلى عائشة ، رضي‌الله‌عنها ، فقال : قل لها : يقرأ عليك عمر السلام ، ولا تقل لها (٣) أمير المؤمنين ، فإني لست اليوم أمير المؤمنين ـ ويقول لك أنه لا حق بربه أفتأذنين له أن يدفن مع صاحبيه (٤) ، فجاء عبد الله إلى عائشة فاستأذن عليها فأذنت له ، فبلغها رسالة أمير المؤمنين عمر ، رضي‌الله‌عنه (٥) ، فتأوهت وبكت ، وقالت : لقد كنت أشم رائحة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في أبي بكر ، فلما مات أبو بكر كنت أشم رائحته في أمير المؤمنين عمر ، ما لي وللدنيا أفقد فيها الأحباب واحدا واحدا (٦) ، ثم قالت : بلغ أمير المؤمنين مني السلام ، وقل له : ألا إنها كانت (٧) ادخرت ذلك لنفسها ولكنها آثرتك اليوم على نفسها.

فلما رجع عبد الله ، قال له عمر : ما ورائك يا عبد الله؟ قال : الذي تحب قد أذنت لك عائشة ، قال : الحمد لله ما كان شيء أهم إليّ من ذلك ، فإذا أنا قبضت فارجع إلى عائشة فاستأذنها ثانيا فربما تكون استحيت مني وأنا حي ، فلا تستحي مني وأنا ميت ، وأوصاهم أن يقتصروا في كفنه ، ولا يتغالوا.

وتوفي يوم السبت خلت ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين (٨) للهجرة الشريفة.

__________________

(١) إحداها ب ج : أحدها أ د : ـ ه.

(٢) يا أمير المؤمنين ب ج ه : ـ أ د.

(٣) ولا تقل لها أ ج ه : ولا تقل ب : ـ د / / المؤمنين ب ج د ه : ـ أ.

(٤) صاحبيه ب ج د ه : صاحبه أ.

(٥) عمر رضي‌الله‌عنه ب ج د ه : ـ أ.

(٦) واحدا واحدا أ ج د ه : واحد بعد واحد ب.

(٧) كانت أ ج : + قد ب د ه.

(٨) ٢٣ ه‍ / ٦٤٣ م.


ودفن يوم الأحد هلال المحرم سنة أربع وعشرين (١) ، وغسله ابنه عبد الله وحمل على سرير رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وصلى عليه صهيب وكبر عليه أربعا ونزل في قبره (٢) ابنه عبد الله وعثمان بن عفان وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وكانت خلافته ، رضي‌الله‌عنه ، عشر سنين وستة أشهر وثمانية أيام ، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح المشهور (٣).

والصحيح : أن عمر رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعمر أبي بكر ، رضي‌الله‌عنه ، وعمر وعلي وعائشة ، رضي‌الله‌عنهم ، ثلاث وستون سنة ، وكان عمر ، رضي‌الله‌عنه ، طوالا (٤) أصلع أبيض يعلوه حمره. وقيل : كان طويل الأصابع (٥) شديد الأدمة كث اللحية. وعليه أكثر العلماء وفضائله أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر : جاهد في الله حق جهاده ، فجيش الجيوش وفتح البلاد ومصر الأمصار وأعز الإسلام وأذل الكفر وأجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز (٦) ، وفي أيامه فتح العراق والموصل ومصر والإسكندرية وغيرها (٧). وهو الذي اختط الكوفة ووسع في المسجد الحرام ، وعمر مسجد النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمسجد الأقصى ، وهو أول من جمع الناس لصلاة التراويح ، وأول من كتب التاريخ وأرخ من السنة التي هاجر فيها رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٨) ، وأول من عسس بالليل ، وأول من نهى عن بيع أمهات الأولاد ، وأول من جمع الناس في صلاة الجنازة على أربع تكبيرات وكانوا يكبرون أربعا وخمسا وستا ، وأول من حمل الدرة وضرب بها ، ودون الدواوين (٩) ولو لم يكن من فضائله إلا فتح هذا البيت المقدس وتطهيره من الشرك لكفاه ، رضي‌الله‌عنه (١٠) ، ونفعنا ببركته وبركات علومه في الدنيا والآخرة.

__________________

(١) سنة ٢٤ ه‍ / ٦٤٤ م.

(٢) ينظر : القلقشندي ، مآثر ١ / ٨٩.

(٣) ونزل في قبره أ : ونزله في قبره ب ج ه : ـ د.

(٤) طوالا أ ج ه : طويلا ب : ـ د / / يعلوه أ ج ه : تعلوه ب : ـ د.

(٥) طويل الأصابع أ : ـ ب ج د ه / / شديد الأدمة أ : كان آدم شديد الأدمة ب ج ه : ـ د / / اكثر العلماء أ : أكثر أهل العلم ب ج د ه : ـ د.

(٦) أرض الحجاز أ ه : بلاد الحجاز ب ج : ـ د.

(٧) ينظر : القلقشندي ، مآثر ١ / ٨٩.

(٨) ينظر : المصدر نفسه ١ / ٩٢.

(٩) ودون الدواوين ب ج ه : ـ أ د.

(١٠) رضي‌الله‌عنه ... والآخرة ب ج ه : ـ أ د.


وأما من دخل بيت المقدس من الصحابة ، رضي‌الله‌عنهم ، فهم خلق كثير

لا يحصيهم إلا الله سبحانه وتعالى ، ولنذكر جماعة من أعيانهم تبركا

بذكرهم ونجعل ترتيب أسمائهم على الوفيات من غير استقصاء في ذكر

تراجمهم فأقول وبالله التوفيق :

أبو عبيدة بن الجراح (١) واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري ، أحد العشرة المبشرة والمشهود لهم بالجنة ، وتقدم ذكره عند ابتداء الفتح ، توفي في طاعون عمواس في سنة ثمان عشرة (٢)(٣) من الهجرة الشريفة / / وقبره في قرية يقال لها عثما تحت جبل عجلون (٤) بين فقارس والعادلية بزاوية دير علّا (٥) من الغور (٦) الغربي. ووفاته في خلافة عمر وله ثمان وخمسون سنة.

معاذ بن جبل الأنصاري ، استخلفه أبو عبيدة على الناس عند موته. فمات أيضا بالطاعون بناحية الأردن في سنة ثمان عشرة وله ثمان وثلاثون سنة ، وقيل : ثلاث وثلاثون سنة (٧) ، والله أعلم. وقبره بالقصر الذي من الغور ومات من الناس (٨) في هذا الطاعون خمسة وعشرون ألف نفس ، وطال مكثه شهرا وطمع العدو في المسلمين.

بلال بن رباح ، مولى أبي بكر الصديق ، وهو مؤذن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، شهد فتح بيت المقدس مع عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، ولم يؤذن بعد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سوى مرة واحدة لما أمره عمر بالأذان بعد الفتح ـ كما تقدم ـ توفي بدمشق في سنة تسعة عشر (٩) من الهجرة ، ودفن عند الباب الصغير وهو ابن بضع وستين سنة.

وقيل : مات بحلب سنة عشرين (١٠). وقيل : ثماني عشرة ، والله أعلم.

__________________

(١) ينظر : ابن سعد ، الطبقات ٣ / ٤٠٩ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٢٩ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٢ / ٢٥٢.

(٢) سنة ١٨ ه‍ / ٦٣٩ م.

(٣) ثمان عشرة ج د ه : ثمان عشر أ : ثمانية عشر ب.

(٤) عجلون : حصن وربض يقع شرقي بيسان ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٤٥.

(٥) دير علا ب ج ه : دير سلام أ : ـ د.

(٦) الغور : غور الأردن بالشام ، بين بيت المقدس ودمشق ، وهو واد مسيرة ثلاثة أيام ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٤٦٤ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ١٠٠٤.

(٧) وقيل ثلاث وثلاثون سنة ب ج ه : ـ أ د / / والله أعلم أ ج ه : ـ ب د.

(٨) من الناس أ ج ه : من العسكر ب : ـ د / / مكثه شهرا أ ب ج : ـ د ه.

(٩) سنة ١٩ ه‍ / ٦٤٠ م.

(١٠) سنة ٢٠ ه‍ / ٦٤١ م.


عياض بن غنم ، رضي‌الله‌عنه ، ابن عم أبي عبيدة دخل بيت المقدس ، وبنى فيها حماما ، وله رواية عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، توفي في سنة عشرين للهجرة (١).

خالد بن الوليد (٢) ، سيف الله المسلول ، توفي سنة إحدى وعشرين (٣) للهجرة ، واختلف في موضع قبره ، فقيل : بحمص ، وقيل : بالمدينة.

أبو ذر الغفاري ، واسمه جندب بن جنادة ، دخل بيت المقدس وكانت وفاته بالربذة (٤) في سنة اثنتين وثلاثين (٥) ، والله أعلم.

أبو الدرداء عويمر (٦) ، رضي‌الله‌عنه ، توفي بدمشق سنة اثنتين وثلاثين ، وقيل : إحدى وثلاثين في خلافة عثمان ، رضي‌الله‌عنه.

عبادة بن الصامت الأنصاري ، أبو الوليد (٧) ، وجهه عمر إلى الشام قاضيا ومعلما ، وأقام بحمص ثم انتقل إلى فلسطين ، وهو أول من ولي قضاءها (٨). سكن بيت المقدس ، ومات بفلسطين ، ودفن ببيت المقدس ، وقيل : بالرملة (٩) والأول أشهر. وكانت وفاته في سنة أربع وثلاثين (١٠) للهجرة ، والآن قبره لا يعرف ببيت المقدس ولا بالرملة ، واندثر (١١) لاستيلاء الفرنج على تلك الناحية.

سلمان الفارسي ، توفي سنة ست وثلاثين للهجرة ، ودفن بالمدائن عن مائتين وخمسين سنة ، ويقال أكثر ، ذكره النووي (١٢) في التهذيب (١٣)(١٤) ، وابن

__________________

(١) للهجرة أ ج ه : من الهجرة الشريفة ب د.

(٢) الوليد أ ج د ه : + رضي‌الله‌عنه ب.

(٣) سنة ٢١ ه‍ / ٦٤٢ م.

(٤) الربذة : من قرى المدينة على بعد ثلاثة أميال منها قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٨٧ ؛ الحميري ٢٦٦.

(٥) سنة ٣٢ ه‍ / ٦٥٢ م.

(٦) عويمر رضي الله ب ج د ه : ـ أ.

(٧) أبو الوليد أ ج د ه : ـ ب.

(٨) قضاءها ج د : قضائها أ ه : قضاها ب.

(٩) الرملة : مدينة بفلسطين كانت رباطا للمسلمين ، اختطها سليمان بن عبد الملك ، بينها وبين بيت المقدس ثمانية عشر ميلا ، ينظر : البغدادي ٢ / ٦٣٣ ؛ الحميري ٢٦٨ ؛ العليمي ٩١ ؛ شراب ٤١٧.

(١٠) سنة ٣٤ ه‍ / ٦٥٤ م.

(١١) واندثر أ : واندرس ب ج ه : اندرس د.

(١٢) ينظر : النووي ، تهذيب ٢ / ٢٢٦.

(١٣) تهذيب الأسماء واللغات للإمام محي الدين يحيى بن شرف النووي المتوفى سنة ٦٧٦ ه‍ / ١٢٧٧ م. ينظر : حاجي خليفة ١ / ٤١٣.

(١٤) في التهذيب أ ه : + والكرماني ب ج : ـ د.


الجوزي (١) ، في صفوة الصفوة (٢). قال العلماء (٣) بالسير : كان سلمان من المعمرين أدرك وصي عيسى بن مريم. ورد بعض العلماء هذا القول وقال : إنه لم يبلغ المائة ، والله أعلم.

أبو مسعود الأنصاري ، عقبة بن عمرو البدري ، سكن بدرا ولم يشهدها على الراجح (٤) ، توفي سنة تسع وثلاثين (٥) للهجرة ، وقيل : سنة أربعين (٦).

تميم بن أوس الداري (٧) ، وفد هو وأخوه نعيم على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سنة تسع (٨) وآسلما ، وصحب تميم رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وغزا معه. وروى عنه ، ولم يزل بالمدينة حتى تحول إلى الشام بعد قتل عثمان ، رضي‌الله‌عنه ، وكان أميرا على بيت المقدس ، وهو الذي أقطعه النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أرض حبرون (٩) ، وسنذكر نسخة الإقطاع (١٠) فيما بعد عند ذكر بلد سيدنا الخليل ، عليه الصلاة والسلام ، إن شاء الله تعالى. توفي سنة أربعين للهجرة الشريفة.

عمرو بن العاص السهمي ، توفي سنة ثلاث وأربعين (١١) للهجرة (١٢) في خلافة معاوية.

عبد الله بن سلام ، أبو الحارث ، الإمام الحبر الإسرائيلي المشهود له بالجنة ، قدم بيت المقدس ، من خواص الصحابة ، كان اسمه الحصيب (١٣) ، فغيره

__________________

(١) ينظر : ابن الجوزي ، صفوة ١ / ٥٢٣.

(٢) صفوة الصفوة : لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي ، المتوفى سنة ٥٩٧ ه‍ / ١٢٠٠ م ، ينظر : حاجي خليفة ، كشف ٢ / ١٠٢.

(٣) قال العلماء أ : قال أهل العلم ب ج ه : ـ د.

(٤) الراجح ب ج ه : الترجيح أ : ـ د / / تسع ب ج ه : تسعة أ : ـ د / / للهجرة أ ج ه : من الهجرة ب : ـ د.

(٥) سنة ٣٩ ه‍ / ٦٥٩ م.

(٦) سنة ٤٠ ه‍ / ٦٦٠ م.

(٧) تميم بن أوس الداري أ ج ه : تميم الداري بن أوس ب : ـ د / / الداري أ ج ه : + رضي‌الله‌عنه ب : ـ د.

(٨) سنة ٩ ه‍ / ٦٣٠ م.

(٩) حبرون : اسم للمدينة التي فيها قبر إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام ، وغلب على اسمها الخليل ، ينظر : العليمي ١١١ ؛ البغدادي ١ / ٣٧٧ ؛ شراب ٢٨٨.

(١٠) ينظر : العليمي ١١١.

(١١) سنة ٤٣ ه‍ / ٦٦٣ م.

(١٢) للهجرة أ ج ه : من الهجرة ب : ـ د.

(١٣) الحصيب أ ج ه : الحصين ب : ـ د.


النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بعبد الله ، شهد فتح بيت المقدس ، توفي سنة ثلاث وأربعين من الهجرة.

سعيد بن زيد (١) ، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، قدم بيت المقدس زمن الفتح ، توفي سنة إحدى وخمسين (٢) من الهجرة بالعقيق (٣) ، وقيل : بالكوفة ، وله بضع وسبعون سنة.

أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص ، واسمه مالك بن وهب ، رضي‌الله‌عنه ، قدم بيت المقدس وأحرم منه بعمرة ، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، مات في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة ، فحمل إلى المدينة ، وصلت (٤) عليه أزواج النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في حجرهن ، ودفن بالبقيع في سنة خمس وقيل : ست وخمسين (٥) للهجرة (٦) وهو ابن بضع وسبعين سنة.

مرة بن كعب الفهري ، رضي‌الله‌عنه ، نزل الشام ، وتوفي سنة سبع وخمسين (٧) للهجرة بالأردن.

شداد بن أوس بن أخي حسان بن ثابت ، نزل بالشام ناحية فلسطين ، وكان ممن أوتي العلم والحلم (٨) والحكمة ، روي أنه لما دنت وفاة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، / / قام ثم جلس ثم قام ثم جلس ، فقال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا شداد ما سبب قلقك؟» فقال : يا رسول الله ضاقت بي الأرض ، فقال : «ألا إن الشام ستفتح وبيت المقدس سيفتح ، إن شاء الله تعالى ، وتكون أنت وولدك من بعدك أئمة بها إن شاء الله» (٩) ، فكان كما أخبر النبي ، عليه‌السلام (١٠) ، وكان ذا عبادة واجتهاد ، توفي سنة ثمان

__________________

(١) سعيد بن زيد ... الفتح ب ج د ه : ـ أ / / أحد العشرة ... بالجنة ب ج د ه : ـ أ.

(٢) سنة ٥١ ه‍ / ٦٧١ م.

(٣) العقيق : هو كل مسيل ماء شقه السيل في الأرض ومنه عقيق المدينة فيه عيون ونخل كثير ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ٩٥٢.

(٤) وصلت عليه ب : وصل عليه أ ج ه : ـ د.

(٥) سنة ٥٦ ه‍ / ٦٧٥ م.

(٦) للهجرة أ ج ه : من الهجرة ب : ـ د.

(٧) سنة ٧٥ ه‍ / ٦٧٦ م.

(٨) والحلم ب ج ه : ـ أ د / / روي أنه أ ج ه : يروى أنه ب : ـ د / / رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ج ه : النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب : ـ د.

(٩) ينظر : المقدسي ، مثير ٣١٦.

(١٠) عليه‌السلام أ ه : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج : ـ د.


وخمسين (١) من الهجرة (٢) وله خمس وسبعون سنة. وقيل : مات سنة إحدى وأربعين (٣) ، وقبره ظاهر ببيت المقدس يزار في مقبرة باب الرحمة تحت سور المسجد الأقصى (٤) ، رضي‌الله‌عنه.

أبو هريرة ، رضي‌الله‌عنه ، اسمه عبد الرحمن بن صخر ، قدم بيت المقدس وشهد فتحه ، مات بمدينة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سنة تسع وخمسين (٥) للهجرة (٦) ، وهو ممن لازم خدمة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وروى عنه الكثير ، وليس هو المدفون بقرية يبنى (٧) التي هي من أعمال مدينة غزة وإنما بها بعض ولده.

معاوية بن أبي سفيان ، أمير المؤمنين ، رضي‌الله‌عنه (٨) ، قدم بيت المقدس ، وقدم عليه عمرو بن العاص ، فبايعه على طلب دم عثمان ، وكتبا (٩) كتابا بينهما : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما تعاهد عليه معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ببيت المقدس بعد قتل عثمان وحمل كل واحد منهما صاحبه الأمانة أن بيننا عهد الله على التناصر والتخالص والتناصح في أمر الله والإسلام ، ولا يخذل أحدنا صاحبه بشيء ، ولا يتخذ من دونه وليجة ولا يحول بيننا ولد ولا والد أبدا ما حيينا فيما استطعنا ، توفي بدمشق في النصف من رجب في سنة ستين للهجرة (١٠)(١١) ، وله ثمان وسبعون سنة ، وقيل : ست وثمانون ، وقيل غير ذلك ، وصلى عليه الضحاك (١٢) ، ودفن بمقبرة دمشق.

عبد الله بن عمرو بن العاص ، أسلم قبل أبيه ولم يكن أصغر من أبيه إلا باثنتي عشرة سنة ، وكان يقرأ القرآن والتوراة ، ويصوم يوما ويفطر يوما ، توفي في سنة

__________________

(١) سنة ٥٨ ه‍ / ٦٧٧ م.

(٢) من الهجرة أ ب : للهجرة ج ه : ـ د.

(٣) ٤١ ه‍ / ٦٦١ م.

(٤) الأقصى رضي‌الله‌عنه ب ج ه : ـ أ د.

(٥) ٥٩ ه‍ / ٦٧٨ م.

(٦) للهجرة أ ج ه : من الهجرة ب : ـ د / / رسول الله أ ج ه : النبي ب : ـ د.

(٧) يبنى : بليدة قرب الرملة ، بها قبر يقولون إنه لأبي هريرة ، وقيل : قبر عبد الله بن أبي سرح ، وقد دمرها الأعداء عام ١٩٤٨ م ؛ ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١٤٧٣ ؛ شراب ٧٣٠.

(٨) رضي‌الله‌عنه أ ج ه : ـ ب د / / معاوية ... قدم بيت المقدس أ ب ج ه : ـ د.

(٩) وكتبا ب : وكتب أ ج ه : ـ د.

(١٠) ٦٠ ه‍ / ٦٧٩ م.

(١١) للهجرة أ ج ه : من الهجرة ب : ـ د.

(١٢) الضحاك بن قيس بن خالد بن وهب ، قتل بمرج راهط بعد موت يزيد بن معاوية سنة ٦٥ ه‍ / ٦٨٤ م ينظر : ابن حبان ، تاريخ ١٤١.


خمس وستين للهجرة (١).

عبد الله بن عباس ، رضي‌الله‌عنهما ، مولده قبل الهجرة بثلاث سنين ، ودعا له النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» (٢) ، فكان كذلك ، وكان يسمى الحبر لكثرة علومه ، وأهل من بيت المقدس في الشتاء ، توفي سنة ثمان وستين (٣) ، من الهجرة بالطائف بقرية تدعى السلامة وقبره ظاهر معروف بها عليه قبة مبنية وحولها مسجد جامع.

عبد الله بن عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنهما ، قدم بيت المقدس وأهل منه بعمرة ، توفي في سنة ثلاث وسبعين (٤) للهجرة (٥) ، بعد قتل عبد الله بن الزبير بثلاثة أشهر ، وله سبع وثمانون سنة.

عوف بن مالك بن عوف الأشجعي ، أبو محمد شهد فتح بيت المقدس ونزل حمص (٦) وهو صحابي جليل ، توفي سنة ثلاث وسبعين للهجرة (٧) ، بايع رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على أن يعبد الله لا يشرك به شيئا ، والصلوات الخمس ، وأن لا يسأل الناس شيئا.

أبو جمعة الأنصاري ، واسمه جندب بن سباع ، وقيل : جنيد بن سباع ، وقيل : ابن وهب ، وقيل : ابن فديك ، قدم بيت المقدس ليصلي فيه (٨) ، مات بالشام أول محرم سنة سبع وسبعين (٩) من الهجرة.

وائلة بن الأسقع الهوازني (١٠) ، أسلم والنبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، متوجه إلى تبوك ، ويقال : إنه خدمه ثلاث سنين وهو من أهل الصفة (١١) ، سكن البصرة ثم الشام ، وشهد

__________________

(١) للهجرة أ ج ه : من الهجرة ب : ـ د.

(٢) روى ابن حبان أن الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال له : «اللهم علمه الحكمة» ، ينظر : ابن حبان ، تاريخ ١٤٨.

(٣) ٦٨ ه‍ / ٦٧٨ م.

(٤) ٧٣ ه‍ / ٦٩٢ م.

(٥) للهجرة أ ج ه : من الهجرة ب : ـ د.

(٦) حمص أ : بحمص ب ج ه : ـ د.

(٧) للهجرة أ ج ه : من الهجرة ب : ـ د.

(٨) ليصلي فيه أ ج ه : + يعد في الشاميين ب : ـ د.

(٩) ٧٧ ه‍ / ٦٩٦ م.

(١٠) وائلة بن الأسقع أ ب ج : وابلة بن الأشجع ه : ـ د.

(١١) أهل الصفة : هم فقراء المسلمين ومعظمهم من المهاجرين الذين كانوا يصطفون في مؤخرة مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى يجود الأغنياء عليهم حيث كانوا منقطعين للعبادة ، ينظر : الأصفهاني ١ / ٣٣٧ ـ ٣٤٧ ؛ السيوطي ، إتحاف ٢ / ٣٤.


المغازي بدمشق وحمص ، ثم تحول إلى بيت المقدس ، ومات به وهو ابن مائة سنة ، وقيل : توفي (١) بدمشق في آخر خلافة عبد الملك بن مروان ، سنة خمس ـ أو ست ـ وثمانين (٢) للهجرة (٣) ، رضي‌الله‌عنه (٤).

أبو أمامة ، صدى بن عجلان الباهلي ، سكن بيت المقدس ودمشق (٥) الشام ، وكان آخر من مات (٦) بالشام من الصحابة ، شهد حجة الوداع وهو ابن ثلاثين سنة ، توفي سنة ثمان وثمانين (٧)(٨) للهجرة.

محمود بن الربيع (٩) ، أبو نعيم ، وقيل : أبو محمد ، وفي الصحيح من حديث الزهري عن محمود بن الربيع ، كان يزعم أنه أدرك النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو ابن خمس سنين ، وزعم أنه عقل مجة مجها النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في وجهه (١٠) ، نزل بيت المقدس وأهل منه بحج وعمرة ، وهو ختن عبادة بن الصامت ، مات سنة تسع وتسعين (١١) / / للهجرة (١٢) وهو ابن ثلاث وتسعين سنة.

يزيد بن أبي سفيان ، صخر بن حرب كان أميرا بالشام على جند من الأجناد ولما توفي (١٣) أمر عمر مكانه أخاه معاوية بن أبي سفيان.

أبو ريحانة (١٤) ، واسمه شمعون ـ بشين معجمة ، وقيل : بالمهملة ـ القرظي من بني قريظة ، ويقال : من بني النضير ، ويقال له مولى رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسكن أبو

__________________

(١) توفي أ ج ه : مات ب : ـ د.

(٢) ٨٦ ه‍ / ٧٠٥ م.

(٣) للهجرة أ ج ه : من الهجرة ب : ـ د.

(٤) رضي‌الله‌عنه ب ج ه : ـ أ د.

(٥) دمشق أ ج ه : + الشام ب : ـ د.

(٦) من مات أ : من أتى ب : من بالشام ج : من توفي ه : ـ د.

(٧) ٨٨ ه‍ / ٧٠٧ م.

(٨) ثمان وثمانين أ ج ه : ثمان وقيل : ست وثمانين ب : ـ د.

(٩) محمود بن الربيع بن سراقة الخزرجي الأنصاري من بني عبد الأشهل مات سنة ٩٧ ه‍ / ٧١٦ م ، ينظر : ابن عبد البر ٣ / ١٣٧٨.

(١٠) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٢٨.

(١١) ٩٩ ه‍ / ٧١٨ م.

(١٢) للهجرة أ ج ه : من الهجرة ب : ـ د.

(١٣) توفي ب : مات أ ج ه : ـ د.

(١٤) أبو ريحانة : شمعون الأزدي وقيل : الأنصاري ، من المجتهدين ، معدود في أهل الصفة ، ينظر : الأصفهاني ٢ / ٣٠.


ريحانة ببيت المقدس وكان يعظ في المسجد الأقصى (١).

الشريد بن سويد (٢) ، قدم بيت المقدس لأنه كان قد نذر أن يصلي فيه إن فتح الله مكة على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واستأذنه في ذلك ، فأذن له.

ابن أبي الجدعاء ، وهو عبد الله بن أبي الجدعاء التميمي (٣) ، ويقال له : الكناني ، ويقال له : العبدي.

فيروز الديلمي (٤) ، أبو عبد الله ، ويقال : أبو عبد الرحمن ، ويقال : أبو الضحاك ، ويقال : الحميري لنزوله بحمير ، وهو من أبناء فارس من فرس صنعاء ، وفيروز من الذين بعثهم كسرى إلى اليمن ، فنفوا الحبشة منها وغلبوا عليها ، سكن بيت المقدس ، ويقال : إنه مات (٥) بها وقبره به ، مات في خلافة عثمان.

ذو الأصابع التميمي (٦) ، ويقال : الخزاعي ، ويقال : الجهني ، سكن بيت المقدس وهو من أهل اليمن من المدد الذين نزلوا الشام ببيت المقدس.

أبو محمد النجاري (٧)(٨) ـ بالجيم ـ الأنصاري البدري ، قال صاحب (مثير الغرام) : أظنه مسعود بن أويس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك النجار ، كذا نسبه الواقدي (٩) وغيره ، وهو الذي زعم أن الوتر واجب ، فقال عبادة بن الصامت : كذب أبو محمد. قيل : توفي في خلافة عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه (١٠) ، وقيل : شهد صفين (١١) مع علي ، رضي‌الله‌عنه.

__________________

(١) في المسجد أ ب ج : بالمسجد ه : ـ د.

(٢) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٢٤.

(٣) ينظر : الرازي ، الجرح والتعديل ٢ / ٢٨ ؛ المقدسي ، مثير ٣٠٣.

(٤) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٣٤.

(٥) ويقال إنه مات ... عثمان ب ج د : ـ أ ه.

(٦) ينظر : ابن الأثير ، أسد ٢ / ١٧٠ ؛ المقدسي ، مثير ٣٢٥.

(٧) ينظر : ابن الأثير ، أسد ٤ / ٣٥٦ ؛ المقدسي ، مثير ٣٦٢.

(٨) أبو محمد النجاري بالجيم ب ج د ه : ـ أ.

(٩) الواقدي : محمد بن عمر بن واقد الأسلمي ، أحد الأعلام وقاضي العراق ، مؤرخ ، محدث ، مات سنة ٢٠٧ ه‍ / ٨٢٣ م ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٢٥٨ ؛ ابن العماد ٢ / ١٨ ؛ الجابي ٧٦٤.

(١٠) رضي‌الله‌عنه أ ج ه : ـ ب د.

(١١) صفين : قامت موقعة صفين بين جند الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان سنة ٣٧ ه‍ / ٦٥٧ م ، وهي الوقعة التي أعقبها التحكيم وما اقترن من ظهور الخوارج واستيلاء معاوية على مصر ثم على الخلافة ، ينظر : ابن قتيبة ، الإمامة ١ / ١٧٢ ؛ نصر بن مزاحم ، صفين ؛ أبو الفداء ، تقويم ٢٦٩ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٤٦.


سلام بن قيصر (١) ، وقيل : سلامة ، له صحبة وكان واليا لمعاوية على بيت المقدس وله عقب به ، وأنكر بعضهم صحبته ، والله أعلم.

أبو أبي بن أم حرام (٢) بن عمرو ، ويقال : أبي ، ويقال : عبد الله بن أبي (٣) ، وقيل : عبد الله بن كعب ، وقيل : عبد الله بن عمرو بن شمعون بن خليفة بن قيس. وأمه أم حرام بنت ملحان أخت أم سليم. أسلم قديما ويعد في الشاميين ، سكن بيت المقدس ، وكان ربيب (٤) عبادة بن الصامت ، وهو آخر من مات من الصحابة ببيت المقدس.

وقال الحافظ أبو بكر الخطيب (٥) فيمن ذكر : أنه كان ببيت المقدس من الصحابة والتابعين ، ومات به عبادة بن الصامت وشداد بن أوس وأبي بن أم حرام وأبو ريحانة وسلامة بن قيصر وفيروز الديلمي وذو الأصابع وأبو محمد النجاري (٦) ، وهؤلاء من أهل بيت المقدس ، ماتوا به ، وأعقب منهم : عبادة (٧) وشداد وسلامة وفيروز ، وهؤلاء الذين أعقبوا وأولادهم ببيت المقدس وقبورهم به ، ولم يعقب أبو ريحانة ولا ذو الأصابع ولا أبو محمد النجاري ، والله أعلم.

غطيف (٨) بن الحارث (٩) ، وهو الصواب في اسمه ، قدم بيت المقدس هو وأهله فصلى فيه وجماعة من الصحابة.

صفية بنت حيي ، أم المؤمنين ، رضي‌الله‌عنها ، قدمت بيت المقدس ، فصلت فيه ، وصعدت على طور زيتا فصلت ، وقامت على طرف الجبل فقالت : من هاهنا يتفرق الناس يوم القيامة إلى الجنة والنار (١٠)(١١) ، توفيت صفية في سنة

__________________

(١) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٢٨.

(٢) أم حرام أ ب ج د : أم حزام د / / ابن عمرو أ : ـ ب ج د ه.

(٣) أبو أبي الأنصاري ، وأمه أم حرام هي زوج عبادة بن الصامت ، يعرف بربيب عبادة كان خيرا فاضلا ، صلى القبلتين مع رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ينظر : ابن عبد البر ٤ / ١٥٩٢.

(٤) وكان ربيب .... الصحابة ب ج : ـ أ د ه.

(٥) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٢٦.

(٦) النجاري ب ج : النجار أ : البجاري ه : ـ د / / وهؤلاء أ ه : هؤلاء ب ج : ـ د.

(٧) عبادة أ ج ه : + ابن الصامت ب : ـ د.

(٨) غطيف أ : عصيف ب ج : ـ د.

(٩) غطيف ، ويقال : غضيف بن الحارث الكندي ، ويقال : السكوني ، له صحبة ، بعد في أهل الشام ، ينظر : ابن عبد البر ٣ / ١٢٥٤.

(١٠) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٢٩.

(١١) والنار أ ه : وإلى النار ب ج : ـ د.


خمسين (١) ، وقيل : اثنتين وخمسين (٢)(٣) ، وقيل : ستة وثلاثين (٤) ، ودفنت بالبقيع ، رضي‌الله‌عنها.

وحكى صاحب (مثير الغرام) (٥) : أن حبرا من أحبار بيت المقدس قدم المدينة بعد موت النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : يروى عن أبي هريرة ، رضي‌الله‌عنه (٦) ، قال : لما توفي رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لاثنتي (٧) عشرة خلت من ربيع الأول ، فلما كانت صبيحة الخميس إذا نحن بشيخ أبيض الرأس واللحية ملثم (٨) بعمامة على قعود له فجاء ونزل فعقل قعوده بباب المسجد فنادى : السلام عليكم ورحمة الله هل فيكم محمد رسول الله؟ ثم قال (٩) علي : ما تريد؟ فقال : أنا حبر من أحبار بيت المقدس ، قرأت التوراة ثمانين سنة وتدبرتها أربعين سنة صفاحا (١٠) ، فوجدت فيها ذكر محمد وأنه / / ليس بكذاب (١١) ولا قوال للكذب وقد جئت أطلب الإسلام على يديه ، فذكر أثرا طويلا مع علي ، رضي‌الله‌عنه.

ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان بالقدس الشريف

روى صاحب (مثير الغرام) (١٢) عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع الناس ببلاء أشد

__________________

(١) ٥٠ ه‍ / ٦٧٠ م.

(٢) ٥٢ ه‍ / ٦٧٢ م.

(٣) اثنتين ب : اثنين أ ج ه : ـ د.

(٤) ٣٦ ه‍ / ٦٥٦ م.

(٥) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٣٠.

(٦) رضي‌الله‌عنه ب ج ه : ـ أ د.

(٧) لاثنتي أ : لثنتي ب : لست ج ه : ـ د / / فلما كانت أ ج ه : وكما كان ب د / / كانت أ ج ه : كان ب : ـ د.

(٨) ملثم أ ج هت مثير الغرام : متلثم ب : ـ د / / ونزل أ : فنزل ب ج ه : ـ د / / فعقل قعوده أ ج ه مثير الغرام : فعقل بعيره ب : ـ د.

(٩) ثم قال أ : فقال ب ج ه : ـ د.

(١٠) صفاحا ب ج ه : صباحا أ : ـ د.

(١١) بكذاب أ ج : بكاذب ب ه : ـ د.

(١٢) اشتهر بين العلماء سلفا وخلفا أنه في آخر الزمان لا بد من ظهور رجل من أهل البيت يسمى المهدي يستولي على الممالك الإسلامية ويتبعه المسلمون ، ويعدل بينهم ، وبعده يظهر الدجال وينزل عيسى بن مريم فيقتله ، وقد روى أحاديث المهدي جماعة من خيار الصحابة ، وخرجها أكابر المحدثين أبي داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، والطبراني وأبي يعلى ، ينظر : ناصف ٥ / ٣٤١.


منه ، حتى تضيق عليهم الأرض الرحبة (١) ، وحتى تملأ الأرض جورا وظلما ، ثم إن الله تعالى يبعث رجلا يملأ الله به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض (٢) ، لا تدخر الأرض من بذرها شيئا إلا أخرجته ، ولا السماء من قطرها شيئا إلا صبه الله عليهم مدرارا ، يعيش فيهم سبع سنين أو ثمان (٣) أو تسعا ، يتمنى الأحياء الأموات بما صنع الله بأهل الأرض من الخير (٤) ، ورواه أبو القاسم البغوي بنحوه وفيه : وينزل بيت المقدس (٥).

وروي عن علي قال : المهدي يولد بالمدينة من أهل بيت النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واسمه اسم نبي ، ويهاجر بيت (٦) المقدس (٧).

وعن محمد بن الحنفية (٨) قال : تخرج راية سوداء لبني العباس ، وتخرج (٩) من خراسان أخرى سوداء وثيابهم بيض على مقدمتهم رجل يقال له : شعيب بن صالح ، مولى بني تميم ، يهزمون أصحاب السفياني (١٠) حتى ينزل بيت المقدس ، يوطىء للمهدي سلطانه ، ويفد إليه ثلاثمائة من الشام ، يكون بين خروجه وبين أن يسلم إليه الأمر ثلاثة وسبعون شهرا (١١).

وعن شريح بن عبيد عن راشد بن سعد (١٢) وحمزة (١٣) بن حبيب (١٤)

__________________

(١) الرحبة أ مثير الغرام : بما رحبت ب ج ه : ـ د / / الله أ ج ه : ـ ب د.

(٢) وساكن الأرض أ ب ج : ـ د ه.

(٣) ثمان أ ه : ثماني سنين ب ج : ـ د.

(٤) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٩٦.

(٥) أخرجه الحاكم ، ينظر : الحاكم ٤ / ٥٥٧ ؛ البغوي ١٥ / ٨٤ ـ ٨٥.

(٦) لبيت أ ه : ببيت ب ج : ـ د.

(٧) ينظر : البغوي ٤٢٨٠.

(٨) محمد بن الحنفية : محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بالحنفية ، مات سنة ٨١ ه‍ / ٦٩٩ م ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ١٢٦ ؛ ابن العماد ١ / ٨٨.

(٩) وتخرج أ : ثم تخرج ب : تخرج ج ه : ـ د.

(١٠) السفياني : الأمير أبو الحسن علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، ثائر من بقايا بني أمية في الشام ، انتهز فرصة الخلاف بين الأمين والمأمون في العراق ، فطرد عامل الأمين ، ومات سنة ١٩٨ ه‍ / ٨١٣ م ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٦ / ٨٢ ؛ ابن كثير ، البداية ١٠ / ٢٢٧ ؛ الزركلي ٤ / ٣٠٣.

(١١) ينظر : السيوطي ، إتحاف ٢ / ١٩.

(١٢) راشد بن سعد الحمصي ، شهد صفين ، وروى عن سعد وثوبان ، وعوف بن مالك وثقه ابن معين وأبو حاتم ، وابن سعد ، توفي سنة ١٠٨ ه‍ / ٧٢٦ م ، ينظر : الذهبي ، ميزان ٢ / ٣٥.

(١٣) وحمزة أ ج ه : وضمره ب : ـ د.

(١٤) حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل التميمي الزيات ، وكان عالما بالقراءات ، مات سنة


ومشايخهم قالوا : يخرج شعيب بن صالح ، مولى بني تميم مختفيا إلى بيت المقدس يوطىء للمهدي منزله ، إذا بلغه خروجه إلى الشام (١).

وعن محمد بن علي قال : إذا سمع العابد الذي بمكة بالخسف ، خرج مع اثني عشر ألفا فيهم الأبدال (٢) حتى ينزلوا بإيلياء (٣) ـ يعني بيت المقدس ـ الأثر.

وعن أبي هريرة ، رضي‌الله‌عنه ، قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا رأيتم خليفتين خليفة بيت المقدس يقتل الذي هو دونه ، يعني بالخليفة الذي ببيت المقدس المهدي والذي دونه السفياني» (٤).

وعن سليمان بن عيسى قال : بلغني أنه على يد المهدي يظهر تابوت السكينة من بحيرة طبرية (٥) حتى يحمل ، فيوضع بين يديه في بيت المقدس ، فإذا نظرت إليه اليهود (٦) أسلموا إلا قليلا منهم ، ثم يموت المهدي.

وأما ما روي عن أنس بن مالك عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «لا يزداد الأمر إلا شدة ، ولا الناس إلا شحا ، ولا الدنيا إلا إدبارا ، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق ، ولا مهدي إلا عيسى بن مريم» (٧) ، فقال الحافظ أبو محمد ؛ أنه حديث واه جدا لا يعارض ما تقدم.

وعن هشام بن عمار قال : سمعت أن رجلا انتقل إلى بيت المقدس فقيل له : ما نقلك إليها؟ قال : بلغني أنه لا يزال في بيت المقدس رجل يعمل (٨) بعمل آل داود (٩) ، والله أعلم.

__________________

١٥٦ ه‍ / ٧٧٣ م ، ينظر : ابن سعد ٦ / ٣٥٩ ، الزركلي ٢ / ٢٧٦.

(١) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٩٨.

(٢) الأبدال مفردها بدل وهو الشريف الكريم ويستخدم المصطلح عند الفرق الصوفية ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١١ / ٤٩ ؛ المعجم الوسيط ١ / ٤٥.

(٣) بإيلياء ب ج ه : إيلياء أ : ـ د.

(٤) لم أعثر على هذا الحديث في كتب الصحيح.

(٥) طبرية : بليدة مطلة على البحيرة المعروفة بها وهي من أعمال الأردن في طرف الغور وفيها عيون ملحة حارة للمرضي ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٤٣ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٧٨ ؛ الحميري ٣٨٥ ؛ شراب ٤٩٨.

(٦) فإذا نظرت إليه اليهود ب ج ه : فإذا نظر اليهود إليه أ : ـ د.

(٧) ينظر : السيوطي ، إتحاف ٢ / ٢٠.

(٨) بعمل أ ه : عمل ب ج : ـ د.

(٩) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٩٩.


ذكر بناء عبد الملك بن مروان لقبة الصخرة الشريفة

والمسجد الأقصى الشريف وما وقع في ذلك

لما توفي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، وعهد بالخلافة إلى النفر الذين مات رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو راض عنهم (١) وهم : عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف ، رضي‌الله‌عنهم ، وشرط أن يكون ابنه عبد الله شريكا في الرأي ولا يكون له حظ في الخلافة.

بويع بعده بالخلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، رضي‌الله‌عنه ، واستقر فيها لثلاث مضين من المحرم سنة ٢٤ من الهجرة (٢) ، واستمر إلى أن استشهد في يوم الأربعاء لثماني عشر ليلة خلت من ذي الحجة سنة ٣٥ من الهجرة (٣) ، وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة (٤) إلا اثني عشر يوما وفضائله ومناقبه مشهورة.

ثم استقر بعده في الخلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، رضي‌الله‌عنه ، وبويع له بالخلافة في يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة سنة ٣٥ / / من الهجرة. ووقع بينه وبين معاوية بن أبي سفيان ، رضي‌الله‌عنه (٥) ، ما هو مشهور مما ليس في ذكره فائدة والسكوت عنه أولى.

واستمر إلى أن استشهد بالكوفة ، وكانت وفاته ليلة الأحد تاسع عشر من رمضان سنة ٤٠ من الهجرة (٦) ، وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر.

ثم استقر بعده في الخلافة ولده الحسن بن علي (٧) ، رضي‌الله‌عنه ، بويع له يوم وفاة والده ، واستمر في الخلافة نحو ستة أشهر وهي تمام ثلاثين سنة لوفاة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقد روي عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم تعود ملكا عضوضا» (٨).

__________________

(١) وهو راض عنهم أ ه : وهو عنهم راضي ب ج د.

(٢) ٢٤ ه‍ / ٦٤٤ م.

(٣) ٣٥ ه‍ / ٦٥٥ م.

(٤) اثنتي عشرة ب ه : اثني عشر أ ج : ـ د.

(٥) رضي‌الله‌عنه أ ج د ه : ـ ب.

(٦) ٤٠ ه‍ / ٦٦٠ م.

(٧) ابن علي أ ج د ه : ـ ب.

(٨) ينظر : القلقنشدي ، مآثر ١ / ١٠٨.


وكان آخر ولاية الحسن تمام ثلاثين سنة ، وسلم الأمر لمعاوية ، فاستقر في الخلافة في شهر ربيع الأول سنة ٤١ من الهجرة الشريفة (١) ، واستمر في الخلافة نحو عشرين سنة إلى أن توفي بدمشق في النصف من رجب سنة ستين من الهجرة ، وكان يلقب بالناصر لحق الله تعالى.

فلما توفي استقر بعده في الخلافة ولده يزيد بن معاوية (٢)(٣) ولقب نفسه بالمستنصر على أهل الزيغ ، وكان قد بويع له بالخلافة قبل وفاة أبيه ، ثم جددت له البيعة بعد وفاته ، فأساء السيرة ، وجار على الرعية وتجاهر بالمعاصي.

فلما اشتهر جوره وكثر ظلمه ، وقتل آل الرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، اجتمع أهل المدينة ، على إخراج عامله عثمان بن محمد بن أبي سفيان ومروان بن الحكم (٤) وسائر بني أمية ، وذلك بإشارة عبد الله بن الزبير. فلما بلغ ذلك يزيد بن معاوية سير الجيوش لأهل المدينة وجهز مسلم بن عقبة المزني فانتهب المدينة الشريفة وقتل أهلها. ثم قصد مكة فمات قبل وصوله إليها ، واستخلف على الجيش الحصين بن نمير. فأتى مكة وحصر (٥) ابن الزبير أربعين يوما ، ونصب المجانيق وهدم الكعبة الشريفة وأحرقها (٦) ، وكان ذلك قبل موت يزيد بأحد عشر يوما.

فأهلك الله يزيد ومات وكان موته بحوارين من عمل حمص لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ٦٤ من الهجرة (٧) ، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة ، وكانت مدة خلافته ثلاث سنين وثمانية أشهر.

وكانت سيرته أقبح السير ، ولو لم يكن منها إلا قتل الحسين في أيامه وما وقع في حق (٨) ذرية النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لكفاه ذلك في قبح السيرة.

واستقر بعده في الخلافة بدمشق ولده معاوية بن يزيد بن معاوية ، ولقب

__________________

(١) ٤١ ه‍ / ٦٦١ م.

(٢) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ١٩٨ ؛ القلقشندي ، مآثر ١ / ١١٥ ـ ١١٧ ؛ السيوطي ، تاريخ ٢٤٥ ـ ٢٥٠.

(٣) ابن معاوية أ ج ه : ـ ب د.

(٤) مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، أبو عبد الملك خليفة أموي وهو أول من ملك من بين الحكم بن أبي العاص ، وإليه ينسب بنو مروان ، توفي سنة ٦٥ ه‍ / ٦٨٥ م ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ١٩٩ ؛ الجابي ٨٣٠.

(٥) وحصر أ ج : وحاصر ب ه : ـ د.

(٦) وأحرقها ب ج ه : ـ د.

(٧) ٦٤ ه‍ / ٦٨٣ م.

(٨) وقع في حق أ ب ج : ـ د ه.


بالراجع إلى الله ، وكان صالحا فلم يعتن (١) بالخلافة ولا باشرها ، وأقام ثلاثة أشهر وقيل دون ذلك ، وتوفي رحمه الله ، وكان الناس حين موت يزيد بايعوا عبد الله بن الزبير بمكة ، وتلقب (٢) خادم بيت الله ، وكان مروان بن الحكم بالمدينة فقصد المسير إلى عبد الله بن الزبير ومبايعته ، ثم توجه مع من توجه من بني أمية إلى الشام.

وبايع أهل البصرة ابن الزبير واجتمع له العراق والحجاز (٣) واليمن ، وبعث إلى مصر فبايعه أهلها ، وبايع له في الشام نمر الضحاك بن قيس (٤) ، وبايع له بحمص النعمان بن بشير الأنصاري (٥) ، وبايع له بقنسرين (٦) ذفر بن الحارث الكلابي (٧)(٨) ، وكاد يتم له الأمر بالكلية.

وشرع ابن الزبير في بناء الكعبة شرفها الله تعالى ، وكان ذلك في سنة ٦٤ من الهجرة (٩) الشريفة وكانت حيطانها قد مالت من ضرب المنجنيق ، فهدمها وحفر أساسها وشهد عنده سبعون من شيوخ قريش وذلك أن قريشا حين بنوا الكعبة عجزت نفقتهم ، فنقصوا من سعة بناء (١٠) البيت سبعة أذرع من أساس إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام ، الذي أسسه هو وإسماعيل ، عليه‌السلام ، فبناه عبد الله بن الزبير وزاد فيه السبعة أذرع ، وأدخل الحجر في الكعبة ، وأعادها على ما كانت عليه أولا ، وجعل لها بابين باب يدخل منه (١١) وباب يخرج منه. فلم يزل البيت على ذلك حتى قتل الحجاج ابن الزبير كما سنذكره ، إن شاء الله تعالى.

فلما مات معاوية بن يزيد بالشام ، بويع بالخلافة لمروان بن الحكم ولقب

__________________

(١) يعتن ب : يعتني أ ج د ه.

(٢) وتلقب خادم ... ومبايعته ب ج ه : ـ أ د.

(٣) واجتمع له العراق والحجاز أ ج ه : واجتمع له الحجاز والعراق ب : ـ د.

(٤) ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ١٩٩ ؛ القلقشندي ، مآثر ١ / ١٢١ ؛ السيوطي ، تاريخ ٢٥١.

(٥) النعمان بن بشير الأنصاري : أبو عبد الله ، نزل الكوفة فكان يليها لمعاوية ، ثم ولي قضاء دمشق ، وقيل : حمص ، قتله خالد الكلاعي بعد وقعة المرج براهط وكان عاملا لابن الزبير على حمص ، ينظر : ابن حبان ، تاريخ ٢٤٨.

(٦) قنسرين : مدينة بينها وبين حلب مرحلة ، كانت عامرة بأهلها ولم يبق بها إلا خان لنزول القوافل ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٦٧ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٢٦ ؛ الحميري ٤٧٣.

(٧) ينظر : الطبري ، تاريخ ٥ / ٥٣١.

(٨) ذفر بن الحارث أ ج ه : بشر بن ذفر ب : ـ د.

(٩) ٦٤ ه‍ / ٦٨٣ م.

(١٠) سعة بناء ب ج ه : ـ أ د.

(١١) ينظر : اليافعي ١ / ١٤٠.


بالمؤتمن بالله (١) ، وافترق الناس فريقين (٢) : فريق يهوى بني أمية وفريقا (٣) يهوى ابن الزبير ، ووقع بينهم الخلاف ، وجرى بينهم وقائع وحروب.

ثم استقر أمر الشام لمروان ، ودخلت مصر في طاعته (٤) ، ثم أمر الناس بالبيعة لابنه (٥). عبد الملك ومن بعده لأخيه عبد العزيز (٦). فما كان بأسرع من أن انقضت / / مدة مروان ، فمات بالطاعون بدمشق فجأة لثلاث خلون من رمضان سنة ٦٥ من الهجرة (٧) ، وكانت مدة ولايته تسعة أشهر وثمانية عشر يوما وعمره ثلاث وستون سنة (٨).

فلما مات بويع لولده عبد الملك بالخلافة في ثالث شهر رمضان سنة ٦٥ ه‍ ، ولقب بالموفق لأمر الله ، وهو أول من سمي عبد الملك في الإسلام ، وأول من ضرب الدرهم والدينار (٩) في الإسلام ، وكان النقش على الجانب الواحد الله أحد ، وعلى الآخر الله الصمد. وكانت الدنانير والدراهم قبل ذلك رومية وكسروية (١٠).

ولما ولي الخلافة وعد الناس ـ يوم بويع ـ خيرا (١١) ، ودعاهم إلى إحياء الكتاب والسنة وإقامة العدل ، فلما دخلت سنة ٦٦ (١٢) ابتدأ ببناء القبة على الصخرة الشريفة (١٣) ، وعمارة المسجد الأقصى الشريف ، فكان ابن الزبير يشنع على عبد الملك بذلك ، وذلك لأنه منع الناس عن الحج لئلا يميلوا مع ابن الزبير فضجوا ، فقصد أن يشغل الناس بعمارة هذا المسجد عن الحج.

وكان من خبر البناء أن عبد الملك بن مروان حين حضر إلى بيت المقدس ،

__________________

(١) ينظر : الطبري ، تاريخ ٥ / ٥٣٠.

(٢) فريقين أ : فرقتين ب ج ه : ـ د / / فريق أ ج ه : فرقة ب : ـ د / / يهوي أ ج ه : تهوي ب : ـ د.

(٣) فريقا أ ج ه : فرقة ب : ـ د / / بينهم ب ج ه : بينهما أ : ـ د.

(٤) في طاعته أ ج ه : تحت طاعته ب : ـ د.

(٥) لابنه أ : لولده ب ج ه : ـ د.

(٦) ينظر : الطبري ، تاريخ ٥ / ٦١٠.

(٧) سنة ٦٥ ه‍ / ٦٨٤ م.

(٨) ينظر : الطبري ، تاريخ ٥ / ٦١١.

(٩) الدرهم والدينار أ : الدراهم والدنانير ب ج ه : ـ د.

(١٠) ينظر : السيوطي ، تاريخ ٢٥٩.

(١١) خيرا أ ج ه : بخير ب : ـ د.

(١٢) سنة ٦٦ ه‍ / ٦٨٥ م ويروى السيوطي أن البناء ابتدأ سنة ٦٩ ه‍ / ٦٨٨ م ، ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٤١.

(١٣) على الصخرة الشريفة أ ج ه : قبة الصخرة الشريفة ب : ـ د.


وأمر ببناء القبة على صخرة بيت المقدس (١) ، وبعث الكتب في جميع عمله وسائر (٢) الأنصار أن عبد الملك قد أراد أن يبني قبة على صخرة بيت المقدس تقي المسلمين من الحر والبرد ، وأن يبني المسجد وكره أن يفعل ذلك دون رأي رعيته (٣) ، فلتكتب الرعية إليه برأيهم وما هم عليه.

فوردت الكتب عليه من سائر الأمصار : نرى أمير المؤمنين رأيه (٤) موفقا (٥) رشيدا ، إن شاء الله ، يتم له ما نوى من بناء بيته وصخرته ومسجده ويجري ذلك على يديه ويجعله تكرمة (٦) له ولمن مضى من سلفه (٧).

فجمع الصناع لعمله (٨) ، وأرصد للعمارة مالا كثيرا يقال : إنه خراج مصر سبع سنين (٩) ووضعه بالقبة الكائنة أمام الصخرة من جهة الشرق بعد أن أمر ببنائها وهي من جهة الزيتون ، وجعلها حاصلا وشحنها بالأموال ، ووكل على صرف المال في عمارة المسجد والقبة وما يحتاج إليه أبا المقدام رجاء بن حيوة (١٠) بن جرول الكندي (١١). وكان من العلماء الأعلام ومن جلساء عمر بن عبد العزيز ، رضي‌الله‌عنه ، وضم إليه رجلا يدعى يزيد بن سلام (١٢) ، مولى عبد الملك بن مروان من أهل بيت المقدس وولديه ، ويقال : إن عبد الملك وصف ما يختاره من عمارة القبة وتكوينها للصناع ، فصنعوا له وهو ببيت المقدس القبة الصغيرة التي هي شرقي قبة الصخرة التي يقال لها قبة السلسلة (١٣) فأعجبه تكوينها وأمر ببنائها كهيئتها.

__________________

(١) على صخرة بيت المقدس أ : على الصخرة الشريفة ب ج ه : ـ د / / وبعث أ ج ه : بعث ب : ـ د.

(٢) سائر أ : + عمال ب ج ه : ـ د.

(٣) في مثير الغرام : «أن عبد الملك بن مروان حين هم ببناء صخرة بيت المقدس والمسجد ، قدم من دمشق إلى بيت المقدس ، وبث الكتب في جميع عمله إلى جميع الأمصار : إن عبد الملك قد أراد أن يبني قبة بيت المقدس تكف المسلمين من الحر والبرد وكره أن يفعل ذلك دون رأي رعيته فلتكتب الرعية إليه برأيهم وما هم عليه». ينظر : المقدسي ، مثير ١٧١ ـ ١٧٢.

(٤) نرى أمير المؤمنين رأيه أ ج ه : نرى رأي أمير المؤمنين ب : ـ د.

(٥) موفقا أ : موافقا ب : لموفقا ج ه : ـ د.

(٦) تكرمه أ ج ه : تذكره ب : ـ د.

(٧) ينظر : المقدسي ، مثير ١٧١ ـ ١٧٢ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٤١.

(٨) لعمله ب : من عمله أ ج ه : ـ د.

(٩) ينظر : المقدسي ، مثير ١٧١.

(١٠) ابن حيوة أ : بن حياة ب ج ه : ـ د / / ابن جرول أ ج ه : بن جود ب : ـ د.

(١١) رجاء بن حيوة : مولى كندة ، يكنى أبا المقدام ، شيخ أهل الشام في عصره ، توفي سنة ١١٢ ه‍ / ٧٣٠ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٦٦ ؛ ابن سعد ٧ / ٣٣٦ ؛ الجابي ٢٦٧.

(١٢) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٤١.

(١٣) ينظر : العليمي ٢٥ ـ ٢٧.


وأمر رجاء ويزيد بالنفقة عليها والقيام بأمرها وأن يفرغا المال عليها إفراغا دون أن ينفقاه إنفاقا. وأخذوا في البناء والعمارة (١) حتى أحكم العمل وفرغ البناء لم يبق لمتكلم فيه كلام (٢). وكان البناء الذي هو في صدر المسجد إلى غربيه من السور الذي عند مهد عيسى إلى المكان المعروف الآن بجامع المغاربة (٣) ، فكتب رجاء ويزيد إلى عبد الملك بدمشق : قد أتم الله بما أمر به أمير المؤمنين من بناء صخرة بيت المقدس والمسجد الأقصى ، ولم يبق لمتكلم فيه كلام وقد بقي مما أمر به أمير المؤمنين من النفقة عليه ـ بعد أن فرغ البناء وأحكم ـ مائة ألف دينار ، فيصرفها أمير المؤمنين فيما أحب (٤).

فكتب إليهما أمير المؤمنين : قد أمرت بها لكما جائزة لما وليتما من عمارة البيت المقدس (٥) الشريف المبارك.

فكتبا إليه نحن أولى أن نزيد (٦) من حلي نسائنا فضلا عن أموالنا فاصرفها في أحب الأشياء إليك. فكتب إليهما بأن تسبك وتفرغ على القبة ، فسكبت وأفرغت عليها ، فما كان أحد يقدر أن يتأملها مما عليها من الذهب ، وهيأ لها جلالا (٧) من لبود وأدم (٨) ، توضع من فوقها ، فإذا كان الشتاء ألبستها لتكنها من الأمطار والرياح والثلوج (٩).

ثم بعد انتقال الخلافة إلى المنتقم لله الوليد بن عبد الملك انهدم شرقي المسجد ، ولم يكن في بيت المال حاصل ، فأمر بضرب ذلك وإنفاقه على ما انهدم منه. وكانت الولاية للوليد (١٠) في شوال سنة ٨٦ ه‍ (١١) / / ومات في جمادى

__________________

(١) وأخذوا في البناء والعمارة أ ج ه : + عند القبة من شرقي المسجد إلى غربية حتى أكملوا العمل ب : ـ د.

(٢) ينظر : المقدسي ، مثير ١٧٢.

(٣) المسجد الموجود بحارة المغاربة غربي الحرم القدسي ، ينظر : العليمي ٢١ ؛ السيوطي ، إتحاف ٢ / ٢٣٠.

(٤) فيما أحب ب ج ه : في أحب أ : ـ د.

(٥) المقدس أ ه : ـ ب ج د.

(٦) نزيد أ ج ه : نزيده ب : ـ د.

(٧) الجلال : هو الغطاء ، ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٤٢.

(٨) الأدم : هو الجلد ، ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٤٢.

(٩) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٤٢.

(١٠) الولاية للوليد أ : ولاية الوليد ب ج ه : ـ د.

(١١) ٨٦ ه‍ / ٧٠٥ م.


الآخرة سنة ٩٦ من الهجرة (١).

وكان رجاء بن حيوة (٢) ويزيد بن سلام قد حفا الصخرة بدرابزين ساسم (٣) ومن خلف الدرابزين ستور الديباج مرخاة بين العمد ، وكان كل يوم اثنين وخميس يأمران بالزعفران فيدق ويطحن ثم يعمل من الليل (٤) بالمسك والعنبر والماورد الجوري (٥) ويخمر من الليل ، ثم يؤمر الخدم بالغداة فيدخلون حمام سليمان ويغتسلون ويتطهرون ، ثم يأتون (٦) إلى الخزانة ، التي فيها الخلوق ، ويأتون فيلقون أثوابهم عنهم ، ثم يخرجون أثوابا جددا من الخزانة مروية (٧) وهروية (٨) وشيئا يقال العصب ومناطق محلاة يشدون بها أوساطهم ، ثم يأخذون الخلوق ويأتون به إلى الصخرة فيلطخون ما قدروا أن تناله أيديهم حتى يعمروه كله وما لم (٩) تناله أيديهم غسلوا أقدامهم ، ثم يصعدون على الصخرة حتى يلطخوا ما بقي منها وتفرغ آنية الخلوق ، ثم يأتون بمجامر الذهب والفضة والعود القماري والندّ مطهرا (١٠) بالمسك والعنبر ، فترخى الستور حول الأعمدة كلها ، ثم يأخذون البخور ويدورون حولها حتى يحول البخور بينهم وبين القبة من كثرته ، ثم تشمر الستور فيخرج البخور ويفوح من كثرته حتى يبلغ إلى رأس السوق ، فيشم الريح من يمر من هناك وينقطع البخور من عندهم ، ثم ينادي (١١) مناد في صف البزازين وغيرهم : الآن (١٢) فتحت الصخرة للناس فمن أراد الصلاة فيها فليأت. فيقبل الناس مبادرين إلى الصلاة في الصخرة ، فأكثر الناس من يدرك أن يصلي ركعتين وأقلهم أربعا فمن شم (١٣) رائحته

__________________

(١) ٩٦ ه‍ / ٧١٤ م.

(٢) ابن حيوة أ ج ه : ابن حياة ب : ـ د.

(٣) ساسم : نوع من الخشب الجيد ، ينظر : السيوطي ، إتحاف ٢٤٢.

(٤) من الليل أ ج ه : بالليل ب : ـ د.

(٥) الماورد الجوري : عطر مقطر من الورد الأصيل ، وجوري أعجمية معربة أصلها من كلمة (حل) لمعنى الورد ، بمعنى : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٤٣.

(٦) يأتون أ : ـ ب ج د ه.

(٧) مروية وهروية (لغة للنسبة) : مرويا وهرويا أ ب ج ه : ـ د.

(٨) مروية أو هروية وشيئا من القصب : أنواع مختلفة لمنسوجات من الحرير الخالص أو الحرير المخلوط بالقطن أو الكتان أو القنب ، ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٤٣.

(٩) وما لم أ ج ه : وما لا ب : ـ د.

(١٠) مطهرا أ ج ه : مطري ب : ـ د.

(١١) ينادي أ ج ه : يناد ب : ـ د.

(١٢) الآن أ ج ه : ألا إن ب : ـ د / / فتحت الصخرة أ ج ه : الصخرة قد فتحت ب : ـ د.

(١٣) شم أ ب ج : شموا ه : ـ د / / قالوا أ ج ه : قال ب : ـ د.


قالوا : هذا ممن دخل الصخرة ، ويغسل (١) آثار أقدامهم بالماء ، ويمسح بالآس الأخضر ، وتنشف بالمناديل ، وتغلق الأبواب ، وعلى كل باب عشرة من الحجبة ، ولا يدخل (٢) إلا يوم الاثنين والخميس ، ولا يدخلها في غيرهما إلا الخدم (٣)(٤).

وعن أبي بكر بن الحارث ، رضي‌الله‌عنه ، قال : كنت أسرجها في خلافة عبد الملك كلها باللبان المديني والزئبق الرصاصي قال : وكانت الحجبة يقولون له : يا أبا بكر مر لنا بالقنديل (٥) ندهن به ونتطيب به فكان يجبهم إلى ذلك ، وكان يفعل بها ذلك في أيام خلافة عبد الملك بن مروان كلها (٦).

قال الوليد : وحدثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور بن ثابت قال : حدثني أبي عن أبيه عن جده قال : كان في السلسلة (٧) التي في وسط القبة على الصخرة درة يتيمة (٨) وقرنا كبش إبراهيم وتاج كسرى معلقات في أيام عبد الملك بن مروان ، فلما صارت الخلافة إلى بني هاشم حولوها إلى الكعبة ، حرسها الله تعالى (٩).

وكان الفراغ من عمارة قبة الصخرة والمسجد الأقصى في سنة ٧٣ (١٠) من الهجرة (١١)(١٢) وهي السنة التي قتل فيها عبد الله بن الزبير ، وكان من خبره : أن عبد الملك بن مروان لما صفا له الوقت وثبت أمره في الخلافة بعث الحجاج بن يوسف الثقفي إلى حرب عبد الله بن الزبير بمكة ، فأتى الحجاج الطائف فأقام (١٣) بها شهرا ، ثم زحف إلى مكة وحاصر ابن الزبير في هلال ذي القعدة سنة ٧٢ ، ودام الحصار حتى غلت الأسعار ، وأصاب الناس مجاعة ، وزاد الحجاج في الحصار والقتال ، ورمى الكعبة بالمنجنيق ، فلما رمى به أرعدت السماء وأبرقت ، وجاءت

__________________

(١) ويغسل أ ج ه : ثم يغسل ب : ـ د / / ويمسح أ ج ه : وتمسح ب : ـ د.

(٢) ولا يدخل أ : ولا تفتح ب : ولا تدخل ج ه : ـ د.

(٣) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٤٣.

(٤) الخدم ب : الخادم أ : الخدام ج ه : ـ د.

(٥) بالقنديل أ : بقنديل ب ج ه : ـ د.

(٦) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٤٥.

(٧) في السلسلة ب ج ه : ـ أ د.

(٨) يتيمة أ ج : ثمينة ب : ـ د ه.

(٩) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٤٤.

(١٠) سنة ٧٣ أ : سنة ثلاث وسبعين ب ج : سنة ٩٣ ه‍ : ـ د.

(١١) ٧٣ ه‍ / ٦٩٢ م.

(١٢) الهجرة أ : + الشريفة ب ج ه : ـ د.

(١٣) فأقام أ ب ج : وأقام ه : ـ د / / وحاصر أ : فحاصر ب ج ه : ـ د.


صاعقة تتبعها أخرى ، فقتلت من أصحاب الحجاج اثني عشر رجلا (١).

واشتد القتال وخرج ابن الزبير فقاتل قتالا شديدا ، وتكاثرت (٢) أهل الشام ألوفا من كل باب (٣) فشدخوه بالحجارة فانصرع ، فأكب عليه موليان له فقتلوا جميعا وتفرق (٤) أصحابه ، وأمر به الحجاج فصلب. وكان ذلك يوم الثلاثاء (٥) لأربع عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ٧٣ من الهجرة (٦) بعد قتال سبعة أشهر.

وكان له من العمر حين قتل نحو ٧٣ سنة ، وهو أول من ولد من المهاجرين (٧) بعد الهجرة ، وبويع له سنة أربع وستين (٨) ، وكان سلطانه بالحجاز والعراق وخراسان وأعمال الشرق ، وكان كثير العبادة ، مكث أربعين سنة لم ينزع ثوبه عن ظهره ، وكانت خلافته ٩ سنين ، وكان ، رضي‌الله‌عنه ، جمة مفروقة طويلة.

ولما صلب علق الحجاج إلى جانبه كلبا ميتا ومنع والدته من دفنه ، وكان لها من العمر مائة سنة ، وهي أسماء / / بنت أبي بكر الصديق ، رضي‌الله‌عنهما ، وكانت تدعى بذات النطاقين ، ثم كتب الحجاج إلى عبد الملك يخبره بصلبه فكتب إليه يلومه ويقول : هلا خليت بينه وبين أمه. فأذن لها فدفنته. وماتت بعده بقليل.

وبعث الحجاج إلى عبد الملك يعلمه بما زاده ابن الزبير في الكعبة ، فأمر عبد الملك بهدمه ورده إلى ما كان عليه في حياة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأن يجعل له بابا واحدا ففعل الحجاج ذلك. وهو البناء الموجود في عصرنا.

وقد تقدم ذكر ما وقع من البناء والهدم في الكعبة وخلاصة الأمر : أن سيدنا إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام (٩) ، بنى الكعبة وهي بيت الله الحرام ـ كما تقدم عند ذكره ـ بعد مضي مائة سنة من عمره واستمر بناؤه نحو ألفي سنة وسبعمائة وخمس وسبعين سنة إلى أن هدمته قريش في سنة خمس وثلاثين من مولد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبنوه ـ كما تقدم ـ وهو البناء الثاني واستمر نحو اثنتين (١٠) وثمانين سنة. ثم هدمه

__________________

(١) ينظر : السيوطي ، تاريخ ٢٥٣.

(٢) وتكاثرت ب ج ه : وتكاثر أ : ـ د.

(٣) من كل باب أ ج ه : من كل جانب ب : ـ د.

(٤) وتفرق أ ب ج : فتفرق ه : ـ د.

(٥) ينظر : السيوطي ، تاريخ ٢٥٣.

(٦) من الهجرة أ ج ه : + الشريفة ب : ـ د.

(٧) من المهاجرين أ ج ه : للمهاجرين ب : ـ د.

(٨) ينظر : ابن حبان ، تاريخ ١٥٠.

(٩) عليه‌السلام أ ه : عليه الصلاة والسلام ب ج : ـ د.

(١٠) اثنتين ب ج : اثنين أ ه : ـ د.


الحصين وأحرقه في أيام يزيد بن معاوية ـ كما تقدم ـ وذلك ف سنة ٦٤ من الهجرة (١). ثم بناه عبد الله بن الزبير على قواعد إبراهيم (٢) وهو البناء الثالث واستمر نحو تسع سنين ، ثم هدمه الحجاج وقتل ابن الزبير في سنة ثلاث وسبعين (٣) من الهجرة ، ثم بناه الحجاج وأخرج الحجر من البيت وجعله على ما كان عليه في حياة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو البناء الرابع ، وكان في سنة أربع وسبعين (٤) من الهجرة ، واستمر على ما هو عليه إلى هذا التاريخ وهو آخر سنة تسعمائة (٥). وكانت الكعبة تكسى القباطي ثم كسيت البرود وأول من كساها الديباج الحجاج بن يوسف.

وأما ذرع جدر (٦) الكعبة الشريفة : فطول جدارها الشرقي من أعلى الشاخص إلى أرض المطاف ثلاثة وعشرون ذراعا وثمن ذراع (٧) بذراع الحديد ، وكذلك جدرانها الثلاثة (٨) سوى الشامي فإنه ينقص عن الشرقي ربع ذراع ، والجدار الغربي ينقص عن الشرقي ثمن ذراع ، والجدار اليماني كالشرقي سواء بسواء. ذكر ذلك الفارسي في تاريخه المختصر ، وذكر هو وغيره من المؤرخين عرض البيت الشريف من كل جهة وحرروا ذلك ، وليس هذا محل ذكره خشية الإطالة.

وأما أخبار توسعة المسجد الحرام وعمارته ، فأول من وسعه عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، بدور اشتراها ودور هدمها على من أبي البيع ، وترك ثمنها لأربابها في خزانة الكعبة وذلك في سنة سبع عشرة (٩)(١٠) من الهجرة ، وكذلك فعل عثمان في سنة ٢٦ من الهجرة (١١) ، ثم وسع عبد الله بن الزبير من جانبه الشرقي والشامي واليماني ، ثم وسع المنصور العباسي (١٢) من جانبه (١٣) الشامي ومن

__________________

(١) ٦٤ ه‍ / ٦٨٣ م.

(٢) ينظر : الطبري ، تاريخ ٥ / ٦٢٢.

(٣) ٧٣ ه‍ / ٦٩٢ م.

(٤) ٧٤ ه‍ / ٦٩٣ م.

(٥) ٩٠ ه‍ / ١٤٩٤ م.

(٦) جدر أ ه : جدران ب : جدار ج : ـ د.

(٧) وثمن ذراع أ ج ه : وثلث ذراع ب : ـ د.

(٨) الثلاثة أ ج ه : الثلاث ب : ـ د.

(٩) ١٧ ه‍ / ٦٣٧ م.

(١٠) سبع عشرة أ ج ه : خمس عشرة ب : ـ د.

(١١) ٢٦ ه‍ / ٦٤٦ م.

(١٢) الخليفة العباسي عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عباس : أبو جعفر المنصور ، ولد بالحميمة من أرض الشام ، ومات بمكة سنة ١٥٨ ه‍ / ٧٧٤ م ، وهو ابن ٦٤ عاما ، ينظر : ابن خياط ، تاريخ ٤٥٨.

(١٣) من جانبه أ ج ه : ـ ب د / / مثل ذلك أ ج ه : مثل ما كان ب : ـ د.


الجانب الغربي ، وكان ما زاده مثل ذلك من قبل ، وابتدأ في العمل في المحرم سنة سبع وثلاثين ومائة (١) ، وفرغ في ذي الحجة سنة أربعين ومائة (٢) ، ثم إن الخليفة المهدي (٣) ـ هو أبو عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور العباسي ـ حج سنة ستين ومائة (٤) ، وجرد الكعبة وطلى جدرانها بالمسك والعنبر من أعلاها إلى أسفلها ، ووسع المسجد من جانبيه اليماني والغربي حتى صار على ما هو عليه الآن (٥) خلا الزيادتين فإنهما أحدثا بعده. وكانت الكعبة الشريفة في جانب المسجد ، ولم تكن متوسطة ، فهدم حيطان المسجد ، واشترى الدور والمنازل (٦) ، وأحضر المهندسين وصير الكعبة في الوسط. وكانت توسعته في نوبتين الأولى في سنة ٦١ ومائة (٧) ، والثانية سنة ١٦٧ (٨) وهي السنة التي عمر فيها مسجد النبي (٩) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وليس لأحد من الأمراء في عمارة المسجد الحرام من النفقة مثل ما للمهدي ، رحمه الله.

وممن عمره من غير توسعة : عبد الملك بن مروان رفع جدرانه وسقفه بالساج. وعمره ابنه الوليد وسقفه بالساج المزخرف وزاده (١٠) من داخله بالرخام. وزيد فيه بعد المهدي زيادة دارة الندوة بالجانب الشامي والزيادة (١١) المعروفة بزيادة باب إبراهيم بالجانب الغربي.

وكان إنشاء زيادة دار الندوة في زمن المعتضد العباسي (١٢) ، وابتداء الكتابة إليه فيها في سنة إحدى وثمانين ومائتين ، / / وكان عمل الزيادة التي بباب إبراهيم في سنة ٣٧٦ ه‍ (١٣). ووقع في المسجد الحرام بعد ذلك عمارات كثيرة.

__________________

(١) ١٣٧ ه‍ / ٧٥٤ م.

(٢) ١٤٠ ه‍ / ٧٥٧ م.

(٣) الخليفة العباسي محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، بويع بالخلافة بعد أبيه المنصور ، مات سنة ١٦٩ ه‍ / ٧٨٥ م ، ينظر : ابن خياط ، تاريخ ٤٥٨ ـ ٤٧١.

(٤) ١٦٠ ه‍ / ٧٧٦ م.

(٥) عليه الآن أ ه : عليه اليوم ب ج : ـ د.

(٦) ينظر : السيوطي ، تاريخ ٣٣٠.

(٧) ١٦١ ه‍ / ٧٧٧ م.

(٨) ١٦١ ه‍ / ٧٨٣

(٩) مسجد النبي ب ه : ـ أ ج د.

(١٠) وزاده أ : وأزره ب ه : وأفرزه ج : ـ د.

(١١) والزيادة أ ج ه ك والزيادات ب : ـ د.

(١٢) المعتضد : الخليفة العباسي أحمد ، أبو العباس ، بويع له بالخلافة سنة ٢٧٩ ه‍ / ٨٩٢ م ، وتوفي سنة ٢٨٩ ه‍ / ٩٠١ م ، ينظر : الطبري ، تاريخ ١٠ / ٣٠ ؛ ابن حبان ، السيرة ٥٧٩ ؛ السيوطي ، تاريخ ٤٣٠.

(١٣) ٣٧٦ ه‍ / ٩٨٦ م.


وأما ذرع المسجد الحرام غير الزيادتين : فذكره بعض المؤرخين باعتبار ذراع اليد ، وحرره بعصهم بذراع العمل الحديد ، فكان طوله من جداره الغربي إلى جداره الشرقي المقابل له ثلاثمائة ذراع وستة وخمسين ذراعا ، وثمن ذرع بالذراع الحديد ، فيكون ذلك بذراع اليد أربعمائة وسبعة أذرع وذلك من وسط جداره الغربي الذي هو جدار رباط الجوزي إلى وسط جداره الشرقي عند باب الجنائز ، ثم يمر به في الحجر ملاصقا لجدار الكعبة الشامي ، وكان عرضه من جداره الشامي إلى جداره اليماني مائتي ذراع وستا وستين ذراعا بذراع الحديد ، فيكون بذراع اليد ثلاثمائة ذراع وأربعة أذرع ، وذلك من وسط جداره القديم عند العقود إلى وسط جداره اليماني الذي فيما بين باب الصفا وباب أجياد يمر به في ما بين مقام إبراهيم والكعبة وهو إلى المقام أقرب.

وأما ذرع زيادة دار الندوة فهو أربعة وسبعون ذراعا إلا ربع ذراع بالحديد وذلك من جدار المسجد الحرام الكبير إلى الجدار المقابل له الشامي منها وعنده باب منارتها (١) ، هذا ذرعها طولا وأما عرضا : فسبعون ذراعا ونصف ذراع وذلك من وسط جدارها الشرقي إلى وسط جدارها الغربي.

وأما زيادة باب إبراهيم : فذرعها طولا تسعة وخمسون ذراعا إلا سدس ذراع وذلك من الأساطين التي هي في موازاة جدار (٢) المسجد الكبير إلى العتبة التي هي في باب هذه الزيادة. وأما ذرعها عرضا فاثنتان وخمسون ذراعا وربع ذراع وذلك من صدر رباط الجوزي (٣) إلى جدار رباط رامشت.

وأما عدد أبواب المسجد الحرام : فتسعة عشر بابا تفتح على ثمان وثلاثين طاقة ، فمنها من الجانب الشرقي باب بني شيبة بثلاث طاقات ، وباب السلام ، وباب الجنائز طاقتان ، وباب العباس ثلاث طاقات ، وباب علي ثلاث طاقات.

وفي الجانب اليماني : باب بازان ، وباب البغلة ، وباب الصفا ، وباب أجياد الصغير ، وباب المجاهدين ، وباب مدرسة الشريف عجلان ، وباب أم هاني. وكل من أبواب هذا الجانب طاقتان إلا باب الصفا فخمسة.

وفي الجانب الغربي : باب غرورة وهو تصحيف لأنها الحرورة وهو طاقتان ، وباب إبراهيم نسبة لإبراهيم الخياط ، كان عندهم ، وبعضهم ينسبه لإبراهيم الخليل ،

__________________

(١) منارتها أ ج ه : مناوتها ب : ـ د.

(٢) جدار أ ج ه : جدار ب : ـ د.

(٣) صدر رباط الجوزي ج ه : جدار حائط رباط الجوزي أ : صدر باب الجوزي ب : ـ د.


عليه الصلاة والسلام ، وهو بعيد ، وهو طاقة واحدة ، وباب العمرة طاقة واحدة.

وفي الجانب الشامي (١) : باب السدة ، وباب دار العجلة ، وباب الزيادة واحدة ، وباب السكينة ، وكل منها طاقتان إلا باب الزيادة فهو طاقة وعدة (٢) منائره خمس منارات. وزيدت منارة سادسة لمدرسة السلطان الملك الأشرف قايتباي ، نصره الله تعالى.

ومما وقع في الكعبة الشريفة في شهور (٣) سنة ٣١٧ ه‍ (٤) في أيام المهدي (٥) بالله عبيد الله أول خلفاء الفاطميين ، وكان خليفة بغداد في ذلك العصر المقتدر بالله أبو الفضل جعفر العباسي (٦) ، أن أبا طاهر سليمان القرمطي (٧) صاحب البحرين قصد مكة ، ودخلها يوم التروية وهو ثامن ذي الحجة ، فانتهب (٨) أموال الحجاج ، وقتل الناس في رحاب مكة ، وشعابها حتى في المسجد وفي جوف الكعبة ، ودفن القتلى ببئر (٩) زمزم وفي المسجد الحرام ، وأمر بقلع باب (١٠) الكعبة ونزع كسوتها عنها ، وشققها بين أصحابه ، وهدم قبة زمزم ، وأمر بقلع الحجر الأسود (١١) وأخذه إلى هجر (١٢) واستمر ببلادهم اثنتين وعشرين سنة ولم يردوه إلى سنة ٣٣٩ ه‍ (١٣).

__________________

(١) الشامي أ ه / / الشمالي ب : ـ ج د.

(٢) وعدة منائره أ ه : وعدة ما فيه من المنائر ب : ـ ج د.

(٣) في شهور أ ه : ـ ب ج د.

(٤) ٣١٧ ه‍ / ٩٢٩ م.

(٥) عبيد الله المهدي الفاطمي العلوي ، من ولد جعفر الصادق ، وهو مؤسس دولة العلويين في المغرب وجد العبيديين الفاطميين ، أصحاب مصر توفي سنة ٣٢٢ ه‍ / ٩٣٤ م ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٨ / ٩٠ ؛ ابن خلدون ٤ / ١١ ؛ المقريزي ، اتعاظ ١٧.

(٦) المقتدر : الخليفة العباسي جعفر بن المعتضد ، تولى الخلافة وعمره ثلاث عشرة سنة قتل سنة ٣٢٠ ه‍ / ٩٣٢ م ، ينظر : السيوطي ، تاريخ ٤٤٠ ـ ٤٤٨.

(٧) سليمان بن الحسن بن بهرام الجنابي الهجري ، أبو طاهر القرمطي ، ملك البحرين وزعيم القرامطة ، خارجي ، طاغية جبار نسبته إلى جنابة (من بلاد فارس ، مات سنة ٣٣٢ ه‍ / ٩٤٤ م) ، ينظر : السيوطي ، تاريخ ٤٣٣ ؛ الجابي ٣١٤.

(٨) فانتهب أ : نهب ب : فنهب ه : ـ ج د.

(٩) ببئر أ ج ه : في بئر ب : ـ د.

(١٠) باب أ ج ه : ـ ب د.

(١١) ينظر : السيوطي ، تاريخ ٤٤٥.

(١٢) هجر : مدينة قاعدة البحرين ، قصبتها الصفا وبينها وبين اليمامة عشرة أيام ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٩٩ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٤٥٣ ؛ الحميري ٥٩٢.

(١٣) ٣٣٩ ه‍ / ٩٥٠ م.


ولما صنف الإمام أبو القاسم عمر بن الحسين الخرقي الحنبلي (١) المختصر (٢) في فقه مذهب الإمام أحمد ، قال في كتاب الحج ـ في باب ذكر الحج ودخول مكة : وإذا دخل المسجد الحرام فالاستحباب (٣) أن يدخل من باب بني شيبة فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر الله تعالى ، ثم أتى الحجر الأسود إن كان ، وإنما قال / / ذلك لأن تصنيفه الكتاب كان حال كون الحجر الأسود بأيدي القرامطة (٤) حين أخذوه من مكانه ، ولم يردوه إلا بعد وفاة أبي القاسم الخرقي في التاريخ ، المتقدم ذكره ، فإن أبا القاسم ، رحمه الله ، توفي بدمشق المحروسة في سنة ٣٣٤ ه‍ قبل إعادة الحجر إلى مكانه بخمسين سنة

ذكر صفة المسجد الأقصى وما كان في زمن عبد الملك وبعده

روى الحافظ بهاء الدين بن عساكر (٥) : أنه كان فيه في ذلك الوقت من الخشب المسقف سوى أعمدة خشب ستة آلاف خشبة ، وفيه من الأبواب خمسون بابا.

قال القرطبي منها : باب داود ، وباب سليمان ، وباب حطة ، وباب محمد ، عليه الصلاة والسلام ، وباب التوبة الذي تاب الله ، عز وجل ، على داود فيه ، وباب الرحمة ، وأبواب الأسباط ستة أبواب ، وباب الوليد ، وباب الهاشمي ، وباب الخضر ، وباب السكينة ـ وكان فيه من العمد ستمائة عمود رخام (٦) ـ وفيه من المحاريب سبعة ، ومن السلاسل للقناديل أربعمائة سلسلة إلا خمسة عشر منها مائتا سلسلة وثلاثون سلسلة في المسجد الأقصى (٧) والباقي في قبة الصخرة الشريفة ، وذرع السلاسل أربعة آلاف ذراع ، ووزنها ثلاثة وأربعون (٨) رطلا بالشامي ، وفيه من القناديل خمسة آلاف قنديل ، وكان يسرج مع القناديل ألفا شمعة في ليلة الجمعة

__________________

(١) أبو القاسم عمرو بن الحسين بن عبد الله الخرقي الحنبلي فقيه حنبلي توفي سنة ٣٣٤ ه‍ / ٩٤٥ م. ينظر : الشيرازي ٧٣ ؛ اليافعي ٢ / ٣١٦.

(٢) المختصر أ ه : الخلاصة ب : ـ ج د / / أحمد أ : + رضي‌الله‌عنه ب ه : ـ ج د.

(٣) فالاستحباب أ ه : فالمستحب ب : ـ ج د.

(٤) ينظر : المقدسي ، مثير ١٧٥.

(٥) بهاء الدين ، أبو محمد القاسم ابن الحافظ الأكبر أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر ، صنف عدة مصنفات ، وبيض تاريخ دمشق بخطه في ثمانين مجلدا ، توفي سنة ٦٠٠ ه‍ / ١٢٠٣ م ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ٤٧ ؛ ابن خلكان ٣ / ٣١١.

(٦) عمود رخام أ ه : عمود من رخام ب : ـ ج د.

(٧) الأقصى ب ه : ـ أ ج د.

(٨) ثلاثة وأربعون أ ه : + ألف ب : ـ ج د.


وليلة (١) النصف من رجب وشعبان ورمضان وفي ليلتي العيدين وفيه من القباب خمس عشرة (٢) قبة سوى قبة الصخرة ، وعلى سطح المسجد من شقف الرصاص سبعة آلاف شقفة وسبعمائة ، ووزن الشقفة سبعون رطلا بالشامي غير الذي على قبة الصخرة.

وكل ذلك عمل في أيام عبد الملك بن مروان ورتب له من الخدام (٣) القوام ثلثمائة خادم ، اشتريت له من خمس بيت المال ، كلما مات منهم ميت (٤) قام مكانه ولده أو ولد ولده أو من أهلهم يجري عليهم ذلك أبدا ما تناسلوا ، وفيه من الصهاريج أربعة وعشرون صهريجا كبارا ، وفيه من المنابر أربعة : ثلاثة منها صف واحد غربي المسجد وواحد (٥) على باب الأسباط.

وكان له من الخدام (٦) اليهود الذين لا يؤخذ منهم جزية عشرة رجال ، وتوالدوا فصاروا عشرين ، لكنس أوساخ (٧) الناس في الموسم والشتاء والصيف ، ولكنس المطاهر التي حول الجامع.

وله من الخدم النصارى عشرة أهل بيت يتوارثون خدمته لعمل الحصير ولكنس حصر المسجد ، وكنس القناة التي يجري فيها (٨) الماء إلى الصهاريج ، وكنس الصهاريج أيضا ، وغير ذلك.

وله من الخدام (٩) اليهود جماعة يعملون الزجاج والقناديل والأقداح والثريات وغير ذلك ، لا يؤخذ منهم جزية ولا من الذين يقومون بالقش لفتائل القناديل جاريا عليهم وعلى أولادهم أبدا ما تناسلوا من عهد عبد الملك بن مروان وهلم جرا (١٠).

وتوفي عبد الملك بن مروان بدمشق في يوم الخميس لخمس عشرة (١١) ليلة

__________________

(١) وليلة أ : وفي ليلة ب ج : ـ د ه.

(٢) خمس عشرة : خمسة عشر أ ب ه : ـ ج د.

(٣) الخدام أ ج ه : الخدم ب : ـ د.

(٤) ميت أ ج ه : واحد ب : ـ د.

(٥) وواحد أ ج ه : واحد ب : ـ د.

(٦) الخدام أ ج ه : الخدم ب : ـ د.

(٧) أوساخ الناس في الموسم أ : أوساخ المسجد الناشىء في المواسم ب : أوساخ الناس في المواسم ج ه : ـ د.

(٨) يجري فيها أ ج ه : يجري فيه ب : ـ د.

(٩) الخدام أ ج ه : الخدم ب : ـ د.

(١٠) ينظر : المقدسي ، مثير ١٧٥.

(١١) عشرة ب ج ه : عشر أ : ـ د.


مضت من شهر شوال سنة ٨٦ من الهجرة الشريفة (١) ، وعمره ستون سنة ، وكانت خلافته منذ قتل ابن الزبير واجتماع الناس (٢) له ثلاث عشرة سنة وأربعة أشهر تنقص سبع ليال ، وكان بالشام وما والاها قبل قتل ابن الزبير بسبع سنين ونحو تسعة أشهر.

ومات الحجاج في شهر رمضان ، وقيل : شوال سنة ٩٥ للهجرة (٣) ، وله ثلاث وخمسون سنة ، وكان موته بواسط (٤) وهو الذي بناها ، وأخفي قبره ، وأجري عليه الماء.

ومات رجاء بن حيوة (٥) الذي تولى بناء الصخرة والمسجد الأقصى في سنة اثنتي عشرة ومائة (٦) وكان رأسه أحمر ولحيته بيضاء (٧).

ولما ولي سليمان بن عبد الملك الأموي الخلافة بعد أخيه الوليد في سنة ست وتسعين من الهجرة (٨) ، أتى بيت المقدس ، وأتته الوفود بالبيعة ، فلم ير وفادة كانت أهنأ من الوفادة إليه. فكان يجلس في قبة في صحن مسجد بيت المقدس مما يلي الصخرة ، ولعلها القبة المعروفة بقبة سليمان عند باب الدويدارية ، ويبسط البسط بين يدي قبته عليها النمارق والكراسي ، فيجلس (٩) الناس على الكراسي والوسائد وإلى جانبه الأموال وكتاب الدواوين ، وقد هم بالإقامة ببيت المقدس واتخذها منزلا ، وجمع الأموال والناس بها.

وكان رحمة الله يعظم العلماء ، قال ابن سيرين (١٠) ، رحمه الله : يرحم الله سليمان بن عبد الملك ، افتتح خلافته بخير ، فصلى الصلاة (١١) لمواقيتها ،

__________________

(١) ٨٦ ه‍ / ٥٧٠ م.

(٢) واجتماع الناس ... وما والاها أ ب : ـ ج د ه.

(٣) ٩٥ ه‍ / ٧١٣ م.

(٤) واسط : سميت بذلك لأنها متوسطة بين البصرة والكوفة واختطها الحجاج بن يوسف سنة ٨٤ ه‍ / ٧٠٣ م ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٣٠٧ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٤١٩ ؛ الحميري ٥٩٩.

(٥) حيوة أ : حياة ب ج ه : ـ د.

(٦) ١١٢ ه‍ / ٧٣٠ م.

(٧) بيضاء أ ج ه : حمراء ب : ـ د.

(٨) ٩٦ ه‍ / ٧١٤ م.

(٩) فيجلس الناس على الكراسي والوسائد أ ه : فيجلس ويأذن للناس فيجلسون على الكراسي والوسائد ب ج : ـ د.

(١٠) ابن سيرين : أبو بكر محمد بن سيرين البصري ، وكان صاحبه الحسن البصري ، وكانت له اليد الطولى في تعبير الرؤيا ، توفي سنة ١١٠ ه‍ / ٧٢٨ م ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٢٥١ ؛ الشيرازي ٩٢ ؛ ابن خلكان ٤ / ١٨١ ـ ١٨٣.

(١١) الصلاة أ ه : الصلوات ب ج : ـ د.


/ / وختمها بخير ، فاستخلف عمر بن عبد العزيز (١) وكان يلقب بالمهدي بالله الداعي إلى الله ، توفي سنة ٩٩ (٢) من الهجرة وله خمس وأربعون سنة ، رحمه الله (٣).

وعن عطاء (٤) عن أبيه عن جده (٥) قال : كانت اليهود تسرج بيت المقدس ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز أخرجهم (٦) وجعل فيه من الخمس ، فأتاه رجل من أهل الخمس ، وقال له : أعتقني ، فقال : كيف أعتقك ولو ذهبت أنظر ما كان لي شعرة من شعر جسدك (٧).

وكانت ولاية عمر بن عبد العزيز في صفر سنة ٩٩ من الهجرة (٨) الشريفة (٩) ، وكان يلقب بالمعصوم بالله وخلافته سنتان وخمسة شهور ، وتوفي بدير سمعان من أعمال حمص يوم الجمعة لخمس بقين من رجب سنة ١٠١ ه‍ (١٠) ، رضي‌الله‌عنه.

وروي عن عبد الرحمن بن محمد بن منصور بن ثابت عن أبيه عن جده : أن الأبواب كلها كانت ملبسة بصفائح الذهب والفضة في خلافة عبد الملك بن مروان فلما قدم أبو جعفر المنصور العباسي ـ وكان شرقي المسجد وغربيه وقد وقعا ـ فقيل له : يا أمير المؤمنين ، قد وقع شرقي المسجد وغربيه من الرجفة في سنة ١٣٠ ه‍ (١١) ولو أمرت ببناء هذا المسجد وعمارته ، فقال : ما عندي شيء من المال ثم أمر بقلع الصفائح الذهب والفضة التي كانت على أبوابه (١٢) فقلعت وضربت دنانير ودراهم وأنفقت عليه حتى فرغ.

__________________

(١) ٩٦ ه‍ / ٧١٤ م.

(٢) ينظر هذا القول : السيوطي ، تاريخ ٢٦٩.

(٣) رحمه الله ب : ـ أ ج د ه.

(٤) عطاء بن أبي رباح ، أبو محمد القرشي ، تابعي ، من أجلاء الفقهاء ، ولد في اليمن ، ونشأ بمكة ، فكان مفتي أهلها ومحدثهم ، توفي فيها سنة ١١٤ ه‍ / ٧٣٢ م ، ين ظر : ابن خلكان ٣ / ٢٦١ ؛ الذهبي ، سير ٥ / ٧٨ ؛ الزركلي ٤ / ٢٢٥.

(٥) عن جده أ : ـ ب ج د ه.

(٦) أخرجهم ب ج ه : ـ أ د.

(٧) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٤٦ وفيه : «ما كان لي شعرة من شعر كلبك».

(٨) ٩٩ ه‍ / ٧١٧ م.

(٩) الشريفة أ : ـ ب ج د ه / / وخمسة ب ج ه : وخمس أ : ـ د / / شهور أ : أشهر ب ج ه : ـ د.

(١٠) ١٠١ ه‍ / ٧١٩ م.

(١١) الرجفة : كناية عن الزلزال الذي حدث سنة ١٣٠ ه‍ / ٧٤٧ م ، ينظر : المقدسي ، مثير ١٧٦.

(١٢) على أبوابه أ ه : على الأبواب ب ج : ـ د.


وكانت خلافة المنصور في سنة ١٣٦ ه‍ (١) وهو ثاني خليفة (٢) من بني العباس وهو الذي بنى مدينة بغداد ، وكان الابتداء في بنائها في سنة ١٤٥ ه‍ (٣) ، وتوفي يوم السبت لست ليال خلت من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة (٤) ، وله ٦٥ سنة ، ودفن بمكة.

ثم كانت الرجفة الثانية (٥) فوقع البناء الذي كان أمر به أبو جعفر ، ثم قدم المهدي من بعده وهو خراب فرفع ذلك إليه فأمر ببنائه وقال : دق (٦) هذا المسجد وطال وخلا من الرجال أنقصوا من طوله وزيدوا في عرضه ، فتم البناء في خلافته (٧) ، وهو أبو عبد الله محمد بن عبد الله المنصور الملقب بالمهدي ، بويع بالخلافة لست خلت من ذي الحجة سنة ١٥٨ ه‍ (٨) بين الركن والمقام.

ولما قدم المهدي يريد بيت المقدس دخل مسجد دمشق ومعه أبو عبد الله الأشعري (٩) كاتبه فقال له : يا أبا عبد الله سبقتنا (١٠) بنو أمية بثلاث فقال : وما هي يا أمير المؤمنين؟ فقال : بهذا البيت ـ يعني المسجد ـ لا أعلم على ظهر الأرض مثله ونيل الموالي فإن لهم موالي ليس لنا مثلهم ، وبعمر بن عبد العزيز لا يكون فينا والله مثله أبدا. ثم أتى بيت المقدس ودخل الصخرة فقال : يا أبا عبد الله وهذه رابعه (١١).

وتوفي المهدي في يوم الخميس لثمان بقين من المحرم سنة ١٩٩ ه‍ (١٢) وله ثمان وأربعون سنة.

قال الحافظ ابن عساكر : وطول المسجد الأقصى سبعمائة ذراع وخمسة وخمسون ذراعا بذراع الملك وعرضه أربعمائة ذراع وخمسة وستون ذراعا بذراع

__________________

(١) ١٣٦ ه‍ / ٧٥٣ م.

(٢) خليفة أ : الخلفاء ب ج ه : ـ د.

(٣) ١٤٥ ه‍ / ٧٦٢ م.

(٤) وتوفي ... ومائة ب ج ه : ـ أ د.

(٥) ينظر : السيوطي ، إتحاف ٢ / ١٨١.

(٦) دق أ ج ه : ر ث ب د.

(٧) ينظر : المقدسي ، مثير ١٧٧.

(٨) ١٥٨ ه‍ / ٧٧٤ م.

(٩) أبو عبد الله الأشعري : روى عن خالد ومعاذ وأخذ عنه أبو صالح الأشعري وإسماعيل بن عبيد الله ، ينظر : المقدسي ، مثير ٣٥٦.

(١٠) سبقتنا أ ج ه : سبقنا ب : ـ د.

(١١) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٥٦.

(١٢) ١٩٩ ه‍ / ٧٨٥ م.


الملك. وكذا قال أبو المعالي المشرف.

قال صاحب (مثير الغرام) : أتيت إلى زيارة القدس والشام ولكن رأيت قديما بالحائط الشمالي فوق الباب الذي يلي باب الدويدارية من داخل السور بلاطة فيها طول المسجد وعرضه. وذلك مخالف لما ذكرناه فالذي فيها أن طوله سبعمائة ذراع وأربعة (١) وثمانون ذراعا وعرضه أربعمائة وخمسة وخمسون (٢) ذراعا. قال : ووصف فيها الذراع ، لكني لم أتحقق ذلك هل هو الذراع المذكور أم غيره لتشعث الكتابة ، قال : وقد ذرع بالحبال طوله وعرضه (٣) في وقتنا هذا ، فجاء قدر طوله من الجهة الشرقية ستمائة ذراع وثلاثة وثمانين ذراعا ومن الغربية ستمائة وخمسين ذراعا ، وجاء قدر عرضه أربعمائة وثمانية وثلاثين ذراعا خارجا عن عرض سوره (٤) انتهى.

وأما طوله وعرضه في عصرنا هذا ـ وهو أواخر سنة تسعمائة ـ فسأذكرهما مستوفيا فيما بعد عند ذكر صفة المسجد الأقصى وما هو عليه في عصرنا ، فأذكر طوله من جهة القبلة إلى جهة الشمال ، وعرضه من جهة المشرق (٥) إلى جهة الغرب وكذلك داخل الجامع الأقصى من عند المحراب للمنبر إلى باب الدخول له وعرضه وصحن الصخرة الشريفة وارتفاع القبة واستوفى ذكر ذلك طولا وعرضا بذراع العمل الذي تذرع به الأبنية في عصرنا ، وأحرر ذلك حسب الإمكان إن شاء الله تعالى.

ومما وجد في بيت المقدس على بعض الصخرات ما نقله أبو سليمان الخطابي (٦) في كتابه : «العزلة عن ذي النون» (٧) أنه قال :/ / وجدت صخرة ببيت المقدس عليها أسطر (٨) محيت فترجمتها فإذا عليها مكتوب : كل عاص مستوحش ،

__________________

(١) وأربعة «لغة» : وأربع أ ب ج ه : ـ د / / أربعمائة أ ج ه : أربعمائة ذراع ب : ـ د.

(٢) وخمسون أ ج ه : وستون ب : ـ د / / لكني لم ب ج ه : ـ د.

(٣) طوله وعرضه أ ج ه : عرضه وطوله ب : ـ د.

(٤) ينظر : المقدسي ، مثير ١٧٥ ـ ١٧٦.

(٥) جهة المشرق وإلى جهة المغرب أ : جهة الشرق والغرب ب ه : جهة الشرق إلى جهة الغرب ج : ـ د.

(٦) أحمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي ، أبو سليمان ، فقيه ، محدث من بلاد كابول ، له : معالم السنن ، وغريب الحديث ، مات سنة ٣٨٨ ه‍ / ٩٩٨ م. ينظر : السمعاني ١ / ٣٤٩ ؛ اليافعي ٣ / ٤٣٥ ؛ البغدادي ، هداية ٥ / ٥٩ ؛ الزركلي ٢ / ٢٧٣.

(٧) ينظر : البغدادي ، هداية ٥ / ٥٩.

(٨) أسطر أ ج ه : + مكتبته ب : ـ د / / محيث أ ج ه : فحيث ب : ـ د / / فترجمتها أ ج ه : ترجمها ب : ـ د.


وكل مطيع مستأنس ، وكل خائف هارب ، وكل راج طالب ، وكل قانع غني ، وكل محب ذليل (١).

وعن أبي بكر الطوطوشي (٢) رحمه الله قال : كنت ليلة قائما في الأقصى فلم يرعني إلا صوت كاد يصدع القلب وهو يقول شعر :

أخوف وأمن إن ذا لعجيب

ثكلتك من قلب فأنت كذوب

أما وجلال الله لو كنت صادقا

لما كان للإغماض فيك نصيب (٣)

فو الله لقد أبكى العيون وأشجى القلوب.

وقال سهل بن حاتم ـ وكان من العابدين ـ : حدثني أبو سعيد ـ رجل من الإسكندرية ـ قال : كنت أبيت في بيت المقدس ، وكان قل ما (٤) يخلو من المتهجدين قال : فقسمت ذات ليلة بعد ما مضى من الليل طويل فنظرت فلم أر (٥) في المسجد متهجدا ، وذكر أنه سمع قائلا ينشد شعرا :

أيا عجبا للناس لذت عيونهم

مطاعم غمض بعده الموت ينتصب

قال : فسقطت لوجهي (٦) وذهب عقلي ، فلما أفقت نظرت وإذا لم يبق متهجد إلا قام (٧).

وحكي (٨) أنه دخل بيت المقدس في زمن بني إسرائيل خمسمائة عذراء لباسهن الصوف يتذاكرن ثواب الله تعالى وعقابه فمتن جميعا من الخوف (٩).

وذكر (١٠) البيهقي (١١) عن ابن شهاب (١٢) أنه في صبيحة قتل الحسين بن علي ،

__________________

(١) ينظر : المقدسي ، مثير ١٨٤.

(٢) محمد بن الوليد بن محمد بن خلف القرشي الفهري الأندلسي ، أبو بكر الطرطوشي أديب ، ينظر : الذهبي ، سير ١٩ / ٤٩٠ ؛ الزركلي ٧ / ١٣٣.

(٣) ينظر : المقدسي ، مثير ١٨٨.

(٤) قل ما أ : قليلا ما ب ج ه : ـ د.

(٥) أ ر ب : أرى أ ج د ه.

(٦) لوجهي أ ج ه : على وجهي ب : ـ د.

(٧) ينظر : المقدسي ، مثير ١٨٨ ـ ١٨٩.

(٨) وحكي أنه أ ج ه : وقيل ب : ـ د.

(٩) ينظر : المقدسي ، مثير ١٨٧.

(١٠) وذكر أ ج ه : وروى ب : ـ د.

(١١) أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي الخراساني الشافعي ، أبو بكر ، محدث ، فقيه ، ولد سنة ٣٤٨ ه‍ / ٩٩٤ م ، وتوفي سنة ٤٥٨ ه‍ / ١٠٦٦ م ، ينظر : كحالة ١ / ٢٠٦.

(١٢) «ابن شهاب الزهري».


رضي‌الله‌عنه (١) ، لم يرفع حجر في بيت المقدس إلا وجد تحته دم (٢) ، وكذلك يوم قتل والده علي ، رضي‌الله‌عنه ، وكان قتل الحسين (٣) بكربلاء في زمن يزيد بن معاوية في يوم عاشوراء سنة ٦١ من الهجرة الشريفة (٤)(٥).

ذكر جماعة من أعيان التابعين والعلماء والزهاد

ممن دخل إلى (٦) بيت المقدس بعد الفتح العمري

وعمارة عبد الملك بن مروان

فمنهم من دخله زائرا ومنهم من دخله مستوطنا ، وذلك قبل استيلاء الفرنج عليه فمنهم جماعة لم أطلع على تاريخ وفاتهم ، وهم :

أويس بن عامر القرني (٧) من بني قرن صح عن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه أمر عمر أن يسأله أن يستغفر له. قيل : إنه اجتمع بعمر ، رضي‌الله‌عنه ، ببيت المقدس ، وقيل : إنما لقيه في الموسم فقال لعمر : قد حججت واعتمرت وصليت في مسجد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ووددت لو أني صليت في المسجد الأقصى فجهزه عمر فأحسن (٨) جهازه. وأتى (٩) المسجد الأقصى فصلى فيه ، ثم أتى الكوفة وخرج غازيا راجلا إلى بغداد ، فأصابه البطن (١٠) والتجأ إلى أهل خيمة فمات عندهم ، ومعه جراب وقعب (١١)(١٢) فقالوا لرجلين منهم : اذهبا فاحفرا له قبرا ، قالوا : فنظرنا في جرابه فإذا فيه (١٣) ثوبين ليسا من ثياب أهل الدنيا ، وجاء الرجلان فقالا : أصبنا قبرا

__________________

(١) عنه أ : عنهما ب ج ه : ـ د.

(٢) ينظر : المقدسي ، مثير ١٨٢.

(٣) الحسين أ : + رضي‌الله‌عنه ب ج ه : ـ د / / في زمن يزيد بن معاوية أ ج ه : ـ ب د.

(٤) ٦١ ه‍ / ٦٨٠ م.

(٥) الشريفة أ ج ه : ـ ب د.

(٦) دخل إلى أ ج ه : دخلوا ب : ـ د.

(٧) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٢٤٦ ؛ المقدسي ، مثير ٣٣١.

(٨) فأحسن أ ج ه : وأحسن ب : ـ د.

(٩) وأتى أ ج ه : فأتى ب : ـ د.

(١٠) البطن ، داء البطن ، ويقال : بطنه الداء ، وهو يبطنه إذا دخله ، ورجل مبطون يشتكي بطنه ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١٣ / ٥٤.

(١١) القعب : القدح الضخم الغليظ الجافي ، وقيل : قدح من خشب مقعر ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١ / ٦٨٣.

(١٢) وقعب أ ج ه : وقضيب ب : ـ د.

(١٣) فإذا فيه ب ج ه : ـ أ د.


محفورا في صخرة كأنما رفعت عنه الأيدي الساعة فكفنوه ، ثم دفنوه (١) ، ثم التفتوا فلم يروا شيئا ويقال : فقد (٢) بصفين سنة ٣٧ من الهجرة الشريفة (٣) ، ويقال : مات بدمشق ودفن بها ، والله أعلم.

وعبيد (٤) عامل عمر ، رضي‌الله‌عنه ، على بيت المقدس لما وقع الطاعون في بيت المقدس كان عمر استعمله عليه ، فجعلت الجنائز تغسل وهو يصلي عليها ، وجعل لا يحمل الجنائز إلا الشباب.

وعمير بن سعد (٥) من عمال عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، على حمص.

ويعلى بن شداد (٦) أبي ثابت (٧) من الطبقة الثانية ، من تابعي أهل الشام ، حضر فتح بيت المقدس ، وكان ثقة روى عنه جماعة.

وأبو نعيم (٨) المؤذن أول من أذن ببيت المقدس ، وكان (٩) عبادة بن الصامت واليا على إيلياء فأبطأ بصلاة الصبح ، فأقام أبو نعيم الصلاة وصلى (١٠) ، فحضر عبادة وهو يصلي ، فصلى بصلاته.

أبو الزبير المؤذن الدارقطني (١١) ، مؤذن بيت المقدس فقال : جاءنا عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه (١٢) ، فقال : إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فأجزم (١٣) ، وفي رواية : فأحذر (١٤).

__________________

(١) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٣١ ـ ٣٣٢.

(٢) فقد أ ج : قتل ب ه : ـ د.

(٣) ٣٧ ه‍ / ٦٥٧ م.

(٤) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٣٣.

(٥) عمير بن سعد بن عبيد الأوسى الأنصاري ، صحابي من الولاة الزهاد ، شهد فتح الشام ، توفي سنة ٤٥ ه‍ / ٦٦٥ م ، ينظر : المقدسي ، مثير ٣٣٣ ؛ الزركلي ٥ / ٨٨.

(٦) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٦٥ ، المقدسي ، مثير ٣٣٣.

(٧) أبي ثابت أ : بن ثابت ب : أبو ج ه : ـ د.

(٨) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٣٤.

(٩) وكان أ : فكان ب ج ه : ـ د.

(١٠) وصلى أ ج ه : فصلى ب : ـ د.

(١١) أبو الزبير مؤذن بيت المقدس ، له إدراك وكان يؤذن زمن عمر بن الخطاب ، ينظر : ابن حجر ، الإصابة ٥ / ٨٠.

(١٢) رضي‌الله‌عنه ب ج ه : ـ أ د.

(١٣) فأجزم وفي رواية أ ج ه : ـ ب د.

(١٤) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٣٥.


وأبو (١) سلام الحبشي (٢) واسمه محضور ، يقال : الباهلي الدمشقي ، كان يقدم بيت المقدس ويقرأ (٣) على عبادة بن الصامت ويروي عنه.

أبو جعفر الجرشي (٤) ، روي (٥) أنه قال : دخلت مع عبادة بن الصامت المسجد الأقصى (٦) ، فرأى رجلا يصلي واضعا نعله عن يمينه ـ أو عن شماله ـ فقال : لو لا أنك تناجي ربك لفلقت (٧) بهذه العصا رأسك تفعل كفعل أهل الكتاب (٨) //.

وخالد بن معدان الكلاعي العبد الصالح الفقير الكبير ، كان يسبح في اليوم أربعين ألف تسبيحة ، أتى بيت المقدس ونزل منه (٩) على ستة أميال ولم يصل فيه غير خمس صلوات (١٠).

أم الدرداء (١١) هجيمة ، ويقال : جهيمة ، خطبها معاوية بن أبي سفيان فأبت وقالت : سمعت أبا الدرداء يقول : سمعت رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : «المرأة لآخر أزواجها ، فإن أردت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تتخذي بعدي زوجا» (١٢) ، وكانت تأتي من دمشق إلى بيت المقدس فإذا مرت على الجبال قالت لقائدها : اسمع الجبال ما وعدها ربها ، فيقرأ : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (١٠٦) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) (١٠٧) ، (١٣) ، (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) (٤٧) (١٤). وكانت تجالس المساكين ببيت المقدس وتقيم

__________________

(١) وأبو أ ج ه : أبو ب : ـ د / / الحبشي أ ج ه : الجيشي ب : ـ د.

(٢) وقيل : إنما قيل له الحبشي ، نسبة إلى حي في حمير ، من جلة العلماء بالشام ، ينظر : الذهبي ، سير ٤ / ٣٥٥.

(٣) ويقرأ ب ج ه : وينزل أ : ـ د.

(٤) علي بن أبي حملة شيخ ضمرة بن ربيعة ، لا بأس به ، صالح الأمر ، لم يخرج له أحدا من أصحاب الكتب الستة مع ثقته ، ينظر : الذهبي ، ميزان ٣ / ١٢٥.

(٥) روي أ : + عنه ب ج ه : ـ د.

(٦) المسجد الأقصى أ : مسجد بيت المقدس ب ج ه : ـ د.

(٧) لفلقت بهذه العصا رأسك أ : لعلوت رأسك بهذه العصا ب ج ه : ـ د.

(٨) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٣٧.

(٩) منه على أ ج ه : من على ب : ـ د.

(١٠) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٣٧.

(١١) هجيمة بنت حيي الوصابية ، أم الدرداء الصغرى ، فقيهة ومحدثة تابعة من أهل دمشق ، روى لها مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه ، توفيت بعد سنة ٨١ ه‍ / بعد ٧٠٠ م ، ينظر : الزركلي ٨ / ٧٧.

(١٢) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٣٨.

(١٣) طه : [١٠٥ ـ ١٠٧].

(١٤) الكهف : [٤٧].


به نصف سنة وبدمشق نصف سنة.

وأبو العوام مؤذن بيت المقدس ، روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص : أن السور المذكور في القرآن هو سور بيت المقدس الشرقي (١).

وقبيصة بن ذؤيب (٢) ، وعبد الله بن محيريز (٣) ، وهانىء بن كلثوم (٤) كل هؤلاء كانوا (٥) عبادا زهادا فقبيصة كان عالما ربانيا مات سنة ٨٦ من الهجرة (٦) ، وابن محيريز قرشي جمحي مكي ، نزل ببيت المقدس ، ثم مات (٧).

قال رجاء بن حيوة (٨) : إن فخر علينا أهل المدينة بعابدهم ابن عمر ، فإنا نفخر بعابدنا ابن محيريز ، إنما كنت أعد بقاءه أمانا لأهل الأرض (٩) ، مات قبل المائة (١٠) ، وهانىء عرضت عليه إمارة فلسطين ، فامتنع ، وكان الثلاثة يقصرون الصلاة من الرملة إلى بيت المقدس.

ومحارب بن دثار (١١) وكان قاضيا ، وهو من العلماء الزهاد وحديثه مخرج في كتب الإسلام ، قال : صحبنا القاسم بن عبد الرحمن (١٢) إلى بيت المقدس ، فغلبنا على ثلاث : على قيام الليل ، والبسط في النفقة ، والكف عن الناس (١٣).

وعبد الله بن فيروز الديلمي (١٤) ، مقدسي ثقة ، خرج له أبو داود والنسائي (١٥)

__________________

(١) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٣٩.

(٢) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٦٥ ؛ ابن سعد ٥ / ١٣٤.

(٣) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٣٧ ؛ ابن سعد ٧ / ٣١١.

(٤). ينظر : المقدسي ، مثير ٣٣٩.

(٥) كانوا أ : وكانوا ب : ـ ج د ه / / ٨٦ أ ه : ثمان وستون : ٧٢ ج : ـ د.

(٦) ٨٦ ه‍ / ٧٠٥ م.

(٧) ثم مات أ : ـ ب ج د ه.

(٨) حيوة أ : حياة ب ج ه : ـ د.

(٩) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٣٩.

(١٠) ١٠٠ ه‍ / ٧١٨ م.

(١١) محارب بن دثار بن كردوس السداسي الشيباني الكوفي ، أبو المطرن ، قاضي الكوفة ، توفي سنة ١١٦ ه‍ / ٧٣٤ م ، ينظر : ابن سعد ٦ / ٣٠٧ ؛ الزركلي ٥ / ٢٨١.

(١٢) القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي الإمام المجتهد ، قاضي الكوفة توفي في ولاية خالد بن عبد الله القسري ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٢٧٠ ؛ ابن سعد ٦ / ٣٠٤ ؛ المقدسي ، مثير ٣٤٢.

(١٣) ابن سعد ٦ / ٣٠٥ ؛ المقدسي ، مثير ٣٤٢.

(١٤) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٤٣.

(١٥) إبراهيم بن الحسين الهمذاني النسائي المعروف بابن ديزيل ، الإمام الثقة العابد ، توفي سنة ٢٨١ ه‍ / ٨٩٤ م ، ينظر : الذهبي ، سير ١٣ / ١٨٤ ؛ ابن حجر ، لسان ١ / ٤٨.


وابن ماجه (١) ، وله أخ يقال له : الضحاك بن فيروز (٢) ، ثقة أيضا.

وزياد بن أبي سودة (٣) مقدسي ، روى عن عبادة بن الصامت وأبي هريرة ، وهو من الثقات.

وأبو الحسن الزهري (٤) الأندلسي (٥) ، كان مقيما ببيت المقدس ، سمعه أبو عبد الله محمد الصوري في بيته (٦) بمسمع محمد بن العباس العيني ، قال : سمعت الشبلي (٧) وقد سأله رجل فقال : يا أبا بكر ما تقول في رجل كان له حظ في قيام الليل فتركه ثم عاوده فهو مجتهد أن يناله فلا يقدر؟ قال : فأنشد (٨) :

تشاغلتموا عنا بصحبة غيرنا

وأظهر تموا الهجران ما هكذا كنا (٩)(١٠)

وروى عنه جماعة.

وإبراهيم بن محمد بن يوسف العرباني (١١)(١٢) ، نزل ببيت المقدس. وروى عن جماعة ، وروى عنه جماعة ، وحديثه في كتاب (١٣) ابن ماجه.

أبو (١٤) عتبة الخواص (١٥) عبادة بن عباد الأرسوفي ، قدم بيت المقدس ، وكان ثقة ، قال : رأيت ببيت المقدس شيخا كأنه محترق بنار وعليه مدرعة سوداء وعمامة سوداء ، طويل الصمت ، كريه المنظر ، كثير الشعر ، شديد الحزن ، فقلت : يرحمك

__________________

(١) ابن ماجه : محمد بن يزيد الربعي القزويني ، أبو عبد الله ابن ماجه ، أحد الأئمة في علم الحديث ، من أهل قزوين ، مات سنة ٢٧٣ ه‍ / ٨٨٧ م ، ينظر : ابن خلكان ٤ / ٢٧٩ ؛ الجابي ٨١٠.

(٢) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٤٣.

(٣) عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام التميمي الداري ، السمرقندي ، من حفاظ الحديث ، مات سنة ٢٥٥ ه‍ / ٨٦٩ م ، ينظر : المقدسي ، مثير ٣٤٩ ؛ الزركلي ٤ / ٩٥.

(٤) الزهري ب : النهراني أ ج ه : ـ د.

(٥) أبو الحسن الزهري الأندلسي ، ينظر : المقدسي ، مثير ٣٥٠.

(٦) في بيته أ ج ه : في بقية ب : ـ د.

(٧) الشبلي : أبو بكر ، جعفر بن يونس ، خراساني الأصل ، بغدادي المنشأ والمولد كان صوفيا ، ومن رواة الحديث ، توفي سنة ٣٣٤ ه‍ / ٩٤٤ م ، ينظر : السلمي ٣٣٧ ؛ الأصفهاني ، حلية ١٠ / ٣٦٦ ـ ٣٧٠.

(٨) فأنشد أ : فأنشأ يقول ب ج ه : ـ د.

(٩) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٥٠.

(١٠) ما هكذا كنا ب ج ه : ـ أ د.

(١١) إبراهيم بن محمد بن يوسف العرياني : هو أبو إسحاق نزيل بيت المقدس ، ينظر : ابن حجر ، تهذيب ١ / ١٦١.

(١٢) العرباني أ ب : الغرباني ج ه : الغريابي مثير : ـ د.

(١٣) كتاب سنن ابن ماجه ، ينظر : حاجي خليفة ٢ / ٤٥.

(١٤) أبو أ ج ه : وأبو ب : ـ د.

(١٥) ينظر : الذهبي ، سير ٨ / ٢٦٢ ؛ المقدسي ، مثير ٣٥٢.


الله لو غيرت لباسك هذا فقد علمت ما جاء في البياض ، فبكى ، وقال : هذا أشبه بلباس المصاب ، وإنما نحن في الدنيا في حداد ، وكأنا قد دعينا ، ثم غشي عليه (١) ، وعابد ببعض قرى بيت المقدس في زمن ثور بن يزيد.

قال محمد بن الفيض بن محمد الفياض (٢)(٣) : سمعت أبي يقول : سمعت منبه بن عثمان اللخمي (٤) يقول : كان ثور بن يزيد قد سكن بيت المقدس ، وكان رجلا متعبد في بعض قرى بيت المقدس يجلس إلى ثور بن يزيد ، وكان يغدو من قريته مع الفجر ، فيصلي الصلوات (٥) كلها في بيت المقدس ، فينصرف بعد العشاء الآخرة إلى قريته ، وقد سمع ثورا يحدث : أن خالد بن معدان حدثه بحديث رفعه إلى رسول الله (٦) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «من رأى شيئا يهوله أو يفزعه فليقل : إن الله هو الذي ليس كمثله شيء وهو الواحد القهار ، فما قالها (٧) أحد إلا فرج الله عنه ولو كان بين يديه سور من حديد» (٨). وانصرف ذلك الرجل ليلة من الليالي إلى الطريق فإذا بأسود (٩) بين يديه قد منعه من المسير ، فذكر حديث خالد فقاله : ففرج الله عنه ومضى (١٠) فلقيه حمار وحش فاتحا فاه يخرج منه لهب يريد ليأكل يده ، فذكر حديث ثور فقاله ، فولى الحمار وهو يقول : لا يرحم الله ثورا كما علمك (١١).

وعبد الله بن عامر العامري (١٢) ، قال : سألت راهبا ببيت المقدس فقلت له : يا

__________________

(١) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٥٢.

(٢) محمد بن الفيض بن محمد الفياض ، المحدث المعمر المسند أبو الحسن الغساني الدمشقي ، مات سنة ٣١٥ ه‍ / ٩٣٧ م ، ينظر : الذهبي ، سير ١٤ / ٤٢٧.

(٣) محمد بن الفيض بن محمد الفياض أ مثير : محمد بن المعتصم ب ه : محمد بن العيص ج : ـ د.

(٤) منبه بن عثمان اللخمي الدمشقي ، محدث معمر ، كان صدوقا ثقة توفي بعد سنة ٢١٢ ه‍ / ٨٢٧ م ، ينظر : الذهبي ، سير ١٠ / ١٥٩.

(٥) الصلوات ب ج ه : الصلاة أ : ـ د.

(٦) رسول الله أ : النبي ب ج ه : ـ د.

(٧) فما قالها أ ج ه : ما قالها ب : ـ د.

(٨) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٥٣.

(٩) بأسود أ ب ج د ه : سواد مثير الغرام : ـ د.

(١٠) ومضى أ : فمضى ب ج ه : ـ د / / يخرج منه لهب أ ج ه : ـ ب د.

(١١) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٥٤ ؛ وعن الحمار يقول المقدسي : «فلقي حمار وحش فاتحا فاه ، يخرج منه لهب النار يريده ليأكل يده ، فذكر حديث ثور فقاله ، فولى الحمار وهو : لا رحم الله ثورا كما علمك».

والرواية فيها غرابة من أمرين :

أ ـ أن الحمير الوحشية ليس لها القدرة أن تخرج من أفواهها لهب النار!!

ب ـ أن الحمير الوحشية وكذلك المستأنسة عجماء بكماء لا تتكلم؟؟!!.

(١٢) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٥٩.


راهب ما أول الدخول في العبادة؟ قال : الجوع ، قلت : وما دليل ذلك؟ قال : لأن الجسد خلق من تراب والروح من ملكوت السماء (١) ، فإذا شبع الجسد ركن إلى الأرض ، وإذا لم يشبع اشتاق إلى الملكوت ، قلت : ما سبب الجوع؟ قال : ملازمة الذكر والخضوع (٢).

وأبو عبد الله حصين ، خرج من شيراز (٣) إلى مكة ، ثم إلى بيت المقدس ، ثم دخل الشام ، رحمه الله.

وقاسم الزاهد (٤) قال : رأيت راهبا على باب بيت المقدس ، كالولهان لا يرقأ له دمع فهالني أمره فقلت : يا أيها الراهب أوصيني وصية أحفظها عنك ، فقال : كن كرجل احتوشته السباع والهوام فهو خائف مذعور يخاف أن يسهو فتفترسه أو يلهو فتنهشه ، فليله ليل مخافة إذا أمن فيه المغترون ونهاره نهار حزن إذا فرح فيه البطالون / / ثم ولى وتركني فقلت : لو زدتني شيئا عسى الله أن ينفعني به ، فقال : يا هذا إن الظمآن يكفيه من الماء يسيره (٥).

ومحمد بن حاتم بن محمد بن عبد الكريم الطائي (٦) أبو الحسن الطوسي ، تفقه على إمام الحرمين ، وكان صدوقا فقيها خيرا (٧) صوفيا. دخل بيت المقدس وسمع به الحديث.

أبو محمد عبد الله بن الوليد بن سعد بن بكر الأنصاري (٨) ، الفقيه المالكي ، سكن مصر وروى بها الحديث (٩) عن أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني (١٠) وغيره ، قال ابن الوليد : أنبأنا أبو محمد بن أبي زيد قال : جماع من آداب الخير

__________________

(١) السماء أ ج ه : السموات ب : ـ د.

(٢) ينظر : المصدر نفسه ، مثير ٣٦٠.

(٣) شيراز : بلد عظيم مشهور ، وهو قصبة بلاد فارس ، في وسط بلاده ، ينظر : ابن خرداذبة ٤٤ ؛ ياقوت ، معجم ٣ / ٤٣١ ـ ٤٣٢ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٢٤.

(٤) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٦١.

(٥) يسيره مثير : أيسره أ ب ج ه : ـ د.

(٦) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٦٥.

(٧) فقيها خيرا أ ج ه : خبيرا فقيها ب : ـ د.

(٨) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٦٥.

(٩) الحديث أ ج ه : ـ ب د.

(١٠) ينظر : كحالة ٦ / ٧٣ والسند غير منقول بكامله عن مثير ، والسند الصحيح هو : «عن أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني وأبي الحسن علي بن محمد بن خلف القابسي وغيرهما» ، ينظر : المقدسي ، مثير ، ٣٦٥.


وأزمته في أربعة أحاديث قول النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» ، وقوله : «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» ، وقوله الذي انتصر له في الوصية : «لا تغضب» ، وقوله : «المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه».

توفي ابن الوليد ببيت المقدس ، ووفاة ابن أبي زيد في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة (١) ، فيعلم من ذلك العصر الذي كان فيه ابن الوليد.

جعفر (٢) بن محمد النيسابوري (٣) قدم بيت المقدس سنة سبعين وثلاثمائة (٤) ، وقال : سمعت الحسن بن الصباغ البزار (٥) يقول : سمعت الوليد بن مسلم يقول : سمعت بلال بن سعد يقول : لا تنظر إلى صغر الخطيئة وانظر من عصيت (٦) ، والله سبحانه وتعالى أعلم (٧).

ومنهم جماعة أرخت وفياتهم وذكرتهم على ترتيب الوفيات ، وهم :

كعب الأحبار بن ماتع (٨) الحميري ، أبو إسحاق الحميري ، كان يهوديا فأسلم في خلافة أبي بكر ، وقيل : عمر. قال له العباس : ما منعك الإسلام إلى عهد عمر؟ فقال : إن أبي كتب لي كتابا من التوراة ودفعه إلىّ وقال : اعمل بهذا ، وختم على سائر كتبه وأخذ عليّ بحق الوالدين لا أفض الخاتم ، فلما رأيت الإسلام يظهر قالت لي نفسي : لعل أباك غيب عنك علما كتمك (٩) فلو قرأته ، ففضضت الكتاب فوجدت فيه صفة محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمته فأسلمت الآن (١٠). سكن الشام ، وروى عنه جماعة من الصحابة كأبي هريرة ، وتقدم أنه دخل بيت المقدس ، واستشاره عمر في وضع (١١) القبلة ، توفي بحمص في سنة ٣٢ من الهجرة في زمن خلافة عثمان ، رضي‌الله‌عنه.

وإبراهيم بن أبي عبلة العقيلي المقدسي (١٢) ، روى عن أبي أمامة وأنس وروى

__________________

(١) ٣٨٨ ه‍ / ٩٩٨ م.

(٢) جعفر أ : وجعفر ب ج ه : ـ د.

(٣) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٦٢.

(٤) ٣٧٠ ه‍ / ٩٨٠ م.

(٥) ينظر : الرازي ، الجرح ١ / ١٩.

(٦) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٦٢.

(٧) والله سبحانه وتعالى أعلم ب : ـ أ ج د ه.

(٨) ماتع مثير : مانع أ ب ج ه : ـ د / / أبو إسحاق الحميري أ : أبو إسحاق ب ج ه : ـ ه.

(٩) علما كتمك أ ج ه : علم كتبك ب : ـ د / / ففضضت ج ه : فغضت أ ب : ـ د.

(١٠) ينظر هذا الخبر : المقدسي ، مثير ٣٣٢.

(١١) في وضع أ : في موضع ب ج ه : ـ د.

(١٢) ينظر : الذهبي سير ٦ / ٣٢٣ المقدسي ، مثير ٣٣٢.


عنه الإمامان مالك وابن المبارك توفي في سنة ٥٢ من الهجرة (١).

وجبير بن نفير (٢) الحضرمي الحمصي (٣) ، في الطبقة الأولى من التابعين ، أدرك زمن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأسلم زمن أبي بكر الصديق ، رضي‌الله‌عنه ، أتى بيت المقدس للصلاة ، وروى عن خالد بن الوليد وأبي الدرداء وعبادة بن الصامت والنواس بن سمعان (٤). قال جبير : خمس خصال قبيحة : الحدة في السلطان ، والحرص في العلماء ، والقسوة (٥) في الشيوخ ، والشح في الأغنياء ، وقلة الحياء في ذوي الأحساب (٦). توفي جبير سنة خمس وسبعين من الهجرة الشريفة (٧).

وعبد الرحمن بن غنم الأشعري ، كان مسلما في زمن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولكنه لم يفد إليه ، لكنه لازم معاذ بن جبل منذ بعثه رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إلى اليمن حتى مات معاذ ، وسمع عمر بن الخطاب. قال صاحب (مثير الغرام) (٨) : أظنه قدم بيت المقدس فإنه هو الذي فقه عامة التابعين بالشام. توفي سنة تسع وسبعين من الهجرة الشريفة (٩).

وخالد (١٠) ، كان بصخرة بيت المقدس ، فجاء عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين فأخذه وقال : يا خالد ما علينا؟ قال : عليكم من الله أذن سميعة وعين بصيرة ، فارتعد عمر خوفا من الله ونزع يده فقال خالد : يوشك أن يكون هذا إماما عادلا ، ولزم خالد بيته في آخر أمره وقال : ما بقي من الناس إلا حاسد أو شامت ، توفي سنة تسعين من الهجرة الشريفة (١١).

__________________

(١) ٥٢ ه‍ / ٦٧٢ م.

(٢) ابن نفير مثير ج : ابن نصير أ ب ه : ـ د.

(٣) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٦٣ ؛ ابن سعد ٧ / ٣٠٦ ؛ المقدسي ، مثير ٣٣٤.

(٤) النواس بن سمعان بن خالد بن عبد الله بن عمرو ، من ساكني الشام ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١١٤ ؛ ابن سعد ٥ / ٣٠٠.

(٥) والقسوة أ ج ه : والشره ب : ـ د.

(٦) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٣٤.

(٧) ٧٥ ه‍ / ٦٩٤ م.

(٨) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٣٨.

(٩) ٧٧ ه‍ / ٦٩٦ م.

(١٠) في مثير الغرام : عمر بن عبد العزيز ، أمير المؤمنين رضي‌الله‌عنه ، كان خالد بصخرة بيت المقدس ... تسعين للهجرة ، وقد يكون خالد بن يزيد بن معاوية ، ينظر : المقدسي ، مثير ٣٤١ ؛ ابن العماد ١ / ٩٩.

(١١) ٩٠ ه‍ / ٧٠٨ م.


ومالك بن دينار (١)(٢) ، من الأئمة الأعلام ، روى عن أنس ، وأخرج له أصحاب السنن أبو داود والترمذي والنسائي (٣) وابن ماجه ، توفي سنة ثلاث وعشرين ومائة (٤).

ومحمد بن واسع (٥) ، ثقة ، زاهد من أهل البصرة من الأزد ، روى عن أنس بن مالك وغيره ، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ، جمعته (٦) الطريق ومالك بن دينار وعبد الواحد بن زيد (٧) ، وساروا إلى بيت المقدس ، توفي سنة تسع وعشرين ومائة.

أم الخير رابعة بنت إسماعيل العدوية البصرية (٨) ، مولاة آل عقيل الصالحة المشهورة ، / / كانت من أعيان عصرها وأخيارها في الصلاح والعبادة مشهورة ، وكانت تقول في مناجاتها : إلهي أتحرق بالنار قلبا يحبك ، فهتف بها مرة هاتف : ما كنا نفعل هذا فلا تظني بنا ظن السوء. ومن وصاياها : اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم. وأورد لها الشيخ شهاب الدين السهروردي في كتاب عوارف المعارف (٩) :

إني جعلتك في الفؤاد محدثي

وأبحت جسمي من أراد جلوسي

فالجسم مني للحبيب مؤانس

وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي (١٠)

توفيت سنة خمس وثلاثين ، وقيل : ثمانين مائة ، وقبرها على رأس جبل طور زيتا شرقي بيت المقدس بجوار مصعد السيد عيسى ، عليه‌السلام ، من جهة القبلة

__________________

(١) مالك بن دينار : ويكنى أبا يحيى ، مولى لامرأة من بني سامة بن لؤي ، وكان ثقة قليل الحديث وكان يكتب المصاحف ، مات سنة ١٣١ ه‍ / ٧٤٨ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٣٧٠ ؛ ابن قتيبة ، المعارف ٢٦٦ ؛ ابن سعد ٧ / ١٨٠.

(٢) ابن دينار أ ب ج : ـ د ه.

(٣) النسائي ب ج ه : النيسابوري أ : ـ د.

(٤) ١٢٣ ه‍ / ٧٤٠ م وقد ذكر ابن خياط وابن سعد أن وفاته كانت سنة ١٣١ ه‍ / ٧٤٨ م.

(٥) محمد بن واسع بن جابر بن الأخنس بن عابد ... بن الأزد ، محدث ، اختلف في تاريخ وفاته حيث أورد ابن خياط أنه مات سنة ١٢٧ ه‍ / ٧٤٤ م بينما يقول ابن سعد أنه مات سنة ١٢٠ ه‍ / ٧٣٧ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٣٦٨ ؛ ابن قتيبة ، المعارف ٢٦٩ ؛ ابن سعد ٧ / ١٧٩.

(٦) جمعته أ : وجمعته ب ج : ـ د ه.

(٧) عبد الواحد بن زيد ، كان عابدا زاهدا واعظا ، أسند عن أسلم الكوفي والحسن البصري ، ينظر : الأصفهاني ، حلية ٦ / ١٥٥.

(٨) ينظر : ابن الجوزي ، صفوة ٤ / ١٧ ؛ المقدسي ، مثير ٣٥٠ ؛ الزركلي ٣ / ١٠.

(٩) عوارف المعارف في التصوف للشيخ شهاب الدين أبي حفص عمر بن عبد الله السهروردي المتوفى سنة ٦٣٢ ه‍ / ١٢٢٥ م ، ينظر : ابن خلكان ٣ / ٤٤٦ ـ ٤٤٨ ؛ حاجي خليفة ٢ / ١٧٨.

(١٠) ينظر : السهروردي ١٥٨.


وهي في زاوية ينزل إليها من درج ، وهو مكان مأنوس يقصد للزيارة (١).

ومن النساء العابدات ببيت المقدس امرأة تسمى طافية كانت تأتي بيت المقدس تتعبد فيه ، وامرأة أخرى تسمى لبابة ، ذكرهما ابن الجوزي (٢) ، وذكر عدة من العابدات المجهولات الأسماء ولم يؤرخ وفاة واحدة منهن.

وسليمان بن طرخان (٣) ، أبو المعتمر التميمي (٤) ، نزل بالبصرة وسمع أنسأ وكان يقول : إذا دخلت بيت المقدس كأن نفسي لا تدخل معي حتى أخرج منه ، توفي سنة ثلاث وأربعين ومائة (٥).

ومقاتل بن سليمان المفسر ، قدم بيت المقدس ، فصلى فيه ، وجلس عند باب الصخرة القبلي ، واجتمع إليه خلق كثير من الناس يكتبون عنه ، ويسمعون منه ، فأقبل بدوي يطأ بنعليه (٦) على البلاط وطأ شديدا ، فسمع مقاتل فقال لمن حوله : انفرجوا فانفرج الناس عنه ، فأهوى بيده يشير إليه ويزيده بصوته : أيها الواطىء أرفق بوطئك فو الذي نفس مقاتل بيده ما تطأ إلا على أجاجين (٧) الجنة (٨).

وفي كلام آخر قال الشافعي (٩) ، رضي‌الله‌عنه : الناس كلهم عيال على ثلاثة : مقاتل بن سليمان في التفسير وذكر الآخرين (١٠) ، توفي مقاتل سنة خمسين ومائة (١١).

والأوزاعي ، عبد الرحمن بن عمر ، وأحد الأئمة الأعلام ، فقيه الشام ، كان رأسا في العلم والعبادة. قدم بيت المقدس فصلى فيه ثماني (١٢) ركعات والصخرة وراءه ، ثم صلى فيه الخمس ، وقال : هكذا فعل عمر بن عبد العزيز ، ولم يأت شيئا

__________________

(١) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٥٠.

(٢) ينظر : ابن الجوزي ، صفوة ٤ / ١٧٥.

(٣) ينظر : ابن سعد ٧ / ١٨٨ ؛ الذهبي ، سير ٦ / ١٩٥ ؛ المقدسي ، مثير ٣٤٩.

(٤) أبو المعتمر أ مثير : الهيثمي ب : أبو نعيم ج ه : ـ د.

(٥) ١٤٣ ه‍ / ٧٦٠ م.

(٦) بنعليه ب مثير : بنعلين أ ج ه : ـ د.

(٧) أجاجين أ ب ه : أجاجيج ج : ـ د.

(٨) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٥١.

(٩) الشافعي أ ه : الإمام الشافعي ب ج : ـ د.

(١٠) الآخران هما : زهير بن أبي سلمى في الشعر ، وأبو حنيفة في الكلام ، ينظر : ابن خلكان ٥ / ٢٥٥ ؛ المقدسي ، مثير ٣٥١.

(١١) ١٥٠ ه‍ / ٧٦٧ م.

(١٢) ثماني أ ه : ثمان ب ج : ـ د.


من المزارات (١). وتوفي (٢) في الحمام سنة سبع وخمسين ومائة (٣).

وسفيان الثوري (٤) ، هو ابن سعيد بن مسروق ، الإمام العالم ، المجمع على صدقه وورعه (٥) ، أتى المسجد الأقصى ، فصلى فيه بموضع الجماعة ، وأتى قبة الصخرة ، وختم فيها القرآن ، وروى أنه اشترى موزا بدرهم (٦) فأكل منه في ظلها ، ثم قال : إن الحمار إذا وفي عليقه ـ أو قال : علفه ـ زيد في عمله. ثم قام يصلي حتى رحمه من رآه (٧) ، توفي بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة.

وإبراهيم بن أدهم (٨) ، أبو إسحاق (٩) من كورة بلخ أحد الزهاد وهو من تقات أتباع التابعين ، ومن أبناء الملوك ، خرج يوما يتصيد وأثار ثعلبا ـ أو أرنبا ـ وأسرع في طلبه ، فهتف به هاتف : ألهذا خلقت أم بهذا أمرت؟ ثم هتف به من قربوس (١٠) سرجه : والله ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت ، فنزل عن دابته وترك الإمارة. ودخل البادية وتزهد وصحب الإمام أبا حنيفة ، وله من الكرامات (١١) ما هو مشهور بها ، قدم بيت المقدس وقام بالصخرة الشريفة ، وسكن الشام ، وتوفي بمدينة جبلة من أعمال طرابلس ، وقبره مشهور بها.

قال صاحب (مثير الغرام) (١٢) : أنه مات ببلاد الروم ووفاته في سنة إحدى وستين ومائة (١٣).

الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي ، مولاهم عالم أهل مصر ، كان نظير مالك في العلم ، قيل : كان دخله في السنة (١٤) ثمانين ألف دينار فما وجبت عليه

__________________

(١) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٤٥.

(٢) وتوفي أ : توفي ب ج ه : ـ د.

(٣) ١٥٧ ه‍ / ٧٧٤ م.

(٤) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٢٨٧ ؛ ابن قتيبة ، المعارف ٢٧٨ ؛ ابن سعد ٦ / ٣٥٠ ؛ الذهبي ، سير ٧ / ٢٢٩.

(٥) المجمع على صدقه وورعه أ : المجمع على جلالته وزهده وورعه ب ج ه : ـ د.

(٦) بدرهم أ ب ج : بدراهم ه : ـ د.

(٧) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٥٢.

(٨) ينظر : الأصفهاني ، حلية ٧ / ٣٦٧ ؛ الذهبي ، سير ٧ / ٣٨٧ ؛ المقدسي ، مثير ٣٥٤.

(٩) أبو إسحاق أ ج ه : ابن إسحاق ب : ـ د / / كورة أ ج ه : كور ب : ـ د.

(١٠) قربوس : الخشبة الصغيرة ، القائمة في مقدم السرج ، يونانية معربة ، ينظر : الحسيني ٤٥٦.

(١١) الكرامات ب ج ه : الكرامة أ : ـ د / / قدم بيت المقدس ... شهور بها ب ج : ـ أ د ه.

(١٢) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٥٤.

(١٣) ١٦١ ه‍ / ٧٧٧ م.

(١٤) في السنة أ ج ه : في كل سنة ب : ـ د.


زكاة ، وفي رواية : لا ينقضي عليه عام إلا وعليه دين من كثرة جوده وبره (١) ، وقدم بيت المقدس. قال الليث : لما ودعت أبا جعفر ـ يعني الخليفة ـ ببيت المقدس قال : أعجبني ما رأيت من شدة عقلك فالحمد لله الذي جعل في رعيتي مثلك. ويقال : إنه كان حنفي المذهب ، وأنه ولي القضاء بمصر. ولد سنة اثنتين وتسعين من الهجرة الشريفة (٢) ، وتوفي يوم الخميس منتصف شعبان سنة خمس وسبعين ومائة (٣) ، ودفن يوم الجمعة بالقرافة (٤) الصغرى وقبره أحد المزارات.

قال بعض الصحابة : لما دفن الليث بن سعد سمعنا صوتا وهو يقول :

ذهب الليل فلا ليث لكم

ومضى العلم غريبا وفتر

قال : فالتفتنا فلم نر أحدا. وترجمه الشافعي ، رضي‌الله‌عنه ، ترجمة عظيمة ، وكان يأتي إلى قبره بالقرافة كل عشية جمعة ويستمر حتى يقرأ على قبره ختما كاملا / / فاستمر أهل مصر يفعلون ذلك بقبره في عشية كل جمعة إلى يومنا هذا ، ويختلفون لذلك ، ولهم فيه اعتقاد عظيم ، وله سر ظاهر (٥) وأحوال بارزة ، نفعنا الله به.

ووكيع بن الجراح بن مليح (٦) ، أبو سفيان الرواسي ، مولده سنة تسع وعشرين ومائة (٧) ، وكان من الأعلام ، وهو من الرواة عن الإمام أحمد بن حنبل ، رضي‌الله‌عنه ، وروى عنه الإمام أحمد أيضا ، وقال عنه : ما رأيت أوعى للعلم منه ولا أحفظ (٨). قدم بيت المقدس وأحرم منه إلى مكة. توفي يوم عاشوراء ، ودفن بفيد راجعا من الحج سنة تسع ، وقيل : سنة ثمان وتسعين ومائة (٩).

الإمام الأعظم والحبر الأكرم محمد بن إدريس الشافعي المطلبي ، أحد الأئمة المجتهدين الأعلام ، إمام أهل السنة ركن الإسلام ، ولد بغزة من بلاد الشام على

__________________

(١) وبره أ ب ج : ـ د ه.

(٢) ٩٢ ه‍ / ٧١٠ م.

(٣) ١٧٥ ه‍ / ٧٩١ م.

(٤) القرافة : مدفن مشهور في البلاد المصرية يسكنه الناس ويعرفونه ، ينظر : المقريزي ، الخطط ٢ / ٢٤٢ ـ ؛ ٢٤٣ ؛ الحميري ٤٦٠.

(٥) وله سر ظاهر أ ه : وله شهرة ظاهر ب : وسره ظاهر ج : ـ د.

(٦) وكيع بن الجراح بن مليح أبو سفيان الرواسي ، أبو سفيان ، حافظ للحديث ، ثقة ، كان محدث العراق في عصره ، ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٢٨٤ ؛ البغدادي ، تاريخ ١٣ / ٤٧٦ ـ ٤٨٢ ؛ الأصفهاني ، حلية ٨ / ٣٦٨ ؛ الذهبي ، سير ٩ / ١٤٠ ؛ ابن العماد ١ / ٣٤٩ ؛ الزركلي ٨ / ١١٨.

(٧) ١٢٩ ه‍ / ٧٤٦ م.

(٨) ينظر : البغدادي ، تاريخ ١٣ / ٤٧٤.

(٩) ١٩٨ ه‍ / ٨١٣.


الأصح في سنة خمسين ومائة (١) وهي التي توفي فيها أبو حنيفة (٢) ، رضي‌الله‌عنه ، وقيل : في اليوم الذي مات فيه.

خرج كتاب الأم وكتاب السنن وأشياء كثيرة كلها في أربع سنين ، قدم بيت المقدس فصلى فيه وقال : سلوني عما شئتم أخبركم من كتاب الله وسنة رسوله (٣) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقيل له : ما تقول في محرم قتل زنبورا؟ فقال : قال الله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(٤) ، وحدثنا ابن عيينة (٥) عن عبد الملك بن عمير (٦) عن حذيفة قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقتدوا بالذين من بعدي بأبي بكر وعمر» (٧) ، وحدثنا ابن عيينة عن مسعود عن قيس بن مسلم (٨) عن طارق بن شهاب : أن عمر أمر المحرم بقتل الزنبور (٩).

توفي (١٠) الإمام الشافعي ، رضي‌الله‌عنه ، بمصر يوم الجمعة ، ودفن من يومه بعد العصر آخر يوم من رجب سنة ٢٠٤ ه‍ بالقرافة الصغرى ، وقبره مشهور يزار ، نفعنا الله به.

وأما الأئمة الثلاثة ، رضي‌الله‌عنهم ، فلم أطلع على شيء يدل على قدوم أحد منهم بيت المقدس.

والمؤمل بن إسماعيل البصري (١١) ، صدوق ، وكان شديدا في السنة ، قدم بيت المقدس ، وأعطى به قوما شيئا وداروا به تلك الأماكن ، توفي سنة ست ومائتين (١٢).

وبشر بن الحارث الحافي (١٣) ، أحد رجال الطريقة من كبار الصالحين وأعيان

__________________

(١) ١٥٠ ه‍ / ٧٦٧ م.

(٢) أبو حنيفة أ ج ه : الإمام الأعظم أبو حنيفة ب : ـ د.

(٣) رسوله أ ج ه : رسول الله ب : ـ د.

(٤) الحشر : [٧].

(٥) وهو سفيان بن عيينة ، ينظر : ابن سعد ٦ / ٤١.

(٦) ينظر : ابن سعد ٦ / ٣١٣ ؛ ابن حجر ، تهذيب ٦ / ٣٦٤.

(٧) ينظر : ابن حنبل ، المسند ٥ / ٣٨٢ ، وسند الحديث : حدثنا ابن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة ، ينظر : المقدسي ، مثير ٣٥٧.

(٨) ينظر : الذهبي ، ميزان ٣ / ٣٩٨.

(٩) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٥٨.

(١٠) توفي أ ج ه : وتوفي ب : ـ د.

(١١) ينظر : ابن سعد ٦ / ٤٤ ؛ الذهبي ، ميزان ٣ / ٣٩٨.

(١٢) ٢٠٦ ه‍ / ٨٢١ م.

(١٣) ينظر : ابن سعد ٧ / ٢٤٦ ؛ السلمي ٣٩ ؛ الأصفهاني ، حلية ٨ / ٣٣٦ ـ ٣٦٠ ؛ البغدادي ، تاريخ ٧ / ٦٧ ـ ٠ ؛ ابن خلكان ١ / ٢٧٤ ؛ المقدسي ، مثير ٣٥٩.


الأتقياء المتورعين ، أصله من مرو من قرية من قراها ، وسكن بغداد وإنما لقب بالحافي : لأنه جاء إلى إسكاف يطلب منه شسعا لأحد نعليه ، وكان قد انقطع فقال له الإسكاف : ما أكثر كلفتكم على الناس؟ فألقى النعل من رجله وحلف لا يلبس نعلا بعدها ، ولد سنة خمسين مائة (١).

قيل له : لم يفرح الصالحون ببيت المقدس؟ قال لأنها تذهب الهم ولا تشتغل (٢) النفس بها. وقال : ما بقي عندي من لذات الدنيا إلا أن أستلقي على جنب تحت السماء بجامع بيت المقدس (٣) ، توفي في شهر ربيع الاخر سنة ست ، وقيل : سبع وعشرين ومائتين (٤) ببغداد ، وقيل : بمرو.

وذو النون المصري (٥) ، أبو الفيض ثوبان بن إبراهيم ، الصالح المشهور ، أحد رجال الطريقة ، قدم بيت المقدس ، وقال (٦). وجدت على صخرة بيت المقدس : كل عاص مستوحش ، وكل مطيع مستأنس ، وكل خائف هارب ، وكل راج طالب ، وكل قانع غني ، وكل محب ذليل ، قال : فرأيت هذه الكلمات أصول ما استعبد الله به الخلق ، توفي سنة خمس وأربعين ومائتين (٧).

والسري بن المغلس السقطي (٨) ، قدم بيت المقدس ، وروى عنه جماعة. قال (٩) : خرجت من الرملة إلى بيت المقدس الشريف (١٠) ، فمررت بمشرفة وغدير ماء وعشب نابت ، فجلست آكل من العشب وأشرب من الماء ، فقلت في نفسي : إن كنت أكلت أو شربت في الدنيا حلالا فهو هذا ، فسمعت هاتفا يقول : يا سري فالنفقة التي بلغتك من أين؟ توفي سنة إحدى وخمسين ومائتين (١١).

__________________

(١) ١٥٠ ه‍ / ٧٦٧ م.

(٢) ولا تشتغل أ ب ج : ولا تستعلي ه : ـ د.

(٣) ينظر : السيوطي ، إتحاف ٢ / ٥١.

(٤) ٢٠٧ ه‍ / ٨٢٢ م.

(٥) ينظر : ابن النديم ٥١٧ ؛ السلمي ١٥ ؛ الأصفهاني ٩ / ٣٣١ ـ ٣٩٥ ؛ البغدادي ، تاريخ ٨ / ٣٩٣ ـ ٣٩٧ ؛ المقدسي ، مثير ٣٥٩ ؛ السيوطي ، إتحاف ٢ / ٥٠.

(٦) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٥٩ ؛ السيوطي ، إتحاف ٢ / ٥٠.

(٧) ٢٤ ه‍ / ٨٥٩ م.

(٨) السري السقطي ، أبو الحسن ، من كبار المتصوفة ، بغدادي ، وكان إمام البغداديين ، وشيخهم في وقته ، ينظر : السلمي ٤٨ ؛ القشيري ١ / ١٢ ؛ الأصفهاني ، حلية ١٠ / ١١٦ ؛ الذهبي ، سير ١٢ / ١٨٥ ؛ الزركلي ٣ / ٨٢.

(٩) ينظر : السيوطي ، إتحاف ٢ / ٥٠.

(١٠) الشريف ب : ـ أ ج د ه.

(١١) ٢٥١ ه‍ / ٨٦٥ م.


ومحمد بن كرام (١) المتكلم الذي تنسب إليه الفرقة الكرامية الذين (٢) ينسب إليهم تجويز وضع الأحاديث للترغيب والترهيب ، وكرام ـ بفتح الكاف وتشديد الراء ـ على وزن جمال : أبو عبد الله السجستاني العابد ، ومنهم من يقول : محمد بن كرام ـ بكسر الكاف وتخفيف الراء ـ وروى عن جماعة ، وكان حبسه طاهر بن عبد الله ، فلما أطلقه ذهب إلى ثغور الشام ، ثم عاد إلى نيسابور (٣) ، فحبسه محمد بن طاهر بن عبد الله ، فطال حبسه وكان يتأهب إلى صلاة الجمعة فيمنعه السجان فيقول : اللهم إنك تعلم أن المنع من غيري. أقام / / ببيت المقدس ، وكان يجلس للوعظ عند العمود الذي عند مهد عيسى واجتمع عليه خلق كثير ، ثم تبين لهم أنه يقول : أن الإيمان قول ، فتركه أهل القدس ، توفي ببيت المقدس ليلا ، ودفن بباب أريحا عند قبور الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام (٤) ، وله ببيت المقدس نحو عشرين سنة ، وكانت وفاته في صفر سنة خمس وخمسين ومائتين (٥).

قلت : والباب المعروف بباب أريحا قد اندرس (٦) لطول المدة واستيلاء الفرنج ولم يبق له أثر ، والظاهر أنه كان عند انتهاء البناء الذي كان متصلا بطور زيتا ، وكذلك قبور الأنبياء لا يعلم مكانها لطول المدة واستيلاء الفرنج على الأرض المقدسة.

وصالح بن يوسف أبو شعيب المقنع (٧) ، الواسطي (٨) الأصل ، يقال : إنه حج تسعين حجة راجلا في كل حجة منها يحرم من صخرة بيت المقدس ، وكان يدخل بادية تبوك على التجريد والتوكل (٩). توفي بمدينة الرملة سنة اثنتين وثمانين ومائتين (١٠). حكي أنه يستشفى بقبره ويستجاب الدعاء عنده. قلت : ولم يعلم الآن

__________________

(١) ينظر : الذهبي ، تذكرة ٢ / ٥٣٦.

(٢) الذين أ ج ه : التي ب : ـ د.

(٣) نيسابور : مدينة عظيمة ذات فضائل جسيمة ، خرج منها جماعة من العلماء ، بينها وبين مرو ثلاثون فرسخا ، فتحها المسلمون أيام عثمان بن عفان ، ينظر : ياقوت ، معجم ٣٣١ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٤٥٠ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٤١٢ ؛ الحميري ٥٨٨.

(٤) عليهم الصلاة والسلام ب ج ه : عليهم‌السلام أ : ـ د.

(٥) ٢٥٥ ه‍ / ٨٦٩ م.

(٦) قد اندرس ... الأرض المقدسة ب ج ه : ـ أ د.

(٧) ينظر : السيوطي ، إتحاف ٢ / ٥١.

(٨) الواسطي ب ج ه : واسطي أ : ـ د.

(٩) والتوكل أ ب ج : والتوكيل ه : ـ د / / بمدينة الرملة أ ب ج : بالرملة ه : ـ د.

(١٠) ٢٨٢ ه‍ / ٨٩٥ م.


قبره لطول الزمان واستيلاء الكفار (١) على تلك الأراضي مدة طويلة ، رحمه الله وإيانا (٢).

وبكر بن سهل الدمياطي (٣) المحدث ، قدم بيت المقدس فجمعوا له ألف دينار حتى روى لهم التفسير ، توفي في ربيع الأول سنة تسع وثمانين ومائتين (٤).

وأحمد بن يحيى البزاز البغدادي (٥) ، حكى عنه أبو الحسن علي بن محمد الجلال البغدادي (٦) أنه أخبره : أنه قدم من مكة إلى بيت المقدس ، فندم على مجيئه وقال : تركت الصلاة بمكة بمائة ألف صلاة ، وهنا بخمسة وعشرين صلاة ، وبمكة تنزل مائة وعشرون ألف رحمة للطائعين والمصلين والناظرين. وأراد الخروج إلى مكة فرأى النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر له ما خطر له من الفضل فقال له النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم هناك تنزل الرحمة نزولا ، وهنا تصب (٧) الرحمة صبا ، ولو لم يكن لهذا الموضع محل عظيم (٨) ـ وأشار بيده إلى موضع الإسراء عند قبة المعراج ـ لما أسري به إليه ، فأقام الرجل بالقدس إلى أن مات به ، وكانت هذه الرؤيا في رجب سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة (٩).

والشيخ سلامة بن إسماعيل بن جماعة المقدسي الضرير ، صاحب شرح المفتاح لابن القاص (١٠) ، وله أيضا مصنف مفرد في التقاء الختانين ، كان عديم النظر في زمنه (١١) لأجل ما خصه الله تعالى به من حضور القلب وصفاء الذهن وكثرة الحفظ ، وقد ذكره جماعة وأثنوا عليه ، توفي سنة ثمانين وأربعمائة (١٢).

وشيخ الإسلام الإمام العالم (١٣) الحبر أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن

__________________

(١) الكفار أ ج ه : الإفرنج ب : ـ د.

(٢) رحمه الله وإيانا أ ه : رحمة الله تعالى ب : رحمه الله تعالى وإيانا ج : ـ د.

(٣) ينظر : الذهبي ، ميزان ١ / ٣٤٥.

(٤) ٢٨٩ ه‍ / ٩٠١ م.

(٥) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٦١ ؛ السيوطي ، إتحاف ٢ / ٥٢.

(٦) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٦١ ؛ السيوطي ، إتحاف ٢ / ٥٢.

(٧) تصب أ ج ه : تنصب ب : ـ د.

(٨) محل عظيم أ ج ه : شأن ب : ـ د.

(٩) ٣٤١ ه‍ / ٩٥٢ م.

(١٠) ابن القاص : ابن العباس أحمد بن أبي أحمد المعروف بابن القاص ، الطبري ، الفقيه الشافعي ، كان إمام وقته في طبرستان ، وصنف كتبا كثيرة منها : التلخيص ، أدب القاضي ، والمفتاح ، مات سنة ٣٣٥ ه‍ / ٩٤٦ م ، ينظر : الشيرازي ٢٠٢ ؛ ابنخلكان ١ / ٦٨ ؛ السبكي ٢ / ١٠٣.

(١١) في زمنه أ ج ه : في زمانه ب : ـ د.

(١٢) ٤٨٠ ه‍ / ١٠٨٧ م.

(١٣) العالم الحبر أ ب : العالم البحر ج : الإمام البحر ه : ـ د.


علي بن أحمد الشيرازي (١) ، ثم المقدسي الأنصاري الحنبلي ، شيخ الشام في وقته ، وهو من أصحاب القاضي أبي يعلى بن الفراء (٢) إمام الحنابلة ، قدم الشام فسكن بيت (٣) المقدس ، وهو الذي نشر الإمام مذهب أحمد ، رضي‌الله‌عنه ، فيما حوله ، ثم أقام بدمشق ، فنشر المذهب بها ، وكان له أتباع وتلامذة ، ويقال : إنه اجتمع مع الخضر ، عليه‌السلام ، دفعتين ، وكان يتكلم في عدة أوقات على الخاطر كما كان يتكلم ابن القزويني الزاهد.

له تصانيف منها : المبهج والإيضاح (٤) ، والتبصرة في أصول الدين (٥) ، ومختصر في الحدود في أصول الفقه ، ومسائل الامتحان (٦). ويقال : إن له كتاب الجواهر في التفسير وهو ثلاث مجلدات. توفي في يوم الأحد ثامن عشر من ذي الحجة سنة ست وثمانين وأربعمائة (٧) بدمشق ، ودفن بمقبرة الباب الصغير ، رحمه الله تعالى.

والشيخ العلامة أبو الفتح نصر (٨) بن إبراهيم بن نصر المقدسي النابلسي الشافعي ، شيخ المذهب بالشام ، صاحب التصانيف مع الزهد والعبادة ، سمع الحديث وأملى وحدث. أقام بالقدس مدة طويلة بالزاوية التي على باب الرحمة المعروفة بالناصرية. والظاهر أن تسميتها بالناصرية نسبة للشيخ نصر ، ثم عرفت بالغزالية لإقامة الغزالي (٩) بها. ثم قدم دمشق فسكنها وعظم شأنه.

وحكى بعض أهل العلم ، قال : صحبت إمام الحرمين (١٠) ، ثم صحبت الشيخ

__________________

(١) ينظر : العليمي ، المنهج ٢ / ١٦٠.

(٢) محمد بن الحسين بن محمد بن خلف أحمد بن الفراء أبو يعلى ، كان عالم زمانه ، وفريد عصره ، من أتباع الإمام أحمد ، له مصنفات منها : «أحكام القرآن» ، «الانتصار» ، «الأحكام السلطانية» ، ينظر : ابن أبي يعلى ٢ / ١٩٣ ؛ ابن العماد ٣ / ٣٧٨ ؛ حاجي خليفة ١ / ٢٩٥.

(٣) بيت أ ج ه : ببيت ب : ـ د.

(٤) ينظر : البغدادي ، إيضاح ٤ / ٢٨٤.

(٥) ينظر : حاجي خليفة ١ / ٢٩٥.

(٦) ينظر : المصدر نفسه ٢ / ٥٤٦.

(٧) ٤٨٦ ه‍ / ١٠٩٣ م.

(٨) ينظر : الأسنوي ١٠٧٨ ؛ ابن هداية الله الحسيني ٢٤٠.

(٩) الغزالي : الإمام حجة الإسلام زين الدين أبو حامد ، محمد بن محمد الطوسي الغزالي ، ستأتي ترجمته. ينظر : ص ٤٥٨.

(١٠) أبو المعالي عبد الملك بن شيخ أبي أحمد الجويني ، المعروف بإمام الحرمين ، إمام الأئمة في زمانه ، فقيه أصولي ، وعرف بإمام الحرمين لأنه كان إماما بمكة حين مجاورته البيت الحرام ، توفي سنة ٤٧٨ ه‍ / ١٠٨٥ م ، ينظر : السمعاني ٢ / ١٢٩ ؛ السبكي ٣ / ٢٤٩ ؛ ابن هداية الله الحسيني ٢٣٨.


أبا إسحاق (١) ، فرأيت طريقته أحسن ثم صحبت الشيخ نصر فرأيت طريقته أحسن منهما. ولما قدم الغزالي (٢) دمشق ، اجتمع به واستفاد منه.

ومن تصانيفه : التهذيب (٣) وكتاب التقريب (٤)(٥) ، وكتاب الفصول ، وكتاب الكافي (٦) ، وله شرح متوسط على مختصر شيخه سليمان (٧) بن أيوب الرازي سماه الإشارة (٨) ، وكتاب الحجة على تارك المحجة (٩)(١٠). توفي يوم عاشوراء سنة تسعين وأربعمائة (١١) بدمشق. ودفن بالباب الصغير ، رحمه الله.

والفقيه أبو الفضل عطاء (١٢) شيخ الشافعية بالقدس الشريف ، فقيها وعالما ، / / وشيخ الصوفية طريقة ، كان في زمن الشيخ نصر المقدسي رحمهما الله.

والشيخ الإمام العالم أبو المعالي المشرف بن المرجا بن إبراهيم المقدسي (١٣) كان من علماء بيت المقدس ، له كتاب فضائل البيت المقدس والصخرة (١٤) ، وما اتصل بذلك من أخبار وآثار لفضائل الشام ، وهو كتاب مفيد رواه بالأسانيد ، رواه عنه أبو القاسم مكي الرميلي ، الآتي ذكره بعده. ولم أطلع لأبي المعالي على ترجمة ولا تاريخ وفاة ، ولكنه كان في عصر أبي القاسم المذكور.

الشيخ أبو القاسم مكي بن عبد السلام بن الحسين بن القاسم الأنصاري الرميلي الشافعي الحافظ ، مولده سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة (١٥) ، كانت الفتاوى تأتي إليه

__________________

(١) الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي ، شيخ الإسلام ، ولد بفيروزآباد ، قرية من قرى شيراز في سنة ٣٩٣ ه‍ / ١٠٠٢ م ودرس الفقه والأصول ، توفي سنة ٤٧٦ ه‍ / ١٠٨٣ م ، ينظر : الأسنوي ٦٧٢ ؛ ابن هداية الله الحسيني ٢٣٦.

(٢) الغزالي أ : + إلى ب ج ه : ـ د.

(٣) ينظر : حاجي خليفة ١ / ٤١٥.

(٤) ينظر : المصدر نفسه ١ / ٣٧٩.

(٥) التقريب أ ب ج : التقرير ه : ـ د.

(٦) ينظر : حاجي خليفة ١ / ٣٣٣.

(٧) سليمان ب ج ه : سليم أ : ـ د.

(٨) ينظر : المصدر نفسه ١ / ١٣٤.

(٩) ينظر : المصدر نفسه ١ / ٤٩٢.

(١٠) ٤٩٠ ه‍ / ١٠٩٦ م.

(١١) على تارك أ : لتارك ب : ترك ج ه : ـ د.

(١٢) الفقيه أبو الفضل عطاء : لم أعثر على ترجمته.

(١٣) ينظر : حاجي خليفة ٢ / ٢٥٦.

(١٤) ينظر : الأسنوي ١٩٢.

(١٥) ٤٣٢ ه‍ / ١٠٤٠ م.


من مصر والشام وغيرها. وكان من الجوالين في الآفاق ، كثير النصب (١)(٢) والسهر والتعب. وكان ورعا سمع بالقدس وبلاد كثيرة ، وشرع في تاريخ بيت المقدس وفضائله وجمع فيه أشياء كثيرة.

ولمّا أخذ الفرنج بيت المقدس في سنة اثنتين (٣) وتسعين وأربعمائة أخذوه أسيرا وبعثوه إلى البلاد ينادي في فكاكه بألف دينار ، لما علموا أنه من علماء المسلمين ، فلم يستفكه أحد ، فرموه بالحجارة على باب أنطاكية حتى قتلوه ، رحمه الله.

وقال السبكي رحمه الله في (طبقات الشافعية) : أنهم قتلوه ببيت المقدس في اليوم الثاني عشر من شعبان سنة ٤٩٢ ه‍ (٤)

أبو القاسم عبد الجبار أحمد بن يوسف الرازي الشافعي تفقه على الخجندي (٥) بأصبهان (٦) ، ثم استوطن بغداد مدة ، ثم انتقل إلى بيت المقدس وسلك سبيل الورع والانقطاع إلى الله تعالى إلى أن استشهد على يد الفرنج ، لعنهم الله تعالى ، حين أخذهم القدس في شعبان سنة ٤٩٢ ه‍ (٧).

والغزالي الإمام زين الدين حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الطوسي الشافعي (٨) ، ولد سنة خمسين وأربعمائة (٩) ولم يكن للطائفة الشافعية في آخر عصره مثله. اشتغل في مبدأ أمره بطوس (١٠) ، ثم قدم نيسابور وصار من الأعيان المشار إليهم وارتفعت منزلته. أقام بدمشق ثم انتقل إلى بيت المقدس مجتهدا في العبادة والطاعة وزيارة المشاهد والمواضع العظيمة ، وأخذ في التصانيف المشهورة ببيت المقدس فيقال : إنه صنف بالقدس إحياء علوم الدين ، وأقام بالزاوية التي على باب الرحمة المعروفة قبل ذلك بالناصرية شرقي مسجد بيت

__________________

(١) النصب : الإعياء من العناء والتعب ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١ / ٧٥٨.

(٢) النصب والسهر والتعب أ ه : التعب والنصب والسهر ب ج : ـ د.

(٣) اثنتين ج ه : اثنين أ : ثنتين ب : ـ د.

(٤) ينظر : السبكي ٤ / ٢٠.

(٥) الخجندي : أبو بكر ، محمد بن ثابت بن الحسن الخجندي ، نزيل أصبهان ، عالم في الفقه والأصول ، توفي سنة ٤٨٣ ه‍ / ١٠٩٠ م ، ينظر : الأسنوي ١٥٤ ؛ ابن العماد ٣ / ٣٦٨.

(٦) أصبهان : مدينة عظيمة مشهورة في فارس ، وأصبهان اسم للإقليم بأسره ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٣٢٢ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٨٧ ؛ الحميري ٤٣.

(٧) ٤٩٢ ه‍ / ١٠٩٨ م.

(٨) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٨ / ٢٩٤ ؛ ابن خلكان ٤ / ٢١٦ ـ ٢١٩.

(٩) ٤٥٠ ه‍ / ١٠٥٨ م.

(١٠) طوس : مدينة بينها وبين نيسابور عشرة فراسخ ، وبها قبر الرشيد ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٤٥١ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٩٧ ؛ الحميري ٣٩٨.


المقدس فسميت الغزالية (١) نسبة إليه ، وقد خربت ودثرت. توفي بطوس يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة سنة ٥٠٥ ه‍ (٢) ، رحمه الله (٣).

القاضي محمد بن حسن بن موسى بن عبد الله اللاشاعوني التركي الحنفي ، ويعرف بالإشتلي ، ولي قضاء بيت المقدس فشكوا منه فعزل ، ثم ولي قضاء دمشق ، وكان عالما في مذهب أبي حنيفة ، وهو الذي رتب الإقامة مثنى ، وكان شديد التعصب. توفي في جمادى الآخرة سنة ست وخمسمائة (٤).

والإمام الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي بن أحمد المعروف بابن القيسراني (٥) ، كذا اسمه في تاريخ ابن خلكان (٦) ، وقيل : اسمه علي بن أحمد بن محمد بن طاهر المقدسي الجوال في الآفاق الجامع بين الذكاء والحفظ وحسن التصنيف وجودة الخط.

ولد ببيت المقدس في سادس شوال سنة ٤٤٨ ه‍ (٧) ، وحدث في سنة ٤٦٠ ه‍ (٨) وأول من سمعه الفقيه نصر المقدسي ، وكان من المشهورين بالحفظ والمعرفة بعلوم الحديث وله في ذلك مصنفات ومجموعات تدل على غزارة علمه وجودة معرفته ، وصنف تصانيف كثيرة منها : أطراف الكتب الستة (٩) وهي : صحيح البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وأطراف الغريب (١٠) تصنيف الدارقطني (١١) ، وكتاب الأنساب (١٢) في جزء لطيف ، وهو الذي ذيله

__________________

(١) الغزالية أ ج ه : بالغزالية ب : ـ د.

(٢) ٥٠٥ ه‍ / ١١١١ م.

(٣) رحمه الله ب : ـ أ ج د ه.

(٤) ٥٠٦ ه‍ / ١١١٢ م.

(٥) ينظر : ابن خلكان ٤ / ٢٧٨ ـ ٢٨٨ ؛ اليافعي ٣ / ١٩٥ ـ ؛ ١٩٦ ؛ المقدسي ، مثير ٦٢ ؛ ابن الملقن ٣١٦ الجابي ٧٢٠.

(٦) شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان ، صاحب تاريخ وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، توفي سنة ٦٨١ ه‍ / ١٢٨٢ م ، ينظر : الأسنوي ١٦١ ؛ حاجي خليفة ١ / ٢٥٨.

(٧) ٤٤٨ ه‍ / ١٠٥٦ م.

(٨) ٤٦٠ ه‍ / ١٠٦٤ م.

(٩) ينظر : حاجي خليفة ١ / ١٤٨.

(١٠) الغريب أ ج ه : الغرائب ب : ـ د.

(١١) علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود ، أبو الدارقطني البغدادي الحافظ ، صاحب المصنففات شيخ الحديث ، سمع من أبي القاسم البغوي ، وروى عنه الشيخ أبو حامد الإسفرائيني وتوفي سنة ٣٨٥ ه‍ / ٩٩٥ م ، ينظر : الذهبي ، تذكرة ٣ / ١٨٦ ؛ السبكي ٣ / ٤٦٢ ؛ الجابي ٥٢٦.

(١٢) ينظر : حاجي خليفة ١ / ١٩٢.


الحافظ أبو موسى الأصبهاني ، وغير ذلك من الكتب ، وله شعر حسن ، وكتب عنه غير واحد من الحفاظ منهم : أبو موسى المذكور.

رحل إلى بغداد في سنة ٤٦٧ ه‍ (١) ثم رجع إلى بيت المقدس وأحرم منه إلى مكة توفي ببغداد يوم الجمعة لليلتين بقيتا من شهر ربيع الأول (٢) سنة ٥٠٧ (٣) / / ه (٤) ودفن بالمقبرة العتيقة بالجانب الغربي. وكان ولده أبو زرعة طاهر من المشهورين بعلو الإسناد وكثرة السماع ، وقدم بغداد للحج فحدث بها بأكثر مسموعاته (٥) وسمع منه الوزير أبو المظفر يحيى بن هبيرة (٦) والقيسراني ـ بفتح القاف والسين المهملة بينهما ياء مثناة من تحتها ثم راء مفتوحة وبعد الألف نون ـ ، هذه النسبة إلى قيسرية بلدة على ساحل البحر ببلاد الشام.

وأبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون القرشي الكوفي (٧) ، الحافظ ، كان دينا خيرا (٨) ثقة ، وصل إلى الشام وسمع الحديث ببيت المقدس وعنده فوائد تتعلق بالحديث ، توفي سنة ٥١٠ ه‍ (٩) بجبلة وحمل إلى الكوفة.

وأبو روح ياسين بن سهل القابسي الخشاب ، توفي بنيسابور سنة ٥١٢ ه‍ (١٠).

وأبو الفتح سلطان بن إبراهيم بن المسلم المقدسي (١١) ، الفقيه الشافعي ، صاحب الذخائر (١٢) ، ولد بالقدس الشريف سنة ٤٤٢ ه‍ (١٣) وتفقه على الفقيه نصر

__________________

(١) ٤٦٧ ه‍ / ١٠٧١ م.

(٢) ربيع الأول أ ج ه : ربيع الآخر ب : ـ د.

(٣) ٥٠٧ ه‍ أ ج ه : سنة سبع وستين وخمسمائة ب : ـ د.

(٤) ٥٠٧ ه‍ / ١١١٣ م.

(٥) مسموعاته ب ج ه : سماعاته ب : ـ د.

(٦) أبو المظفر عون الدين يحيى بن هبيرة بن محمد بن هبيرة ، دخل بغداد في صباه ، واشتغل بالعلم ، وجالس الفقهاء والوزراء ، وكان على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ترفع في المناصب حتى ترقى إلى الوزارة ، وتوفي سنة ٥٦٠ ه‍ / ١١٦٤ م ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٩٣ ؛ أبو شامة ، الروضتين ١٤١ ؛ اليافعي ٣ / ٣٤٤ ؛ ابن خلكان ٦ / ٢٣٠ ؛ ابن العماد ٤ / ٩١.

(٧) ينظر : اليافعي ٣ / ٢٠٠ ؛ ابن العماد ٤ / ٢٩.

(٨) خيرا أ ج ه : خبيرا ب : ـ د / / وعنده فوائد تتعلق بالحديث أ : ـ ب ج د ه.

(٩) ٥١٠ ه‍ / ١١١٦ م.

(١٠) ٥١٢ ه‍ / ١١١٨ م.

(١١) ينظر : الأسنوي ٣٨٣ ؛ حاجي خليفة ١ / ٦٢٠.

(١٢) ينظر : حاجي خليفة ١ / ٦٢٠.

(١٣) ٤٤٢ ه‍ / ١٠٥٠ م.


حتى برع في المذهب ، ودخل مصر بعد السبعين والأربعمائة (١) ، وكان من الفقهاء بمصر وقرأ عليه أكثرهم ، روى عنه السلفي (٢) وغيره ، وصنف كتابا في أحكام التقاء الختانين. توفي سنة ثمانية عشر أو في التي بعدها ، وقيل : في سنة ٥٣٥ ه‍ (٣).

الطرطوشي (٤) الإمام أبو بكر محمد بن الوليد بن خلف بن سليمان بن أيوب القرشي الفهري الأندلسي المالكي ، قدم بيت المقدس وحج على نفقة الإمام أبي بكر الشاشي (٥) المستظهر ، وكان إماما عالما زاهدا سكن الشام ودرس بها ، مولده سنة ٤٥١ ه‍ (٦) تقريبا ، وتوفي ليلة السبت لأربع بقين من جمادى الأولى سنة ٥٢٠ ه‍ بثغر الإسكندرية ، والطرطوشي نسبة إلى طرطوشة (٧) وهي مدينة بالأندلس في آخر بلاد المسلمين في شرقي الأندلس على ساحل البحر.

وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى الأموي العثماني المقدسي النابلسي ، نزل بغداد وتفقه على الشيخ نصر المقدسي ، وكان يفتي ويدرس ، وهو من أهل العلم والعمل ، توفي سنة ٥٢٧ ه‍ عن خمس وستين سنة.

وأبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي المشهور بالديباجي (٨) من أولاد الديباج (٩) بن عبد الله بن عمر بن عثمان بن عفان ومحمد الديباج (١٠) أمه فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب سمي الديباج لحسنه ، ولأن ديباجة وجهه كانت تشبه ديباجة وجه رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أصله من مكة ، وأقام ببيت المقدس وكتب الأحاديث بها وسمعها ، وسكن ببغداد بدرب السلسلة ، وهو فقيه فاضل حسن السيرة قوال

__________________

(١) ٤٧٠ ه‍ / ١٠٧٨ م.

(٢) السلفي : أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سلفة الأصفهاني ، فقيه ومحدث ، طاف البلاد ، وتوفي بالإسكندرية سنة ٥٧٦ ه‍ ، ينظر : ابن خلكان ١ / ١٠٥ ؛ اليافعي ٣ / ٤٠٣ ؛ الأسنوي ٢٢٨ ؛ ابن العماد ٤ / ٢٥٥.

(٣) ٥٣٥ ه‍ / ١١٤٠ م.

(٤) ينظر : السمعاني ٤ / ٦٢ ؛ ابن خلكان ٤ / ٢٦٢ ؛ اليافعي ٣ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ؛ الذهبي ، العبر ٤ / ٤٨ ؛ ابن العماد ٤ / ٦٢.

(٥) الإمام أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي ، أحد أئمة الدنيا في التفسير والحديث والفقه واللغة ، ولد سنة إحدى وتسعين ومائتين ، مات سنة ستة وستين وثلاثمائة ، ينظر : الشيرازي ١٢٠ ؛ السمعاني ٣ / ٣٧٥ ؛ ابنخلكان ٤ / ٢٠٠ ؛ كحالة ١١ / ٢٦٦.

(٦) ٤٥١ ه‍ / ١٠٥٩ م.

(٧) طرطوشة أ ب ج : طرطوسة ه : ـ د.

(٨) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٦٤.

(٩) الديباج أ ج ه مثير : الديباجي ب : ـ د.

(١٠) الديباج أ ج ه مثير : الديباجي ب : ـ د.


بالحق ، كان يقال له سمي النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وشبيهه (١). توفي يوم الأحد سابع عشر من صفر سنة ٥٢٩ ه‍ (٢) ودفن بالوردية (٣).

وأبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الله الربعي المقدسي الشافعي ، اشتغل على الشيخ أبي إسحاق ، وسمع الحديث من الشيخ نصر المقدس والحافظ أبي بكر الخطيب ، ثم دخل الغرب وسكن البرية ، توفي سنة ٥٣١ ه‍ (٤).

وأبو علي الحسن بن فرج بن حاتم المقدسي الواعظ الشافعي ، وروى عن القاضي الرشيد المقدسي. توفي في نصف شعبان سنة ٥٣٥ ه‍ (٥).

والإمام أبو بكر بن العربي محمد بن عبد الله المغربي المعافري الأندلسي الإشبيلي (٦) ، الحافظ المشهور ، دخل مع أبيه إلى المشرق سنة ٤٨٥ ه‍ (٧) ، ولقي بالشام (٨) الإمام الطرطوشي وتفقه عليه ، وصحب الشاشي والغزالي ، قدم بيت المقدس وروى عنه خلق كثير من العلماء ، توفي سنة ٥٤٣ ه‍ (٩).

وأبو بكر الجرجاني محمد بن أحمد بن أبي بكر ، من أهل جرجان (١٠) من عمل نيسابور ، قصد هو وأبو سعد (١١) السمعاني زيارة بيت المقدس فذهبا ولم يفترقا حتى رجعا إلى العراق ، وكان شيخا صالحا ، قيما بكتاب الله ، دائم البكاء ، كثير الحزن ، مولده سنة ٤٦٥ ه‍ ، توفي سنة ٥٤٣ ه‍.

وتاج الإسلام أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور / / السمعاني (١٢)

__________________

(١) وشبيهه ب ج ه : ويشبهه أ : ـ د.

(٢) ٥٢٩ ه‍ / ١١١٥ م.

(٣) الوردية : مقبرة بغداد بعد باب آزر ، من الجانب الشرقي ، قريبة من باب الظفرية ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٥ / ٤٢٧.

(٤) ٥٣١ ه‍ / ١١١٧ م.

(٥) ٥٣٥ ه‍ / ١١٢١ م.

(٦) ينظر : ابن خلكان ٤ / ٢٩٦ ؛ اليافعي ٣ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ؛ المقدسي ، مثير ٣٦٤.

(٧) ٤٨٥ ه‍ / ١٠٩٢ م.

(٨) بالشام أ ج ه : ـ ب د.

(٩) ٥٤٣ ه‍ / ١١٢٩ م.

(١٠) جرجان : مدينة مشهورة بين طبرستان وخراسان ، وبها الزيتون والنخل والجوز وقصب السكر ، ينظر : ابن خرداذبه ٣٥ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٤٣٩ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٣٢٣.

(١١) سعد أ : سعيد ب ج : ـ د.

(١٢) ينظر : ابن خلكان ٣ / ٢٠٩ ـ ٢١٢ ؛ الذهبي ، تذكرة ٤ / ١٣١٦ ؛ اليافعي ٣ / ٣٧١ ؛ ابن العماد ٤ / ٢٠٥.


الشافعي صاحب كتاب الذيل لتاريخ مدينة الإسلام (١) ، عدة مجلدات ، وله تاريخ مرو (٢) ، والأسباب (٣) ، وطراز المذهب في أدب الطلب (٤) ، وتحفة المسافر (٥) ، وعن العزلة (٦) ، والمناسك (٧) ، والتخيير (٨) في المعجم الكبير ، والآمالي (٩) وغير ذلك. قدم بيت المقدس زائرا له وهو في أيدي الكفار. توفي في غرة ربيع الأول ٥٦٢ ه‍ (١٠).

ومن عباد بيت المقدس المشهورين بالصلاح : إدريس بن أبي خولة الأنطاكي (١١) وعبد العزيز المقدسي (١٢) ، وكانا صالحين ذكرهما ابن الجوزي في صفوة الصفوة وذكر لهما كرامات ، ولم يؤرخ وفاتهما.

أما من دخل بيت المقدس واستوطنه من الزهاد والصالحين ممن لم يعرف اسمه فكثير ، ولهم أخبار ومناقب لم نذكرها لعدم معرفة أسمائهم ، وبالله التوفيق.

وقد انتهى ذكر ما قصدته من تراجم الأعيان بالقدس الشريف ممن كان به في الزمن السابق (١٣) قبل استيلاء الفرنج عليه ولم أظفر بغير ذلك لطول الأزمنة وانقطاع أخبار السلف باستيلاء الكفار على الأرض المقدسة ، وسأذكر ما تيسر من أسماء العلماء والأعيان بالقدس الشريف ممن كان به بعد الفتح الصلاحي ـ كما تقدم الوعد به ـ إن شاء الله تعالى.

ولنذكر الآن نبذة يسيرة مما وقع ببيت المقدس من الحوادث والأخبار في ذلك الزمان :

فمن ذلك ما وقع في شهور سنة ٣٩٨ ه‍ (١٤) أن الحاكم بأمر

__________________

(١) ينظر : الذهبي ، تذكرة ٤ / ١٣١٧.

(٢) ينظر : حاجي خليفة ١ / ٢٧٥.

(٣) مرو والأسباب أ ج ه : مرور الأسباب ب : ـ د / / أدب أ ج ه : آداب ب : ـ د.

(٤) طراز الذهب في أدب الطلب ، ينظر : حاجي خليفة ٢ / ١٢٥.

(٥) ينظر : حاجي خليفة ١ / ٣١٨.

(٦) ينظر : الذهبي ، تذكرة ٤ / ١٣١٧.

(٧) ينظر : المصدر نفسه ٤ / ١٣١٧.

(٨) والتخيير ب : والتجبير أ ج ه : ـ د.

(٩) ينظر : الذهبي ، تذكرة ٤ / ١٣١٧ ؛ حاجي خليفة ١ / ١٨٠.

(١٠) ٥٦٢ ه‍ / ١١٦٦ م.

(١١) ينظر : ابن الجوزي ، صفوة ٤ / ١٧٠.

(١٢) ينظر : المصدر نفسه ٤ / ١٧١.

(١٣) السابق أ : السالف ب ج ه : ـ د.

(١٤) ٣٩٨ ه‍ / ١٠٠٧ م.


الله (١) ، أبو علي المنصور بن العزيز الفاطمي ، خليفة مصر أمر بتخريب كنيسة القمامة في بيت المقدس (٢) وأباح للعامة ما كان لها من أموال وأمتعة وغير ذلك ، وكان ذلك بسبب ما أنهي إليه من الفعل الذي تتعاطاه (٣) النصارى يوم الفصح من النار التي يحتالون بها بحيث يتوهم الأغمار من جهلتهم أنها نزلت (٤) من السماء ، وأنها مصبوغة بدهن البيلسان في خيوط الإبريسم الرفاع المدهونة بالكبريت وغيره بالصنعة اللطيفة التي تروج على العظام منهم والعوام ، وهم إلى الآن يستعملونها في القمامة ، ويسمى ذلك اليوم عندهم سبت النور ، ويقع فيه من المنكر بحضور المسلمين ما لا يحل سماعه ولا رؤيته من جهرهم بالكفر ، ورفع أصواتهم بقولهم (٥) : يا لدين الصليب ، وإظهار كتبهم ورفع الصلبان على رؤوسهم ، وغير ذلك في الأمور التي تقشعر منها الأجساد.

ثم لما توفي الحاكم بأمر الله في شوال سنة ٤١١ ه‍ (٦) ولي بعده ولده (٧) الظاهر لإعزاز دين الله (٨) ، أبو الحسن علي ، واستمر إلى أن توفي في شعبان سنة ٤٢٧ ه‍ (٩) ، ثم توفي بعده ولده المستنصر بالله (١٠) ، أبو تميم معد ، فهادن ملك الروم على أن يطلق خمسة آلاف أسير ليمكن من عمارة قمامة التي كان خربها جده الحاكم في أيام خلافته ، فأطلق الأسرى ، وأخرج ملك الروم عليها أموال عظيمة.

قلت : والذي يظهر أن تخريبها لم يكن تخريبا كليا بل كان في غالبها ، والله أعلم.

__________________

(١) الحاكم بأمر الله منصور بن نزار بن معد بن إسماعيل بن محم العبيدي الفاطمي ، أبو علي ولد سنة ٣٧٥ ه‍ / ٩٨٥ م ، متأله ، غريب الأطوار ، من خلفاء الدولة الفاطمية بمصر ، توفي سنة ٤١١ ه‍ / ١٠٢١ م ، ينظر : ابن خلكان ٥ / ٢٩٢ ؛ اليافعي ٣ / ٢٥ ـ ٢٦ ؛ المقريزي ، الخطط ٢ / ٢٩ ؛ المقريزي ، اتعاظ ٢٧٠ ؛ الجابي ٨٦٧.

(٢) في بيت المقدس أ ه : من بيت المقدس ب : ـ ج د.

(٣) تتعاطاه ب : يتعاطاه أ ج ه : ـ د.

(٤) أنها نزلت أ : أنها تنزل ب ج ه : ـ د.

(٥) بقولهم أ ج ه : يقولون ب : ـ د.

(٦) ٤١١ ه‍ / ١٠٢١ م.

(٧) ولده أ ج ه : ـ ب د.

(٨) ينظر : ابن خلكان ٣ / ٤٠٧ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٨ ؛ ابن العماد ٣ / ٢٣٢.

(٩) ٤٢٧ ه‍ / ١٠٣٧ م.

(١٠) ينظر : اليافعي ٣ / ١٤٥ ؛ ابن خلكان ٥ / ٢٢٤ ـ ٢٢٨ ؛ ابن العماد ٣ / ٣٨٢ ؛ المقريزي ، الخطط ١ / ٣٥٥.


ورأيت في بعض التواريخ : أنه في سنة ٤٠٧ ه‍ (١) في ربيع الأول احترق مشهد الحسين بن علي (٢) ، رضي‌الله‌عنه ، بشرارة وقعت من بعض الشعالين من حيث لم يشعر.

وورد الخبر بتشعب الركن اليماني من المسجد الحرام وسقوط جدار بين يدي قبر النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأنه سقطت القبة الكبيرة التي على صخرة بيت المقدس (٣). قال الناقل : وهذا من أغرب الاتفاقات وأعجبها.

قلت : ولم أطلع على حقيقة الحال في سقوط القبة التي على الصخرة ولا إعادتها ، والظاهر أن السقوط كان في بعضها لا في جميعها (٤) ، والله أعلم.

وفي سنة ٤٢٥ ه‍ (٥) كثرت الزلازل (٦) بمصر والشام ، فهدمت أشياء كثيرة ، ومات تحت الردم خلق كثير ، وانهدم من الرملة ثلثها ، وتقطع جامعها تقطعا ، وخرج أهلها منه ، فأقاموا بظاهرها ثمانية أيام ، ثم سكن الحال فعادوا إليها ، وسقط بعض حائط بيت المقدس ، ووقع من محراب داود قطعة كبيرة ، ومن مسجد إبراهيم ، عليه‌السلام ، قطعة (٧).

وفي سنة ٤٥٢ ه‍ (٨) سقط تنور قبة الصخرة ببيت المقدس وفيه خمسمائة قنديل ، فتطير المقيمون به من المسلمين ، وقالوا : ليكونن في الإسلام حادث عظيم ، / / فكان أخذ الفرنج له على ما سنذكره ، إن شاء الله تعالى.

وفي جمادى الأولى سنة ٤٦٠ ه‍ (٩) ، كانت زلزلة في أرض فلسطين أهلكت بلد الرملة ، ورمت شرفتين من مسجد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وانشقت الأرض عن كنوز من المال ، وهلك منها خمسة عشر ألف نسمة ، وانشقت صخرة بيت المقدس ، ثم عادت فالتأمت بقدرة الله تعالى ، وغار البحر مسيرة يوم ، ودخل الناس في أرضه

__________________

(١) ٤٠٧ ه‍ / ١٠١٧ م.

(٢) مشهد الحسين بن علي بكربلاء ، ينظر : ابن كثير ، البداية ١٢ / ٤.

(٣) ينظر : ابن كثير ، البداية ١٢ / ٥ ؛ اليافعي ٣ / ٢٠ ؛ ابن العماد ٣ / ١٨٤.

(٤) في جميعها أ : في كلها ب ج ه : ـ د.

(٥) ٤٢٥ ه‍ / ١٠٣٣ م.

(٦) الزلازل أ ب ج : الزنازل ه : ـ د.

(٧) ينظر : ابن العماد ٣ / ٢٢٨.

(٨) ٤٥٢ ه‍ / ١١٢٨ م.

(٩) ٤٦٠ ه‍ / ١١٣٦ م.


يلتقطون منه ، فرجع عليهم ، فأهلك خلقا كثيرا منهم (١) ، فسبحان من يتصرف في عباده بما يشاء.

وفي سنة ٤٦٣ ه‍ (٢) في أيام المستنصر بالله العبيدي ، خليفة مصر ، استولى على القدس والرملة آتسز (٣) بن أوق الخوارزمي ، صاحب دمشق.

وفي سنة ٤٦٥ ه‍ (٤)(٥) أقيمت الدعوة العباسية ببيت المقدس ، وقطعت دعوة الفاطميين ، ثم استولى آتسز على دمشق بعد استيلائه على القدس والرملة ، وقطع الخطبة العلوية من دمشق ، فلم يخطب بعدها لهم بها ، وأقام الخطبة العباسية (٦) يوم الجمعة لخمس بقين من ذي القعدة سنة ٤٦٨ ه‍ (٧).

فلما قتل آتسز في سنة ٤٧١ ه‍ (٨) استولى بعده على دمشق تاج الدولة الأمير تتش بن السلطان ألب أرسلان السلجوقي (٩) ، وكان القدس من مضافاته على عادة من تقدمه ، فقلده للأمير أرتق بن أكسك التركماني (١٠) ، جد الملوك أصحاب ماردين (١١). واستمر أرتق مالكا للقدس إلى أن توفي في سنة ٤٨٤ ه‍ (١٢).

ثم استقر الأمر بعده في القدس لولديه إيلغازي وسقمان ابني أرتق ، واستمر على ذلك إلى أن قتل تتش صاحب دمشق في سنة ٤٨٨ ه‍.

ثم سار الأفضل بن بدر الجمالي أمير الجيوش من مصر بعسكر الخليفة

__________________

(١) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٨ / ١٠٦ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٩٦ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٥ / ٨٠ ؛ ابن العماد ٣ / ٣٠٨.

(٢) ٤٦٣ ه‍ / ١١٣٩ م.

(٣) هو أتسز بن أوق الخوارزمي ، مقدم الأتراك ، من أمراء السلطن ملكشاه على دمشق وأتسز كلمة تركية معناها «ليس معه فرس» لقب نفسه بالملك الأعظم ، وهو أول من ملك دمشق من الأتراك وقطع منها خطبة الفاطميين ، وكانت مدة ولايته ثلاث سنين وستة أشهر وقتل سنة ٤٧١ ه‍ ؛ / ١١٤٧ م ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٨ / ١١٠ ؛ اليافعي ٣ / ١٠٠ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ١١٩ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٥ / ٨٩.

(٤) ٤٦٥ ه‍ / ١١٤١ م.

(٥) ٤٦٥ أ : خمس وستين ب ج ه : ـ د.

(٦) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٨ / ١١٠ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ١١٩.

(٧) ٤٦٨ ه‍ / ١١٤٤ م.

(٨) ٤٧١ ه‍ / ١١٤٧ م.

(٩) ينظر : ابن الجوزي ، المنتظم ١٧ / ١٩ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٨ / ١٧٥ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ١٤٩ ؛ ابن العماد ٣ / ٣٨٤.

(١٠) ينظر : ابن كثير ، البداية ١٢ / ١٣٨.

(١١) ماردين : قلعة مشهورة في جبل الجزيرة مشرفة على دارا ونصيبين ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٧٨ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٢١٩.

(١٢) ٤٨٤ ه‍ / ١١٦٠ م.


العلوي ، وهو المستعلي بأمر الله ، فاستولى على القدس بالأمان في شعبان (١) سنة ٤٨٩ ه‍ (٢) : وسار سقمان وأخوه إيلغازي من القدس ، فأقام سقمان ببلد الرها (٣) وسار أخوه إيلغازي إلى العراق وبقي القدس في يد المصريين.

ذكر تغلب الفرنج على بيت المقدس واستيلائهم عليه

لما فتح الله البيت المقدس على يد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، وعمر على يده ، ثم على يد عبد الملك بن مروان وغيره من الخلفاء ـ كما سبق شرحه ـ استمر بأيدي المسلمين من حين الفتح العمري في سنة ١٥ (٤) من الهجرة الشريفة إلى سنة ٤٩٢ ه‍ في خلافة المستظهر بالله (٥) ، هو أبو العباس أحمد بن المقتدي بأمر الله العباسي خليفة بغداد ، فكان لبثه بأيدي المسلمين سنة ٤٧٧ ه‍. وكان (٦) الفاطميون قد تغلبوا على بني العباس وادعوا الخلافة بالمغرب من أواخر سنة ٢٩٦ ه‍ (٧) في أيام المقتدر بالله أبي الفضل جعفر بن المعتضد العباسي خليفة بغداد ، ثم بنوا القاهرة واستولوا على الديار المصرية والشام ومكة واليمن وبيت المقدس.

وأولهم : عبيد الله المهدي بالله الذي ينتسبون إليه (٨) ، ثم ابنه أبو القاسم محمد القائم بأمر الله ، ثم ابنه أبو (٩) الظاهر إسماعيل المنصور بنصر الله ، ثم ابنه أبو تميم معد المعز لدين الله (١٠) ، باني القاهرة (١١) المحروسة على يد القائد أبي الحسن

__________________

(١) شعبان أ ب ج : ـ د ه / / فأقام أ ج ه : وأقم ب : ـ د.

(٢) ٤٨٩ ه‍ / ١١٦٥ م.

(٣) الرها : مدينة بالجزيرة فوق حران بينهما ستة فراسخ ، ينظر : ابن خرداذبة ٧٣ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٢٧٦ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٦٤٤ ؛ الحميري ٢٧٣.

(٤) ١٥ أ : خمس وعشرين ب ج ه : ـ د.

(٥) المستظهر بالله (٤٧٠ ـ ٥١٢ ه‍ / ١٠٧٧ ـ ١١١٨ م) : أبو العباس أحمد المستظهر من المقتدي ، ولي الخلافة بعد أبيه سنة ٤٨٧ ه‍ / ١٠٩٤ م ، وكان ممدوح السير ، ينظر : ابن الجوزي ، المنتظم ١٧ / ١٦١ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٨ / ٢٨٠ ؛ الذهبي ، سير ١٩ / ٣٩٦ ـ ٤١١ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٥ / ٢١٠ ـ ٢١١ ؛ السيوطي ، تاريخ ٤٥٧ ـ ٤٦٣ ؛ ابن العماد ٤ / ٣٣.

(٦) وكان ب : فكان أ ج ه : ـ د.

(٧) ٢٩٦ ه‍ / ٩٠٨ م.

(٨) ينتسبون إليه أ ج ه : ينسبون إليه ب : ـ د.

(٩) أبو ب ج ه : ـ أ د.

(١٠) المعز الفاطمي (٣١٩ ـ ٣٦٥ ه‍ / ٩٣١ ـ ٩٧٦ م) : المعز لدين الله بن إسماعيل بن القاسم بن المهدي عبيد الله الفاطمي العبيدي ، أبو تميم : صاحب مصر وأفريقية وأحد الخلفاء في هذه الدولة بويع له بالخلافة سنة ٣٤١ ه‍ / ٩٥٣ م ؛ ينظر : ابن خلكان ٢ / ١٠١ ؛ ابن خلدون ٤ / ٤٦ ؛ ابن إياس ١ / ٤٥.

(١١) باني القاهرة ... ٣٥٨ ه‍ أ ب ج : ـ د ه.


جوهر (١) ، المعروف بالكاتب الرومي ، فإنه جهزه من المغرب لأخذ الديار المصرية ، فأخذها في سنة ٣٥٨ ه‍ (٢) ، وبنى القاهرة المحروسة والجامع الأزهر. ثم أرسل يستدعي مخدومه المعز لدين الله ، فحضر إلى القاهرة ، واستوطنها في شهر رمضان سنة ٣٦٢ ه‍ (٣) ، واستمر إلى أن توفي بها في يوم الجمعة السابع عشر من ربيع الأول سنة ٣٦٥ ه‍ (٤). وهو الذي تنسب إليه القاهرة فيقال : القاهرة المعزية. ولما بناها جوهر سماها المنصورية (٥). فلما قدم المعز لدين الله سماها المنصورية ، القاهرية (٦). وقيل : إن سبب تسميتها بذلك أنها تقهر من شد عليها ورام مخالفة أمرها.

ولما توفي استقر بعده في الخلافة بمصر ابنه المنصور نزار العزيز بالله (٧) ، ثم ابنه أبو علي المنصور الحاكم بأمر الله الذي أمر بتخريب كنيسة القمامة ، كما تقدم ، ثم ابنه أبو الحسن علي الظاهر لإعزاز دين الله (٨) ، ثم ابنه أبو تميم معد المستنصر بالله (٩)(١٠) الذي مكن الكفار من إعادة كنيسة قمامة (١١) ، كما تقدم ، ثم ابنه أبو القاسم أحمد المستعلي بأمر الله ، وسيأتي ذكر من بقي منهم عند ابتداء ذكر الفتح الصلاحي ، إن شاء الله تعالى.

فلما آل الأمر إلى المستعلي بأمر الله وكانت وفاة أبيه (١٢) المستنصر في ذي الحجة سنة ٤٨٧ ه‍ (١٣) ولي الأمر بعد أبيه بالديار المصرية ، وكان المتولي لتدبير دولته / / الأفضل أبو القاسم (١٤) شاهنشاه بن بدر الجمالي أمير الجيوش ، وفي أيام

__________________

(١) جوهر بن عبد الله الرومي ، أبو الحسن ، توفي سنة ٣٨١ ه‍ / ٩٩٢ م ، ينظر : ابن خلكان ١ / ٣٧٥ ؛ المقريزي ، الخطط ١ / ٣٧٧ ؛ المقريزي ، اتعاظ ١٣٩ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٤ / ٢٩ ؛ ابن العماد ٣ / ٩٨.

(٢) ٣٥٨ ه‍ / ٩٦٨ م.

(٣) ٣٦٢ ه‍ / ٩٧٢ م.

(٤) ٣٦٥ ه‍ / ٩٧٥ م.

(٥) المنصورية القاهرية أ : القاهرة ب ج ه : ـ د.

(٦) ينظر : ابن تغري بردي ، النجوم ٤ / ٤٢ ـ ٤٣.

(٧) ينظر : ابن خلكان ٥ / ٣٧١ ـ ٣٧٦ ؛ الذهبي ، العبر ٣ / ٣٤ ؛ ابن خلدون ٤ / ٥١ ؛ ابن العماد ٣ / ١٢١.

(٨) ينظر : ابن خلكان ٣ / ٤٠٧ ؛ ابن خلدون ٤ / ٦١ ؛ ابن العماد ٣ / ٢٣١.

(٩) ينظر : ابن خلكان ٥ / ٢٢٩ ـ ٢٣١ ؛ المقريزي ، الخطط ١ / ٣٥٥ ـ ٣٥٦ ؛ المقريزي ، اتعاظ ١٨٦.

(١٠) المستنصر بالله أ ب ج : المنصور بالله ه : ـ د.

(١١) قمامة أ ج ه : القمامة ب : ـ د.

(١٢) أبيه ... ذي الحجة أ ب ج : ـ د ه.

(١٣) ٤٨٧ ه‍ / ١١٦٣ م.

(١٤) أبو القاسم ب : ـ أ ج د ه.


المستعلي بأمر الله اختلفت دولتهم وضعف أمرهم ، وانقطعت من أكثر مدن الشام دعوتهم ، وانقسمت البلاد الشامية بين الأتراك والفرنج ، وكان مدبر دولته الأفضل قد استولى على بيت المقدس في شعبان سنة ٤٨٩ (١) ه ـ كما تقدم ـ وكان الفاطميون يخافون من الفرنج خوفا شديدا فلا يطيقون مقابلتهم بخلاف الدولة الأيوبية.

فلما دخلت سنة ٤٩٠ ه‍ (٢) ، سار الفرنج إلى الشام وأخذوا أنطاكية بعد حصرها (٣) تسعة أشهر وملكوها في ذي القعدة (٤) ، وحصل بينهم وبين المسلمين وقعات وحروب ، وولى المسلمون هاربين ، وكثر القتل فيهم ونهب الفرنج خيامهم وتقووا بأسلحتهم ، ثم سار الفرنج إلى معرة النعمان فاستولوا عليها ووضعوا السيف في أهلها ، فقتلوا فيها ما يزيد على مائة ألف إنسان وسبوا السبي الكثير (٥). وأقاموا بالمعرة أربعين يوما ، وساروا إلى حمص فصالحهم (٦) أهلها ، وذلك في سنة ٤٩١ ه‍ (٧).

فلما دخلت سنة ٤٩٢ ه‍ (٨) قصد الفرنج بيت المقدس وهم في نحو ألف ألف مقاتل ، لعنهم الله ، وحصروا (٩) القدس نيفا وأربعين يوما ، وملكوه في ضحى نهار الجمعة لسبع بقين من شعبان سنة ٤٩٢ ه‍ ، ولبث الفرنج يقتلون في المسلمين بالقدس الشريف أسبوعا ، وقتل في المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألف نفس منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وساداتهم وعبادهم وزهادهم ممن جاور في هذا الموضع الشريف ، وغنموا ما لا يقع عليه الحصر ، وجاسوا خلال الديار ، وكان وعدا مفعولا.

ثم حصروا جميع من في القدس الشريف بداخل المسجد الشريف واشترطوا عليهم أنهم متى تأخروا عن الخروج بعد ثلاثة أيام قتلوهم عن آخرهم. فشرع المسلمون في الإسراع والمبادرة إلى الخروج ، فمن شدة ازدحامهم بأبواب المسجد ، قتل منهم خلق لا يحصيهم ، إلا الله سبحانه وتعالى (١٠).

__________________

(١) ٤٨٩ ه‍ / ١١٦٥ م.

(٢) ٤٩٠ ه‍ / ١٠٦٦ م.

(٣) حصرها أ : أن حصروها ب ج : أن حاصروها ه : ـ د.

(٤) ينظر : ابن الجوزي ، المنتظم ١٧ / ٥٣ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٨ / ١٨٥ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ١٥٥.

(٥) ينظر : ابن الجوزي ، المنتظم ١٧ / ٥٣ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٨ / ١٨٥ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ١٥٥.

(٦) فصالحهم أ : وصالحهم ب ج ه : ـ د.

(٧) ٤٩١ ه‍ / ١٠٦٧ م.

(٨) ٤٩٢ ه‍ / ١٠٦٨ م.

(٩) وحصروا أ : وحاصروا ب ج ه : ـ د.

(١٠) ينظر : ابن الجوزي ، المنتظم ١٧ / ٤٧ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٨ / ١٨٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ١٥٦ ؛ ابن ـ تغري بردي ، النجوم ٥ / ١٦٢.


وأخذ الفرنج من عند الصخرة اثنين وأربعين قنديلا من الفضة زنة كل منها ثلاثة آلاف وستمائة (١) ، وتنورا من فضة وزنة أربعون رطلا بالشامي ، وثلاثة وعشرين قنديلا من الذهب (٢).

وهزم الأفضل بن بدر الجمالي أمير الجيوش بظاهر عسقلان أقبح هزيمة (٣). وكان عند الفرنج شاعر منتجع إليهم فقال يخاطب ملك الفرنج واسمه صنجلي (٤) :

نصرت بسيفك دين المسيح

فلله درك من صنجلي

وما سمع الناس فيما روي

بأقبح من كسرة الأفضل

فتوصل الأفضل إلى ذبح هذا الشاعر.

وذهب الناس على وجوههم هاربين من الشام إلى العراق ووصل المستنفرون إلى بغداد في رمضان مستغيثين إلى الخليفة والسلطان (٥) ، منهم القاضي بدمشق أبو سعيد الهروي ، واجتمع أهل بغداد في الجوامع ، واستغاثوا وبكوا حتى أنهم أفطروا من عظم ما جرى عليهم وندب الخليفة ببغداد ، وهو المستظهر بأمر الله أبو العباس أحمد العباسي الفقهاء إلى الخروج إلى البلاد ليحرضوا الملوك على الجهاد ، فخرج الإمام أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي (٦) وغير واحد من أعيان الفقهاء ، وساروا في الناس فلم يفد ذلك شيئا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ووقع الخلاف بين السلاطين السلجوقية فتمكن الفرنج في البلاد وانزعج المسلمون في سائر ممالك الإسلام بسبب أخذ بيت المقدس غاية الانزعاج ، ثم استولى الفرنج على أكثر بلاد الساحل في أيام المستعلي بأمر الله ، فملكوا يافا وقيسارية وغيرهما من القلاع والحصون ، وكانت محنة فاحشة ، فالحكم لله العلي الكبير ، وكان الآخذ لهذه البلاد بيت المقدس وغيره بردويل الفرنجي (٧).

__________________

(١) ثلاثة آلاف وستمائة درهم ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٨ / ١٨٩.

(٢) ينظر : ابن الجوزي ، المنتظم ١٧ / ٤٧ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٨ / ١٨٩.

(٣) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٨ / ١٨٩ ـ ١٩٠.

(٤) هو ريموند دي سان جبل ، قومس تولوز Raymond de Saint ـ Gilles ، ينظر : الصوري ١ / ٤١ ؛ رنسيمان ١ / ٢٤٣.

(٥) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٨ / ١٨٩.

(٦) في ابن الأثير : «فأمر الخليفة أن يسير القاضي أبو محمد الدامغاني ، وأبو بكر الشاشي ، وأبو الوفا ابن عقيل وأبو سعد الحلواني وأبو الحسين بن سماك فساروا إلى حلوان فبلغهم قتل محمد الملك البلاساني ... فعادوا من غير بلوغ أرب ولا قضاء حاجة» ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٨ / ١٨٩.

(٧) هو تحريف لاسم بغدوين ملك القدس والذي توج بعد موت أخيه غودفري دي بويون واستمر ملكه


ثم في سنة إحدى عشرة ، وقيل : ٥١٤ ه‍ قصد الديار المصرية ليأخذها ، فانتهى إلى غزة ودخلها وأخربها (١) وأحرق مساجدها ، ورحل عنها وهو مريض ، فهلك في الطريق قبل وصوله إلى العريش. فشق أصحابه بطنه ورموا حشوته هناك ، فهي ترجم إلى اليوم ورحلوا بجثته ، فدفنوها بكنيسة قمامة بالقدس الشريف.

وسبخة بردويل هي التي في سبخة الرمل على طريق الشام وهي مما يلي العريش / / إلى جهة مصر منسوبة إلى بردويل المذكور (٢) والحجارة الملقاة هناك ، والناس يقولون هذا قبر بردويل وإنما هي الحشوة لعنة الله عليه.

ولما أخذ بيت المقدس وغيره من المسلمين قال في ذلك أبو المظفر (٣) الأبيوردي (٤) :

مزجنا دماء بالدموع السواجم

فلم يبق منا عرضة للمزاحم

وشر سلاح المرء دمع يفيضه

إذا الحرب شبت نارها بالصوارم

فإيها بني الإسلام إن وراءكم

وقائع يلحقن الذرى بالمناسم

وكيف تنام العين ملأ جفونها

على هفوات أيقظت كل نائم

فإخوانكم بالشام يضحي قتيلهم

ظهور المذاكي أو بطون القشاعم (٥)

تسومهم الروم الهوان وأنتم

تجرون ذيل الخفض فعل المسالم

وكم من دماء قد أبيحت ومن دمي

توارى حياء حسنها بالمعاصم

وبين اختلاس الطعن والضرب وقعة

يظل لها الولدن شيب القوادم

وتلك حروب من يغب عن غمارها

ليسلم يقرع بعدها سن نادم

سللنا بأيدي المشركين قواضبا

ستعمل منهم في الطلى والجماجم

يكاد لهن المستكن بطيبة

ينادي بأعلى الصوت يا آل هاشم

أرى أمتي لا يشرعون إلى العدى

رماحهم والدين واهي الدعائم (٦)

__________________

على القدس مدة سبعة عشرة سنة ، ينظر : ابن تغري بردي ، النجوم ٥ / ١٤٧ ؛ رنسيمان ١ / ٢٩٦.

(١) وأخربها أ ج ه : وخربها ب : ـ د.

(٢) المذكور ... هي الحشوة أ ب ج : ـ د ه.

(٣) أبو المظفر أ ج ه : مظفر ب : ـ د.

(٤) محمد بن أبي العباس أحمد بن إسحاق الأموي الأبيوردي ، لغوي ، شاعر ، نسابة ، وهو من الأدباء المشاهير له ديوان شعر ، توفي سنة ٥٠٧ ه‍ / ١١١٣ م ، ينظر : ياقوت ، معجم الأدباء ١٧ / ٢٣٤ ـ ٢٦٦ ؛ ابن خلكان ٤ / ٤٤٤.

(٥) فإخوانكم أ ج ه : وإخوانكم ب : ـ د.

(٦) يشرعون أ ب ج : يسرعون ه : ـ د.


وتجتنبون النار خوفا من الردى

ولا تحسبون العار ضربة لازم

أترضي صناديد الأعارب بالأذى

وتغضي على ذل حماة الأعاجم (١)

فليتهموا إذ لم يذودوا حمية

عن الدين شنوا غيرة للمحارم (٢)

وإن زهدوا في الأجر إذ حمى الوغى

فهلا أتوه رغبة في المغانم

واستمر ببيت المقدس وما جاوره من السواحل بيد الفرنج إحدى وتسعين سنة ، فلم ير في الإسلام مصيبة أعظم من ذلك ، وعجز ملوك الأرض عن انتزاعه منهم ، حتى أذن الله سبحانه وتعالى وقدر بفتحه (٣) على يد من اختاره من عباده في شهور سنة ٥٨٣ ه‍ فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل فهو حسبي ونعم الوكيل.

ذكر الفتح الصلاحي الذي يسره الله تعالى

على يد السلطان الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب

تغمده الله برحمته

قد تقدم ذكر تغلب الفاطميين على غالب المملكة واستيلائهم عليها ، وتقدم أن أولهم المهدي بالله عبيد الله ، وتقدم ذكر من بعده إلى المستعلي بأمر الله الذي أخذ الفرنج القدس في أيامه ، فلما مات المستعلي بأمر الله استقر بعده في خلافة مصر ابنه أبو علي المنصور الملقب بالآمر بأحكام الله ، ثم ابن عمه أبو الميمون عبد المجيد الحافظ لدين الله ، ثم ابنه أبو منصور إسماعيل الظاهر بأمر الله ، ثم ابنه أبو القاسم عيسى الفائز بنصر الله ، ثم ابن عمه أبو محمد عبد الله العاضد لدين الله وهو آخرهم ، وكان استقراره في خلافة مصر في سنة ٥٥٥ ه‍ (٤) ، وكان صاحب دمشق في ذلك الوقت الملك العادل نور الدين أبا القاسم محمود بن زنكي الملقب بالشهيد (٥) ، رضي‌الله‌عنه.

__________________

(١) الأعارب أ ب : الأعاريب ج ه : ـ د / / حماة أ ج ه : صماة ب : ـ د.

(٢) للمحارم ب : بالمحارم أ ج ه : ـ د.

(٣) فتحه أ ج ه : فتحه ب : ـ د.

(٤) ٥٥٥ ه‍ / ١١٦٠ م.

(٥) السلطان نور الدين محمود العادل أبو القاسم بن أتابك زنكي أق سنقر التركي ، تملك حلب بعد أبيه ثم أخذ دمشق فملكها عشرين سنة ، كان مولده سنة ٥١١ ه‍ / ١١١٧ م ، وكان أجل ملوك زمانه وأعظمهم وأعدلهم ، هزم الفرنج غير مرة ، توفي سنة ٥٦٩ ه‍ / ١٣٢ م ، ينظر : ابن الجوزي ، المنتظم ١٧ / ٢٠٩ ـ ٢١٠ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٢٥ ؛ ابن خلكان ٥ / ١٨٤ ـ ١٨٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٢٧٧ ـ ٢٨٤ ؛ النعيمي ١ / ٣٣١ ؛ ابن العماد ٤ / ٢٢٨ ـ ٢٣١.


فلما دخلت سنة ٥٦٤ ه‍ (١) تمكن الفرنج من البلاد المصرية وتحكموا على المسلمين بها وملكوا بلبيس (٢) قهرا في مستهل صفر ونهبوها وقتلوا أهلها وأسروهم (٣) ، ثم ساروا من بلبيس ونزلوا على القاهرة عاشر صفر وحصروها ، وكان وزير العاضد (٤) أمير الجيوش شاور (٥) ، فأحرق شاور مدينة مصر خوفا من أن يملكها الفرنج وأمر أهلها بالانتقال إلى القاهرة ، فبقيت النار تحرقها أربعة وخمسين يوما (٦) ، وأرسل العاضد العلوي خليفة مصر إلى السلطان نور الدين (٧) يستغيث به ، وأرسل في الكتب شعور النساء (٨) ، وصالح شاور الفرنج على ألف ألف دينار (٩) يحملها اليوم ، فحمل إليهم مائة ألف دينار ، وسألهم أن يرحلوا عن القاهرة ليقدر على جمع المال وحمله ، فرحلوا.

ولما وصل إلى السلطان نور الدين كتب العاضد جهز الأمير أسد الدين شيركوه (١٠) بن شادي إلى ديار مصر ومعه العساكر النورية ، وأنفق فيهم الأموال ، وأعطى شيركوه مائتي ألف دينار (١١) سوى الثياب والدواب والأسلحة وغير ذلك ، وأرسل معه عدة أمراء منهم ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب ، الذي تسلطن (١٢) فيما بعد ، / / وكان مسير صلاح الدين على كره منه ، أحب نور الدين مسير صلاح الدين وفيه ذهاب الملك من بيته (١٣) ، وكره صلاح الدين المسير وفيه

__________________

(١) ٦٤ ذ ه / ١١٦٨ م.

(٢) بلبيس : مدينة بينها وبين فسطاط مصر عشرة فراسخ على طريق الشام ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ١١٨ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٢١٦ ؛ المقريزي ، الخطط ١ / ١٨٣ ؛ بيكر ، بلبيس ٤ / ٥٧.

(٣) ينظر : المصدر نفسه ٨ / ٩٩.

(٤) العاضد لدين الله عبد الله بن يوسف بن الحافظ لدين الله ، خلع سنة ٥٦٧ ه‍ / ١١٧١ م ومات بها ، ينظر : ابن كثير ، البداية ١٢ / ٢٩١ ؛ السيوطي ، تاريخ ٥٩٤.

(٥) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ١ / ١٥٧ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٢٥٩.

(٦) ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٩٩.

(٧) نور الدين أ : + الشهيد ب ج ه : ـ د.

(٨) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٩٩.

(٩) ينظر : المصدر نفسه ٩ / ١٠.

(١٠) أسد الدين الكردي الزرزاري ، وهو من قرية يقال لها دوين من أعمال أذربيجان ، خدم هو وأخوه نجم الدين أيوب عند السلطان نور الدين زنكي توفي سنة ٥٦٤ ه‍ ، ينظر : أبو شامة ، الروضتين ١ / ١٦٠ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٨ / ١٠١ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٢٥٩ ؛ العيني ١٩١ ـ ١٩٤.

(١١) ينظر : ابن كثير ، البداية ١٢ / ٢٥٥.

(١٢) الذي تسلطن فيما بعد أ ب ج : ـ د ه.

(١٣) من بيته أ ج ه : من بين يديه ب : ـ د.


سعادته وملكه (١)(وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ)(٢) فإن نور الدين لما أمره بالمسير مع عمه شيركوه ، وكان شيركوه قد قال له (٣) بحضرة نور الدين : تجهز يا يوسف ، فقال : والله لو أعطيت ملك مصر ما سرت إليها ، فلقد قاسيت بالإسكندرية ما لا أنساه أبدا. فقال شيركوه لنور الدين : لا بد من مسيره معي ، فأمره نور الدين وهو يستقبل ، فقال نور الدين : لا بد من مسيرك مع عمك فشكى الضائقة (٤) ، فأعطاه ما تجهز به فكأنما يساق إلى الموت.

ولما قرب شيركوه من مصر رحل الفرنج من ديار مصر على أعقابهم إلى بلادهم ، فكان هذا المصير فتحا جديدا.

ووصل أسد الدين شيركوه إلى القاهرة في رابع ربيع الآخر ، واجتمع بالعاضد وخلع عليه وعاد إلى خيامه بالخلعة العاضدية ، وشرع شاور يماطل شيركوه فيما كان بذله لنور الدين من تقرير المال وإفراد ثلث البلاد له ، ومع ذلك فكان شاور يركب كل يوم إلى أسد الدين شيركوه ويعده ويمنيه (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) (١٢٠) (٥). ثم إن شاور عزم على أن يعمل دعوة لشيركوه وأمرائه ويقبض عليهم ، فمنعه ابنه الكامل بن شاور من ذلك (٦). ولما رأى عسكر نور الدين من شاور ذلك عزموا (٧) على الفتك بشاور ، واتفق على ذلك صلاح الدين يوسف بن أيوب ومن معه من الأمراء وعرفوا شيركوه بذلك فنهاهم عنه.

واتفق أن شاور قصد شيركوه على عادته فلم يجده في المخيم ، وكان قد مضى لزيارة قبر الشافعي ، رضي‌الله‌عنه ، فلقي صلاح الدين شاور ، وأعلمه برواح (٨) شيركوه إلى زيارة الشافعي ، فساروا ومن معهما جميعا إلى شيركوه ، فوثب صلاح الدين ومن معه على شاور وألقوه على الأرض عن فرسه ، وأمسكوه (٩) في سابع عشر ربيع الآخر سنة ٥٦٤ ه‍. فهرب أصحابه عنه وأعلموا شيركوه بما فعلوه فحضر ولم يمكنه الإتمام لذلك.

__________________

(١) ينظر : ابن شداد ٣١ ؛ ابن أيوب ٢٤١.

(٢) البقرة : [٢١٦].

(٣) له أ ج ه : ـ ب د / / أعطيت أ : أعطيتني ب ج ه : ـ د.

(٤) الضائقة أ ج ه : الضيقة ب : ـ د.

(٥) النساء : [١٢٠].

(٦) ينظر : ابن أيوب ٢٤٢.

(٧) عزموا على الفتك بشاور أ ب ج : ـ د ه.

(٨) برواح شيركوه أ ب ج : برواحه ه : ـ د.

(٩) ينظر : ابن شداد ٣٢ ؛ ابن أيوب ٢٤٢ ؛ أبو شامة ، الروضتين ١ / ١٧٢ ؛ ابن الأثير ، التاريخ ١٤١.


وسمع العاضد الخبر فأرسل إلى شيركوه يطلب منه إنفاذ رأس شاور فقتله (١) ، وأرسل رأسه إلى العاضد ، ودخل بعد ذلك شيركوه إلى القصر عند العاضد ، فخلع عليه خلعة الوزارة ولقبه الملك المنصور أمير الجيوش ، واستقر في الأمر وكتب له منشورا بالوزارة وتفويض أمور الخلافة إليه.

ولما لم يبق له منازع أتاه أجله : (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) (٤٤) (٢) ، وتوفي في يوم السبت الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة ٥٦٤ ه‍ (٣) ، فكانت ولايته شهرين وخمسة أيام وهي ابتداء الدولة الأيوبية ، وكان شيركوه وأيوب ابني شادي من بلد دوين (٤) ، وأصلهما من الأكراد ، وخدما عماد الدين زنكي (٥) ، ثم ولده نور الدين محمود ، وبقيا معه إلى أن أرسل شيركوه إلى مصر مرة بعد أخرى حتى ملكها. وتوفي في هذه السنة ، على ما ذكرناه.

ولما توفي شيركوه طلب جماعة من الأمراء النورية التقدم على العسكر وولاية الوزارة العاضدية ، فأحضر العاضد صلاح الدين وولاه الوزارة ولقبه الملك الناصر (٦) ، وثبت قدمه على أنه نائب لنور الدين يخطب له على المنابر بالديار المصرية ، وكان نور الدين يكتب لصلاح الدين الاسفهسلار (٧) ، ويكتب علامته على رأس الكتاب تعظيما على أن (٨) يكتب اسمه ، وكان لا يفرده بكتاب بل إلى الأمير صلاح الدين وكافة الأمراء بالديار المصرية ، يفعلون كذا وكذا (٩).

ثم أرسل صلاح الدين يطلب من نور الدين أباه أيوب وأهله ليتم به السرور

__________________

(١) ينظر : ابن الأثير ، التاريخ ١٤١.

(٢) الأنعام : [٤٤].

(٣) ٥٦٤ ه‍ / ١١٦٨ م.

(٤) دوين : بلدة من نواي أران في آخر حدود أذربيجان بقرب من تفليس ، منها ملوك الشام بني أيوب ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ٤٩١.

(٥) عماد الدين زنكي : صاحب الموصل وحلب ويعرف أبوه بالحاجب قسيم الدولة أق سنقر التركي ، ولي بغداد في آخر دولة المستظهر بالله ، ثم نقل إلى الموصل ، كان فارسا شجاعا ، ملك الموصل وحلب وحماة وحمص وبعلبك والرها ، قتله بعض غلمانه وهو نائم سنة ٥٤١ ه‍ / ١١٤٥ م ، ينظر : ابن الجوزي ، المنتظم ١٨ / ٤٨ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٣ ؛ أبو شامة ، الروضتين ١ / ٤٢.

(٦) ينظر : ابن الأثير ، التاريخ ١٤٢ ؛ ابن شداد ٣٢ ؛ ابن أيوب ٢٤٤ ؛ أبو شامة ، الروضتين ١ / ١٦١ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ١٥٠.

(٧) الاسفهسلار : لفظ مركب من مقطعين ، أسفه أو معناه «المقدم» ، سلار ، وهو تركي ومعناه العسكر ومعنى اللفظ : مقدم العسكر ، ينظر : القلقنشدي ، صبح ٦ / ٧ ـ ٨ ؛ عاشور ٤١١.

(٨) على أن أ : عن أ ب ج ه : ـ د.

(٩) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ١ / ١٦١.


وتكون قضيته مشاكله لقضية يوسف الصديق ، عليه‌السلام ، فأرسلهم إليه نور الدين ، فوصل والده إليه في جمادى الآخرة سنة ٥٦٥ ه‍ (١). وسلك مع والده من الأدب ما جرت به عادته ، وألبسه الأمر كله ، فأبى أن يلبسه ، فحكمه في الخزائن كلها (٢). / / وأعطى صلاح الدين أهله الإقطاعات بمصر وتمكن من البلاد وضعف أمر العاضد.

وفي هذه السنة وهي سنة ٥٦٥ ه‍ ، سار الفرنج إلى دمياط (٣) وحاصروها ، وشحنها صلاح الدين بالرجال والسلاح ، فحاصروها برا وبحرا (٤) خمسين يوما (٥) ، وخرج نور الدين فأغار (٦) على بلادهم بالشام فرحلوا عائدين على أعقابهم ولم يظفروا بشيء منها.

وفي سنة ٥٦٦ ه‍ سار صلاح الدين من مصر فغزا بلاد الفرنج (٧) قريب عسقلان والرملة ، وعاد إلى مصر ، ثم خرج إلى أيلة (٨) وحاصرها وهي للفرنج على ساحل البحر الشرقي ، ونقل إليها المراكب ، وحاصرها برا وبحرا ، وفتحها في العشر الأول من ربيع الآخر ، واستباح أهلها وما فيها وعاد إلى مصر ، وعزل قضاة المصريين وكانوا شيعة ، ورتب قضاة شافعية (٩) ، وذلك في العشرين من جمادى الآخرة سنة ٥٦٦ ه‍ (١٠).

ولما دخلت سنة ٥٦٧ ه‍ (١١) أقيمت الخطبة العباسية (١٢) بمصر وقطعت خطبة العاضد لدين الله وانقرضت الدولة العلوية الفاطمية ، وكان سبب الخطبة العباسية

__________________

(١) ٥٦٥ ه‍ / ١١٦٩ م.

(٢) ينظر : ابن شداد ٣٤ ؛ ابن أيوب ٢٤٥.

(٣) دمياط : ميناء مصري على الفرع الشرقي لنهر النيل ، ينظر : الهروي ٤٦ ؛ البكري ٢٦ ؛ ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ٥٣٧ ؛ القزويني ١٩٣ ؛ الوطواط ١٣٦ ؛ المقريزي ، الخطط ١ / ٢١٣ ؛ القرماني ٣ / ٣٧٠ ؛ بيكر ، دمياط ٩ / ٢٨٧.

(٤) برا وبحرا أ : ـ ب ج د ه.

(٥) ينظر : ابن الأثير ، التاريخ ١٤٣ ؛ ابن شداد ٥٠ ؛ أبو شامة ، الروضتين ١ / ١٨٠.

(٦) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ١ / ١٨٠ ؛ ابن أيوب ٢٤٦ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٧.

(٧) ينظر : ابن أيوب ٢٤٧.

(٨) أيلة : مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام وقيل : هي آخر الحجاز وأول الشام ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ١ / ٢٩٢.

(٩) ينظر : ابن أيوب ٢٤٧ ؛ أبو شامة ، الروضتين ١ / ١٩١.

(١٠) ٥٦٦ ه‍ / ١١٧٠ م.

(١١) ٥٦٧ ه‍ / ١١٧١ م.

(١٢) ينظر : ابن أيوب ٢٤٧ ؛ أبو شامة ، الروضتين ١ / ١٩٨ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ١٥٠.


بمصر : أنه لما تمكن الملك الناصر صلاح الدين في مصر ، وحكم على القصر ، وأقام فيه قراقوش الأسدي (١) وكان خصيا أبيض ، وبلغ نور الدين ذلك ، أرسل إلى صلاح الدين يأمره حتما جزما بقطع خطبة العلويين وإقامة الخطبة العباسية. فراجعه صلاح الدين في ذلك خوف الفتنة فلم يلتفت نور الدين إلى ذلك وأصر على ذلك (٢). وكان العاضد قد مرض ، فأمر صلاح الدين الخطباء أن يخطبوا للمستضيء بأمر الله هو أبو محمد الحسن بن المستنجد بالله العباسي (٣) خليفة بغداد ، ويقطعوا خطبة العاضد ، فامتثلوا ذلك ولم ينتطح فيها عنزان.

وكانت قد قطعت الخطبة (٤) لبني العباس من ديار مصر في سنة ٣٥٩ ه‍ (٥) في خلافة المطيع لله العباسي (٦) حين تغلب الفاطميون على مصر أيام المعز بالله الفاطمي باني القاهرة إلى هذا الآن ، وذلك مائتا سنة وثمان سنين.

وكان العاضد قد اشتد مرضه فلم يعلم أحد من أهله بقطع خطبته ، فتوفي العاضد يوم عاشوراء سنة ٥٦٧ ه‍ ، ولم يعلم بقطع خطبته.

واستولى صلاح الدين على قصر الخلافة على جميع ما فيه ، وكانت كثرته تخرج عن الإحصاء. ونقل أهل العاضد إلى موضع من القصر ، ووكل بهم من يحفظهم وخلا القصر من سكانه (٧)(كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ)(٨) وهذا العاضد

__________________

(١) أبو سعيد قراقوش بن عبد الله الأسدي ، الملقب بهاء الدين ، كان خادم صلاح الدين ، ولما استقل صلاح الدين سلمه زمام القصر ، ثم ناب عنه مدة بالديار المصرية وفوض أمورها إليه ، واعتمد في تدبير أمورها عليه واشتهر بالبناء والعمارة ، توفي سنة ٥٩٧ ه‍ / ١٢٠٠ م ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٩ ؛ ابن خلكان ٤ / ٩١ ـ ٩٢ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٧٠ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ١٥٨ ـ ١٥٩ ؛ ابن العماد ٤ / ٣٣١.

(٢) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٨ / ١١١ ؛ السيوطي ، تاريخ ٥١١.

(٣) الحسن أبو محمد بن المستنجد بالله ولد سنة ٥٣٦ ه‍ / ١١٤١ م ، بويع له بالخلافة يوم موت أبيه ، في خلافته انقضت دولة بني عبيد وخطب له بمصر وضربت السكة باسمه ، توفي سنة ٥٧٥ ه‍ ، ١١٧٩ م ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٤٨ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٠٤ ؛ الذهبي ، سير ٢٢ / ٦٨ ـ ٧٢ ؛ السيوطي ، تاريخ ٥١١ ـ ٥١٢ ؛ القرماني ٢ / ١٨١ ؛ ابن العماد ٤ / ١٨٣ ـ ٢٥١.

(٤) الخطبة أ ج ه : الخطابة ب : ـ د.

(٥) ٣٥٩ ه‍ / ٩٦٩ م.

(٦) أبو الفضل القاسم بن المقتدر ، بويع له بالخلافة يوم خلع ابن عمه المستكفي بالله ، وفي سنة؟؟؟

٣٦٣ ه‍ / ٩٧٣ م ، أصابه فالج ، فخلع من الخلافة ، وسلم الأمر لولده الطائع لله ، و؟؟؟

٣٦٤ ه‍ / ٩٧٢ م ، ينظر : المسعودي ، مروج ٢ / ٥٩٢ ؛ ابن عبد ربه ٥ / ١٣١ ؛ الذهبي؟؟؟

١٥ / ١١٣ ؛ ابن مسكوي ١ / ٨٧ ؛ ابن كثير ، البداية ١١ / ٢١٢ ؛ ابن القلانسي؟؟؟ ٢١ المختصر ٢ / ١١٣ ؛ السيوطي ، تاريخ ٤٦١ ـ ٤٦٨ ؛ القرماني ٢ / ١٥٢.

(٧) ينظر : ابن شداد ٣٥ ؛ ابن أيوب ٢٤٨ ؛ أبو شامة ، الروضتين ١ / ١٩٩.

(٨) يونس : [٢٤].


هو آخر خلفاء الفاطميين.

وجملة مدتهم من حين ظهور جدهم المهدي بالله عبيد الله بسجلماسة (١)(٢) في ذي الحجة سنة ٢٩٦ ه‍ (٣) ، إلى أن توفي العاضد في التاريخ المذكور مائتان وسبعون سنة ونحو شهر ، وهذا دأب الدنيا لم تعط إلا واستردت ، ولم تحل إلا وتمررت ولم تصف إلا وتكدرت (٤) ، بل صفوها لا يخلو من الكدر ، وانقرضت دولتهم في خلافة المستضيء بأمر الله العباسي ـ كما تقدم ـ.

ولما وصل خبر الخطبة العباسية بمصر إلى بغداد ، ضربت لها البشائر عدة أيام ، وسيرت الخلع مع عماد الدين صندل (٥) وهو من خواص الخدم المنسوبة إلى نور الدين وصلاح الدين والخطباء ، وسيرت الأعلام السود (٦).

ثم توفي والد الملك صلاح الدين وهو الملك الأفضل نجم الدين أبو الشكر أيوب (٧) ، وكان ولده غائبا عن القاهرة في جهة الكرك ، لأنه كان قصدها لغزو الفرنج فلما عاد وجد أباه قد مات. وسبب موته : أنه ركب بمصر فنفرت به فرسه ، فوقع وحمل إلى قصره وبقي أياما ومات في السابع والعشرين من ذي الحجة سنة ٥٦٨ ه‍ (٨) ، وكان خيرا عاقلا ، حسن السيرة ، كريما كثير الإحسان ، ودفن إلى جانب أخيه شيركوه ، ثم نقلا بعد سنتين إلى المدينة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.

ثم دخلت سنة ٥٦٩ ه‍ (٩) ، فتوفي فيها الملك العادل نور الدين الشهيد ، هو أبو القاسم محمود بن الملك / / عماد الدين (١٠) أبي الجود زنكي بن آقسنقر ، تغمده

__________________

(١) سجلماسة : مدينة في جنوب المغرب ذات بساتين وأصناف العنب ، وأهل هذه المدينة من أغنى الناس وأكثرهم مالا ، وهي واسعة الأقطار عامرة الديار وكثيرة البركات ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٣ / ١٩٢ ؛ القزويني ٤٢ ؛ الإدريسي ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ؛ القرماني ٣ / ٣٨٥.

(٢) بسجلماسة في سنة ٢٩٦ ه‍ أ ب ج : ـ د ه.

(٣) ٢٩٦ ه‍ / ٩٠٨ م.

(٤) وتكدرت أ ج : وتكررت ب : ـ د ه.

(٥) صندل بن عبد الله الخادم ويلقب بعماد الدين ، أرسله الخليفة إلى صلاح الدين مرارا ، وهو أكبر الخدم وأعقلهم ، وولي ناظرا على واسط ، واشتهر بالخير والصدقات ، توفي سنة ٥٩٣ ه‍ / ١١٩٦ م ، ينظر : أبو شامة ، الروضتين ١ / ١٩٩ ؛ أبو شامة ، الذيل ١١ ؛ ابن أيوب ٢٤٨.

(٦) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ١ / ١٩٩.

(٧) ينظر : ابن شداد ٣٦ ؛ ابن أيوب ٢٥٠.

(٨) ٥٦٨ ه‍ / ١١٧٢ م.

(٩) ٥٦٩ ه‍ / ١١٧٣ م.

(١٠) ٥١١ ه‍ / ١١١٧ م.


الله برحمته. ومولده في شوال سنة ٥١١ ه‍ (١) ، وكانت وفاته يوم الأربعاء حادي عشر شوال سنة ٥٦٩ ه‍ (٢) ، وكان ملكه لدمشق في سنة ٥٤٩ ه‍ (٣) ، بعد أن ملك حلب وغيرها من قبل ذلك ، وكان ملكا عادلا مجاهدا خيرا ، فتح الفتوحات واتسع ملكه ، وخطب له بالحرمين واليمن ومصر ، وخطب له في الدنيا على جميع منابر الإسلام ، وبنى السبل والمكاتب وأكمل سور المدينة الشريفة ، وطبق ذكره الأرض بحسن سيرته وعدله وزهده (٤) ، رضي‌الله‌عنه.

واستقر (٥) بعده في الملك بدمشق ولده الملك الصالح إسماعيل (٦) ، فقصد الملك الناصر صلاح الدين دمشق وأخذها (٧) ، وكان الصالح توجه إلى حلب ليقيم بها.

وثبتت قدم الملك صلاح الدين وقرر أمر دمشق ، وكان دخوله إليها في سلخ ربيع الأول سنة سبعين وخمسمائة (٨). ثم سار إلى حمص وملكها (٩) ثم إلى حماة وملكها (١٠) ، ثم سار إلى حلب وحاصرها فلم يقدر على أخذها لأن أهلها صدوه عنها محبة في الملك الصالح ، وآخر الأمر وقع الاتفاق أن يكون للملك الناصر صلاح الدين ما بيده من الشام وللملك الصالح ما بقي بيده منه ، فصالحهم على ذلك (١١) ، ورحل عن حلب وأخذ عدة أماكن وقلاع ممن هي بيده ، ثم عاد إلى مصر.

فلما توفي الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين في سنة ٥٧٧ ه‍ (١٢) استقر

__________________

(١) عماد الدين .. برحمته أ ب ج : ـ د ه / / أبي ب ج : أبو أ : ـ د ه.

(٢) ٥٦٩ ه‍ / ١١٧٢ م.

(٣) ٥٤٩ ه‍ / ١١٧٢ م.

(٤) ينظر : ابن الجوزي ، المنتظم ١٧ / ٢٠٩ ـ ٢١٠ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٢٥ ؛ ابن الأثير ، التاريخ ١٤٦ ؛ ابن خلكان ٥ / ١٨٤ ـ ١٨٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٢٧٧ ـ ٢٨٤ ؛ النعيمي ١ / ٣٣١ ؛ ابن العماد ٤ / ٢٢٨ ـ ٢٣١.

(٥) واستقر أ ب ج : وانتقل ه : ـ د.

(٦) ينظر : ابن الأثير ، التاريخ ١٦٢ ؛ ابن شداد ٣٦ ؛ أبو شامة ، الروضتين ١ / ٢٣٠.

(٧) ينظر : ابن شداد ٣٨.

(٨) ٥٧٠ ه‍ / ١١٧٣ م.

(٩) ثم سار إلى حمص وملكها ثم إلى حماة وملكها أ ه : ثم سار إلى حمص وحماة وملكها ب ج : ـ د.

(١٠) ينظر : ابن أيوب ٢٥٣.

(١١) ينظر : ابن أيوب ٢٥٥.

(١٢) ٥٧٧ ه‍ / ١١٨١ م.


بعده في الملك بحلب عمه عز الدين مسعود (١) ، ثم استقر بحلب عماد الدين زنكي (٢) بن مودود صاحب سنجار (٣) ، واستقر مسعود بسنجار بتراضيهما.

ثم في سنة ٥٧٨ ه‍ (٤) ، ثم في خامس المحرم سار الملك الناصر صلاح الدين عن مصر إلى الشام (٥) ولم يعد بعد ذلك إلى مصر إلى أن توفي ، وسار في طريقه على بلاد الفرنج وغنم ووصل إلى دمشق في صفر (٦) ، ثم سار في ربيع الأول ونزل قرب طبرية وشهد الإغارة (٧) على بلاد الفرنج مثل : بيسان وجنين (٨) والغور فغنم وقتل. ثم سار إلى بيروت وحصرها ، وأغار على بلادها ، ثم سار إلى عدة بلاد (٩).

وفي السنة المذكورة وهي سنة ٥٧٨ ه‍ قصد الفرنج المقيمون بالكرك والشوبك (١٠) المسير لمدينة رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لينبشوا قبره الشريف وينقلوا جسده المقدس (١١) إلى بلادهم ويدفنوه عندهم ولا يمكنوا المسلمين من زيارته إلا بجعل. فأنشأ البرنس أرناط (١٢) صاحب الكرك سفنا حملها على البر إلى بحر القلزم ، وأركب فيها الرجال ، وسارت الفرنج ومضوا يريدون المدينة الشريفة (١٣). فكان السلطان صلاح الدين على حوران (١٤) ، فلما بلغه ذلك بعث إلى سيف الدولة بن

__________________

(١) ينظر : ابن الأثير ، التاريخ ١٨٢ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٢١ ـ ٢٢.

(٢) ينظر : ابن الأثير ، التاريخ ٨٣.

(٣) سنجار : مدينة مشهورة من نواحي الجزيرة ، جبلها من أخصب الجبال ، بينها وبين الموصل ثلاثة أيام ، ينظر : ابن خرداذبة ٩٦ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٢٨٣ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٧٤٣ ياقوت ، معجم البلدان ٣ / ٢٩٧ ؛ الحميري ٣٢٦ ؛ القزويني ٢٠٤ ؛ القرماني ٣ / ٣٨٣.

(٤) ٥٧٨ ه‍ / ١١٨٢ م.

(٥) ينظر : ابن الأثير ، التاريخ ١٨٣ ؛ ابن شداد ٤٤.

(٦) ينظر : ابن شداد ٤٤.

(٧) ينظر : ابن أيوب ٢٦٣ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ١٨٩.

(٨) وجنين أ ج ه : جبين ب : ـ د.

(٩) ينظر : ابن أيوب ٢٦٣.

(١٠) الشوبك : قلعة حصينة في أطراف الشام بين عمان وأيلة قرب الكرك ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٤٧ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٨١٨.

(١١) المقدس أ ج ه : الكريم ب : ـ د.

(١٢) أرناط أ ج ه : أرباط ب : ـ د.

(١٣) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٥٩ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٣٥ ؛ ابن أيوب ٢٦٤ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ١٩٠.

(١٤) حوران : كورة واسعة من أعمال دمشق ذات قري ومزارع ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٤٣٥ ؛ الحميري ٢٠٦.


منقذ (١) نائبه على مصر يأمره بتجهيز الأمير حسام الدين لؤلؤ (٢) الحاجب خلف العدو.

فاستعد لذلك وسار في طلبهم حتى أدركهم ولم يبق بينهم وبين المدينة إلا مسافة يوم ، وكانوا نيفا وثلثمائة ، وقد انضم إليهم عدة من العربان المرتدة. ففرت العربان ، والتجأ الفرنج إلى رأس جبل صعب المرتقى. فصعد إليهم في نحو عشرة أنفس وضايقهم فيه فخارت قواهم بعد ما كانوا معدودين من الشجعان ، فقبض عليهم (٣) وقيدهم وحملهم إلى القاهرة وكان لدخولهم يوم مشهود ، وتولى قتلهم الصوفية والفقهاء (٤) وأرباب الديانة بعدما ساق رجلين من أعيان الفرنج إلى منى ونحرهما هناك كما تنحر البدن التي تساق هديا إلى الكعبة (٥).

ثم في سنة ٥٧٩ ه‍ (٦) ملك حمص وآمد (٧) وعينتاب (٨) وغيرها ، ثم سار إلى حلب وحاصرها وأخذ من صاحبها عماد الدين زنكي بن مودود بن عماد الدين وعوضه عنها سنجار وما معها وتسلم حلب في صفر من هذه السنة (٩) ، ومن الاتفاقات العجيبة أن محي الدين بن الزكي (١٠) قاضي دمشق مدح السلطان بقصيدة منها :

وفتحكم حلبا بالسيف في صفر

مبشر بفتوح القدس في رجب

فوافق فتح القدس في رجب سنة ٥٨٣ ه‍ (١١) ، على ما سنذكره ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) ينظر : ابن خلكان ٤ / ١٤٤ ـ ١٤٦.

(٢) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٣٥ ؛ ابن أيوب ٢٦٥ ؛ اليافعي ٣ / ٤٩٥.

(٣) فقبض عليهم أ : وقبض عليهم ب ج ه : ـ د.

(٤) والفقهاء أ ج ه : والفقاء ب : ـ د.

(٥) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٦٠ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٣٥.

(٦) ٥٧٩ ه‍ / ١١٨٣ م.

(٧) آمد : لفظة رومية وهي بلد قديم حصين ، ودجلة محيطة بأكثره تسمى اليوم دياربكر. ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٥٣ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٦ ؛ الحميري ٣ ؛ القرماني ٣ / ٢٠٠.

(٨) عينتاب : قلعة حصينة قرب حلب ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٦٨ ؛ القزويني ٢٢٣ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٧٧ : القرماني ٣ / ٤٢٣.

(٩) ينظر : المقريزي ، السلوك ١ / ١٩٣.

(١٠) أبو المعالي محمد بن أبي الحسن علي بن محمد بن يحيى المقلب محي الدين المعروف بابن زكي الدين ، فقيه شافعي ولي قضاء دمشق ثم ولي قضاء حلب ، وهو أول خطيب للمسجد الأقصى بعد تحريره على يد صلاح الدين ، توفي سنة ٥٩٨ ه‍ / ١٢٠١ م ، ينظر : ابن خلكان ٤ / ٢٢٩ ـ ٢٣١ ؛ الذهبي ، العبر ٤ / ٢٠٥ ؛ السبكي ٤ / ٨٩ ؛ اليافعي ٣ / ٤٩٥ ؛ ابن العماد ٤ / ٣٣٧.

(١١) ٥٨٣ ه‍ / ١١٨٧ م.


وفي سنة ٥٨٠ ه‍ (١) غزا السلطان الكرك وضيق على من به (٢) ، وملك ربض الكرك وبقيت القلعة وحصل بين المسلمين والفرنج القتال ، فزحل عنها وسار إلى نابلس ، / / وأحرقها ونهب ما بتلك النواحي وقتل وأسر وسبى ، وعاد إلى دمشق (٣).

وفي سنة ٥٨١ ه‍ (٤) ملك ميافارقين (٥).

وفي سنة ٥٨٢ ه‍ (٦) أحضر السلطان (٧) ولده الملك الأفضل من مصر فأقطعه دمشق ، ثم أحضر أخاه العادل من حلب وجعل ولده العزيز عثمان نائبا عنه بمصر واستدعى نائبه بمصر ـ هو وابن أخيه الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه ـ وزاده على حماة منبج (٨) والمعرة وكفر طاب (٩) وميافارقين. واستقر العزيز عثمان والعادل أبو بكر في مصر.

واستمر الحال على ذلك إلى أن دخلت سنة ٥٨٣ ه‍ (١٠) ، فيها كانت الوقعة العظيمة التي فتح الله بها بيت المقدس وغيره على يد السلطان الأعظم والليث الهمام ، المقدم سلطان الإسلام والمسلمين ، محي العدل في العالمين ، قاتل الكفرة والمشركين ، قاهر الخوارج (١١) والمرتدين جامع كلمة الإيمان ، قامع عبدة الصلبان ، رافع علم العدل والإحسان ، خادم الحرمين الشريفين ، منقذ البيت المقدس من أهل الزيغ والطغيان ، الملك الناصر صلاح الدنيا والدين ، هو أبو المظفر يوسف بن أيوب بن شادي ، تغمده الله برحمته ، وأسكنه فسيح جنته ، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا.

__________________

(١) ٥٨٠ ه‍ / ١١٨٤ م.

(٢) من به أ : أهلها ب ج ه : ـ د.

(٣) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٦٥ ـ ١٦٦.

(٤) ٥٨١ ه‍ / ١١٨٥ م.

(٥) ميافارقين : مدينة مشهورة بديار بكر ، كانت بها بيعة من مهد المسيح ، وهي الآن جامعها ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٥ / ٢٣٥ ـ ٢٣٨ ؛ القزويني ٥٦٥ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٢٧٨ ؛ القرماني ٣ / ٤٨٥.

(٦) ٥٨٢ ه‍ / ١١٨٦ م.

(٧) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٧٢ ـ ١٧٣ ؛ ابن أيوب ٢٦٩.

(٨) منبج : مدينة ببلاد حلب ذات خيرات كثيرة وأرزاق واسعة ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٥ / ٢٠٥ ـ ٢٠٧ ؛ القزويني ٢٧٤ ؛ القرماني ٣ / ٤٨٨.

(٩) كفر طاب : بليدة بين المعرة وحلب سميت بذلك لأن حواليها أرضا طيبة كريمة وثمارا كثيرة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٦٣ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٧١ ؛ الحميري ٥٠٠.

(١٠) ٥٨٣ ه‍ / ١١٨٧ م.

(١١) الخوارج أ ج ه : ـ ب د.


وذلك في أيام الإمام الأعظم ، والخليفة المكرم (١) ، أمير المؤمنين ابن عم سيد المرسلين ، ووارث الخلفاء الراشدين ، الإمام الناصر لدين (٢) الله ، هو أبو العباس أحمد بن الإمام المستضيء بالله بن محمد بن الحسن بن الإمام المستنجد بالله أبي المظفر يوسف بن الإمام المقتفي لأمر الله أبي عبد الله (أبي العباس) محمد بن الإمام المستظهر بالله أحمد بن الإمام المقتدي بالله أبي القاسم عبد الله بن محمد الذخيرة بن الإمام القائم بأمر الله أبي جعفر عبد الله بن الإمام القادر بالله أبي العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن الإمام المقتدر بالله أبي الفضل جعفر بن الإمام المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الموفق بالله أبي أحمد طلحة بن الإمام المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن الإمام المعتصم بالله أبي إسحاق محمد بن الإمام الرشيد أبي جعفر هارون بن الإمام المهدي أبي عبد الله محمد بن الإمام المنصور أبي جعفر عبد الله ، باني مدينة السلام بغداد ، ابن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، رضي‌الله‌عنه وعن أسلافه الطاهرين.

وقد حكي : أن السلطان لما كثرت فتوحاته بالسواحل (٣) ، وأوجع فيهم بسهامه وسطوته ، وكان لا يتجاسر على فتح بيت المقدس لكثرة ما فيه من الأبطال والعدة ، لكونه كرسي دين النصرانية ، وكان في بيت المقدس شاب (٤) مأسور من أهل دمشق ، كتب هذه الأبيات ، وأرسل بها إلى الملك صلاح الدين على لسان القدس فقال :

يا أيها الملك الذي

لمعالم الصلبان نكس

جاءت إليك ظلامة

تسعى من البيت المقدس

كل المساجد طهرت

وأنا على شرفي منجس (٥)

فكانت هذه الأبيات هي الداعية له إلى فتح بيت المقدس ويقال : إن السلطان وجد في ذلك الشاب أهلية فولاه خطابة المسجد الأقصى. وكان السلطان الملك الناصر ، رحمه الله ، لما عزم على الفتح كتب يستدعي للجهاد من جميع البلاد وبرز (٦) من دمشق يوم السبت مستهل شهر الله المحرم

__________________

(١) المكرم أ ج ه : الأكرم ب : ـ د.

(٢) أحمد أبو العباس بن المستضيء ولد سنة ٥٥٣ ه‍ / ١١٥٨ م ، بويع بالخلافة يوم وفاة أبيه ومات سنة ٦٢٢ ه‍ / ١٢٢٥ م ، ينظر : ابن الجزري ١٢١ ـ ١٢٢ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٠٦ ـ ١٠٧ ؛ أبو الفداء ، المختصر ٣ / ٦٢ ؛ ابن العبري ٢١٧ ـ ٢٤٢ ؛ الصفدي ١ / ٦٢ ـ ٦٨ ؛ السيوطي ٥١٣ ـ ٥٢٤.

(٣) بالسواحل أ : في السواحل ب ج ه : ـ د.

(٤) شاب ب : ـ ب ج د ه.

(٥) على شرفي منجس ب ج ه : ـ أ د.

(٦) ينظر : المقريزي ، السلوك ١ / ٢٠٧.


الحرام (١) سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة (٢) قبل اجتماع العساكر عليه ، وحضور من استنفره للجهاد عليه ، وسافر بمن معه من عسكره ، وخيم على قصر سلامة من بصرى على سمت الكرك خوفا على الحاج من صاحب الكرك البرنس (٣) أرناط (٤) ، فإنه كان شديد العداوة للمسلمين ، مقداما على الشر وإثارة الحروب ، وكان قد عزم على أسر الحجاج (٥) ، فلما أحس بنزول السلطان قريبا منه عاد وأقام بحصنه خشية على نفسه. فوصل الحجاج في أول صفر إلى وطنهم بدمشق. واطمأنت فكرة السلطان عليهم.

وانتظر السلطان وصول العسكر المصري ، فأبطأ عليه (٦) ، / / فأمر ولده الملك الأفضل نور الدين عليا أن يقيم برأس الماء ويجمع العساكر الواصلة إليه ، وتوجه السلطان ومن معه إلى الكرك وضياعه ، فأحرق ونهب فيها وأسر (٧) ، وسار إلى الشوبك ففعل كذلك ، ووصل إليه عسكر مصر واستمر على هذا الحال شهرين والملك الأفضل مقيم برأس الماء (٨) في جمع عظيم ينتظر ما يأمره به والده.

ثم قوي عزمه على طبرية فسار بمن معه (٩) ، ووصل إلى صفورية (١٠) ، فخرج إليهم الفرنج في جمع كبير والتقى الفريقان ، فنصر الله المسلمين وظفرهم بالمشركين ، فقتلوا منهم وأسروا ، وعد ذلك من حسن تدبير الملك الأفضل ، فوردت البشائر على السلطان بالكرك (١١).

ثم سار السلطان واجتمع به ولده ، وقد كثر عسكر الإسلام ، واجتمع واشتد عزمهم على الجهاد وقوي. وسمع الفرنج بما هم فيه من الكثرة ، وتحققوا أنهم

__________________

(١) الحرام ب : ـ ب ج د ه.

(٢) ٥٨٣ ه‍ / ١١٨٧ م.

(٣) البرنس أ ب : الإبرنس ج ه : ـ د / / أرناط أ ج ه : أرباط ب : ـ د.

(٤) البرنس أرناط هوPrince Renaulde Chatillon : صاحب الكرك والشوبك عرف بالمصادر الإسلامية بالبرنس أرناط ، قتله صلاح الدين بعد معركة حطين ، ينظر : الصوري ٢ / ٨١٤ ؛ ابن خلكان ٧ / ١٧٦ ؛ الصفدي ٦ / ١٨٢ ؛ William of Tyre ٢ / ٤٤٢.

(٥) الحجاج أ ج ه : الحاج ب : ـ د.

(٦) ينظر : ابن شداد ٥٨.

(٧) فأحرق ونهب فيها أ : فأحرق فيها ونهب ب ج : فأحرق ونهب ه : ـ د.

(٨) موضع بالقرب من حوران ، ينظر : المقريزي ، السلوك ١ / ٢٠٧.

(٩) ينظر : ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٢٠.

(١٠) صفورية : كورة وبلدة من نواحي الأردن بالشام قرب طبرية ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٤٥ ؛ الحميري ٣٦٣ ؛ شراب ٤٨٧.

(١١) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٧٥ ـ ٧٦.


مأخوذون ، وكان بينهم خلف وتنافر ، فشرعوا حينئذ في الصلح ، وتوافقوا على اجتماع الكلمة (١).

ثم إن السلطان سار بالعسكر إلى ديار الفرنج بعد أن رتب العسكر واستعرضه ، ورحل على هيئة عظيمة يوم الجمعة سابع عشر ربيع الآخر (٢) ، وخيم على جنين (٣) ، ثم أصبح سائرا ، ونزل على الأردن وهو نهر الشريعة ، والفرنج قد تأهبوا للحرب بصفورية ، ورتبوا جيوشهم ، ورفعوا صلبانهم ، وكانوا نحو خمسين ألفا وأكثر ، والسلطان في كل صباح يسير إليهم ويراميهم.

فتح طبرية (٤)

ثم قوي عزمه على طبرية فسار إليها ونزل عليها ، وأحضر الحجارين والنقابين وأمرهم بالهدم والنقب ، وكان ذلك يوم الخميس. فنقبوا في برج فهدموه ، وتسلقوا فيه ، وتسلموه ، ودخل الليل.

فلما بلغ الفرنج ذلك اعتدوا وشدوا عزمهم وعلموا أن طبرية متى أخذت تؤخذ منهم جميع البلاد ، فاجتمع الفرنج مع ملوكهم وساروا بفارسهم وراجلهم نحو السلطان ، فبلغ السلطان ذلك ، يوم الجمعة فما كذب الخبر واستخار الله تعالى وسار بعسكره ، وجاء يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر والفرنج سائرون إلى طبرية ، فرتب السلطان الأطلاب (٥) في مقابلتهم فحال الليل بين الفريقين.

وقعة حطين (٦) ـ وهي الوقعة العظمى (٧)

فلما أسفر الصباح (٨) ، ثار الحرب بين الفريقين ، وصاح المسلمون صيحة

__________________

(١) ينظر : ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٢٠.

(٢) ينظر : ابن خلكان ٧ / ١٧٤.

(٣) جنين أ ج ه : جيبين ب : ـ د.

(٤) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١٧٦ ـ ١٧٧ ؛ ابن شداد ٥٩ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٧٦ ؛ ابن خلكان ٧ / ١٧٤ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٠٧.

(٥) الأطلاب : فرق الجيش وكتائبه وظهر هذا اللفظ أيام صلاح الدين الأيوبي ويذكر أن «الطلب» في لغة الغز هو أمير له لواء وبوق ومائتا فارس إلى مائة إلى سبعين. ينظر : ابن واصل ٢ / ١٥٧ ؛ جب ١٠٠.

(٦) حطين : قرية بين طبرية وعكا بالشام ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ٣١٥ ـ ٣١٦ ؛ القرماني ٣ / ٣٥٧.

(٧) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ١٧٧ ـ ١٧٨ ؛ ابن شداد ٥٩ ـ ٦٣ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ ، ٧٦ ـ ٨٠ ؛ ابن خلكان ٧ / ١٧٤ ـ ١٧٧ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٠٧.

(٨) الصباح أ : الصبح ب ج ه : ـ د.


رجل واحد ، فألقى الله الرجفة (١) في قلوب الكافرين ، ووقع البطش في الفرنج ، وأمكن (٢) الله المسلمين منهم ، فأووا إلى جبل حطين ، وهي قرية عندها قبر النبي شعيب ، عليه الصلاة والسلام ، وانهزم القمص (٣)(٤) حين أحس بالكسرة ، وذلك قبل اضطراب الجمع ، فدهمهم المسلمون ، ومالوا عليهم من كل جانب ، فتثبتوا فأحاط بهم عسكر الإسلام أوقدوا حولهم النيران ، فإنه كان تحت أقدام خيولهم حشيش ، فأمر السلطان بإلقاء النار فيه فاجتمع عليهم حر النار وحر الشمس (٥) واشتد بهم العطش ، وضاق بهم الأمر ، ووقع السيف فيهم ، واشتد القتال ، فنصر الله المسلمين ، وأطلقوا عليهم السهام. وحكموا فيهم السيوف وأبادوا الفرنج قتلا وأسرا. وأسروا ملكهم ومن معه ، وسميت هذه الوقعة : وقعة حطين ، وهي من الوقعات المشهورة ، وقتل من الفرنج ثلاثون ألفا من شجعانهم وفرسانهم ورؤي (٦) بعض الفلاحين وهو يقود نيفا وثلاثين أسيرا قد ربطهم في طنب خيمته ، وباع منهم واحد بنعل لبسه في رجله ، فقيل له في ذلك ، فقال : أحببت أن يقال باع أسيرا بمداس.

وجلس السلطان لعرض أكابر الأسارى ، فأول من قدم إليه مقدم الداوية وعدة كثيرة منهم ومن الإسبتارية (٧) ، وأحضر الملك كي (٨) ، وأخيه جفري (٩) وأود (١٠) صاحب جبيل وهنفري (١١) والبرنس أرناط صاحب الكرك. وهو أول من أسر ، وكان السلطان قد نذر دمه ، وأقسم أنه إذا ظفر به يعجل بإتلافه ، وذلك لأنه كان قد عبر به

__________________

(١) الرجفة أ : الرعب ب ج ه : ـ د.

(٢) وأمكن أ ج ه : ومكن ب : ـ د.

(٣) القمص  Comes : هو ريموند صاحب طرابلس : ورث كونتية طرابلس عن أبيه بعد مقتله ، ينظر : الصوري ٢ / ٩٧٦ ؛ رنسيمان ١ / ٢٤٣ ؛ William of Tyre ٢ / ٢٠٤.

(٤) القمص أ ج ه : القمس ب : ـ د.

(٥) حر النار وحر الشمس أ : حر الشمس وحر النار ب ج ه : ـ د.

(٦) ورؤي أ ج ه : رؤي ب : ـ د.

(٧) الإسبتار أو الإسبتارية ، هو تعريب لكلمةLEs Hospitoliers الفرنسية ، وقد أنشأ الفرنجة مشافي في القدس يشرف عليها الرهبان ، ونجم عنها تأسيس ثلاث منظمات رهبانية عسكرية هدفها إيواء ومداواة المرضى والجرحى من الجنود والحجاج المسيحيين ، وهذه المنظمات هي : منظمة فرسان سان القديس يوحنا ومنظمة فرسان الهيكل ، ومنظمة الفرسان الألمان ، ينظر : هامش المقريزي ، السلوك ١ / ٢٠٧ ؛ هامش ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢٩ ؛ الموسوعة الفلسطينية ١ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ؛ المغربي ١٧٩.

(٨) يعرف باسم كي أو جي ، وهو الابن الأصغر لهيو الثامن سيد بيت لوزيمان ينظر : الصوري ٢ / ١٠٥٩ ؛ ابن شداد ٧٧ ؛ William of Tyre ٢ / ٦٤٢.

(٩) ينظر : رنسيمان ٨٠٧.

(١٠) المصدر نفسه.

(١١) المصدر نفسه.


بالشوبك قوم من الديار المصرية في حال الصلح فغدر بهم وقتلهم ، فناشدوه الصلح الذي بينه وبين المسلمين (١) ، فقال : ما يتضمن الاستخفاف بالنبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقصد المسير إلى المدينة الشريفة ومكة المشرفة ـ كما تقدم ذكره ـ وبلغ ذلك السلطان فحملته حمية دينه (٢) / / على أن نذر دمه.

ولما فتح الله عليه بنصره وجلس في دهليز الخيمة لأنها لم تكن نصبت بعد ، وعرضت عليه الأسارى ، فلما حضر بين يديه أجلسه إلى جنب الملك والملك بجنب السلطان ، وقرعه على غدره وقصده الحرمين الشريفين ، وذكره بذنبه من حلفه وحنثه ونقضه العهود والمواثيق. فقال الترجمان : أنه يقول : قد جرت بذلك عادة الملوك وكان الملك كي يلهث من الظمأ ، فآنسه السلطان ، وسكن رعبه ، وأتى بماء مثلوج فشرب منه ، ثم ناوله الإبرنس (٣) فأخذه من يده وشرب ، فقال السلطان للملك : إن هذا الملعون لم يشرب الماء بإذني فيكون أمانا له.

ثم نصبت له الخيام ، فلما جلس في خيمته أحضر الإبرنس (٤). فلما أقبل عليه أوقفه بين يديه فقال (٥) : ها أنا أنتصر لمحمد منك ، ثم عرض عليه الإسلام ، فلم يفعل (٦) فبادره وضربه بالسيف فصرعه ، ثم أمر برأسه فقطع وجر برجله قدام الملك. فارتاع وانزعج ، فعرف السلطان منه ذلك فاستدعاه وأمنه وطمنه. وقال : لما غدر غدرنا به لأنه تجاوز الحد وتجرأ على الأنبياء ، صلوات الله عليهم وسلامه (٧) ، وكانت هذه النصرة للمسلمين في يوم السبت لخمس بقين من ربيع الآخر ، وبات الناس في تلك الليلة على أتم سرور (٨) ، وترفع أصواتهم بحمد الله تعالى وشكره وتهليله وتكبيره حتى طلع الفجر.

وأما الصليب الأعظم عندهم فإن المسلمين استولوا عليه يوم المصاف ، ولم يؤسر الملك حتى أخذ صليب الصلبوت ، وهو الذي إذا رفع ونصب يسجد (٩) له كل نصراني وركع ، وهم يزعمون أنه من الخشبة التي صلب عليه معبودهم ، وقد غلفوه

__________________

(١) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٥ / ١٧٨ ؛ ابن خلكان ٧ / ١٧٦ ؛ المقريزي ، السلوك ٢٠٧.

(٢) حمية دينه أ ه : الحمية الدينية ب : حميته ودينه ج : ـ د.

(٣) الإبرنس أ ج ه : البرنس ب : ـ د / / وشرب أ : فشربه الملعون ب ج ه : ـ د.

(٤) الإبرنس أ ج ه : البرنس ب : ـ د.

(٥) فقال أ ه : وقال له ب : قال له ج : ـ د.

(٦) فلم يفعل أ ج ه : فلم يقبل ب : ـ د.

(٧) ينظر : ابن شداد ٦٢ ؛ ابن أيوب ٢٧٢.

(٨) سرور أ ج ه : ـ ب د.

(٩) يسجد أ ج : سجد ب ه : ـ د.


بالذهب ، وكللوه بالجوهر (١) ، وكان أخذه عندهم أعظم من أسر الملك ، وعظمت مصيبتهم بأخذه.

ثم نزل السلطان على صحراء طبرية (٢). وندب إلى حصنها من تسلمه بالأمان وكانت الست صاحبة طبرية قد حمته ونقلت إليه جميع (٣) ما تملكه ، فأمنها على أصحابها وأموالها ، وخرجت بمن معها إلى طرابلس بلد زوجها القمص. وصارت طبرية للمسلمين ، وعين لولايتها صارم (٤) الدين قايماز النجمي. وكان من الأكابر والسلطان نازل ظاهر طبرية.

فلما أصبح يوم الاثنين سابع عشر من ربيع الآخر طلب السلطان الأسارى من الداوية والإسبتارية. فأحضر العسكر (٥) في الحال مائتين وأمر بضرب أعناقهم ، وكان عنده جماعة من أهل العلم والتصوف ، فسأل كل واحد ، في قتل واحد ، فقتلوا بحضرة السلطان. ثم سير ملك الفرنج وأخاه وهنفري وصاحب جبيل ومقدم الداوية (٦) وجميع أكابرهم المأسورين إلى دمشق وسجنهم (٧).

فتح عكا (٨)

ورحل السلطان ظهر يوم الثلاثاء بمن معه من العساكر الإسلامية ، ونزل عشية بأرض لوبية (٩) ، فلما أصبح سار ، وكان في صحبته الأمير عز الدين أبو فليسة القاسم المهدي (١٠) الحسيني (١١) ، أمير المدينة النبوية ، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، وكان حضر تلك السنة صحبة الحاج (١٢) وهو ذو شيبة نيرة ، وحضر مع السلطان هذا الفتح جميعه.

__________________

(١) بالجوهر أ ب ج : بالجواهر ه : ـ د.

(٢) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٧٩ ؛ ابن خلكان ٧ / ١٧٧.

(٣) جميع أ ج ه : كل ب : ـ د.

(٤) صارم الدين قايماز النجمي أ ه : صارم الدين قيمازا صنجي ب : صارم الدين قليمان النجمي : ـ د.

(٥) العسكر أ ه : منهم ب ج : ـ د.

(٦) الداوية أ ج : الرواية ب ه : ـ د.

(٧) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٨١ ـ ٨٢.

(٨) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٧٩ ؛ ابن شداد ٦٢ ؛ أبو شامة ٢ / ٨٥ ـ ٨٦ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٢٢ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩.

(٩) لوبية أ ج ه : لوبيا ب : ـ د.

(١٠) المهدي أ ه : ابن المهني ب ج : ـ د.

(١١) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٨٦.

(١٢) الحاج أ ج ه : الحجاج ب : ـ د.


فأقبل السلطان على عكا وخيم قريبا منها ، وأصبح يوم الخميس ركب لحربها فخرج أهل البلد يطلبون الأمان ، فأمنهم وخيرهم بين المقام والانتقال ، وأمهلهم أياما حتى ينتقل من يختار النقلة فأسرع الفرنج للخروج (١) منها ، ودخل الجند واستولوا على الدور ، ونزلوا بها وغنموا منها شيئا كثيرا.

وكان السلطان جعل للفقيه ضياء الدين عيسى الهكاري (٢) كل ما يتعلق بالداوية (٣) من منازل وضياع ، فأخذها بما فيها ، ووهب عكا لولده الملك الأفضل ، ودخلها المسلمون يوم الجمعة مستهل جمادى الأولى وصلى بها الجمعة (٤) ، وجعلت الكنيسة العظمى مسجدا جامعا ، ورتب فيه القبلة والمنبر ، وخطب جمال الدين عبد اللطيف بن الشيخ أبي النجيب (٥) السهروردي (٦) ، وتولى بها القضاء والخطابة.

وأقام السلطان في مخيمه (٧) بباب عكا على التل ، وكتب لأخيه الملك العادل سيف الدين أبي بكر وهو بمصر يعلمه بالفتح ، فوصلت البشائر للسلطان بوصوله ، وأنه فتح في طريقه حصن مجدل يابا (٨) / / ومدينة يافا عنوة ، وغنم ما فيها (٩) ، فتوجه إليه القصاد من أخيه السلطان الملك الناصر (١٠) ، وأنعم عليهم مما غنمه وسباه بشيء كثير واستمر السلطان مقيما بمخيمه ، وفرق الأمراء لفتح البلاد المجاورة ، وأمدهم بالعساكر (١١).

فتح الناصرة وصفورية (١٢)

فسار مظفر الدين كوكبوري (١٣) صاحب اربد ، الملقب بالملك المعظم ، إلى

__________________

(١) للخروج أ ج : في الخروج ب ه : ـ د.

(٢) ينظر : المقدسي ، الذيل ١٦١ ؛ ابن خلكان ٣ / ٤٩٧ ـ ٤٩٨ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٠٩.

(٣) بالداوية أ ج : بالراوية ب ه : ـ د.

(٤) وصلى بها الجمعة أ : وصليت الجمعة بها ب ج ه : ـ د.

(٥) النجيب أ ج ه : نجيب ب : ـ د.

(٦) ينظر : المقدسي ، الروضتين ٢ / ٨٧.

(٧) في مخيمه أ ج هت : في خيمه ب : ـ د.

(٨) مجدل يابا : قرية قرب الرملة بها حصن محكم ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ؛ أبو الفداء ، تقويم ١٥٨ ؛ البغدادي ، المراصد ٣ / ١٢٣٠.

(٩) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٨٧ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٠٩.

(١٠) الناصر أ ج ه : ـ ب د.

(١١) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٧٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٢٢.

(١٢) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٧٩ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٨٧ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٠٩.

(١٣) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٨٧.


الناصرة ومعه حسام الدين بن طومان ، وفتحها وأخذ ما فيها ، وسبى نساءها ، وأسر رجالها.

وأما صفورية فهرب أهلها ، فلم يجدوا بها أحدا ، وكان بها من الأموال والذخائر ما لا يحصى.

فتح قيسارية (١)

وتوجه بدر الدين يلدرم (٢) وغرس الدين فلج وجماعة من الأمراء إلى قيسارية فافتتحوها (٣) بالسيف واستولوا على ما فيها ، ثم تسلموا أرسوف (٤).

فتح نابلس (٥)

وسار حسام الدين بن محمد بن عمر بن لاجين (٦) على سمت نابلس ، ووصل إلى سبسيطية فتسلمها ووجد مشهد زكريا ، عليه‌السلام ، وقد اتخذه القسوس كنيسة فأعاده مشهدا كما كان ، ثم قصد نابلس ونازلها وحاصرها ، وطال حصارها (٧) ، ولم يزل مقيما عليها حتى استأمنوه ، ووثقوا بأمانه ، ثم سلموها وخلصت له نابلس وأعمالها ، وكان معظم أهلها وجميع سكان نواحيها مسلمين ، وكانوا في شدة عظيمة من الفرنج.

فتح الفولة (٨) وغيرها (٩)

وكانت الفولة من أحسن الحصون ، وفيها من العدو والأموال شيء كثير ، وكانت مجمعهم ، فلما كان يوم المصاف خرجوا بأجمعهم ، وحصل لهم ما حصل من القتل والأسر (١٠) ، ولم يبق بها إلا الأراذل ، فسلموا الحصن بما فيه إلى

__________________

(١) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٧٩ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٨٨ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٠٩.

(٢) هو الأمير بدر الدين يلدرم الياروقي صاحب تل باشر توفي سنة ٦١١ ه‍ / ١٢١٤ م ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ٨٧.

(٣) فافتتحوها أ ج ه : ففتحوها ب : ـ د.

(٤) أرسوف : مدينة على ساحل الشام بين قيسارية ويافا ، بناها الكنعانيون ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٣٩ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٥٦ ؛ شراب ١١١ ؛ العقاد ١٨.

(٥) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٨٠ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٨٨ ؛ ابن خلكان ٧ / ١٧٧.

(٦) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٨٨.

(٧) وطال حصارها أ : ـ ب ج د ه.

(٨) الفولة : بلدة بفلسطين من أجناد الشام وهي قرية في قضاء الناصرة ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ١٠٤٧ ؛ شراب ٥٨٩.

(٩) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٧٩ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٨٨ ؛ ابن أيوب ٢٧٢.

(١٠) القتل والأسر أ ج ه : القتل والحصر والأسر ب : ـ د / / بها أ ج : فيها ب ه : ـ د.


السلطان. وتسلموا جميع ما في تلك (١) الناحية مثل : دبورية (٢) وجنين (٣) وزرعين (٤) والطوالية (٥) واللجون وبيسان والقيمون (٦) ، وجميع ما لطبرية وعكا من الولايات والزيب (٧) ومعليا (٨) والبعنة (٩) وإسكندرية.

فتح تبنين (١٠)

ثم أمر السلطان ابن أخيه الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه يقصد حصن (١١) تبنين ، فقصده وأخذ في مضايقته وطال حصاره ، فراسلوا السلطان (١٢) وسألوه الأمان واستمهلوا خمسة أيام ، فأمهلوا بعد أن بذلوا رهائن وأطلقوا ما عندهم من الأسرى (١٣). فسر السلطان بذلك وأحسن إلى المأسورين ، وكان هذا دأبه في كل بلد يفتحه ، فخلص في تلك السنة من الأسرى أكثر من عشرين ألف أسير ، وأخلوا القلعة ، ثم ساروا إلى صور صحبة جماعة من عسكر السلطان ورتب في الموضع مملوكه سنقر (١٤) الدوري وأوصاه بحفظها. وكان النزول على تبنين يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى ، وتسلمها يوم الأحد الثامن عشر منه.

فتح صيدا (١٥)

نزل السلطان عليها يوم الأربعاء الحادي والعشرين من جمادى الأولى ، وهي

__________________

(١) ما في تلك أ ج : من بتلك ب ه : ـ د.

(٢) دبورية : بلد قرب طبرية من أعمال الأردن إلى الشرق من الناصرة ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ٩٣ ؛ شراب ٣٧٢.

(٣) جنين أ ج ه : جبين ب : ـ د.

(٤) زرعين : قرية بالقرب من الناصرة ، ينظر : الدباغ ٧ / ٥٨٤.

(٥) الطوالية : قد تكون هي وسابقاتها من قرى الناصر المندثرة.

(٦) القيمون : حصن قرب الرملة بفلسطين ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٤٠.

(٧) الزيب : قرية كبيرة على بحر الشام قرب عكا دمرها الإسرائيليون عام ١٩٤٨ م ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ٦٧٨ ؛ شراب ٤٣٥.

(٨) معليا : من نواحي الأردن بالشام بالقرب من عكا ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١٢٩٠ ؛ شراب ٦٨٢.

(٩) البعنة : قرية من قرى مدينة عكا احتلت عام ١٩٤٨ م ، ينظر : العارف ، فلسطين ١ / ٣١٢ ؛ شراب ١٦٣.

(١٠) تبنين : بلدة بين دمشق وصور ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ١٦ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٢٥٣.

(١١) حصن ب ج ه : حصون أ : ـ د.

(١٢) فراسلوا السلطان أ ه : فأرسلوا إلى السلطان ب : فراسلوا إلى السلطان ج : ـ د.

(١٣) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٨٠.

(١٤) ينظر : أبو شامة ، الذيل ٦٦.

(١٥) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٨٠ ؛ ابن أيوب ٢٧٢ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٨٨ ؛ ابن خلكان ٧ / ١٧٧.


مدينة لطيفة على الساحل بها أنهار وأشجار ، فجاءت رسل صاحبها بمفاتيحها ، وقد أخلاها وتسلمها السلطان ، ونصبت عليها رايات الإسلام (١) ، وأقيمت بها الجمعة والجماعة.

فتح بيروت (٢)

ثم سار السلطان إلى بيروت وكان النزول عليها يوم الخميس ثاني عشر من جمادى الأولى ، ووقع القتال واشتد ، ثم نقب السور حتى كاد يقع البرج ، وضاق الأمر بهم ، فطلبوا الأمان وأن يكتب لهم السلطان مثالا بذلك ، فكتب لهم وأمنهم ، وتسلم السلطان بيروت يوم الخميس التاسع والعشرين من جمادى الأولى.

فتح جبيل (٣)

ولما كان السلطان على بيروت وصل إليه كتاب الصفي بن القابض من دمشق يتضمن أن أود (٤) صاحب جبيل أذعن بتسليمها ويطلق ، فرسم السلطان بإحضاره وهو مقيد ، فأحضر بين يديه ، وسمح بتسليم بلده ، وتسلمها السلطان وأطلقه (٥) ، ولم تكن عاقبة إطلاقه حميدة ، فإنه كان من أعظم الفرنج أشدهم عداوة ، وكان معظم أهل صيدا وبيروت وجبيل مسلمين ، وكانوا في ذل كبير من الفرنج. ففرج الله عنهم.

وكان تسليم جبيل في يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى والسلطان يومئذ على بيروت ، وكان كل من استأمن من الكفار مضى إلى صور ، وصارت منزلتهم وهي التي فر القمص إليها يوم كسرتهم على حطين.

هلاك القومص (٦) ودخول المركيس إلى صور (٧)

لما عرف / / القومص (٨) قرب السلطان منها أخلاها وتوجه إلى طرابلس ،

__________________

(١) رايات الإسلام أ ب ج : الرايات الإسلامية ه : ـ د.

(٢) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٨٠ ؛ ابن أيوب ٢٧٢ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٨٨ ؛ ابن خلكان ٥ / ١٧٧ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٠٩.

(٣) جبيل : بلد في سواحل دمشق شرقي بيروت على ثمانية فراسخ من بيروت ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٣١٤.

(٤) ينظر : رنسيمان ٢ / ٨٠٧.

(٥) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٨٠.

(٦) القومص أ ج ه : القمس ب : ـ د.

(٧) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٨١ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٩٠ ؛ ابن أيوب ٢٧٢ ؛ المقريزي ، سلوك ١ / ٢١٠.

(٨) القومص أ ج ه : القمس ب : ـ د.


فهلك بها وكان المركيس (١) من أكبر طواغيت الكفر ولم يكن وصل إلى بلاد الساحل قبل هذا العام ، واتفق وصوله إلى ميناء عكا ، ولم يعلم بفتحها ولا ما فيها من المسلمين ، فلما قدم عليها تعجب من أهلها لكونهم لم يتلقوه ، ورأى من فيها غير هيئة النصارى ، فارتاب لذلك وسأل عن الحال ، فأخبر (٢) بما وقع ، ففكر في النجاة وقصد الفرار ، فلم تهب له ريح ، وسأل عن البلد ومن إليه أمره ، فقيل له : الملك الأفضل ، فقال : خذوا لي منه أمانا ، حتى أدخل فجيء إليه بالأمان ، فقال : ما أثق إلا بخط يده. فما زال يرد (٣) الرسل ويدبر الحيل حتى وافقته الريح فأقلع وتوجه إلى صور وضبطها بمن فيها ، وأرسل رسله إلى الجزائر يستعدي ويستنفر. وثبت في صور وبقي كلما فتح السلطان بلدا بالأمان يسير أهلها في حفظ السلطان إلى صور ، فاجتمع إليه أهل البلاد المفتوحة بأجمعهم ، وشرع المركيس (٤) يحفر الخندق ويحكمه ، وسنذكر ما كان من أمره ، إن شاء الله تعالى.

فتح عسقلان وغزة والرملة والداروم (٥) وغيرها (٦)

وكان النزول على عسقلان يوم الأحد السادس عشر من جمادى الآخرة ، ولما فرغ السلطان من فتح بيروت وجبيل ، عاد عابرا على صيدا وصرفند ، وجاء إلى صور ولم يكترث بأمرها ، وكان قد استحضر ملك الفرنج ومقدم الداوية ، وشرط معهما ، واستوثق منهما أنه يطلقهما من الأسر إذا تمكن من بقية البلاد ، فانزعج المركيس بصور واشتد خوفه.

واجتمع السلطان بأخيه الملك العادل واتفقا على السير (٧) ، ونزل على عسقلان وحصرها (٨) ورماها بالمنجنيقات ، واشتد القتال ، وراسلهم عند ذلك الملك المأسور ، وأشار عليهم بعدم مخالفته ، وترددت الرسل. ثم أذعنوا للتسليم (٩)

__________________

(١) المركيس أ ب : المركيش ج ه ابن الأثير : ـ د.

(٢) فأخبر أ : فأخبروه ب ج ه : ـ د.

(٣) يرد أ : يردد ب ج ه : ـ د.

(٤) المركيس أ ب : المركيس ج ه : ـ د.

(٥) الداروم : قلعة بعد غزوة للقاصد من مصر الواقف فيها يرى البحر ، خربها صلاح الدين لما ملك الساحل ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ٤٢٤ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٥٠٨ ؛ شراب ٣٦٩.

(٦) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٨١ ؛ ابن أيوب ٢٧٢ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٠.

(٧) السير أ : المسير ب ج ه : ـ د.

(٨) وحصرها أ : وحاصرها ب ج ه : ـ د / / المنجنيقات ابن الأثير : المجانيق أ : المناجيق ب ج ه : ـ د.

(٩) للتسليم وسلموا عسقلان أ ج ه : يسلمون عسقلان ب : ـ د.


وسلموا عسقلان على أن يخرجوا بأموالهم بعد أخذهم الميثاق واليمين ، وذلك يوم السبت سلخ جمادى الآخرة ، فكان حصارها أربعة عشر يوما ، وكان بين فتح عسقلان وأخذ الفرنج لها من المسلمين خمس وثلاثون سنة ، فإنهم كانوا أخذوها من المسلمين في السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة ٥٤٨ ه‍ ، وممن استشهد على عسقلان من الأمراء الكبار : إبراهيم بن حسين المهراني ، وهو أول أمير استشهد ، وكان السلطان قد أخذ في طريقه إليها الرملة ويبنى وبيت لحم والخليل ، وأقام بها حتى تسلم حصون الداروم وغزة والنطرون (١) وبيت جبريل (٢) ، واجتمع بالسلطان ولده صاحب مصر الملك العزيز عثمان بعسقلان ، فقرت عينيه بقدومه واعتضد به. وكان قد استدعى الأساطيل فحضرت والحاجب لؤلؤ (٣) مقدمها ، وشرع بقطع الطريق على سفن العدو ومراكبه ، ويقف له في جزائر البحر ، وسنذكر ذلك في محله ، إن شاء الله تعالى.

فتح بيت المقدس (٤)

ثم رحل السلطان من عسقلان إلى بيت المقدس (٥) وسمع خبره من في القدس (٦) ، فاشتد رعبهم ، وكان بها من مقدمي الفرنج باليان بن بارزان والبطرك الأعظم ومن كلا الطائفتين الإسبتارية والداوية ، وضاقت بهم منازلهم ، فأخذوا في تدبير أنفسهم وأيسوا وصاروا في هرج ومرج ، واشتد بهم الكرب.

وأقبل السلطان بعساكر الإسلام وهو في أبهته وهيئته المرهبة ، ونزل على القدس من جهة الغرب يوم الأحد خامس عشر رجب ، وكان في القدس حين الفتح (٧) من الفرنج ستون ألف مقاتل وقد وقفوا دون البلد للمبارزة ، وقاتلوا أشد

__________________

(١) والنطرون ب ج ه : البطرون أ : ـ د.

(٢) بيت جبريل : بلد بين القدس وغزة عند السفوح الغربية لجبال الخليل ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٢٣٧.

(٣) قد يكون لؤلؤ الأتابك وهو لؤلؤ بن عبد الله الأتابكي ، أبو الفضائل بدر الدين ، الملقب بالملك الرحيم صاحب الموصل طالت أيامه وكان من أجل الملوك وأعلاهم همة ، وأسهرهم على رعاياه ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ٢٠٣ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٧ / ٧ ؛ الزركلي ٥ / ١١.

(٤) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٨٢ ـ ١٨٦ ؛ ابن شداد ٦٣ ـ ٦٥ ؛ ابن أيوب ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٩٢ ـ ١١٩ ؛ ابن خلكان ٧ / ١٧٨ ـ ١٨٨ ؛ ابن كثير ، البداية ٢ / ٣٢٣ ـ ٣٢٧ ؛ اليافعي ٣ / ٤٢٤ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٠ ـ ٢١١ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٩٤.

(٥) بيت المقدس أ : القدس الشريف ب ج : القدس ه : ـ د.

(٦) القدس أ ج ه : + الشريف ب : ـ د.

(٧) حين الفتح أ : يومئذ ب ج ه : ـ د.


القتال. واستمر الحرب بين الفريقين ، فانتقل السلطان يوم الجمعة لعشرين من رجب إلى جانب الشمال (١) ، وخيم هناك وضيق على الفرنج ونصب المجانيق (٢) ورمى بها حتى تهدم غالب السور ، ثم أخذ المسلمون في نقب السور مما يلي وادي جهنم ، واشتد القتال وتباشر أهل الإسلام بالفتح وكان يوما عسيرا على الكافرين غير يسير (٣) ، فبرز من الفرنج ابن بارزان ليطلب الأمان من السلطان فلم يجبه السلطان / / إلى ذلك ، وقال (٤) : لا آخذها إلا بالسيف مثل ما أخذها الفرنج من المسلمين.

فتعرضوا للتضرع وعاودوه في طلب الأمان وعرفوه ما هم عليه من الكثرة ، وأنهم إن أيسوا من الأمان قاتلوا خلاف ذلك ، ولا يجرح منهم واحد (٥) حتى يجرح عشرة ، ويخربوا الدور وقبة الصخرة ويقتلوا كل من عندهم من أسارى المسلمين ـ وهم ألوف ـ ويعدموا ما عندهم من الأموال وكذلك الذراري.

فعقد السلطان محضرا للمشورة وأحضر أكابر دولته وأكثر عساكره (٦) وشاورهم في الأمر ودار الكلام بينهم على الصلح بشرط أن يؤدي كل من بها من الرجال عشرة دنانير ومن النساء خمسة ، ويؤدي عن الطفل ديناران وأي من عجز عن الأداء كان أسيرا.

فأجاب الفرنج إلى ذلك ودخل ابن بارزان والبطرك ومقدم الداوية (٧) والاسبتارية في الضمان ، وبذل ابن بارزان ثلاثين ألف دينار عن الفقراء وسلموا البلد يوم الجمعة قبيل الظهر (٨) وقت الصلاة السابع والعشرين من رجب على هذا الشرط ، ولم تتفق صلاة الجمعة يومئذ لضيق الوقت ، وكان فيه أكثر من مائة ألف إنسان من الرجال والنساء والصبيان ، وأغلقت أبواب المدينة ورتب النواب لعرضهم واستخراج المال منهم ، ووكل بكل باب أمين ومقدم كبير يضبط من يدخل ويخرج فمن أدى ما عليه يمكن (٩) من الخروج ومن لم يؤد قعد في الحبس ، وحصل التفريط من العمال في المال وشرعوا يواطئون الفرنج في ذلك لارتشائهم منهم ، فمنهم من

__________________

(١) جانب الشمال أ : الجانب الشمالي ب ج ه : ـ د.

(٢) المجانيق أ : المناجيق ب ج ه : ـ د.

(٣) ينظر : الأصفهاني ، الفتح ١١٦.

(٤) وقال ب ج ه : فقال أ : ـ د.

(٥) منهم واحد أ ج ه : أحد منهم ب : ـ د.

(٦) وأكثر عساكره أ ب ج : ـ د ه.

(٧) الداوية أ ج ه : الراوية ب : ـ د.

(٨) قبيل الظهر أ ب ج : قبل الظهر ه : ـ د.

(٩) يمكن أ ج ه : مكن ب : ـ د.


دلي من السور بالحبال ، ومنهم من ظهر مختفيا ، ومنهم من وقعت فيه شفاعة.

وكانت في القدس ملكة مترهبة ولها مال كثير فمنّ عليها السلطان بالإفراج ، ولم يتعرض منها إلى شيء ، وكانت زوجة الملك المأسور ابنة الملك أيادي فخلصت بمن معها ومن تبعها وكذلك الإبرنساسة (١) ابنة فيليب أم هنفري أعفيت من الوزن ، واستطلق صاحب البيرة (٢) زهاء خمسمائة أرمني ، ذكر (٣) أنهم من بلده ، وأنهم حضروا للزيارة ، وطلب مظفر الدين كوكبوري (٤) ألف أرمني ادعى أنهم من الزهاد ، فأطلقهم له السلطان ، وكان السلطان قد رتب عدة دواوين في كل ديوان منها عدة من النواب المصريين ومنهم من الشاميين ، فمن أخذ من أحد الدواوين خطا بالأداء انطلق مع الطلقاء بعد عرض خطه على من بالباب من الأمناء والوكلاء.

وحصل من الأمناء مواطأة واختلاس كثير (٥) في المال (٦) ، ومع ذلك حصل لبيت المال ما يقارب مائة ألف دينار. وبقي جماعة من الفرنج في الأسر لعدم القيام بما عليهم.

ذكر يوم الفتح

وهو يوم سابع عشر من رجب ـ كما تقدم ـ واتفق فتح بيت المقدس في يوم كان مثل ليلة معراج نبينا محمد (٧) ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورفعت الأعلام الإسلامية على أسواره ، وجلس السلطان للقاء الأكابر والأمراء والمتصوفة والعلماء ، وهو جالس على هيئة التواضع وعليه الأبهة والوقار وحوله أهل العلم والفقهاء وعليهم السكينة والجلال ، وقد ظهر السرور على أهل الإسلام بنصرتهم (٨) على عدوهم المخذول ، وزينت بلاد الإسلام لفتح بيت المقدس ، وتسامع الناس بهذا النصر والفتح ، فوفدوا للزيارة من سائر البلاد.

وأما الفرنج فشرعوا في بيع أمتعتهم واستخراج ذخائرهم وباعوها بالهوان ،

__________________

(١) الإبرنساسة أ ج ه : الإبرنسانية ب : ـ د.

(٢) البيرة : قلعة حصينة بين حلب والثغور الرومية ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٥١ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٢٤٠.

(٣) ذكر أ ج : ادعى ب ه : ـ د.

(٤) كوكبوري أ ب : ـ ب ج د ه.

(٥) ينظر : ابن أيوب ٢٧٣.

(٦) في المال ب : ـ أ ج د ه.

(٧) نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ : النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج ه : ـ د.

(٨) بنصرتهم ... بلاد الإسلام أ ب ج : ـ د ه.


وتقاعد الناس في الشراء فابتاعوها بأرخص الأثمان (١) ، وكان ما يساوي أكثر من عشرة دنانير يباع بأقل من دينار ، وأخذوا ما في كنائسهم من أواني الذهب والفضة والستور ، وجمع البطرك كل ما كان على القبر من صفائح الذهب والفضة وجميع ما كان في قمامة (٢) ، فقال العماد الكاتب للسلطان : هذه أموال جزيلة تبلغ مائتي ألف دينار والأمان في أموالهم لا على أموال الكنائس والديارات فلا نتركها لهم. فقال السلطان : إذا تأولنا عليهم نسبونا إلى الغدر فنحن نجريهم على ظاهر الأمان ولا ندعهم يتكلمون في حق المسلمين وينسبونهم إلى الغدر والنكث بل ندعهم يثنون عنا الجميل ، فأخذ الفرنج ما خف حمله وتركوا ما ثقل.

وانتقل بعضهم إلى صور وبقي منهم زهاء خمسة عشر ألفا لم يؤدوا ما شرط عليهم فدخلوا في الرق (٣) ، / / وكان الرجال نحو سبعة آلاف ، فاقتسمهم المسلمون ، وأحصيت النساء والصبيان ثمانية آلاف نسمة.

وما أصيب الفرنج من حين خرجوا إلى الشام في سنة ٤٩٠ ه‍ (٤) ، إلى الآن بمصيبة مثل هذه الواقعة (٥) ، ووصل المستنفرون من الكفار إلى أقصى بلاد الفرنج. ومثلوا صورة المسيح ، عليه‌السلام ، وصورة النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبيده عصا (٦) وهو يقصد المسيح ليضربه والمسيح منهزم منه ، وأقاموا الشناع والغوغاء في بلادهم لذلك ، واشتد ملوكهم واعتدوا وجهزوا العساكر لقصد بلاد الإسلام ومحاربة الملك صلاح الدين ، رحمه الله (٧).

ولما استقر بيت المقدس مع المسلمين وطهره الله من المشركين سأل النصارى في الإقامة به ببذل الجزية ، وأن يدخلوا في الذمة ، فأجيبوا إلى ذلك.

ولما تسلم السلطان القدس أمر بإظهار المحراب ، وكان الداوية قد بنوا في وجهه جدارا وتركوه هويا ، وقيل : اتخذوه مستراحا ، وبنوا غربي القبلة دارا وسيعة وكنيسة. فهدم ما قدم المحراب من الأبنية ، ونصب المنبر ، وأظهر المحراب ، ونقض ما أحدثوه بين السواري وفرش المسجد بالبسط وعلقت

__________________

(١) الأثمان أ ه ك ثمن ب ج : ـ د.

(٢) قمامة أ ج ه : القمامة ب : ـ د.

(٣) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١١٥.

(٤) ٤٩٠ ه‍ / ١١٩٠ م.

(٥) الواقعة أ ب : الوقعة ج ه : ـ د.

(٦) وبيده عصا أ : وهو بيده عصا ب ج ه : ـ د.

(٧) الله أ : + تعالى ب ج ه : ـ د.


القناديل (١). وكان يوما مشهودا ، ظهر فيه عز الإسلام ، وعلت كلمة الإيمان ، وبطلت نغمات القسوس (٢) والرهبان ، وعلت أصوات أهل الإيمان (٣) بالقرآن ، وخرس الناقوس وسمع الأذان ، وعزل الإنجيل ، وتولى القرآن ، وبطل ما كان بالمسجد الأقصى من الشرك (٤) والطغيان ، وعبد فيه الملك الديان.

وقد تقدم أن من الاتفاقات العجيبة أن محي الدين بن الزكي (٥) ، قاضي دمشق ، لما فتح السلطان صلاح الدين حلب في صفر سنة ٥٧٩ ه‍ (٦) ، مدحه بقصيدة فيها :

وفتحكم حلبا بالسيف في صفر

مبشر بفتوح القدس في رجب

فكان كما قال ، وفتح القدس في رجب ـ كما تقدم ـ فقيل لمحيي الدين : من أين لك هذا؟ فقال : أخذته من تفسير ابن برجان في قوله تعالى : (الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) (٣) (٧).

وكان الإمام أبو الحكم بن برجان الأندلسي (٨) قد صنف تفسيره المذكور في سنة ٥٢٠ ه‍ (٩) ، وبيت المقدس حين ذلك (١٠) في يد الفرنج ، لعنهم الله تعالى.

قال ابن خلكان في تاريخه (١١) ـ في ترجمة ابن الزكي ـ : ولما وقفت أنا على هذا البيت وهذه الحكاية لم أزل أطلب تفسير ابن برجان حتى وجدته على هذه الصورة ، قال : ولكن رأيت هذا الفصل مكتوبا في الحاشية (١٢) غير الأصل ولا أدري هل كان من أصل الكتاب أم هو ملحق. وذكر له حسابا طويلا وطريقا في استخراج ذلك حتى حرره من قوله تعالى : (فِي بِضْعِ سِنِينَ) انتهى.

__________________

(١) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١١٣.

(٢) القسوس أ ج ه : القسس ب : ـ د.

(٣) أهل الإيمان أ : أهل التوحيد ب ج هت : ـ د.

(٤) من الشرك أ ج ه : من الكفر ب : ـ د.

(٥) ابن الزكي أ ج ه : زكي ب : ـ د.

(٦) ٥٧٩ ه‍ / ١١٨٣ م.

(٧) الروم : [١ ـ ٣].

(٨) ابن برجان : أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن بن محمد اللخمي ، كان عبدا صالحا وله تفسير القرآن العظيم ، وتوفي سنة ٥٣٦ ه‍ / ١١٤١ م. ينظر : ابن خلكان ٤ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ؛ البغدادي ، هدية ٥ / ٤٦٠.

(٩) ٥٢٠ ه‍ / ١١٢٦ م.

(١٠) حين ذلك أ : إذ ذاك ب ج ه : ـ د.

(١١) ينظر : ابن خلكان ٤ / ٢٣٠.

(١٢) في الحاشية أ : على الحاشية ب ج ه : ـ د.


ذكر أول خطبة بعد الفتح (١)

ولما فتح السلطان القدس تطاول إلى الخطابة يوم الجمعة كل واحد من العلماء الذين كانوا في خدمته حاضرين ، وجهز كل واحد منهم خطبة بليغة طمعا في أن يكون هو الذي يعين لذلك ، والسلطان لا يعين الخطبة لأحد.

فلما دخل يوم الجمعة رابع شعبان واجتمع الناس لصلاة الجمعة حتى امتلأ الجامع ، ونصبت الأعلام على المنبر ، وتكلم الناس فيمن يخطب والأمر مبهم حتى حان الزوال ، وأذن المؤذن للجمعة ، فرسم السلطان وهو بقبة الصخرة للقاضي محي الدين محمد بن زكي الدين علي القرشي أن يخطب ، وهي أول جمعة صليت بالقدس بعد الفتح ، وأعاره العماد الكاتب أهبة سوداء وكانت عنده من تشريف الخلافة لبسها في الحال.

فلما رقي على المنبر استفتح بسورة الفاتحة وقرأها إلى آخرها ثم قال : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٥) (٢).

ثم قرأ أول سورة الأنعام : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢) وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ)(٣).

ثم قرأ من سورة سبحان : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١)/ /)(٤).

ثم قرأ من سورة الكهف أولها : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً (٤) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً (٥) فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) (٦) (٥).

__________________

(١) ينظر نص هذه الخطبة : أبو شامة ، الروضتين ١١٠ ـ ١١٢ ؛ ابن خلكان ٤ / ٢٣٨ ـ ٢٤٥ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦.

(٢) الأنعام : [٤٦].

(٣) الأنعام : [١ ـ ٦].

(٤) الإسراء : [١١١].

(٥) الكهف : [١ ـ ٨].


ثم قرأ من سورة النمل : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) (٥٩) (١).

ثم قرأ من سورة سبأ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (١) (٢).

ثم قرأ من سورة فاطر : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢))(٣).

ثم شرع في الخطبة فقال : الحمد لله معز الإسلام بنصره ، ومذل الكفر (٤) بقهره ، ومصرف الأمور بأمره ، ومديم النعم بشكره ، ومستدرج الكفار بمكره الذي قدر الأيام دولا بعدله ، وجعل العاقبة للمتقين بفضله ، وأفاء على عباده من ظله ، وأظهر دينه على الدين كله ، القاهر فوق عباده لا يمانع ، والظاهر على خليقته فلا ينازع ، والآمر بما يشاء فلا يراجع ، والحاكم بما يريد فلا يدافع ، أحمده على إظهاره (٥) وإظفاره ، وإعزازه لأوليائه ونصره لأنصاره ، وتطهيره لبيته المقدس (٦) من أدناس الشرك وأوضاره ، حمد من استشعر الحمد باطن سره وظاهر جهاره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، شهادة من طهر بالتوحيد قلبه ، وأرضى به ربه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله رافع الشك ، وداحض الشرك ، ورافض الإفك ، الذي أسري به ليلا من المسجد الحرام إلى هذا المسجد الأقصى ، وعرج به منه إلى السماوات العلا (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧))(٧) صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى خليفته أبي بكر الصديق السابق إلى الإيمان ، وعلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، أول من رفع عن هذا البيت شعار (٨) الصلبان وعلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، ذو النورين جامع القرآن ، وعلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، مزلزل الشرك ومكسر الأوثان ، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.

__________________

(١) النحل : [٥٩].

(٢) سبأ : [١].

(٣) فاطر : [١ ـ ٣].

(٤) الكفر أ : الشرك ب ج ه : ـ د.

(٥) إظهاره وإظفاره أ : أظفاره وإظهاره ب ج ه : ـ د.

(٦) لبيته المقدس أ ج ه : بيته المقدس ب : ـ د.

(٧) النجم : [١٤ ـ ١٧].

(٨) شعار أ ج ه : شعائر ب : ـ د.


أيها الناس : أبشروا برضوان الله الذي هو الغاية القصوى والدرجة العليا ، لما يسره الله على أيديكم من استرداد (١) هذه الضالة من الأمة الضالة ، وردها إلى مقرها من الإسلام بعد ابتذالها في أيدي المشركين قريبا من مائة عام ، وتطهير هذا البيت الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه ، وإماطة الشرك عن طرقه بعد أن امتد عليها رواقه ، واستقر فيها رسمه ورفع قواعده بالتوحيد فإنه بنى عليه ، وشيد بنيانه بالتمجيد فإنه أسس على التقوى من خلفه ، ومن بين يديه ، فهو موطن أبيكم إبراهيم ومعراج نبيكم ، عليه‌السلام ، وقبلتكم التي كنتم تصلون إليها في ابتداء الإسلام فهو (٢) مقر الأنبياء ، ومقصد الأولياء ، ومدفن الرسل ، ومهبط الوحي ، ومنزل ينزل به الأمر والنهي ، وهو أرض المحشر ، وصعيد المنشر ، وهو في الأرض المقدسة التي ذكرها الله في كتابه المبين ، وهو المسجد الأقصى الذي صلى فيه رسول الله ، عليه‌السلام (٣) ، بالملائكة المقربين ، وهو البلد الذي بعث الله إليه عبده ورسوله وكلمته التي ألقاها إلى مريم وروحه عيسى الذي أكرمه الله برسالته وشرفه بنبوته ، ولم يزحزحه عن رتبة عبوديته ، فقال تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ)(٤) كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢))(٥) ، (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧))(٦).

وهو أول القبلتين ، وثاني المسجدين ، وثالث الحرمين ، لا تشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه ، ولا تعقد الخناصر بعد الموطنين إلا عليه ، فلو لا أنكم ممن اختاره الله من عباده واصطفاكم (٧) من سكان بلاده ، لما خصكم بهذه الفضيلة التي لا يجاريكم فيها مجار ، ولا يباريكم في شرفها مبار ، وطوبى (٨) لكم من جيش ظهرت

__________________

(١) استرداد هذه الضالة من الأمة الضالة ب ج ه : ـ أ د.

(٢) فهو أ ج : وهو ب ه : ـ د.

(٣) عليه‌السلام أ : صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب ج ه : ـ د.

(٤) النساء : [١٧٢].

(٥) المؤمنون : [٩١ ـ ٩٢].

(٦) المائدة : [١٨].

(٧) واصطفاكم ب : واصطفاه أ ج ه : ـ د.

(٨) وطوبى أ : فطوبي ب ج ه : ـ د.


على أيديكم المعجزات النبوية ، والوقعات (١) البدرية والعزمات الصديقية ، والفتوحات العمرية ، والجيوش العثمانية ، والفتكات العلوية ، جددتم للإسلام أيام القادسية والملاحم اليرموكية ، والمنازلات الخيبرية ، والهجمات الخالدية ، فجزاكم الله عن نبيه محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أفضل الجزاء ، وشكر لكم ما بذلتموه من مهجكم في مقارعة الأعداء ، وتقبل منكم ما تقربتم به إليه من مهراق (٢) الدماء ، وأثابكم الجنة فهي دار السعداء ، فاقدروا رحمكم الله هذه النعمة حق قدرها ، وقوموا لله (٣) بواجب شكرها ، فله تعالى المنة عليكم بتخصيصكم بهذه النعمة ، وترشيحكم لهذه الخدمة ، فهذا هو الفتح الذي فتحت له أبواب السماء (٤) ، وتبلجت بأنوار وجوده الظلماء ، وابتهج به الملائكة المقربون ، وقر به عيون (٥) الأنبياء والمرسلون ، فماذا عليكم من النعمة أن جعلكم الجيش الذي يفتح على يديه البيت المقدس في آخر الزمان والجند الذي تقوم بسيوفهم التهاني بعد فترة من النبوة أعلام الإيمان ، فيوشك أن يفتح الله على أيديكم أمثاله ، وأن يكون التهاني لأهل الخضراء أكثر من التهاني لأهل الغبراء ، أليس هو البيت الذي ذكره الله في كتابه ونص عليه في محكم خطابه ، فقال تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١) (٦) أليس هو البيت الذي عظمته الملل وأثنت عليه الرسل ، وتليت فيه الكتب الأربعة المنزلة من الله عز وجل؟ أليس هو البيت الذي أمسك الله لأجله الشمس على يوشع (٧) أن تغرب وباعد بين خطواتها لتيسير فتحه ويقرب؟ أليس هو البيت الذي أمر الله عز وجل موسى أن يأمر قومه باستنقاذه فلم يجبه إلا رجلان ، وغضب الله عليهم لأجله ، فألقاهم في التيه عقوبة للعصيان (٨)؟ فاحمدوا الله الذي أمضى عزائمكم لما نكلت عليه بنو إسرائيل وقد فضلت على العالمين ، ووفقكم لما خذلت فيه أمم كانت قبلكم من الأمم الماضين ، وجمع لأجله كلمتكم وكانت شتى ، وأغناكم بما أمضته كان وقد عن سوف حتى فليهنكم أن الله قد ذكركم به فيمن عنده ، وجعلكم بعد أن كنتم جنودا لأهويتكم

__________________

(١) والوقعات ب ج ه : والواقعات أ : ـ د.

(٢) مهراق أ ج ه : إهراق ب : ـ د.

(٣) الله أ ج : + قانتين ب ه : ـ د.

(٤) أبواب السماء أ ب ج : أبواب الجنان ه : ـ د.

(٥) عيون أ ج ه : عينا ب : ـ د.

(٦) الإسراء : [١ ـ ٣].

(٧) أي يوشع بن نون.

(٨) للعصيان ب ج ه : العصيان أ : ـ د.


جنده وشكر لكم الملائكة المنزلون على ما أهديتم (١) لهذا البيت من طيب التوحيد ، ونشر التقديس والتمجيد ، وما أمطتم عن طرقهم فيه من أذى الشرك والتثليث ، والاعتقاد الفاجر الخبيث ، فالآن تستغفر لكم أملاك السماوات ، وتصلى عليكم الصلوات المباركات ، فاحفظوا رحمكم الله هذه الموهبة فيكم ، واحرسوا هذه النعمة عندكم بتقوى الله التي من تمسك بها سلم (٢) ، ومن اعتصم بعروتها نجا وعصم ، واحذروا من أتباع الهوى ، ومواقعة الردى ، ورجوع القهقرى / / والنكول عن العدى ، وخذوا في انتهاز الفرصة ، وإزالة ما بقي من الغصة ، وجاهدوا في الله حق جهاده ، وبيعوا عباد الله أنفسكم في رضا عبادته (٣) ، إذ جعلكم من خيار عباده ، وإياكم أن يستزلكم الشيطان ، وأن يتداخلكم الطغيان فيخيل لكم أن هذا النصر بسيوفكم الحداد ، وخيولكم الجياد وبجلادكم في مواطن الجلاد ، لا والله ما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ، فاحذروا عباد الله بعد أن شرفكم الله بهذا الفتح الجليل والمنح الجزيل ، وخصكم بنصره المبين ، وأعلق أيديكم بحبله المتين ، أن تقترفوا كبيرا من مناهيه ، وأن تأتوا عظيما من معاصيه : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً)(٤) ، (الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) (١٧٥) (٥) ، والجهاد الجهاد (٦) فهو من أفضل عباداتكم ، وأشرف عاداتكم ، أنصروا الله ينصركم ، احفظوا الله يحفظكم ، اذكروا الله يذكركم ، اشكروا الله يزدكم ويشكركم ، جدوا (٧) في حسم الداء ، وقطع شأفة الأعداء ، وطهروا بقية الأرض من هذه الأنجاس التي أغضبت الله ورسوله واقطعوا فروع الكفر واجتثوا أصوله ، فقد نادت الأيام : يا للثارات (٨) الإسلامية ، والملة المحمدية ، الله أكبر فتح الله ونصر ، غلب الله وقهر ، أذل الله من كفر ، واعلموا رحمكم الله أن هذه فرصة فانتهزوها ، وفريسة فناجزوها ، وغنيمة فحوزوها ، ومهمة فأخرجوا لها هممكم وأبرزوها ، وسيروا إليها سرايا عزماتكم وجهزوها ، فالأمر بأواخرها ، والمكاسب بذخائرها ، فقد أظفركم الله بهذا العدو المخذول وهم مثلكم أو يزيدون ، فكيف وقد

__________________

(١) أهديتم ب ج ه : أهديتم أ : ـ د.

(٢) سلم أ ج ه : وسلم ب : ـ د / / وعصم أ ب ج : واعتصم ه : ـ د.

(٣) رضا عبادته أ ج ه : رضاه ب : ـ د.

(٤) النحل : [٩٢].

(٥) الأعراف : [١٧٥].

(٦) والجهاد الجهاد أ ب ج : ـ د ه.

(٧) جدوا ج : فخذوا : خذوا ب ه : ـ د.

(٨) يا للثارات أ ج ه : بالثارات ب : ـ د.


أضحى قبالة الواحد منهم (١) عشرون وقد قال الله تعالى : (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥) الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (٦٦) (٢). أعاننا الله وإياكم على إتباع أوامره ، والازدجار بزواجره ، وأيدنا معاشر المسلمين بنصر من عنده : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ)(٣). إذ (٤) أشرف مقال يقال في مقام ، وأنفذ سهام تمرق عن قسى الكلام ، وأمضى قول تحلى به الأفهام ، كلام الواحد الفرد (٥) العزيز العلام ، قال الله تعالى : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(٦). أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وقرأ أول سورة الحشر (٧) : (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) (٢) (٨).

ثم قال : آمركم وإياي عباد الله بما أمر الله به من حسن الطاعة فأطيعوه وأنهاكم وإياي عما نهى الله عنه من قبح المعصية فلا تعصوه ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع (٩) المسلمين فاستغفروه.

ثم خطب (١٠) الخطبة الثانية على عادة الخطباء مقتصرة ، ثم دعا للإمام الناصر خليفة العصر ثم قال :

اللهم وأدم سلطان عبدك الخاضع لهيبتك ، الشاكر لنعمتك ، المعترف بموهبتك سيفك القاطع وشهابك اللامع ، والمحامي عن دينك المدافع ، والذاب عن حرمك الممانع ، السيد الأجل ، الملك الناصر جامع كلمة الإيمان ، وقامع عبدة

__________________

(١) منكم منهم أ ج ه : منهم منكم ب : ـ د / / وقد قال أ ه : فقد قال ب ه : ـ د.

(٢) الأنفال : [٦٥ ـ ٦٦].

(٣) آل عمران : [١٦٠].

(٤) إذ أ ج ه : إن ب : ـ د.

(٥) الفرد ب ج ه : ـ أ د.

(٦) الأعراف : [٢٠٤].

(٧) وقرأ أول الحشر أ ج ه : ـ ب د.

(٨) الحشر : [١ ـ ٢].

(٩) ولجميع أ ج : ولسائر ب ه : ـ د.

(١٠) ثم خطب ... مقتصرة ب ج ه : ـ أ د.


الصلبان صلاح الدنيا والدين ، سلطان الإسلام والمسلمين ، مطهر بيت المقدس من أسر (١) المشركين ، أبي المظفر يوسف بن أيوب محي دولة أمير المؤمنين ، اللهم عمر بدولته البسيطة ، واجعل ملائكتك براياته محيطة ، وأحسن عن الدين الحنيفي جزاءه ، واشكر عن الملة المحمدية عزمه ومضاءه ، اللهم أبق للإسلام مهجته ، ووف للإيمان حوزته وانشر في المشارق والمغارب دعوته ، اللهم كما فتحت على يديه البيت المقدس بعد أن ظنت الظنون (٢) ، وابتلي المؤمنون ، فافتح على يديه داني الأرض وقاصيها وملكه صياصي / / الكفرة ونواصيها ، فلا تلقاه منهم كتيبة إلا مزقها ، ولا جماعة إلا فرقها ، ولا طائفة بعد طائفة إلا ألحقها بمن سبقها ، اللهم اشكر عن محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم سعيه ، وأنفذ في المشارق (٣) والمغارب أمره ونهيه ، اللهم وأصلح به أوساط البلاد وأطرافها ، وأرجاء الممالك وأكنافها ، اللهم ذلل به معاطس الكفار ، وارغم به أنوف الفجار ، وانشر ذوائب ملكه على الأمصار ، وابثث سرايا جنوده في سبل الأقطار ، اللهم اثبت الملك فيه وفي عقبه إلى يوم الدين ، واحفظه في بنيه الغر الميامين ، وإخوانه أولي العزم والتمكين ، وشد عضده ببقائهم ، واقض بإعزاز أوليائه وأوليائهم ، اللهم كما أجريت على يده في الإسلام هذه الحسنة التي تبقى على الأيام ، وتتجدد على ممر الشهور والأعوام ، فارزقه الملك الأبدي الذي لا ينفذ (٤) في دار المتقين ، وأجب دعاءه في قوله : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ)(٥). ثم دعا بما جرت به العادة ونزل وصلى.

ولما قضيت الصلاة انتشر الناس ، وكان قد نصب سرير الوعظ تجاه (٦) القبلة ، فجلس عليه الشيخ زين الدين أبو الحسن علي بن نجا الأنصاري الحنبلي ، المعروف بابن نجية (٧) ، وعقد مجلسا للوعظ ، وكان واعظا حسنا بليغا.

وصلى السلطان الجمعة في قبة الصخرة ، وكانت الصفوف ملء الصحن ، ثم رتب في المسجد الأقصى خطيبا.

__________________

(١) من أسر أ : من أيدي ب : من أثر ج ه : ـ د.

(٢) ظنت الظنون أ ب ج : طاشت الظنون ه : ـ د.

(٣) في المشارق أ ب ج : ـ د ه.

(٤) ينفذ أ ج : ينفد ب ه : ـ د.

(٥) النمل : [١٩].

(٦) تجاه أ ب : بجانب ج ه : ـ د.

(٧) ينظر : أبو شامة ، الذيل ٣٤ ؛ ابن العماد ٤ / ٣٤٠.


وكان الملك العادل نور الدين الشهيد قد عزم على فتح بيت المقدس ، وعمل منبرا بحلب وتعب عليه مدة وقال : هذا لأجل القدس ، فأدركته المنية ، وكان الفتح على يد من أراد الله ، فأرسل السلطان صلاح الدين من أحضر المنبر من حلب وجعله في المسجد الأقصى وهو الموجود في عصرنا هذا.

وأما الصخرة فقد كان الفرنج بنوا عليها كنيسة ومذبحا وجعلوا فيها الصور والتماثيل ، فأمر السلطان بكشفها ونقض البناء المحدث فيها ، وأعادها كما كانت ، ورتب لها إماما حسن القراءة ، ووقف عليها دارا وأرضا ، وحمل إليها وإلى محراب الأقصى مصاحف وختمات وربعات شريفة ، ورتب للصخرة وللمسجد الأقصى خدمه ، وكان الفرنج قد قطعوا من الصخرة قطعا (١) وحملوا منها إلى قسطنطينية ونقلوا منها إلى صقلية ، قيل : باعوها بوزنها ذهبا. ولما فتح السلطان القدس ، كان على رأس قبة الصخرة صليب كبير مذهب ، فتسلق المسلمون ، وقلعوه ، فسمع (٢) لذلك ضجة لم يعهد مثلها من المسلمين للفرح والسرور.

ثم شرع السلطان في العمارة ، وأمر بترخيم محراب الأقصى ، وكتب عليها بالفصوص المذهبة ما قراءته : بسم الله الرحمن الرحيم ، أمر بتجديد هذا المحراب وعمارة المسجد الأقصى الذي هو على التقوى مؤسس ، عبد الله ووليه يوسف بن أيوب أبو المظفر الملك الناصر صلاح الدنيا والدين عندما فتحه الله على يديه في شهور سنة ٥٨٣ ه‍ (٣) ، وهو يسأل الله إيزاعه شكر هذه النعمة وإجزال حظه من المغفرة والرحمة.

وشرع ملوك بني أيوب في فعل الآثار الجميلة بالمسجد الأقصى منهم الملك العادل سيف الدين أبو بكر أخو السلطان.

وأما الملك المظفر تقي الدين بن عمر بن شاهنشاه فإنه فعل فعلا حسنا وهو : أنه حضر في قبة الصخرة (٤) مع جماعة وتولى بيده كنس أرضها ، ثم غسلها بالماء مرارا ، ثم اتبع الماء بماء الورد وطهر حيطانها وغسل جدرانها وبخرها ، ثم فرق مالا عظيما (٥) على الفقراء وكذلك الملك الأفضل نور الدين علي ، والملك العزيز

__________________

(١) قطعا ب ج ه : ـ أ د.

(٢) فسمع أ ب ج : سمع ه : ـ د.

(٣) ٥٨٣ ه‍ / ١١٨٧ م.

(٤) قبة الصخرة أ ب ج : القبة ه : ـ د.

(٥) عظيما ب ج ه : ـ أ د.


عثمان ، فعلا فيه أنواعا من البر والخير ووضع الأسلحة ، برسم المجاهدين في سبيل الله.

محراب داود عليه‌السلام وغيره من المشاهد

أما محراب داود ، عليه‌السلام ، فهو خارج المسجد الأقصى في حصن عند باب المدينة وهو القلعة ، وكان الولي يقيم (١) بهذا الحصن ، ويعرف هذا الباب قديما بباب المحراب والآن بباب الخليل : فاعتنى السلطان بأحواله ورتب له إماما ومؤذنين وقواما ، وأمر بعمارة جميع المساجد والمشاهد ، وكان موضع هذه القلعة دار داود ، / / عليه‌السلام.

وكان الملك العادل نازلا في كنيسة صهيون وأجناده في خيامهم على بابها ، وفاوض (٢) السلطان جلساءه من العلماء في مدرسة الفقهاء الشافعية ، ورباط للصلحاء الصوفية. فعين للمدرسة الكنيسة المعروفة بصندحنه (٣) ، فإنه يقال : إن فيها قبر حنة أم مريم وهي عند باب الأسباط ، وعين للرباط دار البطرك وهي بقرب كنيسة قمامة وبعضها راكب على ظهر قمامة ، ووقف عليهما أوقافا حسنة ، وأمر بإغلاق كنيسة قمامة ، ومنع النصارى من زيارتها ، وأشار عليه بعض أصحابه بهدمها ، ومنهم من أشار بعدم الهدم لأن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه ، لما فتح القدس (٤) أقرهم عليها ولم يهدمها.

وأقام السلطان على القدس على تسلم ما بقي بها من الحصون. ورحل الملك الأفضل إلى عكا ثم تبعه الملك المظفر إلى عكا أيضا ، ثم إن السلطان فرق ما جمعه على ما مستحقيه من الجند والفقهاء والفقراء والشعراء ، فقيل له : لو ادخرت هذا المال لأمر يحدث ، فقال : أملي بالله قوي. وجمع الأسارى (٥) ، وكانوا ألوفا من المسلمين ، فكساهم وأحسن إليهم ، وذهب كل منهم إلى وطنه.

ومكث السلطان على القدس ينظر في مصالحه ، وكان في خدمته الأمير علي بن أحمد المشطوب ، وكان معه (٦) أهل صيدا وبيروت وهما بقرب صور ، وخاف أن يفوته فتحها ، وكان يحث السلطان على المسير إليها ، وكان المركيس عند

__________________

(١) يقيم بهذا أ ب : مقيما بهذا ج ه : ـ د.

(٢) وفاوض ب ج ه : وفوض أ : ـ د.

(٣) بصندحنة أ ج ه : بصندحة ب : ـ د / / فإنه أ ج ه : فيقال ب : ـ د.

(٤) القدس أ : بيت المقدس ب ج ه : ـ د.

(٥) الأسارى ب ج ه : الأسرار أ : ـ د.

(٦) وكان معه أ ج ه : + أهل ب : ـ د.


اشتغال المسلمين بالقدس شرع في إحكام صور (١) وحصنها وجعل لها خندقا وضيق طريقها.

وكتب السلطان إلى الخليفة الناصر لدين الله يعلمه بالفتح ، وكتب أيضا إلى الآفاق رسائل من إنشاء العماد الكاتب فيها من البلاغة والألفاظ الفائقة ما لا يقدر عليه غيره.

ذكر رسالة السلطان للخليفة (٢)

وكانت الرسالة إلى الخليفة على يد ضياء الدين بن الشهرزوري (٣) بخط القاضي الفاضل من إنشائه وهي : أدام الله أيام الديوان العزيز النبوي ولا زال مظفر الجد بكل جاحد ، غنيا بالتوفيق عن رأي كل رائد ، موقف المساعي على اقتناء مطلقات المحامد ، مستيقظ النصر والنصل في جفنه راقد ، وارد الجود والسحاب (٤) على الأرض غير وارد ، متعدد مساعي الفضل وإن كان لا يلقي إلا بشكر (٥) واحد ، ماضي حكم العدل بعزم لا يمضي إلا بنبل غوى وريش راشد ، ولا زالت غيوث فضله إلى الأولياء أنواء إلى المرابع وأنوار إلى المساجد ، وبعوث رعبه إلى الأعداء خيلا إلى المراقب وخيالا إلى المراقد ، كتب الخادم هذه الخدمة تلو ما صدر عنه مما كان يجري مجرى التباشير لصبح هذه الخدمة والعنوان لكتاب وصف هذه النعمة فإنها بحر فيه للأقلام سبح طويل ، ولطف لتحمل الشكر (٦) فيه عبء ثقيل ، وبشرى للخواطر في شرحها مآرب ، ويسرى للأسرار في إظهارها العزم لا مسارب (٧) ولله تعالى في إعادة شكره رضا ، وللنعمة الراهنة به دوام لا يقال معه هذا مضى ، وقد صارت أمور الإسلام إلى أحسن مصائرها ، وقد (٨) استثبتت عقائد أهله على أبين بصائرها ، وتقلص ظل رجاء الكافر المبسوط وصدق الله أهل دينه ، فلما وقع الشرط وقع المشروط ، وكان الدين غريبا فهو الآن في وطنه ، والفوز معروضا فقد

__________________

(١) إحكام صور وحصنها أ ج ه : إحكام سور حصنها ب : ـ د.

(٢) ينظر : ابن خلكان ٧ / ١٨٠ ـ ١٨٦.

(٣) أبو الفضائل القاسم بن يحيى بن عبد الله بن القاسم ، كان رسولا بين صلاح الدين والخليفة في بغداد ، سمع الحديث ، وتسلم القضاء أكثر من مرة ، وتوفي في حماة سنة ٥٩٩ ه‍ / ١٢٠٢ م ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ٣٥ ـ ٣٦ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ٣٥.

(٤) والسحاب ب ج ه ابن خلكان : والسحايب أ : ـ د.

(٥) بشكر ب ج ه : بشاكر أ : ـ د.

(٦) لتحمل الشكر ب ج ه : ـ أ د.

(٧) مسارب أ ج ابن خلكان : مشارب ب ه : ـ د.

(٨) وقد أ ج ه : ولقد ب : ـ د.


بذلت الأنفس في ثمنه وأمر أمر الحق وكان مستضعفا ، وأهل ربعه ، وكان قد عيف حين عفا ، وجاء أمر الله وأنوف أهل الشرك راغمة ، وأدلجت السيوف إلى الآجال وهي نائمة (١) ، وصدق وعد الله في إظهار دينه على كل دين ، واستطارت له أنوار أبانت أن الصباح عندها حسان الجبين ، واسترد المسلمون تراثا كان عنهم آبقا ، وظفروا يقظة بنا لم يتصدقوا أنهم يظفرون به طيفا على النأي طارقا ، واستقرت على الأعلام أقدامهم ، فخفقت على الأقصى أعلامهم ، وتلاقت (٢) على الصخرة قلوبهم ، وشفيت بها وإن كانت صخرة كما يشفي بالماء غليلهم ، ولما قدم الدين عليها عرق منها سويداء قلبه وهنا كفؤها الحجر الأسود بيت عصمتها من الكافر بحربه ، وكان الخادم لا يسعى بسعيه (٣) إلا لهذه العظمى ، ولا يقاسي البؤس إلا رجاء هذه النعمى ولا يحارب من يستظلمه في حربه ولا يعاقب بأطراف القنا من يتفادى (٤) في عتبه إلا لتكون الكلمة مجموعة فتكون كلمة الله هي العليا ، وليفوز بجوهر الآخرة لا بالعرض الأدنى من الدنيا ، / / وكانت الألسن ربما سلقته فأنضج قلوبها بالاحتقار ، وكانت الخواطر ربما غلت عليه مراجلها فأطفأها بالاحتمال والاصطبار ، ومن طلب خطيرا (٥) خاطر ، ومن رام صفعة رابحة جاسر ، ومن سما لأن يجلي غمرة غامر ، وإلا فإن العقود تلين تحت نيوب الأعداء المعاجم ، فيعظها وتضعف في أيديها مهز القوائم فيفضها هذا إلى كون القعود لا يقضي به فرض الله في الجهاد ، ولا يراعي به حق الله في العباد ، ولا يوفي به واجب التقليد الذي تطوقه الخادم من أئمة قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون ، وخلفاء الله كانوا في مثل هذا اليوم لله يسألون ، لا جرم أنهم أورثوا أسرارهم وسريرهم خلفهم الأطهر ، ونجلهم الأكبر ، وبقيتهم الشريفة ، وطليعتهم المنيفة وعنوان صحيفة فضلهم لا عدم سواد القلم وبياض الصحيفة ، فما غابوا لما حضر ولا غضوا لما نظر بل وصلهم الأجر لما كان به موصولا ، وشاطروه العمل لما كان عنه مسؤولا ومنه مقبولا ، وخلص إليهم إلى المضاجع ما اطمأنت به جنوبها ، وإلى الصفائح ما عبقت به جيوبها ، وفاز منها بذكر لا يزال الليل به سميرا ، والنهار به بصيرا والشرق يهتدي بأنواره ، بل إن أبدى نورا في ذاته هتف به الغرب بأنواره فإنه نور لا تكفه أغساق السدف (٦) ، وذكر لا توازيه أوراق الصحف ، وكتب

__________________

(١) وهي نائمة ب ج ه : ـ أ د.

(٢) وتلاقت أ ج ه : وتلاقي ب : ـ د / / قلوبهم ج : قبيلتهم أ : قبيلهم ب ه : ـ د.

(٣) بسعيه أ ج : سعيه ب ه : ـ د.

(٤) يتفادى أ ب ج : يتبارى ه : ـ د / / كلمة الله ب ج ه : ـ أ د.

(٥) خطيرا أ ب ج : ـ د ه.

(٦) أغساق السدف أ ب ج د : ـ أ د.


الخادم هذا وقد أظفر الله بالعدو الذي تشظت قناته شققا ، وطارت من فرقه فرقا وفل سيفه فصار عصا ، وصدعت حصاته وكان الأكثر عددا وحصا وكلت حملاته فكانت قدرة الله تصرف (١) فيه العنان بالعنان ، وعقوبة من الله ليس لصاحب يد فيها (٢) يدان ، وعثرت قدمه ، وكانت الأرض لها حليفة ، وغضت عينه وكانت السيوف دونها كثيفة ، ونام جفن سيفه وكانت يقظته تريق لطف الكرى من الجفون ، وجدعت أنوف رماحه ، وطالما كانت شامخة بالمنى أو راعفة بالمنون ، وأصبحت الأرض المقدسة الطاهرة وكانت الطامث ، والرب الفرد الواحد ، وكان عندهم الثالث ، وبيوت الكفر مهدومة ، ونيوب الشرك مهتومة ، وطوائفه الحامية (٣) مجمعة على تسليم القلاع الحامية ، وشجعانه المتوافية مذعنة لبذل القطائع الوافية ، لا يرون في ماء الحديد لهم عصره ، ولا في نار الأنفة لهم نصره قد ضربت عليهم الذلة والمسكنة ، وبدل الله مكان السيئة الحسنة ، ونقل بيت عبادته من أيدي أصحاب المشأمة إلى أيدي أصحاب الميمنة ، وقد كان (٤) الخادم لقيهم اللقاءة الأولى فأمده الله بمداركته ، وأنجده بملائكته فكسرهم كسرة ما بعدها جبر ، وصرعهم صرعة لا تنتعش بعدها بمشيئة الله كفر ، وأسر منهم من أسرت به السلاسل وقتل منهم من فتكت به المناصل ، وأجلت المعركة عن صرعى من الخيل والسلاح والكفار ، وعن المصاف بخيل فإنه قتلهم (٥) بالسيوف الأفلاق والرماح ، الإكسار ، فنيلوا بثأر من السلاح ونالوه أيضا بثأر ، فكم أهلة سيوف تقارض الضراب بها حتى عادت كالعراجين ، وكم أنجم قنا تبادلت الطعان حتى صارت كالمطاعين ، وكم فارسية ركض عليها فارسها الشهم إلى أجل فاختلسه وفغرت تلك النفوس (٦) فاها ، فأذاقوها قد نهش القرن على بعد المسافة وافترسه ، وكان اليوم مشهودا ، وكانت الملائكة شهودا وكان الصليب صارخا ، وكان الإسلام مولودا وكانت ضلوع الكفار لنار جهنم وقودا ، وأسر الملك وبيده أوثق وثائقه وأكد وصله بالدين وعلائقه وهو صليب الصلبوت ، وقائد أهل الجبروت ما دهموا قط بأمر إلا وقام بين دمائهم يبسط لهم باعه ، فكان مد اليدين في هذه الوقعة وداعه ، لا جرم أنه تتهافت على ناره فراشهم ، ويجتمع في ظل ظلاله خشاشهم ، ويقاتلون تحت ذلك الصليب أصلب قتال وأصدقه ، ويرونه

__________________

(١) فكانت قدرة الله تصرف أ ج ه : وكان قدرا يضرب ب : ـ د.

(٢) يد فيها أ ج ه : يد بها ب : ـ د.

(٣) الحامية أ ج ه : المحامية ب : ـ د.

(٤) وقد كان أ ج : وكان ب ه : ـ د.

(٥) فإنه قتلهم ... بثأر أ ب ج : ـ د ه.

(٦) النفوس أ ج ه : القوس ب : ـ د.


ميثاقا يبنون عليه أشد عقد وأوثقه ، ويعدونه سورا تحفر حوافر الخيل خندقه ، وفي هذا اليوم أسرت سراتهم ، ودهيت دهاتهم ، / / ولم يفلت منهم معروف إلا القومص ، وكان لعنه الله مليا يوم الظفر بالقتال ، ومليا يوم الخذلان بالاحتيال ، فنجا ولكن كيف؟ وطار خوفا من أن يلحقه من الرمح أو جناح السيف ، ثم أخذه الله بعد أيام بعده ، وأهلكه (١) لموعده وكان من عدتهم كذلك وانتقل من ملك الموت إلى مالك ، وبعد الكسرة مر الخادم على البلاد ، فطواها بما نشر عليها من الراية العباسية السوداء صبغا ، البيضاء صنعا ، الخافقة هي وقلوب أعدائها الغالية هي وعزائم أوليائها المستضاء بأنوارها إذا فتح عينها النشر ، وأشارت بأنامل العذبات إلى وجه النصر ، فافتتح بلاد كذا (٢) وكذا ، وهذه أمصار ومدن ، وقد تسمى البلاد بلادا وهي مزارع وفدن ، وكل هذه ذوات معاقل ومعاقر ، بحار وجزائر ، وجوامع ومنابر ، وجموع وعساكر يتجاوزها الخادم بعد أن يحرزها (٣) ، ويتركها وراءه بعد أن ينتهزها ، ويحصد منها كفرا ويزرع إيمانا ، ويحط من منابر جوامعها صلبانا (٤) ويرفع آذانا ويبدل المذابح منابر ، والكنائس مساجد ، ويبوىء أهل القرآن بعد أهل الصلبان للقتال عن دين الله مقاعد ، ويقر عينه وعيون أهل الإسلام أن يلق النصر منه ومن عسكره بجار ومجرور ، وأن يظفر بكل سور ما كان يخاف زلزاله ولا زيالة إلا يوم ينفخ (٥) في الصور ، ولما لم يبق إلا القدس ، وقد اجتمع إليها كل شريد وطريد ، واعتصم بمنعتها (٦) كل قريب منهم وبعيد وظنوا أنهم من الله مانعتهم وأن كنيستها إلى الله شافعتهم ، فلما نزلها الخادم رأى بلدا كبلاد ، وجمعا كيوم التناد ، وعزائم قد تألبت وتألفت على الموت ، فنزلت بعرصته ، وهان عليها مورد السيف وأن تموت بغصته فداور البلد من جانب فإذا أودية عميقة ، ولجج وعر غريقة ، وسور قد انعطفت عطف السوار وأبرجة قد نزلت مكان الواسطة من عقد الدار ، فعدل إلى جهة أخرى ، كان للطالع عليها معرج وللخيل فيها متولج ، فنزل عليها وأحاط بها ، وقرب منها ، وضرب خيمته بحيث يناله السلاح بأطرافه ، وزاحمه السور أكتافه وقابلها ثم قاتلها ، ونزلها ثم نازلها ، برز إليها ثم بارزها ، وحاصرها (٧) ثم ناجزها ، وضمها

__________________

(١) وأهلكه ب ج ه : وأهلك أ : ـ د.

(٢) بلاد كذا ب ج ه : بلد كذا أ : ـ د.

(٣) يحرزها أ ب ج : ـ د ه.

(٤) صلبانا ب ج ه : ـ د ه.

(٥) إلا يوم ينفخ أ : إلى يوم النفخ ب ج ه : ـ د.

(٦) بمنعتها أ ج ه ابن خلكان : بمنعته ب : ـ د.

(٧) وحاصرها ب د : وحاجزها أ ج ه.


ضمة ارتقب بعدها الفتح ، وصدع (١) جمعها ، فإذا هم لا يبصرون على عبودية الحد عن عنق الصفح فراسلوه ببذل قطيعة إلى مدة ، وعقدوا نظرة. (٢) من شدة ، وانتظار النجدة فعرفهم الخادم في لحن القول ، وأجابهم بلسان الطول وقدم المنجنيقات التي تتولى عقوبات الحصون عصيها وحبالها ، وأوتر لهم قسيها التي ترمي ولا تفارقها سهامها ، ولكن تفارق سهامها نصالها ، فصافحت السور ، فإذا سهمها في ثنايا شرفاتها سواك ، وقدم النصر نسرا من المنجنيق يخلد إخلاده إلى الأرض ، ويعلو علوه إلى السماك ، وأناخ (٣) مرابع أبراجها ، وأسمع صوت عجيجها صم أعلاجها ، ورفع المدارع ما بين العنق إلى المرفق مثار عجاجها ، فأخلي السور من السيارة ، والحرب من النظارة ، فأمكن النقاب أن يسفر للحرب النقاب ، وأن يعيد الحجر إلى سيرته الأولى من التراب ، فتقدم إلى الصخرة فمضغ سرده بأنياب معوله ، وحل عقده بضربة الأخرق الدال على لطافة أنمله ، وأسمع الصخرة الشريفة أنينه واستغاثته (٤) إلى أن كادت ترق لمقالته وتبرأ بعض الحجارة من بعض وأخذ الخراب عليه موثقا فلن يبرح الأرض ، وفتح من السور بابا سد من نجاتهم أبوابا ، وأخذ يفت في حجره فقال عنده الكافر : يا ليتني كنت ترابا ، فحينئذ يئس الكفار من أصحاب الدور كما يئس الكفار من أصحاب القبور ، وجاء أمر الله وغرهم بالله الغرور وفي الحال خرج طاغية كفرهم وزمام أمرهم ابن بارزان (٥) سائلا أن يؤخذ البلد بالسلم لا بالعنوة ، وبالأمان لا بالسطوة وألقي بيده إلى التهلكة ، وعلاه ذل الهلكة (٦) بعد عز المملكة ، وطرح جنبه على التراب ، وكان جنبا لا يتعاطاه طارح وبذل مبلغا من القطيعة لا يطمح إليه أمل طامح ، وقال ها هنا أسارى مسلمون يتجاوزون الألوف وقد تعاقد الفرنج على أنه أنى هجمت عليهم الدار ، وحملت الحرب على ظهورهم الأوزار بدىء بهم فعجلوا ، وثنى بنساء الفرنج وأطفالهم فقتلوا ، ثم استقتلوا بعد ذلك فلا يقتل خصم إلا بعد أن ينتصف ، ولا يفك سيف من يد إلا بعد أن تقطع أو ينقصف / / وأشار (٧) الأمراء بأخذ الميسور من البلد المأسور ، فإنه لو أخذ حربا فلا بد أن يقتحم الرجال الأنجاد ، وتبذل نفوسها في آخر أمر قد نيل من أوله المراد ، وكانت

__________________

(١) وصدع أ ج د ه : وصدء ب.

(٢) نظرة ب ج د ه : نظيره أ.

(٣) وأناخ أ : فأناخ ب ج د ه.

(٤) واستغاثته أ ج د ه : باستقالته ب.

(٥) يعني هناBalean ينظر : ابن خلكان ٨ / ١٨٥ ؛ رنسيمان ٦٧٣.

(٦) ذل الهلكة ب ج د ه : ذل الملك أ.

(٧) وأشار أ : فأشار ب ج د ه.


الجراح في العساكر قد تقدم منها ما اعتقل الفتكات ، وأثقل الحركات ، فقبل منهم المبذول عن يد وهو صاغرون ، وانصرف أهل الحرب عن قدرة وهم ظاهرون ، وملك الإسلام خطة كان عهده بها دمنة سكان ، فخدمها الكفر إلى أن صارت روضة جنان ، لا جرم أن الله أخرجهم منها وأهبطهم ، وأرضى أهل الحق وأسخطهم فإنهم خذلهم الله حموها بالأسل والصفاح وبنوها بالعمد والصفاح ، وأودعوا الكنائس بها وبيوت الداوية (١) والاسبتارية فيها كل غريبة من الرخام الذي يطرد ماؤه ، ولا ينطرد للألاؤه وقد لطف الحديد في تجريعه وتفنن في توشيعه إلى أن صار الحديد الذي فيه بأس شديد ، كالذهب الذي فيه نعيم عتيد ، فما نرى إلا مقاعد كالرياض لها من بياض الترخيم رقراق ، وعمدا كالأشجار لها من التنبيت (٢) أوراق ، وأوعز الخادم برد الأقصى إلى عهده المعهود ، وأقام له من الأئمة من يوفيه ورده المورود ، وأقيمت الخطبة يوم الجمعة رابع شهر شعبان ، وكادت السموات ينفطرون للنجوم لا للوجوم والكواكب منها تنتثرن للطرب لا للرجوم ، ورفعت إلى الله كلمة التوحيد وكانت طريقها مسدودة ، وظهرت قبور الأنبياء وكانت (٣) بالنجاسات مكدودة ، وأقيمت الخمس وكان التثليث يقعدها ، وجرت الألسن بالله أكبر وكان سحر الكفر يعقدها ، وجهر باسم أمير المؤمنين في وطنه الأشرف من المنبر ، فرحب به ترحيب من بر لمن بر وخفق علماه في حافيته ، فلو طار سرور الطائر بجناحيه ، وكتاب الخادم وهو مجد في استفتاح بقية الثغور ، واستشراح ما ضاق بتمادي الحرب من الصدور ، فإن قوي العساكر استنفدت مواردها ، وأيام الشتاء قد قربت مواردها ، والبلاد المأخوذة المشار إليها قد جاست العساكر خلالها ، ونهبت ذخائرها وأكلت غلالها ، فهي بلاد ترفد ولا تسترفد ، وتجم ولا تستنفد ، ينفق عليها ولا ينفق منها ، وتجهز لأساطيل لبحرها وتقام المرابط لساحلها ، ويدأب في عمارة أسوارها ومرمات معاقلها ، وكل مشقة بالإضافة إلى نعمة الفتح محتملة ، وأطماع الفرنج بعد ذلك مراهبها غير مرجئة ولا معتزلة ، فإن يدعوا دعوة يرجو الخادم من الله أنها لا تسمع ، ولن يفكوا أيديهم من أطراف (٤) البلاد حتى تقطع ، وهذه الألفاظ لها تفاصيل لا تكاد من غير الألسنة تتشخص ، ولا بما سوى المشافهة تتلخص ، فلذلك نفذ

__________________

(١) الداوية أ ج د ه : الديوية ب.

(٢) التنبيت ب ج د ه : التغبيت أ.

(٣) وكانت أ ج د ه : وكان ب.

(٤) أطراف ب ج د ه : ـ أ.


الخادم لسانا شارحا ، ومبشرا صادحا (١) ، يطالع بالخير على سياقته ، ويعرض بجيش المسرة من طليعته إلى ساقته ، وهو فلان فليسمع منه وليرو عنه ، والرأى أعلى إن شاء الله تعالى ، والله الموفق.

هذا آخر الرسالة الفاضلية (٢).

ورحل السلطان عن القدس يوم الجمعة الخامس والعشرين من شعبان (٣) وودعه ولده الملك العزيز وسار معه قدر مرحلة ثم وصاه وشيعه ، وصحب أخاه الملك العادل فوصل إلى عكا في أول شهر رمضان فخيم بظاهرها.

ثم سار فوصل إلى صور تاسع شهر رمضان يوم الجمعة فنزل بعيدا من سورها ، ومكث حتى ورد عليه العسكر وتكامل ، ثم تقدم إليها في يوم الخميس الثاني والعشرين من رمضان وحاصرها. وحضر إليه ولده الملك الظاهر غياث الدين غازي فشدا أزره. وزحفوا على الكفار ، وقطعت الأشجار ، ورمى عليهم بالمجانيق (٤) ، واشتد الأمر وتعسر الفتح.

ذكر ما تم على الأسطول (٥)

وكان السلطان قد تقدم من صور وأحضر إليها من عكا ما كان بها من مراكب الأسطول ، فوصلت منها عشر شواني مشحونة بالرجال والعدد ، واتصلت بها مراكب المسلمين من بيروت وجبيل ، فاستشعر المركيس الضرر ، وعمر الآخر مراكب.

وكانت مراكب المسلمين بالساحل محفوظة بالعسكر ولا يتمكن الفرنج منها وكل من الفريقين يعالج الآخر (٦) ، فاطمأن المسلمون واغتروا بالسلامة ، وبات ليلة خمس شوان (٧) ، وربطوا بقرب ميناء صور وسهروا إلى قريب الصبح ، فغلب عليهم القوم فما انتبهوا إلا وسفن الفرنج محيطة بهم ، فأخذت شواني المسلمين ، وأسروا منها جماعة ، فاغتم السلطان.

لذلك وكانت هذه أول حادثة حدثت للمسلمين / / فانزعج العسكر الإسلامي

__________________

(١) صادحا ابن خلكان : صالحا أ ج د ه.

(٢) الفاضلية ب : ـ أ ج د ه.

(٣) الخامس والعشرين من شعبان أ ج د ه : الحادي والعشرين من شهر ب.

(٤) بالمجانيق أ : بالمناجيق ب د ه : ـ ج.

(٥) ينظر : ابن شداد ٦٦ ؛ ابن خلكان ٧ / ١٨٨ ـ ١٨٩.

(٦) الآخر ب د ه : ـ أ ج.

(٧) خمس شوان أ د ه : خامس شوال ب : ـ ج.


واشتد حزن المسلمين ، وأشار الناس بإبعاد الشواني ، فسيرت إلى بيروت ، وركبت العسكر في الساحل يباريها وهي بحذائه في البحر ، فظهر عليها شواني الفرنج ، فخرج المسلمون إلى البر على وجوههم وتواقعوا إلى الماء خوفا على أنفسهم ، وكانوا لا معرفة لهم بالقتال ، وكان في جملة الشواني قطعة رئيسها له خبرة بالأمور ، فأسرع وفات الفرنج فلم يدركوه فنجا بالمركب ومن فيه ، وبقيت المراكب الباقية خالية ممن كان فيها فدفعها المسلمون إلى البر ، هذا والقتال مشتد بين الفريقين.

ولما عبر الفرنج على تلك المراكب ظنوا عجز المسلمين وخرجوا للقتال في جمع كبير واشتد الأمر وارتفعت الأصوات ووقع المسلمون في الكفار فولوا مدبرين وعادوا إلى البلد ، وأسر منهم مقدمان ، وأسر قمص عظيم عندهم.

وكان الملك الظاهر غازي لم يحضر شيئا مما تقدم من الوقعات ، فبادر وضرب عنقه ، وكان القومص يشبه المركيس فظنوا أنه هو فلما رأى المسلمون هذا الحال وأن السلطان مصمم على ما هو فيه وله قدرة وثبات على القتال ، اجتمع بعض الأمراء وشرعوا في تدبير أمر يعرض على السلطان يتضمن أن هذا الأمر عسر والأولى تركه والرحيل عن هذا المكان ، فاطلع السلطان على ما هم فيه (١) فتلطف بهم ووعظهم وقال : كيف نخلي هذا المكان ونذهب؟ وإذا سئلنا عنه ماذا نجيب؟ ثم أخرج الأموال وفرقها على العسكر وأمرهم بالثبات فامتثلوا أمره.

فتح حصن هونين (٢)(٣)

كان السلطان قد وكل بها بعض أمرائه ، فاستمر يحاصرها حتى طلب أهلها الأمان ، فورد الخبر على السلطان بذلك وهو على محاصرة صور فندب بدر الدين يلدرم البارزي ـ وهو من أكبر عظمائه ـ فمضى إليهم ، وتسلمت هونين بما فيها ، وتسلمها بيرم أخو صاحب بانياس وأقام السلطان على صور يحاصرها ، فدخل الشتاء وضجر العسكر وكثرت الجرحى ، وتوالت الأمطار ، والسلطان يحرضهم على القتال والثبات وكثر القتل واشتد الأمر ، وما زالوا يراجعون السلطان ويشيرون عليه بالرحيل.

وكان السلطان أنفق في تلك المدة أموالا كثيرة على آلة القتال ، ولا يمكن نقلها وإن تركها تقوى بها الكفار فنقضها ، وفك بعضها ، وأحرق ما تعذر حمله ،

__________________

(١) على ما هم فيه ب ج د ه : ـ أ.

(٢) هونين أ ج د ه : هرنين ب.

(٣) هونين : بلد في جبل عاملة مطل على فلسطين ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٥ / ٤٨٢.


وحمل بعضها إلى صيدا وإلى عكا (١) ، وتأخر السلطان عن قرب صور ، فشرع العسكر في الانصراف ، وأخذ (٢) في المعاودة إلى أوان الربيع ، وودع الملك المظفر تقي الدين من هناك ، وبقي السلطان يتأسف على الفتح فسار إلى عكا وخيم على بابها ، ثم اشتد البرد فدخل السلطان المدينة وسكن بها وشرع في التأهب للجهاد (٣) وإصلاح العدد ، وإكرام من يغدو إليه ، وكانت رسل الآفاق من الروم وخراسان والعراق عاكفين على بابه فما مر يوم ولا شهر إلا ويصل إليه رسول ، ورتب أحوال عكا وأمورها ، ووقف نصف دار الاسبتار رباطا (٤) للمتصوفة (٥) ونصفها مدرسة للفقهاء ، وجعل دار الأسقف بيمارستان (٦) للمرضى (٧).

ودخلت سنة ٥٨٤ ه‍ (٨) ، والسلطان مقيم بعكا : فلما دخل فصل الربيع سار ونزل على سمت حصن كوكب (٩) في العشر الأوسط من المحرم قبل تكامل العسكر ، وحصره (١٠) فرأى أن فيه صعوبة ويطول أمره ، ثم وكل بها قايماز (١١) النجمي (١٢) في خمسمائة مقاتل ، ورتب على صفد خمسمائة فارس وجهزهم إليها.

ذكر حال الكرك من أول الفتح

قد مضى ذكر إبرنس الكرك وقتله ، وكانت زوجته ابنة فيليب صاحب الكرك مقيمة بالقدس ، وممن أسر ولدها هنفري بن هنري.

فلما فتح بيت المقدس حضرت إلى السلطان ، وتخضعت له وتذللت ، وسألت

__________________

(١) وإلى عكا أ ج د ه : وبعضها إلى عكا ب.

(٢) وأخذ أ : وواعد ب : وأوعد د ه.

(٣) للجهاد أ ج : إلى الجهاد ب د ه.

(٤) الرباط : جمع ربط ورباطات وهو في الأصل مكان إقامة الحامية المرابطة عند ثغور العدو ، ثم صار اللفظ يطلق على بيت الصوفية حيث يرابطون للزهد والعبادة ، ينظر : السهروردي ٩٩ ؛ ابن منظور ، لسان ٧ / ٣٠٣ ؛ غالب ١٩٥ ؛ عاشور ٤٤٠.

(٥) للمتصوفة أ : للصوفية ب د ه : ـ ج.

(٦) البيمارستان : مستشفى لعلاج المرضى وإقامتهم ، ينظر : عاشور ٤٦٨.

(٧) للمرضى أ ه : للضعفاء ب د : ـ ج.

(٨) ٥٨٤ ه‍ / ١١٨٨ م.

(٩) حصن كوكب : اسم قلعة على الجبل المطل على مدينة طبرية ، حصينة رصينة ، تشرف على الأردن ، افتتحها صلاح الدين فيما افتتحه من البلدان ثم خرجت بعد ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٤ / ٤٩٤ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٨٨ ؛ الحميري ٥٠١ ؛ شراب ٦٣٤.

(١٠) وحصره أ د : وحاصره ب ه : ـ ج.

(١١) قايماز أ د ه : قائما ب : ـ ج.

(١٢) ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٧.


في فك ولدها (١) من الأسر ، وصحبتها زوجة ولدها ابنة الملك ، وحضرت الملكة مع صاحبة الكرك تسأل في زوجها الملك ، فأكرمهن السلطان وأحسن إليهن.

وأما الملكة فجمع شملها بالملك ، وتقرر مع صاحبة الكرك إطلاق ابنها على تسليم قلعتي الشوبك والكرك ، فاستحضر هنفري من دمشق ، واجتمع بوالدته وسارا مع جماعة من الأمراء لتسليم القلعتين.

فلما وصلت هي وولدها لم يطعها أهل الكرك ، ولم يسلموا وأفحشوا في الخطاب لها ، ثم وقع لها كذلك بالشوبك ، فرجعت إلى السلطان فقبل عذرها واطمأن (٢) قلبها على ولدها ، فتوجهت إلى عكا ، ثم انتقلت إلى صور.

وجهز السلطان العساكر لحصار الكرك والشوبك ، ثم وصل إلى السلطان وهو على كوكب بهاء الدين قراقوش ، فندبه لعمارة عكا لعلمه بكفاءته وأمره بالأموال والرجال ، فسار إلى عكا وشرع في عمارتها وتحصين أسوارها ، وورد على السلطان الرسل من ملك (٣) الروم وغيره ، وأقام السلطان على كوكب إلى آخر صفر فتعسر فتحها.

ثم رحل السلطان إلى دمشق ودخل إليها في يوم الخميس سادس شهر ربيع الأول ، فنشر العدل وفصل الحكومات ، فوصل الخبر بوصول العسكر من الشرق ، وأصبح السلطان بكرة يوم الثلاثاء حادي عشر ربيع الأول على الرحيل ، ثم سار إلى بعلبك ورحل على سمت اللبوة ووصل إليه عماد الدين صاحب سنجار بالعساكر (٤) ، فتلقاه السلطان أحسن لقاء وأكرمه. وأجمعوا على دخول بلاد الساحل وتجردوا عن الأثقال ، وساروا فنزل السلطان على حصن يحمور (٥) وفتحه ، وغنم ما فيه ، ثم عاد إلى مخيمه وانقضى شهر ربيع الآخر وقد وصل قاضي جبلة يحث على قصدها ، وكان بها خلق من المسلمين.

ورحل السلطان (٦) يوم الجمعة رابع جمادى الأولى إلى جهة الساحل فوصل إلى أنطرسوس ، وحصرها (٧) ونهبها وسبى أهلها. فاحتمى جماعة ببرجين هناك ،

__________________

(١) ولدها أ : ابنها ب د ه : ـ ج.

(٢) واطمأن أ : وطمن ب د ه : ـ ج.

(٣) ملك أ : ملوك ب د ه : ـ ج / / وغيره أ : وغيرها ب د ه : ـ ج.

(٤) بالعساكر أ : بالعسكر ب د ه : ـ ج.

(٥) يحمور أ د ه : غور ب : ـ ج.

(٦) ورحل السلطان ... إلى جهة أ ب د : ـ ج ه.

(٧) وحصرها أ د : وحاصرها ب ه : ـ ج.


فهدم أحدهما وامتنع الآخر ، ونقض أسوار أنطرسوس (١) ، وترك البرج الممتنع ، ورحل العسكر عنها ونزل على مرقية وقد أخلاها أهلها ، وكان الفرنج (٢) قد صنعوا المراكب في البحر ، وسار السلطان بالعسكر. ووقع بين المسلمين والفرنج وقعات وأمور يطول شرحها (٣) ، وقصد جبلة.

فتح جبلة (٤)

أشرف السلطان على جبلة بكرة يوم الجمعة ثامن عشر جمادى الأولى ، وأحاط (٥) بها العساكر فطلبوا الأمان على أن يعيدوا ما استرهنوه من أنطاكية (٦) من أهلها ويسلموا كل مالهم من سلاح وعدة وخيل (٧).

وكان قاضي جبلة هو المتوسط لهم في أخذ الأمان ، وسلمت إلى المسلمين يوم الخميس ، وأقام السلطان بها أياما يقرر أموره ، وكان يعظم قاضي جبلة وأحسن إليه (٨) ووقف عليه ملكا نفيسا وأقره على ولايته بمنصب القضاء ، وكان حصن (٩) بكرائل قد سلم من قبل.

فتح اللاذقية (١٠)

ورحل السلطان ثالث عشر من جمادى الأولى يوم الأربعاء ، وبات تلك الليلة بالقرب من اللاذقية بجبل عاصم.

__________________

(١) انطرسوس : بلد من سواحل الشام من عمل حمص ، حصينة عليها سوران ، وهي مدينة كبيرة كثيرة المتاجر والعمارة والخصب ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٤ / ٢٨ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ١٢٤ ؛ الحميري ٣٨٨ ـ ٣٨٩.

(٢) وكان الفرنج ... وقعات أ ب د : ـ ج ه.

(٣) ينظر عن هذه الوقعات : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٨٨ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٢٦ ـ ١٢٧ ؛ ابن خلكان ٧ / ١٨٩ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٣.

(٤) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٩٠ ؛ ابن شداد ٦٨ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٢٧ ؛ ابن خلكان ٧ / ١٩٠ ؛ المقريزي ١ / ٢١٣.

(٥) وأحاط ب : وأحتاط أ د ه : ـ ج.

(٦) أنطاكية : مدينة هي قصبة العواصم من الثغور الشامية ، موصوفة بالتراهة وطيب الهواء وعذوبة الماء وبها كانت مملكة الروم ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٥٥ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ١٢٥ ؛ الحميري ٣٨.

(٧) من سلاح وعده وخيل أ د ه : من السلاح والعدة والخيل ب : ـ ج.

(٨) وأحسن إليه أ : ويحسن إليه ب : ـ ج د ه.

(٩) وكان حصن ... من قبل أ ب د : ـ ج ه.

(١٠) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٩١ ؛ ابن شداد ٧٠ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٢٧ ـ ١٢٨ ؛ ابن خلكان ٧ / ١٩٠ ـ ١٩١ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٣.


فلما أصبح (١) يوم الخميس كان حصارها واشتد القتال ونقب أسوارها ، فطلبوا الأمان في يوم الجمعة الخامس والعشرين من جمادى الأولى ، وصعد إليهم قاضي جبلة يوم السبت وفتحت صلحا ، وسلموا القلاع بما فيها ورحل منهم جماعة ، ودخل جماعة في عقد الذمة.

ورتب السلطان فيها جماعة من مماليكه ، وركب السلطان وطاف بالبلد وقرر أمورها ورحل عنها.

فتح حصن صهيون (٢) وغيره (٣)

رحل السلطان من اللاذقية ظهر يوم الأحد السابع والعشرين من جمادى الأولى ، وأخذ على سمت صهيون وخيم عليها يوم الثلاثاء التاسع والعشرين ، وأحاط العسكر بها يوم الأربعاء ، وحصرها (٤) فملكوا ثلاثة أسوار بما فيها ، فطلبوا الأمان وسلموا البلد ، ثم سلم حصن صهيون بجميع أعماله وما فيه من الذخائر ، وتسلم يوم السبت قلعة العبد ، ويوم الأحد قلعة الجماهريين ، ويوم الاثنين حصن البلاطنس.

وسار السلطان ثاني يوم فتح صهيون ونزل على العاصي ، وتسلم حصن بكاس (٥) يوم الجمعة تاسع جمادى الآخرة ، ثم حصر (٦) قلعة الشعر وطال القتال حتى أيس منه فخرج من الحصن من يطلب الأمان في ثالث عشر يوم الثلاثاء ، وتسلم قلعة الشعر.

ثم سار ولد السلطان الملك الظاهر إلى قلعة سرمانية ، فحصرها (٧) وخربها وفتحها يوم الجمعة الثالث والعشرين من جمادى الآخرة.

__________________

(١) فلما أصبح ... ونقب أسوارها أ ب د : ـ ج ه.

(٢) صهيون : حصن من أعمال سواحل بحر الشام من أعمال حمص وله ثلاثة أسوار ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٣ / ٦٣٦ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٢٥٧ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٥٩.

(٣) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٩٢ ؛ ابن شداد ٧١ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٢٩ ؛ ابن خلكان ٧ / ١٩١ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٣.

(٤) وحصرها أ د : وحاصرها ب ه : ـ ج.

(٥) بكاس : قلعة حصينة لها مسجد جامع ومنبر تقع بين أفامية وأنطاكية ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٦١ ؛ ابن خلكان ٧ / ١٩١.

(٦) ثم حصر أ د : ثم حاصر ب ه : ـ ج.

(٧) فحصرها أ ه : فحاصرها ب د : ـ ج.


فتح حصن برزية (١)

وسار السلطان إلى قلعة برزية وهي من أحصن القلاع ، فنازلها في يوم السبت رابع عشر من الشهر ، ثم تجرد يوم الأحد فرقي (٢) إلى الجبل فرآها قلعة على سن من الجبل عالية ، فأحدق بها وبالجبل ، وزحف عليها في يوم الثلاثاء السابع والعشرين من الشهر ، ورتب عليها الأمراء نوبا فقاتلوا واشتد القتال ، وتقدم السلطان بنفسه في النوبة الثانية ، فلما أيقنوا بأنهم ملكوا طلبوا الأمان وسلموا الحصن ، فلما حصل الفتح عاد السلطان إلى خيامه.

وكانت صاحبة حصن برزية أخت زوجة الإبرنس صاحبة أنطاكية قد سبيت فأمر بإحضارها ، وأعتقها وكذلك زوجها ، وأحضر أيضا ابنة لهما وزوجها وعدة من أصحابهم وأدخلهم معهم في الإطلاق ، وقلدا الحصن ، لأمير من جماعته ، وكان فتح هذا الحصن من آيات الله تعالى لحصانته وعدم القدرة عليه ، فيسر الله بفتحه (٣) في أسرع وقت.

فتح (٤) حصن دربساك (٥)

رحل السلطان وأقام أياما على جسر الحديد (٦) ثم قصد دربساك (٧) وهو حصن مرتفع ، وكان عش الداوية فنزل عليه يوم الجمعة ثامن رجب وحصره ورمى برجا من السور بالنقب ، فلما كان يوم الثلاثاء تاسع عشر رجب طلبوا الأمان وتسلم الحصن بما فيه يوم الجمعة ثاني عشر من الشهر.

فتح حصن بغراس (٨)

توجه بكرة السبت إلى بغراس (٩) ، وهي قريبة من أنطاكية وهي على رأس جبل

__________________

(١) برزية : قلعة صغيرة مستطيلة لها منعة مطلة على أفامية ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٩٣ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٢٦١.

(٢) فرقي أ د ه : ورقى ب : ـ ج.

(٣) بفتحه في أسرع أ د هت : فتحه في أيسر ب : ـ ج.

(٤) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٩٤ ؛ ابن شداد ٧٣ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٣٢.

(٥) دربساك : حصن بين أنطاكية وحلب ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٦١ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٥٥٤.

(٦) جسر الحديد : موقع على نهر العاصي بالقرب من أنطاكية ، ينظر : ابن أيوب ٢٧٥.

(٧) دربساك ابن شداد ، ابن خلكان : ديرساك البغدادي ؛ دربساك أ ب د ه : ـ ج.

(٨) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٩٤ ؛ ابن شداد ٧٤ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٣٣ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٣.

(٩) بغراس ب : بفراس أ د ه ابن شداد : ـ ج.


عالية حصينة ، وهي للداوية فخيم بقربها في المرج ، وتقدم جمع كثير من العسكر بينهما وبين أنطاكية ، وصار يركب كل يوم ويقف تجاه أنطاكية.

وصعد السلطان متجردا في جماعة من عسكره إلى الجبل بإزاء الحصن ونصب عليه المجانيق (١) من جميع جهاته ورمي عليه وحصره ، فطلبوا الأمان ، وتسلم القلعة في ثاني شعبان وحرز ما في بغراس من القلعة فكان تقديرا اثني عشر ألف غرارة.

عقد الهدنة مع أنطاكية

ولما فرغ السلطان من فتح هذه الحصون قصد أنطاكية ، وكانت قد تلاشت أحوالها وقل ما فيها من القوت ، وكان الإبرنس صاحبها قد أرسل أخا زوجته يسأل في عقد الهدنة ، وطلب الأمان على ماله وولده لثمانية أشهر من تشرين إلى آخر أيار.

وأجابه السلطان لذلك (٢) وشرط عليه إطلاق من عنده من الأسارى وسار رسول السلطان ومعه شمس الدولة ابن منقذ لأجل الأسارى.

ورحل السلطان ثالث شعبان إلى سمت حلب ، ولما رحل السلطان من بغراس (٣) ، ودع عماد الدين زنكي وعساكر البلاد ، وخلع عليه منحه بالتحف النفيسة ، وأنعم على العسكر بأشياء خلاف ما غنموه.

وسار في عسكره ووصل إلى حلب ثم سار منها ووصل إلى حماة ، وبات بها ليلة واحدة ، ثم سار على طريق بعلبك فجاءها قبل رمضان بأيام. وكان العسكر قصدهم الصوم في أوطانهم بدمشق.

فلما وصل السلطان إلى دمشق اشتد عزمه وتحرك للجهاد من أجل صفد وكوكب وغيرهما وخرج من دمشق أوائل شهر رمضان.

فتح الكرك وحصونه (٤)

وردت البشرى (٥) بتسلم حصن الكرك ، فإن السلطان لما كان في بلاد أنطاكية لم يزل الحصار على الكرك ، وكان أخوه الملك العادل بمن معه على

__________________

(١) المجانيق أ د : المناجيق ب ه : ـ ج / / وحصره أ د ه : وحاصره ب : ـ ج.

(٢) لذلك أ د : إلى ذلك ب ه : ـ ج.

(٣) بغراس ب : بفراس أ د ه ابن شداد : ـ ج.

(٤) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٩٦ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٣٤ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٣٠ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٤ ؛ ابن العماد ٤ / ٢٧٩.

(٥) البشرى أ د ه : البشائر ب : ـ ج.


تبنين (١) لحفظ البلاد ، وكان صهره سعد الدين كمشبه بالكرك موكلا بحصاره ، فراسل الفرنج الملك العادل في الأمان فتمنع ثم صالحهم وسلموا الحصن.

محاصرة صفد وفتحها (٢)

ثم سار السلطان حتى نزل على صفد وجاء الملك العادل وشرعوا في حصار القلعة ورميها بالمجانيق (٣) ، واستمر الحال على ذلك إلى ثامن شوال وصعب فتحها حتى أذن الله تعالى وسهل ، فأذعنوا وأخرجوا من عندهم من أسارى (٤) المسلمين ليشفعوا لهم من طلب الأمان ، وسلمت للمسلمين وخرج فيها من الكفار إلى صور.

ولما أشرفت صفد على الفتح شرع الفرنج في تقوية قلعة كوكب ، وأجمعوا على تسيير مائتي رجل من الأبطال المعدودين ليكمنوا للمسلمين في الطريق ، فعثر بواحد منهم بعض جند المسلمين ، فأمسكه وأتى به إلى صارم الدين قايماز (٥). فأخبر بالحال وأن الكمين بالوادي ، فركب إليهم في أصحابه والتقطهم عن آخرهم وأحضرهم إلى السلطان وهو على صفد ، وكان فيهم مقدمان على (٦) الإسبتارية فأحضرا عند السلطان ، فأنطقهما الله وقالا : ما نظن أننا بعدما شاهدناك يلحقنا سوء. فمال إلى كلامهما وأمر بإعتاقهما ، فإن تلك الكلمة أوجبت عدم قتلهما ، فإنه كان لا يبقي على أحد من الإسبتارية (٧) والداوية ، وفتح الله صفد في ثامن شوال.

حصار كوكب وفتحها (٨)

وسار السلطان إلى كوكب وهي في غاية الحصانة فحاصرها وقاتل من فيها أشد قتال ، وحصل الضيق الزائد لوقوع البرد الشديد وقوة الشتاء ، وما زال السلطان ملازما للحصن بالرمي حتى تهدم غالب بنيانه (٩) ونصر الله المسلمين وملكوا كوكب

__________________

(١) تبنين : بلدة بين دمشق وصور ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٢٥٣.

(٢) ينظر : الأصفهاني ، الفتح ٢٦٨ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٩٦ ؛ ابن شداد ٧٥ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٣٥ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٣٠.

(٣) المجانيق ب د : المناجيق أ ه : ـ ج.

(٤) أسارى أ ه : أسرى ب : الأسرى د : ـ ج.

(٥) صارم الدين قايماز بن عبد الله النجمي ، كان من أكابر الدولة الصلاحية وكان عند صلاح الدين بمنزلة الأستاذ ، توفي سنة ٥٩٦ ه‍ / ١١٩٩ م ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٧.

(٦) على أ ج د ه : من ب / / الاسبتارية ب ه : الإسبتارية أ : ـ ج د.

(٧) الإسبتارية أ : الإستبارية ب ه : ـ ج د.

(٨) ينظر : الأصفهاني ، الفتح ٢٧٣ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٩٦ ؛ ابن شداد ٧٦ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٣٥ ـ ١٣٦ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٣٢ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٤.

(٩) بنيانه أ د ه : بنائه : ـ ج.


وأخرجوا الكفار وغنموا أموالهم. وكان هذا الفتح في منتصف ذي القعدة ، وعرض السلطان القلعة على جماعة (١) فلم يقبلوها ، فولاها قايماز النجمي على كره منه.

ثم تحول السلطان إلى أرض بيسان وأذن للأمراء (٢) والجند في الانصراف ، وسار معه أخوه الملك العادل في مستهل ذي الحجة إلى القدس الشريف / / ووصل يوم الجمعة ثامن الشهر وصلى في قبة الصخرة وعيد بها يوم الأضحى ونحر الأضحية.

وسار يوم الاثنين إلى عسقلان للنظر في مصالحها وتدبير أموالها ، وأقام أياما ثم ودعه أخوه الملك العادل وسار بعسكره إلى مصر ورحل السلطان إلى عكا.

ودخلت سنة ٥٨٥ ه‍ (٣) والسلطان مقيم بعكا يرتب أمورها ويحصنها إلى أن وصل جماعة من مصر فأمرهم بالإقامة فيها وأمر بهاء الدين قراقوش بإتمام بناء سورها. ثم سار إلى طبرية ودخل دمشق مستهل صفر ، ثم خرج منها يوم الجمعة ثالث ربيع الأول متوجها إلى شقيف أرنون (٤) ، وأتى مرج عيون (٥) وخيم فيه بقرب الشقيف.

واعتد للقتال يوم الجمعة سابع عشر ربيع الأول ، وكان الشقيف في يد أرناط (٦) صاحب صيدا ، فنزل إلى خدمة السلطان يسأله أن يمهله ثلاثة أشهر لينقل أهله من صور وأظهر أنه يخاف أن يعلم المركيس بحاله فلا يمكنه من أهله فأجابه السلطان لذلك وشرع أرناط في تحصين نفسه واستعداده للحرب.

فعلم السلطان بحقيقة حاله ، فتقرب السلطان من الشقيف ، فلما علم صاحب الشقيف بذلك حضر إلى خدمة السلطان ، وشرع في الاستعطاف له وإزالة ما عنده وعاد إلى حصنه. ثم حضر وأنهى تخوفه على أهله وسأل المهلة سنة. فأرسل السلطان من كشف الحصن فوجده قد تحصن زيادة على ما كان فيه. فأمسك صاحب

__________________

(١) جماعة أ د ه : جماعته ب : ـ ج / / على كره أ ب د : ـ ج ه.

(٢) للأمراء أ ب د : ـ ج ه.

(٣) ٥٨٥ ه‍ / ١١٨٩ م.

(٤) شقيف أرنون : بفتح أوله ، وكسر ثانيه ، ثم ياء مثناة من تحت ، وفاء ، وبعد الراء الساكنة نون ثم واو ساكنة ونون أخرى ؛ وهو قلعة حصينة جدا في كهف من الجبل قرب بانياس من أرض دمشق بينها وبين الساحل ، ينظر : ياقوت ، معجم ٣ / ٣٥٦ أبو الفداء ، تقويم ٢٤٤ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٠٧ ؛ حطيط ١٩٦ ؛ حتى ٣٥٨.

(٥) مرج عيون : قرية في الجنوب اللبناني على الساحل الشامي ، ينظر : البغدادي ٣ / ١٢٥٤.

(٦) يبدو أن أرناط هذا غير أرناط صاحب الكرك الذي قتله صلاح الدين بعد وقعة حطين وهناك اسما آخر لصاحب شقيف هو رينالد الصيدلاوي ، وقد أرسله صلاح الدين إلى دمشق مصفدا ، ثم فك الحصار عن الحصن ليتفرغ لمراقبة جيش الفرنج ، ينظر : ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٤٠ ؛ رنسيمان ٣ / ٥٣.


الحصن وقيد وحمل إلى قلعة بانياس ، ثم استحضره في سادس رجب وهدده ، ثم سيره إلى دمشق وسجنه.

وحصر (١) الحصن في يوم الأربعاء ثامن رجب ورتب عليه عدة من الأمراء لمحاصرته إلى أن تسلمه بعد سنة ، وأطلق صاحبه.

ولما كان السلطان بمرج عيون اجتمع الفرنج واتفقوا على إقامة المركيس (٢) بصور وأجمعوا على حرب المسلمين والمركيس يمدهم من صور ، فبلغ السلطان ذلك في يوم الاثنين سابع عشر جمادى الأولى وأنهم على قصد صيدا ، فركب في الحال والتقى العسكر (٣) مع الفرنج ، فهزمهم بإذن الله تعالى ، ونصر الله المسلمين ، وأسر من أعيانهم سبعة.

وعاد السلطان إلى مخيمه وأقام إلى يوم الأربعاء تاسع عشر جمادى الأولى ، ثم ركب في ذلك اليوم ، وتواقع هو والفرنج ، واشتد القتال ، فاستشهد جماعة من المسلمين ، وقتل خلق كثير من المشركين ، ثم قوي عزم السلطان على قصدهم في مخيمهم ، وشاع هذا الخبر ، فخاف الفرنج وذهبوا إلى صور فاقتضى الحال التأخير.

وسار السلطان إلى تبنين صبيحة الخميس السابع والعشرين من الشهر ، ثم سار منها إلى عكا ورتب أمورها وعاد إلى المعسكر ، وأقام إلى يوم السبت سادس جمادى الآخرة ، فبلغه أن الفرنج ينتشرون في الأرض ، فأمر السلطان بتكمين كمائن لهم وإذا رأوهم يطردونهم (٤).

وسار السلطان يوم الاثنين فتواقعوا واشتد القتال ، وكان بالعسكر جماعة من العرب لا خبرة لهم بالطريق ، فتطاردوا بين يدي الفرنج في واد لا ينفذ ، فحصرهم الفرنج ولم يقدروا على السلوك من الوادي (٥) ، فاستشهدوا ، رحمهم الله تعالى.

مسير الفرنج إلى عكا (٦)

وصل الخبر يوم الأربعاء ثامن رجل أن العدو على قصد عكا وأن جماعة منهم

__________________

(١) وحصر أ : وحاصر ب د ه : ـ ج.

(٢) المركيس أ ب د : المركيش ه : ـ ج.

(٣) العسكر أ ج د ه : بعسكره ب.

(٤) يطردونهم أ د ه : يطاردونهم ب : ـ ج.

(٥) من الوادي ب د ه : ـ أ ج.

(٦) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٠ ـ ٢٠٢ ؛ ابن شداد ٧٨ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٤٢ ؛ المقريزي ، السلوك ٢١٥١.


سبقوا إلى النواقير (١) ونزلوا بإسكندرونة (٢)(٣) ، وتواقع معهم جماعة من المسلمين ، فكتب السلطان للعساكر (٤) يجمعهم ورحل الفرنج يوم الأحد ثاني عشر رجب ونزلوا على عين عبد ، فأصبح السلطان يوم الاثنين على الرحيل ، وجاء عصر يوم الثلاثاء والسلطان نازل (٥) من أرض كفر كنا (٦) ، ثم أصبح يوم الأربعاء خامس عشر الشهر ونزل على جبل الخروبة (٧) وترك الأثقال بأرض صفورية (٨). ونزل الفرنج على عكا من البحر إلى البر (٩) محتاطين بها يحاصرونها ، واجتمعت العساكر فصار العدو حول البلد. وأحاط المسلمون بالفرنج ومنعوهم من الطرق واشتد القتال ، واستدارت الفرنج بعكا ومنعوا من الدخول والخروج وذلك يوم الأربعاء والخميس سلخ رجب ، فأصبح السلطان يوم الجمعة مستهل شعبان على عكا.

وتباشر المسلمون بالنصر وثار الحرب ، وأصبحوا يوم السبت على ذلك ، وحمل الناس من جانب البحر شمالي عكا حملة شديدة ، وانهزم الفرنج إلى تل العياضية (١٠)(١١) فأخلوا ذلك الجانب ، وانفتح للمسلمين / / طريق عكا ، ودخلها الرجال (١٢) ، ودخل العسكر إليها وخرج واستطرقت إليها الجيوش ، واطلع السلطان على الفرنج من سورها ، وخرج عسكر البلد للقتال ، وتشاور المسلمون فيما بينهم ، ودبروا الحيل في قتال العدو المخذول.

__________________

(١) النواقير : جمع نقيرة وهي فرجة بين عكا وصور على ساحل بحر الشام ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١٣٩٢.

(٢) الإسكندرونة : مدينة في شرق أنطاكية على ساحل بحر الشام ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٧٦ ؛ الحميري ٥٦.

(٣) بإسكندرونة ب د ه : بإسكندرية أ : ـ ج / / وتواقع معهم أ ه : وتواقعوا مع ب د.

(٤) للعساكر أ ه : للعسكر ب : ـ ج د.

(٥) نازل أ ب د : ـ ج ه / / من أرض أ ه : بأرض ب د : ـ ج.

(٦) كفر كنا : قرية بشمال فلسطين بها قبر يوسف ، عليه‌السلام ، وتقع شرق الناصرة ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٧١ ؛ شراب ٦٢٨.

(٧) الخروبة : حصن بسواحل بحر الشام مشرف على عكا ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٢ / ٣٦٢ ؛ الدومنيكي ٦٦ ؛ المغربي ٥٨.

(٨) صفورية : كورية وبلدة من نواحي الأردن بالشام قرب طبرية ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٤٥ ؛ الحميري ٣٦٣ ؛ شراب ٤٨٧.

(٩) إلى البر ه : إلى البحر أ ب د : ـ ج.

(١٠) تل يقع شرق مدينة عكا ، ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٤٣ ؛ ابن شداد ٨٦ ؛ المغربي ٥٨.

(١١) تل العياضية ابن شداد ، أبو شامة : تل الصياصية ب د ه : تل الصلبة أ : ـ ج / / فأخلوا أ د ه : وأخلوا ب : ـ ج.

(١٢) ودخلها الرجال أ د ه : ـ ج د.


فلما كان يوم الأربعاء ثامن شعبان ركب الفرنج آخر النهار بأجمعهم وتقدموا وحملوا على المسلمين ، فصدهم المسلمون فولى الكفار هاربين مدبرين وقتل وجرح منهم ، ودخل الليل وبات الحرب على حاله ، وانتقل السلطان ليلة الاثنين حادي عشر الشهر إلى تل العياضية لأنه مشرف عليهم للعلو ، وبلغ السلطان أن الفرنج يخرجون للاحتشاش وينتشرون في الأرض ، فانتدب جماعة من العربان ، فأغاروا عليهم وحالوا بينهم وبين خيامهم وحشروهم وأبادوهم (١) قتلا وقطعوا رؤوسهم وأحضروها عند السلطان وذلك يوم السبت سادس عشر شهر شعبان ، وسر المسلمون وتباشروا هذا والقتال على عكا متصل.

نادرة (٢)

ومن النوادر الواقعة أنه أفلت من بعض مراكب الفرنج حصان من الخيول الموصوفة عندهم فلم يقدروا على إمساكه وما زال يعوم في البحر وهم حوله إلى أن دخل ميناء البلد ، فتسارع المسلمون إليه وأخذوه وأهدوه للسلطان ، فتباشر المسلمون بالنصر. ورآه الفرنج من إمارات خذلانهم.

الوقعة الكبرى

وأصبح الفرنج يوم الأربعاء العشرين (٣) من شعبان وقد رفعوا صلبانهم وتقدموا وزحف أبطالها ، وقد عبىء السلطان الميمنة والميسرة وشرع يمر بالصفوف ويقوي عزم العساكر (٤). واشتد القتال واستشهد جماعة من المسلمين وولى العسكر الإسلامي منهزما ، فمنهم من وصل طبرية ومنهم من وصل دمشق. وبقي المسلمون في شدة عظيمة حتى أدركهم الله تعالى بنصره (٥) ، وهو أنه لما تمت الكسرة على المسلمين ، وصل جماعة من الفرنج إلى خيمة السلطان ولم يتبعهم من يعضدهم ، فهابوا الوقوف هناك فانحدروا عن التل ، واستقبلهم (٦) المسلمون فتبعوهم وظفروا بهم فقتلوا منهم وضربوا رقابهم واشتد الحرب وثبت المسلمون فمالوا على ميسرة الفرنج ففلوها ووضعوا فيهم السيوف فأبادوهم (٧) قتلا ، وممن قتل مقدم عسكرهم ،

__________________

(١) وأبادوهم ب د ه : وأبدوهم أ : ـ ج.

(٢) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٤٣.

(٣) العشرين أ د ه : لعشرين ب : ـ ج.

(٤) العساكر أ ب د : العسكر ه : ـ ج.

(٥) بنصره أ : بالنصر ب د ه : ـ ج.

(٦) واستقبلهم أ د ه : فاستقبلهم ب : ـ ج.

(٧) فأبادوهم أ ب د : فبادوهم ه : ـ ج.


وتبعهم المسلمون حتى كلت سيوفهم (١) ، وقتل من الفرنج نحو خمسة آلاف فارس ، وقتل مقدم الداوية.

وحكي عنه أنه قال : عرضنا في مائة ألف وعشرة آلاف ومن العجب أن الذين ثبتوا من المسلمين لم يبلغوا ألفا فردوا مائة ألف. فكان الواحد من المسلمين يقتل من الكفار ثلاثين وأربعين.

وأرسل السلطان (٢) البشائر إلى دمشق بهذا النصر ، وعاد السلطان إلى مكانه وعزم على أنه يصالح العدو ، وتفقد العسكر فإذا هو قد غاب ، وذلك أن بعض الغلمان والأوباش لما وقعت الوقعة ظنوا أن عسكر الإسلام انهزم ، فنهبوا الأثقال وذهبوا (٣) ، وانهزم جماعة من الجند. فمضى العسكر وراء الغلمان فتأخر من أجل ذلك العزم على المسير ، فانتعش (٤) الفرنج لذلك.

وكثر جيف الفرنج المقتولين ، فشكى المسلمون نتن رائحتها. فرسم السلطان بحملها على العجل ورميها في النهر ، فحمل أكثر من خمسة آلاف جثة. ثم في يوم الخميس التاسع والعشرين من شعبان حضر أكابر الأمراء عند السلطان ، ودار الكلام بينهم في المشهورة ، فأشاروا بالانصراف لهجوم البرد والشتاء وأن أبدانهم وخيولهم قد ضعفت ، وأن السلطان يراسل (٥) البلاد ويجمع الجموع ، ثم يحضر للجهاد في سبيل الله تعالى. هذا والسلطان متكره من هذه المقولات (٦) ، وليس عنده ملل ، وفي كل يوم يطوف على العسكر ويقوي عزمه (٧).

فانتقل ليلة الثلاثاء رابع شهر رمضان إلى الخروبة عند الأثقال وأمر من بعكا بغلق الباب ، وشرع الفرنج في حفر خندق على معسكرهم حوالي عكا من البحر (٨) إلى البحر وتحصنوا وتستروا ، وأقام السلطان بالمخيم وهو متوعك ، فمنّ الله تعالى عليه بالعافية ، وصرف الأجناد الغرباء ليرجعوا في الربيع ، وأقام بمماليكه ، فما مضى يوم إلا وفيه وقعة والمماليك ظافرون بالفرنج. وفي يوم الاثنين ثالث شهر رمضان

__________________

(١) حتى كلت سيوفهم أ ب د : ـ ج ه.

(٢) وأرسل السلطان البشائر إلى دمشق بهذا النصر أ ه : وأرسل السلطان بهذا النصرة البشائر إلى دمشق ب د : ـ ج.

(٣) وذهبوا أ : فانهزموا ب د ه : ـ ج / / انهزم أ د ه : وانهزموا ب : ـ ج.

(٤) فانتعش أ د ه : وانتعش ب : ـ ج.

(٥) يراسل ب د ه : يراس أ : ـ ج.

(٦) المقولات أ د ه : المقالات ب : ـ ج.

(٧) عزمه أ د ه : عزمهم ب ه : ـ ج.

(٨) من البحر إلى البحر أ ب د : من البحر إلى البر ه : ـ ج.


أخذ المسلمون بعكا مركبا للفرنج مقلعا إلى صور فيه ثلاثون رجلا وامرأة واحدة ورزمة من الحرير فغنموه وتباشروا ، واشتد أزرهم بذلك.

وصول ملك الألمان (١)

ورد الخبر بوصول ملك الألمان إلى قسطنطينية / / في عدد كثير على قصد العبور إلى بلاد الإسلام وأنه في ثلاثمائة ألف مقاتل ، وقد قطع الروم إلى جهة الشام. فانزعج المسلمون لذلك ، وندب السلطان الرسل إلى جميع البلاد يستنفروا (٢) للجهاد ، فوصل الملك العادل سيف الدين من مصر في نصف شوال في جيش عظيم ، فحصل به السرور وقوى المسلمون ونزل في مخيمه. وأرسل السلطان إلى رجال دمشق والبلاد ، فحضروا وشرع المسلمون في كل حين (٣) يعالجون الفرنج ولهم معهم في كل ليلة كبسة.

وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة وصل الأسطول من مصر وعدته خمسون شونة (٤) ، فإن السلطان لما وصل إلى عكا كتب إلى مصر بتجهيز وتكثير رجاله وعدده ، فصادف مراكب الفرنج في البحر ، فأول ما ظفر الأسطول بشونة للفرنج فقتل مقاتليه ، ووقعت بينهم وقعة كبرى ، وتفرقت سفن الفرنج (٥) ، وسارت البشائر للمسلمين بوصول الأسطول.

ولما اشتد البرد وكثرت الأمطار واستظهر البلد رجال الأسطول ، وكانوا زهاء عشرة آلاف بحري ، فامتلأ البلد وشرعوا يتلصصون على الكفار ، وكبسوا ليلة سوق الخمارات ، وسبوا عدة من النساء الحسان ، فكان في ذلك نكاية عظيمة للكفار وأمكن الله المسلمين من الكفار ، وشرعوا في نهبهم وأسرهم في كل وقت.

ذكر نساء الفرنج (٦)

ثم وصلت مركب فيها ثلاثمائة امرأة فرنجية من النساء الحسان اجتمعن من الجزائر لإسعاف العزبان وسبلن أنفسهن وفروجهن للعزبان ورأين أن هذه قربة ما ثم

__________________

(١) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٧ ؛ ابن شداد ٩٤ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥٠ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٣٤.

(٢) البلاد يستنفروا أ : الأمصار يستنفر ب د ه : ـ ج.

(٣) في كل حين أ د : في كل يوم ب ه : ـ ج.

(٤) الشونة : هي سفينة ضخمة مزودة بالأبراج والقلاع وتحمل الواحدة منها ١٥٠ رجلا ، وتستعمل هذه السفن في حالات الهجوم والدفاع ، ينظر : غنيم ١٣٣.

(٥) سفن الفرنج وسارت أ د ه : سفن الإفرنج وصارت ب : ـ ج.

(٦) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٤٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٣٤.


أفضل منها ، وعند الفرنج أن العزباء إذا مكنت منها الأعزب لا حرج عليها ، وتسامع عسكر الإسلام بهذه القضية (١) فأبق من المماليك والجهال جماعة وذهبوا إليهن ، ووصلت أيضا في البحر امرأة كبيرة القدر وهي ملكة بلدها وفي خدمتها خمسمائة فارس وفي الفرنج نساء يلبسن هيئة الرجال ويقاتلن ، وفي يوم الوقعة أسروا (٢) جماعة منهن ، فلم يعرفن حتى سلبن وعرين.

وأما العجائز فحضر منهن جماعة وهن ينشدن تارة ويحرضن وينخين الرجال (٣) ، لعنة الله عليهن. وفي هذه السنة ندب السلطان الرسل إلى البلاد لاستنفار المجاهدين ، وتوفي الفقيه ضياء الدين عيسى الهكاري (٤) بمنزلة الخروبة سحر ليلة الثلاثاء تاسع ذي القعدة سنة ٨٥ (٥) ، وكان من الأعيان وله منزلة عند السلطان وحمل من يومه إلى القدس ، فدفن به (٦).

ودخلت سنة ٥٨٦ ه‍ (٧)(٨) والسلطان مقيم بعسكره بمنزلة الخروبة وعكا محصورة ، وخرجت هذه السنة والحصر مستمر ، ووقعت وقائع وهلك من الفرنج عدد لا يقع عليه الحصر.

وقعة الرمل (٩)

وكان السلطان يركب أحيانا للصيد وهو لا يبعد من المخيم ، فركب يوما من صفر فأبعد واليزكية (١٠)(١١) على الرمل وساحل البحر ، فخرج الفرنج وقت العصر ،

__________________

(١) بهذه القضية أ ب ه : بهذه القصة ب : ـ ج.

(٢) أسروا ه : أسر ب د : ـ ج.

(٣) الرجال ب د ه : ـ أ ج.

(٤) ضياء الدين عيسى الهكاري : كان من أصحاب أسد الدين شيركوه ، ودخل معه إلى مصر ، وحظي عنده ، ثم كان ملازما للسلطان صلاح الدين حتى مات في ركابه بمنزلة الخروبة قريبا من عكا ، فنقل إلى القدس فدفن به ، وكان من الفضلاء والأمراء الكبار وكانت وفاته سنة ٥٨٥ ه‍ / ١١٨٩ م ، ينظر : الأصفهاني ، الفتح ٣٥٥ ؛ ابن شداد ٩٦ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥٠ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٣٤ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٦.

(٥) سنة ٨٥ أ : سنة خمسة وثمانين ب د : سنة ٥٨٥ ه‍ : ـ ج.

(٦) فدفن أ د ه : ودفن ب : ـ ج.

(٧) ٥٨٦ ه‍ / ١١٨٨ م.

(٨) سنة ٥٨٦ أ ه : ست وثمانين وخمسمائة ب د : ـ ج.

(٩) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٥ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥١ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٧.

(١٠) اليزك : هم العسس في مقدمة الجيش ومن يقومون بالمراقبة ، ينظر : ابن تغري بردي ، النجوم ٧ / ١٧٣ ؛ التونجي ٦١٩.

(١١) واليزكية أبو شامة : الزكية أ : والكركبة ب : والكرنكية د : والكزلية ه : ـ ج.


فتسامع المسلمون بهم ، فخرجوا إليهم وزحفوا عليهم وطردوهم وأحاطوا بهم ورموهم حتى فرغ النشاب ، فلما علم الفرنج بذلك تجاسروا وحملوا حملة واحدة حتى ردوا المسلمين إلى النهر. فثبت جماعة واستشهد جماعة ، فدخل الليل وحال بين الفريقين.

فتح شقيف أرنون (١)

وفي يوم الأحد (٢) خامس عشر ربيع الأول تسلم بالأمان شقيف أرنون وكان صاحبه أرناط صاحب صيدا معتقلا بدمشق لأجله فسلمه بما فيه وأخرج عنه وسار إلى صور ، ورحل السلطان ونزل على تل كيسان (٣) يوم الأحد ثامن عشر ربيع الأول.

مقاتلة الفرنج عكا (٤)

كان السلطان قد رتب طيورا تحمل البطاقات (٥) منه إلى من بعكا وتعيد إليه الجواب منهم ، وكان يأتي إليه أيضا الخبر (٦) على يد العوامين في البحر ، وكان الفرنج شرعوا في عمل أبراج من خشب وأتقنوها وزحفوا (٧) بها إلى السور ، وتساعدوا على طم الخنادق. فوصل إلى السلطان عوام يخبره بالحال ، فركب السلطان وزحف إلى الفرنج في العشرين (٨) من ربيع الأول يوم الجمعة. وسار إلى القتال بخيله ورجله وضايقهم حتى دخل الليل.

فلما أصبح يوم السبت صبحهم بالحرب واستمر إلى آخر النهار ، وأصبح يوم الأحد على القتال ، وأيده الله تعالى بالنصر ، واستمر القتال.

فلما كان يوم السبت الثامن والعشرين من الشهر بعد الظهر وإذا بنار في أحد الأبراج موقدة ، ولم يعلم سببها (٩) ، فأحدقت النار بالبرج حتى أحرقته ، ثم أحرقت

__________________

(١) ينظر : الأصفهاني ، الفتح ٢٨٥ ؛ ابن شداد ٩٦ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥٢.

(٢) يوم الأحد أ : يوم الأربعاء ب د : ـ ج ه.

(٣) تل كيسان : موضع في مرج عكا من سواحل الشام ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٢٧٢ ؛ المغربي ٥٨.

(٤) ينظر : الأصفهاني ، الفتح ٢٩٦ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٥ ـ ٢٠٨ ؛ ابن شداد ٩٧ ـ ١٠٠ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥٢ ـ ١٥٤ ؛ ابن أيوب ٢٧٩ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٧ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٤٠ ـ ٤١.

(٥) البطاقات ب ه : البطاقة أ د : ـ ج.

(٦) وكان يأتي إليه أيضا الخبر : أيضا ب د ه : ـ ج.

(٧) وزحفوا بها أ د ه : وزحفوا فيها ب : ـ ج.

(٨) العشرين أ د ه : عشرين ب : ـ ج.

(٩) ولم يعلم سببها أ د ه : ـ ب ج.


البرج الثاني ، ثم الثالث ، وسقط الثلاثة أبراج بقدرة الله تعالى. فحصل للمسلمين السرور / / بذلك ، ودمر الله المشركين (١).

والعجب أن الأبراج كانت متباعدة وقد أبعدها الفرنج بمسافات (٢) وكل واحد منها على جانب من البلد فاحترقت في وقت واحد وكان سبب حريقها (٣) : أن رجلا يعرف بعلي بن عريف النحاسين بدمشق كان استأذن السلطان في دخول عكا للجهاد ، وأقام بها وشرع يعمل بالنفط (٤) ويركب عقاقير والناس يضحكون منه (٥) ، فلما قدمت الأبراج إلى البلد رمى عليها بالنفوط وغيرها ، فلم يفد ، فحضر ابن العريف إلى بهاء الدين قراقوش واستأذنه في الرمي ، فأذن له على كره ، فإن الصناع (٦) قد أيسوا.

فلما أذن له بهاء الدين قراقوش رمى أحد الأبراج فأحرقه ، وكان فيه سبعون رجلا تعذر عليهم (٧) الخلاص منه ، ودخل جماعة لاستنقاذ ما فيه فاحترقوا بدروعهم وسيوفهم وتحول ابن العريف إلى مقابلة البرج الثاني فأحرقه ، وانتقل إلى الثالث فأحرقه ، ولم يكن ذلك بصنعه بل وفقه الله تعالى له. وخرج المسلمون من البلد فنظفوا الخندق (٨) وجاءوا إلى الموضع واستخرجوا الحديد وأخذوا ما وجدوا من الزرديات وغيرها ، ولله الحمد والمنة.

وصول الأسطول من مصر (٩)

كان السلطان أمر بتعمير أسطول آخر من مصر ، فلما كان ظهر يوم الخميس ثامن جمادى الأولى ظهر الأسطول ، فركب السلطان ليشغل الفرنج عن قتال الأسطول فعمر الفرنج أسطولا ، وتلاقى هو وأسطول المسلمين ، فجاءت مراكب المسلمين ونطحت مراكبهم ، وأخذ المسلمون مركب للفرنج وأخذ الفرنج مركبا للمسلمين ، واتصل الحرب في البحر إلى غروب الشمس ،

__________________

(١) المشركين أ : الكافرين ب د ه : ـ ج.

(٢) بمسافات أ ب د : بمسافة ه : ـ ج.

(٣) حريقها أ : حرقها ب د ه : ـ ج.

(٤) بالنفط أ : النفط ب د ه : ـ ج.

(٥) يضحكون أ ه : يسخرون ب د : ـ ج.

(٦) على كره فإن الصناع أ ب د : ـ ج ه.

(٧) تعذر عليهم أ ب : فعسر عليهم ج د ه.

(٨) فنظفوا الخندق أ : فحفروا الخندق ج د ه / / إلى الموضع أ : موضع الحريق ب ج د ه.

(٩) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٦ ؛ ابن شداد ١٠١ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥٤ ؛ ابن كثير ١٢ / ٣٣٦ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٧.


وقتل (١) من الفرنج عدة كثيرة ، وسلم المسلمون.

قصة ملك الألمان (٢)

صح الخبر أن ملك الألمان (٣) عبر من قسطنطينية بجنوده (٤) فقيل : إنهم أقاموا في قفار ومواضع مدة شهر لا يجدون الطعام فصاروا يذبحون خيلهم ويأكلونها ويكسرون قنطارياتهم ويشعلونها لعدم الحطب في البرد الشديد وزمان الثلج ، وحصل لهم من الشدة ما لا يكاد يوصف وضعف حالهم. وذلك من لطف الله تعالى (٥) بالمسلمين.

فلما وصل إلى بلاد قلج بن أرسلان بن مسعود (٦) حصل بينه وبين الكفار طراد فقتال ، ثم تراسلا واصطلحا وتهاديا واقتضى الحال بينهما أن ملك الألمان يدخل إلى البلاد الشامية وأنه يسير في بلاده ، وأعطاه عشرين مقدما من أكابر أمرائه ليكونوا معه حتى يصل المأمن (٧). فلما وصل الملعون إلى بلاد الأرمن غدر بالرهائن (٨) وتأول عليهم بأن التركمان سرقوا منه في طريقه.

ونزل على طرسوس (٩). وهناك نهر فتوارد (١٠) عليه العسكر وازدحموا ، فقصد ملك الألمان النزول إلى النهر ليغتسل فقال : هل تعرفون موضعا يمكن العبور منه؟ فقال له واحد : هنا مخاضة ضيقة لا يدخل فيها إلا واحد بعد واحد. فدخل في تلك المخاضة ، فقوي عليه الماء فصدمته شجرة في وجهه شجت جبينه ، وتورط في

__________________

(١) وقتل أ ج د ه : فقتل ب.

(٢) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٧ ؛ ابن شداد ١٠٢ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥٤ ؛ ابن كثير ١٢ / ٣٣٦ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٧.

(٣) الملك فردريك بربوسة : امبراطور ألمانيا ابن الملك فردريك الثاني ملك سوابيا ودوق بافاريا ، آل إليه الحكم فيها سنة ٥٤٨ ه‍ / ١١٥٢ م ، ينظر : رنسيمان ٣ / ٣٠.

(٤) بجنوده ب : ـ أ ج د ه.

(٥) تعالى أ ج د ه : ـ ب.

(٦) هو قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان السلجوقي ، كان له من البلاد قونية وأعمالها ، وكانت مدة ملكه تسع وعشرين سنة ، وتوفي سنة ٥٨٨ ه‍ / ١١٩٢ م ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٢ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٢٠٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٥٢ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٢٥.

(٧) يصل المأمن : فلما ب ج د ه : ـ أ.

(٨) بالرهائن ب ج د ه : بالرهبان أ.

(٩) طرسوس : مدينة بالشام حصينة ، عليها سوران بينهما خندق ، ويجري الماء حولها وهي مدينة كثيرة المتاجر ، والعمارة والخصب ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٤ / ٣١ ؛ الحميري ٣٨٨.

(١٠) فتوارد عليه العسكر أ ه : فتواردت عليه العساكر ب : فتوارد عليه العساكر ج : فتواردوا عليه العساكر د.


الماء ، فتعبوا في إخراجه. فلما خرج بقي مريضا ، ثم هلك ، لعنه الله ، وخلفه ولده (١) ، فقيل : إنهم سلقوا ذلك الهالك (٢) في قدر حتى تخلص عظمه وانهرى لحمه وجمعوا عظامه في كيس ليدفن في كنيسة قمامة بالقدس حسبما أوصى به.

ووصل الخبر للسلطان بهلاك الكافر وأن ولده خلفه وهو واصل في جمع كبير. فعزم السلطان على استقباله وصده ، ثم تثبت وأرسل العساكر إلى البلاد التي هي في طريق هذا الكافر القادم ، ووقع المرض في الفرنج ، وأمر السلطان بهدم سور طبرية وهدم يافا وأرسوف وقيسارية وهدم صور (٣) وصيدا وجبيل ، ونقل أهلها إلى بيروت.

وأما ولد ملك الألمان فمرض أياما في بلد الأرمن (٤) وهلك أصحابه من الجوع ووقع الموت بخيلهم ، ثم ساروا من بلاد الأرمن فحصل (٥) له ولعسكره شدة عظيمة.

الوقعة العادلية (٦)

كان الفرنج لما صح عندهم وصول ملك الألمان إلى البلاد في جمع كبير قالوا : إذا جاء صار الأمر له ولا يبقى لنا كلام معه ، فنحن نهجم على المسلمين ونظفر بهم قبل قدومه فخرجوا ظهر يوم الأربعاء لعشرين من جمادى الآخرة في جمع كبير ، وقصدوا مخيم الملك العادل.

فوقف الملك العادل ومن معه من الأمراء وحمل معه العسكر الحاضر قبل أن يتصل (٧) به بقية العسكر ، فكسر الفرنج كسرة فاحشة ، وركبت العادلية أكتافهم وحكموا فيهم السيوف //.

وكان السلطان قد ركب ، وسير جماعة (٨) من المماليك ، ووصل السلطان وشاهد ما سره ، وقتل من الفرنج زهاء عشرة آلاف ، ولم يبلغ من استشهد من

__________________

(١) هو فردريك بن فردريك بربروسة ، ينظر : رنسيمان ٣ / ٤١.

(٢) ذلك الهالك أ ه : سلقوه ب ج د.

(٣) صور ب : سور أ ج د ه.

(٤) بلد الأرمن أ : بلاد الأرمن ب ج د ه.

(٥) فحصل أ : وحصل ب ج د ه.

(٦) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٨ ؛ ابن شداد ١٠٧ ـ ١١٠ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥٨ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٣٦ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢١٨.

(٧) قبل أن يتصل أ ج د : قبل أن تتصل ب : قبل أن يصل ه / / العسكر أ : العساكر ب ج د ه.

(٨) وسير جماعة أ ج د ه : وسار مع جماعة ب / / وصل السلطان أ ج د ه : فوصل ب.


المسلمين عشرة أنفس ، وكتب السلطان إلى بغداد ودمشق وغيرهما يبشر بذلك.

ذكر ما تجدد للفرنج بوصول الكندهري (١)(٢)

وما زال الفرنج في وهن وضعف حتى وصل في البحر رجل يقال له : كندهري ، وهو عندهم عظيم القدر ، فأفاض (٣) عليهم الأموال فقوي أهل الكفر. وشاع هذا الخبر فتشاور (٤) السلطان وأكابره ، ورحل يوم الأربعاء السابع والعشرين من جمادى الآخرة إلى منزله الأول بالخروبة واشتغل بتدبير أمره ، والأخبار متواردة من عكا مع السباحين وبطاقات الحمام وأخبار ملك الألمان متواصلة بضعف حالة وتلاشي أحواله.

حريق المنجنيقات (٥)(٦)

وفي رجب من السنة المذكورة (٧) أنفق الكندهري على الرجال فأعطى عشرة آلاف رجل في يوم واحد ليجدوا معه في القتال ، وضايق عكا ونصب عليها المجانيق ، فاشتد عزم المسلمين ممن بعكا وخرجوا بالفارس والراجل وحالوا بين الفرنج وبينها ، وخرج الزراقون (٨) من البلد ورموا النار فيها فاحترق جميعها ، وقتل في ذلك اليوم من الفرنج سبعون فارسا ، وأسر منهم خلق كثير ، فخمد الفرنج بذلك ، وكان من جملتها منجنيقان كبيران مصروف أحدهما ألف وخمسمائة دينار ، وكان ذلك في الليلة الأولى من شعبان.

وصول ولد ملك الألمان الذي قام مقام أبيه إلى الفرنج بعكا (٩)

وصل إلى السلطان خبر وصوله في سادس شعبان وحزرهم من شاهدهم بخمسة عشر ألفا ، ووصل في البحر إلى عكا آخر النهار سادس شهر رمضان فرآه

__________________

(١) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٨ ؛ ابن شداد ١١٠ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٣٧.

(٢) ذكر ما تجدد ... الكندهري أ ب د : ـ ج ه.

(٣) فأفاض أ ج د ه : أفاض ب : ـ ج.

(٤) فتشارو ب د ه : فتسامح أ : ـ ج.

(٥) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩ ؛ ابن شداد ١١٢ ـ ١١٤ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٥٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٣٧.

(٦) حريق المنجنيقات أ ب د : ـ ج ه.

(٧) المذكورة ب : ـ أ ج د ه.

(٨) الزراقون : الرماة بالمزاريق ، جمع مزراق (الرماح القصيرة) ، ينظر : الحسيني ٤٤٦.

(٩) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٢٠٧ ؛ ابن شداد ١١٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٣٦ ؛ غنيم ٥٠ ـ ٥١.


الفرنج وليس له وقع ، فقالوا : ليته لم يصل إلينا ، فأخذ يحرضهم ويقوي عزمهم فعرفوه قوة بأس المسلمين ، فأظهر لهم قوة وعزما ، فلما عرفوا جهله قالوا له : نخرج المسلمين لعلنا نظفر بهم ، فاجتمعوا وساروا إلى مخيم السلطان. فركب من خيمته وتقدم إلى تل كيسان ، ووقف ينهض العسكر ، فحال بينهما (١) الليل وحصل للألماني مشقة ، فلما لم يبلغوا قصدهم من العسكر أخذوا في قتال البلد وحصاره.

ذكر برج الذبان (٢)(٣)

وعند ميناء عكا في البحر برج يعرف ببرج الذبان منفرد عن البلد ، قصد الفرنج حصاره قبل مجيء ملك الألمان في الثاني والعشرين من شعبان بمراكب جهزوها من البحر وشحنوها بالآلات والعدد ، ومنها مركب عظيم لما قرب من البرج رميت فيه النار فاحترق بكل ما فيه (٤) ، وملؤوا بطسة (٥)(٦) أخرى بالأحطاب ، فسرى فيها النفط فأحرقها ، وكان الفرنج في مراكب من ورائها ، فانقلبت (٧) الريح على الفرنج وتطاير الشرر من بطسة الحطب وعاد على الفرنج فالتهبوا وانقلبت بهم السفينة فاحترقوا وغرقوا واحتمى برج الذبان فلم يظفروا منه بشيء.

ذكر الكبش وحريقه

واستأنف الفرنج عمل دبابة (٨)(٩) في رأسها شكل عظيم يقال له الكبش ، وقد سقفوها مع كبشها بأعمدة الحديد وألبسوا رأس الكبش بعد الحديد بالنحاس خشية عليها من النار وسحبوها ، فانزعج المسلمون لذلك وقالوا : ليس في هذه حيلة. ثم نصب المسلمون مجانيق (١٠) ورموا بالحجارة ، فنفر من حولها من الرجال ، ثم قذفوها بالنار فدخلت من باب الدبابة ، فاشتعلت النار فيها ، وخرج منها الفرنج

__________________

(١) فحال بينهما أ : وحال بينهم ب ج د ه / / للألماني أ ج د : للألمان ب ه.

(٢) ينظر : ابن شداد ١١٨.

(٣) الذبان أ ج د ه : الذباب ابن شداد : ـ ج.

(٤) فيه أ د ه : عليه ب : ـ ج.

(٥) البطسة : نوع من السفن الحربية كانت تتسع لعدد كبير من الجند يصل إلى نحو سبعمائة ، ينظر : النويري ، نهاية ٢٩ / ١٣٢٣ ؛ عاشور ٤١٩.

(٦) بطسة ابن شداد ، أبو شامة : بطة أ ج د ه : ـ ج.

(٧) فانقلبت أ د ه : فانقلب ب : ـ ج / / بطسة أ د ه : بطة ب : ـ ج.

(٨) دبابة : آلة حربية عظيمة يدخل تحتها المقاتلة ملبسة بصفائح الحديد ولها رأس يسمى بالكبش ينطح السور كي يخرقه بتكرار النطح ، ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٦٢ ؛ الرفاعي ١٤٨.

(٩) دبابة ابن شداد ، أبو شامة : ذبابة أ ب د ه : ـ ج.

(١٠) مجانيق أ د ه : مناجيق ب : ـ ج.


فاحترقت تلك الدبابة ورموها بالمجانيق (١) حتى انهدمت وخرج المسلمون من الثغر ، وقطعوا رأس الكبش ، واستخرجوا ما تحت الرماد من الحديد ، وحملوا منه ما استطاعوا ، وحصل بذلك النصرة للمسلمين والخذلان للمشركين ، وكان ذلك يوم الاثنين ثالث عشر رمضان ، واحترقت البطسة (٢) يوم الأربعاء خامس عشر.

واتفق في يوم الاثنين هذا من العدو على البلد الزحف الشديد ورموا بالمجانيق وخرج المسلمون فطردوهم إلى خيامهم.

ذكر غير ذلك من الحوادث

وصل الخبر أن صاحب أنطاكية تحرك على المسلمين ، فرتب له (٣) الكمائن فخرجوا عليه وقتلوا أكثر رجاله (٤) ، وفي هذا التاريخ ألقت الريح بساحل الزيب (٥)(٦) بطستين خرجتا من عكا بجماعة من الرجال والصبيان والنساء ، وحصل بين المسلمين والكفار وقائع وغنم المسلمون من الكفار.

وفي عشية الاثنين تاسع عشر رمضان رحل السلطان إلى منزل يعرف بشفر عمرو (٧) لما بلغه من تحرك الفرنج ، فخيم / / هناك ، وشرع يتواقع هو والفرنج في كل وقت ، وغلت الأسعار عند الفرنج واشتد بهم البلاء ونزح منهم (٨) جماعة والتجأوا إلى السلطان مما أصابهم من الجوع ، فقبلهم وأحسن إليهم ، فمنهم (٩) من أسلم ومنهم من اعتذر وصار في خدمة السلطان.

نوبة رأس الماء (١٠)

ولما ضاق بالفرنج الأمر تشاوروا وعزموا على المصادمة فخرجوا في عدد كبير في يوم الاثنين حادي عشر شوال بعد أن رتبوا على البلد من يحصرها ، وكان اليزك

__________________

(١) بالمجانيق أ د ه : بالمناجيق ب : ـ ج.

(٢) البطسة ابن شداد ، أبو شامة : البطة أ ب د ه : ـ ج.

(٣) فرتب له أ د ه : فسربت ب : ـ ج.

(٤) أكثر رجاله أ د ه : أكبر رجاله ب : ـ ج.

(٥) الزيب : قرية فلسطينية على بحر الشام قرب عكا دمرها اليهود عام ١٩٤٨ م. ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ٦٧٨ ؛ شراب ٤٣٥.

(٦) الزيب أ د ه : الذيب ب : ـ ج / / بطستين ابن شداد : بطتين أ ب د ه : ـ ج.

(٧) هي مدينة شفا عمرو الحالية والواقعة شمال فلسطين ، ينظر : المغربي ٥٦.

(٨) ونزح منهم أ د ه : وخرج منهم ب : ـ ج / / والتجأوا أ د ه : ولجؤا ب : ـ ج.

(٩) فمنهم من اعتذر ب د ه : ـ أ ج.

(١٠) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٩ ؛ ابن شداد ١٢٦ ـ ١٢٩ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٧٩ ـ ١٨٠.


على تل العياضية (١) ونزل العدو تلك الليلة.

واتصل خبرهم بالسلطان فرحل الثقل وبقي الناس على جرائد (٢) الخيل ، وسار العدو يوم الثلاثاء والعساكر في أحسن أهبة ، وامتد الجيش في الميمنة إلى الجبل وفي الميسرة إلى النهر بقرب البحر والسلطان في القلب.

فسار حتى وقف على تل عند الخروبة وحوله أولاده وأخوه وخواص أمرائه وأمراء القبائل من الأكراد ، وسار الفرنج شرقي النهر مواجهين حتى وصلوا إلى رأس النهر فانقلبوا إلى غربيه ونزلوا على التل بينه وبين البحر والسلطان في خيمة لطيفة يشاهد القوم.

وأصبح الفرنج يوم الأربعاء راكبين إلى ضحوة النهار والمسلمون قد قربوا منهم ، فأحس الفرنج بالخذلان فساروا وولوا مدبرين. فتبعهم عسكر المسلمين (٣) ورموهم بالسهام وهم مجتمعون في سيرهم ، وكما صرع منهم قتيل حملوه ودفنوه حتى لا يظهر للمسلمين كسرهم ، ونزلوا ليلة الخميس وقطعوا (٤) الجسر ، وأصبحوا بكرة الخميس وقد دخلوا إلى مخيمهم فعاد السلطان إلى محله. وكان مع الفرنج الخارجين المركيس والكندهري وأقام ملك الألمان على عكا.

وقعة الكمين (٥)

اقتضى رأي السلطان أن يرتب كمينا للعدو فجمع يوم الجمعة الثاني والعشرين من شوال رجاله وأبطاله وانتخب منهم من عرف بالشجاعة وأمرهم أن يكمنوا (٦) على ساحل البحر. فمضوا وأكمنوا ليلة السبت ، وخرجت منهم عدة يسيرة بعد الصباح ، ودنوا من الفرنج ، فطمعوا فيهم وحملوا عليهم وطردوهم ، فانهزم المسلمون أمامهم حتى وقفوا على الكمين ، فخرجوا عليهم فلم يستطع فارس منهم أن يفر ، فقتل معظمهم ووقع في الأسر خازن الملك وعدة من الإفرنسيسية ومقدمهم.

وجاء الخبر للسلطان فركب بمن معه ووقف على تل كيسان وشاهد النصر

__________________

(١) تل العياضية ابن شداد : تل الصياصية أ ب د ه : ـ ج.

(٢) الجرائد : مفردها جريدة وهي الفرقة من العسكر الخيالة لا رجالة فيها ، والمقصود هنا هو سير السلطان على وجه السرعة دون أن يأخذ معه أثقالا ، ينظر : جب ١١١.

(٣) المسلمين أ د : الإسلام ب ه : ـ ج.

(٤) وقطعوا أ د : فقطعوا ب ه : ـ ج.

(٥) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٩ ؛ ابن شداد ١٣٠ ـ ١٣١ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٨٠ ـ ١٨١.

(٦) أن يكمنوا ب د ه : أن يمكنوا أ : ـ ج / / واكمنوا أ ه : وكمنوا ب د : ـ ج.


وجاء مماليكه بالأسرى ، وترك السلطان الأسلاب والخيول لآخذيها وكانت بأموال عظيمة ، وجلس السلطان في خيمته وحوله جنده وأنصاره ، وأحضر الأسرى بين يديه فأحسن (١) إليهم وأطعمهم وألبسهم ، وألبس المقدم الكبير فروته الخاصة ، وأذن لهم أن يسيروا غلمانهم لإحضار ما يريدون ، ثم جهزهم لدمشق (٢) للاعتقال.

ذكر غير ذلك من الحوادث

ثم هجم الشتاء فصرف السلطان العسكر للاستراحة إلى الربيع وأقام هو على الجهاد ، ثم نقل الفرنج سفنهم خوفا عليها إلى صور وأخلوا ساحل عكا. وأقام الملك العادل على البحر ووصل (٣) في يوم الاثنين ثاني ذي الحجة من مصر سبعة مراكب فيها الغلة ، فخرج أهل البلد لمشاهدتها والمساعدة في نقلها.

فعلم الفرنج بخروج أهل البلد إلى جانب البحر فزحفوا زحفا شديدا وأحاطوا بعكا وأتوا بسلالم فنصبوها على السور وتزاحموا على الطلوع في سلم ، وتصادموا فاندق بهم السلم فتساقطوا ، فتداركهم المسلمون وفتكوا فيهم وقتلوا منهم جماعة وردوهم على أعقابهم. فلما اشتغل الناس بأمرهم تركوا المراكب وما فيها من الغلال فهاج البحر ، فكسرت المراكب وتلف ما فيها وغرق ما كان فيها من الأمتعة وهلك بها زهاء ستين نفسا فالحكم (٤) لله العلي الكبير.

وفي ليلة السبت سابع ذي الحجة وقعت قطعة عظيمة من سور عكا فهدمت منه جانبا. فبادر الفرنج طمعا في الهجوم فجاء أهل البلد وصدوهم حتى عمر الهدم ، وجرح من العدو خلق كثير (٥) كل ذلك بهمة بهاء الدين قراقوش.

وفي ثالث عشر ذي الحجة هلك ابن ملك الألمان فحصل الوهن في الفرنج بموته ، وهلك منهم عدد كثير.

وفي يوم الاثنين ثاني عشر (٦) ذي الحجة عاد المستأمنون من الفرنج الذين أنهضهم السلطان ليغزوا في البحر ويكونوا جواسيس فرجعوا وقد غنموا أشياء كثيرة ، فوهبهم السلطان ذلك ولم يتعرض منهم إلى شيء (٧) ، فلما رأوا ذلك أسلم شطرهم.

__________________

(١) فأحسن أ د ه : وأحسن ب : ـ ج.

(٢) لدمشق أ د ه : إلى دمشق ب : ـ ج.

(٣) ووصل أ د ه : فوصل ب : ـ ج.

(٤) فالحكم لله أ د : والحكم ب ه : ـ ج.

(٥) كثير ب د ه : ـ أ ج.

(٦) ثاني عشر أ د : ثاني عشري ب ه : ـ ج.

(٧) ولم يتعرض منهم إلى شيء أ ه : ولم يتعرض لشيء منها ب د : ـ ج.


وفي الرابع والعشرين من ذي الحجة أخذ من الفرنج مركوسين (١) فيهما نيف وخمسون نفرا ، وفي الخامس والعشرين منه أخذ أيضا مركوسا / / فيه جماعة من أعيانهم (٢) الفرنج ومعهم ملوطة (٣) مكللة باللؤلؤ بأزرار الجوهر ، قيل : إنها من ثياب ملك الألمان ، وأسر فيه رجل كبير ، قيل : إنه ابن أخيه ، واستشهد في هذه السنة جماعة بعكا من الأمراء.

ودخلت سنة ٥٨٧ ه‍ (٤)(٥) والشتاء موجود ، والمسلمون مع الكفار في وقعات ، وفي أول ليلة من شهر ربيع الأول خرج المسلمون على العدو فكبسوه في مخيمه ، وأسروا من الفرنج ، وقتلوا وعادوا سالمين ومعهم اثنتا عشرة امرأة في السبي.

وفي يوم الأحد ثالث الشهر المذكور (٦) ، ثار الحرب بين المسلمين والكفار ، فنصر الله المسلمين ، وهلك من الفرنج خلق كثير (٧) ، وقتل منهم مقدم كبير ، ولم يفقد من المسلمين إلا خادم صغير ، وكمن المسلمون كمائن ، ووصل إلى السلطان من بيروت خمسة وأربعون أسيرا من الفرنج وقدم على السلطان جماعة من عسكر الإسلام.

وصول ملك الإفرنسيس واسمه فيليب (٨) لنجدة الفرنج بعكا (٩)

وفي ثاني عشر شهر ربيع الأول يوم السبت وصل ملك الإفرنسيس إلى الفرنج وكان في عدد قليل.

ومن النوادر أنه كان مع هذا الملك بازي أشهب ففارقه يوم وصوله وطار ووقع على سور (١٠) عكا فأمسكه المسلمون وأحضروه للسلطان. فسر بذلك ، وبذل

__________________

(١) مركوسين ب د ه : مركوسان أ : ـ ج.

(٢) من أعيانهم الفرنج أ د : من أعيان الإفرنج ب ه : ـ ج.

(٣) ملوطة : رداء فوقاني وهو عباءة خاصة بأمير عظيم في العصر المملوكي المتأخر ، ينظر : الحسيني ٤٦٣.

(٤) ٥٨٧ ه‍ / ١١٩١ م.

(٥) ٥٨٧ ه‍ أ د ه : سبع وثمانين وخمسمائة ب : ـ ج.

(٦) المذكور ب د ه : ـ أ ج.

(٧) كثير ب د ه : ـ أ ج.

(٨) هو ملك فرنسا فيليب أو بخسطس ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢١٣ ؛ رنسيمان ٣ / ٢٣.

(٩) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢١٣ ؛ ابن شداد ١٣٦ ـ ١٣٧ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٨٢.

(١٠) سور ب د ه : صور أ : ـ ج.


الملك فيه ألف دينار فما أجيب.

ومما وقع أنه كان المستأمنون إلينا من الفرنج تسلموا مراكيس يغزون فيها ووصلوا إلى ناحية من جزيرة قبرص يوم عيدهم ، وقد اجتمعوا في كنيسة فصلوا معهم وأغلقوا باب الكنيسة ، وحملوهم وأسروهم بأسرهم وسبوهم ، وأخذوا جميع ما في الكنيسة وحملوهم (١) إلى اللاذقية ، وباعوا بها كل ما أخذوه ومن جملته سبع وعشرون امرأة سبايا وصبيان فباعوها واقتسموا أثمانها.

وفي سادس عشر (٢) من ربيع الآخر هجم جماعة من العسكر وأخذوا قطيعا من غنم الفرنج وخالطوهم في خيامهم ، وركب الفرنج بأسرهم في أثرهم فلم يظفروا بهم (٣).

وفي يوم الخميس رابع جمادى الأولى زحف العدو إلى البلد وكاد يأخذها فاستنفروا العساكر ، فأصبح السلطان وركب وسير من كشف حال العدو وهل لهم كمين. فكلما شاهد الفرنج عسكر المسلمين قد أقبل تركوا (٤) الزحف وتأخروا ، فإذا عاد عادوا.

قصة الرضيع (٥)

كان لصوص المسلمين في الليل استلبوا طفلا من الفرنج من يد أمه له ثلاثة أشهر ، فخرجت والدته والهة عليه ، فلم يشعر السلطان إلا وهي ببابه واقفة ، فأحضرها السلطان وهي باكية ، فأخبرته الخبر ، فطلب الرضيع فقيل له : إن من أخذه باعه بثمن بخس ، فما زال يبحث عنه حتى جيء به في قماطة ودفعه لأمه وشيع معها من أوصلها إلى مكانها وما رد الطفل إلا بعدما اشتراه ممن هو في يده بثمن يرضيه ، رحمة الله عليه.

انتقال السلطان إلى تل العياضية (٦)(٧)

لما أصر الفرنج على مضايقة عكا انتقل السلطان إلى تل العياضية بعساكره

__________________

(١) وحملوهم أ د ه : ـ ب ج.

(٢) سادس عشر أ د : سادس عشري ب ه : ـ ج.

(٣) ينظر : ابن شداد ١٣٧.

(٤) تركوا ب د ه : ترك أ : ـ ج.

(٥) ينظر : ابن شداد ١٣٨ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٨٤.

(٦) تل العياضية ابن شداد ، أبو شامة : تل الصياصية أ ب د ه : ـ ج.

(٧) ينظر : ابن شداد ١٤٠ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٨٤.


وأثقاله واشتد الحرب بينه وبين الكفار في كل وقت ، وضاق الأمر على من بعكا ، وجرى فصول وحروب يطول شرحها.

وصول ملك الإنكثير (١)(٢)

وفي يوم السب ثالث عشر الشهر أشاع الكفار وصول ملك الإنكثير في عدد كثير ووقع الأرجاف في الناس والسلطان قوي الجنان لا يرهبه ذلك وهو معتمد على الله في أموره. أعلم ملك الإنكثير أن أهل التوحيد لهم قوة وأنهم لا يبالون به.

غرق البطسة (٣)(٤)

كان السلطان قد عمر في بيروت بطسة وشحنها بالعدد والآلات وفيها نحو سبعمائة رجل مقاتل ، فلما توسطت في البحر صادفها ملك الإنكثير وأحاطت بها مراكبه وحصل القتال بين الفريقين ، وقتل من الفرنج خلق كثير (٥) وعجزوا عن أخذها ، فلما رأى مقدمها اشتد الأمر ونزل فخرقها حتى غرقت في البحر. ووصل خبرها للسلطان في السادس عشر من جمادى الأولى. وكانت هذه الوقعة أول حادثة حصل بها الوهن للمسلمين.

حريق الدبابة (٦)(٧)

كان الفرنج قد اتخذوا دبابة عظيمة ولها أربع طبقات (٨) وهي خشب ورصاص وحديد ونحاس وقربوها إلى أن بقي بينها وبين البلد خمسة أذرع ، وكانت هذه الدبابة على العجل. وانزعج المسلمون بذلك ورموا عليها بالنفظ (٩) وهو لا يفيد فيها حتى قدر الله تعالى ، وجاءها سهم صائب فأحرقها الله تعالى. فحصل للمسلمين

__________________

(١) اختلفت المصادر في التسمية فابن شداد يقول : ملك الإنكتار وأبو شامة يصفه بملك الإنكلثيرة والمراد به ريكاردوس الأول المعروف بقلب الأسد ، ينظر : ابن شداد ١٤١ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٨٤ ؛ رنسيمان ٣ / ٢٦.

(٢) الإنكثير أ ب د ه : الإنكتار ابن شداد : الإنكليز أبو شامة : ـ ج.

(٣) البطسة ابن شداد ، أبو شامة : البطة أ ب د ه : ـ ج.

(٤) ينظر : الأصفهاني ، الفتح ٤٣٢ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢١٣ ؛ ابن شداد ١٤٢ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٨٤ ـ ١٨٥ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٤٠.

(٥) كثير ب د ه : ـ أ ج.

(٦) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢١٤ ؛ ابن شداد ١٤٣ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٨٥.

(٧) الدبابة ابن شداد ، أبو شامة : الدبابة أ ب د ه : ـ ج.

(٨) طبقات ب د ه : طباق أ : ـ ج.

(٩) بالنفط أ د ه : النفط ب : ـ ج.


السرور وزال عنهم ما كان من الغم بسبب غرق البطسة ، / / فإن حريق الدبابة كان يوم وصول خبر غرق البطسة (١).

ثم وقع وقعات في هذا الشهر ، وكانت العلامة بين عساكر (٢) السلطان وبين المقيمين بعكا عند زحف العدو دق الكؤوس فإذا سمعت أدركهم العسكر.

فوقع لهم عدة وقعات ، فمن ذلك وقعة في يوم الجمعة تاسع عشر الشهر اشتد فيها القتال إلى وقت الظهر حتى حمي الحر فافترق الفريقان ، ورجع كل إلى مخيمه. ووقعة في يوم الاثنين الثالث والعشرين من الشهر حصر العدو البلد واستشهد اثنان من المسلمين ، وقتل جماعة من المشركين. ووقعة في اليوم الثامن والعشرين من الشهر خرج العدو فارسا (٣) وراجلا وركب السلطان واشتد الأمر واستشهد من المسلمين بدوي وكردي وهلك خلق كثير من المشركين ، وأسر منهم فارس بفرسه. ووقعة في يوم الأحد التاسع والعشرين من الشهر طال فيها القتال وأسر الكفار من المسلمين واحدا فأحرقوه ، وأسر المسلمون منهم واحدا وأحرقوه. قال العماد الكاتب (٤) : وشاهدنا النارين في حالة واحدة يشتعلان والصفان واقفان يقتتلان (٥).

ذكر المركيس ومفارقته

وفي يوم الاثنين سلخ الشهر ذكر عن المركيس أنه هرب إلى صور فإنه كان بينه وبين هنفري عداوة وأحقاد باطنية لأمور كانت بينهما فلما جاء ملك الإنكثير تظلم إليه هنفري واستعداده على المركيس ، فلما علم المركيس بذلك فر منه.

فصل

ووصل العساكر إلى السلطان من سنجار ومن مصر ، وحضر رسول من عند بعض ملوك الفرنج إلى السلطان بكلام مهمل لا طائل تحته.

ثم حضر رسل ثلاثة فأكرمهم السلطان وأحسن إليهم وكان غرض الفرنج

__________________

(١) البطسة ابن شداد ، أبو شامة : البطة أ ب د ه : ـ ج.

(٢) عساكر أ د ه : عسكر ب : ـ ج.

(٣) فارسا أ د ه : فارسلا ب : ـ ج.

(٤) العماد الكاتب الأصفهاني : أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد .. بن هبة الله ، كان كاتب الإنشاء في الدولتين النورية والصلاحية ، وكان ميرزا في النثر والشعر ، عارفا بالأدب حافظا لدواوين العرب ، ومن مؤلفاته : خريدة القصر وجريدة أهل العصر ، والبرق الشامي والفتح القسي في الفتح القدسي ، وتوفي سنة ٥٩٧ ه‍ / ١٢٠٠ م ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٥٥ ـ ٢٣٦ ؛ أبو شامة ، الذيل ٢٧ ؛ اليافعي ٣ / ٤٩٢ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ٣٠ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ١٥٩ ـ ١٦٠.

(٥) ينظر : الأصفهاني ، الفتح ٤٩٥.


بتكرير الرسالات الخداع متى يشتغل (١) المسلمون عنهم. وضعف الثغر من قوة الحصر.

ولما علم السلطان يوم الثلاثاء سابع جمادى الآخرة بما عليه البلد من غلبة البلاء زحف بعسكره ودهم الفرنج ونهب من خيامهم ، وأمسى تلك الليلة ، ثم أمر بدق الكؤوس سحرا حتى ركب العسكر ، فجرى ذلك اليوم من القتال أشد ما كان من أمس. ووصل إلى السلطان مطالعة (٢) من البلد أنهم عجزوا ولم يبق إلا تسليم البلد.

فعظم الأمر على السلطان ، وفي هذا اليوم الأربعاء (٣) بعث العساكر وزحفوا (٤) إلى خنادقهم وخالطوهم وحصل بينهم قتال شديد.

ولما تكاثر الفرنج على عكا وقلّ المسلمون لكثرة من استشهد ، خرج سيف الدين علي المشطوب (٥) إلى ملك الإفرنسيس بأمان ، وقال له : قد علمتم ما عاملناكم به عند أخذ بلادكم من الأمان لأهلها ونحن نسلم إليك البلد على أن تعطينا الأمان ونسلم ، فقال : إن أولئك الملوك كانوا عبيدي وأنتم مماليكي أفعل فيكم (٦) ما يقتضيه رأيي. فقام المشطوب من عنده مغتاظا وأغلظ له في القول وقال : نحن لا نسلم البلد حتى نقتل بأجمعنا ونقتلكم قبلنا ، ولا يقتل منا واحد حتى يقتل خمسين.

ولما رجع المشطوب وعلم حاله هرب جماعة من الأمراء والأجناد ممن بالبلد وغضب عليهم السلطان وأخرج إقطاعهم (٧) ، ثم رجع بعضهم إلى البلد ، فحصل له الرضا (٨) ، ووقع في بعضهم شفاعة ، واستمروا على المقت عند السلطان.

وفي يوم الخميس حصلت وقعة عظيمة ، واشتد فيها الحرب ، وأصبح العسكر يوم الجمعة عاشر الشهر على أهبة القتال ، فلم يحصل شيء وانقضى النهار والعسكر محيط بالبلد (٩).

__________________

(١) يشتغل ب د : ليشغلوا أ ه : ـ ج.

(٢) مطالعة ب د ه : مطلعة أ : ـ ج.

(٣) الأربعاء أ د ه : ـ ب ج.

(٤) وزحفوا أ د ه : وزحف ب : ـ ج.

(٥) سيف الدين المشطوب : كان من أصحاب أسد الدين شيركوه ، حضر معه إلى مصر ثم صار من كبراء أمراء صلاح الدين وهو الذي كان نائبا على عكا لما أخذها الفرنج ، وكان من جملة الأسرى فافتدى نفسه بخمسين ألف دينار ، وتوفي سنة ٥٨٨ ه‍ / ١١٩١ م ؛ ينظر : ابن شداد ٩١ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٥٢ ؛ اليافعي ٣ / ٣٨ ؛ ابن الوردي ٢ / ٥٩ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ١٠٦ ؛ ١٠٧.

(٦) أفعل فيكم أ د ه : أفعل بكم ب : ـ ج.

(٧) إقطاعهم أ ه : إقطاعاتهم ب د : ـ ج.

(٨) الرضا ب : الرضى أ د ه : ـ ج.

(٩) والعسكر محيط بالبلد أ : والعسكر محيط بالعدو والعدو محيط بالبلد ب د ه : ـ ج.


وأصبح يوم السبت والفرنج قد ركبوا وخرج منهم أربعون فارسا واستدعوا ببعض المماليك الناصرية ، فلما وصل إليهم أخبروه (١) أن الخارج صاحب صيدا في أصحابه وهو يستدعي نجيب الدين ، أحد أمناء السلطان ، لأنه كان يتردد في الرسالات للفرنج. فلما حضر أرسله إلى السلطان ليتحدث في خروج من بعكا بأنفسهم بحكم الأمان ، وطلبوا في مقابلة ذلك أشياء لا يمكن وقوعها وتعنتوا في الاشتراط ، فتردد من عند السلطان نجيب الدين مرارا.

وكان الفرنج اشترطوا إعادة جميع البلاد وإطلاق أسراهم (٢) فبذل السلطان لهم عكا بما فيها ، وأن يطلق لهم في مقابلة كل شخص أسيرا ، فلم يقبلوا. وسمح لهم برد صليب الصلبوت (٣) ، وانفصل الأمر على غير (٤) اتفاق وضعف البلد وعجز من فيه.

استيلاء الفرنج على عكا (٥)

وفي يوم الجمعة السابع عشر من جمادى الآخرة اجتمعت الفرنج بجموعها وهجمت وطلعت في السور المهدوم ، فثار عليهم المسلمون وصدوهم ، وحصلت الوقعة حتى قلّت الرجال ، فخرج سيف الدين علي بن أحمد المشطوب وحسام الدين حسين بازيك / / وأخذا أمان الفرنج على أن يخرجوا بأموالهم وأنفسهم على تسليم البلد ومائتي ألف دينار وخمسمائة أسير من المجهولين وما أسر من المعروفين وصليب الصلبوت وأشياء ذكراها غير ذلك. فلم يشعرا إلا بالرايات الفرنجية قد نصبت على عكا وما عند السلطان علم بما جرى عليه الحال ، فانزعج السلطان والمسلمون لذلك. ونقل الثقل تلك الليلة إلى منزله الأول بشفا عمرو (٦) وأقام في الخيمة اللطيفة ، ثم انتقل سحر ليلة الأحد تاسع عشر الشهر إلى المخيم وهو في غم عظيم ، فسلاه أصحابه ، واستعطفوا بخاطره.

وخرج رسول بهاء الدين قراقوش لطلب ما قرروه من القطيعة ، وقال : أدركونا

__________________

(١) أخبروه ب : وأخبرهم أ د ه : ـ ج.

(٢) أسراهم أ د ه : أساراهم ب : ـ ج.

(٣) صليب الصلبوت : قطعة من الخشب اعتقد الفرنجة أنها من بقايا الصليب الذي صلب عليه السيد المسيح ، وكان يحمل في المعارك تيمنا بالنصر ، ينظر : الأصفهاني ، الفتح ٨٤ ؛ عبد المهدي ١٥٢.

(٤) غير ب د ه : ـ أ ج.

(٥) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢١٤ ؛ ابن شداد ١٥٤ ؛ أبو شامة ٢ / ١٨٤ ـ ١٨٧ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٤٢ ـ ٣٤٤ ؛ أبو الفداء ، المختصر ٣ / ٧٦ ؛ ابن الوردي ٢ / ١٥٥ ـ ١٥٦.

(٦) بشفا عمرو ه : بشفر عمر أ ب د : ـ ج / / الخيمة اللطيفة أ د : خيمة لطيفة ب ه : ـ ج.


بنصف المال وجميع الأسارى وصليب الصلبوت قبل خروج الشهر ، وإن تأخر شيء (١) من ذلك أسرنا ، ونصف المال يصبرون به إلى شهر آخر.

فأحضر الأكابر وفاوضهم (٢) ، فأشاروا باستنقاذ إخوانهم المسلمين. فشرع السلطان في تحصيله ، وكتب إلى الأقطار يعلمهم بالحال ويستنفرهم للجهاد في سبيل الله تعالى (٣). وفي يوم الخميس سلخ جمادى الآخرة خرج الفرنج وانتشروا ، فضربت الكاسات السلطانية ، فانتدب العسكر واشتد الحرب وانهزم الفرنج ، فجاءت العرب وحالت بينهم وبين أسوارهم وصرعوا زهاء خمسين رجلا وكروا عليهم ، ثم كر الفرنج على المسلمين كرة عظيمة فثبتوا ، ثم عادوا عليهم حتى طردوهم إلى خنادقهم ، وانتصف الإسلام في ذلك اليوم بعض الانتصاف.

وفي يوم الجمعة ثاني رجب جاءت الرسل في تقرير القطيعة المقررة بخلاص الجماعة وأخبروا أن ملك الإفرنسيس توجه إلى صور لترتيب أموره ووكل المركيس في قبض ما يخصه. فجهز السلطان روسلا لكشف خبره وعلى يده هدية له ونقل خيمته يوم السبت إلى تل بإزاء شفا عمرو وراء التل الذي كان عليه ، وما زالت الرسل تتردد حتى أحضر مائة ألف دينار والأسارى المطلوبين وصليب الصلبوت ليوصل ذلك إلى الفرنج في الأجل المتعين (٤).

ووقع الخلف في كيفية التسليم ، فقال السلطان : أسلمه إليكم على أن تطلقوا جميع أصحابنا وتأخذوا بباقي المال قوما رهائن. فأبوا إلا أخذ الجميع بسرعة ويسلموا ، ويحلفون للمسلمين على تسليم من عندهم. فقيل لهم : تضمنكم الداوية (٥). فلم يضمنوا ، فتحير السلطان وقال : متى سلمنا إليهم من غير احتياط بالشرط كان على الإسلام غبن وعار ، فلو أيقنا بخلاص أصحابنا سمحنا لهم في الحال بصليب الصلبوت والأسارى والمال. ووقف الأمر إلى أن مضى الأجل وجاء الرسل ونظروا (٦) الأسارى قد حضروا المال موزونا فظنوا أن صليب الصلبوت قد أرسل إلى دار الخليفة (٧) ، فسألوا إحضاره لينظروه فلما أحضروه (٨) ، خروا له

__________________

(١) شيء أ ب د : بشيء ه : ـ ج.

(٢) وفاوضهم أ ب د : ـ ج ه / / المسلمين : أ د ه : من المسلمين ب : ـ ج.

(٣) تعالى أ د ه : ـ ب ج.

(٤) المتعين أ ه : المعين ب د : ـ ج.

(٥) الداوية أ د : الراوية ب ه : ـ ج.

(٦) ونظروا أ د ه : ورأوا ب : ـ ج / / قد حضروا ب د ه : حضور أ : ـ ج.

(٧) دار الخليفة أ : دار الخلافة ب د ه : ـ ج / / فسألوا : فسألوه ب د ه : ـ ج.

(٨) فلما أحضروه أ : فلما أحضر ب د ه : ـ ج.


ساجدين واطمأنوا وظهر للسلطان منهم أمارات الغدر.

وفي يوم الأربعاء الحادي والعشرين من رجب أخرج الفرنج ظاهر المرج خياما نصبوها وجلس فيها ملك الإنكثير ومعه خلق من جماعته.

غدر ملك الإنكثير وقتل المسلمين المأخوذين بعكا

وفي عصر يوم الثلاثاء سادس عشر من رجب ركب الفرنج بأسرهم وجاءوا إلى المرج الذي بين تل العياضية وتل كيسان ، فعلم السلطان بذلك فركبت (١) العساكر نحوهم ، وكانوا قد أحضروا أسارى المسلمين وهم واقفون في الجبال. وحملوا عليهم وقتلوهم جميعهم ، فحمل عليهم العسكر ، فقتل منهم خلقا وانصرف العدو إلى خيامه ، فلما وقع هذا الغدر تصرف السلطان في ذلك المال وأعاد أسارى الفرنج إلى دمشق وأعيد صليب الصلبوت (٢).

رحيل الفرنج صوب عسقلان (٣)

وفي سحر الأحد غرة (٤) شعبان عزم الفرنج على التوجه إلى عسقلان وساروا ، فعلم السلطان بذلك وكانت نوبة اليزك في ذلك اليوم للملك الأفضل ، فوقف في طريقهم وشتت شملهم وأرسل يستنجده والده أن يمده بعسكر حتى يقاتلهم ، فاستشار من حضره (٥) من عسكره ، فقيل للسلطان : إن العسكر لم يتأهب للقتال والفرنج قد فاتوا والحرب قائم عند قيسارية وقصده أولى. فصرف السلطان عزمه وتوجه نحو قيسارية ونزل على النهر الذي يجري إلى قيسارية وأقام هناك وأتي مرارا بأسارى فأمر بإراقة دمهم.

وقعة قيسارية (٦)

وفي يوم الاثنين تاسع شعبان وصل الخبر للسلطان برحيل الفرنج وأنهم سائرون في جمع ، فركب السلطان ومن معه ، وسار العدو بإزائه ، وكان هناك بركة

__________________

(١) فركبت ب د ه : فركب أ : ـ ج.

(٢) وأعيد صليب الصلبوت ب د ه : وأعيد صلبوت أ : ـ ج.

(٣) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٠٥ ؛ ابن شداد ١٥٨ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٩٠ ـ ١٩١ ؛ أبو الفداء ، المختصر ٣ / ٧٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٤٥ ـ ٣٤٦.

(٤) غرة ب د ه : غسرة أ : ـ ج.

(٥) حضره أ د ه : حضر ب : ـ ج.

(٦) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢١٥ ؛ ابن شداد ١٦٠ ـ ١٦١ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٩٠ ـ ١٩١ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٤٦.


كبيرة مملوءة بالماء (١) والفرنج على عزم ورودها فصدهم عسكر الإسلام عنها وطردوهم. فولوا مدبرين وانصرفوا نحو الساحل ونزلوا على نهر يقال له نهر القصب (٢) بعد مشقة / / حصلت لهم من المسلمين ، ونزل العسكر بعد انقضاء الحرب على البركة ، ثم رحل ونزل على أعلى (٣) نهر القصب في أوله وهو الذي نزل العدو في أسفله ، فقربت المسافة.

وكان شخص من الأمراء اسمه عز الدين بن المقدم أبصر جماعة من الفرنج مقبلين لكشف حال العسكر فعبر إليهم (٤) النهر وقتل منهم عدة وأسر ثلاثة فركب الفرنج وحملوا عليه وكانت وقعة عظيمة ، وأحضر الأسارى عند السلطان ، ورحل وقت الظهر قاصدا نحو أرسوف ، ونزل على قرية بقربها وأقام بها يوم الأربعاء والعدو في مكانه الأول.

اجتماع الملك العادل وملك الإنكثير (٥)(٦)

كان في اليزك علم الدين سليمان بن جرد (٧)(٨) فراسله العدو أن يتحدث مع الملك العادل فاجتمعا يوم الخميس فتكلما (٩) في الصلح ، وإخماد الفتنة ، فقال له الملك العادل : ما الذي تريده؟ فقال : رد البلاد ، فقال العادل : هذا لا سبيل إليه ، وأغلظ له في القول. وكان الترجمان بينهما هنفري بن هنفري ، فلما سمع ملك الإنكثير ذلك غضب وتفرقا على غير شيء.

واقعة أرسوف (١٠)

لما عرف السلطان من أخيه الملك العادل ما جرى بينه وبين ذلك الملعون جمع يوم الجمعة العساكر وسير الثقل وركب ، فلما أسفر صباح السبت رابع عشر شعبان ركب العدو على صوب أرسوف ، فهجم عليهم عسكر الإسلام وأحاط بهم

__________________

(١) بالماء ب د ه : من الماء أ : ـ ج.

(٢) نهر القصب : يقع بالقرب من أرسوف ، ينظر : الأصفهاني ، الفتح ٥٣٨.

(٣) أعلى أ د ه : أعلا ب : ـ ج.

(٤) فعبر إليهم أ د ه : عبر عليهم ب : ـ ج.

(٥) ينظر : ابن شداد ١٦٦ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٩٣.

(٦) الإنكثير أ ب ه : الإنكلتار ابن الأثير : الإنتكار ابن شداد : ـ ج د.

(٧) جرد أ د ه : جندر ب : ـ ج.

(٨) ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٣ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٧.

(٩) فتكلما ب ه : فتكلم أ د : ـ ج.

(١٠) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢١٦ ؛ ابن شداد ١٦٧ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٩١ ؛ العقاد ٨٣ ـ ٩٢.


واشتد القتال بينهم ، فحملوا على أطلاب المسلمين حملة واحدة فاستشهد جماعة من المسلمين ، ثم كر العسكر على الكفار فصدوهم وكسروهم وقتل منهم وأسر جماعة ، وهرب الفرنج ودخلوا أرسوف ونزلوا قريبا من الماء وبات السلطان تلك الليلة على نهر العوجا ، وأقام العدو يوم الأحد في موضعه ، ثم رحل يوم الثلاثاء سائرا إلى يافا ، وعارضهم (١) العسكر في طريقهم.

ثم رحل السلطان يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان ونزل بالرملة واجتمع عنده الأثقال كلها ، ثم رحل ونزل بظاهر عسقلان بعد العصر.

خراب عسقلان (٢)

لما نزل السلطان بالرملة أحضر عنده أخاه العادل وأكابر الأمراء وشاورهم في أمر عسقلان. فأشار بعضهم بخرابها للعجز عن حفظها فإن الفرنج نزلوا بيافا ، وهي مدينة بين القدس وعسقلان ، متوسطة ولا سبيل إلى حفظ المدينتين إلا بعدد كثير ، وتيقن أنهم إذا وصلوا إلى عسقلان تسلموها كما وقع في عكا ، واقتضى الحال هدمها ، ووصل السلطان إلى عسقلان وشرع في هدمها بكرة يوم الخميس تاسع عشر شعبان ، فنقض أسوارها وهدم منازلها ، وكانت من أحسن المدن وأظرفها ، فصارت خرابا ، داثره ، وحصل لأهلها مشقة زائدة بهدمها وباعوا أمتعتهم بأبخس الأثمان ، وتشتتوا في البلاد.

فصل

فلما هدمها رحل يوم الثلاثاء ثاني شهر رمضان ونزل على يبنا (٣) ونزل يوم الأربعاء ثالث الشهر بالرملة ، ثم خرج إلى لد وأشرف عليها وأمر بإخرابها وإخراب قلعة الرمل ، ففعل ذلك ، ثم توجه إلى بيت المقدس وأقام يوم الخميس ، ثم خرج منه يوم الاثنين ثامن شهر رمضان بعد الظهر ، وبات في بيت نوبة (٤). وعاد إلى المخيم يوم الثلاثاء ضحوة. وفي هذا التاريخ خرج ملك الإنكثير متنكرا فخرج عليه الكمين وجرى قتال عظيم حتى كاد يؤسر

__________________

(١) وعارضهم أ د : فعارضهم ب ه : ـ ج.

(٢) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢١٦ ؛ ابن شداد ١٧١ ـ ١٧٣ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٩٢ ؛ ابن كثير ، البداية ١٢ / ٣٤٥ ـ ٣٤٦.

(٣) يبنا : بليد قرب الرملة به قبر يقال أنه لأبي هريرة ، رضي‌الله‌عنه ، وقيل لعبد الله بن أبي السرح ، دمرها اليهود سنة ١٩٤٨ م ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١٤٧٣ ؛ شراب ٧١٠.

(٤) بيت نوبا : بليدة من نواحي فلسطين قرب بيت المقدس ، كان ينزلها صلاح الدين للوقوف على الأعمال العسكرية التي يقوم بها قواده ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٢٣٩ ؛ شراب ٢٠٦.


الملك ، وقتل وأسر (١) منه جماعة.

وجرى يوم الجمعة في عاشر الشهر بين اليزكية وأهل الكفر وقعة (٢) قتل منهم مقدم كبير ورحل السلطان يوم السبت ثالث عشر ونزل على تل عال عند النطرون (٣) وهي قلعة منيعة فهدمها وأشاع الإقامة هناك ، وأفاض الأنعام على العسكر.

ذكر ما تجدد لملك الإنكثير (٤)

وصلت رسل ملك الإنكثير إلى العادل بالمصالحة وترددت الرسل وانتظم الحال على أن العادل يتزوج أخت ملك الإنكثير ويحكم العادل في البلاد وتكون المرأة مقيمة بالقدس ، ويوطن (٥) العادل مقدمي الفرنج والداوية والإسبتار (٦) ببعض القرى ولا يمكنهم من الحصون ولا يقيم معها في القدس إلا قسوس (٧) ورهبان. واستدعى العادل جماعة من الأعيان منهم العماد الكاتب وغيره وسألهم في المضي إلى السلطان وإعلامه بذلك وسؤاله في ذلك. فحضروا إلى السلطان وأخبروه بالحال ، فسمع ورضي ذلك في يوم الاثنين تاسع عشر (٨) من رمضان. وعاد الرسول إلى ملك الإنكثير.

ثم إن أكابر الفرنج عرضوا ذلك على قسوسهم فلم يرضوه وخبثوا المرأة وندموها وعنفوها بتزويجها بالمسلم ، فانثنى عزمها عن التزويج وقالت : أتزوجه بشرط أن يوافقني على ديني. / / فأنف العادل من ذلك واعتذر الملك بامتناع أخته وبطل الاتفاق ، وكان ذلك يوم العيد.

وفي يوم العيد خلع السلطان على أكابره ومد لهم سماطا ، ونزل السلطان بالرملة ليقرب من العدو. وتواتر الخبر بأن الفرنج على عزم الخروج فسار يوم الاثنين سابع شوال وخيم خارج الرملة ، وجاء الخبر أن العدو خرج إلى يازور (٩) ،

__________________

(١) وقتل وأسر أ : وقد أسر ب د ه : ـ ج.

(٢) وقعة ب ج د ه : وقفة أ.

(٣) النطرون : تحريف لبلدة اللطرون ، وكانت حصنا بين القدس والرملة ، وتقع على بعد ١٦ كم من الرملة ، ينظر : الدباغ ١ / ٢٩٧.

(٤) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢١٦ ؛ ابن شداد ١٧٩ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٢٠٠ ؛ أبو الفداء ، المختصر ٣ / ٨٠.

(٥) ويوطن ب ج د ه : ويوحي أ / / والداوية أ ج د : والراوية ب ه.

(٦) والإسبتار أ ج د : والإستبار ب ه.

(٧) قسوس أ د ه : قسس ب ج / / واستدعى أ ج د ه : فاستدعى ب.

(٨) عشر أ ج د : عشري ب ه.

(٩) يازور : بليدة بسواحل الرملة من أعمال فلسطين بالشام ، هدمها اليهود عام ١٩٤٨ م ، ينظر : البغدادي ، ـ مراصد ١٤٧١٣ ؛ الحميري ٦١٦ ؛ شراب ٧٢٥.


فتسارع العسكر إليهم وقربوا من خيامهم وأحاطوا بهم. فركب الفرنج وحملوا على الناس حملة واحدة ، فاندفعوا بين أيديهم ، فاستشهد ثلاثة ، وكان السلطان في كل يوم يركب ، ولا يخلو من وقعة (١) يقتل فيها الكفار.

وقعة الكمين (٢)

وفي ليلة الأربعاء سادس عشر شوال أمر السلطان رجال الحلقة المنصورة بأن يكمنوا في جهة يمينها. وخرج الفرنج للاحتشاش ، ولقيهم أعراب فتواقعوا معهم ، وخرج الكمين ، واقتتلوا معهم وقتل جماعة من الكفار ، واستشهد ثلاثة من المماليك الخواص ، وأسر من الفرنج فارسان ، وأحضرا للسلطان ، وانفصل الحرب وقت الظهر.

اجتماع الملك العادل بملك الإنكثير (٣)

وفي يوم الجمعة ثامن عشر شوال ضرب الملك العادل بقرب اليزك لأجل ملك الإنكثير ثلاث خيام وجهز فاكهة وحلوى وطعاما وحضر ملك الإنكثير وطالت بينهما المحادثة وافترقا عن غير موافقة ، ومضى الملك.

وكان قد وصل صاحب صيدا من صور برسالة المركيس لطلب الصلح مع السلطان حتى يقوي يده على ملك الإنكثير ، وبلغ ذلك ملك الإنكثير فوصل رسوله أيضا بنظير هذا الأمر ، ومضى القول مع صاحب صيدا إلى المركيس على شرائط شرطت عليه ، وأما مراسلة الملك فلم ينتج منها أمر ، وكلما حصل الاتفاق معه على شيء نقضه ، وكلما قال قولا رجع عنه ، فلعنة الله عليه.

وفي يوم الأحد سابع عشر (٤) من شوال عاد السلطان إلى المخيم بالنطرون ورحل الفرنج يوم السبت ثالث ذي القعدة ، وتقدموا إلى الرملة ونزلوا بها ولم يشك أنهم على قصد القدس.

وأقام السلطان في كل يوم سرايا ، وصار لهم في كل يوم وقعة ، وما يخلو من أسرى تقاد إليه. ثم هجم الشتاء وتوالت الأمطار فعزم على الرحيل.

__________________

(١) وقعة ب ج د ه : وقفة أ.

(٢) ينظر : ابن شداد ١٨٤ ـ ١٨٥ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٩٤.

(٣) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢١٧ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٩٤.

(٤) عشر أ ج : عشري ب د ه.


رحيل السلطان إلى القدس (١)

وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من ذي القعدة ركب السلطان والغيث نازل وسار بمن معه حتى وصل إلى القدس قبل العصر ونزل بدار الأقساء المجاورة لكنيسة قمامة ، وشرع في تحصين المدينة ، وصلى يوم الجمعة مستهل ذي الحجة في قبة الصخرة ، وفي يوم الأحد ثالث ذي الحجة وصل إليه عسكر من مصر ، وتتابعت العساكر المصرية ، ووصل الخبر بنزول الفرنج بالنطرون فوقع الإرجاف في الناس.

وجرت يوم الخميس سابع الشهر وقعة قرب بيت نوبة من سرية جهزها السلطان فوقعوا على سرية الفرنج فأسروها وقتلوها ووصلوا بزهاء خمسين أسيرا إلى القدس وكانت بشرى عظيمة. ثم وقعت وقعة أخرى قتل من الكفار ستة وأسر أربعة.

وصلى السلطان عيد الأضحى (٢) بالقدس يوم الأحد ، وكانت الوقفة بمكة يوم الجمعة لكن لم ير الهلال بالقدس ليلة الخميس. وفي يوم الجمعة خامس عشر ذي الحجة وقعت وقعة بالرملة من أميرين أغارا على الفرنج وأخذا أموالا وأغناما وخيلا وجمالا وبغالا ، وأسرا ممن كان في القافلة ثلاثين وأحضراهم للسلطان. وأحاط بالفرنج البلاء ، وكثرت الغارات ، فرحلوا وعادوا إلى الرملة ، وطابت قلوب المسلمين.

ذكر ما اعتمده السلطان في عمارة القدس (٣)

وصل من الموصل جماعة للعمل في الخندق جهزهم صاحب الموصل صحبة بعض حجابه وسير معه ما لا يفرقه عليهم في رأس كل شهر ، وأقاموا نصف سنة في العمل وأمر السلطان بحفر خندق عميق وأنشأ سورا ، وأحضر من أسارى (٤) الفرنج قريبا من ألفين ورتبهم في ذلك ، وجدد أبراجا حربية من باب العمود إلى باب المحراب ، وباب المحراب هو المعروف الآن بباب الخليل ، وأنفق عليها أموالا جزيلة وبناها بالأحجار الكبار ، وكان الحجر يقطع من الخندق ويستعمل في بناء السور ، وقسم بناء السور على أولاده وأخيه العادل وأمرائه ، وصار يركب كل يوم ويحضر على بنائه ، وكان يحمل الحجر على قربوس (٥) سرجه ويخرج الناس

__________________

(١) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢١٦ ؛ ابن شداد ١٨٥.

(٢) الأضحى أ ج د ه : الأضحية ب / / الوقفة ب ج د ه : الوقعة ب.

(٣) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٩٤ ؛ أبو الفداء ، المختصر ٣ / ٨٣.

(٤) أسارى أ ه : أسرى ب : أسراء ج د / / قريبا من ألفين ب : قريب ألفين أ ج د ه.

(٥) القربوس : الخشبة الصغيرة في مقدم السرج ، يونانية معربة ، ينظر : الحسيني ٤٥٦.


لموافقته على حمل الحجر إلى مواضع (١) البناء ، ويتولى ذلك بنفسه وبجماعة خواصه والأمراء ، يجتمع (٢) لذلك العلماء والقضاة والصوفية والأولياء (٣) وحواشي العسكر والأتباع وعوام الناس. فبنى في أقرب مدة ما يتعذر بناؤه في سنين.

وأرسل السلطان لصاحب الموصل يشكره على تجهيز الرجال لحفر الخندق بمكاتبة أنشأها العماد الكاتب ، رحمه الله تعالى.

ودخلت سنة ٥٨٨ ه‍ (٤) والسلطان مقيم بالقدس في دار الأقساء بجوار قمامة لتقوية البلد وتشييد أسواره ، وجد في عمارة (٥) الصخرة المقدسة وأكمل السور والخندق ، وصار في غاية الإتقان ، واطمأن أهل الإسلام.

ذكر الحوادث مع الفرنج

رحل الفرنج يوم الثلاثاء ثالث المحرم من الرملة إلى بلد عسقلان ونزلوا بظاهرها يوم الأربعاء وتشاوروا في إعادة (٦) عمارتها ، وكان اثنان من الأمراء نازلين في بعض أعمالها.

فركب ملك الإنكثير عصر يوم الخميس فشاهد دخانا على البعد فساق متوجها إلى تلك الجهة ، فما شعر المسلمون إلا بالكبسة عليهم فلم ينزعجوا فإنه كان وقت المغرب وهم مجتمعون ، فلم ير العدو إلا أحد القسمين من المسلمين فقصده ، فعرف القسم الآخر هجوم العدو فركبوا إلى العدو فدفعوه حتى ركب رفقاؤهم المقصودون واجتمعوا وردوا العدو ، ثم تكاثر الفرنج وتواصلوا ووقعت الوقعة فلم يفقد من المسلمين إلا أربعة ونجا الباقون ، وكانت نوبة عظيمة ولكن الله سلم فيها.

وفي يوم الثلاثاء عاشر المحرم ركب السلطان على عادته في نقل الحجارة والعمارة ومعه الملوك وأولاده والأمراء والقضاة والعلماء والصوفية والزهاد والأولياء ، وخرج كل من بالبلد وهو قد حمل على سرجه والناس ينقلون معه ، ولما دخل الظهر نزل في خيمة بالصحراء ومد السماط ، ثم صلى الظهر وانصرف إلى منزله.

__________________

(١) مواضع أ : موضع ب ج د ه.

(٢) يجتمع أ ه : ويجتمع ج د : ويجمع ب.

(٣) والأولياء ب ج د ه : ـ أ / / العسكر أ ج ه : العساكر ب د.

(٤) سنة ٥٨٨ ه‍ أ : سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ب د : ـ ج.

(٥) عمارة ب د ه : حماية أ : ـ ج.

(٦) إعادة ب ه : أعمدة أ : ـ ج ب.


وأما سراياه فكان لا تزال تغير على الكفار ، فمن ذلك : سرية أغارت يوم الأربعاء الحادي عشر من المحرم على يبنا وفيها الفرنج وغنمت اثني عشر أسيرا وخيلا ودواب وأثاثا كثيرا.

وفي يوم الثلاثاء ثاني صفر أغارت السرية على ظاهر عسقلان وغنمت ثلاثين أسيرا سوى الخيل والبغال.

وفي ليلة الأحد رابع عشر صفر أصبحت (١) سرية على يبنا وظهرت على قافلة الفرنج فأخذتها بأسرها مع رجالها وبغالها وأحمالها ، ثم أغارت على يافا فقتلت وفتكت وعادت بالغنيمة والسبايا ، وعجز جماعة من الأسارى عن المشي فضربت أعناقهم ، وأوجب ذلك عتق الباقين.

ولما خرج سيف الدين علي بن أحمد المعروف بالمشطوب من الأسر ، قرر على نفسه قطيعة خمسين ألف دينار ، فأدى منها ثلاثين ألفا وأعطى رهائن على عشرين ألفا ، ووصل إلى القدس ، واجتمع بالسلطان يوم الخميس مستهل شهر ربيع الآخر. فقام (٢) واعتنقه وتلقاه وأقطعه نابلس وأعمالها ، وعاش إلى آخر شوال من هذه السنة ، وتوفي رحمه الله فعين السلطان ثلث نابلس وأعمالها لصالح البيت المقدس وعمارة سورها وأبقى باقيها لولده ، رحمه الله (٣).

هلاك المركيس بصور (٤)

أضافه الأسقف بصور يوم الثلاثاء ثالث عشر ربيع الآخر فأكل وخرج وركب فوثب عليه رجلان وقتلاه بالسكاكين فأمسكا وسئلا من هو الآمر لكما بقتله؟ فقالا : ملك الإنكثير ، فقتلا شر قتلة.

ولما هلك المركيس تحكم ملك الإنكثير في صور وولاها الكندهري ، فأرسل (٥) الملك يطلب من السلطان نصف البلاد سوى القدس فإنه يبقى للمسلمين بمدينته وقلعته سوى كنيستهم قمامة ، فأبى السلطان ولم يرض.

__________________

(١) أصبحت أ : صبحت ب ه : ـ ج د.

(٢) فقام أ : + إليه ب د ه : ـ ج / / نابلس ب د ه : نابلوس أ : ـ ج.

(٣) رحمه الله أ : ـ ب ج د ه.

(٤) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢١٩ ؛ ابن شداد ١٩٢ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٩٦.

(٥) فأرسل أ ج د : وأرسل ب ه.


استيلاء الفرنج على قلعة الداروم (١)

وقلعة الداروم (٢) هذه على حد مصر خلف غزة وكانت منها مضرة كبيرة ، فلما شرع الفرنج في عمارة عسقلان ترددوا إليها مرارا ، ثم نزل (٣) الفرنج عليها واشتد زحفهم إليها عشية السبت تاسع جمادى الأولى بعد أن نقبوها ، وطلب أهلها الأمان فلم يؤمنوا ، ولما عرف الوالي بها أنهم مأخوذون عمد إلى الخيل والجمال والدواب فعرقبها (٤) وإلى الذخائر فأحرقها. وفتحوها بالسيف وقتلوا من بها وأسروا منهم عدة يسيرة. وكانت نوبة كبيرة على الإسلام.

ثم رحل الفرنج عنها ونزلوا على ماء يقال له الحسي يوم الخميس رابع عشر الشهر ، ثم تركوا خيامهم وساروا على قصد قلعة يقال لها مجدل الجبان ، فخرج عليهم المسلمون وقاتلوهم قتالا شديدا ، وقتل منهم خلق كثير وانهزموا.

ثم رحلوا من الحسي يوم الأحد سابع عشر الشهر وتفرقوا فريقين فبعضهم عاد إلى عسقلان وبعضهم جاء إلى بيت جبريل ، فتقدم السلطان إلى العساكر لمبارزتهم (٥).

وفي يوم السبت الثالث والعشرين نزلوا بتل الصافية (٦). / / ونزلوا يوم الثلاثاء السادس والعشرين بالنطرون ، فأرجف بقصدهم القدس ، ثم ضربوا خيامهم يوم الأربعاء على بيت نوبة.

وأظهر السلطان الإقامة بالقدس ، وفرق الأمراء على الأبراج ، وجرت وقعات وكبسات. وفي يوم السبت نزل الناس إليهم وقاتلوهم في خيامهم. وركب العدو وساق إلى قلونية (٧) وهي ضيعة من القدس على فرسخين وعاد منهزما.

وفي يوم الثلاثاء ثالث جمادى الآخرة خرج كمين في طريق يافا على قافلة

__________________

(١) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢١٩ ؛ ابن شداد ١٩٤ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٩٦ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٢٣.

(٢) الداروم : قلعة بعد غزة للقاصد إلى مصر ، بينها وبين الساحل مقدار فرسخ ، خربها صلاح الدين لما ملك الساحل وتعرف اليوم بدير البلح ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٢ / ٥٨ ؛ شراب ٣٦٩.

(٣) نزل أ ه : نزلت ب : ـ ج د.

(٤) فعرقبها ب : فعرقبوها أ ه : ـ ج د.

(٥) لمبارزتهم أ ج د ه : بمبارزتهم ب.

(٦) تل الصافية : حصن من أعمال فلسطين تقع بين الخليل والرملة ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٢٧١ ؛ الدباغ ٩ / ٢٩٦ ؛ أبو حمود ٤٥ ؛ شراب ٢٣١.

(٧) قلونية : إحدى قرى بيت المقدس ، دمرها اليهود عام ١٩٤٨ م ، وأقاموا عليها المستعمرات ، ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٥٩ ؛ شراب ٥٩١.


فأخذوها وأسروا من فيها.

كبسة الفرنج على عسكر مصر الواصل (١)

كان السلطان يستحث عسكر مصر بكتبه ورسله ويدعوه نجدة لأهل القدس فضرب خيامه على بلبيس مدة حتى اجتمعوا وانضم إليهم التجار فاغتروا بكثرتهم والعدو منتظر قدومهم. وجاء الخبر للسلطان يوم الاثنين تاسع جمادى الآخرة أن ملك الإنكثير ركب في جمع كبير وسار عصر يوم الأحد. فجرد السلطان أميرا وجماعة لتلقي الواصل وأمرهم بأن يأخذوا بالناس في طريق البرية ، فعبروا على ماء الحسي قبل وصول العدو إليه.

وكان مقدم العسكر المصري فلك الدين أخو العادل فلم يسأل عن المنزلة وقصد الطريق الأقرب وترك الجمال (٢) على طريق أخرى ونزل على ماء يعرف بالخويلفة (٣) ، ونادى تلك الليلة أنه لا رحيل إلى الصباح وناموا مطمئنين ، فصبحهم العدو عند انشقاق الصبح في الغلس. فلما بغتهم ركب كل منهم على وجهه ، وفيهم من ركب بغير عدة وانهزموا وتركوا العدو وراءهم. فوقع العدو في أمتعتهم وما معهم (٤) ، وتفرق العسكر في البرية فمنهم من رجع إلى مصر ومنهم من توجه على طريق الكرك ، فأخذ الكفار من الجمال والأحمال ما لا يعد ولا يحصى ، وكان نكبة عظيمة (٥). ووصل الجند مسلوبين منكوبين فسلاهم السلطان ووعدهم بكل جميل. واشتغل الكفار بالمال عن القتل والقتال

رحيل ملك الإنكثير صوب عكا مضمرا (٦) أنه على قصد بيروت (٧)

لما تعذر على الفرنج قصد بيت المقدس (٨) ورأوا أن بيروت تنزع (٩) منهم ، وقطع عليهم طريق البحر ، فقالوا : هذا البلد أخذه هين ، وإذا قصدناه جاء السلطان وعسكره إلينا وخلا القدس ، فنبادر إليه من يافا وعسقلان ونملكه.

__________________

(١) ينظر : ابن شداد ١٩٧ ـ ١٩٨ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٩٧.

(٢) الجمال أ ه : الأحمال ب : ـ ج د.

(٣) الخويلفة : موضع بنواحي فلسطين ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٣٩٢.

(٤) وما معهم أ ه : ـ ب ج د.

(٥) عظيمة ب : ـ أ ج د ه.

(٦) مضمرا أ ه : مظهرا ب : ـ ج د.

(٧) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٢١ ؛ ابن شداد ٢٠٨.

(٨) بيت المقدس أ ج ه : القدس ب د.

(٩) تنزع أ ه : فزع ب : ـ ج د.


فلما عرف السلطان ما عزموا عليه أمر ولده الملك الأفضل بمبادرتهم في الرحيل وسبقهم إلى مرج عيون حتى إذا تيقن قصدهم سبقت العساكر إلى بيروت ودخلتها. وكتب السلطان إلى العساكر الواصلة إلى دمشق أن يكونوا مع ولده فنزل بمرج عيون والفرنج بعكا لم تخرج منها.

نزول السلطان على مدينة يافا وفتحها (١)

لما رحل ملك الإنكثير وترك في مدينة يافا وعسقلان جمعا من العسكر انتهز السلطان الفرصة لغيبته ونهض السلطان (٢) بعسكره الحاضر ، ونزل على يافا وحاصرها (٣) ورماها بالمناجيق وزحف عليها ، وهجم على المدينة وقتل من بها ، ووجدت الأحمال المأخوذة من قافلة مصر فأخذت ، وامتلأ البلد بالمسلمين (٤) وبقيت القلعة وطلب أهلها الأمان ويسلموها ، وكان قرب الاستيلاء عليها.

فلما طلبوا الأمان كف الناس عنها ، وخرج (٥) البطرك الكبير ومعه جماعة من المقدمين والأكابر على أن يدخلوا تحت أمر السلطان (٦) ويسلموا المال والذخائر حتى دخل الليل فاستمهلوا (٧) الصباح وطلبوا من يحفظهم من المسلمين.

وما زال يخرج من يستدعي زيادة التوثقة. حتى وصل ملك الإنكثير في البحر في مراكب في الليل ودخل القلعة من الجانب البحري ، ونادوا بشعار الكفر فاكتفى منهم بمن أسر ، وندم المسلمون على ما وقع من الأمان ولو أن السلطان توقف في تأمينهم لأخذت القلعة ، وكان ذلك فتحا عظيما وأخذ المسلمون (٨) من الأموال والغنائم ما لا يحصى واستعادوا من الكفار ما نهبوه من الكبسة المصرية ، وقتل من أقام بالبلد وأسر ، وحصل في أيدي المسلمين من مقدمي القلعة نيف وسبعون ، وكان القصد في الأول رجوع الكفار عن قصد بيروت وضعف الفرنج من هذه الوقعة.

وعاد السلطان وخيم على النطرون وأقام السلطان حتى تكامل

__________________

(١) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٢١ ؛ ابن شداد ٢٠٨ ـ ٢١٢.

(٢) السلطان أ : ـ ب ج د ه.

(٣) وحاصرها أ ه : وحصرها ب : ـ ج د / / بالمناجيق أ ه : بالمجانيق ب : ـ ج د.

(٤) وبالمسلمين أ ه : من المسلمين ب : ـ ج د / / ويسلموها أ د : ويسلمونها ب ه : ـ ج.

(٥) وخرج أ ج د : فخرج ب ه.

(٦) أمر السلطان أ ه : طاعة السلطان ب د : ـ ج.

(٧) فاستمهلوا إلى الصباح أ ب د : ـ ج ه.

(٨) وأخذ المسلمون ب ج د ه : ـ أ.


العسكر (١) / / ورحل ونزل بالرملة وقد اجتمع العسكر (٢) من سائر البلاد وقوي واشتد عزم المسلمين ، وحصل لهم السرور (٣) بفتح يافا وأخذ ما فيها وتباشروا بالنصر وخذلان العدو.

الهدنة العامة (٤)

لما عرف ملك الإنكثير اجتماع العساكر واتساع الخرق عليه ، وأن القس قد امتنع أخذه قصر عما كان فيه وخضع وأظهر أنه لم يهادن السلطان (٥) ، وأقام وجد في القتال ، ثم طلب المهادنة وكاتب الملك العادل يسأله الدخول على السلطان في الصلح. فلم يجب السلطان لذلك ، وأحضر السلطان الأمراء وشاورهم ، وقال لهم : نحن بحمد الله في قوة وقد ألفنا الجهاد وما لنا شغل إلا العدو ، وحرضهم على التثبت والتصميم وحثهم على الجهاد ، فقالوا له : رأيك سديد والتوفيق في كل ما تريد ، غير أن البلاد تشعثت (٦) وقلت الأقوات وإذا حصلت الهدنة ففي مدتها نستريح ونستعد للحرب والصواب القبول عملا بقول الله عز وجل : (* وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها)(٧) ، وتعود البلاد (٨) إلى العمارة واستيطان أهلها وتكثر في مدة الهدنة الغلة ، وإذا عادت أيام الحرب عدنا. وما زالوا بالسلطان حتى رضي وأجاب.

ثم حصل الصلح والمهادنة بين السلطان وبين الفرنج بشفاعة جماعة من أعيان جماعة السلطان ، وعقدت هدنة عامة (٩) في البر والبحر وجعلت مدتها ثلاث سنين وثمانية أشهر أولها يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من شعبان سنة ٥٨٨ ه‍ (١٠)(١١) الموافق لأول أيلول وحسبوا أن وقت الانقضاء يوافق وصولهم من البحر ، واستقر

__________________

(١) تكامل العسكر أ ج د ه : تكاملت العساكر د.

(٢) العسكر أ ج د ه : العساكر ب.

(٣) لهم السرور أ ب ج د : ـ ه.

(٤) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٢١ ـ ٢٢٢ ؛ ابن شداد ٢١٥ ـ ٢١٧ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١٩٩ ـ ٢٠٤ ؛ أبو الفداء ، المختصر ٣ / ٨٢ ـ ٨٣ ؛ ابن الوردي ٢ / ١٥٨ ـ ١٦٠ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٢٤ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٤٤.

(٥) يهادن السلطان ب ج د ه : ـ أ.

(٦) البلاد تشعثت أ ب ج د : ـ ه.

(٧) الأنفال : [٦١].

(٨) وتعود البلاد أ ب ج د : وتعود البلدة ه.

(٩) هدنة عامة أ ج د ه : الهدنة العامة ب.

(١٠) سنة ٥٨٨ أ ه : سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ب ج د.

(١١) ٥٨٨ ه‍ / ١١٩٢ م.


أمر الهدنة وتحالفوا على ذلك. ولم يحلف ملك الإنكثير بل أخذوا يده وعاهدوه واعتذر بأن الملوك لا يحلفون ، وقنع السلطان بذلك ، وحلف الكندهري ابن أخته وخليفته في الساحل ، وحلف غيره من عظماء الفرنج ، ووصل ابن الهنفري وباليان (١) إلى خدمة السلطان ومعهما جماعة من المقدمين ، وأخذوا يد السلطان على الصلح ، واستحلفوا الملك العادل أخا السلطان ، والملكين الأفضل والظاهر ابني السلطان ، والملك المنصور صاحب حماة محمد بن تقي الدين بن عمرو ، والملك المجاهد شيركوه صاحب حصن حمص ، والملك الأمجد بهرام شاه صاحب بعلبك ، والأمير بدر الدين يلدرم البارقي صاحب تل باشر (٢) ، والأمير سابق الدين عثمان بن الداية صاحب سرمين (٣) ، والأمير سيف الدين علي بن أحمد المشطوب ، وغيرهم من المقدمين الكبار.

وكانت الهدنة على أن يستقر بيد الفرنج من يافا إلى قيسارية إلى عكا إلى صور وأن تكون عسقلان خرابا ، واشترط السلطان دخول بلاد الإسماعيلية في عقد هدنته ، واشترط الفرنج دخول أنطاكية وطرابلس في عقد هدنتهم وأن تكون لد والرملة مناصفة بينهم وبين المسلمين.

فاستقرت القاعدة (٤) على ذلك وحضر العماد الكاتب لإنشاء عقد الهدنة وكتبها ونادى المنادي بانتظام الصلح وأن البلاد الإسلامية والنصرانية واحدة في الأمن والمسالمة فمن شاء من كل طائفة يترددوا إلى بلاد الطائفة الأخرى من غير خوف ولا محذور.

وكان يوما مشهودا نال الطائفتان فيه من المسرة ما لا يعلمه إلا الله تعالى ، وكان ذلك مصلحة في علم الله تعالى ، لأنه اتفقت وفاة السلطان بعد الصلح بيسير فلو اتفق ذلك أثناء وفاته كان الإسلام على خطر.

ذكر ما جرى بعد الصلح (٥)

عاد السلطان إلى القدس واشتغل في إكمال السور والخندق ، وفسح للفرنج

__________________

(١) وباليان أ ج د ه : وماليان ب.

(٢) تل باشر : قلعة حصينة وكورة واسعة شمالي حلب ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٣٢ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٢٦٩.

(٣) سرمين : بليدة مشهورة من أعمال حلب ، أهلها إسماعيلية ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٦٥ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٧١٠.

(٤) القاعدة أ ه : المهادنة ب د : المعاقدة ج.

(٥) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٢٢ ؛ ابن شداد ٢٢٤ ـ ٢٢٥ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٢٤ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٤٤ ـ ٤٥.


كافة في زيارة قمامة فجاءوا وزاروا وقالوا : إنما كنا نقاتل على هذا الأمر. وكان ملك الإنكثير أرسل للسلطان يسأله منع الفرنج من الزيارة إلا من وصل معه كتابه أو رسوله ، وقصد بذلك رجوعهم إلى بلادهم بحسرة الزيارة ليشتد حنقهم على القتال (١) إذا عادوا. فاعتذر السلطان إليه بوقوع الصلح والهدنة وقال له : أنت أولى بردهم وردعهم فإنهم إذا جاءوا لزيارة كنيستهم ما يليق بنا ردهم.

ومرض ملك الإنكثير ، وركب البحر وأقلع وسلم الأمر إلى الكندهري (٢) ابن أخته من أمه وهو ابن أخت ملك إفرنسيس من أبيه.

وعزم السلطان على الحج وصمم عليه ، وكتب إلى مصر واليمن بذلك. فما زال الجماعة به حتى انثنى عزمه ، فشرع في ترتيب / / قاعدة القدس في الولاية والعمارة ، وكان الوالي بالقدس حسام الدين شاروخ ، وهو تركي ، وفيه دين وخير ، وكان حسن السيرة ، وفوض ولاية القدس إلى عز الدين جرديك ، وكان أميرا معتبرا شجاعا. وولى علم الدين قنصو أعمال الخليل وعسقلان وغزة والدراوم وما وراءها. وسأل الصوفية عن أحوالهم ، وزاد في أوقاف المدرسة الصلاحية والخانقاه ، وجعل الكنيسة المجاورة لدار الإسبتارية بقرب قمامة بيمارستان للمرضى ووقف عليه مواضع ووضع فيه ما يحتاج من الأدوية والعقاقير ، وفوض القضاء والنظر (٣) في هذا الموقف إلى القاضي بهاء الدين يوسف بن رافع بن تميم المشهور بابن شداد لعلمه وكفاءته (٤).

رحيل السلطان إلى دمشق (٥)

خرج السلطان من القدس ضحوة الخميس خامس شوال ونزل على نابلس ضحوة يوم الجمعة ، فشكى أهلها على صاحبها سيف الدين علي المشطوب أنه ظلمهم ، فأقام السلطان بها إلى ظهر يوم السبت حتى كشف ظلامتهم (٦) ، ورحل بعد الظهر أصبح على جنين (٧) ، ثم وصل إلى بيسان ، ثم إلى قلعة كوكب ، ثم سار ونزل

__________________

(١) القتال أ د ه : الجهاد والقال ب ج.

(٢) الكندهنري أ ج ه : الكندهري ب د.

(٣) القضاء والنظر أ ج ه : النظر والقضاء ب د.

(٤) وكفاءته أ ج د ه : بكفاءته ب.

(٥) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٢٢ ؛ ابن شداد ٢٢٨ ؛ أبو الفداء ، المختصر ٣ / ٨٣ ؛ ابن الوردي ٢ / ١٥٩.

(٦) كشف ظلامتهم أ ب ج د : كشف ظلمتهم ه.

(٧) جنين أ : جينين ب ج د ه / / وصل أ ج د : رحل ب ه.


بظاهر طبرية ولقيه هناك بهاء الدين قراقوش وقد خرج من الأسر ، ثم رحل ونزل بقرب قلعة صفد تحت الجبل وصعد السلطان إليها وأمر بعمارتها. ثم سار إلى أن خيم على مرج تبنين (١) وتفقد أحوالها وأمر بعمارة قلعتها ، ثم سار ونزل على عين الذهب (٢) ورحل وخيم بمرج عيون ، ثم سار وعبر من عمل صيدا. وكلما نزل في مكان يدبر أمره ويرتب أحواله ويأمر بعمارته ، إلى أن وصل إلى بيروت ، فتلقاه واليها عز الدين أسامة (٣) وقدم للسلطان ولأركان دولته الهدايا والتحف النفيسة.

وصول الإبرنس صاحب أنطاكية (٤)

لما أراد السلطان الرحيل من بيروت في يوم السبت الحادي والعشرين من شوال قيل له : إن الإبرنس الأنطاكي قد وصل إلى الخدمة. فأقام السلطان وأذن للإبرنس في الدخول عليه فلما تمثل لديه أكرمه وأظهر له (٥) البشاشة وسكن روعه ، وكان معه من مقدمي فرسانه أربعة عشر باروشا (٦). فخلع عليه وعليهم وأجزل لهم العطاء ، وودعه يوم الأحد وفارقه وهو مسرور محبور.

وصول السلطان إلى دمشق (٧)

لما خرج السلطان من بيروت يوم الأحد بات بالمخيم على البقاع ، ثم سار ووصل إليه أعيان دمشق لتلقيه (٨) ، وجاءه فواكه دمشق وأطايبها ، وأصبح يوم الأربعاء فدخل دمشق لخمس بقين من شوال سنة ٥٨٨ ه‍ (٩)(١٠) ، وزينت البلد

__________________

(١) تبنين : بلدة بين دمشق وصور ، ينظر : البغدادي ، مراصد ١ / ٢٥٣.

(٢) عين الذهب : تقع على مسيرة كيلومتر واحد للشمال من قرية الخالصة شمالي فلسطين ، ينظر : الدباغ ٦ / ٥٢ ؛ جبر ١٧٤.

(٣) أسامة بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الكلبي الشيزري ، أبو المظفر ، مؤيد الدولة ، من أكابر بني منقذ ومن العلماء الشجعان ، له كتاب الاعتبار ، توفي سنة ٦١٣ ه‍ / ١٢١٦ م ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ٦٣ ؛ ابن خلكان ١ / ١٩٥ ـ ١٩٩ ؛ الجابي ٩٣.

(٤) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٢٢ ؛ ابن شداد ٢٢٨.

(٥) له أ ج د ه : ـ ب.

(٦) باروشا أ ب : بارونيا ج ه : بردوينا د.

(٧) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٢٢ ؛ ابن شداد ٢٢٩ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٢٠٧ ؛ أبو الفداء ، المختصر ٣ / ٨٣ ؛ ابن الوردي ٢ / ١٥٩ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٢٤ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٤٦.

(٨) لتلقيه أ ج د : لتلاقيه ب : ـ ه.

(٩) سنة ٥٨٨ أ ج ه : سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ب : سنة خمسمائة وثمان وثمانين د.

(١٠) ٥٨٨ ه‍ / ١١٩٢ م.


وخرج كل من بالمدينة (١) ، وفرح الناس به ، وكانت غيبة السلطان عن دمشق أربع سنين في الجهاد ، فحصل لهم الفرح والسرور ، وكان يوما مشهودا لدخوله.

وجلس السلطان في دار العدل ونظر في أحوال الرعية وأزال المظالم ، وأقام بهاء الدين قراقوش إلى أن خلص أصحابه من الأسر ، ثم توجه إلى مصر ، واطمأن الناس في أوطانهم ، وخرجت السنة والأمر على ذلك.

ودخلت سنة ٥٨٩ ه‍ (٢)(٣) والسلطان مقيم بدمشق في داره ورسل الأمصار واردون عليه وهو يجلس في كل يوم وليلة بين أخصائه ويجالسه العلماء والفضلاء والظرفاء والأدباء ، وسار إلى الصيد شرقي دمشق وصحبته الملك العادل ، ثم عاد يوم الاثنين حادي عشر صفر ووافق عود الحاج الشامي ، فخرج لتلقيه ، فلما رآه فاضت عيناه لفوات الحج ، وسألهم عن أحوال مكة وأميرها وسر بسلامة الحاج ، ووصل إليه من اليمن ولد أخيه سيف الإسلام (٤) فتلقاه وأكرمه ، وتوجه الملك العادل إلى الكرك.

ذكر وفاة السلطان رحمة الله عليه (٥)

جلس ليلة السبت سادس عشر صفر في مجلسه على عادته وحوله خواصه منهم العماد الكاتب حتى مضى من الليل ثلثه وهو يحدثهم ويحدثونه ، ثم صلى وانصرفوا. فلما بات لحقه كسل عظيم وغشيه نصف الليل حمى صفراوية ، وأصبحوا يوم السبت وجلسوا في الإيوان لانتظاره ، فخرج بعض الخدام (٦) ، وأمر الملك الأفضل أن يجلس موضعه على السماط وتطير الناس من تلك الحال ودخلوا إليه ليلة الأحد لعيادته.

وأخذ المرض في التزايد وحدث به في السابع رعشة وغاب ذهنه ، واشتد الإرجاف في البلد ، / / وغشي الناس من الحزن والبكاء عليه ما لا يمكن شرحه واشتد به المرض ليلة الثاني عشر من مرضه فتوفي ، رحمه الله تعالى ، صبح تلك الليلة وهي المسفرة عن نهار الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة ٥٨٩ ه‍ (٧) بعد

__________________

(١) من بالمدينة أ ب ج : من في المدينة ب د.

(٢) ٥٨٩ ه‍ / ١١٩٣ م.

(٣) سنة ٥٨٩ أ ج ه : سنة تسع وثمانين وخمسمائة ب د.

(٤) ينظر : أبو شامة ، الذيل ٨٦ ؛ اليافعي ٣ / ٤٩٤ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ٦٨.

(٥) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

(٦) الخدام أ ب ج د : الخدم ه.

(٧) سنة ٥٨٩ أ ه : سنة تسع وثمانين وخمسمائة ب ج د.


صلاة الصبح وغسله الفقيه ضياء الدين أبو القاسم عبد الملك بن يزيد الدولعي (١)(٢) الشافعي ، خطيب جامع دمشق ، وأخرج بعد صلاة الظهر من نهار الأربعاء في تابوت مسجى بثوبه (٣) ، وجميع ما احتاج إليه في تكفينه أحضره القاضي الفاضل من جهة حل عرفة ، وصلى عليه الناس ، وكثر عليه التأسف من الخلق واشتد حزنهم لفراقه ، ودفن في قلعة دمشق في الدار التي كان مريضا فيها ، وكان نزوله إلى قبره وقت صلاة العصر.

وكان يوم موته لم يصب الإسلام بمثله منذ فقد الخلفاء الراشدين ، رضي‌الله‌عنهم ، وغشي القلعة والدنيا وحشة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى. قال العماد الكاتب : مات بموت السلطان رجاء الرجال ، وفات بفواته الاتصال ، وغاصت الأيادي ، وفاضت الأعادي ، وانقطعت الأرزاق ، وادلهمت الآفاق ، وفجع (٤) الزمان بواحده وسلطانه ، ورزىء الإسلام بمشيد أركانه (٥). وأرسل الملك الأفضل الكتب بوفاة (٦) والده إلى أخيه العزيز عثمان بمصر وإلى أخيه الظاهر غازي (٧) بحلب وإلى عمه الملك العادل بالكرك.

ثم إن الملك الأفضل عمل لوالده تربة قرب الجامع (٨) الأموي ، وكانت دارا لرجل صالح ـ ونقل إليها السلطان يوم عاشوراء ، سنة ٥٩٢ ه‍ (٩)(١٠) ، ومشى الأفضل بين يديه تابوته وأخرج من باب القلعة على دار الحديث إلى باب البريد ، وإدخل إلى الجامع ووضع قدام الستر ، وصلى عليه القاضي محي الدين بن القاضي زكي الدين بالجامع الأموي ، ثم دفن وجلس ابنه الملك الأفضل في الجامع ثلاثة أيام للعزاء.

__________________

(١) ضياء الدين أبو القاسم بن زيد ... الدولعي الشافعي ، خطيب جامع دمشق ، توفي سنة ٥٩٨ ه‍ / ١٢٠١ م ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ٣١ ؛ ابن خلكان ٧ / ٢٠٣ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ٣٣ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ١٦٢ ؛ ابن العماد ٣٣٦.

(٢) الدولعي أ ب ج د : الدولقي ابن خلكان.

(٣) بثوبه أ : بثوب ب ج د ه / / ما احتاج إليه ب ج د ه : احتياجه أ.

(٤) وفجع أ ج د ه : فجع ب.

(٥) ينظر : الأصفهاني ، الفتح ٦٢٨.

(٦) الكتب بوفاة والده إلى أخيه أ ب ج د : ـ ه.

(٧) الظاهر غازي أ ج د ه : الظاهر الغازي ب.

(٨) قرب الجامع أ : بالقرب من الجامع ب ج د ه.

(٩) سنة ٥٩٢ أ ه : اثنتين وتسعين وخمسمائة ب ج د.

(١٠) ٥٩٢ ه‍ / ١١٩٥ م.


وأنفقت ست الشام بنت أيوب (١) أخت السلطان في هذه النوبة أموالا عظيمة ، وكان عمر السلطان حين وفاته قريبا من سبع وخمسين سنة لأن مولده بتكريت (٢) في شهور سنة ٥٣٢ ه‍ (٣)(٤) ، لما كان أبوه وعمه بها ، وكان خروجهم منها في الليلة التي ولد فيها فتشاءموا به وتطيروا منه ، فقال بعضهم : لعل فيه الخيرة وما تعلمون ، فكان كما قال.

واتفق أهل التاريخ على أن أباه وأهله من دوين (٥) ، بضم الدال المهملة وكسر الواو وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون ، وهي بلدة في آخر عمل أذربيجان وأنهم أكراد روادية ، ولم يزل صلاح تحت كنف أبيه حتى ترعرع ، ولما ملك نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي دمشق لازم نجم الدين أيوب خدمته وكذلك ولده الملك صلاح الدين ، ولم يزل مخائل السعادة عليه لائحة ، والنجابة له ملازمة تقدمه من حاله إلى حالة ، ونور الدين يرى له ويؤثره ، ومنه تعلم صلاح الدين طريق الخير (٦) وفعل المعروف والجهاد إلى أن كان من تقدير الله ما سبق شرحه من أمر سلطنته وسيرته.

وكانت مدة ملكه للديار المصرية نحو أربع (٧) وعشرين سنة ، وملك الشام قريبا من سبع عشرة سنة ، وهو أول الملوك بالديار المصرية بعد انقراض الدولة الفاطمية ، وقال (٨) العيني (٩) : وهو أول من لقب بالسلطان والذي يظهر : أن مراده

__________________

(١) ست الشام بنت أيوب بن شادي ، أخت الملوك وعمة أولادهم وأم الملوك ، من أكثر الناس صدقة وإحسانا إلى الفقراء والمحاويج ، توفي سنة ٦١٦ ه‍ / ٢١٩ م ؛ ينظر : أبو شامة ، الذيل ١١٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ٨٤ ـ ٨٥ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢١٨ ـ ٢١٩.

(٢) تكريت : بلدة بين بغداد والموصل ، بينها وبين بغداد ثلاثون فرسخا غربي دجلة ، لها قلعة حصينة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٨٩ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٢٦٨.

(٣) سنة ٥٣٢ أ ه : سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة ب ج د / / أبوه وعمه أ ج د ه : عمه وأبوه ب.

(٤) ٥٣٢ ه‍ / ١١٣٧ م.

(٥) دوين : بلدة من نواحي إيران ، في آخر حدود أذربيجان بقرب تفليس ، وإليها ينسب ملوك بني أيوب ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٣٩٨ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٢٦٨.

(٦) طريق الخير أ ج د ه : ـ ب.

(٧) أربع ب : أربعة أ ج د ه.

(٨) وقال أ ج د ه : قال ب.

(٩) بدر الدين أبو الثناء العيني : عمدة المؤرخين في زمنه ، ولد في سنة ٧٦٢ ه‍ / ١٣١٨ م ، برع في الفقه والتاريخ ، ومن مصنفاته : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان ، وكان أحد أوعية العلم ؛ توفي سنة ٨٥٥ ه‍ / ١٤٥١ م ، ينظر : ابن تغري بردي ، حوادث ٢ / ٣٥٤ ؛ السخاوي ١٠ / ١٢٨ ـ ١٢٩ ؛ ابن العماد ٧ / ٢٨٨ ؛ البغدادي ، هدية ٦ / ٣٢٧.


أول من لقب بالسلطان ، من ملوك مصر ، والله أعلم ، فإني رأيت في التواريخ من لقب بالسلطان من ملوك العراق (١) قبل الملك صلاح الدين.

وخلف سبعة عشر ولدا ذكرا وابنة صغيرة ، ولم يخلف في خزائنه سوى دينار واحد وستة وثلاثين درهما ناصرية. وهذا من رجل له الديار المصرية والشام وبلاد المشرق واليمن دليل قاطع على فرط كرمه. ولم يخلف دارا ولا عقار ولم يكن له فرس يركبه إلا وهو موهوب أو موعود ، وكانت مجالسه منزهة عن الهزء (٢) والهزل ، ولم يؤخر صلاة عن وقتها ولا صلى إلا جماعة ، وكان شافعي المذهب ، يكثر من سماع الحديث النبوي ، وقرأ مختصرا في الفقه تصنيف سليم الرازي (٣) ، وكان إذا عزم على أمر توكل على الله ، وكان حسن الخلق صبورا على ما يكره كثير التغافل عن ذنوب أصحابه ، يسمع من أحدهم ما يكره ولا يعلمه بذلك ولا يتغير عليه ، وكان يوما جالسا فرمى بعض المماليك بعضا بسرموزة (٤) فأخطأته ، ووصلت إلى السلطان فأخطأته ، ووقعت بالقرب منه ، فالتفت إلى الجهة الأخرى ليتغافل عنها ، وكان طاهر المجلس فلا يذكر أحد في مجلسه إلا بالخير ، وطاهر اللسان فلا يولع بشتم قط. / / وقد أخبرت أن الدعاء عند قبره مستجاب ، وكذلك عند قبر الملك العادل نور الدين الشهيد ، رحمة الله عليهما.

وقد رثى الملك صلاح الدين الشعراء وأكثروا فيه ومن أحسن المراثي مرثية العماد الكاتب وهي ٢٣٢ (٥) بيتا منها (٦) :

شمل الهدى والملك عم شتاته

والدهر ساء وأقلعت حسناته

بالله أين الذي ما زال سلطانا لنا

يرجى نداه وتتقى سطواته

أغلال أعناق العدى أسيافه

أطواق أجياد الورى مناته (٧)

من في الجهاد صفاحه ما أغمدت

بالنصر حتى أغمدت صفحاته

__________________

(١) بالسلطان من ملوك العراق أ ب ج د : ـ ه.

(٢) الهزء أ ج د ه : الهزؤ ب.

(٣) أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي ، تفقه على الشيخ أبي حامد الإسفرائيني ، وكان فقيها أصوليا ، سكن الشام وتفقه عليه أهله ، وله مصنفات كثيرة ، مات سنة ٤٤٩ ه‍ / ١٠٥٧ م ، ينظر : الشيرازي ١٣٩ ؛ ابن خلكان ٢ / ٣٩٧ ـ ٣٩٨ ؛ اليافعي ٣ / ٦٤ ؛ السبكي ٣ / ١٦٨ ؛ البغدادي ، هدية ٥ / ٣٢٥.

(٤) سرموزة : السرموجة : نوع من الأحذية يعرف عند العامة بالسرماية أو الصرماية ، فارسية معربة ، ينظر : الحسيني ٤٤٩.

(٥) ٢٣٢ بيتا أ : مائتان واثنان وثلاثون بيتا ب ج د ه / / منها أ ه : ب ج د.

(٦) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٢١٥.

(٧) أطواق أبو شامة ب ج د ه : أطياق أ.


من في صدور الكفر صدر قناته

حتى توارت بالصفاح قناته

ألف المتاعب في الجهاد فلم يكن

قد عاش قط لذاته لذاته

مسعودة غدواته محمودة

روحاته ميمونة ضحواته (١)

في نصرة الإسلام يسهر دائما

ليطول في روض الجنان سناته

لا تحسبوه مات شخص واحد

فمات كل العالمين مماته

ملك عن الإسلام كان محاميا

أبدا إلى أن أسلمته حماته

قد أظلمت مذ غاب عنها نوره

لما خلت من بدره داراته

دفن السماح فليس ينشر بعدما

وروي إلى النشور رفاته

الدين بعد أبي المظفر يوسف

أقوت قواه وأقفرت ساحاته

بحر خلا من وارديه ولم تزل

محفوفة بوفوده حفاته

من لليتامى والأرامل راحم

متعطف مفضوضة صدقاته

فعلى صلاح الدين يوسف دائما

رضوان رب العرش بل صلواته

من للثغور وقد عداها حفظه

من للجهاد ولم تعد عاداته

بكت الصوارم والصواهل إذ

خلت من سبلها وركوبها غزواته (٢)

يا وحشة الإسلام يوم تمكنت

في كل قلب مؤمن روعاته

ما كان أسرع عصره لما انقضى

فكأنما سنواته ساعاته (٣)

لم أنس يوم السبت وهو لما به

يبدي السبات وقد بدت غشياته

والبشر منه تبلجت أنواره

والوجه منه تلألأت سبحاته

وتقول لله المهيمن حكمة

في مرضه حصلت بها مرضاته

هذي مناشير الممالك تقتضي

توقيعه فيها فأين دواته (٤)

قد عاد زرعك في الربيع بجمعها

هذا الربيع وقد ناب ميقاته

والجند في الديوان جدد عرضه

وإذا أمرت تجددت نفقاته

والقدس طامحة إليك عيونه

عجل فقد طمعت إليه عداته

والغرب منتظر طلوعك نحوه

حتى تفيء إلى هداك بغاته

والشرق يرجو عن عزمك راضيا

في ملكه حتى تطيع عصاته

مغري بإسداء الجميل كأنما

فرضت عليه كالصلاة صلاته

__________________

(١) غدواته أبو شامة أ ب د : غزواته ه : ـ ج. (٢) سبلها أبو شامة أ د : سلها ب : سهلها ه : ـ ج.

(٣) عصره لما أ ب د : ـ ج ه. (٤) الممابك ب د ه : الملك أ : ـ ج.


هل للملوك مضاؤه في موقف

شدت على أعدائه شداته

كم جاءه التوفيق في وقعاته

من كان بالتوفيق توقيعاته

يا راغبا في الدين حين تمكنت منه

منه الذئاب وأسلمته رعاته

فارقت ملكا غير باق متعبا

ووصلت ملكا باقيا راحاته

ابني صلاح الدين إن أباكم

ما زال يأبى ما الكرام أباته

لا تقتدوا إلا بسنة فضله

ليطيب في مهد النعيم سباته (١)

وردوا موارد عدله وسماحه

لترد عن نهج الشمات شماته (٢)

ذكر ما استقر عليه الحال بعد وفاة الملك صلاح الدين

تغمده الله برحمته (٣)

واستقر في الملك بدمشق وبلادها المنسوبة إليها الملك الأفضل نور الدين أبو الحسن علي أكبر أولاده بعهد من أبيه.

وبالديار المصرية الملك العزيز (٤) عماد الدين أبو الفتح عثمان. وبحلب الملك الظاهر (٥) غياث الدين أبو الفتح غازي. وبالكرك والشوبك والبلاد الشرقية الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب أخو السلطان.

وبحماة وسلمية (٦) والمعرة ومنبج الملك المنصور (٧) ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب. وببعلبك الملك الأمجد مجد

__________________

(١) سباته ب د ه : سناته أ : ـ ج.

(٢) موارد ب د ه : وارد أ : ـ ج.

(٣) ينظر : ابن الأثير ٩ / ٢٢٦ ـ ٢٢٩ ؛ أبو شامة ، الروضتين ٢ / ٢٢٤ ـ ٢٣٤ ؛ أبو الفداء ، المختصر ٣ / ٨٧ ـ ٩٥ ؛ ابن الوردي ٢ / ١٦٢ ـ ١٦٣ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

(٤) ينظر : أخبار العزيز ، أبو شامة ، الذيل ١٦ ؛ ابن خلكان ٣ / ٢٥١ ؛ ابن واصل ٣ / ٨٢ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٨ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٢٨ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ١٠٩ ؛ النعيمي ١ / ٣٧٨ ؛ ابن العماد ٤ / ٣١٩.

(٥) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٣١٢ ؛ أبو شامة ، الذيل ٩٤ ؛ ابن خلكان ٤ / ٦ ـ ١٠ ؛ اليافعي ٤ / ٢٧ ؛ ابن كثير ١٣ / ٧١ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٢٠٤ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ١٩٢ ؛ النعيمي ١ / ٣٤٢ ؛ ابن العماد ٥ / ٥٥ ـ ٥٦.

(٦) سلمية : بليدة قرب حماة ، وهو حصن صغير عامر وآهل ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٦٥ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٧٣١ ؛ الحميري ٣٢٠.

(٧) ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٢٤ ؛ أبو الفداء ، المختصر ٣ / ١٢٥ ؛ ابن كثير ، البداية ٣ / ٩٣ ؛ ابن الوردي ٢ / ١٣٩ ؛ الكتبي ٢ / ٣٥٢ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٢٤ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢٢١ ؛ ابن العماد ٥ / ٧٧ ـ ٧٨.


الدين بهرام شاه ابن فرخ شاه ابن شاهنشاه بن أيوب.

وبحمص والرحبة (١) وتدمر (٢) الملك المجاهد شيركوه بن محمد شيركوه بن شادي ، وبيد الملك الظافر خضر ابن السلطان صلاح الدين بصرى وهو في خدمة أخيه الملك الأفضل. وبيد الملك الزاهر مجير الدين داود بن السلطان صلاح الدين البيرة وأعمالها.

واستقر إقليم اليمن للملك ظهير الدين سيف الإسلام طغتكين (٣) بن أيوب أخي السلطان. ولم يزل الملك الأفضل بالشام والملك العزيز بمصر إلى أن وقع الخلف بينهما وجرى بينهما وقائع شرحها يطول (٤) //.

ثم في سنة ٥٩٢ ه‍ (٥)(٦) ، اتفق العادل وابن أخيه الملك العزيز على أن يأخذا دمشق وأن يسلمها العزيز إلى العادل لتكون الخطبة والسكة للعزيز كسائر البلاد كما كانت لأبيه.

فخرجا وسارا من مصر إلى دمشق وأخذاها في ضحى (٧) يوم الأربعاء السادس والعشرين من رجب من هذه السنة. وكان الملك الظافر خضر صاحب بصرى مع أخيه الملك الأفضل معاضدا له ، فأخذت منه بصرى ، فلحق بأخيه الملك الظاهر ، فأقام عنده بحلب ، وأعطي الملك الأفضل صرخد (٨) فسار إليها بأهله واستوطنها.

وسلم العزيز لعمه العادل على حكم ما وقع عليه الاتفاق ، ورحل العزيز من دمشق يوم الاثنين تاسع شعبان.

فكانت مدة الأفضل بدمشق ثلاث سنين وأشهرا ، وكانت ولادته يوم الفطر وقت العصر سنة ٥٦٥ ه‍ (٩)(١٠) ، بالقاهرة ووالده يومئذ وزير المصريين ، وتوفي في

__________________

(١) الرحبة : قرية قرب دمشق وهي أحد الثغور الإسلامية ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ١ ـ ٣ / ٤٠١.

(٢) والرحبة وتدمر .. ابن شادي ب ج د : أ ه.

(٣) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ١٣٨ ؛ أبو شامة ، الذيل ١١ ؛ ابن خلكان ٢ / ٥٢٣ ـ ٥٢٥.

(٤) وجرى بينهما وقائع شرحها يطول أ ه : وجرى بينهما وقائع يطول شرحها ب : ـ ج د.

(٥) سنة ٥٩٢ أ ج ه : سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة ب : ـ ج.

(٦) ٥٩٢ ه‍ / ١١٩٥ م.

(٧) في ضحى أ : ـ ب ج د ه ـ.

(٨) صرخد : قلعة ملاصقة لبلد حوران ، حصينة وولاية حسنة واسعة ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٥٩ ؛ ياقوت ، معجم البلدان ٣ / ٤٠١ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٨٣٨.

(٩) ٥٦٥ أ ه : سنة خمس وستين وخمسمائة ب : ـ ج.

(١٠) ٥٦٥ ه‍ / ١١٦٩ م.


صفر سنة ٦٦٢ ه‍ (١)(٢) فجأة بسميساط (٣) ، ونقل إلى حلب ودفن بتربته بظاهرها.

وأما العزيز عثمان فاستقر بمصر وفي أيامه في شهور سنة ٥٩٣ ه‍ (٤)(٥) وصل جمع عظيم من الفرنج إلى الساحل واستولوا على قلعة بيروت ، وسار الملك العادل ونزل بتل العجول (٦) وأتته النجدة من مصر ووصل إليه سنقر الكبير (٧) صاحب القدس وميمون القصري (٨) صاحب بلبيس ، ثم سار الملك العادل إلى يافا وهجمها بالسيف وملكها وقتل الرجال المقاتلة وكان هذا الفتح ثالث فتح لها.

ونازلت الفرنج تبنين فأرسل الملك العادل إلى الملك العزيز صاحب مصر ، فسار بنفسه بمن معه من عساكر مصر ، فاجتمع بعمه الملك العادل على تبنين ، فرحل الفرنج على أعقابهم إلى صور ، وعاد العزيز إلى مصر ، وترك غالب العسكر مع العادل ، وجعل إليه أمر الجزية والصلح.

ومات في هذه المدة سنقر الكبير فجعل الملك العادل أمر القدس إلى صارم الدين قطلو مملوك عز الدين فروخشاه (٩) بن شاهنشاه بن أيوب.

وتوفي الملك العزيز صاحب مصر في ليلة الأربعاء الحادي (١٠) والعشرين من المحرم سنة ٥٩٥ ه‍ (١١)(١٢) ، وكانت مدة ملكه ست سنين إلا شهرا ، وكان عمره سبعا وعشرين سنة وأشهرا ، وكان حسن السيرة رحمه الله.

ثم استقر بعده في السلطنة ولده الملك المنصور محمد (١٣) ، وعمره ٩ (١٤)

__________________

(١) سنة ٦٢٢ أ ه : اثنتين وعشرين وستمائة ب : سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة د : ـ ج.

(٢) ٦٢٢ ه‍ / ١٢٢٥ م.

(٣) سميساط : مدينة على شاطىء الفرات ولها قلعة وفي شق منها يسكنها الأرمن ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٣ / ٢٩٣ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٢٦٦ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٧٤١ ؛ الحميري ٣٣٢.

(٤) سنة ٥٩٣ أ ج ه : سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة د : ـ ج.

(٥) ٥٩٣ ه‍ / ١١٩٦ م.

(٦) تل العجول : تل أثري جنوب غزة على مسافة ٧ كم ، وربما كان موقع غزة القديم ، ينظر : شراب ٢٣٢.

(٧) ينظر : أبو شامة ، الذيل ٦٦.

(٨) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٢٤٤.

(٩) فروخشاه أ ج د ه : فرخشاه ب.

(١٠) الحادي أ ج د : الحادية ب ه.

(١١) سنة ٥٩٥ أ ج ه : سنة خمس وتسعين وخمسمائة ب د.

(١٢) ٥٩٥ ه‍ / ١١٩٨ م.

(١٣) ينظر : ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٨ ـ ١٩ ؛ ابن واصل ٣ / ٨٧ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ١٣١ ـ ١٤٣.

(١٤) ٩ أ : تسع ب ج د ه.


سنين. فتشاور الأمراء واتفقوا على إحضار الملك الأفضل من صرخد ليقوم بالملك.

فسار محثا ووصل إلى مصر على أنه أتابك (١)(٢) المنصور. فخرج المنصور للقائه ، فترجل له الأفضل ودخل بين يديه إلى دار الوزارة ، وكانت مقر السلطنة.

ثم برز الأفضل من مصر وسار إلى الشام ليأخذها ، لاشتغال عمه الملك العادل بحصار ماردين ، فبلغ العادل ذلك فسار إلى دمشق ، ودخلها قبل نزول الأفضل عليها ، وحصل بينهما قتال. ثم سار الأفضل إلى مصر ، فخرج الملك العادل في أثره ، فخرج إليه الأفضل واقتتلا فانكسر الأفضل وانهزم إلى القاهرة. ونازل (٣) العادل القاهرة وتسلمها ، ودخل إليها في الحادي والعشرين من ربيع الآخر سنة ٥٩٦ ه‍ (٤)(٥).

ثم سار الأفضل إلى صرخد ، وأقام العادل بمصر على أنه أتابك الملك المنصور محمد بن العزيز عثمان مدة يسيرة ، ثم أزال الملك المنصور ، واستقر (٦) الملك العادل في السلطنة ، وخطب له بالقاهرة ومصر يوم الجمعة الحادي والعشرين من شوال سنة ٥٩٦ ه‍ (٧) ، وخطب له ابن أخيه الملك الظاهر بحلب وضرب السكة باسمه وانتظمت المماليك الشامية والشرقية والديار المصرية كلها في سلك ملكه ، وخطب له على منابرها.

وفي الشهر الذي دخل فيه العادل للقاهرة (٨) توفي القاضي الفاضل أبو علي عبد الرحيم بن القاضي الأشرف بهاء الدين أبي المجد علي اللخمي العسقلاني الشافعي ، الملقب مجير الدين ، وزير السلطان صلاح الدين ، وكان إماما في صناعة الإنشاء (٩) وسيرته مشهورة ، وكانت وفاته في ليلة الأربعاء سابع عشر ، وقيل : سادس ربيع الآخر سنة ٥٩٦ ه‍ (١٠) بالقاهرة فجأة ، ودفن بتربته بسفح المقطم في

__________________

(١) أتابك أ ج د : + ملك ب : ـ ه.

(٢) أتابك : أطابك : لقب تركي من أتا ، بمعنى والد ، وبك بمعنى أمير من طبقة مختارة ، ويطلق أيضا على القائد العام ، ينظر : القلقشندي ، صبح ٤ / ١٨.

(٣) ونازل أ د : ونزل ب : ـ ج.

(٤) سنة ٥٩٦ أ ه : سنة ست وتسعين وخمسمائة ب د : ـ ج.

(٥) سنة ٥٩٦ ه‍ / ١١٩٩.

(٦) واستقر ب د ه : واستقل أ : ـ ج.

(٧) سنة ٥٩٦ أ ه : سنة ست وتسعين وخمسمائة ب د : ـ ج.

(٨) للقاهرة أ د ه : القاهرة ب : ـ ج.

(٩) الإنشاء ب د ه : ـ أ ج.

(١٠) سنة ٥٩٦ أ ه : سنة ست وتسعين وخمسمائة ب د : ـ ج.


القرافة الصغرى ، رحمه الله ، وله نحو سبعين سنة. وأرخ السبكي مولده في منتصف / / جمادى الآخرة سنة ٥٢٩ ه‍ (١).

وتوفي العماد الكاتب هو أبو عبد الله محمد بن صفي الدين الأصفهاني الشافعي الذي كان في خدمة الملك صلاح الدين ، له (الفتح القسي في الفتح القدسي) كله رجز مسجع ، وهو من كتب الدنيا لما فيه من البلاغة والصناعة ، ووفاته في ثاني جمادى الآخرة ، وقيل : في شعبان سنة ٥٩٧ ه‍ (٢)(٣).

وأرخ السبكي (٤)(٥) مولده في ثاني جمادى الآخرة سنة ٥٤٠ ه‍ ، ثم وفاته في مستهل رمضان سنة ٥٩٧ ه‍ ، وكان بينه وبين القاضي الفاضل مكاتبات ومحاورات لطيفة فمن ذلك ما يحكى عنه : أنه لقيه يوما وهو راكب على فرس فقال له العماد : سر فلا كبا بك الفرس ، فقال له الفاضل : دام علا العماد. وهذا مما يقرأ مقلوبا ومستقيما بالسواء ، وكانت وفاته العماد بدمشق ، ودفن بمقابر الصوفية ، رحمه الله.

وفي سنة ٦٠٠ ه‍ (٦)(٧) كان الملك العادل بدمشق ، واجتمع الفرنج لقصد بيت المقدس ، فخرج السلطان الملك العادل من دمشق وجمع العساكر ونزل على الطور (٨) في قبالة الفرنج بالقرب من نابلس ، ودام ذلك إلى آخر السنة.

ثم دخلت سنة ٦٠١ (٩)(١٠) ، فيها كانت الهدنة بين الملك العادل والفرنج ، وسلم إلى الفرنج يافا ، ونزل عن مناصفة لد والرملة ، ثم سار إلى مصر.

ثم في سنة ٦٠٣ ه‍ (١١) سار الملك العادل من مصر إلى الشام ، ونازل في طريقه عكا ، وصالحه (١٢) أهلها على إطلاق جميع من بها من الأسرى ، ثم سار إلى

__________________

(١) سنة ٥٢٩ أ ه : سنة تسع وعشرين وخمسمائة ب : ـ ج د.

(٢) ٥٩٧ ه‍ أ د ه : + وله نحو تسعين سنة ب : ـ ج.

(٣) ٥٩٧ ه‍ / ١٢٠٠ م.

(٤) وأرخ السبكي ... رمضان سنة ٥٩٧ أ ه : ـ ب ج د.

(٥) ينظر : السبكي ٤ / ٢٥٣.

(٦) سنة ٦٠٠ أ ه : وفي سنة ستمائة ب د : ـ ج.

(٧) ٦٠٠ ه‍ / ١٢٠٣ م.

(٨) الطور : الجبل الذي يشرف على نابلس أو هو جبل بعينه يطل على طبرية بالأردن ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٤ / ٥٣.

(٩) ٦٠١ ه‍ / ١٢٠٤ م.

(١٠) ٦٠١ أ ه : إحدى وستمائة ب ج د.

(١١) ٦٠٣ ه‍ / ١٢٠٦ م.

(١٢) وصالحة أ ه : فصالحة ب ج د / / من بها من الأسرى أ ب ج : ما فيها من الأسارى د ه.


طرابلس وحصرها ورحل عنها.

ثم في سنة ٦٠٤ ه‍ (١)(٢) وقعت الهدنة بينه وبين صاحب طرابلس وعاد العادل إلى دمشق.

ولما كان (٣) بتاريخ ٦١٤ ه‍ والملك العادل بالديار المصرية اجتمع الفرنج من داخل البحر ووصلوا إلى عكا في جمع عظيم ، فلما بلغ الملك العادل ذلك خرج بعساكر مصر وسار حتى نزل على نابلس ، فسار الفرنج إليه ولم يكن معه من العسكر (٤) ما يقدر به على ملتقاهم ، فلندفع قدامهم فأغاروا على بلاد المسلمين ووصلت غارتهم إلى نوى (٥) من بلد السواد ، ونهبوا ما بين بيسان ونابلس ، ومشوا سراياهم فقتلوا وأسروا وغنموا من المسلمين ما يفوق الحصر وعادوا إلى مرج عكا ، وكان مدة هذا النهب ما بين منتصف رمضان وعيد الفطر ، وانقضت السنة والفرنج بجموعهم في عكا.

ثم دخلت سنة ٦١٥ ه‍ (٦)(٧) والملك العادل بمرج الصفر (٨) وجموع الفرنج بمرج عكا ، ثم ساروا منها إلى الديار المصرية ونزلوا على دمياط.

وسار الملك الكامل بن العادل من مصر ونزل قبالهم واستمر الحال على ذلك أربعة أشهر ، وأرسل العادل العسكر الذي عنده إلى ابنه الملك الكامل ، فلما اجتمعت العساكر أخذ في قتال الفرنج ودفعهم عن دمياط.

ثم رحل الملك العادل من مرج الصفر إلى عالقين ـ قرية ظاهر دمشق ـ فنزل بها ومرض واشتد مرضه ، وتوفي بها (٩) رحمه الله عليه في سابع جمادى الآخرة سنة ٦١٥ ه‍ (١٠) ، وكان مولده سنة ٥٤٠ ه‍ (١١) ، وكان عمره ٧٥ سنة (١٢) ، وكانت مدة

__________________

(١) ٦٠٤ ه‍ / ١٢٠٧ م.

(٢) سنة ٦٠٤ أ ه : سنة أربع وستمائة ب ج د.

(٣) ولما كان ... واشتد مرضه أ ب : ـ ج د ه.

(٤) العسكر أ : العساكر ب : ـ ج د ه.

(٥) نوى : بليدة من أعمال حوران ، وقيل : هي قصبتها ، بينها وبين دمشق منزلان ، وهي منزل أيوب ، عليه‌السلام ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٥ / ٣٥٣.

(٦) سنة ٦١٥ أ : سنة خمس عشرة وستمائة ب : ـ ج د ه.

(٧) ٦١٥ ه‍ / ١٢١٨ م.

(٨) مرج الصفر : مرج من نواحي دمشق ؛ ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٥ / ١١٩.

(٩) وتوفي بها أ ه : وتوفي هناك ب د : ـ ج / / رحمة الله عليه أ ه : رحمه الله ب د : ـ ج.

(١٠) سنة ٦١٥ أ ه : سنة خمس عشرة وستمائة ب د : ـ ج / / سنة ٥٤٠ أ ه : سنة أربعين وخمسمائة ب : ـ ج د / / وكان عمره أ ه : فكان عمره ب : ـ ج د.

(١١) ٥٤٠ ه‍ / ١١٤٥ م.

(١٢) ٧٥ سنة أ ه : خمسا وسبعون سنة ب د : ـ ج.


ملكه لدمشق ثلاثا وعشرين سنة ، ولمصر نحو تسع عشرة سنة ، وكان رحمة الله عليه حازما مستيقظا ، غزير العقل سديد الاراء ذا مكر وخديعة حليما صبورا ، وأتته السعادة واتسع ملكه وكثرت أولاده وخلف ستة عشر ولدا ذكرا غير البنات ، ولم يكن عنده حاضر أحد من أولاده ، فحضر إليه ابنه الملك المعظم عيسى ، وكان بنابلس فكتم موته وأخذه ميتا في محفة وعاد به إلى دمشق واحتوى على جميع ما كان مع أبيه من الجواهر والسلاح ، فلما وصل إلى دمشق حلف الناس وأظهر موت أبيه ، وكتب إلى الملوك من إخوته وغيرهم يخبرهم بموته.

واستقر بعده في السلطنة بالديار المصرية ولده الملك الكامل (١) أبو المعالي محمد واستقر في الشام أخوه الملك المعظم عيسى بن الملك العادل أبي بكر وكانت مملكته من حدود بلد حمص إلى العريش يدخل في مملكته بلاد السواحل الإسلامية وبلاد الغور وفلسطين والقدس والكرك والشوبك وصرخد وغير ذلك.

تخريب أسوار بيت المقدس (٢)

لما توفي الملك العادل عاد الفرنج لجهة القاهرة وملكوا دمياط وهجموها في عاشر رمضان سنة ٦١٦ ه‍ (٣) ، وأسروا من بها وجعلوا الجامع كنيسة ، واشتد طمعهم في الديار المصرية.

فلما رأى الملك المعظم عيسى ذلك ، خشي أن يقصدوا القدس فلا يقدر على منعهم ، فأرسل الحجارين والنقابين ، وشرعوا في تخريبه في سنة ٦١٦ ه‍ (٤) ، فخرب أسواره ، وكانت قد حصنت إلى الغاية.

وانتقل منه عالم عظيم ، / / وهرب أهله منه خوفا من الفرنج أن يهجم عليهم ليلا ونهارا ، وتركوا أموالهم وأثقالهم وتمزقوا في البلاد كل ممزق ، حتى قيل : إنه

__________________

(١) الملك الكامل محمد بن أيوب : ولد سنة ٥٧٦ ه‍ / ١١٨٠ م ، مات بدمشق سنة ٦٣٥ ه‍ / ١٢٣٧ م ، تسلطن سنة ٦١٥ ه‍ / ١٢١٨ م إلى سنة ٦٣٥ ه‍ / ١٢٣٧ م ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٦٦ ؛ ابن خلكان ٥ / ٧٩ ؛ ابن واصل ٥ / ١٥٣ ؛ أبو الفداء ، المختصر ٣ / ٢٦٨ ؛ الذهبي ، سير ٢٢ / ١٢٧ ؛ ابن دقماق ٢ / ٢٨ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣١٣ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ ؛ ابن العماد ٥ / ١٧١ ؛ الزبيدي ٥٢.

(٢) أبو شامة ، الذيل ١١٥ ـ ١١٦ ؛ اليافعي ٤ / ٣٢ ؛ ابن كثير ١٣ / ٨٣ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣١٣ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢١٦ ـ ٢١٧ ؛ ابن العماد ٥ / ٦٥ ـ ٦٦.

(٣) سنة ٦١٦ أ ه : سنة ست عشرة وستمائة ب ج : ـ د.

(٤) سنة ٦١٦ أ ه : سنة ست عشرة وستمائة ب ج : ـ د.


بيع القنطار من الزيت (١) بعشرة دراهم والرطل النحاس بنصف درهم ، وضج الناس وابتهلوا إلى الله تعالى عند الصخرة وفي الأقصى.

وكان الملك المعظم عالما فاضلا (٢) حنفيا متعصبا لمذهبه ، وخالف جميع أهل بيته فإنهم كانوا شافعية ، وله بالقدس مدرسة الحنفية عند باب المسجد الأقصى المعروف الآن بباب الدويدارية ، وبنى على آخر صحن الصخرة من جهة القبلة مكانا يسمى النحوية (٣) للاشتغال بعلم العربية ، ووقف لذلك (٤) أوقافا حسنة.

وفي أيامه جددت عمارة القناطر التي على درج الصخرة القبلي عند قبة الطومار (٥) وغير ذلك بالمسجد الأقصى ، وغالب الأبواب الخشب المركبة على أبواب المسجد ، عملت في أيامه واسمه مكتوب عليها ، وعمر مسجد الخليل ، عليه‌السلام ، ووقف عليه قريتي دورا وكفر بريك ، ولما غاب عن القدس ، كتب إليه بعض أصدقائه :

غبت عن القدس فأوحشته

لما غدا باسمك مأنوسا

فكيف لا يلحقه وحشة

وأنت روح القدس يا عيسى (٦)

وفي سنة ٦١٧ ه‍ (٧) فتح الملك المعظم قيسارية وهدمها.

وفي سنة ٦١٨ ه‍ (٨)(٩) قوي طمع الفرنج المتملكين دمياط في ملك الديار المصرية وتقدموا عن دمياط إلى جهة مصر ووصلوا إلى المنصورة (١٠) ، واشتد القتال بين الفريقين برا وبحرا ، وكتب السلطان الملك الكامل متواترا إلى إخوته وأهل بيته يستحثهم على أنجاده ، فسار الملك المعظم عيسى صاحب دمشق

__________________

(١) من الزيت أ ج ه : الزيت ب : ـ د.

(٢) فاضلا أ ه : + وكان ب ج : ـ د.

(٣) ينظر : العليمي ٤٤.

(٤) ووقف لذلك أ ه : ووقف على ذلك ب ج : ـ د.

(٥) قبة الطومار ، ينظر : العليمي ٣١ ؛ النابلسي ١٣٨.

(٦) فكيف أ ه : وكيف ب ج : ـ د.

(٧) سنة ٦١٧ أ : سنة سبع عشرة وستمائة ب ج : ـ د.

(٨) سنة ٦١٨ ه‍ أ ه : سنة ثماني عشرة ب : وفي سنة ثماني عشرة وستمائة ج : ـ د.

(٩) سنة ٦١٨ ه‍ / ١٢٢١ م ، ومن أحداث دمياط في هذه السنة ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٣٤٦ ؛ أبو شامة ، الذيل ١٢٨ ـ ١٣٠ ؛ ابن خلكان ٥ / ٨٠ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ٩٥ ؛ ابن الوردي ٢ / ٢ ـ ٤ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٢٧ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢٢٢ ـ ٢٢٤.

(١٠) المنصورة : بلدة أنشأها الملك الكامل الأيوبي بين دمياط والقاهرة ، ورابط فيها في وجه الفرنج حتى استنقذوا دمياط من الفرنج ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٥ / ٢٤٥ ؛ أبو الفداء ، تقويم ٣٤٦ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٣٢٢ ؛ الحميري ٣٤٦.


بعسكره ، وأخوه الملك الأشرف (١) مظفر الدين موسى صاحب البلاد الشرقية بعساكره ، واستصحب عساكر (٢) حلب ، والملك الناصر (٣) قليج (٤) أرسلان صاحب حماة ، وصاحب بعلبك الملك الأمجد بهرام شاه ، وصاحب حمص أسد الدين شيركوه ، ووصلوا إلى الملك الكامل وهو في قتال الفرنج على المنصورة ، فركب والتقى مع إخوته ومن في صحبتهم من الملوك وأكرمهم ، فقويت نفوس المسلمين ، وضعفت نفوس الفرنج لما شاهدوه من كثرة العساكر الإسلامية وتجمعهم.

واشتد القتال بين الفريقين ، ورسل الملك الكامل وإخوته مترددة إلى الفرنج في الصلح ، وبذل لهم المسلمون تسليم القدس وعسقلان وطبرية واللاذقية وجبلة وجميع ما فتحه السلطان من الساحل ما عدا الكرك والشوبك على أن يجيبوا إلى الصلح ويسلموا دمياط للمسلمين ، فلم يرض الفرنج بذلك وطلبوا ثلاثمائة ألف دينار عوضا عن تخريب أسوار القدس (٥) وقالوا : لا بد من تسليم الكرك والشوبك.

وبينما الأمر متردد في الصلح والفرنج يمتنعون إذ عبر جماعة من عسكر المسلمين في بحر المحلة (٦) إلى الأرض التي عليه الفرنج من بر دمياط ففتحوا فجوة عظيمة من النيل فكان ذلك في قوة زيادته والفرنج لا خبرة لهم بأمر النيل فركب الماء تلك الأرض وصار حائلا بين الفرنج وبين دمياط وانقطعت عنهم المدد فهلكوا جوعا ، وبعثوا يطلبون الأمان على أن ينزلوا عن جميع ما بذله المسلمون لهم ويسلموا دمياط ويعقدوا مدة الصلح ، وكان فيهم عدة ملوك كبار نحو عشرين ملكا.

واختلفت الآراء في ذلك ثم حصل الاتفاق على إجابتهم لتضجر العسكر وطول المدة ، لأنهم كان لهم ثلاث سنين وشهور (٧) في القتال ، وأجابهم الملك

__________________

(١) الملك الأشرف أبو الفتح مظفر الدين شاه أرمن ابن السلطان الملك العادل أبي بكر ابن الأثير نجم الدين أيوب ، كان مولده سنة ٥٧٨ ه‍ / ١١٨٢ م ، كان حليما كريما كثير العطايا ، توفي سنة ٦٣٥ ه‍ / ١٢٣٧ م ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٦٥ ؛ ابن خلكان ٥٣ / ٣٣٠ ـ ٣٣٥ ؛ اليافعي ٤ / ٨٧ ؛ ابن كثير ، البداية ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٧٩ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢٦٦ ؛ ابن العماد ٥ / ١٧٥ ـ ١٧٧.

(٢) عساكر أ ج ه : عسكر ب : ـ د.

(٣) ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٢٤ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ٩٣.

(٤) قليج أبو شامة ، ابن كثير : قلج أ ب ج : ـ د ه.

(٥) القدس أ : بيت المقدس ب ج ه : ـ د.

(٦) المحلة : مدينة بين القاهرة ودمياط ، ينظر : ياقوت ، معجم البلدان ٥ / ٧٦ ؛ أبو الفداء ، تقويم ١١٦ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٢٣٦.

(٧) وشهور أ ج ه : وأشهر ب : ـ د.


الكامل ، وطلب الفرنج رهينة ، فبعث ابنه الملك الصالح (١) أيوب وعمره يومئذ خمس عشرة سنة إلى الفرنج ، وحضر من الفرنج رهينة ملك عكا ، وصاحب رومية الكبرى وغيرهما من الملوك ، وكان ذلك في سابع رجب من سنة ثماني سنة.

وجلس الملك الكامل مجلسا عظيما ووقف بين يديه الملوك من إخوته وأهل بيته جميعهم وسلمت دمياط للمسلمين في ١٩ رجب (٢) ، وهنأت الشعراء الملك الكامل بهذا الفتح العظيم.

ثم دخل الملك الكامل إلى دمياط بمن معه ، وكان يوما مشهودا ، ثم توجه إلى القاهرة وانصرف الملوك إلى بلادهم.

وفاة الخليفة الناصر الذي فتح القدس في أيامه (٣)

توفي الإمام الناصر لدين الله العباسي ، المتقدم ذكره ، في أول شوال سنة ٦٢٢ ه‍ (٤) وكانت خلافته نحو / / سبع وأربعين سنة ، وعمي في آخر عمره ، وكان عمره نحو ٧٠ سنة (٥).

ولما دخلت سنة ٦٢٤ (٦) ه وقع تنافر بين الملك الكامل صاحب مصر وأخيه الملك المعظم عيسى صاحب دمشق لأمور بينهما ، فكاتب الملك الكامل الإنبرطون ملك الفرنج في أن يقدم إلى عكا ليشغل سرا أخيه الملك المعظم عما هو فيه ، ووعد الإنبرطون بأن يعطيه القدس. فسار الإنبرطون إلى عكا وبلغ الملك المعظم ذلك.

ثم توفي الملك المعظم عيسى في هذه السنة يوم الجمعة مستهل ذي الحجة

__________________

(١) الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل محمد بن العادل ، ولد سنة ٦٠٣ ه‍ / ١٢٠٦ م في القاهرة ، وتوفي بها سنة ٦٤٧ ه‍ / ١٢٤٩ م ، وقد ولي السلطنة سنة ٦٣٧ ه‍ / ١٢٣٩ م ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٦٥ ؛ ابن واصل ٧ / ٢٥٧ ؛ أبو الفداء ، المختصر ٣ / ١٣٩ ؛ الذهبي ، العبر ٣ / ٢٥٧ ؛ ابن الوردي ٢ / ٢٦٣ ؛ ابن دقماق ٢ / ٣٦ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٤٠٢ ـ ٤٠٣ ؛ المقريزي ، الخطط ٢ / ٣٣٦ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢٨٢ ؛ الزبيدي ٦٢ ؛ الغامدي ٢٩١.

(٢) ١٩ رجب أ ه : تاسع عشر رجب ب ج : ـ د / / وهنأت ب : وهنت أ ج ه : ـ د.

(٣) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٣٦٠ ـ ٣٦١ ؛ أبو شامة ، الذيل ١٤٥ ؛ ابن الجزري ١٢١ ؛ اليافعي ٤ / ٥٠ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٠٦ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٤٠ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢٣٠ ـ ٢٣٢ ؛ السيوطي ، تاريخ ٥١٣ ؛ ابن العماد ٥ / ٩٧.

(٤) سنة ٦٢٢ أ ه : سنة اثنتين وعشرين وستمائة ب ج : ـ د.

(٥) ٧٠ سنة أ ه : سبعين سنة ب ج : ـ د.

(٦) سنة ٦٢٤ أ ه : سنة أربع وعشرين وستمائة ب ج : ـ د.


سنة ٦٢٤ (١) ه (٢) ، ودفن بقلعة دمشق ، ثم نقل إلى جبل الصالحية ودفن في مدرسته هناك المعروفة بالمعظمية ، وكان نقله ليلة الثلاثاء مستهل المحرم سنة ٦٢٥ (٣) ه (٤) ، وكانت مدة ملكه دمشق تسع سنين وشهورا.

ولما توفي الملك المعظم ترتب في مملكته بعده ولده الملك الناصر صلاح الدين داود (٥).

فلما دخلت سنة ٦٢٥ ه‍ (٦) أرسل الملك الكامل صاحب مصر يطلب من ابن أخيه الناصر داود حصن الشوبك ، فلم يعطه إياه ولا أجابه إليه (٧).

فسار الملك الكامل من مصر إلى الشام (٨) في رمضان من هذه السنة ، ونزل على تل العجول بظاهر غزة ، وولي ابن يوسف على نابلس والقدس وغيرهما من بلاد ابن أخيه ، ووقع بينهما أمور ومراسلات ، وقدم الإنبرطون (٩) إلى عكا بجموعه ، وقد مات الملك المعظم ، فاستولى على صيدا ، وكانت مناصفة بين المسلمين والفرنج وسورها خراب ، فعمر الفرنج سورها واستولوا عليها (١٠).

والإنبرطون معناه : ملك الأمراء بالفرنجية ، وكان صاحب جزيرة صقلية ،

__________________

(١) سنة ٦٢٤ أ ه : سنة أربع وعشرين وستمائة ب ج : ـ د.

(٢) ٦٢٤ ه‍ / ١٢٢٦ م ، وعن أحداث هذه السنة ، ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ؛ أبو شامة ، الذيل ١٥١ ـ ٢٥٢ ؛ اليافعي ٤ / ٥٨ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٢١ ـ ١٢٢ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٤٥ ـ ٣٤٧ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢٣٧ ـ ٢٣٩.

(٣) ذ ٦٢ ه‍ / ١٢٢٧ م.

(٤) سنة ٦٢٥ أ ه : سنة خمس وعشرين وستمائة ب ج : ـ د.

(٥) الملك الناصر ٦٠٣ ـ ٦٦٥ ه‍ / ١٢٠٦ ـ ١٢٥٨ م ، داود بن الملك المعظم عيسى بن محمد بن أيوب الملك الناصر صلاح الدين ، صاحب الكرك وأحد الشعراء الأدباء ولد ونشأ في دمشق ، وملكها بعد أبيه سنة ٦٢٦ ه‍ ، وأخذها منه عمه الأشرف ، حبس بقلعة حمص ثلاث سنوات ، وتوفي بالطاعون سنة ٦٥٦ ه‍ ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ٢٠٠ ؛ ابن خلكان ٣ / ٤٩٦ ؛ اليافعي ٤ / ١٣٩ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٩٨ ؛ الكتبي ١ / ١٥٦ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٤٦ ؛ القلقشندي ، صبح ٤ / ١٧٥ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٧ / ٣٤ ـ ٦١ ؛ ابن العماد ٥ / ٢٧٥.

(٦) سنة ٦٢٥ أ ه : سنة خمس وعشرين وستمائة ب ج : ـ د.

(٧) ولا أجابه إليه أ ب ه : ولا أجابه ج : ـ د.

(٨) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٣٧٧ ؛ أبو شامة ، الذيل ١٥٣ ؛ ابن الجزري ١٤٤ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٢٣ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٤٩ ـ ٣٥٠.

(٩) الامبراطور : هو فردريك الثاني ملك ألمانيا وصقلية ، أقوى ملوك الغرب في زمنه وقد جاء على رأس الحملة الفرنجية السادسة ، ينظر : ابن تغري بردي ، النجوم ه ١ ، ٦ / ٢٤١.

(١٠) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٣٧٦ ؛ ابن الجزري ١٤٤ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٢٣ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٥١.


وكان فاضلا يحسن الحكمة والمنطق ويميل إلى المسلمين.

ذكر تسليم بيت المقدس إلى الفرنج (١)

لما دخلت سنة ٦٢٦ ه‍ (٢) استهلت وملوك بني أيوب متفرقون مختلفون قد صاروا أحزابا بعد أن كانوا إخوانا وأصحابا ، فقوي الفرنج بذلك وبموت المعظم عيسى وبمن (٣) وفد إليهم من البحر ، وكان الملك الكامل قد عزم (٤) على انتزاع دمشق من ابن أخيه الناصر داود وسير الملك الكامل أخاه الملك الأشرف (٥) لحصار دمشق ، والكامل مشتغل بمراسلة الإنبرطون.

ولما طال الأمر ولم يجد الكامل بدا من المهادنة أجاب الإنبرطون إلى تسليم القدس إليه على أن تستمر أسواره خرابا ولا يعمره الفرنج (٦) ولا يتعرضوا لقبة (٧) الصخرة ولا إلى الجامع الأقصى ويكون المرجوع في الرستاق (٨) إلى والي المسلمين ، ويكون لهم من القرى ما هو على الطريق من عكا إلى القدس فقط ، ووقع الأمر على ذلك وتحالفا عليه.

وتسلم الإنبرطون القدس في ربيع الآخر على القاعدة المذكورة ، وعظم ذلك على المسلمين وحصل به وهن شديد وإرجاف بين الناس (٩).

ولما وقع ذلك كان الناصر داود في الحصار لانتزاع دمشق منه فأخذ في التشنيع على عمه الكامل بذلك (١٠) ، وكان بدمشق الشيخ شمس الدين يوسف سبط أبي الفرج الجوزي (١١) وكان واعظا له قبول عند الناس ، فأمره الناصر داود أن يعمل

__________________

(١) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٣٧٨ ؛ أبو شامة ، الذيل ١٥٤ ؛ ابن واصل ٤ / ٢٤١ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٢٣ ـ ١٢٤ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٥٣ ـ ٣٥٤ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٦ / ٢٤١.

(٢) سنة ٦٢٦ أ ه : سنة ست وعشرين وستمائة ب ج : ـ د / / استهلت أ ج ه : واستهلت ب : ـ د.

(٣) وبمن أ ج ه : ومن ب : ـ د.

(٤) ينظر : ابن الأثير ، الكامل ٩ / ٣٧٨ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٥٣.

(٥) الأشرف أ : + موسى ب ج ه : ـ د.

(٦) ولا يعمره الفرنج ب : ولا تعمره أ ج ه : ـ د.

(٧) لقبة أ ج ه : ال قبة ب : ـ د.

(٨) الرستاق والرزداق : السواد والقرى ، معرب رستاق الفارسية ، جمعها رزداقات ورزاديق ، ينظر : الحسيني ٤٤٥.

(٩) بين الناس أ ب ه : في الناس ج : ـ د.

(١٠) ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٥٤ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٥٥.

(١١) سبط ابن الجوزي (قز أوغلي) ٥٨١ ـ ٦٥٤ ه‍ / ١١٨٥ ـ ١٢٥٦ م ، يوسف بن قز أوغلي بن عبد الله أبو المظفر ، شمس الدين ، سبط أبي الفرج بن الفرج بن الجوزي ، مؤرخ من الكتاب الوعاظ ، ولد ونشأ ببغداد وانتقل إلى دمشق واستوطنها ، وتوفي فيها ، من كتبه مرآة الزمان في تاريخ الأعيان ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٩٥ ؛ ابن الجزري ٢٤٠ ؛ اليافعي ٤ / ١٣٦ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٥٠٢ ؛ ابن تغري بردي ، النجوم ٧ / ٣٩ ؛ ابن العماد ٥ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧.


مجلس وعظ يذكر فيه فضائل بيت المقدس وما حل بالمسلمين من تسليمه إلى الفرنج ففعل ذلك ، فكان مجلسا عظيما ومن جملة ما أنشد قصيدة تائية ضمنها فضل بيت المقدس منها :

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

وارتفع بكاء الناس وضجيجهم لذلك ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ولما عقد الملك الكامل الهدنة مع الإنبرطون وخلا سره من جهة الفرنج سار إلى دمشق فوصل إليها في جمادى الأولى ، واشتد الحصار على دمشق ، واستولى عليها الملك الكامل ، وسلمها لأخيه الملك الأشرف موسى ، وعوض الناصر داود عنها الكرك والشوبك والبلقا والصلت والأغوار ، ثم نزل الناصر داود عن الشوبك وسأل عمه في قبولها فقبله.

واستمر الأشرف موسى بدمشق إلى أن توفي / / في المحرم سنة ٦٣٥ ه‍ (١)(٢) ، وتملك دمشق بعده أخوه الملك الصالح إسماعيل (٣) بعهد منه.

ثم سار الملك الكامل إلى دمشق ومعه الناصر داود صاحب الكرك ونزلا عليهما في جمادى الأولى من هذه السنة وحصلت أمور ووقائع ، ثم سلم الصالح إسماعيل دمشق إلى أخيه الكامل لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى وتعوض عنها بعلبك (٤)

ولم يلبث الكامل غير أيام حتى مرض واشتد مرضه ، ومات لتسع بقين من رجب سنة ٦٣٥ ه‍ (٥) ، وعمره نحو ستين سنة ، وكانت مدة ملكه مصر من حين مات والده عشرين سنة ، وكان ملكا مهيبا (٦) ، حسن التدبير ، يحب العلماء

__________________

(١) ٦٣٥ ه‍ / ١٢٣٧ م.

(٢) سنة ٦٣٥ أ ه : سنة خمس وثلاثين وستمائة ب ج : ـ د.

(٣) الصالح عماد الدين إسماعيل الأيوبي أبو الخيش بن العادل محمد أبي بكر بن أيوب ، تسلطن سنة ٦٣٥ ه‍ / ١٢٣٧ م ، وسلم قلعة شقيف للفرنج سنة ٦٣٨ ه‍ / ١٢٤٠ م ، وقتل في مصر سنة ٦٤٨ ه‍ / ١٢٥٠ م ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٦٥ ؛ ابن واصل ٥ / ١٤٧ ؛ الذهبي ، سير ٢٢ / ١٣٤ ؛ ابن الوردي ٢ / ٢٧٠ ؛ ابن العماد ٥ / ٢٤١ ؛ الزبيدي ٥٠.

(٤) ينظر : المقريزي ، السلوك ١ / ٣٥٧.

(٥) سنة ٦٣٥ أ ه : سنة خمس وثلاثين وستمائة ب : ـ ج د.

(٦) ملكا مهيبا أ ب ه : ملكا مهابا ج : ـ د.


ومجالستهم ، وهو الذي بنى القبة على قبر الشافعي ، رضي‌الله‌عنه.

واستمر بعده (١) في السلطنة بمصر ولده الملك العادل (٢) أبو بكر بن الكامل فإنه كان نائبه بمصر ، واتفق الأمراء بدمشق حين وفاة والده على تحليف العسكر له أو أقاموا في دمشق الملك الجواد يونس بن مودود بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب نائبا عن الملك العادل ابن الكامل ، ورحل الناصر داود إلى الكرك ، وتفرقت العساكر.

فلما دخلت سنة ٦٣٦ ه‍ (٣)(٤) استولى الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل على دمشق وأعمالها بتسليم الملك الجواد يونس في جمادى الآخرة.

ودخلت سنة ٦٣٧ ه‍ (٥)(٦) وكان الملك الصالح أيوب سار من دمشق واستخلف فيها ولده الملك المغيث فتح الدين عمرو.

ووصل الصالح أيوب إلى نابلس لقصد الاستيلاء على الديار المصرية ، فسار الصالح إسماعيل صاحب بعلبك ومعه شيركوه صاحب حمص بجموعها ، وهجموا على دمشق وحصروا القلعة وتسلمها الصالح إسماعيل وقبض على الملك المغيث في صفر.

فلما بلغ الصالح أيوب ذلك رحل من نابلس إلى الغور ، وتشتت عنه عساكره ، وضاق به الأمر ، فقصد نابلس ، ونزل بها بمن معه ، فسار إليه الناصر داود بعسكره من الكرك ، وأمسك الصالح أيوب وأرسله إلى الكرك واعتقله بها ، وأمر بالقيم في خدمته بكل ما يختاره ، ولما اعتقل بالكرك أرسل أخوه الملك العادل أبو بكر صاحب مصر يطلبه من الناصر داود فلم يسلمه الناصر داود. فأرسل العادل وتهدد الناصر بأخذ بلاده فلم يلتفت إلى ذلك.

__________________

(١) واستمر بعده ... فسار الصالح إسماعيل أ ب ه : ـ ج د.

(٢) الملك العادل : هو السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد بن الكامل محمد بن العادل ، ويعرف بالعادل الثاني ، ولد بالمنصورة سنة ٦١٧ ه‍ / ١٢٢١ م ، وتسلطن بين سنتي ٦٣٦ ه‍ / ١٢٣٨ م ، ٦٣٧ ه‍ / ١٢٣٩ م ، ومات في سنة ٦٤٦ ه‍ / ١٢٤٨ م ، ينظر : ابن خلكان ٥ / ٤٨ ؛ ابن واصل ٥ / ٣٧٩ ؛ ابن الوردي ٢ / ٩٥٩ ؛ ابن دقماق ٢ / ٣٢ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٤٣٥.

(٣) سنة ٦٣٦ أ ه : سنة ست وثلاثين وستمائة ب : ـ ج د.

(٤) ٦٣٦ ه‍ / ١٢٣٨ م ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٦٧ ـ ١٦٨ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٥٢ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٨٩ ـ ٣٩٢.

(٥) سنة ٦٣٧ أ ه : سنة سبع وثلاثين وستمائة ب : ـ ج د.

(٦) ٦٣٧ ه‍ / ١٢٣٩ م ، ينظر : أبو شامة ، الذيل ١٦٨ ـ ١٧٠ ؛ ابن كثير ، البداية ١٣ / ١٥٣ ؛ المقريزي ، السلوك ١ / ٣٩٥ ـ ٣٩٨.



بسم الله الرحمن الرّحيم

المصادر

١) القرآن الكريم.

٢) المصادر العربية والمعربة :

ـ ابن الأثير ، أسد الغابة : علي بن محمد ، (ت ٦٣٠ ه‍ / ١٢٣٢ م) ، أسد الغابة في معرفة الصحابة ، ٦ ج ، دار الفكر ، لبنان ، ١٩٨٩ م.

ـ ابن الأثير ، التاريخ : التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية (بالموصل) ، تحقيق عبد القادر طليمات ، دار الكتب الحديثة بالقاهرة ، ومكتبة المثنى ببغداد ، ١٩٦٣ م.

ـ ابن الأثير ، الكامل الكامل في التاريخ ، ١٠ ج ، ط ٣ ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ١٩٨٠ م.

ـ ابن الأثير ، اللباب : اللباب في تهذيب الأنساب ، ٤ ج ، دار صادر ، بيروت ، د. ت.

ـ ابن الأخوة : محمد بن محمد القرشي ، (ت ٧٢٩ ه‍ / ١٣٢٩ م) ، معالم القربة في أحكام الحسبة ، تحقيق رفيق ليوي ، كمبردج ، ١٩٣٧ م.

ـ الإدريسي : محمد بن عبد الله ، (ت ٥٦ ه‍ / ١١٦٤ ـ ١١٦٥ م) ، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ، ٢ ج ، ط ١ ، عالم الكتب ، بيروت ، ١٩٨٩ م.

ـ الأزرقي : محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي ، (ت ٢٢٣ ه‍ / ٨٣٧ م) ، مكة وما جاء فيها من الآثار ، ٢ ج ، ط ٢ ، دار الأندلس ، بيروت ، ١٩٨٣ م.

ـ الأسنوي : عبد الرحمن الأسنوي ، (ت ٧٧٢ ه‍ / ١٣٧٠ م) ، طبقات الشافعية ، ٢٠ ج ، تحقيق كمال الحوت ، ط ٢ ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٩٨٧ م.

ـ الإصطخري : أبو إسحاق إبراهيم بن محمد ، (ت في النصف الأول من ق ٤ ه‍ / ١٠ م) ، المسالك والممالك ، تحقيق محمد جابر ، القاهرة ، ١٩٦١ م.

ـ الأصفهاني ، الفتح : أبو عبد الله محمد الأصفهاني ، (ت ٥٩٧ ه‍ / ١٢٠٠ م) ، الفتح القسي في الفتح القدسي ، تحقيق محمد محمود صبح ، الدار القومية للنشر ، القاهرة ١٩٦٤ م.

ـ الأصفهاني ، حلية : أبو نعيم بن عبد الله الأصفهاني ، (ت ٤٣٠ ه‍ / ١٠٣٨ م) ، حلية


الأولياء ، دار الكتاب العربي ، بيروت ١٩٨٥ م.

ـ ابن إياس : محمد بن أحمد بن إياس ، (٩٣٠ ه‍ / ١٥٢٣ م) ، بدائع الزهور في وقائع الدهور ، ٥ ج ، تحقيق محمد مصطفى ، ط ٣ ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٨٣ ـ ١٩٨٤ م.

ـ البخاري ، التاريخ : إسماعيل بن إبراهيم الجعفري ، (٢٥٦ ه‍ / ٨٦٩ م) ، التاريخ الصغير ، ٢ ج ، تحقيق محمود زايد ، ط ١ ، دار المعرفة ، بيروت ١٩٨٦ م.

ـ البخاري ، الجامع : الجامع الصحيح ، ٤ ج ، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة ، د. ت.

ـ ابن بطوطة : أبو عبد الله بن محمد ، (ت ٧٧٩ ه‍ / ١٣٧٧ م) ، رحلة ابن بطوطة ، ٢ ج ، دار الشرق العربي ، بيروت ، د. ت.

ـ البغدادي ، تاريخ : أحمد بن علي الخطيب البغدادي ، (ت ٤٦٣ ه‍ / ١٠٧٠ م) ، تاريخ بغداد ، ١٤ ج ، المكتبة السلفية ، المدينة المنورة ، د. ت.

ـ البغدادي ، مراصد : صفي الدين بن عبد الحق البغدادي (٧٣٩ ه‍ / ١٣٣٨ م) ، مراصد الاطلاع في أسماء الأمكنة والبقاع ، ٣ ج ، تحقيق علي البجاوي ، ط ١ ، دار الجيل ، بيروت ، ١٩٩٢ م.

ـ البغوي : الحسين بن مسعود بن محمد (ت ٥١٠ ه‍ / ١١١٦ م) ، شرح السنة ، ٢٠ ج ، تحقيق زهير الشاويش وزميله ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ١٩٨٢ م.

ـ البكري : عبد الله بن عبد العزيز البكري (ت ٤٨٧ ه‍ / ١٠٩٤ م) ، معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع ، ٤ ج ، تحقيق مصطفى السقا ، عالم الكتب ، بيروت ، ١٩٨٣ م.

ـ البلاذري : أبو الحسن أحمد بن يحيى ، (ت ٢٧٩ ه‍ / ٨٩٢ م) ، فتوح البلدان ، مكتبة الهلال ، بيروت ، لبنان ١٩٨٨ م.

ـ البلوي : خالد بن عيسى (٧٦٥ ه‍ / ١٣٦٢ م) ، تاج المفرق في تحلية علماء المشرق ، ٢ ج ، تحقيق الحسن السائح ، مطبعة فضالة المحمدية ـ المغرب ، د. ت.

ـ بورشارد : الحاج بورشارد من دير جيل صهيون ، وصف الأرض المقدسة ، ترجمة سعيد البيشاوي ، ط ١ ، دار الشروق ، عمان ، ١٩٩٥ م.

ـ التطيلي : بنيامين التطيلي ، رحلة بنيامين التطيلي ، ترجمة عزرا حداد ، بغداد ١٩٤٥ م.

ـ ابن تغري بردي : جمال الدين أبو المحاسن يوسف (ت ٨٧٤ ه‍ / ١٤٦٩ م) ، حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور ، ٢ ج ، تحقيق محمد كمال عز الدين ، ط ١ ، عالم الكتب ، بيروت ، ١٩٩٠ م.

ـ ابن تغري بردي ، النجوم : النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ، ١٦ ج ، تقديم وتعليق محمد حسنين شمس الدين ، ط ١ ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٩٩٢ م.

ـ ابن تيمية : تقي الدين أحمد بن تيمية (ت ٧٢٨ ه‍ / ١٣٢٧ م) ، مجموعة فتاوى شيخ


الإسلام أحمد بن تيمية ، جمع وترتيب عبد الرحمن العاصمي ، مكتبة ابن تيمية ، الرياض ، د. ت.

ـ الثعلبي : أحمد بن إبراهيم (ت ٤٢٧ ه‍ / ١٠٣٥ م) ، قصص الأنبياء المسمى بالعرائس ، المكتبة الشعبية للطباعة والنشر ، بيروت ، د. ت.

ـ ابن الجزري : شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم (ت ٧٣٩ ه‍ / ١٣٣٨ م) ، المختار من تاريخ ابن الجزري ، ط ١ ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ١٩٨٨ م.

ـ ابن الجوزي ، تلقيح : عبد الرحمن بن علي (ت ٥٩٧ ه‍ / ١٢٠١ م) ، تلقيح فهوم الأثر في عيون التاريخ والسير ، دار مكتبة الآداب ومطبعتها ، القاهرة ، د. ت.

ـ ابن الجوزي ، صفوة : صفوة الصفوة ، ٤ ج ، دار الفكر للطباعة والنشر ، بيروت ١٩٩٢ م.

ـ ابن الجوزي ، المنتظم : المنتظم في أخبار الملوك والأمم ، ٢٠ ج ، تحقيق محمد عبد القادر عطا ورفيقه ، دار الكتب العلمية ، ط ١ ، بيروت ، ١٩٩٢ م.

ـ ابن الجوزي ، الموضوعات : الموضوعات ، ٣ ج ، ط ٢ ، دار الفكر ، بيروت ، ١٩٨٣ م.

ـ الجواليقي : موهوب بن أحمد ، (ت ٥٤٠ ه‍ / ١١٤٥ م) ، المعرب من الكلام الأعجمي ، تحقيق أحمد محمد شاكر ، طهران ، ١٩٦٦ م.

ـ حاجي خليفة : مصطفى بن عبد الله (ت ١٠٦٧ ه‍ / ١٦٥٦ م) ، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، ٢ ج ، وبذيله كتابي : إيضاح المكنون في الذيل على كشف الفنون عن أسامي الكتب والفنون ، وهدية العارفين بأسماء المؤلفين وآثار المصنفين من كشف الظنون ، من تأليف إسماعيل البغدادي ، دار الفكر ، بيروت ، ١٩٩٤ م.

ـ ابن حبان ، تاريخ : محمد بن حبان البستي (ت ٣٥٤ ه‍ / ٩٦٥ م) ، تاريخ الصحابة ، ٢٠ ج ، تحقيق بدران الضناوي ، ط ١ ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٩٨٨ م.

ـ ابن حبان ، السيرة : السيرة النبوية وأخبار الخلفاء ، ط ١ ، دار الفكر ، بيروت ، ١٩٨٧ م م.

ـ ابن حجر ، الإصابة : أحمد بن علي العسقلاني ، (ت ٨٥٢ ه‍ / ١٤٤٨ م) ، الإصابة في تمييز الصحابة ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، د. ت.

ـ ابن حجر ، إنباء : إنباء الغمر بأبناء العمر ، ٣ ج ، تحقيق حسن حبشي ، لجنة إحياء التراث الإسلامي ، القاهرة ، ١٩٦٩ م.

ـ ابن حجر ، تهذيب : تهذيب التهذيب ، ١٤ ج ، دار الفكر ، بيروت ، ١٩٨٤ م.

ـ ابن حجر ، الدرر : الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ، دار الجيل ، بيروت ، د. ت.

ـ ابن حجر ، لسان : لسان الميزان ، ٧ ج ، مؤسسة الأعلمي للمنشورات ، بيروت ، د. ت.

ـ ابن حزم : أبو محمد علي بن محمد ، (ت ٤٥٦ ه‍ / ١٠٦٣ م) ، جمهرة أنساب


العرب ، ط ١ ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٩٨٣ م.

ـ الحموي ، المشترك : شهاب الدين عبد الله ياقوت (ت ٦٢٦ ه‍ / ١٢٢٨ م) ، المشترك وضعا والمفترق صقعا ، ط ٢ ، عالم الكتب ، بيروت ، ١٩٨٦ م.

ـ الحموي ، معجم الأدباء : معجم الأدباء ، ٢٠ ج ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع دمشق ، ١٩٨٠ م.

ـ الحموي ، معجم البلدان : معجم البلدان ، ٧ ج ، ط ١ ، تحقيق عبد العزيز الجندي ، دار الكتب العلمية ، ١٩٩٠ م.

ـ الحميري : محمد بن عبد المنعم ، (ت ٧٢٧ ه‍ / ١٣٢٦ م) ، الروض المعطار في خبر الأقطار ، تحقيق إحسان عباس ، ط ٢ ، مكتبة لبنان ، بيروت ، ١٩٨٤ م.

ـ الحنبلي : الإمام ابن رجب الحنبلي ، (ت ٧٩٥ ه‍ / ١٣٩٢ م) ، الاستخراج في أحكام الخراج ، تحقيق جندي ، الهيتي ، ط ١ ، مكتبة الرشيد ، الرياض ، ١٩٨٩ م.

ـ ابن خالويه : الحسين بن أحمد ، (ت ٣٧٠ ه‍ / ٩٨٠ م) ، إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، د. ت.

ـ ابن خرداذبه : عبيد الله بن عبد الله ، (ت ٣٠٠ ه‍ / ٩١٢ م) ، المسالك والممالك ، مطبعة بريل ، ليدن ، ١٩٨٩ م.

ـ ابن خلدون : عبد الرحمن بن خلدون ، (ت ٨٠٨ ه‍ / ١٤٠٦ م) ، تاريخ ابن خلدون ، ٨ ج ، ط ٢ ، دار الفكر ، دمشق ، ١٩٨٨ م.

ـ ابن خلكان : أبو العباس أحمد بن إبراهيم ، (ت ٦٨٢ ه‍ / ١٢٨٢ م) ، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، ٨ ج ، تحقيق إحسان عباس ، دار صادر ، بيروت ، ١٩٦٨ ـ ١٩٧٢ م.

ـ ابن خياط ، تاريخ : خليفة بن خياط العصفري ، (ت ٢٤٠ ه‍ / ٨٥٤ م) ، تاريخ خليفة بن خياط ، تحقيق سهيل زكار ، دار الفكر ، بيروت ، ١٩٩٣ م.

ـ ابن خياط ، الطبقات : الطبقات ، تحقيق سهيل زكار ،دار الفكر ، بيروت ، ١٩٩٣ م.

ـ دانيال : دانيال الراهب ، رحلة الحاج الروسي دانيال الراهب في الأراضي المقدسة ، ترجمة سعيد البيشاوي ورفيقه ، عمان ، ط ١ ، ١٩٩٢ م.

ـ ابن دقماق : إبراهيم بن محمد ، (ت ٨٠٩ ه‍ / ١٤٠٦ م) ، الجوهر الثمين في سير الملوك والسلاطين ، ٢ ج ، تحقيق محمد كمال الدين ، في مجلد واحد ، عالم الكتب ، بيروت ، ط ١ ، ١٩٨٥ م.

ـ الذهبي ، تاريخ : محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، (ت ٧٤٨ ه‍ / ١٣٤٧ م) ، تاريخ الإسلام ووفيات مشاهير الأعلام ، تحقيق عمر عبد السلام تدمري ، ط ١ ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ١٩٩٥ م.

ـ الذهبي ، تذكرة : تذكرة الحفاظ ، ط ٤ ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، د. ت.


ـ الذهبي ، سير : سير أعلام النبلاء ، تحقيق رياض عبد الحميد مراد ، ط ١ ، دار الفكر ، بيروت ، ١٩٩١ م.

ـ الذهبي ، العبر : العبر في خبر من عبر ، تحقيق أبو هاجر محمد زغلول ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، د. ت.

ـ الذهبي ، ميزان : ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، تحقيق علي محمد البجاوي ، دار الفكر ، بيروت ، د. ت.

ـ الزبيدي : محمد مرتضى الزبيدي ، (ت ١٢٠٥ ه‍ / ١٧٩٠ م) ، ترويح القلوب في ذكر الملوك من بني أيوب ،تحقيق صلاح الدين المنجد ، دار الكتاب الجديد ، بيروت ، ط ٢ ، ١٩٨٠ م م.

ـ السبكي : تاج الدين بن تقي الدين ، (ت ٧٧١ ه‍ / ١٣٧٠ م) ، طبقات الشافعية الكبرى ، ط ٢ ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت ، د. ت.

ـ السخاوي ، الضوء : شمس الدين محمد بن عبد الرحمن ، (ت ٩٠٢ ه‍ / ١٤٩٦ م) ، الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ، ١٢ ج ، مكتبة دار الحياة ، بيروت ، د. ت.

ـ ابن سعد : محمد بن سعد ، (ت ٢٣٠ ه‍ / ٨٤٤ م) ، الطبقات الكبرى ، ٩ ج ، تحقيق محمد عبد القادر عطا ، ط ١ ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٩٩٠ م.

ـ السلمي : محمد بن الحسين أبو عبد الرحمن ، (ت ٤١٢ ه‍ / ١٠٢١ م) ، طبقات الصوفية ، ط ٣ ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، ١٩٨٦ م.

ـ السمعاني : أبو سعيد عبد الكريم بن محمد ، (ت ٥٦٢ ه‍ / ١١٦٧ م) ، الأنساب ، ٥ ج ، ط ١ ، دار الفكر ، بيروت ، ١٩٨٨ م.

ـ السهروردي : عمر بن محمد ، (ت ٦٣٢ ه‍ / ١٢٣٤ م) ، عوارف المعارف ، مكتبة القاهرة ، القاهرة ، ١٩٨٣ م.

ـ السيوطي ، إتحاف : محمد بن أحمد ، (ت ٨٨٠ ه‍ / ١٤٧٥ م) ، إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى ، ٢ ج ، تحقيق أحمد رمضان ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٨٢ م.

ـ السيوطي ، إتحاف : محمد بن أحمد ، (ت ٨٨٠ ه‍ / ١٤٧٥ م) ، إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى ، ٢ ج ، تحقيق أحمد رمضان ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٨٢ م.

ـ السيوطي ، تاريخ : جلال الدين السيوطي ، (ت ٩١١ ه‍ / ١٥٠٥ م) ، تاريخ الخلفاء ، ط ١ ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٩٨٨ م.

ـ السيوطي ، الدر : الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، ٦ ج ، ط ١ ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٩٨٠ م.

ـ السيوطي ، طبقات : طبقات الحفاظ ، ط ١ ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٩٨٣ م.

ـ السيوطي ، نظم : نظم العقيان في أعيان الأعيان ، تحقيق فيليب حتي ، المثنى ، بغداد ، ١٩٢٧.

ـ ابن سيد الناس : فتح الدين أبو الفتح محمد بن عبد الله ، (ت ٧٣٤ ه‍ / ١٣٣٣ م) ،


عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير ، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة ، ط ٣ ، بيروت ، ١٩٨٢ م.

ـ الشارتري : فوشيه الشارتري ، (ت ١١٢٧ م) ، تاريخ الحملة إلى القدس ، ترجمة د. زياد العسلى ، دار الشروق ، عمان ، د. ت.

ـ أبو شامة ، الذيل : شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل ، (ت ٦٦٥ ه‍ / ١٢٦٧ م) ، تراجم رجال القرنين السادس والسابع ، المعروف بالذيل على الروضتين ، دار الجيل ، بيروت ، ط ٢ ، ١٩٧٤ م.

ـ أبو شامة ، الروضتين : الروضتين في أخبار الدولتين ، دار الجيل ، بيروت ، د. ت.

ـ ابن شاهين الظاهري : غرس الدين خليل بن شاهين ، (ت ٨٧٣ ه‍ / ١٤٦٨ م) ، كتاب زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك ، تحقيق بولس روايس ، مطبعة الجمهورية ، باريس ، ١٨٩٤ م.

ـ ابن شداد : القاضي بهاء الدين المعروف بابن شداد ، (ت ٦٣٢ ه‍ / ١٢٣٤ م) ، سيرة صلاح الدين الأيوبي ، دار ابن خلدون ، الإسكندرية ، د. ت.

ـ الشهرستاني : محمد بن عبد الكريم بن أحمد ، (ت ٥٤٨ ه‍ / ١١٥٣ م) ، الملل والنحل ، ٢ ج ، تحقيق محمد سيد كيلاني ، دار صعب ، بيروت ، ١٩٨٦ م.

ـ الشوكاني : محمد بن علي ، (ت ١٢٥٠ ه‍ / ١٨٣٤ م) ، البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ، ٢ ج ، دار المعرفة ، بيروت ، د. ت.

ـ شيخ الربوة : شمس الدين أبي عبد الله الدمشقي ، (ت ٧٢٧ ه‍ / ١٣٢٧ م) ، نخبة الدهر في عجائب البر والبحر ، تحقيق مهران ليبزج ، ١٩٢٣ م.

ـ الشيرازي : إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي ، (ت ٤٧٦ ه‍ / ١٠٨٣ م) ، طبقات الفقهاء ، دار القلم ، بيروت ، د. ت.

ـ الصفدي : صلاح الدين خليل بن أيبك ، (ت ٧٦٤ ه‍ / ١٣٨٢ م) ، الوافي بالوفيات ، ٢١ ج ، دار فرانز شتاينر شتو تغارت ، ١٩٩١ م.

ـ الصوري : وليم الصوري ، تاريخ الأعمال المنجزة فيما وراء البحار ، (تاريخ الحروب الصليبية) ، ٢ ج ، ترجمة سهيل زكار ، ط ١ ، دار الفكر ، دمشق ، ١٩٩١ م.

ـ الصيرفي : علي بن داود ، (ت ٩٠٠ ه‍ / ١٤٩٤ م) ، إنباء الهصر بأبناء العصر ، تحقيق حسن حبشي ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، د. ت.

ـ طاش كبرى زاده : أحمد بن مصطفى ، (ت ٩٦٨ ه‍ / ١٥٦١ م) ، مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٩٨٥ م.

ـ الطبري ، تاريخ : محمد بن جرير الطبري ، (ت ٣١٠ ه‍ / ١٩٢٢ م) ، تاريخ الأمم والملوك ، ١٠ ج ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، ط ٢ ، دار التراث ، بيروت ، ١٩٦٧ م.


ـ الطبري ، تفسير : جامع البيان في تفسير القرآن ، ٣٠ ج ، ط ٢ ، دار المعرفة ، بيروت ، ١٩٨٠ م.

ـ ابن الطقطقي : محمد بن علي ، (ت ٧٠٩ ه‍ / ١٣٠٩ م) ، الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية ، تحقيق محمد عوض ورفيقه ، القاهرة ، ١٩٢٣ م.

ـ ابن عباس : عبد الله بن عباس ، (ت ٦٨ ه‍ / ٦٨٧ م) ، تنوير المقباس من تفسير ابن عباس ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، د. ت.

ـ العسكري : أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكري (ت ...) ، الأوائل ، ط ١ ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٩٨٧ م.

ـ ابن العماد : أبو الفلاح عبد الحي بن علي ، (ت ١٠٨٩ ه‍ / ١٦٧٩ م) ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب ، ٨ ج ، دار الفكر للطباعة والنشر ، بيروت ، ١٩٩٤ م.

ـ العليمي : عبد الرحمن بن مجير الدين أبو اليمن العليمي ، (ت ٩٢٧ ه‍ / ١٥٢١ م) ، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ، ٢ ج ، مكتبة المحتسب ، عمان ، ١٩٧٣ م.

ـ العليمي : الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ، يغطي هذا التحقيق الفترة ما بين (٦٣٧ ه‍ / ١٢٣٩ م) ـ (٩٠٠ ه‍ / ١٤٩٤ م) ، تحقيق محمود كعابنة ، رسالة ما جستير غير منشورة ، جامعة النجاح ، ١٩٩٧ م.

ـ العمري : ابن فضل الله العمري أحمد بن يحيى ، (ت ٧٤٩ ه‍ / ١٣٤٩ م) ، التعريف بالمصطلح الشريف ، تحقيق محمد حسين ، دار الكتب العلمية ، ١٩٨٨ م.

ـ العيني : بدر الدين العيني ، (ت ٨٥٥ ه‍ / ١٤٥١ م) ، عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان ، تحقيق عبد الرزاق القرموط ، الزهراء للإعلام العربي ، القاهرة ، ١٩٨٩ م.

ـ الغزي ، الكواكب : نجم الدين الغزي ، (ت ١٠٠٠ ه‍ / ١٥٩١ م) ، الكواكب السائرة في أعيان المئة العاشرة ، ٣ ج ، حققه جبرائيل جبور ، دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، ١٩٧٩ م.

ـ أبو الفداء ، تقويم : عماد الدين إسماعيل بن محمد بن عمر ، (ت ٧٣٢ ه‍ / ١٣٣١ م) ، تقويم البلدان ، دار صادر ، بيروت ، د. ت.

ـ أبو الفداء ، المختصر : المختصر في أخبار البشر ، المعروف بتاريخ أبي الفداء ، ٤ ج في مجلدين ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت ، د. ت.

ـ ابن الفرات : ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم ، (ت ٨٠٧ ه‍ / ١٤٠٤ م) ، تاريخ ابن الفرات ، تحقيق حسن محمد الشماع ، جامعة البصرة ، ١٩٦٧ ـ ١٩٧٠ م ، مجلد ٧ ـ ٩ ، تحقيق قسطنطين زريق وشاركت نجلاء عز الدين في تحقيق المجلد الثامن والجزء الثاني من المجلد التاسع ، المطبعة الأمريكانية ، بيروت ، ١٩٤٢ م.

ـ ابن الفقيه : أبو بكر أحمد بن محمد الهمذاني ، (ت ٣٤٠ ه‍ / ٩٥١ م) ، مختصر كتاب البلدان ، ط ١ ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ١٩٨٩ م.


ـ ابن قتيبة ، المعارف : عبد الله بن مسلم الدينوري ، (ت ٢٦٧ ه‍ / ٨٢٨ م) ، المعارف ، ط ١ ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٩٨٧ م.

ـ ابن قتيبة ، عيون : عيون الأخبار ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٩٨٧ م.

ـ القرماني : أبو العباس أحمد بن يوسف ، (ت ١٠١٩ ه‍ / ١٦١٠ م) ، أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ ، ط ١ ، تحقيق فهمي سعد ورفيقه ، عالم الكتب ، بيروت ، ١٩٩٢ م.

ـ القزويني : زكريا بن محمد ، (ت ٦٨٢ ه‍ / ١٢٨٣ م) ، آثار البلاد وأخبار العباد ، دار صادر ، بيروت ، ١٩٦٠ م.

ـ القشيري : أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن ، (ت ٤٦٥ ه‍ / ١٧٠٣ م) ، الرسالة القشيرية ، دار الجيل ، بيروت ، ١٩٩٠ م.

ـ ابن قطلوبغا : أبو الفداء زين الدين بن قاسم ، (ت ٨٧٩ ه‍ / ١٤٧٤ م) ، تاج التراجم ، تحقيق محمد خير يوسف ، ط ١ ، دار القلم ، دمشق ، ١٩٩٢ م.

ـ القلقشندي ، صبح : أبو العباس أحمد بن علي ، (ت ٨٢١ ه‍ / ١٤١٨ م) ، صبح الأعشى في صناعة الإنشا ، نسخة مصورة عن الطبعة الأميرية ، القاهرة ، ١٩٦٣ م.

ـ القلقشندي ، مآثر : مآثر الأنافة في معالم الخلافة ، تحقيق عبد الستار أحمد فراج ، عالم الكتب ، بيروت ، د. ت.

ـ القلقشندي ، نهاية : نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، د. ت.

ـ ابن القيم ، حادي : أبو عبد الله ابن القيم الجوزية ، (ت ٧٥١ ه‍ / ١٣٥٠ م) ، حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ، دار ابن كثير ، دمشق ، ١٩٩٢ م.

ـ ابن القيم ، زاد : أبو عبد الله بن القيم الجوزية ، (ت ٧٥١ ه‍ / ١٣٥٠ م) ، زاد المعاد في هدي خير العباد ، ٤ ج ، دار الفكر ، بيروت ، د. ت.

ـ الكتبي : محمد بن شاكر الكتبي ، (ت ٧٦٤ ه‍ / ١٣٦٢ م) ، فوات الوفيات ، ٥ ج ، تحقيق إحسان عباس ، دار صادر ، بيروت ، ١٩٧٣ م.

ـ ابن كثير ، البداية : إسماعيل بن عمر الدمشقي ، (ت ٧٧٤ ه‍ / ١٣٧٢ م) ، البداية والنهاية ، ط ٥ ، مكتبة المعارف ، بيروت ، ١٩٨٣ م.

ـ ابن كثير ، تفسير : تفسير ابن كثير ، ٤ ج ، دار التراث العربي ، بيروت ، د. ت.

ـ ابن كثير ، قصص : قصص الأنبياء ، ط ١ ، مكتبة الإيمان ، القاهرة ، د. ت.

ـ ابن كنان : محمد بن عيسى ، (ت ١١٥٣ ه‍ / ١٧٤٠ م) ، جداول الياسمين في ذكر قوانين الخلفاء والسلاطين ، تحقيق عباس صباغ ، دار النفائس ، بيروت ، ١٩٩١ م.

ـ المسعودي : علي بن الحسين ، (ت ٣٤٦ ه‍ / ٩٥٧ م) ، مروج الذهب ومعادن الجوهر ، المكتبة الإسلامية ، بيروت ، د. ت.

ـ مسلم : أبو الحسين مسلم بن الحجاج ، (ت ٢٦١ ه‍ / ٨٧٤ م) ، صحيح مسلم ، دار


إحياء الكتب العربية ، القاهرة ، د. ت.

ـ المقدسي ، مثير : شهاب الدين محمود بن تميم المقدسي ، (ت ٧٥٦ ه‍ / ١٣٥٤ م) ، مثير الغرام في زيارة القدس والشام ، تحقيق أحمد الخطيمي ، ط ١ ، دار الجيل ، بيروت ، ١٩٩٤ م.

ـ المقدسي : محمد بن أحمد ، (ت ٣٩٠ ه‍ / ١٠٠٠ م) ، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ، تحقيق دي خويه ، بريل ، ليدن ، ١٩٠٦ م ، نسخة مصورة ، القاهرة ، ١٩٩٠ م.

ـ المقدسي ، البدء : مطهر بن طاهر ، (ت ٥٠٧ ه‍ / ١١١٣ م) ، البدء والتاريخ ، ٦ ج ، مكتبة الثقافة الدينية ، القاهرة ، د. ت.

ـ المقريزي ، اتعاظ : تقي الدين محمد بن علي ، (ت ٨٤٥ ه‍ / ١٤٤١ م) ، اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء ، ٣ ج ، تحقيق جمال الدين الشيال ، القاهرة ، ١٩٦٧ م.

ـ المقريزي ، الخطط : كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ، المعروفة بالخطط المقريزية ، ٢ ج ، دار صادر ، بيروت ، د. ت.

ـ المقريزي ، السلوك : السلوك لمعرفة دول الملوك ، ٨ ج ، تحقيق محمد عطا ، ط ١ ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٩٩٧ م.

ـ ابن الملقن : سراج الدين عمر بن علي ، (ت ٨٠٤ ه‍ / ١٤٠١ م) ، طبقات الأولياء ، دار المعرفة ، بيروت ، ١٩٨٦ م.

ـ ابن منظور ، لسان : أبو الفضل جمال الدين محمد ، (ت ٧١١ ه‍ / ١٣١١ م) ، لسان العرب ، ١٥ ج ، ط ٣ ، دار صادر ، بيروت ، ١٩٩٤ م.

ـ ابن منظور ، مختصر : مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر ، تحقيق رياض مراد وزميليه ، ط ١ ، دار الفكر ، دمشق ، ١٩٨٤ م.

ـ ابن منقذ : أسامة بن منقذ ، (ت ٥٨٤ ه‍ / ١١٨٢ م) ، كتاب العصا ، ٢ ج ، ط ١ ، تحقيق عبد السلام هارون ، دار الجيل ، بيروت ، ١٩٩١ م.

ـ المنقري : نصر بن مزاحم ، (ت ٢١٢ ه‍ / ٨٢٧ م) ، وقعة صفين ، تحقيق عبد السلام هارون ، مكتبة الخانجي ، مصر ، ط ٤ ، ١٩٨١ م.

ـ النابلسي : عبد الغني النابلسي ، (ت ١١٤٣ ه‍ / ١٧٣١ م) ، الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية ، تحقيق أكرم العلبي ، ط ١ ، دار صادر ، بيروت ، ١٩٩٠ م.

ـ ناصر خسرو : أبو معين القباذي ، (ت ٤٥٣ ه‍ / ١٠٦١ م) ، سفرنامه ، ترجمة يحيى الخشاب ، دار الكتاب الجديد ، ط ٣ ، بيروت ، ١٩٨٣ م.

ـ ابن النديم : أبو الفرج محمد بن أبي يعقوب ، (ت ٢٣٥ ه‍ / ٨٤٩ م) ، الفهرست ، ط ١ ، دار المعرفة ، بيروت ، ١٩٩٤ م.


ـ النعيمي : عبد القادر بن محمد ، (ت ٩٢٧ ه‍ / ١٥٢٠ م) ، الدارس في تاريخ المدارس ، ٢ ج ، مكتبة الثقافة الدينية ، القاهرة ، ١٩٨٨ م.

ـ النووي : أبو زكريا محيي الدين بن شرف ، (ت ٦٧٦ ه‍ / ١٤٠٩ م) ، تهذيب الأسماء واللغات ، ٢ ج ، المطبعة المنيرية ، القاهرة ، د. ت.

ـ الهروي : أبو الحسن علي بن أبي بكر ، (ت ٦١١ ه‍ / ١٢١٥ م) ، كتاب الإشارات إلى معرفة الزيارات ، تحقيق جانين سورديل طومين ، المعهد الفرنسي ، دمشق ، ١٩٥٣ م.

ـ ابن هشام : عبد الملك بن هشام المعافري ، (ت ٢١٣ ه‍ / ٨٢٨ م) ، السيرة النبوية ، ٤ ج ، دار الجيل ، بيروت ، د. ت.

ـ الهمذاني : البلدان ، تحقيق محمد حسين شمس الدين ، ط ١ ، ١٩٨٨ م.

ـ ابن واصل : جمال الدين محمد بن سالم ، (ت ٦٩٧ ه‍ / ١٢٩٨ م) ، مفرج الكروب في أخبار بني أيوب ، ج ١ ـ ٣ ، تحقيق جمال الدين الشيال ، القاهرة ١٩٥٣ ـ ١٩٦٠ م ، ج ٤ ـ ٥ ، تحقيق محمد حسيني ، القاهرة ، ١٩٧٢ ـ ١٩٧٧ م.

ـ الواقدي : أبو عبد الله محمد بن عمر ، (ت ٢٠٧ ه‍ / ٨٢٢ م) ، فتوح الشام ، ٢ ج في مجلد واحد ، مكتبة المحتسب ، عمان ، د. ت.

ـ ابن الوردي : زين الدين عمر بن المظفر ، (ت ٧٤٩ ه‍ / ١٣٤٩ م) ، تتمة المختصر في أخبار البشر ، ٢ ج ، تحقيق أحمد البدراوي ، ط ١ ، دار المعرفة ، بيروت ، ١٩٧١ م.

ـ الوطواط : محمد بن إبراهيم ، (ت ٧١٨ ه‍ / ١٣١٨ م) ، مباهج الفكر ومناهج العبر ، تحقيق عبد العال الشامي ، قسم التراث العربي ، الكويت ، ١٩٨١ م.

ـ اليافعي : عبد الله بن أسعد بن علي ، (ت ٧٦٨ ه‍ / ١٣٦٦ م) ، مرآة الجنان وعبرة اليقظان ، ط ١ ، دار الكتاب الإسلامي ، القاهرة ، ١٩٩٣ م.

ـ اليعقوبي : أحمد بن أبي يعقوب ، (ت ٢٨٤ ه‍ / ٨٩٧ م) ، كتاب البلدان ، دار إحياء التراث العربي ، ط ١ ، بيروت ، ١٩٨٨ م.

ـ أبو يعلي : محمد بن أبي يعلى ، (ت ٥٢٦ ه‍ / ١١٣١ م) ، طبقات الحنابلة ، دار المعرفة ، بيروت.

ـ اليونيني : قطب الدين موسى بن محمد ، (ت ٧٥٦ ه‍ / ١٣٢٦ م) ، كتاب ذيل مرآة الزمان ، ٤ ج ، حيدرآباد الدين ، الهند ، ١٩٥٤ ـ ١٩٦١ م.


المراجع :

ـ إبريغيث : محمد يوسف ، بلدة بيت أمر الأصالة والحضارة ، مطبعة بابل ، حلحول ، ١٩٩٥ م.

ـ الألباني : ناصر الدين ، سلسلة الأحاديث الصحيحة ، ط ٢ ، مكتبة المعارف ، الرياض ، ١٩٩٥ م.

ـ الألباني : ناصر الدين ، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، ط ٥ ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ١٩٨٥ م.

ـ الأنصاري ، شداد : فهمي الأنصاري ، شداد بن أوس ، قسم إحياء التراث الإسلامي ، القدس ، ١٩٨٦ م.

ـ الأنصاري ، عبادة : عبادة بن الصامت ، قسم إحياء التراث الإسلامي ، القدس ، ١٩٧٤ م.

ـ الأنصاري ، ماملا : تراجم أهل مقبرة ماملا ، قسم إحياء التراث الإسلامي ، القدس ، ١٩٨٦ م.

ـ الأنصاري ، مؤرخ : مؤرخ القدس والخليل ، قسم إحياء التراث الإسلامي ، القدس ، ١٩٨٦ م.

ـ البتنوني : محمد لبيب البتنوني ، الرحلة الحجازية ، مكتبة الثقافة الدينية ، القاهرة ، د. ت.

ـ التونجي : محمد التونجي ، المعجم الذهبي ، ط ٢ ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ١٩٨٠ م.

ـ الجابي : بسام عبد الوهاب ، معجم الأعلام ، ط ١ ، الجفان والجابي للطباعة والنشر ، ليماوسل ، ١٩٨٧ م.

ـ جاد المولى بك : محمد أحمد ، قصص القرآن الكريم ، ط ٢ ، مطبعة الاستقامة ، القاهرة ، ١٩٣٩ م.

ـ جب : هاملتون جب ، دراسات في حضارة الإسلام ، ترجمة إحسان عباس وزميليه ، ط ٢ ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ١٩٧٤ م.

ـ جبر : يحيى جبر ، معجم البلدان الأردنية والفلسطينية حتى نهاية القرن الهجري السابع ، دار اللوتس ، ١٩٨٨ م.

ـ حتى : فيليب حتي ، لبنان في التاريخ ، ترجمة أنيس فريحة وزميليه ، مؤسسة فرانكلين ، بيروت ، نيويورك ، ١٩٥٩ م.

ـ الحسيني : إسحاق موسى الحسيني وآخرون ، فهارس كتاب الأنس الجليل ، ط ١ ، مطبعة المعارف ، القدس ، ١٩٨٨ م.

ـ حطيط : أحمد حطيط ، تاريخ لبنان الوسيط ، ط ١ ، دار البحار ، بيروت ، ١٩٨٦ م.


ـ أبو حمد : عرفان أبو حمد ، أعلام من أرض السلام ، شركة الأبحاث العلمية والعملية ، جامعة حيفا ، ١٩٧٩ م.

ـ خمار : قسطنطين خمار ، أسماء الأماكن والمواقع والمعالم الطبيعية والبشرية والجغرافية المعروفة في فلسطين حتى عام ١٩٤٨ م ، ط ٢ ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، ١٩٨٠ م.

ـ أبو حمود : قسطندي أبو حمود ، معجم المواقع الجغرافية في فلسطين ، ط ١ ، جمعية الدراسات العربية ، القدس ، ١٩٨٤ م.

ـ حوى : سعيد حوى ، الرسول ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٩٧٩ م.

ـ الدباغ : مصطفى مراد الدباغ ، بلادنا فلسطين ، ١١ ج ، دار الهدى ، كفر قرع ، فلسطين ، د. ت.

ـ الدبس : يوسف الدبس ، تاريخ سورية ، ٩ ج ، المطبعة العمومية الكاثوليكية ، بيروت ، ١٩٠٢ م.

ـ الدومنيكي : مرمرجي الدومنيكي ، بلدانية فلسطين العربية ، مطبعة جان دارك ، بيروت ، ١٩٤٨ م.

ـ الدوري : عبد العزيز الدوري ، بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب ، دار المشرق ، بيروت ، ١٩٨٣ م.

ـ أبو أرميلة : صلاح أبو أرميلة ورفاقه ، المسجد الإبراهيمي ، قسم إحياء التراث الإسلامي ، القدس ، ١٩٨٥ م.

ـ رنسيمان : ستيفن رنسيمان ، تاريخ الحروب الصليبية ، ترجمة السيد الباز العريني ، ٣ ج ، ط ٣ ، دار الكتب العربية ، بيروت ، ١٩٩٣ م.

ـ الزركلي : خير الدين الزركلي ، الأعلام ، ٨ ج ، ط ٦ ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ١٩٨٤ م.

ـ زيادة : محمد مصطفى زيادة ، المؤرخون في مصر في القرن الخامس عشر الميلادي / التاسع الهجري ، ط ٢ ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ، ١٩٥٤ م.

ـ زيان : حامد زيان ، الامبراطور فردريك برباروسا والحملة الصليبية الثالثة ، دار الثقافة ، القاهرة ، ١٩٧٧ م.

ـ أبو سارة : يوسف اليان ، معجم المطبوعات العربية والمعربة ، مطبعة سركيس ، ١٩٢٨ م.

ـ سلامة : خضر إبراهيم سلامة ، مخطوطات المكتبة البديرية ، مطابع دار الأيتام الإسلامية الصناعية ، القدس ، ١٩٨٧ م.

ـ شراب : محمد محمد ، معجم بلدان فلسطين ، ط ١ ، دار المأمون ، دمشق ، د. ت.

ـ شريدة : محمد شريدة ، الطائفة السامرية ، نابلس ، ١٩٩٤ م.


ـ الشطي : جميل الشطي ، مختصر طبقات الحنابلة ، دمشق ، ١٩٢٠ م.

ـ الشناوي : عبد العزيز الشناوي ، الدولة العثمانية دولة إسلامية مفتري عليها ، ٤ ج ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، ١٩٨٦ م.

ـ أبو شهبا : محمد محمد ، الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ، ط ٤ ، مكتبة السنة ، القاهرة ، ١٩٨٨ م.

ـ طلاس : العماد مصطفى ، قلعة الحصن ، دار طلاس ، ١٩٩٠ م.

ـ طوطح : خليل طوطح ورفيقه ، جغرافية فلسطين ، دار ابن رشد ، د. ت.

ـ العارف ، المفصل : عارف العارف ، المفصل في تاريخ القدس ، القدس ، ١٩٦١ م.

ـ العارف ، تاريخ قبة : تاريخ قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقسى ولمحة عن تاريخ القدس ، مكتبة الأندلس ، القدس ، ١٩٥٥ م.

ـ العارف ، المسيحية : المسيحية في القدس ، ط ١ ، القدس ، ١٩٥١ م.

ـ عاشور ، أوروبا : سعيد عاشور ، أوروبا العصور الوسطى ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، ١٩٦٤ م.

ـ عاشور ، العصر المماليكي : العصر المماليكي في مصر والشام ، ط ٢ ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، ١٩٧٦ م.

ـ عبد الملك : بطرس عبد الملك وآخرون ، قاموس الكتاب المقدس ، ط ٨ ، دار الثقافة ، القاهرة ، ١٩٩٢ م.

ـ عبد المهدي : عبد الجليل عبد المهدي ، بيت المقدس في شعر الحروب الصليبية ٤٩٢ ـ ٦٤٨ ه‍ ، دار البشير ، عمان ، ١٩٨٩ م.

ـ عبيدات : محمود عبيدات ، الأردن في التاريخ ، جروس برس ، طرابلس ، لبنان ، ١٩٩٢ م.

ـ العزة : عبد الله العزة ، نقش حلحول ، دار الخط العربي ، كفر كنا ، ١٩٩٠ م.

ـ العسلي ، أجدادنا : كامل العسلي ، أجدادنا في ثرى بيت المقدس ، ط ١ ، عمان ، ١٩٨١ م.

ـ العسلي ، بيت المقدس : بيت المقدس في كتب الرحالة ، عمان ، ١٩٨٩ م.

ـ عطا الله : محمود عطا الله ، نيابة غزة في العهد المملوكي ، دار الآفاق الجديدة ، ط ١ ، بيروت ، ١٩٨٦ م.

ـ الغامدي : علي محمد الغامدي ، بلاد الشام قبيل الغزو الصليبي ، المكتبة الفيصلية ، السعودية ، ١٩٨٤ م.

ـ غوانمة ، إمارة : يوسف غوانمة ، إمارة الكرك الأيوبية ، ط ٢ ، دار الفكر ، عمان ، ١٩٨٢ م.

ـ غوانمة ، التاريخ : التاريخ الحضاري شرق الأردن في العصر المملوكي ، ط ٢ ، دار الفكر ، عمان ، ١٩٨٢ م.

ـ غوانمة ، نيابة : نيابة بيت المقدس في العصر المملوكي ، دار الحياة ، عمان ، ١٩٨٢ م.


ـ فريد : محمد فريد المحامي ، تاريخ الدولة العلية العثمانية ، تحقيق إحسان عباس ، ط ٢ ، دار النفائس ، ١٩٨٣ م.

ـ كحالة ، معجم المؤلفين : عمر رضا كحالة ، معجم المؤلفين ، ١٥ ج ، مكتبة المثنى ، بيروت ، ١٩٥٧ م.

ـ لسترانج : ج كي لسترانج ، فلسطين في العهد الإسلامي ، ترجمة محمود عمايرة ، ط ١ ، وزارة الثقافة والإعلام ، عمان ، ١٩٧٠ م.

ـ المباركفوري : صفي الرحمن ، الرحيق المختوم ، دار إحياء التراث ، د. ت.

ـ المصري : عبد الرؤوف المصري ، معجم ألفاظ القرآن الكريم ، مطبعة بيت المقدس ، القدس ، ١٩٤٥ م.

ـ المغربي : عبد الرحمن المغربي ، عكا ومنطقتها في العصور الوسطى ، دار الأسوار ، عكا ، ١٩٩٧ م.

ـ مؤنس : حسين مؤنس ، المساجد ، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت ، ١٩٨١ م.

ـ النتشة : رفيق شاكر ، القدس الإسلامية ، ط ١ ، دار نزار رمضان للطباعة والنشر ، الخليل ، ١٩٩٦ م.

ـ النجار : عبد الوهاب ، قصص الأنبياء ، ط ٤ ، المكتبة التجارية ، القاهرة ، ١٩٥٦ م.

ـ نجم : رائف نجم وآخرون ، كنوز القدس ، ط ١ ، مؤسسة آل البيت ، عمان ، ١٩٨٣ م.

ـ الندوي : أبو الحسن علي ، السيرة النبوية ، إحياء التراث الإسلامي ، قطر ، ١٩٨٧ م.

ـ هنتس : فالتر هنتس ، المكاييل والأوزان الإسلامية وما يعادلها في النظام المتري ، ترجمة كامل العسلي ، الجامعة الأردنية ، عمان ، ١٩٧٠ م.

ـ هيكل : محمد حسين ، حياة محمد ، ط ٧ ، دار القلم ، القاهرة ، ١٩٦٠ م.

المقالات العربية والمعربة :

ـ أرنديك : ابن حجر العسقلاني ، دائرة المعارف الإسلامية ١ / ١٣١ ـ ١٣٢.

ـ أيوار : خراسان ، دائرة المعارف الإسلامية ٨ / ٢٨٢ ـ ٢٨٥.

ـ بروكلمان : أبو الفداء ، دائرة المعارف الإسلامية ١ / ٣٨٦ ـ ٣٨٧.

ـ بروكلمان : السيوطي ، دائرة المعارف الإسلامية ٧ / ٢٧ ـ ٣٣.

ـ بروكلمان : أبو المحاسن ، دائرة المعارف الإسلامية ١ / ٣٩٦.

ـ بيكر : بلبيس ، دائرة المعارف الإسلامية ٤ / ٦٧ ـ ٧٥.

ـ بيكر : دمياط ، دائرة المعارف الإسلامية ٩ / ٢٨٧ ـ ٢٩٠.

ـ سوبرنهايم : بعلبك ، دائرة المعارف الإسلامية ٣ / ٧٠٠ ـ ٧٠٤.

ـ سوبر نهايم : ابن إياس ، دائرة المعارف الإسلامية ١ / ٩٢.

ـ هارتمان ، بريد : بريد ، دائرة المعارف الإسلامية ٣ / ٦٠٩ ـ ٦١١.


الموسوعات :

ـ بعلبكي : منير بعلبكي ، دائرة معارف ميسرة ، بيروت ، ١٩٩٠ م.

ـ الخليلي : جعفر الخليلي ، موسوعة العتبات المقدسة ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، ط ٢ ، بيروت ، ١٩٨٧ م.

ـ عفيف : أحمد عفيف وآخرون ، الموسوعة اليمنية ، دار الفكر المعاصر ، بيروت ، ١٩٩٢ م.

ـ غالب : عبد الرحيم غالب ، موسوعة العمارة الإسلامية ، جروس برس ، بيروت ، ١٩٨٨ م.

ـ المرعشلي : أحمد المرعشلي وآخرون ، موسوعة المدن الفلسطينية ، هيئة الموسوعة الفلسطينية ، دمشق ، ١٩٨٤ م.

ـ الندوة العالمية للشباب الإسلامي : موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة ، ط ٢ ، السعودية ، ١٩٨٩ م.


فهرس الموضوعات

ـ الإهداء........................................................................ ٣

ـ شكر وتقدير................................................................... ٥

ـ تقديم.......................................................................... ٧

ـ المقدمة......................................................................... ٩

أولا : محي الدين العليمي

حياته......................................................................... ١١

ـ ولادته ونشأته................................................................. ١٢

ـ شيوخه....................................................................... ١٣

ـ رحلاته....................................................................... ١٨

ـ وظائفه....................................................................... ١٩

ـ وفياته........................................................................ ٢٠

ثانيا :

ـ لحياة العلمية في عصر العليمي................................................... ٢١

ـ أشهر المدارس في الشام......................................................... ٢٢

ـ نماذج عن المدارس في بيت المقدس في عصر المملوكي................................ ٢٤

ـ أشهر المؤرخين في عصر العليمي................................................. ٢٧

ثالثا :

ـ التعريف بالكتاب.............................................................. ٣٢

ـ نسخ المخطوط................................................................ ٤١

ـ منهج التحقيق................................................................. ٥٨

ـ نبذة يسيرة من تفسير أول سورة الإسراء وذكر أسماء المسجد الأقصى................. ٦٨

ـ ذكر أول ما خلق الله سبحانه وتعالى خلق العرش الكرسي و ... الخ.................. ٧٣

ـ خلق الأرضين والجبال والبحار................................................... ٧٤

ـ العقل........................................................................ ٧٦

ـ الشمس والقمر................................................................ ٧٨

ـ خلق الجنة والنار وما فيهما...................................................... ٧٩


ـ ذكر الجن والجان وما كان من ابتداء أمرهم وعبادة إبليس............................ ٨١

ـ ذكر آدم عليه‌السلام................................................................ ٨٤

ـ ذكر نوح عليه‌السلام................................................................ ٨٨

ـ ذكر هود وصالح عليهما‌السلام........................................................ ٩٢

ـ ذكر قصة إبراهيم الخليل وأبنائه الكرام............................................ ٩٤

ـ ذكر هجرة إبراهيم عليه‌السلام...................................................... ١٠٩

ـ قصة بناء الكعبة المشرفة وذكر إسماعيل عليه‌السلام.................................... ١١٣

ـ قصة الذبيح................................................................. ١١٦

ـ ذكر شراء المغارة............................................................. ١٢١

ـ ذكر ختانه وتسروله وشبته عليه‌السلام.......................................... ١٢٨

ـ ذكر رأفته بهذه الأمة......................................................... ١٣٠

ـ ذكر ضيافته وأخلاقه الكريمة.................................................. ١٣١

ـ ذكر معنى الخلة.............................................................. ١٣٤

ـ ذكر وفاته.................................................................. ١٣٥

ـ ذكر قصة الإسكندر......................................................... ١٣٧

ـ ذكر بناء سليمان عليه‌السلام والحير الذي على المغارة بوحي من الله...................... ١٣٧

ـ ذكر قصة سيدنا الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام وخص زيارته................... ١٣٨

ـ آداب الزيارة................................................................. ١٤٠

ـ فضل في حكم السور السليماني................................................ ١٤٢

ـ ذكر ذرعه طولا وعرضا....................................................... ١٤٣

ـ ذكر إسحاق عليه‌السلام........................................................... ١٤٩

ـ ذكر يعقوب عليه‌السلام........................................................... ١٥١

ـ ذكر يوسف عليه‌السلام........................................................... ١٥٣

ـ ذكر لوط عليه‌السلام.............................................................. ١٥٨

ـ ذكر أيوب عليه‌السلام............................................................. ١٦١

ـ ذكر شعيب عليه‌السلام............................................................ ١٦٢

ـ ذكر سيدنا الكليم وأخيه هارون عليه‌السلام.......................................... ١٦٢

ـ قصة التابوت................................................................ ١٦٦

ـ قصة الرضاع................................................................ ١٦٧

ـ قصة القبطي................................................................ ١٦٩


ـ قصة أرض مدين............................................................. ١٧٠

ـ قصة رجوعه من أرض مدين................................................... ١٧٢

ـ قصة دخوله إلى مصر........................................................ ١٧٤

ـ قصة الحية واليد البيضاء...................................................... ١٧٦

ـ قصة السحرة................................................................ ١٧٧

ـ قصة الصرح................................................................. ١٧٩

ـ قصة الآيات التسع........................................................... ١٧٩

ـ قصة المسخ وقتل آسية........................................................ ١٨٠

ـ قصة النيل.................................................................. ١٨٠

ـ قصة عرق فرعون وخروج موسى من مصر....................................... ١٨١

ـ قصة السامري............................................................... ١٨٣

ـ قصة طلب الرؤية............................................................ ١٨٤

ـ قصة الجبل.................................................................. ١٨٧

ـ قصة الحجر................................................................. ١٨٧

ـ قصة طلب بني إسرائيل الرؤية.................................................. ١٨٨

ـ قصة الجبارين والتيه والحطة.................................................... ١٨٩

ـ قصة قارون................................................................. ١٩١

ـ قصة الخضر عليه‌السلام............................................................ ١٩٢

ـ قصة البقرة.................................................................. ١٩٣

ـ ذكر وفاة هارون عليه‌السلام........................................................ ١٩٦

ـ وفاة موسى عليه‌السلام............................................................ ١٩٧

ـ ذكر السبب من ملك سيدنا داود عليه‌السلام......................................... ٢٠١

ـ ذكر قصة أوريا.............................................................. ٢٠٦

ـ ذكر بناء سيدنا عليه‌السلام مسجد بيت المقدس...................................... ٢١٤

ـ ذكر ملك سليمان عليه‌السلام...................................................... ٢١٨

ـ ذكر بناء سليمان عليه‌السلام مدينة القدس ومسجدها................................. ٢١٩

ـ قصة طلسم الحياة............................................................ ٢٢٩

ـ قصة بلقيس................................................................. ٢٣٠

ـ قصة سليمان................................................................ ٢٤٦

ـ ذكر وفاته عليه‌السلام............................................................. ٢٥٢


ـ ذكر خراب بيت المقدس على يد بخت نصر..................................... ٢٥٤

ـ ذكر عمارة بيت المقدس ثانية.................................................. ٢٥٩

ـ ذكر أرميا عليه‌السلام.............................................................. ٢٦٢

ـ فصل....................................................................... ٢٦٣

ـ ذكر سيدنا يونس بن متى عليه‌السلام................................................ ٢٦٤

ـ ذكر زكريا ويحيى وعيسى عليه‌السلام................................................. ٢٦٧

ـ نزول المائدة................................................................. ٢٧١

ـ ذكر صعود عيسى عليه‌السلام إلى السماء............................................ ٢٧٥

ـ ذكر خراب بيت المقدس...................................................... ٢٧٨

ـ الخراب الثاني وهلاك اليهود ... الخ............................................. ٢٧٨

ـ ذكر عمارة بيت المقدس ... الخ............................................... ٢٨٠

ـ قصة الفيل.................................................................. ٢٨٣

ـ ذكر سيد الأولين والآخرين ... الخ............................................. ٢٨٤

ـ ذكر مبعثه وابتداء الوحي...................................................... ٢٨٩

ـ الهجرة الأولى................................................................ ٢٩١

ـ أمر الصحيفة................................................................ ٢٩٢

ـ قصة المعراج وما وقع ... الخ................................................... ٢٩٣

ـ ابتداء أمر الأنصار........................................................... ٣٠٠

ـ بيعة العقبة الأولى والثانية...................................................... ٣٠٠

ـ ذكر الهجرة.................................................................. ٣٠١

ـ ذكر مسجد الشريف النبوي................................................... ٣٠٣

ـ عمرة القضاء................................................................ ٣٢٠

ـ نقض الصلح وفتح مكة...................................................... ٣٢١

ـ غزوة حنين.................................................................. ٣٢٨

ـ حج أبي بكر................................................................ ٣٣٢

ـ حجة الوداع................................................................. ٣٣٣

ـ ذكر وفاته عليه الصلاة والسلام................................................ ٣٣٤

ـ ذكر صفاته ومعجزاته ونبذه................................................... ٣٣٨

ـ ذكر أزواجه صلى‌الله‌عليه‌وسلم............................................................. ٣٣٩

ـ ذكر الأسود العنسى ومسيلمة وكاج ... الخ..................................... ٣٤١


ـ فصل في الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم................................................ ٣٤٣

ـ فصل في زيارة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.................................................. ٣٤٤

ـ ذكر فضائل مسجد الأقصى ... الخ........................................... ٣٤٦

ـ فصل الصلاة في بيت المقدس.................................................. ٣٤٩

ـ مضاعفة الصلاة في بيت المقدس............................................... ٣٥٠

ـ مضاعفة الحسنات والسيئات.................................................. ٣٥٠

ـ شد الرحال إليه.............................................................. ٣٥١

ـ كراهية استقبال الصخر ببول أو غائط.......................................... ٣٥١

ـ فصل الإهلال بالحج والعمرة من بيت المقدس.................................... ٣٥١

ـ الماء تخرج والرياح من تحت الصخرة من بيت المقدس.............................. ٣٥٢

ـ بيت المقدس أرض المحشر والمنشر............................................... ٣٥٢

ـ توكل الملائكة بالمسجد الحرام والمدينة ... الخ..................................... ٣٥٣

ـ فضل إسراج بيت المقدس..................................................... ٣٥٤

ـ صفة الدجال ... الخ......................................................... ٣٥٤

ـ فصل الآذان................................................................ ٣٥٦

ـ فصل في الصدقة............................................................. ٣٥٦

ـ فصل الصيام فيه والاستغفار................................................... ٣٥٦

ـ فصل الدفن فيه.............................................................. ٣٥٧

ـ فصل الصخرة............................................................... ٣٥٧

ـ فصل الصلاة عن يمين الصخرة................................................ ٣٥٨

ـ البلاطة..................................................................... ٣٥٨

ـ اليمن عند الصخرة........................................................... ٣٥٨

ـ فضل الصخرة............................................................... ٣٥٨

ـ نبذة مما ذكر من فضائل بيت المقدس........................................... ٣٦٠

ـ ذكر ما يستحب أن يدعى به ... الخ.......................................... ٣٦٤

ـ ذكر الفتح العمري........................................................... ٣٦٦

ـ ذكر وفاة عمر رضي‌الله‌عنه......................................................... ٣٨٣

ـ أول من بيت المقدس من الصحابة.............................................. ٣٨٥

ـ ذكر المهدب الذي يكون آخر الزمان ... الخ.................................... ٣٩٤

ـ ذكر بناء عبد الملك بن مروان لقبة الصخرة ... الخ............................... ٣٩٧


ـ ذكر هيئة المسجد الأقصى ... الخ............................................. ٤١٠

ـ ذكر جماعة من أعيان التابعين ... الخ.......................................... ٤٥٠

ـ ذكر تغلب الإفرنج على بيت المقدس واستلائهم عليه............................. ٤٤٥

ـ ذكر الفتح الصلاحي ... الخ.................................................. ٤٥٠

ـ فتح طبريه................................................................... ٤٦٣

ـ وقعة حطين................................................................. ٤٦٣

ـ فتح عكا................................................................... ٤٦٦

ـ فتح الناصرة وصفورية......................................................... ٤٦٧

ـ فتح قيسارية................................................................. ٤٦٨

ـ فتح نابلس.................................................................. ٤٦٨

ـ فتح القولة وغيرها............................................................ ٤٦٨

ـ فتح تبنين................................................................... ٤٧٠

ـ فتح صيدا................................................................... ٤٧٠

ـ فتح بيروت.................................................................. ٤٧٠

ـ فتح جبيل................................................................... ٤٧٠

ـ هلاك القومص دخول المركيس إلى صور......................................... ٤٧٠

ـ فتح عسقلان وغزة والرملة ... الخ.............................................. ٤٧١

ـ فتح بيت المقدس............................................................. ٤٧٢

ـ ذكر يوم الفتح............................................................... ٤٧٤

ـ ذكر أول خطبة بعد الفتحة................................................... ٤٧٧

ـ محراب داود عليه‌السلام وغيره من المشاهد............................................ ٤٨٥

ـ ذكر رسالة السلطان للخليفة.................................................. ٤٨٦

ـ ذكر ماتم على الأسطول...................................................... ٤٩٢

ـ فتح حصن هونين............................................................ ٤٩٢

ـ ذكر حال الكرك من أول الفتح................................................ ٤٩٣

ـ فتح جبلة................................................................... ٤٩٤

ـ فتح اللاذقية................................................................ ٤٩٦

ـ فتح حصن صهيون وغيره..................................................... ٤٩٧

ـ حصن صهيون برزيه.......................................................... ٤٩٨

ـ حصن صهيون درسباك....................................................... ٤٩٨


ـ حصن صهيون بغراس......................................................... ٤٩٨

ـ عقد الهدنة مع أنطاكية....................................................... ٤٩٩

ـ فتح الكرك وحصونه.......................................................... ٤٩٩

ـ محاصرة صفد وفتحها......................................................... ٥٠٠

ـ حصار كوكب وفتحها........................................................ ٥٠٠

ـ مسير الفرنج إلى عكا......................................................... ٥٠٢

ـ الوقعة الكبرى............................................................... ٥٠٤

ـ وصول ملك الألمان........................................................... ٥٠٦

ـ ذكر نساء الإفرنج............................................................ ٥٠٦

ـ وقعة الرمل.................................................................. ٥٠٧

ـ فتح ثقيف أرنون............................................................. ٥٠٨

ـ مقاتلة الفرنج عكا............................................................ ٥٠٨

ـ وصول الأسطول من مصر.................................................... ٥٠٩

ـ قصة ملك الألمان............................................................ ٥١٠

ـ وقعة العادلية................................................................ ٥١١

ـ ذكر ما تجدد للفرنج موصول الكندهري......................................... ٥١٢

ـ حريق المنجنيقات............................................................. ٥١٢

ـ وصول وفد ملك الألمان....................................................... ٥١٢

ـ ذكر الذباب................................................................ ٥١٣

ـ ذكر الكبش وحريقه.......................................................... ٥١٣

ـ ذكر غير ذلك من الحوادث................................................... ٥١٤

ـ توبة رأس الماء................................................................ ٥١٤

ـ وقعة الكمين................................................................ ٥١٥

ـ ذكر غير ذلك من الحوادث................................................... ٥١٦

ـ وصول ملك الأفرنسيس ... الخ................................................ ٥١٧

ـ قصة الرضيع ... الخ......................................................... ٥١٨

ـ وصول ملك الأنكثير......................................................... ٥١٩

ـ غرق البطة.................................................................. ٥١٩

ـ حريق الدبابة................................................................ ٥١٩

ـ ذكر المركيس ومقاومته........................................................ ٥٢٠


ـ فصل....................................................................... ٥٢٠

ـ استيلاء الفرنج على عكا...................................................... ٥٢٢

ـ غور ملك الأنكثير وقتل المسلمين ... الخ....................................... ٥٢٤

ـ رحيل الفرنج إلى عسقلان..................................................... ٥٢٤

ـ وقعة قيسارية................................................................ ٥٢٤

ـ اجتماع الملك العادل وملك الأنكلير............................................ ٥٢٥

ـ واقعة أرسوف............................................................... ٥٢٥

ـ خراب عسقلان.............................................................. ٥٢٦

ـ فصل....................................................................... ٥٢٦

ـ ذكر ما تحدد لملك الأنكثير.................................................... ٥٢٧

ـ وقعة الكمين................................................................ ٥٢٨

ـ اجتماع الملك العادل بملك الأنكثير............................................. ٥٢٨

ـ وصول السلطان إلى القدس.................................................... ٥٢٩

ـ ذكر ما اعتمده السلطان في عمارة القدس....................................... ٥٢٩

ـ ذكر الحوادث مع الفرنج...................................................... ٥٣٠

ـ هلاك المربس بصور........................................................... ٥٣١

ـ استيلاء الفرنج على قلعة الداروم............................................... ٥٣٢

ـ كبسة الفرنج على عسكر مصر الواصل......................................... ٥٣٣

ـ رحيل ملك الأنكثير ... الخ................................................... ٥٣٣

ـ نزول السلطان على مدينة يافا وفتحها.......................................... ٥٣٤

ـ الهدنة العامة................................................................. ٥٣٥

ـ ذكرى ما جرى بعد الصلح.................................................... ٥٣٦

ـ رحيل السلطان إلى دمشق..................................................... ٥٣٧

ـ وصول الألبرنس صاحب أنطاكية.............................................. ٥٣٨

ـ وصول السلطان إلى دمشق.................................................... ٥٣٨

ـ ذكر وفاة السلطان رحمة الله عليه............................................... ٥٣٩

ـ ذكر ما استقر عليه الحال بعد وفاة الملك صلاح الدين............................ ٥٤٤

ـ تخريب اسوار بيت المقدس..................................................... ٥٥٠

ـ وفاة الخليفة الناصر الذي فتح القدس في أيامه.................................... ٥٥٣

ـ وفاة الخليفة الناصر الذي فتح القدس في أيامه.................................... ٥٥٣

ـ ذكر تسليم بيت المقدس...................................................... ٥٥٥




الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل - ١

المؤلف:
الصفحات: 584