

بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيم
الحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين .
أما بعد فهذا هو
الجزء الثامن من موسوعة « بحوث في الملل والنحل » نقدمه للقراء الكرام حول الإسماعيلية وغيرها من الفرق الشيعية وبه تنتهي سلسلة تلك البحوث نحمده سبحانه ونشكره إنّه بذلك حقيق.
تمهيد
الإسماعيلية فرقة من
الشيعة القائلة بأنّ الإمامة بالتنصيص من النبي أو الإمام القائم مقامه ، غير انّ هناك خلافاً بين الزيدية والإمامية في عدد الأئمة ومفهوم التنصيص.
فالأئمّة المنصوصة
خلافتهم وإمامتهم بعد النبي عند الزيدية لا يتجاوز عن الثلاثة : عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام ، والسبطين الكريمين : الحسن والحسين عليهمالسلام وبشهادة الأخير غلقت دائرة التنصيص ، وجاءت مرحلة الانتخاب بالبيعة على تفصيل مرّ في الجزء السابع.
وأمّا الأئمّة
المنصوصون عند الإمامية فاثنا عشر إماماً ، آخرهم غائبهم ، يُظهره الله سبحانه عندما يشاء وقد حُوِّل أمر الأُمّة ـ في زمان غيبته ـ إلى
الفقيه العارف بالأحكام والسنن ، والواقف على مصالح المسلمين ، على النحو المقرّر في كتبهم وتآليفهم.
وأمّا الإسماعيلية
فقد افترقت إلى فرق مختلفة :
١. القرامطة : القائلة بإمامة محمد بن إسماعيل ابن الإمام الصادق وغيبته ، ثمّ دخلت الإمامة في كهف الاستتار.
٢. الدروز : وهم يسوقون الإمامة إلى الإمام الحادي عشر الحاكم بأمر الله ،
ثمّ يقولون بغيبته وينتظرون ظهوره.
٣. المستعلية : وهؤلاء يسوقون الإمامة إلى الإمام الثالث عشر المستنصر بالله ،
ويقولون بإمامة ابنه المستعلى بالله بعده ، وهم المعروفون بالبهرة ، وقد انقسمت المستعلية سنة ٩٩٩ هـ إلى فرقتين : داودية وسليمانية ، سيوافيك بيانها.
٤. النزارية : وهؤلاء يسوقون الإمامة إلى المستنصر بالله ، ثمّ يقولون بإمامة
ابنه الآخر نزار بن معد ، وقد انقسمت النزارية إلى : مؤمنية وقاسمية المعروفة بالآغاخانية ، وسيأتي سبب الانقسام وزمانه والركب الإمامي منقطع عن السير عند الجميع إلّا القاسمية حيث يقولون باستمرار الإمامة إلى العصر الحاضر.
هذا كلّه حول
اختلافهم في استمرار الإمامة ، وأمّا اختلافهم مع الزيدية والإمامية في مفهوم التنصيص ، فإنّه عند الفرقتين الأخيرتين يرجع إلى تعيين الإمام
والقائم بالأمر باللفظ والاشهاد ، بخلاف الإسماعيلية فإنّها تنتقل عندهم من الآباء إلى الأبناء ، ويكون انتقالُها عن طريق الميلاد الطبيعي ، فيكون ذلك بمثابة
نص من الأب بتعيين الابن ، وإذا كان للأب عدة أبناء فهو بما أُوتي من معرفة خارقة للعادة يستطيع أن يعرف من هو الإمام الذي وقع عليه النص. فالقول بأنّ الإمامة عندهم بالوراثة أولى من القول بالتنصيص.
وعلى كلّ تقدير فهذه
الفرقة ، منشقة عن الشيعة ، معتقدة بإمامة إسماعيل ابن جعفر بعد الإمام الصادق عليهالسلام وهي متواجدة في كثير من الأقطار ، منها
: الهند ، وباكستان ، واليمن ونواحيها ، وسوريا ، ولبنان وأفغانستان ، وإفريقية
وإيران ونحقّق مذهبهم وفرقهم وآثارهم في ضمن فصول :


إنّ للمذهب الإسماعيلي
آراءً وعقائداً ، ستوافيك تفاصيلها في الفصول الآتية نذكرها هنا على وجه الإيجاز :
الأُولى : إنتماؤهم إلى بيت الوحي والرسالة
كانت الدعوة الإسماعيلية
يوم نشوئها دعوة بسيطة لا تتبنّى سوى : إمامة المسلمين ، وخلافة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، واستلام الحكم من العباسيّين بحجة
ظلمهم وتعسّفهم ؛ غير أنّ دعوة بهذه السذاجة لا يكتب لها البقاء إلّا باستخدام عوامل تُضمن لها البقاء ، وتستقطب أهواءَ الناس وميولهم.
ومن تلك العوامل التي
لها رصيد شعبي كبير هو ادّعاء انتماء أئمّتهم إلى بيت الوحي والرسالة ، وكونهم من ذرية الرسول وأبناء بنته الطاهرة فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، وكان المسلمون منذُ عهدِ الرسول
يتعاطفون مع أهل بيت النبيّ ، وقد كانت محبتهم وموالاتهم شعار كلّ مسلم واع.
وممّا يشير إلى ذلك
انّ الثورات التي نشبتْ ضدّ الأُمويين كانت تحمل شعار حب أهل البيت عليهمالسلام والاقتداء بهم والتفاني دونهم ، ومن
هذا المنطلق صارت الإسماعيلية تفتخر بانتماء أئمتهم إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى إذا تسلّموا مقاليد الحكم وقامت دولتهم ، اشتهروا بالفاطميين ، وكانت التسمية يومذاك تهزّ المشاعر وتجذب العواطف بحجة انّ الأبناء يرثون ما للآباء من الفضائل والمآثر ، وانّ تكريم ذرية الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم تكريم له صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فشتان ما بين بيت أُسس بنيانه على
تقوى من الله ورضوانه ، وبيت أُسّس بنيانه على شفا جرف هار ، فانهار به في نار جهنم.
الثانية : تأويل الظواهر
إنّ تأويل الظواهر
وإرجاعها إلى خلاف ما يتبادر منها في عرف المتشرّعة هي السمة البارزة الثانية للدعوة الإسماعيلية ، وهي إحدى الدعائم الأساسية بحيث لو انسلخت الدعوة عن التأويل واكتفت بالظواهر ، لم تتميز عن سائر الفرق الشيعية إلّا بصَرف الإمامة عن الإمام الكاظم عليهالسلام إلى أخيه إسماعيل بن جعفر ، وقد بنوا على هذه الدعامة مذهبهم في مجالي العقيدة والشريعة ، وخصوصاً فيما يرجع إلى تفسير الإمامة وتصنيفها إلى أصناف ، سيوافيك بيانه.
ولم يكن تأويل
الظواهر أمراً مبتدعاً ، بل سبقهم ثلة من المندسّين في أصحاب الإمام الصادق عليهالسلام الذين طردهم الإمام ولعنهم وحذّر شيعته
من الاختلاط بهم ، لصيانتهم عن التأثر بآرائهم والانجراف في متاهاتهم كأبي منصور ، وأبي الخطاب ، والمغيرة بن سعيد ، وغيرهم من ملاحدة عصره وزنادقة زمانه.
إنّ تأويل الظواهر
والتلاعب بآيات الذكر الحكيم وتفسيرها بالأهواء والميول جعل المذهب الإسماعيلي يتطور مع تطور الزمان ، ويتكيّف بمكيفاته ، ولا ترى الدعوة أمامها أي مانع من مماشاة المستجدات وإن كانت على خلاف الشرع أو الضرورة الدينية.
الثالثة : تطعيم مذهبهم بالمسائل الفلسفية
إنّ ظاهرة الجمود على
النصوص والظواهر ورفض العقل في مجالات العقائد ، كانت من أهمّ ميزات العصر العباسي حيث كانوا يرفضون كل بحثٍ عقلي خارج عن هذا الإطار خاصّة في عهد المنصور والرشيد ، فقد طردوا حماة البحث الحرّ والانفتاح الفكري وضيّقوا عليهم.
إنّ هذه الظاهرة على
خلاف الشريعة ، التي تدعو إلى التفكّر والتعقّل. وكان
الإمام
علي عليهالسلام أوّل من فتحَ باب الأبحاث العقلية على
مصراعيه وبيّن الخطوط العريضة لكثير من العقائد على ضوء البرهان والدليل.
إنّ ظاهرة الجمود في
أوساط العباسيين ولّدت ردّ فعلٍ عند أئمة الإسماعيليّة ، فانجرفوا في تيارات المسائل الفلسفية وجعلوها من صميم الدين وجذوره ، وانقلب المذهب إلى منهج فلسفي يتطوّر مع تطوّر الزمن ، ويتبنّى أُصولاً لا تجد منها في الشريعة الإسلامية عيناً ولا أثراً.
يقول المؤرّخ الإسماعيلي
المعاصر : إنّ كلمة « إسماعيلية » كانت في بادئ الأمر تدل على أنّها من إحدى الفرق الشيعية المعتدلة ، لكنّها صارت مع تطور الزمن حركة عقلية تدلّ على أصحاب مذاهب دينية مختلفة ، وأحزاب سياسية واجتماعية متعدّدة ، وآراء فلسفية وعلمية متنوعة.
الرابعة : تنظيم الدعوة
ظهرت الدعوة الإسماعيلية
في ظروف ساد فيها سلطانُ العباسيين شرقَ الأرض وغربها ، ونشروا في كلّ بقعة جواسيس وعيوناً ينقلون الأخبار ـ خاصة أخبار مخالفيهم ومناوئيهم ـ إلى مركز الخلافة الإسلامية ، ففي مثل هذه الظروف العصيبة لا يكتب النجاح لكلّ دعوة تقوم ضد السلطة إلّا إذا امتلكت تنظيماً وتخطيطاً متقناً يضمن استمرارَها ، ويصون دعاتها وأتباعها من حبائل النظام الحاكم وكشف أسرارهم.
وقد وقف الدعاة على
خطورة الموقف وأحسّوا بلزوم إتقان التخطيط والتنظيم ، وبلغوا فيه الذروة بحيث لو قورنت مع أحدث التنظيمات الحزبية العصرية ، لفاقتها وكانت لهم القدح المعلّى في هذا المضمار ، وقد ابتكروا أساليب
______________________
دقيقة
يقف عليها من سبر تراجمهم وقرأ تاريخهم ، ولم يكتفوا بذلك فحسب بل جعلوا تنظيمات الدعوة من صميم العقيدة وفلسفتها.
يقول المؤرخ الإسماعيلي
المعاصر : وبالحقيقة لم توجه أية دولة من الدول ، أو فرقة من الفرق ، اهتماماً خاصاً بالدعاية وتنظيمها ، كما اهتمّت بها الإسماعيلية ،
فجعلت منها الوسيلة الرئيسية لتحقيق نجاح الحركة في دور الستر والتخفّي ، ودور الظهور والبناء معاً. ولقد أحدث التخطيط الدعاوي المنظم تنظيماً عجيباً لم يسبقهم إليه أحد في العالم ، وابتكرت الأساليب المبنية على أُسس مكينة مستوحاة من عقيدتها الصميمة.
ولقد برعوا براعة لا
توصف في تنظيم أجهزة الدعاية ـ على قِلّة الوسائل في ذلك العصر ـ واستطاعوا أن يشرفوا بسرعة فائقة على أقاصي بقاع البلدان الإسلامية ، ويتنسمون أخبار أتباعهم في الأبعاد المتناهية. وذلك بما نظموا من أساليب وأحدثوا من وسائل. وقد كان للحمام الزاجل ـ الذي برع في استخدامه دعاة الإسماعيلية ـ أثره الفعّال في تنظيم نقل الأخبار والمراسلات السرية الهامّة.
الخامسة
: إضفاء طابع القداسة على أئمّتهم ودعاتهم
شعرت الدعوة الإسماعيلية
أيام نشوئها بأنّه لا بقاء لها إلّا إذا أضفتْ طابع القداسة على أئمّتهم ودعاتهم بحيث توجب مخالفتهم مروقاً عن الدين وخروجاً عن طاعة الإمام « والجدير بالاهتمام انّ الإمام الإسماعيلي ـ والذي يعتبر رئيساً للدعوة ـ جعل الدعاة من ( حدود الدين ) إمعاناً منه في إسباغ الفضائل عليهم ليتمكّنوا من نشر الدعوة وتوجيه الأتباع والمريدين دونما أيّة معارضة أو مخالفة ،
______________________
لأنّ
مخالفتهم ومعارضتهم تعتبر بالنسبة للإسماعيلية مروقاً عن الدين ، وخروجاً عن طاعة الإمام نفسه ، لأنّهم من صلب العقيدة وحدودها ».
إنّ الإمامة تحتل عند
الإسماعيلية مركزاً مرموقاً ولها درجات ومقامات مختلفة ـ سيوافيك تفصيلها في مظانها ـ حتى أضحت من أبرز سمات المذهب الإسماعيلي فهم يعتقدون بالنطقاء الستة ، وانّ كلّ ناطق رسول يتلوه أئمة سبعة :
١. فآدم رسول ناطق
تلته أئمة سبعة بعده.
٢. فنوح رسول ناطق
تلته أئمة سبعة.
٣. فإبراهيم رسول
ناطق جاءت بعده أئمة سبعة.
٤. فموسى رسول ناطق
تلته أئمة سبعة.
٥. فعيسىٰ رسول
ناطق تلته أئمة سبعة.
٦. فمحمّد رسول ناطق
تلته أئمة سبعة ، وهم :
علي بن أبي طالب ، الحسن
بن علي ، الحسين بن علي ، علي بن الحسين ، محمد ابن علي الباقر ، جعفر بن محمد الصادق ، إسماعيل بن جعفر.
وبذلك يتم دور الأئمة
السبعة ويكون التالي رسولاً ناطقاً سابعاً وناسخاً للشريعة السابقة وهو محمد بن إسماعيل وهذا ممّا يصادم عقائد جمهور المسلمين من أنّ نبيّ الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين ، وشريعته
خاتمة الشرائع ، وكتابه خاتم الكتب.
فعند ذلك وقعت الإسماعيلية
في مأزق كبير سيوافيك تفصيله في الفصول الآتية إن شاء الله تعالى.
______________________
السادسة : تربية الفدائيين
للدفاع عن المذهب
إنّ الأقلية المعارضة
من أجل الحفاظ على كيانها لا مناص لها من تربية فدائيين مضحِّين بأنفسهم في سبيل الدعوة لصيانة أئمّتهم ودعاتهم من تعرض الأعداء ، فينتقون من العناصر المخلصة المعروفة بالتضحية والإقدام ، والشجاعة النادرة ، والجرأة الخارقة ، ويكلَّفون بالتضحيات الجسدية ، وتنفيذ أوامر الإمام
أو نائبه ، وإليك أحد النماذج المذكورة في التاريخ :
في سنة ٥٠٠ هجرية فكر
فخر الملك بن نظام وزير السلطان سنجر ، أن يثأر لأبيه وهاجم قلاع الإسماعيلية ، فأوفد إليه الحسن بن الصباح أحد فدائييه فقتله بطعنة خنجر ، ولقد كانت قلاعه في حصار مستمر من قبل السلجوقيين.
وفي سنة ٥٠١ هـ حوصرت
قلعة « آلموت » من قبل السلطان السلجوقي واشتد الحصار عليها ، فأرسل السلطان رسولاً إلى الحسن بن الصباح يطلب منه الاستسلام ، ويدعوه لطاعته ، فنادى الحسن أحد فدائييه وقال له : ألقي بنفسك من هذا البرج ففعل ، وقال للثاني : اطعن نفسك بهذا الخنجر ففعل ، فقال للرسول : اذهب وقل لمولاك إنّه لدي سبعونَ ألفاً من الرجال الأُمناء المخلَصين أمثال هؤلاء الذين يبذلون دماءهم في سبيل عقيدتهم المثلى.
وقد تفشّت هذه
الظاهرة بين أوساطهم ، وآل أمر الأتباع إلى طاعة عمياء لأئمتهم ودعاتهم في كلّ حكم يصدر عن القيادة العامة ، أو الدعاة الخاصين دون الإفصاح عن أسبابه ، وبلغ بهم الأمر إطاعتهم لأئمّتهم في رفع بعض الأحكام الإسلامية عن الجيل الإسماعيلي بحجة انّ العصر يضاده ، ويشهد على ذلك ما كتبه المؤرّخ الإسماعيلي إذ يقول عن إمام عصره آغا خان الثالث إنّه قال : « إنّ الحجاب يتعارض والعقائد الإسماعيلية ، وإنّي أُهيب بكل إسماعيلية أن تنزع
______________________
نقابَها
، وتنزل إلى معترك الحياة لتساهم مساهمة فعالة في بناء الهيكل الاجتماعي والديني للطائفة الإسماعيلية خاصّة وللعالم الإسلامي عامة ، وأن تعمل جنباً إلى جنب مع الرجل في مختلف نواحي الحياة إسوة بجميع النساء الإسماعيليات في العالم ، وآمل في زيارتي القادمة أن لا أرى أثراً للحجاب بين النساء الإسماعيليات
، وآمرك أن تبلغ ما سمعت لعموم الإسماعيليات بدون إبطاء ».
السابعة : كتمان الوثائق
إنّ استعراض تاريخ
الدعوات الباطنية السرية وتنظيماتها رهن الوقوف على وثائقها ومصادرها التي تنير الدرب لاستجلاء كنهها ، وكشف حقيقتها وما غمض من رموزها ومصطلحاتها ، ولكن للأسف الشديد انّ الإسماعيلية كتموا وثائقهم وكتاباتهم ومؤلفاتهم وكلّ شيء يعود لهم ولم يبذلوها لأحد سواهم ، فصار البحث عن الإسماعيلية بطوائفها أمراً مستعصياً ، إلّا أن يستند الباحث إلى كتب خصومهم وما قيل فيهم ، ومن المعلوم انّ القضاء في حقّ طائفة استناداً إلى كلمات مخالفيهم ، خارج عن أدب البحث النزيه.
وهذا ليس شيئاً
عجيباً إنّما العجب انّ المؤرّخين المعاصرين من الإسماعيلية واجهوا نفس هذه المشكلة منذ زمن طويل ، يقول مصطفى غالب وهو من طليعة كتّاب الإسماعيلية : « من المشاكل المستعصية التي يصعب على المؤرّخ والباحث حلّها وسبر أغوارها ، وهو يستعرض تاريخ الدعوات الباطنية السرية ، وتنظيماتها ، حرص تلك الدعوات الشديد على كتمان وثائقهم ومصادرهم ـ إلى أن يقول : ـ والمعلومات التي نقدّمها للمهتمّين بالدراسات الإسلامية مستقاة من الوثائق والمصادر الإسماعيلية السرية ».
______________________
نعم كانت الدعوة الإسماعيلية
محفوفة بالغموض والأسرار إلى أن جاء دور بعض المستشرقين فوقفوا على بعض تلك الوثائق ونشروها ، وأوّل من طرق هذا الباب المستشرق الروسي الكبير البروفسور « ايفانوف » عضو جمعية الدراسات الإسلامية في « بومبايي » وبعده البروفسور « لويس ماسينيون » المستشرق الفرنسي الشهير ، ثمّ الدكتور « شتروطمان » الألماني عميد معهد الدراسات الشرقية بجامعة هامبورغ ، و « مسيو هانري كوربن » أُستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة طهران ، والمستشرق الانكليزي « برنارد لويس ».
يقول المؤرخ المعاصر
: حتى سنة ١٩٢٢ ميلادية كانت المكتبات في جميع أنحاء العالم فقيرة بالكتب الإسماعيلية إلى أن قام المستشرق الألماني « ادوارد
برون » بإنشاء مكتبة إسماعيلية ضخمة غايتها إظهار الآثار العلمية لطائفة كانت في مقدمة الطوائف الإسلامية في الناحية الفكرية والفلسفية والعلمية ، ولم يقتصر نشاط أُولئك المستشرقين عند حدود التأليف والنشر ، بل تعدّاه إلى الدعاية المنتظمة سواء في المجلّات العلمية الكبرى ، كمجلة المتحف الآسيوية التي كانت تصدرها أكاديمية العلوم الروسية في مدينة « بطروسبورغ » ويشرف على تحريرها « ايفانوف » وبعض المستشرقين الروس أمثال « سامينوف » وغيره ممن دبّجوا المقالات الطوال عن العقيدة الإسماعيلية.
ففي سنة ١٩١٨ كتب
المستشرق « سامينوف » مقاله الأوّل عن الدعوة الإسماعيلية وقد جمعه بنفسه ونشره في مجلته كما نقل إلى اللغة الإنكليزية عدداً ضخماً من الكتب الإسماعيلية المؤلفة باللغتين « الكجراتية » و « الأُوردية » ـ إلى
أن قال : ـ لقد أحدثت تلك الدراسات الهامة ثورة فكرية وانقلاباً عكسياً في العالم الإسلامي ، حيث قام عدد من الأساتذة المصريين بنشر الآثار الإسماعيلية في العهود الفاطمية ، فأخرجوا إلى حيّز الوجود عدداً لا بأس به من الكتب القيّمة
وأظهروا
للعالم أجمع آثار هذه الفرقة.
وبالرغم ممّا ذكره
المؤرخ المعاصر من أنّ المصريين أظهروا للعالم أجمع آثار هذه الفرقة ، لكنّا نرى أنّه يعتمد في كتابه على وثائق خطية موجودة في مكتبته الخاصة ، أو مكتبة دعاة مذهبه في سورية ، ويكشف هذا عن وجود لفيف من المصادر مخبوءة لم تر النور لحد الآن.
الثامنة : الأئمّة المستورون
إنّ الإسماعيلية أعطت
للإمامة مركزاً شامخاً ، وصنّفوا الإمامة إلى رتب ودرجات ، وزوّدوها بصلاحيات واختصاصات واسعة ، وسيوافيك بيان تلك الدرجات والرتب ، غير أنّ المهم هنا الإشارة إلى تصنيفهم الإمام إلى مستور ، دخل كهف الاستتار ؛ وظاهر ، يملك جاهاً وسلطاناً في المجتمع.
فالأئمّة المستورون هم الأئمّة الأربعة الأوائل الذين جاءوا بعد إسماعيل ، ونشروا الدعوة سراً وكتماناً ، وهم :
١. محمد بن إسماعيل الملقّب
بـ « الحبيب » : ولد سنة ١٣٢ هـ في المدينة المنورة ، وتسلّم شؤون الإمامة واستتر عن الأنظار خشية وقوعه بيد الأعداء ، ولقّب بالإمام المكتوم ، لأنّه لم يعلن دعوته وأخذ في بسطها خفية ، وتوفي عام ١٩٣ هـ.
٢. عبد الله بن محمد
بن إسماعيل الملقّب بـ « الوفي » : ولد عام ١٧٩ هـ في مدينة محمود آباد ، وتولّى الإمامة عام ١٩٣ هـ بعد وفاة أبيه ، وسكن السلْمية عام ١٩٤ هـ مصطحباً بعدد من أتباعه ، وهو الذي نظم الدعوة تنظيماً دقيقاً ، توفي عام ٢١٢ هـ.
٣. أحمد بن عبد الله بن
محمد بن إسماعيل الملقب بـ « التقي » : ولد عام
______________________
١٩٨
، وتولّى الإمامة عام ٢١٢ هـ ، سكن السلمية سراً حيث أصبحت مركزاً لنشر الدعوة ، توفي فيها عام ٢٦٥ هـ.
٤. الحسين بن أحمد بن
عبد الله بن محمد بن إسماعيل المقلب بـ « الرضي » : ولد عام ٢١٢ هـ ، وقيل ٢٢٨ هـ ؛ وتولّى الإمامة عام ٢٦٥ هـ ، ويقال انّه اتخذ عبد الله بن ميمون القداح حجة له وحجاباً عليه ، توفي عام ٢٨٩ هـ.
والمعروف بين الإسماعيلية
انّ عبيد الله المهدي ـ الذي هاجر إلى المغرب وأسّس هناك الدولة الفاطمية ـ كان ابتداءً لعهد الأئمّة الظاهرين الذين جهروا بالدعوة وأخرجوها عن الاستتار .
التاسعة : انّهم عُرِّفوا بالإسماعيلية تارة ، والباطنية أُخرى ، والملاحدة
ثالثاً ، وبالسبعية رابعاً.
قال المحقّق الطوسي :
إنّما سُمُّوا بالإسماعيلية لانتسابهم إلى إسماعيل بن جعفر الصادق.
والباطنية لقولهم : كلّ
ظاهر فله باطن ، يكون ذلك الباطن مصدراً وذلك الظاهر مظهراً له ، ولا يكون ظاهر لا باطن له إلّا ما هو مثل السراب ، ولا باطن لا
ظاهر له إلّا خيال لا أصل له.
ولقّبوا بالملاحدة
لعدولهم من ظواهر الشريعة إلى بواطنها في بعض الأحوال.
وأمّا تسميتهم بالسبعية
، لأنّهم قالوا : إنّما الأئمّة تدور على سبعة سبعة ، كأيام الأُسبوع ، والسماوات السبع ، والكواكب السبع.
فدور الإمامة عندهم لا يتجاوز عن سبعة ، ثمّ يأتي دور آخر على هذا الشكل.
______________________
ويقول أيضاً : قالوا
الإمام في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان علياً عليهالسلام ، وبعده كان ابنه الحسن إماماً مستودعاً ، وبعده الحسين إماماً مستقراً ولذلك لم تذهب الإمامة في ذرية الحسن عليهالسلام ، ثمّ نزلت الإمامة في ذرية الحسين ، وانتهت
بعده إلى علي ابنه ، ثمّ إلى محمد ابنه ، ثمّ إلى جعفر ابنه ، ثمّ إلى إسماعيل ابنه وهو السابع.
ومعنى ذلك انّ الدور
تمّ بإسماعيل ، وهو متم الدور ، وانّ ابنه بادئ للدور الآخر كالتالي :
١. محمد بن إسماعيل.
٢. عبد الله بن محمد
بن إسماعيل الملقب بالرضي.
٣. أحمد بن عبد الله الملقب
بالوفي.
٤. الحسين بن أحمد
الملقب بالتقي.
٥. عبيد الله المهدي
بن الحسين.
٦. القائم.
٧. المنصور ، وبه يتم
الدور ويبتدأ دور آخر بالإمام المعز لدين الله.
ولو قلنا بخروج الحسن
عليهالسلام لكونه إماماً مستودعاً لا مستقراً يتم
الدور بمحمد بن إسماعيل. ويأتي الدور الجديد ، وسيوافيك تفصيله في بيان أدوار الإمامة.
وعلى كلّ تقدير
فالسبعة عندهم لها مكانة خاصة ، فلا يتجاوز دور الأئمّة في تمام مراحلها عن السبعة.
العاشرة : انّ المذهب الإسماعيلي لم يظهر على مسرح الحياة بصورة مذهب مدوّن متكامل ، وإنّما أخذ بالتكامل عبر العصور ، وفي ظل احتكاك الدعاة بأصحاب الحركات الباطنية أوّلاً ، وأصحاب الفلسفات ثانياً. وقد ظهر في أوّل يوم
______________________
نشوئه
بصورة عقيدة بسيطة ، وهو أنّ الإمام بعد جعفر بن محمد ابنه إسماعيل ، وانّه لم يمت بل غاب ويظهر حتى يملك الأرض وهو القائم ، وهذه هي الإسماعيلية المحضة ، ولم يخالط هذه العقيدة شيء آخر.
نعم لما كان قبولها
محفوفاً بغموض ، فرجع بعضهم عن حياة إسماعيل ، وقالوا بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل لظنّهم انّ الإمامة كانت في أبيه ، وانّ الابن أحقّ بمقام الإمامة من الأخ.
والظاهر من الشيخ
المفيد أنّ الفرقة الأُولى انقرضت ولم يبق منهم من يومأ إليه والفرقة الباقية إلى اليوم هي الإسماعيلية غير الخالصة.
ثمّ صار المذهب الواحد مذاهب متشتتة ومختلفة. وقد كان للدعاة تأثير في نضوج العقيدة الإسماعيلية وتكاملها مع اختلاف بينهم في بعض الأُصول فمثلاً الداعي النسفي ( ... ـ٣٣١ هـ ) وضع كتابه « المحصول » في فلسفة المذهب.
ثمّ جاء بعده أبو
حاتم الرازي ( ٢٦٠ ـ ٣٢٢ هـ ) فوضع كتابه « الإصلاح » وخالف فيه أقوال من سبقه.
ثمّ جاء بعده أبو
يعقوب السجستاني الذي كان حيّاً سنة ( ٣٦٠ هـ ) وكان أُستاذاً للكرماني فانتصر للنسفي وخالف أبا حاتم.
ثمّ جاء الكرماني ( ٣٥٢
ـ ٤١١ هـ ) فألّف كتاب « راحة العقل » ، واستطاع أن يوفق بين آراء شيخه « السجستاني » وبين آراء « أبي حاتم الرازي ».
أضف إلى ذلك أنّ
تأويل الظواهر لا يعتمد على ضابطة فكل يؤوّلها على ذوقه وسليقته ، فتجد بينهم خلافاً شديداً في المسائل التأويلية.
الحادية عشرة : الذي ظهر لي من التتبّع في كتب الإسماعيلية انّ الفرقة المستعلية القاطنين في اليمن والهند أقرب إلى الحقّ وعقائد جمهور المسلمين من
______________________
النزارية
، فالطبقة الأُولى متعبّدون بالظواهر وتطبيق العمل على الشريعة بخلاف أغلب النزارية خصوصاً الدعاة المتأخرين منهم ، فإنّهم يواجهون الأحداث الطارئة والمستجدة بالتدخل في الشريعة ، ويظهر ذلك من أبحاثنا الآتية.
وأخيراً فالمذهب الإسماعيلي
اكتنفه غموض وأحاطه إبهام ، فإصابة الحقّ في جميع المراحل أمر مشكل ، نستعينه سبحانه أن يوفقنا لبيان الحقّ ويحفظنا عن العثرة انّه هو المجيب.
والذي يهم الباحث هو
تبيين جذور المذهب وانه كيف نشأ ؟ وهل كان هناك اتصال بين الإسماعيلية ، والحركات الباطنية التي نشأت في عصر الصادق عليهالسلام أو لا ؟ وهذا هو الذي نطرحه على طاولة
البحث في الفصل القادم بعد المرور على كلمات أصحاب المعاجم في حقّهم.
______________________



إنّ للإسماعيلية ذكراً في كتب الملل والنحل لا يتجاوز
عن ذكر تاريخ إمامهم الأوّل ، إسماعيل بن جعفر الصادق ، وشيء يسير عن عقيدتهم فيه ، دون تبيين عقائدهم وأُصولهم التي يعتقدون بها ، والأحكام والفروع التي يصدرون عنها ، وكلّ أخذ عن الآخر ، وربما زاد شيئاً ، لا يُسمن ولا يغني من جوع ، وإليك نصوصهم :
١. قال النوبختي : فلمّا
توفي أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهالسلام افترقت شيعته بعده إلىٰ ست فرق ـ إلى أن قال : ـ وفرقة زعمت أنّ الإمام بعد جعفر بن
محمد ، ابنه إسماعيل بن جعفر ، وأنكرت موت إسماعيل في حياة أبيه ، وقالوا كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس ، لأنّه خاف فغيّبه عنهم ، وزعموا أنّ إسماعيل لا يموت حتى يملك الأرض ، ويقوم بأمر الناس ، وأنّه هو القائم ، لأنّ أباه أشار إليه بالإمامة بعده ، وقلّدهم ذلك له ، وأخبرهم أنّه صاحبه ؛ والإمام لا
يقول إلّا الحقّ ، فلما ظهر موته علمنا انّه قد صدَق ، وانّه القائم ، وانّه لم
يمت ، وهذه الفرقة هي « الإسماعيلية » الخالصة. وأُمّ إسماعيل وعبد الله ابني جعفر بن محمد عليهالسلام فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن علي بن
أبي طالب عليهالسلام وأُمّها أُمُّ حبيب بنت عمر بن علي بن أبي طالب عليهالسلام ، وأُمّها أسماء بنت عقيل بن أبي طالب عليهمالسلام .
وفرقة ثالثة زعمت أنّ
الإمام بعد جعفر بن محمد ، محمد بن إسماعيل بن جعفر ، وأُمّه أُمّ ولد ، وقالوا : إنّ الأمر كان لإسماعيل في حياة أبيه فلمّا
توفي قبل أبيه جعل جعفر بن محمد الأمرَ لمحمد بن إسماعيل ، وكان الحقّ له ، ولا يجوز غير ذلك لأنّها لا تنتقل من أخ إلى أخ بعد الحسن والحسين عليهماالسلام ، ولا تكون إلّا في
الأعقاب
، ولم يكن لأخوي إسماعيل عبد الله وموسى في الإمامة حق ، كما لم يكن لمحمد بن الحنفية حقّ مع علي بن الحسين ؛ وأصحاب هذا القول يسمّون « المباركية » برئيس لهم كان يسمى ( المبارك) مولى إسماعيل بن جعفر.
٢. قال الأشعري : والصنف
السابع عشر من الرافضة يزعمون أنّ جعفر بن محمد مات وأنّ الإمام بعد جعفر ، ابنه ( اسماعيل ) ، وأنكروا أن يكون إسماعيل ماتَ
في حياة أبيه ، وقالوا : لا يموت حتى يملك ، لأنّ أباه قد كان يخبر أنّه وصيّه والإمام
بعده.
والصنف الثامن عشر من
الرافضة وهم « القرامطة » يزعمون أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نص على علي بن أبي طالب ، وأنّ علياً نصّ على إمامة ابنه ( الحسن ) ، وانّ الحسنَ ابن علي نصَّ على إمامة أخيه الحسين بن علي ، وأنّ الحسين بن علي نصّ على إمامة ابنه علي بن الحسين ، وأنّ علي بن الحسين نصّ على إمامة ابنه محمد بن علي ، ونصَّ محمد بن علي ، على إمامة ابنه جعفر ، ونصّ جعفر على إمامة ابن ابنه « محمد بن إسماعيل » ، وزعموا أنّ « محمد بن إسماعيل » حيّ إلى اليوم لم يمت ولا يموت حتى يملك الأرض ، وأنّه هو المهدي الذي تقدمت البشارة به ، واحتجوا في ذلك بأخبار رووها عن أسلافهم ، يخبرون فيها أنّ سابع الأئمّة قائمهم.
والصنف التاسع عشر من
الرافضة يسوقون الإمامة من علي بن أبي طالب على سبيل ما حكينا عن « القرامطة » حتى ينتهوا ( بها ) إلى جعفر بن محمد ، ويزعمون أنّ جعفر بن محمد جعلها لإسماعيل ابنه ، دون سائر ولده ، فلما مات إسماعيل في حياة أبيه صارت في ابنه محمد بن إسماعيل ، وهذا الصنف يُدعون ، « المباركية » نُسِبوا إلى رئيس لهم يقال له ( المبارك ) وزعموا أنّ محمد بن
إسماعيل قد
______________________
مات
، وأنّها في ولده من بعده.
٣. وقال البغدادي : الإسماعيلية
وهؤلاء ساقوا الإمامة إلى جعفر ، وزعموا أنّ الإمام بعده ابنه إسماعيل ، وافترق هؤلاء فرقتين :
فرقة : منتظرة لإسماعيل
بن جعفر ؛ مع اتّفاق أصحاب التواريخ على موت إسماعيل في حياة أبيه.
وفرقة قالت : كان الإمام
بعد جعفر ، سبطه محمد بن إسماعيل بن جعفر ، حيث إنّ جعفراً نصب ابنه إسماعيل للإمامة بعده ، فلما مات إسماعيل في حياة أبيه ، علمنا أنّه إنّما نصبَ ابنه إسماعيل للدلالة على إمامة ابنه محمد بن إسماعيل.
٤. وقال الاسفرائيني
: وهم يزعمون أنّ الإمامة صارت من جعفر إلى ابنه إسماعيل ، وكذّبهم في هذه المقالة جميعُ أهل التواريخ ، لِما صح عندهم من موت إسماعيل قبل أبيه جعفر ؛ وقوم من هذه الطائفة يقولون بإمامة محمد بن إسماعيل. وهذا مذهب الإسماعيلية من الباطنية.
٥. وقال الشهرستاني :
الإسماعيلية الواقفية قالوا : إنّ الإمام بعد جعفر إسماعيل ، نصّاً عليه باتّفاق من أولاده ، إلّا أنّهم اختلفوا في موته في حال حياة
أبيه. فمنهم من قال : لم يمت ، إلّا أنّه أظهر موته تقية من خلفاء بني العباس ، وعقد محضراً وأشهد عليه عامل المنصور بالمدينة.
ومنهم من قال : الموت
صحيح ، والنصّ لا يَرجعُ قهقرى ، والفائدة في النص بقاء الإمامة في أولاد المنصوص عليه دون غيره. فالإمام بعد إسماعيل ، محمد بن إسماعيل ؛ وهؤلاء يقال لهم « المباركيّة » . ثمّ منهم من وقف على محمد بن
______________________
إسماعيل
وقال برجعته بعد غيبته.
ومنهم من ساق الإمامة في المستورين منهم ، ثمّ في
الظاهرين القائمين من بعدهم ، وهم « الباطنية ».
وسنذكر مذاهبهم على
الانفراد. وإنّما مذهب هذه الفرقة الوقف على إسماعيل بن جعفر ، ومحمد بن إسماعيل. والإسماعيلية المشهورة في الفرق منهم هم « الباطنية التعليمية » الذين لهم مقالة مفردة.
٦. وقال المفيد : ولما
مات إسماعيل رحمهالله انصرف القول عن إمامته من كان يظن ذلك ، فيعتقده من أصحاب أبيه ، وأقام على حياته شرذمة لم تكن من خاصة أبيه ، ولا من الرواة عنه ، وكانوا من الأباعد والأطراف.
فلما مات الصادق عليهالسلام انتقل فريق منهم إلى القولِ بإمامة موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وافترق الباقون فريقين ، فريق منهم
رجعوا عن حياة إسماعيل ، وقالوا : بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل ، لظنهم أنّ الإمامة كانت في أبيه ، وأنّ الابن أحقّ بمقام الإمامة من الأخ.
وفريق ثبتوا على حياة
إسماعيل ، وهم اليوم شُذّاذ لا يعرف منهم أحد يومى إليه ، وهذان الفريقان يسميان بالإسماعيلية ، والمعروف منهم الآن مَنْ يزعم أنّ الإمامة بعد إسماعيل في ولده وولد ولده إلى آخر الزمان.
٧. وقال صاحب الأعيان
: الإسماعيلية هم القائلون بإمامة إسماعيل هذا ، ويدل كلام المفيد ( الماضي ) على أنّ هذا القول كان موجوداً من عصر الصادق عليهالسلام ، وأنّ شِرذمة اعتقدوا حياته ، أو بعد
موت أبيه بقى بعضهم على القول بحياة إسماعيل ، وبعضهم قال : بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل ، ولقب الإسماعيلية يعم الفريقين ، وأنّ الموجود منهم في عصر المفيد من يزعم أنّ الإمامة بعد إسماعيل في
______________________
ولده
وولد ولده إلى آخر الزمان.
ويقال الإسماعيلية « السبعية
» أيضاً باعتبار مخالفتهم للاثني عشرية في الإمام السابع. وفرقة من الإسماعيلية تدعىٰ الباطنية وكان لها ذكر مستفيض في
التاريخ وصارت لها قوة ، وشدّة ، ووقائع عدّة مع الملوك والأُمراء ، كما فصلته كتب
التاريخ.
وفي أنساب السمعاني :
« الفرقة الإسماعيلية جماعة من الباطنية ينتسبون إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، لانتساب زعيمهم المغربي إلى محمد بن إسماعيل. وفي كتاب الشجرة انّه لم يعقب ( انتهى ).
و « الإسماعيلية » اليوم
فرقتان : إحداهما :
الآغاخانية
يسوقون الإمامة في
ذرية إسماعيل ، ويعدّون فيهم جملة من خلفاء مصر ، حتى ينتهوا إلى محمد شاه ( الآغا خان الثالث ) الموجود اليوم في بمبئ ، ويبعثون
إليه بخمس أموالهم ، ومنهم الذين بسلْمية من بلاد حَماة.
والفرقة الثانية : البُهْرَة
بضم الباء وسكون
الهاء وفتح الراء ، لفظ هندي ، معناه الجدّ والعمل ، وهم يسوقون الإمامة في ولد إسماعيل ، حتى ينتهوا إلى شخص يقولون : إنّه المهدي المنتظر ، وإنّه غائب.
______________________
أمّا الذي يطلقون
عليه اسم سلطان البهرة فالظاهر أنّه من قبيل النائب عن الإمام الغائب ، ويبلغ عدد البهرة في الهند واليمن وغيرها نحو أربعمائة ألف ، وهم أهل جدّ وكسب ، ولا يوجد بينهم فقير ، والفقير منهم يُوجِدون له عملاً من تجارة أو غيرها يكتفي به ، ولهم ملاجىٔ وتكايا عامة في البلاد التي يقصدونها للحج والزيارة ، في مكّة ، والمدينة ، والنجف ، وكربلاء ، وغيرها. وهي مبانٍ تامة
المرافق يَنزلونها ولا يحتاجون إلى النزول في فندق أو خلافه ، وهم متمسكون بشرائع الدين. وكان خلفاء مصر الفاطميون على مذهب الإسماعيلية ، القائلين بانتقال الإمامة من الصادق عليهالسلام إلى ولده إسماعيل ، ثمّ في أولاده ، وكانوا
يقيمون شعائر الإسلام ، ويحافظون على أحكامه ، وما كان يذمهم أو بعضهم بعض المؤرّخين إلّا للعداوة المذهبية ، ولا يمكن التصديق بما ينسبه بعض المؤرّخين إلى بعضهم ، بعد تأصّل العداوة المذهبية في النفوس ، كما أنّ جماعة من أهل هذا العصر يخلطون بين الفريقين جهلاً أو تجاهلاً.
* * *
هذه الأقوال والآراء
فيهم ، توقفنا على أنّ القومَ لم يكن لهم موقف واحد تجاه سوق الإمامة بعد وفاة الإمام الصادق عليهالسلام.
فمنهم من أنكر
الواضحات ، وقال : بأنّ إسماعيل لم يمت ، وإنّه القائم ، وهذه هي الإسماعيلية الخالصة.
وأمّا اشهاد الإمام
على موته فلم يكن إلّا إظهاراً لموته تقيةً من خلفاء بني العباس ، وأنّه عقد محضراً ، وأشهدَ عليه عامل المنصور بالمدينة.
وهذه الطائفة لا تسوق
الإمامة بعد إسماعيل إلى غيره ، وإنّما تنتظر خروج
______________________
قائمهم.
ومنهم من قال : إنّ
موته صحيح ، وإنّ الإمام الصادق لَمّا نصّ على إمامته ، والنص لا يرجع قهقرى ، ففائدة النص بقاء الإمامة في أولاد المنصوص عليه دون غيرهم ، فالإمام بعد إسماعيل ، محمد بن إسماعيل ، ثمّ إنّ هذه الطائفة على رأيين :
فمنهم : من وقف على
محمد بن إسماعيل ، وقال : برجعته بعد غيبته ؛ وهؤلاء القرامطة.
ومنهم : من ساق الإمامة
في المستورين منهم ، ثمّ في الظاهرين القائمين من بعدهم.
وقد سبقت الإشارة إلى
نص الشيخ المفيد ، وأنّه لا يعرف من الواقفين على إسماعيل ، أو ابنه محمد المنتظرين لرجعته أحداً ؛ والمعروف هو سوق الإمامة في ولد إسماعيل إلى آخر الزمان.
وسيوافيك الكلام في
الأئمة المستورين والظاهرين إن شاء الله.
هذا ما وقفنا عليه في
معاجم الملل والنحل وهو ـ كما ترى ـ لا يغني الباحث ، فليس فيها شيء من أُصولهم وعقائدهم ، ولا من فروعهم ، وثوراتهم ، ودولهم ، وحضارتهم ، وكتبهم وآثارهم العلمية.
والمهم في المقام هو
دراسة جذور المذهب وانّه كيف نشأ وهذا ما سنبحث عنه في الفصل القادم إن شاء الله.



من المشاكل التي
واجهت أئمّة أهل البيت عليهمالسلام هي الحركات الباطنية التي تزعّمها الموالي والعناصر المستسلمة ، المندسَّة بين أصحاب أئمة أهل البيت عليهمالسلام في عصر الصادقين عليهماالسلام.
فقد سنحت الظروف للإمام
الباقر والصادق عليهماالسلام أن يؤسّسا جامعة إسلامية كبيرة دامت نصف قرن كان لها صدى كبير في العالم الإسلامي ، فقاما بتربية نخبة من الفقهاء والمحدّثين والمفسّرين البارزين ، وحفظا بذلك السنّة النبوية من الاندثار بعدما كان التحدّث بها وكتابتها أمراً محظوراً أو مكروهاً إلى عهد
الخليفة العباسي المنصور الدوانيقي.
فأضحت تلك الجامعة
شوكة في أعين خصومها ، فقامت ثلة من العناصر الدخيلة بالانخراط في صفوف أصحاب الأئمّة بغية التخريب والتضليل ، وتشويه سمعة أئمّة أهل البيت عليهمالسلام أوّلاً ، وهدم كيان الإسلام ثانياً.
وقد شكَّلت تلك العناصر فيما بعد اللبنة الأُولى للحركات الباطنية التي جرّت الويلات على الإسلام والمسلمين ، فاتخذ الإمام الصادق عليهالسلام موقفاً حازماً أمامها تجنباً لأخطارها
، فأعلن للملأ الإسلامي براءته من تلك الفئات المنحرفة عن الدين والإسلام وتكفيرها وانّ عاقبتها النار.
ومن جملة الذين
أبدعوا الحركات الباطنية وأغروا جماعة من شيعة أئمّة أهل البيت عليهمالسلام هو محمد بن مقلاص المعروف بأبي الخطاب الأسدي
، وزملاؤه ، نظير : المغيرة بن سعيد ، وبشار الشعيري وغيرهم ، فقد تبرّأ منهم الإمام عليهالسلام على رؤوس الأشهاد. ونركز البحث هنا على رئيس الفرقة الباطنية ، أعني : أبا زينب محمد بن مقلاص الأسدي.
ولعرض صورة صحيحة عن
عقائد الخطابية ، نأتي بنصوص علماء الفريقين ليتبين من خلالها جذور الدعوة الإسماعيلية ، وانّها ليست سوى استمراراً لتلك الحركة الباطنية التي تزعّمها أبو زينب :
١. الكشي والخطابية
إنّ الكشي أحد
الرجاليين الذي عاش في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع ، ووضع كتابه في الرجال على أساس الروايات المروية عن أئمة أهل البيت في حقّ الرواة ، فقال ما هذا نصّه :
١. روى أبو أُسامة
قال : قال رجل لأبي عبد الله عليهالسلام : أُؤخر المغرب حتى تستبين النجوم ؟ فقال : « خطابية ؟! انّ جبرئيل أنزلها على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين سقط القرص ».
٢. كتب أبو عبد الله إلى
أبي الخطاب : « بلغني أنّك تزعم أنّ الزنا رجل ، وأنّ الخمر رجل ، وأنّ الصلاة رجل ، والصيام رجل ، والفواحش رجل ، وليس هو كما تقول ، أنا أصل الحقّ وفروع الحقّ طاعة الله ، وعدونا أصل الشر وفروعهم الفواحش ، وكيف يطاع من لا يعرف وكيف يعرف من لا يطاع ؟ »
٣. قيل للإمام الصادق
عليهالسلام روي عنكم أنّ الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجال ، فقال : « ما كان الله عزّ وجلّ ليخاطب خلقه بما لا يعلمون ».
٤. روى أبو بصير قال
: قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : « يا أبا محمد : أبرأ ممّن يزعم انّا أرباب » قلت : برئ الله منه ، فقال : « أبرأ ممّن زعم أنّا أنبياء » قلت : برئ
الله منه.
٥. روى عبد الصمد بن
بشير عن مصادف قال : ما لبّى القوم الذين لبّوا بالكوفة ـ أي قالوا : لبيك جعفر ، وهؤلاء هم الغلاة فيه ـ دخلت على أبي عبد الله عليهالسلام فأخبرته بذلك ، فخرّ ساجداً ودق جؤجؤه
بالأرض وبكى ـ إلى أن قال : ـ فندمت على إخباري إيّاه ، فقلت : جعلت فداك وما عليك أنت من ذا ، فقال :
«
إنّ عيسى لو سكت عمّا قالت النصارى فيه لكان حقاً على الله أن يصم سمعه ويعمي بصره ، ولو سكت عمّا قال فيّ أبو الخطاب لكان حقاً على الله أن يصم سمعي ويعمي بصري ».
٦. روى علي بن حسان
عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله ، قال : ذكر عنده جعفر بن واقد ونفر من أصحاب أبي الخطاب فقيل انّه صار إلى ببروذ ، وقال فيهم وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله قال هو الإمام ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : « لا والله لا يأويني وإياه سقف بيت أبداً ، هم شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ، والله ما صغر عظمة الله تصغيرهم شيئاً قط ، وانّ عزيراً جال في صدره ما قالت اليهود فمحا الله اسمه من النبوة ».
٧. روى الحسن الوشاء
عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « من قال بأنّنا أنبياء الله ، فعليه لعنة الله ».
٨. روى ابن مسكان
عمّن حدّثه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سمعته يقول : « لعن الله من قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا ، ولعن الله من أزالنا عن العبودية
لله الذي خلقنا وإليه مآبنا ومعادنا ».
٩. عن حنان بن سدير ،
عن أبيه قال : قلت لأبي عبد الله : إنّ قوماً يزعمون انّكم آلهة يتلون علينا بذلك قرآناً : يا أيّها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا
صالحاً إنّي بما تعملون عليم ، قال : « يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء ، برئ الله منهم ورسوله ما هولاء على ديني ودين آبائي ».
فلما نهض أبو الخطاب
بدعوته الفاسدة ، ووصلت إلى مسامع عامل الخليفة دعا عيسى بن موسى للقضاء عليها واجتثاث جذورها.
______________________
١٠. كان سالم من
أصحاب أبي الخطاب ، وكان في المسجد يوم بعث عيسى ابن موسى بن علي بن عبد الله بن العباس ـ وكان عامل المنصور على الكوفة ـ إلى أبي الخطاب لمّا بلغه انّهم أظهروا الإباحات ، ودعوا الناس إلى نبوة أبي الخطاب ، وانّهم يجتمعون في المسجد ولزموا الأساطين يرون الناس انّهم قد لزموها للعبادة ، وبعث إليهم رجلاً فقتلهم جميعاً لم يفلت منهم إلّا رجل واحد أصابته جراحات فسقط بين القتلى يعدّ فيهم ، فلمّا جنّه الليل خرج من بينهم فتخلص ، وهو أبو سلمة سالم بن مكرم الجمال الملقب بأبي خديجة.
هذه نصوص عشرة توقفك
على جلية الحال ، وانّ الحركة الباطنية أُسست بيد الخطابية ، وسيظهر انّ أتباع أبي زينب تحولوا فيما بعد إلى جانب محمد بن إسماعيل ووجدوه مرتعاً خصباً ، عندها تألّق نجم ابن إسماعيل بعد انتمائهم له.
هذه الروايات التي
رواها الكشي تعرب عن وجود القول بالإلوهية والمقامات الغيبية للأئمّة حتى انّ الحلول في الأئمّة كان من نتاج أفكار أبي زينب وأصحابه في أواسط القرن الثاني ، حتّىٰ طردهم الإمام الصادق ولعنهم وتبرّأ منهم
، ونهى أصحابه عن مخالطتهم.
٢. الأشعري والخطابية
وليس الكشي ممّن
انفرد في نقل تلك العقائد ، فقد نسبها إليهم الأشعري أيضاً في « مقالات الإسلاميين » وذكر ما هذا نصه :
الخطابية على خمس فرق
: كلّهم يزعمون انّ الأئمة أنبياء محدَّثون ، ورسل الله وحججه على خلقه لا يزال منهم رسولان : واحد ناطق والآخر صامت ، فالناطق محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والصامت علي بن أبي طالب ، فهم في الأرض
اليوم طاعتهم مفترضة على جميع الخلق ، يعلمون ما كان ، وما هو كائن ، وزعموا أنّ أبا الخطاب نبي ، وانّ
______________________
أُولئك
الرسل فرضوا عليهم طاعة أبي الخطاب ، وقالوا : الأئمة آلهة ، وقالوا في أنفسهم مثل ذلك ، وقالوا : ولد الحسين أبناء الله وأحباؤه ، ثمّ قالوا ذلك في أنفسهم ، وتأوّلوا قول الله تعالى : ﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ
وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾
قالوا : فهو آدم ونحن ولده ، وعبدوا أبا الخطاب وزعموا أنّه
إله ، وزعموا أنّ جعفر بن محمد إلههم أيضاً إلّا أنّ أبا الخطاب أعظم منه ، وأعظم من عليّ ، وخرج أبو الخطاب على أبي جعفر فقتله عيسى بن موسى في سبخة الكوفة ، وهم يتديّنون بشهادة الزور لموافقيهم.
والفرقة الثانية من « الخطابية » : وهي الفرقة السابعة من الغالية يزعمون
أنّ الإمام بعد أبي الخطاب رجل يقال له « معمر » وعبدوه كما عبدوا أبا الخطاب ، وزعموا أنّ الدنيا لا تفنى ، وانّ الجنّة ما يصيب الناس من الخير والنعمة والعافية
، وانّ النار ما يصيب الناس من خلاف ذلك ، وقالوا بالتناسخ ، وانّهم لا يموتون ، ولكن يرفعون بأبدانهم إلى الملكوت ، وتوضع للناس أجساد شبه أجسادهم ، واستحلوا الخمر والزنا واستحلوا سائر المحرمات ، ودانوا بترك الصلاة ، وهم يُسمّون « المعمرية » ويقال انّهم يسمّون « العمومية ».
والفرقة الثالثة من « الخطابية » : وهي الثامنة من الغالية يقال لهم « البزيغية
» أصحاب « بزيغ بن موسى » يزعمون أنّ جعفر بن محمد هو الله ، وأنّه ليس بالذي يرون ، وأنّه تشبّه للناس بهذه الصورة ، وزعموا أنّ كلّ ما يحدث في قلوبهم وحي ، وأنّ كلّ مؤمن يوحى إليه وتأوّلوا في ذلك قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ ) أي بوحي من الله ، وقوله : ( وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ).
و ( وَإِذْ
أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ ) ، وزعموا أنّ منهم من هو خير من جبريل
وميكائيل
______________________
ومحمد
، وزعموا أنّه لا يموتُ منهم أحد ، وأنّ أحدهم إذا بلغت عبادَته رُفع إلى الملكوت ، وادّعوا معاينة أمواتهم ، وزعموا أنّهم يرونَهم بكرة وعشية.
والفرقة الرابعة من « الخطابية » : وهي التاسعة من الغالية يقال لهم « العميرية » أصحاب « عمير بن بيان العجلي » وهذه الفرقة تكذِّب من قال منهم انّهم لا يموتون ، ويزعمون أنّهم يموتون ، ولا يزال خلف منهم في الأرض أئمّة أنبياء ، وعبدوا جعفراً كما عبده « اليعمريون » ، وزعموا أنّه ربهم ، وقد
كانوا ضربوا خيمة في كناسة الكوفة ، ثم اجتمعوا إلى عبادة جعفر ، فأخذ يزيد بن عمر ابن هبيرة ، « عمير بن البيان » فقتله في الكناسة ، وحبس بعضهم.
والفرقة الخامسة من « الخطابية » : وهي العاشرة من الغالية يقال لهم « المفضلية » لأنّ رئيسهم كان صيرفياً يقال له « المفضّل » يقولون بربوبية جعفر ، كما
قال غيرهم من أصناف الخطابية ، وانتحلوا النبوة والرسالة وإنّما خالفوا في البراءة
من « أبي الخطاب » لأنّ جعفراً أظهر البراءة منه.
٣. النوبختي والخطابية
وقد ذكر النوبختي
فرقهم ، وأضاف : إنّ الخطابية هم الذين خرجوا في حياة أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهماالسلام فحاربوا عيسى بن موسى بن محمد بن عبد
الله بن العباس ، وكان عاملاً على الكوفة ، فبلغه عنهم أنّهم أظهروا الإباحات ، ودعوا إلى نبوة أبي الخطاب ، وأنّهم مجتمعون في مسجد الكوفة ، فبعث إليه فحاربوه وامتنعوا عليه ، وكانوا سبعين رجلاً ، فقتلهم جميعاً ، فلم يفلت منهم إلّا رجل واحد أصابته جراحات فعدّ في القتلى ، فتخلّص ، وهو أبو سلمة سالم بن مكرم الجمال الملقّب بأبي خديجة وكان يزعم أنّه مات فرجع ، فحاربوا عيسى محاربة شديدة بالحجارة والقصب والسكاكين ، لأنّهم جعلوا القصب مكان الرماح.
______________________
وقد كان أبو الخطاب
قال لهم : قاتلوهم فإنّ قصبكم يعمل فيهم عمل الرماح والسيوف ، ورماحهم وسيوفهم وسلاحهم لا تضرّكم ولا تخلّ فيكم ، فقدّمهم عشرة عشرة للمحاربة ، فلمّا قتل منهم نحو ثلاثين رجلاً ، قالوا له : ما
ترى ما يحل بنا من القوم وما نرى قصبنا يعمل فيهم ولا يُؤثر ، وقد عمل سلاحهم فينا وقُتل من ترى منهم ، فذكر لهم ما رواه العامة أنّه قال لهم : إن كان قد بدا لله فيكم
فما ذنبي ، وقال لهم ما رواه الشيعة : يا قوم قد بُليتم وامتحنتم وأُذن في قتلكم ،
فقاتلوا على دينكم وأحسابكم ، ولا تعطوا بلدتكم ، فتذلّوا مع أنّكم لا تتخلصون من القتل فموتوا كراماً ، فقاتلوا حتى قُتلوا عن آخرهم ، وأُسر أبو الخطاب فأُتي
به عيسى بن موسى فقتله في دار الرزق على شاطئ الفرات ، وصلب مع جماعة منهم ، ثمّ أمر بإحراقه فأُحرقوا ، وبعث برؤوسهم إلى المنصور فصلبها على باب مدينة بغداد ثلاثة أيام ، ثمّ أُحرقت.
٤. الطبري والحركات الباطنية
يظهر ممّا رواه
الطبري في تاريخه وابن الجوزي في منتظمه تفشّي هذا النوع من الإلحاد عند غير الخطابية أيضاً ، وإليك نص ابن الجوزي في هذا المقام :
خروج الراوندية ، وهم
قوم من أهل خراسان كانوا على رأي أبي مسلم ، إلّا أنّهم يقولون بتناسخ الأرواح ، ويدّعون أنّ روح آدم عليهالسلام في عثمان بن نهيك ، وأنّ ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم هو أبو جعفر المنصور ، وأنّ الهيثم بن معاوية جبرائيل.
وهؤلاء طائفة من
الباطنية يسمّون السبعية يقولون : الأرضون سبع ، والسماوات سبع ، والأُسبوع سبعة يدل على أنّ دور الأئمّة يتم بسبعة. فعدوا : العباس ، ثمّ ابنه عبد الله ، ثمّ ابنه علي ، ثمّ محمد بن علي ، ثمّ إبراهيم ، ثمّ
السفاح ،
______________________
ثمّ
المنصور ، فقالوا : هو السابع. وكانوا يطوفون حول قصر المنصور ويقولون : هذا قصر ربنا.
فأرسل المنصور ، فحبس
منهم مائتين ـ وكانوا ستمائة ـ فغضب أصحابهم الباقون ودخلوا السجن ، فأخرجوهم وقصدوا نحو المنصور ، فتنادى الناس ، وغلقت أبواب المدينة ، وخرج المنصور ماشياً ولم يكن عنده دابة ، فمن ذلك الوقت ارتبط فرساً ، فسمى : فرس النوبة ، يكون معه في قصره ، فأتى بدابة فركبها وجاء معن بن زائدة فرمى بنفسه وقال : أُنشدك الله يا أمير المؤمنين إلّا رجعت ، فإنّي أخاف عليك. فلم يقبل وخرج ، فاجتمع إليه الناس ، وجاء عثمان بن نهيك فكلّمهم ، فرموه بنشابة وكانت سبب هلاكه ، ثمّ حمل الناس عليهم فقتلوهم ، وكان ذلك في المدينة الهاشمية بالكوفة في سنة إحدى وأربعين.
تحول الخطابية إلى الإسماعيلية
إنّ الخطابية بعد قتل
زعيمهم توجهوا إلى محمد بن إسماعيل ، وقد كان بعض الضالين يؤم والده إسماعيل بن جعفر ، ولكن الإمام الصادق عليهالسلام آيسه من إضلاله.
روى الكشي عن حماد بن
عثمان قال : سمعت أبا عبد الله يقول للمفضل بن عمر الجعفي : « يا كافر ، يا مشرك ما لك ولإبني » ـ يعني : إسماعيل بن جعفر ـ وكان
منقطعاً إليه يقول فيه مع الخطابية ، ثمّ رجع عنه.
والذي يدل على أنّ
المذهب الإسماعيلي نشأ وترعرع في أحضان الخطابية ، وإن لم يتبنىٰ كل ما تبنّته الخطابية ، هي النصوص التاريخية التي سنتلوها
عليك واحداً تلو الآخر :
______________________
١. قال النوبختي : ثمّ
خرج ـ بعد قتل أبي الخطاب ـ من قال بمقالته من أهل الكوفة وغيرهم إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر بعد قتل أبي الخطاب ، فقالوا بإمامته وأقاموا عليها.
وصنوف الغالية
افترقوا بعده على مقالات كثيرة ، إلى أن قال : فقالت فرقة منهم إنّ روح جعفر بن محمد جعلت في أبي الخطاب ، ثمّ تحوّلت بعد غيبة أبي الخطاب في محمد بن إسماعيل بن جعفر وتشعبت منهم فرقة من المباركية ممّن قال بهذه المقالة تسمّى القرامطة.
٢. إنّ تقسيم الإمام
إلى صامت وناطق من صميم عقائد الإسماعيلية ، ونرى نفس ذلك التقسيم لدى الخطابية ، وقد مر تصريح الأشعري بذلك حينما قال :
منهم رسولان : واحد
ناطق ، والآخر صامت ؛ فالناطق محمد ، والصامت علي ابن أبي طالب.
ويذكر ذلك التقسيم
أيضاً البغدادي عند ذكره للخطابية حيث قال :
وأتباعه كانوا يقولون
ينبغي أن يكون في كلّ وقت إمام ناطق وآخر ساكت ، والأئمّة يكونون آلهة ، ويعرفون الغيب ، ويقولون انّ علياً في وقت النبي صامتاً ، وكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ناطقاً ، ثمّ صار علي بعده ناطقاً.
وهكذا يقولون في الأئمة بعد أن انتهى الأمر إلى جعفر ، وكان أبو الخطاب في وقته إماماً صامتاً وصار بعده ناطقاً.
٣. قال المقريزي : إنّ
أتباع أبي الخطاب متفقون على أنّ الأئمّة مثل علي وأولاده كلّهم أنبياء ، وإنّه لابدّ من رسولين لكلّ أُمّة أحدهما ناطق والآخر صامت
،
______________________
فكان
محمد ناطقاً وعلي صامتاً ، وإنّ جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام كان نبياً ، ثمّ انتقلت النبوة إلى أبي الخطاب.
٤. قد وقفت على ما
نقلناه عن الكشي من أنّ الخطابية كانت تؤوّل الآيات إلى مفاهيم غير مفهومة من ظواهر الآيات ، حتى أنّه أوّل الخمر والميسر والأنصاب والأزلام بأنّها رجال ، فلما بلغ التأويل إلى الإمام الصادق عليهالسلام فقال رداً عليه : « ما كان الله عزّ وجلّ ليخاطب خلقه بما لا يعلمون ».
ومن الواضح أنّ الإسماعيلية
وضعت لكلّ ظاهر باطناً ، واتخذت من التأويل ركناً أساسياً لها.
كما وذكر الشهرستاني
والمقريزي شيئاً من تأويلات الخطابية.
قال الشهرستاني : زعم
أبو الخطاب أنّ الأئمّة أنبياء ثمّ آلهة ، وقال بإلهية جعفر بن محمد وإلهية آبائه وهم أبناء الله وأحباؤه. والإلهية نور في النبوة ، والنبوة
نور في الإمامة ، ولا يخلو العالم من هذه الآثار والأنوار. وزعم أنّ جعفراً هو الإله
في زمانه ، وليس هو المحسوس الذي يرونه ، ولكن لما نزل إلى هذا العالم لبس تلك الصورة فرآه الناس فيها ، ولما وقف عيسى بن موسى صاحب المنصور على خبث دعوته ، قتله بسبخة الكوفة.
وقد عرفت أيضاً شيئاً
من تأويلاتهم في كلام الكشي.
ومن خلال استعراض تلك
النصوص نخرج بهذه النتيجة انّ حقيقة التطرّف المشاهد في المذهب الإسماعيلي طرأت عليه من قبل أصحاب أبي الخطاب الذين استغلوا إمامة محمد بن إسماعيل لبث آرائهم.
______________________
إنّ للمذهب الإسماعيلي
دعائم ثلاث :
الأوّل :
التمسك بالتأويل ، والقول بأنّ لكلّ ظاهر باطناً.
الثاني :
أخذ الفلسفة اليونانية ، بأبعادها المختلفة في الإلهيات والطبيعيات والفلكيات سناداً وعماداً للمذهب كما سيظهر.
الثالث :
الغلو في حقّ أئمّتهم وتزويدهم بصلاحيات واختصاصات واسعة لا دليل عليها من العقل ولا الشرع .
فخرجنا بهذه النتيجة
: انّ الإسماعيلية كانت فرقة واحدة ، فانشقت إلى : قرامطة ودروز ، وبهرة ، ونزارية وسيوافيك تفصيلها في الفصول الآتية.
______________________



إنّ عبد الله بن
ميمون القدّاح ( ١٩٠ ـ ٢٧٠ هـ ) من أقطاب الدعوة الإسماعيلية ، وسيوافيك نصوص الرجاليين في حقّه ، غير انّا نركز في هذا المقام علىٰ
أنّ عبد الله بن ميمون الإسماعيلي غير عبد الله بن ميمون الاثني عشري ، فهما شخصان ، لا شخص واحد ، فنقول :
إنّ عبد الله بن
ميمون القداح أحد رواة الشيعة ، المعروفين بالوثاقة ، وقد روى زهاء ستين رواية عن أئمة أهل البيت في مختلف الأبواب الفقهية ، فتارة عن الصادق عليهالسلام مباشرة ، وأُخرى عن الباقر وعلي بن أبي
طالب بالواسطة ، ولم نر في كتب الرجال الشيعية أي غموض في سيرته إلّا الشيء اليسير من اتهامه بالتزيّد.
وأمّا أبوه فقد صحب
أئمّة ثلاثة هم : زين العابدين علي بن الحسين عليهماالسلام و الإمام الباقر محمد بن علي عليهماالسلام والإمام الصادق جعفر بن محمد عليهماالسلام ، ولم يذكر له توثيق.
هذا من جانب ومن جانب
آخر يحدّثنا كتّاب المقالات انّ عبد الله بن ميمون القداح وأبوه قد انضما إلى الحركة الباطنية وتحرّكا في رقعة كبيرة من العالم
الإسلامي بين الكوفة والمغرب.
كلُّ ذلك ممّا يجعل
الباحث في حيرة من أمرهما ، ولكن الحقّ انّ ما ذكرته كتب الرجال عن شخصية عبد الله بن ميمون وأبيه تختلف ماهويَّة عمّا ذكره أصحاب المقالات له ولأبيه ، وإنّما حصل الخلط للاشتراك في التسمية ، ولا يتجلّى ذلك بوضوح إلّا بعد الوقوف على نصوص كلّ منها.
إنّ مقارنة النصوص
لدليل واضح على تعدد المسمّيين ولنذكر نصوص الرجاليين من الشيعة أوّلاً.
عبد الله بن ميمون الإمامي
في كتب الرجال
قال البرقي في فصل
أصحاب الإمام الصادق عليهالسلام : عبد الله بن ميمون القداح ، مولى بني مخزوم ، كان يبري القداح.
وقال الكشي : عبد
الله بن ميمون القداح المكي ، قال حدثني حمدويه ، عن أيّوب بن نوح ، عن جعفر بن يحيى ، عن أبي خالد ، عن عبد الله بن ميمون ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « يا ابن ميمون كم أنتم بمكة ؟ »
قلت : نحن أربعة ، قال : « أما إنّكم نور في ظلمات الأرض ».
وقال النجاشي : عبد
الله بن ميمون بن الأسود القداح مولى بني مخزوم يبري القداح ، روى أبوه عن : أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام ، وروىٰ هو عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وكان ثقة. له كتب ، منها : كتاب « مبعث
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأخباره » ، وكتاب « صفة الجنة والنار » ثمّ ذكر سنده إلى كتبه.
وقال الشيخ الطوسي : عبد
الله بن ميمون القداح له كتاب ، ثمّ ذكر سنده إلى كتابه.
وقال الشيخ أيضاً : عبد
الله بن ميمون القداح المكي ، كان يبري القداح ، مولىٰ بني مخزوم.
وذكر أباه في أصحاب
علي بن الحسين عليهماالسلام وذكره أيضاً في أصحاب
______________________
الإمام
الباقر ، وقال : ميمون القداح مولىٰ بني مخزوم مكي.
هذا ما في كتب الشيعة
، وأمّا الكتب الرجالية لأهل السنة ، فقد ذكره ابن حجر في « تهذيب التهذيب » وقال : عبد الله بن ميمون بن داود القداح المخزومي ، مولاهم المكي.
روى عن : جعفر بن
محمد ، وإسماعيل بن أُميّة ، ويحيى بن الأنصاري ، وعثمان بن الأسود وغيرهم.
وقال في « تقريب
التهذيب » : عبد الله بن ميمون بن داود القداح المخزومي ، المكي ، متروك من الثامنة.
وتتلخّص مواصفاته
التي ذكرت في الكتب الرجالية بالأُمور التالية :
الأوّل : اسمه ونسبه : وهو عبد الله بن ميمون بن الأسود أو ابن داود.
الثاني : الوطن : فهو مكي من بني مخزوم ، وقد عرفت عن الكشي انّ أبا جعفر الباقر عليهالسلام قال له : يا بن ميمون كم أنتم بمكة ؟
الثالث : الولاء : انّه مخزومي ولاءً كما قال النجاشي : مولىٰ بني مخزوم.
ومثله الشيخ في الفهرست.
الرابع : العصر : فقد عاصر والده الأئمّة الثلاثة : زين العابدين ، ومحمد الباقر ، وجعفر الصادق عليهمالسلام .
وأمّا الولد فقد عاصر
الإمامين : الباقر والصادق عليهماالسلام وروى عنهما ، كما في رواية الكشي انّ أبا جعفر ، قال : « يا بن ميمون كم أنتم بمكة ؟ ».
______________________
وما في رجال النجاشي
من أنّه روى عن أبي عبد الله محمول على كثرة رواياته عن أبي عبد الله وقلّته عن أبي جعفر ، وإلّا فقد عرفت نقل الكشي روايته عن أبي جعفر مباشرة إلّا أن يقال بسقوط الواسطة عن قلم الكشي.
وبما أنّ الوالد صحب
الأئمة الثلاثة :
١. الإمام زين
العابدين عليهالسلام ( م ٩٤ ).
٢. الإمام الباقر عليهالسلام ( م ١١٤ ).
٣. الإمام الصادق عليهالسلام ( م ١٤٨ ).
والولد صحب الإمام
الباقر والصادق عليهماالسلام فقط ، ولم يرو شيئاً عن الإمام الكاظم عليهالسلام ، وطبيعة الحال تقتضي أنّ الوالد توفي
في حياة الإمام الصادق عليهالسلام وتوفي الولد أواخر إمامته أو بعدها بقليل.
ويؤيد ذلك : انّ أبا
عبد الله البرقي والد صاحب المحاسن ، وأحمد بن محمد ابن عيسى الأشعري كلاهما ممّن لقيا الرضا عليهالسلام مع أنّهما يرويان عن عبد الله بن ميمون بواسطة جعفر بن محمد بن عبيد الله ، فيكون عبد الله ، متأخراً عن جعفر ومعاصراً لتلامذة الإمام الصادق.
الخامس : وجه التلقيب : فقد لقّب بـ « القداح » ، لأنّه كان يبري القداح.
عبد الله بن ميمون الإسماعيلي
وإليك بيان ما يذكره
أصحاب المقالات والمؤرّخون حوله :
١. قال البغدادي في «
الفرق بين الفرق » :
قال أصحاب المقالات
إنّ الذين أسّسوا دعوة الباطنية جماعة : منهم
______________________
«
ميمون بن ديصان » المعروف بالقداح ، وكان مولى لجعفر بن محمد الصادق ، وكان من الأهواز ، ومنهم : محمد بن الحسين الملقب بدندان ، اجتمعوا كلّهم مع ميمون ابن ديصان في سجن والي العراق ، فأسّسوا في ذلك السجن مذاهب الباطنية ، ثمّ ظهرت دعوتهم بعد خلاصهم من السجن من جهة المعروف بدندان ، وابتدأ بالدعوة في ناحية توز.
فدخل في دينه جماعة
من أكراد الجبل مع أهل الجبل المعروف بالبدين ، ثمّ رحل ميمون بن ديصان إلى ناحية المغرب وانتسب في تلك الناحية إلى عقيل بن أبي طالب وزعم أنّه من نسله ، فلمّا دخل في دعوته قوم من غلاة الرفض والحُلُولية منهم ادّعىٰ انّه من ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، فقبل الأغبياء
ذلك منه على جهل منهم بأنّ محمد بن إسماعيل بن جعفر مات ولم يعقب عند علماء الأنساب.
٢. قال ابن النديم : إنّ
عبد الله بن ميمون ـ ويعرف ميمون بالقداح ـ وكان من أهل قوزح العباس بقرب مدينة الأهواز ، وأبوه ميمون الذي تنسب إليه الفرقة الميمونية التي أظهرت اتباع أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الذي دعا إلى إلهية علي بن أبي طالب ، وكان ميمون وابنه ديصانيين ، وادّعى عبد الله انّه نبي مدة طويلة ، وكان يظهر الشعابيذ ، ويذكر انّ الأرض تطوى له فيمضي إلى أين أحب في أقرب مدة ، وكان يخبر بالأحداث الكائنات في البلدان الشاسعة ، وكان له مرتبون في مواضع يرغبهم ويحسن إليهم ويعاونونه على نواميسه ومعهم طيور يطلقونها من المواضع المتفرقة إلى الموضع الذي فيه بيت عبد الله ، فيخبر من حضره بما يكون فيتمَوّه ذلك عليهم.
إلى أن قال : وصار
إلى البصرة فنزل علىٰ قوم من أولاد عقيل بن أبي طالب ، فكبس هناك ، فهرب إلى سلمية بقرب حمص.
______________________
إلى أن قال : قد كان
قبل بني القداح قريب ممّن يتعصب للمجوس ودولتها ، وكان ممّن واطأ عبد الله أمره رجل يعرف بمحمد بن الحسين ويلقب بزيدان من ناحية الكرخ من كتاب أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف ، وكان هذا الرجل متفلسفاً ، حاذقاً بعلم النجوم ، شعوبياً ، شديد الغيض من دولة الإسلام.
٣. قال ابن الأثير : فلما
يئس أعداء الإسلام من استئصاله بالقوة أخذوا في وضع الأحاديث الكاذبة وتشكيك ضعفة العقول في دينهم بأُمور قد ضبطها المحدّثون وأفسدوا الصحيح بالتأويل. فكان أوّل من فعل ذلك : أبو الخطاب محمد بن أبي زينب مولىٰ بني أسد ، وأبو شاكر بن ديصان صاحب كتاب الميزان في نصرة الزندقة وغيرهما ، فألقوا إلى من وثقوا به انّ لكل شيء من العبادات باطناً
، وانّ الله تعالى لم يوجب على أوليائه ومن عرف الأئمّة والأبواب صلاة ولا زكاة ولا غير ذلك ولا حرم عليهم شيئاً وأباحوا لهم نكاح الأُمّهات والأخوات ، وإنّما هذه قيود للعامة ساقطة عن الخاصة.
وكانوا يظهرون
التشيّع لآل النبي ليستروا أمرهم ويستميلوا العامة ، وتفرّق أصحابهم في البلاد ، وأظهروا الزهد والعبادة يغرون الناس بذلك وهم على خلافه ، فقتل أبو الخطاب وجماعة من أصحابه بالكوفة.
إلى أن قال : ونشأ
لابن ديصان ( أبو شاكر ميمون بن ديصان ) ابن يقال له عبد الله القداح علّمه الحيل وأطلعه على أسرار هذه النحلة فحذق وتقدم ، إلى أن قال : وإنّما لقب القداح لأنّه كان يعالج العيون ويقدحها ، فلمّا توفي القداح ( عبد
الله ) قام بعده ابنه أحمد مقامه ، إلى آخر ما ذكر.
وإليك مواصفات الرجل
حسب ما ذكره البغدادي ، وغيره من المؤرّخين فهي تختلف عمّا تعرفت عليه في الأوّل.
______________________
الأوّل : اسمه ونسبه : عبد الله بن ميمون بن ديصان.
الثاني : الوطن : كان من الأهواز أو من الكوفة ، فانّ محمد بن أبي زينب وأتباعه كانوا كوفيين.
الثالث : الولاء : كان مولىً لجعفر بن محمد الصادق ، والظاهر انّ مراده هو حبه له.
الرابع : العصر : فالرجل حسب ما يذكره البغدادي ممّن ذهب لناحية المغرب وانتسب في تلك الناحية إلى عقيل بن أبي طالب هذا من جانب ، ومن جانب نرىٰ أنّ الأئمّة الإسماعيلية توجهوا إلى المغرب في أواسط القرن الثالث ، لأنّ الإمام المستور الحسين بن أحمد ( ٢١٩ ـ ٢٦٥ هـ ) التقىٰ بالنجف الأشرف بالداعي أبي قاسم حسن بن فرح بن حوشب وعلي بن الفضل فأثر فيهما وأحضرهما إلى سلمية ، ثم جهّزهما بعد ذلك إلى اليمن ، وفي عهده تمّ إرسال أبي عبد الله الشيعي إلى المغرب.
فيعلم من خلالها أنّ
التمهيد لبسط نفوذهم في المغرب بدأ في أواسط القرن الثالث وانّ ميمون بن ديصان الوالد قصدها في تلك الآونة وقد أرّخ الكاتب الإسماعيلي مصطفى غالب في تقديمه لكتاب كنز الولد انّ عبد الله بن ميمون القداح ولد سنة ١٩٠ وتوفي سنة ٢٧٠ هـ ، فأين هو من عبد الله بن ميمون المعدود من أصحاب الباقر والصادق عليهماالسلام ، الذي توفي في أواسط القرن الثاني ؟!
الخامس : وجه التلقيب : انّه كان يقدح العيون.
أضف إلى ذلك انّه من
البعيد أن يروي المشايخ الكبار ، كجعفر بن محمد الأشعري ، والحسن بن علي بن فضال ، وأحمد بن إسحاق بن سعد ، وحمّاد بن عيسى ، وعبد الله بن المغيرة عمّن خدم الإسماعيلية وتآمر على الإمامية الاثني
______________________
عشرية
، ولو افترضنا انّهم أخذوا منه الرواية حين استقامته ، لصرّحوا به.
وممن حقّق هذا الأمر
تفصيلاً صاحب أعيان الشيعة ، فلاحظ.
لعب عبد الله بن
ميمون القدّاح دوراً هاماً في نشر أفكار الخطابية وبثّها في أتباع محمد بن إسماعيل ، وكان حلقة وصل بين الخطابية والإسماعيلية ، وأخيراً التحق بالإمام محمد بن إسماعيل وصار من دعاته ، وكلّ الآفات التي أصابت العقيدة الإسماعيلية تعود إليه وإلى زميله محمد بن الحسين الملقب بـ « دندان » .
ويشهد كثير من النصوص
التاريخية علىٰ ذلك ، نكتفي منها بالقليل.
يقول ابن الأثير : يأس
أعداء الإسلام من استئصاله بالقوة فأخذوا في وضع الأحاديث الكاذبة وتشكيك ضعفة العقول في دينهم بأُمور قد ضبطها المحدّثون ، وأفسدوا الصحيح بالتأويل والطعن عليه.
فكان أوّل من فعل ذلك
أبو الخطاب محمد بن أبي زينب مولى بني أسد ، وأبو شاكر ميمون بن ديصان صاحب كتاب « الميزان » فألقوا إلى من وثقوا به انَّ لكل شيء من العبادات باطناً ، وانّ الله تعالى لم يوجب على أوليائه ولا من عرف الأئمّة والأبواب ، صلاة ولا زكاة ولا غير ذلك ، ولا حرّم عليهم شيئاً وأباحوا لهم
نكاح الأُمّهات والأخوات ، وإنّما هذه قيود للعامة ساقطة عن الخاصّة.
وكانوا يظهرون التشيع
لآل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ليستروا أمرهم ويستميلوا العامة ، وتفرّق أصحابهم في البلاد ، فقتل أبو الخطاب وجماعة من أصحابه بالكوفة.
ونشأ لابن ديصان ابن
يقال له عبد الله القدّاح ، علّمه الحيل وأطلعه على أسرار هذه النحلة. وكان بنواحي كرخ واصفهان رجل يعرف بمحمد بن الحسين ويلقب بـ « دندان » فسار إليه القدّاح وعرّفه من ذلك مازاد به محلّه.
______________________
ومن طالع تاريخ الإسماعيلية
وكتبهم يقف على أنّ لأبي عبد الله بن ميمون القدّاح وربيبه القدح المعلّى في صياغة العقيدة الإسماعيلية.
فقد خرجنا بهذه
النتيجة انّ الخطابية وعلى حسب تعبير النوبختي « المباركيّة » هم جذور الإسماعيلية وانّ ميمون بن ديصان ، ثمّ ابنه عبد الله بن ميمون القداح ، وزميله المعروف بـ « دندان » هم حلقة الوصل بين الفرقتين.
ما روي عن عبد الله بن ميمون الإمامي في الجوامع
الحديثية
إنّ لعبد الله بن
ميمون بن الأسود المخزومي روايات في مختلف الأبواب قد نقلها أصحاب الكتب الأربعة في جوامعهم وهي تناهز ٤٩ حديثاً ، وليس في رواياته أيّ شذوذ إلّا في رواية واحدة. والتمعّن فيها يوقف الإنسان على أنّه كان فقيهاً متقناً في النقل. وإليك ما وقفنا عليه :
١. روى عبد الله بن
ميمون ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : « جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله أُحب أن تشهد لي
على نحل نحلتها ابني ، قال : ما لك ولد سواه ؟ قال : نعم ، قال : فنحلتها كما نحلته ؟ قال : لا ، قال : فانّا معاشر الأنبياء لا نشهد على الجنف ».
٢. روى عبد الله بن
ميمون ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهماالسلام قال : « كان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بتبوك يعبّون الماء ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : اشربوا في أيديكم ، فإنّها من خير آنيتكم ».
٣. روى عبد الله بن
ميمون ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهالسلام ، قال : « الركعتان يصلّيهما متزوّج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب ».
______________________
٤. روى عبد الله بن
ميمون ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الصبي والصبي ، والصبي والصبية ، والصبية
والصبية يفرق بينهم في المضاجع لعشر سنين ».
٥. روى عبد الله بن
ميمون ، عن أبي عبد الله عليهالسلام عن أبيه عليهالسلام قال : « أُتي أمير المؤمنين عليهالسلام برجل قد ضرب رجلاً حتى انتقص من بصره ،
فدعا برجال من أسنانه ثمّ أراهم شيئاً ، فنظر ما انتقص من بصره ، فأعطاه دية ما انتقص من بصره ».
٦. عن عبد الله بن
ميمون ، عن جعفر ، عن أبيه عليهالسلام انّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « الرزق أسرع إلى من يطعم الطعام من السكين في السنام ».
٧. عن أحمد بن إسحاق
بن سعد ، عن عبد الله بن ميمون ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهالسلام قال : « قال الفضل بن العباس : أُهدي
إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بغلة أهداها له كسرى أو قيصر ، فركبها
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بجلّ من شعر وأردفني خلفه ، ثمّ قال لي : يا غلام احفظ الله يحفظك ، واحفظ الله تجده أمامك ، تعرّف إلى
الله عزّ وجلّ في الرخاء يعرفك في الشدة ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله عزّ وجلّ ، فقد مضى القلم بما هو كائن ، فلو جهد الناس أن ينفعوك بأمرٍ لم يكتبه الله لك لم يقدروا عليه ، ولو جهدوا أن يضروك بأمرٍ لم يكتبه الله عليك
لم يقدروا عليه ، فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل ، فإن لم تستطع ، فاصبر ، فإنّ في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ، واعلم أنّ الصبر مع النصر ، وأنّ
الفرج مع الكرب ، وأنّ مع العسر يسراً ، انّ مع العسر يسراً ».
______________________
٨. علي بن حاتم ، عن
محمد بن جعفر ، عن محمد بن عمرو ، عن علي بن محمد ، عن جعفر بن محمد ، عن عبد الله بن ميمون ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد ، عن علي بن الحسين ، عن أمير المؤمنين عليهمالسلام : « اللّهمّ إنّك أعلنت سبيلاً من سبلك فجعلت فيه رضاك ، وندبت إليه أولياءك وجعلته أشرف سبلك عندك ثواباً ، وأكرمهم لديك مآباً وأحبها إليك مسلكاً ، ثمّ اشتريت فيه من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنة يقاتلون في سبيلك فيقتلون ويُقتلون وعداً عليك حقّاً ، فاجعلني ممّن اشترى فيه منك نفسه ، ثمّ وفىٰ لك ببيعه الذي بايعك
عليه ، غير ناكث ، ولا ناقض عهداً ، ولا مبدل تبديلاً ، إلّا استنجازاً لموعودك ، واستيجاباً
لمحبتك ، وتقرباً به إليك ، فصلّ علىٰ محمد وآله واجعله خاتمة عملي ، وارزقني
فيه لك وبك مشهداً توجب لي به الرضا ، وتحط عني به الخطايا ، اجعلني في الأحياء المرزوقين بأيدي العداة العصاة تحت لواء الحق وراية الهدىٰ ، ماض على نصرتهم
قدماً غير مولٍّ دبراً ، ولا محدث شكاً ، وأعوذ بك عند ذلك من الذنب المحبط للأعمال ».
٩. عن الحسن بن علي ،
عن جعفر بن محمد ، عن عبد الله بن ميمون ، عن جعفر ، عن أبيه عليهالسلام قال : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون ».
١٠. محمد بن علي بن
محبوب ، عن الحسن بن علي ، عن جعفر بن محمد ، عن عبد الله بن ميمون ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام قال : « كان المقام لازقاً بالبيت فحوّله عمر ».
١١. الحسن بن علي
الكرخي ، عن جعفر بن محمد ، عن عبد الله بن ميمون ،
______________________
عن
جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام : « كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يستهدي من ماء زمزم وهو بالمدينة ».
١٢. عن جعفر بن محمد
الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « دخل أمير المؤمنين صلوات الله عليه
المسجد ، فإذا هو برجل على باب المسجد ، كئيب حزين ، فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام ما لك ؟ قال : يا أمير المؤمنين أُصبت بأبي وأُمي وأخي وأخشى أن أكون قد وجلت ، فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : عليك بتقوى الله والصبر تقدم عليه غداً ؛ والصبر في الأُمور بمنزلة الرأس من الجسد ، فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد وإذا فارق الصبر الأُمور فسدت الأُمور ».
١٣. عن حماد ، عن عبد
الله بن ميمون ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهماالسلام قال : « زكاة الفطرة صاع من تمر ، أو صاع من زبيب ، أو صاع من شعير ، أو صاع من إقط عن كلّ إنسان حرّ أو عبد ، صغير أو كبير ، وليس على من لا يجد ما يتصدق به حرج ».
١٤. عن حماد بن عيسى
، عن عبد الله بن ميمون ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّ علياً صلوات الله عليه كان يقول إذا أصبح : « سبحان الله الملك القدُّوس ـ ثلاثاً ـ اللّهمّ إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك ، ومن تحويل عافيتك ، ومن فجأة نقمتك ، ومن درك الشقاء ، ومن شرّ ما سبق في الليل ، اللّهمّ إنّي أسألك بعزّة ملكك ، وشدّة قوّتك ، وبعظيم سلطانك ، وبقدرتك على خلقك » ، ثمّ سل حاجتك.
١٥. عن حماد بن عيسى
، عن عبد الله بن ميمون ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام
______________________
قال
: « المحرمة لا تتنقّب ، لأنّ إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه ».
١٦. عن أحمد بن محمد
، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن عبد الله بن ميمون ، قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقف بعرفات ، فلمّا همّت الشمس أن تغيب قبل أن تندفع ، قال : اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الفقر ، ومن تشتّت الأمر ، ومن شر ما يحدث بالليل والنهار ، أمسى ظلمي مستجيراً بعفوك ، وأمسى خوفي مستجيراً بأمانك ، وأمسىٰ ذلّي مستجيراً بعزِّك ، وأمسى وجهي الفاني مستجيراً بوجهك الباقي ، يا خير من سئل ، ويا أجود من أعطىٰ جلّلني برحمتك ، وألبسني عافيتك ، واصرف عني شرّ جميع خلقك ».
١٧. عن حماد بن عيسى
، عن عبد الله بن ميمون ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « للعبد أن يستثني ما بينه وبين أربعين يوماً إذا نسي ، انّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أتاه ناس من اليهود فسألوه عن أشياء ، فقال لهم : تعالوا غداً أُحدّثكم ولم يستثن ، فاحتبس جبرئيل عليهالسلام عنه أربعين يوماً ثمّ أتاه وقال : ﴿ وَلَا
تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ .
١٨. عن حماد بن عيسى
، عن عبد الله بن ميمون ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهماالسلام قال : « ثلاثة لا يفطرن الصائم : القيء
والاحتلام والحجامة ، وقد احتجم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو صائم ، و كان لا يرى بأساً بالكحل
للصائم ».
١٩. عن حماد بن عيسى
، عن عبد الله بن ميمون ، قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : « للعبد أن يستثني ما بينه وبين
أربعين يوماً إذا نسي ».
______________________
٢٠. عن أحمد بن محمد
، عن أبيه ، عن عبد الله بن ميمون ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه
يقول : اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الاحتلام ، ومن سوء الأحلام ، وأن يلعب بي الشيطان في اليقظة والمنام ».
٢١. علي بن الحسن بن
فضال ، عن محمد بن الحسن بن الجهم ، عن عبد الله بن ميمون ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهماالسلام قال : « قال علي عليهالسلام : إذا طلّق الرجل المرأة فهو أحقّ بها ما لم تغتسل من الثالثة ».
٢٢. روى عبد الله بن
ميمون باسناده قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إذا ضللتم الطريق فتيامنوا ».
٢٣. محمد بن أحمد بن
يحيى ، عن جعفر بن محمد ، عن عبد الله بن ميمون قال : أُتي علي عليهالسلام بأسير يوم صفين فبايعه ، فقال علي عليهالسلام : « لا أقتلك انّي أخاف الله ربّ العالمين ، فخلّى سبيله ، وأعطىٰ سلبه الذي جاء به ».
٢٤. عن ابن فضال ، عن
عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « حرّمت الجنة على الديّوث ».
٢٥. عن أحمد بن محمد
، عن ابن فضال ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « قال يعقوب لابنه : يا بني لا
تزن ، فإنّ الطائر لو زنا لتناثر ريشه ».
______________________
٢٦. عن سهل بن زياد ،
عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القدّاح ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا شرب اللبن قال : اللّهمّ بارك لنا فيه وزدنا منه ».
٢٧. عن جعفر بن محمد
، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن جعفر ، عن أبيه عليهالسلام قال : « قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم ، ونهى أن يتنعل الرجل وهو قائم ».
٢٨. عن جعفر بن محمد
، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهمالسلام ، قال : « انكسفت الشمس في زمن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فصلّى بالناس ركعتين ، فطوّل حتى غشي على بعض القوم ممّن كان وراءه من طول القيام ».
٢٩. عن جعفر بن محمد
، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام أنّ علياً عليهالسلام كان يقول : « من فاته صيام الثلاثة أيام في الحج ، وهي قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة فليصم أيام التشريق ، فقد أذن له ».
٣٠. عن جعفر بن محمد
الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ؛ وعلي ابن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن القدّاح ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك
الله به طريقاً إلى الجنة ، وانّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به ، وانّه يستغفر لطالب العلم مَنْ في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر ، وأنّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنّ الأنبياء لم
يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر ».
______________________
٣١. عن جعفر بن محمد
الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال : « إنّ هذا العلم عليه قفل
ومفتاحه المسألة ».
٣٢. عن جعفر بن محمد
الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله عليهالسلام عن آبائه عليهمالسلام قال : « جاء رجل إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله ما العلم ؟ قال : الانصات ، قال : ثمّ مه ؟ قال : الاستماع ، قال : ثمّ مه ؟ قال :
الحفظ ، قال : ثمّ مه ؟ قال : العمل به ، قال : ثمّ مه يا رسول الله ؟ قال : نشره
».
٣٣. عن جعفر بن محمد
الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه
يقول : أفضل العبادة العفاف ».
٣٤. عن جعفر بن محمد
الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « قال أمير المؤمنين عليهالسلام : المؤمن مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ».
٣٥. عن جعفر بن محمد
الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « من أطعم مؤمناًحتّى يشبعه لم
يدر أحدٌ من خلق الله ما له من الأجر في الآخرة ، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل إلّا الله ربّ العالمين ، ثم ّقال : من
موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان ، ثم ّتلا قول الله عزّ وجلّ ﴿ أَوْ
إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾
».
______________________
٣٦. عن جعفر بن محمد
الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « ركعتان بالسواك أفضل من سبعين
ركعة بغير سواك ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لولا أن أشقّ على أُمتي لأمرتهم
بالسواك مع كلّ صلاة ».
٣٧. عن جعفر بن محمد
الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « كان أمير المؤمنين عليهالسلام إذا حضر أحداً من أهل بيته الموت ، قال له : لا إله إلّا الله العلي العظيم ، سبحان الله ربّ السماوات السبع وربّ الأرضين السبع وما بينهما وربّ العرش العظيم ، والحمد لله ربّ العالمين فإذا قالها
المريض ، قال : اذهب فليس عليك بأس ».
٣٨. عن جعفر بن محمد
الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله ، عن آبائه عليهمالسلام قال : « صنائع المعروف تقي مصارع السوء
».
٣٩. عن جعفر بن محمد
الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام : أنّ علياً صلوات الله عليه قال لرجل
كبير لم يحجّ قطّ : « إن شئت أن تجهّز رجلاً ، ثمّ أبعثه أن يحجّ عنك ».
٤٠. عن جعفر بن محمد
الأشعري عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن جعفر عليهالسلام : أنّ علياً عليهالسلام كان لا يرى بأساً بعقد الثوب إذا قصر ، ثمّ يصلّى فيه وإن كان محرماً.
٤١. عن جعفر بن محمد
الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله عن آبائه عليهمالسلام قال : « قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد
______________________
الإسلام
أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إليها ، وتطيعه إذا أمرها ، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله ».
٤٢. عن جعفر بن محمد
الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : إنّ علي بن الحسين عليهماالسلام كان يتزوّج وهو يتعرق عرقاً يأكل ما يزيد علىٰ أن يقول : الحمد لله وصلّى الله على محمد وآله ، ويستغفر الله عزّ وجلّ
، وقد زوّجناك علىٰ شرط الله ، ثمّ قال علي بن الحسين عليهماالسلام : إذا حمد الله فقد خطب.
٤٣. عن جعفر بن محمد
الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن آبائه عليهمالسلام قال : « كان بالمدينة رجلان يسمّىٰ
أحدهما هيت والآخر مانع ، فقالا لرجل ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يسمع : إذا افتتحتم الطائف إن شاء الله
فعليك بابنة غيلان الثقفية ، فإنّها شموع بخلاء مبتلة هيفاء شنباء ، إذا جلست تثنّت ، وإذا تكلّمت غنت ، تقبل بأربع وتدبر بثمان بين رجليها مثل القدح ، فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا أريكما من أُولي الاربة من الرجال
، فأمر بهما رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فغرّب بهما إلى مكان يقال له : العرايا ، وكانا يتسوّفان في كلّ جمعة ».
٤٤. عن جعفر بن محمد
الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهماالسلام قال : « للزاني ست خصال ، ثلاث في
الدنيا وثلاث في الآخرة ، أمّا التي في الدنيا : فيذهب بنور الوجه ، ويورث الفقر ، ويعجّل الفناء ؛
وأمّا التي في الآخرة : فسخط الرب ، وسوء الحساب ، والخلود في النار ».
٤٥. عن الحسن بن عليّ
، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « الدعاء كهف الإجابة ، كما أنّ
السحاب كهف المطر ».
______________________
٤٦. عن الحسن بن علي
، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي عليهمالسلام قال : « سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام ».
٤٧. عن عبد الله بن
المغيرة ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله ، عن آبائه ، عن علي عليهمالسلام : انّه كان إذا خرج من الخلاء قال : « الحمد
لله الذي رزقني لذّته ، وأبقى قوته في جسدي ، وأخرج عني أذاه يا لها من نعمة ».
٤٨. عن محمد بن الحسن
بن أبي الجهم ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهماالسلام قال : « جاء قنبر مولى علي عليهالسلام بفطرة إليه قال : فجاء بجراب فيه سويق عليه خاتم قال : فقال له رجل : يا أمير المؤمنين إنّ هذا لهو البخل تختم على طعامك !! قال : فضحك علي عليهالسلام قال : ثمّ قال : أو غير ذلك ؟ لا أحب أن يدخل بطني شيء إلّا شيء أعرف سبيله ، قال : ثمّ كسر الخاتم ، فأخرج منه سويقاً ، فجعل منه في قدح فأعطاه إياه ، فأخذ القدح فلمّا أراد أن يشرب قال :
بسم الله اللّهمّ لك
صمنا ، وعلى رزقك أفطرنا ، فتقبّل منّا إنّك أنت السميع العليم ».
٤٩. عن جعفر بن محمد
الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبيدة الحذّاء ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ أعجل الخير ثواباً صلة الرحم ».
إنّ حامل تلك الدرر
اللامعة وراويها ، أجلّ من أن يكون موصوفاً بما وصف به عبد الله بن ميمون الإسماعيلي في كتب الملل والنحل أو في سائر المعاجم.
______________________



يرجع نشوء الإسماعيلية
وتكوّنهم ، إلى القول بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق عليهالسلام واستمرارها في عقبه ، فهو الإمام الأوّل
، وقد تلته أئمّة :
١. إسماعيل بن جعفر.
٢. محمد بن إسماعيل.
٣. عبد الله بن محمد.
٤. أحمد بن عبد الله .
٥. الحسين بن أحمد.
٦. عبيد الله المهدي
بن الحسين ، مؤسس الدولة الفاطمية في المغرب.
٧. محمد القائم.
٨. إسماعيل بن محمد
المنصور.
٩. معد بن إسماعيل « المعز
».
١٠. نزار بن معد « العزيز
».
١١. الحسن بن نزار « الحاكم
».
١٢. علي بن الحسن « الظاهر
».
١٣. معد بن علي
المستنصر.
وهؤلاء هم الأئمّة
المتّفق عليهم بين الفرق الإسماعيلية الثلاث : المستعلية ، والنزارية المؤمنية ، والنزارية القاسمية ( الآغاخانية ).
ثمّ اختلفوا إلى
فرقتين ، فذهبت المستعلية إلى أنّ الإمام القائم بالأمر بعد المستنصر عبارة عن كلّ من :
١. أحمد المستعلي.
٢. الآمر بأحكام الله.
٣. الطيّب بن الآمر.
ثمّ جاء دور الستر
فلا إمام ظاهر.
لكن النزارية بكلا
فريقيها قالوا باستمرار الإمامة بعد المستنصر ، وقالوا : إنّ الإمامَ القائم بالأمر عبارة عن كلِّ من :
١. نزار بن معد.
٢. حسن بن معد ( جلال
الدين ).
٣.محمد بن حسن ( علاء
الدين ).
٤. محمود بن محمد ( ركن
الدين ).
٥. محمد بن محمود ( شمس
الدين ).
ثمّ افترقت النزارية
إلى فرقتين :
الف : النزارية المؤمنية.
ب : النزارية
القاسمية الآغاخانية.
فكلّ ساقوا الإمامة
بعد شمس الدين ، بشكل خاص لا يلتقيان أبداً إلى العصر الحاضر. وستوافيك أسماؤهم.
وسنقوم بترجمة الأئمّة
المتّفق عليهم بين جميع الفرق ، الذين لا يتجاوز عددهم ثلاثة عشر إماماً آخرهم المستنصر. وقد عقدنا لبيانه فصلين مستقلين ، أحدهما في الأئمّة المستورين ، والثاني في المتظاهرين بالإمامة.
الإمام
الأوّل
إسماعيل
بن جعفر الصادق
( ١١٠ ـ ١٤٥ هـ )
إنّ إسماعيل هو الإمام
الأوّل والمؤسِّس للمذهب ، فوالده الإمام الصادق عليهالسلام غنيّ عن التعريف ، وفضله أشهر من أن
يذكر ، وُلِد الإمام الصادق عام ٨٠ هـ على قول و ٨٣ على قول آخر وتوفي عام ١٤٨ هـ ، وهو من عظماء أهل البيت عليهمالسلام وساداتهم ، ذو علوم جَمّة ، وعبادة
موفورة ، وزهادة بيّنة ، وتلاوة كثيرة ... إلى غير ذلك من فضائل ومآثر يقصر عنها القلمُ والبيان ؛ وقد أنجب عليهالسلام عشرة أولاد ، هم إسماعيل ويليه عبد الله ، وموسى الكاظم ، وإسحاق ، ومحمد ، والعباس وعلي ، وأمّا الإناث ، فأكبرهنّ أُمّ فروة ، ثمّ أسماء ، وفاطمة.
لقد تزوج عليهالسلام فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين ، فأنجب منها إسماعيل وعبد الله وأُمّ فروة.
وكان إسماعيل أكبر الإخوة
وكان أبو عبد الله عليهالسلام شديد المحبة له والبر به والإشفاق عليه ، مات في حياة أبيه عليهالسلام « بالعريض » ، وحمل على رقاب الرجال
إلىٰ أبيه بالمدينة ، حتى دفن بالبقيع .
______________________
ولذلك كان من اللازم
استعراض سيرته وسيرة بعض أولاده ممن كان لهم دور في نشوء هذه الفرقة فنقول :
عنونه الشيخ في أصحاب
رجال الصادق عليهالسلام واقتصر على اسمه واسم آبائه ، وقال : إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي ، المدني.
وقال ابن عنبة : وأمّا
إسماعيل بن جعفر الصادق عليهالسلام ويكنى أبا محمد ، وأُمّه فاطمة بنت الحسين الأثرم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهالسلام ويعرف بإسماعيل الأعرج ، وكان أكبر ولد أبيه ، وأحبَّهم إليه ، كان يحبُه حباً شديداً ، وتوفي
في حياة أبيه « بالعريض » ، فحمل على رقاب الرجال إلى البقيع ، فدفن به سنة ثلاث وثلاثين ومائة ، قبل وفاة الصادق عليهالسلام بعشرين سنة ، كذا قال أبو القاسم ابن خداع نسّابة المصريين.
وقال ابن خلدون : تُوفّي
قبل أبيه ، وكان أبو جعفر المنصور طلبه ، فشهد له عامل المدينة بأنّه مات.
قال المفيد : لمّا
توفي إسماعيل جزع أبو عبد الله عليه جزعاً شديداً ، وحزن عليه حزناً عظيماً ، وتقدّم سريرَه بغير حذاء ولا رداء ، وأمر بوضع سريره على الأرض
قبلَ دفنه مراراً ، وكان يكشف عن وجهه وينظر إليه.
لم نقف في حياة
إسماعيل على شيء سوى ما نقله ابن أبي الحديد حيث قال : كان القاسم بن محمد بن طلحة ـ يلقّب « أبا بعرة » ، ولي شرطة
الكوفة ، لعيسى
______________________
ابن
موسى العباسي ـ فكلَّم إسماعيل بن جعفر الصادق بكلام خرجا فيه إلى المنافرة.
فقال القاسم : لم يزل
فضلنا وإحساننا سابغاً عليكم يا بني هاشم ، وعلى بني عبد مناف كافة.
فقال إسماعيل : أيّ
فضل وإحسان أسديتموه إلى بني عبد مناف ؟! أغضب أبوك جدي بقوله : « ليموتن محمد ولنجولنّ بين خلاخيل نسائه ، كما جال بين خلاخيل نسائنا » ، فأنزل الله تعالى مراغمة لأبيك : ﴿ وَمَا
كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّـهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ﴾
ومنع ابن عمك أُمّي من حقّها في فدك ، وغيرها من ميراث أبيها ، وأجلب أبوكَ على عثمان ، وحصره حتى قُتِل ، ونكثَ بيعة عليٍّ ، وشام السيف في وجهه ، وأفسد قلوبَ المسلمين عليه ، فإن كان لبني عبد مناف قوم غير هؤلاء ، أسديتم إليهم إحساناً ، فعرّفني من هم ، جعلت فداك ؟!
وروى الكشي بسنده عن
عنبسة العابد : كنت مع جعفر بن محمد بباب الخليفة أبي جعفر بالحيرة ، حين أُتي ببسّام ، وإسماعيل بن جعفر بن محمد ، فأُدخلا
على أبي جعفر فأُخرج بسّام مقتولاً ، وأُخرِج
إسماعيل بن جعفر بن محمد ، قال : فرفع جعفر رأسه إليه ، قال : أفعلتها يا فاسق ، أبشر بالنار.
قلت : الضمير في « إليه
» يرجع إلى المنصور من باب خطاب الغائبين بما يقتضيه الحال.
والحديث يدل على أنّه
وشي عليهما لدى المنصور فطلبهما ، فقتل بسّاماً
______________________
وأطلق إسماعيل.
ولعلّه ثبتت براءته مما نسب إليه .
وروى الكشي أيضاً في
ترجمة عبد الله بن شريك العامري ، عن أبي خديجة الجمّال ، قال : سمعت أبا عبد الله ، يقول : إنّي سألت الله في إسماعيل أن يُبقيه بعدي فأبى ، ولكنّه قد أعطاني فيه منزلة أُخرى ، انّه يكون أوّل منشور في عشرة من أصحابه ، ومنهم عبد الله بن شريك وهو صاحب لوائه.
والحديث يدل على انّ
الإمام الصادق عليهالسلام كان يحبّه كثيراً ، ولعلّ إسماعيل مرض ، فدعا أبوه الله تعالى أن يشفيه ولكن الله قدّر موته ، كما يدل على وثاقته أيضاً.
ويظهر ممّا رواه
الكشي في ترجمة المفضل بن مزيد ، أخي شعيب الكاتب ، أنّه كان مأموراً بدفع جوائز إلى بني هاشم ، وكان أسماءُ أصحاب الجوائز مكتوباً في كتابٍ ، ناولَ الكتابَ للإمام الصادق عليهالسلام فلما رآه قال : ما أرى لإسماعيل هاهنا شيئاً ، فأجاب المفضل : هذا الذي خرج إلينا.
ومن راجع الكتب
الحديثية يرىٰ أنّ هناك روايات يظهر منها جلالة منزلة إسماعيل ، عند والده نذكر منها ما يلي :
١. الإمام الصادق عليهالسلام يستأجر من يحجّ عن إسماعيل
:
روى الكليني بسنده ، عن
عبد الله بن سنان ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام إذ دخل عليه رجل فأعطاه ثلاثين ديناراً
يحجّ بها عن إسماعيل ، ولم يترك شيئاً من العمرةِ إلى الحجّ إلّا اشترط عليه أن يسعىٰ في وادي مُحسِّر ، ثمّ قال :
يا هذا ، إذا أنت فعلتَ هذا كانَ لإسماعيل حجة بما أنفق من ماله ، وكانت لك تسْع بما أتعبَت من بدنك.
______________________
٢. الإمام ينصحه من الائتمان
بالفاسق :
روى الكليني بسنده ، عن
حريز بن عبد الله السجستاني ، قال : كانت لإسماعيل بن أبي عبد الله عليهالسلام دنانير وأراد رجل من قريش أن يخرجَ إلى
اليمن ، فقال إسماعيل : يا أبت إنّ فلاناً يريد الخروج إلى اليمن ، وعندي كذا وكذا ديناراً
، أفترىٰ أن أدفعها إليه يبتاع لي بها بضاعة من اليمن ؟ فقال أبو عبد الله عليهالسلام : يا بُنيّ أما بلغك أنّه يشرب الخمر ؟ فقال إسماعيل : هكذا يقول الناس ، فقال : يا بُنيّ لا تفعل.
فعصى إسماعيلُ أباه
ودفع إليه دنانيره فاستهلكها ، ولم يأته بشيء منها ، فخرج إسماعيل وقضى أنّ أبا عبد الله عليهالسلام حجّ وحجّ إسماعيل تلك السنة فجعل يطوف بالبيت ، ويقول : اللهمّ أجرني واخلف عليّ فلحقه أبو عبد الله عليهالسلام فهمزه بيده من خلفه ، فقال له : مَهْ يا بني فلا والله ما لك على الله ( هذا ) حجة ولا
لك أن يأجرك ولا يُخلف عليك ، وقد بلغك أنّه يشرب الخمر فائتمنته ، فقال إسماعيل : يا أبت إنّي لم أره يشرب الخمر ، إنّما سمعت الناس يقولون.
فقال : يا بُني إنّ
الله عزّ وجلّ يقول في كتابه : ﴿ يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ
وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾
يقول : يصدِّق الله ويصدق للمؤمنين فإذا شهد عندك المؤمنون فصدِّقهم ولا تأتمن شارب الخمر ، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول في كتابه : ﴿ وَلَا
تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ﴾
فأيّ سفيه أسفه من شارب الخمر ؟! إنّ شارب الخمر لا يُزوَّج إذا خَطِب ، ولا يُشفَّع إذا شَفَع ، ولا يُؤتمن على أمانة ، فمن ائتمنه
على أمانة فاستهلكها لم يكن للذي ائتمنه ، على الله أن يأجره ولا يخلف عليه.
______________________
قلة رواياته
لم نجد في الجوامع الحديثية
شيئاً يروى عنه ، إلّا الحديثين التاليين ، ولعلّ قصر عمره وموته في حياة والده صارا سبباً لقلة الرواية عنه ، وإليك ما وقفنا عليه من رواياته :
١. روى الكليني بسنده
، عن أبي أيّوب الخزاز ، قال : سألت إسماعيل بن جعفر ، متى تجوز شهادة الغلام ؟ فقال : إذا بلغ عشر سنين ، قال : قلتُ : ويجوز أمره ؟ قال : فقال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دخل بعائشة وهي بنت عشر سنين ، وليس يدخل بالجارية حتى تكون امرأة ، فإذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره وجازت شهادته.
٢. روى الشيخ الطوسي
، عن داود بن فرقد ، عن إسماعيل بن جعفر ، قال : اختصم رجلان إلى داود عليهالسلام في بقرة فجاء هذا ببيّنة على أنّها له
، وجاء هذا ببيّنة على أنّها له ، قال : فدخل داود عليهالسلام المحرابَ فقال : يا رب إنّه قد أعياني
أن أحكم بين هذين ، فكُن أنتَ الذي تحكم ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه اخرج فخذ البقرة من الذي في يده ، فادفعها إلى الآخر ، واضرب عنقه ، قال : فضجت بنو إسرائيل من ذلك ، وقالوا : جاء هذا ببينّة وجاء هذا ببيّنة ، وكان أحقّهما بإعطائها الذي في
يديه ، فأخذها منه ، وضرب عنقه ، فأعطاها هذا ... قال : فدخل داود عليهالسلام المحرابَ فقال : يا ربّ قد ضجَّتْ بنو إسرائيل ممّا حكمتُ ، فأوحى إليه ربُّه أنّ الذي كانت
البقرة في يده لقي أب الآخر فقتله وأخذ البقرة منه ، إذا جاءك مثل هذا فاحكم بينهم بما ترى ولا تسألني أن أحكم حتى الحساب.
______________________
وفاته
قد عرفت أنّ ابن عنبة
ذكر أنّه توفي عام ( ١٣٣ هـ ) ، وقال صاحب تهذيب الكمال : إسماعيل إمام مات وهو صغير ، ولم يروَ عنه شيء من الحديث.
وأرّخ الزركلي في الأعلام
وفاته سنة ( ١٤٣ هـ ) ولعله تبع صاحب دائرة المعارف الإسلامية حيث قال : توفي إسماعيل في المدينة سنة ( ١٤٣ هـ ) أي قبل وفاة أبيه بخمسة أعوام.
والقول الثاني أقرب
للصواب ، لأنّه لو كان توفي سنة ( ١٣٣ هـ ) لكانت وفاته قبل وفاة أبيه بخمسة عشر عاماً ، وهذا المقدار من الفاصل الزمني ، يوجب انقطاع الناس عنه ، ونسيانهم له عند وفاة أبيه.
وقال عارف تامر
السوري من كُتّاب الإسماعيلية : إنّ إسماعيل ولد سنة ١٠١ في المدينة المنورة ، وادّعى والده الصادق أنّه مات سنة ١٣٨ هـ بموجب محضر أشهد عليه عامل الخليفة المنصور العباسي.
استشهاد الإمام الصادق عليهالسلام على موته :
كان الإمام الصادق
حريصاً على إفهام الشيعة بأنّ الإمامة لم تُكْتب لإسماعيل ، فليس هو من خلفاء الرسول الاثني عشر الذين كتبت لهم الخلافة والإمامة بأمر السماء وإبلاغ الرسول الأعظم.
ومن الدواعي التي
ساعدت على بثّ بذر الشبهة والشك في نفوس
______________________
الشيعة
في ذلك اليوم ، هو ما اشتهر من أنّ الإمامة للولد الأكبر. وكان إسماعيل أكبرَ أولاده فكانت أماني الشيعة معقودة عليه ـ حسب الضابطة ـ صحّت أم لم تصح ، ولأجل ذلك تركزت جهود الإمام الصادق عليهالسلام على معالجة الوضع واجتثاث جذور تلك الشبهة وأنّ الإمامة لغيره ، فتراه تارة ينصَّ على ذلك ، بقوله وكلامه ، وأُخرىٰ بالاستشهاد على موت إسماعيل ، وأنّه قد انتقل إلى رحمة
الله ، ولن يصلحَ للقيادة والإمامة.
وإليك نماذج تؤيد
النهج الثاني الذي انتهجه الإمام عليهالسلام لتحقيق غرضه في إزالة تلك الشبهة ، وأمّا القسم الأوّل أي النصوص على إمامة أخيه فموكولة إلى محلّها :
١. روى النعماني عن
زرارة بن أعين ، أنّه قال : دخلت على أبي عبد الله عليهالسلام وعند يمينه سيّدُ ولده موسى عليهالسلام ، وقُدّامه مرقد مغطى ، فقال لي : « يا
زرارة ، جئني بداود بن كثير الرقي ، وحمران ، وأبي بصير ». ودخل عليه المفضل بن عمر ، فخرجت فأحضرت مَنْ أمرني بإحضاره ، ولم يزل الناس يدخلون واحداً إثرَ واحد ، حتى صرنا في البيت ثلاثين رجلاً.
فلمّا حشد المجلس قال
: « يا داودُ إكشف لي عن وجه إسماعيل » ، فكشف عن وجهه فقال أبو عبد الله عليهالسلام : « يا داود أحيٌّ هو أم ميت ؟ » قال
داود : يا مولايَ هو ميّت ، فجعل يعرض ذلك على رجل رجل ، حتى أتى على آخر مَن في المجلس ، وانتهى عليهم بأسرهم وكلٌّ يقول : هو ميّت يا مولاي ، فقال : « اللهمّ اشهد » ، ثمّ أمر بغَسْله وحنوطه ، وادراجه في أثوابه.
فلمّا فرغ منه قال
للمفضل : « يا مفضّل احسر عن وجهه » ، فحسَر عن وجهه ، فقال : « أحيٌّ هو أم ميّت ؟ » فقال : ميّت ، قال : « اللهم اشهد عليهم » ؛
ثمّ حُمِل إلى قبره ، فلما وضع في لَحده قال : « يا مفضل اكشف عن وجهه » وقال
______________________
للجماعة
: « أحيٌّ هو أم ميت ؟ » قلنا له : ميت فقال : « اللهمّ اشهد ، واشهدوا ، فإنّه سيرتاب المبطلون ، يريدون إطفاء نور الله بأفواههم ـ ثم أومأ إلى موسى ـ والله متم
نوره ولو كره المشركون » ، ثم حثونا عليه التراب ثمّ أعاد علينا القول ، فقال : « الميّت ، المحنَّط ، المكفَّن ، المدفون في هذا اللحد من هو ؟ » قلنا : إسماعيل
، قال : « اللهم اشهد » ، ثمّ أخذ بيد موسى عليهالسلام وقال : « هو حقّ ، والحقّ منه ، إلى أن
يرث الله الأرض ومن عليها ».
٢. روى الشيخ الطوسي
بسنده عن أبي كهمس ، قال : حضرتُ موتَ إسماعيل وأبو عبد الله عليهالسلام جالس عنده فلمّا حضره الموت ، شدّ
لحييه وغمّضه ، وغطّى عليه المِلْحَفة ، ثمّ أمر بتهيئته ، فلمّا فرغ من أمره ، دعا بكفنه فكتب في
حاشية الكفن : إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا الله.
٣. روى الصدوق بسنده
عن أبي كهمس قال حضرت موت إسماعيل ورأيت أبا عبد الله عليهالسلام وقد سجد سجدة فأطال السجود ، ثمّ رفع
رأسه فنظر إليه ، ثمّ سجد سجدة أُخرى أطول من الأُولى ثمّ رفع رأسه ، وقد حضره الموت فغمّضه وربط لحيته ، وغطّى عليه الملحفة ، ثمّ قام ، ورأيتُ وجهه وقد دخل منه شيء الله أعلم به ، ثمّ قام فدخل منزله فمكث ساعة ثمّ خرج علينا مدهِناً ، مكتَحلاً ، عليه ثياب غير ثيابه التي كانت عليه ، ووجهه غير الذي دخل به ، فأمر ونهى في أمره ، حتى إذا فرغ ، دعا بكفنه ، فكتب في حاشية الكفن : إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا الله.
وهذه الروايات وخاصّة
ما نقلناه عن أبي خديجة الجمّال حاكية عن جلالة إسماعيل ، ويؤكّدها تقبيل الإمام له بعد موته مراراً.
______________________
نعم هناك روايات تدل
على ذمّه ذكرها الكشي في ترجمة عدّة ، مثل إبراهيم ابن أبي سمال ، وعبد الرحمان بن سيابة ، والفيض المختار ، وقد ناقش السيد الخوئي ،
اسنادها فلاحظ.
وقد أخطأ الكاتب الإسماعيلي
، مصطفى غالب السوري في فهم رأي الشيعة في معرض كتابته عن إمامه ، حيث قال :
غير أنّ مؤرّخي الشيعة
، والسنة ، يذهبون في إسماعيل مذهباً مختلفاً كلّ الاختلاف عمّا يقوله الإسماعيلية. فيقولون : إنّ إسماعيل لم يكن يصلح للإمامة ، كونه كان يشربُ الخمر ، وأنّه كان من أصدقاء أبي الخطاب الملْحِد الذي تبرّأ منه الإمام الصادق ، وأنّ الصادق أظهر فرحه لموت ابنه إسماعيل ، وعلى هذه الصورة اضطربت الروايات ، واختلفت الأقاويل في أمر إسماعيل ، فأصبح أكثر الباحثين لا يدرون حقيقة أمره ، ولا سيّما أنّه الإمام الذي تنسب إليه الحركة الإسماعيلية
التي قامت بدورٍ هامٍّ في تاريخ العالم الإسلامي منذ ظهورها.
قد عرفت عقيدة الشيعة
الإماميّة في حقّ إسماعيل وانّهم ـ عن بكرة أبيهم ـ يذكرون إسماعيل بخير ، اقتداء بإمامهم الصادق عليهالسلام وأنّ رميه بشرب الخمر من صنيع أعداء أهل البيت عليهمالسلام حيث كانوا لا يتمكّنون من رمي أئمة
الشيعة بالسفاسف فيوجهونها إلى أولادهم المظلومين المضطهدين.
هل كان عمل الإمام تغطية لستره ؟
إنّ الإسماعيلية
تدّعي أنّ ما قام به الإمام الصادق عليهالسلام كان تغطية ، لستره عن أعين العباسيين ، الذين كانوا يطاردونه بسبب نشاطه المتزايد في نشر التعاليم
______________________
التي
اعتبرتها الدولة العباسية منافية لقوانينها. والمعروف انّه توجه إلى « سلَمية » ومنها إلى دمشق فعلم به عامل الخليفة ، وهذا ما جعله يغادرها إلى البصرة ليعيش فيها متستراً بقية حياته.
مات في البصرة سنة ١٤٣
هـ ، وكان أخوه موسى بن جعفر « الكاظم » حجاباً عليه ، أمّا ولي عهده محمد فكان له من العمر أربع عشرة سنة عند موته.
وعلى ما ذكره القائل
ـ خلافاً لأكثر الإسماعيلية ـ فقد مات في حياة أبيه ، فكيف يكون إماماً بعد أبيه وهو رهين التراب ؟!
اسطورة حياته بعد رحيل أبيه
غير أنّ بعضهم
يجازفون في القول ، ويدعون أمراً خارقاً للعادة ، ويقولون : والأمر الهام في قضية إسماعيل وإمامته ، هو أنّه عاش بعد أبيه ، وأثبت هذا الخبر كثيرون من المؤلفين المعاصرين له مما يدل على أنّ إسماعيل بقى بعد أبيه اثنتي عشرة سنة.
ولقد حكى أنّ إسماعيل
حين ترك المدينة سرّاً ، رُئي ثانية في البصرة ، حيث بلغ رفعة ، بما أظهر من مقدرة نادرة بشفاء المرضى والمعلولين ، وخشية من اكتشاف الأمر ، ترك البصرة ورحل إلى سوريا واستقر فيها ، ولكن ليس بطمأنينة تامّة حيث حالما سمع الخليفة « المنصور » الذي كان يحكم الجزيرة العربية ، بوجود إسماعيل ، أمر واليه في دمشق بإرساله إسماعيل تحت الحراسة إلى بلاطه ، ولكنَّ الوالي لم يكن يحترم الإمام إسماعيل فحسب ، بل كان من أتباعه ، وبناء عليه ولينقذ الوالي سيده الروحي ، نصح الإمام أن يترك سوريا لعدّة أيّام ، وما أن ابتعد الإمام
______________________
عن
سوريا ، حتى أعلن الوالي التفتيش الدقيق عنه ، وكتب للخليفة أنّه لم يجد لإسماعيل أثراً في أيّ مكان.
أقول :
ما ذكره انّ كثيراً من المؤلفين المعاصرين لإسماعيل أثبتوا حياته بعد وفاة أبيه ، شيء لم يدعمه بالدليل ، فَمَنْ هؤلاء المؤلّفون المعاصرون الذين
أثبتوا حياته بعد الإمام الصادق ، وما هي كتبهم ؟! نعم أوعز الكاتب في الهامش إلى عمدة الطالب ، وتقدم نصُّهُ وليس فيه أيُّ إشارة إلى ذلك ، فضلاً
عن إشارته إلى كثيرٍ من المؤلفين المعاصرين للإمام إسماعيل ، هكذا تحرّف الحقائق بيد العابثين اللاعبين بتاريخ أُمتنا المجيدة ، أو بيد سماسرة الأهواء فيبيحون الكذب لدعم المذهب.
وقد اعترف بهذه
الحقيقة الكاتب الإسماعيلي عامر تامر حيث قال : هناك أقوال كثيرة لمؤرخين يؤكدون فيها أنّه مات في عهد والده ، وأنّ قصة ظهوره في البصرة أُسطورة لا تقوم على حقيقة ، ومهما يكن من أمر فالإسماعيليون اشتهروا بالتخفّي والاستتار ، والمحافظة على أئمّتهم. لذلك ليس بعيداً أن تكون الرواية الأولى صحيحة.
إنّ تفسير قصة وفاة
إسماعيل بالتمويه والتغطية فكره ورثها الجُدُد من الإسماعيلين عن أسلافهم ، قال مصطفى غالب : « ولكن أغلب مؤرّخي الإسماعيلية يقولون : إنّ قصة وفاة إسماعيل في حياة أبيه كانت قصة أرادَ بها الإمام
جعفر الصادق التمويه والتغطية على الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور ، الذي كان يُطارد أئمة الشيعة في كلّ مكان ، وتحت كلّ شمس ، فخاف جعفر الصادق على ابنه وخليفته إسماعيل ، فادّعى موته وأتى بشهود كتبوا المحضر إلى الخليفة
______________________
العباسي
، الذي أظهر سروراً وارتياحاً لوفاة إسماعيل الذي كان إليه أمر إمامة الشيعة ، ثمّ شُوهِد إسماعيل بعد ذلك في البصرة ، وفي بعض البلدان الفارسية. وعلى هذا الأساس لم تسقط الإمامة عن إسماعيل بالموت قبل أبيه لأنّه مات بعد أبيه.
ويقول في موضع آخر : ورأينا
الأخير في هذا الموضوع بعد أن اطّلعنا على جميع ما كتب حول إمامة إسماعيل ، نقول : بأنّ الإمام جعفر الصادق قد شعر بالأخطار التي تهدِّد حياة ابنه الإمام إسماعيل ، بعد أن نصّ عليه ، وأصبح وليّاً للعهد ، فأمره أن يستتر وكان ذلك عام ١٤٥ هـ ، خشية نقمة الخلفاء العباسيين وتدبّر الأمر بأن كتب محضراً بوفاته ، وشهد عليه عامل المنصور ، الذي كان بدوره من الإسماعيلين.
وفوراً توجه إسماعيل
إلى سلمية ، ومنها إلى دمشق ، وعلم المنصور بذلك ، فكتب إلى عامله أن يلقي القبض على الإمام إسماعيل ، ولكن عامله المذكور كان قد اعتنق المذهب الإسماعيلي ، فعرض الكتاب على الإمام إسماعيل ، الذي ترك البلاد نحو العراق حيث شوهد بالبصرة عام ١٥١ هـ ، وقد مرّ على مقعد فشفاه بإذن الله ، ولبث الإمام إسماعيل عدّة سنوات يتنقل سرّاً بين أتباعه ، حتى توفي بالبصرة عام ١٥٨ هـ.
ويؤكد كتاب دستور
المنجمين أنّ إسماعيل هو أوّل إمام مستور وكان بدء ستره سنة ١٤٥ هـ ولم يمت إلّا بعد سبع سنين ».
ما ذكره أُسطورة
حاكتها يدُ الخيال ، ولم يكن الإمام الصادق عليهالسلام ولا
______________________
أصحابه
الأجلّاء ، ممّن تتلمذوا في مدرسة الحركات السرية ، حتى يفتعل موت ابنه بمرأى ومسمع من الناس ، وهو بعدُ حيّ يُرزق ، ولم يكن عامل الخليفة بالمدينة المنورة بليداً ، يكتفي بالتنويه ، حتى يتسلَّم المحضر ويبعث به إلى دار الخلافة العباسية.
والعجب أنّ الكاتب
يذكر في كلامه الثاني أنّ عامل الخليفة في المدينة كان بدوره من الإسماعيليين ، مع أنّه لم يكن في ذلك اليوم أثر للإسماعيلية : « وكانت الإمامة لأبيه الإمام الصادق عليهالسلام فكيف يكون في حياة الصادق عليهالسلام من الإسماعيلية ؟! وأعجب منه أنّه يعتمد في إثبات معتقده بدستور المنجمين ، ثمّ يذكر له مصدراً في التعليقة بالشكل التالي « بلوشيه ٥٧ ـ ٥٨ دى خويه ٢٠٣ ».
إنّ عقيدة إسلامية
مبنيّة على تنبّؤ المنجمين ـ وما أكثر أخطائهم ـ عقيدةٌ منهارةٌ وفاشلة.
ولو أنّ هؤلاء التجأوا
في تصحيح إمامة ابنه ، محمد بن إسماعيل إلى القول بعدم بطلان إمامة إسماعيل بموته في حياة والده ، ولمّا توفي الإمام الصادق تسلّم عبد الله بن إسماعيل الإمامة من والده ، لكان أرجح من اللجوء إلى بعض الأساطير التي لا قيمة علمية لها في مجالات البحوث التاريخية والعقائدية المبتنية على أُسس علمية دقيقة.
والحقّ أنّه توفي
أيام حياة أبيه ، بشهادة الأخبار المتضافرة التي تعرفت عليها ، وهل يمكن إغفال أُمّة كبيرة وفيهم جواسيس الخليفة وعمالها ؟! وستر رحيل إسماعيل إلى البصرة بتمثيل جنازة بطريقة مسرحيّة يعلن بها موته فانّه منهج وأُسلوب السياسيين المخادعين ، المعروفين بالتخطيط والمؤامرة ، ومن يريد تفسير فعلَ الإمام عن هذا الطريق فهو من هؤلاء الجماعة « وكلّ إناء بالذي فيه ينضح » . وأين هذا من وضع الجنازة مرّات وكشف وجهه والاستشهاد على موته وكتابة الشهادة على كفنه ؟!
والتاريخ يشهد على
أنّه لم يكن لإسماعيل ولا لولده الإمام الثاني ، أيّة دعوة في زمان أبي جعفر المنصور ولا ولده ، بشهادة أنّ المهدي العباسي الذي تسلم عرش الخلافة بعد المنصور العباسي ١٥٨ ـ ١٦٩ هـ كان متشدداً على أصحاب الأهواء والفرق ، وكتب له ابن المفضل صنوف الفرق صنفاً صنفاً ، ثمّ قرأ الكتاب على الناس ، فقال يونس : قد سمعت الكتاب يقرأ على الناس على باب الذهب بالمدينة ، ومرّة أُخرى بمدينة الوضاح ، فقال : إنّ ابن المفضل صنف لهم صنوف الفرق فرقة فرقة حتىٰ قال في كتابه : وفرقة يقال لهم الزرارية ، وفرقة يقال
لهم العمارية أصحاب عمار الساباطي ، وفرقة يقال لهم اليعفورية ، ومنهم فرقة أصحاب سليمان الأقطع ، وفرقة يقال لهم الجواليقية. قال يونس : ولم يذكر يومئذ هشام بن الحكم ولا أصحابه.
ترى انّه يذكر جميع
الفرق المزعومة للشيعة ، حتى يذكر العمارية المنسوبة إلى عمار الساباطي الذي لم يكن له يوم ذاك أيّ تابع إلّا كونه فطحياً مؤمناً بإمامة
عبد الله الأفطح ، ولا يذكر الإسماعيلية ؟! فلو كانت لإسماعيل دعوة سرية أيّام المنصور ، ثمّ لابنه محمد ، حيث كانا ينتقلان من بلد إلى بلد ، كان من المحتّم
مجيء اسمه في قائمة أصحاب الأهواء. كلّ ذلك يدلّ على أنّ المذهب قد نشأ بعد لأي من الدهر.
إلى هنا تمّ البحث في
الإمام الأوّل ، وكانت حصيلته هي :
أنّ الرجل كان رجلاً
ثقة ، محبوباً للوالد ، وتُوفي في حياة والده وهو عنه راض ، ولم تكن له أيُّ دعوةٍ للإمامة ، ولم تظْهر أيَّ دعوة باسمه أيّام خلافة
المهدي العباسي الذي تُوفي عام ١٦٩ هـ ، وقد مضى على وفاة الإمام الصادق عليهالسلام إحدى وعشرون سنة.
______________________
الإمام
الثاني
محمد بن إسماعيل
( ١٣٢ ـ ١٩٣ هـ )
محمد بن إسماعيل ، هو
الإمام الثاني للإسماعيلية ، قال ابن عنبة : أعقب إسماعيل من محمد وعلي ابني إسماعيل ، أمّا محمد بن إسماعيل فقال شيخ الشرف العبيدلي : هو إمام الميمونية وقبره ببغداد.
ويصفه الكاتب الإسماعيلي
أنّه ولد سنة ١٤١ في المدينة عندما توفي والده الإمام إسماعيل ، اضطر لترك المدينة خوفاً من مراقبة الرشيد العباسي ، الذي استطاع بنشاطه من إخماد كافة الثورات والدعوات الإمامية ، فذهب إلى الكوفة ، ومنها إلى فرغانة ، ثمّ إلى نيسابور ، عمل على نشر دعوته بنشاط في الجزيرة العربية
، وفي كافة البلدان الإسلامية ، وقد استطاع التموية على الخلفاء العباسيين والإفلات من قبضتهم ، وهم المهدي والهادي والرشيد.
إزداد تستراً بعد أن
أعطى الرشيدُ أمراً بالقبض عليه ، ثمّ إنّه رَحَل إلى الريّ ومنها إلى نهاوند ، وفيها عقد زواجه على ابنة أميرها أبي المنصور بن جوشن ، وبعد ذلك توجه إلى « تدْمُر » في سوريا حيث جعلها مركزاً لإقامته ونشر دعوته ، وجّه الرشيد جيشاً لإلقاء القبض عليه عندما كان في نهاوند ، ولكن أتباعه تمكنوا من الانتصار على الجيش المذكور وردّوه خائباً.
يقال أنّه هو الذي
أرسل الداعيين : الحلواني وأبا سفيان إلى المغرب ، تُوفِي في
مدينة
« تَدْمر » و دفن في جبل واقع إلى الشمال الغربي منها ، ويعرف حتى الآن بضريح محمد بن علي ، وفاته سنة ١٩٣ هـ.
يقال إنّ حجته هو
ميمون القداح ، والحقيقة أنّ الإمام محمد بن إسماعيل هو نفسه كان يحمل لقبي ميمون والقداح.
ترك عدداً من الأولاد
ومنهم عبد الله الذي كان وليّاً للعهد.
أقول :
للقارئ الكريم أن ينظر إلى كلمات ذلك الكاتب بنظر الشك والريبة ، ويتفحّص عن مآخذ كلامه ومصادر نقله ، فإنّ ما وقفنا عليه في السير والآثار لا يدعم كلامه ، وذلك للأسباب التالية :
١. إنّ شيخ الشرف
العبيدلي قال : إنّه توفي ببغداد ، وقبره هناك ، والكاتب يذكر أنّه توفي بـ « تدمر » بسوريا ، وقبره هناك ، وله ضريح معروف بضريح « محمد بن
علي » ولكن من أينَ علم انّه ضريح محمد بن إسماعيل ؟! وأنّه حُرِّفَ اسم والده.
٢. الروايات
المتضافرة من الفريقين تشهد على أنّه كانت بينه وبين الرشيد صلة وكان موقفه منه ، موقف العين ، وقد أخبره بما يجري في أوساط العلويين ، من جمع الأموال للثورة ، والدعوة إلى الإمامة. ومن هذه الروايات التي وقفنا عليها :
روى ابن عنبة ، عن
أبي القاسم بن إسماعيل نسابة المصريين ، أنّ موسى الكاظم عليهالسلام كان يخاف ابن أخيه محمد بن إسماعيل ، ويبرّه
، وهو لا يترك السعي به إلى السلطان من بني العباس.
وقال أبو نصر البخاري
: كان محمد بن إسماعيل بن الصادق عليهالسلام مع موسى الكاظم عليهالسلام يكتب له السر إلى شيعته في الآفاق.
فلما ورد الرشيد الحجاز ، سعى محمد بن إسماعيل بعمه إلى الرشيد. فقال : أعلمتَ أنّ في الأرض
خليفتين
______________________
يجبى
إليهما الخراج ؟ فقال الرشيد : ويلك أنا ومن ؟ قال : موسى بن جعفر. وأظهر أسرارَه فقبض الرشيد على موسى الكاظم عليهالسلام وحبسه ، وكان سبب هلاكه ، وحظى محمد بن إسماعيل عند الرشيد ، وخرج معه إلى العراق ، ومات ببغداد ، ودعا عليه موسى بن جعفر عليهماالسلام بدعاء استجابه الله تعالى فيه وفي
أولاده ، ولمّا لِيْمَ موسى بن جعفر عليهماالسلام في صلة محمد بن إسماعيل والاتصال مع
سعيه به. قال : إنّي حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، الرحم إذا قُطِعتَ فوَصَلْتَ ثمّ قُطِعَتْ فَوصلت ثمّ قُطِعْتَ فوصلتَ ثمُ قُطِعَت
قطعها الله تعالى ، وإنّما أردتُ أن يقطع الله رحمه من رحمي.
هذا ما رواه ابن عنبة
من طرق أهل السنّة ، كما رواه محدّثوا الشيعة ونأتي بنصّ أفضلهم وأوسعهم اطلاعاً ، أعني : الشيخ الكليني المتوفى عام ٣٢٩ هـ في الكافي.
روى الكليني بسند
صحيح عن علي بن جعفر قال : جاءني محمد بن إسماعيل وقد اعتمرنا عمرة رجب ، ونحن يومئذ بمكة ، فقال : يا عمُّ إنّي أُريد بغداد ، وقد أحببتُ أن أُودِّعَ عمي أبا الحسن ـ يعني موسى بن جعفر عليهالسلام ـ وأحببت أن تذهبَ معي إليه ، فخرجتُ معه نحو أخي ، وهو في داره التي بالحوبة ، وذلك بعد المغرب بقليل ، فضربت البابَ فأجابني أخي ، فقال : مَنْ هذا ؟ فقلت : علي ، فقال : هو ذا أُخرِجُ ـ وكان بطيء الوضوء ـ فقلت : العجل ، قال : واعجل فخرج وعليه ازار ممشّق قد عقده في عنقه حتى قعد تحت عتبة
الباب ، فقال عليّ بن جعفر : فانكببتُ عليه فقبّلتُ رأسه ، وقلت : قد جئتك في أمر إن تره صواباً
______________________
فالله
وفق له ، وإن يكن غير ذلك ، فما أكثر ما نخطئ ، قال : وما هو ؟ قلتُ : هذا ابن أخيك يريد أن يودعك ويخرجَ إلى بغداد ، فقال لي : أُدعه ، فدعوتُه وكان متنحيّاً ، فدنا منه فقبّل رأسه.
وقال : جعلت فداك
أوصني فقال : أُوصيك أن تتقي الله في دمي ، فقال مجيباً له : من أرادك بسوء فعل الله به ، وجعل يدعو على من يريده بسوء ، ثمّ عاد فقبّل رأسه ، فقال : يا عمُّ أوصني ، فقال : أُوصيك أن تتقي الله في دمي ، فقال : من
أرادك بسوء فَعَلَ الله به وفعل ، ثمّ عاد فقبّل رأسه ، ثمّ قال : يا عم أوصني ، فقال
: أُوصيك أن تتقي الله في دمي ، فدعا على من أراده بسوء ، ثمّ تنحّى عنه ، ومضيت معه ، فقال لي أخي : يا عليّ مكانَك فقمتُ مكاني فدخل منزله ، ثمّ دعاني فدخلتُ إليه ، فتناول صرّة فيها مائة دينار فأعطانيها. وقال : قل لابن أخيك يستعين بها على سفره ، قال عليّ : فأخذتها فأدرجتها في حاشية ردائي ، ثمّ ناولني مائة أُخرى وقال : أعطه أيضاً ، ثمّ ناولني صرة أُخرى وقال : أعطه أيضاً.
فقلت : جعلت فداك ، إذا
كنتَ تخاف منه مثلَ الذي ذكرتَ ، فلِمَ تعينه على نفسك ؟ فقال : إذا وصلتُه وقطعني قطع الله أجله ، ثمّ تناول مخدَّه أدم ، فيها
ثلاثة آلاف درهم وضح وقال : أعطه هذه أيضاً قال : فخرجت
إليه فأعطيته المائة الأُولى ففرح بها فرحاً شديداً ودعا لعمِّه ، ثمّ أعطيته الثانية والثالثة ففرح
بها حتى ظننت انّه سيرجع ولا يخرج ، ثمّ أعطيته الثلاثة آلاف درهم فمضى على وجهه حتى دخل على هارون فسلّم عليه بالخلافة ، وقال : ما ظننتُ أنّ في الأرض خليفتين ، حتى رأيت عمي موسى بن جعفر يُسلَّم عليه بالخلافة ، فأرسل هارون إليه بمائة ألف درهم فرماه الله بالذبحة فما نظر منها إلى درهم ولا مسّه.
______________________
روى الكشي في رجاله ،
عن أبي جعفر محمد بن قولويه القمي ، قال : حدثني بعض المشايخ ، عن علي بن جعفر بن محمد عليهماالسلام ، قال : جاءني محمد بن إسماعيل ابن جعفر يسألني أن أسأل أبا لحسن موسى عليهالسلام ، أن يأذن له في الخروج إلى العراق ، وأن يرضى عنه ويوصيه بوصيّة ، قال : فتجنّبت حتى دخل المتوضّى ... فلمّا خرج قلت له : إنّ ابن أخيك محمد بن إسماعيل ، يسألك أن تأذن له في الخروج إلى العراق ، وأن توصيه. فأذن له عليهالسلام ، فلمّا رجع إلى مجلسه قام محمد بن إسماعيل ، وقال : يا عم أحبَّ أن توصيني. فقال : « أُوصيك أن تتقي الله في دمي » .
فقال : لعن الله من يسعى في دمك. ثمّ قال : يا عم أوصني ، فقال : « أُوصيك أن تتقي الله في دمي » . قال : ثمّ ناوله أبو الحسن عليهالسلام صرة فيها مائة وخمسون ديناراً ، فقبضها محمد ، ثمّ ناوله أُخرى فيها مائة وخمسون ديناراً ، فقبضها ، ثمّ أعطاه صرة
أُخرى فيها مائة وخمسون ديناراً ، فقبضها ثمّ أمر له بألف وخمسمائة درهم كانت عنده. فقلتُ له في ذلك : استكثرته ؟ فقال : « هذا ليكون أوكد لحجّتي إذا قطعني ووصلتُه » . قال : فخرج إلى العراق ، فلمّا ورد حضرة هارون أتى باب هارون بثياب طريقه قبل أن ينزل ، واستأذن على هارون وقال للحاجب : قل لأمير المؤمنين إنّ محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بالباب. فقال الحاجب : انزل أوّلاً وغيّر ثياب طريقك وَعُدْ لأدخلك إليه بغير إذن فقد نام أمير المؤمنين في هذا الوقت. فقال : أعلم أمير المؤمنين انّي حضرتُ ولم تأذن لي ، فدخل الحاجب وأعلم هارون قول محمد بن إسماعيل ، فأمر بدخوله ، فدخل قال : يا أمير المؤمنين خليفتان في الأرض موسى بن جعفر بالمدينة يجبى له الخراج وأنت بالعراق يجبى لك الخراج. فقال : والله ؟! فقال : والله . فقال : والله ؟! قال : فأمر له بمائة ألف درهم ، فلمّا
قبضها وحمل إلى منزله أخذته الريحة في جوف ليلته ، فمات ، وحول من الغد المال الذي حمل إليه.
______________________
ورواه ابن شهر آشوب
في مناقبه.
فلو صحّ ما ذكراه
فكيف تكون له ثورة أيام الرشيد وهو يتعامل معه ، معاملة العيون والجواسيس ، أو السعاة والوشاة.
نعم نقل أبو الفرج
الاصفهاني نفس القصة وتبعه الشيخ المفيد ولكن الساعي في كليهما هو علي بن إسماعيل أخو محمد بن إسماعيل ، لكن السند قاصر ، لأنّ الاصفهاني يرويه عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة المتوفى عام ٣٣٢ هـ ، عن شيخه : يحيى بن الحسن العلوي والرواية مرسلة إذ لا يتمكن ابن عقدة
من نقل القصة بواسطة واحدة ، كيف والإمام الكاظم قد أُخذ في آخر السبعينات بعد المائة ، وتوفي عام ١٨٣ هـ ولأجل الإيماء إلى الإرسال أضاف المفيد
بعد إنهاء السند قولَه عن مشايخهم : فما نقله الكليني بسند صحيح هو المعتبر.
* * *
وما ذكره : « وجّه
الرشيد جيشاً لإلقاء القبض عليه عندما كان في نهاوند ... » لم أقف على مصدره ولقد تصفّحت حياة الرشيد ( ١٧٠ ـ ١٩٣ هـ ) في تاريخ الطبري ، ومروج الذهب للمسعودي ، وكامل الجزري ، فلم أجد فيها شيئاً من الحرب المزعومة وانتصار محمد بن إسماعيل على جيش الرشيد.
نعم نقل الجزري في
حوادث سنة ٣١٢ هـ : انه ظهر في الكوفة رجل ادّعى انّه « محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو رئيس الإسماعيلية ، وجمع جمعاً عظيماً من الأعراب وأهل السواد واستفحل أمره في شوال ، فسيّر إليه جيش من بغداد ، فقاتلوه وظفروا به وانهزم ،
______________________
وقتل
كثير من أصحابه.
قال مصطفى غالب : ويعتبر
الإمام محمد بن إسماعيل أوّل الأئمة المستورين ، والناطق السابع ومتم الدور ، لأنّ إمامته كانت بداية دور جديد في تاريخ الدعوة الإسماعيلية ، فقام بنسخ الشريعة التي سبقته ، وبذلك جمع بين النطق والإمامة ، ورفع التكاليف الظاهرة للشريعة ، ونادى بالتأويل ، واهتم بالباطن ، ولذلك قال فيه الداعي إدريس : « وإنّما خص محمد بن إسماعيل بذلك لانتظامه في سلك مقامات دور الستر ، لأنّك إذا عددت آدم ووصيه وأئمّة دوره ، كان خاتمهم الناطق ، وهو نوح عليهالسلام وإذا عددت عيسى ووصيه قائمة دوره ، كان
محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم متسلماً لمراتبهم ، وهو الناطق خاتم
للنطقاء ، وكان وصيّه عليهالسلام بالفضل منفرداً به ، وإذا عددت الأئمّة في دوره كان محمد بن إسماعيل سابعهم ، وللسابع قوّة على من تقدّمه ، فلذلك صار ناطقاً وخاتماً للأُسبوع ، وقائماً وهو ناسخ شريعة
صاحب الدور السادس ، ببيان معانيها وإظهار باطنها المبطن فيها.
ولولا انّه فسّر نسخ
الشريعة ببيان معانيها وإظهار باطنها المبطن فيها ، كان المتبادر منه أنّه كان صاحب شريعة ودين حديث وهو كما ترى.
ثمّ إنّ ظاهر كلامه
انّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان خاتماً للدور الثاني ، وانّ الدور
الثالث يبتدأ بوصي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم علي أمير المؤمنين عليهالسلام وبما انّهم لا يعدّون الحسن بن علي في أئمتهم ، يكون محمد بن إسماعيل هو سابع الأئمّة وأفضلهم.
إنّ ما ذكره اعتبارات
وتخيّلات لم يقم عليها دليل ، فما هو الدليل القاطع العقلي أو النقلي على هذا الدور ، وإنّ كلّ سابع ، خاتم له.
______________________
الإمام
الثالث
عبد الله بن محمد بن
إسماعيل
( ١٧٩ ـ ٢١٢ هـ )
ولد في بلدة نيسابور
عام ١٧٩ هـ من ألقابه : المستور ، والرضي ، والناصر ، والعطار ، وعبد الله الأكبر ، كان كثير التنقل بين نهاوند والأهواز وطبرستان.
عرف أنّه كان معاصراً
للرشيد ، وقد أدرك عصر المأمون. سمّى جميع دعاته باسمه حتى لا يعرف . عندما خرج من فرغانة إلى الديلم ، وكان يصحبه أخوه حسين. وفي الديلم تزوّج فتاة علوية وولد له منها أحمد.
وألّف في سلمية رسائل
« إخوان الصفاء وخلّان الوفاء » .
توفي سنة ٢١٢ هـ ، ودفن
في سلمية وضريحه يعرف بالإمام إسماعيل.
إنّ من يدرس كتاب
رسائل « إخوان الصفاء وخلّان الوفاء » يقف على أنّه أثر لجنة علمية لا تأليف شاب لم يتجاوز عمره الثلاثين إلّا قليلاً.
إنّ هذا الكتاب أُلّف
في القرن الرابع الهجري ، وقد قامت بتأليفه جماعة ، وكان أبو حيان التوحيدي على معرفة بأحوال أحد أفرادها ، وقد وصفه لصمصام الدولة الذي ولي الأمر في سنة ٣٧٢ هـ.
______________________
ففي مقدمة المحقّق : تألّفتْ
هذه الجماعة في القرن الرابع الهجري ، وكان موطنها البصرة ، ولها فرع في بغداد ، ولم يعرف من أشخاصها سوى خمسة يتغشاهم الغموض والشك ... فقيل إنّ أحدهم هو أبو سليمان محمد بن معشر البستي المعروف بالمقدسي ، والآخر أبو الحسن علي بن هارون الزنجاني ، ثمّ أبو أحمد المهرجاني ، فأبو الحسن العوفي ، فزيد بن رفاعة ، ويؤخذ من كلام لأبي حيّان التوحيدي أثبته أحمد زكي باشا في مقدمته لرسائل الإخوان انّ زيد بن رفاعة كان متهماً بمذهبه ، وانّ الوزير صمصام الدولة بن عضد الدولة سأله عنه.
______________________
الإمام
الرابع
أحمد بن عبد الله
( ١٩٨ ـ ٢٦٥ هـ )
عرّفه الكاتب عارف
تامر بقوله : ولد في سلمية سنة ١٩٨ هـ ، واتخذ من هذه المدينة مقراً له ومركزاً لتوزيع الدعاة ونشر التعاليم في المناطق الأُخرى. كان
على جانب كبير من العلم ، وإليه تنسب رسالة الجامعة لإخوان الصفاء وخلّان الوفاء.
ولد له ولدان هما : الحسن
وسعيد.
كان يتنقل بين الديلم
والكوفة ، وغيرهما في سبيل التجارة. والحقيقة أنّ ذلك لم يكن إلّا في سبيل نشر الدعاية والأفكار الإسماعيلية. لقبه الوفي.
عاصر المأمون واشترك
في إثارة الناس عليه ، إلى أن يقول : كان يقضي فصل الشتاء في سلَمية ، والصيف في مصياف. نشاط الدعاة في عصره بلغ الأوج خاصة في المجال العلمي.
مات في مصياف سنة ٢٦٥
هـ عن ٦٧ عاماً ، ودفن فيها في جبل مشهد.
ويقول المؤرّخ
المعاصر : ولقد تعرض الإمام أثناء وجوده في السلَمية لمضايقات الخلفاء العباسيين المستمرة ، لذلك وجد بأنّ السلَمية لم تعد مكاناً صالحاً له ، فغادرها سرّاً إلى الري حيث استقر فيها مدّة طويلة عمل خلالها لنشر دعوته على نطاق واسع ، فاعتنقها أكثر الملوك والأُمراء ، وقدّموا جميع إمكانياتهم
______________________
لمساعدة
الدعاة في سبيل نشرها وتعميمها في جميع الأقطار الشرقية ، والجدير بالذكر انّ أكثر الحكام والولاة في العهد العباسي كانوا يتظاهرون بنقمتهم على الإسماعيلية ، بينما كانوا يدينون بعقائدها في الباطن وينصرون الدعاة ، ويعملون سراً على تقوية الدعوة وإنجاحها.
وقد ذكر عارف تامر
انّ لقبه هو الوفي في حين أنّ مصطفى غالب قد لقبه بمحمد التقي ، والظاهر انّهما لقبين لشخص واحد.
ولا يذهب عليك ما في
كلامه من المبالغة من اعتناق أكثر الحكام والولاة لعقائد الإسماعيلية ، فإنّ المؤرّخين المعاصرين
، قد اعتادا على المبالغة في الثناء وانتشار الدعوة من دون أن يذكرا لكلامهما مصدراً.
______________________
الإمام
الخامس
الحسين بن أحمد
( ٢١٩ ـ ٢٨٩ هـ )
ولد في مصياف سنة ٢١٩
هـ ، كان مركز إقامته في سلمية. اشتهر بثروته المالية الطائلة.
من ألقابه : المرتضىٰ
، والمقتدىٰ ، والزكي ، والهادي ، والتقي.
لخص رسالة الجامعة
برسالة موجزة سمّاها جامعة الجامعة.
كان علىٰ
علاقات طيبة مع الهاشميين القاطنين في سلمية ، التقىٰ بالنجف الأشرف بالداعي أبي قاسم حسن بن فرح بن حوشب ( منصور اليمن ) وعلي بن الفضل حيث كانا يدعوان للحسن العسكري الاثني عشري فأثّر فيهما وأحضرهما إلى سلمية ، ثمّ جهزهما بعد ذلك إلى اليمن.
وفي عهده تم إرسال
أبي عبد الله الشيعي إلى المغرب.
في عصره دبَّ الوهن
إلى الدولة العباسية وأحدقت بها الثورات والاضطرابات ، تولى ابن طولون في عهده شؤون مصر وأوكل إليه تنظيم بلاد الشام أيضاً. كانت الأموال الطائلة تحمل إليه من كافة الجهات حتى من آذربيجان.
______________________
مات في سلمية ودفن في
مقام جده عبد الله بن محمد وكان ذلك سنة ٢٦٥.
ما ذكره من أنّه توفي
عام ٢٦٥ هـ غير صحيح ، لأنّه عام وفاة والده ولعلّه تصحيف سنة ٢٨٩ هـ. وقد أرّخ ميلاده ووفاته مؤلف تاريخ الدعوة الإسماعيلية كما ذكرنا وقال : وعهد بالإمامة من بعده لابنه محمد المهدي
وقال له : إنّك ستهاجر بعدي هجرة وتلقىٰ محناً شديدة.
قد سبق وأن ذكرنا أنّ
محمد بن إسماعيل ـ أي الإمام الثاني ـ أرسل الداعيين : الحلواني وأبا سفيان إلى المغرب ، ولكن لم يحددا تاريخ البعث ، فبما انّ محمد بن
إسماعيل استلم الإمامة ـ حسب رأي الإسماعيلية ـ عام ١٥٨ هـ وتوفي عام ١٩٣ هـ ، فيكون إرسالهما بين الحدين.
كان الداعيان مهتمين
بالتبليغ والدعوة في أيام الأئمّة الثلاثة إلى أن استلم الإمام الحسين بن أحمد زمام الإمامة ، ووقف بأنّ الدعوة في المغرب تتقدم باستمرار
، فحينئذٍ طلب من الداعية الكبير أبي عبد الله الحسين أحمد بن محمد بن زكريا الشيعي ـ الذي كان يدعو الناس إلى المذهب الإسماعيلي في البصرة ـ الذهاب إلى اليمن ويدرس هناك علىٰ ابن حوشب ويطيعه ويقتدي به ، ثمّ يذهب بعد فراغه من الدراسة ، إلى المغرب قاصداً بلدة « كتامة ».
توجه أبو عبد الله إلى
اليمن حيث شهد مجالس ابن حوشب وأصبح من كبار أصحابه ، فلمّا أتى خبر وفاة الحلواني وأبي سفيان دعاة المغرب إلى ابن حوشب قال لأبي عبد الله الشيعي : إنّ أرض كتامة من المغرب قد حرثها الحلواني وأبو سفيان وقد ماتا وليس لها غيرك ، فبادر فانّها موطّأة ممهّدة لك.
______________________
فخرج أبو عبد الله إلى
مكة وأعطاه ابن حوشب مالاً وسيّر معه عبد الله بن أبي ملاحف ، فلمّا قدم أبو عبد الله مكة سأل عن حجاج كتامة ، فأرشِد إليهم ، فاجتمع بهم ، ولم يُعرِّفهم قصدَه ، وجلس قريباً منهم ، فسمعهم يتحدثون بفضائل أهل البيت ، فأظهر استحسان ذلك ، وحدّثهم بما لم يعلموه ، فلمّا أراد القيام سألوه أن يأذن لهم في زيارته والانبساط معه ، فأذن لهم في ذلك ، فسألوه أين مقصده ، فقال : أُريد مصر ، ففرِحوا بصحبته.
وكان من رؤساء
الكتاميين بمكة رجل اسمه « حُريث الجُميلي » ، وآخر اسمه موسى بن مكاد فرحلوا وهو لا يخبرهم بغرضه ، وأظهر لهم العبادة والزهد ، فازدادوا فيه رغبة وخدموه ، وكان يسألهم عن بلادهم وأحوالهم وقبائلهم وعن طاعتهم لسلطان إفريقية ، فقالوا : ما له علينا طاعة ، وبيننا وبينه عشرة أيام ، قال : أفتحملون السلاح ؟ قالوا : هو شغلنا ، ولم يزل يتعرّف أحوالهم حتى وصلوا إلى مصر ، فلمّا أراد وداعهم قالوا له : أي شيء تطلب بمصر ؟ قال : أطلب التعليم بها
قالوا : إذا كنت تقصد هذا فبلادنا أنفع لك ، ونحن أعرف بحقك ، ولم يزالوا به حتى أجابهم إلى المسير معهم بعد الخضوع والسؤال ، فسار معهم.
فلما قاربوا بلادَهم
لقيهم رجال من الشيعة فأخبروهم بخبره ، فرغبُوا في نزوله عندهم واقترعوا فيمن يضيِّفه منهم ، ثمّ رحلوا حتى وصلوا إلى أرض كتامة منتصف شهر ربيع الأوّل سنة ثمانين ومائتين ، فسأله قوم منهم أن ينزل عندهم حتى يقاتلوا دونه ، فقال لهم : أين يكون فج الأخيار ؟ فتعجبوا من ذلك ولم يكونوا ذكروه له ، فقالوا له : عند بني سليان ، فقال : إليه نقصد ، ثمّ نأتي كلّ قوم منكم
في ديارهم ونزورهم في بيوتهم ، فأرضى بذلك الجميع.
وسار إلى جبل يقال له
إنكجان ، وفيه فج الأخيار ، فقال : هذا فج الأخيار ، وما سمي إلّا بكم ولقد جاء في الآثار : انّ للمهدي هجرة تنبو عن الأوطان ، ينصره
______________________
فيها
الأخيار من أهل ذلك الزمان ، قوم مشتق اسمهم من الكتمان ، فإنّهم كتامة وبخروجكم من هذا الفج يسمّى فجُ الأخيار.
ثمّ إنّه قال
للكتاميين : أنا صاحب البدر الذي ذكر لكم أبو سفيان والحلواني ، فازدادت محبتهم له وتعظيمهم لأمره. ثمّ إنّ الحسن بن هارون وهو من أكابر كتامة ، فأخذ أبا عبد الله إليه ، ودافع عنه ، ومضيا إلى مدينة ناصرون فأتته
القبائل من كلّ مكان وعظم شأنه ، وصارت الرئاسة للحسن بن هارون ، فاستقام له أمر البربر وعامة كتامة. ثمّ كان الأمر على ذلك حتى توفي الإمام الحسين بن أحمد عام ٢٨٩ هـ وعهد بالإمامة من بعده لابنه محمد المهدي ، وقال له : إنّك ستهاجر بعدي هجرة بعيدة ، وتلقىٰ محناً شديدة ، فلمّا قام عبيد الله بعد
أبيه انتشرت دعوته ، وأرسل إليه أبو عبد الله الشيعي رجالاً من كتامة من المغرب ليخبروه بما فتح الله عليه وانّهم ينتظرونه. وهذا ما سنذكره في سيرة الإمام التالي
الإمام عبيد الله المهدي.
* * *
هؤلاء هم الأئمّة
المستورون عند الإسماعيلية ، والذي يدلّ على ذلك أنّ القاضي النعمان وصفهم بالاستتار ، وجعل مبدأ الظهور قيام عبد الله الإمام المهدي بالله ، وإليك أبياته في أُرجوزته يقول :
واشتدت المحنة بعد
جعفرٍ
|
|
فانصرف الأمر إلى
التستر
|
وكان قد أقام بعضَ
ولده
|
|
مقامَه لمّا رأى من
جَلدِه
|
فجعل الأمر له في
ستر
|
|
فلم يكن قالوا بذاك
يدري
|
لخوفه عليه من
أعدائه
|
|
إلّا ثقاتُ محضِ
أوليائِه
|
______________________
وأهلُه الذين قد
كانوا معه
|
|
فقام بالأمر ،
وقاموا أربعة
|
لمّا مضى كلّهم
لصلبه
|
|
مستترين بعده بحسبه
|
قد دخلوا في جملة
الرعية
|
|
لشدة المحنة
والرزية
|
وكلهم له دعاة تسري
|
|
ودعوة في الناس
كانت تجري
|
يعرفهم في كل عصر
وزمن
|
|
وكل حين وأوان ،
كلُّ مَن
|
والاهم ، وكلُّ
أوليائهم
|
|
يعلم ما علم من
أسمائهم
|
ولم يكن يمنعني من
ذكرهم
|
|
إلّا احتفاظي بمصون
سرهم
|
وليس لي بأن أقول
جهراً
|
|
ما كان قد أُدّي
إليّ سرّاً
|
وهم على الجملة
كانوا استتروا
|
|
ولم يكونوا إذ
تولّوا ظهروا
|
بل دخلوا في جملة
السواد
|
|
لخوفهم من سطوة
الأعادي
|
حتى إذا انتهى
الكتاب أجله
|
|
وصار أمر الله فيمن
جعله
|
بمنّه مفتاحَ قفل
الدين
|
|
أيّده بالنصر
والتمكين
|
وممّا ينبغي إلفات
القارئ إليه انّ القاضي في كتابه « الأُرجوزة المختارة » وإن ذكر في المقام استتار الأئمة بعد رحيل الإمام الصادق وهو يوافق عقيدة الإسماعيلية ، لكنّه في مقام الرد والنقد ، رد على جميع الفرق الشيعية ما عدا الإمامية
الاثني عشرية ، فقد رد على مقالات الحريرية ، الراوندية ، الحصينية ، الزيدية ، الجارودية ، البترية ، المغيرية ، الكيسانية ، الكربية ، البيانية ، المختارية ، الحارثية
،
______________________
العباسية
، الرزامية. ولم يردّ على الإمامية بشيء فلو لم يكن المذهب الاثنا عشري مرضيّاً عنده لما فاته التعرض عليه ، كيف وهو من أعظم فرق الشيعة ؟!
وهذا يدل على أنّ المؤلف
كان إمامياً اثني عشرياً ـ حسب رأي المحدّث النوري ـ ، ويعيش في حال التقية في عصر الخليفة الفاطمي المعزّ بدين الله في القاهرة ويجاريه ، وقد ألف دعائم الإسلام ، الذي اعتمدت عليه الإسماعيلية والاثنا عشرية ، وإنّما المهم هو كتاب « تأويل الدعائم » الذي انفرد المذهب الإسماعيلي في الاعتماد عليه. ولعلّه كان هناك مبرر لتأليف هذا الكتاب وما ماثله والله العالم.
ومع ذلك سيوافيك ما
يخالف هذا الرأي في الفصل الثالث عشر ضمن ترجمة أبي حنيفة النعمان.
إلى هنا تمت ترجمة
سيرة الأئمّة المستورين ، فلو جعلنا إسماعيل بن جعفر أوّل الأئمّة ، فالأئمّة المستورون خمسة وهم :
١. إسماعيل بن جعفر ،
وقد عرفت أنّه لم تكن له أيّة دعوة ، وإنّما ذكرناه في هذه القائمة مجاراة للقوم.
٢. محمد بن إسماعيل ،
ولم تثبت عندنا له دعوة ، بل كان يتعاطى مع هارون الرشيد على ما عرفت.
٣. عبد الله بن
إسماعيل ، المعروف بالوفي.
٤. الإمام أحمد بن
عبد الله ، المعروف بالتقي.
٥. الحسين بن أحمد ، المعروف
بالرضي.
وعلى هذا فالإمام
السادس أعني عبيد الله المهدي ـ الذي خرج عن كهف الاستتار ، وأسّس دولة إسماعيلية بإفريقية ـ هو ابن الإمام السابق ، أعني : الحسين
بن أحمد ، وعلىٰ ذلك جرى مؤرخو الإسماعيلية فيذكرونه ابناً للإمام السابق ، ومع
ذلك
ففي نسبه خلاف كما سيوافيك تفصيله.
تتمة
الموجود في كتب أنساب
الطالبيين أنّ محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق لم يعقّب إلّا من رجلين ، ولم يتعرّضوا لعبد الله بن محمد ، فضلاً عن أحمد بن عبد
الله وولده الحسين.
قال الرازي : ولمحمد
بن إسماعيل هذا من الأولاد المعقبين اثنان : إسماعيل الثاني ، وجعفر الأكبر السلامي.
وقال أبو طالب الأزوَرقاني
: وعقّب محمد من رجلين : جعفر الأكبر السلامي ، وإسماعيل الثاني.
وقال ابن عنبة : وأعقب
محمد بن إسماعيل من رجلين : إسماعيل الثاني ، وجعفر الشاعر « السلامي ».
نعم ذكر الشهرستاني :
انّ ثلاثة من أولاد محمد بن إسماعيل بقوا مستورين لا وقوف لأحد عليهم : الرضي ، والوفي ، والتقي ﴿ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ
بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾
ثمّ ظهر المهدي بالمغرب وبنى المهدية.
ولكن ما ذكره
الشهرستاني رأي تفرّد به.
ولذلك نرى أنّ بعض
علماء الأنساب جعل أئمّة الإسماعيلية على الترتيب التالي :
______________________
١. إسماعيل بن الإمام
جعفر الصادق.
٢. محمد بن إسماعيل
بن جعفر الصادق ، المعروف بالمكتوم.
٣. ابنه : جعفر بن
محمد السلامي ، المعروف بالمصدق.
٤. ابنه : محمد بن
جعفر ، المعروف بالحبيب.
٥. ابنه : عبيد الله المهدي
ابن محمد الحبيب ، وعليه يكون المهدي الإمام الخامس.
وفي بعض الروايات
انّه ابن جعفر بن الحسن بن الحسن ، بن محمد بن جعفر الشاعر السلامي بن محمد بن إسماعيل.


الإمام
السادس
عبيد الله المهدي
( ٢٦٠ ـ ٣٢٢ هـ )
الإمام عبيد الله الملقب
بالمهدي ، هو مؤسس الدولة الإسماعيلية في المغرب.
ولد بسلمية التي هي
بلدة بالشام من اعمال حمص عام ٢٦٠ ـ ٢٥٩ ودعي له بالخلافة على منابر : رقادة ، والقيروان ، يوم الجمعة لتسع بقين من شهر ربيع الآخر سنة ٢٨٩ هـ ، فخرجت بلاد المغرب عن ولاية بني العباس ، وبنى البلدة المعروفة بـ « المهدية » وتوفي بها عام ٣٢٢ هـ.
إذا سبرنا التاريخ
نجد أنّ المؤرخين ، وأصحاب المعاجم ، لا يمسّون إسماعيل ولا الأئمّة الذين تلوه بكلمة مشينة ، وإنّما يذكرونهم كسائر الفرق فلهم ما لهم وعليهم ما عليهم ، فلما وصل الأمر إلى عبيد الله الذي أسس دولة شيعية في المغرب وتعاقب على حكمها خلفاء تمكنوا من إرساء دعائمها وتقوية مرتكزاتها ، ثارت ثائرة السنّة المعاندين ، وأخذوا يصبّون عليهم قوارع الكلم ، ويرمونهم بأفظع النسب والتهم ، ممّا يندىٰ لها الجبين ، والذي دعاهم لذلك أمران :
الأوّل :
عداؤهم السياسي ، فهؤلاء الخلفاء أخرجوا المغرب ومصر والشامات من قبضة الخليفة ببغداد ، مما حرض البلاط العباسي ووعاظ الخلفاء على سبّهم والطعن في نسبهم ، وانّ نسب عبد الله المهدي لا يصل إلى آل علي ، بل إلى مجوسي أو يهودي.
الثاني :
بغضهم للشيعة ، فلقد قام الخلفاء الفاطميون بتأسيس دولة إسلامية شيعية ، لأوّل مرة في أقصاع كبيرة من الأرض وأشاعوا فيها التشيع ، وحب أهل البيت ، وأمروا بإدخال « حي علىٰ خير العمل » في الأذان ، وترك بعض البدع ، كإقامة صلاة التراويح جماعة وغيرها ، ممّا حدا بالمتعصبين من أهل السنّة كالذهبي ، ومن لف لفه ـ الذي كان لا يقيم للأشاعرة من أهل العقائد ولا لغير الحنابلة من أهل الفقه وزناً ولا قيمة ، فكيف للشيعة المنزهة لله سبحانه عن الجسم ولوازمه ـ أن يسبّهم ويتّهمهم بتهم رخيصة ، وانّهم من عناصر يهودية قلبوا الإسلام ظهراً لبطن.
فما نرى في كتب
التاريخ والمعاجم حول نسب عبيد الله المهدي ، كـ « وفيات الأعيان » لابن خلكان ، وسير أعلام النبلاء للذهبي وغيرهما لا يمكن الاعتماد عليها والوثوق بها ، لأنّها وليدة أجواء العداء السياسي ، والاختلاف المذهبي ، اللّذين يعميان ويصمان.
نعم هناك من رد تلك
التهم المشينة من المؤرخين برحابة صدر كابن خلدون في مقدمته ، والمقريزي في خططه.
يقول ابن خلدون : أوّلهم
عبيد الله المهدي بن محمد الحبيب بن جعفر الصادق بن محمد المكتوم بن جعفر الصادق ، ولا عبرة بمن أنكر هذا النسب من أهل القيروان وغيرهم وبالمحضر الذي ثبت ببغداد أيام القادر بالطعن في نسبهم ، وشهد فيه أعلام الأئمّة ، وقد مرّ ذكرهم. فإنّ كتاب المعتضد
______________________
إلى
ابن الأغلب بالقيروان وابن مدرار بسجلماسة يغريهم بالقبض عليه ، لمّا سار إلى المغرب ، شاهد بصحة نسبه ، وشعر الشريف الرضي مسجل بذلك. والذين شهدوا في المحضر فشهادتهم على السماع وهي ما علمت ، وقد كان نسبهم ببغداد منكراً عند أعدائهم شيعة بني العباس منذ مائة سنة ، فتلون الناس بمذهب أهل الدولة وجاءت شهادة عليه مع أنّها شهادة على النفي ، مع أنّ طبيعة الوجود في الانقياد إليهم ، وظهور كلمتهم حتىٰ في مكة والمدينة أدل شيء علىٰ
صحّة نسبهم.
وأمّا من يجعل نسبهم
في اليهودية والنصرانية ليعمونَ القدح وغيره ، فكفاه ذلك إثماً وسفسفة.
ثمّ إنّ تقي الدين
المقريزي بعد ما نقل أقوال المخالفين في حقّ عبيد الله المهدي ـ حيث إنّهم وصفوه تارة بأنّه ابن مجوسي ، وأُخرى أنّه ابن يهودي ـ أخذ بالقضاء العادل وقال :
وهذه أقوال إن أنصفت
تبيّن لك أنّها موضوعة ، فإنّ بني علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قد كانوا إذ ذاك على غاية من وفور العدد وجلالة القدر عند الشيعة ، فما الحامل لشيعتهم على الإعراض عنهم والدعاء لابن مجوسيّ أو لابن يهودي ؟! فهذا ممّا لا يفعله أحد ولو بلغ الغاية في الجهل والسخف ، وإنّما جاء ذلك من قبل ضَعَفة خلفاء بني العباس عندما غصوا بمكان الفاطميّين ، فإنّهم كانوا قد اتصلت دولتهم نحواً من مائتين وسبعين سنة ، وملِكوا من بني العباس بلاد المغرب ومصر والشام وديارَ بكر والحرمين واليمن ، وخطب لهم ببغداد نحو أربعين خطبة وعجزت عساكر بني العباس عن مقاومتهم.
فلاذت حينئذٍ بتنفير
الكافة عنهم بإشاعة الطعن في نسبهم ، وبث ذلك عنهم خلفاؤهم وأعجب به أولياؤهم وأُمراء دولتهم الذين كانوا يحاربون عساكر الفاطميين كي يدفعوا بذلك عن أنفسهم وسلطانهم معرّة العجز عن مقاومتهم ،
______________________
ودفعهم
عمّا غُلِبُوا عليه من ديار مصر ، والشام والحرمين حتى اشتهر ذلك ببغداد ، وأسجل القضاة بنفيهم من نسب العلويين ، وشهد بذلك من أعلام الناس جماعة منهم الشريفان الرضي والمرتضى وأبو حامد الاسفرائيني والقدوري في عدّة وافرة عندما جمعوا لذلك في سنة اثنتين وأربعمائة أيام القادر.
وكانت شهادة القوم في
ذلك على السماع لما اشتهر ، وعرف بين الناس ببغداد وأهلها من شيعة بني العباس ، الطاعنون في هذا النسب ، والمتطيّرون من بني علي ابن أبي طالب ، الفاعلون فيهم منذ ابتداء دولتهم الأفاعيل القبيحة ، فنقل الأخباريون وأهل التاريخ ذلك كما سمعوه ، ورووه حسب ما تلقوه من غير تدبّر ، والحقّ من وراء هذا.
وكفاك بكتاب المعتضد
من خلائف بني العباس حجة ، فإنّه كتب في شأن عبيد الله إلى ابن الأغلب بالقيروان وابن مدرار بسجلماسة
بالقبض على عبيد الله ، فتفطّن ـ أعزك الله ـ لصحّة هذا الشاهد ، فإنّ المعتضد لولا صحّة نسب عبيد الله عنده ما كتب لمن ذكرنا بالقبض عليه ، إذ القوم حينئذٍ لا يَدْعون لِدعيّ
البتة ولا يذعنون له بوجه ، وإنّما ينقادون لمن كان علويّاً ، فخاف ممّا وقع ، ولو كان عنده من
الأدعياء ، لما مرّ له بفكر ولا خافه على ضيعة من ضياع الأرض.
وإنّما كان القوم ، أعني
: بني علي بن أبي طالب ، تحتَ ترقّب الخوف من بني العباس لتطلّبهم لهم في كلّ وقت ، وقصدهم إيّاهم دائماً بأنواع من العقاب ، فصاروا ما بين طريد شريد ، وبين خائف يترقّب ، ومع ذلك فإنّ لشيعتهم الكثيرة المنتشرة في أقطارهم من المحبة لهم ، والإقبال عليهم ما لا مزيد عليه ، وتكرّر
قيام
______________________
الرجال
منهم مرّة بعد مرّة والطلب عليهم من ورائهم ، فلاذوا بالاختفاء ولم يكادوا يُعْرفُون ، حتى تسمّى محمد بن إسماعيل الإمام جدُ عبيد الله المهدي بالمكتوم ، سمّاه بذلك الشيعة عند اتّفاقهم على إخفائه ، حذراً من المتغلّبين عليهم ، وكانت الشيعة فرقاً.
فمنهم من كان يذهب
إلى أنّ الإمام من ولد جعفر الصادق هو إسماعيل ابنه ، وهؤلاء يعرفون من بين فرق الشيعة بالإسماعيلية من أجل انّهم يرون أنّ الإمام
من بعد جعفر ابنه إسماعيل ، وانّ الإمام بعد إسماعيل بن جعفر الصادق هو ابنه محمد المكتوم ، وبعد ابنه محمد المكتوم ، ابنه جعفر الصادق
، ومن بعد جعفر الصادق ، ابنه محمد الحبيب ، وكانوا أهل غلو في دعاويهم في هؤلاء الأئمّة.
وكان محمد بن جعفر
هذا يؤمل ظهوره وانّه يصير له دولة ، وكان باليمن من أهل هذا المذهب كثير بعدن وبإفريقية وفي كتامة ونفره ، تلقوا ذلك من عهد جعفر الصادق ، فقدم على محمد ( الحبيب ) بن جعفر والد عبيد الله رجل من شيعته باليمن فبعث معه الحسن بن حوشب في سنة ثمان وستين ومائتين ، فأظهرا أمرهما باليمن ، وأشهرا الدعوة في سنة سبعين ، وصار لابن حوشب دولة بصنعاء ، وبثّ الدعاة بأقطار الأرض ، وكان من جملة دعاته أبو عبد الله الشيعي ، فسيّره إلى المغرب فلقي كتامة ودعاهم ، فلمّا مات محمد ( الحبيب ) بن جعفر عهد لابنه عبيد الله فطلبه المكتفي العباسي وكان يسكن عسكر مكرم ، فسار إلى الشام ، ثمّ سار إلى المغرب فكان من أمره ما كان ، وكانت رجال هذه الدولة الذين قاموا ببلاد المغرب وديار مصر أربعة عشر رجلاً.
هذه خلاصة أخبارهم في
أنسابهم ، فتفطّن ولا تغتر بزخرف القول الذي لفّقوه من الطعن فيهم ، والله يهدي من يشاء.
______________________
ولا يظن القارئ
الكريم انّ الكاتب بصدد الدفاع عن عقيدتهم وأُصولهم ، وما اقترفوه من الأعمال الشنيعة كسائر الخلفاء والملوك ، وإنّما الهدف إيقاف القارئ على بَخس حملة الأقلام لحق هؤلاء ، ولو كان لآل البيت حرية ولم يكن لهم اضطهاد لما التجأوا إلى ترك أوطانهم والهجرة إلى أقاصي البلاد هرباً ممّا يحيط بهم
من الأخطار.
ونعم ما قال العزيز بالله
أحد الخلفاء الفاطميين :
نحن بنو المصطفى
ذوو مَحن
|
|
أوّلنا مبتلىٰ
وخاتمنا
|
عجيبة في الأيام
محنَتنا
|
|
يجرعها في الحياة
كاظمنا
|
يفرح هذا الورى
بعيدهم
|
|
طرّاً وأعيادنا
مآتمنا
|
إنّ الباطل إذا خلص
من شائبة الحق ، لا يمكن أن يدوم ٢٧٢ سنة حاكماً ، ٢٠٨ أعوام منها على مصر ، وعلى مساحات شاسعة من المغرب والشام والعراق ، فلم تكن الدعوة إلحادية ، ولا مجوسية ، ولا يهودية ، بل دعوة إسلامية على نهج آل البيت ، لكنّهم ضلّوا في الطريق ، فأخذوا ببعض وتركوا بعضاً.
أضف إلى ذلك انّ
الناس بايعوا الحاكم بالله الإمام الحادي عشر وهو ابن خمس وستين سنة ممّا يدلّل على أنّ قلوب الأُمّة كانت تهوي إليهم لمّا شاهدوا بأمّ أعينهم من إشاعة للعدل وعمران للبلاد ، وبسط للثقافة وأمن للطرق.
وأمّا ما نسب المقريزي
إلى الشريف الرضي من أنّه وافق القوم في نفي انتسابهم إلى البيت العلوي فيصفه ابن أبي الحديد ويقول :
« ذكر أبو الحسن
الصابي وابنه غرس النعمة محمد في تاريخهما : أنّ القادر بالله عقد مجلساً أحضر فيه الطاهر أبا أحمد الموسوي ، وابنه أبا القاسم المرتضىٰ وجماعة من القضاة والشهود والفقهاء ، وأبرز إليهم أبيات الرضي أبي الحسن التي
______________________
أوّلها
:
ما مقامي على
الهَوان وعندي
|
|
مِقْول صارِم وأنف
حَمِيّ
|
وإباء مُحلِّقٌ بي
عن الضيـ
|
|
ـم كما زاغَ طائر
وحشيّ
|
أي عذر له إلى
المجد إن ذ
|
|
ل غلام في غمده
المشرفيّ
|
أحمل الضيمَ في
بلاد الأعادي
|
|
وبمصر الخليفةُ
العلوي
|
من أبوه أبي ،
ومولاه مولا
|
|
ي إذا ضامني
البعيدُ القصيّ
|
لفَّ عِرقي
بِعِرْقِه سيدا النا
|
|
س جميعاً محمد
وعليّ
|
وقال القادر للنقيب
أبي أحمد : قل لولدك محمد : أيَّ هوان قد أقام عليه عندنا ؟! أيّ ضيم لقي من جهتنا ؟! وأي ذُلّ أصابه في مملكتنا ؟! وما الذي يعمل معه صاحب مصر لو مضىٰ إليه ؟! أكان يصنع إليه أكثر من صنيعنا ؟! ألم نولِّه النقابة ؟! ألم نولِّه المظالم ؟! ألم نستخلفه على الحرمين والحجاز ، وجعلناه أمير
الحجيج ؟! فهل كان يحصل له من صاحب مصر أكثر من هذا ؟! ما نظنّه كان يكون لو حصل عنده إلّا واحداً من أبناء الطالبيين بمصر.
فقال النقيب أبو أحمد
: أمّا هذا الشعر فممّا لم نسمعه منه ، ولا رأيناه بخطه ، ولا يبعد أن يكون بعضُ أعدائه نَحله إيّاه ، وعزاه إليه.
فقال القادر : إن كان
كذلك ، فلتكتب الآن محضراً يتضمن القدح في أنساب ولاة مصر ، ويكتُب محمد خطَه فيه. فكتب محضراً بذلك ، شهد فيه جميع من حضر المجلس ، منهم النقيب أبو أحمد ، وابنه المرتضى ، وحمل المحضر إلى الرضي ليكتب خطّه فيه ، حَمَله أبوه وأخوه ، فامتنع من سطر خطه ، وقال : لا أكتب وأخاف دعاة صاحب مصر ، وأنكر الشعر ، وكتب خطه وأقسم فيه أنّه ليس بشعره ، وأنّه لا يعرفه. فأجبره أبوه علىٰ أن يكتب خطّه في المحضر ، فلم
يفعل ، وقال : أخاف دعاة المصريين وغيلتهم لي فانّهم معروفون بذلك ، فقال أبوه :
يا
عجباه ، أتخاف من بينك وبينه ستمائة فرسخ ، ولا تخاف من بينك وبينه مائة ذراع ؟! وحلف ألّا يكلّمه ، وكذلك المرتضى ، فعلا ذلك تقية وخوفاً من القادر ، وتسكيناً له.
ولمّا انتهى الأمر
إلى القادر سكتَ على سوءٍ أضمره ، وبعد ذلك بأيام صرفه عن النقابة ، وولّاها محمد بن عمر النهر السايسي.
ذهاب عبيد الله إلى
إفريقية
لمّا تمكن أبو عبد
الله واستقر أمره مهّد الطريق لإمامة عبيد الله المهدي ، فبعثَ برجال من كتامة إلى سلمية في أرض الشام ، فقدِموا على عبيد الله وأخبروه بما فتح الله عليه ، وكان قد اشتهر هناك انّ الخليفة المكتفي طلبه ، فخرج من
سلَمية فارّاً ومعه ابنه أبو القاسم نزّار ، ومعهما أهلهما فأقاما بمصر مستقرين ، ثمّ سار
إلى طرابلس وقد سبقَ خبره إلى « زيادة الله » فسار إلى قسطيلية فقدم كتاب « زيادة الله
» ابن الأغلب إلى عامل طرابلس بأخذ عبيد الله وقد فاتهم ، فلم يدركوه ، فرحل إلى سجلماسة وأقام بها ، فوافىٰ عامله علىٰ سجلماسة كتاب زيادة الله ، بالقبض
علىٰ عبيد الله فلم يجد بداً من أن قبض عليه وسجنه. فلمّا دخل شهر رمضان سار أبو عبد الله من رقادة في جيوش عظيمة يريد سجلماسة ، فحاربه اليسع يوماً كاملاً إلى الليل ثمّ فر عاملها في خاصته ، فدخل أبو عبد الله من الغد إلى البلد وأخرج عبيد الله وابنه ومشى في ركابهما بجميع رؤساء القبائل ، وهو يقول للناس : هذا مولاكم ، وهو يبكي من شدة الفرح حتى وصل بهما إلىٰ فسطاط وأقاما فيها أربعين يوماً ، ثمّ
سار إلى إفريقية في ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ونزل برقادة ، وقسّم علىٰ
وجوه كتامة أعمال إفريقية.
______________________
ولكن العجب انّ عبيد
الله جزىٰ أبا عبد الله الشيعي جزاء السنمار ، وذلك انّ المهدي لما استقامت له البلاد ، ودانت له العباد ، وباشر الأُمور بنفسه وكف يد
أبي عبد الله ويد أخيه أبي العباس ، داخل أبا العباس الحسد وعظم عليه الفطام عن الأمر والنهي والأخذ والعطاء ، فأقبل يزري على المهدي في مجلس أخيه ويتكلّم فيه وأخوه ينهاه ولا يرضىٰ فعله فلا يزيده ذلك إلّا لجاجاً ، ولم يزل حتى
أثّر في قلب أخيه وكلّ ذلك يصل إلى المهدي وهو يتغافل ، ثمّ صار أبو العباس يقول : إنّ هذا ليس الذي كنّا نعتقد طاعتَه وندعو إليه ، لأنّ المهدي يختم بالحجة ويأتي بالآيات الباهرة ، فأخذ قوله بقلوب كثير من الناس ، منهم إنسان في كتامة يقال له شيخ المشايخ ، فواجه المهدي بذلك وقال : إن كنت المهدي ، فأظهر لنا آية فقد شككنا فيك ، فقتله ، فخافه أبو عبد الله وعلم أنّ المهدي قد تغيّر عليه واتّفق هو وأخوه ومن معهما على الاجتماع عند أبي زاكي وعزموا علىٰ قتل المهدي ، واجتمع معهم قبائل كتامة إلّا قليلاً منهم وكان معهم رجل يظهر أنّه منهم وينقل ما يجري إلى المهدي.
فلمّا وقف المهديّ
علىٰ أمرهم حاربهم وأمر رجالاً معه أن يرصدوا أبا عبد الله وأخاه أبا العباس ويقتلوهما.
ولكن الإسماعيلية
تنكر ذلك ، وتقول : وهذه الأقوال لا يقرّها المنطق ، ولا يمكن أن يصدّقها العقل ، فلو كان أبو عبد الله الشيعي يبغي الخلافة لنفسه لكان باستطاعته أن يحصل عليها قبل قدوم الإمام محمد المهدي إلى إفريقية عندما كانت جيوشه يربو عددها على المائة ألف مقاتل بينما كان الإمام المهدي في الرملة بطريقه إليه.
ثمّ يقول : إنّ أبا
عبد الله الشيعي قضى آخر أيّامه بقرب الإمام مخلِصاً له
______________________
حتّى
أدركته الوفاة ، فدفن باحتفال مهيب وصلّى عليه الإمام المهدي.
ولكن فات الكاتب أنّ
أبا عبد الله الشيعي وإن كان لا يبغي الخلافة لنفسه لفقدانه الرصيد الشعبي ، ومع ذلك كان يتطلع للمشاركة في الأُمور ، وقد حال المهدي دون ذلك ، فعند ذلك ثارت ثائرته. وتآمر على إمامه.
ثمّ إنّ هناك نكتة
أُخرى هامة وهي أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أخبر عن خروج المهدي في آخر الزمان ، وانّه يملك الشرق والغرب ، ويجري القسط والعدل بين الناس ، فاتخذ المهدي هذا الخبر الذائع الصيت ذريعة لاستقطاب الناس حوله ، وقد سمّىٰ نفسه محمّداً ، ولقب نفسه بالمهدي فتقمّص أوصاف المهدي الذي أخبر به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ليتخذها وسيلة لتحقيق مآربه وانّه
مفترض الطاعة.
وقد مات عبيد الله في
ليلة الثلاثاء منتصف شهر ربيع الأوّل سنة ٣٢٢ هـ بالمهدية في القيروان عن ثلاث وستين سنة ، وكانت خلافته أربعاً وعشرين سنة وشهراً وعشرين يوماً ، وقام بعده ابنه.
______________________
الإمام
السابع
القائم بأمر الله
( ٢٨٠ ـ ٣٣٤ هـ )
ولد الإمام القائم
بأمر الله ، ابن الإمام عبيد الله المهدي ، في محرم سنة ٢٨٠ هجرية « بالسلَمية » ، وارتحل مع أبيه الإمام محمد المهدي إلى المغرب ، وعَهد إليه
بالإمامة من بعده حسب الأُصول الإسماعيلية ، فاقتفى إثر أبيه وخطا خطاه ، ونهج نهجه ، وعمل جاهداً على تعزيز وازدهار الدعوة الإسماعيلية ، وتعميمها في جميع البلدان والأقاليم ، ووجّه اهتمامَه الزائد لتنظيم وتقويةَ البحرية الإسماعيلية ، فشكل اسطولاً عظيماً ، تمكن بواسطته من قهر العصابات البحرية المالطية ، التي كانت تأتي بأعمال القرصنة لغزو البلاد الإسماعيلية ، وقيامهم بأعمال النهب والسلب والتخريب. واحتلَّ الاسطول الإسماعيلي « جنوه » و « لونبارتي » و « غرناطة
» وغيرها من البلاد الايطالية التي كانت خاضعة لحكم الروم ، كما فتح الإسماعيلية جزيرة « صقليا ».
يقول المقريزي : كان
اسمه بالمشرق عبد الرحمان فتسمىٰ في بلاد المغرب بمحمد ، فلما فرغ من جميع ما يريده وتمكّن ، أظهر موتَ أبيه ، واستقلّ بالأمر وله سبع وأربعون سنة ، وتبع سيرة أبيه ، وثار عليه جماعة فظفر بهم ، وبثَّ جيوشَه في البرّ والبحر فسبَوا وغَنِمُوا من بلد « جنوه » وبعث جيشاً إلى مصر فملكوا
______________________
الاسكندرية
، والاخشيد يومئذٍ أمير مصر ، فلما كان في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة خرج عليه أبو يزيد مخلد بن كندار النكاري الخارجي بإفريقية ، واشتدّت شوكتُه وكثرت أتباعه ، وهزمَ جيوشَ القائم غير مرة ، وكان مذهبه تكفير أهل الملّة ، وإراقة دمائهم ديانة ، فملك « باجه » وحرّقها ، وقتل الأطفال ، وسبى النسوان ، ثمّ ملك القيروان ، فاضطرب القائم ، وخاف الناس ، وهمّوا بالنقلة من « زويلة » وقوى أمر أبي يزيد ونازل المهدية وحصر القائم بها ، وكاد أن يغلب عليها ، فلما بلغ
المصلّىٰ حيث أشار المهدي أنّه يصل ، هزمه أصحاب القائم وقتلوا كثيراً من أصحابه ، وكانت له قصص وأنباء ، إلى أن مات القائم لثلاث عشرة خلت من شوال سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ، عن أربع وخمسين سنة وتسعة أشهر ، ولم يرق منبراً ، ولا ركب دابّة لصيدٍ مدّة خلافته حتى مات ، وصلى مرّةً على جنازةٍ ، وصلى
بالناس العيدَ مرة واحدة ، وكانت مدّة خلافته اثنتي عشرة سنة وستة أشهر وأيّاماً ،
وترك أبا الظاهر إسماعيل ، وأبا عبد الله جعفر أو حمزة ، وعدنان ، وعدّة أُخر ، وقام
من بعده ابنه.
يقول الجزري في حوادث
سنة (٣٣٤) : وفي هذه السنة توفي القائم بأمر الله ، أبو القاسم محمد بن عبد الله المهدي العلوي صاحب إفريقية ، لثلاث عشرة مضت من شوال ، وقام بالأمر بعده ابنه إسماعيل ، وتلقّب المنصور بالله ، وكتم موته خوفاً أن يعلم بذلك أبو يزيد ، وهو بالقرب منه على « سوسة » وأبقى
الأُمور على حالها ، ولم يتسمّ بالخليفة ، ولم يغير السكّة ، ولا الخطبة ، ولا البنود ، وبقي
على ذلك إلى أن فرغ من أمر أبي يزيد ، فلما فرغ منه أظهر موته ، وتسمّىٰ
بالخلافة ، وعمل آلات الحرب والمراكب ، وكان شهماً شجاعاً ، وضبط الملك والبلاد.
______________________
وقد ذكره الذهبي
السلفي وبالغ في ذمه ، وسلك في ترجمته نفس ما سلكه في ترجمة أبيه ، ولأجل ذلك تركنا النقل عنه ، ومن أراد الوقوف عليه فليرجع إلى كتابه.
______________________
الإمام
الثامن
الإمام المنصور بالله
( ٣٠٣ ـ ٣٤٦ هـ )
ولد الإمام المنصور بالله
، إسماعيل بن الإمام القائم بـ « المهدية » في أوّل جمادى الآخرة سنة ٣٠٣ هـ ، وقيل : ولد بالقيروان سنة ٣٠٢ هـ ، تسلّم شؤون الإمامة بعد وفاة أبيه سنة ٣٣٤ هـ ، وكان سياسيّاً عظيماً ، ومحارباً قديراً ، وخطيباً
من أفصح الخطباء وأبلغهم.
وقال المقريزي : جدّ
في حرب أبي يزيد حتى ظفر به وحمل إليه فمات من جراحات كانت به ، سلخ المحرّم سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ولم يزل المنصور إلى أن مات سلخ شوال سنة إحدىٰ وأربعين وثلاثمائة عن إحدىٰ وأربعين سنة وخمسة أشهر ، وكانت مدّة خلافته ثمان سنين وقيل سبع سنين وعشرة أيّام ، وقد اختلف في تاريخ ولادته فقيل : ولد أوّل ليلة من جمادى الآخرة سنة ٣٠٣ هـ بالمهدية ، وقيل : بل ولد في سنة اثنتين وقيل : سنة إحدى وثلاثمائة ، وكان خطيباً بليغاً يرتجل الخطبة لوقته شجاعاً عاقلاً ، وقام من بعده ابنه.
يقول المؤرخ المعاصر
: وما زال أبو يزيد هارباً والجيوش تلاحقه حتى التجأ إلى جبل البربر ، وجمع خلقاً كثيراً لمقابلة جيش الإمام المنصور ، ولكنّه هزم ، فأدركه
______________________
أحد
الأُمراء الإسماعيليين وقبض عليه وساقه إلى الإمام المنصور ، وكان ذلك سنة ٣٣٦ هجرية ، فقتله وأمر الإمام أن تبنىٰ مدينة « المنصورية » تيمّناً بذلك
الانتصار العظيم ، ثمّ عاد الإمام إلى المهدية في شهر رمضان عام ٣٣٦ هجرية ، فعهد بالإمامة من بعده لولده المعز لدين الله ، وتوفي يوم الأحد في الثالث والعشرين من شوال سنة ٣٤٦ هجرية ، ودفن جسده الطاهر في مدينة المنصورة ، وقيل كانت وفاته سنة ٣٤٣ هجرية ودفن بالمهدية.
______________________
الإمام
التاسع
المعزّ لدين الله
مؤسس الدولة الفاطمية
في مصر
( ٣١٩ ـ ٣٦٥ هـ )
وهو أوّل خليفة فاطمي
ملك مصر وخرج إليها ، وكان مغرىً بالنجوم ويعمل بأقوال المنجمين ، وكان المعز عالماً ، فاضلاً ، جواداً ، شجاعاً ، جارياً
على منهاج أبيه في حسن السيرة ، وإنصاف الرعية ، وستر ما يدعون إليه إلّا عن الخاصة ، ثمّ أظهره وأمر الدعاة بإظهاره إلّا أنّه لم يخرج فيه إلى حد يذم به.
يقول المقريزي : المعز
لدين الله أبو تميم ، « معد » ولد للنصف من رمضان سنة ٣١٩ هـ فانقاد إليه البربر وأحسن إليهم ، فعظم أمره واختص من مواليه ، « بجوهر » وكنّاه بأبي الحسين ، وأعلى قدره ، وسيّره في رتبة الوزارة ، وعقدَ له
علىٰ جيش كثيف ، فدوّخ المغرب ، وافتتح مدناً ، وقهر عدّة أكابر وأسّرهم ، حتى أتىٰ
البحر المحيط الذي لا عمارة بعده ، ثمّ قدم غانماً مظفراً ، فعظم قدرُه عند المعزّ
، ولما وصل الخبر إلى المعز بموت كافور الإخشيدي صاحب مصر أخذ في تجهيز جوهر بالعساكر إلى أخذ ديار مصر حتى تهيأ أمره ، وبرز للمسير ، فلمّا ثبتت قدم جوهر بمصر ، عزم المعز على المسير إلى مصر أجال فكره فيمن يخلفه في بلاد المغرب ، فوقع اختياره على « يوسف بن زيري الصنهاجي » ، وقال له : تأهب لخلافة المغرب ،
______________________
فأكبر
ذلك وقال : يا مولانا أنت وآباؤك الأئمة من ولد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما صفا لكم المغرب فكيف يصفو لي وأنا صنهاجيّ بربريّ ؟! قتلتني يا مولانا بغير سيف ولا رمح. فما زال به المعز حتى أجاب.
فلمّا ملك جوهرُ مصر
بادر حسن بن جعفر الحسني بالدعاء للمعز في مكة ، وبعث إلى « جوهر » بالخبر ، فسيّر إلى المعزّ يعرّفه بإقامة الدعوة له بمكة
، فأنفذ إليه بتقليده الحرم وأعماله ، وسار المعز بعساكره من المغرب حتى نزل بالجيزة
، فعقد له جوهر جسراً جديداً عند المختار بالجزيرة ، فسار إليه وقد زيّنت له مدينة الفسطاط فلم يشقها ، ودخل إلى القاهرة بجميع أولاده وإخوته وسائر أولاد عبيد الله المهدي ، وذلك لسبع خلون من رمضان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة ، فعندما دخل القصر صلّىٰ ركعتين ، وأمر فكتب في سائر مدن مصر : خير الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وأثبت
اسم المعزّ لدين الله واسم أبيه عبد الله الأمير ، وجلس في القصر علىٰ سرير الذهب ، وصلّىٰ
بالناس صلاة عيد الفطر في المصلّىٰ ، وركب لفتح خليج مصر يوم الوفاء وعمل عيد غدير خم. وقدمت القرامطة إلى مصر فسير إليهم الجيوش وهزموهم ، وما زال إلى أن توفي من علة اعتلّها بعد دخوله إلى القاهرة بسنتين وسبعة أشهر وعشرة أيّام وعمره خمس وأربعون سنة وستة أشهر تقريباً ، فإنّ مولده بالمهدية في حادي عشر شهر رمضان سنة تسع عشرة وثلاثمائة ، ووفاته بالقاهرة لأربع عشرة خلت من
ربيع الآخر سنة خمس وستين وثلاثمائة ، وكانت مدّة خلافته بالمغرب وديار مصر ثلاثاً وعشرين سنة وعشرة أيّام وهو أوّل الخلفاء الفاطميين بمصر وإليه تنسب القاهرة المعزية ، لأنّ عبده « جوهراً » القائد بناها حسب ما رسم له.
وكان المعز عالماً ، فاضلاً
، جواداً ، أحسن السيرة منصفاً للرعية ، مغرماً بالنجوم ، أُقيمت له الدعوة بالمغرب كله وديار مصر والشام والحرمين وبعض
______________________
اعمال
العراق ، وقام من بعده ابنه العزيز بالله أبو منصور نزار.
يقول ابن خلكان : وكان
المعز عاقلاً ، حازماً ، سرياً ، أديباً ، حسن النظر في النجامة ، وينسب إليه من الشعر قوله :
لله ما صنعت بنا
|
|
تلك المحاجر في
المعاجر
|
أمضي وأقضي في
النفو
|
|
س من الخناجر في
الحناجر
|
ولقد تعبت ببينكم
|
|
تعب المهاجر في
الهواجر
|
وينسب إليه أيضاً :
اطلع الحسن من
جبينك شمسا
|
|
فوق ورد في جنتيك
اطلا
|
وكأن الجمال خاف
على الور
|
|
د جفافاً فمد
بالشعر ظلا
|
وهو معنى غريب بديع.
ويقول في موضع آخر : ملك
المعز أبو تميم معد بن المنصور العبيدي الديار ا لمصرية على يد القائد جوهر ، وجاء المعزّ بعد ذلك من إفريقية ، وكان يُطعن في نسبه ، فلمّا قرب من البلد وخرج الناس للقائه ، اجتمع به جماعة من الأشراف ، فقال له من بينهم ابن طباطبا : إلى من ينتسب مولانا ؟ فقال له المعزّ : سنعقد مجلساً ونجمعكم ونسرد عليكم نسبنا. فلمّا استقر المعز بالقصر جمع الناس في مجلس عام وجلس لهم ، وقال : هل بقي من رؤسائكم أحد؟ فقالوا : لم يبق معتبر ، فسلّ عند ذلك نصف سيفه وقال : هذا نسبي ، ونثر عليهم ذهباً كثيراً ،
______________________
وقال
: هذا حسبي ، فقالوا جميعاً : سمعنا وأطعنا.
لا شكّ انّ عصر المعز
لدين الله من العصور الذهبية للإسماعيلية حيث أصبحت مصر داراً للخلافة ، وأصبح الإمام المعز أوّل خليفة فاطمي فيها ، فعمل علىٰ ترقية العلوم والثقافة ، وأمر ببناء الجامع الأزهر ، وجعله داراً
للعلوم ومنهلاً للثقافة والفكر ، وشجّع العلماء ، وخصّص لهم المبالغ الطائلة ، فوفدوا عليه من كلّ قطر حيث وجدوا المساعدات.
كما أشرف بنفسه علىٰ
تأليف الكتب علىٰ غرار المذهب الإسماعيلي ، فتقدمت الثقافة الإسماعيلية تقدماً باهراً ، وازدهر في عصره فقهاء وشعراء وفلاسفة يشار إليهم بالبنان.
فمن فقهاء عصره : القاضي
النعمان بن محمد بن منصور التميمي المغربي مؤلف كتاب « دعائم الإسلام » ، توفي بالقاهرة في ٢٩ من جمادى الثانية سنة ٣٦٣ هـ ، وصلّى عليه الإمام المعز لدين الله.
خدم المهدي بالله مؤسس
الدولة الفاطمية تسع سنوات ، ثمّ ولي قضاء طرابلس في عهد القائم بأمر الله الخليفة الثاني للفاطميين ، وفي عهد الخليفة الثالث المنصور بالله عين قاضياً للمنصورية ، ووصل إلى أعلى المراتب في عهد المعز لدين الله الخليفة الرابع الفاطمي إذ رفعه إلىٰ مرتبة قاضي القضاة
وداعي الدعاة.
وقد نشر كتابه لأوّل
مرّة في مستدرك الوسائل للمحدّث النوري ( ١٢٥٤ ـ ١٣٢٠ هـ ) مبعّضاً وموزعاً أحاديثه على أبواب الكتب الفقهية كما تم طبعه مستقلاً بتحقيق آصف بن علي أصغر فيضي في مصر عام ١٣٧٤ هـ ، وطبع ثالثاً على الأُفست في بيروت عام ١٣٨٣ هـ.
______________________
ومن شعراء عصره ابن
هانئ الأندلسي ، وهو محمد بن هانئ الأندلسي من قرية اشبيلية ، ولد عام ٣٢٠ هـ ولقب بأبي القاسم ، ولما اتهم بمذهب الإسماعيلية غادر الأندلس نازلاً إلى المغرب ، واتصل بأميره ، فبالغ في إكرامه وأحسن إليه ، ولما
وصل خبره إلى المعز طلبه من أمير المغرب ، فأقام عنده حتى ارتحل الإمام المعز إلى مصر فلحق به فيها.
كان ابن هانئ من فحول
الشعراء ، ولكن قصائده تحكي عن غلوه في حقّ الأئمّة الإسماعيلية حيث تفوح منها رائحة الإلحاد ، وقد أعطى لهم ما للخالق من الأوصاف ، وإليك مقتطفات من أشعاره :
قال :
ما شئتَ لا ما شاءت
الأقدارُ
|
|
فاحكم فأنتَ
الواحدُ القهّار
|
وكانّما أنت النبي
محمّد
|
|
وكأنّما أنصارك
الأنصار
|
أنت الذي كانت
تبشّرنا به
|
|
في كتبها الأحبارُ
والأخبار
|
هذا إمام المتقين
ومن به
|
|
قد دوخ الطغيان
والكفار
|
هذا الذي ترجى
النجاة بحبِّه
|
|
وبه يُحطُ الإصر
والأوزار
|
هذا الذي تجدي
شفاعته غداً
|
|
حقاً وتخمد أن تراه
النارُ
|
إنّ بيته الأوّل ينم
عن غلوّه غلواً يكسي صفة الخالق على المخلوق.
ومن العجب أنّ المؤرّخ
الإسماعيلي المعاصر حاول تصحيح الأشعار ، ودفع الفاسد بالأفسد ، حيث قال في تعليقته : إنّ العقيدة الإسماعيلية تنزّه الخالق عن الصفات كالعالم والقادر والصانع و ... ، فإنّ إطلاق الصفات عليه يوجب الكثرة في ذاته عندهم ، وهم يروون عن الإمام الباقر محمد بن علي زين العابدين
______________________
قوله
: « إنّ الله عالم على المعنى انّه يؤتي العلم من يشاء لا على معنى انّ العلم قائم
بذاته ، وانّه تعالى قادر على معنى أنّ القدرة قائمة بذاتها ».
ولمّا كان الإمام
قائماً مقام الأمر والكلمة في هذا العالم فجميع صفات الباري واقفة عليه ، ومن هنا نجد انّ إطلاق كلمة الواحد القهار على المعز إنّما هي
حسب الاعتقاد.
عزب عن هذا المسكين
أوّلاً : انّ إطلاق الصفات عليه سبحانه لا توجب الكثرة في ذاته عند المحقّقين ، وذلك لأنّ الأوصاف وإن كانت مختلفة مفهوماً لكنّها متحدة وجوداً ، فذاته نفس العلم والقدرة والحياة ، لا انّ كلّ واحدة من هذه
الصفات تمثل جزءاً من ذاته.
وثانياً : انّه لو صحّ
ما ذكره من التفسير في العالم والقادر بمعنى أنّه سبحانه يعطي العلم والقدرة لا يصحّ ذلك في الواحد القهار ، إذ معناه عندئذ انّ الإمام يهب الوحدة والقهر من يشاء لكي يصحّ إطلاقها على الإمام ، ولا شكّ انّ في ما جاء به الشاعر غلواً واضحاً ، عصمنا الله من غلو الغالين وإبطاء التالين.
______________________
الإمام
العاشر
العزيز بالله
( ٣٤٤ ـ ٣٨٦ هـ )
نزار بن معد ، العزيز
بالله ، ولي العهد بمصر يوم الخميس رابع شهر ربيع الآخر سنة ٣٦٥ هـ ، واستقل بالأمر بعد وفاة أبيه ، وكان يوم الجمعة حادي عشر الشهرالمذكور وسُتِرتْ وفاة أبيه وسُلّم عليه بالخلافة ، وكان شجاعاً ، حسن العفو عند المقدرة ، ذكره أبو منصور الثعالبي في كتاب « يتيمة الدهر » وأورد له شعراً
قاله في بعض الأعياد ، وقد وافق موت بعض أولاده وعقد عليه المآتم وهو :
نحن بنو المصطفى
ذوو محن
|
|
يجرعها في الحياة
كاظمنا
|
عجيبة في الأنام
محنتنا
|
|
أوّلنا مبتلىٰ
وخاتمنا
|
يفرح هذا الورى
بعيدهم
|
|
طرّاً وأعياذنا
مآتمنا
|
وفتحت له حُمْص وحماة
وشَيْزَر ، وحلب ، والموصل ، وخطب له باليمن ولم يزل في سلطانه وعظم شأنه إلى أن خرج إلى بلبيس متوجهاً إلى الشام ، فابتدأت به العلّة في العشر الأخير من رجب سنة ست وثمانين وثلاثمائة ، ولم يزل مرضه يزيد حتى توفي في مسلخ الحمّام في الثلاثاء الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة
______________________
ست
وثمانين وثلاثمائة. بمدينة بلبيس وحمل إلى القاهرة.
وذكر ابن خلكان انّ
تاريخ وفاته في الثامن والعشرين من شهر رمضان ، في حين انّ المقريزي ذكره في الثامن والعشرين من رجب مع توافقهما في سنة وفاته.
قال ابن الأثير : في
هذه السنة توفي العزيز أبو منصور نزار ابن المعز أبي تميم معد العلوي ، صاحب مصر لليلتين بقيتا من رمضان وعمره اثنتان وأربعون سنة وثمانية أشهر ونصف ، بمدينة بلبيس ، وكان برز إليها لغزو الروم ، فلحقه عدة أمراض ، منها : النقرس ، والحصا ، والقولنج ، فاتصلت به إلى الشامات.
وكانت خلافته إحدى
وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفاً ، ومولده بالمهدية من إفريقية.
قال الذهبي : وكان
كريماً ، شجاعاً ، صفوحاً ، أسمر ، أصهب الشعر ، أعين ، أشهل ، بعيد ما بين المنكبين ، حسن الأخلاق ، قريباً من الرعية ، مغرى بالصيد ، ويكثر من صيد السباع ، ولا يؤثر سفك الدماء.
وفي سنة ٣٦٧ هـ جرت
وقعات بين المصريين وهفتكين الأمير ، وقتل خلق ، وضرب المثل بشجاعة هفتكين وهزم الجيوش ، وفرّ منه جوهر القائد ، فسار لحربه صاحب مصر العزيز بنفسه ، فالتقوا بالرملة ، وكان « هفتكين » على فرس أدهم يجول في الناس ، فبعث إليه العزيز رسولاً يقول : أزعجتني وأحوجتني لمباشرة الحرب ، وأنا طالب للصلح ، وأهب لك الشام كلّه.
قال : فات الأمر ، ووقعت
الحرب ، فحمل العزيز بنفسه عليه في الأبطال ، فانهزم هفتكين ومن معه من القرامطة ، واستحرَّ بهم القتل.
وفي سنة ٣٧٧ هـ تهيأ
العزيز لغزو الروم فأُحرقت مراكبه ، فغضب وقتل
______________________
مائتي
نفس اتهمهم ، ثمّ وصلت رسل طاغية الروم بهديّة ، تطلب الهدنة ، فأجاب بشرط أن لا يبقىٰ في مملكتهم أسير ، وبأن يخطبوا للعزيز بقسطنطينية في
جامعها ، وعقدت سبعة أعوام.
______________________
الإمام
الحادي عشر
الحاكم بأمر الله
( ٣٧٥ ـ ٤١١ هـ )
هو منصور بن نزار
ولد يوم الخميس لأربع ليال بقين من شهر ربيع الأوّل سنة ٣٧٥ هـ ، وبويع في اليوم الذي توفي فيه والده أي سنة ٣٦٨ هـ ، وكان عمره أحد عشر عاماً ونصف العام وهو من الشخصيات القليلة التي لم تتجلّ شخصيته بوضوح ، وقام بأعمال إصلاحية زعم مناوئوه انّها من البدع.
يقول الجزري : وبنى
الجامع براشدة ، وأخرج إلى الجوامع والمساجد ، من الآلات ، والمصاحف ، والستور والحصر ما لم ير الناس مثله ، وحمل أهل الذمة على الإسلام ، أو المسير إلى مأمنهم ، أو لبس الغيار ، فأسلم كثير منهم ، ثمّ كان
الرجل منهم بعد ذلك يلقاه ، ويقول له : إنّني أُريد العود إلى ديني ، فيأذن له.
أظن انّ إدخال الحصر
إلى المساجد ، لأجل أنّ المسجود عليه في مذهب الشيعة يجب أن يكون إمّا أرضاً ، أو ما أنبتته الأرض ، فبما أنّ المساجد كانت مفروشة فحمل الحصر على ذلك.
ويقول أيضاً : ثمّ
أمر في سنة ٣٩٩ هـ بترك صلاة التراويح ، فاجتمع الناس بالجامع العتيق ، وصلّى بهم إمام جميع رمضان ، فأخذه وقتله ، ولم يصل أحد
______________________
التراويح
إلى سنة ٤٠٨ هـ.
أقول :
لقد قام الخليفة بمهمته ، فإنّ صلاة التراويح كانت تقام في عصر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والخليفة الأوّل بغير جماعة ، وإنّما
أُقيمت جماعة في عصر الخليفة الثاني ، واصفاً إيّاها بالبدعة الحسنة ، ولمّا تسلّم الإمام أمير المؤمنين علي عليهالسلام زمام الخلافة نهى الناس عن إقامتها جماعة ، فلمّا رأى إصرار الناس على إقامتها جماعة تركهم وما يهوون.
وأمّا رميه بتهمة قتل
الإمام بعد انقضاء شهر رمضان ، فما لا يقبله العقل ، إذ كان في وسع الخليفة منعه من إقامتها أوّل الشهر فأي مصلحة كانت تكمن في استمهاله إلى آخر الشهر واكتسابه مكانة في القلوب ثمّ قتله ؟!
يقول المقريزي : جامع
الحاكم بني خارج باب الفتوح أحد أبواب القاهرة ، وأوّل من أسّسه أمير المؤمنين العزيز بالله ، نزار بن المعز لدين الله معد ، وخطب
فيه وصلّى بالناس الجمعة ، ثمّ أكمله ابنه الحاكم بأمر الله ، فلمّا وسّع أمير الجيوش
بدر الجمالي القاهرة ، وجعل أبوابها حيث هي اليوم صار جامعُ الحاكم داخل القاهرة.
وينقل أيضاً انّ
الحاكم بأمر الله أمر في سنة ٣٩٣ هـ أن يتم بناء الجامع الذي كان الوزير يعقوب بن كاس بدأ في بنيانه عند باب الفتوح ، فقدّر للنفقة عليه أربعون ألف دينار ، فابتدأ بالعمل فيه وفي صفر سنة إحدى وأربعمائة زيد في منارة جامع باب الفتوح وعمل لها أركاناً ، طول كلّ ركن مائة ذراع.
وفي سنة ٤٠٣ هـ أمر
الحاكم بأمر الله بعمل تقدير ما يحتاج إليه جامع باب الفتوح من الحصر والقناديل والسلاسل ، فكان تكسير ما ذرع للحصر ٣٦ ألف ذراع ، فبلغت النفقة على ذلك خمسة آلاف دينار.
______________________
وتم بناء الجامع
الجديد بباب الفتوح ، وعلّق على سائر أبوابه ستور ديبقية عملت له ، وعلّق فيه تنانير فضة عدّتها أربع وكثير من قناديل فضة ، وفرش جميعه بالحصر التي عملت له ، ونصب فيه المنبر ، وتكامل فرشه وتعليقه ، وأذن في ليلة الجمعة سادس شهر رمضان سنة ثلاث وأربعمائة لمن بات في الجامع الأزهر أن يمضوا إليه ، فمضوا وصار الناس طول ليلتهم يمشون من كلّ واحد من الجامعين إلى الآخر بغير مانع لهم ولا اعتراض من أحد من عسس القصر ، ولا أصحاب الطوف إلى الصبح ، وصلّى فيه الحاكم بأمر الله بالناس صلاة الجمعة ، وهي أوّل صلاة أُقيمت فيه بعد فراغه.
ما ذكرنا من محاسن
أعماله قد أخفاها أعداؤه ، وبدل ذلك فقد نالوا منه وأكثروا في ذمّه وذكر مساوئ أعماله ، حتى تجد انّ الذهبي قد بالغ في ذمّه ووصفه بقوله : « العبيدي ، المصري ، الرافضي بل الإسماعيلي الزنديق المدّعي الربوبية ».
ثمّ يقول في موضع آخر
: وكان شيطاناً مريداً ، جباراً عنيداً ، كثير التلوّن ، سفاكاً للدماء ، خبيث النحلة ، عظيم المكر ، جواداً ممدحاً ، له شأن عجيب ونبأ غريب ، كان فرعون زمانه ، يخترع كلّ وقت أحكاماً يلزم الرعية بها إلى آخر ما ذكر.
وعلى أيّ حال فهو من
الشخصيات القلقة التي تجمع بين محاسن الأعمال ومساوئها.
ولولا انّ الحاكم كان
من الشيعة لما وجد الذهبي السلفي في نفسه مبرراً لصب هذه التقريعات.
وقد اكتفينا بذلك في
ترجمته ، لأنّ فيها أُموراً متناقضة ومتضادة لا يمكن الإذعان بصحّة واحد منها.
______________________
انشقاق الإسماعيلية
كانت الإسماعيلية
فرقة واحدة ، غير انّه طرأ عليهم الانشقاق ، فقال قوم منهم : بإلوهية الحاكم وغيبته ، وهم المعروفون اليوم بـ « الدروز » ، يقطنون لبنان.
فالدروز إسماعيلية
محرّفة ، وسيوافيك البحث عن هذه الفرقة وعقائدها في باب خاصّ ، وهي أكثر غموضاً من سابقتها ، فهم يمسكون بكتبهم ووثائقهم عن الآخرين.
يقول المؤرخ المعاصر
: وفي سنة ٤٠٨ استدعى الحاكم كبير دعاته ، وأحد المقربين إليه الموثوق بهم سيدنا « الحمزة بن علي » الفارسي الملقب بـ « الدرزي » وأمره أن يذهب إلى بلاد الشام ليتسلم رئاسة الدعوة الإسماعيلية فيها ، ويجعل مقره « وادي التيم » ، لأنّ الأخبار التي وردت إلى بيت الدعوة تفيد بأنّ إسماعيلية
وادي التيم تسيطر عليهم التفرقة والاختلافات الداخلية ، حول تولّي رئاسة الدعوة هناك ولقبه الإمام بـ « السند الهادي ».
تمكّن الدرزي في وقت
قليل من السيطرة على الموقف في وادي التيم وإعادة الهدوء والسكينة في البلاد ، وعمل جاهداً لتوسيع وانتشار الدعوة الإسماعيلية في تلك البلاد.
لبث الدرزي رئيساً
للدعوة الإسماعيلية وكبيراً لدعاتها في بلاد الشام حتى أُعلنت وفاة الإمام الحاكم وولاية ابنه الطاهر.
لم يعترف الدرزي
بوفاة الإمام الحاكم ، مدّعياً بأنّ وفاته لم تكن سوىٰ نوع من الغيبة لتخليص أنفس مريدي الإمام من الأدران ، وبقي متمسكاً بإمامة الحاكم ومنتظراً عودته من تلك الغيبة ، وبذلك أعلن انفصاله عن الإسماعيلية التي لا تعتقد بالغيبة ، وتقول بفناء الجسم وبقاء سر الإمامة بالروح ، فينتقل بموجب النص إلى إمام آخر وهو المنصوص عليه من قبل الإمام المتوفىٰ ، وسميت الفرقة
التي
تبعت الدرزي بالدرزية نسبة إليه.
وهكذا يتبين للقارئ
الكريم بأنّ الدرزية والإسماعيلية عقيدتان من أصل واحد.
وأمّا عن مصير الحاكم
فمجمل القول فيه انّه فُقد في سنة ٤١١ هـ ، ولم يعلم مصيره ، وحامت حول كيفية اغتياله أساطير لا تتلاءم مع الحاكم المقتدر .
يقول الذهبي : وثمّ
اليوم طائفة من طغام الإسماعيلية الذين يحلفون بغيبة الحاكم ، وما يعتقدون إلّا بأنّه باق ، وانّه سيظهر .
______________________
الإمام
الثاني عشر
الظاهر لإعزاز دين الله
علي بن منصور
( ٣٩٥ ـ ٤٢٧ هـ )
هو علي بن منصور ، ولد
ليلة الأربعاء من شهر رمضان سنة ثلاثمائة وخمس وتسعين ، وبويع بالخلافة وعمره ستة عشر عاماً يقول ابن خلكان : كانت ولايته بعد فقد أبيه بمدّة ، لأنّ أباه فقد في السابع والعشرين من شوال سنة ٤١١ هـ ، وكان الناس يرجون ظهورَه ويتبعون آثاره إلى أن تحقّقوا عدمه ، فأقام ولده المذكور في يوم النحر من السنة المذكورة.
وقد أطنب المقريزي في
سيرته وذكر حوادث حياته.
يقول المقريزي : مات
الظاهر في النصف من شعبان سنة ٤٢٧ هـ عن اثنين وثلاثين سنة إلّا أيّاماً ، وكانت مدّة خلافته ١٥ سنة وثمانية أشهر.
وذكر الذهبي فتنة
القرامطة عام ٤١٣ هـ فنقل عن محمد بن علي بن عبد الرحمان العلوي الكوفي انّه قال : لما صليت الجمعة والركب بعدُ بمنى ، قام رجل ،
______________________
فضرب
الحجر الأسود بدبّوس ثلاثاً ، وقال : إلى متى يُعبد الحجر فيمنعني محمد ممّا أفعله ؟ فإنّي اليوم أهدم هذا البيت ، فاتقاه الناس ، وكاد يفلت ، وكان أشقر ، أحمر
، جسيماً ، تام القامة ، وكان على باب المسجد عشرة فرسان على أن ينصروه ، فاحتسب رجل ، فوجأه بخنجر ، وتكاثروا عليه ، فأُحرق ، وقتل جماعة من أصحابه وثارت الفتنة ، فقتل نحو العشرين ونهب المصريون وقيل : أخذ أربعة من أصحابه ، فأقرّوا بأنّهم مائة تبايعوا علىٰ ذلك ، فضربت أعناق الأربعة ، وتهشّم وجه الحجر ، وتساقط
منه شظايا وخرج مُكْسَرُه أسمر إلى صفرة.
ويقال انّ الظاهر شنّ
على الدروز حرباً محاولاً إرجاعهم إلى العقيدة الفاطمية الأصيلة ، مدة خلافته كانت ستة عشر عاماً ... لم تنته هجمات الصليبيين عن الأراضي والثغور العائدة للدولة الفاطمية ، وقّع هدنة مع الروم.
______________________
الإمام
الثالث عشر
المستنصر بالله
( ٤٢٠ ـ ٤٨٧ هـ )
هو معد بن علي ، ولد
يوم الثلاثاء في الثالث عشر من شهر جمادى الآخر سنة ٤٢٠ هـ ، وبويع بالخلافة يوم الأحد في منتصف شهر شعبان سنة ٤٢٧ هـ ، وكان له من العمر سبعة أعوام ، وقد ظل في الحكم ستين عاماً ، وهي أطول مدّة في تاريخ الخلافة الإسلامية.
يقول ابن خلكان : وجرى
على أيامه ما لم يجر على أيام أحد من أهل بيته ممّن تقدّمه ولا تأخره ، منها :
١. قضية أبي الحارث
أرسلان البساسيري ، فإنّه لمّا عظم أمره وكبر شأنه ببغداد ، قطع خطبة الإمام القائم وخطب للمستنصر المذكور ، وذلك في سنة خمسين وأربعمائة ، ودعا له علىٰ منابرها مدّة سنة.
٢. انّه ثار في
أيّامه علي بن محمد الصليحي وملك بلاد اليمن ، ودعا للمستنصر على منابرها بعد الخطبة.
٣. انّه أقام في الأمر
ستين سنة ، وهذا أمر لم يبلغه أحد من أهل بيته ولا من بني العباس.
______________________
٤. انّه ولي العهد
وهو ابن سبع سنين.
٥. انّ دعوتهم لم تزل
قائمة بالمغرب منذ قام جدهم المهدي إلى أيام المعز ، ولمّا توجه المعز إلى مصر واستخلف بلكين بن زيري كانت الخطبة في تلك النواحي جارية على عادتها لهذا البيت إلى أن قطعها المعز بن باديس في أيام المستنصر ، وذلك في سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة.
٦. أنّه حدث في
أيّامه الغلاء العظيم الذي ما عهد مثله منذ زمان يوسف عليهالسلام حتى قيل انّه بيع رغيف واحد بخمسين
ديناراً ، وكان المستنصر في هذه الشدة يركب وحده ، وكلّ من معه من الخواص مترجّلون ليس لهم دواب يركبونها ، وكانوا إذا مشوا تساقطوا في الطرقات من الجوع ، وكان المستنصر يستعير من ابن هبة صاحب ديوان الانشاء بغلته ليركبها صاحب مظلته ، وآخر الأمر توجهت أُم المستنصر وبناته إلى بغداد من فرط الجوع ، وتفرّق أهل مصر في البلاد وتشتتوا.
وذكر الذهبي تفاصيل
حياته بحسب السنين التي مرت عليه.
ولقي المستنصر
شدائداً وأهوالاً ، وانفتقت عليه الفتوق بديار مصر أخرج فيها أمواله وذخائره إلى أن بقي لا يملك غير سجادته التي يجلس عليها ، وهو مع هذا صابر غير خاشع.
وقد توفي في الثامن
عشر من ذي الحجة ، ودامت خلافته ستين سنة وأربعة أشهر.
إلى هنا تمت ترجمة الأئمّة
الثلاثة عشر الذين اتّفقت كلمة الإسماعيلية علىٰ إمامتهم وخلافتهم ، ولم يشذ عنهم سوى الدروز الذين انشقوا عن الإسماعيلية في
______________________
عهد
خلافة الحاكم بأمر الله ، وصار وفاة المستنصر بالله سبباً لانشقاق آخر وظهور طائفتين من الإسماعيلية بين : مستعلية تقول بإمامة أحمد المستعلي ابن المستنصر بالله ، ونزارية تقول بإمامة نزار ابن المستنصر.
فالمستعلية هم
المعروفون في هذه الأيام بالبُهرة ، وقد انقسموا إلى : سليمانية وداودية ؛ كما أنّ النزاريين هم القائلون بإمامة نزار ابن المستنصر ، وانقسموا إلى
: مؤمنية وقاسمية. وقد اتّفقت الطائفتان الأخيرتان في بعض الأئمة ، واختلفت في البعض الآخر ، وسيوافيك تفصيل الجميع.


الإمام
الأوّل
المستعلي بالله
( ٤٦٧ ـ ٤٩٥ هـ )
قد ذكرنا ـ فيما سبق
ـ أنّ المستنصر قد عهد في حياته بالخلافة لابنه « نزار » وقد بويع بعد وفاة أبيه ، ولكن خلعه الأفضل وبايع المستعلي بالله ، وسبب خلعه أنّ الأفضل ركب مرّة أيّام المستنصر ، ودخل دهليز القصر من باب الذهب راكباً ، و « نزار » خارج ، والمجاز مظلم ، فلم يره الأفضل ، فصاح به نزار : انزلْ ، يا
أرمني ، كلب ، عن الفرس ، ما أقلَّ أدبَك. فحقدها عليه ، فلما مات المستنصر خلعه خوفاً منه علىٰ نفسه ، وبايع المستعلي ، فهرب نزار إلى الاسكندرية ، وبها ناصر
الدّولة « افتكين » ، فبايعه أهل الاسكندرية ، وسمّوه المصطفي لدين الله ، فخطب بالناس ، ولعن الأفضل ، وأعانه أيضاً القاضي جلال الدّولة ابن عمار ، قاضي الاسكندرية ، فسار إليه الأفضل ، وحاصره بالاسكندرية ، وأخذ « افتكين » فقتله ، وتسلّم المستعلي
نزاراً فبنى عليه حائطاً فمات ، وقتل القاضي جلال الدولة ابن عمار ومن أعانه.
وحيث إنّه لم يتم الاتّفاق علىٰ إمامة هؤلاء فقد عقدنا لهم فصلاً مستقلاً.
يقول ابن خلكان : وكانت
ولادة المستعلي ( أحمد بن معد ) لعشر ليال بقين من محرم سنة تسع وستين وأربعمائة ، بالقاهرة وبويع في يوم عيد غدير خم ، وهو الثامن عشر من ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة ، وتوفي بمصر يوم الثلاثاء
______________________
لثلاث
عشرة ليلة بقيت من صفر سنة خمس وتسعين وأربعمائة ، وله من العمر ثمان وعشرون سنة وأيام ، فكانت مدّة ولايته سبع سنين وكسراً ،
وتولّىٰ بعده ولدُه أبو علي المنصور ، الملقب بالآمر ، وله من العمر خمس سنين وشهر وأربعة أيام ، ولم يكن في من تسمىٰ بالخلافة قط أصغر منه ، ومن المستنصر ، وكان المستنصر أكبر من هذا ، ولم يقدر يركب وحده الفرس ، وقام بتدبير دولته الأفضل ابن أمير الجيوش ، أحسن قيام ، إلى أن قتل.
الإمام الثاني
الآمر بأحكام الله
( ٤٩٠ ـ ٥٢٤ هـ )
هو منصور بن أحمد ، ولد
في القاهرة في الثالث عشر من محرم ، وبويع بالخلافة يوم وفاة والده في الثالث عشر من صفر سنة ٤٩٥ هـ ، وكان له من العمر خمس سنوات ، وفي عهده سقطت مدينة « صور » بأيدي الصليبيين ، وذلك بعد سقوط انطاكية وبيت المقدس وقيصارية وعكا وبانياس وطرابلس ، وأكثرها كانت فاطميّة.
من آثاره العمرانية
الجامع الأقمر في القاهرة ، وتجديد قصر القرافة ، وفتح مكتبة دار العلوم للمطالعة والتدريس ، قتله النزاريون انتقاماً لإمامهم نزار ، وكان
في هودج يقوم بالنزهة بين الجزيرة والقاهرة ، وقد حُمل إلى القصر ، ولكنّه لم يلبث
أن
______________________
فارق
الحياة في الرابع عشر من ذي القعدة سنة ٥٢٤ هـ ، وكان عمره ٣٤ عاماً وتسعة أشهر وعشرين يوماً.
قال ابن خلكان : ولما
انقضت أيّامه ، خرج من القاهرة صبيحة يوم الثلاثاء في الثالث من ذي القعدة سنة ٥٢٤ هـ ونزل إلى مصر ، وعدىٰ على الجسر إلى الجزيرة التي قبالة مصر ، فكمُن له قوم بالأسلحة وتواعدوا على قتله في السّكة التي
يمر فيها ، فلمّا مرّ بهم وثبوا عليه فلعبوا عليه بأسيافهم ، وكان قد جاوز الجسر وحده مع عدّة قليلة من غلمانه وبطانته وخاصته وشيعته ، فحُمل في النيل في زورق ولم يمت ، وأُدخل القاهرة وهو حيٌّ ، وجيء به إلى القصر من ليلته ، فمات ولم يعقب ، وهو العاشر من أولاد المهدي عبيد الله القائم بسجلماسة ، إلى أن يقول : وكان ربعة ، شديدَ الأدمة ، جاحظ العينين ، حسن الخط والمعرفة والعقل.
ومع هذا فيصفه بكونه
« قبيح السيرة ، ظلم الناس وأخذ أموالهم وسفك دماءهم ، وارتكب المحذورات واستحسن القبائح المحظورات ، فابتهج الناس بقتله ».
ولا يخفى وجود التضاد
بين الوصفين ، فلو كان حسن المعرفة والعقل لما قبحت سيرته وما أخذ أموالَ الناس ولا أراق دماءهم. والله العالم.
وكان يطمع إلى عرش
العباسيين في العراق ، ولكنَّ الأحداث الداخليّة حالت بينه وبين أُمنيته .
يقول المقريزي : وكانت
نفسه تحدّثه بالسفر والغارة علىٰ بغداد ، ومن شعره في ذلك :
______________________
دع اللوم عني لست
مني بموثق
|
|
فلابدّ لي من صدمة
المتحقق
|
وأسقى جيادي من
فرات ودجلة
|
|
وأجمع شمل الدين
بعد التفرق
|
وقال :
أما والذي حجّت إلى
ركن بيته
|
|
جراثيم ركبان
مقلّدة شهبا
|
لاقتحمن الحرب حتى
يقال لي
|
|
ملكت زمام الحرب
فاعتزل الحربا
|
وينزل روح الله
عيسى ابن مريم
|
|
فيرضى بنا صحباً
ونرضى به صحبا
|
والمهم في تاريخه ، أنّه
قتل الأفضل الذي مَهّدَ الطريقَ لأبيه المستعلي في زمانه ، ويقال أنّه قتل بأشارة أو مؤامرة الآمر بأحكام الله.
يقول المقريزي : وفي
يوم الثلاثاء ، السابع عشر من صفر ، سنة خمس وتسعين ، أحضره الأفضل بن أمير الجيوش ، وبايع له ونصبه مكان أبيه ، ونعته بالآمر بأحكام الله ، وركب الأفضل فرساً ، وجعل في السّرج شيئاً ، وأركبه عليه لينمو شخص الآمر ، وصار ظهره في حجر الأفضل ، فلم يَزلْ تحت حجره حتّى قتل الأفضل ليلة عيد الفطر سنة خمس عشرة وخمسمائة.
وقد مرّ آنفاً قول
ابن خلكان بأنّ الآمر بأحكام الله مات ولم يعقب ، وربَّما يقال أنّ الآمر مات وامرأته حامل بالطّيب ، وربّما يقال بأنّ امرأته ولدت أُنثىٰ
، فلأجل ذلك عهد الآمر بأحكام الله الخلافة إلى الحافظ ، الظافر ، الفائز ، ثمّ إلى العاضد.
وسنتطرق إلى حياة الأئمة
الأربعة الذين لم يكونوا من صُلب الإمام السابق ، بل كانوا من أبناء عمّه ، ولأجل ذلك لا تصح تسميتهم بالأئمة ، وإنّما
______________________
هم
دعاة ، حيث لم يكن في الساحة إمام ، ودخلت الدعوة المستعلية بعد اختفاء الطيِّب بالستر ، وما تزال تنتظر دعوته ، وتوقفت عن السير وراء الركب الإمامي ، واتبعت نظام الدعاة المطلقين.
الإمام الثالث
الحافظ لدين الله
( ٤٦٧ ـ ٥٤٤ هـ )
ولد بعسقلان سنة ٤٦٧
هـ ، عندما مات الآمر ، وتوفي في الخامس من جمادى الأُولى سنة ٥٤٤ هـ ، فدامت دولته عشرين سنة سوى خمسة أشهر ، وعاش سبع وسبعين سنة ، وقام بعده ولده الظاهر.
عبد المجيد الملقب
بالحافظ ، ابن أبي القاسم محمد بن المستنصر ، بويع بالقاهرة يوم مقتل ابن عمّه الآمر ، بولاية العهد وتدبير المملكة ، حتى يظهر الحمل
المخلف عن الآمر ، فغلب عليه أبو علي أحمد بن الأفضل ، في صبيحة يوم مبايعته ، وكان الآمر لمّا قتل الأفضل اعتقل جميع أولاده وفيهم أبو علي المذكور ، فأخرجه الجند من الاعتقال لما قُتل الآمر ، وبايعوه فسار إلى القصر ، وقبض على الحافظ المذكور ، واستقلّ بالأمر وقام به أحسن قيام ، وردّ على المصادرين أموالهم ، وأظهر
مذهب الإماميّة وتمسك بالأئمّة الاثني عشر ، ورفض الحافظ وأهل بيته ، ودعا على المنابر للقائم في آخر الزمان المعروف بالإمام المنتظر علىٰ زعمهم ، وكتب
اسمه على السّكة ، ونهى أن يؤذن ( حي على خير العمل ) وأقام كذلك ، إلى أن وثب عليه
______________________
رجل
من الخاصّة بالبستان الكبير بظاهر القاهرة ، في النصف من المحرم سنة ست وعشرين وخمسمائة فقتله ، وكان ذلك بتدبير الحافظ ، فبادر الأجناد بإخراج الحافظ ، وبايعوه ولقبوه الحافظ ، ودعي له على المنابر.
الإمام الرابع
الظافر بأمر الله
( ٥٢٧ ـ ٥٤٩ هـ )
هو إسماعيل بن عبد
المجيد ولد في القاهرة يوم الأحد منتصف شهر ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وخمسمائة ، واغتيل في منتصف محرم سنة ٥٤٩ هـ ، بويع الظافر يوم مات أبوه ، بوصيّة أبيه ، وكان أصغر أولاد أبيه سناً ، ولي الأمر بعد
أبيه وكان شاباً جميلاً.
وهو الذي انشأ الجامع
المعروف بجامع الفاكهيين ، قتله نصر بن عباس أحد أبناء وزرائه ، وقد ذكر المؤرخون سبب قتله وتفصيله ، فمن أراد فليراجع.
وعاش الظافر ٢٢ سنة.
______________________
الإمام
الخامس
الفائز بنصر الله
( ٥٤٤ ـ ٥٥٥ هـ )
هو عيسى بن إسماعيل
ولد عام ٥٤٤ هـ ، وتسلّم الخلافة وله خمس سنين ، وبقى على سدّة الخلافة ست سنين ، ولَمّا اُغتيل أبوه ، أقامه الوزير عباس مكان والده ، تغطية لِما ارتكبه ابنُه من قتل الإمام الظافر ، فلمّا قدم طلائع بن رزيك
، والي الاشمونين بمجموعة إلى القاهرة ، فرّ عباس ، واستولى طلائع على الوزارة ، وتلقّب بالصالح ، وقام بأمر الدولة ، إلى أن مات الفائز لثلاثة عشرة بقيت من رجب سنة ٥٥٥ هـ عن إحدىٰ عشرة سنة وستة أشهر ويومين ، منها في الخلافة ست سنين وخمسة أشهر وأيام.
الإمام السادس
العاضد لدين الله
( ٥٤٦ ـ ٥٦٧ هـ )
هو عبد الله بن يوسف
ولد عام ٥٤٦ هـ وتوفي عام ٥٦٧ هـ ، وهو عبد الله ابن يوسف بن عبد المجيد بن محمد بن المنتصر ، أقامه طلائع بن رزيك ، بعد الفائز ، ولي المملكة بعد وفاة ابن عمّه الفائز بنصر الله ، وكان العاضد شديدَ التشيّع ، بويع وعمره آنذاك إحدى عشرة سنة ، وقام الصالح بن رزيك ، أخو طلائع بن رزيك ، بتدبير الأُمور ، إلى أن قتل في رمضان سنة ٥٥٦ هـ فقام من بعده
______________________
ابنه
رزيك بن طلائع ، وحسنت سيرته.
يقول المقريزي : فلما
قوى تمكّن الافرنج في القاهرة عام ٥٦٤ هـ ، وجاروا في حكمهم بها ، وركبوا المسلمين بأنواع الإهانة ، فسار مري ملك الافرنج يريد أخذ القاهرة ، ونزل علىٰ مدينة بلبيس وأخذها عنوة ، فكتب العاضد إلى نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام يستصرخه ويحثّه على نجدة الإسلام وإنقاذ المسلمين من الافرنج ، فجهّز أسد الدين شيركوه في عسكر كثير ، وسيّرهم إلى مصر ، فلما اطّلع الافرنج علىٰ قدوم شيركوه ، رحلوا عن القاهرة في السابع من ربيع
الآخر ، ونزل شيركوه بالقاهرة ، فخلع عليه العاضد وأكرمه ، وتقلّد وزارة العاضد وقام بالدولة شهرين وخمسة أيّام ، ومات في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة ، ففوض العاضد الوزارة لصلاح الدين يوسف بن أيوب ، فساس الأُمور ودبّر لنفسه ، فبذل الأموال وأضعف العاضد باستنفاد ما عنده من المال ، فلم يزل أمرُهُ في ازدياد ، وأمر
العاضد في نقصان ، واستبدَّ بالأُمور ومنع العاضد من التصرّف حتىٰ تبيّن
للناس ما يريده من إزالة الدولة ، إلى أن كان من واقعة العبيد ما كان فأبادهم وأفناهم ، ومن حينئذٍ تلاشىٰ العاضد وانحل أمره ولم يبق له سوى إقامة ذكره في الخطبة ،
وتتبع صلاح الدين جُندَ العاضد ، وأخذ دور الأُمراء ، وإقطاعاتهم ، فوهبها لأصحابه ، وبعث إلىٰ أبيه وإخوته وأهله فقدموا من الشام عليه ، وعزل قضاة
مصر الشيعة ، واختفىٰ مذهب الشيعة إلىٰ أن نسي من مصر ، وقد زاد المضايقات
على العاضد وأهل بيته ، حتى مرض ومات ، وعمره إحدىٰ وعشرون سنة إلّا عشرة أيّام
، وكان كريماً ليّن الجانب مرّت به مخاوف وشدائد ، وهو آخر الخلفاء الفاطميين بمصر ، وكانت مدّتهم بالمغرب ، ومصر ، منذ قام عبيد الله المهدي إلى أن مات العاضد ٢٧٢ سنة ، منها بالقاهرة ٢٠٨ سنين فسبحان الباقي.
______________________
جناية التاريخ على الفاطميين
إنّ لكلّ دولة أجلاً
مسمّى ، كما أنّ لطلوعها ونشوئها عللاً ، كذلك لزوالها وإبادتها أسباباً سنّة الله سبحانه الذي قد كتب على كلّ أُمّة أمرَ زوالها وفنائها
قال سبحانه : ﴿ كُلُّ
مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾
وقال سبحانه : ﴿ وَمَا
جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾.
لا شكّ أنّ كلَّ دولة
يرأسها غيرُ معصوم لا تخلو من أخطاء وهفوات ، بل من جرائم وآثام ، وربّما تنتابها بين آونة وأُخرى حوادث وفتن ، تضعضع كيانها وتشرفها على الانهيار.
ومع ذلك فالدولة
الفاطميّة غير مستثناة عن هذا الخط السائد ، فقد كانت لديهم زلّات وعثرات ومآثم وجرائم كسائر الدول.
إلّا أنّهم قاموا
بأعمال ومشاريع كبيرة لا تقوم بها إلّا الدولة المؤمنة بالله سبحانه وشريعته ، كالجامع الأزهر ، ـ الذي ظل عبر الدهور يُنير الدرب لأكثر من ألف سنة ـ ، كما أنّهم أنشأوا جوامع كبيرة ، ومدارس عظيمة مذكورة في تاريخهم ، وبذلك رفعوا الثقافة الإسلامية إلى مرتبة عالية ، وتلك الأعمال جعلت لهم في قلوب الناس مكانة عالية.
وممّا يدلّ على أنّ
حكمهم لم يكن حكماً استبدادياً ، ولم تكن سيرتهم على سفك الدماء ، أنّ البعضَ منهم تسلموا الخلافة وهم بين خمس سنين إلى عشر سنين ، فلو كانت حكومتهم حكومة ظالمة ومالكة للرقاب بالتعسف والظلم ، لانهار ملكهم منذ أوائل خلافتهم ، ولم يدم ثلاثة قرون ، وسط عدوّين شرسين ، الخلافة العباسيّة من جانب ، والافرنج من جانب آخر.
غير أنّا نرى أنّ
أكثر المؤرّخين يصوّرونهم كالفراعنة ، وأنّهم فراعنة الأعصار
______________________
الإسلامية
، كالقبطيين الذي كانوا فراعنة أعصارهم ، لا لم يكونوا بهذه المثابة ، كما لم يكونوا نزيهين عن الآثام ، خلطوا المحاسن بالمساوئ ، شأن كلّ ملك يحكم ، وإن كانت محاسنهم أكثر من مساوئهم ، فأظن أنّ ما كتبته أقلام السير والتاريخ كلّها حدسيّات وتخمينات أخذوها من رماة القول على عواهنه ، فيجب على القارئ دراسة سيرة الفاطميين من رأس وأخذها من معين صاف غير مشوب بالعداء.
والذي يدل على ذلك
أنّ الفقيه عمارة اليمني كتب إلى صلاح الدين قصيدة متضمنة شرح حاله وضرورته وسماها « شكاية المتظلم ونكاية المتألم » وهي بديعة ورثى أصحاب القصر عند زوال ملكهم ، بقصيدة لاميّة أجاد فيها.
وعلى كلّ تقدير ، فبعد
وفاة الطيّب بن الآمر وخلافة الأئمّة الأربعة المتأخرة ، الحافظ ، الظافر ، الفائز ثمّ العاضد ، دخلت الدعوة المستعلية بالستر وتوقفت عن السير وراء الركب الإمامي واتبعت نظام الدعاة مكان الأئمّة.
إلى هنا تم بيان أئمة
المستعلية ، التي افترقت بعد المستنصر بالله ، وصارت فرقة عظيمة معروفة بالبهرة ، ولهم اليوم في الهند نشاطات ، ومدارس ودعايات ، وهم يمسكون بكتبهم عن الغير ويبخلون بها.
إنّ الإسماعيلية
المستعلية انقسمت سنة ٩٩٩ هـ إلىٰ فرقتين : داودية ، وسليمانية ، وذلك بعد وفاة الداعي المطلق ، داود بن عجب شاه ، انتخبت مستعلية كجرات داود بن قطب شاه خلفاً له ، ولكن اليمانيين عارضوا ذلك وانتخبوا داعياً آخراً ، يدعىٰ سليمان بن الحسن ، ويقولون : إنّ داود قد أوصىٰ له
بموجب وثيقة ما تزال محفوظة.
إنّ الداعي المطلق ، للفرقة
الإسماعيلية المستعلية الداودية اليوم ، هو طاهر سيف الدين ، ويقيم في بومباي ـ الهند ـ أمّا الداعي المطلق للفرقة المستعلية السليمانية ، فهو علي بن الحسين ، ويقيم في مقاطعة نجران بالحجاز.
______________________


قد عرفت أنّ الإسماعيلية
افترقت فرقتين ، بين مستعلية تأتم بعد المستنصر بالله ، بأحمد المستعلي ، ثمّ الآمر بأحكام الله ؛ ونزارية تقول : بإمامة نزار بن
معد بعد المستنصر ، ولا تأتم بالمستعلي أبداً ، وقد تعرّفت علىٰ أئمّة المستعلية ، وهذا
بيان لأئمّة النزارية المشتركة بين الفرقتين « المؤمنية » و « الآغاخانية » ، فإنّ
الفرقتين تتفقان على إمامة الأئمة الخمسة التالية :
١. المصطفى بالله نزار
بن معد المستنصر.
٢. الإمام جلال الدين
حسن بن أعلى محمد.
٣. الإمام علاء الدين
بن الإمام جلال الدين.
٤. الإمام ركن الدين
خورشاه بن الإمام علاء الدين.
٥. الإمام شمس الدين
بن ركن الدين.
وقد اتّفقت الفرقتان
على إمامة الأئمّة الخمسة في مسلسل أئمّتهما ، واختلفتا في غيرهم ، فإليك قائمة بأسماء أئمّة النزارية المؤمنية أوّلاً ، ثمّ
قائمة بأسماء أئمّة النزارية « الآغاخانية » أو « القاسمية » ثانياً ، وترى أسماء الأئمّة
المتفق عليهم في كلتا القائمتين.
* * *
قائمة الأئمّة النزارية المؤمنية
:
١.
نزار بن معد.
٢.
حسن بن نزار.
٣.
محمد بن الحسن.
٤.
حسن بن محمد « جلال الدين ».
٥.
محمد بن الحسن « علاء الدين ».
٦.
محمود بن محمد « ركن الدين ».
٧.
محمد بن محمود « شمس الدين ».
٨.
مؤمن بن محمد.
٩.
محمد بن مؤمن.
١٠.
رضي الدين بن محمد.
١١.
طاهر بن رضي الدين.
|
|
١٢.
رضي الدين الثاني بن طاهر.
١٣.
طاهر بن رضي الدين الثاني.
١٤.
حيدر بن طاهر.
١٥.
صدر الدين بن حيدر.
١٦.
معين الدين بن صدر الدين.
١٧.
عطية الله بن معين الدين.
١٨.
عزيز بن عطية الله.
١٩.
معين الدين الثاني بن عزيز.
٢٠.
محمد بن معين الدين الثاني.
٢١.
حيدر بن محمد.
٢٢.
محمد بن حيدر ( الأمير الباقر ).
|
ولد هذا الإمام الأخير
في أورنك آباد عام ١١٧٩ هـ ، لقبه محمد الباقر ( وتوفي سنة ١٢١٠ هـ ) ، كلّ ما عرف عنه حتى الآن ، هو أنّه آخر إمام من أسرة مؤمن ، يحتفظ الإسماعيليون في سوريا بفرمان مرسل منه ، من بلدة أورنك آباد بالهند ، إلى الإسماعيليين في سوريا ، وفي عهده توقف الفرع المؤمني النزاري عن الركب الإمامي ، ولم يبق بين فرق الإسماعيليين سوى القاسمية ـ الآغاخانية ـ سائرة على المنهج دون توقف.
______________________
قائمة الأئمّة النزارية
القاسمية ـ الآغاخانية :
١.
نزار بن معد.
٢.
هادي.
٣.
مهتدي.
٤.
قاهر .
٥.
حسن على ذكره السلام.
٦.
أعلىٰ محمد.
٧.
جلال الدين حسن.
٨.
علاء الدين محمد.
٩.
ركن الدين خورشاه.
١٠.
شمس الدين محمد.
١١.
قاسم شاه.
١٢.
اسلام شاه.
١٣.
محمد بن اسلام.
١٤.
المستنصر بالله الثاني.
١٥.
عبد السلام.
١٦.
غريب ميرزا.
|
|
١٧.
أبو الذر علي .
١٨.
مراد ميرزا .
١٩.
ذو الفقار علي.
٢٠.
نور الدين علي.
٢١.
خليل الله علي.
٢٢.
نزار علي.
٢٣.
السيد علي.
٢٤.
حسن علي.
٢٥.
قاسم علي.
٢٦.
أبو الحسن علي.
٢٧.
خليل الله علي.
٢٨.
حسن علي.
٢٩.
علي شاه.
٣٠.
سلطان محمد شاه
٣١.
كريم خان.
|
فعدد الأئمّة عند
النزارية المؤمنية بعد المستنصر يبلغ ٢٢ إماماً ، وعند الآغاخانية يبلغ ٣١ إماماً.
______________________
إنّ الاختلاف بدأ
يدبُ بعد الإمام نزار ابن المستنصر ، ففي الشجرة المؤمنية نرىٰ إمامين بعد نزار ، هما : حسن ، ومحمد ، ثمّ حسن جلال الدين ، وفي
الشجرة القاسميّة نرىٰ خمسة أئمّة بعد نزار ، هم : هادي ، ومهتدي ، وقاهر ، وحسن
على ذكره السلام ، وأعلىٰ محمد ، ثم يأتي جلال الدين حسن ، هذا ويلاحظ أنّه بعد هذا الالتقاء عند حسن جلال الدين ، تعود الشجرتان إلى السير جنباً إلى جنب حتى محمد شمس الدّين ، فبعد وفاة هذا الأخير ظهر اختلاف من نوع جديد ، فالمعلوم أنّه كان للإمام محمد شمس الدين ثلاثة أولاد ، هم : مؤمن شاه ، وقاسم شاه ، وكياشاه.
فالمؤمنيّة اعترفت
بإمامة مؤمن شاه ، وسارت وراءه ، ووراء ولده من بعده حتى آخرهم أمير محمد باقر سنة ١٢١٠ هـ ، والقاسميّة سارت وراء قاسم شاه ، وولده الذين هم أسرة آغا خان.
ثمّ إنّ بسط الكلام
في ترجمة هؤلاء الأئمّة يحوجنا إلى تأليف كتاب مفرد ، ولنقتصر علىٰ ترجمة الأئمّة الذين حكموا قلعة آلموت من قلاع قزوين ، التي
دمّرها هولاكو سنة ٦٥٤ هـ. وكان آخر الأئمّة في تلك القلاع الإمام ركن الدين ، الذي ولد عام ٦٢٥ هـ وأُسّر بيد جيوش التتر ، وقتل سنة ٦٥٤ هـ عند ما كانت الجيوش التترية تعبر نهر جيحون لتسليم الإمام والأسرىٰ إلى هولاكو.
وأمّا الباقي فسنترك
ذكر سيرتهم ، ومن أراد المزيد فليرجع إلى المصادر التالية :
١. الإمامة في الإسلام
تأليف عارف تامر ، ٢. تاريخ الدعوة الإسماعيلية لمصطفى غالب.
______________________
الإمام
الأوّل
المصطفى بالله
نزار بن معد المستنصر
( ٤٣٧ ـ ٤٩٠ هـ )
قد تعرفت على أنّ المستنصر
عهد بالولاية لابنه نزار إلّا أنّ الأفضل رئيس الوزراء ، سعى لخلعه ، وبايع أخاه الأصغر أحمد المستعلي ، وقد ذكرنا سبب هذا الخلاف ، فغادر الإمام نزار القاهرة بصحبة عدّة من رجال دعوته ، ونزل الاسكندرية بدعوة من حاكمها ، فسار إليه الأفضل علىٰ رأس جيش وحاصر الاسكندرية ، وعندما اشتدَّ الحصار عليها غادرها الإمام نزار مع أهل بيته متخفّياً بزي التجار ، نحو « سجلماسة » حيث مكث عند عمّته هناك بضعة أشهر ، حتى عادت إليه الرسل التي أوفدها لإبلاغ الحسن بن الصباح عن محل إقامته ، فسار إلى جبال الطالقان مع أهل بيته ومن بقي معه من دعاته وخدمه ، حيث استقر بقلعة « آلموت » بين رجال دعوته المخلصين ، وعمل مع الحسن بن الصباح علىٰ تأسيس الدولة النزارية ، وبعد أن تمّ له ذلك أصابه مرض شديدٌ استدعى علىٰ أثره دعاته ونص على إمامة ابنه ( علي ) وذلك سنة ٤٩٠ هـ ، وتوفي في
اليوم الثاني ودفن في قلعة الموت.
هذا ما يذكره ذلك المؤرخ
، ولكنَّ غيره من المؤرخين يذكرون شيئاً آخر ، وهو أنّ الأفضل لحق به ونشبت بينهم معارك ضارية انتهت بمقتل نزار ، وقد انتقم
______________________
النزاريون
بمقتله فيما بعد بأن قتلوا الخليفة الفاطمي الآمر بن المستعلي ، ورئيس الوزراء الأفضل نفسه. وعلىٰ كلّ تقدير فقد توفي عام ٤٩٠ هـ إمّا في
الاسكندرية مقتولاً ، أو في قلعة آلموت.
وتجدر الإشارة إلى
أنّ الحسن بن الصباح شيخ الجبل ( ٤٢٨ ـ ٥١٨ هـ ) هو المؤسس الواقعي للإمامة النزارية ، ولولا بيعته لابن المستنصر لما كان للنزارية دولة.
إنّ ابن الصباح قصد
المستنصر بالله في زياراته واجتمع به ، وخاطبه في إقامة الدعوة له فأجاب الدعوة له في بلاد العجم ، فعاد ودعا الناس إليه سراً ، ثمّ
أظهرها وملك قلاع آلموت.
يقول الجزري : وكان
الحسن بن الصباح رجلاً شهماً ، كافياً ، عالماً بالهندسة ، والحساب ، والنجوم والسحر وغير ذلك ؛ وكان رئيس الري إنسان يقال له أبو مسلم ، وهو صهر نظام الملك ، فاتهم الحسن بن الصباح بدخول جماعة من دعاة المصريين عليه ، فخافه ابن الصباح ، وكان نظام الملك يكرمه ، وقال له يوماً من طريق الفراسة : عن قريب يضل هذا الرجل ضعفاء العوام ، فلمّا هرب الحسن من أبي مسلم طلبه فلم يدركه ، فطاف البلاد ، ووصل إلى مصر ودخل على المستنصر صاحبها فأكرمه وأعطاه مالاً ، وأمره أن يدعو الناس إلى إمامته ، فقال له الحسن : فمن الإمام بعدك ؟ فأشار إلى ابنه نزار ، وعاد من مصر إلى موطنه ، فلمّا رأى قلعة آلموت واختبر أهل تلك النواحي ، أقام عندهم وطمع في إغوائهم ودعاهم في السر ، وأظهر الزهد ، ولبس المسح ، فتبعه أكثرهم ، والعلوي صاحب القلعة حسن الظن فيه ، يجلس إليه يتبرك به.
فلمّا أحكم الحسن
أمره ، دخل يوماً على العلوي بالقلعة ، فقال له ابن الصباح : اخرج من هذه القلعة ، فتبسم العلوي وظنّه يمزح ، فأمر ابن الصباح
______________________
بعض
أصحابه بإخراج العلوي ، فأخرجوه إلى دامغان وأعطاه ماله وملك القلعة.
ولما بلغ الخبر إلى
نظام الملك بعث عسكراً إلى قلعة آلموت ، فحصروه فيها ، وأخذوا عليه الطرق ، فضاق ذرعه بالحصر ، فأرسل من قتل نظام الملك ، فلمّا قتل رجع العسكر عنها.
وقال الذهبي : الحسن
بن الصباح الملقب بالكيا صاحب الدعوة النزارية وجدّ أصحاب قلعة آلموت.
كان من كبار الزنادقة
ومن دهاة العالم ، وله أخبار يطول شرحها ، إلى أن قال : وأصله من مرو ، وقد أكثر التطواف ما بين مصر إلى بلد كاشغر ، يغوي الخلق ويضل الجهلة ، إلى أن صار منه ما صار ، وكان قوي المشاركة في الفلسفة والهندسة وكثير المكر والحيل ، بعيد الغور.
قال أبو حامد الغزالي
: شاهدت قصة الحسن بن الصباح لما تزهد تحت حصون آلموت ، فكان أهل الحصن يتمنّون صعوده إليهم ويمتنع ، ويقول : أما ترون المنكر كيف فشا وفسد الناس ؟ فتبعه خلق ، ثمّ خرج أمير الحصن يتصيد فنهض أصحابه وملكوا الحصن ، ثمّ كثرت قلاعهم.
واستعرض حسن الأمين
في « دائرة المعارف الشيعية » تاريخ الإسماعيلية ، والانشقاق الذي طرأ على الخلافة الفاطمية بعد وفاة الخليفة الفاطمي المستنصر ، وانقسامها إلى فرقتين هي : المستعلية والنزارية وموقف الحسن بن الصباح منهما ، حيث قال :
وكان الحسن بن الصباح
من أشد الناس إنكاراً لخلافة أحمد المستعلي وأكثرهم تحمسّاً لنزار. ويضيف قائلاً :
______________________
وثمة من يقول من
النزاريين إنّ الحسن بن الصباح كان في مصر حين وقوع الخلاف على ولاية العهد ، فلم يقر ما جرى ، وكان ممّن يرون أنّ المستنصر كان مكرهاً على تولية ولده أحمد ، وأنّ الأمر هو لنزار لا لأحمد ، ففر الحسن بن الصباح
من مصر داعياً لنزار ، ثمّ أرسل بعض فدائييه ، فأحضروا ابناً لنزار إلى قلعة آلموت.
وفي قول آخر : إنّه
لم يخرج من مصر حتى أخرج معه ابناً لنزار ، واسمه في سلسلة الأئمة النزاريين علي ولقبه الهادي ، فأخفاه الحسن وستره.
ومهما يكن من أمر فقد
أصبح الحسن بن الصباح الرجل الأوّل والموجه الفعلي للدعوة النزارية.
وبعد ذلك استعرض حسن
الأمين الانحراف الخطير الذي طرأ على الدعوة النزارية وتخلّيها عن الإسلام كعقيدة وعمل ، حيث قال :
توفي الحسن بن الصباح
سنة ٥١٨ هـ فخلفه من خلفه في قيادة الدعوة النزارية دون أن يعلن هو أو غيره ممّن خلفه عن عقيدة جديدة ، حتى انتهى الأمر إلى الحسن الثاني بن محمد بن بزرك أُميد سنة ٥٥٨ هـ ، فإذا به يعلن التخلّي عن الإسلام كعقيدة وعمل والأخذ بمفهوم جديد للدين يتعارض كل التعارض مع مفهوم الإسلام له.
ويصف المؤرخ علاء
الدين عطاء الملك الجويني ( م ٦٥٨ هـ ) هذا الأمر وتفاصيله ويوم حدوثه ، ثمّ يقول :
فأعلن ـ أي الحسن
الثاني ـ أنّ رسالة قد جاءته من الإمام المستتر مع دليل جديد.
ثمّ قال : « إنّ إمام
وقتنا قد بعث إليكم صلواته ورحمته ودعاكم عباده المختارين ، ولقد أعفاكم من أعباء تكاليف الشريعة وآل بكم إلى البعث.
ثمّ يقول الجويني : وأكد
حسن بالتصريح بأنّه كما في عصر الشريعة إذا لم
يطع
إنسان ولم يعبد بل تبع حكم القيامة بحجة أنّ الطاعة والعبادة هما أمران روحيان كان ينكل به ويرجم ويقتل ، كذلك الآن في عصر القيامة إذا تقيد إنسان بحرفية الشريعة وواظب على العبادة الجسدية والشعائر فانّ ذلك تعصب ينكل به ويرجم ويقتل من أجله.
ثمّ أكمل حسن كلامه
قائلاً : لقد أُعفي الناس من تكاليف الشريعة ، لأنّ عليهم في فترة القيامة هذه أن يتوجّهوا بكلّ جوارحهم نحو الله ، ويهجروا كل الشعائر الدينية وجميع العبادات القائمة. فقد وضع في الشريعة بأنّ على الناس عبادة الله خمس مرات في اليوم وأن يكونوا معه. وهذا التكليف كان ظاهرياً فقط. ولكن الآن في أيام القيامة عليهم أن يكونوا دائماً مع الله في قلوبهم ، وأن يبقوا نفوسهم متوجهة دائماً نحو الحضرة الإلهية ، فإنّها الصلاة الحقيقية. انتهى.
وقد أثّر كلامه في
الجموع المحتشدة تحت منبره يقول المؤرخ الجويني :
وفي ذلك اليوم الذي
اقترفت فيه هذه القبائح وأُفشيت فيه تلك المساوئ في « مأمون آباد » عش الكفر ، لعب الجميع على الجنك والرباب ، وشربوا الخمر بشكل مكشوف على نفس درجات ذلك المنبر وفي مكان جلوس الخطيب.
نعم كان بين المؤمنين
بالمذهب من أنكر عليهم ذلك ، فنرى أنّ يوم الأحد السادس من ربيع الأوّل سنة ٥٦١ هـ قام شقيق زوجة الحسن بطعنه في قلعة ( لمسر ) فمضى المفتري من هذه الدنيا إلى نار الله الموقدة ، ولكن الانحراف لم
ينته باغتيال أصله ، بل بقي مستمراً على عهد خليفته ابنه « علاء محمد » الذي تولّى بعد أبيه وهو في التاسعة عشرة من عمره وتوفي سنة ٦٠٧ هـ ، كما كانت المعارضة الشديدة مستمرة ، وإذا كان قد تزعمها في عهد حسن ، شقيق زوجته ، فقد تزعمها الآن حفيد حسن وسميّه جلال الدين حسن ، إذ كان على خلاف أبيه وجدّه في العقيدة متشدداً في خلافه لهما كلّ التشدد.
وقام بإصلاحات كبيرة
، فقد اتصل بحكام الأقطار الإسلامية يعلنهم
العودة
إلى الإسلام ليوثق الصلات بهم وبجمهور المسلمين بعد الذي شاع عن انحراف جدّه وما أعلنه من خروج على الشريعة ، فراسل الخليفة في بغداد « الناصر لدين الله » وغيره من الملوك والأُمراء ، كما أرسل والدته وزوجته إلى الحجّ وأمر
ببناء المساجد وقرّب إليه الفقهاء والقرّاء.
ومن البديهي أن لا
يكون « جلال الدين حسن » قد استطاع استئصال جذور الانحراف ، وأن يظل للانحراف أتباعه الآخذون به شأن جميع الدعوات في كلّ زمان ومكان.
على أنّ أمر دولة هؤلاء
النزاريين لم يطل كثيراً بعد جلال الدين ، فقد انتهى ملكهم على يد هولاكو سنة ٦٥٤ هـ ، لكن مَن أخذوا بأقوال الحسن الثاني بن محمد وانحرافه لم ينتهوا ، بل ظل للدعوة من يحملها من جيل إلى جيل حتى هذا الجيل وهم اليوم أتباع آغا خان وظلوا هم وحدهم منفردين باسم الإسماعيليين بعد أن تبرأ من هذا الاسم أصحابه الحقيقيين وتسمّوا باسم البهرة.
______________________
الإمام
الثاني
علي الهادي بن الإمام
نزار
( ٤٧٠ ـ ٥٣٠ هـ )
ولد الإمام علي
الهادي بن الإمام نزار سنة ٤٧٠ هـ وارتحل مع والده الإمام نزار إلىٰ قلعة آلموت ، ولما توفي أبوه عام ٤٩٠ هـ أصبح إماماً للإسماعيليّة
ولم يتجاوز عمره عن عشرين سنة.
وقد انتشر المذهب الإسماعيلي
في عهده علىٰ يد داعيته الحسن بن الصباح ، شيخ الجبل ، المعروف بالمقدرة والبطش.
عمد الإمام إلى تأليف
جيش قويّ من الإسماعيليّة ، قسّمه إلى فرقتين ، الفرقة الأُولى أسماها ( الفدائية ) ، وهي المكلّفة ببذل التضحيات السريعة المستعجلة ، وتنفيذ الأوامر السرية الهامة ، ولقد تدرّب أفراد تلك الفرقة أعظم تدريب على استعمال كافة أنواع الأسلحة ، وعلى الفروسية ، كما لُقّنوا مختلف العلوم الفلسفية
، وأتقنوا أغلب لُغات أهالي تلك البلاد. أمّا الفرقة الثانية سميت بـ ( الرفقاء )
وهم المكلَّفون بنشر الدعوة الإسماعيليّة بأُسلوبهم الخاص في مختلف الأقطار والأقاليم
، وهم المدافعون عن مذهبهم بالعلم والفلسفة ، وعلى الغالب كانوا يتولون الوظائف الإدارية في البلاد التي يوفدون إليها لنشر الدعوة.
وفي سنة ٥٣٠ هجرية
توفي الإمام علي الهادي ، بعد أن مكث في الإمامة أربعين عاماً ، ودفن في قلعة « لامستر » بعد أنْ نصَّ علىٰ إمامة ولده محمد المهتدي.
______________________
الإمام
الثالث
محمد المهتدي بن الإمام
علي
( ٥٠٠ ـ ٥٥٢ هـ )
ولد الإمام محمد بن
علي بن الإمام نزار الملقب بالمهتدي سنة ٥٠٠ هـ في قلعة « لامستر » ، وأصبح إماماً للإسماعيلية بعد وفاة أبيه الإمام علي الهادي سنة ٥٣٠ هـ.
كان أوّل عمل قام به
أن نقل مقرّه إلىٰ قلعة آلموت ، ووجه إهتمامه لبعث الجيش الإسماعيلي ( الفدائية ) من جديد ، وتدريبه تدريباً كاملاً ليستطيع الدفاع عن القلاع والحصون الإسماعيلية.
وقد وجه عنايته أيضاً
لتنظيم الدعاة ، وتلقينهم أُصول العقائد الإسماعيلية ، وتدريبهم على المباحثة والمناقشة في الفلسفة ، والفقه الإسلامي والعقائد الإسلامية ، كما أوجد بينهم نظام الشيفرة ليستعملوه في اتصالاتهم الداخلية والخارجية فاستعملوا الأعداد للدلالة على الأحرف الأبجدية ، وتعرضت الإسماعيليّة أيضاً لكثير من الهجمات الداخلية والغزوات الخارجيّة.
وفي سنة ٥٥٢ هـ توفي
الإمام المهتدي ودفن في قلعة آلموت بعد أن نصَّ علىٰ إمامة ولده حسن.
______________________
الإمام
الرابع
القاهر بقوة الله
حسن بن محمد بن علي بن نزار
( ٥٢٠ ـ ٥٥٧ هـ )
ولد سنة ٥٢٠ هـ في
قلعة آلموت ، وأصبح بعد وفاة أبيه ٥٥٢ هـ إماماً بموجب النص ، وكان عمره آنذاك ٢٨ سنة ، وعين الداعي محمد كيا بزرك آميد نائباً عنه وكبيراً لدعاته.
عمل الداعي بكل إخلاص
ووزع الدعاة الأكفاء علىٰ جميع المناطق ، ووجّه عناية خاصة للفرقة الفدائية ، التي كانت تحتل المكان الأوّل في الجيش الإسماعيلي ،
وأنشأ مدرسة خاصّةً لتثقيف الفدائية وتدريبهم التدريب الكامل على استعمال الأسلحة ، وتلقينهم أغلب اللغات المستعملة في ذلك الوقت.
توفي سنة ٥٥٧ هـ ودفن
في قلعة آلموت بعد أن نصَّ علىٰ إمامة ولده الحسن علي.
______________________
الإمام
الخامس
الإمام الحسن علي بن
الإمام حسن القاهر
( ٥٣٩ ـ ٥٦١ هـ )
ولد الإمام حسن علي
بن الحسن بن محمد بن علي بن نزار سنة ٥٣٩ هـ ، في قلعة آلموت ، وتولّى الإمامة بعد وفاة أبيه سنة ٥٥٧ هـ.
وقام بتنظيم الدعوة الإسماعيليّة
فوزّع الدعاة الأكفّاء على الأقاليم الخاضعة للنفوذ الإسماعيلي.
توفي في السادس من
ربيع الأوّل سنة ٥٦١ ودفن في قلعة آلموت.
الإمام السادس
الإمام أعلىٰ
محمد بن الإمام الحسن علي
( ٥٥٣ ـ ٦٠٧ هـ )
ولد الإمام أعلى محمد
سنة ٥٥٣ هـ في قلعة آلموت ، وتولّىٰ الإمامة بعد وفاة أبيه سنة ٥٦١ هـ ، وهو في الثامنة من عمره.
ووجّه عناية خاصّة (
للمناظرات العلمية ) فخصّص يوماً واحداً من كلّ أُسبوع لإجراء المناظرات الفلسفية ، والفقهية بين الدعاة ، يحضرها بنفسه ليحكم بين المتناظرين فيعلّيهم ويرقّيهم في مراتب الدعوة ، حسب ما يظهروه من كفاءة
______________________
علميّة
، وهذا ما ساعد الدعاة علىٰ تفهّم أُصول المذهب الإسماعيلي.
توفي الإمام أعلى
محمد سنة ٦٠٧ هـ ودفن في قلعة آلموت بعد أن نصَّ على ولاية ابنه جلال الدين ، واستمرت إمامته ٤٦ سنة.
الإمام السابع
الإمام جلال الدين
حسن بن أعلىٰ محمد
( ٥٨٢ ـ ٦١٨ هـ )
ولد الإمام حسن بن
أعلىٰ ، الملقب بجلال الدين سنة ٥٨٢ هـ في قلعة آلموت ، وأصبح إماماً بعد وفاة أبيه سنة ٦٠٧ هـ.
عمل على توثيق عُرى
الصداقة بين الإسماعيلية والعالم الإسلامي ، ولهذا لقّبوه بـ « المسلم الجديد » كما أنّ علاقاته بالعباسيين زادت وثوقاً ، وخاصّةً مع
الخليفة الناصر لدين الله.
تنقل كثيراً في سوريا
والعراق وآذربيجان ، وأدّىٰ فريضة الحج مع عائلته مرتين ، تحالف مع جلال الدين خوارزمشاه ، عندما غزا چنگيزخان إيران ، وذلك انقاذً لمعاقله ولأتباعه. قتل بمؤامرة من النساء بالسُم سنة ٦١٨ هـ ، وخلّف ولداً هو محمد بن الحسن « علاء الدين ».
______________________
الإمام
الثامن
علاء الدين محمد بن
الحسن
( ٦٠٨ ـ ٦٥٣ هـ )
ولد الإمام علاء
الدين محمد بن الإمام جلال الدين سنة ٦٠٨ هـ في قلعة آلموت ، وجلس علىٰ أريكة الإمامة الإسماعيليّة سنة ٦١٨ هـ ، وهو في العاشرة
من عمره ، ودامت إمامته ٣٥ عاماً.
ومن العجب أنّ المؤرّخ
المعاصر مصطفى غالب ذكر سقوط مدينة بغداد في عصر هذا الإمام مع أنّ سقوط بغداد تم بعد تدمير قلاع الإسماعيليّة ، لأنّ مسير التتر كان من قزوين ثمّ همدان ثمّ بغداد.
وتوفي عام ٦٥٣ هـ ودفن
في آلموت.
الإمام التاسع
ركن الدين خورشاه بن
الإمام علاء الدين
( ٦٢٩ ـ ٦٥٤ هـ )
ولد الإمام ركن الدين
خورشاه بن الإمام علاء الدين محمد سنة ٦٢٩ هـ في قلعة آلموت ، وأصبح إماماً بعد وفاة أبيه سنة ٦٥٣ هـ ، وأرسل هولاكو التتري جيشاً بقيادة بوكيان التتري لأطراف كوهستان لمحاربة الأمير ناصر الدين أمير
______________________
تلك
المقاطعة الذي كان يقيم في قلعة ( سرخوست ).
وأرسل جيشاً آخر
لحصار بقية القلاع الإسماعيليّة ، ولقد استمر ذلك الحصار مدّة ستة أشهر ، نفدت بعدها مؤونة الإسماعيليين ، ففتحوا أبواب قلاعهم واشتبكوا مع التتر في معارك قويّة طاحنة ، قتل فيها اثنا عشر ألف إسماعيلي وثلاثون ألف تتري ، واحتلت الجيوش الغازية جميع القلاع الإسماعيليّة ودمّرتها عن بكره أبيها فجعلتها قاعاً صفصفاً ، وأُلقي القبض على الإمام ركن الدين خورشاه مع ولده الأصغر مظفر الدين ، وابن أخيه سيف الدين ، وبعض دعاته ، وأخذوهم إلى الخليفة في بغداد.
وفي طريق العودة
بينما كانت الجيوش التترية تعبر نهر ( جيحون ) توفي الإمام ركن الدين خورشاه وكانت وفاته سنة ٦٥٤ هـ ، ودفن على ضفة ذلك النهر اليمني.
أمّا بقية الأسرىٰ
فسلّموا لهولاكو الذي أمر بإعدامهم جميعاً ، والتمثيل بجثثهم ، ولم تستمر إمامة ركن الدين سوى عاماً واحداً ، قضاه في الحروب والحصار ، وبانتهاء عهده ودّعت الأئمة الإسماعيلية بلاد آلموت لتستقر في آذربيجان بعد أن دام حكمهم فيها ما يقارب ٢١٤ عام.
* * *
إلىٰ هنا وقفت
علىٰ أئمّة النزارية ، من الإسماعيليّة وأمّا غيرهم من الأئمّة الباقية الذين تسلموا مسند الإمامة بعد تدمير قلاع آلموت فيحتاج إلى تأليف مفرد.
إنّ الكتب الإسماعيليّة
التاريخية المخطوطة والمصادر الصوريّة القديمة ، منذ عام ٧١٠ هـ حتى سنة ١٢١٠ هـ جاءت حافلة بذكر أُسرة مؤمن شاه وحدها ،
______________________
وبعد
سنة ١٢١٠ هـ انطفأ وخبا كلُّ نشاط علمىٍّ من جانب هذه الفرقة ( المؤمنية ) وقامت الأُسرة الثانية ( القاسميّة ) تحتل مركزها وتبرز على مسرح الإسماعيلية النزارية وبما أنّ الأُسرة الآغاخانية تزعّمت الإسماعيلية النزارية ما يربو عن القرنين ، فلذلك خصصنا الفصل التالي لبيان حياة تلك الأُسرة.
إنّ الفرقة الإسماعيلية
النزارية المؤمنية تقطن في عهدنا الحاضر في بلدتي « القدموس » و « مصياف » السوريتين وفي بعض قرىٰ سلمية وفي سلمية نفسها ، وأمّا الفرقة القاسمية النزارية الآغاخانية فتقطن في سلمية ، وما يتبعها من القرىٰ
، وفي نهر الخوابي قرب طرطوس ، كما تقطن في إيران ، والهند ، وباكستان ، وبورما ، والصين ، وإفريقية الشرقية ، والكونغو ومدغشقر و زنجبار وغيرها.
______________________


قد عرفت أنّ
النزاريّة انقسمت إلىٰ طائفتين : « مؤمنيّة » و « قاسمية » ويطلق على « القاسمية » في الآونة الأخيرة « الآغاخانية » واشتهروا في هذه الأعصار
باللقب الأخير وأئمة هذه الأُسرة هم :
١. حسن علي شاه.
٢. علي شاه.
٣. سلطان محمد شاه.
٤. كريم خان.
١. حسن علي شاه :
( ١٢١٩ ـ ١٢٩٨ هـ )
ولد في بلدة محلّات
سنة ١٢١٩ هـ وهو أوّل من لُقّب بـ « آغا خان » كان معاصراً للشاه « محمد القاجاري » وفي عهده قُتل الشاه القاجاري وجلس مكانه فتح علي شاه ، وقد عامل الإسماعيليين معاملة طيبة ، وزوّج حسن علي شاه من كريمته ، ولكنَّ حياته لم تطل فمات ، واستلم مكانه « علي محمد شاه ».
فلاحظ أنّ مركز الإمام
حسن علي شاه قد أصبح قويّاً وخطيراً ، فاعتبره خطراً علىٰ شؤون المملكة ، وأمر بإبعاده عن إيران ، فذهب إلى السند ، واستقر
بين أتباعه الكثيرين في كراتشي يُنظّم أُمورهم ويصلح أحوالهم ، ويقرّب وجهات النظر بين ملوك السند والبريطانيين ، وأخيراً انتقل إلى الهند.
وتوفي سنة ١٢٩٨ هـ ودفن
في محلة « مجكائون » أو « حسن آباد » عن أربعة أولاد ، هم : آغا علي شاه ، وآغا جهانگير شاه ، وآغا جنگي شاه ، وآغا جلال شاه ،
وكان
عليُّ هو وصيّه ووريث الإمامة.
يقول المؤرّخ المعاصر
مصطفى غالب : دخل الإمام حسن علي شاه مدينة « بومباي » واسْتقبِل من قبل حاكم تلك المدينة ورجال السلك السياسي وممثلي الدول ومختلف طبقات الشعب ، ومنحته المملكة البريطانية لقب صاحب السمو ، وأرفع وسام للسلام في المملكة.
ولعلّ مغادرته لإيران
وإقامته في بومباي هيّأت له أرضية الاتصال بالبلاط البريطاني ، وتوثقت عُرى الصداقة بينهما عبر العصور ، فلم تزل أئمة الطائفة بعده متهمين بالعمالة للبريطانيين.
٢. علي شاه :
( ١٢٤٦ ـ ١٣٠٢ هـ )
ولد عام ١٢٤٦ هـ في
بلدة محلّات ، وجلس علىٰ مسند الإمامة بعد وفاة أبيه سنة ١٢٩٨ هـ ، واشتهر بـ « آغا خان الثاني » والدته هي كريمة فتح علي شاه القاجاري.
يذكر أنّه كان مولعاً
بصيد الأُسود والرماية ، وقوة الساعد والرجولة. تزوّج شمس الملوك ابنة ميرزا علي خان الإيرانية.
أنجب ثلاثة أولاد ، هم
: سلطان محمد شاه ، وشهاب الدين شاه ، ونور شاه ، ووليُّ عهده هو السلطان محمد شاه آغا خان الثالث.
وفي احتفال مهيب ضم
آلاف الإسماعيليّة الذين قدموا لتقديم الزكاة والخمس للإمام ، أعلن الإمام علي شاه بأنّ نجله الأكبر سلطان محمد شاه قد أصبح وليّاً للعهد ، وسيكون إماماً من بعده.
______________________
قدم إليه وفد من
إسماعيليّة سوريا ، وطلبوا من الإمام رفع مشاكلهم وأن يدفع إليهم السلطان العثماني مكاناً يقطنون فيه بعد أن ضاقت بهم معاقلهم ، فقام الإمام بتنفيذ طلبهم واتصل بالسلطان العثماني إلى أن أصدر السلطان أمره إلى والي دمشق ليسمح للإسماعيليّة بأن يختاروا مكاناً ليشيدوا فيه مساكن لهم ، شريطة أن يعفوا من الضرائب والجندية ، تجمّع الإسماعيليون بزعامة الأمير إسماعيل ، وذهبوا باتجاه المنطقة الشرقيّة حتى وصلوا إلى سهول السلمية فقرروا أن يعيدوا تأسيس مدينة « السلمية » التاريخية ، بعد أن دمّرتها الحروب.
توفي الإمام علي شاه
سنة ١٣٠٢ هـ ، ونقل جسده إلى مدينة كربلاء ودفن هناك.
٣. سلطان محمد شاه « آغا خان
الثالث » : ( ١٢٩٤ ـ ١٣٨٠ هـ )
ولد « محمد سلطان
الحسيني » المعروف بآغا خان الثالث عام ١٢٩٤ هـ في محلة « شهر العسل » بكراتشي ، وفي الثامنة من عمره اجتمع به رجال الدعوة الإسماعيليّة في الهند وسلّموه شؤون الإمامة باحتفال مهيب ، وتزوّج في سن العشرين ابنة عمّه « شاه زاده » وزار الغرب لأوّل مرّة واصلاً إلى لندن ، فمنح لقب
« كوماندور » للامبراطورية الهندية. كما زار ألمانيا وفرنسا وإيران وتركيا ومناطق عديدة من العالم ، وتزوّج عدّة مرّات ، وساهم بإنشاء جامعة عليكرة ، وبإرسال بعثة إسلامية لتدريس الدين الإسلامي في اليابان.
وفي حياته نقاط جديرة
بالمطالعة ، منها :
١. يقول عارف تامر : ورأيته
في القاهرة سنة ١٩٥٦ م يقول لأتباعه الذين جاءوا لزيارته : علّموا أولادكم العلوم العمليّة ، وأبعدوهم عن العلوم النظرية ،
______________________
فالعالم
قادم على انقلاب خطير وتطور سريع في ميدان الاستنباط والاختراع.
أقول :
ماذا يقصد من العلوم النظرية ؟ وهل تختص بالعلوم الدينية ، أعني : الكلام والتفسير والفقه ، أو تشمل سائر العلوم الإنسانية الأُخرى كمعرفة النفس وعلم الاجتماع والقانون ؟ وعلىٰ أيّة حال فإرشاداته لا اعتبار بها ، وكان الأفضل
أن يرشدهم بالقول : علّموا أولادكم الصناعات الحديثة والعلوم العمليّة إلى جانب سائر العلوم ، يقول سبحانه : ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ ﴾
فإنّ تزويد البشر بالصناعات الحديثة دون الإيمان كتزويد المجنون بالسلاح ، والذي يكبح جماح البشر عن استخدامه لتلك الصناعات الحديثة من سبيل الشر ، هو الإيمان بالله ، والاعتقاد بالمبدأ والمعاد ، التي تتكفل العلوم النظرية بيانه.
٢. يقول ـ للوفد الإسلامي
الذي جاء يطالبه بالمساهمة ببناء كلية إسلامية في مدينة « منباسا » كينيا ـ : إنّني لا أُساهم إلّا بإنشاء مدرسة صناعية كبرى
لتعليم الصناعات المختلفة ، والمهن الحرّة ، فقد كفانا نوماً وركضاً وراء الخيالات والأحلام.
أقول :
ماذا يريد بقوله : كفانا نوماً وركضاً وراء الخيالات والأحلام ؟! فهل مقصوده أنّ العلوم الدينيّة هي منبع للخيالات والأحلام ؟! فحينئذٍ ستكون قيادته مبنيّة على الأوهام والخيالات ، فما أشبه كلامه بفعل من تسلّق الشجرة وأخذ يقطع ما تحته. بل إنّ كلامه هذا تفريغ واضح وصريح لحالة القداسة الدينية التي طالما حاول أن يظهر بها أمام المسلمين عامة وأتباعه بصورة خاصة.
٣. يقول المؤرّخ
المعاصر مصطفى غالب : سمو آغا خان يملك قصوراً كثيرة في جميع أنحاء العالم ، وطائرات حديثة من أفخر طراز ، وعدداً كبيراً من
______________________
أحدث
اصطبلات الجياد في العالم ، ويحتفظ بفصيلة جياد ( هاراث ) التي تملكها أُسرته منذ زمن بعيد ، ومنها ينتج أحسن خيول السباق المعروفة ، وقد ربحت هذه الخيول أكبر الجوائز العالمية لسباق ( دربي ).
والإمام آغا خان يُعد
من أغنىٰ أغنياء العالم ، إذ يُقدّر إيراده السنوي بمبلغ يتراوح بين ٦٠٠ ألف و١٠ ملايين دولار ، وقد قُدّرت مجموعة الجواهر التي يملكها بمبلغ ٢٠٠ مليون دولار.
لا شكّ أنّ حياة
البذخ التي عاشها الإمام آغا خان ليست نتيجة كد عمله ومحصول جهده إنّما هي أموال شرعية باسم الزكاة والخمس قدمتها إليه الطائفة الإسماعيليّة المتشكلة من الفلاحين والعمال وأصحاب المكاسب الحرّة ، لا أنّها أموال شخصيّة للإمام ، بل ملك لمنصب الإمامة يصرفها في المشاريع الخيرية ، فأين حياة البذخ هذه ممّا كان عليه الإمام أمير المؤمنين ذلك الأُسوة الحسنة لعامة
البشر والمسلمين خاصة حيث يكتب إلى عامله بالبصرة عثمان بن حنيف : « ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدي به ويستضئ بنور علمه ، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفىٰ
من دنياه بطمريه ، ومن طعمه بقرصيه ، إلى أن يقول : ولعلّ بالحجاز واليمامة من لا طمع له بالقرص ، ولا عهد له بالشبع ، أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى ، وأكباد حرّى ، أو أكون كما قال القائل :
وحسبك داءً أن تبيت
ببطنةٍ
|
|
وحولك أكباد تحن
إلى القد
|
أأقنع من نفسي بأن
يقال هذا أمير المؤمنين ، ولا أُشاركهم في مكاره الدهر ، أو أكون أُسوة لهم في جشوبة العيش ، فما خُلقت ليشغلني أكل الطيبات ، كالبهيمة المربوطة همّها علفها ، أو المرسلة شغلها تقمّمها ».
______________________
٤. يقول : ويجب أن لا
يغرب عن بالكم ، بأنّ هذه المشاريع لا يمكن أن تتحقق ، ولا يكتب النجاح لهذه النهضة الإصلاحية إلّا إذا دفعت ضريبة العشر ، والعشر هذا تضحية جزئية واجبة علىٰ كلّ إسماعيلي يعتقد ولايتنا ويخلص لنا.
ويلاحظ عليه : بأنّ الفريضة مختلفة في الزكاة ، وليست مبعضة بالعشر كما هو واضح ، لمن له أدنىٰ إلمام بالفقه الإسلامي من سنة وشيعة ، كما أنّ
الواجب في المعادن ، والركائز ، وأرباح المكاسب ، هو الخمس ، لا العشر ، فالتركيز على العشر
، وحذف المعايير الأُخر إبطال للشريعة.
٥. ومن نصائحه لأتباعه
أنّه أمرهم بالزهد ، ويقول : لا تسرفوا شيئاً على طقوس الأموات والزواج ، وازهدوا في لذائذ الحياة الدنيا ، وادّخروا شيئاً من نفقاتكم الشهريّة ، وابتاعوا بها سندات شركات التأمين وأوراق الدولة المالية.
إنّ هذه النصيحة
ممزوجة بالحقّ والباطل ، فهو يأمرُ أتباعه بالزهد ، بينما يعيش هو حياة البذخ والإسراف ، أتقولون ما لا تفعلون ؟!
٦. قال لزوجته
الفرنسية في صباح اليوم الذي قرّر أن تتم به حفلة زواجهما :
ابنتي العزيزة !! ...
أنت لا تجهلين ولا
ريب بأنّي أميرٌ شرقي كبيرٌ وأعتقد بأنّك تجهلين بأنّ آلافاً وآلافاً من البشر يعتقدون بأنّ الإله متجسم فيَّ تقريباً.
أقول :
يبدو بأنّه إمّا يصحح عقيدة أتباعه في حقّه ، أو يخطّئهم ، فعلى الوجه الأوّل هو إله متجسِّم حسب عقيدته ، وعلى الوجه الثاني مقصّر في إضفاء الشرعية علىٰ عقيدة قومه ، وعدم تخطئتهم ، وإرشادهم إلى الحقّ.
______________________
الإمام يتعلّم على يد مأمومه
قال المؤرّخ الإسماعيلي
المعاصر مصطفى غالب : وسموّه يجيد اللغات الشرقية والغربية من الهندية والفارسية والعربية والتركية ، والانكليزية والفرنسية
والإيطالية والألمانية ، وغيرها من اللغات العديدة ، كلُّ هذا بدون أن يدخل أيَّ مدرسة أو يتلقىٰ علومه في أيّ معهد ، وقد تلقّىٰ تعليمه الأوّل علىٰ
أيدي والدته التي علّمته تعليماً صحيحاً ، فجعلته يتقن اللغات الأُوروبية والعربية والفارسية.
وقال عارف تامر : وتوفي
والده علي شاه ، وهو في الثامنة من عمره ، فاجتمع به رجال الدعوة الإسماعيليّة في الهند ، وسلّموه شؤون الإمامة باحتفال مهيب. وكان هذا من الأسباب التي حفّزت والدته علىٰ مضاعفة السهر على حياته ، وإحضار المربّين الاختصاصين ، والأساتذة الماهرين ، عملوا على تدريسه اللغات الأجنبية والفارسية والعربية.
وهنا نقطة جديرة بالإمعان
وهي أنّ الثابت في عقيدتهم أنّ الإمام منصوص لا يتلقّى العلم إلّا عن الغيب فعلمه لدني.
فلا أدري ما هذا الإمام.
الذي يتلقّىٰ العلم عن مأمومه ، وهل الإمام ذو العلم اللدني بحاجة إلى دخول المدارس البشرية ، وتعلّم اللغات والعلوم وغير ذلك.
وفي يوم الخميس
الساعة الثانية ظهراً الحادي عشر من تموز سنة ١٩٥٧ م الموافق ( ١٣٧٧ هـ ) توفي الآغا خان في قصره بسويسرا ، ونقل جثمانه جوّاً إلى أسوان بمصر. ودفن في المقبرة التي شرع بتشييدها على رأس ربوة الجبل الأصفر غرب مدينة أسوان في مصر.
______________________
ولما
توفي آغا خان الثالث في سويسرا توجه زعماء الإسماعيلية من مختلف أنحاء العالم إلى مقر الآغا خان في قصر بركان ، حيث حضروا فتح وصيّة الإمام الراحل التي كانت مودعة في بنك ( لويدز ) في بريطانيا.
واستناداً إلى هذه
الوصية فقد تم إعلان إمامة كريم بن علي شاه الحسيني ، ولُقّب بآغا خان الرابع.
ومن الطريف بالذكر هو
أنّ الإمام آغا خان الثالث قد عهد بالإمامة لابنه الأمير علي خان في حياته ، يقول مصطفى غالب : أصبح الأمير علي خان وليّاً لعهد الإمامة الإسماعيليّة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام ١٩٢٧ ميلادية وجرت احتفالات عظيمة بهذه المناسبة ، عمّت جميع البلدان الإسماعيليّة.
وقد خاب أمل الأمير
علي خان لما فُتحت وصيّة والده التي كانت مُودعة في بنك ( لويدز ) في بريطانيا والتي تنصُّ علىٰ إمامة حفيده كريم بن علي شاه الحسيني ( آغا خان الرابع ) ، ولا أجد تفسيراً لها إلّا بنشوب الخلافات بينهما.
وممّا جاء في وصيته
التي أبطل بها إمامة ابنه :
ونظراً إلى الظروف
التي تغيّرت تغيّراً أساسياً في العالم في السنوات الأخيرة ، ونظراً للتغيّرات الكبرىٰ التي وقعت ، ومن بينها اكتشاف العلوم الذرية ، فإنّي
علىٰ يقين أنّ مصلحة الطائفة الإسماعيليّة تقتضي أن يخلفني شابٌ نشأ وترعرع
في السنوات الأخيرة وسط هذا العصر الحديث ، وأن تكون له نظرةٌ جديدة للحياة عند تولّي زعامة الطائفة الإسماعيليّة ، لذلك أختار حفيدي كريم خان ، ليكون خليفة لي وزعيماً للطائفة من بعدي.
______________________
وقد توفي ولده علي
خان المعزول في الخامس عشر من ذي القعدة سنة ١٣٨٠ هجرية ، بحادث اصطدام سيارته التي كان يقودها بنفسه ، ودفن جثمانه مؤقتاً في قصره الخاص في نويللي بفرنسا ، ريثما يتم نقله إلى مقرّه الأخير في
سلَمية سوريا تنفيذاً لوصيته.
فالإمام الحاضر للإسماعيليّة
هو كريم حفيد ( آغا خان الثالث ) لا ولده.
كريم بن علي بن محمد
آغا خان الرابع
ولد سنة ١٩٣٨ م في
مدينة جنيف بسويسرا ، والده هو الأمير علي خان الذي أُقصي عن مركز الإمامة بموجب وصية والده سلطان محمد شاه ( آغا خان الثالث ) ، وأُمّه هي الأميرة البريطانية ( جون بربارايولد ) ابنة اللورد تشارستون
، تلقّىٰ علومه الأوّلية في مدارس سويسرا ، فأتقن الانكليزية والفرنسية والإسبانية
، كما درس اللغة العربية ، وبعد أن أكمل تحصيله في سويسرا انتسب إلىٰ جامعة ( هارفرد الأميركية ).
كان كثير التنقل والأسفار
، يمارس الرياضة الصعبة ، وقد نجا مرتين من حادثتي اصطدام مروعتين ، ويولي الشؤون الاقتصادية والمالية اهتمامه ، ويتجنّب الخوض ببحر السياسة. كما ويقوم بزيارة لإفريقية وسوريا ولبنان وإيران في العام ، لتفقد شؤون أتباعه ومعالجة قضاياهم. وهو لا يزال حيّاً يرزق.
هؤلاء أئمّة
النزاريّة القاسمية الآغاخانية ، وهم الفرقة المنحصرة باستمرار الإمامة في أولاد إسماعيل ، وفق المذهب الإسماعيلي ، فالله سبحانه يعلم هل تستمر الإمامة بعد رحيله أو تدخل في كهف الغيبة.
______________________



الإسلام عقيدة وشريعة
، والإسماعيليّة كغيرها من المذاهب الإسلاميّة لها أُصول ، وفروع ، أمّا الفروع فلا يختلفون مع المسلمين في أُمهاتها ، وكفى في
الوقوف عليها ما كتبه القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي باسم « دعائم الإسلام » . نعم ، انفردوا في الاعتقاد بأنّ لكلِّ حكم فرعي ظاهراً وباطناً ، ولهم
مؤلفات خاصّة في تأويل الظواهر الفرعيّة ، وقد ألّف القاضي المذكور كتاباً باسم « تأويل الدعائم » وسيمر عليك بعض تأويلاتهم في هذا المجال.
إنّما الكلام في
عقائدهم وأُصولهم التي بنوا مذهبهم عليها ، والعثور عليها أمر مشكل جدّاً وذلك لوجوه :
الأوّل :
الظنّة بكتبهم والتستر عليها وإخفائها وعدم جعلها تحت متناول أيدي الآخرين ، وأن فرض عليهم الوضع الراهن كسرطوق التكتم ، وإزاحة الستار عن بعض الكتب ، والفضل يعود إلى غيرهم ، فلو كان الأمر بيد دعاتهم وعلمائهم لما سمحوا بذلك ، ولَما وصلت بأيدينا تلك الكتب.
الثاني :
اتخاذ الفلسفة اليونانية عماداً وسنداً للمذهب ، فأدخلوا فيه أشياء كثيرةً ممّا لا صلة لها بباب العقائد والأُصول ، ولا يضر الاعتقاد بها أو بعدمها ،
ولا يضرّه جهلها فالقول بالعقول العشرة ، والأفلاك التسعة ونفوسها ، وأنّ الصادر الأوّل هو العقل إلى أن ينتهي الصدور إلى العقل العاشر ، فروض فلسفيّة طُرحت لحل مشكلة ( امتناع صدور الكثير عن الواحد ) ، وهذه المباحث على فرض صحتها تختص بذوي المواهب الكبيرة في مجال الفكر ، فإدخالها في المذهب والدعوة إليها ، إلزام بلا ملزم.
الثالث :
أنّ المذهب الإسماعيلي ، لم يكن في بدء ظهوره مذهباً منسقاً ، وإنّما تكامل حسب مرّ السنين ، نتيجة احتكاك الدعاة مع أصحاب الفلسفة اليونانية ، وحسب أذواقهم في مجال التأويل ، وهذا أمر مسلّم بينهم ، يقول الكاتب الإسماعيلي مصطفى غالب :
إنّ العقائد الإسماعيلية
لا يمكن دراستها وبحثها علىٰ أنّها عقائد ثابتة لفرقة موحّدة ، وذلك أنّها عقائد تطورت حسب البيئات والأزمان ، واختلفت باختلافها ، وتشعّبت آراؤها ونظرياتها ، حتى أصبح من الصعب أن تبلور هذه العقائد ، أو أن تُصهر في بوتقة واحدة.
وقد اعتمدنا من بين
كتبهم العقائديّة على كتابين هما :
١. « راحة العقل » : تأليف الداعي في عهد الحاكم ، أعني : حميد الدين أحمد ابن عبد الله الكرماني ، الملقّب بحجة العراقين ، وكبير دعاة الإسماعيليّة في
جزيرة العراق ، وصاحب المؤلّفات العديدة في المذهب الإسماعيلي ، ألّفه عام ( ٤١١ هـ ) ، وقد عاصر الفيلسوف الإسلامي الكبير ابن سينا ( ٣٧٣ ـ ٤٢٧ هـ ) ومن المعلوم أنّ هذا العصر وما قبله عصر إزدهار الفلسفة اليونانية ، فقد قام المسلمون وغيرهم بترجمة تلك الفلسفة وشرحها وتحقيقها.
وقد وضع الداعي كتابه
هذا على غرار ما أُثر من الفلسفة ، وأدخل فيه شيئاً ممّا لا يمت إلى المذهب بصلة ، فإنّ أكثر مباحثه مسائل فلسفية بحتة ، أو طبيعية ، لا ارتباط لها بصميم المذهب. ويتجلّى ذلك بوضوح حينما يقوم الداعي الكرماني في ترسيم عوالم الخلقة.
إنّ الكتاب لا ينقسم
إلى أبواب أو مقالات ، ولا تشتمل أبوابه أو مقالاته على فصول على نحو ما جرت به العادة في تقسيم الكتب ، وأنّما ينقسم إلى أسوار ،
______________________
ويندرج
تحت كلّ سور عدّة مشارع ، هي من السور بمنزلة الأجزاء من البلد الذي يحيط به السور.
فكان مثل « راحة
العقل » كمثل المدينة ، والسور بمنزلة الأبواب ، والمشارع بمنزلة الفصول ، ولكن عدد الأسوار ، التي يشتمل عليها الكتاب سبعة ، يدخل في نطاق كلّ منها سبعة مشارع ، فتكون عدد المشارع تسعة وأربعين مشرعاً.
ولكنّ تتمة لما ينطوي
عليه منهجه في تقسيم الكتاب من معاني التأويل والمتقابلات قد زاد على هذه المشارع ( التسعة والأربعين ) سبعة مشارع أُخرى.
وإنّما كانت الأسوار
سبعة مقابلة بينها وبين السيارات السبع ، وهي : زحل ، والمشتري ، والمريخ ، والشمس ، والزهرة ، وعطارد ، والقمر.
يقول الداعي : فجعلنا
أسواره سبعة بإزاء السيارات منها المؤثرة في المواليد الجسمانية القائمة في الدين تأويلاً ، حيال بيوت أنوار الله أصحاب الأدوار السبعة المؤثّرين في المواليد النفسانية. وجعلنا مشارع أسواره تسعة وأربعين مشرعاً ، بإزاء
محيط الأفلاك صغاراً وكباراً المحركة لما دونها من الأجسام.
وقد طبع لأوّل مرّة
بالقاهرة بتحقيق الدكتور محمد كامل حسين والدكتور محمد مصطفى حلمي ، ونشرته دار الفكر العربي بالقاهرة عام ١٣٧١ هـ ، وأُعيد طبعه ثانياً بتحقيق مصطفى غالب الذي هو من كتّاب الإسماعيلية نشره عام ١٩٦٧ م.
٢. « تاج العقائد ومعدن الفوائد » ، تأليف الداعي الإسماعيلي اليمني المطلق ، علي بن محمد الوليد ( ٥٢٢ ـ ٦١٢ هـ ) حقّقه عارف تامر ، ونشرته دار المشرق بيروت ، وهذا الكتاب أسهل فهماً وأحسن تعبيراً في بيان عقائد الإسماعيلية.
______________________
ونحن نعتمد على هذين
الكتابين ـ مع البون الشاسع بينهما ـ في بيان الفوارق الموجودة بينهم وبين سائر الفرق ، دون أن نذكر المشتركات ، فانّ دراسة الجميع تؤدي إلى أن يطول بنا الكلام ، والهدف تسليط الضوء على عقائدهم عن كثب ، وربّما نعتمد على غير هذين الكتابين عند اقتضاء الحال.
الإسماعيلية والأُصول الخمسة
١
عقيدتهم في التوحيد
١. عقيدتهم في توحيده
سبحانه ، أنّه واحد لا مثل له ولا ضد :
يقول الكرماني في
المشرع الخامس : إنّه تعالى لا ضد له ولا مثل ، ثمّ يستدل عليه.
ويقول علي بن محمد
الوليد ( الداعي الإسماعيلي اليمني ) : إنّه تعالى واحد لا من عدد ، ولا يُعتقد فيه كثرة ، أو إزدواج أشكال المخلوقات ، واختلاف البسائط والمركبات ثمّ يستدل عليه.
ويقول أحد الدعاة الإسماعيلية
في قصيدة له في العقائد :
الحمد لله القديم
الأزلي
|
|
المبدع العالي
معلِّ العلل
|
باري البرايا
الدائم الفرد الصمد
|
|
والجاعل الواحد
أصلاً للعدد
|
______________________
٢. انّه سبحانه ليس أيسا :
إنّ الأيس بمعنى
الوجود ، ولعلّ أوّل من استعمله هو الفيلسوف الكندي ، وقد اشتهر في الفلسفة الإسلاميّة أنّ الممكن من ذاته أن يكون ليس ، ومن علّته أن يكون أيس ، وإن كانت هذه الكلمة في التعبير عن مكانة الممكن تعبيراً غير دقيق ، لأنّ معناه ، أنّ الممكن من ذاته يقتضي العدمَ ، وهذه علامة الممتنع لا الممكن ، فالممكن لا يقتضي من صميم ذاته أحدَ الشيئين ، الأيس والليس.
وعلى كلّ تقدير فهؤلاء
يستنكرون وصفه سبحانه بالأيس ، المرادف للوجود.
وقد استدل عليه
الداعي الكرماني بوجه مبسّط نأخذ منه ماله صلة بصميم الموضوع ، وحاصل ما ذكره يرجع إلى أمرين :
الأوّل :
لمّا كان الأيس ـ في كونه أيساً ـ محتاجاً إلى ما يستند إليه في الوجود ، وكان هو ـ عزّ كبرياؤه ـ متعالياً عن الحاجة فيما هوهو إلى غير ، به يتعلق ، ما به
هوهو ، كان من ذلك الحكم ، بأنّه تعالى خارج عن أن يكون أيساً ، لتعلّق كون الأيس أيساً بالذي يتأوّل عليه الذي جعله أيساً ، واستحالة الأمر في أن يكون هو تعالى أيساً ، ولا هو يحتاج فيما هوهو إلى غير به هوهو ، فيستند إليه ، تكبّر عن
ذلك وتعزّز وتعالى علوّاً كبيراً.
فإذا كان هو عزّ وعلا
غير محتاج فيما هوهو إلى غير ، به يتعلّق ، ما به هوهو ، فمحال كونه أيسا.
وحاصل هذا الوجه مع
تعقيده في التعبير ، يرجع إلى أمر واضح ، وهو أنّه لو كان موصوفاً بالوجود ، فبما أنّ الصفة غير الموصوف ، يحتاج في وصفه به إلى
الغير ، وهو تعالى غني عمّا سواه.
ولو كان ما جاء به
الكرماني مذهباً للإسماعيليّة فهو يُعرب عن عدم نضوج الفلسفة اليونانية في أوساطهم ، فهؤلاء يتصوّرون أنّ الوجود أمر عارض على
الواجب
، فيبحثون عن مسبب العروض ، مع أنّه إذا كان ماهيته انيّته ، وكان تقدّست أسماؤه عين الوجود ، فالاستدلال ساقط من رأسه ، والمسألة مطروحة في الفلسفة الإسلامية على وجه مبسط ، وفي ذلك الصدد يقول الحكيم السبزواري :
والحقّ ماهيّته
إنِّيَّته
|
|
إذ مقتضى العروض
معلوليّته
|
فمن أراد التفصيل
فليرجع إلى المصدرين في الهامش.
الثاني :
أنّ الله تعالى إن كان أيساً ، فلا يخلو أن يكون إمّا جوهراً ، وإمّا عرضاً.
فإن كان جوهراً ، فلا يخلو أن يكون إمّا جسماً أو لا جسماً ( المجرد ).
فإن كان جسماً ، فانقسام
ذاته إلى ما به وجودها ، يقتضي وجود ما يتقدم عليه بكون كلّ متكثر مسبوقاً متأوّلاً عليه ، وهو يتعالى بسبحانيّته عن أن يتأوّل عليه غيره.
وإن كان لا جسماً ، فلا
يخلو أن يكون إمّا قائماً بالقوة مثل الأنفس ، أو قائماً بالفعل مثل العقول.
فإن كان قائماً
بالقوّة ، فحاجته إلى ما به يخرج إلى الفعل تقتضي ما يتقدّم عليه ، وهو يتعالى عن ذلك.
وإن كان قائماً
بالفعل ، فلا يخلو من أن يكون إمّا فاعلاً في ذاته من غير حاجة إلى غيرٍ به يتم فعله ، أو فاعلاً في غيرٍ به يتم فعله.
فإن كان فاعلاً في
غير به يتم فعله ، فلنقصانه في فعله وحاجته إلى ما يتم به فعله ، تقتضي ما يتأوّل عليه ، وهو يتعالى عن ذلك.
وإن كان فاعلاً في
ذاته ، من غير حاجة إلى غيرٍ به يتم فعله ، فلاستيعاب ذاته النسب المختلفة بكثرة المعاني المتغايرة ، بكونه في ذاته فاعلاً ومفعولاً
بذاته ،
______________________
يقتضي
ما عنه وجوده الذي لا تكون فيه كثرة ولا قلّة بهذه النسب ، وهو يتعالى عن ذلك.
وإن كان عَرضاً ، وكان وجودُ العرض مستنداً إلى وجود ما يتقدم عليه من الجوهر ، الذي به وجوده ، وهو يتعالى ويتكبر عن أن تتعلّق هويته بما يتأوّل عليه ،
بطل أن يكون عرضاً.
وحاصل هذا الوجه أنّ
كونه سبحانه موصوفاً بالأيس ، لا يخلو من صور أربع :
أ : أن يكون جوهراً
جسمانياً.
ب : أن يكون عرضاً.
ج : أن يكون جوهراً
مجرداً ، قائماً بالقوّة ، مثل الأنفس.
د : أن يكون جوهراً
مجرداً قائماً بالفعل ، مثل العقول.
الصورة الأُولى : تستلزم أن يكون مؤلّفاً من أجزاء ، والأجزاء متقدّمة على الكُلّ ، فيكون محتاجاً إلى غيره.
ومثلها الصورة الثانية : لحاجة العرض إلى وجود موضوع متقدم عليه.
ومثلها الثالثة : لأنّه إذا كان قائماً بالقوّة ، فيحتاج إلى من يخرجه إلى
الفعل ، وأن يكون المخرج متقدّماً عليه ، وهو سبحانه غني.
وأمّا الصورة الرابعة : فقد فصّل فيها الكلام ولها شقان :
الأوّل :
أن يكون فاعلاً في ذاته ، من غير حاجة إلى غير به يتم فعله ، فهذا يستلزم اجتماع النسب المختلفة في ذاته.
الثاني :
أن يكون فاعلاً في غيرٍ به يتم فعله ، فهو يستلزم حاجته إلى ما يتمُّ به فعله ، وهو غني على الإطلاق.
______________________
والاستدلال مبني على
أنّه صوّر للواجب ماهيّة بين كونها جوهراً أو عرضاً ، والجوهر جسماني أو نفساني ، أو عقلائي ، والفروض كلّها باطلة ، لأنّ القائل بكونه وجوداً ، وأيسا ، يقول : هو والوجود متساويان ؛ الواجب = الوجود.
ولا يذهب عليك أنّ
الفرض الرابع ، وهو كونه موجوداً بالفعل مردداً بين كونه فاعلاً في ذاته ، أو فاعلاً في غير ، لا يخلو عن تعقيد وغموض.
ثمّ إنّ الداعي ذكرَ
وجهاً ثالثاً لعدم كونه سبحانه أيساً ، ليس له قيمة تذكر ، فمن أراد فليرجع إليه.
٣. في نفي التسمية عنه
:
يقول الداعي الإسماعيلي
علي بن محمد الوليد : إنّ وضع التسمية عليه محال ، إذ كانت التسمية إنَّما جعلت وسماً يوسم بها المخلوقات ، ليكون الخلق بها فصولاً فصولاً ، يتميّز بها كلّ صورة عن الصورة الأُخرى ، حتى ينحفظ كلّ صنف منها ، ويمكن للعقل الحكاية عنها إذا دعت الحاجة إليها ، فيكون بذلك ظهور أشكال العالم في أيّ تسمية وسم بها ، وهو متعال ، ليس له صورة نفسانية ، ولا عقلية ، ولا
طبيعيّة ، ولا صناعيّة ، بل يتعالى بعظيم شأنه ، وقوّة سلطانه عن أن يوسم بما يوسم
به أسباب خلقته ، وفنون بريته ، وقد اتفقت فحول العلماء على أنّه تعالى لم يزل ولا
شيء معه ، لا جوهراً ولا عرضاً.
ولا يذهب عليك ، أنّ عنوان
البحث غير منطبق على ما جاء فيه ، فلو كان العنوان من جانب المؤلّف ، وإلّا فالعنوان يهدف إلى شيء ، وما ورد فيه إلى شيء آخر ، فإنّ تسمية الله سبحانه أمر اتّفق عليه كافّة أهل التوحيد ، ومراده هو نفي
______________________
الماهيّة
، كالجوهرية والعرضية.
كما أنّ مراده في بحث
آخر في الكتاب ، تحت عنوان « في نفي الحدّ عنه » هو نفي كونه متناهياً.
٤. نفي الصفات عنه :
إنّ نفي الصفات عنه
سبحانه ، مما اشتهر عن الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام في خطبه ، وعنه أخذت المعتزلة ، قال عليهالسلام : « أوّل الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، بشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كلِّ موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنّاه ، ومن ثنّاه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حدّه ، ومن حدّه فقد عده ، ومن قال : « فيم » فقد ضمّنه ، ومن قال : « عَلامَ ؟ » فقد أخلى منه ».
وقد ذهبت الإماميّة ،
وقسم من المعتزلة ، تبعاً للأدلة العقليّة ، التي أشار إليها الإمام في كلامه ، بأنّ المرادَ نفي الصفات الزائدة عليه ، لا نفي الصفات
على الإطلاق ، فالله سبحانه علمٌ كلّه ، قدرة كلّه ، حياة كلّه ، وهكذا ، لا أنّه شيء
، وعلمه شيء آخر ؛ خلافاً للأشاعرة ، فقد ذهبوا إلىٰ زيادة الصفات على الذات
مع كونها قديمة ، فأورد عليهم باستلزامه القول بالقدماء الثمانية.
ولكن الإسماعيليّة
ذهبت إلى نفي الصفات عنه على الإطلاق ، واكتفت في مقام معرفته سبحانه بالقول بهويته وذاته دون وصفه بصفات ، حتى الصفات الجماليّة والكماليّة ، ولهذا نرى أنّ الداعي الكرماني يعترض على المعتزلة الذين قالوا
______________________
بنفي
الصفات قائلاً :
إنّ المتأمّل المنصف
، إذا فحص عن ذلك بفكره ، علم أنّ كلاً من المخالفين قد زيّن مذهبه ، بأن عمد في توحيده لمعبوده ما عمدناه ، وقصد ما قصدناه ، في استعمال حرف ( لا ) في نفي ما يستحق الغير عن الله تعالى ، خاصّة
المعتزلة الذين صدّروا كتبهم ، وزيّنوها بقولهم في أُصول مذهبهم : بأنّ الله تعالى لا يوصف بصفات المخلوقين ... وهذا من قولهم ، هو أصل مذهبنا ، وعليه قاعدة دعوتنا ، بأنّنا لا نقول على الله تعالى ، ما يقال على المخلوقين ، وهو المعتمد في توحيد معبودنا ، والمقصود في أنحاء كلامنا ، لكن المعتزلة قالوا بأفواههم قول الموحدين ،
واعتقدوا بأفئدتهم اعتقاد الملحدين ، بنقضهم قولهم أوّلاً بأنّ الله لا يوصف بصفات المخلوقين ، بإطلاقهم على الله سبحانه وتعالى ما يستحقه غير الله تعالى ، من الصفات من القول بأنّه حيٌّ قادرٌ ، عالمٌ ، وسائر الصفات ، نعوذ بالله.
ويقول علي بن محمد
الوليد : إنّ نفي الصفات عنه معتقد صحيح ، لا يسوغ تركه ، لأنّ الصفات تلحق الجوهر ، إمّا في الأجسام وإمّا في النفوس ، ويكون في الأجسام كيفيات من خارجها ، كالأقدار ، والألوان ، وما يجري مجراها ، وفي النفوس كيفيات من داخلها ، كالعلم ، والجهل ، وما يجري هذا المجرى ، وهو يتعالى عن أن يكون له داخل أو خارج.
وممّا تقرر عند كل ذي
عقل أنّ الصفات تلحق الموصوف من غيره ، لا من ذاته ، ألا ترى أنّ صفات الأجسام التي هي لها ، تأتي من خارجها كالأقدار والألوان ، وما يجري مجراها ، وفي النفوس كيفيات من داخلها ، كالعلم ، والجهل وما يجري هذا المجرى ، وهو يتعالى أن يكون له داخلاً أو خارجاً ، ومما تقرر عند
كلّ ذي عقل أنّ الصفات تلحق الموصوف من غيره لا من ذاته.
______________________
٥. الصّادر الأوّل هو الموصوف بالصفات العليا :
لمّا ذهبت الإسماعيليّة
إلى نفي الصفات عنه سبحانه ، مع أنّ الكتاب والسنّة مليئان بهما ، لم يكن لهم بُد من إرجاع تلك الصفات إلى المبدع الأوّل ، الذي
هو الموجود الأوّل ، وإليه تنتهي الموجودات ، وهو الصادر عنه سبحانه بالإبداع ، لا بالفيض والإشراق ، كما عليه إخوان الصفا.
قال الداعي علي بن
محمد الوليد : إنّ الباري تعالى وتقدّس لمّا تعاظم عن أن يُنال بصفة توجد في الموجودات ، لقصور الموجودات عن وصفه بما تستحقه الإلهيّة ، جعل موجوداً أوّلاً تتعلّق الصفات به ، عطفاً ورحمةً ومنّة على عقول عباده أن تهلك
وتضل ، إذا لم تستند إلى ما تقف عنده ، فتوقع الصفات عليه ، فجعل للعالم مبدأ مبدعاً ، وهو الأوّل في الوجود من مراتب الموجودات ، وكان المبدع حق لوجوده عن المتعالى سبحانه ، غاية تنتهي إليها الموجودات.
ثمّ إنّه أفاض الكلام
في صفاته ، وعرّفه بكونه : موجوداً حقاً واحداً ، تامّاً ، باقياً ، عاقلاً ، عالماً ، قادراً ، حيّاً ، فاعلاً.
ثمّ قال : الحياة ذات
جامعة لهذه الأُمور وبها هي فاعلة.
وقال الداعي الكرماني
في هذا الصدد :
« فالإبداع هو الحقّ
والحقيقة ، وهو الوجود الأوّل ، وهو الموجود الأوّل ، وهو الوحدة ، وهو الواحد ، وهو الأزل ، وهو الأزلي ، وهو العقل الأوّل ، وهو المعقول الأوّل ، وهو العلم ، وهو العالم الأوّل ، وهو القدرة ، وهو القادر الأوّل ، وهو
الحياة ، وهو الحيّ الأوّل ، ذات واحدة ، تلحقها هذه الصفات ، يستحق بعضها لذاته ، وبعضها بإضافةٍ إلى غيره ، من غير أن تكون هناك كثرة بالذات.
______________________
إلى أن قال : وهذه الأُمور
وجودها له ضروري ، لكونه أوّلاً في الوجود الواجب ، احتوائه على أشرف الكمالات وأشرف الموجودات.
إلى أن يقول : وجوهر
هذا الإبداع جوهر الحياة ، وعينه عين الحياة ، والحياة متقدمة على سائر هذه الصفات ، ولذلك قدَّم الله تعالى عند وصفه سمة الحياة في قوله تعالى : ﴿ اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾
فهو متوحّد من جهة كونه إبداعاً وشيئاً واحداً ، ومتكثّر من جهة الموجود فيه من الصفات ، على ما بيّناه.
أقول :
إنّ المبدع الأوّل حسب ما يذكرونه هو الإله الثاني ، غير أنّه يفارقه بأنّه المبدَع بإبداعه سبحانه ، وبذلك يفترق عن إله العالمين.
وأعجب منه أنّ الكرماني
يصفه بأنّه أزليٌّ ، ولعلَّ المراد أنّه قديم زماناً وحادثاً ذاتاً.
على أنّ هذا الكلام
باطلٌ من أصله ، وذلك : لإمكان وصفه سبحانه بالأوصاف الجماليّة ، والكماليّة ، من دون أن يطرأ على ذاته وصمة النقص ، وذلك بحذف المبادئ ، والأخذ بالغايات ، فهو سبحانه علم ، لا بما أنّه كيف ، بل بما هو وجود بحت ، وأنّ الوصف ربَّما يكون له من الكمال على حدٍّ يكون قائماً بذاته لا طارئاً على الذات ، وما يلاحظ من المباينة بين الوصف والموصوف ، فإنّما هو من خصوصيات المورد أيْ الممكنات ، ولا يجب أن يكون كلّ وصف كذلك.
______________________
الإسماعيلية والأصول الخمسة
٢
عقيدتهم في العدل
قد تعرّفت في البحث
السابق على أنّهم لا يصفونه سبحانه بوصف ، ويعتقدون أنّه فوق الوصف ، وأنّ غاية التوحيد نفي الوصف ، وإثبات الهوية ، ولهذا لا تجد عنواناً لهذا الفصل في كتبهم حسب ما وصل بأيدينا ، ولكن يمكن استكشاف عقيدتهم في عدله سبحانه من خلال دراستهم لفعل الإنسان ، وهل هو إنسان مسيّر أو مخيّر ؟
١. الإنسان مخيّر لا
مسيّر
يقول الداعي علي بن
محمد الوليد : الإنسان مجبور في حال تركيبه ، ورزقه ، ومدّته ، وحركات طبائعه ، والكيان بنشوئه ، وما يحدث عليه مقهور عليه مغيّب عن إدراكه وعيانه ، ليكون مفتقراً بالدعاء والتضرّع إلى خالقه ، إذ لو كشف له لفسد حاله. ومخيّر غير مجبور فيما يعتقد لنفسه ، من علومه ، وصناعته ، ومذاهبه ، و معتقداته.
إلى أن قال : ولولا
ذلك لما كانت لها منفعة بإرسال الرسل ، وقبول العلم ، وتلقي الفوائد والانصياع لأوامر الله تعالى ، إذ لو كانت مجبورة لاستغنت عن كلّ شيء تستفيده.
ثمّ استدلّ بآيات
منها قوله تعالى : ﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ ﴾ إلى غير ذلك من الآيات.
______________________
٢. القضاء والقدر لا يسلبان الاختيار
إنّ القضاء والقدر من
العقائد الإسلاميّة التي لا محيص لمسلم عن الاعتقاد بهما ، غير أنّ البحث فيهما ينصّب على نكتة مهمة وهي هل أنّهما يسلبان الاختيار أو لا ؟
فالظاهر من أهل
السنّة ، إلّا مَنْ شذَّ ، تفسيرهما على وجه يسلبان الاختيار ، على خلاف ما ذهبت إليه العدليّة.
والإسماعيليّة تُثبت
القضاء والقدر حقيقةً لا مجازاً ، ولكنها تُنفي كونهما سالبين للاختيار.
يقول الداعي علي بن
محمد الوليد : القضاء والقدر حقيقة لا مجاز ، ولهما في الخلق أحوال على ما رتب الفاعل سبحانه ، من غير جبر يلزم النفوس الآدمية الدخول إلى النار أو الجنة.
إلى أن قال : إذ لو
كان كذلك لذهبت النبوات والأوامر المسطورات في الكتب المنزّلة ، في ذم قوم على ما اقترفوه ، ومدح قوم على ما فعلوه.
ثمّ إنّه فسّر القضاء
بمعنى الفراغ ، والأمر ، والخبر ، والفعل ، والوصيّة ، وأرجع الجميع إلى معنى الفراغ.
وأمّا القدر : فقد
فسّره بأنّه من المقدار ، والتقدير ، والترتيب ، ثمّ جعل له تفاسير ثمانية ، ومن أراد فليرجع إليه.
وقد نقل في آخر الفصل
رسالة الحسن البصري إلى الحسين بن علي عليهماالسلام يسأله عن القضاء والقدر ، كما نقل جواب الإمام إليه ، وقد جاءت هذه الرسالة أيضاً في كتاب « تحف العقول » للحلبي الحراني مع اختلاف يسير.
______________________
الإسماعيلية والأُصول الخمسة
٣
عقيدتهم في النبوة
١. النبوّة أعلى درجات
البشر
النبوّة : عبارة عن
ارتقاء النفس إلى مرتبة تصلح لأن يتحمل الوحي.
يقول الداعي علي بن
محمد الوليد : إنّ الرسول الحائز لرتبة الرسالة ، لا ينبغي أن يكون كمالاً يفوق كماله ولا علماً يخرج عن علمه ، وأنّه الذي به تكون سعادة أهل الدور من أوّله إلى آخره ، وأنّ السعادة الفلكيّة ، والأشخاص العاليّة ،
والمؤثرات ، خدم له في زمانه.
والوجود مكشوف له ، وبين
يديه ، فنظره ثاقب ، وإحاطته كلّية ، وحدود أوضاعه مبرّأة من النقص ، وجميع ما يأتي به محرر ، لا يحتاج إلى زيادة ، وأقواله
لا تردّ ، ولا يوجد فيما ينطق به خلل ، وجوهره المقدّس نهاية في الشرف ، وأنّ القوة الملكية عليه أغلب وحواسه خادمة لنفسه ، وعقله لا ينظر إلّا إلى أوامر الله تعالى خالقه ، وأنّه في نهاية من المنازل من مولودات العالم في حسنه.
٢. الرسالة الخاصة
والعامة
إنّ الرسالة على
ضربين : خاصّة ، وعامّة.
______________________
فالرسالة العامّة
شاملة طبعاً ، وعقلاً ، ولولا الرسالة الأُولى العامّة ، لن تُقبل الرسالة الخاصّة ، وذلك لأنّه تعالى خلق الصورة الآدميّة ، وأكمل منافعها ، وسوّاها
على أحسنِ هيئة ، ووضع فيها العقل الغريزي ، الذي إليه ترجع أحوال الصورة لنيل منافعها ، فهو الرسول الأوّل المُعدُّ لقبول أمر الرسول الثاني ، الخاص
لمنافع النفس في الآخرة ، مثلما كان الأوّل لمنافع الدنيا ، وعلى الأوّل يعول في الاغتذاء
، وطلب المصالح بغير ثواب ولا عقاب ، إذ هو أمرٌ بديهي لمنافع الصورة ، وعلى الثاني يكون الحساب والعقاب ، إذ هو أمرٌ ربّانيّ ، يدعو إلى دار غير دار الطبيعة.
إلى أن قال :
فإذا أظهر الرسول
الرسالة ، كانت الفضيلة على المستضيء المنتفع بها ، وذلك القادح هو الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الخلق وحجّته على أهل زمانه ، وهو
لسانه فيهم ، وترجمانه في العالم السفلي بأسره ، والمتبحّر أبداً في الحكمة.
أقول :
إنّ تسمية العقل الإنسانيّ بالرسول لا يخلو من شيء ، والأولى تسميته بالحُجّة الباطنة ، في مقابل الحجّة الظاهرة ، الذي هو النبي.
٣. الوحي
إنّ الوحي : إلهام
خاص بالأنبياء والمرسلين ، إذا كانت لغاية التشريع ، وتبيين الوظائف لمن بعثوا إليهم ، وله طرق ثلاثة ، جاء في الذكر الحكيم ، قال سبحانه :
﴿ وَمَا
كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّـهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ
أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾.
______________________
وأمّا الوحي عند الإسماعيليّة
، فيقول الداعي علي بن محمد الوليد : إنّ الوحي : هو ما قبلته نفس الرسول من العقل ، وقبله العقل من أمر باريه ، ولم يخالفه علم تألفه النفس الناطقة ، بقواها ، ثمّ تتأمّل منه النفس ما ليس لها استنباطاً بذاتها ، ولا تستخرجه بفكرها ، وتكون فيه غاية لسداد قصدها ، ومصلحة لجميع أمرها.
إلى أن قال : والفرق
بين الوحي وغيره من سائر العلوم ، أنّ الوحيَ يرد على من يوحىٰ إليه مفروغاً منه ، قد استغنى عن الزيادة فيه والنقصان منه ، كما
يقع الصحيح للمستمع من المتكلم ، وصفه ومعناه خارجين عن قدرة من جاء به ، وليس كذلك العلوم ، لأنّها تكون بالمقايسة ، وكثرة الذّوبِ فيها ، وإعمال الفكر و الرّويّة والتأليف والتحرير.
ثمّ للداعي الكرماني
كلام مفصّلٌ في الوحي لا يخلو من تعقيد. أعرضنا عن نقله.
٤. في أنّ الأنبياء لا
يولدون من سِفاح
يقول علي بن محمد
الوليد : إنّ الأنبياء والأئمّة عليهمالسلام لا يلدهم الكفّار ، ولا يولدون من سِفاح ، ثمّ استدلَّ ببعض الآيات ، وما جاء في التاريخ في حقّ عبد المطلب وأبي طالب.
٥. في صفات الأنبياء
يقول الداعي الكرماني
: المؤيد المبعوث مجمع الفضائل الطبيعيّة ، التي هي
______________________
أسبابٌ
في نيل السعادة الأبديّة ، وهو فيها على أمر يكون به على النهاية في جميعها ، من جودة الفهم والتصوّر لما يشار إليه ويومأ ، ومن جَودة الحفظ لما يراه الخاطر والعين على تباينه ، ويدركه السمع من الصوت على اختلافه ، ومن جودة الفِطنة والذكاء والتوقّد فيهما ، ومن جودة الذكر ، ومن جودة الأعضاء وسلامتها ، والقدرة على التأنّي بمعاناة أُمور الحرب ومباشرتها والصبر عليها ، ومن جودة الفطرة والطبع ، ومن جودة النحيزة ( الخير ) في السلامة والانقياد لكلّ خير ، فيكون
خالياً من الرذائل ، التي هي الشره والطمع والرغبة في المأكول والمشروب والمنكوح زيادة على الحاجة ، واللعب واللهو ، وعاطلاً في الجملة ، من الأُمور التي تعوق على النفس
سعادتها.
ويكون عظيم النفس
كريماً ، محبّاً للعدل ، مبغضاً للظلم والجور ، مؤثراً لما يعود على النفس منفعته من العبادة ، مقداماً في الأُمور ، جسوراً عليها ، لا يروعه
أمر في جنب ما يراه صواباً بجوهره.
٦. الرسول الناطق
الرسول الناطق ، هو الأصل
الذي يصدر عنه الدين بما فيه من علم وعمل ، وبمن فيه من أئمة يدعون إلى التحقّق بكمال العلم عن طريق العبادة الظاهرة.
وفي الحقيقة ، الرسولُ
الناطق عندهم ، عبارة عن أُولي العزم من الرُّسل ، غير أنّهم يعدون آدم منهم ، والمشهور عند سائر المسلمين أنّه ليس منهم ، ويضيفون إليهم محمد بن إسماعيل باسم القائم ؛ وإليك أسماءهم : آدم ، نوح ، إبراهيم ، موسى ، عيسى ، محمد ، القائم.
______________________
وكلّ واحد منهم رسول
ناطق ، يتقدّمه إمام مقيم ويتلوه الأئمة الأساس ـ المتم ـ المستقر ـ المستودع ـ وهم يتعاملون مع القائم الذي يبتدأ به الدور ، أعني
: محمد بن إسماعيل ، معاملة الرسول الناطق ، ولا يشترط أن يكون في كلّ دور إمامٌ مستودعٌ ، فإنّه إنّما يتسلّم شؤون الإمامة في الظروف الاستثنائية ، وكأنّه ينوب
عن الإمام المستقر كما سيتضح معنى ذلك.
ولا يخفى أنّ في صميم
العقائد الإسماعيليّة تناقضاً وتعارضاً ، فمن جانب نراهم يصرّحون بخاتميّة النبوة والرسالة ، وأنّ القرآن حجّة خالدةً إلى يوم
القيامة ، وأنّه لا ينسخ القرآن إلّا بالقرآن.
ومع ذلك فمحمد بن
إسماعيل ، المعبّر عنه بالقائم عندهم من النطقاء
، ولأجل إيضاح ذلك سوف نبحث عن عقيدتهم في الإمامة إن شاء الله.
٧. في المعجزات التي
يأتي بها الرسل
قال علي بن محمد
الوليد : إنّ المعجزات التي ترد وقت إظهار الشرائع من الرسول حقيقية ، وإنّها على ثلاثة أقسام :
الأوّل :
خرق العادة في تكوين العالم بظهور ما يعجز العقل عن وجوده من الأُمور الطبيعية ، من ردّ ما في الطبيعة عن قانونه المعهود لقهر العقول ، ودخولها
تحت أمر المعقولات ، ومن أجله يعلم أنّه متصل بالفاعل ، الذي لا يتعذّر عليه متى أراد ، إذ كلّما في العالم لا يتحرك إلّا بمادته وتدبيره.
الثاني :
ما يأتي به الشخص المبعوث من النطق المنسوب إلى من أظهر له المعجزات ، وأعجز كافّة أهل الدور عن الإتيان بمثله.
______________________
الثالث :
جميع الفضائل الموجودة في أشخاص العالم فيه حتى لا يوجد فوق كماله كمال في وقته.
أقول :
إنّ القسم الثاني الذي يريد به القرآن الكريم داخل تحت القسم الأوّل ، فلا وجه لعدّه قسماً ثانياً.
والقسم الثالث : كمالات
النبي ، ولا تعدّ معجزة.
٨. في أنّ الرسول
الخاتم أفضل الرّسل
يُفضَّلُ رسول الله على
سائر الرسل والأنبياء من وجوه ، أفضلها الوجوه التالية :
أ : هو أنّه سبحانه
جعل شريعته مؤيّدة لا تُنسخ أبداً ، وجعل الإمامة في ذريّته إلى قيام السّاعة ، ولم يُقدَّر ذلك لغيره.
ب : انّ الله عزّ
وجلّ أعطاه الشفاعة في الخلق. ولم يعطها إلى نبي قبله.
ج : انّ الأنبياء
قبله بطلت معجزاتهم من بعدهم ، ومعجزة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وهي « القرآن » ثابتة مؤيّدة لا تفنى أبداً إلى حين زوال أحكام الدنيا.
٩. في أنّ الشريعة
موافقة للحكمة
إنّ الحكمة والفلسفة
العقليّة ، هي والحكمة الشرعيّة سواء ، لأنّ الله سبحانه خلق في عباده حكماء ، وعقلاء ، ومحال أن يشرع لهم شرعاً غير محكم وغير معقول ، ولا يبعث برسالته وشرعه إلّا حكيماً عاقلاً مدركاً مبيّناً لِما تحتاجه العقول ، ويكلّف
لها بما يسعدها ويقوّي نورها ويعظّم خطرها.
______________________
١٠. في أنّ الشريعة لها ظاهر وباطن
يقول علي بن محمد
الوليد : إنّ الشارع قد وضع أحكام شريعته وعباداتها من الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحجّ وغير ذلك ، مضّمنة للأُمور العقليّة والأحكام والمعاني الإلهيّة ، وما يتخصص منها من الأُمور الظاهرة المشاكلة لظاهر الجسم ، والأُمور الباطنة المشاكلة للعقل ، والنفس ، وكلُّ من حقق ذلك كانت معتقداته سالمة.
أقول :
هذا المقام هو المزلقة الكبرى للإسماعيلية المؤوّلة ، إذ كلُّ إمام وداعٍ ، يسرح بخياله فيضع لكل ظاهر باطناً ولكلّ واجب حقيقةً ، يسمي أحدهما بالشريعة الظاهرية والآخر بالباطنية من دون أن يدلّ عليه بدليل من عقل أو نقل ، فكلُّ ما يذكرونه من البواطن للشريعة ذوقيات ، أشبه بذوقيات العرفاء في تأويل الأسماء والصفات وغير ذلك ، وكأنّ الجميع فروع من شجرة واحدة. وستوافيك نظرية المثل والممثول في فصل خاص ، وتقف على تأويلاتهم.
______________________
الإسماعيلية والأُصول الخمسة
٤
عقيدتهم في الإمامة
تحتل الإمامة عند الإسماعيلية
مركزاً مرموقاً حيث جعلوها على درجات ومقامات وزودوا الأئمة بصلاحيات واختصاصات ، ولتسليط الضوء على عقيدتهم فيها نبحث في مقامين :
المقام الأوّل : الإمامة المطلقة
إنّ درجات الأئمّة
ورتبهم لا تتجاوز عن الخمسة من دون أن تختص بالشريعة الإسلامية ، بل تعم الشرائع السماوية كلّها ، وبما أنّ مذهب الإسماعيلية أُحيط بهالة من الغموض عبر القرون لم يكن من الممكن أن يقف أحداً عليها إلّا طبقة خاصة من علمائهم ، وكانوا يبخلون بآرائهم وكتبهم على الغير ، غير أنّ الأحوال الحاضرة رفعت الستر عن كتبهم ومنشوراتهم ، فقام المستشرقون وفي مقدّمتهم « ايفانوف » الروسي وتبعه عدد آخر من المحقّقين بنشر آثارهم ، وعند ذلك تجلّت الحقيقة بوجهها الناصع ، كما قام الكاتبان الإسماعيليان عارف تامر ومصطفى غالب ببذل الجهود الحثيثة في نشر آثار تلك الطائفة ، فكشفا النقاب عن وجه العقيدة الإسماعيلية وبيّناها بوجه واضح خالياً من الغموض والتعقيد الموجودين في عامة كتب الإسماعيلية وإن كان بين الكاتبين اختلاف في بعض
الموارد
، ونحن نعتمد في تفسير درجات الإمامة علىٰ كتاب « الإمامة في الإسلام » للكاتب عارف تامر ، وإليك بيانه :
درجات الإمامة خمس
وهي :
١. الإمام المقيم.
٢. الإمام الأساس.
٣. الإمام المتم.
٤. الإمام المستقر.
٥. الإمام المستودع.
وربما يضاف إليها
رتبتان الإمام القائم بالقوة ، والإمام القائم بالفعل.
فالمهم هو الوقوف على
هذه الدرجات.
يعتقد عارف تامر في
كتابه « الإمامة في الإسلام » انّ هذه الدرجات ظلّت حقبة طويلة من الزمن مجهولة لدى الباحثين إلّا طبقة خاصة من العلماء ، أو لا أقلّ في التقية والاستتار والكتمان.
١. الإمام المقيم
هو الذي يقيم الرسول
الناطق ويعلّمه ويربّيه ويدرجه في مراتب رسالة النطق ، وينعم عليه بالإمدادات وأحياناً يطلقون عليه اسم « رب الوقت » و « صاحب العصر » ، وتعتبر هذه الرتبة أعلى مراتب الإمامة وأرفعها وأكثرها دقة وسرية.
٢. الإمام الأساس
هو الذي يرافق الناطق
في كافة مراحل حياته ، ويكون ساعده الأيمن ،
وأمين
سره ، والقائم بأعمال الرسالة الكبرى ، والمنفذ للأوامر العليا ، فمنه تتسلسل الأئمة المستقرون في الأدوار الزمنية ، وهو المسؤول عن شؤون الدعوة الباطنية القائمة على الطبقة الخاصة ممن عرفوا « التأويل » ووصلوا إلى العلوم الإلهية
العليا.
٣. الإمام المتم
هو الذي يتم أداء
الرسالة في نهاية الدور ، والدور كما هو معروف أصلاً يقوم به سبعة من الأئمة ، فالإمام المتم يكون سابعاً ومتماً لرسالة الدور ، وانّ
قوته تكون معادلة لقوة الأئمّة الستة الذين سبقوه في الدور نفسه بمجموعهم. ومن جهة ثانية يطلق عليه اسم ناطق الدور أيضاً ، أي انّ وجوده يشبه وجود الناطق بالنسبة للأدوار. أمّا الإمام الذي يأتي بعده فيكون قائماً بدور جديد ، ومؤسساً لبنيان حديث.
٤. الإمام المستقر
هو الذي يملك صلاحية
توريث الإمامة لولده ، كما أنّه صاحب النص على الإمام الذي يأتي بعده ، ويسمّونه أيضاً الإمام بجوهر والمتسلم شؤون الإمامة بعد الناطق مباشرة ، والقائم بأعباء الإمامة أصالة.
٥. الإمام المستودع
هو الذي يتسلّم شؤون
الإمامة في الظروف والأدوار الاستثنائية ، وهو الذي يقوم بمهماتها نيابة عن الإمام المستقر بنفس الصلاحيات المستقرة للإمام المستقر ، ومن الواضح أنّه لا يستطيع أن يورث الإمامة لأحد من ولده ، كما أنّهم يطلقون عليه (نائب غيبة ).
______________________
والعجب انّهم عندما
بحثوا موضوع الإمامة لم يجعلوا تسلسلها من إسماعيل ابن جعفر الصادق فحسب ، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك ، وحجتهم انّ الإمامة إذا كانت قد بدأت من هذا العهد المبكر فتكون محدثة ولا يقوم وجودها على أساس ، فذهبوا إلى عهد بدء الخليقة المعروف بعهد آدم وسلسلة
الإمامة من عصر آدم إلى يومنا هذا ، ثمّ أضافوا إلى ذلك قولهم بالأدوار والأكوار ، فقد جعلوا كل دور يتألف من إمام مقيم ورسول ناطق أو أساس له ، ومن سبعة أئمة يكون سابعهم متم الدور ، ويمكن أن يزيد عدد الأئمّة عن سبعة في ظروف أُخرى وفي فترات استثنائية ، وهذه الزيادة تحصل في عداد الأئمّة المستودعين دون الأئمّة المستقرين ، أمّا الدور فيكون عادة صغيراً وكبيراً ، فالدور الصغير هو الفترة التي
تقع بين كلّ ناطق وناطق يقوم فيها سبعة أئمّة. أمّا الدور الكبير فيبتدئ من عهد آدم إلى القائم المنتظر الذي يسمّى دوره الدور السابع ، ويكون بالوقت ذاته متماً لعدد النطقاء الستة.
فلأجل عرض صورة عن
عقائدهم في مجال تسلسل الإمامة من عصر أبينا آدم إلى يومنا هذا سوف نأتي بالجداول التي استخرجها ، عارف تامر في كتاب « الإمامة » ومصطفى غالب في كتاب « تاريخ الدعوة الإسماعيلية ».
يقول عارف تامر : إنّ
هذا الموضوع من أدق المواضيع وأصعبها ، بل هو بالحقيقة من الدعائم المتينة في عقائد الإسماعيلية ، وقد يبدو لكل باحث فيها انّ دعاتها حافظوا على سريته التامة طيلة العصور الماضية وجعلوا معرفته مقتصرة على طبقة خاصة من العلماء والدعاة.
وسوف توافيك تلك
الجداول تحت عنوان « شجرة الإمامة الإسماعيلية » في الفصل الحادي عشر فانتظر.
______________________
المقام الثاني : في الإمامة
الخاصة
قد تعرفت على نظام الإمامة
في مذهب الإسماعيلية ولكن المهم هو الوقوف على ملامح الإمامة عندهم بصورة عامة ، وقد تصدّى لذكرها الداعي اليمني علي ابن محمد الوليد في كتابه « تاج العقائد » ونحن ننقل منه ما يبيّن عقيدتهم في ذلك
:
١. صاحب الوصية أفضل
العالم بعد النبي في الدور
إنّ صاحب الوصية هو
الذي جوهره لاحق بجوهره ، وكماله مشتق من كماله ، وإنّ معاني أقواله ورموز شريعته وأسرار ملته وحقائق دينه توجد عنده ، ولا تتعداه ، ولا تؤخذ إلّا منه ، وانّه المبرهن عن أغراضه ، والمفصح لأقواله ، المبين
لأفعاله ، القائم بالهداية بعده لمن قصد المعرفة لما جاء به ، والحافظ لشريعته من الآراء المختلفة ، وبذلك كان وصياً ، ولا يوجد في الأصحاب من يقوم مقامه ، ولا يسد مسده في حفظ معاني تكليفه الذي أخذه عن باريه مع ما يوجد فيه من الطهارة ، وصدق القول ، وزكاة النفس ، والاحتواء على العلوم ، والقربة منه في الطبع ، والجوهر ، والسابقة ، والصحبة ، والأصل.
في أنّ الإمامة في آل
بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
يُعْتقد انّ الإمامة
في آل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من نسل علي وفاطمة فرض من الله سبحانه أكمل به الدين فلا يتم الدين إلّا به ، ولا يصحّ الإيمان بالله والرسول
إلّا بالإيمان بالإمام والحجّة ، ويدل على فرض الإمامة إجماع الأُمّة على أنّ
الدين والشريعة لا يقومان ولا يصانان إلّا بالإمام ، وهذا حقّ لأنّه سبحانه لا يترك
الخلق
______________________
سدى.
ولا يمنعهم هذه الفريضة التي لا تسوغ الهداية إلّا بها.
وإنّ الرسول نص على
ذلك نصاً تشهد به الأُمة كافة بقوله : « الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا ، وأبوهما خير منهما » ، ولم يحوج الأُمّة إلى اختيارها في تنصيب الإمام ، بل نص عليها بهذا لأنّ بالإمامة كمال الدين.
فلو أنّ الرسول تركها
حتى تكون الأُمة هي التي تفعلها ويتم بما فعلوه ( في ) دين الله بقولهم انّ الرسول لم ينص على الوصية ولا استخلف أحداً لخرجت الإمامة عن أن تكون فرضاً على الأُمة ، وكان سبيلها سبيل الولاة في كلّ زمان ، القائمين بأُمور الناس.
إلى أن قال : وقد اعترف
المخالفون انّ إمامة الثلاثة ليست بنص ، لأنّهم قد جحدوا النص والوصية وفيما جرى في السقيفة من الأُصول ما يجب للعاقل أن يفكر فيه وغير معيوب على المتخلّف عن بيعتهم والخلاف لهم فيها إذ كان الحال فيما تقرّر مشهوراً غير مستور ، والعودة إلى الحقائق أولى لمن يعتمد عليها إذا كان
طالباً للهداية مع ترك التعصب.
٣. في أنّ الإمامة
وارثة النبوة والوصاية
الإمام يرث من النبوة
الظواهر والأحكام وجري الأُمور على ما علمه من النظام.
ويرث من صاحب الوصاية
المعاني التي ورثها عن النبوة ، ليكون الكمال موجوداً لقاصده ، ومسلماً في شريعته التي جعلها عصمة لمن التجأ إليها ، وطهارة لمن التزم قوانينها وسار على محجَّتها ، فتسلم له دنياه ويفوز في عقباه بالتجائه
إلى من عنده علم النجاة وحقيقة الشريعة السالمة من كلّ تغيير وتمويه مع سلامة
______________________
توحيده
لباريه.
أقول :
ولا يذهب عليك أنّ الإمام على هذا أفضل من النبي كما هو أفضل من الوصي ، لأنّ الإمام جامع للمنقبتين ظاهر الشريعة وباطنها ، إلّا إذا كان النبي
رسولاً فهو جامع أيضاً للمنقبتين ، ولا أدري من أين لهم هذه الضوابط والقواعد ، وما هو الدليل على هذا التقسيم ؟!
٤. في انقطاع الوصاية
بعد ذهاب الوصي
يُعْتقد أنّ الوصي
إنّما يوصيه الرسول على معالم شريعته ، وأسرار ملّته ، وعيون هدايته ، وحقيقة أقواله ، وحفظ أسراره ، فإذا قام بها ومضى إلى دار كرامته استحال قيام وصي ثان بعده ، لأنّ الشريعة لم تتغير ، ولا ذهبت فتأتي أوامر جديدة تحتاج
إلى من يوصّى بحفظها والقيام بمعانيها وضبط أحوالها ، فلهذا كان انقطاع الوصية بعد مضي الوصي الذي خلّفه الرسول في العالم.
٥. في استمرار الإمامة
في العالم دون النبوة والوصاية
يُعْتقد : انّ الإمامة
مستمرة الوجود في الأدوار جميعها ، من أوّلها إلى آخرها ، لأنّ الإمام هو الوارث لما جاء به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من الشرع والوصي على البيان ، لكونه حافظاً في الأُمة على الهداية التي ورثها منهما ، ولمّا كان أمر الرسول والوصي
جارياً على أهل الدور من أوّله إلى آخره ، كان من ذلك حفظ درجة الإمامة على الدور بالاستمرار ، والتوالي ، إذ لم يبق زيادة تستجد فتحتاج إلى منزلة مستجدة ، فكانت هداية موروثة منسوبة إلى أصل الدور ، ومعلم الشريعة والبيان ، فلا تزال هذه
______________________
الحالة
مستمرة إلى حين تأذن الحكمة الإلهية بتجديد شريعة ثانية ، وأمر يحتاج العالم إليه لحفظ نظامه ، ولمّا كانت هذه الشريعة ، أي شريعة محمد ، لا تنسخ ، ولا
يفقد حكمها حتى قيام الساعة ، بقيت الإمامة فيها موجودة ، ومحفوظة إلى حين قيام الأشهاد ، ويوم التناد ، فلهذا استمرت الإمامة في العالم دون النبوة ، والوصاية.
وعلى هذا فكلّ إمام
غائب أو حاضر بعد الإمام الصادق يساوي في الفضل والعلم والكمال الإمام المنصوص في يوم الدار ويوم الغدير ، فالإمام الحاضر ، أعني به : كريم آغا خان ، تساوي كفته في معالي الأُمور كفّة الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام فيقوم بنفس ما يقوم به الإمام.
يا تُرَى ما هذا
الجور في القضاء والاعتساف في الحكم ، فكيف يكون الإمام المذكور إماماً عالماً محيطاً بالشريعة وواقفاً على أسرارها مع أنّه تلقى علومه الأوّلية
في مدارس سويسرا فأتقن الانكليزية والفرنسية والإسبانية كما درس اللغة العربية وبعد أن أكمل تحصيله في سويسرا انتسب إلى جامعة هارفرد الأمريكية ؟!!
والإمام الذي يتلقّى
العلوم الظاهرية في المدارس والجامعات كيف يكون واسطة في الفيض ، واقفاً على الأسرار ، وإماماً يعادل في التقى والعصمة والعلم والفضل الأئمّة المعصومين المنصوبين من قبل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟!
وكأنّي بابن المعرة
يقول :
فيا موت زر إنّ الحياة
ذميمة
|
|
ويا جد جدي ان سعيك
هازل
|
______________________
٦. في أنّ الإمام لا تجوز غيبته من الأرض
إنّ الإمام لا تجوز
غيبته عن الأُمة بوجه ، ولا بسبب ، وإن حدثت فترة فتكون خواص شيعته على اتصال به ويعرفون مقامه ، ويدلّون من خلصت نيته إلى مقره.
والغيبة لا تخلو من
ثلاث خصال :
١. أن تكون غيبته من
قبل الله.
٢. أن تكون من قبل
نفسه.
٣. أن تكون من قبل
الناس وخيفة من أعدائه.
فباطل أن تكون الغيبة
من قبل الله ، لأنّ ذلك لا يليق بالحكيم العادل.
وإذا رجعنا إلى نفسه
فلا نجدها من قبلها ، لأنّه معصوم من الخطايا وفرض ولايته يوجب حضوره .
وإن كان من قبل الناس
، فقد شكّ في دين الله ، لأنّ الله نصبه وتكفل إيصال الهداية إلى الأُمة به ، وعرّفه أنّه لا يخرج من العالم حتى يورث مقامه
هادياً مثله.
إذن فليس لخوفه من
الناس وجه.
إلى أن قال : والإمام
هو الحاكم بين عباد الله ، الموهوب له الحكم من الحكيم الخبير والنائب في خلافته على الخلق ، الوارث الأرض ، والمتصرف بأحكامها ولا يجب زواله ولا عدمه بوجه من الوجوه.
أقول :
إنّ المراد من الغيبة ليس هو الغيبة عن عالم الوجود كما تصوّره ذلك الكاتب ، بل المراد من الغيبة هو الغيبة عن أعين الناس ، فهو يبعث بين الناس فيعرفهم ولا يعرفونه ، لا أنّه يخرج من الدنيا ويعيش في عالم آخر يباين ذلك العالم
،
______________________
وهذا
يعرب عن أنّ الداعي لم يرجع إلى كتب الإمامية الاثني عشرية ، وهو مع ذلك يتصرف في الأُمور حسب مصالح الناس وإن كان الناس لا يعرفونه ، ويتشرف بحضوره ويتمتع بلقائه من هو أهل لذلك وإن كان يكتمه ولا يظهره إلّا للخاصة من الناس.
هذا هو القرآن الكريم
يعرّف لنا ولياً من أوليائه سبحانه ، كان يعيش بين الناس ويركب سفينتهم ويتصرف فيها أمام أعينهم وهم لا يعرفونه ويتصرف في أُمور أشد من ذلك يقتل غلاماً معصوماً بإذن من الله ولا يُلاحَق ، ويبني جداراً في
حال الانقضاض تحته كنز ليتيمين لغاية الستر عليه حتى يستخرجا كنزهما رحمة من ربه يقول سبحانه :
﴿ أَمَّا
السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ
أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا
أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ
زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ
تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا
كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾.
وقد غاب عن أعين
الناس على وجه لم يكن الرسول موسى عليهالسلام عارفاً به ، وإنّما عرفه بتعريف من الله سبحانه.
فلماذا لا تكون غيبة
الإمام بهذه الصورة ، أي يكون غائباً عن أعين الناس ولكن متصرفاً في مصالحهم ويلتقي مع خيار أُمته ؟
هذا وانّ لأصحابنا
كتباً ورسالات حول غيبة الإمام الثاني عشر كشفوا فيها علل الغيبة ومصالحها وفوائدها ، فمن أراد فليرجع إليها.
______________________
٧. في الوصية بعد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الوصي
يعتقد بوصية الرسول
إلى علي بن أبي طالب عليهالسلام من اثني عشر وجهاً ، منها :
١. قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا يحل لامرئ مسلم أن يبيت ليلتين إلّا ووصيته مكتوبة عند رأسه ».
٢. إجماعنا على أنّ الرسول
استخلف علي في المدينة في غزوة تبوك مقتدياً باستخلاف موسى لأخيه هارون عند مضيه لميقات ربه ، وفي هذا الاستخلاف قال له : « يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي ».
٣. حديث الدار والإنذار
وقد ذكره المفسرون في تفسير قوله سبحانه : ﴿ وَأَنذِرْ
عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾
.
أقول :
والعجب انّه لم يذكر حديث الغدير الذي اتفقت الأُمّة علىٰ نقله !!
٨. في قعود علي عن
الخلافة
ويعتقد انّ قعود
الوصي بعد الوصية لم يكن عن عجز ، ولا تفريط ، وذلك لأنّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أعلمه عن دولة المتغلبين ، وعقوبة
الله عزّ وجلّ لهم في ذلك بقوله : « إنّ لك يا علي في أُمّتي من بعدي أمر ، فإن ولّوك في عافية ، وأجمعوا
عليك في رضى ، فقم بأُمورهم ، وإن اختلفوا واتبعوا غيرك ، فدعهم وما هم فيه ، فإنّ الله
سيجعل لك مخرجاً ».
فلمّا قام أمير المؤمنين
في يوم الجمل وصفين والنهروان قام في الوصية أيضاً لقول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : « يا علي تقاتل بعدي الناكثين
والمارقين والقاسطين ».
______________________
فليت شعري من هؤلاء
الذين نكثوا ومرقوا وقسطوا حتى قاتلهم ، هل هم غير أُمّة محمد الذين نكثوا بيعة وصيّه ومرقوا عن أمره ، وقسطوا وأظهروا الأحقاد الكامنة له ولأهل بيته بالرغم من أوامر الرسول إليهم.
٩. في فساد إمامة
المفضول
يعتقد فساد إمامة
المفضول وإبطال إمامة المشرك الناقض لقوله عزّ وجلّ : ﴿ وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ
فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾.
فجلّ ثناؤه وتقدّست
أسماؤه بيّن أنّ عهد الإمامة وخلافة الله تعالى لا تلحق من أشرك بالله طرفة عين ، وإنّما يكون ميراثها في الطاهرين المصطفين العلماء ، لقوله تعالى : ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ
عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّـهِ
ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾.
وقوله : ﴿ أَفَمَن
يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن
يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾.
وقد ثبت انّ كلّ من
دخل في الإسلام من الجاهلية فقد عبد الأصنام وتدنس بالشرك مع ما كانوا يفعلون برسول الله أيام حياته ممّا هو مشهور غير خفي.
وتوقف كلّ واحد منهم
بعده وحاجتهم إلى علم علي مع طهارته واصطفائه عليهم في حالتي العلم والجسم ، وكونه لم يسجد لصنم ، ولا توقف عن أمر محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا كانت له سابقة في الجاهلية ، ولا
أشرك في الله طرفة عين ، ولا
______________________
تحمّل
، ولا كذب ، ولا داهن ، ولا مال إلى مفضول ، بالرغم من ميل الغير عنه إلى كل مفضول ، مع إقرار المفضول على نفسه بقوله : « ولّيت عليكم ولست بخيركم » وغير ذلك من قوله : « فإن غلطت فردّوني ، وإن اعوججت فقوّموني ، فإنّ لي شيطاناً يغريني ».
فليت شعري على أي شيء
اعتمدوا بتقديم من قدّموه دون نص ، أو وصية ».
١٠. في إبطال اختيار الأُمّة
للإمام
ويعتقد انّ اختيار الأُمّة
لنفسها الإمام غير جائز ، لأنّ إقامة الحدود على الأُمّة هي للإمام ، ففيها بعض رسوم الشريعة المبسوطة إلى الإمام ، من دون الأُمة ، فإقامة
الإمام الذي تتعلّق به كلّ أُمور الشريعة ، لأنّه صاحب المقام العظيم ، والمستخلف أولى أن يكون بأمر الله ، وإذا كان إقامة الإمام بأمر الله كان من ذلك الإيجاب
بأنّ الاختيار من الأُمّة باطل.
وانّ صحّة العلم انّ
المختار للإمامة لا يكون إلّا بعد الإحاطة بجميع ما يحتاج إليه في الإمامة من علم الشريعة والكتاب والأحكام ، ثمّ العلم بأنّ ما عرف ممّا يحتاج إليه في الإمامة موجود فيمن يختاره هو كاف فيه.
١١. في أنّ كلّ متوثب
على مرتبة الإمام فهو طاغوت
ويعتقد انّ كلّ من
دفع الإمام عن مقامه ومنزلته وعانده بعد وصية النبي له في كلّ عصر وزمان ، إنّما هو المشار إليه باسم الطاغوت ، وهو رئيس الجائرين
______________________
الحائدين
عن أمر الرسول ، المعنيّ بالظالم ، الذي توجهت إليه الإشارة وإلى أمثاله في كلّ دور : ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا
لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴾.
إلى قوله تعالى : ﴿ لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ
الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا ﴾.
فالطاغوت هو رئيس
الجائرين المعتدي على المنصوص عليه ، والشيطان معاضده على الباطل القائم في نصرته المنمِّق للأحاديث الكاذبة ليصرف وجوه الناس إليه ، ويصدّهم عن أمر الله ورسوله بالكون معه ، والطاعة له ، وإذا نظروا
إلى ما تضمّنته الشريعة ، يتبين لهم الأمر على جليته ، وتنفتح لهم طرق الهداية ويقع الانتباه ويزول الهوى ويشملهم التوفيق في قصدهم.
١٢. في أنّ الأرض لا
تخلو من حجّة لله فيها
يعتقد انّ الأرض لا
تخلو من حجّة لله فيها : من نبي ، أو وصي ، أو إمام يقوم المسائل ، ويقيم الحدود ، ويحفظ المراسيم ، ويمنع الفساد في الشرع ، ويقبل الأعمال ، ويزكّي الأفعال ، وتقام به الحجة على الطالب ، ويزيل المشكلات إذا حلت على المتعلمين ، ويركز الأُمة بعد غيبة نبيها ، إذا كان شخصه غير مستقر البقاء في العالم ، محفوظ النسب ، معروف الولادة ، متبِع دينَ آبائه ، لا يرجع عن أقوالهم ، ولا يقدم غيرهم ، ولا يكون مأمون خلاف غيره ، ولا مشير في الفضيلة إلى سواه ، متبوع لا تابع ، مقصود لا قاصد ، مرغوب في حكمه ، وصحّة أفعاله ، وتعاليمه ، وهدايته ، لأنّ الرسول جعله دليلاً للمتعلم ، ونجاة للحائر.
______________________
أقول :
إنّ ما ذكره من أنّ الأرض لا تخلو من حجة لله حق ، ولكن السبب ليس ما جاء في كلامه من إقامة الحدود ، وحفظ المراسم ، ومنع الفساد ؛ فإنّ ذلك يقوم به سائر الولاة أيضاً ، وإنّما الوجه انّه الإنسان الكامل وهو الغاية القصوىٰ
في الخلقة ويترتب على وجود ذلك الإنسان الكامل بقاء العالم بإذن الله سبحانه وآخره لحصول الغاية وإلى ذلك يشير الحديث النبوي :
« أهل بيتي أمان لأهل
الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض ».
وقوله : صلىاللهعليهوآلهوسلم لعلي عليهالسلام : « إنّي وأحد عشر من ولدي وأنت يا علي
رزّ الأرض ـ أعني أوتادها وجبالها ـ بنا أوتد الله الأرض أن تُسيخ بأهلها فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا ».
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون ».
وقال الإمام أمير المؤمنين
عليهالسلام : « اللّهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم
لله بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً ».
١٣. منع المبتدي عن
الكلام
ويُعتقد انّ منع
المبتدي عن الكلام في الدين ، صفات ، واقتداء بأفعال الله ، وذلك انّ الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الطفل يتكلم عند خروجه وولادته ، وإنّما تأخر عن الكلام لحكمة أوجبها لتكون لأبويه عنده فضيلة التنطيق ، والتلقين ، والتعليم ، وكذلك المبتدي يمنع من المجادلة ، والنطق بما يشق على غيره
،
______________________
ومتىٰ
تعلم من شيخه أو معلّمه القائم له مقام الصورة ، فيعلمه الأُصول التي يجب الاحتياط بها نموذجاً يحتذى عليه في خطابه ، وكلامه فيما يجب الاحتياط له.
١٤. في أنّ القرآن لا
ينسخه إلّا قرآن مثله
ويعتقد انّ القرآن لا
ينسخه إلّا قرآن مثله ، والدلالة على ذلك موافقة السنّة للكتاب ، قال الله تعالى : ﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً
مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾.
قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في خطبة الوداع : « لا يقولنّ عليَّ أحد منكم ما لم أقله ، فإنّي لم أحلل إلّا ما أحلّه الله في كتابه ، وكيف
أُخالف كتاب الله وبه هداني ؟ وكيف أخالف كتاب الله وبه هداني وعليّ أُنزل ؟ ».
١٥. في تخطئة القياس
والاستحسان
لا ترخّص الشيعة
قاطبة القضاء والافتاء بالقياس والاستحسان ، والرأي غير المستنبط من الكتاب والسنّة ويظهر من الداعي علي بن محمد الوليد ، اتّفاق الإسماعيلية على منع العمل به قال :
إنّ الخطأ ، القول
بالرأي ، والقياس ، والاجتهاد والاستحسان ، بدليل قوله تعالى : ﴿ وَلَا
تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـٰذَا حَلَالٌ
وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّـهِ الْكَذِبَ لَا
يُفْلِحُونَ ﴾.
وقال الله عزّ وجلّ :
﴿ وَقَالُوا
لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ
______________________
اللَّـهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّـهُ عَهْدَهُ أَمْ
تَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾.
فالقائل في الدين برأيه واجتهاده قائل عن الله ما لا يعلم.
قال النبي : « اتبعوا
ولا تبدعوا ، فإنّ البدعة رأس كلّ ضلالة ، وكلّ ضلالة في النار ».
وقال عبد الله بن
جعفر بن محمد : « إيّاك وخصلتان فيهما هلك من هلك ، إيّاك أن تكتفي برأيك ، أو تدين بما لا تعلم ».
وقال عليهالسلام : « إيّاك والقياس ، فإنّ أوّل من قاس إبليس فأخطأ في قوله : ﴿ قَالَ
مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ
خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾
».
فالدين لا يصح إلّا
بالاقتداء والاتباع للكتاب والسنّة ، والرضا ، والتسليم ، إلى الهادي الذي عرفناه ، ورضيناه من غير ابتداع ، ولا قول برأي ولا قياس ، ولا تقليد سلف.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الأُمور ثلاثة : أمر قد بان لك رشده فاتبعه ، وأمر بان لك
غيّه فاجتنبه ، وأمر أشكل عليك فرده إلى أهله ».
وقال الإمام جعفر بن
محمد لأبي حنيفة النعمان القائل بالرأي والقياس : « يا نعمان بلغني انّك تعمل بالقياس ، فأخبرني إن كنت مصيباً : لم جعلت العين مالحة ، والمنخران رطبان ، والأُذنان مرّتان ، واللسان عذب ؟ » قال : لا أدري ، فأخبرني جعلت فداك ؟ فقال الصادق : « العين مالحة لأنّها شحمة ، ولا تصلحها إلّا الملوحة ؛ والأنف رطب لأنّه مجرى الدماغ والنفس ؛ والأُذن مرّة لقتل الدواب ،
متى دخلتها ؛ وجعل اللسان عذب ليعرف به طعوم الأشياء. يا نعمان إذا لم تعرف
______________________
ما
جعله الله في بنيتك ، وأحكمه في صورتك لتمام منافعك ، فكيف تقيس على دين الله عزّ وجلّ ؟! » فقال : أخبرني جعلت فداك ، لم تقضي الحائض الصيام دون الصلاة ؟ فقال عليهالسلام : « لأنّ الصلاة تكرر » قال : أخبرني
لم وجب الغسل من الجنابة ، والوضوء من الغائط ؟ قال : « لأنّ الجنابة تخرج من جميع الجسد ، بينما الغائط من مكان واحد » قال : أخبرني لم فضّل الرجل في الفرائض على الامرأة مع ضعفها ، وقوته ؟ قال : « لأنّ الله تعالى جعل الرجال قوامين على النساء ، ينفقون عليهن » ، فقال أبو حنيفة : ﴿ اللَّـهُ أَعْلَمُ حَيْثُ
يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾.
فترك القياس سعادة
للمكلّف ، وضبط له عن الخوض في دين الله برأي النفس ، والهوى الغالب ، فإنّ أصل الشريعة ليس بقياس ، لأنّه أخذ عن الله تعالى بتعليم الملك ، وأخذ من الرسول بتعليم دون قياس ، وأخذ من الوصي بتعليم النبي ، وأخذ من الإمام بتعليم الوصي ، وأخذ الرجال بتعليم الإمام دون رأي من يرى ، وقياس من قاس ، واجتهاد من اجتهد ، بالظنون الكاذبة ، والرأي ، والآراء المتناقضة.
______________________
الإسماعيلية والأُصول الخمسة
٥
عقيدتهم في المعاد
وما يرتبط به
المعاد بمعنى عود الإنسان
إلى الحياة الجديدة من أُسس الشرائع السماوية وهي حقيقة لا تنفك عن الإيمان بالله ، لذا نرى أنّ أصحاب الشرائع اتّفقوا على وجود المعاد بعد الموت : ﴿ وَأَنَّ اللَّـهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ ﴾.
ولولا القول بالمعاد لما قام للدين عمود ، ولا اخضرّ له عود.
نعم ، اختلفوا في
كونه جسمانياً أو روحانياً وعلى فرض كونه جسمانياً فهل الجسم المعاد جسم لطيف برزخي أو جسم عنصري ؟
والإمعان في الآيات
الواردة حول المعاد يثبت الأخير بلا شك ، فهلمّ معي ندرس عقيدة الإسماعيلية في المعاد وكيفيته.
١. في أنّ المعاد
روحاني لا جسماني
قال الكرماني ـ بعد
بيان النشأة الأُولى في الدنيا ـ : ثمّ الله ينشأ النشأة الآخرة ، بقوله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَىٰ ـ التي هي خلق أجسامكم من قبيل جسمكم ـ فَلَوْلَا
تَذَكَّرُونَ ﴾
فهلا تتفكرون وتوازنون وتعلمون انّ النظام في الخلق والبعث واحد ، وانّ النشأة الآخرة هي خلق الأرواح وإحياؤها بروح القدس
______________________
على
مثال النشأة الأُولى. ثمّ إنّه أفاض في الكلام ومحصّله : كما أنّ الإنسان في عالم الاحشاء يكتسب آلات ليحس بها الكمالات عند مصيره إلى عالم الدنيا ، فهكذا هو في عالم الجسم والدنيا يكتسب آلات ليلتذ بها عند مسيره إلى عالم الآخرة ، فكما
أنّه يستغني عند مسيره من عالم الاحشاء إلى عالم الحس عمّا فيها ، فهكذا عند مسيره من عالم الحس إلى عالم الآخرة وإليك عبارته :
ولما كان الأمر في
وجود النفس وكمالها كالأمر في جسمها كما نطق به الكتاب الكريم ، فالإنسان ينتقل من رتبة النطفية إلى رتبة العلقية ، ومن رتبة العلقية إلى رتبة المضغية ومن رتبة المضغية كذلك أن يحصل له الآلات من عين وأُذن ويد ورجل وأنف ولسان وغير ذلك من الأُمور ليقوم بالفعل بها عند مصيره إلى عالم الحس إذ كان وجودها له في تلك الظلمات وضيق الأحشاء لا لها ، بل لفسحة الدنيا وما فيها فيكون ما يلتذ به أو يألم بحسب ما اكتسب في الأحشاء من الآلات ، فهكذا وجودها في جسمها لا له بل لذاتها التي تليق بعالم آخر إليه مصيرها وعند مفارقة الجسم من جسمها مصيراً إلى الآخرة التي إليها إنهاؤها كمفارقة جسمها الأحشاء مصيراً إلى عالم الحس الذي إليه وروده وتكون ذاتها في آخرتها لذاتها آلة تجد بها الملاذ كالجسم الذي هو لها في دنياها آلة تجد بها
الملاذ ، وما يحصل لها من روح القدس في ذلك العالم كالروح الحسي الذي يحصل للجسم في هذا العالم.
ومن تأمل فيما أفاض
يذعن بأنّ المعاد عندهم روحاني لا جسماني ، وقد صرح بذلك أيضاً الداعي علي بن محمد الوليد ، وقال : ويعتقد انّ الله تعالى دعانا على ألسنة وسائطه بقبول أمره ، إلى دار غير هذه الدار فهذه الدار صورية وتلك مادية وما بينهما صوري ومادي.
______________________
٢. في التناسخ
وهو عود الروح بعد
مفارقة البدن إلى الدنيا عن طريق تعلقها ببدن آخر كتعلّقها بالجنين عند استعدادها لإفاضة الروح وله أقسام مذكورة في محلّها.
وربما ينسب القول
بالتناسخ إلى الإسماعيليّة ، ولكن النسبة في غير محلّها.
يقول الداعي الكرماني
: وأمّا من يرى الجزاء ، مثل محمد بن زكريا والغلاة وأهل التناسخ ، وانّه يكون في الدنيا ، فمن اعتقادهم انّ هذه الأنفس لها وجود قبل أشخاصها بخلاف اعتقاد الدهرية وأمثالها ممّن ينحون نحوهم الذين يقولون انّ وجودها بوجود أشخاصها ، ويقولون : إنّها جوهر تتردد في الهياكل بحسب اكتسابها إلى أن تصفو وتعود ، فقد أوردنا في كتابنا المعروف بـ « الرياض
» و « ميزان العقل » وغيرهما من رسائلنا في فساد قولهم ما يغني سيّما ما يختص بذلك في كتابنا المعروف بـ « المقاييس » رداً على الغلاة وأشباههم.
يقول الكاتب الإسماعيلي
مصطفى غالب : ويذهب أكثر الذين كتبوا عن عقائد الإسماعيليّة من القدماء والمحدثين بأنّ الإسماعيليّة يقولون بتناسخ الأرواح
، أي أنّ الروح بعد الموت تنتقل إلى إنسان آخر أو إلى حيوان أو نبات على نحو ما نراه في العقيدة البوذية أو النصيرية مثلاً ، ويمكننا بعد أن درسنا كتب الإسماعيلية
السرية والعلنية دراسة دقيقة ، أن نقول بأنّهم لا يدينون مطلقاً بالتناسخ ، بل
ذهبوا إلى أنّ الإنسان بعد موته يستحيل عنصره الترابي ( جسمه ) إلى ما يجانسه من التراب ، وينتقل عنصره الروحي ( الروح ) إلى الملأ الأعلىٰ ، فإن كان الإنسان
في حياته مؤمناً بالإمام فهي تحشر في زمرة الصالحين وتصبح ملكاً مدبراً ، وإن كان
______________________
شريراً
عاصياً لإمامه حشرت مع الأبالسة والشياطين وهم أعداء الإمام.
والإمام نفسه يجري
على جسده مثلما يجري على سائر الأجساد بعد الموت ، حيث يتحلّل كل قسم إلى ما يناسبه ، فالجسم الترابي يعود إلى التراب ، والنفس الشريفة تعود إلى ما يجانسها ويناسبها ، فتصبح نفس الإمام عقلاً من العقول المدبرة للعالم ، فلا تتناسخ ولا تتلاشىٰ أي تتقمص.
٣. في الحساب
والحساب تابع للبعث
وهو فعل يحدث عنه من النفس للنفس الثواب الذي هو الملاذ والمسار ، والعقاب الذي هو الألم والعذاب والغم ، وينقسم هذا الفعل إلى ما يكون وجوده في الدنيا ، وإلى ما يكون وجوده في الآخرة.
فأمّا ما يكون وجوده
في الدنيا فينقسم قسمين. ثمّ أفاض الكلام في القسمين.
٤. في الجنة
يقول الكرماني : إنّها
موصوفة بالسرمد والأبد ووجود الملاذ فيها أجمع ، وأنّها لا تستحيل ، ولا تتغير ، ولا يطرأ عليها حال ، ولا تتبدل ، والذي بهذه الصفة هو النهاية الأُولة من الموجودات عن المتعالى سبحانه عن الموصوفات والصفات إبداعاً خارج الصفحة العليا من السماوات المعرب عنها بسدرة المنتهى الذي هو المبدع الأوّل.
______________________
٥. في الملائكة
إنّ الملائكة على
ضروب وكلّهم قد أُهّلوا لمنافع الخليقة ، فلا يتعدى أحد منهم بغير ما وكّل به ، كما قال وأخبر عنهم : ﴿ وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ
مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ﴾
والجوهر فيهم واحد ، وإنّما
اختلفت أسماؤهم لأجل ما وكلوا به فمنهم من هو في العالم العقلي ، ومنهم من هو في العالم الفلكي ، ومنهم من هو في العالم الطبيعي لحفظ ارجائه ، ثمّ استدل بالآيات القرآنية.
منها قوله : ﴿ فَلَا
أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ﴾ يعني الملائكة الذين قد أخفى سبحانه ذواتهم عن النظر ، وجعل المخلوق عن الطبائع محجوباً عنهم لا يراهم حتى يصير إمّا في منزلة النبي أو يخلص القبول من النبي بقرب الدرجة منه.
٦. في الجن
ويعتقد انّ في الجن
ذوات أرواح نارية وهوائية ومائية وترابية ، ويعتقد انّ الجن صحيح لا ريب فيه وهم على ضروب في البقاع والمصالح والمنافع والفساد والضرر ، إلى أن قال : فمنهم من هو في ارجاء العالم ممنوع عن مخالطة بني آدم ، ومنهم من هو مخالط لبني آدم في أماكنهم.
______________________



تدّعي الإسماعيليّة
أنّ شجرة الإمامة تبتدأ من حين هبوط آدم إلى يومنا هذا ، ولم يجعلوا تسلسلها من إسماعيل بن جعفر الصادق ، بل ذهبوا إلى عهد بدء الخليقة ، فطبّقوا قواعدهم الإماميّة ، وسلسلوا الإمامة تسلسلاً مستمرّاً إلى
العصر الحاضر.
ثمّ أضافوا إلى ذلك
قولهم بالأدوار ، والأكوار ، وقد جعلو كلَّ دور يتألّف من إمام مقيم ، ورسولٍ ناطق ، أو أساس له ومن سبعة أئمّة يكون سابعهم متمَّ الدَّور ،
ويمكن أن يزيد عدد الأئمّة عن سبعة في ظروف أُخرى وفي فترات استثنائيّة ، وهذه الزيادة تحصل في عداد الأئمّة المستودعين ، وليس في الأئمّة المستقرين.
أمّا الدّور فيكون
عبادة صغيراً أو كبيراً ، فالدور الصغير هو الفترة التي تقع بين كلّ ناطق وناطق ، ويقوم فيها سبعة أئمَّة ، أمّا الدّور الكبير فيبتدأ من عهد
آدم إلى القائم المنتظر ، الذي يُسمى دوره ، الدور السابع ، ويكون في الوقت ذاته متماً
لعدد النطقاء الستة.
وفي الصفحات التالية
تظهر الشجرة الإسماعيليّة ، وتفرعاتها ، وقد أخذناها من كتاب « الإمامة في الإسلام » ، تأليف الكاتب الإسماعيليّ عارف تامر
الذي يقول : إنّ شجرةَ الإمامة عند الإسماعيليّة ظلّت حقبة طويلة مجهولة لدى الباحثين ، ومقصورة على طبقة خاصّةٍ من العلماء ، أو قُل في التقيّة والاستتار والكتمان.
وقد أفرده الأُستاذ
أيضاً في كتاب خاص أسماه « فروع الشجرة الإسماعيليّة الإماميّة » نشرته المطبعة الكاثوليكية ، في بيروت عام ١٩٥٧ م.
______________________
شجرة
الإمامة الإسماعيليّة منذ أَقدم العصور
الدور الأوّل :
( ويبتدئ من وقت هبوط
آدم حتى ابتداء الطوفان ، ومدته ألفان وثمانون عاماً وأربعة أشهر وخمسة عشر يوما ).
|
|
|
|
|
|
١
|
هُنيد
|
آدم
|
هابيل
١٣٠ ـ ٢٢٥
|
|
أنوش بن
شيث ٤٣٥ ـ ١٣٨٥
|
٢
|
|
|
|
قينان بن أنوش ٦٢٥
ـ ١٥٣٥
|
٣
|
|
|
شيث
٢٣٠ ـ ١١٤٤
|
|
مهليئل بن قينان
٧٩٥ ـ ١٦٩٠
|
٤
|
|
|
|
يارد بن مهليئل ٩٦٠
ـ ١٩٢٢
|
٥
|
|
|
|
|
أخنوخ بن يارد ١١٢٢
ـ ١٤٨٧
|
٦
|
|
|
|
|
متوشالح بن اخنوخ
١٢٨٧ ـ ٢٢٤٢.
|
٧
|
|
|
|
لامك
بن متوشالح
|
لامك بن متوشالح
١٤٥٤ ـ ٢٣٤٦
|
______________________
التعليقات :
في هذا الدور يظهر
لنا أنّ هُنيد هو الإمام المقيم ، الذي ربّى وتعهّد ،
وأقام الرسول الناطق آدم ، وفي هذا الدور أيضاً يظهر لآدم أساسان هما : هابيل وشيث ، الأوّل قتل بيد أخيه « قابيل » فاستلم منصبه بعد وفاته « شيث » . ويظهر أنّ
متمَّ الدَّور هو الإمام السابع لامك بن متوشالح.
المعروف تاريخيّاً
أنّ هبوط آدم كان في عدن ، وأنّ وفاته كانت في موقع غار أبي قبيس في أرض الكعبة ، ويُقال : أنّ نوحاً بعد الطوفان استخرج جثته ، ودفنها في النجف الأشرف ، إنّ الأرقام التاريخيّة المذكورة أعلاه اعتبرناها في بدء ظهور
آدم صفراً حتى طوفان نوح. ولهذا يكون آدم قد عمَّر ٩٣٠ عاماً ، وشيث تسعمائة واثني عشر ٩١٢ ، وأنوش هو أوّل من غرس النخل ٩٥٠ عاماً ، وقينان ٩١٠ أعوام ، ومهليئل ٨٩٥ عاماً ، ويارد ٩٦٢ عاماً واخنوخ ٣٦٥ عاماً ، ومتوشالح ٩٥٥ عاماً ، ولامك ٨٩١ عاماً.
في المصادر
التاريخيّة أنّ الإمام الخامس أخنوخ هو إدريس أو هرمس المثلث ، وهو أوّل من خط بالقلم ، وكان مسكنه في الكوفة ، وقد ولد قبل الطوفان بمدَّة يسيرة ، أمّا ابتداء الطوفان فكان سنة ٢٢٤٢. انّ الكتاب السماويَّ المتداول
في الدّور الأوّل هو « الصحف » وتنسب إلى آدم.
______________________
الدور الثاني :
« ويبتدئ من وقت
الطوفان سنة ٢٢٤٢ ، حتى ولادة إبراهيم الخليل ، ومدّته تسعمائة واثنتان وسبعون سنة وستة أشهر وخمسة عشر يوماً.
|
|
|
|
|
|
١
|
هود
|
نوح
١٦٤٢ ـ ٣٥٠
|
سام
٢١٤٢ ـ ٥٠٠٠
|
|
أرفكشارد بن سام «
٢ » بعد الطوفان ـ ٤٦٧
|
٢
|
|
|
شالخ بن قينان بن
أرفشكاد ٢٧٦ ـ ٥٦٧
|
٣
|
|
|
عابر بن شالخ ٤٦٦ ـ
٩٣٠
|
٤
|
|
|
|
|
فالج بن عابر ٥٤٠ ـ
٨٧٩
|
٥
|
|
|
|
|
رعوا بن فالج ٦٧٠ ـ
١٠٠٩
|
٦
|
|
|
|
|
سروج بن رعوا ٨٠٢ ـ
١١٣٢
|
٧
|
|
|
|
ناحور
بن سروج
|
ناحور بن سروج ٩٣٢
ـ ١١٤٠
|
التعليقات :
في هذا الدّور يظهر
أنّ هوداً هو الإمام الذي أقام وأنعم وربّى الرسول
______________________
الناطق
نوح ، وأنّ نوحاً هو صاحب رسالة النطق ، وأنّ ساماً هو أساس الدّور ، ويظهر أنّه سقط من الشجرة اسم « قينان بن أرفكشاد » والد شالخ. وقينان هذا أُبعد عن الإمامة وأسقط اسمُه من الشجرة الإماميّة لأنّه كان يتعاطى السّحر ، فوصيَّة ارفكشاد تجاوزته إلى ولده شالخ. ويلاحظ أنّ هناك أكثر من مصدر تاريخي يؤكّد أنّ عابر بن شالخ هو « هود » ، وبعض المصادر تؤكّد أنّ فالج هو ذو القرنين ، أو هود ، على اختلاف الروايات. ويلاحظ أنّ ناحور هو الإمام المتمّ للدّور الثاني.
إنّ نوحاً ولد سنة
١٦٤٢ من ولادة آدم ، وعندما بلغ من العمر ٦٠٠ عاماً جرى الطوفان الذي ابتدأ في العاشر من شهر رجب سنة ٢٢٤٢ من هبوط آدم ، وقد دام الطوفان ستة أشهر ، وانتهى في العاشر من شهر محرم سنة ٢٢٤٣.توفي نوح سنة ٣٥٠ بعد الطوفان وعاش ٩٥٠ عاماً ، ودفن على جبل الجودي ، من أعمال الموصل. وقد استوطن في مدّة حياته الكوفة.
أمّا أساس الدّور سام
، فقد عاش ٦٠٠ عاماً. من الواضح أنّ أرفكشاد عاش ٤٦٥ عاماً ، وشالخ ٤٦٤ عاماً ، وعابر ٤٦٠ عاماً ، وفالج ٣٣٩ عاماً ، وسروج ٣٣٠ عاماً ، وناحور ٢٠٥ أعوام.
الدور الثالث :
« ويبتدئ من وقت
ولادة إبراهيم حتى ظهور موسى ، ومدَّته ألف ومائة وخمسون عاماً وسبعة أشهر وثمانية أيّام ».
الإمام المستقر
|
قيذار بن إسماعيل
|
سلامان بن قيذار
|
بنت بن سلامان
|
الهميسع بن بنت
|
يقدم بن الهميسع
|
يقداد بن يقدم
|
أود بن يقداد
|
|
يعقوب بن إسحاق ١٦٠
ـ ٣٠٧
|
يوسف بن يعقوب ٢٥٠ ـ
٣٦١
|
افرايم بن يوسف ٢٨٠
|
رازح بن عيص
|
أيوب بن موص
|
يونان بن أيوب
|
شعيب بن صيفون
|
|
|
|
|
|
|
|
شعيب
|
|
إسحاق
١٠٠ ـ ٢٨٠
|
|
|
|
|
|
|
إسماعيل
٨٦ ـ ٢٢٧
|
|
|
|
|
|
|
إبراهيم
١٠٨١ ـ ١٢٥٦
|
|
|
|
|
|
|
تارح
١٠١١ ـ ١٣١٦
|
|
|
|
|
|
|
١
|
٢
|
٣
|
٤
|
٥
|
٦
|
٧
|
التعليقات :
في هذا الدّور يبدو
أنّه ظهر تطور جديد على قصة الإمامة ، فالأئمّة المستقرّون من ولد إسماعيل بن إبراهيم ، يدخلون كهف التقية والاستتار ويحل محلّهم الأئمة المستودعون ، الذين هم من ولد إسحاق بن إبراهيم ، وقد ظل هذا الوضع قائماً حتى ظهور الناطق السادس محمد ، الذي ينحدر من أُسرة الإمام المستقر إسماعيل ، بينما الرسولان الناطقان ، موسى وعيسى ، ينحدران من أُسرة إسحاق بن إبراهيم الخليل ، ومن الواضح أنّه في عهد محمد ينتهي دور الاستيداع ، وتعود الإمامة إلى الأئمّة المستقرين.
مما يجدر ذكره أنّ
الرسول الناطق إبراهيم ، ولد في الأهواز ، ومنها جاء إلى حوران ، حيث اتخذها دار هجرة ، ودفن في بيت المقدس ، وقد عاش ١١٣ عاماً ، أمّا ولده الأكبر إسماعيل ، فوالدته هاجر وقد عاش ١٣٧ عاماً ، ودفن في بيت الله الحرام ، وأما إسحاق الابن الثاني ، فوالدته سارة ، وكان يقيم بين الشام والقدس ، وقد عاش ٢٨٠ عاماً ودفن في بيت المقدس ، ويأتي بعده ولده الذي عاش ٣٠٧ أعوام ، وقد دفن في القدس. وبعده يأتي أيضاً يوسف فقد عاش ١١٠ أعوام ، ودفن في مصر. أمّا أيّوب ، وهو الإمام الخامس فقد توفي في ( مسكنه ) وعاش ٩٣ عاماً ، ويأتي بعده ابنه يونان ، وهو يونس أو ذو النون ، كما هو معروف ، ومقامه في نينوى ، قرب الموصل ، على هذه الصفحة نلاحظ أنّ شعيب هو الإمام المستودع المتمّ للدور الثالث ، وكان يقيم في مديَن.
الدور
الرابع :
|
|
عدنان بن أُد
|
معد بن عدنان
|
نزار بن معد
|
مضر بن نزار
|
الياس بن مضر
|
مدركة بن الياس
|
خزيمة بن مدركة
|
|
أيليا بن بسباس
|
أليسع بن أخطف
|
صموئيل الرائي ٤٤٢ ـ
٢٤٩٤
|
داؤد بن بسي ٤١٩ ـ ٥٣٥
|
سليمان بن داؤد ٥٢٣
ـ ٥٧٥
|
عمران بن ماثان
|
زكريا بن برخيا
١٦١٦ ـ ١٧١٦
|
|
|
|
|
|
|
|
زكريا
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
هارون
٤٤٢
|
|
يوشع
بن نون ٤٣٦ ـ ٢٨
|
|
|
|
|
|
موسى
٤٢٥ـ٥٤٥
|
|
|
|
|
|
|
أُد
|
|
|
|
|
|
|
|
١
|
٢
|
٣
|
٤
|
٥
|
٦
|
٧
|
التعليقات :
يلاحظ أنّه في هذا
الدور لا يوجد أساس مستودع ، وأنّ الأساس المستقر هو هارون أخو موسى. ويبدو أنّه بعد وفاته تسلَّم يوشع بن نون رتبته الأساسيّة. من الواضح أنّ إيليا بن بسباس هو « إيليا النبي » ، وأنّ عمران بن ماثان هو « روبيل »
وأنّ زكريا هو الإمام السابع المستودع المتمّ للدّور الرابع. في المصادر التاريخيّة
أنّ موسى عاش ١٢٠ عاماً ونقل جثمانه من صحراء سيناء إلى القدس ، وولادته كانت في السابع من آذار سنة ٤٢٥ ، وأنّ صموئيل الرائي عاش ٥٣ عاماً ، وأنّ داؤد بن بسي عاش ١١٦ عاماً ، وأنّ سليمان بن داؤد عاش ٥٢ عاماً ، وأنّ زكرياء عاش ١٠٠ عام.
الدور الخامس :
« ويبتدئ من وقت
ولادة عيسى حتى ظهور محمّد ، ومدّته ستمائة وسبعون سنة وستة عشر يوماً ».
|
كنانة بن خزيمة
|
النضر بن كنانة
|
مالك بن النضر
|
فهر بن مالك
|
غالب بن فهر
|
لؤي بن غالب
|
كعب بن لؤي
|
مرة بن كعب
|
كلاب بن مرة
|
قصي بن كلاب
|
عبد مناف بن قصي
|
هاشم بن عبد مناف
|
عبد المطلب بن هاشم
|
عبد الله بن عبد
الله
|
|
|
مرقص أو عبد المسيح
|
|
فيلبس
|
|
اسطفانس
|
|
هرقل
|
|
أرميا
|
|
مروة الراهب
|
|
جرجس ـ بحيرا
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
جرس
بحيرا
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
يحيى
١٧١٥ ـ ٣٠
|
شمعون
الصفا ٣٣ ـ ١٧١٦
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
عيسى
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
خزيمة
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
١
|
٢
|
٣
|
٤
|
٥
|
٦
|
٧
|
٨
|
٩
|
١٠
|
١١
|
١٢
|
١٣
|
١٤
|
التعليقات :
في هذا الدّور يظهر
على المسرح أربعة عشر إماماً مستقراً ، يقابلهم سبعة أئمّة مستودعين ، أيْ أنّ كلَّ إمام مستودع كان معاصراً لإمامين مستقرين ، ولم يجر
مثل هذا في الأدوار السابقة. ويلاحظ أنّ ولادة عيسى كانت سنة ١٧١٦ موسوية ، أي بعد وفاة موسى ، وقد قتل صلباً سنة ١٧٤٩ ، وعمّر ثلاثة وثلاثين عاماً ، أمّا أساس الدّور المستقر فكان يحيى ، وهو الذي ولد قبل ولادة عيسى بستة أشهر ، وهو يوحنا المعمدان نفسه ، ومن المعروف انّ هيرودس الروماني قتله سنة ١٧٤٦ ، وأنّ الأساس الثاني المستقر للدور الخامس الذي سلم إليه هو « شمعون الصفا » أو سمعان بن يونان ، أو بطرس الراهب ، ويعتبر مربي عيسى وحجّة عمران بن ماتان الذي ورد ترتيبه ، الإمام السادس المستودع في الدور الرابع.
ويلاحظ أنّ جرجس أو
بحيرا الراهب هو الإمام السابع المستودع المتم للدور الخامس ، وكان دعاته في الجزيرة العربية هم : عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل ، وزيد بن عمران ، وهو الذي سلّم وراثة الأنبياء المستودعين ، للإمام المستقر المقيم أبو طالب ، يوم جاء إليه من الجزيرة العربية إلى دير بصرى الشام مع النبي محمد. ويلاحظ أنّ الإمام المستقر النضر بن كنانة ، وكان يسمّى قيس ، ولُقّب النضر لنضارته ، وأنّ الإمام المستقر هو فهر بن مالك ، كان لقبه مجمع قريش ، وأنّ كلّاب بن مرة كان يلقب بالحكيم ، أو عروة ، وأنّ قصي بن كلاب هو زيد ، وسمّي قصي لأنّه أُقصي عن عشيرته ، وأنّ عبد مناف بن قصي اسمه المغيرة ، وأنّ هاشم بن عبد المناف اسمه عمران ، وأنّ عبد المطلب بن هاشم اسمه « شيبة الحمد ».
______________________
الدور السادس :
« يبتدئ من تاريخ
الهجرة المحمدية وينتهي بظهور القائم المنتظر ، ولا يمكن تحديد مدّته. إنّ الدور الكبير قد أصبح مقسماً إلى أدوار صغيرة ».
|
|
|
|
|
|
١
|
عمران
|
محمد
|
علي
بن أبي طالب
|
|
علي بن أبي طالب
|
٢
|
أبو
طالب
|
م
٥٧١ ـ ٦٣٤
|
|
|
الحسين بن علي
|
٣
|
|
|
|
|
علي بن الحسين « زين
العابدين »
|
٤
|
|
|
|
|
محمد بن علي « الباقر
»
|
٥
|
|
|
|
|
جعفر بن محمد « الصادق
»
|
٦
|
|
|
|
|
إسماعيل بن جعفر
|
٧
|
|
|
|
محمد
بن إسماعيل
|
محمد بن إسماعيل
|
التعليقات :
في هذا الدور يظهر
أنّ عمران أبا طالب ، هو الإمام المقيم في عهد الرسول الناطق محمد ، وأنّ الإمام محمد بن إسماعيل هو الإمام السابع المتم. ويلاحظ أنّ الإمام الحسن بن علي لم يذكر في شجرة النسب لأنّه يعتبر إماماً مستودعاً لدى الإسماعيليين ، وهكذا محمد بن الحنفية ، وموسى بن جعفر ( الكاظم ).
تتمة الدور السادس :
« ويبتدئ من عهد معد
بن إسماعيل « المعز لدين الله » ، ولا يمكن بعد الآن الحكم على الأئمّة المتمّين بعد أن ظهر الاختلاف وتشعبت الشجرات ».
|
|
|
|
١
|
١٥
|
|
نزار بن معد « العزيز
بالله »
|
٢
|
١٦
|
|
الحسين بن نزار « الحاكم
بأمر الله »
|
٣
|
١٧
|
|
علي بن الحسن « الظاهر
لإعزاز دين الله »
|
٤
|
١٨
|
|
معد بن علي « المستنصر
بالله »
الإسماعيلية ، الإسماعيلية
، الإسماعيلية
المستعلية المؤمنية
القاسمية ـ الآغاخانية
|
٥
|
١٩
|
|
أحمد المستعلي نزار
بن معد نزار بن معد
|
٦
|
٢٠
|
|
الآمر بأحكام الله حسن
بن نزار هادي
|
٧
|
٢١
|
|
الطيب بن الآمر
محمد بن الحسن مهتدي
|
التعليقات :
من الملاحظ هنا أنّ الإسماعيليين
قد افترقوا بعد الإمام الثامن عشر المستنصر بالله ، إلى ثلاث فرق هي : النزاريّة « القاسميّة » الآغاخانية ، والنزاريّة
الإسماعيلية المؤمنيّة ، والإسماعيلية المستعلية ، ويلاحظ أنّ الفرقة المستعلية قد
توقفت عند الطيّب بن الآمر الإمام الحادي والعشرين ، الذي دخل كهف التقيّة والاستتار ، كما يلاحظ أنّ الفرقة الدرزية قد توقفت عند الإمام السادس عشر الحاكم بأمر الله ، ومن الواضح أنّ النزاريّة نفسها قد انقسمت إلى فرقتين هما : المؤمنيّة ، والقاسميّة ( الآغاخانية ) ، كما سيظهر في الصفحات التالية.
تتمة الدور السادس
« ويبتدئ من الإمام
النزاري المؤمني حسن بن محمد ، وينتهي برضي الدين ابن محمد ، وبقاهر النزاري القاسمي ، وينتهي بشمس الدين محمد وهو الإمام المتم السابع ».
|
|
|
|
١
|
٢٢
|
حسن بن محمد « جلال
الدين »
|
قاهر
|
٢
|
٢٣
|
محمد بن الحسن « علاء
الدين »
|
حسن على ذكره
السلام
|
٣
|
٢٤
|
محمود بن محمد « ركن
الدين »
|
أعلى محمد
|
٤
|
٢٥
|
محمد بن محمود « شمس
الدين »
|
جلال الدين حسن
|
٥
|
٢٦
|
مؤمن شاه بن محمد «
علاء الدين »
|
علاء الدين محمد
|
٦
|
٢٧
|
محمد بن مؤمن « خداوند
»
|
ركن الدين خير شاه
|
٧
|
٢٨
|
رضي الدين بن محمد
« ضياء الدين »
|
شمس الدين محمد
|
التعليقات :
يظهر أنّ الاختلاف
لدى النزاريّة قد بدأ منذ عهد نزار بن المستنصر بالله الفاطمي ، ثمّ يظهر أنّ الفرقتين عادتا إلى الالتقاء مع أربعة أئمة هم : حسن بن محمد و « جلال الدين » ومحمد بن الحسن و « علاء الدين » ومحمود بن محمد « ركن الدين » ومحمد بن محمود « شمس الدين » وهؤلاء يشكّلون الأرقام : ٢٢ و ٢٣ و ٢٤ و ٢٥. أمّا لدى النزارية القاسمية الآغاخانية فيشكّلون الأرقام ٢٥ و ٢٦ و ٢٧ و ٢٨. وبعد الإمام محمد شمس الدين انقسمت النزارية انقساماً فعليّاً إلى فرقتين :
فالمؤمنية ساقت الإمامة
بمؤمن « الابن الأكبر » ، والقاسمية ساقتها بقاسم « الابن الأصغر » ، وكلّ هذا جاء مفصّلاً في الصفحات التالية :
تتمة الدور السادس
« ويبتدئ من طاهر بن
رضي الدين ، وينتهي بعطية الله ، وهو الخامس والثلاثون في شجرة المؤمنية ، أمّا لدى القاسمية فيبتدئ بقاسم شاه ورقمه ٢٩ ، وينتهي بالإمام أبي الذر علي ، وهو الإمام الخامس والثلاثون من شجرة قاسم ».
|
|
|
|
١
|
٢٩
|
طاهر بن رضي الدين
« العزيز »
|
قاسم شاه
|
٢
|
٣٠
|
رضي الدين الثاني
بن طاهر « شمس الدين »
|
إسلام شاه
|
٣
|
٣١
|
طاهر شاه بن رضي
الدين الثاني « حجة الله »
|
محمد بن إسلام
|
٤
|
٣٢
|
حيدر بن طاهر « خداوند
»
|
المستنصر بالله الثاني
|
٥
|
٣٣
|
صدر الدين بن حيدر
« معز الدين »
|
عبد السلام
|
٦
|
٣٤
|
معين الدين بن صدر
الدين « قاهر »
|
غريب ميرزا
|
٧
|
٣٥
|
عطية الله بن معين
الدين « خداي بخش »
|
أبو الذر علي
|
التعليقات :
ما تزال الشجرتان
النزاريتان قائمتين هنا ، وهما الوحيدتان بين فرق الشيعة الإماميّة اللتان ظلتا سائرتين على النهج الإمامي.
تتمة الدور السادس :
« ويبتدئ من عزيز بن
عطية الله ورقمه ٣٦ ، وينتهي بالإمام محمد بن حيدر « الأمير الباقر » وهو الإمام الخامس لدى الفرقة المؤمنية ، وبعهده انقطعت الفرقة المؤمنيّة عن الاتصال ، أمّا لدى القاسميّة فيبتدئ من الإمام مراد ميرزا ، و
ينتهي بحسن علي وهو متمٌّ وسابع.
|
|
|
|
١
|
٣٦
|
عزيز بن عطية الله
« الشاه »
|
مراد ميرزا
|
٢
|
٣٧
|
معين الدين الثاني
بن عزيز « خليل الله »
|
ذوالفقار علي
|
٣
|
٣٨
|
محمد بن معين الدين
« الأمير المشرف »
|
نور الدين علي
|
٤
|
٣٩
|
حيدر بن محمد « المطهّر
»
|
خليل الله علي
|
٥
|
٤٠
|
محمد بن حيدر « الأمير
محمد الباقر »
|
نزار علي
|
٦
|
٤١
|
؟
|
السيد علي
|
٧
|
٤٢
|
؟
|
حسن علي
|
التعليقات :
يظهر أنّ الفرقة المؤمنية
النزارية توقفت عن السير الإمامي في عهد الإمام محمد بن حيدر الأمير الباقر ، رقم ٤٠ ، وذلك سنة ١٢١٠ هـ. أمّا شقيقتها القاسميّة. فظلت سائرة على المنهج الإمامي حتى عهدنا الحاضر.
تتمة الدور السادس :
ويبتدئ من الإمام
قاسم علي ، وينتهي بالإمام « كريم علي خان » ، وترتيبه التاسع والأربعون ، وهو متمم للدّور وسابع.
|
|
|
١
|
٤٣
|
قاسم علي
|
٢
|
٤٤
|
أبو الحسن علي
|
٣
|
٤٥
|
خليل الله علي
|
٤
|
٤٦
|
حسن علي « آغا خان
الأوّل »
|
٥
|
٤٧
|
علي شاه « آغا خان
الأوّل »
|
٦
|
٤٨
|
سلطان محمد شاه «
آغا خان الأوّل »
|
٧
|
٤٩
|
كريم علي خان « آغا
خان الأوّل »
|
التعليقات :
يظهر أنّ الفرقة المؤمنيّة
النزارية ، قد اختفت عن المسرح الإمامي ، وأنّ النزارية القاسميّة الآغاخانية ظلّت وحدها سائرة دون انقطاع عن الركب الإمامي حتى يومنا هذا ، وهي الوحيدة بين الفرق الإمامية التي لم تتوقف.
ويلاحظ أنّ الإمام الأخير
التاسع والأربعين « كريم خان » ليس هو ابن سلطان محمد شاه ، بل حفيده ، ويظهر أنّ اسم علي خان وهو النجل الأكبر لسلطان محمد شاه ، قد أسقط من الشجرة بموجب وصيّة عامّة من والده. إنّ الأمير علي خان توفي في باريس بحادث سيارة بتاريخ ١٢ أيار سنة ١٩٦٠ ، وكان يمثل باكستان في الأُمم المتحدة.
تتمة الدور السادس :
« هذا الدّور الصغير
يبتدئ من الإمام محمد إسماعيل حتى عهد الإمام معد ابن إسماعيل « المعز لدين الله » ويعتبر جزءاً من الدّور الكبير الذي يبتدئ من عهد محمد حتى القائم المنتظر ».
|
|
|
|
١
|
٨
|
|
عبد الله بن محمد «
الرضي »
|
٢
|
٩
|
|
أحمد بن عبد الله «
الوفي »
|
٣
|
١٠
|
|
الحسين بن أحمد « التقي
»
|
٤
|
١١
|
|
عبيد الله المهدي
|
٥
|
١٢
|
|
محمد بن علي « القائم
»
|
٦
|
١٣
|
|
إسماعيل بن محمد « المنصور
بالله »
|
٧
|
١٤
|
معد بن إسماعيل
المعز لدين الله
|
معد بن إسماعيل « المعز
لدين الله »
|
التعليقات :
يلاحظ هنا أنّه لم
يعد هناك أيُّ وجود للناطق أو للأساس ، وأصبح الإمام هو الذي يحمل مهمات الناطقية ، كما أنّ مهمات الأساسيّة يحملها الحجّة أو الباب. في شجرات الدروز والمستعلية لا يرد اسم « عبيد الله المهدي » بين أسماء الأئمّة المستقرين ويرد مكانه اسم « علي بن الحسين » وهذا لم تحقّقه المصادر ولا الوقائع حتى الآن. ومهما يكن من أمر فنحن ما نزال نعتبر « عبيد الله المهدي » إماماً مستقراً منتظرين المزيد من المعلومات والمصادر والاكتشافات التاريخية.
______________________
تأملات في أدوار الإمامة
إنّ ما ذكره الكاتب الإسماعيلي
، لا يخلو من تأمّلات ، وإشكالات ، نشير إليها :
الأوّل :
انّ ما ذكره من الأدوار الستة للإمامة وانّ كلَّ رسول ناطق تتلوه أئمّة سبعة ، على النحو السابق ، أمر مبنيٌّ على الظن والتخمين ، لا على القطع واليقين ، فإنّ التحدُّثَ عن الأئمّة الذين قاموا بالأمر ، بعد الرسول الناطق ، آدم
، فنوح ، فإبراهيم ، فموسى ، فعيسى ، فمحمد ـ صلّى الله عليه وآله وعليهم السّلام ـ يبتني على أساطير ، لا يمكن الإذعان بها ، ولا أدري أنّ الكاتب إلى أيِّ
كتابٍ ، وسند قطعيّ اعتمد عليه في استخراج هذه القوائم ، مع أنّه ـ حسب اعتراف الكاتب ـ يعترف بأنّ هذه الدرجات بالتفصيل ظلّت مجهولة لدى الباحثين ، ومقصورة على طبقة خاصة من العلماء.
الثاني :
أن تفسير الإمام المقيم ، بأنّه هو الذي يقيم الرسول الناطق ، ويعلمه ويربيه ، ويدرجه في مراتب رسالة النطق ، وينعم عليه بالإمدادات ، وأحياناً يطلقون عليه اسم « ربّ الوقت » و « صاحب العصر » وتعتبر هذه الرتبة أعلى مراتب الإمامة وأرفعها ، وأكثرها دقَّة وسرّية ، وعلى ما ذكره فـ « هُنيد » إمام مقيم
لآدم ، وهود لنوح ، وتارح لإبراهيم ، و « أد » لموسى وخزيمة لعيسى ، وأبو طالب لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم. ومعنى ذلك أنّ هؤلاء أفضل من النطقاء
الستة ، الذين هم أُولو العزم من الرسل.
وهل « هُنيد » أفضل
من آدم الذي اختاره الله سبحانه بتعليم الأسماء ؟! أو أنّ هود أفضل من شيخ الأنبياء نوح ، وهو الذي بُدئت به الشرائع ؟! وهل تارح
______________________
أفضل
من إبراهيم ، الذي وصفه الله سبحانه بصفات عظيمة في القرآن الكريم ولم يصف بها غيره ؟! وبالتالي يلزم أن يكون أبو طالب عليهالسلام أفضل من محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم !!
الثالث :
انّ الإمام المتمّ هو الإمام السابع ، المتم لرسالة الدور ، وأنّ قوته تكون معادلة لقوّة الأئمّة الستة الذين سبقوه في الدور نفسه بمجموعهم ، ومن جهة ثالثة يطلق عليه اسم ناطق الدور أيْ أنّ وجوده يشبه وجود الناطق بالنسبة للأدوار.
ومعنى ذلك أن يكون
إسماعيل بن جعفر عليهالسلام أو محمد بن إسماعيل ـ على القول بأنّه متمّ الدّور ـ أفضلُ من خاتم النبيين الذي هو أفضل الخليقة باعتراف الفريقين.
الرابع :
أنّ الكاتب أخرج الحسن بن علي عليهماالسلام عن قائمة الإمامة ، بحجّة أنّه لم يكن إماماً مستقراً ، بل إماماً مستودعاً ، ومعنى ذلك أنّ كلّ الأئمّة الذين
جاءوا بعد كلّ رسول ناطق من زمان آدم إلى زمان الخاتم ، كانوا أئمّة مستقرين ، وليس للكاتب دليل على ذلك ، مع أنّ إخراجه ينافي قول الرسول الذي نقلته الإسماعيليّة في كتبهم من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا
» ، ومعنى كلامه أنّهما صنوان لا يتفاوتان.
الخامس :
أنّ الكاتب بإخراجه الحسن بن علي عليهماالسلام عن قائمة الإمامة ، جعل محمداً بن إسماعيل هو الإمام السابع الذي به يتم الدّور مع أنّ الإسماعيليّة يعتبرونه رسولاً ناطقاً ، والمتم في الأدوار السابقة من زمان آدم إلى زمان نبي الإسلام ، لم يكن رسولاً ناطقاً.
والكاتب في الوقت
نفسه جعله بادئاً للدور حيث قال في ص ١٥٦ : هذا الدّور الصغير يبتدئ من الإمام محمد بن إسماعيل ، حتى عهد الإمام معد بن إسماعيل « المعز لدين الله » ، ولو كان الميزان هو الأدوار السابقة ، لا يكون
متمَّ الدّور ، بادئ الدور باسم الرسول الناطق.
وبالجملة أنّ جعل
محمد بن إسماعيل متمّاً للدّور من جانب ، وناطقاً سابعاً ، ناسخاً للشريعة ، التي سبقته من جانب آخر ، أمران متناقضان ، إذا كان الميزان هو الأدوار السابقة.
لكن الظاهر من كلام
مصطفى غالب ، في كتابه « تاريخ الدعوة الإسماعيليّة » غير ذلك ، وأنّ متمَّ الدّور في الأدوار السابقة أيضاً ، هو الرسول
الناطق ، وأنّ نوحاً كان متمَّ الدّور ، وفي الوقت نفسه رسولاً ناطقاً ، وأنّ محمّداً
صلىاللهعليهوآلهوسلم كان متمَّ الدَّور وفي الوقت نفسه رسولاً ناطقاً. وقد استشهد على ما ذكره بكلام الداعي إدريس في كتابه « زهر المعاني » وإليك نصهما :
ويعتبر الإمام محمد
بن إسماعيل أوّل الأئمّة المستورين ، والناطق السابع ، ومتمّ الدّور ، فقام بنسخ الشريعة التي سبقته ، وبذلك جمع بين النطق والإمامة ، ورفع التكاليف الظاهرة للشريعة ، ونادىٰ بالتأويل ، واهتمَّ بالباطن.
ولذلك قال فيه الداعي
إدريس في كتابه « زهر المعاني » ص ٥٦ : « إنّما خُصَّ محمد بن إسماعيل بذلك لانتظامه في سلك مقامات دور الستر ، لأنّك إذا عددت آدم ووصيّه وأئمّة دوره ، كان خاتمهم الناطق وهو نوح عليهالسلام ... وإذا عددت عيسى ووصيَّه وأئمّة دوره ، كان محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم متسلّماً لمراتبهم ، وهو الناطق خاتم للنطقاء ، وكان وصيُّه عليهالسلام بالفضل منفرداً به ، وإذا عددت الأئمّة
في دوره كان محمد بن إسماعيل سابعهم ، وللسابع قوّةٌ على من تقدَّمهُ ، فلذلك صار ناطقاً وخاتماً للاسبوع ، وقائماً ، وهو ناسخ شريعة صاحب الدّور السادس ، ببيان معانيها ، وإظهار باطنها المبطن فيها.
فهذان الكاتبان
اللّذان قاما في عصرنا هذا بنشر آثار الإسماعيليّة ، وتبيين عقائدها ، قد صوّرا الأدوار السابقة بصورتين متناقضتين.
فعارف تامر يصوّر الأئمّة
سبعة سابعهم متمّمهم ، ويتلوه الرسول الناطق
______________________
بادئ
الدّور الجديد ؛ ومصطفى غالب يصوّرهم سبعة ، سابعهم متمّمهم ، وفي الوقت نفسه الرسول الناطق.
وهناك وجه آخر ، وهو
أن يختلف حكم الأدوار الستة ، مع الدَّور السابع ، فيكون الإمام المتمُّ في الدّور الأخير متمّاً ورسولاً ناطقاً على خلاف الأدوار
الستة ، ووجه ذلك أنّ هذا الدّور ليس دوراً مستقلاً ، بل تتمّة للدور السادس ، ولذلك يقول عارف تامر في التعريف بهذا الدور بالشكل التالي :
تتمة الدور السادس
وهذا الدور الصغير
يبتدئ من الإمام محمد بن إسماعيل حتى عهد الإمام « معد بن إسماعيل » المعز لدين الله ، ويعتبر جزءاً من الدّور الكبير الذي يبتدئ
من عهد « محمد » حتى القائم المنتظر.
وما ذكرنا من الوجه
هو الظاهر من الحامدي في كتابه « كنز الولد » وسيوافيك نصّه في الفصل الخاص بترجمة أعلام الإسماعيليّة.
السادس :
أنّ المعروف بين الإسماعليّة في العصور الأُولىٰ ، أنّ محمد بن إسماعيل هو الرسول الناطق ، وهو ناسخ للشريعة ، وقد نسبه النوبختي إلى طائفة من الإسماعيليّة باسم القرامطة وقال : وزعموا أنّ محمد بن إسماعيل حيٌّ لم يمت وأنّه في بلاد الروم ، وأنّه القائم المهدي ؛ ومعنى القائم عندهم أنّه يبعث
بالرسالة وبشريعة جديدة ، ينسخ بها شريعة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنّ محمد بن إسماعيل من أُولو العزم ، وأُولو العزم عندهم سبعة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ، وعلي ، ومحمد بن إسماعيل.
ولما كان القول بذلك
يصادم إتفاق جمهور المسلمين على أنّ شريعة الإسلام هي الشريعة الخاتمة ، ونبيّها هو النبي الخاتم ، وكتابه خاتم الكتب ، تجد أنّ
______________________
مصطفى
غالب ، ينقل عن الداعي إدريس « عماد الدين » في كتابه « زهر المعاني » أنّ المراد أنّه يبيّن معاني الشريعة ، ويظهر باطنها المبطن فيها.
ولكنّه تصرّف في
العقيدة ، فإنّ الظاهر من عطف محمد بن إسماعيل على سائر النطقاء ، كنوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ، أنّه ناسخ بالحقيقة ، وإلّا يلزم الاختلاف في معنى النسخ.
السابع :
قد عرفت أنّ لازم القاعدة التي استنبطها الكاتب من بطون التاريخ ، في أدوار الإمامة أن تكون شريعة كلِّ رسول منتهية بظهور الإمام السابع ،
ويكون الإمام اللاحق بادئاً للدّور الجديد ، مع أنّه يُرى انتقاض القاعدة في ظهور محمد بن إسماعيل ، حيث جعل الكاتب عارف تامر دوره متماً للدّور السادس لا بادئاً للدّور الجديد ، وأضاف بأنّه ينتهي بظهور الإمام القائم المنتظر ، ولا يمكن
تحديدُ مدّته.
يلاحظ عليه : أنّ إدراج القائم المنتظر ، الذي هو من صميم عقائد الإماميّة الاثني عشريّة في عقائد الإسماعيليّة غريب جداً من وجهين :
١. إخراج محمد بن
إسماعيل عن مقامه العظيم في العقيدة الإسماعيليّة ، وجعل الأدوار التالية حتى دور محمد بن إسماعيل من توابع دور محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
٢. إنتظار الإسماعيليّة
للقائم المنتظر ، فإنّ القائم المنتظر في عقيدة الشيعة الإماميّة أقلّ بكثير من صاحب الدور عند الإسماعيليّة.
وأظن أن جعل الدور
الذي بدأ به محمد بن إسماعيل جزءاً من الدّور السادس ، لا دوراً مستقلاً لأجل استقطاب نظر جمهور المسلمين إلى أنفسهم حتى ينسلكوا في عداد المسلمين.
كلّ ذلك يُعرب عن عدم
وجود نظام عقائدي منسق عندهم.
______________________



إنّ نظرية المثل
والممثول تُعدُّ الحجر الأساس لِعامّة عقائد الإسماعيليّة ، التي جعلت لكلِّ ظاهر باطناً ، وسمّوا الأوّل مثلاً ، والثاني ممثولاً. وعليه تبتني
نظرية التأويل الدينيّة الفلسفية ، فتذهب إلى أنّ الله تعالى جعل كلَّ معاني الدّين في الموجودات ، لذا يجب أن يُستدل بما في الطبيعة على إدراك حقيقةَ الدين ، فما ظهر من أُمور الدين من العبادة العمليّة ، التي بيّنها القرآن معاني يفهمها العامّة ، ولكن
لكلّ فريضة من فرائض الدين تأويلاً باطناً ، لا يعلمه إلّا الأئمّة ، وكبار حججهم وأبوابهم ودعاتهم.
يقول الداعي المؤيد
في الدين الشيرازي : خلق الله أمثالاً وممثولات ، فجسم الإنسان مثل ، ونفسه ممثول ، والدنيا مثَل والآخرة ممثول ، وانَّ هذه الأعلام التي
خلقها الله تعالى ، وجعل قُوام الحياة بها ، من الشمس والقمر ، والنجوم ، لها ذوات
قائمة ، يحل منها محل المثل وانّ قواها الباطنة التي تؤثر في المصنوعات ، هي ممثول
تلك الأمثال.
وقال صاحب المجالس
المستنصرية : معشر المؤمنين انّ الله تعالى ضرب لكم الأمثال جملاً وتفصيلاً ، ولم يستح من صغر المثال إذا بيّن به ممثولاً ، وجعل ظاهر القرآن على باطنه دليلاً ، ومن قصيدة المؤيد للدين يقول فيها :
أقصد حمى ممثوله
دون المَثل
|
|
ذا أبرُ النحل
وهذا كالعسل
|
______________________
واستناداً إلى نظرية
المثل والممثول يجب أن يكون في العالم الأرضي عالم جسماني ظاهر يماثل العالم الروحانيّ الباطن.
١. العقول العشرة
إنّ الإسماعيليّة
استخدمت في تطبيق تلك النظرية ، على ما تتبناه من تطبيق الدعوة الدينيّة على عالم التكوين نظرية الفلسفة اليونانية في كيفيّة حصول الكثرة في العالم ، ولم يكن الهدف في استخدام نظريتهم ، في بيان صدور الكثرات من الواحد البسيط ، إلّا تطبيقها على الدعوة الدينيّة ، حتى يكون لكلِّ ظاهر باطن.
توضيحه :
أثبتت البراهين الفلسفيّة أنّه سبحانه واحد ، بسيط من جميع الجهات ، لا كثرةَ فيه ، لا خارجاً ولا عقلاً ، ولا وهماً
ثمّ إنّهم بعد
البرهنة على تلك القاعدة ، وقعوا في مأزق وهو أنّه كيف صدرت من الواحد البسيط ـ الذي لا يصدر عنه إلّا الواحد ـ هذه الكثرات في عالم العقول ، والأفلاك ، والأجسام ؟
ذهب أرسطو وتلاميذه ،
ومن تبعهم من المسلمين كالفارابي والشيخ الرئيس ، إلى أنّ الصادر منه سبحانه واحد ، وهو : العقل الأوّل ، وهو مشتمل على جهتين :
جهة لعقله لمبدئه ، وجهة
إضافته إلى ماهيته.
فبالنظر إلى الجهة الأُولى
صدر العقل الثاني ، وبالنظر إلى الجهة الثانية صدر الفلك الأوّل ونفسه ، الذي هو الفلك الأقصى.
وصدر من العقل الثاني
لهاتين الجهتين ، العقل الثالث ، والفلك الثاني مع نفسه ، الذي هو فلك الثوابت.
______________________
ثمّ صدر من العقل
الثالث لهاتين الجهتين ، العقل الرابع ، والفلك الثالث مع نفسه ، الذي هو فلك زحل.
وبهذا الترتيب ، صدر
العقل الخامس والفلك الرابع ، الذي هو فلك المشتري ، إلى أن وصل عدد العقول إلى عشرة ، وعدد الأفلاك مع نفوسها تسعة.
وتبنّى المذهب الإسماعيلي
، الذي هو مذهب ذو صبغة فلسفيّة يونانيّة هذه النظرية مع اختلاف يسير في التعبير لا غير ، والفكرة الرئيسيّة عندهم واحدة.
فمثلاً يعبّر الداعي
الكرماني عن العقل الأوّل بالمبدع ، كما يعبّر عن العقل الثاني بالمنبعث الأوّل ، وكلا المسلكين يشتركان في أنّه يبتدئ الصدور بالعقل الأوّل ، الذي تسمّيه فلسفةُ المشاء بالعقل الأوّل ، والمذهب الإسماعيليّ بالمبدع الأوّل ، وتنتهي بالعقل الفعّال ، ويتوسط بين العقل الأوّل والعقل الفعّال سلسلة العقول ، والأفلاك الأُخرى.
يقول الداعي الكرماني
:
والعقل الأوّل مركز
لعالم العقول إلى العقل الفعّال ، والعقل الفعّال عاقل للكل ، وهو مركز لعالم الجسم ، من الأجسام العالية الثابتة ( الأفلاك ) إلى الأجسام
المستحيلة المسمّاة عالم الكون والفساد ( العناصر الأربعة ).
يقول الحكيم
السبزواري في بيان تلك النظرية :
فالعقل الأوّل لدى
المشاء
|
|
وجوبه مبدأ ثان جاء
|
وعقله لذاته للفلك
|
|
دان لدان سامك
لسامك
|
وهكذا حتى لعاشرٍ
وصل
|
|
والفيض منه في
العناصر حصل
|
بالفقر معط لهيولى
العنصر
|
|
وبالوجوب لنفوس صور
|
فللهيولى كثرة
استعداد
|
|
بحركات السبعة
الشداد
|
______________________
ثمّ إنّ المهم تطبيق
هذه الدرجات الكونية على درجات الدعوة الدينيّة عند الإسماعيليّة ، فقد جعلوا لكل ظاهر باطناً ، ولكلّ درجة كونيّة درجة دينيّة ، وإليك
جدولاً يوضح ذلك :
١. العقل الأوّل =
الناطق.
٢. العقل الثاني =
الفلك الأقصى = الأساس.
٣. العقل الثالث =
فلك الثوابت = الإمام.
٤. العقل الرابع =
فلك زحل = الباب.
٥. العقل الخامس =
فلك المشتري = الحجّة.
٦. العقل السادس =
فلك المريخ = داعي البلاغ.
٧. العقل السابع =
فلك الشمس = الداعي المطلق.
٨. العقل الثامن =
فلك زهرة = الداعي المحدود.
٩. العقل التاسع =
فلك عطارد = المأذون المطلق.
١٠. العقل العاشر =
فلك القمر = المأذون المحدود ، وربّما يُطلق عليه المكاسر والمكالب.
هذا عرض موجز عن
الدرجات الدينيّة للدعوة ، وأمّا تفسيرها فإليك بيانها إجمالاً :
١. الناطق : وله رتبة
التنزيل.
٢. الأساس : وله رتبة
التأويل.
٣. الإمام : وله رتبة
الأمر.
٤. الباب : وله رتبة
فصل الخطاب.
______________________
٥. الحجّة : وله رتبة
الحكم فيما كان حقّاً أو باطلاً.
٦. داعي البلاغ : وله
رتبة الاحتجاج ، وتعريف المعاد.
٧. الداعي المطلق : وله
رتبة تعريف الحدود العلوية والعبادة الباطنية.
٨. الداعي المحصور ، أو
المحدود : وله رتبة تعريف الحدود السفليّة والعبادة الظاهرة.
٩. المأذون المطلق : وله
رتبة أخذ العهد والميثاق.
١٠. المأذون المحدود
: وله رتبة جذب الأنفس المستجيبة ، وهو المكاسر.
٢. النطقاء السبعة وأمثالها :
وربّما يعبّرون عنها
بالحروف السبعة ( آ ، ن ، إ ، م ، ع ، م ، ق ) وهي الحروف الأولى من أسماء النطقاء السبعة ، وهم : آدم ، نوح ، إبراهيم ، موسى ، عيسى ، محمد
، قائم مع أُسسهم ممثولين للأفلاك السبعة بالشكل التالي :
|
١.
زحل
٢.
المشتري
٣.
المريخ
٤.
الشمس
٥. الزهرة
٦. عطارد
٧. القمر
|
|
آدم
نوح
إبراهيم
موسىٰ
عيسىٰ
محمد
القائم
|
|
شيث
سام
إسماعيل
يوشع
شمعون
علي
مهدي
|
|
______________________
٣. الأنوار الخمسة وأمثالها
:
الأنوار الخمسة ، عبارة
عن أُولى الموجودات في العالم ، وهي : السابق ، والتالي ، والجد ، والفتح ، والخيال ، وكلُّها ممثولات ، ولها أمثلة في
الحدود العلويّة ، وفي عالم الدين ، وعالم المادة بالشكل التالي :
١.
السابق
٢.
التالي
٣.
الجد
٤.
الفتح
٥.
الخيال
|
|
العقل
الكلّي
النفس
الكلّي
إسرافيل
ميكائيل
جبرائيل
|
|
النبي
الإمام
الوصي
الحجّة
الداعي
|
|
السماء
الأرض
المعدن
النبات
الحيوان
|
وكلٌّ يأخذ الفيض من
السابق ، ويفيضه إلى التالي.
وإلى هذه الأنوار
الخمسة يشير الداعي في قصيدته الشافيّة عند ذكر توبة آدم وتوسله بها قائلاً :
وعاد لله بحسن
التوبة
|
|
آدم كي يغفر تلك
الحوبة
|
وقال يا ربي إنّي
أسأل
|
|
وإنّني عن زلّتي
منفصل
|
مُبتهلاً بالخمسة
الأنوار
|
|
أوّل ما أبدعته في
الدّار
|
من سابق كان بلا
مثال
|
|
ولاحق يتلوه
بالكمال
|
والجد ثم الفتح
والخيال
|
|
وبالحروف السبعة
الأشكال
|
______________________
نماذج من تأويلاتهم الفقهية
لما كان القول
بالمثَل والممثول أساساً للتأويل ، نذكر في المقام بعض تأويلاتهم في الشريعة.
قالت الإسماعيليّة : إنّ
لكلّ ظاهر في الشريعة ، كالوضوء ، والصلاة ، والزكاة ، والجهاد ، والحج ، والولاية ، وغيرها باطناً ، يجب الإيمان به.
وقد كتب كثير من
الفاطميين كُتباً في التأويل ، غير أنّ قاضي القضاة ، النعمان بن محمد ، قام بأمرين :
الأوّل :
ألَّف كتاباً باسم « دعائم الإسلام » وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام ، وطبع الكتاب في جزءين وهو يشتمل على الكتب التالية :
١. كتاب الولاية.
٢. كتاب الطهارة.
٣. كتاب الصلاة.
٤. كتاب الزكاة.
٥. كتاب الصوم
والاعتكاف.
٦. كتاب الحج.
٧. كتاب الجهاد.
٨. كتاب البيوع
والأحكام.
٩. كتاب الأيمان
والنذور.
١٠. كتاب الأشربة.
١١. كتاب الأطعمة
١٢. كتاب الطب.
|
|
١٣. كتاب اللباس والطبيب.
١٤. كتاب الصيد.
١٥. كتاب الذبائح.
١٦. كتاب الضحايا والعقائق.
١٧. كتاب النكاح.
١٨. كتاب الطلاق.
١٩. كتاب العتق.
٢٠. كتاب العطايا.
٢١. كتاب الوصايا.
٢٢. كتاب الفرائض.
|
|
٢٣. كتاب الدّيات.
٢٤. كتاب الحدود.
٢٥. كتاب السُّرّاق
والمحاربين.
٢٦. كتاب الرّدة
والبدعة
٢٧. كتاب الغصب
والتعدّي.
٢٨. كتاب العارية
والوديعة.
٢٩. كتاب اللفظة
واللقيطة والآبق.
٣٠. كتاب القسمة
والبنيان.
٣١. كتاب الشهادات.
٣٢. كتاب الدعوى
والبينات.
٣٣. كتاب آداب
القضاة.
|
وهو في الحقيقة يحتوي
على ظواهر الشريعة.
الثاني :
ألَّف كتاباً ، حاولَ فيه أن يبيّن التأويل الباطني لجميع الأحكام ، أسماه بـ « تأويل الدعائم » واستطاع أن يُنهي تأليف الجزء الأوّل منه ، والذي يشتمل على كتاب الولاية ، والطهارة ، والصلاة ، ولكنَّ المنيّة حالت دون إتمامه لتأويل بقيّة
الأبواب الفقهية.
ولذا نقتصر في المقام
على ما جاء في هذا الكتاب ، بوجه مُوجز ، وهدفنا ذكر نماذج ، منها فقط ، لأنّنا لا نروم التفصيل والاستقصاء في هذا البحث.
وليعلم أنّ للفاطميين
كتباً كثيرةً في التأويل ، وقد وَعَدَ محقّق كتاب « تأويل الدعائم » محمد حسن الأعظمي أن ينشر بعضها في المستقبل.
لمّا كان التأويل
أمراً شخصيّاً ، يختلف باختلاف الدّاعي ، واختلاف ذوقه ، اختلفت كلمة الدعاة أشدَّ الاختلاف ، في مسائل كثيرة ، يقول محقّق كتاب راحة العقل ، ما هذا لفظه :
الداعي النخشبي وضع
كتابه المحصول في فلسفة المذهب. وجاء بعده أبو حاتم الرازي ، فوضع كتابه الإصلاح ، وخالف فيه أقوال من سبقه ، ثمّ جاء أبو يعقوب السجستاني ، أُستاذ الكرماني ، فانتصر للنخشبي ، وخالف أبا حاتم ، ثمّ جاء الكرماني الذي استطاع أن يوفّق بين آراء شيخه وآراء أبي حاتم.
إنّ المواضع المقتطفة
من كتاب « تأويل الدعائم » يعرب عن أمرين :
الأوّل :
أنّ جميع التأويلات مبنيّة على : أُسس فلسفيّة ذوقيّة ، لا تتمتع بالبرهان كأكثر تأويلات الصوفيّة.
الثاني :
أنّ غالب التأويلات مبنيّة على ثبوت مقامات غيبيّة لأئمّتهم. ومن أجل أن يقف القارئ بنفسه ، ويتيقن من صحة الدعوى التي ذكرناها هنا ، سوف نستعرض مجموعة من النماذج لآرائهم ، وهي :
______________________
كتاب الولاية ( الدعامة الأُولىٰ
)
جاء في كتاب تأويل
الدعائم : عن الباقر عليهالسلام : « بني الإسلام علىٰ سبع دعائم : الولاية
: وهي أفضل وبها وبالوليّ يُنتهىٰ إلى معرفتها ، والطهارة ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج والجهاد » ، فهذه كما قال عليهالسلام : دعائم الإسلام قواعده ، وأُصوله التي افترضها الله على عباده.
ولها في التأويل
الباطني أمثال ، فالولاية مَثلُها مَثلُ آدم (ص) لأنّه أوّل من افترض الله عزّ وجلّ ولايته ، وأمر الملائكة بالسجود له ، والسجود : الطاعة ، وهي الولاية ، ولم يكلفهم غير ذلك فسجدوا إلّا إبليس ، كما أخبر تعالى ، فكانت المحنةُ
بآدم (ص) الولاية ، وكان آدمُ مثلَها ، ولابدَّ لجميع الخلق من اعتقاد ولايته ، ومن
لم يتولّه ، لم تنفعْهُ ولاية من تولّاه من بَعده ، إذا لم يدُن بولايته ويعترف بحقّه
، وبأنّه أصل مَنْ أوجب اللهُ ولايتَه من رسله وأنبيائه وأئمّة دينه ، وهو أوّلهم وأبوهم.
والطهارة : مَثَلُها مَثَلُ نوح عليهالسلام ، وهو أوّل مبعوث ومرسل من قبل الله ، لتطهير العباد من المعاصي والذنوب التي اقترفوها ، ووقعوا فيها من بعد آدم (ص) ، وهو أوّل ناطق من بعده ، وأوّلُ أُولي العزم من الرسل ، أصحاب الشرائع ، وجعلَ الله آيته التي جاء بها ، الماء ، الذي جعله للطهارة وسمّاه
طهوراً.
والصلاة : مَثَلُها مَثَلُ إبراهيم (ص) وهو الذي بَنى البيتَ الحرام ، ونصبَ
المقام ، فجعل الله البيت قبلة ، والمقامَ مصلّىٰ.
والزكاة : مثلها مثل موسى ، وهو أوّل من دعا إليها ، وأُرسل بها ، قال
تعالى : ﴿ هَلْ
أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ
طُوًى * اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ ﴾.
______________________
والصوم :
مَثَلُه مثل عيسى عليهالسلام وهو
أوّل ما خاطب به أُمّه ، أن تقولَ لِمَنْ رأته من البشر ، وهو قوله الذي حكاه تعالىٰ عنه لها : ﴿ فَإِمَّا
تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ
الْيَوْمَ إِنسِيًّا ﴾.
وكان هو كذلك يصوم دهره ، ولم يكن يأتي النساء ، كما لا يَجوز للصائم أن يأتيهنّ في حال صومه.
والحج :
مَثَلُه مَثَلُ محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو أوّل من أقام مناسك الحج ، وسنَّ
سنته ، وكانت العرب وغيرها من الأُمم ، تحجّ البيت في الجاهليّة ولا تقيم شيئاً من مناسكه ، كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله : ﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ
عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ﴾.
وكانوا يطوفون به
عُراة ، فكان أوّلُ شيء نهاهم عنه ذلك فقال ، في العُمرة التي اعتمرها ، قبل فتح مكة ، بعد أن وادعَ أهلَها ، وهم مشركون : « لا يطوفنّ بعد
هذا بالبيت عريان ، ولا عريانة » ، وكانوا قد نصبوا حول البيت أصناماً لهم يعبدونها ، فلمّا فتح الله مكّة كسّرها ، وأزالها ، وسنَّ لهم سُنن الحجّ ، ومناسكه
، وأقام لهم بأمر الله معالمه. وافترض فرائضه. وكان الحجّ خاتمة الأعمال المفروضة ، وكان هو صلىاللهعليهوآلهوسلم خاتم النبيين ، فلم يبق بعدَ الحجّ من
دعائم الإسلام غير الجهاد ، وهو مثل سابع الأئمّة ، الذي يكون سابع اسبوعهم الأخير ، الذي هو صاحب القيامة.
______________________
كتاب الطهارة ( الدعامة
الثانية )
قال صاحب تأويل
الدعائم : لا يجزي في الظاهر صلاة بغير طهارة ، ومن صلّى بغير طهارة لم تُجزِه صلاتُه ، وعليه أن يتطهّر ، وكذلك ( في الباطن ) لا
تجزي ولا تنفع دعوة مستجيبٍ يدعى ، ويؤخذ عليه عهد أولياء الله حتى يتطهّر من الذنوب ، ويتبرأ من الباطل كلِّه ، ومن جميع أهله ، وإن تبرأ من الباطل بلسانه ، مقيم على ذلك ، لم تنفعه الدعوة ، ولم يكن من أهلها ، حتى يتوبَ ويتبرأ ممّا تجب البراءة منه ، فيكون طاهراً من ذلك ، كما قال تعالى : ﴿ وَذَرُوا
ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَ بَاطِنَهُ ﴾
.
ويقول : إنّ الأحداث
التي توجب الطهارة لها في الباطن أمثال ، يجب التطهّر منه بالعلم ، كما وجب التطهّر في الظاهر من هذه بالماء ، فمثل الغائط
مَثَل الكفر ، والذي يطهّر منه من العلم الإيمان بالله ، ومثَل البول مثل الشرك وهو درجات ومنازل ، والذي يطهر منه من العلم توحيد الله ، ونفي الأضداد والأشباه ، والشركاء عنه ، ومثَل الريح تخرج من الدُبر ، مثل النفاق ، والذي يطهّر منه من العلم التوبةُ والإقلاع عنه ، واليقين والإخلاص والتصديق بالله ، وأنبيائه
وأوليائه ، وأئمّة دينه.
أمّا غسل الوجه ففيه سبعة منافذ : العينان ، والأُذنان ، والمنخران ، والفم.
وأنّ أمثالَهم في
الباطن ، أمثال السبعة النطقاء الذين هم : آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسىعليهمالسلام ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وخاتم الأئمّة من ذريته صاحب القيامة (ص) ، ولابُدّ للمستجيب بعد البراءة ، من الكفر والشرك والنفاق ، من
______________________
العلم
والإيمان والتصديق بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ووصيّه علي ومن الإيمان والتصديق
بالنطقاء الستة ، وهم : آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، و بخاتم الأئمّة صاحب القيامة (ص) وهو اليوم الآخر الذي ذكره الله في غير موضع من كتابه ، وجعل الأيّام السبعة أمثالاً لهم ، فالأحد مَثَل آدم عليهالسلام والإثنين
مَثَل نوح عليهالسلام ، والثُلاثاء مَثَل إبراهيم ، والأربعاء مثل موسى عليهالسلام ، والخميس مَثَل عيسى عليهالسلام ، والجمعة مَثَل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم جمع الله له علم النبيين ، وفضلهم وأكملهم به ، وجعله خاتمهم ، وفضّله بأن جعل السابع من ذريته ، ومن أهل دعوته. فكانَ غُسل الوجه مَثلاً على الإقرار بهذه الأسابيع وطاعتهم.
في التيمّم :
يقول : التيمّم وضوء
الضرورة ، هذا من ظاهر الدّين ، وأمّا باطن التيمّم لِمَن عُدِم الماءَ وأنّه في التأويل طهارة من أحدث حدثاً في الدّين من المستضعفين ، مِنَ
المؤمنين الّذين لا يجدون مفيداً للعلم ، ممّا يحدثونه عند ذوي العدالة من المؤمنين
من ظاهر علم الأئمّة الصادقين إلى أن يجد مفيداً من المطلقين.
إلى أن قال : ولا
ينبغي أن يتيمّم من لم يجد الماء إلّا في آخر الوقت ، بعد أن يطلب الماء.
وذلك في الباطن من
اقترف ما يوجب عليه الطهارة بالعلم الحقيقي ، فعليه أن يطلبه ، ولا يُعجِّل بالقصد إلى غير مطلق ، فيأخذ عنه ما يطهّره من العلم الظاهر ، حتى يجتهد في طلب مفيد مطلق ، فإذا بلغ في الطلب استطاعته وانتهى إلى آخر وقت ، يعلم أنّه لا يجد ذلك ، فحيئنذٍ يَقصد إلى من يفيده من المؤمنين ، أهل الطهارة من ظاهر علم أولياء الله ، ما يزيل عنه شكَ ما اقترفه وباطله.
إلى أن قال : قال
الصادق (ص) في ذلك : إنّه إن وجد الماء وقد تيمّم وصلّى
______________________
بتيمّمه
ذلك ، أجزأه وعليه أن يتطهّر بالماء أو يتيمّم ، إن لم يجد الماء ، لما يستقبله من
الصلاة.
باطن ذلك أنّه إن
فعلَ ما ذكرناه في دعوة إمام أو حدّ من حدوده ، ثمّ دخلت على تلك الدعوة دعوة أُخرى ، ولم يجد مفيداً ، فهو على ما كان عليه ، وإن وجده كان على ما وصفنا ، وليس عليه شيء لما مضى.
في ذكر التنظّف
يقول : الحيض علّة
تُصيب النساء في الظاهر ، وأمثال النساء ـ كما ذكرنا في الباطن ـ أمثال المستجيبين.
فتأويل جملة القول في
الحيض في الباطن ، أنّه علّة وفساد ، يدخل على المستجيب في دينه ، يحرم عليه من أجلها سماع الحكمة ، والكون في جماعة أهل الدعوة ، كما لا يحلّ في الظاهر للمرأة إذا حاضت أن تصلّي ، ولا تدخل المسجد ، وكذلك لا يحل لمفيد ذلك المستجيب ، أن يفيده شيئاً من العلم إذا أحدث ذلك الحدث ، حتى يتطهّر منه ، بالتوبة والنزوع عنه ، والإقلاع ، وينقطع عنه ما عرض من ذلك الفساد في دينه.
ويقول أيضاً : قال
الصادق عليهالسلام : إذا طهرت المرأة من حيضها في وقت صلاة ، فضيّعت الغسل ، كان عليها قضاء تلك الصلاة.
تأويله :
أنّ المقترِف إذا تابَ وانتصل ممّا اقترفه ، ولم يتطهّر في ذلك بالعلم ، كما وصفنا ، كان عليه أن يتطهّر ، وأن يسعى في إفادة ما فاته من الحكمة ، بعد إقلاعه عمّا اقترفه.
فافهموا معشر المؤمنين
ما تعبدكم الله به ظاهراً وباطناً ، فإنّ ذلك مرتبط
______________________
بعضه
ببعض ، يشهد كلّ شيء منه لصاحبه ، ويطابقه ويوافقه فما وجب في الظاهر ، وجب كذلك مثله ونظيره في الباطن ، لا يجزي إقامة أحدهما دون الآخر ، ولا يحلُّ في الظاهر ما حُرّم في الباطن ، ولا في الباطن ما حُرم في الظاهر ، وإيّاكم
أن يستميلكم عن ذلك ، تحريف المحرّفين ، ولا شبهات الشياطين ، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول : ﴿ وَذَرُوا
ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ﴾ وقال : ﴿ قُلْ
إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ وقال : ﴿ وَأَسْبَغَ
عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ .
كتاب الصلاة ( الدعامة الثالثة )
يقول : الصلاة في
الظاهر ما تعبّد الله عباده المؤمنين به ، ليُثيبهم عليه ، وذلك ممّا أنعم الله عزّ وجلّ به عليهم ، وقد أخبر تعالى أنّه ﴿ وَأَسْبَغَ
عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
فظاهر النّعمة في الصلاة إقامتها في الظاهر ، بتمام ركوعها وسجودها وفروضها ومسنونها ، وباطن النّعمة كذلك في إقامة دعوة الحقّ في كلّ عصرٍ كما هو في ظاهر الصلاة.
ويقول أيضاً : افترض
الله خمسَ صلوات في الليل والنهار سمّاها في كتابه.
وتأويل ذلك أنّ الخمس
الصلوات في الليل والنهار في كلِّ يوم وليلة مثلها في الباطن مثلُ الخمس الدعوات لأُولي العزم من الرسل الذين صبَروا على ما أُمروا به ، ودَعوا إليه.
فصلاة الظهر وهي الصلاة الأُولى مَثَلٌ لدعوة نوح (ص) ، وهي الدعوة
______________________
الأُولى
، وهو أوّل أُولي العزم من الرّسل.
والعصر
مَثَلٌ لدعوة إبراهيم (ص) وهو ثاني أُولي العزم ، وهي الصلاة الثانية.
والمغرب
وهي الصلاة الثالثة مَثَلٌ لدعوة موسى (ص) وهي الدعوة الثالثة ، وهو ثالث أُولي العزم.
والعشاء الآخرة مَثَلٌ لدعوة عيسى (ص) وهي الدّعوة الرابعة ، وهو الرابع من أُولي العزم ، وهي الصلاة الرابعة.
والفجر
وهي الصلاة الخامسة مَثَلٌ لدعوة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهي الدعوة الخامسة ، وهو خامس أُولي العزم ، فأمره الله بأن يُقيم الصلاة ظاهراً وباطناً ...
وأن يدعو فيها إلى مِثْل ما دعا أُولوا العزم من قبله.
في عدد الصّلاة
يقول : ويتلو ذلك ذكر
عددُ ما في كلّ صلاةٍ ، من الركوع ، وما يُجهر فيه منها بالقراءة ، وما يُخافت فيه منها.
تأويل ذلك : أنّ جملة
عدد الركعات للخمس الصلوات في اليوم والليلة ، الفرض من ذلك سبعَ عشرة ركعة والسُّنّة مِثلا الفريضة ( أربع وثلاثون ركعة ) والصلاة على سبعة أضرب ، هذا ضرب منها.
والثاني : صلاة الكسوف ، على خلاف صفة هذه ، لأنّها ركعتان ، في كلِّ
ركعة خمس ركوع.
والثالث : صلاة العليل ، والعريان ، يصلّيان جالسين ، وإذا لم يستطع
العليل الصلاة ، جالساً ، صلّىٰ مستلقياً أو مضطجعاً ، وإذا لم يستطع الركوع
والسجود ،
______________________
يومئ
أي إيماء برأسه أو ببصره ، إذا لم يستطع أن يومئ برأسه.
والرابع : صلاة الخوف ، تصلىٰ على معنى غير معنى الصلاة في الأمن
، وتجزى على ركعة منها تكبيرة عند المواقفة والمسائفة.
والخامس : صلاة الاستسقاء ، والأعياد ، والجُمَع ، لها حدّ غير حدّ
الصلاة في غير ذلك.
والسادس : صلاة الجنائز ، ليس فيها ركوع ولا سجود.
والسابع : الصلاة على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهي لفظ باللسان بلا عمل بالأركان.
فأمثال الستة الأضرب
من الصلاة أمثال الدعوة الستة النطقاء ، وهم : آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى عليهالسلام ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ... والصلاة السابعة التي هي الصلاة على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهي قول بلا عمل ، مثل لدعوة آخر الأئمّة
وخاتمهم ، وهو صاحب عصر القيامة ، لأنّه إذا قام رفع العمل ، وقامت القيامة.
في وقت الصّلاة
يقول : أوّل وقت
الظهر زوال الشمس.
وتأويل ذلك : أنّ الشمس في الباطن مَثَلُها مثلُ وليّ الزمان من كان نبيٍّ
أو إمام ، ومثل طلوعِها مَثلُ قيام ذلك الوليّ وظهوره ، ومَثَلُ غروبها مَثَلُ نقلته وانقضاء أمره ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في وقته مَثَلُه مثل الشمس ، من وقت
بعثه الله تعالى فيه إلى أن أكمل دينه الذي ابتعثه لإقامته ، وإكماله بإقامة وصيّه ، وذلك
قول الله تعالىٰ الذي أنزل عليه في اليوم الذي قام فيه بولاية علي (ص) بغدير خم : ﴿ الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الْإِسْلَامَ
______________________
دِينًا ﴾
فلما فعل ذلك (ص) مال إلى النقلة عن دار الدنيا إلى معاده ، فكان
بينَ ذلك وبين وفاته سبعون ليلة.
وكان ذلك في التأويل
مثل الزوال على رأس سبع ساعات ، كما ذكرنا من النهار ، التي جاء أنّ مَثَل عددها مثلُ عدد حروف اسمه واسم وصيّه (ص) ، وذلك سبعة أحرف ، محمدٌ أربعةُ أحرف ، وعليٌّ ثلاثة أحرف ، فذلك سبعة ، مثل للسبع ساعات ، التي تزول الشمس عندها التي مثلُها مثلُه (ص) ، ومثل زوالها زواله ، وانتقاله إلى معاده ، الذي أعدّ اللهُ له فيه الكرامة لديه.
في الأذان والإقامة
يقول : إنّ الأذان مَثَلُهُ مَثَلُ الدعاء إلىٰ
ولاية الناطق ، وهو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في وقته ، والإمام في عصره.
والإقامة
مثلُها مثلُ الدعاء إلى حجّته ، وهو وليّ أمر الأُمّة من بعده ، الذي يُقيمه لذلك في حياته ، ويصير مقامه له بعد وفاته ، فالأذان ثماني عشرة كلمة ... ومثل الأذان ، مثلُ الدعاء إلى دعوة الحقّ ، وذلك مثلُ الدعاء إلى الستة النطقاء ،
وهم : آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى عليهمالسلام ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والدعاء إلى دعوة الحجج الاثني عشر وهم أكابر الدعاة أصحاب الجزائر ، التي هي جزائر الأرض الاثنتي عشرة جزيرة ، بكلِّ جزيرةٍ منها داعٍ ، يدعو إلى دعوة الحق ، فدعوة الحق تشتمل على هذه الدعوات ، وتؤكّد أمرها ، وتُوجبُ الإقرار بأصحابها ، وكان ذلك مثل عدد كلمات الأذان لكلّ دعوة منها كلمة ؛ والإقامة تسعَ عشرة كلمة ... والإقامة ـ كما ذكرنا ـ مثل النداء إلى الحُجّة فمثلُ الكلمة الزائدة فيها ، مثل
الدعوة إلى الحجّة ، الذي هو أساس الناطق ، فأمّا الدعاء إلى الأئمّة وحججهم ، فيدخل ذلك في دعوة أصحاب الجزائر ، لأنّ دعوتهم إلى كلِّ إمامٍ في وقته وحجّته.
______________________
في ذكر المساجد
يقول : فالمساجد في
الظاهر البيوت التي يجتمع الناس إليها ، للصلاة فيها ، وهي على طبقات ، ودرجات فأعلاها المسجد الحرام.
ومثله مثلُ صاحب
الزمان مَنْ كان من نبي أو إمام.
ومثل الأمر بالحج
والسعي إليه من أقطار الأرض ، مَثلُ واجبِ ذلك على الناس ، لولي زمانهم أن يأتوه من كلّ أُفق من الآفاق.
ومثل مسجد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم مثلُ الحجّة وكذلك ، على الناس أن يأتوه كما يأتون المسجدَ الحرام.
ومثلُ مسجد بيت المقدس
مثلُ بابه ، أكبر الدعاة وبابهم ، ويسمّىٰ باب الأبواب.
وجوامع الأمصار
أمثالها أمثال النقباء وهم أكابر الدعاة أصحاب الجزائر.
ومساجد القبائل
أمثالها أمثال دعاة القبائل على مقاديرهم ، كمثل المساجد في فضلها ، وفضل بعضها على بعض ، وسعتِها ، وضيقها ، كذلك الدعاة منهم مشهورون بالفضل ، وبعضهم أفضل من بعض وأوسع علماً.
في تكبيرة الإفتتاح
يقول : إذا افتتحت
الصلاة فارفع يديك ، ولا تجاوز بهما أُذنيك ، وأبسطهما بسطاً ، ثمّ كبّر ، فهذه التكبيرة التي تكون في أوّل الصلاة ، هي تكبيرة الإفتتاح
، ورفع اليدين فيهما واجب عند أكثر الناس ، إلّا أنّهم يختلفون في منتهى حدِّ ذلك ، والثابت عن أهل البيتعليهمالسلام ما جاء في هذه الرواية عن الصادق عليهالسلام أنّه لا يجاوز
______________________
بهما
الأُذنين ، والذي يؤمر به في ذلك أن يحاذي بأطراف الأصابع من اليدين أعلى الأُذنين ، ويحاذي بأسفل الكفين أسفلَ الذقن ، فتكونُ اليدان قد حاذتا ما في الوجه
من المنافذ السبعة ، وهي : الفم ، والمنخران ، والعينان ، والأُذنان.
وتأويل ذلك أنّ مثل اليدين مثل الإمام والحجّة ، ومثل هذه المنافذ السبعة
، مثل النطقاء السبعة ، فمثل رفع اليدين إلى أن يحاذيهما ، مثلُ الإقرار في أوّل
دعوة الحقّ بالإمام والحجّة والنطقاء السبعة أعني : إمام الزمان وحجّته ، وأن لا يفرّق بين أحدٍ منهم ، ومثل قوله : « الله أكبر » انّه شهادة وإقرار واعتقاد بأنّ الله أكبر
وأجل وأعظم من كلّ شيء وأنّ النطقاء والأئمّة والحجج ـ وإن قرن الله طاعتهم بطاعته ـ عباد من عباده مربوبون.
في القراءة
يقول : يقرأ في
الصلاة في كلّ ركعة بعد بسم الله الرّحمن الرّحيم ، بفاتحة الكتاب ، وفي الركعتين الأوليين ، بعد فاتحة الكتاب بسورة ، ونُهي عن أن يُقال « آمين » بعد فراغ فاتحة الكتاب ، كما تقول ذلك العامّة.
تأويل ذلك أنّ بسم الله الرّحمن الرّحيم تسعةَ عشر حرفاً ، بسم الله سبعة
أحرف ، وهي مثل النطقاء السبعة ، والسبعة الأئمّة الذين يتعاقبون الإمامة بين كل ناطقين ، الرّحمن الرّحيم اثني عشر حرفاً مثل النقباء الاثني عشر.
وتأويل
قراءته في كلّ ركعة بفاتحة الكتاب ، من أنّها سبع آيات وأنّه جاء في التفسير أنّها السبع المثاني ، لأنّها تثنّى في كلّ ركعة ، وانّ مَثَلَها ومثل
قراءتها في الصلاة مثل الإقرار بالسبعة الأئمّة الذين يتعاقبون الإمامة بين كلّ ناطقين ، وانّ
ذلك هو قول الله تعالى لمحمد نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم : ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا
مِّنَ الْمَثَانِي ﴾
______________________
وتأويله
أنّه جعل في ذريته سبعة أئمّة يثنّى منهم اسبوع بعد اسبوع ، كما يثنّى أيّام الجُمعة إلى أن تقوم الساعة وانّه جمع له علم النطقاء والأئمّة من قبله والقرآن العظيم ، ومثله في التأويل مثل أساس دعوته وأئمّته وهو وصيّه علي (ص).
وأمّا قراءة فاتحة
الكتاب وسورة في كلّ ركعة تقرنان فيها فمَثَل ذلك في التأويل ، مثل الإقرار في دعوة الحقّ بإمام الزمان وحجّته وقول العامّة بعد فراغ سورة الحمد آمين زيادة فيها فنهى عن ذلك كما يُنهى عن إدخال غير أولياء الله في جملتهم ، وعن زيادة غيرهم فيهم.
في صلاة العيدين
يقول : ليس في
العيدين أذان ولا إقامة ، ولا نافلة ، ويُبدأ فيهما بالصلاة قبل الخطبة ، خلاف الجُمعة ؛ وصلاةَ العيدين ركعتان يُجهر فيهما بالقراءة.
تأويل ذلك : أنّ مثل الخروج إلى العيدين مَثَلُ الخروج إلى جهاد الأعداء ، وأنّ مثل الأذان مثل الدعوة والخروج إلى العدو ، وليست تقام له دعوة ، إذ
تقدم في دعوة الحقّ الأمر به ، وإنّما يُلزم الناس أن ينفروا ويخرجوا إليه ، كما
أوجب اللهُ ذلك عليهم في كتابه.
ومعنى البدء في
الصلاة يوم العيدين قبل الخطبة ، خلاف الجمعة ، أنّ الخروج إلى العيدين مَثلُ الخروج إلى جهاد العدو ، واستقبال القبلة في الصلاة مَثَلُ استقبال الإمام بالطاعة والسمع له وذكرنا أنّ مثل الخطبة من الخطيب مثلُ التوقيف من الداعي مَنْ يدعوه على ما يأمره به ، فكان مَثَلُ الإبداء بالصلاة في العيدين مَثلُ إقبال الخارجين إلى جهاد الأعداء في حين خروجهم على إمامهم ، والسّمع منهم والطاعة لما به يأمرهم ، وما عليه يرتِّبهم ويقيمهم وفي مقاماتهم ، فذلك مَثلُ الصلاة وبه يبتدئ ، ومثل الخطبة بعد ذلك مثل تحريض الإمام
______________________
المؤمنين
على الجهاد ، وأمره ونهيه إيّاهم في ذلك ، بما يأمرهم به ، وينهاهم عنه ، ولذلك كان في خطبة العيدين الأمر بالجهاد وبطاعة الإمام ، والتوبيخ على التقصير في العمل.
هذه نماذج من تأويلات
الإسماعيليّة ، في مجال الأحكام الشرعيّة ، ومن أراد الاستقصاء فعليه الرجوع ـ مضافاً إلى كتاب تأويل الدعائم ـ إلىٰ كتاب « وجه دين » للرحالة ناصر خسرو ( ٣٩٤ ـ ٤٧١ أو ٤٨١ هـ ) ، فقد قام بتأويل ما جاء من الأحكام في غير واحد من الأبواب ، حتى الحدود والدّيات ، والنكاح ، والسفاح ، و لكنّه ألّفه بلغة فارسية قديمة ، فعلىٰ من يريد المزيد من الاطلاع فليرجع
إلىٰ ذلك الكتاب ، وقد طبع عام ١٣٩٧ هـ طبعة أنيقة.
______________________



ظهر المذهب الإسماعيلي
على الساحة الإسلاميّة بطابَع دينيّ بحت ، مدّعياً استمرار الإمامة ، المتجسّدة في إسماعيل بن جعفر ، ومحمد بن إسماعيل ، ولمّا
اشتدَّ سلطانهم بقيام دولة لهم في شمال إفريقية ، في بلاد المغرب ، ومصر ، ظهرت بينهم شخصيات بارزة في حقول السياسة والفلسفة والفقه والحديث والأدب وغيرها ، وبما أنّ دراسة سيرتهم وما قدموه من تراث للمجتمع الإسلامي خارج عن موضوع كتابنا ، لأنّه رهن دراسة تاريخ الدولة الفاطميّة ؛ فلنقتصر على ترجمة لفيف من أعلامهم ومفكّريهم ، مِمّن كان لهم دور في نضج المذهب وتكامله وانتشاره.
١
أحمد بن حمدان بن
أحمد الورثنياني ( أبوحاتم الرازي )
( ٢٦٠ ـ ٣٢٢ هـ )
أحمد بن حمدان بن
أحمد الورثنياني الليثي ( أبوحاتم الرازي ) من زعماء الإسماعيليّة وكُتّابهم ، أوّل من ترجمه هو الصدوق في « تاريخ الري » حسب ما نقله ابن حجر في « لسان الميزان » ، قال :
ذكره أبو الحسن ابن
بابويه في « تاريخ الري » ، وقال : كان من أهل الفضل والأدب ، والمعرفة باللغة ، وسمع الحديث كثيراً ، وله تصانيف ؛ ثمّ أظهر القول بالإلحاد وصار من دعاة الإسماعيليّة ، وأضلّ جماعة من الأكابر ومات في سنة
٣٢٢
هـ.
ونقل صاحب الأعيان عن
الرياض ما هذا لفظه : كان من القدماء المعاصرين للصدوق ، له كتاب الرد على محمد بن زكريا الطبيب الرازي في الإلحاد وإنكار النبوة.
وقال مصطفى غالب : كان
داعياً كبيراً لبلاد الري وطبرستان وآذربيجان ، وقد استطاع أن يُدخل أمير الري في المذهب الإسماعيلي وكان من كبار دعاة القائم بأمر الله ، ونؤكّد أنّه لعِب دوراً عظيماً في شؤون طهران والديلم والري ، السياسيّة
، فاستجاب لدعوته أعظم رجالات تلك البلاد ، وله مؤلفات عظيمة منها :
١. كتاب « الزينة » :
كتاب في الفقه والفلسفة الإسماعيليّة.
٢. « أعلام النبوة »
: كتاب يبحث في الفلسفة الإسماعيليّة.
٣. « الإصلاح » : كتاب
يبحث في التأويل.
٤. « الجامع » كتاب
في الفقه الإسماعيلي.
والحقيقة فإنّ أبا
حاتم الرازي كان علماً من أعلام النهضة العلميّة عند الإسماعيليّة ، وقد ساهم بنشر التعاليم الفلسفيّة في كافّة الأقطار الشرقيّة ، وخاصّة
في محيط الثقافة الإسلاميّة العامّة ، وبالرغم من كلّ هذا فإنّه لم يَسلم من
اضطهاد الأعداء في الديلم ، وقد اضطر إلى الاختفاء في أواخر سني حياته ، ومات سنة ٣٢٢ هـ بعد تولية القائم الفاطمي شؤون الإمامة الإسماعيليّة ، في بلاد المغرب ، وقد عمّر اثنين وستين عاماً ، كما قال بعض المؤرخين.
كان معاصراً لأبي بكر
محمد بن زكريا الرازي الطبيب المشهور ، وصاحب
______________________
الآراء
الفلسفيّة المعروفة ، التي خرج فيها علىٰ كثير من نظريات أرسطو الطبيعية والميتا فيزيائية ، منكراً التوفيق بين الفلسفة والدين ، معتقداً بأنّ الفلسفة هي الطريق الوحيد لإصلاح الفرد والمجتمع.
وقد دارت بينهما ( أي
بين الرازيين ) مناقشات عنيفة ومتعددة ، حضرها بعض العلماء والرؤساء السياسيين ، وقد دوّن أبو حاتم هذه المناقشات في كتابه « أعلام النبوة ».
وإليك كلاماً حول
كتابه « أعلام النبوة » ، فالكتاب يصوّر لنا معركة فكريّة عقائديّة بين رازيين ، هما : أبو حاتم الداعي المتكلم الإسماعيلي ، ومحمد بن زكريا
الطبيب المتفلسف حيث تعددت اللقاءات بينهما ، ودار النقاش حول مواضيع شتى في جوانب الثقافة الإسلاميّة ، من عقائد فلسفيّة وكلام وطب وصيدلة وهيئة ، وما إلى ذلك.
إنّ اختلاف الرأي بين
الرجلين في هذه الجوانب لم يكن إلّا مظاهر متعددة لاختلاف أساسي واحد بينهما في الرأي حول العقل الإنساني ، وتكليفه وحدود إمكانه من جانب ، والنبوّة والضرورة إليها من جانب آخر.
والكتاب جدير
بالمطالعة وقد بدأ المؤلف كتابه بقوله :
ناظرني « الملحد » في
أمر النبوّة وأورد كلاماً نحو ما رسمه في كتابه الذي قد ذكرناه فقال :
« من أين أوجبتم أنّ
الله اختصَّ قوماً بالنبوّة دون قوم ، وفضلهم على الناس ، وجعلهم أدلّة لهم ، وأحوج الناس إليهم ؟ ومن أين أجزتم في حكمة الحكيم أن يختار لهم ذلك ويشلي بعضهم على بعض ، ويؤكد بينهم العداوات
______________________
ويكسر
المحاربات ويهلك بذلك الناس ؟! ».
ثمّ ذكر المناظرة.
وترجمه ابنُ النديم
في « الفهرست » ، وقال : وله من الكتب « كتاب الزينة » نحو ٤٠٠ ورقة وكتاب « الجامع » وفيه فقه.
٢
محمد بن أحمد النسفي
البردغي ( النخشبي )
( ... ـ ٣٣١ هـ )
كان كبير دُعاة
خراسان وتركستان ، استطاع أن يدخل في المذهب الإسماعيلي الكثيرين ، من أهل تلك البلاد ، اشتهر في تعمّقه بدراسة فلسفة المذهب الإسماعيلي ؛ ومن أشهر مؤلفاته :
١. كتاب « المحصول » يتألّف
من ٤٠٠ صفحة جلّها في الفلسفة الإسماعيليّة.
٢. « كون العالم ».
٣. كتاب « الدعوة
الناجية ».
٤. كتاب « أُصول
الشرع » يبحث في الفقه الإسماعيلي ، وفلسفة ما وراء الطبيعة.
توفي هذا الداعي سنة
٣٣١ هـ.
______________________
يقول عارف تامر : إنّ
أوّل جَدَل فَتح للإسماعيليّة الآفاق الجديدة ، ظهورُ كتاب « المحصول » ، وهذا الكتاب وضع موضع التداول في بداية القرن الرابع الهجري ، وينسب إلى الداعي السوري الأكبر « محمد بن أحمد النسفي » الذي كان له الفضل بتحويل مذهب الدولة السامانية في آذربيجان إلى الإسماعيليّة ، وقد أُعدم سنة ٣٣١ هـ ، كما جاء في كتاب « الفرق بين الفرق » لمؤلفه عبد القاهر البغدادي.
وقد ذكر ابن النديم
في الفهرست أنّ النسفي خلف ، الحسين بن علي المروزي في خراسان ، الذي مات في حبس نصر بن أحمد ، واستغوى نصر بن أحمد وأدخله في الدعوة الإسماعيليّة ، وأغرمه دية المروزي ، وزعم أنّه ينفذها إلى صاحب المغرب القيّم بالأمر. فلحق نصر سقمٌ طرحه على فراشه ، وندم على إجابته للنسفي ، فأظهر ذلك ومات.
فجمع ابنه نوح بن نصر
الفقهاء وأحضر النسفي ، فناظروه وهتكوه وفضحوه ، فقتل النسفي ، ورؤساء الدعاة ووجوهها من قواد نصر ، ممن دخل في الدعوة ومزقهم كل ممزق.
٣
أبو يعقوب السجستاني
( ٢٧١ ـ وكان حيّاً
عام ٣٦٠ هـ )
أبو يعقوب إسحاق بن
أحمد السجزي أو السجستاني ، ولد عام ٢٧١ هـ في سجستان ، وهي مقاطعة في جنوب خراسان يمتُّ بصِلة النسب إلى أُسرة فارسيّة ،
______________________
وقيل
أنّه من أصل عربي ، جاء جدُّه من الكوفة ، وقطن في سجستان.
نشأ السجستاني في
مدارس الدعوة الإسماعيليّة في اليمن ، وأسهم مساهمة فعّالة في المناظرات العلميّة التي كانت تجري في ذلك العصر.
يقول عنه الكاتب الإسماعيلي
عارف تامر : يعتبر أبو يعقوب إسحاق السجستاني ( السجزي ) في طليعة العلماء الذين كرّسوا أنفسهم لوضع قواعد فلسفيّة كونيّة قائمة على دعائم فكريّة عقائديّة إسماعيليّة ، ونشرها وتعميمها في الأقطار الأُخرىٰ ، حتى اتّهم في أواخر حياته ، بالكفر والإلحاد ، من
الجمهور ، ثمّ قتل أخيراً.
وقد لعب السجستاني
دوراً هامّاً في مجال الفلسفة في القرن الثالث للهجرة ، وقد ظهر أثره الفكري في تلميذه حميد الدين الكرماني ( حجة العراقين ) الذي سار على منهاجه ، ودعا إلى تعاليمه.
عاصر الدعوة الإسماعيليّة
الباطنيّة في عصر الظهور أي ابان ازدهار الدولة الفاطميّة وظهورها كدولة إسلاميّة ذات كيان حضاري ، وعلمي ، واجتماعي ، وسياسي.
كتب كتاب « النصرة » الذي
عارض فيه كتاب « الإصلاح » الذي وضعه أبو حاتم الرازي في الرد على آراء النسفي التي وردت في كتابه « المحصول » وبذلك انتصر للنسفي على الرازي.
وقام الكرماني إلى
تأليف كتابه « الرياض » بتقريب وجهات النظر بين الدعاة المتجادلين ( النسفي ، الرازي ، السجستاني ).
ترك السجستاني بعده مؤلفات
علميّة فلسفيّة عددها ينوف على الثلاثين
______________________
ولعل
أشهر كتبه :
١. كتاب النصرة ، ٢.
كتاب الافتخار ، ٣. كتاب المقاليد ، ٤. كتاب مسيلة الأحزان ، ٥. كتاب سلم النجاة ، ٦. كتاب سرائر المعاد والمعاش ، ٧. كتاب كشف المحجوب ، ٨. كتاب الوعظ ، ٩. كتاب أُسس البقاء ، ١٠. كتاب خزانة الأدلة ، ١١. كتاب تآلف الأرواح ، ١٢. كتاب تأويل الشريعة ، ١٣. كتاب أساس الدعوة ، ١٤. رسالة تحفة المستجيبين ، ١٥. كتاب الينابيع .
وقد وقفنا من كتبه
على كتاب ورسالة فالكتاب تحت عنوان « الينابيع » بتقديم وتحقيق مصطفى غالب ، نشره المكتب التجاري للطباعة في لبنان ـ بيروت عام ١٩٦٥ م.
وقد قسم السجستاني
ينابيعه إلى أربعين يُنبوعاً ، جعل كلَّ ينبوع مشابهاً لحدِّ من الحدود الدينيّة ، المعروفة بالنظام الإسماعيلي. ويظهر أنّه قد وضعه
لطبقة خاصّة من الدعاة ، وأصحاب المراتب العليا في الدعوة ، وإلى الذين وصلوا في دراساتهم الفلسفيّة إلى الذروة.
وأمّا الرسالة فهي
رسالة « تحفة المستجيبين » طبعت ضمن خمس رسائل إسماعيليّة بتحقيق وتقديم عارف تامر عام ١٣٧٥ هـ. كتبها لطبقة المستجيبين والطلاب الذين يرغبون في الاطلاع على الفلسفة الإسماعيليّة ، أو الدخول في الدعوة الهادية.
وقد ترجم له مصطفى
غالب أيضاً في تاريخ الدعوة الإسماعيلية ص ١٨٧.
ولادته ووفاته
ذكر مصطفى غالب أنّه
ولد سنة ٢٧١ هـ في سجستان ، ثمّ قال : وبعد اضطهاد مرير ، قُتل في تركستان عام ٣٣١ هـ.
______________________
غير أنّ الكاتب الإسماعيلي
عارف تامر يذكر خلاف ذلك ويقول : يذهب « ماسينيون » و « و. ايفانوف » إلى القول أنّه مات سنة ٣٣١ هـ ، ولكنّي أخالفهما
في ذلك فالمعروف عن السجستاني أنّه كان أُستاذاً للكرماني ، والكرماني ظل عائشاً حتى سنة ٤١١ هـ ، إذن متى أخذ الكرماني عنه علوم الدعوة ؟ وهناك نص صريح في كتاب « الافتخار » للسجستاني يذكر فيه أنّه وضعه سنة ٣٦٠ هـ ، وقد ورد ذكر كتاب « الافتخار » في كتاب « الرياض » للسجستاني نفسه ، أي أنّ السجستاني وضع كتاب « الرياض » بعد كتاب « الافتخار » أي سنة ٣٦٠ هـ.
وهذا يجعلنا نقول بل
نؤكد : إنّ السجستاني كان داعياً في منطقة بخارى أيّام إمامة المعز لدين الله الفاطمي ، أي انّه كان معاصراً لجعفر بن منصور اليمني ، وللقاضي النعمان وغيرهما ، من كبار المؤلفين وعلماء الدعوة في ذلك العصر العلمي الزاهر.
وقال البغدادي عند
البحث عن الباطنيّة : وظهر بنيسابور داعية لهم يعرف بالشعراني ، وقتل بها في ولاية أبي بكر بن الحجاج عليها ، وكان الشعراني قد دعا الحسين بن علي المروزي ، وقام بدعوته بعده محمد بن أحمد النسفي داعية أهل ماوراء النهر ، وأبو يعقوب السجزي المعروف بـ « بندانه » وصنف النسفي لهم كتاب « المحصول » وصنف لهم أبو يعقوب كتاب « أساس الدعوة » وكتاب « تأويل الشرائع » و « كشف الأسرار » وقتل النسفي والمعروف بـ « بندانه » على ضلالتهما.
وقال خير الدين
الزركلي : إسحاق بن أحمد السجزي أو السجستاني أبو يعقوب ، من علماء الإسماعيليّة ودعاتهم يماني ، اشتهر في سجستان ، وقتل في تركستان ، له تصانيف منها « الينابيع » قالوا : إنّه أهمُّ كتبهم.
______________________
٤
أبوحنيفة النعمان
( ... ـ ٣٦٣ هـ )
قاضي القضاة النعمان
بن محمد بن منصور بن أحمد التميمي ، واختلف في تاريخ ولادته ، فقال بعضهم : إنّها سنة ٢٥٩ هـ وقال آخرون : إنّه ولد في العشر الأخيرة من القرن الثالث.
إتّصل في أوّل عهده
بمؤسس الدولة الفاطمية عبيد الله المهدي ، ورافق الدولة الجديدة خطوةً فخطوة ، وبعد وفاة المهدي ولّاه « القائم بأمر الله » قضاء طرابلس الغرب ، وفي عهد المنصور تولّى قضاء المنصورية ، وكان قضاؤه يشمل سائر المدن الإفريقيّة ، مرجعاً لجميع القضاة حتى عهد المعز لدين الله الذي قرّبه إليه ، وأدناه من مجلسه ، فوضع فيه كتاب « المجالس والمسامرات ».
ولما دخل المعز مصر ،
كان معه « النعمان » وكان قاضياً للجيش ، فأصبح في مصر قاضياً للقضاة.
وكان محط ثقة المعز
لدين الله ، جعله مستشاراً قضائياً له ، وساعد المعز في المسائل الخاصّة بالدعوة ، فقد وضع أُسس القانون الفاطمي ، وينظر إليه على أنّه المشرع الأكبر للفاطميين. يقول رواة الفاطميين : إنّه لم يؤلف شيئاً دون الرجوع
إلى المعز لدين الله ، ويعتبر أقوم كتبه كتاب « دعائم الإسلام » أنّه من عمل المعز
نفسه ، وليس من عمل قاضيه الأكبر ، ولهذا كان هذا الكتاب هو القانون الرسمي منذ عهد المعز حتى نهاية الدولة الفاطميّة ، كما يتضح ذلك من رسالة كتبها الحاكم بأمر الله
______________________
إلى
داعيه باليمن ، بل لا يزال هذا الكتاب هو الوحيد الذي يسيطر على حياة طائفة البهرة في الهند ، وعليه المعول في أحوالهم الشخصيّة.
توفي النعمان أوّل
رجب سنة ٣٦٣ هـ فخرج المعز يبين الحزن عليه ، وصلّى عليه ، وأضجعه في التابوت ، ودفن في داره بالقاهرة
وذكر أحمد بن محمد بن عبد الله الفرغاني في « سيرة القائد جوهر » أنّه توفي في ليلة الجمعة سلخ جمادى الآخرة
من السنة.
بلغت مؤلّفاته نحواً
من سبعة وأربعين كتاباً ، جمعت ألواناً شتى من العلوم في فقه ، وتأويل وتفسير ، وأخبار ، وفيما نقل ابن خلكان عن ابن زولاق : « انّه
ألّف لأهل البيت من الكتب آلاف أوراق بأحسن تأليف ».
وهذه المؤلفات بعضها
محفوظ ، وبعضها لا يوجد إلّا بعض أجزائه وبعضها فُقد فلا يعرف إلّا اسمه ، وإليك أسماء بعض تلك المؤلفات :
١. جزء من كتاب شرح الأخبار
، في مكتبة برلين.
٢. دعائم الإسلام ، وهذا
الكتاب من أهم كتبه ، مطبوع.
٣. تأويل دعائم الإسلام
، مطبوع.
٤. أساس التأويل ، مطبوع.
٥. جزء من كتاب
المجالس والمسافرات.
٦. كتاب الهمة في
اتّباع الأئمّة.
٧. إفتتاح الدعوة ، مطبوع.
٨. الارجوزة المختارة
، مطبوع.
٩. الطهارة.
______________________
١٠. التوحيد والإمامة.
١١. كتاب « الاقتصار
» في الفقه ، مطبوع.
١٢. كتاب « الأخبار »
في الفقه أيضاً.
١٣. ابتداء الدعوة
للعبيديين ، مطبوع في جزء.
وقال عنه ابن زولاق
في كتاب « أخبار قضاة مصر » : إنّه كان عالماً بوجوه الفقه ، وعلم اختلاف الفقهاء ، واللغة والشعر ، والمعرفة بأيّام الناس.
إلى أن قال : وله
ردود على المخالفين : له رد على أبي حنيفة ، وعلى مالك ، والشافعي ، وعلى ابن سريج ، وكتاب « اختلاف الفقهاء » ينتصر فيه لأهل البيت ، وله العقيدة الفقهية لقبها بـ « المنتخبة ».
النعمان إسماعيلي لا
اثني عشري
وقعت الشكوك حول مذهب
النعمان وهل هو إسماعيليّ أو اثنا عشري ؟ وبعد التتبع والإمعان في الكتب التي تحت متناول أيدينا من آثار المؤلف ، وهي :
١. الدعائم.
٢. تأويل الدعائم.
٣. الأُرجوزة
المختارة.
٤. أساس التأويل.
٥. كتاب الاقتصار في
الفقه.
______________________
٦. رسالة افتتاح
الدعوة.
٧. الرسالة المذهبة.
اتضح أنّ الرجل
إسماعيلي لا اثنا عشري ، وإن كان محباً لأهل البيت كثيراً ، ويتنزّه عن بعض العقائد المنحرفة عند الإسماعيليّة. وقد ذكر في باب « ذكر منازل الأئمّة » شيئاً عن أحوال الغلاة كما وذكر معاملة علي معهم بالإحراق ، إلى أن يقول
: وكان في أعصار الأئمّة من ولد علي مثل ذلك ما يطول الخبر بذكرهم ، كالمغيرة بن سعيد ( لعنه الله ) وكان من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي ودعاته.
إلى أن قال : ولعن
أبو جعفر ، المغيرة وأصحابه ، ثمّ ذكر « أبا الخطاب » وعقيدتهم الإباحيّة ، وأنّ أبا جعفر لعنه كل ذلك يدل على سلامة عقيدته في حقّ الأئمّة .
ومع ذلك كلّه فهو
فقيه إسماعيلي اعتنق ذلك المذهب بعدما كان سنيّاً ، ولم يكن إمامياً اثني عشرياً.
نعم ذكر المحدّث النوري
، أنّ الرجل كان إماميّاً اثني عشريّاً ، وأنّ اقتصاره على الحديث عن الأئمّة الست ، لأجل ستر الأمر وكتمان السر ، واستشهد على ذلك بوجوه غير مجدية نشير إلى بعضها :
الأوّل :
قال ابن خلكان : كان من أهل العلم والفقه والدين والنبل ، على ما لا مزيد عليه ، وله عدّة تصانيف ـ إلى أن قال ـ : وكان مالكي المذهب ثمّ انتقل إلى مذهب الإماميّة وصنف كتاب « ابتداء الدعوة للعبيدين ».
أقول :
إنّ المراد من الإماميّة من يعتقد بإمامة علي وأولاده ، سواء كان زيدياً أو إسماعيليّاً أو اثني عشرياً ، والإسماعيليّة يصفون أنفسهم بالإماميّة لقولهم
بإمامة
______________________
المنصوص
عليهم ؛ والذي يدل على ذلك أنّ ابن خلكان يذكر بعد قوله : « ثمّ انتقل إلى مذهب الإماميّة » وصنف كتاب « ابتداء الدعوة للعبيديين » والمراد منه الدعوة « لعبيد الله المهدي » مؤسس الدولة الفاطميّة في المغرب ومصر.
وأمّا ما نقله ابن
خلكان عن ابن زولاق ، انّه قال : وللقاضي كتاب : « اختلاف الفقهاء » ينتصر فيه لأهل البيت فليس دليلاً على ما يتبنّاه لأنّ الفرق الثلاث كلّهم ينتمون إلى أهل البيت عليهمالسلام.
الثاني :
١. روايته عن أبي
جعفر الثاني « الإمام الجواد » عليهالسلام ، والرضا عليهالسلام ففي كتاب الوصايا عن ابن أبي عمير أنّه قال : كنت جالساً على باب أبي جعفر عليهالسلام إذ أقبلت امرأة ، فقالت : استأذن لي على أبي جعفر عليهالسلام ، فقيل لها : وما تريدين منه ؟ قالت : أردت أن أسأله عن مسألة ، قيل لها : هذا الحكم ، فقيه أهل العراق فاسأليه.
قالت : إنّ زوجي هلك
وترك ألف درهم ، وكان لي عليه من صداق خمسمائة درهم ، فأخذت صداقي ، وأخذت ميراثي ، ثمّ جاء رجل فقال لي : عليه ألف درهم وكنت أعرف له ذلك ، فشهدت بها.
فقال الحكم : اصبري
حتى أتدبر في مسألتك وأحسبها وجعل يحسب ، فخرج إليه أبو جعفر عليهالسلام وهو على ذلك ، فقال : ما هذا الذي تحرك
أصابعك يا حكم ؟ فأخبره فما أتم الكلام حتى قال أبو جعفر عليهالسلام : أقرت له بثلثي ما بيديها ، ولا ميراث له حتى تقضي.
ثمّ ذكر المحدّث
النوري : أنّ المراد من أبي جعفر هو الإمام الجواد ، لأنّ ابن أبي عمير لم يدرك الصادق فضلاً عن الباقر عليهالسلام.
______________________
أقول :
إنّ النسخة الموجودة عند المحدّث النوري كانت مغلوطة محرّفة ، وقد جاءت الرواية في كتاب دعائم الإسلام في مصر بتحقيق آصف بن علي أصغر فيضي ، بالنحو التالي : عن الحكم بن عيينة ، قال : كنت جالساً على باب أبي جعفر وذكر الحديث .
والشاهد على أنّ الجالس
كان هو الحكم بن عتيبة لا ابن أبي عمير ما في متن الرواية حيث قيل لها : هذا الحكم فقيه أهل العراق.
٢. انّه روى في كتاب
الميراث عن حذيفة بن منصور قال : مات أخ لي وترك ابنته فأمرت إسماعيل بن جابر أن يسأل أبا الحسن عليّاً ـ صلوات الله عليه ـ عن ذلك فسأله فقال : المال كلّه للابنة. وقد تصفحنا كتاب الفرائض من الدعائم المطبوع بمصر فلم نعثر على الحديث.
٣. روى في كتاب
الوقوف عن أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلام أنّ بعض أصحابه كتب إليه أنّ فلاناً ابتاع ضيعة وجعل لك في الوقف الخمس الخ.
وهذا الخبر مروي في
الكافي والتهذيب والفقيه مسنداً عن علي بن مهزيار قال : كتبت إلى أبي جعفر الخ ، وعلي بن مهزيار من أصحاب الجواد والرضا عليهماالسلام لم يدرك قبلهما من الأئمّة أحداً.
ما نقله عن علي بن
مهزيار ، ورواه الكليني في كتاب الوصايا ، ورواه
______________________
الشيخ
في التهذيب ورواه الصدوق في الفقيه.
هذا في كتبنا وأمّا
الدعائم ، فقد رواه في كتاب الصدقة ، بالنحو التالي :
عن أبي جعفر محمد بن
علي عليهماالسلام ، أنّه قال : تصدَّق الحسين بن علي
بدار ، فقال له الحسن بن علي : تحوّل عنها.
وعنه أنّ بعض أصحابه
كتب إليه : أنّ فلاناً إبتاع ضَيعةً فأوقفها ، وجعل لك في الوقف الخمس ... .
غير أنّ المتبادر من
أبي جعفر بقرينة مضمون الحديث حيث يحكي فعل الحسن بن علي هو الإمام الباقر عليهالسلام ، وهو في كتابه يكرر النقل عن أبي جعفر
ويذكر اسمه بعده ، ويقول : محمد بن علي ، ومراده الإمام الباقر عليهالسلام .
وعلى ذلك فالضمير في
الحديث الثاني يرجع إلى الإمام الباقر.
نعم بقي هنا شيء وهو
تقارب ما روي في الدعائم مع ما روي في جوامعنا في مضمون الخبر ، وهو قابل للتأمّل.
٤. ذكر في الدعاء بعد
الصلاة : وروينا عن الأئمّة ، أنّهم أمروا بالتقرّب بعد كلّ صلاة فريضة ، إذا سلّم المصلي بسط يديه ورفع باطنهما ، ثم قال : اللّهمّ إنّي أتقرب إليك بمحمد رسولك ونبيك ، وبوصيّه علي وليّك ، وبالأئمّة من ولده الطاهرين ، الحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ويُسمّي الأئمة إماماً إماماً إلى أن ينتهي لإمام عصره.
ثمّ يقول : اللّهمّ
إنّي أتقرّب إليك بهم.
______________________
قال النوري : غير خفي
على المنصف أنّه لو كان إسماعيلياً ، لذكر بعده إسماعيل بن جعفر بن محمد بن إسماعيل إلىٰ إمام عصره المنصور بالله والمهدي بالله.
أقول :
إنّه لم يذكر أسماءهم إمّا لكثرتهم ، أو لإخفاء سرّهم كما ذكره في منظومته ، فيقول :
ولم يكن يمنعني من
ذكرهم
|
|
إلّا احتفاظي بمصون
سرّهم
|
وليس لي بأن أقول
جهراً
|
|
ما كان قد أُدِّي
إليَّ سِرّا
|
وهم على الجملة
كانوا استتروا
|
|
ولم يكونوا إذ
تولوا ظهروا
|
بل دخلوا في جملة
السواد
|
|
لخوفهم من سطوة
الأعادي
|
حتى إذا انتهى
الكتاب أجله
|
|
وصار أمر الله فيمن
جعله
|
بمنه مفتاح قفل
الدين
|
|
أيّده بالنصر
والتمكين
|
فقام عبد الله وهو
الصادق
|
|
مهدينا صلىٰ
عليه الخالق
|
إلى آخر ما ذكره ، ومراده
من المهدي ، هو عبيد الله المهدي.
إلى هنا تبيّن أنّه
لا دليل علىٰ كون الرجل اثني عشرياً إلى آخر عمره ، أو كان اثني عشرياً ، وعدل عنها إلى الإسماعيليّة.
نعم بقي هنا شيء وهو
أنّه ذكر في كتاب « الارجوزة المختارة » فرق الشيعة ، وردَّ على الرونديّة ، والزيديّة ، والجاروديّة ، والبتريّة ، والمغيريّة ، والكيسانيّة
، والكربيّة ، والبيانيّة ، والمختارية والحارثيّة ، والعباسيّة ، والرزاميّة ، ولم
يذكر شيئاً ما عن الإماميّة الاثني عشريّة.
______________________
ويقول :
وهذه أُصول قول
الشيعة
|
|
ولو حكيت معها
فروعه
|
لاتّسع القول بغير
فائدة
|
|
وكانت الحجة فيه
واحدة
|
وهذا من العجب ، مع
أنّ الاثني عشريّة ، من أشهر الفرق ، وهذا يدفعنا إلى القول ، بأنّه كان يميل إليها بعض الميل ، والله العالم.
نظرة في كتاب الدعائم
نرىٰ في كتاب
الدعائم أنّ قاضي القضاة حفظ السنة المرويّة عن طريق أئمّة أهل البيت ، وأنّه أكثر الرواية عن الصادقين عليهماالسلام ، غير أنّه لم تكن له صلة بعلماء المذهب الاثني عشري ، ولذلك خالفهم في نفس كتاب الإرث في موارد عديدة :
١. ممّا روي عن علي
أنّه قضىٰ في رجل هلك ، ولم يخلّف وارثاً غير امرأته ، فقضىٰ لها بالميراث كلّه. وفي امرأة هلكت ولم تدع وارثاً غير زوج لها ، فقضىٰ
له بالميراث كلّه.
فزعم أنّه يخالف ظاهر
نص الكتاب ، وثابت السنة.
٢. ما روي عن أبي
جعفر وأبي عبد الله ، أنّهما قالا : لا يرث النساء من الأرض شيئاً ، وإنّما تعطى المرأة قيمة النقض.
قال : فهذا أيضاً لو حمل
على ظاهره وعلى العموم ، لكان يخالف كتاب الله
______________________
جلّ
ذكره ، والسنّة وإجماع الأئمّة والأُمة.
وما روي عن أئمّة أهل
البيت ، في عدم إرث النساء من الأرض ، مُخصص للقرآن والسنّة ، وليس مخالفاً ؛ والمخالف هو المتباين.
كما أنّ الردّ مازاد
على الثمن والربع ، في الفرع الأوّل إلى الزوج والزوجة ، لا يُعدّ مخالفاً للكتاب ، لأنّ الكتاب ساكت عن حكم مازاد على الفريضة.
نعم نسب إليه المحدّث
النوري ، أنّه ممّن يُحرّم المتعة ولكنّ الوارد في النسخة المطبوعة خلافه ، قال القاضي : عن جعفر بن محمد ، أنّه قال : إذا تزوّج الرجل
المرأة بصداق إلى أجل ، فالنكاح جائز ، ولكن لابدّ أن يعطيها شيئاً قبل أن يدخل بها ، فيحل له نكاحها ، ولو أن يعطيها ثوباً أو شيئاً يسيراً ، فإن لم يجد شيئاً ، فلا
شيء عليه ، وله أن يدخل بها ، ويبقى الصداق ديناً عليه.
وفي خاتمة المطاف : من
طالع كتبه التي أومأنا إليها ، يقف على أنّ الرجل فقيه إسماعيليّ ، يدافع عن المذهب ، وخلافة الخلفاء الفاطميين بحماس ، خصوصاً في كتابه « افتتاح الدعوة في ظهور الدعوة العبيدية الفاطمية ».
٥
أحمد بن حميد الدّين
بن عبد الله الكرماني
( ٣٥٢ ـ كان حيّاً
سنة ٤١١ هـ )
حميد الدّين ، أحمد
بن عبد الله الكرماني الداعي في عهد الحاكم بالله ( ٣٧٥ ـ ٤١١ هـ ) والملقّب بحُجّة العراقين ، وكبير دعاة الإسماعيليّة في جزيرة العراق ،
______________________
وصاحب
التآليف العديدة في المذهب الإسماعيلي وإثبات الإمامة للفاطميين ، والردّ على مخالفيهم.
« ظهر أثره وعظم شأنه
في عهد الخليفة الفاطمي « الحاكم بأمر الله » وكان لقبه المشهور « حجّة العراقين » أي أنّه كان مسؤولاً عن شؤون الدعوة الثقافيّة في فارس والعراق ، وفي القاهرة كان مركزه كمقام ( حجّة جزيرة ) فهو أحد الحجج الاثني عشر ، المكلّفين بإدارة شؤون الدعوة الإسماعيليّة في العالم ، ثمّ استخدم
بعد ذلك كرئيس لدار الحكمة في القاهرة ، وهي المؤسسة الثقافيّة التي نستطيع أن نقول عنها : إنّها أوّل جامعة انشئت في العالم.
وفد على القاهرة سنة
٤٠٨ هـ ، بناءً على طلب المأمون افتكين الضيف داعي دعاة الدولة الفاطميّة في عهد الحاكم بأمر الله ، عندما حَمي وطيس المعارك
الدينيّة ، وقامت الدعوات الجديدة وراج سوق البدع التي كانت تهدف إلى الغلو والانحراف عن واقع وأُسس الدعوة.
ألّف كثيراً من الكتب
أشهرها : « الرسالة الواعظة » في الردّ على الحسن الفرغاني ، القائل بإلوهيّة الحاكم بأمر الله ، و « البشارات » و « المصابيح » و «
الرسالة المضيئة » و « المصابيح في إثبات الإمامة » و « تنبيه الهادي والمستهدي » و « راحة
العقل » و « الرسالة الدرّية » و « رسالة التوحيد في المعاد » و « الأقوال الذهبية
» و « تاج العقول » و « ميزان العقل » و « رسالة المعاد ».
وكتاب « الرياض في الحكم بين ( الصادين ) صاحبي الإصلاح والنصرة » مطبوع ، إلىٰ غيرها من المؤلفات.
وقد ظلت سنة وفاته
مجهولة بالرغم من وصول أكثر مؤلفاته وآثاره إلينا.
يقول الكرماني عن
نفسه في مقدمة كتابه « راحة العقل » : ومؤلفه حميد الدين ، أحمد بن عبد الله الداعي في جزيرة العراق وما وليها ، من جهة الإمام
______________________
الحاكم
بأمر الله أمير المؤمنين ، المنصوص عليه من جهة القائمين مقام الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم علىٰ ما بيّناه في كتبنا المعروفة بكتاب « المصابيح في الإمامة » و « مباسم
البشارات » و « الرسالة الكافية » وكتاب « تنبيه الهادي والمستهدي ». ألّفه في سنة إحدىٰ
عشرة وأربعمائة ( ٤١١ ) في ديار العراق.
وهذا النصّ يدل علىٰ
أنّه كان حيّاً في تلك السنة.
فما ذكره ايفانوف ، من
أنّه توفي بعد سنة ٤٠٨ بقليل ليس تامّاً.
وكتابه « راحة العقل
» ، من أشهر مؤلفاته ، وقد حاول فيه أن يوفّق بين الفلسفة اليونانيّة وما دانت به الإسماعيليّة. وقد ذكرنا شيئاً من خصوصيات كتابه عند البحث عن عقائد الإسماعيليّة.
يقول محقق الكتاب : يُعد
الكرماني بحق شيخ فلاسفة الإسماعيليّة فنحن نعلم أنّ الدعاة قبله كانوا مختلفين أشدَّ الاختلاف في مسائل كثيرة ، فالداعي النخشبي وضع كتابه « المحصول » في فلسفة المذهب ، وجاء بعده أبو حاتم الرازي فوضع كتاب « الإصلاح » وخالف فيه أقوال من سبقه ، ثمّ جاء أبو يعقوب السجستاني أُستاذ الكرماني فانتصر للنخشبي ، وخالف أبا حاتم ، ثمّ جاء الكرماني الذي استطاع أن يوفّق بين آراء شيخه ، وبين آراء أبي حاتم ، ولا نكاد نجد خلافاً يُذكر بين علماء الدعوة الإسماعيليّة في فلسفة المذهب ، بعد أقوال الكرماني ، وإن كنّا نجد خلافاً شديداً بينهم في المسائل التأويليّة ، لأنّ
التأويل شخصي يختلف باختلاف الداعي ، وكل كتب الدعاة بعد الكرماني تتفق مع ما ورد في كتاب « راحة العقل ».
وقد ترجمه مصطفىٰ
غالب في كتابه « تاريخ الدعوة الإسماعيليّة » ضمن ترجمة سيرة الحاكم بالله ، وأنهىٰ كتبه إلى ٣٣ كتاباً ، وذكر منها كتاب « الإصابة
في
______________________
تفضيل
علي على الصحابة ».
كما وترجمه خير
الدّين الزركلي ، ولم يأت بشيء جديد.
٦
المؤيّد في الدين
( حدود ٣٩٠ ـ ٤٧٠ هـ )
هبة الله بن موسى بن
داود الشيرازي ، المؤيّد في الدّين ، داعي الدعاة من زعماء الإسماعيليّة. ولد بشيراز سنة ٣٩٠ هـ ونشأ وتعلّم فيها ، وكان له ولأبيه
دورٌ هامٌّ في بث الدّعوة الفاطميّة.
وغادر مدينته خوفاً
من السلطان أبي كاليجار فخرج متنكراً إلى الأهواز سنة ( ٣٢٩ هـ ) ثمّ توجّه إلى حلّة منصور بن الحسين الأسدي. وتوجه إلى مصر ، فخدم المستنصر الفاطمي ، في ديوان الإنشاء وتقدّم إلىٰ أن صار إليه أمر الدّعوة
الفاطميّة ( سنة ٤٥٠ هـ ) ولقب بداعي الدعاة ، وباب الأبواب. ثمّ نُحّي وأُبعَد إلى الشام ، وعاد إلىٰ مصر فتوفي بها ، عن نحو ثمانين عاماً ، وصلّىٰ عليه
المستنصر.
وقيل : إنّه استطاع
أن يدخل الملك أبي كاليجار في المذهب الإسماعيليّ ، كما أدخل غيره من الوزراء والأُمراء ، وكان يفحمهم ويقنعهم بغزارة علمه ، وشدّة معرفته ، في أُصول العقائد الإسماعيليّة ، وخاصّة نبوغه في علم التأويل الذي ترتكز
عليه العقائد الفلسفيّة الإسماعيليّة.
عظم أمر المؤيد ، في
تلك البلاد فسارت سيرته في الآفاق ، ولقد استدعي إلىٰ بيت الدعوة في مصر ، نحو عام ٤٣٨ ، ليلقي بعض المجالس التأويليّة ،
______________________
وليتدرب
التدريب النهائي علىٰ يدي الإمام ، فوصل القاهرة ودخل القصر معززاً مكرماً.
وله تصانيف عديدة
منها :
١. المرشد إلى أدب الإسماعيليّة.
٢. المجالس المؤيديّة.
٣. السيرة المؤيديّة.
٤. ديوان المؤيد في
الدّين.
٥. أساس التأويل ، كتبه
بالفارسيّة ترجمه عن العربيّة ، وأصل الكتاب للقاضي النعمان.
٦. شرح العماد.
٧. جامع الحقائق في
تحريم اللحوم والألبان.
٨. القصيدة
الاسكندريّة.
٩. تأويل الأرواح.
١٠. نهج العبادة.
وله قصيدة يذكر فيها
حديث غدير خم نقتطف منها هذه الأبيات :
لو أرادوا حقيقة
الدّين كانوا
|
|
تبعاً للذي أقام
الرسولُ
|
وأتت فيه آيةُ
النصّ بلغ
|
|
يوم « خم » لمّا
أتىٰ جبريل
|
ذاكم المرتضىٰ
عليٌّ بحق
|
|
فبعلياه ينطق
التنزيل
|
أهلُ بيت عليهم نزل
الذكر
|
|
وفيه التحريم
والتحليل
|
هم أمان من العمىٰ
وصراط
|
|
مستقيم لنا وظل
ظليل
|
______________________
كما وتوجد ترجمة له
بقلمه ، في كتاب أفرده في سيرته بين سنة ٤٢٩ وسنة ٤٥٠ ، وهو المصدر الوحيد للباحثين عن ترجمته ، طبع بمصر في ١٨٤ صفحة . وللأُستاذ محمد كامل حسين المصري ، بكلّية الآداب ، دراسة ضافية حول حياة المُترجَم ، بحث عنها من شتّى النواحي في ١٨٦ صفحة ، وجعلها مقدمة لديوانه المطبوع بمصر ، ففي الكتابين غنى ، وكفاية عن التبسط في ترجمة المؤيد.
٧
ناصر خسرو ( الرحالة
المعروف )
( ٣٩٤ ـ ٤٨١ هـ )
ناصر بن خسرو ، من
أحفاد الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام ، ولد في ذي القعدة عام ٣٩٤ هـ في قصبة ( قباذيان ) من أعمال بلخ ، وتوفي عام ٤٨١ هـ ، وهو خراساني الأصل ، بلخي المنشأ.
وكانت أُسرته من الأُسر
الغنيّة ، وقد اهتمّ والد المترجم بتربية ابنه وتعليمه ، فحفظ القرآن وهو لم يبلغ بعدُ التاسعة من العمر ، ودرس اللغة العربيّة وآدابها ، والعلوم الإسلاميّة ، وعلوم النجوم والفلك والحساب والهندسة والجبر وتضلع في الفلسفة ، إلى أن أُطلق عليه الحكيم.
وكان شاعراً فحلاً في
اللغة الفارسيّة ، وكان رحّالاً ، ترك الإقامة في موطنه واعتزم القيام برحلات في بعض الأمصار ، قاصداً فيها مكّة ، يرافقه أخوه أبو سعيد خسرو العلوي ، وغلام هندي ، فقد شرع برحلته في شهر شعبان عام ٤٣٧ هـ فترك مرو وسافر إلىٰ إقليم آذربيجان مارّاً بنيسابور ، فدامغان ، فسمنان ، فالري
، فقزوين ،
______________________
ثمّ
تبريز ، وقد وصلها في عشرين صفر عام ٤٣٨ هـ ، وبعد أن أتمّ رحلته عام ٤٤٤ هـ ، وقد بلغ من العمر ٥٠ عاماً ، وقطع في رحلته هذه التي طالت سبع سنوات ، مسافة ٢٢٢٠ فرسخاً ـ وبعد أن ـ ساقه القضاء إلىٰ مصر ، وتوطّدت الصلة بينه وبين الخليفة الفاطمي بمصر ، المستنصر بالله ، أبو تميم معد بن علي ، الذي حكم مصر من سنة ٤٢٧ هـ إلىٰ سنة ٤٧٨ هـ ، وقد أثرت فيه دعوتهم له ، فاعتنق مذهبهم علىٰ يد أحد حُجّاب الدعوة في القاهرة ، وسمّاه بالباب واجتاز
المقامات ، والدرجات الخاصّة بكبار قادة هذا المذهب ، حتىٰ بلغ درجة الحُجّة
، واعتبر أحد الحجج الاثني عشر ، في إحدىٰ الجزر الاثني عشر ، حسب تقسيمات الفاطميين.
وعاد إلىٰ بلخ
، وصار بينه وبين علماء المذهب السني نقاش ومعارضة ، إلى أن هرب من بلخ قبيل سنة ( ٤٥٣ هـ ) ، فلم يزل ينتقل من مدينة إلى مدينة ، إلى أن انتهىٰ به المطاف سنة ( ٤٥٦ هـ ) إلى مدينة « غاريمكان » الواقعة قرب مدينة بدخشان ، وأقام فيها مختفياً إلىٰ أن وافاه الأجل عام ( ٤٨١ هـ ) فدفن هناك
، وقبره اليوم مزار للإسماعيليّين. وقد ترك آثاراً كثيرةً نشير إلىٰ بعضها :
١. « زاد المسافرين »
الذي انتهىٰ منه في سنة ٤٥٣ هـ ، وهو من أضخم مؤلفاته.
٢. « وجه دين » في
عقائد الإسماعيليّة.
٣. « خوان اخوان ».
٤. « دليل المتحيّرين
» الذي أراد أن يثبت فيه أحقّية المذهب الفاطمي.
٥. إكسير أعظم في
المنطق ، أو الفلسفة.
٦. « رسالة المستوفي
» في الفقه الإسماعيلي.
______________________
٨
محمد بن علي بن حسن
الصوري
من علماء القرن الخامس
ولد في مدينة صور ، وعاش
رَدْحاً من الزمن في مدينة طرابلس ، داعيّاً للفاطميين. هبط القاهرة في عهد الإمام المستنصر بالله الفاطمي ( ٤٢٧ ـ ٤٨٧ هـ ).
صنّف قصائد كثيرة
ورسائل عديدة ، أشهرها « التحفة الظاهرة » و « نفحات الأئمّة » وقد رجّح عارف تامر ، أنّه مات في حصون الدعوة الإسماعيليّة الصوريّة بجبال « السماق » بعد تعيينه داعية للمذهب الإسماعيلي فيها من قبل الإمام « المستنصر بالله ».
ومن أبرز تأليفاته ، القصيدة
الصورية ، وقد ألّفها في عصر ازدهر فيه الأدب ، وبرز إلىٰ ميدان العلم والأدب ثلّة من العلماء ، والأُدباء ، الذين
قَدَّموا للمكتبة الإسلامية العديد من المؤلفات ، وجادت قرائح الشعراء بالشعر العربي الفاطمي ، الذي كان في ذلك العصر وسيلة من وسائل الدّعاية الدينيّة ، وداعياً للتعبير عن التعاليم الفلسفيّة وتعدُّ القصيدة الصورية من أقدم المصادر عن الإسماعيليّة ، ومن أهم الرسائل المعبَّرة عن العقائد الإسماعيليّة ، أو بالأحرى ،
من الرسائل التي تُشكّل عنصراً هامّاً في العقائد الباطنيّة ، ومرجعاً يرجع إليه عند اختلاف وجهات النظر ، ولذلك فقد تناقلتها الدعاة وحافظوا على سرّيتها وعدم تسرّبها.
وإليك مقاطع من قصيدته
يشير فيها إلى تلك العقائد الباطنيّة ، منها :
١. انّ الأسماء والصفات ليس لله سبحانه ، بل للمبدأ الأوّل :
والعلم بالتوحيد
أسمى العلم
|
|
فاصغ لما قد نال
منه فهمي
|
فكلّما يجري على
اللسان
|
|
من سائر الأفكار
والأديان
|
وسائر الأسماء
والصفات
|
|
للمُبدع الأوّل لا
للذات
|
٢.
توحيده سبحانه :
وسائل يسأل هل هو
واحد
|
|
أم أَحدُ حتىٰ
يصح الشاهد
|
قلنا له الواحد
مبدأ للعدد
|
|
والأحد المبدي له
الفرد الصمد
|
والأحد المبدع وهو
الأزل
|
|
والواحد المبدع وهو
الأوّل
|
أوّل من قام بتوحيد
الأحد
|
|
ودلّ بالعلم عليه
من جحد
|
وصار للأعداد أصلاً
صدرت
|
|
عنه ومنه انبجست إذ
ظهرت
|
٩
إبراهيم بن الحسين
الحامدي
( ... ـ ٥٥٧ هـ )
إبراهيم بن الحسين
الهمداني الحامدي : من دعاة الإسماعيليّة وعلمائهم في اليمن ، عاصر الدّولة الصليحيّة فحينما قرّرت السيدة الحرّة أروىٰ ـ من
أميرات الدّولة الصليحيّة ـ أن تُفصل الدعوة عن الدّولة فصلاً تامّاً ، عقدت مؤتمراً
لكبار السلاطين والدّعاة لانتخاب من يتولّىٰ رئاسة الدّعوة ، فوقع الاختيار على
الداعي الذؤيب بن موسى الوادعي الهمداني ( ٥٢٠ ـ ٥٣٦ هـ )
ليتولّىٰ هذه المهمّة.
______________________
وبعد أُفول نجم
الدّولة الصليحيّة بوفاة السيّدة الحرّة. أصبحت الدّعوة منظّمة دينيّة بحتة يرأسها الداعي ذؤيب بن موسى ، ومن الطبيعي حسب ترتيبات الدّعوة الإسماعيليّة أن يختار من بين الدعاة داعياً مأذوناً له يساعده في
أعماله ، فاختار إبراهيم بن الحسين بن أبي السعود الحامدي الهمداني ، وهو من كبار الدعاة العلماء الذين أوجدتهم مدارس الدّعوة الإسماعيليّة المستعلية الطيبية في اليمن.
ولمّا توفي الذؤيب
خلفه مأذونه إبراهيم داعياً مطلقاً للإمام المستور ، الطيّب ابن الآمر في اليمن وما جاورها من البلاد والهند والسند وذلك سنة ٥٣٦ هـ. وجعل الشيخ علي بن الحسين بن جعفر الانف القريشي العبثمي ، مأذوناً له ، فكان له معاضداً علىٰ أمره ، قائماً بنشر الدّعوة في سرّه وجهره ، ولم يعمّر
علي بن الحسين طويلاً فقد وافته المنية في سنة ٥٥٤ هـ ، فاستعان الحامدي بابنه حاتم ، حيث اتخذه مأذوناً له ، ونقل مقرّه إلى صَنعاء ، ثمّ أعلن عدم تدخله في سياسة الدولة ، وواظب علىٰ دراسة العلوم ، ونقل التراث العلمي الإسماعيلي ، وجمعه وتدريسه للدعاة التابعين لمدرسته ، ووزّع الدعاة في بلاد اليمن والهند والسند ، وفيه
يقول الشاعر الحارثي :
أبا حسن أنقذت
بالعلم انفسا
|
|
وأمّنتها من طارق
الحدثان
|
فجوزيت بالحسنىٰ
وكوفيت بالمنىٰ
|
|
ودمت سعيداً في
أعزّ مكان
|
عمرت بصنعا دعوة
طيبية
|
|
جعلت لها أسّاً
وشُدت مباني
|
من كتبه : « كنز
الولد » و « الابتداء والانتهاء » و « كتاب تسع وتسعين مسألة في الحقائق » و « الرسائل الشريفة في المعاني اللطيفة ».
وفي عهد هذا الداعي الأجل
تعرضت الدّعوة المستعليّة الطيبية إلى هزّات عنيفة قاسيّة ، لأنّ ملوك آل زريع في عدن مالوا إلى الدعوة المستعليّة المجيديّة ،
التي
أخذت تنتشر بقوّة في أنحاء اليمن حتىٰ أصبح لها دعاة نشيطون في قلب تنظيمات الدّعوة الطيبية ، وفي معاقلها ، كحراز ، ونجران ، واليمن الأسفل ، وكذلك أعلن ملوك همدان الياميون في صنعاء ، وبلاد همدان ، عن تنصّلهم من جميع الدّعوات والمذاهب.
ومع كلّ هذا فقد ظلّ
الداعي إبراهيم بن الحسين الحامدي ، علىٰ إخلاصه للدّعوة الطيبية ، مواصلاً نشاطه حتىٰ توفّاه الله في صنعاء ، في شهر شعبان
سنة ٥٥٧ هجرية.
وقد طبع للمترجم له
كتاب « كنز الولد » بتحقيق مصطفى غالب عام ١٣٩١ هـ نشرته جمعيّة المستشرقين الألمانيّة ، والكتاب يتألف من أربعة عشر باباً ،
وقد استهل المقدّمة علىٰ عادة كتّاب العصر ، بالاستعانة والتوكل ، والشهادة
، والسلام ، ثمّ يذكر موضوع الكتاب والأسباب الداعيّة لتأليفه.
قال : واعلم هداك
الله لأوضح المسالك ونجّاك عن المهالك ، أنّ لكلّ رابع من الاتماء قوّة وتأييداً ، واستطالة وتشديداً. ولكلّ سابع ، أعظم وأعلىٰ
وأقوم ، يقوم مقام النطق ، ونحن في دور سابع الأشهاد ، المتوجّه نحوه ملاحم آبائه وأجداده ، والاشارات والرموز في أسانيدهم. والبشارات الموصوفة بالبركات والنعم والخيرات بظهور العلوم والمعجزات ، وإشراق النور ، وبنبوع الأنهار ، وأزهرار الأشجار ، بالخضرة والنوّار ، حتى تتصل أنواره بنور القائم عليهالسلام على أتمّ تمام وأحسن نظام.
ويظهر منه أنّ الإمام
السابع يقوم مقام النطق ، أي يكون مع كونه إماماً ، رسولاً ناطقاً فعليه يكون محمد بن إسماعيل مع كونه إماماً سابعاً ، رسولاً ناطقاً
، بادئاً للدور السابع ، وأمّا عدّ نفسه بأنّه في دور سابع الأشهاد ، مع أنّه كان في
______________________
الدور
الثامن ، لأنّ الدّور السابع ليس لمدّته أمد محدود ، كما صرّح به في كتاب « الإمامة في الإسلام ».
وأمّا فهرس أبواب
كتابه هذا ، فهي :
الباب
الأوّل : في القول على التوحيد ، من غير تشبيه ولا تعطيل.
الباب
الثاني : في القول على الإبداع الذي هو المبدع الأوّل.
الباب
الثالث : في القول على المنبعثين عن المبدع الأوّل معاً ، وتباينهما.
الباب
الرابع : في القول على المنبعث الأوّل القائم بالفعل. وما ذلك الفعل ؟
الباب
الخامس : في القول على المنبعث الثاني القائم بالقوّة. وما سبب ذلك ؟
الباب
السادس : في القول على الهيولى والصورة وما هما في ذاتهما ، وسبب تكثفهما وامتزاجهما ؟
الباب
السابع : في القول علىٰ ظهور المواليد الثلاثة : المعدن ، والنبات ، والحيوان.
الباب
الثامن : في القول علىٰ ظهور الشخص البشري أوّلاً ، وفي كلّ ظهور بعد وفاء الكور.
الباب
التاسع : في القول علىٰ ظهور الشخص الفاضل من تحت خط الاعتدال.
الباب
العاشر : في القول على الارتقاء والصعود إلىٰ دار المعاد إن شاء الله تعالىٰ.
الباب
الحادي عشر : في القول علىٰ معرفة الحدود العلويّة والسفليّة.
الباب
الثاني عشر : في القول على الثواب والارتقاء في الدرج إلى الجنّة الدانية والعالية ، إن شاء الله.
الباب
الثالث عشر : في القول على اتصال المستفيد بالمفيد وارتقائه إليه واتّصاله به.
الباب
الرابع عشر : في القول على العذاب بحقيقته وكيفيته نعوذ بالله منه.
______________________
١٠
علي بن محمد الوليد
( ٥٢٢ ـ ٦١٢ هـ )
« علي بن محمد الوليد
الأنف العبشي القرشي » الداعي المطلق الخامس للإسماعيليّة المستعليّة في اليمن ، المولود سنة ٥٢٢ هـ والمتوفىٰ سنة ٦١٢ هـ
، والمنحدر من أُسرة عربيّة عريقة ، كان لها شأن في مجالات الأدب والفلسفة ، وقد لعب دوراً أدبيّاً فلسفيّاً هامّاً ، في القرن السادس الهجري ، وبالرغم من المصادر
القليلة عن تاريخ حياته ، إلّا انّه يمكننا القول بأنّه ينحدر من أُسرة معروفة بإخلاصها للأئمّة الفاطميين. يدلنا علىٰ ذلك والده الذي كان يلقب ( بالأنف )
تيمّناً بأبرز عضو في وجه الإنسان.
ولقد كان الداعي
يتمتع بسمعة طيبة وعلم وافر فقد تحسنت أُمور الاتباع وأقبلوا عليه من كل حدب وصوب لسماع محاضراته والتزّود من علومه والدراسة عليه وأيده السلاطين والأُمراء من همدان وجعل مقره مدينة صنعاء حيث اعتكف على الدراسة والتصنيف وكتابة الكتب والرسائل والمقالات التي يدافع فيها عن الدعوة ويشرح عقائدها ومعارفها الفكرية
وكان علي بن الوليد
أيضاً من الشعراء البارزين ، ففي ديوانه القوافي العذبة والتأملات ، التي تدلّ على عراقته بفن الشعر :
ما العمر إن طال
للإنسان أو قصرا
|
|
بنافع في غد أو
دافعٍ ضرراً
|
ولا حياة الفتىٰ
تُغني إذا هو لمْ
|
|
يكن بها قاضياً في
دينه وطرا
|
فإن يمتْ جاهلاً
ماذا أُريد به
|
|
فبالحقيقة في
الدارين قد خسرا
|
أمّا مؤلفاته فنشير
إلى بعض منها :
١. « تاج العقائد
ومعدن الفوائد ». يتضمن مائة مسألة في معتقدات مذهب الإسماعيليّة.
٢. « دافع الباطل
وحتف المناضل » ألفه رداً علىٰ كتاب « المستظهري » . وهو أوّل كتاب ردٍّ للغزالي على الباطنيّة.
٣. « مختصر الأُصول »
ويشمل شرح المقالات وكيفية انقسامها والردّ على الفلاسفة وبعض الفرق.
٤. رسالة « نظام
الوجود في ترتيب الحدود ».
٥. رسالة « الإيضاح
والتبيين في كيفية تسلسل ولادتي الجسم والدين ».
٦. رسالة « تحفة
المرتاد وغصَّة الأضداد » في الرد على الفرقة المجيدية وإثبات إمامة الطيب بن الآمر وذكر تسلسل الإمامة.
٧. « لبَّ الفوائد
وصفو العقائد » في المبدأ والمعاد.
٨. ديوان شعر وفيه
أشعاره في الردّ على المخالفين وفي مدائح الأئمة.
وكان وفاة هذا الداعي
يوم الأحد السابع والعشرين من شهر شعبان سنة ٦١٢ هـ عن عمر ناهز التسعين عاماً ودامت أيام دعوته ست سنين وتسعة أشهر وثلاثة أيّام.
وقد أخذنا شيئاً من
عقائدهم من كتاب « تاج العقائد » الذي يُعد أوضح كتاب وضع في بيان عقائد تلك الطائفة ، والكتاب واضح العبارة جداً ، بعيد عن الانحراف والاعتساف ، إلّا ما ندر ، وهو يدل علىٰ أنّ طائفة الإسماعيليّة
القاطنة في اليمن كانوا بمعزل عن كثير من الزلّات المشاهدة عند غيرهم.
______________________



التنظيمات السرّية الإسماعيلية
إنّ طابَع الأقلّية
يستدعي امتلاك تنظيمات سرية يسودها التكاتف والتعاون لتصمد أمام العواصف التي تهددهم من جانب الأكثرية ، ولولا ذلك لتفكّكت وانفصمت عرى حياتهم ولانصهر كيانهم المستقل.
ظهرت الإسماعيلية على
مسرح الحياة في زمان ساده روح العداء لأهل البيت عليهمالسلام وأتباعهم ، وكانت الشيعة قذى في عيون
الخلافة العباسية ، لما يسودها من روح العصيان على السلطة والخروج عليها.
هذا وما شابهه صار
سبباً لدخول أئمتهم في كهف الاستتار والتقية وإحداث تنظيمات سرية في مختلف الأدوار لتكون حصناً حصيناً لهم ولأتباعهم ، وقد ذكر التاريخ شيئاً كثيراً من تنظيماتهم ومخططاتهم المبتكرة والتي قلّما يشهد التاريخ لها من مثيل.
وهذا الكاتب الإسماعيلي
مصطفى غالب يشرح لنا الصورة الدقيقة عن التنظيمات السرية في أدوار الستر وفي عهد الدولة الإسماعيلية في مصر والمغرب حيث يقول :
إذا أردنا أن نقارن
تلك التنظيمات مع أحدث التنظيمات والتخطيطات الدعاوية العصرية المعروفة اليوم ، لتبين لنا انّ الإسماعيليين كان لهم القدح
المعلّى في هذا المضمار ، من حيث ابتكار الأساليب المبنية على أُسس مكينة مستوحاة من عقائدهم الصميمة ، وتظهر عبقريتهم بوضوح من جهة البراعة في تنظيم أجهزتهم الدعاوية ـ في قلّة الوسائل في تلك الأيام ـ ممّا جعلهم يستطيعون الإشراف بسرعة فائقة على تنسم أخبار أتباعهم في الأبعاد المتناهية ، وذلك بما ابتكروا من أساليب
وأحدثوا
من وسائل ، وقد كان للحمام الزاجل الذي برع في استخدامه الدعاة ، أثره الفعّال في نقل الأخبار والمراسلات السرية الهامة.
ولقد كان الإمام الإسماعيلي
الذي يعتبر رئيس الدعوة قد وفق بين جهاز الدعاية الذي نظّمه خير تنظيم ، وبين نظام الفلك ودورته ، وجعل العالم الذي كان معروفاً في تلك الأيام مثل السنة الزمنية ، فالسنة كما هو معروف مقسمة إلى اثني عشر شهراً ، ولذلك يجب أن يقسم العالم إلى اثني عشر قسماً ، أطلق على كل قسم اسم ( جزيرة ) وجعل على كل جزيرة من هذه الجزر داعياً ، هو المسؤول الأوّل عن الدعاية فيها ، ولقب بـ ( داعي دعاة الجزيرة ) أو بـ ( حجة الجزيرة ). وقال : إنّ
الدعوة لا يمكن استقامتها إلّا باثني عشر داعياً يتولون إدارتها ، فكان الإمام ينتخب الدعاة من ذوي المواهب الخارقة ، والقدرة الفائقة في بث الدعوة والعمل على نشرها بين مختلف الطبقات وقد جعل الدعاة من ( حدود الدين ) إمعاناً في إسباغ الفضائل عليهم ، ليتمكنوا من نشر الدعوة وتوجيه الأتباع دونما أيّة معارضة أو مخالفة ، لأنّ مخالفتهم ومعارضتهم تعتبر بنظر الإمام مروقاً عن الدين ، وخروجاً
عن طاعة الإمام نفسه ، لأنّهم من صلب العقيدة وحدودها.
ولمّا كان الشهر
ثلاثون يوماً لذلك كان لكل داعي جزيرة ثلاثون داعياً نقيباً لمساعدته في نشر الدعوة ، وهم قوته التي يستعين بها في مجابهة الخصوم ، وهم عيونه التي بها يعرف أسرار الخاصة والعامة ، فكانوا بمثابة وزرائه ومستشاريه في كلّ ما يتعلّق بجزيرته.
ولمّا كان اليوم أربع
وعشرين ساعة ، اثنتي عشر ساعة بالليل ، واثنتي عشر ساعة بالنهار ، وجب لكلّ داع نقيب أربعة وعشرين داعياً ، منهم اثني عشر داعياً ظاهراً كظهور الشمس بالنهار ، واثني عشر داعياً محجوباً مستتراً استتار الشمس بالليل. وبعملية حسابية بسيطة نجد انّ عدد الدعاة الذين بثهم الإمام الإسماعيلي في العالم كان حوالي ٨٦٤٠ داعياً في وقت واحد.
التنظيمات السّرية للدعوة الإسماعيليّة
النزارية
ولما انتقلت الدعوة الإسماعيلية
النزارية إلى فارس ، أجرى الإمام النزاري بعض التعديلات ، وأوجد تنظيمات تتناسب مع ظروفه وعصره وهي علىٰ قسمين :
١. القسم الخاص
بالدعاية الدينية والذي ظل قريب الشبه من النظام السابق ، ولو انّ عدد الدعاة تقلص ونقص ، لأنّ الإمام النزاري جعل رتبة ( الشيخ ) في دعوته بدلاً من رتبة ( داعي الدعاة ) وعيّن في كلّ منطقة من المناطق الإسماعيلية له نواباً ، وألحق بهؤلاء النواب عدداً غير محدود من الدعاة الذين
كانوا يدعون الناس للمذهب الإسماعيلي النزاري.
٢. أمّا القسم الثاني
فهو خاص بالفدائية والجيش ، وهؤلاء كانوا يتبعون مباشرة مركز الإمامة أو نائب الإمام في قطره ، ويتلقّون الأوامر والمهمات السرية
منه مباشرة.
وكانت الفدائية على
ثلاث درجات :
أوّلا : الرفاق أو المقدمون : وهم قادة الجيش والفدائية ولهم مهمّة الإشراف
على التدريب ، والسهر على تنفيذ المهمات العسكرية وغير العسكرية.
ثانياً : مرتبة الفدائيين الذين ينتقون من العناصر المخلصة المعروفة بالتضحية والإقدام والشجاعة النادرة ، والجرأة الخارقة فيكلفون بالتضحيات الجسدية ، وبتنفيذ أوامر الإمام أو نائبه.
ثالثاً : المستجيبون : وهم الذين يقضون دور التدريب والتعليم ، وهؤلاء يدخلون مدارس الفدائية ، وهم في سن مبكرة ويتلقون التدريب والتعليم في المدارس الخاصة بهم ، على أيدي كبار المقدمين. ويسهر الإمام نفسه أو نائبه الشيخ على تدريبهم وتعليمهم.
______________________



لقد ذكرنا في الفصل
الثاني من هذا الكتاب أنّ الحركات الباطنيّة نشطت في أواسط القرن الثاني ، وكان زعيمها هو أبو الخطاب ، محمد بن مقلاص ، فلمّا قتل انتهى أمرهم ـ بعد فترة ـ إلى الاجتماع حول محمد بن إسماعيل ، ووجدوه مرتعاً خصباً لنشر أفكارهم. فارتكزت الدّعوة الإسماعيليّة علىٰ تلك الأفكار في بادئ
الأمر. وكان من نتيجة ذلك التحرك أن :
١. اتخذ الأئمّة
المستورون سوريا ، وأخصّ بالذكر « السلمية » وما حولَها مركزاً للدّعوة ، ومنها انتشرت إلى سائر الأمصار.
٢. انتشرت الدّعوة في
اليمن بزعامة ابن حوشب « منصور اليمن ».
٣. أرسل ابن حوشب ، أبا
عبد الله الشيعي إلىٰ إفريقية حيث آلت الأحداث بعدها إلىٰ تأسيس الخلافة الفاطميّة.
٤. ظهور حركة
القرامطة ، وهذا ما سنبحثه في هذا الفصل.
إنّ من الإسماعيليّة
فرقة باسم المباركيّة قالوا بإمامة محمد بن إسماعيل ، بدل إسماعيل ، وقد تشعبت منهم فرقة باسم القرامطة ، كان لهم دورٌ مهم على الساحة السياسية والعقائدية أيّام عبيد الله المهدي ، حسب ما يذكره التاريخ وما يزال الغموض يكتنف عقائدهم ، وتاريخهم والجرائم التي قاموا بها ، في أواخر القرن الثالث. ومن أجل تسليط الضوء على جانب من جوانب عقائدهم نستعرض ما ذكره أصحاب المقالات :
١.قال النوبختي : إنّما
سُمّيت بهذا لرئيس لهم من أهل السواد من أهل الأنباط كان يلقب « قرمطويه » وكانوا في الأصل علىٰ مقالة المباركيّة ، ثمّ
خالفوهم ،
فقالوا
لا يكون بعد محمد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا سبعة أئمّة ، علي بن أبي طالب وهو
إمامٌ رسولٌ ، والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، ومحمد بن إسماعيل بن جعفر ، وهو الإمام القائم المهدي ، وهو رسولٌ.
وزعموا أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم انقطعت عنه الرسالة في حياته ، في اليوم الذي أُمر فيه بنصب علي بن أبي طالب عليهالسلام للناس بغدير خم ، فصارت الرسالة في ذلك
اليوم في علي بن أبي طالب ، واعتلّوا في ذلك بقول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من كنت مولاه فعليٌّ مولاه » وانّ هذا القول منه خروج من الرسالة والنبوّة ، وتسليم منه في ذلك لعلي بن
أبي طالب ، بأمر الله عزّ وجلّ وانّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد ذلك كان مأموماً لعليّ ، محجوجاً
به ، فلمّا مضىٰ عليٌّ صارت الإمامة في الحسن ، كما صارت من الحسن في الحسين ثمّ
في علي بن الحسين ، ثمّ في محمد بن علي ، ثمّ كانت في جعفر بن محمد ، ثم انقطعت عن جعفر في حياته ، فصارت في إسماعيل بن جعفر ، كما انقطعت الرسالة عن محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم في حياته ، ثمّ إنّ الله عزّ وجلّ بدا
له في إمامة جعفر ، وإسماعيل ، فصيّرها في محمد بن إسماعيل ، إلىٰ أن قال :
وزعموا أنّ محمد بن
إسماعيل حيٌّ ، لم يمت ، وأنّه في بلاد الروم ، وأنّه القائم المهدي ، ومعنى القائم عندهم ، انّه يبعث بالرسالة وبشريعة جديدة ، ينسخ بها شريعة محمد ، وانّ محمد بن إسماعيل من أولي العزم ، وأولي العزم عندهم سبعة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلي عليهالسلام ، ومحمد بن إسماعيل ، على معنىً.
قال : إنّ السماوات
سبع وإنّ الأرضين سبع وإنّ الإنسان بدنه سبع : يداه ، ورجلاه ، وظهره ، وبطنه ، وقلبه ، وإنّ رأسه سبع : عيناه ، أُذناه ، منخراه ، وفمه
، وفيه لسانه ، كصدره الذي فيه قلبه ، وإنّ الأئمّة كذلك ، وقلبهم محمد بن إسماعيل واعتلوا في نسخه شريعة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وتبديلها ، بأخبار ، رووها عن أبي عبد
الله جعفر ابن محمد عليهالسلام أنّه قال : لو قام قائمنا علمتم
بالقرآن جديداً ، وأنّه قال : إنّ الإسلام
بدأ
غريباً وسيعود غريباً كما بدا ، فطوبىٰ للغرباء ، ونحو ذلك من أخبار القائم.
وانّ الله جعل لمحمد
بن إسماعيل جنّة آدم (ص) ومعناها عندهم الإباحة للمحارم ، وجميع ما خلق في الدنيا ، وهو قول الله عزّ وجلّ : ﴿ وَكُلَا
مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ ﴾
أي موسى بن جعفر بن محمد ، وولده من بعده من ادّعىٰ منهم الإمامة.
وزعموا أنّ محمد بن
إسماعيل ، هو خاتم النبيين ، الذي حكاه الله عزّ وجلّ في كتابه ، وأنّ الدّنيا اثنا عشر جزيرة ، في كلّ جزيرة حُجّة وأنّ الحجج اثنا عشر
، ولكلّ حجّة داعية. ولكلّ داعية يد ، يعنون بذلك أنّ اليد رَجلٌ له دلائل وبراهين يقيمها ، ويُسمّون الحُجّة الأب ، والدّاعية الأم ، واليد الابن ، يضاهون قول النصارىٰ في ثالث ثلاثة ، إنّ الله الأب جل جلاله ، والمسيح عليهالسلام الابن ، وأُمّه مريم ، والحُجّة الأكبر هو الربّ وهو الأب والدّاعية هي الأُم ، واليد هو الابن.
وزعموا أنّ جميع الأشياء
التي فرض الله تعالىٰ علىٰ عباده وسنّها نبيّه (ص) وأمر بها ، لها ظاهر وباطن ، وأنّ جميع ما استعبد الله به العباد في الظاهر من
الكتاب والسنة ، أمثال مضروبة وتحتها معان هي بطونها ، وعليه العمل وفيه النجاة ، وأنّ ما
ظهر منها ففي استعماله الهلاك والشقاء ، وهي جزء من العقاب الأدنىٰ ، عذّب
الله به قوماً إذ لم يعرفوا الحقّ ولم يقولوا به ، وهذا أيضاً مذهب عامّة أصحاب أبي الخطاب ، واستحلّوا استعراض الناسَ بالسيف وقتلهم علىٰ مذهب الخوارج في قتل أهل القبلة ، وأخذ أموالهم ، والشهادة عليهم بالكفر ، واعتلّوا في ذلك بقول
الله عزّ وجلّ : ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ﴾
ورأوا سبي النساء وقتل الأطفال ، واعتلّوا في ذلك بقول الله تبارك وتعالى : ﴿ لَا
تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴾.
______________________
وزعموا أنّه يجب
عليهم أن يبدأوا بقتل مَنْ قال بالإمامة مِمّنْ ليس علىٰ قولهم ، وخاصّة من قال بإمامة موسى بن جعفر ، وولده من بعده ؛ وتأوّلوا في ذلك قولَ الله تعالى : ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا
فِيكُمْ غِلْظَةً ﴾
فالواجب أن يُبدأ بهؤلاء ، ثمّ بسائر الناس ؛ وعددهم كثير ، إلّا أنّه لا شوكة لهم
ولا قوّة ، وهم بسواد الكوفة واليمن أكثر ولعلّهم أن يكونوا زُهاء مائة ألف.
أقول :
إنّ النوبختي أقدم مَن كتب عنهم من أصحاب المقالات ، وقد عاصرهم ، حيث إنّ القرامطة ظهرت سنة ٢٦٧ هـ ، وتوفي النوبختي في أوائل القرن الرابع حوالي سنة ٣١٠ هـ ، فما ذكره عنهم أدقّ ممّا ذكره غيره.
٢. وقال الأشعري : القرامطة
يزعمون أنّ النبيّ نصّ علىٰ إمامة ابنه الحسن ـ وهكذا ينقل نصّ كلّ إمام على الإمام المتأخر ـ حتّى وصلت النوبة إلىٰ نصّ جعفر علىٰ إمامة ابن ابنه محمد بن إسماعيل.
وزعموا أنّ محمد بن
إسماعيل حيٌّ إلىٰ اليوم ، ولم يمت ولا يموت حتّى يملك الأرض ، وأنّه هو المهدي الذي تقدّمت البشارة به ، واحتجوا في ذلك بأخبار رووها عن أسلافهم يخبرون فيها أنّ سابع الأئمّة قائمهم.
٣. وأمّا عبد القاهر
البغدادي فلم يذكر القرامطة بالاسم ، لكن نقل ما ذكره الإمام الأشعري في المقالات وقال : « وفرقة قالت كان الإمام بعد جعفر سبطه محمد بن إسماعيل بن جعفر ، حيث إنّ جعفراً نصب ابنه إسماعيل للإمامة بعده ، فلمّا مات إسماعيل في حياة أبيه ، علمنا أنّه إنّما نصب ابنه إسماعيل للدلالة علىٰ
إمامة ابنه محمد بن إسماعيل.
______________________
يظهر ممّا ذكره
النوبختي في فرق الشيعة أنّهم كانوا يكفّرون جميع المسلمين حسب عقيدتهم ، ولأجله قاموا بقتل حجاج بيت الله الحرام عام ٣١٧ هـ في عهد المقتدر بالله.
ذكر ابن الأثير أنّه
حج بالناس في هذه السنة ( ٣١٧ هـ ) المنصور الدّيلمي ، وصار بهم من بغداد إلىٰ مكّة فسلّموا في الطريق فوافاهم أبو طاهر
القرمطي بمكّة ، يوم التروية ، فنهبَ هو وأصحابُه أموال الحُجّاج ، وقتلوهم حتى في
المسجد الحرام وفي البيت نفسه ، وقلع الحجر الأسود ونفذه إلىٰ هجر فخرج إليه
ابن محلب ، أمير مكّة في جماعة من الأشراف ، فسألوه في أموالهم فلم يشفعهم ، فقاتلوه فقتلهم أجمعين ، وقلع باب البيت وأصعد رجلاً ليقلع الميزاب فسقط فمات.
وطرح القتلىٰ
في بئر زمزم ، ودفن الباقين في المسجد الحرام ، حيث قُتلوا بغير كفن ولا غُسل ، ولا صلى علىٰ أحد منهم ، وأخذ كسوة البيت ، فقسّمها بين أصحابه ، ونهب دُورَ أهل مكّة.
فلما بلغ ذلك المهدي
أبا محمد عبيد الله العلوي بإفريقية ، كتب إليه ، يُنكر عليه ذلك ويلومه ويلعنه ويقيم عليه القيامة ، ويقول : قد حققت علىٰ شيعتنا ودعاة دولتنا اسم الكفر والإلحاد بما فعلت ، وإن لم ترد علىٰ أهل مكّة وعلى الحجّاج وغيرهم ، ما أخذت منهم ، وتردّ الحجر الأسود إلى مكانه ، وتردّ كسوة الكعبة ، فأنا بريء منك في الدنيا والآخرة.
فلمّا وصله هذا
الكتاب أعاد الحجر الأسود ، واستعاد ما أمكنه من الأموال من أهل مكّة فردّه ، وقال : إنّ الناس اقتسموا كسوة الكعبة ، وأموال الحجاج ولا أقدر علىٰ منعهم.
______________________
من هذا المقطع الذي
ذكرناه من كلام ابن الأثير يظهر أنّ عبيد الله المهدي ينكر عليهم ما ارتكبوه من جرائم شنيعة ، وأنّهم بأعمالهم الوحشيّة هذه مهّدوا الطريق للأعداء ، ليتّهموهم بالإلحاد ، والخروج عن الدين. وهذا ممّا يوجب على الباحث العلمي إذا أراد أن يخرج بنتيجة إيجابية أن يجعل للقرامطة حساباً خاصاً وأن يدرسهم دراسة موضوعية تتسم بالعلميّة وعدم الخلط .
وللإسماعيليّة التي
كانت الخلافة الفاطميّة في مصر تتبناها حساباً آخر ولا يضربهما بسهم واحد.
الملامح
العامّة للقرامطة
القرامطة من إحدى
الفرق الباطنية الّتي شغلت السلطات العباسيّة قُرابة قرن من الزمن ، وأشاعت الاضطرابَ والقلقَ في الشرق العربي ، بما خَلَقْته من أفكار ثوريّة ، ما تزال آثارها باقية إلى أيّامنا الحاضرة ، عبر الطوائف الدينية
التي تحمل أسماءً مختلفة.
إنّ القرامطة جاءت من
معنى لغويّ وهو قَرمطَ الرجلُ في خَطْوه ، إذا قارب بين السطور في كتابته ، ويقال : إنّ حمدانَ بن الأشعث مؤسّس هذه الفرقة سُمي قرمط لقصر قامته ورجليه.
أسباب نشوء الحركة القرمطيّة ومؤسّسها :
إنّ كلمة قَرمط بدأت
بحمدان بن الأشعث ، وهو الذي نزل عنده الداعي المؤسِّس لهذه الفرقة : الحسين الأهوازي ، الذي جاء من ناحية خوزستان ، وهذه التسمية ـ أي القرامطة ـ لم تتخذّها هذه الفرقة الباطنيّة لنفسها ، وإنّما أطلقها أعداؤها عليها في العهود المبكِّرة لقيامها.
والحديث عن العوامل
التي أدّت إلىٰ نشوء الحركة القرمطية ، وقيام دولة القرامطة ، ذو شجون ، والخوض فيه يحتاج إلىٰ تفصيلات ، لا يتسع لها مجال هذه
الدراسة ، التي قصدنا بها التعريف بالقرامطة ، وحركتهم بأكثر ما أمكننا من الإيجاز ، دون الدخول في التناقضات التي تميّزت بها أقوال المحققين.
كان المجتمعُ الإسلامي
، في أواخر العهد الأُموي يسير في طريق مُظلم ، وأنّ الدولة الأُمويّة الحاكمة ، العربيّة النزعة والطابع ، كما هو جليّ وواضح في
تاريخها لم تكن تعتمد إلّا على العناصر الخالصة التي تنحدر من أصل عربي فلم يُعِنْ بنو أُمية بغير قومهم العرب ، فمنهم الولاة والقوّاد ، ورؤساء الدولة ، والعمال وحكّام
الأقاليم ، والمقاطعات ، فضلاً عن أنّ زمام الأسواق التجارية والمهنيّة والزراعيّة
، والنفوذ والجاه ، كان أيضاً بأيديهم ، وبأيدي أنصارهم ، ولهذا كره الموالي ( غير العرب ) حكمهم ، وعملوا علىٰ إسقاطهم وكانوا معاول هدم في كيان الدّولة الأُمويّة.
إنّ المجتمع الأُموي
كان يقوم علىٰ سيادة العنصر العربيّ ، فكان لا يتمكن أيُّ إنسان من الانتساب إلىٰ صفوفه إلّا بطريق الولادة ، ولم يكن أفراده
يدفعون الضرائب عن أراضيهم ، وكانوا وحدهم أصحاب الحقّ ، بأن يتجنّدوا في الأمصار ، ويقبضوا الرواتب الشهرية المغرية ، فضلاً عن حقّهم بالأعطية من غنائم الفتوح ، ولم يكن حلول العباسيين محلّ الأُمويين أكثر من مجرد تغيير الأُسرة الحاكمة.
وبذلك تبين أنّ الأسباب
التي أدّت إلىٰ قيام الحركة القرمطية كانت هي أيضاً في جوهرها حركة قوميّة إقليميّة وإقتصاديّة واجتماعيّة ، ولعلّنا لا نأتي
بجديد حين نقول : إنّ الأُمويين بسياستهم هذه : قد مهّدوا الطريق لمن يريد ضرب الدّولة الإسلامية ، وكان أفضل وسيلة للمنفعلين بهذه الأسباب أن اتخذوا من الصراع العقائدي بين بني أُميّة وبين بني هاشم ، ذريعة لتقويض الحكم العربي العنصريّ ، ونقض التعاليم الإسلاميّة ، وذلك بادّعائهم الولاء للهاشميين في مطالبتهم
بحقّهم
بالخلافة دون الأُمويين.
وهكذا تكون كلّ
الحركات الباطنيّة توسلتْ بشعار الولاء لآل البيت النبوي ، من أجل الوصول إلى هدف واحد وهو الثأر من حكام الوقت الّذين أشاعوا البدع الجاهليّة ، تحت غطاء الإسلام ، ومنها التركيز على العنصر العربي ، والحط من الموالي المسلمين.
كان ابتداء الدّعوة
القرمطيّة في البحرين عن طريق رجل يُعرف بيحيى بن المهدي ، الذي قصد بلدة القطيف ، وحلّ فيها ضيفاً علىٰ رجل يُعرف بعلي بن المعلىٰ بن حمدان ، مولى الزياديّين ، فأظهر له يحيىٰ أنّه رسولُ
المهدي ، وكان ذلك في سنة ٢٨١ هـ ، وذكر أنّه خرج إلىٰ شيعته في البلاد ، يدعوهم إلىٰ أمره
وأنّ ظهوره قد قَرُب ، فأخبر عليُّ بن المعلىٰ ، الشيعةَ من أهل القطيف ، وقرأ عليهم
الكتاب ، الذي مع يحيى بن المهدي ، المرسل إليهم من المهديّ ، فأجابوه ، وأنّهم خارجون معه ، إذا
ظهر أمره. ووجّه إلى سائر قرى البحرين بمثل ذلك ، فأجابوه وكان أبو سعيد الجنابيّ يبيع للناس الطعامَ ويحسب لهم بيعهم.
ويقول مؤلّف « البحرين
عِبر التاريخ » : إنّ حمدان قرمط ابن الأشعث ، هو مؤسّس حركة القرمطيين في واسط بين الكوفة والبصرة ـ حيث أنشأ داراً للهجرة ، وجعلها مركزاً لبث الدّعوة ، ثمّ كلّف دعاته بإنشاء فروع للحركة ، أهمّها على الإطلاق فرعُ البحرين الذي أقامه أبو سعيد الجنابي.
فرق القرامطة :
القرامطة توزّعوا في
أيّام ظهورهم إلىٰ ثلاث فرق ، ومرّوا في ثلاث مراحل ، وتقلّبوا في ثلاثة أدوار :
الفرقة الأُولىٰ : وهي قرامطة السّواد ـ أي سواد العراق ـ وقد أطلق لفظُ السواد علىٰ هذه المنطقة لكثرة النخيل الذي يُغَطِّي أرضها ، ويطلق على هذه
الفرقة
كذلك
، اسم قرامطة الشمال ، وأبرز دعاتهم « داندان » و « حمدان » و « عبادان » و « آل مهرويه ».
الفرقة الثانية : قرامطة البحرين أو الخليج في شطه الغربي ، وأبرزُ دعاتهم آل الجنابي.
الفرقة الثالثة : قرامطة القطيف وجنوبي البصرة ، وأبرز دعاتهم أبو حاتم البوراني ، وأبو الفوارس ، وهذا يُعدُّ من كبارهم ، وله مع الخليفة العباسي « المعتضد
» محاورة مشهورة ، ويُعتبر من أقوى الدعاة الّذين عرفهم القرامطة في تاريخهم.
انقسام القرامطة إلى حركتين بعدما كانت حركة واحدة
عندما هلك سليمان بن
الحسن الجنابي « أبو طاهر » ، زعيم الدولة القرمطية في البحرين ، الذي هتك حرمة الكعبة ، وقتل الكثير من الحجاج ، ترك أولاداً غير أكفاء لخلافته في الزعامة ، فتنافس أخواه سعيد وأحمد على الولاية ، وأدّى هذا التنافس إلى انقسام جماعة القرامطة إلى حركتين متعاديتين بعدَ أن كانوا حركة واحدة متجانسة ، وكان على رأس إحدى هاتين الحركتين أبناء سليمان ( أبو طاهر الجنابي ) ومعهم سابور ، وعمه أحمد ، وانضم إليهم كبار هذه الطائفة ، وكان هؤلاء خاضعين للعُبيديين في المغرب يتلقون منهم التوجيه وينفِّذون تعاليمهم ، وقد أطلقوا على أنفسهم اسم « الفرقة العقدانية » أي أصحاب العقيدة.
وعلى رأس الحركة
الثانية ، سعيد المذكور الذي رفض التبعية للعُبيديين وآثر الاستقلال بشؤونه ، ولأجل تقوية مركزه ضد العبيديّين ، الذين لم يعترفوا به ،
اتجه لمصانعة العباسيين الذين سارعوا لموآزرته بهدف تعميق الانقسام في صفوف هؤلاء القرامطة ، لكي يسهل التخلص منهم جميعاً ، وقد أدّى هذا الانقسام الذي رافقته حروب دامية بين الحركتين إلى التعجيل بنهاية القرامطة كقوة سياسية ومذهبية.
عقائد القرامطة
إنّ عقائد القرامطة ،
هي مزيج من الحق والباطل شأن كلّ فرقة زائفة ، فأخذت بتبنّي الإمامة لأئمّة أهل البيت وإظهار الإخلاص لهم ، ورفض الحكومات الأُموية والعباسية المخالفة للقرآن والسنّة والسيرة النبوية . وإليك بعض عقائدهم بشكل موجز :
١. نظرية الحلول عند
القرامطة
والقرامطة ، قالوا
بنظرية الحلول أو ما يسمىٰ عند بعض الطوائف المعاصرة باسم حلول اللاهوت بالناسوت ، فذهبوا إلىٰ أنّ أئمّتهم حلّت فيهم شخصيات الأنبياء السابقين الذين بعثهم الله في الأُمم الغابرة ابتداءً من آدم وانتهاءً
بمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم بل أنّهم تجاوزوا الأنبياء.
لما دخل عبيد الله المهدي
إلى رقادة بالمغرب مدحه محمد البديل ، أحد موظفي الديوان عند أبي قضاعة بقوله :
حل برقادة المسيح
|
|
حل بها آدم ونوح
|
حل بها أحمد
المصفّى
|
|
حل بها الكبش
والذبيح
|
حل بها ذو المعالي
|
|
وكل شيء سواه ريح
|
٢. الغلو عند القرامطة
تعتقد القرامطة أنّ الإمام
القائم هو محمد بن إسماعيل الذي يبعث بالرسل ، ويسن شريعة جديدة ينسخ بها شريعة النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
كما يعتقد القرامطة
بأنّ روح الله تعالى تحل في أجساد أئمتهم فتعصمهم من
الزلل
وترشدهم إلى صالح العمل.
وهم يعتقدون أيضاً
أنّ أئمّتهم السبعة هم السبع المثاني الذين أشار القرآن الكريم إليهم ، ورفعوهم إلى حدّ المغالاة.
٣. التأويل الباطني في
تفسير القرآن
تفردت الباطنية
بتفسير القرآن الكريم علىٰ طريقة التأويل الباطني ، وهو أن يتجاوز الإنسان المعنى الظاهري للآية ويتجه إلى فهمها عن طريق تفسير كلماتها بما يخيل إليه أنّه المقصود الحقيقي من كلام الله ، ومن الطبيعي أن يعتمد
الباطنيون هذه الطريقة لتحميل الآيات المعنىٰ الذي يؤيد وجهة نظرهم وأفكارهم المذهبية.
إنّ التأويل بمعناه
الواقعي لدى الإسماعيليين يختلف عن التفسير المعمول به لدى عامة الفرق الإسلامية الأُخرى ، والتفسير معناه جلاء المعنى لكلّ كلمة غامضة لا يفهم معناها القارئ والتأويل باطن المعنى أو رمزه أو جوهره وهو حقيقة مستترة وراء لفظة لا تدل عليها ، ومن هنا أعطى النظام الإسماعيلي ـ ومثله القرمطي ـ الفكري صلاحية التفسير للناطق ووهب صلاحية التأويل للإمام ، فالناطق اعتبر ممثلاً للشريعة والأحكام والفقه والقانون الظاهر ، والإمام اعتبر
ممثلاً للحقيقة والتأويل ، والفلسفة والباطن ، ومن الواضح أنّ أوّل منهاج دعوا إليه هو نظام التأويل ، فإنّهم هذّبوه وصقلوه بأفكارهم وأدخلوا فيه النظرية العقلية التي تشذب الفعل والتسليم ليثبتوا للعالم الإسلامي انّهم من العريقين في فهم الأُصول الإسلامية ، فقالوا بالباطن وضرورته كما قالوا بالظاهر إلى جانبه ، فلا يقبل
الظاهر دون الباطن ، ولا ينفع الباطن دون الظاهر ، لأنّ الباطن والظاهر كالجسد والروح تولذ في اجتماعهما الفوائد ومعرفة المقاصد.
إنّ للقرآن مدلولاً ،
ظاهرياً وباطنياً ، فالمعنى الظاهري واللغوي ليس هو المقصود بالذات والتمسك بهذا المعنىٰ يوجب العذاب والمشقة ، أمّا الأخذ
بالمعنى
الباطني فهو يوجب الانشراح والسعادة ، لأنّه يقضي بترك التكاليف والأعمال الظاهرة وكان ابن ميمون يدس هذه الفكرة بصورة خفية وباطنة وما كان يتظاهر بها تجاه غير الإسماعيليين ـ القرامطة ـ ولذلك كانت هذه الطريقة مبالغ فيها.
نهاية القرامطة سياسياً وعسكرياً
في منتصف القرن
الرابع الهجري دخل القرامطة النهاية لأسباب ذاتية وأُخرى خارجية ، وما لبثوا أن زالوا عن مسرح الصراع في المشرق العربي من الناحيتين السياسية والعسكرية.
الأسباب الذاتية
من الواضح أنّ الحركة
القرمطية لم تستطع إخفاء مقاصدها الحقيقية في محاربة العقيدة الإسلامية الصحيحة لا سيما بعد الانتصارات المحلية لبعض زعمائها على السلطة العباسية ، فقد أساء المتأخرون من هؤلاء الزعماء التصرف بالنسبة للمجتمع الإسلامي آنذاك ، حتى أنّ العبيديين وهم على منوالهم في الاتجاه السياسي والعقائدي اضطروا إلى أن يتبرأوا منهم وأن يهاجموهم عسكرياً في أماكن تواجدهم ، حيث أوعزوا إلى قائدهم العسكري « جوهر الصقلي » بأن يذيع بياناً يستنكر فيه أعمال القرامطة ويتبرّأ من تصرفاتهم المغايرة للإسلام والضارة بالمسلمين ، علىٰ أنّ جوهر لم يكتف بهذا البيان بل حاربهم فعلاً على أرض
فلسطين في الرملة ( سنة ٣٦٨ هـ ) وكانت هذه المعركة بداية النهاية بالنسبة للحركة القرمطية ولأتباعها على مختلف المستويات وفي جميع البلدان التي انتشروا فيها بقوة الدعاية التبشيرية أو بقوة السلاح والأرهاب.
وإنّه يمكن القول
بأنّ حادثة العدوان الذي قام به القرامطة على مكة
المكرمة
بقيادة أبي طاهر الجنابي ، وما رافق ذلك من قتل الحجاج ، واقتلاع الحجر الأسود من مكانه ، وأخذه إلى هجر ، إنّ هذه الحادثة كانت بمثابة القنبلة الموقوتة التي انفجرت بعد حين ودمرت الكيان القرامطي من أساسه ، حتى أنّ أبا محمد عبيد الله الذي أسس الدولة العبيدية وكان هو نفسه قرمطي العقيدة استهول هذه الحادثة وأفزعته مضاعفاتها السلبية في الأوساط الإسلامية ، فأرسل كتاباً لنظرائه قرامطة البحرين ينكر فيه عليهم فعلتهم الشنيعة ويلوم أبا طاهر المذكور ويلعنه ويقيم عليه القيامة ، بقوله :
قد حقّقت على شيعتنا
ودعاة دولتنا اسم الكفر والإلحاد بما فعلت وإن لم ترد علىٰ أهل مكة وعلى غيرهم من الحجاج ما أخذت منهم ، وترد الحجر الأسود إلى مكانه ، وترد كسوة الكعبة فأنا بريء منك في الدنيا والآخرة.
وهذه الحادثة المشؤومة
كانت ( سنة ٣١٧ هـ ) وهنا فإنّنا نرى من الفائدة تسجيل وجهة نظر القرامطة في هذه الحادثة كما عبّر عنها أبو طاهر القرمطي الذي اقترف هذه الجريمة النكراء ، وذلك من خلال الشعر الذي قاله في هذه المناسبة ، والرد الذي أرسله إلى الخليفة العباسي المقتدر بالله.
قال أبو طاهر في
تبرير اقتلاع الحجر الأسود والعدوان على البيت الحرام :
فلو كان هذا البيت
لله ربّنا
|
|
لصب علينا النار من
فوقنا صبا
|
لانّا حججنا حجة
جاهلية
|
|
مجللة لم تبق شرقاً
ولا غرباً
|
وانّا تركنا بين
زمزم والصفا
|
|
كتائب ، لا تبغي
سوى ربها ربا
|
ولكن ربّ العرش جلّ
جلاله
|
|
لم يتخذ بيتاً ولم
يتخذ حجبا
|
ومن العوامل الذاتية
الأُخرى التي أضعفت القرامطة وأدّت إلى ذهاب ريحهم واضمحلال شوكتهم ، الانقسام الذي فرّق أمرهم فيما بينهم ، وخاصة بعد موت أبي طاهر سليمان مما اضطرهم إلى تعديل نظام ( مجلس العقدانية ) وتحويله ( الى مجلس السادة ) الذي أوهن قيادتهم المركزية ، والحروب التي شنها بعضهم على
بعض
في عهدي أبي طاهر والاعلم خارج مركز قوتهم ( البحرين ) ممّا كبدهم أموالاً طائلة ، وأضعف مواقفهم بعد كل معركة ، وأدى إلى قيام حركات انفصالية داخل مجموعتهم لا سيما في عمان واليمن.
الأسباب الخارجية
أمّا الأسباب
الخارجية التي أدّت إلى زوال الحركة كدولة ونظام ومجتمع ، فإنّ المؤرخين يردّون ذلك إلى الظواهر السلبية التي عانوا منها في أُخريات أيامهم وهي التالية :
١. ظهور دولة بني
بويه المناوئة للقرامطة التي نجحت في جرهم إلى حروب جانبية خلقت لهم أعداء من كلّ جانب ، وخاصة من الدولة العبيدية المصرية.
٢. قلة الأموال التي
كانت بحوزتهم ، فلم يعودوا يتمكنون من الاستمرار في صرف المعتاد من العطايا على البدو ممّا أضعف موالاة هؤلاء لهم ، وتحوّلوا عنهم إلى
العباسيين لهذا السبب.
٣. انقلاب قبائل
إقليم البحرين نفسها عليهم ، مثل : بني عقيل وبني تغلب ، ونجاح هذه القبائل بالتغلب على بعض أطراف الدولة القرمطية مثل القطيف وما جاورها.
٤. ومن العوامل
الخارجية الأُخرىٰ التي قادت القرامطة إلى نهايتهم وتلاشيهم أنّ أسيادهم وحلفاءهم ورفاقهم في الاتجاه المذهبي والمبادئ العقائدية ، نعني : العبيديين حكام القاهرة ، انقلبوا عليهم بعد أن ضاقوا ذرعاً بتأرجحهم بين الولاء لبغداد وبين الاستسلام للقاهرة ، وبخروجهم عن كلّ حد ، وزاد غيّهم وسفكهم للدماء وغزوا مكة وفتكوا بالحاج واقتحموا البيت الحرام ، ولمّا ذهبوا في جرأتهم إلىٰ مهاجمة الدولة الفاطمية ذاتها في الشام وانتزعوا منها دمشق
وهاجموها في مصر منزلها الجديد ، تنكرت لهم وأنكرت ثورتهم وتبرأت منهم.
نهاية القرامطة
وقد مرت نهاية
القرامطة في مرحلتين :
الأُولى : يوم طردوا
من جزيرة أوال في البحرين
ففي سنة ٤٥٨ هـ خرجت
الجزيرة المذكورة عن طاعتهم ووالت العباسيين بعد سلسلة الحروب الداخلية التي خاضها المسلمون والمجاعة في هذه الجزيرة ، فقد بنى أهل البحرين مسجداً لجذب التجار إلىٰ جزيرتهم ، ولمّا فرغوا من بناء
هذا المسجد آل أمر الجزيرة إلى العباسيين.
الثانية : استئصال
شأفتهم نهائياً من هذه البلاد
كانت هزيمة القرامطة
في جزيرة أوال ذات أثر سلبي كبير عليهم ، إذ عمد سكان الجزيرة إلى الاتصال بالسلاجقة والعباسيين في العراق وفي سنة ٤٦٢ هـ بعثت بغداد بجيوش ألحقت الهزيمة تلو الهزيمة بالقرامطة ، فاضطروا للارتداد إلى الأحساء ، فلحقت بهم إلى الأحساء وحرضوا عليهم السكان بالمنشورات التي يستحثونهم فيها على الانضواء تحت لواء العباسيين في جهاد المبطلين القرامطة الملحدين ، وفي استئصال ذكرهم ، وتطهير تلك البقعة من دنس كفرهم.
فاستجاب أهالي البلاد
لهذه الإثارة وانضموا إلى العساكر العباسيّة ، وأصبح القرامطة محاطين بأعدائهم في شمالي الأحساء الذين انتصروا عليهم في معركة الخندق سنة ٤٧٠ هـ.
وتعد هذه الواقعة من
الوقائع الحاسمة في تاريخ الحركة القرمطية ، لأنّها قضت علىٰ دولة القرامطة وألغت وجودها نهائياً من خارطة العالم الإسلامي.
* * *
هذا وقد لخصنا هذا
المقال من كتاب طه ولي بتصرف يسير لما لمسنا منه من تطرف للحكم العربي المتمثل في الدولة الأُموية والعباسية حيث رأى أنّهما يمثلان الدولة الإسلامية الشرعية المجسدة لأهداف النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وآماله.


الدروز هي جمع الدرزي
، والعامة تتكلّم بضم الدال ، والصحيح هو فتحها. والظاهر انّ الكلمة تركية بمعنى الخياط ، وهي من الكلمات الدخيلة على العربية حتى يقال : درز يدرز درزاً ، الثوب ، خاطه ، والدرزي : الخياط.
والدروز فرقة من
الباطنية لهم عقائد سرية متفرقون بين جبال لبنان وحوران والجبل الأعلى من أعمال حلب.
ولم يكتب عن الدروز
شيء يصح الاعتماد عليه ولا هم من الطوائف التي تنشر عقائدها حتى يجد الباحث ما يعتمد عليه من الوثائق.
نعم كتب عنهم
المستشرقون أشياءً لا يمكن الاعتماد عليها ، وقد سبق منّا في ترجمة الإمام الحادي عشر الحاكم بالله انّ الإسماعيلية كانت فرقة واحدة وطرأ عليهم الانشقاق بالقول بإلوهية الحاكم وغيبته وهم اليوم معروفون بالدروز ، وقلنا :
إنّ الحاكم استدعى الحمزة بن علي الفارسي الملقّب بالدرزي وأمره أن يذهب إلى بلاد الشام ليتسلم رئاسة الدعوة الإسماعيليّة فيها ، ويجعل مقرّه « وادي التيم » ،
ولقبه الإمام بالسيد الهادي ، وتمكن الدرزيّ في وقت قليل من نشر الدعوة الإسماعيليّة في تلك البلاد إلى أن وصلت إليه وفاة الإمام الحاكم وتصدى ابنه الظاهر لمقام الولاية ، ولكن الدرزيّ لم يعترف بوفاة الإمام الحاكم بل ادّعى انّه غاب وبقى متمسكاً بإمامته ومنتظراً لعودته ، وبذلك انفصلت الدرزية عن الإسماعيليّة وكان ذلك الانشقاق عام ٤١١ هـ.
* * *
______________________
الدروز في موسوعات دائرة
المعارف
إنّ الدروز من الفرق
الباطنية التي يصعب الاطلاع علىٰ عقائدهم لأنّهم راعوا جانب الحذر والتكتم عليها ، ومع ذلك فقد نقل أصحاب دوائر المعارف أُموراً عنهم ، ونحن نقتطف مما جاء فيها :
١. الدروز في دائرة
المعارف البستانية
بعد أن ذكرت الموسوعة
مراكز توطّنهم وعدد نفوسهم وشيئاً من أحوالهم السياسية والآداب الاجتماعية وما يزاولوه من المهن كالزراعة والتجارة ، والحروب التي نشبت بينهم وبين غيرهم من الطوائف ، قالت عن عقيدتهم ما هذا نصّه :
وإيمان الدروز ، أنّ
الله واحد ، أحد ، لا بداءة له ولا نهاية ، وأنّ النفوس مخلّدة تتقمّص بالأجساد البشرية ( التناسخ ) ولابدّ لها من ثواب وعقاب يوم المعاد بحسب أفعالها ، وأنّ الدنيا تكونت بقوله تعالى كوني فكانت ، والأعمار مقدّرة بقوله : ﴿ وَلَن
يُؤَخِّرَ اللَّـهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ﴾
وأنّ الله عارف بكل شيء ، وهم يكرمون الأنبياء المذكورين في الكتب المنزلة ، ويؤمنون بالسيد المسيح ولكنّهم ينفون عنه الإلوهية والصلب ، وأسماء بعض الأنبياء عندهم كأسمائهم في تلك الكتب ، ولبعضهم أسماء أُخرى كالقدّيس جرجس ، فإنّه عندهم الخضر ، وأسماء أنبيائهم شعيب وسليمان وسلمان الفارسي ولقمان ويحيى ، وعندهم انّه لابدّ من العرض والحساب يوم الحشر والنشر. وتنقسم هذه الطائفة إلى : عقّال وجهّال. فالعقال هم عمدة الطائفة ، ولهم رئيسان دينيان يسمّيان بشيخي العقّال ، والأحكام الدينية مفوضة إليهم.
______________________
وعندهم للوصية نفوذ
تام ، فإنّ الإنسان مختار أن يوصي قبل موته بأملاكه لمن يشاء ، قريباً كان أم غريباً. ولذلك قد منحتهم الدولة العلية منذ القديم قاضي مذهب لدعاوى الوصايا.
وقد أمر عقّالهم
بتجنّب الشك ، والشرك ، والكذب ، والقتل ، والفسق ، والزنا ، والسرقة ، والكبرياء ، والرياء ، والغش ، والغضب ، والحقد ، والنميمة ، والفساد ، والخبث ، والحسد ، وشرب الخمور ، والطمع ، والغيبة ، وجميع الشهوات والمحرمات والشبهات ، ورفض كلّ منكر من المآكل والمشارب ، ومجانبة التدخين ، والهزل والمساخر والهزء والمضحكات ، وجميع الأفعال المغايرة لإرادته تعالى ، وترك الحلف بالله صدقاً أو كذباً ، والسب ، والقذف ، والدعاء بما فيه ضرر الناس.
وعندهم انّه على كلّ
مؤمن التحلّي بالعفاف ، والطهارة ، والفعل الجميل ، والكرم بالعلم ، والمال ، وخوف الله وطاعته ، والرصانة ، وصيانة العرض ، وصدق اللسان ، وصونه من الإفك والإثم والزور والبهتان مع استمرار ذكر الله وتسبيحه وتقديمه ، وتقديم الصلوات والتضرعات والتوسلات لعزته تعالى.
ولا يجوز لعاقل أن
يخلو بامرأة ، ولا أن يرد تحيّتها ما لم يكن بينهما ثالث.
وشأنهم التهذيب وكره
الزيف والترف. وكل عاقل ارتكب القتل أو الزنا أو السرقة أو غيرها من الآثام يطرد من مجلس العقال الذين يجلسون فيه للقيام بالفروض الدينية ويبقى مطروداً إلى أن تتحقّق ندامته وتوبته.
ومن شأن الدروز إكرام
الضيف ، والشجاعة ، والاقتصاد بالمعيشة.
ويسكنون الآن في جبل
لبنان وقضاء « راشيا » وقضاء « حاصيا » وإقليم البلان والغوطة والشام وجبل حوران وجبل الكرامل والجبل الأعلى ومرعش وحلب والحلة والكوفة ، ومنهم عشيرة بني لام في العراق ، وفي الغرب والهند.
وتناولنا من أحد
أُدبائهم جملة أُخرى هذا ملخصها :
يؤمن الدروز بأنّ
الدنيا حادثة وبوجود الله وان لا خالق سواه. وانّه قديم أزلي ، أبدي ، عادل ، لا غرض لفعله ، غني لا يحتاج ، وحاكم قادر لا يجب عليه شيء ، إن أثاب فبفضله وأن عاقب فبعدله ، غير متبعّض ، ولا له حد ولا نهاية ، ويعتقدون القرآن الشريف اعتقاد السنية إلّا أنّهم يخالفونهم في تفسير بعض آياته الكريمة. ويعتقدون أيضاً أقوال حمزة وتعاليمه ويسمّونها كتب الحكمة ؛ وتتضمن علم التوحيد ، وكيفية خلق العالم وأسبابه وعلله ، وذكر الأنبياء ، وأسمائهم وفضائلهم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وما يجب على الإنسان وما لا يجب عليه ، وإثبات المعاد والحساب والعقاب واعتقاد التناسخ ، وكون النفوس معدودة محدودة لا تزيد ولا تنقص باقية أزلية لا تفنى ، مستقرة في أمكنتها غارقة في بحر عظمة اللاهوت ، تفنى الأجساد القائمة بها وتتلاشى وهي باقية إلى الأبد لا تفنى ولا تتغير.
وهم ينقسمون باعتبار
الطريقة المذهبية إلى قسمين :
طائعون
ويعرفون بالعقال ، وهم السالكون بمقتضى الطريقة المذهبية ، كالامتناع عن التدخين وسائر المشروبات الروحية والابتعاد عن التأنّق في المأكولات والملبوسات وسائر اللذات الدنيوية والاقتصار على التقشف في المعيشة.
وشراحون
ويعرفون بالجهال ، وهم المخالفون للعقال في الامتناع عن التدخين والمشروبات الروحية وعن الترفّه في المعيشة والتنعّم باللذات الدنيوية ، ولذلك لا يسوغ لهم مطالعة القرآن الشريف ، ولا متون الحكمة خلافاً للعقال ، لأنّ عندهم كتباً مقدسة لا يمسّها إلّا الطاهرون. والطهارة عندهم الامتناع عن سائر المحرمات والممنوعات ، وإنّما يسوغ لهم تلاوة بعض شروح كتب دينية ، ولهذا يقال لهم شراحون.
ويمتاز العقال عن
الجهلاء بكونهم يتعمّمون بعمامة بيضاء ويلبسون الملابس البسيطة كالقباء والعباءة ، ونسبة هؤلاء العقال إلى الجهال عدداً أكثر من ثلاثة أرباع.
أمّا شعائرهم في ختان
الأولاد والزواج والطلاق والصلاة على الجنازة فهي طبق الشعائر الإسلامية غير انّه ليس من عوائدهم أن يتزوج أحدهم بغير امرأة واحدة ، لا يسوغ التزوّج بها ثانية بعد الطلاق على الطريقة المعروفة بالرجعة ، ولهم
عيدان : عيد رمضان ويسمّونه بالعيد الصغير ، وعيد الأضحى ويسمّونه بالكبير ، ولهم معابد كثيرة معدّة للصلوات يجتمعون فيها كلّ ليلة جمعة ، ولأكثر هذه المعابد أوقاف مخصوصة تنفق حاصلاتها على لوازم تلك المعابد. ولهم أيضاً معابد أُخرى معدّة للأشخاص الذين يفرغون أوقاتهم لعبادة الله تعالى. وتسمّى هذه المعابد بـ « الخلوات » وهي كالأديرة عند المسيحيين عددها ٤٠ في الجبل وخلافه.
٢. الدروز في دائرة
المعارف المصرية
هذا ما يذكره بطرس
البستاني ويصور لهم صورة بيضاء ناصعة ويطهّرهم عن كلّ ما ينسب إليهم من المنكرات ، وفي الوقت نفسه يصوّر لنا الكاتب محمد فريد وجدي صورة مشوّهة عنهم حينما قال :
ظلت معتقدات الدروز
في طي الخفاء حتى استولى إبراهيم باشا بن محمد علي علىٰ معابدهم في جبل « حاصبيا » ووجد في كتبهم كنه مذهبهم تفصيلاً منها كلمة الشهادة عندهم : ( ليس في السماء إله موجود ولا على الأرض ربّ معبود إلّا الحاكم بأمره ).
من معتقداتهم أنّ
الحاكم بأمر الله هو الله نفسه وقد ظهر على الأرض عشر
______________________
مرات
أُولاها في العلى ، ثمّ في البارز إلى أن ظهر عاشر مرة في الحاكم بأمر الله ، وأنّ
الحاكم لم يمت بل اختفى حتى إذا خرج يأجوج ومأجوج ـ ويسمّونهم القوم الكرام ـ تجلّى الحاكم على الركن اليماني من البيت بمكة ودفع إلى حمزة سيفه المذهب فقتل به إبليس والشيطان ، ثمّ يهدمون الكعبة ويفتكون بالنصارى والمسلمين ويملكون الأرض كلّها إلى الأبد.
ويعتقدون أنّ إبليس
ظهر في جسم آدم ، ثمّ نوح ، ثمّ إبراهيم ، ثمّ موسى ، ثمّ عيسى ، ثمّ محمد ، وأنّ الشيطان ظهر في جسم ابن آدم ، ثمّ في جسم سام ، ثمّ في
إسماعيل ، ثمّ في يوشع ، ثمّ في شمعون الصفا ، ثمّ في علي بن أبي طالب ، ثمّ في قداح صاحب الدعوة القرمطية.
ويعتقدون بأنّ عدد الأرواح
محدود ، فالروح التي تخرج من جسد الميت تعود إلى الدنيا في جسد طفل جديد.
وهم يسبون جميع الأنبياء
، يقولون : إنّ الفحشاء والمنكر هما أبو بكر وعمر ، ويقولون : إنّ قوله تعالى : ﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾
يراد به الأئمّة الأربعة وانّهم من عمل محمد.
ويعتقدون بالإنجيل
والقرآن ، فيختارون منهما ما يستطيعون تأويله ويتركون ما عداه ، ويقولون : إنّ القرآن أُوحي إلى سلمان الفارسي فأخذه محمد ونسبه لنفسه ويسمّونه في كتبهم المسطور المبين.
ويعتقدون أنّ الحاكم
بأمر الله تجلّى لهم في أوّل سنة ( ٤٠٨ هـ ) فأسقط عنهم التكاليف من صلاة وصيام وزكاة وحجّ وجهاد وولاية وشهادة.
لدى الدروز طبقة تعرف
بالمنزهين وهم عباد أهل ورع وزهد ، ومنهم من لا يتزوج ، ومن يصوم الدهر ، ومن لا يذوق اللحم ، ولا يشرب الخمر.
______________________
عقائد الدروز
وقد تناولت دائرة
المعارف الإسلامية ـ بعد أن استعرضت شيئاً من أحوالهم ومواطنهم وعاداتهم وحرفهم ـ جانباً من أبرز جوانب عقيدتهم ، وهو اعتقادهم بإلوهية الحاكم ، ما هذا نصّه :
١. اعتقادهم بإلوهية
الحاكم
وقد قام مذهب الدروز
على فكرة أنّ الله قد تجسد في الإنسان في جميع الأزمان وهم يتصورون أنّ الله ذاته أو على الأقل القوة الخالقة تتكون من مبادئ متكثرة يصدر الواحد منها عن الآخر ويتجسد مبدأ من هذه المبادئ في الإنسان.
فالخليفة الحاكم
وفقاً لهذه العقيدة يمثل الله في وحدانيته وهذا هو السبب في أنّ حمزة قد أطلق على مذهبه اسم مذهب « التوحيد » وهم يعبدون الحاكم ويسمّونه « ربنا » ويفسرون متناقضاته وقسوته تفسيراً رمزياً ، فهو آخر من تجسد فيهم الله. وهم ينكرون وفاته ويقولون إنّه إنّما استتر وسيظهر في يوم ما وفقاً للعقيدة المهدوية.
ويلي الحاكم في
المرتبة خمسة أئمّة كبار تتجسد فيهم المبادئ التي صدرت عن الله :
فالأوّل : تجسيد للعقل الكلي ، وهو حمزة بن علي بن أحمد الزوزني الملقب بـ « العقل » ويرمز له بـ « الأخضر » وهو الإمام الأعظم وآدم الحقيقي.
والثاني : تجسيد للنفس الكلية وهو إسماعيل بن محمد بن حامد التميمي الملقب بـ « النفس » ويرمز له بـ « الأزرق » وهو صهر حمزة ووكيله في الدين.
والثالث : تجسيد للكلمة التي خرجت من النفس عن طريق العقل ، وهو محمد بن وهب القرشي الملقب بـ « الكلمة » ويرمز له بـ « الأحمر » وهو سفير القدرة
والشيخ
الرضي.
والرابع : السابق وهو سلامة بن عبد الوهاب السَّمُري الملقب بـ « السابق
» ويرمز له بـ « الأصفر » أو « الجناح الأيمن ».
الخامس :
التالي وهو بهاء الدين أبو الحسن علي بن أحمد السموكي الملقب بـ « التالي » أو « الجناح الأيسر » ويرمز له بـ « البنفسجي » وهو آخر الحدود الخمسة
وبه انغلقت الدعوة الدرزية وصارت سرية لا علنية.
ويلي هؤلاء الأئمّة
الكبار آخرون أدنى منهم مرتبة موزعون على ثلاث طبقات وهم : الداعي ، والمأذون ، والمكاسر ويعرف أيضاً بالنقيب. ويعرف الداعي كذلك بالعمل ، والمأذون بالفاتح.
ومعرفة ذات الله وصفاته
وتجلياته في سلسلة المبادئ المتجسدة في الأئمّة وهي عقائد هذا المذهب. وتتلخص آدابه في سبعة أركان تقوم مقام أركان الإسلام وهي :
١. حب الحقّ ( بين
المؤمنين دون غيرهم ).
٢. حفظ الإخوان ( الدروز
).
٣. التبرؤ من العقيدة
التي كان يدين بها الدرزي من قبل.
٤. الابتعاد عن
الشيطان وعن الضالين والأبالسة.
٥. التوحيد للحاكم في
كلّ عصر ومكان.
٦. الرضا عن أفعال « ربنا
» الحاكم أياً كانت.
٧. الخضوع التام لإرادته
كما تتجلّى في أئمته على ما هو مفهوم.
وهذه القواعد واجبة
الطاعة على كلّ درزي رجلاً كان أو امرأة.
وقد قام بعض الباحثين
بتأليف رسالة خاصة بعقائدهم أشار فيها إلىٰ جوانب أُخرى منها ـ غير ما نقلناه آنفاً ـ وإليك نصّ المقال بتلخيص وتصرّف :
______________________
٢. التحريف الواضح للقرآن وانّ الأنبياء أبالسة جاءوا للظاهر
كانت عقيدة الدروز
بادئ بدء تؤمن بالقرآن وانّه من العلي الأعلى كما تؤمن بالنبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وبقية الأنبياء كموسى وعيسى وإبراهيم عليهمالسلام وتجلّهم كثيراً ، لكن بعد ذلك صارت هذه العقيدة لا تؤمن بالله إلّا بالحاكم ولا بالأنبياء بل تعدهم أصل الظاهر يحرفون الناس عن الباطن والحقيقة ، واستطاع ( حمزة بن علي ) أن يجمع من متفرقات كثيرة حتى يكتب ( المصحف المنفرد بذاته ) أو كثيراً من رسائل الحكمة والتي صارت فيما بعد العقيدة الدرزية.
ويتظاهرون في المجتمع
الإسلامي بأنّهم مسلمون وينسبون أنفسهم إلى الإسلام وقد يحفظون بعض آيات القرآن والتي وردت في « المصحف المنفرد بذاته » ويتظاهرون بإيمانهم بالقرآن والأنبياء ، وقد يعطون الرسائل الأربعة الأُولى لرسائل
الحكمة التي وجدت على قبر الحاكم بأمر الله الفاطمي وذلك للتمويه والتظاهر بانتسابهم إلى الإسلام.
لكنّهم يؤوّلون ما
جاء في ذلك إلى مبنى مباين ومغاير تماماً فالمسيح الحقّ هو حمزة ، وبسم الله الرّحمن الرّحيم هي حدود حمزة ، والجنة التوحيد ، والنار هي الشرك ، والصدق هم أنبياء الحقّ ، والكذب هم الأبالسة ويقصدون بهم الأنبياء : آدم ، ثمّ نوح ، ثمّ إبراهيم ، ثمّ موسى ، ثمّ عيسى ، ثمّ محمّد.
٣. إيمانهم بالتناسخ
واعتباره مبدأً أساسياً في عقيدتهم
يؤمنون بالتقمّص حيث
تنتقل روح الإنسان بعد موته إلى شخص آخر جديد وهكذا ، ويتمسّكون أمام المسلمين بقوله تعالى : ﴿ وَتُخْرِجُ
الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾ ، ﴿ أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ
وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ﴾ ويوجد في
______________________
«
المصحف المنفرد بذاته » :
« لقد كبرت فرية تخرج
من أفواه الذين جحدوا إذ قالوا لن نرجع إلى خلق جديد حتى يوم الحاقة قل اخسأوا في تقلباتكم إن تقولون إلّا كذباً ».
ويعتبرون هذه الحالة
وسيلة لوصول كلّ روح إلى درزي ، ويتحقق بذلك المجتمع التوحيدي : إذ يعتقدون بمحدودية عدد الأرواح ، وشرار الأرواح تتقمّص أجسام الكلاب.
ومن هنا ينطلق الدروز
في الإيمان بأنّ الجسد هو الذي يموت بينما النفس تبقى خالدة والتقمّص في نظر الموحدين هو انتقال النفس بعد الموت مباشرة من جسد إنسان إلى جسد إنسان آخر والجسد هو قميص الروح وهذا القميص هو الذي يتغير عند الوفاة منتقلة إلى جسد إنسان آخر.
يقول الشاعر الدرزي :
نحن الأُلىٰ
هان الممات عليهم
|
|
الروح تبقى ،
والقميص يُمزّقُ
|
٤. إسقاط التكاليف
أمّا الصلاة فهي
ساقطة عنهم ، والمقصود بها هي الصلة للقلوب مع مولاهم الحاكم.
وأمّا الزكاة فتعني :
توحيد المولى الحاكم وتزكية القلوب وتطهيرها.
وأمّا الصوم فباطنه
الصمت لقوله لمريم : ﴿ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ﴾
، والصوم الحقيقي هو صيانة القلوب بتوحيد المولى الحاكم.
______________________
أمّا الحج فهو معرفة
المولى الحاكم والبيت هو توحيد المولى ، ويذكرون قول المنصور :
هلم اريك البيت
توقن انّه
|
|
هو البيت بيت الله
لا توهمنا
|
أبيت من الأحجار ،
أعظم حرمة
|
|
أم المصطفى الهادي
الذي نصب البينا
|
ويقصدون بالبيت هو
توحيد الحاكم.
وأمّا الولاية
فيقولون : إنّ الحاكم نسخها بقوله : ( لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا للذي خلقهن ) أي لا تسجدوا لعلي أو محمد ، بل للحاكم وهو المشية إن كنتم إيّاه تعبدون.
كما أنّهم من
القائلين بجواز الزواج من المحارم كالأُخت وبتعدّد الزوجات وحلية شرب الخمر.
٥. تفسير الشهادتين
إنّ شهادة ( أن لا
إله إلّا الله ) كلمتان دليل على السابق والتالي.
وهي أربعة فصول دليل
على الأصلين والأساسين.
وهي سبع قطع دليل على
النطقاء السبعة والأوصياء السبعة والأيام السبعة والسماوات السبعة والأرضين السبعة والجبال السبعة والأفلاك السبعة.
وهي ١٢ حرفاً دليل
على ١٢ حجة أساسية.
وأمّا شهادة : ( محمّد
رسول الله ) فهي ٣ كلمات دليل على ٣ حدود : الناطق والتالي فوقه والسابق فوق الكلي ، وهي ٦ قطع دليل على ٦ نطقاء ، وهي ١٢ حرفاً دليل على ١٢ حجة ، وكذلك السماء ١٢ برجاً و١٢ جزيرة.
٦. تقديسهم للعجل وإظهاره في مراسمهم واحتفالاتهم
يدعى الكثير بأنّهم
من عبدة العجل ، والواضح في مراسمهم واحتفالاتهم ظهور صورة العجل ، وفي خلواتهم يذكرون العجل بشيء من التقديس والإجلال ، كما أنّهم يحرّمون قتله وأكله.
٧. تأويل غريب ومنحرف للأحاديث
الإسلامية
كما أنّهم يذكرون
روايات علي بن أبي طالب عليهالسلام حول المهدي ويقولون في تأويلها المقصود به المهدي بالله ( أوّل خلفاء الدولة الفاطمية ).
ويدّعون أنّ الحاكم
سيرجع في آخر الزمان ليدين العالم ويبدد أعداءه من أمام وجهه ، ويبسط ملكه على العالم ، وتسبق رجعة الحاكم رجعة حمزة ليعدَّ لمجيء الإله الحاكم ويحطم الأضداد والأبالسة المرتدين ويكسر الصلبان ، ويهدم الكعبة التي يعتبرونها « مقطرة الكفرة » يقتل علوج الضلال وقود الزنج في الأغلال ونسخ الشرائع والطرائق ، وظهور الحقائق وسبي النساء والأطفال وذبح الرجال بسيف الحاكم على يد عبده القائم الناطق حمزة بن علي ، فينصر مستجيبيه بعساكره الجرارة فيحيي كل البشر تحت رايته.
هذه هي أبرز سمات
عقيدة الدروز والتي تعتبر السرية ركناً أساسياً لها خوفاً من المتطفلين كما أنّ كشفها قد يعرضها إلى إساءة فهمها ثمّ الاستهزاء بها وهذا يجر
صاحبها إلى الهلكة.
كما أنّ لهذه الفرقة
طقوساً خاصة بهم.
منها : الميثاق : وهو انّ كلّ من يكتمل ويصل لسن الأربعين عليه أن يعرض دينه بحضور شاهدين ويقسم ومما يقوله :
« آمنت بالله ربّي
الحاكم ... و بجميع الحدود ... وقد سلمت نفسي وذواتي ظاهراً وباطناً ، علماً وعملاً ، وأنا أُجاهد في سبيل مولانا سراً وعلانية بنفسي
ومالي وولدي ، واشهد مولاي هادي المستجيبين المنتقم من المشركين المرتدين حمزة بن علي بن أحمد من به أشرقت الشمس الأزلية ونطقت فيه وله السحب الفضلية انّني قد تبرأت وخرجت من جميع الأديان والمذاهب والمقالات والاعتقادات قديمها وحديثها ، وآمنت بما أمر به مولانا الحاكم وأقر بأنّك أنت الحاكم الإله الحقيقي المعبود والإمام الموجود جلّ ذكرك ».
ومنها : الخلوة : وهي أماكن اجتماعهم في جلساتهم الدينية في ليالي الجمع ويحضرها كبارهم العقال فقط ويقودها شيخ العقل أو أكبرهم علماً.
ولعلّ ما نقلناه عن
الباحثين سلط ضوءاً على جوانب من حياتهم وآدابهم وعقائدهم غير أنّ الكاتب خير الدين الزركلي ذكر في كتابه « الأعلام » اتصاله ببعض المثقفين من الدروز وأخذ عنهم شيئاً من عقائدهم ولإكمال الفائدة ننقل ما جاء في موسوعته ، قال :
كنت قد جمعت طائفة من
النصوص والمصادر للرجوع إليها عند كتابة هذه الترجمة ، ومنها ما جاء في دائرة المعارف البريطانية ٨ : ٦٠٣ ـ ٦٠٦ مادة « دروز » ودائرة البستاني « دروز » وعرضتها على صديقي الشهيد « فؤاد سليم » وهو من مثقفي المنسوبين إلى المذهب الدرزي ، فقال : إنّ في الدائرتين البريطانية والبستانية أغلاطاً ، وصحّح ما أخذته عنهما منها. وأضاف من عنده زيادات مما اشتملت عليه الحاشية السابقة. وأطلعت بعد ذلك صديقي أيضاً « فؤاد حمزة » وهو من أُسرة درزية معروفة في لبنان ، وكان يومئذٍ في الرياض ـ بنجد ـ وانقطعت صلته بالعقيدة التي نشأ عليها ، كما ذكر لي مراراً ، وسألته عن رأيه في الترجمة
______________________
والحاشية
، فكتب لي : « هذا أصحّ ما كتب في الموضوع حتى الآن ، وهو في الحقيقة ما يذهب إليه الجماعة » ثمّ قال في رسالة أُخرى : « إنّ بعض الرسائل المقول إنّها لحمزة هي لغيره. وأكثر ما كتب هو من قلم علي بن أحمد السموقي الملقب ببهاء الدين. وكتب الدروز الستة هي من وضع أربعة أشخاص :
الأوّل :
الحاكم نفسه ، وعدد رسائله قليل ، منها « الميثاق » و « السجل » الذي وجد معلقاً على المساجد.
والثاني : حمزة ، والرسائل التي تركها غير كثيرة.
والثالث : إسماعيل بن محمد التميمي الداعي المكنّى بصفوة المستجيبين وبالنفس ، فله بعض الرسائل ومنها شعر اسمه « شعر النفس » وهو كملحمة.
والرابع : بهاء الدين الصابري أي علي بن أحمد السموقي ، وله معظم الرسائل ، وهو الذي نشر الدعوة ووطد أركانها أكثر ممن سبقه.
وقال في رسالة ثالثة
: « لا شكّ في أنّ الحسن بن هاني كان من كبار الباطنيين ، ولكنّه باطني في مبتدأ نشوء الدعوة قبل أن تدرك مبلغها الذي عرفت به في عصر الحاكم الفاطمي. ومن الواضح أنّ الحاكميين كانوا آخر من انشق عن الإسماعيلية ولذلك تجد في كتابات الفريقين مصطلحات واحدة ، كالناطق ، والأساس ، وداعي الدعاة ، والنقباء ، والمكاسرين ، والعقل ، والنفس الخ البانثيون الباطني ».
وقال في رسالة رابعة
: « لقد كثر الكتاب في موضوع الإسماعيليّة والفرق الباطنية كما كثر فيه الخلط من جانب الذين كتبوا.
والموضوع من الوجهة
التاريخية جدير بالعناية لأنّ هذه الفرق الباطنية هي التي أعملت معولها في بنيان الإسلام تحت ستار من الغيرة الدينية. وقد قرأت عن ذلك الكثير ولكن معظم الكتاب لم يتمكّنوا من بلوغ الهدف. إذ أنّ معرفة حقائق
الدعوات
الباطنية لا تتيسر إلّا لمن كان مطلعاً على التاريخ الإسلامي بوقائعه الظاهرة وكان في نفس الوقت من جماعة الداخلين في العملية. وقد تكون كتابات بطرس البستاني وكتابات دائرة المعارف البريطانية مهمة ولكن كما ذكرت لك يصعب على من كتب أن يتفقه كنه الدعوة مادام لا يعرف حقيقتها السرية وتفسيراتها الداخلية.
______________________
أعلام
الدروز
حمزة بن علي
( ٣٧٥ ـ ٤٣٣ هـ )
حمزة بن علي بن أحمد
الفارسي الحاكمي الدرزي ، من كبار الباطنية ، ومن مؤسسي المذهب الدرزي ، فارسي الأصل ، من مقاطعة زوزن ، كان قزازاً أو لبادا ، وتأدّب بالعربية وانتقل إلى القاهرة واتصل برجال الدعوة السرية من شيعة الحاكم بأمر الله الفاطمي ، فأصبح من أركانها واستمر يعمل لها في الخفاء ويواصل رفع كتبه إلى الحاكم ، حتى سنة ٤٠٨ هـ فأظهر الدعوة وجاهر بتأليه الحاكم ، وقال : إنّه رسوله ، وجعله الحاكم داعي الدعاة ولما هلك الحاكم وحل ابنه ( الظاهر لإعزاز دين الله ) محلّه سنة ٤١١ هـ فترت الدعوة ثمّ طوردت بعد براءة الظاهر منها سنة ٤١٤ هـ ، فاضطر حمزة إلى الرحيل ولحق به بعض أتباعه إلى بلاد الشام ، واستقر أكثرهم في المقاطعة التي سمّيت بعد ذلك « جبل الدروز » في سورية وسمّوا بالدروز. وحمزة عندهم أوّل الحدود الخمسة المعصومين ، ويكنّون عنه بالعقل. وله رسائل في مذهبهم والدعوة إلى الحاكم والردّ على مخالفيهم منها :
١. « الواقعة » في
الرد على الفاسق النصيري.
٢. « الرضا والتسليم
» وفيها ذكر الدرزي محمد بن إسماعيل وعصيانه.
٣. « التنزيه » لإظهار
تنزيه الإله عن كلّ وصف وإدراك ، وفيها ذكر وزراء الدين ومضاديهم ( أبالستهم ) الخمسة.
٤. « رسالة النساء ».
٥. « الصبحة الكائنة
».
٦. « نسخة سجل
المجتبى ».
٧. « تقليد الرضى
سفير القدرة ».
٨. « تقليد المقتنى ».
٩. « مكاتبة أهل
الكدية البيضاء ».
١٠. « شرط الإمام
صاحب الكشف ».
١١. « التحذير
والتنبيه ».
١٢. « البلاغ
والنهاية ».
١٣. « سبب الأسباب
والكنز لمن أيقن واستجاب ».
وقد انقطع حمزة عن
الكتابة بعد رحيله إلى الشام وانقطاع الصلة بينه وبين شيعة الحاكم في مصر. توفي عام ٤٣٣ هـ.
جمال الدين عبد الله التنوخي
( ٨٢٠ ـ ٨٨٤ هـ )
هو أكبر شخصية علمية
بين الدروز ، ولد في عبيه سنة ٨٢٠ هـ ، وتوفي فيها في جمادى الآخرة سنة ٨٨٤ هـ ، تتلمذ على يد الشيخ أبي علي مرعى زهر الدين ، وانتقل إلى دمشق طمعاً في مزيد من العلم اثنتي عشرة سنة وبعدها عاد إلى عبيه ، يمضي وقته في التدريس والعبادة حتى أقبل عليه التلاميذ من مختلف نواحي البلاد الدرزية ، واشتهر أمره وصارت له مكانة عالية بين أكابر البلاد ومشايخها وأصبح المرجع الدرزي الوحيد لأهل عصره.
______________________
ويعده الدروز اليوم
قطباً من أقطاب المذهب الدرزي ، وانّ شروحه على بعض رسائل الدروز أو رسائل الحكمة الدرزية كما يطلق عليها تنال عناية وافرة لدى شيوخ العقل الدروز.
وله مصنفات كثيرة ، منها
:
١. « اللغة العرباء »
وهو معجم في اللغة العربية على غرار « الصحاح » للجوهري.
٢. « سياسة الأخيار
في شرح كمالات النبي المختار ».
٣. « شروحات الأمير
السيد » وهي مجموعة شروح على بعض الرسائل التوحيدية.
٤. رسالة من بين
رسائل الدروز المائة واحدى عشرة ، قام بطبعها الكاتب الدرزي عجاج يوسف نويهض ، ضمن كتابه الموسوم باسم « التنوخي الأمير عبد الله والشيخ محمد أبو هلال ».
والفصول التي طبعت هي
في الموضوعات التالية :
١. في تحريم الخمر
وكلّ مسكر.
٢. في طلب الاستفادة
والمرشد الأمين.
٣. في النهي عن الغضب
ومحقه بالاعتصام بحبل الله .
٤. في آداب جوارح
البدن : اللسان ، العين ، الأُذن ، اليد ، الرجل ، البطن.
٥. في اختلاف ألوان الأطعمة.
٦. في الحركة
والرياضة قبل الطعام.
٧. في آداب الزواج.
٨. في ادخار المال
وإنفاقه.
______________________
٩. في النهي عن
الاحتكار.
١٠. في الغنى نحو
الله ونفسه والمحتاجين.
١١. في معاملات البيع
والشراء والقرض والوديعة.
١٢. في واجبات الدائن
والمدين.
١٣. في الوصية.
١٤. في تربية الولد.
١٥. شذرات من أقوال
التنوخي واختياره.
يوسف الكفرقوقي
هو الشيخ يوسف سعيد
برّو ، من كفرقوق في راشيا ، وعرف بهذا الاسم ( الكفرقوقي ) نسبه لقريته. كان شاعراً دينياً ومن كبار علماء الدروز ، له كتاب ضخم اسمه « دور النحو في التوبة إلى الملك الغفور » توفي في قرية « ينطا » بعد عودته من دمشق ، ودفن فيها.
محمد أبو هلال
المعروف بـ « الشيخ الفاضل »
( ١٠٠٥ ـ ١٠٥٠ هـ )
ولد في قرية صغيرة من
جبل الشيخ تدعى « الشعيرة » ، انكب على القراءة والمطالعة ، وبدأ نجمه يلمع ويتألق حتى توصل لمرتبة شيخ عقل الدروز كافة ،
______________________
ونال
ثقتهم حتى أصبحوا يطلقون عليه اسم « الشيخ الفاضل » ، وبرع في شعره براعة فائقة ، وجميع الدروز يردّدون شعره في اجتماعاتهم الدينية وطقوسهم ، لأنّها تمجيد للخالق والمآثر الدينية الحميدة ، هذا وقد كتب عنه وعن آدابه أحد تلاميذه ويدعى أبو علي عبد الملك ، ضمن كتاب اسمه « آداب الشيخ الفاضل » وفيه وصف لسيرة شيخه الفاضل في مرحلة تديّنه ، وهي المرحلة التي كتب فيها الشعر حيث كان يبلغ من العمر الأربعين أو خمسة وأربعين عاماً. توفي في بلدة عين عطا ، ودفن فيها عام ١٠٥٠ هـ.
______________________


الفطحية : هم القائلون بإمامة الأئمّة الاثني عشر
مع عبد الله الأفطح ابن الإمام الصادق عليهالسلام يدخلونه بين أبيه الصادق وأخيه الكاظم عليهماالسلام وقد كان عبد الله أفطح الرأس.
والأفطح كما في
اللسان : عريض الرأس ، ورأس أفطح ومفطّح : عريض.
وقال الطريحي : أفطح
الرجلين : عريضهما وربما يفسّر باعوجاج في الرجل.
كان عبد الله بن جعفر
الصادق عليهالسلام قد ادّعى الإمامة والوصاية ، بعد رحيل أبيه ، وكان هو أكبر أولاد الإمام بعد إسماعيل المتوفىٰ في حياته ، فتمسّك
القائلون بإمامته بحديث رووه عن الإمام أنّه قال : « الإمامة في الأكبر من ولد الإمام » ولم
يكن حظّه من الدنيا بعد رحيل أبيه إلّا سبعين يوماً ، فقد تُوفي أبوه الصادق عليهالسلام في الخامس والعشرين من شهر شوال عام ١٤٨ هـ ، فيكون قد توفي في خامس شهر ذي الحجة الحرام من نفس السنة وبرحيله عاد القائلون بإمامته إلى إمامة الإمام موسى الكاظم عليهالسلام. ولقد ظهرت منه أشياء لا ينبغي أن تظهر
من الإمام لمّا امتحنوه بمسائل من الحلال والحرام ولم يكن عنده جواب ، وإليك ما وقفنا عليه من النصوص :
١. قال الحسن بن موسى
النوبختي : قالت الفطحية : الإمامة بعد جعفر في ابنه عبد الله بن جعفر الأفطح ، وذلك أنّه كان عند مضيّ جعفر ، أكبرُ وُلْدِه
سناً وجلس مجلس أبيه وادّعى الإمامة ووصية أبيه ، واعتلّوا بحديث يروونه عن أبي
______________________
عبد
الله جعفر بن محمد أنّه قال : الإمامة في الأكبر من وُلْد الإمام ، فمالَ إلى عبد
الله والقول بإمامته جُلَّ من قال بإمامة أبيه جعفر بن محمد غير نفر يسير عرفوا الحقّ فامْتَحنَوا عبد الله بمسائل في الحلال والحرام من الصلاة والزكاة وغير ذلك فلم يجدوا عنده علماً ، وهذه الفرقة القائلة بإمامة عبد الله بن جعفر هي « الفطحية » وسُمّوا بذلك لأنّ عبد الله كان أفطح الرأس ، وقال بعضهم : كان أفطح الرجلين ، وقال بعض الرواة : نُسِبُوا إلى رئيس لهم من أهل الكوفة يقال له عبد الله بن فطيح
، ومال إلى هذه الفرقة جلّ مشايخ الشيعة وفقهائها ولم يشكّوا في أنّ الإمامة في « عبد
الله بن جعفر » وفي وُلْده من بعده ، فمات عبد الله ولم يخلِّف ذكراً ، فرجع عامة الفطحية عن القول بإمامته ـ سوى قليل منهم ـ إلى القول بإمامة « موسى بن جعفر » ، وقد كان رجع جماعة منهم في حياة عبد الله إلى موسى بن جعفر عليهماالسلام ، ثمّ رجع عامتهم بعد وفاته عن القول به ، وبقى بعضهم على القول بإمامته ثمّ إمامة موسى بن جعفر من بعده ، وعاش عبد الله بن جعفر بعد أبيه سبعين يوماً أو نحوها.
٢. وقال الكشي : هم
القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمد ، وسُمُّوا بذلك لأنّه قيل إنّه كان أفطح الرأس ، وقال بعضهم : كان أفطح الرجلين ، وقال بعضهم : إنّهم نسبوا إلى رئيس من أهل الكوفة يقال له « عبد الله بن فطيح » والذين قالوا بإمامته عامة مشايخ العصابة وفقهائها ، مالوا إلى هذه المقالة فَدَخلْت عليهم الشبهة لما روي عنهم عليهمالسلام أنّهم قالوا : الإمامة في الأكبر من
ولد الإمام إذا مضى إمام. ثمّ منهم من رجع عن القول بإمامته لما امتحنه بمسائل من الحلال والحرام لم يكن عنده فيها جواب ، ولِما ظهر منه من الأشياء التي لا ينبغي أن يظهر من الإمام.
ثمّ إنّ عبد الله مات
بعد أبيه بسبعين يوماً ، فرجع الباقون إلّا شاذاً منهم عن
______________________
القول
بإمامته إلى القول بإمامة أبي الحسن موسى عليهالسلام ورجعوا إلى الخبر الذي روي : أنّ الإمامة لا تكون في الأخوين بعد الحسن والحسين عليهماالسلام وبقى شذّاذ منهم على القول بإمامته ، وبعد أن مات قال بإمامة أبي الحسن موسى عليهالسلام.
وروي عن أبي عبد الله
عليهالسلام أنّه قال لموسى : « يا بني انّ أخاك
سيجلس مجلسي ، ويدّعي الإمامة بعدي ، فلا تنازعه بكلمة ، فإنّه أوّل أهلي لحوقاً بي ».
٣. ونقل في ترجمة « هشام
بن سالم الجواليقي » أنّه قال : كُنّا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله عليهالسلام أنا ومؤمن الطاق أبو جعفر ، والناس
مجتمعون على أنّ عبد الله صاحب الأمر بعد أبيه ، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق ، والناس مجتمعون عند عبد الله وذلك أنّهم رووا عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّ الأمر في الكبير ما لم يكن به عاهة ، فدخلنا نسأله عمّا كنّا نسأل عنه أباه ، فسألناه عن الزكاة في كم تجب ؟ قال
: في مائتين خمسة. قلنا : ففي مائة ؟ قال : درهمان ونصف درهم. قلنا له : والله ما تقول في المرجئة هذا ؟! ، فرفع يده إلى السماء فقال : لا والله ما أدري ما تقول المرجئة. قال : فخرجنا من عنده ضُلّالاً لا ندري إلى أين نتوجه أنا وأبو جعفر الأحول ، فقعدنا في بعض أزقّة المدينة باكين حيارىٰ لا ندري إلى من نقصد ، وإلى
من نتوجه ، نقول : إلى المرجئة ، إلى القدرية ، إلى الزيدية ، إلى المعتزلة ، إلى الخوارج.
قال : فنحن كذلك إذ
رأيتُ رجلاً شيخاً لا أعرفه يُومي إليّ بيده ، فخفتُ أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر ، وذلك أنّه كان له بالمدينة جواسيس
ينظرون على من اتّفق من شيعة جعفر فيضربون عنقه ، فخفتُ أن يكون منهم ، فقلت لأبي جعفر : تنحّ فإنّي خائف على نفسي وعليك ، وإنّما يريدني ليس يريدك ، فتنحَّ عني لا تُهْلَك وتُعين على نفسك. فتنحّى غير بعيد وتبعت الشيخ وذلك انّي ظننت أنّي
______________________
لا
أقدر على التخلّص منه ، فما زلتُ أتبعه حتى ورد بي على باب أبي الحسن موسى عليهالسلام ثمّ خلّاني ومضى ، فإذا خادم بالباب ، فقال
لي : أُدخل رحمك الله.
قال : فدخلت فإذا أبو
الحسن عليهالسلام فقال لي ابتداءً : « لا إلى المرجئة
ولا إلى القدرية ، ولا إلى الزيدية ، ولا إلى المعتزلة ، ولا إلى الخوارج ، إليّ إليّ إليّ
». قال : فقلتُ له : جعلتُ فداك مضى أبوك ؟ قال : « نعم ». قال : قلت : جعلتُ فداك مضى في موتٍ ؟ قال : « نعم ». قلتُ : جعلتُ فداك فمَنْ لنا بعده ؟ فقال : « إن شاء الله أن
يهديك ، هداك ». قلت : جعلتُ فداك إنّ عبد الله يزعم أنّه من بعد أبيه ؟ فقال : « يريد عبد الله أن لا يُعبد الله ». قال : قلتُ : جعلتُ فداك فمن لنا بعده ؟ فقال
: « إن شاء الله أن يهديك هداك » أيضاً. قلت : جعلت فداك أنت هو ؟ قال : « ما أقول ذلك » ، قلت في نفسي : لم أُصبْ طريقَ المسألة. قال : قلت : جعلتُ فداك عليك إمام ؟ قال : « لا ». قال : فدخلني شيء لا يعلمه إلّا الله إعظاماً له ، وهيبة
أكثر ما كان يحلّ بي من أبيه إذا دخلتُ عليه ، قلت : جعلتُ فداك أسألك عمّا كان يسأل أبوك ؟ قال : « سل تُخبر ، ولا تُذِع ، فإن أذعت فهو الذبح ». قال : فسألته فإذا
هو بحر.
قال : قلت : جعلت
فداك شيعتُك وشيعة أبيك ضُلّال فألقي إليهم وأدعهم إليك فقد أخذت عليّ بالكتمان ؟ فقال : « من آنست منهم رشداً فالق عليهم ، وخذ عليهم بالكتمان ، فإن أذاعوا فهو الذبح ـ وأشار بيده إلى حلقه ـ قال : فخرجتُ من عنده فلقيتُ أبا جعفر ، فقال لي : ما وراك ؟ قال : قلت : الهدى. قال : فحدثتُه بالقصة ، ثم لقيت المفضل بن عمر وأبا بصير. قال : فدخلوا عليه وسلّموا وسمِعوا كلامَه وسألوه. قال : ثمّ قطعوا عليه ، قال : ثمّ لقينا الناس
أفواجاً. قال : وكان كل من دخل عليه قطع عليه إلّا طائفة مثل عمار وأصحابه ، فبقي عبد الله لا يدخل عليه أحد إلّا قليلاً من الناس. قال : فلمّا رأى ذلك وسأل عن حال الناس ؟ قال : فأُخبر أنّ هشام بن سالم صدّ عنه الناس. قال : فقال هشام : فأقعد
لي
بالمدينة غير واحد ليضربوني.
٤. وقال الأشعري ( ٢٦٠
ـ ٣٢٤ هـ ) عند عدّ فرق الشيعة : ومنهم من يزعم أنّ الإمام بعد جعفر ابنه « عبد الله بن جعفر » وكان أكبرَ من خلَف من ولده وهي في ولده ، وأصحاب هذه المقالة يدعون العَمّارية ، نُسِبوا إلى رئيس لهم يعرف بـ « عمّار » ، ويدعون الفطحية ، لأنّ عبد الله بن جعفر كان أفطحَ الرجلين ، وأهل هذه المقالة يرجعون إلى عدد كثير.
فأمّا زرارة فإنّ
جماعة من العمّارية تدّعي أنّه كان على مقالتها ، وأنّه لم يرجع عنها ، وزعم بعضهم أنّه رجع إلى ذلك حين سأل « عبد الله بن جعفر » عن مسائل لم يجد عنده جوابها ، وصار إلى الائتمام بموسى بن جعفر بن محمد ، وأصحاب زرارة يدعون « الزرارية » ويدعون « التميمية ».
٥. وتبعه البغدادي
ولخّص كلامه قائلاً : العمارية وهم منسبون إلى زعيم منهم يسمّى عماراً ، وهم يسوقون الإمامة إلى جعفر الصادق ، ثمّ زعموا انّ الإمام بعده ولده عبد الله ، وكان أكبر أولاده ، وكان أفطح الرجلين ، ولهذا قيل لأتباعه « الفطحية ».
وقد خبط الرجلان
فاخترعا فرقة باسم العَمّارية نسبة إلى عمار بن موسى الساباطي ، مع أنّه رجل من أتباع « عبد الله » وأكثر ما يمكن أن يقال أنّه كان داعياً ، لا صاحب مذهب.
وأمّا اتّهام الأشعري
زرارة بن أعين بأنّه كان من الفطحية مدة ثمّ رجع عنها ، فليس له سند إلّا روايات ضعاف ، كأكثر ما ورد في حقّ زرارة من الروايات
______________________
الذامّة.
مع أنّ الصحيح في
حقّه ما نقله الصدوق في « كمال الدين » عن إبراهيم بن محمد الهمداني ـ رضي الله عنه ـ قال : قلت للرضا عليهالسلام يا بن رسول الله أخبرني عن زرارة ، هل كان يعرف حقّ أبيك ؟ فقال عليهالسلام : « نعم » ، فقلتُ له : فلمَ بعث ابنه عبيداً ليتعرف الخبر إلى من أوصى الصادق جعفر بن محمد عليهالسلام ؟ فقال : « إنّ زرارة كان يعرف أمر أبي عليهالسلام ونصّ أبيه عليه ، وإنّما بعث ابنه
ليتعرّف من أبي هلْ يجوز له أن يرفع التقية في إظهار أمره ، ونصّ أبيه عليه ؟ وانّه لمّا أبطأ عنه طُولب
بإظهار قوله في أبي عليهالسلام ، فلم يحب أن يقدم على ذلك دون أمره
فرفع المصحف ، وقال : اللّهمّ إنّ إمامي من أثبت هذا المصحف إمامتَه من ولد جعفر بن محمد عليهالسلام ».
٦. وقال الشهرستاني :
« الفطحية قالوا بانتقال الإمامة من الصادق إلى ابنه عبد الله الأفطح ، وهو أخو إسماعيل من أبيه وأُمّه ، وأُمّهما فاطمة بنت الحسين بن
الحسن بن علي ، وكان أسن أولاد الصادق.
زعموا أنّه قال : الإمامة
في أكبر أولاد الإمام. وقال : الإمام من يجلس مجلسي ، وهو الذي جلس مجلسه. والإمام لا يغسّله ، ولا يصلّي عليه ، ولا يأخذ خاتمه ، ولا يواريه إلّا الإمام. وهو الذي تولّى ذلك كلّه. ودفع الصادق وديعة إلى بعض
______________________
أصحابه
وأمره أن يدفعها إلى من يطلبها منه وأن يتخذه إماماً. وما طلبها منه أحد إلّا عبد الله ، ومع ذلك ما عاشَ بعد أبيه إلّا سبعين يوماً ومات ولم يعقب ولداً ذكراً.
لقد غاب عن
الشهرستاني مفاد قوله عليهالسلام : « الإمام من يجلس مجلسي » ، فلو صدر منه ذلك القول ، فالمراد منه ما يقوم بمثل ما كان الإمام يقوم به في مجال بيان
الأُصول والفروع ، وملء الفراغ الحاصل من رحيله ، لا مجرّد جلوسه في مكانه وإن كان جاهلاً بأبسط المسائل.
كما أنّه لم يثبت أنّ
عبد الله تولّى غسل الإمام والصلاة عليه.
وقد روىٰ ابن
شهر آشوب عن أبي بصير ، عن موسى بن جعفر عليهماالسلام أنّه قال : « فيما أوصاني به أبي أن قال : يا بنيّ إذا أنا متُّ فلا يغسّلني أحد غيرك ،
فإنّ الإمام لا يغسّله إلّا إمام ، واعلم أنّ « عبد الله » أخاك سيدعو الناس إلى نفسه فدعه ، فإنّ عمره قصير. فلمّا أن مضى غسلته ... ».
٧. وقال الصدوق : قال
الصادق لأصحابه في ابنه عبد الله : « إنّه ليس على شيء فيما أنتم عليه وانّي أبرأ منه ، برئ الله منه ».
٨. قال المفيد : وكان
عبد الله بن جعفر أكبر إخوته بعد إسماعيل ، ولم تكن منزلته عند أبيه كمنزلة غيره من ولده في الإكرام ، وكان متهماً بالخلاف على أبيه
في الاعتقاد. ويقال أنّه كان يخالط الحشوية ويميل إلى مذاهب المرجئة ، وادّعى بعد أبيه الإمامة ، واحتج بأنّه أكبر إخوته الباقين ، فاتّبعه على قوله جماعة من أصحاب
أبي عبد الله عليهالسلام ، ثمّ رجع أكثرهم بعد ذلك إلى القول
بإمامة أخيه موسى عليهالسلام ، لمّا تبيّنوا ضعفَ دعواه وقوة أمر أبي الحسن عليهالسلام ودلالة حقّه وبراهين إمامته ، وأقام
نفر
______________________
يسير
منهم على أمرهم ودانوا بإمامة عبد الله وهم الطائفة الملقبة بالفطحية ، وإنّما لزمهم هذا اللقب لقولهم بإمامة عبد الله وكان أفطح الرجلين ، ويقال انّهم لقبوا بذلك لأنّ داعيهم إلى إمامة عبد الله كان يقال له عبد الله بن الأفطح.
وقال أيضاً : وأمّا
الفطحية فإنّ أمرها أيضاً واضح ، وفساد قولها غير خاف ولا مستور عمّن تأمله ، وذلك أنّهم لم يدّعوا نصاً من أبي عبد الله عليهالسلام على عبد الله ، وانّما عملوا على ما رووه من أنّ الإمامة تكون في الأكبر ، وهذا حديث لم يُرو قط إلّا
مشروطاً ، وهو أنّه قد ورد أنّ الإمامة تكون في الأكبر ما لم تكن به عاهة ، وأهل الإمامة القائلون بإمامة موسى بن جعفر عليهالسلام متواترون بأنّ عبد الله كان به عاهة بالدين ، لأنّه كان يذهب إلى مذاهب المرجئة الذين يقعون في علي عليهالسلام وعثمان ، وانّ أبا عبد الله عليهالسلام قال وقد خرج من عنده : « عبد الله هذا
مرجئ كبير » وانّه دخل عليه عبد الله يوماً وهو يحدث أصحابه ، فلمّا رآه سكت حتى خرج ، فسئل عن ذلك ؟ فقال : « أو ما علمتم أنّه من المرجئة » هذا مع أنّه لم يكن له من العلم بما
يتخصص به من العامة ، ولا رُوي عنه شيء من الحلال والحرام ، ولا كان بمنزلة من يستفتى في الأحكام ، وقد ادّعى الإمامة بعد أبيه ، فامتحن بمسائل صغار فلم يجب عنها وما أتى بالجواب ، فأيّ علّة ممّا ذكرناه تمنع من إمامة هذا الرجل ، مع
أنّه لو لم تكن علّة تمنع من إمامته ، لما جاز من أبيه صرف النص عنه ، ولو لم يكن صرفه عنه لأظهره فيه ، ولو أظهره لنقل وكان معروفاً في أصحابه ، وفي عجز القوم عن التعلّق بالنص عليه دليل على بطلان ما ذهبوا إليه.
بقيت هنا أُمور :
الأوّل :
الظاهر ممّا ذكرنا أنّ أكثر القائلين بإمامة عبد الله بن جعفر عدلوا عن
______________________
رأيهم
، وقالوا بإمامة أخيه موسى بن جعفر بعد إمامة أبيه جعفر الصادق ، وأمّا القليل منهم فقال بإمامة موسى بن جعفر بعد الأفطح ، فصار عبد الله الإمام السابع ، وأخوه موسى الإمام الثامن ، وبذلك يتجاوز عدد الأئمّة عن الاثني عشر ، ولا أظن أنّهم وقفوا على عبد الله من دون الاعتقاد بإمامة الآخرين ، وإلّا كانوا
واقفة لا فطحية ، وسيوافيك الكلام في المذهب الواقفي عن قريب إن شاء الله.
الثاني :
الظاهر ممّا نقله الصدوق عن بعضهم أنّ القائلين بإمامة عبد الله كانوا معروفين بالشمطية كما أنّ بعض الفطحية قال بإمامة إسماعيل بن جعفر بعد رحيل عبد الله ، وإليك نص الصدوق ناقلاً عن بعضهم :
قال : قال صاحب
الكتاب : وهذه الشمطية تدّعي إمامة عبد الله بن جعفر بن محمد من أبيه بالوراثة والوصية ، وهذه الفطحية تدّعي إمامة إسماعيل ابن جعفر عن أبيه بالوراثة والوصية وقبل ذلك إنّما قالوا بإمامة عبد الله بن جعفر ويسمّون اليوم إسماعيلية. لأنّه لم يبق للقائلين بإمامة عبد الله بن جعفر خلف ولا بقية ، وفرقة من الفطحية يقال لهم القرامطة ، قالوا بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر بالوراثة والوصية ، وهذه الواقفة على موسى بن جعفر تدّعي الإمامة لموسى وترتقب لرجعته.
الثالث :
بما أنّ أكثر القائلين بإمامة الأفطح رجعوا عن رأيهم بعد ظهور الحقّ ، فلا ينبغي أن يكون ذلك سبباً لجرحهم ، نعم من بقى منهم على عقيدته ، وآمن بإمامة موسى بن جعفر أو إسماعيل بن جعفر حكمهم حكم سائر فرق الشيعة إذا كانوا متثبتين في القول ، فيؤخذ برواياتهم ، وإلّا فلا.
الرابع :
انّ عدّ الفطحية مذهباً ونحلة ، أمر غير صحيح لوجهين :
أحدهما :
أنّ القول بإمامة عبد الله نشأ عن شبهة ، دخلت في أذهانهم ، ثمّ
______________________
زالت
الشبهة ، ولم يبق إلّا القليل.
وثانيهما : أنّ النحلة عبارة عن آراء في الأُصول والعقائد أو في الفروع والأحكام تكون سبباً لتمييز طائفة عن أُخرى ، وأمّا الاتّفاق في عامة الأُصول مع اختلاف في أمر واحد ، كالاعتقاد بإمامة عبد الله ، فهذا ما لا يبرر عدّ القول به نحلة ، والقائلون به فرقة.
نعم ، من يريد تكثير
النحل ، وزيادة عدد الفرق ، يصحّ له ذكرهم فرقة من الفرق.
الخامس :
انّ الفطحية وإن اشتركت مع الواقفية في مسألة عدم الاعتراف بالإمام الحقيقي ، ولكن الطائفة الأُولى كانت أقل تعصباً من الأُخرى بدليل أنّهم اعترفوا بإمامة موسى الكاظم عليهالسلام بعد رحيل إمامهم الأفطح ، لكن بين
مُخطِّئ نفسه في الاعتقاد بإمامة الأفطح ، وبين مصوِّب إمامته مع إمامة الكاظم عليهالسلام إلّا أنّ الواقفية كانت متعصبة جدّاً حيث وقفت على إمامة موسى الكاظم عليهالسلام ولم تتجاوزه ، وجرت مناظرات بينهم وبين القطعية الذين قطعوا بإمامة ابن الكاظم ، علي بن موسى الرضا عليهماالسلام.
يقول المجلسي الأوّل
: واعلم أنّ الفطحية كانوا أقربَ إلى الحقّ من الواقفية ، أو هم أبعد عن الحقّ من الفطحية ، لأنّ الفطحية لا ينكرون بقية الأئمّة عليهمالسلام وكانوا يقولون بإمامتهم ، ولهذا شُبهُوا بالحمير ، بخلاف الواقفة ، فإنّهم شُبهوا بالكلاب الممطورة ، والشيخ ذكر الواقفية في كتاب الغيبة وأبطل مذهبهم بالأخبار التي نقلوها.
وقال العلّامة
المامقاني : لا يخفى عليك أنّ القول بالفطحية أقرب مذاهب
______________________
الشيعة
إلى الحقّ من وجهين :
أحدهما :
انّ كلّ مذهب من المذاهب الفاسدة يتضمّن إنكار بعض الأئمّة عليهمالسلام ، ومن المعلوم بالنصوص القطعية ، أنّ
من أنكر واحداً منهم كان كمن أنكر جميعهم ، والفطحي يقول بإمامة الاثني عشر جميعاً ويضيف عبد الله بين الصادق والكاظم عليهماالسلام ، فهو يقول بإمامة ثلاثة عشر ، ويحمل
أخبار الاثني عشر إماماً على الاثني عشر مِنْ ولد أمير المؤمنين عليهمالسلام ، فلا يموت الفطحي إلّا عارفاً بإمام زمانه بخلاف من ماتَ من أهل سائر المذاهب فإنّه يموت جاهلاً بإمام زمانه.
نعم من مات من
الفطحية في السبعين يوماً زمان حياة عبد الله بعد أبيه مات غير عارف لإمام زمانه فمات ميتة جاهلية بخلاف من مات بعد وفاة عبد الله.
ثانيهما : انّ كلّ ذي مذهب من المذاهب الفاسدة قد تلقّى ممّن يعتقده
إماماً من غير الاثني عشر فروعاً مخالفة لفروعنا بخلاف الفطحية فإنّ عبد الله لم يبق إلّا
سبعين ولم يتلقّوا منه حكماً فرعياً وإنّما يعملون في الفروع بما تلقّوه من الأئمة
الاثني عشر ، فالفطحية قائلون بالاثني عشر ، عاملون بما تلقّوه من الاثني عشر ، فليس خطأهم إلّا زيادة عبد الله سبعين يوماً بين الصادق والكاظم عليهماالسلام ، وإيراث ذلك الفسقَ محلّ تأمّل.
يلاحظ على الثاني : بأنّ الواقفية أيضاً مثل الفطحية لم يتلقّوا فروعاً من غير الأئمّة ، نعم انّ الفطحية أخذوا منهم جميعاً والواقفية اقتصرت على الأئمّة السبعة
، فما ذكره من الوجه الثاني لا يعد فرقاً بين الطائفتين.
______________________
مشاهير الفطحية
انّ هناك لفيفاً من
رواة الشيعة وُصفوا بالفطحية ، وهم بين من ثبت على القول بإمامة الأفطح ومن رجع عنه ، وإليك أسماءهم المستخرجة من كتب الرجال :
١. أحمد بن الحسن بن
علي بن محمد بن علي بن فضّال بن عمر بن أيمن.
٢. إسحاق بن عمّار بن
حيّان ، مولىٰ بني تغلب ، أبو يعقوب الصيرفي الساباطي.
٣. الحسن بن علي بن
فضال.
٤. عبد الله بن بكير
بن أعين بن سنسن الشيباني الأصبحي المدني.
٥. عبد الله بن جعفر
بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهالسلام.
٦. علي بن أسباط بن
سالم بياع الزطّي المقري.
٧. الأزدي الساباطي (
كوفي ).
٨. علي بن الحسن بن
علي بن فضّال.
٩. عمار بن موسى
الساباطي.
١٠. محمد بن الحسن بن
علي بن فضّال.
١١. محمد بن سالم بن
عبد الحميد.
١٢. مصدق بن صدقة
المدائني.


التوقّف عند إمامة
شخص بعد رحيل إمام ما ، ظاهرة برزت عند الشيعة بين آونة وأُخرى ، ولذلك صار لها إطلاقان :
الأوّل :
التوقّف بالمعنى العام من غير اختصاصه بالتوقّف على إمام خاص ، فإنّ هناك طائفة توقّفت عند إمامة الحسين عليهالسلام ولم تتجاوز عنه وهم المعروفون بالكيسانية ، كما أنّ هناك من توقّف عند إمامة الإمام الباقر عليهالسلام ولم تتجاوز عنه عليهالسلام وهي المعروفة بالمنصورية أو المغيرية
وهناك من توقّف عند إمامة الإمام الصادق ولم يتجاوز عنه كالإسماعيلية ، وهذه الفرق حتى الزيدية من الواقفية الذين لم يعترفوا بإمامة الأئمّة الاثني عشر قاطبة وتوقّفوا أثناء الطريق ، ومع
ذلك كلّه فلا يطلق عليهم الواقفية في كتب الرجال ولا في الملل والنحل ، وإنّما يطلق عليهم نفس أسمائهم ، وقد مرّ في الجزء السابع أنّ بعض هذه الفرق غلاة كفّار لا يعترف بهم.
الثاني :
الطائفة المتوقّفة عند إمامة الإمام موسى الكاظم عليهالسلام غير المعترفة بإمامة ابنه علي بن موسى الرضا عليهالسلام وهؤلاء المعروفون بـ « الواقفية ». وقد
اختصت بهم هذه التسمية ، فلا تتبادر من هذه التسمية إلّا تلك الطائفة.
قال المحقّق
البهبهاني : اعلم أنّ الواقفة هم الذين وقفوا على الكاظم عليهالسلام ، وربما يطلق الوقف على من وقف على غير الكاظم عليهالسلام من الأئمّة ... ولكن عند الإطلاق ينصرف إلى من وقف على الإمام الكاظم عليهالسلام ولا ينصرف إلى غيرهم إلّا بالقرينة ، ولعلّ من جملتها عدم دركه للكاظم عليهالسلام وموته قبله أو في زمانه ، مثل سماعة بن مهران وعلي بن حيان ويحيى بن القاسم.
______________________
سبب ظاهرة التوقف
إنّ السبب الغالب
لبروز فكرة التوقف بين طائفة من الشيعة هو أنّها رزحت تحت نير الحكم الأُموي والعباسي ولولا لجوئها إلى التقية واتخاذها سلاحاً لما كتب لها البقاء ، حتى أنّ الاتهام بالزندقة والإلحاد كان أخف وطأً من الاتّهام
بالتشيّع في فترة خلافة عبد الملك بن مروان وإمارة الحجاج على العراق ، فكان الأئمّة لا يبوحون بأسرارهم إلّا لخاصتهم ، حتى نرى أنّ رحيل كلّ إمام تعقبه هوة بين الشيعة برهة من الزمن إلى أن يستقرَّ الرأي على الحقّ.
هذا هو السبب الغالب
لنشوء بعض الفرق بين الشيعة الذين لم يكن لديهم أيّ اختلاف في الأُصول والفروع إلّا في القيادة والإمامة.
إنّ عصر هارون الرشيد
كان عصر القمع والكبت والتضييق على الشيعة وإمامهم ، وكانت سياسته على غرار سياسة أبي جعفر الدوانيقي ، والتاريخ يحدثنا عن السياسة التي اتبعها مع الإمام موسى الكاظم عليهالسلام.
كان الإمام مهوى قلوب
الشيعة ، يتلقون عنه أحكام الدين وأُصول المذهب ، وربما تحمل إليه الأموال من المشرق ومن المغرب فشق على هارون لمّا أخبره بعض جواسيسه بهذا الأمر ، ولأجل معالجة هذا الموقف الذي أشغل فكره ، حجّ في تلك السنة وزار قبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله إنّي أعتذر إليك
من شيء أُريد أن أفعله ، أُريد أن أحبس موسى بن جعفر ، فإنّه يريد التشتيت بأُمّتك وسفك دمائها. ثمّ أمر به فأُخذ من المسجد فأُدخل إليه فقيّده ، وأُخرج من داره بغلان عليهما قبتان مغطاتان هو عليهالسلام في إحديهما ، ووجه مع كلّ واحدة منهما
خيلاً ، فأخذ بواحدة على طريق البصرة ، والأُخرى على طريق الكوفة ، ليعمى على الناس أمره ، وكان في التي مضت إلى البصرة.
وأمر الرسول أن
يسلّمه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور ، وكان على البصرة
حينئذٍ
، فمضى به ، فحبسه عنده سنة.
ثمّ كتب إلى الرشيد
أن خذه منّي وسلّمه إلى من شئت وإلّا خلّيت سبيله ، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجّة ، فما أقدر على ذلك ، حتى أنّي لأتسمّع عليه إذا دعا لعلّه يدعو عليّ أو عليك ، فما أسمعه يدعو إلّا لنفسه يسأل الرحمة والمغفرة.
فوجّه من تسلّمه منه
، وحبسه عند الفضل بن الربيع ببغداد فبقى عنده مدّة طويلة وأراد الرشيد على شيء من أمره فأبى.
فكتب بتسليمه إلى الفضل
بن يحيى فتسلّمه منه ، وأراد ذلك منه فلم يفعل.
وبلغه انّه عنده في
رفاهية وسعة ، وهو حينئذ بالرقة.
وقد أثار هذا الأمر
غضبَ الرشيد إلى ان انتهى الأمر بتجريد الفضل بن يحيى وضربه بسياط وعقابين.
هذا هو موقف الرشيد
مع الرجل الذي كان يحترمه جلّ المسلمين وينظرون إليه بأنّه من أئمّة أهل البيت ، فكيف الحال مع سواد الناس إذا اتّهموا بالتشيّع وموالاة الإمام عليهالسلام ؟!
قال ابن كثير : فلمّا
طال سجن الإمام الكاظم عليهالسلام كتب إلى الرشيد : « أمّا بعد يا أمير المؤمنين انّه لم ينقضِ عني يوم من البلاء إلّا انقضى عنك يوم من الرخاء ،
حتى يفضي بنا ذلك إلى يوم يخسر فيه المبطلون ».
ولم يزل الإمام ينقل
من سجن إلى سجن حتى انتهى به الأمر إلى سجن السندي بن شاهك ، فغال في سجن الإمام وزاد في تقييده ، حتى جاء أمر الرشيد بدس السم للكاظم فانبرى السندي إلى تنفيذ هذا الأمر ، وكانت نهاية حياة الإمام الطاهر على يده الفاجرة.
______________________
قال أبو الفرج
الاصفهاني : لمّا توفي الإمام مسموماً خشى الرشيد ردّة فعل المسلمين عند انتشار خبر موته ، فأدخل عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد وفيهم الهيثم بن علي وغيره ليشهدوا على أنّه مات حتف أنفه دون فعل من الرشيد وجلاوزته ، ولمّا شهدوا على ذلك اخرج بجثمانه الطاهر ، ووضع على الجسر ببغداد ، ونودي بوفاته.
هذه لمحة خاطفة عن
حياة الإمام موسى الكاظم عليهالسلام توقفك على الوضع السياسي السائد آنذاك في العراق والحجاز ، وموقف الحكومة تجاه إمام الشيعة ، أفهل يمكن للإمام التصريح بالقائد من بعده ؟!
ومع ذلك كلّه فإنّ الإمام
الكاظم له تنبوءات عن المستقبل المظلم الذي ينتظره بعض الشيعة ، وإليك بعض ما روي في ذلك :
روي عن ابن سنان قال
: دخلت على أبي الحسن موسى الكاظم من قبل أن يقدم العراق بسنة ، وعليّ ابنه جالس بين يديه ، فنظر إليّ وقال : « يا محمد أما
إنّه ستكون في هذه السنة حركة ، فلا تجزع لذلك » قال : قلت : وما يكون جعلني الله فداك فقد أقلقتني ؟ قال : « أصير إلى هذا الطاغية ،
أما إنّه لا يبدأني منه سوء ومن الذي يكون بعده » قال : قلت : وما يكون جعلني الله فداك ؟
قال : « يضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء » . قال : قلت : وما ذلك جعلني الله فداك ؟ قال : « من ظلم ابني هذا حقَّه ، وجحده إمامته من بعدي كان كمن ظلم عليّ بن أبي طالب عليهالسلام إمامته وجحده حقّه بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم » قال : قلت : والله لئن مدّ الله لي في العمر لأسلِّمن له حقّه ، ولأقرّن بإمامته.
قال : « صدقت يا محمد
يمدّ الله في عمرك وتسلِّم له حقّه عليهالسلام وتقرّ له بإمامته وإمامة من يكون بعده » ، قال : قلت : ومن ذاك ؟ قال : « ابنه محمد » ، قال
:
______________________
قلت
: له الرضا والتسليم.
روى الكشي عن الحكم
بن عيص ، قال : دخلت مع خالي سليمان بن خالد على أبي عبد الله عليهالسلام فقال : « يا سليمان من هذا الغلام ؟ » فقال
: ابن اختي ، فقال : « هل يعرف هذا الأمر ؟ » فقال : نعم ، فقال : « الحمد لله الذي لم يخلقه شيطاناً ـ
ثمّ قال : ـ يا سليمان عوِّذ بالله ولدك من فتنة شيعتنا » فقلت : جعلت فداك وما تلك الفتنة ؟! قال : « إنكارهم الأئمّة عليهمالسلام ووقوفهم على ابني موسى عليهالسلام ، قال : ينكرون موته ويزعمون أن لا إمام بعده ، أُولئك شرّ الخلق ».
إلى غير ذلك من
الروايات التي جمعها الشيخ الطوسي في كتاب « الغيبة » ممّا تدل على تنصيص الإمام الكاظم عليهالسلام على إمامة ولده علي بن موسى الرضا عليهالسلام غير انّ حبَّ المال آل بالبعض إلى إنكار إمامته ، وقد رويت في ذلك روايات نذكر بعضها :
روى الطوسي في « الغيبة
» بسنده عن يعقوب بن يزيد الأنباري ، عن بعض أصحابه ، قال : مضى أبو إبراهيم عليهالسلام وعند زياد القندي سبعون ألف دينار ، وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار وخمس جوار ، ومسكنه بمصر.
فبعث إليهم أبو الحسن
الرضا عليهالسلام أن احملوا ما قِبَلكم من المال ، وما
كان اجتمع لأبي عندكم من أثاث وجوار ، فإنّي وارثه وقائم مقامه ، وقد اقتسمنا ميراثه ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي ولوارثه ، قبلكم ، وكلام يشبه هذا.
فأمّا ابن أبي حمزة
فإنّه أنكره ولم يعترف بما عنده ، وكذلك زياد القندي.
وأمّا عثمان بن عيسى
فانّه كتب إليه إنّ أباك ـ صلوات الله عليه ـ لم يمت وهو حي قائم ، ومن ذكر أنّه مات فهو مبطل ، واعمل على أنّه قد مضى كما تقول : فلم يأمرني بدفع شيء إليك ، وأمّا الجواري فقد اعتقتهنّ وتزوجت بهنّ.
______________________
روى الكشي ، عن يونس
بن عبد الرحمان ، قال : مات أبو الحسن وليس من قُوامه أحد إلّا وعنده المال الكثير ، فكان ذلك سبب وقوفهم وجحودهم موته ، وكان عند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار.
روى الصدوق في « العلل
» عن يونس بن عبد الرحمان قال : مات أبو الحسن عليهالسلام وليس من قوّامه أحد إلّا وعنده المال
الكثير ، فكان ذلك سبب وقفهم وجحودهم لموته ، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار ، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار ، قال : فلمّا رأيت ذلك وتبيّن الحق وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا عليهالسلام ما علمتُ تكلّمت ودعوت الناس إليه ، قال
: فبعثا إليّ ، وقالا : ما يدعوك إلى هذا ؟ إن كنتَ تريد المال فنحن نغنيك وضمِنا لي عشرة آلاف دينار ، وقالا لي : كف ، فأبيت وقلت لهم : إنّا رُوينا عن الصادقين عليهمالسلام أنّهم قالوا : إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يُظهر علمَه ، فإن لم يفعل سُلب منه نور الإيمان ، وما كنت لأدع الجهاد في أمر الله على كلّ حال ، فناصباني وأضمرا لي العداوة.
وروى أيضاً عن أحمد
بن حماد قال : أحد القَوّام ، عثمان بن عيسى الرواسي ، وكان يكون بمصر ، وكان عنده مال كثير وست جواري ، قال : فبعث إليه أبو الحسن الرضا عليهالسلام فيهن وفي المال ، قال : فكتب إليه أنّ
أباك لم يمت ، قال : فكتب إليه : إنّ أبي قد مات ، وقد اقتسمنا ميراثه ، وقد صحّت الأخبار بموته ، واحتج عليه فيه ، قال : فكتب إليه : إن لم يكن أبوك مات ، فليس لك من ذلك شيء ، وإن كان قد مات على ما تحكي ، فلم يأمرني بدفع شيء إليك ، وقد اعتقت الجواري وتزوجتهنّ.
إلى غيرها من
الروايات الدالّة على أنّ سبب التوقف كان حبّ الجاه والمال.
______________________
الواقفية في كتب الملل
والنحل
جاءت الواقفية في كتب
الملل والنحل على وجه الإجمال ، وهذا يعرب عن عدم وجود دور بارز لهم في عصر الغيبة ، وستوافيك القائمة التي ذكرنا فيها بعض أسماء الرواة من الواقفية.
قال النوبختي ـ بعدما
بيّن أنّ الشيعة انقسمت بعد رحيل الإمام الكاظم عليهالسلام إلى فرقتين ، وبيّن الفرقة الثانية
بالبيان التالي ـ :
١. وقالت الفرقة
الثانية : إنّ موسى بن جعفر لم يمت ، وإنّه حيّ ، ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها ، ويملأها كلها عدلاً كما ملئت جوراً ، وإنّه القائم المهدي ، وزعموا أنّه خرج من الحبس ولم يره أحد نهاراً ولم يعلم به ، وأنّ السلطان وأصحابه ادّعوا موته ، وموّهوا على الناس وكذبوا ، وأنّه غاب عن الناس واختفى ، ورووا في ذلك روايات عن أبيه جعفر بن محمد عليهماالسلام أنّه قال : هو القائم المهدي فإن يدهده رأسه عليكم من جبل فلا تصدقوا فإنّه القائم.
وقال بعضهم : إنّه
القائم وقد مات ، ولا تكون الإمامة لغيره حتى يرجع ، فيقوم ويظهر ، وزعموا أنّه قد رجع بعد موته إلّا أنّه مختف في موضع من المواضع حي يأمر وينهى ، وأنّ أصحابه يلقونه ويرونه ، واعتلّوا في ذلك بروايات عن أبيه ، أنّه قال : سمّي القائم قائماً ، لأنّه يقوم بعدما يموت.
وقال بعضهم : إنّه قد
مات ، وإنّه القائم ، وإنّ فيه شبهاً من عيسى بن مريم ـ صلى الله عليه ـ وانّه لم يرجع ، ولكنّه يرجع في وقت قيامه فيملأ الأرض عدلاً
كما ملئت جوراً ، وإنّ أباه قال : إنّ فيه شبهاً من عيسى بن مريم ، وإنّه يقتل في يدي ولد العباس فقد قتل.
وأنكر بعضهم قتله ، وقالوا
: مات ورفعه الله إليه ، وإنّه يردّه عند قيامه ، فسمّوا هؤلاء جميعاً الواقفية لوقوفهم على موسى بن جعفر على أنّه الإمام القائم ،
ولم
يأتمّوا بعده بإمام ولم يتجاوزوه إلى غيره.
وقد قال بعضهم ممّن
ذكر أنّه حي : إنّ الرضا عليهالسلام ومن قام بعده ليسوا بأئمّة ، ولكنّهم خلفاؤه واحداً بعد واحد إلى أوان خروجه ، وإنّ على الناس القبول منهم والانتهاء إلى أمرهم.
وقد لقّب الواقفةَ
بعضُ مخالفيها ممّن قال بإمامة علي بن موسى « الممطورة » وغلب عليها هذا الاسم وشاع لها ، وكان سبب ذلك انّ عليّ بن إسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمان ناظرا بعضهم ، فقال له علي بن إسماعيل وقد اشتد الكلام بينهم : ما أنتم إلّا كلاب ممطورة ، أراد أنّكم أنتن من جيف ، لأنّ
الكلاب إذا أصابها المطر فهي أنتن من الجيف ، فلزمهم هذا اللقب فهم يُعرفون به اليوم ، لأنّه إذا قيل للرجل انّه ممطور فقد عرف أنّه من الواقفة على موسى بن جعفر خاصة ، لأنّ كل من مضى منهم فله واقفة قد وقفت عليه ، وهذا اللقب لأصحاب موسى.
٢. وقال الشيخ الأشعري
ملخصاً لما قاله النوبختي ما هذا نصه :
الصنف الثاني
والعشرون من الرافضة يسوقون الإمامة حتى ينتهوا إلى جعفر بن محمد ويزعمون أنّ جعفر بن محمد نصّ على إمامة ابنه موسى بن جعفر ، وأنّ موسى بن جعفر حيّ لم يَمت ولا يموتُ حتى يملك شرقَ الأرض وغربها ، حتى يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، وهذا الصنف يُدْعون « الواقفة » لأنّهم وقفوا على « موسى بن جعفر » ولم يتجاوزوه إلى غيره ، وبعض مخالفي هذه الفرقة يدعوهم « الممطورة » وذلك أنّ رجلاً منهم ناظر « يونس بن عبد الرحمان » ويونس من القطعية الذين قطعوا على موت موسى بن جعفر ، فقال له يونس : أنتم أهون عليّ من الكلاب الممطورة ، فلزمهم هذا النبز.
______________________
٣. وقال البغدادي
معبّراً عن الواقفة بالموسوية : هؤلاء الذين ساقوا الإمامة إلى جعفر ، ثمّ زعموا أنّ الإمام بعد جعفر ، كان ابنه موسى بن جعفر ، وزعموا أنّ موسى بن جعفر حيّ لم يمت وانّه هو المهدي المنتظر ، وقالوا إنّه دخل دارَ الرشيد ولم يخرج منها ، وقد علمنا إمامته وشككنا في موته فلا نحكم في موته إلّا بيقين.
فقيل لهذه الفرقة
الموسوية : إذا شككتم في حياته وموته ، فشُكُّوا في إمامته ولا تقطعوا القول بأنّه باق وأنّه هو المهديّ المنتظر ، هذا مع علمكم بأنّ مشهد موسى بن جعفر معروف في الجانب الغربي من بغداد ويُزار.
ويقال لهذه الفرقة
موسوية لانتظارها موسى بن جعفر .
ويقال لها الممطورة
أيضاً ، لأنّ يونس بن عبد الرحمان القمّي كان من القطعية ( الذين قطعوا على موت موسى بن جعفر ) وناظر بعض الموسوية فقال في بعض كلامه : أنتم أهون على عيني من الكلاب الممطورة.
٤. وقال الشهرستاني ـ
بعد أن ذكر الإمام موسى بن جعفر وانّه دفن في مقابر قريش ببغداد ـ : اختلفت الشيعة بعده ...
فمنهم من توقّف في
موته ، وقال : لا ندري أمات أم لم يمت ؟ ويقال لهم الممطورة ، سمّاهم بذلك علي بن إسماعيل فقال : ما أنتم إلّا كلاباً ممطورة.
ومنهم من قطع بموته
ويقال لهم القطعية.
ومنهم من توقّف عليه
، وقال : إنّه لم يمت ، وسيخرج بعد الغيبة ، ويقال لهم الواقفة.
إنّ ظاهرة الوقف بعد
رحيل الإمام الكاظم عليهالسلام كانت أمراً خطيراً يهدّد
______________________
كيان
الشيعة ، وتماسكها وانسجامها ، وقد كانت الواقفة تتمسك بشبه ، ربما تغري البسطاء من الشيعة ، وتصدّهم عن القول بامتداد الإمامة إلى عصر الإمام المنتظر. ولعلّه لأجل خطورة الوقف ، ربما نرى وجود الحث المتزايد على زيارة الإمام الرضا عليهالسلام من النبي والوصيّ والصادق والكاظم عليهمالسلام ليلفتوا نظر الشيعة إليه ولا يغفلوا عنه.
فقد روي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : « ستدفن بضعة منّي بأرض خراسان ، لا يزورها مؤمن إلّا أوجب الله له الجنّة ، وحرّم جسده على النار ».
كما توجد روايات
كثيرة عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام تؤكد وتحث على زيارة الإمام الرضا عليهالسلام وتبيّن فضلها.
ولعلّ تلك الروايات
تهدف إلى رفع الشبهات التي أوجدتها الواقفة في ذلك العصر ، ولولا انّ الرضا هو الإمام القائد بعد أبيه ، لما كان لهذا الحث وجه ، وقد
جابه الإمام الرضا تلك الزوبعة بعظات بالغة ، ومناظرات قيّمة ، قام فيها بإزالة الالتباس عن شبههم.
وقد جمعها العالم
الحجة الشيخ رياض محمد حبيب الناصري في كتابه « الواقفية » ، حيث بلغت ثماني مناظرات. ومن أراد الوقوف على مضامينها فعليه الرجوع إلى ذلك الكتاب القيّم الذي طرح فيه الواقفية ودرسها دراسة تحليلية رائعة.
______________________
مشاهير الواقفية
يظهر من مراجعة الكتب
الرجالية ، انّ عدد الواقفية لم يكن قليلاً ، وقد ذكر الشيخ الطوسي فيهم حوالي أربعة وستين شخصاً ، فمن مشاهيرهم :
١. سماعة بن مهران.
٢. جعفر بن سماعة.
٣. الحسن بن محمد بن
سماعة.
٤. زرعة بن محمد
الحضرمي.
٥. زياد بن مروان
القندي.
٦. داود بن الحصين.
٧. درست بن أبي منصور.
٨. عثمان بن عيسى
الرواسي.
٩. علي بن أبي حمزة
البطائني.
١٠. علي بن الحسن
الطاطري.
١١. حنان بن سدير
الصيرفي.
١٢. يحيى بن القاسم
الحذاء.
١٣. يحيى بن الحسين
بن زيد.
١٤. سعد بن خلف.
______________________
ثمّ إنّ هناك لفيفاً
آخر من الواقفية ذكرهم النجاشي في رجاله ، وليس فيهم اسم سماعة بن مهران ، ولا ولده جعفر ، ولا سبطه محمد ، وربما تردّد بعضهم في عدّ سماعة من الواقفية ، إذ لو كان كذلك لما خفي على مثل النجاشي ، ولا على ابن الغضائري.
وقد جمع الشيخ
الناصري أسماء الموصوفين بالوقف من الكتب الرجالية وغيرها ، غير أنّ كثيراً منهم رجعوا عن الوقف.
ومن العجب العجاب انّ
سبعة أشخاص من أصحاب الإجماع ، رُمُوا بالوقف ، وهؤلاء هم :
١. أحمد بن محمد بن
أبي نصر.
٢. جميل بن دراج.
٣. حماد بن عيسى.
٤. صفوان بن يحيى.
٥. عثمان بن عيسى.
٦. يونس بن عبد
الرحمان.
٧. عبد الله بن
المغيرة.
وأظن أنّ اتّهامهم
بالوقف ربما يعود إلى فحصهم وترّيثهم في الإمام الذي يعقب الإمام الكاظم عليهالسلام بعد رحيله. ولو كان هذا هو المنطلق
لوصفهم بالوقف فلا يوجد أي مبرر لهذا الرمي والوصف ، وعلى أية حال فإنّهم رجعوا عن الوقف ، حتّى أنّ يونس بن عبد الرحمان كان في الصف المقدّم لمكافحة الوقف وهو الذي وصف الواقفية بالكلاب الممطورة كما في بعض الروايات ، وهذا ما يثير الشكوك حول وصفه وزملائه بالوقف.
ثمّ إنّ هناك ردوداً
بين الطائفتين ذكرها الطوسي في « الفهرست » و « الغيبة » فمن الكتب المؤلّفة في نصرة الواقفية :
١. « نصرة الواقفة » لعلي
بن أحمد العلوي الموسوي ، ذكره الشيخ.
٢. « الصفة في الغيبة
على مذهب الواقفة » لعبد الله بن جبلة.
٣. رسالة لعلي بن
الحسن الطاطري في نصرة مذهبه.
وهناك ردود من الأصحاب
على تلك المؤلفات ، ذكرها النجاشي في رجاله ، نذكر منها ما يلي :
١. الرد على الواقفة لإسماعيل
بن علي بن إسحاق بن سهل بن نوبخت.
٢. الرد على الواقفة
للحسن بن موسى الخشاب.
٣. الرد على الواقفة
للحسين بن علي البزوفري.
٤. الرد على الواقفة
لفارس بن حاتم بن ماهويه القزويني.
بقي الكلام في رجال
الواقفة الذين وردت أسماؤهم في الكتب الرجالية ، وكان لهم دور في نقل الحديث وتدوينه ، فإليك فهرس أسمائهم ، وأمّا الكلام عن تراجمهم وحالاتهم فموكول إلى محله.
______________________
١.
إبراهيم.
|
٢.
أبو جبل.
|
٣. أبو جعدة.
|
٤.
أبو جنادة الأعمىٰ.
|
٥. أحمد بن أبي
بشر السرّاج.
|
٦.
أحمد بن الحارث.
|
٧. أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن
ميثم التمّار.
٨.
أحمد بن زياد الخزّاز.
|
٩.
أحمد بن السري.
|
١٠. أحمد بن الفضل الخزاعي.
١١.
أحمد بن محمد بن علي بن عمر بن رباح بن قيس بن سالم القلاء السوّاق.
١٢.
إدريس بن الفضل بن سليمان الخولاني.
١٣.
إسحاق بن جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي.
١٤.
إسماعيل بن أبي بكر محمد بن الربيع بن أبي السمّال الأسدي.
١٥.
إسماعيل بن عمر بن أبان الكلبي.
١٦.
أُمية بن عمرو الشعيري.
|
١٧.
بكر بن محمد بن جناح.
|
١٨. جعفر بن المثنى الخطيب.
١٩.
جعفر بن محمد بن سماعة بن موسى بن رويد.
٢٠.
جندب بن أيوب.
|
٢١.
جهم بن جعفر بن حيان.
|
٢٢. الحسن بن علي بن أبي حمزة سالم
البطائني.
٢٣.
الحسن بن محمد بن سماعة ، أبو محمد الكندي الصيرفي الكوفي.
٢٤.
الحسين ( من أصحاب الإمام الكاظم عليهالسلام ).
٢٥.
الحسين بن أبي سعيد هاشم بن حيّان المكاري.
٢٦.
الحسين بن قياما.
|
٢٧.
الحسين بن كيسان.
|
٢٨. الحسين بن المختار ، أبو عبد الله القلانسي.
٢٩.
الحسين بن مهران بن محمد ، أبو نصر السكوني.
٣٠.
الحسين بن موسى.
٣١.
حصين بن المخارق بن عبد الرحمان بن ورقاء بن حبشي بن جنادة.
٣٢.
حميد بن زياد بن حمّاد بن حمّاد بن زياد هوار الدهقان.
٣٣.
حنان بن سدير بن حكيم بن صهيب الصيرفي.
٣٤.
داود بن الحصين الأسدي.
٣٥.
دُرست بن أبي منصور محمد الواسطي.
٣٦.
زرعة بن محمد الحضرمي.
٣٧.
زكريا بن محمد ، أبو عبد الله المؤمن.
٣٨.
زياد بن مروان الأنباري القندي.
٣٩.
زيد بن موسىٰ.
|
٤٠.
سعد بن أبي عمران الأنصاري.
|
٤١. سعد بن خلف.
|
٤٢.
سلمة بن حيّان.
|
٤٣. سماعة بن مهران بن عبد الرحمان
الحضرمي.
٤٤.
عبد الله بن جبلة بن حيّان بن أبجر الكناني.
٤٥.
عبد الله بن عثمان الحنّاط.
|
٤٦.
عبد الله بن القاسم الحضرمي.
|
٤٧. عبد الله بن
القصير.
|
٤٨.
عبد الله النخّاس.
|
٤٩. عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي.
٥٠
ـ عبيد الله بن أبي زيد أحمد بن عبيد الله بن محمد الانباري.
٥١.
عثمان بن عيسى ، أبو عمرو العامري الكلابي الرواسي.
٥٢.
عثمان بن عيسى الكلابي ، مولىٰ لبني عامر ، وليس بالرواسي.
٥٣.
علي بن أبي حمزة البطائني.
٥٤.
علي بن جعفر بن العباس الخزاعي المروزي.
٥٥.
علي بن الحسن بن محمد الطائي الجرمي المعروف بالطاطري.
٥٦.
علي بن الخطّاب.
|
٥٧.
علي بن سعيد المكاري.
|
٥٨. علي بن عمر الأعرج الكوفي.
٥٩.
علي بن محمد بن علي بن عمر بن رباح السوّاق ، ويقال : القلّاء.
٦٠
ـ علي بن وهبان.
|
٦١.
عمر بن رباح الزهري القلا.
|
٦٢. عنبسة بن مصعب العجلي.
٦٣.
عيسى بن عيسى الكلابي مولىٰ بني عامر ـ وليس بالرواسي ـ.
٦٤.
غالب بن عثمان.
|
٦٥.
الفضل بن يونس الكاتب البغدادي.
|
٦٦. القاسم بن إسماعيل القرشي ، أبو محمد
المنذر.
٦٧.
القاسم بن محمد الجوهري.
|
٦٨.
محمد بن بكر بن جناح.
|
٦٩. محمد بن
الحسن بن شمّون.
|
٧٠
ـ محمد بن عبد الله الجلّاب البصري.
|
٧١. محمد بن عبد الله بن غالب الأنصاري
البزاز.
٧٢.
محمد بن عبيد بن صاعد.
|
٧٣.
محمد بن عمر.
|
٧٤. محمد بن محمد بن علي بن عمرو بن
رباح.
٧٥.
مقاتل بن مقاتل بن قياما.
|
٧٦.
منصور بن يونس بزرج.
|
٧٧. موسى بن بكر
الواسطي.
|
٧٨.
موسى بن حماد الطيالسي الذرّاع.
|
٧٩. هاشم بن حيان ، أبو سعيد المكاري.
٨٠
ـ وهيب بن حفص ، أبو علي الجريري.
٨١.
يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين عليهالسلام.
٨٢.
يزيد بن خليفة الحارثي.
|
٨٣.
يوسف بن يعقوب.
|


الكتابة عن النصيرية
كسائر الفرق الشيعية أمر صعب لا سيما وانّهم اضطروا إلى التخفّي والانطواء على أنفسهم ، وعاشوا في ظل التقية ، ومن يتصفّح التاريخ يجد أنّه لا مندوحة لهم من التكتّم والتحفّظ في عقائدهم ، فمعاجم الفرق مليئة بذمّهم وتفسيقهم وتكفيرهم ، وقد أخذ بعضهم عن بعض ، ولا يمكن الاعتماد على ما نقلوه عنهم إلّا بالرجوع إلىٰ كتب تلك الفرقة أو التعايش
معهم في أوطانهم حتىٰ ينجلي الحقّ ليقف الإنسان على مكامن عقائدهم وخفايا أُصولهم ، ونحن نسرد قبل كلّ شيء ما ذكرته معاجم الفرق في هذا المقام من دون أيّ تعليق مسهب.
النصيرية في معاجم الملل والنحل
١. ولعلّ أوّل من
ذكرهم من أصحاب المقالات هو الشيخ الحسن بن موسى النوبختي من أعلام القرن الثالث ، ويظهر منه أنّها نشأت بعد وفاة الإمام الهادي عليهالسلام عام ٢٥٤ هـ ، فقال :
وقد شذّت فرقة من
القائلين بإمامة علي بن محمد في حياته ، فقالت بنبوّة رجل يقال له محمد بن نصير النميري ، وكان يدّعي أنّه نبي ، بعثه أبو الحسن العسكري عليهالسلام ، وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي
الحسن ، ويقول فيه بالربوبية ، ويقول بالإباحة للمحارم ويحلّل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم ، ويزعم أنّ ذلك من التواضع والتذلّل ، وأنّها إحدى الشهوات والطيبات ، وأنّ الله عزّ وجلّ لم يحرّم شيئاً من ذلك ، وكان يقوي أسباب هذا النميري ، محمد بن موسى بن
الحسن
بن الفرات.
أقول :
ما ورد من النسب في هذا الكلام ممّا يستبعده العقل جداً ، إذ كيف يمكن أن يتبنىٰ أحد في حاضرة الخلافة الإسلامية هذه المنكرات التي لا
يرتضيها أيّ إنسان ساذج ؟! ولو كان داعياً إلى هذه الأُمور في أجواء نائية بعيدة ربّما
يسهل تصديقه.
٢. وقال الكشي ( من
أعلام القرن الرابع ) : وقالت فرقة بنبوة محمد بن نصير الفهري النميري ، وذلك أنّه ، ادّعىٰ أنّه نبي ، وأنّ علي بن محمد العسكري
أرسله ، وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن ، ويقول فيه بالربوبية ، ويقول بإباحة المحارم ويحلّل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم ، ويقول : إنّه من الفاعل والمفعول به أحد الشهوات والطيبات ، وإنّ الله لم يحرّم شيئاً من ذلك. وكان محمد ابن موسى بن الحسن بن فرات يقوي أسبابه ويعضده ، وذكر أنّه رأى بعض الناس محمد بن نصير عياناً وغلام له على ظهره ، فرآه على ذلك ، فقال : إنّ هذا من اللذات وهو من التواضع لله وترك التجبّر ، وافترق الناس فيه بعده فرقاً.
٣. وقد ذكر الأشعري
المتوفّى ( ٣٢٤ هـ ) من أصناف الغالية ، أصحاب الشريعي ، وقال : يزعمون أنّ الله حلّ في خمسة أشخاص ، ثمّ انتقل منه إلى ذكر النميرية ، وقال : إنّ فرقة من الرافضة يقال لهم النميرية أصحاب النميري يقولون إنّ الباري كان حالّاً في النميري.
٤. وقال البغدادي
المتوفّى ( ٤٢٩ هـ ) ، في فصل عَقَده لبيان الفرقة الشُريعية أتباع الشريعي والنميرية أتباع محمد بن نصير النميري ، ونقل نفس ما نقله الأشعري في حقّ الرجلين ولم يزد عليه شيئاً.
______________________
ومن قارن كتاب الفرق
بين الفرق مع كتاب مقالات الإسلاميين يجد أنّه صورة ملخّصة من الثاني ، غير أنّه زاد في بيان الفرق سبّاً وذمّاً غير لائق بشأن الكاتب.
٥. وقد عقد الشيخ
الطوسي المتوفّى ( ٤٦٠ هـ ) فصلاً لمدّعي البابية عدّ منها الشريعي ، ومحمد بن نصير النميري.
قال : كان محمد بن
نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي عليهماالسلام فلمّا توفي أبو محمد ، ادّعىٰ
مقام أبي جعفر محمد بن عثمان أنّه صاحب إمام الزمان ، وادّعىٰ له البابية ، وفضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد
والجهل ، ولعن أبي جعفر محمد بن عثمان له وتبرّأه منه ، واحتجابه عنه وادّعى ذلك الأمر بعد الشُريعي.
ثمّ قال : قال أبو
طالب الأنباري : لما ظهر محمد بن نصير بما ظهر لعنه أبو جعفر (رض) وتبرّأ منه فبلغه ذلك ، فقصد أبا جعفر (رض) ليعطف بقلبه عليه ، أو يعتذر إليه ، فلم يأذن له وحجبه وردّه خائباً.
ثمّ نقل عن سعد بن
أبي عبد الله ما نقلناه آنفاً عن النوبختي.
ثمّ قال : فلمّا
اعتلّ محمد بن نصير العلّة التي توفي فيها ، قيل له وهو مثقل اللسان : لمن هذا الأمر من بعدك ؟ فقال بلسان ضعيف ملجلج : أحمد ، فلم يدروا من هو ؟ فافترقوا بعده ثلاث فرق ، قالت فرقة : إنّه أحمد ابنه ، وفرقة قالت : هو
أحمد ابن محمد بن موسى بن الفرات ، وفرقة قالت : إنّه أحمد بن أبي الحسين بن بشر بن يزيد ، فتفرّقوا فلا يرجعون إلىٰ شيء.
ثمّ إنّ الشيخ أخرج
في أسماء أصحاب الهادي عليهالسلام ، محمد بن حصين
______________________
الفهري
، وقال : ملعون ولعلّه محمد بن نصير ، فالحصين تصحيف لنصير.
وأخرج في أصحاب الإمام
العسكري محمد بن موسى الصريعي ، وقال المعلق : وفي بعض النسخ الشريعي ، وهو أوّل من ادّعى البابية حسب تنصيص الشيخ الطوسي في الغيبة ، ولم يذكر في أصحاب العسكري محمد بن نصير النميري.
٦. وقال الاسفرايني
المتوفّى ( ٤٧١ هـ ) : الفرقة التاسعة منهم الشريعية والنميرية ، والشريعية أتباع رجل كان يدعىٰ شريعاً ، وكان يقول : إنّ الله تعالىٰ
حلَّ في خمسة أشخاص في محمد ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن والحسين ، وكانوا يقولون : إنّ هؤلاء آلهة ولهؤلاء الخمسة خمسة أضداد ، إلىٰ أن قال : وكان النميري ، خليفته
وكان يدعي لنفسه مثله بعده وجملة النميرية والشريعية والخطابية وكانوا يدعون إلهيّة جعفر الصادق.
ولا يخفى وجود
التناقض في كلامه حيث فسر الشريعية بالاعتقاد بالأُلوهية في الخمسة الطاهرة آخرهم الحسين عليهالسلام وقال في ذيل كلامه : إنّ الطوائف الثلاث : النميرية ـ الشريعية ـ الخطابية كانوا يدّعون إلهية جعفر الصادق.
ومع ذلك كلّه فما
ذكره مأخوذ من الفرق بين الفرق والمقالات وكأنّ الجميع عيال على الأشعري.
٨. وقال ابن أبي
الحديد المتوفّى ( ٦٥٥ هـ ) في فصل عقده لذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم : إنّ النصيرية : فرقة أحدثها محمد بن نصير النميري ، وكان من أصحاب الحسن العسكري عليهالسلام ، إلىٰ أن قال : وكان محمد بن
نصير من
______________________
أصحاب
الحسن بن علي بن محمد بن الرضا ، فلمّا مات ادّعىٰ وكالة لابن الحسن الذي تقول الإمامية بإمامته ففضحه الله تعالى بما أظهره من الإلحاد والغلو ، والقول
بالتناسخ ، ثمّ ادّعىٰ أنّه رسول ونبي من قبل الله تعالى ، وأنّه أرسله علي
بن محمد ابن الرضا ، وجحد إمامة الحسن العسكري وإمامة ابنه ، وادّعىٰ بعد ذلك
الربوبية وقال بإباحة المحارم.
٩. وقد بسط الكلام
الشهرستاني ( ٤٧٩ ـ ٥٤٨ هـ ) في النصيرية والإسحاقية وعدّهم من جملة غلاة الشيعة وقال : لهم جماعة ينصرون مذهبهم ويذبّون عن أصحاب مقالاتهم ، وبينهم خلاف في كيفية إطلاق اسم الإلهية على الأئمة من أهل البيت ـ إلى أن قال ـ : « قالوا ولم يكن بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شخص أفضل من علي ( رضي الله عنه ) ، وبعده أولاده المعصومون وهم خير البرية ، فظهر الحقّ بصورتهم ونطق بلسانهم وأخذ بأيديهم ، فعن هذا أطلقنا اسم الإلهية عليهم.
وإنّما أثبتنا هذا
الاختصاص « لعلي » رضي الله عنه دون غيره لأنّه كان مخصوصاً بتأييد إلهي من عند الله تعالى ، فيما يتعلق بباطن الأسرار. قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أنا أحكم بالظاهر ، والله يتولّى السرائر » وعن هذا كان قتال المشركين إلى النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم وقتال المنافقين إلىٰ علي رضي
الله عنه.
وعن هذا شبهه بعيسى
بن مريم عليهالسلام ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لولا أن يقول الناس فيك ما قالوا في عيسى بن مريم عليهالسلام ، لقلت فيك مقالاً ».
١٠. وقال العلّامة الحلّي
( ٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ ) : محمد بن الحصين الفهري من أصحاب أبي الحسن الثالث الهادي عليهالسلام كان ضعيفاً ملعوناً.
______________________
والعجب أنّه عنونه
تارة أُخرى ، وقال : محمد بن نصير بالنون المضمومة والصاد المهملة ، قال ابن الغضائري : قال لي أبو محمد بن طلحة بن علي بن عبد الله بن غلاله ، قال لنا أبو بكر بن الجعابي : كان محمد بن نصير من أفاضل أهل البصرة علماً وكان ضعيفاً بدو النصيرية وإليه ينسبون.
ولعلهما شخصان
مختلفان.
١١. وقال الجرجاني
المتوفّى ( ٨١٦ هـ ) : النصيرية الذين قالوا إنّ الله حلّ في علي ( رض ).
والباحث في كتب
الرجال لأصحابنا يجد أنّها تعج بما رواه الشيخ في كتاب الغيبة ، والكشي في رجاله.
النصيرية فرقة بائدة
إذا كانت النصيرية هي
التي عرّفها أصحاب المعاجم وغيرهم ، فهذه الفرقة قد بادت لا تجد أحداً يتبنّىٰ أفكارها بين المسلمين ، إلّا إذا كان مغفّلاً
أو مغرضاً ، وربّما تكون بعض هذه النسب ممّا لا أصل له في الواقع ، وإنّما اتهمت بها بعض فرق الشيعة من قبل أعدائهم ، فإنّ خصومهم من العباسيين شنّوا حملة شعواء ودعايات مزيفة ومضلّلة ضدهم ، حتى يجد الباحث أنّ الكتّاب والمؤلّفين المدعومين من قبل السلطات لا يألون جهداً في اتهامهم بأرخص التهم في العقيدة والعمل حتى صارت حقائق راهنة في حقّ هؤلاء ، وتبعهم غير واحد من أصحابنا لحسن ظنّهم بما كتب حولهم.
______________________
محمد بن نصير النميري شخصيّة
قلقة
الحقّ أن يقال إنّ
ابن نصير شخصية قلقة ، يكتنفها كثير من الغموض ، فتارة يعدّونه من أفاضل أهل البصرة علماً وأنّه ضعيف
وأُخرى من أصحاب الإمام الجواد عليهالسلام ، وأُخرى أنّه من أصحاب الإمام العسكري
عليهالسلام وأنّه غال
وطوراً عدّوه فهرياً بصرياً مع أنّ هذين لا يجتمعان.
وأخيراً تحيّروا في
أمر هذا الرجل ووضعوا اسمه في قائمة المشتركات.
ثمّ إنّ كتّاب الفرق
ذكروا رجالاً كان لهم دور في حياة ذلك الرجل ، منهم :
الشريعي أبو محمد ، وقد
عرفت ما قيل حوله ؛ وابن فرات ، وهو الذي ذكر النوبختي أنّه كان يقوي عضد محمد بن نصير ، ومن المؤكد أنّ هذا الرجل ينتمي إلى أُسرة شيعية عريقة كان لها مركز ونفوذ في البلاط العباسي. وتقلّد جمع منهم الوزارة ، منهم :
١. أبو الحسن علي بن
محمد بن الفرات تسنّم عرش الوزارة ثلاث مرّات ، خلع وحبس خلالها ، فقد تسلم الوزارة بين سنة ٢٩٦ و ٢٩٩ هـ ، ثمّ في سنة ٣٠٤ ، وثالثة في سنة ٣١١ ـ ٣١٣ هـ وقد اتّهموه بمؤازرة الأعراب البوادي الذين نهبوا بغداد ، وكذلك اتهم بالزندقة وصودرت أمواله وذلك أيّام المقتدي بالله
______________________
العباسي.
٢. أبو الفتح الفضل بن
جعفر بن محمد بن الفرات وزير الراضي بالله العباسي.
٣. أبو أحمد المحسن
بن الوزير أبي الحسن.
٤. جعفر بن محمد أخو
الوزير علي بن محمد.
هذه هي النصيرية وهذه
هي كلمات أصحاب المعاجم في حقّها ونحن على شكّ في صدق هذه النسب ، لأنّ أكثر من كتب عنهم يعدّون خصوماً لهم ، ومن كتب عنهم من غير خصومهم لم يعتمد على أصل صحيح ، فلا يبعد أن تكون هذه الفرقة على فرض وجودها في عصرها من الفرق البائدة التي عبث بها الزمان.
العلويون وأصل التسمية بالنصيرية
إنّ هناك أقلاماً
مغرضة حاولت أن تنسب العلويين المنتشرين في الشام والعراق وتركيا وإيران إلىٰ فرقة النصيرية البائدة اعتماداً على أُمور
ينكرها العلويون اليوم قاطبة.
وأظن أنّ السبب في
ذلك هو جور السلطات الظالمة التي أخذت تشوّه صحيفة العلويين وتسودّها ، فأقامت فيهم السيف والقتل والفتك والتشريد ، ولم تكتفِ بل أخذت بالافتراء عليهم لتنفّر الناس من الاختلاط بهم ، وأنّهم زمرة وحشية هجمية ، ممّا زاد في انكماش هذه الطائفة علىٰ نفسها ، لذا نجد من
المناسب الكتابة عنهم حسب ما كتبوه عن أنفسهم.
أمّا سبب تسمية
العلويين بالنصيرية لأنّه لما فتحت جهات بعلبك وحمص استمد أبو عبيدة الجراح نجدة ، فأتاه من العراق خالد بن الوليد ، ومن مصر عمرو
______________________
ابن
العاص ، وأتاه من المدينة جماعة من أتباع علي عليهالسلام وهم ممّن حضروا بيعة غدير خم ، وهم من الأنصار ، وعددهم يزيد عن أربعمائة وخمسين ، فسمّيت هذه القوة الصغيرة ، نصيرية ، إذ كان من قواعد الجهاد تمليك الأرض التي يفتحها الجيش لذلك الجيش نفسه ، فقد سميت الأراضي التي امتلكها جماعة النصيرية : جبل النصيرية ، وهو عبارة عن جهات جبل الحلو وبعض قضاء العمرانية المعروف الآن ثمّ أصبح هذا الاسم علماً خاصاً لكلّ جبال العلويين من جبل لبنان إلى أنطاكية.
وهذا الرأي أقرب إلى
الصواب ، ذلك أنّ المؤرّخين الصليبيّين أطلقوا على هذا الجبل اسم « النصيرة » ويبدو انّ هذا الاسم قد حرّف إلى نصيرية والذي يعزز القناعة بصحة هذا الرأي هو أنّ إطلاق اسم نصيرية علىٰ هذا الجبل ، لم يظهر إلّا
أثناء الحملات الصليبية ، أي بعد عام ٤٩٨ هـ ، وإذا كان معنى ذلك أنّ اسم نصيرية قد تغلّب على اسم الجبل في زمن الشهرستاني.
وثمة آراء أُخرى
قليلة ترى أنّ تسمية نصيرية نسبة إلى نصير غلام الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام. ويبدو لنا خطل هذه الآراء ، خاصة وأنّ
التاريخ لم يذكر أنّ للإمام علي غلاماً يدعى نصيراً.
أهم عقائدهم
حسب المصادر المطّلعة
على حالهم ، فإنّ عقائد العلويين لا تختلف عن عقائد الشيعة الاثنا عشرية الإمامية ، وهي معروفة مسجّلة.
______________________
وما يوجب السكون
والاطمئنان في ذلك أنّ جميع المؤلفين وأرباب كتب الفرق والمذاهب عدّوهم من الشيعة الإمامية الاثنا عشرية على الرغم ممّا نسبوا إليهم ورموهم بالغلو والتطرّف والباطنية وأمثال ذلك ممّا ستأتي الإشارة إليه.
فالعلويون يؤمنون
برسالة محمد بن عبد الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا يشكّون بإمامة ابن عمه علي بن أبي طالب والأئمة الأحد عشر من صلبه عليهمالسلام وينطقون بالشهادتين عن إيمان فحصنهم شهادة أنْ لا إله إلّا الله محمد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والموالاة لآل بيته والصلاة والصوم والحج والزكاة والجهاد في سبيل الله والمعاد في اليوم الآخر ، وكتابهم القرآن ، ما زاغوا عن هواه ولا نهجوا منهجاً غير شريعته ، ولهم مراجع
دينية عرفوا بتمسّكهم بالدين وإقامة شعائرهم الدينية الإسلامية ، ويطرحون كلَّ حديث لم يشر إليه القرآن وجاء مخالفاً له ، كما وأنّهم لا يؤيّدون قول من يقول بصحّة تأويل الآيات التي بحق محمد وآل محمد عليهمالسلام ، ويحترمون كل الشرائع السماوية ، ويقدّسون كلَّ الأنبياء ، ولا يشكّون بصحّة ما أُنزل علىٰ
إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وما أُوتي موسىٰ وعيسىٰ والنبيون
من ربّهم ، وهم لله مسلمون ، ولم يعصوا الرسول في عمل ولم يخالفوه في قول ، ويحصرون كلمة العلم الكاملة بأهل البيت ، ويعتمدون على جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام في أبحاثهم الدينية وتأويل القرآن والفقه والفتوى ، فلا شافعي ولا حنبلي ولا مالكي ولا حنفي عندهم ، وكلّهم لله حنفاء متّبعون ملّة أبيهم إبراهيم ، وهو الذي سمّاهم المسلمين ويعبدون الله تعالىٰ لا يشركون في عبادته أحداً.
ونترك الحديث إلى أحد
كتابهم وهو الشيخ عبد الرحمان الخير يتحدث عن عقيدتهم في أُصول الدين وفروعه ، حيث يقول :
أُصول الدين خمسة ، وهي :
التوحيد والعدل
والنبوّة والإمامة والمعاد.
______________________
التوحيد : نعتقد بوجود إله واحد خالق للعالم المرئي وغير المرئي ، لا
شريك له في الملك متصف بصفات الكمال ، منزّه عن صفات النقص والمحال : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )
( الشورى / ١١).
العدل :
نعتقد بأنّ الله تعالى عادل منزّه عن الظلم ، وعن فعل القبيح والعبث ، لا يكلّف البشر غير ما هو في وسعهم وطاقتهم ولا يأمرهم إلّا بما فيه صلاحهم ولا ينهاهم إلّا عمّا فيه فسادهم ولو جهل كثير من العباد وجه الصلاح والفساد في أمره ونهيه سبحانه.
النبوّة : نعتقد بأنّ الله سبحانه يصطفي من خيرة عباده الصالحين رسلاً لإبلاغ رسالاته إلى الناس ، ليرشدهم إلى ما فيه صلاحهم ويحذّروهم عمّا فيه فسادهم في الدنيا والآخرة.
ونعتقد بأنّ الأنبياء
كثيرون ، ذكر منهم في القرآن الكريم خمسة وعشرون نبياً ورسولاً ، أوّلهم سيدنا آدم عليهالسلام وآخرهم سيدنا محمد بن عبد الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وشريعته هي آخر الشرائع الإلهية وأكملها ، ونعتقد بأنّها صالحة لكلّ زمان ومكان.
ونعتقد بعصمة جميع الأنبياء
من السهو والنسيان ، وارتكاب الذنوب عمداً وخطأ قبل البعثة ، وبعدها ، وأنّهم منزّهون عن جميع العيوب والنقائص ، وأنّهم أكمل أهل زمانهم وأفضلهم وأجمعهم للصفات الحميدة ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
الإمامة : نعتقد بأنّ الإمامة منصب تقتضيه الحكمة الإلهية لمصلحة البشر
في مؤازرة الأنبياء بنشر الدعوة الإلهية ، وفي القيام بعدهم بالمحافظة على تطبيق أحكامها بين الناس وبصون التشريع من التغيير والتحريف والتفسيرات الخاطئة.
ولذلك نعتقد اقتضاء
اللطف الإلهي بأن يكون الإمام معيّناً بنص إلهي وأن يكون معصوماً مثل النبي سواء بسواء ليطمئن المؤمنون إلى الاقتداء به في جميع أعماله وأقواله.
ونعتقد بأنّ الإمام
بعد نبينا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم هو سيدنا الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام ، ومن بعده ابناه الحسن والحسين ، ثمّ تسعة
من ذرية الحسين عليهالسلام ، آخرهم المهدي عجّل الله فرجه ، وعجل به فرج المؤمنين.
المعاد :
نعتقد بأنّ الله سبحانه يعيد الناس بعد الموت للحساب ، فيجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
كما ونؤمن بكل ما جاء
في القرآن الكريم ، وبما حدّث به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من أخبار يوم البعث والنشور والجنّة والنار والعذاب والنعيم والصراط والميزان وغير ذلك ممّا أثبته كتاب الله وحديث رسوله الصحيح.
وأمّا فروع الدين : فكثيرة
أهمّها الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد.
الجبر والاختيار
والتفويض
يقول أحد كتّابهم في
هذا الصدد :
عقيدة المسلمين
العلويين في هذه المسألة هي طبق ما جاء عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام وهو ينفي الجبر والإهمال ، وقد منح
الله العباد القوّة علىٰ أفعالهم وأوكلهم فيها إلىٰ نفوسهم فعلاً وتركاً بعد الوعد
والوعيد ، قال عليهالسلام في نهج البلاغة : « إنّ الله سبحانه
أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً ، وكلّف يسيراً ولم يكلف عسيراً ، وأعطىٰ على القليل كثيراً ، ولم يعص مغلوباً ولم يطع
مكرهاً ، ولم يرسل الأنبياء لعباً ولم ينزل الكتاب عبثاً ، ولا خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً ، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ».
وقد شنع الأمير
الشاعر المكزون السنجاري على القائلين بالجبر ووصفهم بأنّ عبيد اللات خير منهم قال :
______________________
عبيد اللات فيما
جاء عنهم
|
|
يسبّون الإله بغير
علم
|
وأما المجبرون فعن
يقين
|
|
يسبّون الإله بكل
ظلم
|
ويقول
أيضاً :
إذا كان فعلي له
مرادا
|
|
فلم بما قد أراد
يعصى
|
ولم دعاني إلى
أُمور
|
|
مني لها الخلف ليس
يحصىٰ
|
ومن
احتجاجه على القائلين بالجبر قوله :
قل لمن قال إنّ
باري البرايا
|
|
ليس من خلقه مريد
سواه
|
من ترى ان أراد
بالعبد سوءاً
|
|
راح في العبد
كارهاً ما قضاه
|
اتقوا الله ذاك أمر
محال
|
|
أن يرى ساخطاً رضاه
رضاه
|
وإذا لم يكن فقد
ثبت القو
|
|
ل لعبد ومان في
مدعاه.
|
ما حيك حولهم
وفي غياب المصادر
الموثوقة ، نسب مناوئوهم عقائد وآراء شتى إلى العلويين نشير في ما يلي إلى بعضها :
١. الاعتقاد بالحلول
والغلو في حقّ الأئمّة سيّما الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام.
٢. التناسخ.
٣. نبوّة النميري
محمد بن نصير.
______________________
٤. شركة الإمام علي
مع رسول الله في نبوته.
٥. إباحة المحارم
وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاً.
٦. افتراقهم إلىٰ
ثلاث فرق في خلافة محمد بن نصير النميري.
٧. عبادة السماء
والشمس والقمر على تقاليد الفينيقيين والاعتقاد بوجود الأئمّة عليهمالسلام فيها.
وهذه الافتراءات
والتهم إنّما تهدف إلىٰ شيء واحد وهو تأليب الناس عليهم دون أن تستند إلى مصدر أو مستند أو وثيقة. ودون أن يتجشّم المؤلّفون لتحقيقها ، فإنّ مؤلّفي الفرق والملل والنحل كان همّ أكثرهم توسيع رقعة الخلاف ، وخلق أكبر عدد ممكن من الفرق وطرح أشياء غريبة عجيبة وغير معقولة ولا مشروعة.
رميهم بالغلو والتطرّف
أُمُّ الاتهامات
ضدّهم هي تهمة الغلو وتأليه الإمام علي عليهالسلام حيث يكرره المؤلفون من قديم وجديد.
ويترآى أنّ رميهم
بالغلو والتطرف كان ردّ فعل من مناوئيهم حيث كان يرميهم هؤلاء بالتقصير في حقّ علي بن أبي طالب عليهالسلام أو عدم الإيمان بفضائله وأفضليته من سائر الصحابة ، حتى عدائهم له بتحريض من خلفاء الأُمويين ،
______________________
فقابلوا
تهمة بتهمة. ولا غرو في ذلك فانّ النزاع السياسي والعسكري بين العشائر العلوية وخصومهم من الأُمويين والعباسيين والعثمانيين الذين كانوا يتمتعون بالسلطة الرسمية تسبب في شن حرب إعلامية نفسية ضدّهم وسلب الشرعيّة عنهم حتى يبرّر ذلك التنكيلَ بهم والفتكَ الذريع بحقهم ، وقد أجاد شاعرهم الأمير حسن المكزون السنجاري حينما أنشد :
قد بدت البغضاء
منهم لنا
|
|
كما منالهم بدا
الحب
|
وما لنا إلّا
موالاتنا
|
|
لآل طه عندهم ذنب
|
أعود للحديث عن عقيدة
العلويين ، فأقول ليس للعلويين مذهب خاصّ بهم يختلف عن مذهب أهل البيت عليهمالسلام كما يحاول أن يصوّر ذلك بعض الجهّال السذّج ، وإنّما هم شيعة إمامية اثنا عشرية يتمذهبون بمذهب أهل البيت عليهمالسلام ويعولون عليه في أحكامهم ومعاملاتهم ، إلّا أنّ ثمة معتقدات علوية متميّزة سوف أحاول التركيز عليها باختصار.
أ. الطريقة الجنبلائية
يقال أحدثها في
الشيعة العلويين رجل اسمه أبو محمد عبد الله الجنبلاني المعروف بالجنَّان ، ويعتقد بعض العلويين أنّه من رؤسائهم الكبار ، ومن أعلم أهل عصره في التصوّف ، وكان يقيم في العراق العجمي في بلدة جنبلا ، ومن هنا اشتهر بالفارسي ، ويقال إنّه سافر إلى مصر وهناك أدخل الحسين بن حمدان الخصيبي في طريقته ، وقد تبعه الأخير إلى جنبلا عند عودته فأخذ عنه الأحكام الصوفية والفلسفية وعلوم النجوم والهيئة وبقية العلوم العصرية.
والخصيبي أحد مشايخ
العلويين الكبار وقد خلّف الجنبلاني في رئاسة
______________________
مشيخة
الطريقة وعنه يقول صاحب كتاب تاريخ العلويين :
كان دأب السيد حسين
بن حمدان الخصيبي ووكلاؤه في الدين إرشاد بعض أفراد بقيّة الأديان إلى دين الإسلام ، وهؤلاء يبقون بصفة أفراد مسلمين شيعة أي جعفرية ، والذين يشاهد فيهم الكفاءة يدخلهم في الطريقة الجنبلائية.
من هنا نعلم أنّ
الرجل كانت غايته أن يدعو الناس إلى مذهب أهل البيت كما هو ظاهر ، وأنّ الطريقة الجنبلائية ليست سوى معتقد صوفي كبقية المعتقدات الصوفية المكتومة لدى أكثر فرق المسلمين.
ب. العقيدة في الباب
يرى العلويون أنّ الأئمّة
عليهمالسلام هم أوصياء الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ولمّا كانت الأئمّة عليهمالسلام يحصون علوم الأوّلين والآخرين كان لابدّ لهم من باب يؤخذ فيه عنهم مصداقاً ، ولذلك اتبعوا الأثر فاتخذوا باباً لكلّ منهم ، والأبواب هم :
١. الإمام علي بن أبي
طالب عليهالسلام باب مدينة العلم التي هي النبي ، وبابه
سلمان الفارسي.
٢. الإمام الحسن
المجتبى عليهالسلام بابه قيس بن ورقة المعروف بالسفينة.
٣. الإمام الحسين
الشهيد عليهالسلام بابه رشيد الهجري.
٤. الإمام علي زين
العابدين عليهالسلام بابه عبد الله الغالب الكابلي.
٥. الإمام محمد
الباقر عليهالسلام بابه يحيى بن معمر بن أُمّ الطويل
الشمالي.
٦. الإمام جعفر
الصادق عليهالسلام بابه جابر بن يزيد الجعفي.
٧. الإمام موسى
الكاظم عليهالسلام بابه محمد بن أبي زينب الكاهلي.
٨. الإمام علي الرضا عليهالسلام بابه المفضل بن عمر.
٩. الإمام محمد
الجواد عليهالسلام بابه محمد بن مفضل بن عمر.
______________________
١٠. الإمام علي
الهادي عليهالسلام بابه عمر بن الفرات ، المشهور بالكاتب.
١١. الإمام حسن
العسكري عليهالسلام بابه أبو شعيب محمد بن نصير النميري.
١٢. الإمام الحجّة
محمد المهدي عليهالسلام فلم يكن له باب.
المحنة والاضطهاد المتواصل
الشيعة عموماً كانوا
يعتقدون عدم استحقاق الحكام العباسيين الذين استندوا إلى وسادة الخلافة ، وكانوا يضطهدون الشعوب الإسلامية باسم الدين ، ومن جملة هؤلاء العلويون ، فعمدت السلطة إلى قمعهم وتشريدهم وتعذيبهم ، ونشير فيما يلي إلى بعض محنهم ومعاناتهم :
١. أيّام المتوكل
العباسي اشتد الضغط على أتباع أهل البيت عليهمالسلام ، فهاجر جمع غفير منهم إلى أقاصي البلاد كبلاد خراسان وبلاد الأكراد ، وذلك عام ٢٣٦ هـ ، حيث أمر باستحضار أئمّة أهل البيت عليهمالسلام إلى العراق. وفي القرون التالية ، هجم الجيش العباسي بمعاونة جماعة من المتعصبين من حي الرصافة ببغداد على حيٍّ آخر يسمى الكرخ ، فنهبوا الدور ، وأحرقوا المكتبات والمحلات التجارية والبيوت حيث أمر الخليفة المنتصر بقتل الشيعة
والعلويين في بغداد وراح ضحيتها أربعون ألفاً.
٢. أيام السلطان
المملوكي محمد بن قلاوون في عام ١٣٠٥ م أمر بتسيير حملة عسكرية عظيمة إلىٰ جبال كسروان ( جونيه حالياً بقرب بيروت ) في لبنان لإبادة الطوائف الشيعية هناك ، ومن جملة من فتك بهم العرب العلويون الذين كانوا في شمال لبنان ، ولا سيما في القنيطرة وألعاقورة ونواحي البترون وعكا ثمّ امتدوا إلى كسروان ، والذين تخلّصوا من الموت رحلوا إلى الشمال ، أي جهات
______________________
اللاذقية
وانطاكية.
٣. أيام السلطان سليم
العثماني صدرت فتوىٰ بطلب السلطان ، اشتهرت بالفتوى الحامدية ، فقتل علىٰ إثرها عدد كثير من الشيعة في حلب وجبال العلويين هذا بالإضافة إلى تعذيبهم ، وكان ذلك بعد انتصار الأتراك على المماليك عام ١٥١٦ م في معركة مرج دابق ، فزجّ السلطان بنصف مليون من الشعب التركي لمواجهة العلويين.
٤. حوالي نهاية القرن
الثامن عشر وعلى أثر مقتل طبيب انكليزي استحضر سليمان باشا وتسلّم ولاية طرابلس فقتل من قتل من العلويين.
٥. أيام ثورة الشيخ
صالح العلي ، في شهر ايار عام ١٩٢١ م قام الفرنسيون بحرب دون هوادة ضد الشعب العلوي وقتلوا جمعاً غفيراً منهم ، وانتهت المعارك بانتصار الفرنسيين ، وقيام الحكم الانتدابي في البلاد.
هذا مع غض النظر عن
المعارك الدامية بينهم وبين الفرنج الصليبيين والقراصنة الذين كانوا يهاجمون الساحل الشامي وحدود الأراضي الإسلامية منذ القرن الثاني إلىٰ أواخر أيام العثمانيين فيأخذون ضحايا من العلويين.
وإضافة إلىٰ المعارك الداخلية والحروب الأهلية الطائفية التي كانت تتأجّج نيرانها
بدسائس أصحاب السلطة أو المستعمرين والصليبيين ؛ كما نشاهد في حروب العلويين والإسماعيلية ، والحروب القبلية بين العشائر العلوية.
______________________
الخلط بين العلويين والإسماعيليين
والقرامطة
هذا الاشتباه والخلط
حصل لكثير من الباحثين منهم ابن تيمية في فتواه المشهورة حيث رمى الجميع بنبل واحد مدّعياً أنّ الملاحدة الإسماعيلية والقرامطة والباطنية والخرمية والمحمدة أسماء لطائفة واحدة.
على الرغم من أنّ
الخلافات العقائدية والمناوشات العسكرية لم تترك مجالاً للخلط والاشتباه ، فنذكر فيما يلي الحروب الطاحنة التي قامت بين العلويين والإسماعيلية علىٰ سبيل الإيجاز :
١. في أيام حسن
الصباح سكنت قوى الإسماعيليين جبل القصيرة واستأجرت قلعة القدموس حتى استولوا على قلاع العلويين في مصياف والعليقة والخوابي وأبو قبيس وصهيون ، وفي عام ٥٢٠ هـ استولوا على قلعة بانياس ، ولما هجم عليهم المسلمون من كلّ ناحية عندما رأوا عدم مساعدتهم ، حالف الإسماعيليون الصليبيين وسلّموهم قلعة بانياس عام ٥٢٣ هـ.
٢. تداوم العداء بعد
ذلك بين العلويين والإسماعيليين حتى سنة ٩٧٧ هـ ، حيث هجم عليهم العلويون واستولوا على قلاعهم ولكن سرعان ما أنجدت الحكومة العثمانية الإسماعيليين وأعادت لهم مواقعهم.
٣. في خلال سنة ١١١٥
هـ جاءت عشيرة بني رسلان واستولت على قلعة مصياف ، وقتلت جميع الذكور الكبار ، وسكنت مدّة ثمان سنين ، وهذه العشيرة من العشائر العلوية.
______________________
٤. ثمّ هاجمت بعض
القوات العثمانية القلاع لنجدة الإسماعيليين وقذفوهم بالمدافع وسلموا القلعة للإسماعيليين.
٥. تكررت هذه
المناوشات حتى لم يبق للإسماعيليين سوى القدموس.
وممن شهد بذلك من
المحقّقين ، الدكتور عارف تامر في كتابيه القرامطة ، ومعجم الفرق الإسلامية.
٦. كانت هناك محاولات
للتقريب بين عقائد الإسماعيلية والعلويين باءت بالفشل بمساعي مشايخ العلويين العلماء على رأسهم حاتم الطوياني سنة ٧٤٥ هـ.
أهمّ العشائر العلوية
العشائر العلوية
الرئيسة أربع : الحداديون والنميلانيون والرشاونة والخياطيون ، وتقسم كلّ واحدة من هذه العشائر إلى أفخاذ وبطون ، وترجع الثلاث الأُولى منها إلى عشيرة المحارزة البشازعة التي هي أقدم العشائر جميعاً.
ومن عشائرهم نواصرة
وقراحلة ورشاونة ورسالنة ، جروية باشوطية ومقاورة ، ومهالبة.
فهم يرجعون في نسبهم
إلى فرعين رئيسيين :
______________________
١. فرع القبائل اليمنية
( العرب القحطانيين ) من همدان وكندة.
٢. فرع القبائل
الشاميّة والعراقية من غسّان وبهرا وتنوخ.
الذين اعتنقوا المذهب
الشيعي في وقت مبكر. بعض قبائلهم كالمحارزة يدّعون أنّهم هاشميون ، وبعضهم ازداد عددهم بهجرة قبائل طي ( نهاية القرن الثالث الهجري ) وغسّان الذين دفعتهم الحروب الصليبية ومعهم الأمير حسن بن المكزون ( ت ٦٣٨ هـ ) من جبل سنجار في العراق إلىٰ منطقة الشام في المنطقة الممتدة من طبرية وجبل عامل حتى حلب.
العشائر العلوية
كانوا يسكنون بادية الشام أوّلاً ثمّ نزحوا إلى ديار ربيعة في الجزيرة الفراتية ، وفي العهد العثماني تركوا بلادهم وسكنوا بيلان ، اضنه وانطاكية
وقسم منهم سكنوا منطقة الكلبية بقرب اللاذقية في سوريا وقسم آخر منهم في جبال البهرة مع الإسماعيليين ، وتسمى جبال لكام ، وقسم آخر منهم في جند الأردن وطبريا بالقدس المحتلة.
ومعظم العلويين
يحتشدون في سلسلة الجبال الممتدة من عكار جنوباً إلى طوروس شمالاً ، ويتوزع بعضهم في محافظات حمص ، حماة ودمشق وحوران كيليكيا ولواء الاسكندرون في سوريا ، ويوجد في المهاجر الأمريكية أكثر من ربع مليون علوي فضلاً عن الموجود منهم في لبنان والعراق وفلسطين وإيران.
وكذلك في أُوربا من
تركيا واليونان وبلغاريا إلى آلبانيا السفلى.
______________________
أعلام
العلويين
١. إسحاق الأحمر
( ... ـ ٢٨٦ هـ )
إسحاق بن محمد بن
أحمد بن أبان النخعي ، أبو يعقوب ، الملقب بالأحمر ، من أهل الكوفة ، رئيس الطائفة الإسحاقية ، وإليه نسبتهم وكانوا بالمدائن علىٰ
نحلة النصيرية ، وكان إسحاق يطلي بصره بما يغيره فسمي الأحمر ، وقيل : لبرص فيه. ذكره الذهبي في رجال الحديث وطعن به وبالغ في ذمه ، عمل كتاباً في التوحيد سماه « الصراط ».
٢. المنتجب العاني
( ٣٣٠ ـ ٤٠٠ هـ )
محمد بن الحسن العاني
الخديجي المضري ، أبو الفضل ، المنتجب ، ولد في عانة عام ٣٣٠ هـ وإليها نسبته ، ونشأ فيها وفي بغداد حيث استقر مدّة ، ثمّ انتقل إلىٰ حلب وسكنها ثمّ غادرها إلى جبال اللاذقية واتصل بحسين بن حمدان الخصيبي وتلقىٰ عنه العقيدة والطريقة وأصبح من دعاتها ، وله ديوان شعر كان شاعراً وجدانياً غزير المعاني باطنياً.
______________________
٣.
الحسين بن حمدان الخصيبي
( ٢٦٠ ـ ٣٥٨ هـ )
ومن أعظم رجالات
العلويين وعلمائهم الحسين بن حمدان الخصيبي الجنبلائي وكنيته أبو عبد الله ، ولد في جنبلا سنة ٢٠٦ هـ ، وقرأ القرآن
وهو ابن سبع سنين ، وحفظه وهو ابن عشر ، وحج وهو ابن عشرين ، وأتى حلب سنة ٣١٥ هـ ، وتوفي فيها عام ٣٥٨ هـ ، وقبره يعرف بالشيخ يبرق.
وشهد وفاته بعض
تلامذته ومريديه ، منهم : أبو محمد القيس البديعي ، وأبو محمد الحسن بن محمد الاعزازي ، وأبو الحسن محمد بن علي الجلي.
وأقوال المؤرخين
المعاصرين عنه كثيرة بين متحامل عليه وحاقد ، وبين ملتزم في الصمت ، منهم : النجاشي ، وابن الغضائري ، وصاحب الخلاصة من المتحاملين عليه.
وفي الفهرست لابن
النديم : الحسين بن حمدان الخصيبي الجنبلاني يكنّى أبا عبد الله ، روى عنه التلعكبري وسمع منه في داره بالكوفة سنة ٣٣٤ هـ ، وله فيه إجازة.
وفي لسان الميزان : الحسين
بن حمدان بن خصيب الحصيبي أحد المصنفين في فقه الإمامية ، روى عنه أبو العباس بن عقدة وأثنى عليه وأطراه وامتدحه ، كان يؤم سيف الدولة ابن حمدان في حلب.
وفي أعيان الشيعة للعلّامة
السيد محسن الأمين العاملي ترجمة للخصيبي
______________________
مفادها
امتداحه والثناء عليه وكلّ ما نسب إليه من معاصريه وغيرهم لا أصل له ولا صحّة وإنّما كان طاهر السريرة والجيب وصحيح العقيدة.
ومن أهم مصنفاته :
١. كتاب الهداية
الكبرى في تاريخ النبي والأئمّة ومعجزاتهم وقد قدّم كتابه هذا إلى سيف الدولة الحمداني.
وهذا الكتاب يشتمل
على أربعة عشر باباً في مناقب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته ، أوّلها باب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وثانيها باب السيدة الزهراء عليهاالسلام ، واثنا عشر باباً لكل إمام منهم باب من علي إلى المهدي عليهمالسلام ، غير انّه توسع في باب المهدي ( عجّل
الله تعالى فرجه الشريف ). وقد عدّ في هذا الكتاب أسماء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأسماء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، وأسماء فاطمة الزهراء والحسن والحسين
والأئمة التسعة من ذرية الحسين عليهمالسلام في السرياني والعبراني والعربي وجميع
اللغات المختلفة بجميع أسمائهم وكناهم والخاص والعام منهم ، وأسماء أُمهاتهم ومواليدهم وأولادهم ودلائلهم وبراهينهم في الأوقات ، ووفراً من كلامهم وشاهدهم وأبوابهم والدلالة من كتاب الله عزّ وجلّ والأخبار المروية المأثورة بالأسانيد الصحيحة ، وفضل شيعتهم.
٢. الإخوان ٣.
المسائل ٤. تاريخ الأئمة ٥. الرسالة ٦. أسماء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأسماء الأئمة.
______________________
٤.
الميمون الطبراني
( ٣٥٨ ـ ٤٢٦ هـ )
سرور بن القاسم
الطبراني ، أبو سعيد ، الملقب بالميمون شيخ العلويين في اللاذقية ، ورئيس الطريقة المعروفة عندهم بالجنبلانية ، ولد في طبريا وإليها نسبته
، وانتقل إلى حلب فتفقه بفقه العلويين أصحاب الخصيبي والجنبلاني ، وصنف كتاباً في مذهبهم ، ثمّ رحل إلى اللاذقية والتف حوله من فيها منهم واستمر إلى أن توفي ودفن بها على شاطئ البحر في مسجد الشعراني.
٥. الحسن بن مكزون
السنجاري
( ٥٨٣ ـ ٦٣٨ هـ )
هو الأمير حسن بن
يوسف مكزون ابن خضر ، ينتهي نسبه إلى المهلّب بن أبي صفرة الأزدي ولد عام ٥٨٣ هـ في سنجار العراق ، يعدّه العلويون في سورية من كبار رجالهم ، كان مقامه في سنجار أميراً عليها ، واستنجد به علويو اللاذقية ليدفع عنهم شرور الإسماعيلية سنة ٦١٧ هـ ، فزحف إليهم سنة ٦٢٠ هـ وأزال نفوذهم ، ثمّ تصوّف وانصرف إلى العبادة ، ومات في قرية « كفر سوسة » عام ٦٣٨ هـ بقرب دمشق ، وقبره معروف فيها.
له ديوان شعر ، وكتاب
تزكية النفس في العبادات الخمس ، وهو صاحب
______________________
نزعة
فلسفية روحية تميل نحو فلسفة محي الدين العربي في تفسير القرآن على رأي المتصوفين ، وأنّه يعارض ابن الفارض في تائيته في جملة قصائده التي مطلعها :
لبّيت لما دعتني
ربّة الحجب
|
|
وغبت عني بها في
شدّة الطرب
|
إلى غير ذلك من
الشخصيات التي ذكرها أصحاب التراجم.
* * *
تم الجزء الثامن من «
موسوعة بحوث في الملل والنحل » ولاح بدر تمامه في اليوم الثاني من شهر رمضان المبارك من شهور عام ١٤١٨ على يد الفقير إلى الله جعفر السبحاني ابن الفقيه محمد حسين الخياباني التبريزي تغمده الله بواسع رحمته حامداً لله ومصلياً على النبي والآل راجياً عفو ربّه وغفرانه يوم
المساق يوم تلتف الساق بالساق
______________________


فهرس
مصادر الكتاب
نبدأ
تبركاً بالقرآن الكريم
حرف الألف
١. اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمّة
الفاطميين الخلفاء :
تقي الدين أحمد بن علي المقريزي ( ٧٦٦ ـ ٨٤٥ هـ ) ، تحقيق جمال الدين الشيال ، مصر ـ ١٤١١ هـ.
٢. الأُرجوزة المختارة : قاضي القضاة أبو حنيفة النعمان بن
محمد ( م ٣٦٣ هـ ) تحقيق إسماعيل قربان حسين ، معهد الدراسات الإسلامية ، جامعة مجيل ، مونتريال ، كندا ـ ١٩٧٠ م.
٣. الإرشاد : المفيد : محمد بن محمد بن النعمان (
٣٣٦ ـ ٤١٣ هـ ) تحقيق مؤسسة آل البيت عليهمالسلام ، قم ـ ١٤١٣ هـ.
٤. الأسفار : صدر الدين محمد بن إبراهيم الشيرازي
القوامي ( م ١٠٥٠ هـ ) منشورات مكتبة المصطفوي ، قم.
٥. أصل العلويين وعقيدتهم : أحمد زكي تفاحة ، المطبعة العلمية ،
النجف الأشرف ـ ١٣٧٦ هـ / ١٩٥٧ م.
٦. الاعتقادات : الصدوق : محمد بن علي بن الحسين بن
بابويه القمي ( ٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ )
|
المطبوع
ضمن مصنفات الشيخ المفيد ، الجزء الخامس ، منشورات المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، قم المقدسة ـ ١٤١٣ هـ.
٧. اعتقادات فرق المسلمين والمشركين : فخر الدين الرازي : محمد بن عمر
الخطيب ( ٥٤٤ ـ ٦٠٦ هـ ) منشورات مكتبة الكليات الأزهرية ، القاهرة ـ ١٣٩٨ هـ / ١٩٧٨ م.
٨. الأعلام : خير الدين الزركلي ( ١٣١١ ـ ١٣٩٦ هـ
) دار العلم للملايين ، بيروت ـ ١٤٠٤ هـ.
٩. أعلام النبوة : أبو حاتم الرازي ( ٢٦٠ ـ ٣٢٢ هـ )
إيران ـ ١٣٩٧ هـ.
١٠. أعيان الشيعة : السيد محسن الأمين ( م ١٣٧١ هـ ) دار
التعارف ، بيروت.
١١. الإمامة في الإسلام : عارف تامر ، منشورات دار الكاتب
العربي ، بيروت ، ومكتبة النهضة ـ بغداد.
حرف الباء
١٢. بحار الأنوار : محمد باقر المجلسي ( م ١١١٠ هـ )
مؤسسة الوفاء ، بيروت ـ ١٤٠٣ هـ.
١٣. البداية والنهاية : ابن كثير : الحافظ أبو الفداء ( م
٧٧٤ هـ ) دار الفكر ، بيروت ـ ١٤٠٢ هـ.
حرف التاء
١٤. تاج العقائد ومعدن الفوائد : علي بن محمد الوليد ( ٥٢٢ ـ ٦١٢ هـ )
تحقيق عارف تامر ، دار المشرق ، بيروت ـ لبنان.
١٥. تاريخ ابن خلدون : عبد الرحمان بن خلدون ( م ٨٠٨ هـ )
بيروت ـ ١٩٥٦ م.
١٦. تاريخ الأدب العربي : بروكلمان.
|
١٧. تاريخ بغداد : الخطيب البغدادي : أبوبكر أحمد بن
علي ( م ٤٦٣ هـ ) دار الكتاب العربي ، بيروت.
١٨. تاريخ الأُمم والملوك : الطبري : محمد بن جرير ( م ٣١٠ هـ )
مؤسسة الأعلمي ، بيروت ـ لبنان.
١٩. تاريخ الدعوة الإسماعيلية : مصطفى غالب ، دار الأندلس ، الطبعة
الثانية ، بيروت ـ ١٩٦٥ م.
٢٠. تاريخ العلويين : محمد أمين غالب الطويل ، دار الأندلس
، بيروت ، الطبعة الثانية ـ ١٣٨٦ هـ / ١٩٦٦ م.
٢١. تاريخ المكزون : يونس رمضان.
٢٢. تاريخ اليعقوبي : أحمد بن أبي يعقوب بن وهب بن واضح
اليعقوبي ( م بعد ٢٩٢ هـ ) منشورات المكتبة الحيدرية ، النجف الأشرف ـ ١٣٨٤ هـ / ١٩٦٤ م.
٢٣. تأويل الدعائم : قاضي القضاة أبو حنيفة النعمان بن
محمد ( م ٣٦٣ هـ ) تحقيق محمد حسن الأعظمي ، دار المعارف ، مصر.
٢٤. التبصير في الدين : أبو المظفر الإسفرايني ( م ٤٧١ هـ )
بيروت ـ ١٤٠٣ هـ.
٢٥. التعريفات : الجرجاني : علي بن محمد بن علي (٧٤٠
ـ ٨١٦ هـ ) دار الكتاب العربي ، بيروت ، الطبعة الاُولى ـ ١٤٠٥ هـ.
٢٦. تقريب التهذيب : العسقلاني : أحمد بن علي بن حجر ( ٧٧٣
ـ ٨٥٢ هـ ) بيروت ـ ١٩٧٥ م.
٢٧. تنقيح المقال : عبد الله المامقاني ( ١٢٩٠ ـ ١٣٥١ هـ
) النجف الأشرف ـ ١٣٥٠ هـ.
٢٨. تهذيب الأحكام : الطوسي : محمد بن الحسن ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠
هـ ) دار الكتب الإسلامية ، طهران ـ ١٣٩٠ هـ.
|
٢٩. تهذيب التهذيب : العسقلاني : أحمد بن علي بن حجر (
٧٧٣ ـ ٨٥٢ هـ ) دار الفكر ، بيروت ـ ١٤٠٤ هـ.
حرف الثاء
٣٠. الثورة العلوية : عبد اللطيف يونس.
حرف الخاء
٣١. الخطط المقريزية : تقي الدين أحمد بن علي المقريزي (
٧٦٦ ـ ٨٤٥ هـ ) دار صادر ، بيروت.
٣٢. الخلاصة : العلّامة الحلّي : الحسن بن يوسف بن
علي بن مطهر ( ٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ ) منشورات المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ، الطبعة الثانية ـ ١٣٨١ هـ / ١٩٦١ م.
٣٣. خوان الإخوان : ناصر خسرو ( ٣٩٤ ـ ٤٨١ هـ ).
حرف الدال
٣٤. دائرة المعارف الإسلامية الشيعية
: حسن الأمين (
المعاصر ) دار التعارف ، بيروت ، الطبعة الرابعة ـ ١٤١٠ هـ.
٣٥. دائرة المعارف : بطرس البستاني ، دار المعرفة ، بيروت
ـ لبنان.
٣٦. دائرة المعارف : محمد فريد وجدي ، مطبعة دائرة معارف
القرن العشرين ، الطبعة الرابعة ـ ١٣٨٦ هـ.
٣٧. دعائم الإسلام : قاضي القضاة أبو حنيفة النعمان بن
محمد ( م ٣٦٣ هـ ) تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي ، دار المعارف ، مصر ـ ١٣٨٣ هـ.
|
حرف الذال
٣٨. الذريعة : آقا بزرك الطهراني ( م ١٣٨٩ هـ ) دار
الأضواء ، بيروت.
حرف الراء
٣٩. راحة العقل : حميد الدين أحمد بن عبد الله
الكرماني ( ٣٥٢ ـ ٤١١ هـ ) تحقيق الدكتور محمد كامل حسين والدكتور محمد مصطفى حلمي ، دار الفكر العربي ، القاهرة ـ مصر.
٤٠. الرجال : البرقي : أحمد بن عبد الله ( م ٢٧٤
أو ٢٨٠ هـ ) طهران ـ ١٣٨٣ هـ.
٤١. الرجال : الطوسي : محمد بن الحسن ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠
هـ ) النجف الأشرف ـ ١٣٨١ هـ.
٤٢. الرجال : الكشي : أبو عمرو ( من علماء القرن
الرابع ) مؤسسة الأعلمي ، كربلاء ـ العراق.
٤٣. الرجال : النجاشي : أحمد بن علي ( ٣٧٢ ـ ٤٥٠
هـ ) بيروت ـ ١٤٠٩ هـ.
٤٤. رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا : عبد الله بن محمد بن إسماعيل ( ١٧٩ ـ
٢١٢ هـ ) دار بيروت ، بيروت ـ ١٤٠٣ هـ.
٤٥. رشفة الصادي : الشريف الحضرمي.
٤٦. روضة المتقين في شرح من لا يحضره
الفقيه :
محمد تقي المجلسي ( ١٠٠٣ ـ ١٠٧٠ هـ ) منشورات مؤسسة الثقافة الإسلامية ، قم المقدسة ـ ١٣٩٣ هـ.
٤٧. الرياض في الحكم بين ( الصادين )
صاحبي الاصلاح والنصرة :
حميد الدين أحمد بن عبد الله الكرماني ( ٣٥٢ ـ ٤١١ هـ ) تحقيق عارف تامر ، دار الثقافة ، بيروت.
|
حرف السين
٤٨. سير أعلام النبلاء : الذهبي : محمد بن أحمد ( م ٧٤٨ هـ )
مؤسسة الرسالة ، بيروت ـ ١٤٠٩ هـ.
حرف الشين
٤٩. الشجرة المباركة في أنساب
الطالبية :
فخر الرازي : محمد بن عمر بن الحسين ( ٥٤٣ ـ ٦٠٦ هـ ) منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، قم المقدسة ـ ١٤٠٩ هـ.
٥٠. شرح منظومة السبزواري : الحاج ملا هادي السبزواري ، منشورات
نشر ناب ، قم ـ ١٤١٦ هـ.
٥١. شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد المعتزلي ( م ٦٥٥ هـ
) دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة ـ ١٣٧٨ هـ.
حرف الصاد
٥٢. الصواعق المحرقة : أحمد بن حجر الهيتمي ( م ٩٧٤ هـ )
مكتبة القاهرة ، مصر ـ ١٣٨٥ هـ .
حرف العين
٥٣. عقيدتنا وواقعنا نحن المسلمين : عبد الله الخير ، دمشق ، الطبعة
السابعة ـ ١٩٩٤ م.
٥٤. علل الشرائع : الصدوق : محمد بن علي بن الحسين بن
بابويه القمي ( ٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ ) مؤسسة الأعلمي ، بيروت ـ ١٤٠٨ هـ.
|
٥٥. العلويون بين الأُسطورة والحقيقة
: هاشم عثمان ،
مؤسسة الأعلمي ، بيروت ، الطبعة الثانية ـ ١٤٠٥ هـ / ١٩٨٥ م.
٥٦. العلويون فدائيو الشيعة المجهولون
: علي عزيز إبراهيم
العلوي ، دار الفكر ، الطبعة الأُولى ـ ١٣٩٢ هـ / ١٩٧٢ م.
٥٧. العلويون والتشيع : علي عزيز آل إبراهيم ، الدار
الإسلامية ، بيروت ـ ١٤٠٣ هـ.
٥٨. عمدة الطالب : ابن عنبة : أحمد بن علي الحسني ( م
٨٢٨ هـ ) منشورات المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ، الطبعة الثانية ـ ١٣٨٠ هـ.
٥٩. العيون والمحاسن : الشيخ المفيد : محمد بن محمد بن
النعمان ( ٣٣٦ ـ ٤١٣ هـ ).
حرف الغين
٦٠. الغدير : العلّامة عبد الحسين أحمد الأميني (
١٣٢٠ ـ ١٣٩٠ هـ ) دار الكتاب العربي ، بيروت ـ ١٣٨٧ هـ.
٦١. الغيبة : الطوسي : محمد بن الحسن ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠
هـ ) تحقيق مؤسسة المعارف الإسلامية ، قم المقدسة ـ ١٤١١ هـ.
٦٢. الغيبة : النعماني : محمد بن إبراهيم ( من
أعلام القرن الرابع الهجري ) مكتبة الصدوق ، طهران.
حرف الفاء
٦٣. الفخري في أنساب الطالبيين : إسماعيل بن الحسين بن محمد المروزي
الأزورقاني ( ٥٧٢ ـ بعد ٦١٤ هـ ) منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، قم المقدسة ـ ١٤٠٩ هـ.
٦٤. الفرق بين الفرق : البغدادي : عبد القاهر بن طاهر بن
محمد ( م ٤٢٩ هـ ) دار
|
المعرفة
، بيروت.
٦٥. فرقة الدروز ( رسالة ) : سيد نبيل الحيدري ، منشورات منظمة
الثقافة والعلاقات الإسلامية ، إيران.
٦٦. فرق الشيعة : النوبختي : الحسن بن موسى ( من أعلام
القرن الثالث الهجري ) ، دار الأضواء ، بيروت ـ ١٤٠٤ هـ.
٦٧. الفصول المهمة في تأليف الأُمّة : عبد الحسين شرف الدين الموسوي ،
منشورات الرضي ، الطبعة الثانية بالأُوفسيت عن الطبعة الرابعة لدار النعمان في النجف الأشرف ، قم المقدسة ـ ١٤٠٦ هـ.
٦٨. فن المنتجب العاني وعرفانه : الدكتور أسعد أحمد علي ، دار النعمان
، بيروت ـ ١٩٦٨ م.
٦٩. الفوائد الرجالية : البهبهاني.
٧٠. الفهرست : الطوسي : محمد بن الحسن ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠
هـ ) جامعة مشهد ، إيران ـ ١٣٥١ هـ.
٧١. الفهرست : النديم : محمد بن إسحاق ( ٢٩٦ ـ ٣٨٥
هـ ) القاهرة ـ ١٣٤٨ هـ.
حرف القاف
٧٢. القصيدة الشافية : داعي مجهول ، تحقيق عارف تامر ، دار
المشرق ، بيروت ـ لبنان.
٧٣. القصيدة الصورية : محمد بن علي بن حسن الصوري ( من
أعلام القرن الخامس الهجري ).
٧٤. قواعد العقائد : نصير الدين الطوسي ( ٥٩٧ ـ ٦٧٢ هـ )
تحقيق علي الرباني الگلپايگاني ، منشورات لجنة إدارة الحوزة العلمية بقم ، قم المقدسة ـ ١٤١٦ هـ.
|
حرف الكاف
٧٥. الكافي : الكليني : محمد بن يعقوب ( م ٣٢٩ هـ
) دار الكتب الإسلامية ، طهران ـ ١٣٩٧ هـ.
٧٦. الكامل في التاريخ : ابن الأثير الجزري : محمد بن محمد (
م ٦٣٠ هـ ) دار الكتاب العربي ، بيروت.
٧٧. كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد
: العلّامة الحلّي :
الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي ( ٦٤٧ ـ ٧٢٦ هـ ) ، تحقيق حسن مكي العاملي ، دار الصفوة ، بيروت ، الطبعة الأُولى ـ ١٤١٣ هـ.
٧٨. كمال الدين : الصدوق : محمد بن علي بن الحسين بن
بابويه القمي ( ٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ ) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، قم المقدسة ـ ١٤٠٥ هـ.
٧٩. كنز الولد : إبراهيم بن الحسين الحامدي ( م ٥٥٧
هـ ) تحقيق مصطفى غالب ، دار النشر فرانزشتاينر ، ڤيسبادن ـ ١٣٩١ هـ.
حرف اللام
٨٠. لسان العرب : العلّامة ابن منظور : محمد بن مكرم (
م ٧١١ هـ ) قم ـ ١٤٠٥ هـ.
٨١. لسان الميزان : العسقلاني : أحمد بن علي بن حجر ( ٧٧٣
ـ ٨٥٢ هـ ) مؤسسة الأعلمي ، بيروت.
حرف الميم
٨٢. مجمع البحرين : الطريحي : فخر الدين بن محمد علي بن
أحمد بن طريح ( ٩٧٩ ـ ١٠٨٧ هـ ) منشورات المكتبة المرتضوية ، طهران.
|
٨٣. مدخل إلى تاريخ الإسماعيلية : أ.س. بيكلي ، مكتبة عالم المعرفة ،
الطبعة الأُولى ، سلمية ، سوريا ـ ١٩٩٤ م.
٨٤. مذاهب الإسلاميين : الدكتور عبد الرحمن بدوي ، دار العلم
للملايين ، بيروت ـ ١٩٧٣ م.
٨٥. مستدرك الوسائل : الشيخ النوري : الحسين بن محمد تقي (
١٢٥٤ ـ ١٣٢٠ هـ ) مؤسسة آل البيت عليهمالسلام ، قم ـ ١٤٠٧ هـ.
٨٦. المسلمون العلويون في لبنان : أحمد علي حسن ، بيروت ، الطبعة
الأُولى ـ ١٩٨٩ م.
٨٧. معجم رجال الحديث : الخوئي : أبو القاسم الموسوي ( ١٣١٧
ـ ١٤١٣ هـ ) بيروت ـ ١٤٠٣ هـ.
٨٨. معجم الفرق الإسلامية : عارف تامر.
٨٩. معرفة الله والمكزون السنجاري : أسعد أحمد علي ، دار الرائد العربي ،
بيروت ـ ١٩٧٢ م.
٩٠. مقاتل الطالبيين : أبو الفرج الاصفهاني ( ٢٨٤ ـ ٣٥٦ هـ
) مؤسسة دار الكتاب ، قم.
٩١. مقالات الإسلاميين : الأشعري : علي بن إسماعيل ( م ٣٢٤ هـ
) الطبعة الثالثة ـ ١٤٠٠ هـ.
٩٢. الملل والنحل : الشهرستاني : محمد بن عبد الكريم (
٤٧٩ ـ ٥٤٨ هـ ) دار المعرفة ، بيروت ـ ١٤٠٢ هـ.
٩٣. مناقب آل أبي طالب : ابن شهر آشوب : محمد بن علي السروي
المازندراني ( ٤٨٨ ـ ٥٨٨ هـ ) المطبعة العلمية ، قم.
٩٤. من لا يحضره الفقيه : الصدوق : محمد بن علي بن الحسين بن
بابويه القمي ( ٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ ) دار الكتب الإسلامية ، طهران ـ ١٣٩٠ هـ.
|
٩٥. ميزان الاعتدال : محمد بن أحمد الذهبي ( م ٧٤٨ هـ )
دار المعرفة ، بيروت.
حرف النون
٩٦. النبأ اليقين عن العلويين : الشيخ محمود صالح ، مؤسسة البلاغ ،
بيروت ـ ١٩٨٧ م.
٩٧. نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام : الدكتور سامي النشار.
٩٨. نفس الرحمن : الحاج ميرزا حسين الطبرسي النوري ( م
١٣٢٠ هـ ) مؤسسة الآفاق ، إيران ، الطبعة الأُولى ـ ١٤١١ هـ.
٩٩. نهج البلاغة : جمع الشريف الرضي ( ٣٥٩ ـ ٤٠٤ هـ )
بيروت ـ ١٣٨٧ هـ.
حرف الواو
١٠٠. الواقفية : رياض محمد حبيب الناصري ( المعاصر )
منشورات المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليهالسلام ، مشهد المقدسة ـ ١٤٠٩ هـ.
١٠١. وسائل الشيعة : الحر العاملي : محمد بن الحسن ( ١٠٣٣
ـ ١١٠٤ هـ ) دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ ١٤٠٣ هـ.
١٠٢. وفيات الأعيان : ابن خلّكان : أحمد بن محمد ( ٦٠٨ ـ
٦٨١ هـ ) منشورات الشريف الرضي ، قم ـ ١٣٦٤ هـ.
حرف الياء
١٠٣. الينابيع : أبو يعقوب السجستاني ( ٢٧١ ـ كان
حياً ٣٦٠ هـ ) تحقيق مصطفى غالب ، منشورات المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر ، بيروت ، لبنان ـ ١٩٦٥ م.
|

فهرس
محتويات الكتاب
تمهيد
...................................
الفصل الأوّل
الخطوط العريضة للمذهب
الإسماعيلي
١.
إنتماؤهم إلى بيت الوحي والرسالة ..................
٢.
تأويل الظواهر .........................
٣.
تطعيم مذهبهم بالمسائل الفلسفية .................
٤.
تنظيم الدعوة ..................
٥.
إضفاء طابع القداسة على أئمّتهم ودعاتهم ...........
٦.
تربية الفدائيين للدفاع عن المذاهب ..................
٧.
كتمان الوثائق ......................
٨.
الأئمّة المستورون ..................
|
|
٣
٧
٨
٨
٩
١٠
١٢
١٣
١٤
|
الفصل الثاني
الإسماعيلية في معاجم
الملل والنحل
الإسماعيلية
عند النوبختي ....................
الإسماعيلية
عند الأشعري .....................
الإسماعيلية
عند البغدادي ..................
الإسماعيلية
عند الاسفرايني ....................
الإسماعيلية
عند الشهرستاني ...................
الإسماعيلة
عند المفيد ....................
الإسماعيلية
عند السيد محسن الأمين ..............
الفصل الثالث
الحركات الباطنية في
عصر الإمام الصادق عليهالسلام
الكشي
والخطابية ....................
الأشعري
والخطابية ..........................
النوبختي
والخطابية .......................
الطبري
والحركات الباطنية ...................
تحول
الخطابية إلى الإسماعيلية .................
|
|
٢٣
٢٤
٢٥
٢٥
٢٥
٢٦
٢٦
٣٤
٣٦
٣٨
٣٩
٤٠
|
الفصل الرابع
عبد الله بن ميمون
القدّاح إسماعيلي أو اثنا عشري؟
عبد
الله بن ميمون الإمامي في كتب الرجال ......
عبد
الله بن ميمون الإسماعيلي ................
ما
روي عن عبد الله بن ميمون الإمامي في الجوامع الحديثية .....
الفصل الخامس
في الأئمّة
المستورين
الإمام الأوّل : إسماعيل بن جعفر
الصادق .........
جلالة
ومكانة إسماعيل عند والده الإمام الصادق عليهالسلام
......
الإمام
الصادق عليهالسلام يستأجر من يحجّ عن
إسماعيل ........
الإمام
ينصح إسماعيل عن الإئتمان بالفاسق ............
قلة
رواياته ...........................
وفاته
........................
استشهاد
الإمام الصادق عليهالسلام على موته .............
هل
كان عمل الإمام تغطية لستره ؟ .............
اسطورة
حياته بعد رحيل أبيه ...................
|
|
٤٨
٥٠
٥٥
٧١
٧٤
٧٤
٧٥
٧٦
٧٧
٧٧
٨٠
٨١
|
الإمام الثاني : محمد بن إسماعيل ...............
الإمام الثالث : عبد الله بن محمد
بن إسماعيل .......
الإمام الرابع : أحمد بن عبد الله ...............
الإمام الخامس : الحسين بن أحمد ...............
الفصل السادس
في الأئمّة الظاهرين
الإمام السادس : عبيد الله المهدي ..............
ذهاب
عبيد الله إلى إفريقية ....................
الإمام السابع : القائم بأمر الله ................
الإمام الثامن : الإمام المنصور
بالله ..................
الإمام التاسع : المعز لدين الله مؤسس
الدولة الفاطمية في مصر ....................
الإمام العاشر : العزيز بالله ....................
الإمام الحادي عشر : الحاكم بأمر الله ............
انشقاق
الإسماعيلية ......................
الإمام الثاني عشر : الظاهر لإعزاز دين
الله علي بن منصور ......
الإمام الثالث عشر : المستنصر بالله ...............
|
|
٨٦
٩٣
٩٥
٩٧
١٠٧
١١٤
١١٧
١٢٠
١٢٢
١٢٨
١٣١
١٣٤
١٣٦
١٣٨
|
الفصل السابع
في أئمّة المستعلية
الإمام الأوّل : المستعلي بالله ..................
الإمام الثاني : الآمر بأحكام الله ............
الإمام الثالث : الحافظ لدين الله ...............
الإمام الرابع : الظافر بأمر الله ..............
الإمام الخامس : الفائز بنصر الله .................
الإمام السادس : العاضد لدين الله .............
جناية
التاريخ على الفاطميين ................
الفصل الثامن
في أئمّة النزارية المؤمنية
والآغاخانية
قائمة
الأئمّة النزارية المؤمنية ...................
قائمة
الأئمّة النزارية القاسمية ـ الآغاخانية ................
الإمام الأوّل : المصطفى بالله نزار
بن معد المستنصر .......
|
|
١٤٣
١٤٤
١٤٧
١٤٨
١٤٩
١٤٩
١٥١
١٥٦
١٥٧
١٥٩
|
الإمام الثاني : علي الهادي بن الإمام
نزار ................
الإمام الثالث : محمد المهتدي بن الإمام
علي .............
الإمام الرابع : القاهر بقوة الله
حسن بن محمد بن علي بن نزار ....................
الإمام الخامس : الإمام الحسن علي
بن الإمام حسن القاهر ......................
الإمام السادس : الإمام أعلى محمد
بن الإمام الحسن علي ......
الإمام السابع : الإمام جلال الدين
حسن بن أعلى محمد ..
الإمام الثامن : علاء الدين محمد بن
الحسن ..............
الإمام التاسع : ركن الدين خورشاه
بن الإمام علاء الدين ..
الفصل التاسع
في الأُسرة
الآغاخانية
١.
حسن علي شاه .......................
٢.
علي شاه ....................
٣.
سلطان محمد شاه « آغا خان الثالث » .............
الإمام
يتعلّم على يد مأمومه ..........................
٤.
كريم بن علي بن محمد « آغا خان الرابع » ...........
|
|
١٦٥
١٦٦
١٦٧
١٦٨
١٦٨
١٦٩
١٧٠
١٧٠
١٧٥
١٧٦
١٧٧
١٨١
١٨٣
|
الفصل العاشر
في الإسماعيلية والأُصول
الخمسة
١. عقيدتهم في التوحيد ......................
عقيدتهم
في توحيده سبحانه أنّه واحد لا مثل له ولا ضد .......
أنّه
سبحانه ليس أيساً ....................
في
نفي التسمية عنه ........................
في
نفي الصفات عنه ......................
الصادر
الأوّل هو الموصوف بالصفات العليا ...........
٢. عقيدتهم في العدل ....................
الإنسان
مخيّر لا مسيّر ..................
القضاء
والقدر لا يسلبان الاختيار ............
٣. عقيدتهم في
النبوة ..................
النبوّة
أعلى درجات البشر ...............
الرسالة
الخاصة والعامة .....................
الوحي
..............................
في
أنّ الأنبياء لا يولدون من سفاح ..........
في
صفات الأنبياء .....................
|
|
١٩١
١٩١
١٩٢
١٩٥
١٩٦
١٩٨
٢٠٠
٢٠٠
٢٠١
٢٠٢
٢٠٢
٢٠٢
٢٠٣
٢٠٤
٢٠٤
|
الرسول الناطق .....................
في
المعجزات التي يأتي بها الرسل .......
في
أنّ الرسول الخاتم أفضل الرسل ...............
في
أنّ الشريعة موافقة للحكمة ............
في
أنّ الشريعة لها ظاهر وباطن ..........
٤. عقيدتهم في الإمامة ، وفيه مقامان ...................
المقام الأوّل : الإمامة المطلقة ...........
الإمام
المقيم ................
الإمام
الأساس .......................
الإمام
المتم ...........................
الإمام
المستقر ......................
الإمام
المستودع .........................
المقام الثاني : في الإمامة الخاصة ...........
صاحب
الوصية أفضل العالم بعد النبي في الدور .........
في
أنّ الإمامة في آل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ...........
في
أنّ الإمامة وارثة النبوة والوصاية .....................
في
انقطاع الوصاية بعد ذهاب الوصي ..................
|
|
٢٠٥
٢٠٦
٢٠٧
٢٠٧
٢٠٨
٢٠٩
٢٠٩
٢١٠
٢١٠
٢١١
٢١١
٢١١
٢١٣
٢١٣
٢١٣
٢١٤
٢١٥
|
في
استمرار الإمامة في العالم دون النبوة والوصاية .........
في
أنّ الإمام لا تجوز غيبته من الأرض ..................
في
الوصية بعد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الوصي ..............
في
قعود علي عن الخلافة ................
في
فساد إمامة المفضول .....................
في
إبطال اختيار الأُمّة للإمام ....................
في
أنّ كلّ متوثب على مرتبة الإمام فهو طاغوت ........
في
أنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله فيها ................
منع
المبتدي عن الكلام ......................
في
أنّ القرآن لا ينسخه إلّا قرآن مثله ...................
في
تخطئة القياس والاستحسان ........................
٥. عقيدتهم في المعاد وما يرتبط به ..................
في
المعاد روحاني لا جسماني ....................
في
التناسخ .........................
في
الحساب .......................
في
الجنة .........................
في
الملائكة ........................
في
الجن ........................
|
|
٢١٥
٢١٧
٢١٩
٢١٩
٢٢٠
٢٢١
٢٢١
٢٢٢
٢٢٣
٢٢٤
٢٢٤
٢٢٧
٢٢٧
٢٢٩
٢٣٠
٢٣٠
٢٣١
٢٣١
|
الفصل الحادي عشر
في شجرة الإمامة الإسماعيلية
شجرة
الإمامة الإسماعيلية منذ أقدم العصور .............
الدور
الأوّل .......................
التعليقات
...................
الدور
الثاني .....................
التعليقات
.......................
الدور
الثالث .........................
التعليقات
.........................
الدور
الرابع ....................
التعليقات
...........................
الدور
الخامس .........................
التعليقات
...................
الدور
السادس .............................
التعليقات
.........................
تتمة
الدور السادس ....................
التعليقات
..........................
تأمّلات
في أدوار الإمامة ....................
تتمة
الدور السادس .......................
|
|
٢٣٦
٢٣٦
٢٣٧
٢٣٨
٢٣٨
٢٣٩
٢٤١
٢٤٢
٢٤٣
٢٤٤
٢٤٥
٢٤٦
٢٤٦
٢٤٧
٢٤٧
٢٥٣
٢٥٣
|
الفصل الثاني عشر
في نظرية المثل
والممثول
أو تأويلات إسماعيلية
العقول
العشرة .........................
النطقاء
السبعة وأمثالها ......................
الأنوار
الخمسة وأمثالها ....................
نماذج
من تأويلاتهم الفقهية .....................
كتاب
الولاية ( الدعامة الأُولى ) ..................
كتاب
الطهارة ( الدعامة الثانية ) ...................
في
التيمّم ...........................
في
ذكر التنظّف ....................
كتاب
الصلاة ( الدعامة الثالثة ) ................
في
عدد الصلاة ........................
في
وقت الصلاة ......................
في
الأذان والإقامة ......................
في
ذكر المساجد .......................
في
تكبيرة الافتتاح .......................
في
القراءة ..........................
في
صلاة العيدين .....................
|
|
٢٦٢
٢٦٥
٢٦٦
٢٦٧
٢٦٩
٢٧١
٢٧٢
٢٧٣
٢٧٤
٢٧٥
٢٧٦
٢٧٧
٢٧٨
٢٧٨
٢٧٩
٢٨٠
|
الفصل الثالث عشر
في أعلام الفكر
الإسماعيلي
١. أحمد بن حمدان
بن أحمد الورثنياني ( أبو حاتم الرازي ).........................
٢.
محمد بن أحمد النسفي البروغي ( النخشبي ) .........
٣.
أبو يعقوب السجستاني .................
ولادته
ووفاته .....................
٤.
أبو حنيفة النعمان ......................
النعمان
إسماعيلي لا اثني عشري .................
نظرة
في كتاب الدعائم .................
٥.
أحمد بن حميد الدين بن عبد الله الكرماني ............
٦.
المؤيّد في الدين ........................
٧.
ناصر خسرو ( الرحالة المعروف ) ..............
٨.
محمد بن علي بن حسن الصوري .............
٩.
إبراهيم بن الحسين الحامدي .................
١٠.
علي بن محمد الوليد.....................
|
|
٢٨٥
٢٨٨
٢٨٩
٢٩١
٢٩٣
٢٩٥
٣٠١
٣٠٢
٣٠٥
٣٠٧
٣٠٩
٣١٠
٣١٤
|
الفصل الرابع عشر
في التنظيمات السرية
للإسماعيلية
التنظيمات
السرية للدعوة الإسماعيلية النزارية ............
الفصل الخامس عشر
في القرامطة
الملامح
العامّة للقرامطة ...................
أسباب
نشوء الحركة القرمطيّة ومؤسّسها ............
فرق
القرامطة ........................
انقسام
القرامطة إلى حركتين بعدما كانت حركة واحدة ......
عقائد القرامطة .................
١.
نظرية الحلول عند القرامطة ..............
٢.
الغلو عند القرامطة ......................
٣.
التأويل الباطني في تفسير القرآن ..............
نهاية
القرامطة سياسياً وعسكرياً .................
الأسباب
الذاتية ........................
الأسباب
الخارجية ....................
نهاية القرامطة .......................
|
|
٣٢١
٣٣١
٣٣١
٣٣٣
٣٣٤
٣٣٥
٣٣٥
٣٣٥
٣٣٦
٣٣٧
٣٣٧
٣٣٩
٣٤٠
|
الفصل السادس عشر
في فرقة الدروز
الدروز في موسوعات دائرة المعارف ...............
١.
الدروز في دائرة المعارف البستانية ...................
٢.
الدروز في دائرة المعارف المصرية ....................
عقائد الدروز .............................
١.
اعتقادهم بأُلوهية الحاكم .................
٢.
التحريف الواضح للقرآن وانّ الأنبياء أبالسة جاءوا للظاهر ....................
٣.
إيمانهم بالتناسخ واعتباره مبدأً في عقيدتهم ...........
٤.
إسقاط التكاليف ........................
٥.
تفسير الشهادتين .....................
٦.
تقديسهم للعجل وإظهاره في مراسمهم واحتفالاتهم ........
٧.
تأويل غريب ومنحرف للأحاديث الإسلامية ........
أعلام الدروز .........................
١.
حمزة بن علي ..................
٢.
جمال الدين عبد الله التنوخي ...............
٣.
يوسف الكفرقوقي ...................
٤.
محمد أبو هلال المعروف بـ « الشيخ الفاضل » ......
|
|
٣٤٤
٣٤٤
٣٤٧
٣٤٩
٣٤٩
٣٥١
٣٥١
٣٥٢
٣٥٣
٣٥٤
٣٥٤
٣٥٨
٣٥٨
٣٥٩
٣٦١
٣٦١
|
الفصل السابع عشر
في الفطحية
الفطحية
في معاجم الملل والنحل ..............
مشاهير
الفطحية ......................
الفصل الثامن عشر
في الواقفية
سبب
ظاهرة التوقف ................
الواقفية
في كتب الملل والنحل ...............
مشاهير
الواقفية ....................
خاتمة المطاف
في النصيرية
النصيرية
في معاجم الملل والنحل ..........
النصيرية
فرقة بائدة ....................
محمد
بن نصير النميري شخصيّة قلقة ...............
العلويون
وأصل التسمية بالنصيرية ................
|
|
٣٦٥
٣٧٦
٣٨٠
٣٨٥
٣٨٩
٣٩٧
٤٠٢
٤٠٣
٤٠٤
|
أهم عقائدهم ...........................
الجبر
والاختيار والتفويض ................
رميهم
بالغلو والتطرّف .................
الطريقة
الجنبلائية ....................
العقيدة
في الباب ......................
المحنة
والاضطهاد المتواصل ................
الخلط
بين العلويين والإسماعيليين والقرامطة ...........
أهمّ
العشائر العلوية ........................
أعلام العلويين .....................
إسحاق
الأحمر ........................
المنتجب
العاني .....................
الحسين
بن حمدان الخصيبي .......................
الميمون
الطبراني .....................
الحسن
بن مكزون السنجاري .................
الفهارس
فهرس
مصادر الكتاب ...................
فهرس
محتويات الكتاب ....................
|
|
٤٠٥
٤٠٨
٤١٠
٤١١
٤١٢
٤١٣
٤١٥
٤١٦
٤١٨
٤١٨
٤١٨
٤١٩
٤٢١
٤٢١
٤٢٣
٤٢٥
٤٣٧
|

|