بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة المكتب
الحمد للّه والصلاة والسلام على
أنبياءاللّه ، لاسيما رسوله الخاتم واله الطيّبين الطاهرين المعصومين.
أمّا
بعد ، لا شكّ انّ اصلاح المناهج الدراسية
المتداولة في الحوزات العلمية والمعاهد الدراسية في العصر الحاضر ـ الذي عُرف بعصر
ثورة المعلومات ـ بات حاجة ملحّة يقتضيها تطور العلوم وتكاملها عبر الزمان ، وظهور
مناهج تعليمية وتربوية حديثة تتوافق مع الطموحات والحاجات الإنسانية المتجددة.
وهذه الحقيقة لم تعد خافية على القائمين
على هذه المراكز ، فوضعوا نصب أعينهم اصلاح النظام التعليمي في قائمة الاولويات
بعد ان باتت فاعليته رهن إجراء تغييرات جذرية على هيكلية هذا النظام.
ويبدو من خلال هذه الرؤية انّ اصلاح
النظام الحوزوي ليس أمراً بعيد المنال ، إلاّ انّه من دون احداث تغيير في المناهج
الحوزوية ستبوء كافة الدعوات الاصلاحية بالفشل الذريع ، وستموت في مهدها.
والمركز
العالمي للدراسات الإسلامية ـ الذي
يتولّى مهمة إعداد المئات من
الطلاب الوافدين من
مختلف بقاع الأرض للاغتراف من نمير علوم أهل البيت :
ـ شرع في الخطوات اللازمة لاجراء تغييرات جذرية على المناهج الدراسية المتبعة وفق
الأساليب العلمية الحديثة بهدف عرض المواد التعليمية بنحو أفضل ، الأمر الذي لا
تلبيّه الكتب الحوزوية السائدة ؛ ذلك انّها لم تؤلّف لهدف التدريس ، وإنّما الّفت
لتعبر عن أفكار مؤلفيها حيال موضوعات مرّ عليها حُقبة طويلة من الزمن واصبحت جزءاً
من الماضي.
وفضلاً عن ذلك فانّها تفتقد مزايا الكتب
الدراسية التي يراعى فيها مستوى الطالب ومؤهلاته الفكرية والعلمية ، وتسلسل
الأفكار المودعة فيها وأداؤها ، واستعراض الآراء والنظريات الحديثة التي تعبر عن
المدى الذي وصلت إليه من عمق ، بلغة عصرية يتوخى فيها السهولة والتيسير وتذليل صعب
المسائل مع احتفاظها بدقة العبارات وعمق الأفكار بعيداً عن التعقيد الذي يقتل
الطالب فيه وقته الثمين دون جدوى.
وانطلاقاً من توجيهات كبار العلماء
والمصلحين وعلى رأسهم سماحة الإمام الراحل 1
، وتلبية لنداء قائد الثورة الإسلامية آية اللّه الخامنئي ـ مدّ ظله الوارف ـ قام
هذا المركز بتخويل « مكتب
مطالعة وتدوين المناهج الدراسية
» مهمة تجديد الكتب الدراسية السائدة في الحوزات العلمية على أن يضع له خطة عمل
لاعداد كتب دراسية تتوفر فيها المزايا السالفة الذكر.
وقد بدت امام المكتب المذكور ـ ولأوّل
وهلة ـ عدّة خيارات :
١. اختصار الكتب الدراسية المتداولة من
خلال انتقاء الموضوعات التي لها مساس بالواقع العملي.
٢. ايجازها وشحنها بآراء ونظريات حديثة.
٣. تحديثها من رأس بلغة عصرية وايداعها
افكار جديدة إلاّ انّ العقبة الكأداء التي ظلت تواجه هذا الخيار هي وقوع القطيعة
التامة بين الماضي والحاضر ، بحيث تبدو الأفكار المطروحة في الكتب الحديثة وكأنّها
تعيش في غربة عن التراث وللحيولة دون ذلك ، لمعت فكرة جمع الخيارات المذكورة في
قالب واحد تمثّل في المحافظة على الكتب الدراسية القديمة كمتون وشرحها بأُسلوب
عصري يجمع بين القديم الغابر والجديد المحدث.
وبناء على ذلك راح المكتب يشمرّ عن ساعد
الجدّ ويستعين بمجموعة من الأساتذة المتخصصين لوضع كتب وكراسات في المواد الدارسية
المختلفة ، من فقه وأُصول وتفسير ورجال وحديث وأدب وغيرها.
و كانت مادة الرجال والدراية بحاجة ماسة
إلى وضع كتاب جديد فيها يتناسب مع تطلعات المركز ، فطلبنا من العلاّمة الفقيه ، الخبير
بعلم الرجال ، سماحة آية
اللّه الشيخ جعفر السبحاني ـ مدّظله ـ
تدوين دروس موجزة في علمي الرجال والدراية ، فلبّى رغبتنا مشكوراً وتفضل بتدوين
هذا الكتاب الذي يحتوي على أهمّ المطالب الرجالية ، ببيان جزل وأُسلوب سهل ، بعيداً
عن التعقيد والغموض ، لا يجد الطالب عسراً في استيعابها وفهمها.
وفي الختام لا يفوتنا إلاّ أن نتقدم
بالشكر الجزيل والثناء الوافر لأُستاذنا المؤلف على ما بذله من جهود في هذا الصعيد
، ونبتهل إلى اللّه سبحانه أن يديم عطاءه العلمي.
|
المركز العالمي للدراسات
الإسلامية
مكتب مطالعة وتدوين
المناهج الدراسية
|
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
الحمد للّه الذي تواترت نعماؤه ، وتسلسلت
واستفاضت آلاؤه ; والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين ، وخاتم النّبيّين محمّد
وآله الطيّبين الطّاهرين ، صلاة موصولة لا مقطوعة إلى يوم الدّين.
إنّ الاجتهاد عبارة عن : بذل الوسع في
استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها. وهو رمز خلود الدين ، وبقاء تشريعه ، وبه
تُحفظ غضاضة الدين وطراوته ، وتُصان الشريعة عن الاندراس ، ويستغني المسلمون عن
التطفّل على موائد الآخرين.
إنّ الاجتهاد يُساير سُنن الحياة
وتطورها ، حيث يجعل النصوص مَرِنَة ، حيّة متحركة ، عبْر الزمان والمكان.
كما لا شكّ انّ صاحب الشريعة عنى
بالكلّيات ، وترك التفاصيل والجزئيات على عاتق المفكّرين من العلماء ، ولو قام
ببيان التفاصيل لما اتّسع وقت الرسالة لهذا كلّه ، بل أعرض الناس عن هذه الدعوة
لتعقّدها.
حتى ولو افترضنا انّ النبي قام بجمع
أُصول الإسلام وفروعه وكلّ ما يمتّ إليه بصلة في كتاب ، وتركه بين الأُمّة ؛ لخلّف
ذلك ركوداً فكريّاً في أوساطها ، وانحسر كثير من المفاهيم والقيم الإسلامية عن
ذهنيّتها ، وأوجب ضياع العلم
وتطرّق التحريف إلى
أُصوله وفروعه ، حتى الكتاب الذي كتب فيه كلّ صغير وكبير.
وبكلمة مختصرة : لم تقم للإسلام دعامة ،
ولا حُفِظَ كيانُه ونظامُه إلاّ على هذا النوع من البحوث العلمية ، والنقاشات
والسجالات الدائرة بين العلماء.
فإذا كان هذا هو دور الاجتهاد ونتائجه
البنّاءة ، فلا غرو من أن تكون للعلوم التي تتوقّف عليه لا سيّما علم الرجال من
الأهمية بمكان.
وقد ذكر الفقهاء في مباحث الاجتهاد والتقليد
أنّ علم الرجال ويليه علم الدراية من مقوّمات الاجتهاد ومؤهّلاته ، إذ به يعرف ما
يحتج به من السّنّة عمّا لا يحتج ، وما يصحّ أن يقع ذريعة للاستنباط وما لا يصلح.
فإذا كان كذلك فيجب على بُغاة الفقه ، الإلمام
بهذا العلم وبقواعده وكلّيّاته ، وجزئيّاته ومسائله.
ولما كان البحث عن مسائله وجزئيّاته
بحثاً صغروياً ، لم نجد من اللازم عقدَ دروس لها وإلقاء المحاضرات فيها ، لكثرتها
أوّلاً ، وغنى الطالب عنها من خلال الاستعانة بالكتب المعدّة لبيان أحوال تلك
الصغريات ثانياً.
نعم ثمّة نمط آخر من البحث ، وهو البحث
عن ضوابط كلية وقواعد عامّة ينتفع بها المستنبط في استنباطه ، وتوجب بصيرة وافرة
له ممّا حدا بعلماء الرجال إلى طرح هذه البحوث في كتبهم.
هذا وقد صنّفت في سالف الزمان كتاباً
مبسوطاً في القواعد الرجالية أسميته بـ « كليات في علم الرجال » وقد طبع وانتشر
وصار محوراً للدراسة في الحوزة العلمية.
ثمّ أعقبته بتصنيف كتاب آخر في علم
الدراية ، وهو « أُصول الحديث
وأحكامه » وقد نال
الكتابان استحسان بغاة الحديث وروّاده.
وقد طلب منّي « المركز العالمي للعلوم
الإسلامية » أن أقوم بتأليف كتاب يضم في طياته علمي الرجال والدراية
بنحو موجز ، فامتثلت الطلب وقمت بتأليف هذا الكتاب الماثل بين يديك ، الذي يشتمل
على ٣٤ درساً ، مرفقاً بخاتمة تعرضت فيها إلى نكات لا غنى للمستنبط من استيعابها.
والرجاء من كلّ من طالع هذا الكتاب أن
يرشدني إلى مواضع الخلل فيه ، متمثلاً بقول القائل :
ان تجد عيباً فسُدَّ الخلـلا
|
|
جلّ من لا عيب فيه وعلى
|
|
المؤلّف
قم ـ مؤسسة الإمام الصادق 7
٨ شوال من شهور عام ١٤٢١
هـ
|
الدرس الأوّل
نظرة إجمالية
إلى علمي الرجال والدراية
قد جرت العادة في كلّ علم ، قبل الدخول
فيه ، على بيان أُمور أربعة :
أ. تعريف العلم.
ب. موضوعه.
ج. مسائله.
د. غايته.
وإليك الإلماع إليها في المقام على وجه
الإيجاز.
١. تعريف علم الرجال
علم الرجال : هو ما يبحث فيه عن أحوال
رواة الحديث ذاتاً ووصفاً ، والمراد من الذات هو معرفة أسمائهم وأسماء آبائهم ، كما
أنّ المراد من الوصف هو معرفة صفاتهم التي لها مدخلية في قبول الحديث أو ردّه.
وبتعبير آخر : هو الوقوف على أحوال
الرواة من حيث العدالة والمدح والإهمال والجهالة ، والوقوف على أسماء مشايخهم
وتلاميذهم وطبقتهم في نقل الرواية إلى غير ذلك.
٢. موضوعه
إذا ثبت انّ علم الرجال هو العلم الباحث
عن أحوال الرواة ، فموضوعه هو رواة الحديث المذكورون في سلسلة السند إلى أن ينتهي
إلى المعصوم 7.
٣. مسائله
وأمّا مسائله ، فتُعلم من خلال الإمعان
في تعريف علم الرجال ، فهي عبارة عن الأحوال العارضة على رواة الحديث والتي لها
مدخلية في اعتباره ، نظير : الوثاقة ، والضعف ، والطعن ، إلى غير ذلك من الأحوال.
٤. غايته
إنّ غاية علم الرجال هي الوقوف على
أحوال الرواة من حيث الوثاقة وعدمها ، وبالتالي تمييز المقبول عن غيره.
علم الدراية
ثمّ إنّ هنا علماً آخر يعرف بـ « علم
الدراية » يبحث فيه عن الحالات الطارئة على الحديث من جانب السند أو المتن.
والمراد من السند هو مجموع ما جاء فيه
من الرواة ، دون النظر إلى واحد منهم ، فيوصف السند عندئذ بالاتّصال أو الانقطاع ،
أو الصحّة أو الضعف ، أو الإسناد أو الإرسال ، إلى غير ذلك.
وبعبارة أُخرى : انّ الغاية المتوخّاة
من علم الدراية هي الوقوف على صحّة الرواية أو ضعفها ، وهو رهن دراسة مجموع السند
بأكمله ، بخلاف الغاية المتوخاة من علم الرجال فهي معرفة أحوال كلّ راو على انفراده.
والمراد من المتن هو ما نُقل عن المعصوم
أو غيره ، من كونه نصاً أو ظاهراً ، أو مجملاً أو مبيّناً ، أو محكماً أو
متشابهاً.
وما يقال من أنّ علم الرجال يبحث في
السند ، والدراية تبحث في المتن ، بعيد عن الصحة ؛ لأنّ الدراية تبحث في السند
أيضاً كعلم الرجال ، إلاّ انّ الاختلاف بينهما يكمن في أنّ علم الدراية ينظر إلى
مجموع السند ، فيبحث عن الأحوال العارضة له ، في حين انّ علم الرجال يبحث في آحاد
رواة السند على وجه التفصيل من حيث المدح والقدح.
الأُصول الرجالية الخمسة
بدأ أصحاب الأئمّة : في التأليف في علم الرجال في أعصارهم: غير انّه لم يصل إلينا شيء من
مؤلّفاتهم ، وأمّا الأُصول الرجالية ، المؤلّفة قريبة من أعصارهم ، فهي عبارة عن :
١.
رجال الكشي : وهو تأليف محمد بن
عمر بن عبد العزيز المعروف بالكشّي ؛ والكش ( بالفتح والتشديد ) بلد معروف على
مراحل من سمرقند ؛ والمؤلّف من عيون الثقات والعلماء ، بصير بالأخبار والرجال ، من
تلاميذ أبي النصر محمد بن مسعود المعروف بالعياشي ، وقد لخّص الشيخ الطوسي هذا
الكتاب فالموجود عندنا هو الملخّص ، ويسمّى « اختيار معرفة الرجال
».
ويتميّز هذا الكتاب بالتركيز على نقل
الروايات المربوطة بالرواة ، وقد ألّفه على نهج الطبقات ، مبتدئاً بأصحاب الرسول
والوصي إلى أن يصل إلى أصحاب العسكريين.
٢.
رجال النجاشي : وهو تأليف الضبط
البصير الشيخ أبي العباس أحمد بن
علي ، المعروف
بالنجاشي ( ٣٧٢ ـ ٤٥٠ هـ ) ، تتلمذ على الشيخ المفيد ثمّ على السيد المرتضى ، وهو
نقّاد هذا الفن ومن أجلاّء علمائه. جمع فيه أسماء المصنّفين من الشيعة ، مع التعرض
لمكانة الراوي ومذهبه غالباً.
٣.
رجال الشيخ : تأليف الشيخ محمد بن
الحسن الطوسي ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ ) ألّفه على غرار الطبقات ، فعقد باباً لأصحاب النبي
ثمّ الوصي ثمّ سائر الأوصياء ثمّ إلى من لم يرو عنهم:.
٤.
فهرست الشيخ : وهو من مؤلّفات
الشيخ الطوسي أيضاً ، حاول فيه أن يستقصي أسماء الذين لهم أصل أو تصنيف في الحديث
، وفيه ما يقرب من تسعمائة اسم من أسماء المصنّفين.
٥.
رجال البرقي : وهو إمّا لأحمد بن
محمد بن خالد البرقي ( المتوفّى ٢٧٤ هـ ) أو لولده عبد اللّه بن أحمد ، أو لحفيده
أحمد بن عبد اللّه ; وعلى كلّ حال فرجاله كرجال الشيخ ، أتى فيه بأسماء أصحاب
النبي والأئمّة إلى عصر الحجّة 7
، ولا يوجد فيه تعديل وتجريح.
هذه هي الأُصول الرجالية الخمسة ، وأمّا
ما أُلّف بعدها فقد أخذوا مادة البحث من هذه الكتب ، وهي كثيرة للغاية.
تمرينات
١. ما هو تعريف علم الرجال ، وموضوعه ، ومسائله
، وغايته؟
٢. ما هو الفرق بين علمي الرجال
والدراية؟
٣. اذكر الأُصول الرجالية الخمسة مع
ميزاتها.
٤. هل يصحّ أن يقال انّ علم الرجال يبحث
في السند ، وعلم الدراية في المتن ، أو لا؟
الدرس
الثاني
الحاجة إلى
علم الرجال
اختلفت كلمة الفقهاء في الحاجة إلى علم
الرجال ، وهل يتوقف استنباط الأحكام الشرعية على علم الرجال أو لا؟ وقد طرحت عدّة
آراء في هذا المجال :
١. انّ علم الرجال من مقدّمات الاستنباط
، فلولا العلم بأحوال الرواة لما يتمكّن المجتهد من استخراج الأحكام من أكثر
الأخبار ، فالحاجة إلى علم الرجال ضروريّة.
٢. انّ أخبار الكتب الأربعة ، أعني : الكافي
والفقيه والتهذيب والاستبصار ، قطعية الصدور ، أو عامّة رواياتها صحيحة.
٣. المدار في حجّية الأخبار هو عمل
المشهور ، فما عمل به المشهور فهو حجّة سواء أصحّ أسناده أم لا ، وما لم يعمل به
وأعرض عنه فليس بحجّة ، وإن صحّت أسناده ، فعلى ذلك لا حاجة إلى علم الرجال.
والقول الأوّل هو المختار ، وإليك دراسة
دلائله على وجه التفصيل :
الأوّل : تمييز الثقة عن غير الثقة
قد ثبت في علم الأُصول حرمة العمل بغير
العلم ، بالأدلّة الأربعة ، وقد
خرج عن ذلك الأصل
قول الثقة ، ومن الواضح انّ إحراز الصغرى ـ أي كون الراوي ثقة أو لا ـ يتوقّف على
الرجوع إلى علم الرجال المتكفّل لبيان أحوال الرواة من الوثاقة وغيرها.
ثمّ إنّ من يقول بحجّية قول الثقة يضيف
قيداً آخر ، وهو : كون الراوي ضابطاً للحديث ، ناقلاً إيّاه حسب ما سمع من الإمام.
ولا يُعرف هذا الوصف إلاّ من خلال المراجعة إلى أحوال الراوي ، ويشهد على ذلك انّ
عدم ضابطية بعض الرواة على الرغم من وثاقتهم ، أوجد اضطراباً في الحديث وتعارضاً
بين الروايات ، حيث حذفوا بعض الكلم والجمل الدخيلة في فهم الحديث بزعم عدم
مدخليّتها ، أو نقلوه بالمعنى من دون رعاية شروط النقل بالمعنى.
الثاني : علاج الأخبار المتعارضة بالرجوع إلى صفات
الراوي
إذا كان هناك خبران متعارضان لا يمكن
الجمع بينهما عرفاً ، يجب ـ في مقام الترجيح وتقديم أحدهما على الآخر ـ الرجوع إلى
صفات الراوي ، فلو كان رواة أحد الخبرين أعدل وافقه وأصدق وأورع ، يؤخذ به ولا
يلتفت إلى الآخر ؛ كما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة في الحديث المعروف حيث قال
الصادق 7 ـ في جواب
السؤال عن اختلاف القضاة في الحكم واستناد اختلافهما إلى الاختلاف في الحديث ـ : «
الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما
يحكم به الآخر ».
والحديث وإن ورد في صفات القاضي ، غير
انّ القضاة في ذلك الوقت كانوا رواة أيضاً ، ولأجل ذلك تعدّى الفقهاء من صفات
القاضي إلى صفات الراوي.
مضافاً إلى وجود روايات أُخرى تأمر
بترجيح أحد الخبرين على الآخر بصفات الراوي
وإن كان الراوي غير قاض ولا حاكم.
الثالث : ظاهرة الوضع والتدليس في الحديث
من قرأ تاريخ الحديث يقف على وجود
الوضّاعين والمدلّسين والمتعمّدين للكذب على اللّه ورسوله في أوساط الرواة ، ومع
هذا كيف يصحّ للمجتهد الإفتاء بمجرّد الوقوف على الخبر من دون التعرّف على صفات
الراوي حيث لا يميّز الكذّاب والمدلّس عن غيرهما إلاّ بعلم الرجال؟!
قال الإمام الصادق 7 : « إنّا ـ أهل بيت ـ صادقون لا نخلو
من كذّاب يكذب علينا ، فيُسقط صِدقُنا بكذبه علينا عند الناس ».
ولأجل هذا التخليط من المدلّسين ، أمر
أئمّة أهل البيت :
أتباعهم بعرض الحديث على الكتاب والسنّة ، فما وافق كتاب اللّه وسنّة نبيّه فيؤخذ
به ، وما خالفهما فيضرب عرض الجدار.
الرابع : سيرة العلماء
قد جرت سيرة مشاهير علمائنا منذ عصر
الأئمّة إلى يومنا هذا على الرجوع إلى التفتيش عن أحوال الرواة وصفاتهم ، وميزان
ضبطهم ودقّتهم ؛ وقد قام غير واحد من الأصحاب بتدوين علم الرجال في عصر الأئمّة ، نذكر
منهم على سبيل المثال :
١. عبد اللّه بن جبلة الكناني (
المتوفّى عام ٢١٩ هـ ) كان من أصحاب الإمام
الصادق 7 ، له كتاب الرجال.
٢. الحسن بن محبوب ( ١٤٩ ـ ٢٢٤ هـ ) من
أصحاب الإمام أبي الحسن الرضا 7
، له كتاب المشيخة.
٣. علي بن حسن بن فضّال ( ٢٠٣ ـ حوالي
٢٧٠ هـ ) من أصحاب الإمامين أبي الحسن الهادي وأبي محمد العسكري 8 ، له كتاب الرجال.
وقد استمر التأليف من عصر أئمّة أهل
البيت بين أصحابنا إلى يومنا هذا.
تمرينات
١. اذكر وجوه الحاجة إلى دراسة أحوال
الرواة.
٢. بيّن موقف الإمام الصادق 7 من الروايات التي تُنسب إلى أهلالبيت:.
٣. اشرح سيرة العلماء في العمل
بالروايات.
الدرس
الثالث
أدلّة نفاة
الحاجة إلى علم الرجال
(١)
قد عرفت أدلّة القائلين بالحاجة إلى علم
الرجال في استنباط الأحكام ، وحان البحث في استعراض أدلّة النفاة ، وقد استدلّوا
بوجوه ، نذكر المهمّ منها :
الأوّل : قطعية روايات الكتب الأربعة
إنّ هناك من يذهب إلى قطعية روايات
الكتب الأربعة ، وانّ أحاديثها مقطوعة الصدور عن المعصومين : ، وعلى ذلك فالبحث عن أحوال الرواة من
حيث الوثاقة وعدمها لأجل طلب الاطمئنان بالصدور ، والمفروض انّها مقطوعة الصدور.
والجواب
: انّ ما ذكر ، دعوى فارغة عن الدليل
والبرهان ; ولا يدّعيها من له إلمام بتاريخ الحديث وتدوينه. فنحن ندرس « الكافي »
أوّلاً ، ثمّ « الفقيه » ثانياً ، وهكذا ، فنقول :
احتجّ على لزوم الأخذ بروايات الكافي
بوجهين :
الأوّل : كون رواياته قطعية.
الثاني : كون عامّة رواياته صحيحة.
ونحن ندرس الوجهين واحداً بعد الآخر :
أ. قطعية روايات « الكافي
»
لا شكّ انّ كتاب « الكافي » لمحمد بن
يعقوب الكليني ( المتوفّى عام ٣٢٩ هـ ) من أجلّ كتب الشيعة وأكثرها فائدة ، والذي
لم يعمل مثله ، حيث صنّف كتابه هذا وهذّبه في عشرين سنة ، وهو يشتمل على ثلاثين
كتاباً يحتوي على ما لا يحتوي عليه غيره ، وهو من أضبط الأُصول وأجمعها وأعظمها
ولكن على الرغم من ذلك ليست قاطبة رواياته قطعية الصدور على التحقيق.
كيف؟ وانّ المؤلّف نفسه لم يدّع ذلك ، بل
يظهر من مقدّمته على الكتاب عدم جزمه بقطعية صدور جميع أحاديثه ، حيث قال :
« فاعلم يا أخي أرشدك اللّه أنّه لا يسع
أحداً تمييز شيء ممّا اختلف الرواية فيه عن العلماء :
برأيه إلاّ على ما أطلقه العالم بقوله 7
: « أعرضوها على كتاب اللّه فما وافق كتاب اللّه عزّوجلّ فخذوه وما خالف كتاب
اللّه فردّوه ».
وقوله 7
: « دعوا ما وافق القوم ، فإنّ الرشد في خلافهم ».
وقوله 7
: « خذوا بالمجمع عليه ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ». ونحن لا نعرف من جميع ذلك
إلاّ أقلّه ، ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم 7 ، وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله : «
بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم » وقد يسّر اللّه ـ وله الحمد ـ تأليف ما سألت
، وأرجو أن يكون بحيث توخّيت ».
وهذا الكلام ظاهر في أنّ محمّد بن يعقوب
الكليني لم يكن يعتقد بصدور
روايات كتابه عن
المعصومين : جزماً ، وإلاّ
لم يكن وجه للاستشهاد بالرواية على لزوم الأخذ بالموافق من الروايتين عند التعارض
، فإنّ هذا لا يجتمع مع الجزم بصدور كلتيهما ، فإنّ موافقة الكتاب إنّما تكون
مرجّحة لتمييز الصادر عن غيره ، ولا مجال للترجيح بها مع الجزم بالصدور.
كيف يمكن أن يقال بأنّ رواياته قطعية
الصدور ، مع أنّ الشيخ الصدوق لم يكن يعتقد بذلك ، فانّه قال في باب « الوصيّ يمنع
الوارث » :
« ما وجدت هذا الحديث إلاّ في كتاب محمد
بن يعقوب ، وما رويته إلاّ من طريقه ».
فلو كانت روايات الكافي كلّها قطعية
الصدور ، فكيف يصحّ ذلك التعبير من الشيخ الصدوق؟!
أضف إلى ذلك انّ في الكافي روايات لا
يمكن القول بصحّتها.
نعم وجود هذه الروايات لا ينقص من شأن
الكتاب وجلالته ، وأي كتاب بعد كتاب اللّه العزيز ليس فيه شيء؟!
ب : صحّة روايات «
الكافي »
إنّ الظاهر من الحوار الدائر بين السائل
والمجيب ( الكليني ) هو انّ جميع ما في « الكافي » يتّسم بالصحة حيث طُلِبَ من
الكليني أن يكتب كتاباً يجمع فيه جميع علوم الدين وما يكتفي به المتعلّم ويرجع
إليه المسترشد ويأخذ منه ما يريد علم الدين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين :.
وقد استجاب الكليني لرغبته ، حيث قال :
و « قد يسّـر اللّه وله الحمد تأليف ما
سألت ، وأرجو أن يكون بحيث توخّيت ».
وهذا الحوار يكشف عن كون ما في « الكافي
» صحيحاً عند المؤلف.
يلاحظ
عليه : أوّلاً :
أنّ السائل إنّما سأل محمد بن يعقوب تأليف كتاب يشتمل على الآثار الصحيحة عن
الصادقين : ولم يشترط
عليه أن لا يذكر فيه غير الرواية الصحيحة ، أو ما صحّ عن غير الصادقين : ، ومحمد بن يعقوب قد أعطاه ما سأله ، فكتب
كتاباً مشتملاً على الآثار الصحيحة عن الصادقين :
في جميع فنون علم الدين ، وإن اشتمل الكتاب على غير الصحيحة من الآثار ، أو
الصحيحة عن غيرهم أيضاً استطراداً وتتميماً للفائدة.
وثانياً
: أنّ كون الرواية أو الروايات صحيحة
عند الكليني لا يكون دليلاً على كونها صحيحة عند الآخرين بعد ما كانت شرائط
الحجّية مختلفة في الأنظار ، وسيوافيك انّ الصحيح عند القدماء غير الصحيح عند
المتأخّرين
، وعندئذ كيف يمكن الأخذ بعامّة روايات « الكافي » بمجرّد كونها صحيحة عند المؤلّف؟!
تمرينات
١. ما هو الوجه الأوّل لنفي الحاجة إلى
علم الرجال؟
٢. هل كان الكليني يعتقد بقطعية روايات
كتابه أو لا؟ ولماذا؟
٣. هل كان الصدوق يعتقد بقطعية روايات
الكافي ، أو لا؟ ولماذا؟
٤. هل تتسم عامّة روايات الكافي بالصحّة
، أو لا؟ ولماذا؟
الدرس
الرابع
أدلّة نفاة
الحاجة إلى علم الرجال
(٢)
نقد قطعية أو صحّة أحاديث «
الفقيه »
إنّ كتاب « من لا يحضره الفقيه » تأليف
الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ( ٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ ) المعروف بالشيخ الصدوق من
أصحّ الكتب الحديثية وأتقنها بعد « الكافي » وقد طلب منه أبو عبد اللّه محمد بن
الحسن المعروف بـ « نعمة » أن يصنّف كتاباً في الفقه والحلال والحرام ويسمّيه بـ «
من لا يحضره الفقيه » ، كما صنّف الطبيب الرازي محمد بن زكريا كتاباً في الطب
وأسماه « من لا يحضره الطبيب ».
فأجاب مسؤوله وصنّف هذا الكتاب له ، وهو
يصفه بقوله :
« ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد
جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أُفتي به وأحكم بصحته ، واعتقد فيه أنّه حجّة
فيما بيني وبين ربّي تقدّس ذكره وتعالت قدرته ، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة
عليها المعوّل وإليها المرجع ، مثل كتاب حريز بن عبداللّه السجستاني ... وغيرها من
الأُصول والمصنّفات التي طرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي
وأسلافي ( رضي اللّه
عنهم ) ».
يلاحظ
عليه : أوّلاً
: أنّ المدّعى هو كون روايات الفقيه قطعية الصدور بمعنى تواترها أو محفوفة
بالقرائن التي تفيد العلم بالصدور ، والمتبادر من العبارة هو اعتقاد الصدوق بصحّة
ما أورده فيه ، والصحيح أعمّ من القطعيّ ؛ لأنّ كون الرواية صحيحة عند المؤلّف غير
كونها قطعية الصدور ، فالمراد من الصحة هي اعتبارها عنده وكونها حجّة بينه وبين
ربّه ، وهو غير كونها قطعية الصدور.
ثمّ إنّ تصحيح أحد الأعلام المتقدّمين
كالكليني والصدوق للرواية لا يكون حجّة إلاّ عليهم لا على غيره ، بعدما كانت شرائط
الحجّية مختلفة الأنظار ، فربّ حديث ، صحيح عند الصدوق وليس كذلك عند المتأخّرين
وبالعكس ، فعلى المستنبط أن يتحرّى حتى يقف على صحّة الرواية وعدمها.
فتلخّص من ذلك : انّ الصدوق لم يدّع
قطعية الروايات الواردة في « الفقيه » وإنّما ادّعى اعتبارها ، لكن كون الرواية
معتبرة عند مجتهد لا يكون دليلاً على اعتبارها عند المجتهد الآخر.
وثانياً
: أنّ أحاديث كتاب « الفقيه » لا تتجاوز عن ٥٩٦٣ حديثاً ، منها ٢٠٥٠حديثاً مرسلاً
، وعند ذلك كيف يمكن الركون إلى هذا الكتاب والقول بقطعية مراسيله أو اعتبارها؟!
وأمّا « التهذيب
» و « الاستبصار
» اللّذان يعدّان من الكتب الأربعة فهما من تأليف الشيخ محمد بن الحسن الطوسي وهو
لم يدّع قطعية الأخبار الواردة فيهما ولا صحتها ; بل صرّح في مقدّمة كتابه بأنّ
بعض ما أورده فيهما ضعيف سنداً ، وقسم منها عمل الأصحاب على خلافها.
إلى هنا تمّ الدليل الأوّل لنفاة الحاجة
إلى علم الرجال ، وإليك دراسة الدليل الثاني لهم.
الثاني : عمل المشهور جابر لضعف السند
ذهب بعضهم إلى أنّ كلّ خبر عمل به
المشهور فهو حجّة سواء كان الراوي ثقة أم لا ، وكلّ خبر لم يعمل به المشهور ليس
بحجّة وإن كان رواته ثقات.
يلاحظ عليه : انّ معرفة المشهور في كلّ
المسائل أمر صعب للغاية ، لأنّ بعض المسائل غير معنونة في كتبهم ، وجملة أُخرى
منها لا شهرة فيها ، وقسم منها يعدّمن الأشهر والمشهور ، ولأجل ذلك لا مناص من
القول بحجّية قول الثقة وحده وإن لم يكن مشهوراً ، نعم يجب أن لا يكون معرضاً عنه
كما حقّق في محلّه.
الثالث : لا طريق إلى إثبات العدالة
إنّ الغاية من الرجوع إلى الكتب
الرجالية ، هو الوقوف على عدالة الراوي ، ولكنّها لا تثبت ، وذلك لأنّ أصحاب الكتب
الرجالية ، ما عاصروا الرواة ولا عاشروهم ، وإنّما رجعوا في التعديل والجرح إلى
الكتب المؤلّفة في العصور المتقدّمة التي كانت أصحابها معاصرين ومعاشرين مع الرواة
أو مقاربين لأعصارهم ، فإنّ مضامين الأُصول الرجالية الخمسة وليدة تلك الكتب
المؤلّفة في العصور المتقدّمة. هذا من جانب.
ومن جانب آخر ، انّه لا « عبرة بالكتابة
ولا بالقرطاس » كما هو الأساس في كتاب القضاء.
والجواب
أوّلاً : أنّ قسماً كبيراً من تعديلهم وجرحهم
مستند إلى السماع من كابر عن كابر ، ومن ثقة عن ثقة ، فتكون شهاداتهم في حقّ
الرواة ، مستندة إلى
السماع من شيوخهم
إلى أن تنتهي إلى عصر الرواة ، وكانت الطبقة النهائية معاصرين لهم أو مقاربين
لأعصارهم.
كما أنّ قسماً آخر من قضائهم في حقّ
الرواة مستند إلى الاستفاضة والاشتهار بين الأصحاب ، نظير علمنا بعدالة الشيخ
الأنصاري وغيره من المشايخ عن طريق الاستفاضة والاشتهار في كلّ جيل وعصر إلى أن
ينتهي إلى عصر الشيخ نفسه.
وثانياً
: نفترض انّ تعديلهم وجرحهم كان مستنداً
إلى الكتب المدوّنة في عصر الرواة ، لكن لمَ لا يجوز الاعتماد عليها إذ ثبتت
نسبتها إلى مؤلّفيها؟ وما ربّما يقال من أنّه لا عبرة بالقرطاس أو بالكتابة فإنّما
يراد المشكوكة لا المتيقّنة ، ولذلك تقبل الأقارير والوصايا المكتوبة إذا كانت بخط
المقرّ أو الموصي ، أو خط غيرهما لكن دلّت القرائن على صحّة ما رُقّم كما إذا ختمت
بخاتم المقرّ والموصي ، ومن يرفض الكتابة فانّما يرفضها في المشكوك لا في المعلوم
والمطمئن منها.
ثمّ إنّ لنفاة الحاجة إلى علم الرجال
أدلّة أُخرى ضعيفة ، استعرضناها مع أجوبتها في كتابنا « كليات في علم الرجال »
فلاحظ.
تمرينات
١. هل يدل ما ذكره الصدوق في مقدمة كتاب
« الفقيه » على قطعية صدور رواياته ، أو لا؟ ولماذا؟
٢. ما هو الوجه الثاني لنفاة الحاجة إلى
علم الرجال ، وما هو جوابه؟
٣. ما هو الوجه الثالث لنفاة الحاجة إلى
علم الرجال ، وما هو جوابه؟
٤. ماذا يراد من قولهم : « لا عبرة
بالقرطاس والكتابة » وهل معناه نفي الاعتماد على الكتب الرجالية؟
الدرس
الخامس
طرق ثبوت
وثاقة الراوي
التوثيقات الخاصّة
ينقسم التوثيق إلى توثيق خاص ، وإلى
توثيق عام.
فالمراد من الأوّل هو التوثيق الوارد في
حقّ شخص معيّن ، من دون أن تكون هناك ضابطة خاصة في البين.
والمراد من الثاني هو توثيق جماعة تحت
ضابطة خاصة وعنوان معيّن.
وإليك بيان التوثيقات الخاصة ، وأمّا
العامّة فسيوافيك بيانها لاحقاً.
يثبت التوثيق الخاص بوجوه نذكرها واحداً
تلو الآخر :
الأوّل : نصّ أحد
المعصومين :
إذا نصّ أحد المعصومين : على وثاقة الرجل ، فإنّ ذلك يثبت
وثاقته قطعاً ، وهذا من أوضح الطرق وأسماها ، ولكن يتوقّف على ثبوته بالعلم
الوجداني أو برواية معتبرة ؛ والأوّل غير متحقّق في زماننا ، إلاّ أنّ الثانية موجودة
كثيراً.
مثلاً : روى الكشّي بسند صحيح عن علي بن
المسيب ، قال : قلت للرضا 7
: شُقّتي بعيدة ولست أصِلُ إليك في كلّ وقت ، فعمّن آخذ معالم ديني؟
فقال : « من زكريا بن آدم القمي ، المأمون
على الدين والدنيا ».
نعم يجب أن يصل التوثيق بسند صحيح ، ويترتب
عليه أمران :
الأوّل
: لا يمكن الاستدلال على وثاقة الراوي برواية نفسه عن الإمام ، فإنّ إثبات وثاقة
الراوي بقوله يستلزم الدور الواضح ، وكان سيدنا الأُستاذ الإمام الخميني 1 يقول : إذا كان ناقل الوثاقة هو نفس
الراوي ، فإنّ ذلك يثير سوء الظن به ، حيث قام بنقل مدائحه وفضائله في الملأ
الإسلامي.
الثاني
: لا يمكن إثبات وثاقة الراوي بالرواية الضعيفة ، فإنّ الرواية إذا لم تكن قابلة
للاعتماد كيف تثبت بها وثاقة الراوي؟!
الثاني : نصّ أحد
أعلام المتقدّمين
إذا نصّ أحد أعلام المتقدّمين كالبرقي
والكشّي وابن قولويه والصدوق والمفيد والنجاشي والشيخ وأمثالهم على وثاقة الراوي.
لكنّ الاكتفاء بتوثيق واحد منهم مبني
على حجّية قول الثقة في الأحكام والموضوعات ، فكما أنّ قول الثقة حجّة في الأحكام
من دون لزوم التعدّد فهكذا حجّة في الموضوعات ، ومنها المقام أي كون الراوي ثقة أو
غير ثقة. وقد أثبتنا في بحوثنا الأُصولية انّ دليل حجّية خبر الثقة يعمّ الأحكام
والموضوعات معاً إلاّ ما دلّ الدليل الشرعي على التعدّد ؛ كما في المرافعات لفضّ
الخصومات حيث لا يُقضى إلاّ بالبيّنة ، ومثلها رؤية الهلال وغيرهما. وقد وردت
روايات يستنبط منها حجّية قول الثقة في الموضوعات ذكرناها في كتابنا « كليات في
علم الرجال ».
ثمّ على القول بحجّية قول الثقة في
الحكم والموضوع يبقى هناك إشكال ، وهو انّ إخبار الأعلام المتقدّمين عن الوثاقة
والحسن ، لعلّه نشأ من الحدس
والاجتهاد وإعمال
النظر ، فلا تشمله أدلّة حجّية خبر الثقة فإنّها لا تشمل إلاّ الإخبار عن حسّ.
والجواب
: انّه لا شكّ في اختصاص قول الثقة بما إذا أخبر عن حس لا عن حدس ، ومبنى الأصحاب
في التوثيق والجرح كان هو الحس لا الحدس ، ويؤيد ذلك انّ النجاشي ربّما يستند إلى
أقوال الرجال ، ويقول : « ذكره أحمد بن الحسين » ، إلى غير ذلك من الموارد.
والذي يبيّن انّهم كانوا يستندون في
التوثيق والتضعيف على الحسّ دون الحدس ، قول الشيخ في كتاب « العدّة » في آخر فصله
، حيث قال في ثنايا البحث عن حجّية خبر الواحد :
« إنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال
الناقلة لهذه الأخبار فوثّقت الثقات منهم ، وضعّفت الضعفاء ، وفرّقت بين من يعتمد
على حديثه وروايته ، وبين من لا يعتمد على خبره ، ومدحوا الممدوح منهم ، وذمّوا
المذموم وقالوا : فلان متّهم في حديثه ، وفلان كذّاب ، وفلان مخلّط ، وفلان مخالف
في المذهب والاعتقاد ، وفلان واقفي ، وفلان فطحي ، وغير ذلك من الطعون التي
ذكروها. وصنّفوا في ذلك الكتب واستثنوا الرجال في جملة ما رووه في التصانيف في
فهارسهم ، حتّى أنّ واحداً منهم إذا أنكر حديثاً نظر في إسناده وضعفه برواته. هذه
عادتهم على قديم وحديث لا تنخرم ».
وهذا دليل على أنّ التوثيق والتضعيف ، والمدح
والقدح كانت من الأُمور الشائعة المتعارفة بين العلماء ، وكانوا ينصّون عليها في
كتبهم.
الثالث : نصّ أحد
أعلام المتأخّرين
وما تثبت به وثاقة الراوي أو حسن حاله
هو نص أحد أعلام المتأخّرين عن
الشيخ الطوسي ؛
ولكنّه على قسمين : قسم مستند إلى الحس ، وقسم مستند إلى الحدس.
فالأوّل كما في توثيقات الشيخ منتجب
الدين ( المتوفّى ٥٨٥ هـ ) وابن شهر آشوب ( المتوفّى ٥٨٨ هـ ) صاحب « معالم
العلماء » وغيرهما ، فإنّهم لأجل قرب عصرهم لعصور الرواة ، ووجود الكتب الرجالية
المؤلّفة في العصور المتقدّمة بينهم ، كانوا يعتمدون في التوثيق والتضعيف على
السماع ، أو الوجدان في الكتاب المعروف أو على الاستفاضة والاشتهار ، ودونهما في
الاعتماد ما ينقله ابن داود في رجاله ، والعلاّمة في خلاصته عن بعض علماء الرجال.
والثاني كالتوثيقات الواردة في رجال من
تأخّر عنهم كالميرزا الاسترآبادي والسيد التفريشي والأردبيلي والقهبائي والمجلسي
والمحقّق البهبهاني وأضرابهم ، فإنّ توثيقاتهم مبنيّة على الحدس والاجتهاد كما
تفصح عنه كتبهم ، فلو قلنا بأنّ حجّية قول الرجالي من باب الشهادة ، فلا تعتبر
توثيقات المتأخّرين ; لأنّ آراءَهم في حقّ الرواة مبنيّة على الاجتهاد والحدس ، ولا
شكّ في أنّه يعتبر في قبول الشهادة إحراز كونها مستندة إلى الحس دون الحدس ، كيف؟
وقد ورد في باب الشهادة انّ الصادق 7
قال : « لا تشهدنّ بشهادة حتّى تعرفها كما تعرف كفّك ».
تمرينات
١. ما هو الطريق الأوّل لمعرفة وثاقة
الراوي ، مع ذكر مثال له؟
٢.هل تنصيص أعلام المتقدّمين على
الوثاقة حجّة ، أو لا؟ ولماذا؟
٣. اذكر كلام الشيخ في كتاب العدة ، وماذا
أراد منه؟
٤. هل تنصيص أعلام المتأخّرين على
الوثاقة حجّة أو لا؟ وهل هناك فرق بين من قَرُبَ عهدهُ من زمان الرواة ومَنْ بعد
عنه؟
الدرس
السادس
تصحيح الرجوع
إلى توثيقات المتأخّرين
إذا كان الرجوع إلى قول الرجالي من باب
الشهادة ، فقد علمت أنّه لا عبرة بتوثيقات المتأخّرين ; لأنّه يشترط في صحّة
الشهادة ونفوذها استنادها إلى الحس ، وهذا الشرط منتف في توثيقاتهم.
نعم يمكن تصحيح الرجوع إلى توثيقاتهم
بوجهين :
الأوّل : الرجوع إلى أهل الخبرة
إنّ الرجوع إلى قول الرجالي يُعدّ من
أقسام الرجوع إلى أهل الخبرة ، ولا يشترط في الاعتماد على أقوالهم أن يكون نظرهم
مستنداً إلى الحس ، فإنّ قول الخبير حجة سواء استند إلى الحس وهو قليل ، أم إلى
الحدس وهو كثير.
ألا ترى أنّ قول الطبيب المعالج حجّة في
حقّ المريض ، فلو أمر الطبيب المريض بالامتناع من استعمال الماء ، يجب على المريض
التيمّم مكان الوضوء ; أو قال بأنّ الصوم مضرّ بصحّته ، يجب على الصائم الإفطار.
ومنه أيضاً تقييم الخسارات الواردة على
الأموال ، ومثلها الجناية فيرجع في تحديدها إلى أهل الخبرة ، وليس نظرهم مستنداً
إلى الحس.
فالعالم الرجالي خبير في معرفة الرواة
من حيث الوثاقة وضدّها وإن استند في نظره إلى القرائن والشواهد المفيدة للاطمئنان
في مورده.
وهذا الوجه إنّما يفيد لمن يقول بحجّية
قول الرجالي من باب أنّهم أهل الخبرة.
الثاني : حجّية الخبر الموثوق بصدوره
إنّ الدليل الوحيد على حجّية خبر الواحد
هو بناء العقلاء وسيرتهم المتّصلة بزمن المعصومين الكاشفة عن رضاهم بالعمل بخبر
الواحد ، ولكن الكلام فيما هو موضوع الحجّية ، فهناك نظران :
أ. انّ الحجّة هو خبر الثقة بما هو ثقة
وإن لم يفد الوثوقَ بصدور الرواية.
فلو كان هذا هو الموضوع فلا يفيد الرجوع
إلى توثيقات المتأخّرين في إثبات الصغرى ، وهو انّ المخبر ثقة ، لعدم استنادهم في
مقام الشهادة إلى الحسّ.
ب. انّ الموضوع للحجّية هو الخبر
الموثوق بصدوره سواء أكان الراوي ثقة أم لا ، وانّ العمل بخبر الثقة لأجل انّه
يفيد الوثوق بصدور الرواية.
فإذا كان هذا هو ملاك الحجّية فالرجوع
إلى توثيقات المتأخّرين الذين يعتمدون في التعديل والجرح على القرائن والأمارات ، ربما
يورث الوثوق بصدور الخبر فلا يكون الرجوع إلى أقوالهم وكلامهم أمراً غير مفيد.
طرق الوثوق بصدور الرواية
كما أنّ توثيقات المتأخّرين من الطرق
المورثة للعلم بصدور الرواية ، فإنّ هناك أُموراً أُخرى يجب على المستنبط القيام
بها مباشرة ، فإنّها من الأُمور المورثة
للوثوق بالرواية
وعدمه.
أ. أن يعرف طبقة الراوي وعصره وأساتذته
وتلاميذه ليميّز الأسماء المشتركة بين الرواة ، والمرسلة عن غيرها.
ب. أن يعرف مدى ضبط الراوي وإتقانه في
نقل الرواية من خلال الاطّلاع على رواياته.
ج. أن يعرف كميّة رواياته كثرة وقلّة ، فإنّ
التعرّف على ذلك يحدّد مكانة الراوي ومنزلته في نقل الحديث.
د. مقدار فضله وعلمه.
وهذه الأُمور الأربعة تؤكّد ثبوت الصغرى
، أي كون الخبر موثوق الصدور.
ويمكن استحصالها من الرجوع إلى الكتب
التالية :
١. « جامع الرواة
» للشيخ المحقّق الأردبيلي المعاصر للعلاّمة المجلسي ( المتوفّى ١١١٠ هـ ).
٢. « طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال
» للسيد محمد شفيع الموسوي التفريشي من علماء القرن الثالث عشر.
٣. « ترتيب الأسانيد
» أو « تجريدها
» للسيد المحقّق البروجردي ( ١٢٩٢ ـ ١٣٨٠ هـ ).
٤. « معجم رجال الحديث
» للسيد المحقّق أبو القاسم الخوئي ( ١٣١٧ ـ ١٤١٣ هـ ).
فإنّ هذه الموسوعات الأربع خير وسيلة
للوقوف على مكانة الراوي وراء ما في الكتب الرجالية الدارجة.
تمرينات
١. ما هو الوجه الأوّل ، لتصحيح الأخذ
بتوثيقات المتأخّرين؟
٢. ما هو الوجه الثاني لتصحيح الأخذ
بتوثيقات المتأخّرين؟
٣. اذكر طرق الوثوق بصدق الرواية.
٤. ما هي الكتب التي توصلنا إلى هذه
الطرق؟
الدرس
السابع
التوثيقات
العامّة
قد تعرّفت على أنّ التوثيق ينقسم إلى : توثيق
خاص وتوثيق عام ، وقد مضى الكلام في الأوّل ، وإليك البحث في الثاني.
والمراد من التوثيقات العامّة : توثيق
جماعة تحت ضابطة خاصة وعنوان معيّن. وفيما يلي ، نذكر توثيقين عامّين منها :
الأوّل : صحبة النبي 6 والإمام
عدالة صحابة النبيّ ونزاهتهم من كلّ سوء
هي أحد الأُصول التي يتديّن بها أهل الحديث والأشاعرة من أهل السّنّة ، وقد راجت
تلك العقيدة بينهم حتى جعلها الإمام الأشعري ( ٢٦٠ ـ ٣٢٤ هـ ) أحد الأُصول التي
يبتني عليها مذهب أهل السنّة جميعاً.
ولكن إثبات الضابطة ( عدالة كلّ صحابيّ
) دونها خرط القتاد ، فإنّ الصحابة في الذكر الحكيم على صنفين :
فصنف يمدحهم ويصفهم تحت عناوين تالية :
السابقون الأوّلون : ( وَالسّابِقُونَ الأَوّلُونَ مِنَ
الْمُهاجِرينَوَالأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسان رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ).
المبايعون تحت الشجرة : ( لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنينَ إِذْ
يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ
... ).
الفقراء المهاجرون : ( لِلْفُقَراءِ المُهاجِرينَ الَّذينَ أُخْرِجُوا
مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ ورضْواناً
... ).
أصحاب الفتح : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ والَّذِينَ مَعَهُ
أَشِدّاء عَلى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ
... ).
وصنف آخر يذّمهم ويصفهم بالعناوين
التالية :
المنافقون : ( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ
إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنّكَ لَرَسُولُهُ وَاللّهُ يَشْهَدُ
إِنَّ الْمُنافِقينَ لَكاذِبُونَ
).
المنافقون المختفون : ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلى
النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُم
).
مرضى القلوب : ( وَإِذْ يَقُولُُ
الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنا اللّهُ وَرَسُولُهُ
إِلاّ غُرُوراً ).
السمّاعون للمنافقين : ( لَوْ خَرجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ
إِلاّخَبالاً ... وفيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَليمٌ بِالظّالِمين
).
المشرفون على الارتداد : ( وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهُمْ
يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْر الحَقِّ ظَنّ الجاهِليةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ
الأَمْرِ مِنْ شَيْء ... ).
الفاسق : (
إِنْ
جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَاء فَتَبَيَّنُوا
... ).
المسلمون غير المؤمنين : ( قالَتِ الأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا
وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا ).
المؤلّفة قلوبهم : ( إِنَّما الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ
وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُم
).
المولّون أمام الكفّار : ( وَمَنْ يُولِّهِمْ يَومَئِذ دُبُرَهُ إِلاّ
مُتَحَرِّفاً لِقِتال أَوْمُتَحَيِّزاً إِلى فِئَة فَقَدْ باءَبِغَضَب مِنَ اللّهِ
).
فإذا كانت صحابة النبي مصنَّفة في صنفين
حسب الذكر الحكيم ، فكيف يمكن لنا أن نعدّ الجميع عدولاً؟! هذا كلّه إذا رجعنا إلى
الكتاب العزيز.
وأمّا إذا رجعنا إلى السنّة فيعرّفهم
النبي 6 حسب ما
أخرجه البخاري ومسلم حيث رويا بسند صحيح عن رسول اللّه 6 انّه قال : « يرد عليّ يوم القيامة رهط
من أصحابي فيحلؤون
عن الحوض ، فأقول : يا ربِّ أصحابي ، فيقول : إنّه لاعلم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم
ارتدّوا على أدبارهم القهقرى ».
إلى غير ذلك من الأحاديث الحاكية عن
ارتداد قسم من الصحابة بعد رحيل النبي الأكرم 6.
فالصحابي بما انّه رأى النور وتشرّف
برؤية النبي 6 فهو معزّز
مكرّم ، إلاّ أنّ ذلك لا يمنعنا عن التفتيش عن أحواله وحالاته في حياة النبيّ وبعد
رحيله ، فلو ثبتت وثاقته نأخذ بها ، وإلاّ فيكون حاله كالتابعين وتابعي التابعين ،
فما لم تحرز وثاقة الرجل لا يؤخذ بقوله.
ونظير ذلك الكلام في صحابة الأئمّة : ؛ فبمجرّد الصحبة لا يلازم وثاقة
المصاحب.
ألا ترى أنّ مصاحبة امرأتي نوح ولوط لم
تنفع لحالهما ، وخوطبا بقوله سبحانه : (
قيلَ
ادْخُلاَ النّارَ مَعَ الدّاخلينَ
).
الثاني : الوكالة عن الإمام
ربّما تعدّ الوكالة عن الإمام طريقاً
إلى وثاقة الراوي ، ويستدلّ عليه بما رواه الكليني عن علي بن محمد ، عن الحسن بن
عبد الحميد ، قال : شككت في أمر « حاجز » فجمعت شيئاً ، ثمّ صرت إلى العسكر ، فخرج
إليَّ : « ليس فينا شكّ ولا في من يقوم مقامنا ، بأمرنا ، رُدّ ما معك إلى حاجز بن
يزيد ».
وممّا يؤخذ على الاستدلال بالرواية :
أوّلاً
: انّ الرواية أخصّ من المدّعى ، فانّ
الظاهر انّ المراد الوكلاء المعروفون الذين قاموا مقام الأئمّة : بأمرهم ، وهذا غير كون الرجل وكيلاً
للإمام في أمر ضيعته أو في أمر آخر.
ثانياً
: كيف يمكن عدَّ الوكالة على وجه
الإطلاق من أسباب التوثيق مع أنّ بعض الوكلاء أمثال علي بن حمزة البطائني ، وزياد
بن مروان القندي ، وعثمان بن عيسى الرؤاسي طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حطامها
واستمالوا قوماً ، فبذلوا لهم شيئاً ممّا اختانوه من الأموال؟! وكان عند ابن أبي
حمزة ثلاثون ألف دينار ، وعند زياد القندي سبعون ألف دينار.
نعم إذا كان الرجل وكيلاً من جانب
الإمام طيلة سنوات ، ولم يرد فيه ذمّ يمكن أن تكون قرينة على وثاقته وثبات قدمه ، إذ
من البعيد أن يكون الكاذب وكيلاً من جانب الإمام عدّة سنوات ولا يظهر كذبه للإمام
فيعزله.
تمرينات
١. بيّن أنواع التوثيقات ، وما هو
المراد من التوثيقات العامّة؟
٢. هل صحبة النبيّ أو الإمام تلازم
الوثاقة ، أو لا؟ ولماذا؟
٣. هل الوكالة عن الإمام دليل على وثاقة
الوكيل ، أو لا؟ وما هو المختار في المقام؟
الدرس
الثامن
هل شيخوخة
الإجازة آية الوثاقة؟
مشايخ الإجازة هم الذين يجيزون
لتلاميذهم رواية كتبهم عنهم ، أو رواية كتب الآخرين عن طريقهم ، فهل استجازة الثقة
عن واحد منهم آية كون المجيز ثقة أو لا؟
مثلاً ، انّ الصدوق والشيخ يرويان
كثيراً من المصنّفات والأُصول المؤلّفة في أعصار الأئمّة ، بالاستجازة عن مشايخهما
، فهل استجازة ذينك العلمين أو غيرهما من الأعلام ، من هؤلاء المشايخ دليلاً على
وثاقتهم مطلقاً ، أو عند المستجيز خاصة ، أو لا يدلّ على شيء منها؟
والكلام في المقام مبنيّ على أنّ رواية
الثقة عن شخص ، لا يعدّ دليلاً على كون المروي عنه ثقة عند الراوي ، وإلاّ فلو
قلنا بهذا الأصل فاستجازة الثقة كروايته دليلان على كون المجيز والمروي عنه ثقتين.
صور الإستجازة
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ للاستجازة صوراً
:
١. إجازة الشيخ كتابَ نفسه
إذا أجاز المجيز رواية كتابه عنه ، فلا
تعدّ استجازة الثقة دليلاً على وثاقة
المجيز ، بل يشترط
فيه ما يشترط في سائر الرواة من الوثاقة والضبط ، إذ لا تزيد استجازة الثقة عن شخص
، على روايته عنه ، فكما لا تدلّ رواية الثقة على وثاقة المروي عنه فهكذا
الاستجازة.
٢. إجازة رواية كتاب ، ثابت الانتساب لمؤلّفه
إذا أجاز الشيخ المجيز ، رواية كتاب
لغيره ، وكانت نسبة الكتاب إلى مصنّفه مشهوراً ثابتاً ، وتكون الغاية من الاستجازة
هي مجرّد اتصال السند ، وتصحيح الحكاية والتمكّن من القول بـ « حدّثنا » إلى أن
ينتهي إلى الإمام ، دون تحصيل العلم لنسبة الكتاب إلى مصنّفه ، لأنّ المفروض انّ
نسبته إليه كالشمس في رائعة النهار.
وهذا نظير إجازة المشايخ الأكابر
لتلاميذهم أن يرووا عنهم ، الكتب الأربعة للمحامدة الثلاثة ، وبما انّ الغاية ليست
تحصيلَ العلم بنسبة الكتاب إلى مصنّفه بل الغاية تحصيل اتّصال السند والتمكّن من
نقل الحديث بلفظ « حدّثنا » إلى أن ينتهي إلى المعصوم ، لا تعدّ الاستجازة دليلاً
على وثاقة المجيز.
والظاهر انّ مشايخ الصدوق في « الفقيه »
من هذا القسم ، حيث إنّه 1
قد حذف أوائل السند وابتدأ السند باسم من أخذ الحديث من أصله أو مصنّفه حتى يصل
السند إلى الإمام ، ثمّ وضع في آخر الكتاب « مشيخة » ذكر فيها طريقه إلى من أخذ
الحديث من كتابه.
ويظهر من مقدّمة « الفقيه » انّ الكتب
التي أُخذ الحديث عنها ، كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع ، وانّ ما ذكره
في المشيخة لأجل تحصيل اتّصال السند ، لا لتصحيح نسبة الكتاب إلى مؤلّفه. وعلى هذا لا تدلّ استجازة الصدوق على
وثاقة مشايخه الذين ذكر أسماءهم في المشيخة.
٣. إذا أجاز رواية كتاب لم تثبت نسبته إلى مؤلّفه
إذا أجاز رواية كتاب لم تثبت نسبته إلى
مؤلّفه إلاّ بواسطة الشيخ المجيز ، لا شكّ انّه تشترط وثاقة الشيخ المجيز عند
المستجيز ، إذ لولاها لما ثبتت نسبته إلى المؤلّف ، وبدونها لا يثبت الكتاب ولا ما
احتواه من السند والمتن وعادت الإجازة أمراً لغواً.
وباختصار ، انّ الهدف الأسمى في هذا
القسم من الاستجازة والاستمداد من ذكر الطريق إلى أصحاب هذه الكتب ، هو إثبات نسبة
هذه الكتب إلى أصحابها ومؤلّفيها لا غير ، ولا يتحقّق هذا الهدف إلاّ أن يكون
الشيوخ المجيزون واحداً تلو الآخر ثقاتاً يُعتمد على قولهم ، ولو لم يكن الشيخ ثقة
عند المستجيز لما كان للاستناد إليه أيّة فائدة.
هل كثرة تخريج الثقة عن شخص آية الوثاقة؟
إذا أكثر الثقةُ الروايةَ عن شخص فهل
يدلّ هذا النوع من التخريج على أنّ المروي عنه ثقة؟
وقبل أن نشير إلى المختار ، نسلّط الضوء
على أمرين :
الأوّل
: انّ مجرّد نقل الثقة عن شخص لا يدلّ على
وثاقة المروي عنه ، لشيوع نقل الثقات من غيرهم ؛ لأنّ الهدف من النقل لا ينحصر في
الاحتجاج والعمل حتّى يقال : انّه لا يحتجّ بقول غير الثقة فلماذا نقلوا عن غير
الثقات ، بل ربّما يكون الغرض دعم سائر الأحاديث التي يتّحد مضمونها مع ما يرويه
عن الضعيف ، وبهذا السبب كانت الثقات يروون عن الضعاف أيضاً.
الثاني
: انّ كثرة النقل عن الضعاف كان أمراً
معرضاً عنه بين مشايخ
الحديث في العصور
الأُولى ، وتعدّ من أسباب الطعن على الثقة ، ولذلك أخرج زعيم القمّيّين أحمدُ بن
محمد بن عيسى ( المتوفّى حوالي ٢٨٠ هـ ) معاصرَه أحمد بن محمد بن خالد البرقي (
المتوفـّى عام ٢٧٤ هـ ) عن قم ، لكثرة نقله عن الضعفاء.
قال العلاّمة في ترجمة البرقي : إنّه
أكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل.
وقال ابن الغضائري : طعن عليه القمّيون
وليس الطعن فيه ، إنّما الطعن فيمن يروي عنه ، فإنّه كان لا يبالي عمّن أخذ على
طريقة الأخبار ، وكان أحمد بن محمد بن عيسى أبعده من قم ثمّ أعاده واعتذر إليه.
إذا اتّضح هذان الأمران فاعلم :
إنّ نقل الثقة عن غيره إذا كان قليلاً
يدخل في الأمر الأوّل ولا يدلّ على وثاقة المروي عنه وقلنا انّ الثقة يروي عن غيره
أحياناً ; وأمّا إذا أكثر النقل عنه ، فلو كان المروي عنه ضعيفاً يدخل في الأمر
الثاني ويعدّ طعناً في الراوي ، ويُسجِّل التاريخ ذلك في حقّه ، فإذا أكثر النقل
ولم يتعرّض له التاريخ بطعن ، نستكشف عن أنّ المروي عنه ثقة.
أضف إلى ذلك انّه لو لم يكن المروي عنه
ثقة لعاد النقل الكثير أمراً لغواً ، وهذا بخلاف قلّة النقل فإنّها لا تكون كذلك
لما عرفت من أنّ للنقل أهدافاً أُخرى غير الاحتجاج وهو دعم سائر الروايات والنقول
المتّحدة معها في المضمون ، وهذه الفائدة منتفية فيما لو أكثر النقل عن شخص.
كثرة الرواية عن المعصوم
إنّ كثرة الرواية عن المعصوم من دون فرق
بين أن يكثر عن النبي 6
أو الإمام 7 لا يصلح
دليلاً على وثاقة الراوي ، وكم من ضعيف في تاريخ الحديث اتّجر بالحديث المكذوب على
لسان النبي حتى قام النبي 6
بالبراءة من تلك الطغمة وقال : « كثرت الكذّابة عليّ ، فمن كذب عليَّ متعمّداً
فليتبوّأ مقعده من النار ».
وعلى ضوء ذلك لا يمكن أن تعدّ كثرة
الرواية عن المعصوم دليلاً على الوثاقة.
نعم هناك طريق لكشف حاله ، وهو انّه إذا
كان القسم الكبير من رواياته ، مطابقاً مضموناً مع الروايات التي رواها سائر
الثقات ، فعند ذلك نستكشف منه انّ الرجل ثقة ، له رغبة بالحديث ونشره ، فيحتجّ
بعامّة رواياته.
تمرينات
١. ما هو المراد من شيخوخة الإجازة؟
٢. اذكر صور الاستجازة.
٣. لماذا تعدّ كثرة تخريج الثقة عن راو
دليلاً على وثاقة المخرج؟
٤. هل كثرة الرواية عن المعصوم أمارة
على الوثاقة أو لا؟
الدرس
التاسع
أصحاب الإمام
الصادق عليه السلام الثقات
إنّ الإمام الصادق 7 قام بتثقيف الأُمّة في عصر تضاربت فيه
الآراء والأفكار واشتعلت فيه نار الحرب بين الأمويين ومعارضيهم ؛ ففي تلك الظروف
الصعبة القاسية استغلّ الإمام الفرصة ونشر من أحاديث جدّه وعلوم آبائه ما سارت به
الركبان ، وتربّى على يديه الآلاف من المحدّثين والفقهاء ، وهذه فضيلة رابية لم
تُكتب لأحد من الأئمّة لا قبله ولا بعده.
هذا هو الشيخ المفيد يصف مدرسته بقوله :
نقل الناس عن الصادق 7
من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتشر ذكره في البلدان ، ولم ينقل عن أحد من أهل
بيته العلماء ، ما نقل عنه ، ولا لقي أحد منهم من أهل الآثار ونقلة الأخبار ولا
نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد اللّه ، فإنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة
عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات ، فكانوا أربعة الآف رجل.
ونقل قريباً من ذلك النصّ ابن شهر آشوب
في مناقبه
، والفتّال في « روضة الواعظين »
، والطبرسي في « إعلام الورى ».
وهؤلاء الأقطاب الأربعة وصفوا تلك
الصفوة من تلاميذ الإمام بالثقات ، فلو كان هناك طريق للتعرّف عليهم ، نحتجّ
بأحاديثهم جميعاً.
ويمكن التعرّف عليهم بملاحظة أمرين :
١. إنّ الحافظ أحمد بن محمد بن سعيد
المكنّى بأبي العباس المعروف بابن عقدة ( المتوفّى ٣٣٣ هـ ) ممّن ضبط أصحاب الصادق
كلّهم في كتابه الرجالي ، ونقله النجاشي عنه حيث قال في ترجمة ابن عقدة : له كتاب
الرجال ، وهو كتاب من روى عن جعفر بن محمد.
ونقل ذلك النصّ الشيخ أيضاً في رجاله.
ومع الأسف أنّ رجال ابن عقدة ـ ذلك الحافظ الكبير ـ لم يصل إلى المتأخّرين ، وقد
فحصنا عنه في المكتبات العامّة حتى مكتبات اليمن ، فلم نجد له أثراً ، ومع ذلك
يمكن الوقوف على ما في طيّاته من طريق آخر ، وهذا هو الذي نذكره في الأمر الثاني.
٢. الظاهر انّ كلام الشيخ المفيد ناظر
إلى ما جمعه ابن عقدة من أسماء أصحاب الإمام الصادق 7
في رجاله ، وقد أدخل الشيخ الطوسي قسماً كبيراً ممّا ذكره ابن عقدة في رجاله ، فبالرجوع
إلى ذلك الكتاب يمكن الوقوف على أصحاب الإمام الصادق 7
الثقات. وبذلك يقف المتتبع على آلاف من الثقات.
ولكن الاعتماد على هذا النوع من التوثيق
مشكل ، وذلك لعدّة أُمور :
أوّلاً
: إنّ بعض المتأخّرين من علمائنا ، اكتفوا
بذكر عدد الرواة عن الصادق 7
دون وصفهم بالثقات.
ثانياً
: إن أراد الشيخ المفيد بكلامه هذا انّ أصحاب الصادق 7
كانوا أربعة آلاف وكلّهم كانوا ثقاتاً ، فهذا أشبه بما عليه الجمهور من أنّ أصحاب
النبي 6 كانوا كلّهم
عدولاً.
وإن أراد انّ أصحاب الصادق 7 كانوا كثيرين ، إلاّ أنّ الثقات منهم
كانوا أربعة آلاف ، فهذا أمر يمكن التسالم عليه ، لكنّه غير مفيد ، إذ لا سبيل إلى
معرفة الثقات منهم وتمييزهم عن غيرهم.
ثالثاً
: انّ الشيخ قد ضعّف عدّة من أصحاب الصادق 7
، فقال : في الباب المختص بهم :
إبراهيم بن أبي حبّة ضعيف ، الحارث بن
عمر البصري أبو عمر ضعيف الحديث ، عبد الرحمن بن الهلقام ضعيف ، عمرو بن جميع
البصري الأزدي ضعيف الحديث ، محمد بن حجّاج المدني منكر الحديث ، محمد بن عبد
الملك الأنصاري الكوفي ضعيف ، محمد بن مقلاص الأسدي الكوفي : ملعون غال.
إلى غير ذلك من العبارات في حقّ بعض
أصحاب الإمام7 ، فكيف يمكن
أن يقال : إنّ كلّ ماجاء به رجال الشيخ ، نفس ما ذكره الشيخ المفيد؟!
رابعاً
: انّ المتبادر من أمثال عبارة الشيخ
المفيد الواردة في مقام الإطراء والثناء ، هو وجود كثرة معتدّ بها من الثقات بين
أصحاب الإمام 7
، لا انّ الوثاقة تعمّهم بلا استثناء ، وهذا نظير من يصف طلاب الجامعة بالذكاء
والفطنة ، فلا يبغي من وراء كلامه هذا ، ذكاء الجميع دون استثناء بل غالبيتهم.
ثمّ إنّ في كلام الشيخ إلماعاً إلى ما
ذكرناه ، حيث قال : مع اختلافهم في
الآراء والمقالات.
والمراد منها هو المسائل العقائدية
والكلاميّة ، فكيف يمكن عدّ جميعهم من الثقات العدول مع اختلافهم في بعض الأُصول
كالجبر والتفويض ، وعينية الصفات وزيادتها على ذاته تعالى وعصمة الأنبياء ، ومحاربي
الإمام علي 7 ، إلى غير
ذلك من المقالات؟! فلا محيص من حمله على الغالبية التي تُبهر العيون.
وعلى ضوء ذلك فلا تثبت وثاقة كلّ من
عدّه الشيخ أو النجاشي انّه من أصحاب الإمام الصادق 7.
تمرينات
١. اذكر كلمة الشيخ المفيد في حقّ أصحاب
الإمام الصادق 7.
٢. بماذا يمكن التعرّف على أعيانهم
وأسمائهم؟
٣. هل يصحّ الاعتماد على ظاهر عبارة
المفيد أو لا؟ ولماذا؟
٤. ما هو المراد من عبارة الشيخ المفيد
في هذا المقام؟
الدرس
العاشر
أصحاب الإجماع
البحث عن أصحاب الإجماع من أهمّ بحوث
علم الرجال ، وقد أشار إليه المحدّث النوري وقال : إنّه من مهمّات هذا الفن ، إذ
على بعض التفاسير يُحكم على كثير من الأحاديث بالصحّة وعلى كثير من الرواة
بالوثاقة ، والأصل في ذلك ما ذكره أبو عمرو الكشّي في رجاله في مواضع ثلاثة ، ولا
محيص عن سرد نصوصه كي نعود إلى تفسيرها.
عنون باباً باسم تسمية الفقهاء من أصحاب
أبي جعفر وابي عبد اللّه 8
وقال تحت هذا العنوان :
١. أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء
الأوّلين من أصحاب أبي جعفر 7
وأصحاب أبي عبد اللّه 7
وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأوّلين ستة : زرارة ، ومعروف بن خرَّبوذ ،
وبريد ، وابو بصير الأسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي ، قالوا : أفقه
الستة زرارة ، وقال بعضهم مكان أبي بصير الأسدي ، أبو بصير المرادي وهو ليث بن
البختري.
ثمّ ذكر عنواناً آخر باسم « تسمية
الفقهاء من أصحاب أبي عبد اللّه 7
» وقال بعده :
٢. أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن
هؤلاء وتصديقهم لما يقولون ، وأقرّوا لهم بالفقه من دون أُولئك الستة الذين
عددناهم وسمّيناهم ، وهم ستة نفر : جميل بن دراج ، وعبد اللّه بن مسكان ، وعبد
اللّه بن بكير ، وحمّاد بن عثمان ، وحماد بن عيسى ، وأبان بن عثمان. قالوا : وزعم
أبو إسحاق الفقيه يعني ثعلبة بـن ميمـون
أنّ أفقه هـؤلاء جميـل بن دراج وهـم أحـداث
أصحـاب أبي عبد اللّه 7.
ثمّ ذكر تحت عنوان ثالث ، أعني : تسمية
الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن 8
قوله :
٣. أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن
هؤلاء وتصديقهم وأقرّوا لهم بالفقه والعلم ، وهم ستة نفر آخر دون ستّة نفر الذين
ذكرناهم في أصحاب أبي عبد اللّه 7
منهم : يونس بن عبدالرحمن ، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري ، ومحمّد بن أبي عمير ، وعبد
اللّه بن مغيرة ، والحسن بن محبوب ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، وقال بعضهم مكان
الحسن بن محبوب : الحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب ، وقال بعضهم مكان فضالة بن
أيوب : عثمان بن
عيسى ، وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن ، وصفوان بن يحيى.
وقبل تفسير كلام الكشي نقدّم أُموراً :
الأوّل : أصحاب الإجماع اصطلاح جديد
إنّ التعبير عن هذه الجماعة بـ « أصحاب
الإجماع » أمر حدث بين المتأخّرين ، وجعلوه أحد الموضوعات التي يُبحث عنها في
مقدّمات الكتب الرجالية أو خواتيمها ، ولكن الكشي عبّر عنهم بـتسمية الفقهاء من
أصحاب الباقرين 8
، أو تسمية الفقهاء من أصحاب الصادق 7
، أو تسمية الفقهاء من أصحاب الكاظم والرضا 8
، فهو رحمه اللّه كان بصدد تسمية الفقهاء من أصحاب هؤلاء الأئمّة ، الذين لهم شأن
كذا وكذا ، والهدف من تسميتهم دون غيرهم ، هو تبيين انّ الأحاديث الفقهية تنتهي
إليهم غالباً ، فكأنّ الفقه الإمامي مأخوذ منهم ، ولو حذف هؤلاء وأحاديثهم من بساط
الفقه ، لما قام له عمود ، ولا اخضرَّ له عود.
الثاني : عدد أصحاب الإجماع
ذكر الكشي في الطبقة الأُولى ، ستة نفر
من أصحاب الصادقين 8
وهم :
١. زرارة بن أعين.
٢. معروف بن خرّبوذ.
٣. بريد بن معاوية.
٤. أبو بصير الأسدي.
٥. الفضيل بن يسار.
٦. محمد بن مسلم الطائفي.
هذا ما اختاره الكشي ، ولكن نقل انّ
بعضهم قال مكان أبي بصير الأسدي : أبو بصير المرادي.
وذكر الكشي في الطبقة الثانية ستة من
أحداث أصحاب أبي عبد اللّه 7
وهم :
٧. جميل بن درّاج.
٨. عبد اللّه بن مسكان.
٩. عبد اللّه بن بكير.
١٠. حمّاد بن عثمان.
١١. حمّاد بن عيسى.
١٢. أبان بن عثمان.
وهؤلاء محط اتّفاق الجميع.
كما ذكر أيضاً في الطبقة الثالثة ستة من
أصحاب الإمامين الكاظم والرضا 8
، وهم :
١٣. يونس بن عبد الرحمن.
١٤. صفوان بن يحيى بيّاع السابُري.
١٥. محمّد بن أبي عمير.
١٦. عبد اللّه بن مغيرة.
١٧. الحسن بن محبوب.
١٨. أحمد بن محمد بن أبي نصر.
فخمسة من هذه الطبقة مورد اتّفاق بين
الكشي وغيره إلاّ واحداً منهم حيث قال :
وذكر بعضهم مكان الحسن بن محبوب : الحسن
بن علي بن فضّال ، وفضالة بن أيوب.
وذكر بعضهم مكان فضالة بن أيوب : عثمان
بن عيسى ، وحيث إنّ خمسة من الطبقة الثالثة مورد اتّفاق بينه وبين غيره ، فيكون
مجموع ما اتّفق عليه ستة عشر شخصاً.
نعم انفرد الكشي بنقل الإجماع على شخصين
وهما : أبو بصير الأسدي من الطبقة الأُولى والحسن بن محبوب من الثالثة.
كما نقل الآخرون الاتّفاق على أربعة وهم
: أبو بصير المرادي من الطبقة الأُولى ، والحسن بن علي بن فضّال ، وفضالة بن أيوب
وعثمان بن عيسى من الطبقة الثالثة فيكون المجموع اثنين وعشرين شخصاً ، بين ما
اتّفق الكلّ على أنّهم من أصحاب الإجماع ، أو قال به الكشي وحده أو غيره ، فالمتيقن
هو ١٦ شخصاً ، والمختلف فيه هوستة أشخاص.
الثالث : أصحاب الإجماع في منظومة بحر
العلوم
إنّ السيد بحر العلوم ( ١١٥٥ ـ ١٢١٢ هـ
) جمع أسماء من ذكره الكشي في منظومته ، لكن خالفه في أبي بصير ، حيث حمله على
المرادي دون الأسدي ، وقال :
قد أجمع الكلّ على تصحيح ما
|
|
يصحّ عن جماعة فليعلما
|
وهم أُولوا نجابة ورفعة
|
|
أربعة وخمسة وتسعة
|
فالستَّة الأُولى من الأمجاد
|
|
أربعة منهم من الأوتاد
|
زرارة كذا بريد قد أتى
|
|
ثمّ محمّد وليث يا فتى
|
كذا الفضيل بعده معروف
|
|
وهو الّذي ما بيننا معروف
|
والستّة الوسطى أُولوا الفضائل
|
|
رتبتهم أدنى من الأوائل
|
جميل الجميل مع أبان
|
|
والعبدلان ثمّ حمّادان
|
والستّة الأُخرى هم صفوان
|
|
ويونس عليهما الرضوان
|
ثمّ ابن محبوب كذا محمّد
|
|
كذاك عبد اللّه ثمّ أحمد
|
وما ذكرناه الأصحّ عندنا
|
|
وشذَّ قول من به خالفنا
|
قوله : « وما ذكرناه الأصحّ » إشارة إلى
الاختلاف الّذي حكاه الكشّي في عبارته ، حيث اختار الكشّي أنّ أبا بصير الأسدي
منهم ، واختار غيره أنّ أبا بصير المرادي منهم ، واختار السيّد بحر العلوم القول
الثّاني ونسب القول الأوّل إلى الشّذوذ.
تمرينات
١. ما هو المراد من أصحاب الإجماع؟ وهل
هو اصطلاح جديد؟
٢. اذكر عدد أصحاب الإجماع من الطبقات
الثلاث في كلام الكشي.
٣. اذكر أسماء من اتّفقت كلمة الأصحاب
عليهم.
الدرس
الحادي عشر
التفسير
الأوّل
لقولهم «
تصحيح ما يصحّ عنهم »
قد تلقّى الأصحاب ما ذكره الكشي في حق
الطبقات الثلاث بالقبول ويظهر ذلك بالتتبع في كلماتهم ، ونحن نذكر أسماءَهم ومواضع
كلامهم :
١. محمد بن الحسن الطوسي حيث اختصر رجال
الكشي وترك العبارات الثلاث على حالها.
٢. رشيد الدين محمد بن علي بن شهر آشوب
( ٤٨٨ ـ ٥٨٨ هـ ) في كتابه المناقب.
لكنّه ذكر الطبقة الأُولى والثانية
باختلاف يسير وترك ذكر الثالثة.
٣. العلاّمة الحلي ( ٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ ) فقد
أشار إلى ما ذكره الكشي في خلاصته في موارد من كتابه.
٤. ابن داود الحلي ( ٦٤٨ ـ ٧٠٧ هـ )
مؤلف الرجال المعروف برجال ابن
داود ، حيث قال : أجمعت
العصابة على ثمانية عشر رجلاً فلم يختلفوا في تعظيمهم غير أنّهم يتفاوتون ثلاث
درج.
٥. الشهيد الأوّل ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ هـ ) في
غاية المراد عند البحث عن بيع الثمرة ، حيث نقل حديثاً في سنده الحسن بن محبوب
وقال : وقد قال الكشي : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن الحسن بن محبوب.
٦. الشهيد الثاني ( ٩١١ ـ ٩٦٦ هـ ) : قال
في شرح الدراية : نقلوا الإجماع على تصحيح ما يصحّ عن أبان بن عثمان.
إلى غير ذلك من النصوص الحاكية عن تلقّي
الأصحاب ما ذكره الكشي بالقبول ، وفيما ذكرناه غنى وكفاية.
في تفسير قوله : « تصحيح ما يصحّ عنهم »
هذا هو البحث المهم الذي عقدنا له هذا
الدرس :
إنّ قولهم « تصحيح ما يصحّ عنهم » مركّب
من جزءين :
١. « تصحيح ما ».
٢. « يصحّ عنهم ».
أمّا الجزء الثاني ، فنوضحه بالمثال
التالي :
كثيراً ما يروي الشيخ الكليني بالسند
التالي ويقول : علي بن إبراهيم ، عن أبيه إبراهيم بن هاشم ، عن ابن أبي عمير ، عن
ابن أُذينة ، عن أبي عبد اللّه 7
، فابن أبي عمير من أصحاب الإجماع ، فإذا كان السند من الكليني إلى ابن أبي
عمير صحيحاً ، يقال
: صحّ عنه ، ومثله سائر أصحاب الإجماع ، فإذا كان السند من بدئه إليهم صحيحاً ، يقال
: صحّ عنهم.
إنّما الكلام في تفسير الجزء الأوّل «
تصحيح ما » ، والخلاف في تفسيره يكمن فيما هو المراد من الموصول الذي أُضيف
التصحيح إليه؟ فهناك احتمالان أساسيّان
:
الأوّل
: انّ المراد من الموصول : التحديث والحكاية ، فيكون المعنى : تصديق تحديثهم
وحكاياتهم.
الثاني
: المراد من الموصول : المروي ونفس الحديث ، فيكون المعنى : تصديق رواياتهم
وأحاديثهم ؛ فتعيين أحدهما هو المفتاح لفهم معنى العبارة.
فلو قلنا بالاحتمال الأوّل أي تصديق
حكاياتهم التي يتضمّنها قول ابن أبي عمير « حدّثنا ابن أُذينة » لدلّ على أنّ
هؤلاء ثقات ، ـ دون دلالة على وثاقة من يروون عنهم ـ لأنّ اتّفاق الصحابة على
تصديق هؤلاء في حكايتهم يلازم القول بوثاقتهم ، فيكون مفاد الجملة حسب الدلالة
المطابقية هو تصديق حكاياتهم ، وحسب الدلالة الالتزامية هو توثيق هؤلاء ، لأجل
تصديق العصابة حكايتهم ونقولهم عن مشايخهم.
ولو قلنا بالاحتمال الثاني وانّ المراد
من الموصول هو تصديق مرويّاتهم وأحاديثهم وما يروونه عن المعصوم. فلو كان مستند
تصديق مرويّاتهم منحصراً في وثاقة هؤلاء ووثاقة من يروون عنه إلى أن يتصل السند
بالإمام ، تدخل طائفة كبيرة من الرواة ، أعني : الذين روى عنهم أصحاب الإجماع ، في
عداد الثقات ، فإنّ لمحمد بن أبي عمير وحده ، قرابة أربعمائة شيخ.
وعلى ضوء ذلك فالثمرة الرجالية تترتب
على الاحتمال الثاني دون الاحتمال الأوّل ، لأنّ لازم المعنى الأوّل ( تصديق
حكاياتهم ) هو وثاقة نفس هؤلاء ـ وهي أمر ثابت ـ فإنّ وثاقتهم كالشمس في رائعة
النهار ، بخلاف المعنى الثاني فإنّ لازم صحّة مرويّاتهم ـ إذا كانت الصحة مستندة
إلى وثاقة مشايخهم إلى الإمام ـ ثبوت وثاقة مشايخهم الذين يروون عنهم ، وهذه هي
الثمرة الرجالية المترتبة على الاحتمال الثاني.
إنّما الكلام في بيان ما هو المراد؟
أقول
: إنّ القرائن والشواهد تدلّ على أنّ
المراد هو الأوّل وانّ العصابة اتّفقت على تصديق حكاياتهم. ويدلّ عليه الأُمور
التالية :
١. انّ الكشي اكتفى في تسمية الطبقة
الأُولى ، بقوله : « اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر
وابي عبد اللّه 8
وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأوّلين ستة » ، ولم يذكر في حقّهم غير تلك
الجمل ، فلو كان المفهوم من قوله « تصحيح ما يصحّ عن جماعة » إجماعهم على تصديق
مروياتهم ( لا تصديق حكاياتهم ) ، كان عليه أن يذكر تلك العبارة في حقّ الستة
الأُولى ، لأنّهم في الدرجة العالية بالنسبة إلى الطبقتين الأخيرتين ، وهذا يعرب
عن كون المقصود من التصحيح ، هو الحكم بصدقهم وتصويب نفس نقلهم بالدلالة المطابقية
، ووثاقتهم فقط بالدلالة الالتزامية لا على وثاقة من يروون عنه.
٢. إمعان النظر فيما يتبادر من قوله «
يصحّ عنهم » فإذا قال الكليني : حدّثنا علي بن إبراهيم ، قال : حدثنا إبراهيم بن
هاشم ، قال : حدّثنا ابن أبي عمير ، قال : حدّثنا ابن أُذينة قال : قال أبو عبد
اللّه 7.
فلو فرضنا وثاقة الأوّلين من السند ـ
كما هو كذلك ـ يقال صحّ عن ابن أبي
عمير كذا ، فيجب
علينا تصحيح ما صحّ عن ابن أبي عمير. وأمّا الذي صحّ عنه وتعلّق به التصحيح ، فيحتمل
أحد أمرين :
١. حكاية كلّ واحد عن الآخر.
٢. نفس الحديث ومتنه.
لا سبيل إلى الثاني ، لأنّ من صُدِّر به
السند ، لا ينقل إلاّ حكاية الثاني. ولا ينقل نفس الحديث ، وإنّما يكون ناقلاً له
لو نقله من الإمام بلا واسطة ، ومثله من وقع في السند بعد الأوّل ، فانّه لا ينقل
إلاّ حكاية الثالث له ، فعندئذ ما صحّ عن ابن أبي عمير ليس نفس الحديث ، بل حكاية
الأُستاذ لتلميذه ، وعليه يكون هذا بنفسه متعلّقاً للتصحيح في مورد ابن أبي عمير
وانّه مصدَّق في حكايته عن ابن أُذينة ، وصادق في نقله عنه ، وأمّا ثبوت نفس
الحديث فهو متوقّف على كون ابن أبي عمير ومن روى عنه ثقاتاً حتى ينتهي إلى الإمام
، والعبارة لا تدلّ على ذلك ، غاية ما يمكن أن يقال : انّها تدلّ بالدلالة
الالتزامية على وثاقة نفس ابن أبي عمير فقط وأمّا من بعده فلا.
تمرينات
١. اذكر أسماء العلماء الذين جاء ذكر
أصحاب الإجماع في كتبهم.
٢. اذكر التفسيرين المطروحين للموصول في
قولهم : « تصحيح ما يصحّ عنهم ».
٣. بيّن الثمرة الرجالية المترتّبة على
التفسيرين.
٤. ما هو المختار في المقام؟ وما هي
دلائله؟
الدرس
الثاني عشر
المختار ومناقشات
المحدّث النوري
إنّ المحدّث النوري ناقش المختار بوجوه
، نذكرها بتحليل :
الأوّل
: انّ هذا التفسير ركيك خصوصاً بالنسبة
إلى هؤلاء الأعلام
( أصحاب الإجماع ).
يلاحظ
عليه : أيّ ركاكة في القول بأنّ العصابة
اتّفقت على تصديق هؤلاء فيما يحكون وبالتالي اتّفقوا على وثاقتهم؟! ولو كان ركيكاً
، فلِمَ ارتكبها نفس الكشّي عند ذكر الطبقة الأُولى ، حيث وضع مكان « تصحيح ما
يصحّ عنهم » قوله : أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب الإمامين 8؟!
الثاني
: لو كان المراد ما ذكروه لاقتصر الكشي بقوله « أجمعت العصابة على تصديقهم ».
يلاحظ عليه : أنّه إنّما يرد لو قدّم
قوله : « وتصديقهم » على قوله : « تصحيح ما يصحّ عنهم » إذ عندئذ لا حاجة إلى
الثاني ، ولكنّه عكس في الذكر فجعل قوله : « وتصديقهم » توضيحاً لما تقدّم.
الثالث
: انّ أئمّة فن الحديث والدراية صرّحوا
بأنّ الصحّة والضعف والقوّة
والحسن وغيرها من
أوصاف متن الحديث تعرضه باعتبار اختلاف حالات رجال السند ، وقد يطلق على السند
مسامحة فيقولون في الصحيح عن ابن أبي عمير ، وهو خروج عن الاصطلاح ، فالمراد من
الموصول في « ما يصحّ عنهم » هو متن الحديث لأنّه الذي يوصف بالصحة والضعف.
يلاحظ
عليه : أنّ الصحّة سواء أفسِّرت بمعنى
التمامية أم بمعنى الثبوت ، يقع وصفاً للسند والمتن معاً وليس لها مصطلح خاص حتى
نخصّه بالمتن دون السند.
سؤال وإجابة
إذا كان المقصود ، هو تصديقهم في
حكاياتهم وبالتالي توثيقهم ، فلماذا خصَّت العصابةُ هؤلاء الثمانية عشر بالذكر مع
أنّ هناك رواة ، اتّفقت كلمتهم على وثاقتهم؟
والجواب
: انّ تخصيص هؤلاء بالذكر ، لأنّهم مراجع الفقه ، ومصادر علوم أئمّة أهل البيت : ، ولأجل ذلك أضاف في الطبقة الأُولى
بعد قوله : « بتصديقهم » ، قولَه : « وانقادوا لهم بالفقه » ، كما أضاف في الطبقة
الثانية قوله : « وأقرّوا لهم بالفقه والعلم » ، فلم ينعقد الإجماع على مجرّد
وثاقتهم بل على فقاهتهم من بين خرّيجي مدرسة الأئمّة الأربعة : ، فهذه المميّزات أوجبت تخصيصهم
بالذكر.
كلمات الأعلام حول المعنى المختار
ثمّ إنّ ما اخترناه من التفسير للموصول
والتصحيح ، هو خيرة عدّة من الأعلام ، فنذكره حسب تاريخ حياتهم ، وإليك نصوصهم :
الأوّل
: قد فهم ابن شهر آشوب ( ٤٨٨ ـ ٥٨٨ هـ ) من العبارة نفس ما ذكرنا حيث قال في بيان
الطبقة الثانية : « اجتمعت العصابة على تصديق ستة من فقهائه ( الإمام الصادق 7 ) وهم : جميل بن درّاج ، وعبد اللّه بن
مسكان ... ».
فقد فهم من عبارة الكشي اتّفاق العصابة
على تصديق هؤلاء وكونهم صادقين فيما يحكون.
بشهادة انّه وضع « التصديق » مكان تصحيح
ما يصحّ عنه ، وهذا يعرب عن أنّ المقصود من العبارة « تصحيح ما يصحّ » ، « تصديقهم
».
الثاني
: انّ الظاهر من كلمات العلاّمة ( ٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ ) في « الخلاصة » هو اختيار ذلك ، حيث
قال : « قال الشيخ الطوسي : عبد اللّه بن بكير ، فطحي المذهب إلاّ أنّه ثقة » ، وقال
الكشي : « إنّ عبد اللّه بن بكير ، ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه
وأقرّوا له بالفقه ».
فأنا أعتمد على روايته وإن كان مذهبه
فاسداً ».
فانّ الغاية من نقل كلام الكشي ، إنّما هو الاعتذار عن قبول روايته مع أنّه فطحيّ
المذهب.
وقد قال بمثل هذا الكلام في أبان بن
عثمان الأحمر ، حيث نقل عن علي بن حسن بن فضّال أنّه قال : كان أبان من الناووسية.
ولمّا كان مقتضى هذا الكلام كونه ضعيفاً
، استند في توثيقه وقال : قال أبو عمرو الكشي : إنّ العصابة أجمعت على تصحيح ما
يصحّ عن أبان بن عثمان
والإقرار له بالفقه
; فالأقرب عندي قبول روايته وإن كان فاسد المذهب للإجماع المذكور.
الثالث
: انّ ابن داود ( ٦٤٨ ـ ٧٠٧ هـ ) قد فسّـر العبارة وفق ما ذكرناه حيث قال : أجمعت
العصابة على ثمانية عشر رجلاً ، فلم يختلفوا في تعظيمهم غير انّهم يتفاوتون ثلاثة
درج.
نعم ، دلالة العبارة على وثاقة هؤلاء
دلالة التزامية ؛ وقد عرفت أنّ المعنى المطابقي هو صحّة حكاياتهم.
الرابع
: انّ المحدّث الكاشاني ( المتوفّى عام ١٠٩١ هـ ) صاحب الوافي ، فسّـر العبارة على
غرار ما ذكرناه ، قال في المقدمة الثانية من كتابه : إنّ ما يصحّ عنهم هو الرواية
لا المروي.
ومراده من الرواية هو المعنى المصدري أي
الحكاية والتحديث.
الخامس
: قد نقل أبو علي في رجاله عن أُستاذه صاحب الرياض ( المتوفّى ١٢٣١ هـ ) أنّه قال
: المراد دعوى الإجماع على صدق الجماعة ، وصحّة ما ترويه إذا لم يكن في السند من
يتوقّف فيه ، فإذا قال أحد الجماعة : حدّثني فلان ، يكون الإجماع ، منعقداً على
صدق دعواه واذا كان فلانٌ ضعيفاً أو غير معروف ، لا يجديه ذلك نفعاً ، وذهب إليه
بعض أفاضل العصر وهو السيد مهدي الطباطبائي.
وعلى هذا فنتيجة العبارة : انّ أحداً من
هؤلاء إذا ثبت انّه قال : حدّثني ،
فالعصابة أجمعوا على
أنّه صادق في اعتقاده.
السادس
: أخيرهم لا آخرهم السيد الإمام الخميني 1
، حيث قال : المراد تصديقهم لو أخبروا به وليس إخبارهم في الإخبار مع الواسطة إلاّ
الإخبار عن قول الواسطة وتحديثه ، فإذا قال ابن أبي عمير : « حدّثني زيد النَّرسِي
، قال : حدّثني علي ابن مزيد ، قال : قال أبو عبد اللّه 7 كذا ، لا يكون إخبار ابن أبي عمير إلاّ
تحديث زيد.
وهذا ( المراد تصديقهم ) في ما ورد في
الطبقة الأُولى واضح وكذلك الحال في الطبقتين الأخيرتين ، أي الإجماع على تصحيح ما
يصحّ عنهم ؛ لأنّ ما يصحّ عنهم ليس متن الحديث في الاخبار مع الواسطة لو لم نقل
مطلقاً.
فحينئذ إن كان المراد من الموصول ، مطلق
ما صحّ عنهم ، يكون لازمه قيام الإجماع على صحّة مطلق إخبارهم سواء كان مع الواسطة
أو لا ، إلاّ أنّه في الإخبار مع الواسطة لا يفيد تصديقُهم ، وتصحيحُ ما صحّ عنهم
، بالنسبة إلى الوسائط ، فلابدّ من ملاحظة حالهم ووثاقتهم وعدمها.
تمرينات
١. ما هو مختار المحدّث النوري في تفسير
عبارة الكشي؟
٢. اذكر الوجوه الثلاثة لمختاره ، وجوابنا
عنها.
٣. إذا كان المراد من عبارة الكشي توثيق
هؤلاء لا مشايخهم ، فلماذا خَصّوا هؤلاء بالذكر؟
٤. ما هو موقف الأعلام حيال المعنى
المختار؟ اذكر بعض كلماتهم.
الدرس
الثالث عشر
التفسير
الثاني
لقولهم
« تصحيح ما يصحّ عنهم »
بشقوقه
الثلاثة
قد عرفت أنّ ما ذكره الكشي في اتّفاق
العصابة على « تصحيح ما يصحّ عنهم » يحتمل وجهين :
أ. تصديق حكاياتهم وتحديثاتهم.
ب. تصحيح رواياتهم وأحاديثهم.
وقد مرّ الوجه الأوّل في الدرس السابق ،
وحان البحث في الوجه الثاني ، فنقول :
إنّ اتّفاق العصابة على تصحيح مرويات
هؤلاء وأحاديثهم على نحو يحتجّ بها في مجالات شتّى يمكن أن يكون لأحد أمرين :
الأمر الأوّل : احتفاف رواياتهم
بالقرائن الخارجية الدالّة على صحّتها. ( هذا هو الشقّ الأوّل ).
الأمر الثاني : احتفاف رواياتهم
بالقرائن الداخلية الدالّة على صحّتها. ( هذا
هو الشقّ الثاني ).
وإليك التفاصيل :
١. الصحّة ، لاحتفاف أحاديثهم بالقرائن الخارجية
إنّ هذا الاحتمال مبنيّ على القول بأنّ
الصحيح عند القدماء غيره عند المتأخّرين ، فالصحيح عند القدماء عبارة عن : اقتران الحديث بقرائن
دالّة على صدوره من الإمام.
منها : أن يكون موافقاً لنصّ الكتاب.
ومنها : أن يكون موافقاً للسنّة المقطوع
بها من جهة التواتر.
ومنها : أن يكون موافقاً لما أجمعت عليه
الفرقة المحقّة.
ومنها : أن يكون الحديث مأخوذاً من أصل
، أو مصنَّف معتبر ، أو من كتاب عرض على الإمام ، إلى غير ذلك من القرائن الخارجية
التي تثبت صدور الحديث.
هذا هو الصحيح عند القدماء ، وأمّا
الصحيح عند المتأخّرين فهو عبارة عن : كون السند متصلاً بالمعصوم من خلال نقل
الإمامي العدل الضابط عن مثله في جميع الطبقات. وسيوافيك في محلّه انّ الحديث عند
القدماء كان ثنائيّ التقسيم ( الصحيح والضعيف ) ، وهو عند المتأخرين رباعيّ
التقسيم ( الصحيح ، الحسن ، الموثّق ، الضعيف ).
وعلى ضوء هذا ، فعبارة الكشّي ناظرة إلى
الصحيح المصطلح في ذلك الزمان وهو الخبر المحتف بالقرائن الخارجية ، فيكون مفادُها
اتّفاقَ العصابة على صحّة أحاديثهم لأجل القرائن الخارجيّة.
وعلى هذا الوجه لا يترتب عليه ثمرة
رجالية وهو خيرة المحقّق الداماد في رواشحه ، قال : أجمعت العصابة على تصحيح ما
يصحّ عنهم ، والإقرار لهم بالفقه والفضل والضبط والثقة ، وإن كانت روايتهم بإرسال
أو رفع أو عمّن يسمّونه وهو ليس بمعروف الحال ولمّة منهم في أنفسهم فاسدو العقيدة
، غير مستقيمي المذهب.
إلى أن قال : مراسيل هؤلاء ومرافيعهم
ومقاطيعهم ومسانيدهم إلى من يسمّونه من غير المعروفين ، معدودة عند الأصحاب ـ
رضوان اللّه عليهم ـ من الصّحاح ، من غير اكتراث منهم ؛ لعدم صدق حدّ الصحيح على
ما قد علمته من المتأخّرين عليها.
يلاحظ
عليه : بأنّ العلم باقتران أحاديث هؤلاء
بالقرائن أمر صعب للغاية ، فكيف يحصل العلم بها ، لأنّ العصابة حكموا بصحّة كلّ ما
صحّ عن هؤلاء من غير تخصيص بكتاب أو أصل أو أحاديث معيّنة ، بل حكموا بتصحيح الكلّ
وما صحّ عنهم على حدّ سواء ، فتحصيل العلم بالقرائن الخارجية بكلّ ما روي عنهم على
الإطلاق أمر مشكل إلاّ إذا كانت أحاديثهم محصورة في كتاب ، والمفروض خلافه؟
وسيوافيك تفصيله في بيان الأمر الثاني.
٢. الصحة لاحتفاف رواياتهم بالقرائن الداخلية
والمراد من القرائن الداخلية وثاقتهم
ووثاقة مشايخهم إلى أن تنتهي إلى الإمام ، وهذا هو الذي تبنّاه نخبة من المحقّقين
كما حكاه المحقّق البهبهاني ( ١١١٨ ـ ١٢٠٦ هـ ) حيث قال : المشهور انّ المراد صحّة
كلّ ما رواه حيث تصحّ
الرواية إليه ، فلا
يلاحظ من بعده إلى المعصوم وإن كان فيه ضعيف.
وقد اختاره المحدّث النوري وأصرّ عليه
وذكر في تأييده وجوهاً نذكر منها وجهين:
الأوّل
: انّ الحكم بصحّة روايات هؤلاء لو كان مستنداً إلى القرائن الداخلية كوثاقة من
يروون عنه ، لكان لهذه الدعوى الكلّيّة وجه ، لإمكان إحراز ديدنهم على أنّهم
لايروون إلاّ عن ثقة ، كما هو المشهور في حقّ ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي ؛
وأمّا لو كان الحكم بالصحّة مستنداً إلى القرائن الخارجية التي تفيد الاطمئنان
بصدق الخبر ، فإحراز تلك القرائن في عامّة ما يروونه من الأخبار ، إنّما يصحّ إذا
كانت أحاديثهم محصورة في كتاب أو عند راو سمعها منهم ، يمكن معه الاطّلاع على
الاقتران بالقرائن أو عدمه ، وأمّا إذا لم يكن كذلك ، فالحكم بصحّة كلّ ما صحّ عن
هؤلاء من غير تخصيص بكتاب أو أصل أو أحاديث معيّنة ، يعدّ من المحالات العادية.
وبعبارة أُخرى : يمكن إحراز ديدن جماعة
خاصة والتزامهم بعدم الرواية إلاّ عن ثقة ، فإذا صحّ الخبر إلى هؤلاء ، يمكن الحكم
بالصحّة ، لوثاقة من يروون عنه ، لأجل الالتزام المحرَز ، وأمّا إحراز كون عامّة
أخبارهم مقرونة بالقرائن حتى يصحّ الحكم بصحّة أخبارهم من هذه الجهة ، فإحراز تلك
القرائن مع كثرة رواياتهم ، وتشتّتها في مختلف الأبواب والكتب محال عادة.
يلاحظ
عليه أوّلاً : أنّ معنى هذا
الوجه هو أنّ هؤلاء كانوا ملتزمين بنقل الروايات عن الثقات دون الضعاف ، ولازم ذلك
انّهم كانوا يحترزون عن نقل الروايات المتواترة أو المستفيضة إذا كان رواتها
ضعافاً ، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام
به ، إذ لا وجه لترك
الرواية المتواترة أو المستفيضة وإن كان رواتها ضعافاً أو مجاهيل ، لعدم اشتراط الوثاقة
فيهما.
وبذلك يبطل القول بأنّهم كانوا ملتزمين
بنقل الروايات التي يرويها الثقات فقط ، كما تبطل الثمرة الرجالية المترتّبة عليها
، إذ كيف يمكن الحكم بوثاقة عامّة مشايخهم بمجرّد الرواية منهم ، مع أنّهم رووا عن
الضعاف فيما إذا كانت الرواية متواترة أو مستفيضة ، ولايمكن تفكيك المتواتر
والمستفيض في أعصارنا عن الواحد حتى يحكم بوثاقة مشايخهم في الأخير دون الأوّلين ،
فإنّ الكلّ غالباً يتجلّـى بشكل واحد؟
وثانياً
: كما أنّ حصر وجه الصحّة بالقرائن الخارجية بعيد ، كذلك حصر وجهها بالقرائن
الداخلية التي منها وثاقة الراوي بعيد مثله ، والقول المتوسط هو الأدق ، وهو أنّهم
كانوا ملتزمين بنقل الروايات الصحيحة ، الثابت صدورها عن الإمام ، إمّا من جهة
القرائن الخارجية ، أو من جهة القرائن الداخلية ؛ وعندئذ لايمكن الحكم بوثاقة
مشايخهم ، أعني : الذين رووا عنهم إلى أن ينتهي إلى الإمام ، لعدم التزامهم بخصوص
وثاقة الراوي ، بل كانوا يستندون إلى الأعمّ منها ومن القرائن المورثة للاطمئنان
بالصدور.
وثالثاً
: لو كان المراد هو توثيقهم وتوثيق من بعدهم ، لكان عليه أن يقول : « أجمعت
العصابة على وثاقة من نقل عنه واحد من هؤلاء » أو نحو ذلك من العبارات ، حتى لا
يشتبه المراد.
ورابعاً
: أنّ اطّلاع العصابة على جميع الأفراد الذين يروي هؤلاء الجماعة عنهم بلا واسطة
أو معها بعيد للغاية ، لعدم تدوين كتب الحديث والرجال في تلك الأعصار بنحو يطّلعون
على أسمائهم جميعاً.
الثاني
: انّ جماعة من الرواة وُصفوا في كتب الرجال « بصحّة الحديث »
ولايمكن الحكم بصحّة
حديث راو على الإطلاق إلاّ من جهة وثاقته ، ووثاقة من بعده إلى المعصوم ، ولا فرق
بينهم وبين أصحاب الإجماع إلاّ كونهم مورد اتّفاق دون هؤلاء.
يلاحظ
عليه : أنّ صحّة الحديث كما تحرز عن طريق
وثاقة الراوي كذلك تحرز عن طريق القرائن الخارجية ، فالقول بأنّ صحّة أحاديث هؤلاء
كانت مستندة إلى وثاقة مشايخهم ليس له وجه ، كالقول بأنّ إحرازها كان مستنداً إلى
القرائن الخارجية ، بل الحقّ انّ الإحراز كان مستنداً إلى الوثاقة تارة وإلى
القرائن أُخرى ، ومع هذا العلم الإجمالي كيف يمكن إحراز وثاقة المشايخ بصحّة
الأحاديث مع أنّها أعمّ من وثاقتهم؟!
تمرينات
١. ما هو التفسير الثاني لقولهم : «
تصحيح ما يصحّ عنه »؟
٢. ما هو المراد من الصحيح عند القدماء
، والصحيح عند المتأخّرين؟
٣. ما هي القرائن الخارجية ، وهل يمكن
تصحيح رواياتهم على ضوئها؟
٤. ماهي القرائن الداخلية ، وهل يمكن
تصحيح رواياتهم على ضوئها؟
٥. ما هو دليل المحدِّث النوري على أنّ
المرا د من عبارة الكشي : تصحيح رواياتهم لأجل القرائن الداخلية؟
٦. ما هو موقفنا حيال دليل المحدّث
النوري؟
الدرس
الرابع عشر
الشق
الثالث
للتفسير
الثاني
قد عرفت أنّ الكشّي ذكر اتّفاق العصابة
على هؤلاء في مواطن ثلاثة ، والمراد منها في عامة المواضع أمر واحد ، لكن يظهر من
المحقّق الشفتي التفصيل بين العبارة الأُولى وبين الثانية والثالثة ، وانّ المراد
من الأُولى تصحيح الحديث ومن الأخيرتين توثيقهم وتوثيق مشايخهم إلى آخر السند ، ولأجل
ذلك اكتفى في الطبقة الأُولى بذكر التصديق من دون إضافة قوله : تصحيح ما يصحّ ، دون
الأخيرتين.
وإنّما فعل ذلك ، لأنّ الطبقة الأُولى
يروون عن الإمام بلا واسطة ، فيكون المراد هو صحّة أحاديثهم ؛ بخلا ف المذكورين في
الطبقة الثانية والثالثة ، فهم يروون تارة بلا واسطةوأُخرى معها ، فيكون المراد
توثيق مشايخهم.
يقول المحقّق الشفتي في هذا الصدد : إنّ
نشر الأحاديث لمّا كان في زمن الصادقين 8
وكان المذكور في الطبقة الأُولى من أصحابهما ، كانت روايتهم غالباً عنهما من غير
واسطة ، فيكفي للحكم بصحّة الحديث تصديقهم ؛ وأمّا المذكورون في الطبقة الثانية
والثالثة ، فقد كانوا من أصحاب الصادق والكاظم والرضا : ، وكانت رواية الطبقة الثانية عن
مولانا الباقر 7
مع الواسطة ، وكانت الطبقة
الثالثة كذلك
بالنسبة إلى الصادق 7
ولم يكن الحكم بتصديقهم كافياً في الحكم بصحة الحديث ، ما اكتفى بذلك ; ولذا قال :
« أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ». ولمّا تحقّق رواية كلّ من في الطبقة
الثانية عن مولانا الصادق 7
من غير واسطة ، وكذلك الطبقة الثالثة عن الكاظم والرضا 8 ، أتى بتصديقهم أيضاً.
والحاصل : انّ التصديق فيما إذا كانت
الرواية عن الأئمّة :
من غير واسطة ، والتصحيح فيما إذا كانت معها.
يلاحظ
عليه : أوّلاً
: أنّ ما ذكره تفسير ذوقي لا يعتمد على دليل ، ومخالف لوحدة السياق ، فإنّ الظاهر
انّ معقد الإجماع أمر واحد لا أمران.
وثانياً
: أنّ ما ذكره من أنّ رواية الطبقة الأُولى كانت عن الإمام بلا واسطة غالباً ، غير
تام ، يعرف بعد الوقوف على مشايخهم في الحديث من أصحاب الأئمّة المتقدّمين كالسجاد
ومن قبله.
وهذا زرارة ، يروي عن ما يقرب من أربعة
عشر شيخاً ، وهم :
١. أبو الخطاب ، ٢. بكير ، ٣. الحسن
البزّاز ، ٤. الحسن بن السري ، ٥. حُمران ابن أعين ، ٦. سالم بن أبي حفصة ، ٧. عبد
الكريم بن عتبة الهاشمي ، ٨. عبد اللّه بن عجلان ، ٩. عبد الملك ، ١٠. عبد الواحد
بن المختار الأنصاري ، ١١. عمر بن حنظلة ، ١٢. الفضيل ، ١٣. محمد بن مسلم ، ١٤.
اليسع.
وهذا محمد بن مسلم ، يروي عن ستة مشايخ
، وهم :
١. أبو حمزة الثمالي ، ٢. أبو الصباح ، ٣.
حمران ، ٤. زرارة ، ٥. كامل ، ٦. محمد بن مسعود الطائي.
وهكذا غيرهم من الطبقة الأُولى.
إلى هنا تمّ توضيح المعنيين ، وقد عرفت
أنّ المختار هو المعنى الأوّل ، وأمّا المعنى الثاني فهو بتفاسيره الثلاثة غير
تام.
حجّية الإجماع الوارد في كلام الكشّي
قد ادّعى الكشّي إجماع العصابة على «
تصحيح ما يصحّ عن جماعة » فيكون ما ادّعاه بالنسبة إلينا إجماعاً منقولاً ، فينطوي
تحت لواء الإجماع المنقول ، المبحوث عنه في علم الأُصول ، والمعروف فيه هو عدم
حجّيته ، لوجهين :
الأوّل
: انّ ناقل الإجماع في الفقه ، ينقل السبب عن الحس وهو اتّفاق العلماء ، وينقل
المسبب أي قول المعصوم عن حدس ، وأدلّة خبر الواحد لاتشمله ، لأنّه نقل قول
المعصوم عن حدس.
وبما انّ الكشّي ليس بصدد نقل قول
المعصوم ، بل بصدد بيان اتفاق العصابة على « التصحيح » ، لا يرد عليه ذلك الإشكال
، إنّما يرد عليه الإشكال التالي.
الثاني
: انّ اتّفاق العلماء إنّما يلازم قول المعصوم ، شريطة أن يكون هناك تتّبع تامّ
لكلماتهم جيلاً بعد جيل ، والغالب في الإجماعات المنقولة ، فقدان هذا النوع من التتبّع
وعدم الاستيعاب لكلمات الفقهاء.
والإجماع المنقول في كلام الكشّي إجماع
منقول يحتمل فيه ما يحتمل في سائر الإجماعات المنقولة ؛ إذ ليس من البعيد أن يكتفي
الكشي بكلام جماعة من العلماء فيدّعي اتّفاق العصابة ، ومن المعلوم أنّ مثل هذا
السبب الناقص لا يكشف عن شيء ، فلا يمكن القول بأنّ اتّفاق هؤلاء يلازم وثاقتهم
واقعاً.
والذي يسهّل الخطب انّ الذي توحيه عبارة
الكشّي ـ في نظرنا ـ أمر ثابت
مع قطع النظر عن
اتّفاق العصابة ، لما عرفت من أنّ المراد تصديق حكاياتهم الملازمة لوثاقتهم ، وهو
أمر ثابت في حقّ هؤلاء الثمانية عشر ، سواء أثبت اتّفاق العصابة أم لا ; بخلاف
التفسير الثاني بشقوقه الثلاثة ، فإنّها أُمور غير ثابتة في نفسها ، وانّما تثبت
من خلال دعوى الكشّي الإجماع على التصحيح ، فلو كان نقل الإجماع غير مجد فلا تثبت
الاحتمالات الثلاثة.
ثمّ إنّ هنا جماعة عرفوا بأنّهم لا
يروون إلاّ عن الثقات وهم :
١. أحمد بن محمد بن عيسى.
٢. بنو فضّال ـ كلّهم ـ.
٣. جعفر بن بشير البجلي.
٤. محمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني.
٥. علي بن الحسن الطاطريّ.
٦. أحمد بن علي النجاشي.
وإليك الكلام فيهم واحداً بعد آخر ، في
الدّرس التالي.
تمرينات
١. ما هي نظرية المحقّق الشفتي في تفسير
عبارة الكشي؟
٢. هل الطبقة الأُولى من تلك العصابة ، لا
يروون إلاّ عن الإمام المعصوم؟
٣. لو ثبت الإجماع المدّعى في كلام
الكشّي ، فهل هو حجّة أم لا؟
٤. اذكر أسماء سائر المعروفين بأنّهم لا
يروون إلاّ عن ثقة.
الدرس
الخامس عشر
مشايخ ابن
عيسى ، وبني فضّال ، وابن بشير
١. مشايخ أحمد بن محمد بن عيسى القمّيّ
إنّ أحمد بن محمد بن عيسى من المشايخ
الأثبات ، وكان رئيس المحدّثين في قم ، توفّي حوالي عام ٢٨٠ هـ ، ومن آثاره
الباقية نوادره المطبوعة ، وقد أخرج أحمد ابن محمد بن خالد البرقي من قم لأجل
روايته عن الضعاف
، كما أخرج سهل بن زياد الآدمي ـ أيضاً ـ لأجل الغلوّ.
وربما يستنتج منه ، انّ ابن عيسى كان
محترزاً عن الرواية عن الضعاف وإلاّ لم يُخرج العلمين من البلد ، فتكون النتيجة هي
وثاقة عامّة مشايخه.
يلاحظ
عليه : أنّ السبب لإخراج ابن خالد ، هو كثرة
روايته عن الضعاف واعتماده عليهم.
ويشهد لذلك قول الشيخ في ترجمته : وكان
ثقة ، غير انّه أكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل.
وقال العلاّمة في « الخلاصة » : أصله
كوفي ، ثقة ، غير انّه أكثر الرواية عن
الضعفاء واعتمد
المراسيل.
وقال ابن الغضائري : طعن عليه القمّيّون
وليس الطعن فيه ، وإنّما الطعن فيمن يروي عنه ، فإنّه كان لا يبالي عمّن أخذ على
طريقة أهل الأخبار.
فظهر ممّا ذكرنا : انّ أحمد بن محمد بن
عيسى أخذ على البرقي إكثار الرواية عن الضعفاء وهو يدل على عدم إكثاره منها لا
انّه لا يروي عن ضعيف.
على أنّه روى عن عدّة من الضعفاء ، نظير
: محمد بن سنان
، علي بن حديد
، إسماعيل بن سهل
، بكر بن صالح
، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتاب « كليّات في علم الرجال ».
٢. مشايخ بني فضّال
ربما يقال بأنّ مشايخ بني فضّال كلّهم
ثقات ، لما قاله أبو محمد الحسن بن علي العسكري 8
لمّا قيل له : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملأ؟
فقال ـ صلوات اللّه عليه ـ : « خذوا بما
رووا ، وذروا ما رأوا ».
وقد استند إلى تلك الرواية ، الشيخ
الأنصاري في صلاته عند ما تعرّض لرواية داود بن فرقد ، حيث قال : هذه الرواية وان
كانت مرسلة إلاّ أنّ سندها إلى الحسن بن فضّال صحيح ... وبنو فضال ممّن أُمر بالأخذ
بكتبهم ورواياتهم.
وسند الحديث كالتالي :
عن سعد ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وموسى
بن جعفر بن أبي جعفر جميعاً ، عن عبد اللّه بن الصلت ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن
داود بن فرقد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللّه 7
والرواية
إلى نهاية السند عن داود بن أبي يزيد ـ وهو داود بن فرقد ـ صحيحة غير أنّ في آخر
السند إرسالاً ، واعتمد عليها الشيخ ، للأمر بأخذ ما في كتبهم.
يلاحظ
عليه : أنّ الاستدلال بالحديث المذكور على
وثاقة مشايخ بني فضّال ، قاصر جداً ، لأنّ بني فضّال وان كانوا فطحيّين ، فاسدي
المذهب ، لكنّهم كانوا في أنفسهم ثقاتاً صادقين ، فأمر الإمام العسكري بالأخذ
برواياتهم دون آرائهم وعقائدهم ، قائلاً بأنّ فساد المذهب ، لا يضرّ بالرواية إذا
كان الراوي ثقة في نفسه ، صادقاً لا يكذب ، فخذوا برواياتهم واتركوا عقائدهم
كروايات سائر الثقات صحيحي المذهب.
وعلى هذا يجري عليهم ما يجري على سائر
الرواة الثقات ، كما أنّه يجب التفتيش عمّن يروون عنه حتى يتبيّن الثقة عن غيره ، فهكذا
بنو فضّال الثقات يتفحّص عن مشايخهم. وأين هذا من القول بالأخذ بعامّة رواياتهم
ومراسيلهم ومسانيدهم بلا تفتيش عن أحوال مشايخهم ومن يروون عنه كما هو المدّعى؟!
٣.مشايخ جعفر بن بشير
ربما يقال بأنّ كلّ من روى عنه « جعفر بن بشير »
أو رووا عنه ، كلّهم ثقات ، والدليل على ذلك قول النجاشي في حقّه :
جعفر بن بشير البجلي الوشّاء ، من زهّاد
أصحابنا وعُبّادهم ونُسّاكهم ، وكان
ثقة ، وله مسجد
بالكوفة ـ إلى أن قال ـ مات جعفر ;
بالأبواء سنة ٢٠٨ هـ.
كان أبو العباس بن نوح يقول : كان يلقب
فقحة العلم.
روى عن الثقات ورووا عنه له كتاب
المشيخة.
يلاحظ
عليه : أنّ العبارة غير ظاهرة في الحصر ، بل
المراد انّ جعفر بن بشير يروي عن الثقات كما تروي الثقات عنه ، وأمّا انّه لا يروي
عنه إلاّ الثقات أو هو لايروى إلاّ عنهم ، فلا تفيده العبارة.
كيف ومن المستبعد عادة أن لا يروي عنه
إلاّ ثقة وهو خارج عن اختياره.
أضف إلى ذلك فقد روى جعفر بن بشير عن
الضعيف أيضاً.
روى الشيخ ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن
محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن صالح بن الحكم ، قال : سألت أبا عبد اللّه 7 عن الصلاة في السفينة ... إلى آخره.
و « صالح بن الحكم » ممن ضعّفه النجاشي
، وقال : صالح بن الحكم النبيلي الأحول ، ضعيف.
تمرينات
١. ما هو الوجه في عدّ مشايخ ابن عيسى
من الثقات؟وما هو جوابه؟
٢. ماذا يعني الإمام العسكري 7 من قوله في حق بني فضّال : « خذوا بما
رووا ، وذروا ما رأوا؟ ».
٣. ما هو الدليل على أنّ مشايخ جعفر بن
بشير كلّهم ثقات؟ وما هو جوابه؟
الدرس
السادس عشر
مشايخ
الزعفراني والطاطُري والنجاشي
٤.مشايخ محمد بن إسماعيل الزعفراني
قد قيل انّ مشايخ محمد بن إسماعيل ثقات ، مستدلاً
بما ذكره النجاشي في حقّه حيث قال : محمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني ، أبو عبد
اللّه ، ثقة ، عين ، روى عن الثقات ورووا عنه ، ولقي أصحاب أبي عبد اللّه 7.
يلاحظ عليه بمثل ما مرّ في مشايخ جعفر
بن بشير فلا نعيد.
٥. مشايخ علي بن حسن الطاطري
ربّما يتصوّر انّ مشايخ علي بن حسن
الطاطري ثقات تمسّكاً بما ذكره الشيخ في ترجمته ، حيث قال : كان واقفياً شديد
العناد في مذهبه ، صعب العصبية على من خالفه من الإمامية ، وله كتب كثيرة في نصرة
مذهبه ، وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم فلأجل ذلك
ذكرناها.
استدلّ بذيل كلام الشيخ على أنّ كلَّ من
روى علي بن الحسن الطاطري عنه فهو ثقة ، لأنّ الشيخ شهد على أنّه روى كتبه عن
الرجال الموثوق بهم وبروايتهم.
يلاحظ
عليه : أنّ غاية ما يستفاد من هذه العبارة
أنّ الطاطري لا يروي في كتبه إلاّ عن ثقة ، وأمّا أنّه لا يروي مطلقاً إلاّ عن ثقة
فلا يدلّ عليه.
وعلى ذلك كلّما بدأ الشيخ سند الحديث
باسم الطاطري ، فهو دليل على أنّ الرواية مأخوذة من كتبه الفقهية ، فعندئذ فالسند
صحيح إلى آخره ، وهذا غير القول بأنّه لا يروي إلاّ عن ثقة ، حتّى يحكم بصحّة كلّ
سند وقع فيه الطاطري إلى أن ينتهي إلى المعصوم ، على أنّه من المحتمل أن يكون كلام
الشيخ محمولاً على الغالب ، حيث لاحظ كتابه واطمأنّ بوثاقة كثير من رواة كتابه ، فقال
في حقّه ما قال ، واللّه العالم.
نعم هذه التوثيقات في حقّ هؤلاء الرجال
، قرائن ظنيّة على وثاقة كلّ من يروون عنه ولو انضمّت إليه القرائن الأُخر ، ربّما
حصل الاطمئنان على وثاقة المروي عنه.
٦. أحمد بن علي النجاشي صاحب « الرجال »
إنّ لأبي العباس أحمد بن علي المعروف
بالنجاشي ( ٣٧٢ ـ ٤٥٠ هـ ) مؤلّف أحد الأُصول الرجالية ، مشايخ معروفين بالوثاقة ،
نشير إليهم ويظهر من كلماته انّه لا ينقل إلاّ عن مشايخه الثقات ، وإليك نماذج من
كلماته :
١. قال في ترجمة أحمد بن محمد بن عياش
الجوهري ( المتوفّى عام ٤٠١ هـ ) : « كان سمع الحديث فأكثر واضطرب في آخر عمره » ؛
وذكر مصنفاته ، ثمّ قال :
« رأيت هذا الشيخ
وكان صديقاً لي ولوالدي وسمعت منه شيئاً كثيراً ورأيت شيوخنا يضعّفونه ، فلم أرو
عنه شيئاً وتجنّبته ، وكان من أهل العلم والأدب القوي وطيّب الشعر وحسن الخط ، رحمه
اللّه وسامحه ، ومات سنة ٤٠١ هـ ».
٢. وقال في ترجمة إسحاق بن الحسن بن
بكران : أبو الحسين العقرائي ، التمّار ، كثير السماع ، ضعيف في مذهبه ، رأيته
بالكوفة وهو مجاور ، وكان يروي كتاب الكليني عنه ، وكان في هذا الوقت علواً فلم
أسمع منه شيئاً ، له كتاب الردّ على الغلاة ، وكتاب نفي السهو عن النبي ، وكتاب
عدد الأئمّة.
٣. وقال في ترجمة أبي المفضّل محمد بن
عبد اللّه بن محمد بن عبيد اللّه بن البهلول : كان سافر في طلب الحديث عمره ، أصله
كوفي ، وكان في أوّل أمره ثبتاً ، ثمّ خلط ، ورأيت جلّ أصحابنا يغمزونه ، له كتب ـ
إلى أن قال : ـ رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيراً ، ثمّ توقفت عن الرواية عنه إلاّ
بواسطة بيني وبينه.
إلى غير ذلك من كلمات صريحة في أنّه لم
يكن يجوِّز لنفسه الرواية عن غير الثقة من الحديث ، ولأجل ذلك يمكن أن يقال : إنّ عامة
مشايخه ثقات إلاّ إذا صرّح بنفسه بضعفه ; وقد استخرج المحدّث النوري مشايخه في
المستدرك
فبلغ
٣٢ ، ونقل أسماءهم
العلاّمة المامقاني في خاتمة التنقيح.
تمرينات
١. ما هو الدليل على أنّ مشايخ
الزعفراني كلّهم ثقات؟ وما هو جوابه؟
٢. ما هو الدليل على أنّ مشايخ الطاطري
ثقات؟ وما هو جوابه؟
٣. ما هي القرائن على أنّ مشايخ النجاشي
كلّهم ثقات؟
الدرس
السابع عشر
مشايخ محمد بن
أحمد بن يحيى
صاحب « نوادر
الحكمة »
إنّ محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران
الأشعري القميّ من أجلاّء الأصحاب ، ومؤلّف كتاب « نوادر الحكمة » ، وهو يشتمل على
كتب أوّلها كتاب التوحيد وآخرها كتاب القضايا والأحكام.
ويعرّفه النجاشي بقوله : له كتب منها
كتاب نوادر الحكمة وهو كتاب حسن كبير يعرفه القمّيّون بـ « دبّة شبيب » ، قال : وشبيب
فاميٌّ ، كان بقم ، له دبّة ذات بيوت يعطي منها ما يُطلب منه من دهن ، فشُبّهوا
هذا الكتاب بذلك.
ثمّ إنّه يروي عن مشايخ كثيرة منهم :
١. ابن أبي عمير ( المتوفّى عام ٢١٧ هـ
).
٢. أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي (
المتوفّى عام ٢٢١ هـ ).
٣. أحمد بن محمد بن خالد البرقي (
المتوفّى عام ٢٧٤ هـ ).
ويروي عنه نخبة من الأعلام منهم :
١. سعد بن عبد اللّه القمي ( المتوفّى
عام ٢٩٩ أو ٣٠١ هـ ).
٢. أحمد بن إدريس الأشعري ( المتوفّى
عام ٣٠٦ هـ ).
وعلى هذا ، فشيخنا المترجم من أساتذة
الحديث في النصف الثاني من القرن الثالث ، ولعلّه توفّي حوالي ٢٩٠ هـ. هذا.
ثمّ إنّ محمد بن الحسن بن أحمد بن
الوليد شيخ القمّيّين وفقيههم وأُستاذ الصدوق ( المتوفّى عام ٣٤٣ هـ ) قد استثنى
من مشايخ محمد بن أحمد بن يحيى في « نوادر الحكمة » جماعة طُعِن فيهم ، وذكر
أسماءهم بالنحو التالي :
١. محمد بن موسى الهمداني.
٢. محمد بن يحيى المعاذي.
٣. أبو عبد اللّه الرازي الجاموراني.
٤. أبو عبد اللّه السيّاري.
٥. يوسف بن سخت.
٦. وهب بن منبه.
٧. أبو علي النيشابوري.
٨. أبو يحيى الواسطي.
٩. محمد بن علي أبو سمينة.
١٠. سهل بن زياد الآدمي.
١١. محمد بن عيسى بن عبيد.
١٢. أحمد بن هلال.
١٣. محمد بن علي الهمداني.
١٤. عبد اللّه بن محمد الشامي.
١٥. عبد اللّه بن أحمد الرازي.
١٦. أحمد بن الحسين بن سعيد.
١٧. أحمد بن بشير الرقي.
١٨. محمد بن هارون.
١٩. ممويه بن معروف ( أو معاوية بن
معروف ، كما في بعض النسخ ).
٢٠. محمد بن عبد اللّه بن مهران.
٢١. الحسن بن الحسين اللؤلؤي.
٢٢. جعفر بن محمد بن مالك.
٢٣. يوسف بن الحارث.
٢٤. عبد اللّه بن محمد الدمشقي.
وزاد الشيخ في الفهرست شخصين آخرين وهما
:
٢٥. جعفر بن محمد الكوفي.
٢٦. الهيثم بن علي.
والظاهر انّ الأصحاب يومذاك تلقّوا هذا
الاستثناء بالقبول إلاّ في حقّ
محمد بن عيسى بن
عبيد ، فقد اعترض على هذا الاستثناء أبو العباس بن نوح ـ شيخ النجاشي ـ قال :
وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن
بن الوليد في ذلك كلّه وتبعه أبو جعفر بن بابويه ;
على ذلك إلاّ في محمد بن عيسى بن عبيد ، فلا أدري ما رابه فيه لأنّه كان على ظاهر
العدالة والثقة.
ثمّ استدلّوا بأنّ في استثناء المذكورين
وبالأخص بالنظر إلى ما ذكره ابن نوح في حقّ محمد بن عيسى بن عبيد ، دلالة واضحة
على وثاقة كلّ من روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى ولم تُسْتَثنَ روايته.
وباختصار : قالوا باعتبار كلّ من يروي
عنه محمد بن أحمد بن يحيى إذا لم يكن ممن استثناه ابن الوليد ، فإنّ اقتصاره على
ما ذكر من موارد الاستثناء يكشف عن اعتماده على جميع روايات محمد بن أحمد بن يحيى
في غير الموارد المذكورة.
ثمّ الظاهر انّ التصديق والاستثناء
راجعان إلى مشايخه بلا واسطة لا كلّ من جاء اسمه في اسناد ذلك الكتاب منتهياً إلى
الإمام ، وبما انّ ابن نوح شيخ النجاشي خالف ابن الوليد في مورد واحد ، يظهر منه
موافقته لابن الوليد في غيره ، وعلى ذلك فالرجلان ـ أعني : ابن الوليد وابن نوح قد
حكما بوثاقة كلّ من روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى إلاّ ما استثني ، وتعديلهما حجّة
سواء أكان من باب الشهادة أو من باب أهل الخبرة. وإذا أُضيف إليه موافقة الصدوق
لشيخه في عامّة الموارد يبلغ عدد المعدِّلين إلى ثلاثة.
نقد وتحليل
ربما يقال : بأنّ اعتماد ابن الوليد أو
غيره من الأعلام المتقدّمين ، فضلاً عن المتأخّرين ، على رواية شخص والحكم بصحّتها
لا يكشف عن وثاقة الراوي أو حسنه ، وذلك لاحتمال انّ الحاكم بالصحة يعتمد على
أصالة العدالة ، ويرى حجّية كلّ رواية يرويها مؤمن لم يظهر منه فسق ، وهذا لا يفيد
من يعتبر وثاقة الراوي أو حسنه في حجّية خبره.
يلاحظ
عليه : أنّ ما ذكره من الاحتمال لا يوافق ما
نقله النجاشي عن ابن نوح ، فانّه قد اعترض على ابن الوليد في استثناء محمد بن عيسى
بن عبيد حيث قال : لا أدري ما رابه فيه ـ أي ما هو السبب الذي أوقعه في الريب
والشكّ فيه ـ لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة. والمتبادر من العبارة انّ
الباقين ممّا قد أُحرزت عدالتهم ووثاقتهم ، لا أنّ عدالتهم كانت محرزة بأصالة
العدالة.
وبذلك يظهر ضعف ما ذكره : « لعلّه كان
يرى حجّية كلّ رواية يرويها مؤمن لم يظهر منه فسق » فانّ هذا الاحتمال لا يناسب
تلك العبارة.
والذي يدلّ على أنّ ابن الوليد أحرز
وثاقة الباقين بدليل لا بالأصل ، ما ذكره الصدوق في موردين :
الأوّل
: يقول الصدوق : كان شيخنا محمد بن الحسن لا يصحح خبر صلاة يوم غدير خم والثواب
المذكور فيه لمن صامه ، ويقول : إنّه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان كذّاباً
غير ثقة ، وكلّ ما لم يصحّحه ذلك الشيخ ـ قدس اللّه روحه ـ ولم يحكم بصحته من
الأخبار فهو عندنا متروك غير صحيح.
الثاني
: كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ( رضي اللّه عنه ) سيّئ الرأي في
محمد بن عبد اللّه المسمعي ، راوي هذا الحديث ، وانّي قد أخرجت هذا الخبر في هذا
الكتاب ، لأنّه كان في كتاب الرحمة وقد قرأته عليه ، فلم ينكره ورواه لي.
فإنّ هذه التعابير تعرب عن أنّ وصف
الباقين بالوثاقة ، كوصف المستثنين بالضعف ، كان بالإحراز لا بالاعتماد على أصالة
العدالة في كلّ راو ، أو على القول بحجّية قول كلّ من لم يظهر منه فسق.
إذ لو كان المناط في صحّة الرواية هذين
الأصلين ، لما احتاج الصدوق في إحراز حال الراوي إلى توثيق أو تضعيف شيخه ابن
الوليد ، لأنّ نسبة الأصل إلى الأُستاذ والتلميذ على حدّ سواء.
فتلخص انّ كون الراوي من مشايخ مؤلّف
كتا ب « نوادر الحكمة » يورث الظن أو الاطمئنان بوثاقته إذا لم يكن أحد هؤلاء
المستثنين.
تمرينات
١. من هو ابن الوليد؟ وما هي عبارته في
حقّ كتاب « نوادر الحكمة »؟
٢. كيف يُستدلّ على أنّ مشايخ صاحب «
نوادر الحكمة » كلّهم ثقات ، إلاّ ما استثناه ابن الوليد؟
٣. ما هو الإشكال على هذا الاستدلال؟ وما
هو جوابه؟
الدرس
الثامن عشر
ما وقع في
أسناد كتاب « كامل الزيارات »
إنّ مؤلف كتاب « كامل الزيارات » هو
الشيخ الأقدم والفقيه المقدّم أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ( المتوفّى عام
٣٦٧ أو ٣٦٩ هـ ) من أجلاّء الأصحاب في الحديث والفقه ، ووصفه النجاشي بقوله بأنّه
من ثقات أصحابنا وأجلاّئهم في الفقه والحديث ، وتوارد عليه النصّ بالوثاقة في «
فهرست » الشيخ ، و « الوجيزة » و « البحار » للعلاّمة المجلسي ، و « بلغة الرجال »
للشيخ سليمان الماحوزي ، و « المشتركات » للشيخ فخرالدين الطريحي ، و « المشتركات
» للكاظمي ، و « الوسائل » للحرّ العاملي ، و « منتهى المقال » للشيخ أبي علي في
ترجمة أخيه ، والسيد رضي الدين بن طاووس ، وغيرهم من الأعلام.
وكتابه هذا من أهمّ كتب الطائفة
وأُصولها المعتمد عليها في الحديث ، وقد ذكر هو 1
في مقدّمة كتابه ما دعاه إلى تصنيفه ، ثمّ قال : ولم أخرج فيه حديثاً روي عن غيرهم
إذا كان فيما روينا عنهم من حديثهم ـ صلوات اللّه عليهم ـ كفاية عن حديث غيرهم ، وقد
علمنا أنّا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره ، ولكن ما وقع
لنا من جهة الثقات من أصحابنا ـ رحمهم اللّه برحمته ـ ولا
أخرجت فيه حديثاً
روي عن الشُّذاذ من الرجال يؤثّر ذلك عنهم:
المذكورين ، غير المعروفين بالرواية ، المشهورين بالحديث والعلم ، وسمّيته كتاب «
كامل الزيارات » وفضلها وثواب ذلك.
وقد استظهر الشيخ الحر العاملي ( المتوفّـى ١١٠٤ هـ ) وغيره من تلك
العبارة أنّ جميع الرواة المذكورين في اسناد أحاديث ذلك الكتاب من روي عنهم إلى أن
ينتهي إلى الإمام ، من الثقات عند المؤلف ، فلو اكتفينا بشهادة الواحد في
الموضوعات يعدّ كلّ من جاء في أسناد ذلك الكتاب من الثقات بشهادة الثقة العدل ، أعني
: ابن قولويه ، وقد استخرج بعض الأفاضل أسماء الواردين في أسناد ذلك الكتاب فبلغوا
٣٨٠ شخصاً.
وممّن أصرّ على هذا القول السيد المحقّق
الخوئي ، فقال بعد نقل ما حكيناه عن كتاب كامل الزيارات : انّ هذه العبارة واضحة
الدلالة على أنّه لا يروي في كتابه رواية عن المعصوم إلاّوقد وصلت إليه من جهة
الثقات من أصحابنا ، ثمّ أيّد كلامه بما نقلناه عن صاحب الوسائل ، ثمّ قال : ما
ذكره صاحب الوسائل متين ، فيحكم بوثاقة من شهد جعفر بن محمد بن قولويه بوثاقته ، اللّهم
إلاّأن يبتلى بمعارض.
ولكن الحقّ ما استظهره المحدّث النوري
حيث قال : بأنّ العبارة المذكورة تدلّ على توثيق كلّ من صُدِّر بهم سندُ أحاديث
كتابه لا كلّ من ورد في أسناد الروايات.
وبعبارة أُخرى تدلّ على توثيق كلّ
مشايخه لا توثيق كلّ من ورد في أسناد
ذلك الكتاب.
ويدلّ على ما ذكرنا أُمور :
١. انّه استرحم لجميع مشايخه حيث قال : من
أصحابنا ـ رحمهم اللّه برحمته ـ ومع ذلك نرى أنّه روى فيه عمّن لا يستحقّ ذلك الاسترحام
، فقد روى في هذا الكتاب عن عشرات من الواقفة والفطحية ، وهل يصحّ لشيخ مثل ابن
قولويه أن يسترحم لهم؟
٢. روى في الباب الثامن في فضل الصلاة
في مسجد الكوفة عن ليث بن أبي سليم وهو عامي بلا إشكال.
كما روى عن علي بن أبي حمزة البطائني
المختلف فيه ، فقد روى عنه في هذا الكتاب في الصفحات : ٦٣ ، ٨٤ ، ١٠٨ ، ١١٩ ، ٢٤٦
، ٢٤٨ ، ٢٩٤.
كما روى عن حسن بن علي بن أبي حمزة
البطائني في الصفحات : ٤٩ ، ١٠٠.
كما روى عن عمر بن سعد الذي هو من مشايخ
نصر بن مزاحم مؤلف كتاب « صفين » المتوفّى عام ٢١٢ هـ في الصفحات : ٧١ ، ٧٢ ، ٩٠ ،
٩٣.
كما روى فيه عن بعض أُمهات المؤمنين
التي لا يركن إلى حديثها ( الصفحة ٣١ ، الباب الثامن ، الحديث ١٦ ).
٣. كان القدماء من المشايخ ملتزمين بعدم
أخذ الحديث إلاّ ممّن صلحت حاله وثبتت وثاقته ، والعناية بحال الشيخ كانت أكثر من
عنايتهم بمن يروي عنه الشيخ ، وقد عرفت التزام النجاشي بأن لا يروي إلاّ عن شيخ
ثقة ، ولم يلتزم بكون
جميع من ورد في سند
الرواية ثقات.
ولأجل ذلك كانت الرواية بلا واسطة عن
المجاهيل والضعفاء عيباً ، وكانت من أسباب الجرح ، ولم يكن نقل الرواية المشتملة
على المجهول والضعيف من أسباب الطعن.
كلّ ذلك يؤيد ما استظهره المحدّث
النوري.
ثمّ
إنّ السيد الخوئي 1 ممّن كان يعتمد على رأيه طوال سنين لكنّه عدل عمّا
بنى عليه ، وصرّح برأيه في ورقة خاصة ونشرت.
فالحقّ ما استظهره المحدّث النوري وانّ
العبارة لا تدلّ إلاّ على وثاقة مشايخه ، وأمّا أسماؤهم فهي لا تتجاوز عن اثنين
وثلاثين شخصاً حسب ما أنهاهم ذلك المحدِّث.
تمرينات
١. من هو مؤلّف « كامل الزيارات »؟ وما
هي عبارته في ديباجة الكتاب؟
٢. بيّن كيفية استظهار الشيخ الحرّ
العاملي من هذه العبارة؟
٣. ما هو موقف المحدّث النوري من
العبارة المذكورة؟
٤. ما هو المختار من القولين؟ وما هي
أدلّته؟
الدرس
التاسع عشر
ما
ورد في أسناد تفسير القمي
« علي بن
إبراهيم »
إنّ علي بن إبراهيم بن هاشم القمي أحد
مشايخ الحديث في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع ، وكفى في عظمته انّه من
مشايخ الكليني وقد أكثر في « الكافي » الرواية عنه حتى بلغت رواياته سبعة آلاف وثمانية
وستين مورداً.
وقد وقع في أسناد كثير من الروايات تبلغ
سبعة آلاف ومائة وأربعين مورداً.
وعرّفه النجاشي بقوله : علي بن إبراهيم
، أبو الحسن القمي ، ثقة في الحديث ، ثبت ، معتمد ، صحيح المذهب ، سمع فأكثر ، وصنّف
كتباً.
وقال الشيخ الطوسي في « الفهرست » : علي
بن إبراهيم بن هاشم القمي ، له كتب : منها كتاب التفسير ، وكتاب الناسخ والمنسوخ.
ثمّ إنّه استظهر بعضهم ممّا ذكره في
مقدّمة التفسير انّ كلّ من ورد في أسناده ثقة ، حيث قال : نحن ذاكرون ومخبرون بما
ينتهي إلينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض اللّه طاعتهم ، وأوجب رعايتهم ، ولا
يقبل العمل إلاّ بهم.
وقال صاحب الوسائل : قد شهد علي بن
إبراهيم أيضاً بثبوت أحاديث تفسيره ، وانّها مروية عن الثقات عن الأئمّة.
وقال صاحب معجم رجال الحديث معترفاً
بصحّة ما ذهب إليه صاحب الوسائل : إنّ علي بن إبراهيم يريد بما ذكره ، إثبات صحّة
تفسيره وأنّ رواياته ثابتة وصادرة من المعصومين :
وانّها انتهت إليه بوساطة المشايخ والثقات من الشيعة ، وعلى ذلك فلا موجب لتخصيص
التوثيق بمشايخه الذين يروي عنهم علي بن إبراهيم بلا واسطة ، كما زعمه بعضهم.
يلاحظ
عليه : أوّلاً : بالمناقشة
في دلالة العبارة على ما يتبنّاه ، فإنّ الظاهر انّ مراده هو خصوص مشايخه بلا
واسطة ، ويؤيده عطف « وثقاتنا » على « مشايخنا » الظاهر في نقله عن الأساتذة بلا
واسطة ، ولمّا كان النقل عن الضعيف بلا واسطة من وجوه الضعف ، دون النقل عن الثقة
، إذا روى عن غيره خصّ مشايخه بالوثاقة ليدفع عن نفسه تهمة النقد والاعتراض ، كما
ذكرنا مثله في مشايخ ابن قولويه.
وثانياً
: المناقشة في نسبة التفسير المذكور إلى علي بن إبراهيم فانّ تفسيره ملفّق من
إملاءين :
الأوّل
: ما أملاه علي بن إبراهيم على تلميذه أبي الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة
بن موسى بن جعفر.
الثاني
: ما أملاه الإمام الباقر لتلميذه أبي الجارود ونقله أبو الفضل العباس ابن محمد
بسنده المنتهي إلى أبي الجارود.
وإليك البيان :
أمّا الأوّل : فقد ابتدأ علي بن إبراهيم
بسورة الفاتحة والبقرة وشطراً قليلاً من سورة آل عمران إلى الآية ٤٥.
فقد ورد في مفتتح سورة الفاتحة هكذا : حدّثني
أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر ، قال : حدثنا أبو
الحسن علي بن إبراهيم ، قال : حدثني أبي ;
، عن محمد بن أبي عمير ، عن حماد بن عيسى ، عن حريث ، عن أبي عبد اللّه 7 وساق الكلام بهذا الوصف إلى الآية ٤٥
من سورة آل عمران.
وأمّا الثاني : فهو لمّا وصل إلى قوله
سبحانه : ( إِذْ قالَتِ
الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّركِ بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمُهُ
الْمَسيحُ عيسى ابنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُنْيا وَالآخِرَةِ وَمِنَ
الْمُقَرَّبين )
أدخل في التفسير ما أملاه الإمام الباقر 7
لزياد بن منذر أبي الجارود في تفسير القرآن ، حيث قال بعد نقل تفسير لغاتها : حدّثنا
أحمد الهمداني ، قال : حدثني جعفر بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا كثير بن غياث ، عن
زياد بن المنذر أبي الجارود ، عن أبي جعفر محمد بن علي 8.
ثمّ إنّه في ثنايا الكتاب تارة ينقل عن
علي بن إبراهيم وأُخرى عن أبي
الجارود على نحو
يظهر انّ الكتاب مؤلّف من إملاءين على ما عرفت ، فلا يمكن الاعتماد على كلّ ما ورد
في أسانيد أحاديث ذلك التفسير ، فإنّ قسماً من الأحاديث يرجع إلى علي بن إبراهيم
ومشايخه ، وقسماً آخر يرجع إلى مشايخ جامع التفسير حتى ينتهي إلى الإمام الباقر 7.
وثالثاً
: انّ أقصى ما يمكن أن يقال انّه يجب
التفريق بين ما روى جامع التفسير عن نفس علي بن إبراهيم إلى أن ينتهي إلى الإمام ،
وما رواه جامع التفسير عن غيره من المشايخ فانّ شهادة القمّي تكون حجّة فيما يرويه
نفسه عن مشايخه لا فيما يرويه تلميذه من مشايخه إلى أن ينتهي إلى الإمام. وقد روى
جامع التفسير عن عدّة من الأعلام وليس لعلي بن إبراهيم أيّ رواية عنهم وقد ذكرنا
أسماءهم في كتابنا « كليّات في علم الرجال ».
ورابعاً
: انّ جامع التفسير ـ أعني : أبا الفضل العباس بن محمد ـ مجهول الحال ولا ذكر له
في الأُصول الرجاليّة ، بل المذكور فيها ترجمة والده المعروف بـ « محمد الاعرابي »
وجدّه « القاسم » فقد ترجم والده الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب الإمام الهادي 7 تحت عنوان محمد بن القاسم بن حمزة بن
موسى العلوي.
نعم
، ترجم العباس في كتب الأنساب ، فقد ذكر
المحقّق الطهراني في ذريعته انّه رأى ترجمته في كتب الأنساب مثل « عمدة الطالب » و
« بحر الأنساب » وغيرهما.
إكمال
إنّ جامع التفسير ذكر بعد خطبة الكتاب
قوله : قال أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي ، فالقرآن منه ناسخ ومنه
منسوخ ، ومنه محكم ومنه متشابه ... واستغرق هذا النوع من التقسيم والذي يرجع إلى
علوم القرآن حوالي ٢٢ صفحة ، وظاهر العبارة يعرب انّ ما جاء في تلك الصحائف يرجع
إلى نفس علي بن إبراهيم مع أنّ محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني تلميذ
الكليني مؤلّف كتاب « الغيبة » رواها باسناده عن الإمام الصادق 7 عن جدّه أمير المؤمنين ، وجعلها مقدّمة
لتفسيره.
ومن العجب انّ تلك المقدّمة مفردة مع
خطبة مختصرة طبعت باسم « المحكم والمتشابه » ونسب إلى السيد المرتضى ، والحقّ
انّها من العلوم العلوية التي رواها الإمام الصادق 7
ووصلت إلينا عن المشايخ.
تمرينات
١. بيّن مكانة « علي بن إبراهيم » في
الحديث؟ واذكر نصّ عبارته في ديباجة الكتاب.
٢. ما هو مختارنا في تفسير هذه العبارة؟
٣. اذكر كيفية تأليف التفسير المسمّى بـ
« تفسير القمّي ».
٤. من هو جامع هذا التفسير؟
الدرس
العشـرون
مشايخ الثقات
(١)
محمد بن أبي
عمير ومشايخه
يطلق مشايخ الثقات على مشايخ : محمد بن
أبي عمير ، وصفوان بن يحيى ، واحمد بن أبي نصر البزنطي ، وقد اشتهر انّ مشايخ
هؤلاء ثقات أيضاً ، وانّهم لا يروون ولايرسلون إلاّ عن ثقة ، ويترتب على ذلك أمران
:
١. انّ كلّ من روى عنه هؤلاء ، فهو
محكوم بالوثاقة.
٢. انّه يؤخذ بمراسيلهم كما يؤخذ
بمسانيدهم ، وإن كانت الواسطة مجهولة أو مهملة أو محذوفة.
والأصل في ذلك ما ذكره الشيخ في «
العدّة » حيث قال : وإذا كان أحد الراويين مُسْنِداً والآخر مرسِلاً ، نُظِر في
حال المرسِل ، فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يُرسِل إلاّ عن ثقة موثوق به ، فلا ترجيح
لخبر غيره على خبره ، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير ، وصفوان
بن يحيى ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لا يروون
ولايرسلون إلاّ عمّن يوثق به ، وبين ما أسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا
انفردوا عن رواية غيرهم ، فأمّا
إذا لم يكن كذلك ويكون
ممن يُرسِل عن ثقة وعن غير ثقة فانّه يقدّم خبر غيره عليه ، وإذا انفرد وجب
التوقّف في خبره إلى أن يدلّ دليل على وجوب العمل به.
وتحقيق الحال يتوقّف على البحث عن هذه
الشخصيات الثلاث واحداً تلو الآخر ، وإليك البيان :
ابن أبي عمير ( المتوفّى عام ٢١٧ هـ )
قد يعبّر عنه بابن أبي عمير ، وأُخرى بـ
« محمد بن زياد البزاز أو الأزدي » ، وثالثة بمحمد بن أبي عمير. وهو شيخ جليل لقي
أبا الحسن موسي7
وسمع منه أحاديث ، وروى عن الرضا 7
، قال النجاشي : جليل القدر ، عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين. وقد حبس أيّام
الرشيد ليدلّ على مواضع الشيعة ، وفرّج اللّه عنه ، وقيل : إنّ أُخته دفنت كتبه في
حال استتاره أربع سنين ، فهلكت الكتب ; وقيل : بل تركها في غرفة سال عليها المطر
فهلكت ، فحدّث من حفظه ، وممّا كان سلف له في أيدي الناس ، ولهذا يسكن أصحابنا إلى
مراسيله ، وقد صنّف كتباً كثيرة تبلغ ٩٤ كتاباً ، منها المغازي ... وقد مات ٢١٧
هـ.
قال الشيخ في الفهرست : كان من أوثق
الناس عند الخاصّة والعامّة ، أنسكهم نسكاً ، وأورعهم وأعبدهم ، أدرك من الأئمة
ثلاثاً : أبا إبراهيم موسى 7
ولم يرو عنه ، وادرك الرضا 7
وروى عنه ، والجواد 7.
وروى عنه أحمد بن محمد بن عيسى كُتُبَ مائة رجل من رجال الصادق 7.
إذا عرفت ذلك : فاعلم أنّ نسبة ما اشتهر
إلى ابن أبي عمير لا يرسل إلاّ عن ثقة موثوق به ، ترجع إلى الشيخ كما عرفت.
ولا تقصر شهادةُ الشيخ على التسوية ، عن
شهادة الكشي على إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عن جماعة ، فلو كانت الشهادة
الثانية مأخوذاً بها ، فالأُولى مثلها في الحجّية ، وليس التزام هؤلاء بالنقل عن
الثقات أمراً غريباً ، إذ لهم نظراء بين الأصحاب ، أمثال : أحمد بن محمد بن عيسى
القمي ، ومحمد بن بشير البجلي ، ومحمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني ، وعلي بن
الحسن الطاطري ، والرجالي المعروف النجاشي ، الذين اشتهروا بعدم النقل إلاّ عن
الثقة ، وقد عرفت أحوالهم كما وقفت على أنظارنا فيهم.
وأمّا اطّلاع الشيخ على هذه التسوية
فلأنّه كان بصيراً بأحوال الرواة وحالات المشايخ ، ويعرب عن ذلك ما ذكره في «
العدّة » عند البحث عن حجّية خبر الواحد ، حيث قال :
إنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال
الناقلة لهذه الأخبار ، فوثّقت الثقات منهم ، وضعّفت الضعفاء ، وفرّقوا بين من
يُعتمد على حديثه وروايته ، ومن لا يُعتمد على خبره ، ومدحوا الممدوح منهم ، وذمّوا
المذموم ، وقالوا فلان متّهم في حديثه ، وفلان كذّاب ، وفلان مخلِّط ، وفلان مخالف
في المذهب والاعتقاد ، وفلان واقفيّ ، وفلان فطحيّ ، وغير ذلك من الطعون التي
ذكروها.
وهذه العبارة ونظائرها ، تعرب عن تبحّر
الشيخ في معرفة الرواة وسعة اطّلاعه في ذلك المضمار ، فلا غرو في أن يتفرّد بمثل
هذه التسوية ، وإن لم ينقلها أحد من معاصريه ولا المتأخّرون عنه إلى القرن السابع
إلاّ النجاشي ، فقد صرّح بما
ذكره في خصوص ابن
أبي عمير من الرجال الثلاثة كما عرفت.
وعلى هذا فقد اطّلع الشيخ على نظرية
مجموعة كبيرة من علماء الطائفة وفقهائهم في مورد هؤلاء الثلاثة وأنّهم كانوا
يسوّون بين مسانيدهم ومراسيلهم ، وهذا يكفي في الحجّية ، ومفادها توثيق جميع مشايخ
هؤلاء ، وقد عرفت أنّه لايحتاج في التزكية إلى أزيد من واحد ، فالشيخ يحكي اطّلاعه
على عدد كبير من العلماء ، يُزكّون عامّة مشايخ ابن أبي عمير ، ولأجل ذلك يسوّون
بين مراسيله ومسانيده.
والسابر في فهرست الشيخ ورجاله يذعن
بإحاطته بالفهارس وكتب الرجال ، وأحوال الرواة ، وانّه كانت تحضره مجموعة كبيرة من
كتب الرجال والفهارس ، وكان في نقضه وإبرامه وتعديله وجرحه ، يصدر عن الكتب التي
كانت تحضره ، أو الآراء والنظريات التي سمعها من مشايخه وأساتذته.
ونجد التصريح على التسوية من علماء
القرن السابع إلى هذه الأعصار نذكر أسماء بعضهم :
١. السيد علي بن طاووس ( المتوفّى عام
٦٦٤ هـ ) ، قال : مراسيل
محمد بن أبي عمير كالمسانيد عند أهل الوفاق.
٢. المحقّق الحلّي ( المتوفّى عام ٦٧٦
هـ ) قال : عمل
الأصحاب بمراسيل ابن أبي عمير.
٣. الفاضل الآبي ( كان حيّاً عام ٦٧٢ هـ
) قال : إنّ
الأصحاب تعمل بمراسيل ابن أبي عمير.
٤. العلاّمة الحلّي ( المتوفّـى عام ٧٢٦
هـ ) حيث قال في « النهاية » : ... إلاّ إذا عرف انّ الراوي لا يرسل إلاّ عن عدل
، كمراسيل
محمد بن أبي عمير.
٥. عميد الدين الحلّي ابن أُخت العلاّمة
وتلميذه ( المتوفّى ٧٥٤ هـ ) ، قال : المرسَل ليس بحجة ما لم يُعلم أنّه لا يرسل
إلاّ عن عدل ، كمراسيل محمد بن أبي عمير.
٦. الشهيد الأوّل ( المتوفّى عام ٧٨٦ هـ
) قال : قبلت
الأصحاب مراسيل ابن أبي عمير وصفوان بن
يحيى وأحمد بن أبي نصر البزنطي ؛ لأنّهم لا يرسلون إلاّ عن ثقة.
إلى غير ذلك من أساطين الفقه والرجال
إلى أعصارنا ، فقد تلقّوها بالقبول وذكرنا أسماءهم وكلماتهم في « كلّيات في علم
الرجال ».
غير انّه ربّما أُورد على هذه التسوية
إشكالات نذكرها في الدرس الآتي.
تمرينات
١. ما هو المراد من مشايخ الثقات؟
٢. ما هو الأصل للقول المعروف بأنّ
هؤلاء لا يروون إلاّ عن ثقة؟
٣. اذكر كلمة النجاشي والشيخ في حقّ ابن
أبي عمير.
٤. من أين وقف الشيخ على أنّهم لا يروون
إلاّ عن ثقة؟
الدرس
الحادي والعشرون
نقد التسوية
والإجابة عنه
إنّ التتبّع في أسانيد الكتب الأربعة
يقضي بكثرة مشايخ ابن أبي عمير ، فقد عرفت أنّ الشيخ ذكر في الفهرست انّه روى عنه
أحمد بن محمد بن عيسى القمّي كتب مائة رجل من أصحاب الإمام الصادق 7 ، وقد ذكر المحدّث النوري له مائة
وثلاثة عشر شيخاً ، وأنهاهم في معجم رجال الحديث إلى ما يقارب ٢٧٠ شيخاً ، كما
أنهاهم مؤلّف كتاب مشايخ الثقات فبلغ ٣٩٧ شيخاً ، ولعلّ الباحث يقف على أكثر من
ذلك.
وهذا يعرب عن تضلّع ابن أبي عمير في علم
الحديث وبلوغه القمّة في ذلك العلم حتى توفّق للتحدّث عن هذه المجموعة الكبيرة.
نقض القاعدة
وربما تُنقض القاعدة ويقال بأنّه كيف لا
يرسل إلاّ عن ثقة مع أنّه يروي عن الضعاف؟! وقد ذكروا مواضع تُخيّل انّه روى فيها
عن الضعاف ، ونحن نذكر ما ذكره صاحب معجم رجال الحديث ، وقليلاً ممّا ذكره غيره ، ونحيل
الباقي إلى كتابنا « كلّيات في علم الرجال ».
١. محمد بن سنان
روى الشيخ الحرّ العاملي عن الصدوق في «
علل الشرائع » عن محمد بن الحسن ، عن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن أبي
عمير ، عن محمد بن سنان ، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه 7 في حديث : انّ نبيّاً من الأنبياء بعثه
اللّه إلى قومه فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه ، فأتاه ملك ، فقال له : إنّ اللّه
بعثني إليك فمرني بما شئت ، فقال : لي اسوة بما يُصنع بالحسين 7.
فعدّ محمد بن سنان من مشايخ ابن أبي
عمير استناداً إلى هذه الرواية ، وهو ضعيف.
ولكن الاستظهار غير تام.
أمّا
أوّلاً : فإنّ محمد بن سنان من معاصري ابن أبي
عمير ، لا من مشايخه ، وقد توفّي ابن سنان سنة ٢٢٠ هـ وتوفّي ابن أبي عمير سنة ٢١٧
هـ ، فطبع الحال يقتضي أن لا يروي من مثله.
وثانياً
: أنّ الموجود في « علل الشرائع »
: و « محمد بن سنان » مكان : « عن محمد بن سنان » ، فاشتبه « الواو » بـ « عن ».
إنّ تبديل لفظ « الواو » بـ « عن » كثير
في المسانيد ، وقد نبّه عليه المحقّق صاحب « المعالم » في مقدّمات « منتقى الجمان
» وبالتأمّل فيه ينحلّ كثير من العويصات الموجودة في الأسانيد ، كما ينحلّ قسم من
النقوض التي أوردت على القاعدة ، ولأجل كونه أساساً لحلّ بعض العويصات وردّ النقوض
نأتي بعبارة « المنتقى » بنصه :
قال : « حيث إنّ الغالب في الطرق هو
الوحدة ووقوع كلمة « عن » في الكتابة بين أسماء الرجال ، فمع الإعجال يسبق إلى
الذّهن ما هو الغالب ، فيوضع كلمة « عن » في الكتابة موضع « واو » العطف ، وقد
رأيت في نسخة « التّهذيب » الّتي عندي بخطّ الشيخ ;
عدّة مواضع سبق فيها القلم إلى إثبات كلمة « عن » في موضع « الواو » ، ثمّ وصّل
بين طرفي العين وجعلها على صورتها واواً ، والتبس ذلك على بعض النسّاخ فكتبها
بالصّورة الأصليّة في بعض مواضع الإصلاح. وفشا ذلك في النّسخ المتجدِّدة ، ولمّا
راجعت خطّ الشيخ فيه تبيّنت الحال. وظاهر أنّ إبدال « الواو » بـ « عن » يقتضي
الزّيادة الّتي ذكرناها ( كثرة الواسطة وزيادتها ) فإذا كان الرجل ضعيفاً ، ضاع به
الإسناد ، فلابدّ من استفراغ الوسع في ملاحظة أمثال هذا ، وعدم القناعة بظواهر
الأُمور ».
٢. علي بن حديد
روى الشيخ عن الحسين بن سعيد ، عن ابن
أبي عمير ، عن علي بن حديد ، عن جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما 8 في رجل كانت له جارية ، فوطئها ، ثمّ
اشترى أُمّها أو ابنتها ، قال : « لا تحلّ له ».
وعلي بن حديد ضعيف ، ضعّفه الشيخ في
موارد من كتابَيْه
وبالغ في تضعيفه.
يلاحظ
عليه : تطرّق التصحيف إلى سند الرواية ، والظاهر
انّ لفظة « عن علي
بن حديد » مصحَّف «
وعلي بن حديد » ، وقد عرفت كلام صاحب المنتقى ويدلّ على ذلك أُمور :
أ. كثرة رواية ابن أبي عمير عن جميل بلا
واسطة.
قال في معجم رجال الحديث : ورواياته عنه
تبلغ ٢٩٨ مورداً.
وعلى ذلك فمن البعيد جدّاً ، انّ ابن
أبي عمير الذي يروي عن جميل هذه الكمّيّة الهائلة من الأحاديث بلا واسطة ، يروى
عنه رواية واحدة مع الواسطة ، ولأجل ذلك لا تجد له نظيراً في كتب الأحاديث.
ب. وحدة الطبقة ، لأنّ الرجلين في طبقة
واحدة من أصحاب الكاظم والرضا 8
، ونصّ النجاشي على رواية علي بن حديد عن أبي الحسن موسى بن جعفر 8.
ج. لم يوجد لابن أبي عمير أيّ رواية عن
علي بن حديد في الكتب الأربعة غير هذا المورد ، كما يظهر من قسم تفاصيل طبقات
الرواة لمعجم الرجال ، وهذا يؤكّد كون « علي بن حديد » معطوفاً على « ابن أبي عمير
» وأنّه لم يكن شيخاً له ، وإلاّ لما اقتصر في النقل عنه على رواية واحدة.
٣. يونس بن ظبيان
روى الشيخ عن موسى بن القاسم ، عن صفوان
وابن أبي عمير ، عن بريد أو يزيد ويونس بن ظبيان ، قالا : سألنا أبا عبد اللّه 7 عن رجل يحرم في رجب أو في شهر رمضان
حتى إذا كان أوان الحج أتى متمتّعاً ، فقال : « لا بأس بذلك ».
ويونس بن ظبيان ضعيف ، ضعّفه النجاشي.
يلاحظ عليه بوجوه :
أوّلاً
: أنّ محمّد بن أبي عمير لا يروي عن غير الثقة إذا انفرد هو بالنقل ، وأمّا إذا لم
يتفرّد بنقله ، بل نقله الثقة وغيره ، فيروي عنهما تأييداً للخبر ، ولأجل ذلك روى
عن يونس بن ظبيان لا وحده بل منضماً إلى « بريد » أو « يزيد ».
ولكن الأوّل ـ أي كونه بريداً ـ بعيدٌ;
لأنّ بريد بن معاوية توفّي في أيّام الإمام الصادق 7
الذي توفّي عام ١٤٨ هـ ، فتعينّ أن يكون المراد هو يزيد ، وكلّما أطلق « يزيد »
يراد منه أبو خالد القماّط هو ثقة ؛ كما يحتمل أن يكون المراد يزيد بن خليفة ، وهو
من أصحاب الصادق 7
ويروي عنه صفوان.
ثانياً
: يحتمل وجود الإرسال في الرواية بمعنى سقوط الواسطة بين ابن أبي عمير ويونس ، وذلك
لأنّ يونس قد توفّي في حياة الإمام الصادق 7
، وقد توفّي الإمام عام ١٤٨ هـ ، فمن البعيد أن يروي ابن أبي عمير ( المتوفّى عام
٢١٧ هـ ) عن مثله إلاّ أن يكون معمَّراً قابلاً لأخذ الحديث من تلاميذ الإمام
الصادق الذين تُوفّوا في حياته ، ولذا لم يرو ابن أبي عمير عن الصادق 7 ولا عن الكاظم 7 كما سمعت عن الشيخ في ترجمة ابن أبي
عمير حيث قال : « وأدرك من الأئمّة ثلاثة :
، أبا إبراهيم موسى 7
ولم يرو عنه إلاّ شيئاً قليلاً » كما عليه النجاشي حيث قال : لقي أبا الحسن موسى 7 وسمع منه أحاديث ، كنّاه في بعضها فقال
: يا أبا أحمد.
وعلى ضوء ما ذكرنا فلعلّ الواسطة
الساقطة كانت ثقة وإن كان يونس
ضعيفاً وقد مرّ انّ
ابن أبي عمير وأضرابه كانوا ملتزمين بعدم النقل عن الضعيف بلا واسطة ، لامعها كما
في المقام.
٤. الحسين بن أحمد المنقري
روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن
أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسين بن أحمد المنقري ، قال : سمعت أبا إبراهيم
يقول : « من استكفى بآية من القرآن ... »
والحسين بن أحمد المنقري ، ضعّفه النجاشي.
يلاحظ
عليه : أنّ النجاشي ، قال فـي حقّه : كان
ضعيفاً ، ذكـر ذلك أصحابنا 4
روى عن داود الرّقي وأكثر.
وذكر في ترجمة داود الرّقي انّه ضعيف
جداً ، والغلاة تروي عنه.
والظاهر انّ المنقري أحد الغلاة الذين
يروون عنه ، فضعفه يرجع إلى العقيدة لا إلى القول والعمل ، وذلك لا ينافي أن يكون
ثبتاً في الحديث ، وثقة في الكلام ، وهو غير مناف للوثاقة في مقام النقل الذي كان
ابن أبي عمير ملتزماً فيه بعدم النقل إلاّ عن ثقة.ولا ظهور لكلام الشيخ الماضي في
أنّه لا يروي إلاّعن عدل إماميّ.
٥. علي بن أبي حمزة البطائني
روى الكليني بسنده عن ابن أبي عمير ، عن
علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير
قال : شكوت إلى أبي
عبد اللّه 7 : الوسواس
.... وعلي بن أبي
حمزة ضعيف.
أقول
: نقل النجاشي انّ ابن أبي عمير نقل كتاب علي بن أبي حمزة عنه ، كما ذكره في ترجمة
علي بن أبي حمزة.
وعلى ذلك فمن المحتمل في هذا المورد
وسائر الموارد ، انّ ابن أبي عمير نقل عنه الحديث في حال استقامته ، لأنّ الأُستاذ
والتلميذ أدركا عصر الإمام أبي الحسن الكاظم 7
، فقد كان ابن أبي حمزة موضع ثقة منه ، وقد أخذ عنه الحديث عند ما كان مستقيم
المذهب ، صحيح العقيدة ؛ فحدّثه بعد انحرافه أيضاً. نعم ، لو لم يكن ابن أبي عمير
مدركاً لعصر الإمام الكاظم 7
وانحصر نقله في عصر الرضا 7
يكون النقل عنه ناقضاً للقاعدة ، ولكن عرفت انّه أدرك كلا العصرين.
أضف إلى ذلك انّ مراد الشيخ من قوله : «
ولا يرسلون إلاّ عمّن يوثق به » هو من يوثق بقوله : ويكفي في ذلك كونه مسلماً
متحرّزاً عن الكذب في الرواية ، وأمّا كونه إمامياً فلا يظهر من عبارة العدّة.
إلى هنا تمّ ما أورده السيد الخوئي
نقضاً على القاعدة في حقّ ابن أبي عمير ،
فلندرس أحوال الآخرين.
تمرينات
١. إذا كان ابن أبي عمير لا يروي إلاّ
عن ثقة ، كيف تفسّر روايته عن محمد بن سنان في كتاب « علل الشرائع »؟
٢. إذا كان عامّة مشايخ ابن أبي عمير
ثقاتاً ، فكيف تفسّر روايته عن علي بن حديد حسب رواية الشيخ في كتاب « التهذيب »؟
٣. إذا كان ابن أبي عمير لا يروي إلاّ
عن ثقة فكيف تفسّر روايته عن يونس بن ظبيان حسب رواية الشيخ في كتاب « التهذيب »؟
الدرس
الثاني والعشرون
مشايخ الثقات
(٢)
صفوان
بن يحيى
بيّاع
السابُري
قد مرّ آنفاً انّ الشيخ في العدّة ذكر
صفوان بن يحيى ، أحد الثلاثة الذين التزموا بعدم الرواية والإرسال إلاّ عن ثقة.
و ذكره النجاشي وأثنى عليه ، وقال : كانت
له عند الرضا منزلة شريفة. وذكره الكشّي ، وقال : وقد توكّل للرضا وأبي جعفر 8 وسلم في مذهبه من الوقف ، وصنف ثلاثين
كتاباً كما ذكر أصحابنا.
فقد أنهى في « معجم رجال الحديث »
مشايخه في الكتب الأربعة إلى ١٤٠ شيخاً ، وأحصاهم مؤلّف « مشايخ الثقات » فبلغ
مشايخه في الكتب الأربعة وغيرها ٢٣٠ شيخاً.
والثقات منهم ١٠٩ مشايخ ، والباقون ١٠١
بين مهمل ومجهول وقليل
__________________
منهم مضعَّف.
وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على
جلالة الرجل وعظمته ، وإحاطته بأحاديث العترة الطاهرة.
وقد ادّعى مصنّف معجم الرجال وجود ضعاف
في مشايخه ، نذكرهم مع التحليل.
١. يونس بن ظبيان
روى الشيخ عن موسى بن القاسم ، عن صفوان
وابن أبي عمير ، عن بريد ( يزيد ) ويونس بن ظبيان ، قالا : سألنا أبا عبد اللّه 7 عن رجل يحرم في رجب أو في شهر رمضان
حتى إذا كان أوان الحجّ.
أقول
: وقد مرّ الجواب عنه في ترجمة ابن أبي
عمير ، فلا نعيد.
٢. علي بن أبي حمزة البطائني
روى الكليني عن أحمد بن إدريس ، عن محمد
بن عبد الجبار ، عن صفوان ابن يحيى ، عن علي بن أبي حمزة ، قال : قلت لأبي عبد
اللّه 7 : سمعت هشام
بن الحكم يروي عنكم انّ اللّه جسمٌ ، صمديّ ، نوريّ ، معرفته ضرورة ، يمنّ بها على
من يشاء من خلقه؟ فقال 7
: « سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلاّ هو ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، لا
يحدّ ، ولا يحس ، ولا يجسّ ولا تدركه الأبصار ، ولا الحواسّ ، ولا يحيط به شيء ، ولا
جسم ولا صورة ، ولا تخطيط ولا تحديد ».
يلاحظ
عليه : أوّلاً : أنّه ليس لصفوان بن
يحيى رواية عن علي بن أبي حمزة في
الكتب الأربعة غير
هذه الرواية والرجل كنظيره « زياد بن مروان القندي » رُميا بالوقف ، وقد صرّح
النجاشي والشيخ به ، لكنّه لا يمنع عن قبول قوله إذا ثبت كونه متحرّزاً عن الكذب.
وثانياً
: أنّ أبا عمرو الكشّي روى مسنداً ومرسلاً ما يناهز خمس روايات تدلّ على انحرافه
عن علي بن موسى الرضا ، لكنّها معارضة بروايات أُخرى تدلّ على رجوعه إلى الحقّ ، وهذه
الروايات مبثوثة في « غيبة النعماني »
وكمال الدين للصدوق
، وعيون أخبار الرضا.
ولو صحّت الروايات ، لما صحّ ما ذكره
ابن الغضائري من أنّه أصل الوقف وأشدّ الناس عداوة للولي من بعد أبي إبراهيم.
وكما لا يمكن الاعتماد في المقام بما
رواه الكشي ، ولعلّه لذلك قال الشيخ في العدّة : عملت الطائفة بأخبار الواقفة مثل
علي بن أبي حمزة إذا لم يكن هناك خبر آخر يخالفه من طريق الموثوقين.
ولقد ألّف بعض الفضلاء المعاصرين رسالة
أسماها « النور الجلي في وثاقة البطائني » نقل فيها ما أثر حوله من الشبهات ووردت
روايات.
٣. أبو جميلة المفضّل بن صالح الأسديّ
روى الكليني عن عدّة من أصحابنا ، عن
أحمد بن أبي عبد اللّه ، عن صفوان ابن يحيى ، عن أبي جميلة ، عن حميد الصيرفي ، عن
أبي عبد اللّه 7
قال : « كلّ بناء
ليس بكاف ، فهو وبال
على صاحبه يوم القيامة ».
والمراد من أبي جميلة : « المفضل بن
صالح الأسديّ » الذي ذكره الشيخ في رجاله بلا مدح ولا ذمّ ، قال : المفضل بن صالح
، أبو علي ، مولى بني أسد ، يكنّى بأبي جميلة ، مات في حياة الرضا.
لكن ضعّفه النجاشي عند ذكر جابر بن يزيد
الجعفي ( المتوفّى عام ١٢٨ هـ ) ، قال : « وروى عنه جماعة غمز فيهم وضعّفوا منهم :
عمرو بن شمر ، ومفضل بن صالح و ... ».
وضعّفه ابن الغضائري وقال : المفضل بن
صالح ، أبوجميلة الأسدي النخّاس ، مولاهم ، ضعيف ، كذّاب يضع الحديث.
وقد أثبتنا في محلّه انّه لا اعتبار
بتضعيفاته وتعديلاته ، لعدم استناده في القضاء إلى السماع عن المشايخ ، بل إلى
قراءة روايات الراوي ، فلو وجد فيه ما يخالف رأيه في حقّ الأئمّة والأولياء ، رماه
بالضعف والجعل.
والظاهر أنّ النجاشي تأثّر في الحكم
عليه بالضعف من تضعيف الغضائري له وقدكانت بينهما زمالة ، كما يظهر من عدّة مواضع
من رجاله ، فضعّفه لوجود الارتفاع في العقيدة. وهو لا ينافي الوثوق بقوله ونقله.
ولذلك رام الوحيد البهبهاني إصلاح حالته
قائلاً : « ورواية الأجلّة ، ومن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ; كابن أبي
عمير ، وابن المغيرة ، والحسن بن محبوب ، والبزنطي ، والحسن بن علي بن فضال ، تشهد
بوثاقته والاعتماد
عليه ، ويؤيده كونه
كثير الرواية ».
مضافاً إلى أنّه ليس لصفوان أيّة رواية
عن المفضّل بن صالح في الكتب الأربعة إلاّ هذه الرواية.
٤. عبد اللّه بن خداش المنقري
روى الكليني عن أبي علي الأشعري ، عن
محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن عبد اللّه بن خداش المنقري انّه سأل أبا الحسن
7 عن رجل مات
وترك ابنته وأخاه ، قال : « المال للابنة ».
قال النجاشي : عبد اللّه بن خداش ، ضعيف
جداً وفي مذهبه ارتفاع.
وذكره الطوسي في رجال الصادق والكاظم
والجواد : بلا مدح ولا
ذمّ.
ووثّقه الكشّي وقال : قال العياشي : قال
أبو محمد : عبد اللّه بن محمد بن خالد : أبو خداش ، عبد اللّه بن خداش ، ثقة.
ومن نقل عنه العياشي هو الطيالسي الثقة
الذي هو من أصحاب الإمام العسكري 7.
ولعلّ توثيقه مقدّم على تضعيف النجاشي
خصوصاً إذا كان تضعيفه مستنداً إلى الارتفاع في العقيدة على أنّ ما يسمّونه
القدماء غلوّاً ـ كنفي السهو عن
النبي ـ أصبح اليوم
من ضروريات مذهب الشيعة.
والظاهر انّ تضعيف النجاشي لأجل اعتقاده
بأنّ في مذهبه ارتفاعا ، وقد مرّ انّ الغلو في الاعتقاد ، لا ينافي الصدق في الكلام
والاعتماد عليه في النقل.
٥. معلّى بن خنيس
قال الشيخ في الفهرست : معلّـى بن خنيس
يكنّى أبا عثمان الأحول ، له كتاب أخبرنا به جماعة عن أبي جعفر بن بابويه ، عن ابن
الوليد ، عن الصفّار ، عن أحمد بن محمد عن أبيه ، عن صفوان ، عنه.
وضعّفه النجاشي وقال : « ضعيف جدّاً ، لا
يعوّل عليه ». وقد تأثّر في ذلك ، من كلام زميله « ابن الغضائري » كان أوّل أمره
مغيريّاً
، ثمّ دعا إلى محمد بن عبد اللّه
، وفي هذه الظنّة أخذه داود بن علي فقتله ، والغلاة يضيفون إليه كثيراً ، ولا أرى
الاعتماد على شيء من حديثه.
يلاحظ
عليه : أوّلاً : انّ معلّى بن
خنيس من الشخصيات القلقة التي اختلفت في حقّه الروايات ، ويكفي في وثاقته ما نقله
الشيخ الطوسي في كتابه « الغيبة » فإنّه لمّا قتله داود بن علي ، عظم ذلك على أبي
عبد اللّه 7 واشتدّ عليه
، قال له : « يا داود على مَ قتلت مولاي وقيّمي في مالي وعيالي ... ».
ومع هذه الروايات المتضافرة لا يمكن
الركون إلى قول الرجاليّين.
وثانياً
: الظاهر سقوط الواسطة بين صفوان ، والمعلّـى في سند الشيخ ، ذلك
لأنّ صفوان توفـّي
عام ٢١٠ هـ ، وقتل داود بن علي عام ١٣٣ هـ كما ذكره الجزري ( في تاريخه : ٥ / ٤٤٨
) ، وقد قتل معلّـى قبله بأيدي جلاوزة داود بن علي ، والزمان الفاصل بين الوفاتين
هو ٧٦ سنة ، ولم يكن صفوان من المعمّرين الذين عاشوا مائة سنة وماحولها.
ويشهد على ذلك قول النجاشي في ترجمة
معلّـى بن خنيس قال : له كتاب ... أخبرنا أبو عبد اللّه بن شاذان ـ إلى أن قال : ـ
عن صفوان بن يحيى ، عن أبي عثمان معلّـى بن زيد الأحول ، عن معلّـى بن خنيس
بكتابه.
هذا بعض ما أورد على القاعدة وليس النقض
منحصراً بما ذكره صاحب معجم الرجال ، ومؤلّف مشايخ الثقات ، بل هنا نقوض أُخرى ، يعرف
الجواب عنها ، بالتدبّر فيما ذكرنا في المقام وبالإحاطة بالرجال والتاريخ.
تمرينات
١. اذكر أقوال الرجاليّين في حقّ صفوان
بن يحيى ، وعدد مشايخه وعدد الثقات منهم.
٢. انّ علي بن أبي حمزة البطائني من
الواقفة ، فكيف تفسر رواية صفوان عنه في كتاب « الكافي »؟
٣. هل انّ أبا جميلة المفضّل بن صالح
الأسدي من الضعاف؟
٤. كيف روى صفوان بن يحيى عن المعلّى بن
خنيس في فهرست الشيخ على الرغم من ضعفه؟
الدرس
الثالث والعشرون
مشايخ الثقات
(٣)
أحمد بن محمد
بن أبي نصر البزنطي
إنّ أحمد بن محمد بن عمرو بن أبي نصر
البزنطي ، ثالث الفقهاء الذين ادّعى الشيخ الطوسي انّهم لا يروون إلاّ عن ثقة. ويعرّفه
النجاشي بقوله : « أبو جعفر المعروف بالبزنطي ، كوفيّ ، لقي الرضا وأباجعفر 8 وكان عظيمَ المنزلة عندهما ، وله كتب ،
منها : الجامع ... ».
وقد جاء في الكتب الأربعة في أسناد
روايات تبلغ زهاء ٧٨٨ مورداً ، وقد أنهى صاحب « معجم رجال الحديث » مشايخه في
الكتب الأربعة وغيرها فبلغ ١١٥ شيخاً والثقات منهم ٥٣ شيخاً ، والباقي إمّا مهمل
أو مجهول ، وقليل منهم مضعّف ، وصار القسم الأخير سبباً لنقض القاعدة. ونحن ندرس
بعض ما ذكره السيد المحقّق الخوئي 1
:
١. المفضّل بن صالح
روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه
، عن أحمد بن أبي نصر البزنطي وابن محبوب جميعاً ، عن المفضّل بن صالح ، عن محمد
بن مروان قال : سمعت أبا عبد اللّه يقول : « كنت مع أبي في الحجر ... ».
وقد مضت حال هذا النقض عند البحث في
مشايخ صفوان ، فلا نعيد.
٢. حسن بن علي بن أبي حمزة
روى الشيخ عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبي الحسن 7 قال : قلت له : إنّ أبي هلك وترك
جاريتين.
يلاحظ
عليه : أوّلاً : أنّ علي بن أبي
حمزة ونجله الحسن ومعاصرهما زياد بن مروان القندي وإن ذهبوا إلى الوقف ، لكن فساد
عقيدتهم لا ينافي وثاقتهم ، ولذلك عمل الأصحاب برواياتهم.
وثانياً
: أنّ هذه الرواية ـ مضافاً إلى غيرها ـ
تدلّ على رجوع الولد عن الوقف ، حيث يسأل الإمام الرضا عن مسألة شرعية ولولا
اعتقاده بإمامته لما كان للسؤال وجه ، وقد أوعزنا إلى بعض الروايات الدالّة على
رجوع الوالد والولد عن الوقف عند دراسة مشايخ صفوان.
٣. عبد اللّه بن محمد الشاميّ
روى الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن
أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عبد اللّه بن محمد الشامي ، عن حسين بن حنظلة عن
أحدهما قال : أكل الكباب يذهب بالحمى.
وقد استثنى ابن الوليد ، عبد اللّه بن محمد الشامي ، من رجال نوادر الحكمة لمحمد
بن أحمد بن يحيى ، ونقله النجاشي في رجاله.
يلاحظ
عليه : أنّ عبد اللّه بن محمد الشاميّ الذي
هو من مشايخ صاحب نوادر الحكمة ، غير عبد اللّه بن محمد الشامي الذي يروي عنه
البزنطي.
أمّا الأوّل فهو من تلاميذ أحمد بن محمد
بن عيسى ( المتوفّى بعد ٢٧٤ أو بعد ٢٨٠ هـ ).
قال الشيخ : « عبد اللّه بن محمد يكنّى
أبا محمد الشامي الدمشقي ، يروي عن أحمد بن محمد بن عيسى وغيره ، من أصحاب العسكري
».
و ذكره في فصل من لم يرو عنهم : وقال : « عبد اللّه بن محمد الشامي ، روى
عنه محمد بن أحمد بن يحيى ... ».
فهو من مشايخ ابن يحيى ومن تلاميذ ابن عيسى كما عرفت.
وعلى هذا فهو من رجال العقود الأخيرة من
القرن الثالث.
أمّا الثاني الذي يروي عنه البزنطي ، فهو
متقدّم على سميّه بواسطتين :
١. أحمد بن محمد بن عيسى الذي يروي عن
البزنطي.
٢. أحمد بن محمد بن أبي نصر الذي يروي
عن عبد اللّه بن محمد الشاميّ.
فإذاً كيف يمكن أن يروي البزنطي عن
تلميذ ( عبد اللّه بن محمد الشاميّ ) تلميذه ( أحمد بن محمد بن عيسى )؟! فالاشتراك
في الاسم ، صار سبباً للاشتباه.
٤. عبد الرحمن بن سالم
روى الشيخ باسناده عن أحمد بن محمد بن
أبي نصر ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبد اللّه 7 : « أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة
الفجر ... ».
عرّفه النجاشي بقوله : عبد الرحمن بن
سالم بن عبد الرحمن الكوفيّ العطّار ، وكان سالم بياع المصحف ، وعبد الرحمن أخو
عبد المجيد بن سالم ، له كتاب ، ثمّ ذكر سنده إليه .
وعدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق 7 ،
كما عدّه البرقي من أصحابه
، ولم يضعفه إلاّ الغضائري
، ولا يعتد بتضعيفه.
حصيلة البحث
قد تعرّفت على النقوض المتوجّهة إلى
الضابطة من جانب المحقّق ، مؤلّف « معجم رجال الحديث » والفاضل المعاصر ، مؤلّف «
مشايخ الثقات » وأنّ شيئاً منها لا يصلح لأن يكون نقضاً للقاعدة ، وذلك لجهات شتّى
نشير إليها :
١. إنّ كثيراً من هؤلاء الضِّعاف لم
يكونوا مشايخ للثقات ، بل كانوا أعدالهم وأقرانهم ، وإنّما تُوهّمت الرواية عنهم
بسبب وجود « عن » مكان « الواو » فتصحيف العاطف بحرف الجرّ ، صار سبباً لأوهام
كثيرة. وقد نبَّه على هذه القاعدة صاحب « منتقى الجمان » كما أوضحناه ، فتُصوّر العديل
أُستاذاً لهم.
٢. إنّ كثيراً ممّن اتّهم بالضعف ، مضعَّفون
من حيث المذهب والعقيدة ، لا من حيث الرواية ، وهذا لا يخالف وثاقتهم وصدقهم في
الحديث. وقد وقفت في كلام الشيخ على أنّ المراد من الثِّقات هم الموثوق بهم من حيث
الرواية والحديث لا المذهب.
وبعبارة أُخرى : كانوا ملتزمين بالنَّقل
عن الثقات ، سواء كانوا إماميّين أم غيرهم.
٣. إنّ منشأ بعض النقوض هو الاشتراك في
الاسم بين المضعَّف وغيره ، كما مرّ نظيره في عبد اللّه بن محمّد الشاميّ.
٤. إنّ بعض من اتّهم بالضَّعف لم يثبت
ضعفهم أوّلاً ، ومعارض بتعديل الآخرين ثانياً.
وعلى ضوء ما تقدّم ، نقدر على الإجابة
عن كثير من النّقوض المتوجّهة إلى الضّابطة ، الّتي ربّما تبلغ خمسة وأربعين
نقضاً. وأغلبها مستند إلى سقم النّسخ وعدم إتقانها.
نعم من كان له إلمام بطبقات الرواة ، وميّز
الشيخ عن التلميذ ، يقف على كثير من الاشتباهات الواردة في الأسناد الّتي لم تقابل
على النسخ الصّحيحة.
فابتلاؤنا بكثير من هذه الاشتباهات وليد
التقصير في دراسة الحديث ، وعدم معرفتنا بأحوال الرواة ، وطبقاتهم ومشايخهم
وتلاميذهم ، وفقدان النسخ الصّحيحة.
تمرينات
١. كيف يعرِّف النجاشي أبا نصر البزنطي؟
وكم عدد مشايخه؟
٢. إذا كان البزنطي لا يروي إلاّ عن ثقة
، فكيف يروي عن حسن بن علي بن أبي حمزة مع أنّه من الواقفة؟
٣. اذكر خلاصة الأجوبة عن النقوض
الواردة على القاعدة.
الدرس
الرابع والعشرون
مشكلة مراسيل
هؤلاء الثلاثة
قد عرفت أنّ الشيخ نقل إجماع الطائفة
على حجّية مسانيد هؤلاء الثلاثة ومراسيلهم. ومعنى هذا انّه يحكم على المرويّ عنه
بالوثاقة ، سواء أثبتت وثاقته أم جهلت دونما علم ضعفه عندنا بالدليل ، فلا يؤخذ
به.
إلاّانّ ذلك يتم في مسانيدهم التي يذكر
فيها اسم الراوي ، دون المراسيل ، إذ من المحتمل أن تكون الواسطة ممّن لو ذكر اسمه
، لوقفنا على ضعفه ، ومع هذا الاحتمال لا يمكن التمسّك بنقل الشيخ ، لأنّه من قبيل
التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية.
محاولة الشهيد الصدر لحجّية مراسيلهم
وقد أجاب الشهيد الصدر عن الإشكال ;
وجوابه مبني على أساس حساب الاحتمالات وحاصله : أنّ الوسيط المجهول إذا افترضنا
أنّه مردّد بين جميع مشايخ ابن أبي عمير ، وكان مجموع من روى عنه أربعمائة شخص ، وكان
ثابت الضّعف منهم بشهادة أُخرى ، لا يزيدون على خمسة أو حوالي ذلك ، فعندئذ يكون
احتمال كون الوسيط
المحذوف ، أحدَ الخمسة أو حوالي ذلك ، فعندئذ يكون احتمال كون الوسيط المحذوف أحد
الخمسة المضعَّفة ، وإذا افترضنا أنّ ثابت الضَّعف من الأربعمائة هم عشرة ، يكون
احتمال كون الوسيط المحذوف منهم ، ومثل هذا الاحتمال لا يضرّ بالاطمئنان الشخصي ، وليس
العقلاء ملتزمين على العمل والاتّباع ، إذا صاروا مطمئّنين مائة بالمائة.
ثمّ إنّه 1
أورد على ما أجاب به إشكالاً هذا حاصله :
إنّ هذا الجواب إنّما يتمّ إذا كانت
الاحتمالات الأربعمائة في الوسيط المجهول ، متساوية في قيمتها الاحتماليّة ، إذ حينئذ
يصحّ أن يقال احتمال كونه أحد الخمسة المضعَّفين قيمة ؛ وإذا فرضنا أنّ ثابت الضعف
عشرة في أربعمائة ، كان احتمال كون الوسيط أحدهم ، وأمّا إذا لم تكن الاحتمالات
متساوية ، وكانت هناك أمارة احتمالية تزيد من قيمة احتمال أن يكون الوسيط المجهول
أحد الخمسة ، فسوف يختلّ الحساب المذكور ، ويمكن أن ندّعي وجود عامل احتمالي ، يزيد
من قيمة هذا الاحتمال ، وهو نفس كون ابن أبي عمير يروي الرواية عن رجل أو بعض
أصحابه ، ونحو ذلك من التعبيرات الّتي تعرب عن كون الراوي بدرجة من عدم الاعتناء ،
وعدم الوثوق بالرواية ، يناسب أن يكون المرويّ عنه أحد أُولئك الخمسة ، وإلاّ لما
كان وجه لترك اسمه والتكنية عنه برجل ونحوه وعندئذ يختلّ الحساب المذكور ، ويكون
المظنون كون المرويّ هو أحد الخمسة ، لا أحد الباقين ، فتنقلب المحاسبة المذكورة.
تحليل ما ذكره من الجواب والإشكال
إنّ ما ذكره من الجواب غير واف لدفع
الاشكال ، وعلى فرض صحّته فما أُورد عليه غير تامّ.
أمّا
الأوّل : فلأنّ العقلاء يحتاطون في الأُمور
المهمّة ، بأكثر من ذلك ، فلا يأخذون بخبر يحتمل كذبه بنسبة فلو علم العقلاء أنّ
قنبلة تصيب بناية من ثمانين بناية ، لا يقدمون على السكنى في أحدها ، كما أنّهم لو
وقفوا على أنّ السيل سيجرف إحدى السيّارات الّتي تبلغ العدد المذكور لا يجرأون على
ركوب أيّ منها ، وهكذا غير ذلك من الأُمور الخطيرة.
نعم الأُمور الحقيرة الّتي لا يهتمّ
العقلاء بإضرارها ، ربّما يأخذون بخبر يحتمل صدقه حتّى بأقلّ من النسبة المذكورة.
والشريعة الإلهيّة من الأُمور المهمّة ، فلا يصحّ التساهل فيها ، مثل ما يتساهل في
الأُمور غير المهمّة.
ولأجل ذلك قلنا إنّ أصل الجواب غير
تامّ. اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ تسويغ الشارع العمل بمطلق قول الثقة ، يكشف عن
أنّه اكتفى في العمل بالشريعة ، بالمراتب النازلة من الاطمئنان ، وإلاّ لما سوّغ
العمل بقول الثقة على وجه الإطلاق ، وليس قول كلّ ثقة مفيداً للدرجة العليا من
الاطمئنان.
وأمّا
الثاني : وهو أنّ الإشكال على فرض صحّة الجواب
، غير وارد ، فلأنّ النجاشي يصرّح بأنّ وجه إرساله الروايات ، هو أنّ أُخته دفنت
كتبه في حال استتاره ، وكونه في الحبس أربع سنين ، فهلكت الكتب ; وقيل : بل تركتها
في غرفة فسال عليها المطر فهلكت ، فحدَّث من حفظه وممّا كان سلف له في أيدي الناس
، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله.
وعلى هذا فقوله : « عن رجل » وما شاكله
، لأجل أنّه نسي المرويّ عنه ، وإلاّ لصرّح باسمه ، لا أنّه بلغ من الضعف إلى درجة
يأنف عن التصريح باسمه ، حتّى يستقرب بأنّه من أحد الخمسة الضعاف.
محاولة أُخرى لحجّية مراسيله
نعم هاهنا محاولة لحجيّة مراسيله لو
صحّت لإطمأنّ الإنسان بأنّ الواسطة المحذوفة كانت من الثقات لا من الخمسة الضعاف.
وحاصلها : أنّ التتبّع يقضي بأنّ عدد
رواياته عن الضّعاف قليل جدّاً بالنسبة إلى عدد رواياته عن الثقات ; مثلاً إنّه
يروي عن أبي أيّوب في ثمانية وخمسين مورداً ، كما يروي عن ابن اذينة في مائة
واثنين وخمسين مورداً ، ويروي عن حمّاد في تسعمائة وخمسة وستّين مورداً ، ويروي عن
عبد الرحمن بن الحجّاج في مائة وخمسة وثلاثين مورداً ، كما يروي عن معاوية بن
عمّار في أربعمائة وثمانية وأربعين مورداً ، إلى غير ذلك من المشايخ الّتي يقف
عليها المتتبّع بالسبر في رواياته.
وفي الوقت نفسه لا يروي عن بعض الضعاف
إلاّ رواية أو روايتين أو ثلاثة ، وقد عرفت عدد رواياته عنهم في الكتب الأربعة.
فإذا كانت رواياته من الثِّقات أكثر
بكثير من رواياته عن الضِّعاف ، يطمئنّ الإنسان بأنّ الواسطة المحذوفة في المراسيل
هي من الثقات ، لا من الضعاف. ولعلّ هذا القدر من الاطمئنان كاف في رفع الإشكال.
نعم لمّا كانت مراسيله كثيرة مبسوطة في
أبواب الفقه ، فلا جرم إنّ الإنسان يذعن بأنّ بعض الوسائط المحذوفة فيها من
الضعفاء.
ولكن مثل هذا العلم الإجمالي أشبه
بالشبهة غير المحصورة ، لا يترتب عليها
أثر ، كالعلم بأنّ
بعض الأخبار الصحيحة غير مطابق للواقع ، ولا صادر عن المعصوم.
تمرينات
١. اذكر الإشكال المعروف في حجّية
مراسيل مشايخ الثقات؟
٢. بيّن محاولة الشهيد الصدر لحجّية
مراسيلهم؟
٣. ما هو الإشكال الذي أورده 1 على تلك المحاولة؟
٤. كيف تعالج مشكلة حجّية مراسيلهم؟
الدرس
الخامس والعشرون
طرق
الصدوق والشيخ
إلى أصحاب
الأُصول والمصنّفات
قد سلك الصدوق ـ رضوان اللّه عليه ـ في
كتاب « الفقيه » مسلكاً غير مسلك الشيخ الكليني في كتاب « الكافي » ، فإنّ ثقة
الإسلام جرى على طريقة السلف من ذكر جميع السند غالباً. نعم ترك أوائل السند
قليلاً اعتماداً على ما ذكره من الأخبار المتقدّمة عليها ، وبه حاز « الكافي »
مزيّة على « الفقيه » و « التهذيب ».
وأمّا الشيخ الصدوق فقد بنى في كتابه
على اختصار الأسانيد ، بحذف أوائل السند ، والاقتصار بذكر اسم من أخذ الحديث عن
أصله أو كتابه.
ولما أوجد ذلك مشكلة الإرسال في السند ،
بادر بوضع مشيخة في آخر الكتاب يعرف بها طريقه إلى من روى عنه فهي المرجع في اتصال
أسناد كتاب الفقيه ، ولكنّه 1
ربما أخلّ بذكر الطريق إلى بعض من أخذ الحديث عن كتابه ، فصار السند بذلك معلّقاً
، أو ذكر سنداً ضعيفاً لا يحتجّ به ، فصار ذلك سبباً للبحث في أحوال المذكورين في
المشيخة من حيث المدح والقدح ، وأوّل من دخل
في هذا الباب
العلاّمة الحلي في « الخلاصة » ، وتبعه ابن داود ، ثمّ أرباب المجاميع الرجالية
وشرّاح الفقيه ، كالتفريشي والمجلسي الأوّل.
والحاصل انّ عمله هذا ، أوجد مشكلتين :
١. ربّما ذكر اسم المؤلّف الذي أخذ
الحديث عنه في ثنايا الكتاب وغفل عن أن يذكر طريقه إليه.
٢. ذكر طريقاً لكنّه طريقٌ عليلٌ لا
يحتجّ به.
وقد ذهب سيد مشايخنا المحقّق البروجردي
إلى عدم الحاجة لتصحيح أسناد الصدوق إلى أرباب الكتب ، وذلك لأنّ الكتب التي نقل
عنها الصدوق في هذا الكتاب كانت مشهورة وكان الأصحاب يُعوّلون عليها ولم يكن ذكر
الطريق إلى هذه الكتب إلاّ تبرعاً وتبرّكاً لإخراجها عن صورة المرسل إلى صورة
المسند لاشتهار انتساب هذه الكتب إلى مؤلّفيها ، وبذلك استغنى المؤلّف عن ذكر
السند في بعض المواضع ، أو ذكر طريقاً عليلاً.
والذي يدلّ على ذلك قوله في ديباجة
الكتاب : و « جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوَّل وإليها المرجع ، مثل
كتاب حريز بن عبد اللّه السجستاني ، وكتاب عبيد اللّه بن علي الحلبي وكتب علي بن
مهزيار الأهوازي ... ».
وهذه العبارة تعرب عن أنّ ذكر الطريق
إلى هذه الكتب في المشيخة لم يكن عملاً لازماً ، ولذلك ربما لم يذكر طريقاً إلى
بعضها أو ذكر طريقاً فيه ضعف ، لعدم المبالاة بصحة الطريق وعدمها.
قال المجلسي الأوّل في شرح العبارة ما
هذا لفظه : من كتب مشهورة بين
المحدِّثين
بالانتساب إلى مصنّفيها ورواتها ، والظاهر انّ المراد بالشهرة ، التواتر ، وقوله :
« وعليها المعوّل » يعني كلّها محل اعتماد للأصحاب.
وبذلك أصبح البحث في طرق الصدوق إلى
أصحاب الكتب أمراً غير لازم وانّما اللازم البحث عن حال مؤلّف الكتاب وطريقه إلى
الإمام ويشهد على ذلك انّه ذكر طريقه إلى ما نقله عن كتاب « الكافي » ، ومن
المعلوم انّ نسبة الكتاب إلى مؤلّفه كالشمس في رائعة النهار ، فإذا علم انّ الصدوق
أخذ الحديث من الكتب المذكورة ، فالبحث عن الطريق يكون أمراً غير لازم ، اللّهمّ
إلاّ إذا لم نجزم بذلك واحتملنا انّ الحديث وصل إليه بالطرق المذكورة في المشيخة ،
فيصير البحث عن صحّة الطريق أمراً لازماً.
لكن فرض البحث في الموارد التي أخذ
الصدوق الحديث من الكتب المعروفة ، ففي مثل هذه الموارد لا تضرّ الجهالة أو الضعف
في السند إلى كتب حمّاد ابن عيسى أو صفوان بن يحيى وغيرهما ممّا ذكر في مقدمة
الكتاب.
وبذلك تحّل المشكلة في كتاب « الكافي »
أيضاً حيث إنّه ـ قليلاً ـ يُصدّر الحديث باسم من أخذ الحديث عن كتابه ، أو يتوسط
بينه وبين أصحاب الكتب مجاهيل كمحمد بن إسماعيل على فرض جهالته ، أو ضعاف كسهل بن
زياد.
وجه الحل انّ اشتهار الكتب صار سبباً
لترك ذكر السند ، أو توسط الراوي الضعيف بينه وبين صاحب الكتاب.
مسلك الشيخ في التهذيبين
قد ذكر السيد الأجل بحر العلوم مسلكه
فيهما وقال : إنّه قد يذكر في
« التهذيب » و «
الاستبصار » جميع السند كما في « الكافي » ، وقد يقتصر على البعض بحذف الصدر كما
في « الفقيه » ولكنّه استدرك المتروك في آخر الكتابين ، فوضع له مشيخته المعروفة ،
وهي فيهما واحدة غير مختلفة ، قد ذكر فيهما الطرق إلى أصحاب الأُصول والكتب ممن
صدّر الحديث بذكرهم وابتدأ بأسمائهم ولم يستوف الطرق كلّها ولا ذكر الطريق إلى كلّ
من روى عنه بصورة التعليق بل ترك الأكثر لقلّة روايته عنهم ، وأحال التفصيل إلى
فهارس الشيوخ المصنّفة في هذا الباب ، وزاد في « التهذيب » الحوالة على كتاب
الفهرست الذي صنّفه في هذا المعنى.
إنّ السبب لترك ذكر الطريق أو الاقتصار
بالطريق الضعيف ، نفس السبب الذي نوّهنا به في مورد « الفقيه » ويشهد على ذلك
أمران :
١. قوله في مشيخة التهذيب : والآن حين
وفق اللّه تعالى للفراغ من هذا الكتاب ، نحن نذكر الطرق التي نتوصّل بها إلى رواية
هذه الأُصول والمصنّفات ونذكرها على غاية ما يمكن من الاختصار ، لتخرج الأخبار
بذلك عن حدّ المراسيل وتلحق بباب المسندات.
فإنّ العبارة تعرب عن أنّ الغاية في وضع
المشيخة هو إخراج الكتب عن حدّ المراسيل والإلحاق بباب المسندات.
٢. انّه 1
ابتدأ في المشيخة بذكر الطرق إلى كتاب « الكافي » الذي انتسابه للمؤلّف أمر
متواتر.
وبذلك نقف عن أنّ الغور في طرق الشيخ
إلى أصحاب الكتب أمر لاطائل تحته فيما إذا نقل الحديث عن كتب معروفة ، وليس على
الفقيه إلا التفتيش عن أحوال أصحاب الكتب ومشايخهم إلى أن ينتهي إلى الإمام.
نعم إذا كانت الكتب غير معروفة يجب
الفحص عن الطريق الذي اعتمد عليه الشيخ في نقل الحديث.
وبذلك يعلم أنّه لو أحطنا علماً بالكتب
المعروفة في عصر الشيخ وميّزناها عن غيرها ، لاستغنينا عن البحث في أسانيد الشيخ
إلى أرباب الكتب المعروفة.
غير انّ كثيراً من المشايخ سلكوا غير
هذا المسلك وحاولوا تصحيح أسانيد الشيخ في التهذيبين ، وهذا ما سنبحث عنه في الدرس
التالي.
تمرينات
١. ما هو منهج الشيخ الكليني في نقل
الحديث في كتاب « الكافي »؟
٢. ما هو منهج الشيخ الصدوق في نقل
الحديث في كتاب « الفقيه »؟
٣. كيف نعرف طرق الصدوق إلى أصحاب الكتب؟
٤. ما هو منهج الشيخ الطوسي في نقل
الحديث في « التهذيبين »؟
الدرس
السادس والعشرون
تصحيح
أسانيد الشيخ
في التهذيب
والاستبصار
قد عرفت أنّ الشيخ صدّر الحديث بأسماء
من أخذ من كتبهم ، وذكر طرقه إليهم في آخر الكتاب وهؤلاء ـ أعني : الذين ذكر طريقه
إليهم ـ تسعة وثلاثون شيخاً. خمسة وعشرون من طرقه صحيح ، والباقي غير معتبر.
وأمّا الذي ترك الشيخ ذكر سنده إليهم في
خاتمة الكتابين ، فربما يبلغ عددهم تسعة وعشرين شيخاً فيبلغ عدد المشايخ سبعين
شيخاً ، وقد أوجب هذا اضطراباً في اعتبار أحاديث الكتابين ، حيث صار ذلك سبباً
لعدم اعتبار أحاديث أكثر من صُدِّر الحديث بأسمائهم.
ثمّ إنّ المحقّقين من المتأخّرين حاولوا
تصحيح أسانيد الشيخ بوجوه مختلفة ، نذكر منها وجهين :
الأوّل : الرجوع إلى الفهارس
خلاصة هذا الوجه هو الرجوع إلى فهرست
الشيخ أوّلاً ، وطرق من تقدّمه عصراً ثانياً ، أو عاصره ثالثاً.
أمّا
الأوّل : فلأنّ للشيخ في الفهرست طرقاً إلى أرباب
الكتب والأُصول الذين أهمل ذكر طريقه إليهم ، فبالرجوع إلى الفهرست يعلم طريق الشيخ
إلى أصحاب تلك الكتب التي لم يذكر سنده إليهم في المشيخة أو كان معلولاً بالضعف
والجهالة.
وأمّا
الثاني : فبالرجوع إلى مشيخة الفقيه للشيخ الصدوق
، ورسالة الشيخ إلى غالب الزراري ( المتوفّى عام ٣٦٨ هـ ) إذا كان لهما سند إلى
الكتب التي لم يذكر سنده إليها في التهذيب ، لكن إذا وصّلنا سند الشيخ إلى هؤلاء
يحصل ـ بالنتيجة ـ السند إلى أصحاب هذه الكتب.
أمّا
الثالث : فبالرجوع إلى طريق النجاشي فإنّه كان
معاصراً للشيخ مشاركاً له في أكثر المشايخ كالمفيد ، والحسين بن عبيد اللّه
الغضائري ، وأحمد بن عبدون الشهير بابن الحاشر ، فإذا علم رواية النجاشي للأصل
والكتاب عن طريق أحد هؤلاء ، كان ذلك طريقاً للشيخ أيضاً.
هذا هو الوجه الأوّل وهو الرائج بين
علماء الرجال المتأخّرين.
الثاني : التعويض عن الطريق الضعيف
إنّ المتتبّع الخبير الشيخ محمد
الأردبيلي ( المتوفّـى عام ١١٠١ هـ ) أحد تلامذة العلاّمة المجلسي قد قام بتأليف
كتابين في الرجال :
أ.
جامع الرواة : وهو كتاب مبتكر في
موضوعه ، يلتقط في ترجمة الرواة جملة من الأسانيد عن الكتب الأربعة وغيرها ، ويجعلها
دليلاً على التعرّف على شيوخ الراوي وتلاميذه وطبقته وعصره ، وقد طبع وانتشر وكان سيّد
مشايخنا المحقّق البروجردي 1
يُثني عليه كثيراً.
ب.
تصحيح الأسانيد : وهو بعد غير مطبوع ،
ولم نقف عليه إلى الآن ، لكن ذكر المؤلّف مختصره وديباجته في آخر كتاب « جامع
الرواة ».
وقد حاول المؤلّف في هذا الكتاب تصحيح
أسانيد الشيخ في « الفهرست » و « الاستبصار » بغير الطريق المذكور وإليك نصّ كلامه
:
إنّي لمّا راجعت إليهما رأيت أنّ كثيراً
من الطرق المورودة فيهما معلول على المشهور ، بضعف أو إرسال ، أو جهالة.
وأيضاً رأيت انّ الشيخ ; ربما بدأ في أسانيد الروايات بأُناس لم
يذكر لهم طريقاً أصلاً ، لا في المشيخة ولا في « الفهرست » ، فلأجل ذلك رأيت من
اللازم تحصيل طرق الشيخ إلى أرباب الأُصول والكتب ، غير الطرق المذكورة في المشيخة
و « الفهرست » ، حتى تصير تلك الروايات معتبرة.
فلمّا طال تفكّري في ذلك وتضرّعي ، أُلقي
في روعي أن أنظر في أسانيد روايات التهذيبين ، فلمّا نظرت فيها وجدت فيها طرقاً
كثيرة إليهم غير ما هو مذكور في المشيخة والفهرست ، أكثرها موصوف بالصحة والاعتبار
، فصنّفت هذه الرسالة وذكرت فيها جميع الشيوخ المذكورين في المشيخة والفهرست ، وذيّلت
ما فيهما من الطرق الضعيفة أو المجهولة بالإشارة إلى ما وجدت من الطرق الصحيحة أو
المعتبرة مع تعيين موضعها ، وأضفت إليهم من وجدت له طريقاً معتبراً ولم يذكر طريقه
فيهما.
ولزيادة التوضيح نقول : إنّه روى الشيخ
في « التهذيب » روايات عن عليّ بن
الحسن الطاطري بدأ
بذكر اسمه في أسانيده. مثلاً روى في كتاب الصّلاة هكذا : عليّ بن الحسن الطاطري
قال : حدّثني عبد اللّه بن وضّاح ، عن سماعة بن مهران قال : قال لي أبو عبد اللّه 7 : « إيّاك أن تصلّي قبل أن تزول ، فإنّك
تصلّي في وقت العصر خير لك أن تصلّي قبل أن تزول ».
وقال في المشيخة : وما ذكرته عن عليّ بن
الحسن الطاطري فقد أخبرني به أحمد بن عبدون ، عن عليّ بن محمّد بن الزبير ، عن أبي
الملك أحمد بن عمر بن كيسبة ، عن عليّ بن الحسن الطاطري.
وهذا الطريق ضعيف بجهالة اثنين منهم : ابن
الزبير وابن كيسبة ، ومقتضاه عدم اعتبار تلك الروايات الّتي يبلغ عددها إلى ثلاثين
حديثاً في « التهذيب ».
وأمّا المحاولة ، فهي أنّا إذا رأينا
أنّ الشيخ روى في باب الطّواف أربع روايات بهذا السند : موسى بن القاسم ، عن علي
بن الحسن الطاطري ، عن درست بن أبي منصور ، عن ابن مسكان ، ثمّ وقفنا على أمرين :
١. إنّ موسى بن القاسم ـ أعني : من صدّر
به السند ـ ثقة.
٢. طريق الشّيخ إليه صحيح ، فعند ذلك
يحصل للشّيخ طريق صحيح إلى الطّاطري ، لكن لا عن طريقه إليه في المشيخة ولا في
الفهرست ، بل عن طريقه في المشيخة إلى موسى بن القاسم.
ولأجل ذلك يقول الأردبيلي في مختصر تصحيح
الأسانيد : وإلى علي بن الحسن الطاطري ، فيه عليّ بن محمّد بن الزبير في المشيخة
والفهرست ، وإلى الطّاطري صحيح في التّهذيب في باب الطواف.
وهذا يعطي أنّ موسى بن القاسم ليس
راوياً لهذه الروايات الأربع فقط ، بل راو لجميع كتاب الطاطري عنه ، فيعلم من ذلك
أنّ الشيخ روى كتاب الطاطري
تارة بسند ضعيف ، وأُخرى
بسند معتبر ، وبذلك يحكم بصحّة كلّ حديث بدأ الشيخ في سنده بالطاطري.
وقس على ذلك سائر الطرق الّتي للشيخ في
الكتابين إلى المشايخ الّذين لم يذكر سنده إليهم في المشيخة ولا في الفهرست ، أو
ذكر لكنّه ضعيف عليل ، وبهذا التتبّع يحصل له طرق صحيحة أنهاها صاحب الكتاب إلى
خمسين وثمانمائة طريق تقريباً ، وعدد المعتبر منها قريب من خمسمائة طريق.
هذه خلاصة المحاولة وقد نقده المحقّق
البروجردي بما يلي :
نقد السيد البروجردي
إذا روى موسى بن القاسم عن عليّ بن
الحسن الطاطري ، عن درست بن أبي منصور ، عن ابن مسكان ، فهو يحتمل من جهة النقل من
كتب المشايخ وجوهاً :
١. يحتمل أنّ موسى بن القاسم أخذ الحديث
عن كتاب الطاطري ، وحينئذ روى موسى هذا الحديث وجميع كتاب الطاطري ، وبذلك يحصل
للشيخ طريق صحيح إلى كتاب الطاطري ، وهذا هو الذي يتوخّاه المتتبّع الأردبيلي.
٢. يحتمل أنّ موسى بن القاسم أخذ الحديث
عن كتاب درست بن أبي منصور وروى هذا الكتاب عنه بواسطة الطاطري.
٣. يحتمل أنّ موسى أخذ الحديث عن كتاب
ابن مسكان ، وروى هذا الكتاب عنه بواسطة شخصين : الطاطري ، ودرست بن أبي منصور.
وعلى الاحتمالين الأخيرين ، يحصل للشيخ
الطوسي طريق صحيح إلى كتاب درست بن أبي منصور ، وكتاب ابن مسكان ولا يحصل طريق
صحيح إلى نفس
كتاب الطاطري الّذي
هو الغاية المتوخّاة.
والحاصل : أنّه إذا كان طريق التهذيب
إلى أحد المشايخ الّذين صدّر الحديث بأسمائهم وأخذ الحديث من كتبهم ، ضعيفاً ، فلا
يمكن إصلاحه بما إذا وقع ذلك الشيخ في أثناء السند ، وكان طريقه إليه طريقاً
صحيحاً ، لأنّ توسط الشيخ ( الطاطري ) في ثنايا السند لا يدلّ على أخذ الحديث عن
كتابه ، بل من الممكن كون الحديث مأخوذاً عن كتاب شيخه ، أعني : درست بن أبي منصور
؛ أو شيخ شيخه ، أعني : ابن مسكان.
وهذا الاحتمال قائم في جميع ما استنبطه
في أسانيد التهذيبين.
تمرينات
١. إذا كان طريق الشيخ في المشيخة إلى
أصحاب الكتب ضعيفاً أو غير مذكور ، فهل يمكن تصحيح السند بالرجوع إلى الفهارس؟
٢. ما هو المراد من التعويض عن الطريق
الضعيف الذي اقترحها الشيخ محمد الأردبيلي في تصحيح سند الشيخ إلى أصحاب الكتب؟
٣. اذكر نقد السيد المحقّق البروجردي
لهذه المحاولة؟
الدرس
السابع والعشرون
المصطلحات
الرجالية
قد اصطلح علماء الحديث والرجال ألفاظاً
في التزكية والمدح ، وألفاظاً في الجرح والذم ، لابدّ من الإشارة إليها وتبيين
المراد منها ، فلنذكر مايدل على التزكية والمدح ثمّ نعقّبها بما يدلّ على خلافها.
إنّ الألفاظ الدالّة على التزكية بين
صريح وغير صريح ، فنذكر من القسمين مايلي:
١. ثقة
وهذه اللفظة كثيرة التداول في الكتب
الرجالية لاسيما في رجال النجاشي وفهرست الشيخ ومن بعدهما.
ذهب الشهيد الثاني إلى أنّ المراد منه
هو العدل ، قال : إنّ هذه اللفظة « ثقة » وان كانت مستعملة في أبواب الفقه أعمّ من
العدالة ، لكنّها هنا لم تستعمل إلاّ بمعنى العدل ، وقد يتفق في بعض الرواة ، أن
يكرر في تزكيتهم لفظة « الثقة » وهو يدلّ على زيادة المدح.
وأمّا ما هو وجه العدول من لفظ « عدل »
إلى لفظ « ثقة » فهذا ما أجاب عنه بهاء الدين العاملي وقال : إنّهم يريدون بقولهم
« فلان ثقة » : عدل ضابط ، لأنّ لفظة الثقة من الوثوق ولا وثوق بما يتساوى سهوه مع
ذكره ، وهذا هو السرُّ في عدولهم عن قولهم « عدل » إلى قولهم « ثقة ».
والظاهر منهما انّه بمعنى العدل بالمعنى
المتفق عليه بين الفريقين ، وأمّا دلالتها على كونه « إمامياً » فهذا ما ذهب إليه
ابن صاحب المعالم والمحقّق البهبهاني.
قال ابن صاحب المعالم : إذا قال النجاشي
ثقة ، ولم يتعرض لفساد المذهب ، فظاهره أنّه عدل إمامي ، لأنّ ديدنه التعرّض
للفساد ، فعدمه ظاهر في عدم ظفره ، لشدّة بذل جهده وزيادة معرفته.
وقال المحقّق البهبهاني : إنّ الرواية
المتعارفة المسلّمة المقبولة أنّه إذا قال : « عدل إمامي نجاشيّاً كان أو غيره »
أو فلان « ثقة » يحكمون بمجرّد هذا القول انّه عدل إمامي ، لأنّ الظاهر من الرواة
، التشيّع والظاهر من الشيعة حسن العقيدة ، أو لأنّهم وجدوا منهم أنّهم اصطلحوا
ذلك في الإمامية وإن كانوا يطلقون على غيرهم مع القرينة.
يلاحظ عليه : بأنّ هذه اللفظة من
الألفاظ المتداولة بين الرجاليين من الخاصّة والعامّة ، وليس لعلمائنا فيه اصطلاح
خاص ، ولو كان المذهب داخلاً في مفهوم الثقة ، يلزم أن يكون مشتركاً لفظياً بين
الفريقين.
والذي يدلّ على ذلك هو انّ النجاشي يصف
كثيراً من فاسدي المذهب
بالوثاقة في كلتا
الحالتين قبل رجوعه إلى المذهب وبعده ، ولا يرى فساد المذهب منافياً للوثاقة ، ولنذكر
نماذج :
١. يقول في حقّ أحمد بن الحسن بن إسماعيل
بن ميثم التمّار : قال أبو عمرو الكشّي : كان واقفاً ، وذكر هذا عن حمدويه ، عن
الحسن بن موسى الخشاب ، قال : أحمد بن الحسن واقفي ، وقد روى عن الرضا 7 وهو على كلّ حال ثقة صحيح الحديث ، معتمد
عليه ، له كتاب النوادر.
٢. ويقول في حقّ سماعة ، المعروف بالوقف
: روى عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن 8
مات بالمدينة ، ثقة ثقة.
ومن سبر الأُصول الرجالية الخمسة وما
ألّف بعدها ككتاب « معالم العلماء » لابن شهر آشوب ، ورجال ابن داود وغيرهما يقف
على أنّ صحّة المذهب غير مأخوذة في مفهوم الثقة ، وإلاّ لزم الالتزام بالمجاز في
الموارد التي ذكرنا وغيرها ، وهو كما ترى ، إذ لا يشكّ الإنسان أنّه استعمل فيها
وفي غيرها بمناط واحد.
وعلى كلّ تقدير ، فالقول بأنّ وصف
النجاشي الراوي بالوثاقة ظاهر في كونه إمامياً إلاّ أن يصرّح بفساد مذهبه ، ليس
أمراً قطعياً.
نعم إذا قال : ثقة في الحديث ، فلا يدلّ
على كونه عدلاً ، بل على كونه صادقاً في حديثه. ذلك لأنّ النجاشي كثيراً ما يقيّد
الوثاقة ، ويقول : الحسين بن أحمد بن المغيرة كان عراقياً ، مضطرب المذهب ، وكان
ثقة فيما يرويه.
ويقول في حقّ علي بن محمد بن عمر بن
رَباح القلاّء : كان ثقة في الحديث ، واقفاً في المذهب ، صحيح الرواية.
وحصيلة
الكلام : انّه إذا أطلق ثقة يتبادر منه أنّه
عدل بالمعنى المتفق بين العامة والخاصة ، نعم ذهب بعضهم إلى أنّ معناها كونه عدلاً
بضميمة المذهب ، كما عليه ابن صاحب المعالم والمحقّق البهبهاني.
نعم لو قال : « ثقة في الحديث » فهو
بمعنى كونه متحرّزاً عن الكذب.
٢. عين
يقال تارة : عين ، وأُخرى : عين من
الأعيان ، والمراد منها خيار القوم وأفاضلهم وأشرفهم. تشبيهاً لها بالعين التي هي من أشرف
الأعضاء.
واحتمل المحقّق البهبهاني كونها بمعنى
الميزان باعتبار صدق الراوي كما كان الصادق 7
يسمّي أبا الصباح بالميزان لصدقه
، ولكنّه بعيد لأنّ العين تستعار للميل في الميزان لا لنفس الميزان على ما في
المفردات.
وفي اللسان العين في الميزان : الميل.
٣. وجه
ربما يطلق : وجه ، وأُخرى وجه من وجوه
الطائفة ، وفي اللسان : يقال فلان وجه القوم ، كقولهم : عينهم ورأسهم ، ووجه
الاستعارة نفس ما مرّ في العين.
لا شكّ في دلالة اللّفظين « العين
والوجه » على المدح الكثير.
نعم إنّ في دلالتهما على تزكية الراوي
وجهين :
الأوّل
: انّه يفيد المدح الكثير ، خصوصاً إذا
قال : عين من الأعيان ، أو وجه من وجوه أصحابنا.
الثاني
: انّه يدلّ على التعديل ، اختاره الرجالي
الكبير الميرزا محمد الاسترآبادي
، والمحقّق الداماد.
والحقّ انّه يفيد المدح التام إلاّ أن
تدلّ القرينة على خلاف ذلك.
٤. ممدوح
ولاريب في إفادته المدح في الجملة ، لا
الوثاقة ، ولا كونه إمامياً ، الموجب لصيرورة الحديث حسناً.
فإنّ للمدح أسباباً مختلفة ؛ منها ما به
دخل في قوّة السند ، وصدق القول ، مثل صالح وخيّر ؛ ومنه مالا دخل له فيهما ، ككونه
متواضعاً ، محبّاً لأهل العلم.
٥. من أولياء أمير المؤمنين 7
ولاريب في دلالته على المدح المعتدّ به
الموجب لصيرورة السند من أقسام القوي إن لم يثبت كونه إمامياً ، ويكون السند من
قبيل الحسن إن ثبت كونه إمامياً.
وربّما يشعر كونه عادلاً بقرينة المقام
كقولهم في حقّ سليم بن قيس : من أولياء أمير المؤمنين.
٦. صاحب سرِّ أمير المؤمنين 7
وقد ورد في قول كميل للإمام أمير
المؤمنين 7 : ألستُ
صاحبَ سرّك.
فكون الرجل صاحب السرِّ ، مرتبة فوق
مرتبة العدالة.
٧. من مشائخ الإجازة أو هو
شيخ الإجازة
ولاريب في إفادته المدح المعتدّ به ، وأمّا
في دلالته على الوثاقة فقد مرّ بيانه.
٨. شيخ الطائفة أو من
أجلاّئها أو معتمدها
إنّ دلالة كلّ منها على المدح المعتد به
ظاهرة لا ريب فيها ، وقال المحقّق البهبهاني : إنّ فيها إشارة إلى الوثاقة ، مضافاً
إلى الجلالة.
ونظيره قولهم : شيخ القميّين وفقيههم
ومرجعهم ورئيسهم. فربما يستفاد منها التعديل ، لأنّ الطائفة لا ترجع إلاّ لمن عرف
دينه وأمانته.
٩. لا بأس به
وهو يفيد مطلق المدح ، وأمّا استفادة
الوثاقة بمعنى العدالة فلا يدلّ عليها.
١٠. مضطلع بالرواية
لا ريب في إفادته المدح لكونه كناية عن
قوّته وقدرته عليها ، كأنّه قويت ضلوعه بحملها ، وأمّا التوثيق فلا.
١١. خاصي
وهو يفيد المدح وانّه شيعي.
١٢. متقن
ولا شكّ انّه يفيد المدح ، أي أتقن أخذ
الرواية ونقلها.
١٣. ثَبت
وهو على وزن حسن يدلّ على ثبوت التثبّت
في الحديث ودوامه ، إذ لا ينقل إلاّ عن اطمئنان واعتقاد ، ورجل ثبت : أي متثبّت في
الأمر.
١٤. يحتجّ بحديثه
وهو يدلّ على المدح.
١٥. صدوق أو محل الصدق
وهو يفيد المدح المعتدّ به دون العدالة.
١٦. يُكتب حديثه أو يُنظر في
حديثه
كلاهما يفيدان المدح المعتدّ به ، لدلالتهما
على كون الراوي محل اعتناء واعتماد. نعم لا يفهم منه التوثيق.
١٧. شيخ أو جليل
وهو يفيد المدح المعتدّ به.
١٨. صالح الحديث أو نقيّه
وكلاهما يدلاّن على المدح المعتدّ به.
١٩. مسكون إلى روايته
ويدلّ على المدح المعتدّ به ، بل نهاية
قوّة روايته.
٢٠. ديّن
وهو يدلّ على المدح المعتدّ به ، المقارب
للتوثيق ، فإنّ المراد منه الملتزم
بأحكام الدين
ولايطلق إلاّ على من كان ملتزماً بجميع أحكام الدين ، ومن كان كذلك فهو عادل.
٢١. كثير المنزلة
أي عالي الرتبة ، وهو من ألفاظ المدح
المعتدّ به ، لقولهم :
: « اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنّا ».
إلى غير ذلك من الألفاظ المشيرة إلى
العدالة أو المدح ، وبقيت هناك ألفاظ أُخرى يعلم حكمها بالإمعان فيما ذكرنا.
تمرينات
١. ما هو المراد من لفظ « الثقة » في
الكتب الرجالية؟
٢. إذا قيل انّ الثقة في مصطلح
الرجاليّين ترادف « العدل » ، فما هو دليل القائل؟
٣. ما هو المراد من توصيف الراوي بأنّه
عين ، وجه؟
٤. اذكر سائر المصطلحات التي تدلّ على
مدح الراوي.
الدرس
الثامن والعشرون
في ألفاظ
الذمّ والقدح
قد تعرّفت على ألفاظ المدح والتعديل ، وإليك
بعض ما يستعمل في حقّ الرواة من ألفاظ الذم والقدح.
منها : ما يدلّ على فسقه ، كالألفاظ
التالية :
١. كذّاب.
٢. وضّاع للحديث.
٣. يختلق الحديث.
٤. ليس بصادق.
٥. ليس بعادل.
إلى غيرها.
ومنها : ما يشعر بفساد العقيدة ، كالألفاظ
التالية :
٦. غال.
٧. ناصبي.
٨. فاسد العقيدة.
٩. ملعون.
١٠. خبيث.
١١. رجس.
ومنها
: ما يدلّ على الطعن فيه ، كالألفاظ
التالية :
١٢. متّهم.
١٣. ساقط ( أي حديثه ساقط ).
١٤. متروك ( أي يترك حديثه ).
١٥. ليس بشيء.
١٦. لا يعتدّ به.
١٧. لا يعتنى به.
١٨. ضعيف ، وهو يدلّ على سقوط روايته
وإن لم يكن في تلك الشدّة والغلظة. وأمّا إفادته القدح في نفس الرجل ، فلا ، لأعميّة
الضعف من الفسق ، لأنّ أسباب الضعف عندهم كثيرة كقلّة الحفظ ، أو سوء الضبط ، أو
الرواية عن الضعفاء والمجاهيل ، أو عن فاسدي العقيدة.
١٩. مضطرب الحديث.
٢٠. منكر الحديث.
٢١. ليّن الحديث ، أي يتساهل في روايته
من غير الثقة.
٢٢. ساقط الحديث.
٢٣. متروك الحديث.
٢٤. ليس بنقيّ الحديث.
٢٥. يعرف حديثه وينكر.
وربّما يفسّر بأنّ بعض أحاديثه معروف ، وبعضها
منكر لا يوافق الكتاب
والسنّة ، وربّما
يفسّر بغير ذلك.
٢٦. غُمِز عليه في حديثه.
٢٧. واهي الحديث.
٢٨. ليس بمرضي الحديث.
٢٩. مرتفع القول.
المراد انّه من أهل الارتفاع والغلو ، فيكون
ذلك جرماً حينئذ لذلك.
٣٠. متّهم بالكذب أو الغلو أو نحوهما من
الأوصاف القادحة ولاريب في إفادته الذم ، بل جعله في البداية من ألفاظ الجرح.
٣١. مخلّط أو مختلط في الحديث.
والأوّل ظاهر انّه مخلط في اعتقاده. روى
الشيخ عن إسماعيل الجعفي ، قال : قلت لأبي جعفر 7
: رجل يحبّ أمير المؤمنين 7
ولا يبرأ من عدوّه؟ ... فقال 7
: « هذا مخلّط ».
والثاني بمعنى مضطرب الحديث ، وليس
بنقيّه ، وما أشبه ذلك.
إكمال
إنّ اقتصار علماء الرجال في استكشاف
عدالة الراوي على لفظي « ثقة » أو « عدل » صار سبباً إلى عدّ أحاديث كثير من مشايخ
الشيعة وعدولهم ممّن لم يُنص على عدالتهم ووثاقتهم في عداد الحسان ، وإليك بعض
النماذج :
أ. إبراهيم بن هاشم ، فبما انّه لم ينص
على وثاقته يعدّ كلّ حديث ورد هو في
سنده من الحسان ، ولكن
يمكن أن يقال باستفادة العدالة من القرائن الدالّة على العدل ، ولنذكر من باب
المثال ما ذكروه في حقّ إبراهيم بن هاشم ، قالوا :
« إنّه أوّل من نشر حديث الكوفيّين بقم
» وهذه الجملة يستكشف منها حسن ظاهره في مجتمع القميّين ، إذ النشر متوقّف على
علمه أوّلاً ، وتلقّي القميّين عنه ثانياً ، ورواية عدّة من أجلاّء القميّين عنه
ثالثاً.
فقد روى عنه محمد بن الحسن الصفار (
المتوفّى عام ٢٩٠ هـ ) ، وسعد بن عبداللّه بن أبي خلف الأشعري ( المتوفّى عام ٣٠١
أو ٢٩٩ هـ ) ، وعبد اللّه بن جعفر الحميري الذي قدم الكوفة سنة تسع وتسعين ومائتين
، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ( المتوفّى عام ٣٤٣ هـ ) ، ومحمد بن علي بن
محبوب ، ومحمد بن يحيى العطار ، وأحمد بن إسحاق القمّي ، وعلي بن بابويه ، وغيرهم
من الذين رووا عنه وقبلوا منه وحفظوا وكتبوا وحدّثوا بكلّ ما أخذوا عنه.
أو ليس كلّ هذا يلازم كون ظاهر إبراهيم
ظاهراً مأموناً وكونه معروفاً عندهم باجتناب الكبائر وأداء الفرائض؟ إذ لو كان فيه
بعض ، لاستبان ; لأنّ نشر الحديث لا ينفك عن المخالطة المظهرة لكلّ خير وسوء ، ولو
كان فيه بعض ذلك لم يجتمع هؤلاءعلى التلقّي منه ، والتحدّث عنه ، فهذه العبارة مع
هذه القرائن تفيد العدالة.
أضف إلى ذلك انّه كان يعيش في عهد أحمد
بن محمد بن عيسى رئيس القميّين في عصره ، وهو الذي أخرج أحمد بن محمد بن خالد من
قم لروايته عن الضعفاء ; أو ليست هذه القرائن بمنزلة قول النجاشي : « ثقة » أو «
عدل » أو « ضابط »؟ وبذلك يظهر انّ قولهم حسنة إبراهيم بن هاشم أو صحيحة ، لا وجه
له ، بل المتعيّن هو الثاني.
ويدلّ على ذلك أيضاً انّ كثيراً من
الأصحاب قد اشتهروا بالعدالة والوثاقة مع أنّه لم يرد فيهم إلاّ الإطراء والمدح
اللازم لحسن الظاهر ، فلو جعلنا حسن الظاهر كاشفاً عن ملكة العدالة والوثاقة ، فليكن
كاشفاً في كافة الرواة لا في جماعة خاصة.
هذا هو النجاشي يعرّف زرارة بن أعين ، بقوله
: شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم وكان قارئاً ، فقيهاً ، متكلماً ، شاعراً ، أديباً
، قد اجتمعت فيه خصال الفضل والدين ، صادقاً في ما يرويه.
ب. وقال في ترجمة أبان بن تغلب : عظيم
المنزلة في أصحابنا ، لقي علي بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد اللّه : وروى عنهم ، وكانت له عندهم منزلة
وقدم.
ج. وقال في ترجمة بريد بن معاوية ما هذا
لفظه : وجه من وجوه أصحابنا وفقيه أيضاً ، له محل عند الأئمّة.
د. وقال في ترجمة البزنطي : لقي الرضا
وأبا جعفر 8 ، وكان عظيم
المنزلة عندهما.
هـ. وعرّف ثعلبة أبا إسحاق النحوي بقوله
: كان وجهاً في أصحابنا ، قارئاً ، فقيهاً ، نحويّاً ، لغويّاً ، راوية ، وكان حسن
العمل ، كثير العبادة والزهد.
و. وعرّف أحمد بن محمد بن عيسى بقوله : شيخ
القمّيّين ووجههم
وفقيههم.
ز. وعرّف شيخه الحسين بن عبيد اللّه بن
الغضائري بقوله : شيخنا ;.
ح. كما عرّف أبا يعلى الجعفري خليفة
الشيخ المفيد بقوله : متكلّم.
وحصيلة
الكلام : انّه يجب على المستنبط رفض التقليد
والخوض في تراجم الرواة والاستشهاد بكلمات الرجاليّين أوّلاً والقرائن الدالّة على
مدى منزلة الرجل من الصدق والعدل ثانياً ، وغير ذلك من الأوصاف التي لها مدخلية في
الاحتجاج.
تمرينات
١. اذكر بعض المصطلحات الدالّة على
الذمّ والقدح.
٢. ما هو المراد من قولهم : مرتفع القول
أو مخلِّط أو مختلط؟
٣. هل يقتصر في كشف عدالة الراوي على
وصف الرجاليّين له بالثقة والعدل ، أو هناك طريق آخر؟
الدرس
التاسع والعشرون
تقسيم الخبر
إلى المتواتر والآحاد
قبل الخوض في التقسيم ، نشير إلى بعض
المصطلحات الرائجة في المقام :
١. السند
هو طريق المتن ، والمراد مجموع من ورد
في طريق الحديث إلى المعصوم ، وهو مأخوذ من قولهم : فلان سند أي يُستند إليه في
الأُمور ويعتمد عليه ، فسُمّي الطريقُ سنداً لاعتماد المحدّثين والفقهاء في صحّة
الحديث وضعفه عليه.
وأمّا الإسناد فهو ذكر طريقه حتى يرتفع
إلى صاحبه ، وقد يطلق « الإسناد » على « السند » يقال : إسناد هذا الحديث صحيح أو
ضعيف.
٢. المتن
المتن في الأصل ما اكتنف الصلب ، ومن
كلّ شيء ما يتقوّم به ذلك الشيء ويتقوّى به ، كما أنّ الإنسان يتقوّم بالظهر ويتقوّى
به.
وفي الاصطلاح : « لفظ الحديث الذي
يتقوّم به معناه ، وهو مقول النبي أو
الأئمّة المعصومين
».
٣. السّنّة
السّنّة في اللغة هي الطريقة المحمودة
أو الأعمّ منها.
و في الاصطلاح : قول المعصوم أو فعله أو
تقريره ، وهي بهذا المعنى ليس لها إلاّ قسم واحد وهو المصون عن الكذب والخطأ.
٤. الحديث
الحديث كلّ كلام يَحكي قول المعصوم أو
فعله أو تقريره ، فهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى الصحيح وغيره.
٥. الخبر
الخبر في اصطلاح المحدّثين يرادف الحديث
، ووصف المحدِّث بالأخباري إنّما بهذا المعنى ، أي من يمارس الخبر والحديث ويتّخذه
مِهْنة.
٦. الأثر
يطلق الأثر ويراد منه ما ورد عن غير
المعصوم كالصحابيّ والتابعي.
٧. الحديث القدسي
هو كلام اللّه المنزل ـ لا على وجه
الإعجاز ـ الذي حكاه أحد الأنبياء أو أحد الأوصياء ، مثل ما روي أنّ اللّه تعالى
قال : « الصوم لي وأنا أُجزي به ».
ومن الفوارق بينه وبين القرآن : أنّ
القرآن هو المنزّل للتحدّي والإعجاز بخلاف الحديث القدسي.
وأمّا الحديث القدسي فهو كلّ كلام يضيف
فيه المعصوم قولاً إلى اللّه سبحانه وتعالى ، ولم يرد في القرآن الكريم.
وإن شئت قلت : هو الكلام المنزل بألفاظ
بعينها ، لا لغرض الإعجاز وبهذا افترق عن القرآن الذي هو الكلام المنزل بألفاظه ، للإعجاز
، كما أنّه بخلاف الحديث النبوي الذي هو الوحي إليه صلوات اللّه عليه بمعناه لا
بألفاظه.
ومع ذلك : ففي الحديث القدسي نفحة من
عالم القدس ، ونور من عالم الغيب ، وهيبة من ذي الجلال والإكرام ، تلك هي الأحاديث
القدسيّة التي تسمّى أيضاً : إلهيّة ، وربّانية.
مثلاً أخرج مسلم في صحيحه عن أبي ذر (
رضي اللّه عنه ) عن النبيّ 6
ـ فيما يرويه عن اللّه عزّوجلّ ـ : « يا عبادي إنّي حرّمت الظلم على نفسي وجعلته
بينكم محرّماً فلا تظالموا ... ».
إذا عرفت ما ذكرنا ، فاعلم أنّ الخبر
ينقسم إلى :
الخبر معلوم الصدق ضرورة أو نظراً.
أو معلوم الكذب كذلك.
أو ما لا يُعلم صدقه ولا كذبه.
والقسم الأخير إمّا يظُنّ صدقه ، أو
كذبه ، أو يتساويان.
فهذه أقسام خمسة.
والملاك في هذا التقسيم هو مفاد الخبر
ومضمونه ، والخبر المتواتر من أقسام معلوم الصدق دون الآحاد كما سيتّضح ، وإليك
البحث في كل واحد منهما :
الخبر المتواتر
التواتر في اللغة هو عبارة عن مجيء
الواحد تلو الآخر على وجه الترتيب.
وأمّا في الاصطلاح فقد عُرّف بقولهم : خبر
جماعة ، يفيد بنفسه القطع بصدقه.
فقوله : « بنفسه » يخرج ما أفاد اليقين
بمعونة القرائن ، وعلى ذلك فالخبر المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم ليس بخبر متواتر
، كما إذا جاء المخبر بموت أحد وقُورن بسماع النوح من بيته ، فذلك مما يفيد علمنا
بصحته ، لكن لا بنفس الخبر بل بمعونة القرائن.
وربما يعرّف : خبر جماعة يؤمن امتناع
تواطئهم على الكذب عادة.
ويحرز ذلك ( امتناع تواطئهم على الكذب ) بكثرة المخبرين ووثاقتهم ، أو كون الموضوع
مصروفاً عنه دواعي الكذب ، أو غير ذلك.
تقسيم المتواتر إلى اللفظي والمعنوي
ينقسم المتواتر إلى لفظي ومعنوي.
فالأوّل : ما إذا اتّحدت ألفاظ المخبرين
في أخبارهم ، كقوله 6
: « إنّما الأعمال بالنيّات » على القول بتواتره ; وقوله : « من كنت مولاه فعليٌّ
مولاه » ؛ وقوله : « إنّي تارك فيكم الثقلين » ، والفرق بين الأوّل والأخيرين هو
انّ تمام الحديث في الأوّل متواتر ، دون الثاني والثالث لوجود الاختلاف في ما ورد
في ذيلهما.
والثاني : ما إذا تعدّدت ألفاظ المخبرين
ولكن اشتمل كلّ منها على معنى
مشترك بينها بالتضمن
أو الالتزام ، وحصل العلم بذلك القدر المشترك بسبب كثرة الأخبار.
ثمّ إنّ اختلافهم في ألفاظ الحديث ربما
يكون في واقعة واحدة ، كما إذا قال رجل : ضرب زيد عمراً باليد ، وقال آخر : ضربه
بالدرّة ، وقال ثالث : ضربه بالعصا ، وقال رابع : ضربه بالرجل إلى غير ذلك ، فالكلّ
يتضمن حدوث الضرب ; وأُخرى في وقائع متعدّدة ، كما في الأخبار الواردة في بطولة
علي 7 في غزواته
التي تدلّ بالدلالة الالتزامية على شجاعته وبطولته.
التواتر التفصيلي والإجمالي
ثمّ إنّ هناك تقسيماً آخر يعبّر عنه
بالتواتر التفصيلي والإجمالي.
أمّا الأوّل فقد عرفته ، وأمّا الثاني
فهو إذا ما وردت أخبار متضافرة تبلغ حدّ التواتر في موضوع واحد تختلف دلالتها سعة
وضيقاً ، ولكن يوجد بينها قدر مشترك يتفق الجميع عليه فيؤخذ به. ومثّل لذلك
بالأخبار الواردة حول حجّية خبر الواحد ، فقد اختلفت مضامينها من حيث كثرة الشرائط
وقلّتها ، فيؤخذ بالأخصّ دلالة لكونه المتّفق عليه ، وهو خبر العدل الإمامي الضابط
الذي عدّله اثنان ، وليس مخالفاً للكتاب والسنّة ، وذلك لأنّا نعلم بصدور واحد من
هذه الأخبار حول حجّية خبر الواحد ، غير أنّا لا نعرفه ، فالصادر إمّا الأعمّ مضموناً
أو الأخصّ أو المتوسّط بينهما ، وعلى كلّ تقدير فقد صدر منهم الأخصّ مضموناً باستقلاله
أو في ضمن واحد منهما.
تقسيم الخبر الواحد إلى المحفوف بالقرينة وعدمه
الخبر الذي لم يبلغ حدَّ التواتر تارة
يكون مجرّداً عن القرائن فلا يفيد العلم
غالباً ; وأُخرى يكون
محفوفاً بها كما إذا أخبر شخص بموت زيد ، ثمّ ارتفع النياح من بيته وتقاطر الناس
إلى منزله ، فهو يفيد القطع واليقين ، وقد كثر النقاش في إفادته اليقين بما لا
يرجع إلى محصّل ، لأنّ المناقشين بُعداء عن الأحوال الاجتماعية التي تطرأ علينا
كلّ يوم ، فكم من خبر تؤيده القرائن فيصبح خبراً ملموساً لا يشكّ فيه أحد.
إلى هنا خرجنا ببيان أقسام الخبر من حيث
هو خبر ، فحان حين البحث عن بيان أُصوله وهي الأربعة المعروفة وسنبحث عنها في
الدّرس التالي.
تمرينات
١. ما هو المراد من السند والمتن؟
٢. ما هو الفرق بين الحديث والأثر؟
٣. ما هو الفرق بين الحديث والحديث
القدسي؟
٤. عرّف الخبر المتواتر وبيّن أقسامه
الأربعة.
الدرس
الثلاثون
أُصول الحديث
اصطلح المتأخّرون من أصحابنا على تقسيم
خبر الواحد باعتبار رواته إلى الأقسام الأربعة المشهورة وهي :
١. الصحيح ، ٢. الحسن ، ٣. الموثّق ، ٤.
الضعيف.
فصارت أُصول الحديث رُباعية بعد ما كانت
ثنائيّة.
أمّا التقسيم الثنائي الرائج بين
القدماء ، فقد كان يدور مدار كون الحديث معتبراً أو غير معتبر. فما أيّدته القرائن
الداخلية كوثاقة الراوي ، أو الخارجية كوجوده في أُصول معتبرة معروف الانتساب إلى
جماعة ، فهو صحيح ، أي معتبر يجوز الاستناد إليه ; والفاقد لكلتا المزيّتين غير
صحيح بمعنى انّه غير معتبر لايمكن الركون إليه وإن أمكن أن يكون صادراً عنهم.
ثمّ إنّ القرائن الخارجية التي كانت
تجعل الخبر عندهم صحيحاً تتلّخص فيما يلي :
١. وجود الخبر في كثير من الأُصول
الأربعمائة التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتصلة بأصحاب العصمة.
٢. تكرّره في أصل أو أصلين منها ، فصاعداً بطرق مختلفة.
٣. وجود الرواية في أصل معروف الانتساب
إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم ، كزرارة ومحمد بن مسلم.
٤. اندراجه في الكتب التي عُرضت على أحد
الأئمّة ، فأثنوا على مؤلّفيها ، ككتاب عبيد اللّه الحلبي الذي عرض على الصادق 7 ، وكتاب يونس بن عبدالرحمن والفضل بن
شاذان ، فقد عرض كتابيهما على الإمام العسكري 7.
٥. أخذه من أحد الكتب التي شاع بين
سلفهم ، الوثوقُ بها والاعتمادُ عليها ; سواء أكان مؤلّفوها من الفرقة الناجية ، ككتاب
الصلاة لحريز بن عبد اللّه السجستاني ، وكتب ابني سعيد وعلي بن مهزيار ؛ أو من غير
الإمامية ، ككتاب حفص بن غياث القاضي ، وحسين بن عبيد اللّه السعدي ، وكتاب القبلة
لعلي بن الحسن الطاطري.
فأصبح الصحيح ما أيّدته القرائن ، وغير
الصحيح ما لا تؤيّده القرائن.
والذي حدا بالمتأخّرين إلى العدول عن
مصطلح القدماء وتبديل التقسيم الثنائي إلى الرباعي ، هو انّه لمّا طالت المدّة
بينهم وبين الصدر السالف ، وآل الحال إلى اندراس بعض كتب الأُصول المعتمدة ، لتسلّط
حكّام الجور والضلال والخوف من إظهارها واستنساخها ، وانضمّ إلى ذلك اجتماع ما وصل
إليهم من كتب الأُصول ، في الكتب المشهورة في هذا الزمان ( الكتب الأربعة )
فالتبست الأحاديث المأخوذة من الأُصول المعتمدة ، بالمأخوذة من غير المعتمدة ، واشتبهت
المتكرّرة في كتب الأُصول بغير المتكرّرة ، وخفي عليهم ـ قدّس اللّه أسرارهم ـ
كثير من تلك الأُمور التي كانت سببَ وثوق القدماء بكثير من الأحاديث ، ولم يمكنهم
__________________
الجري على أثرهم في
تمييز ما يعتمد عليه ممّا لا يركن إليه ، فاحتاجوا إلى قانون تتميّز به الأحاديث
المعتبرة عن غيرها والموثوق بها عمّا سواها.
قال صاحب المعالم : إنّ القدماء لا علم
لهم بهذا الاصطلاح قطعاً ، لاستغنائهم عنه في الغالب بكثرة القرائن الدالّة على
صدق الخبر وإن اشتمل طريقه على ضعف ، فلم يكن للصحيح كثير مزيّة توجب له التميّز
باصطلاح أو غيره ، فلمّا اندرست تلك الآثار ، واستقلّت الأسانيد بالأخبار ، اضطر
المتأخّرون إلى تمييز الخالي من الريب فاصطلحوا على ما قدّمنا بيانه ، ولايكاد
يعلم وجود هذا الاصطلاح قبل زمان العلاّمة إلاّ من جهة السيد جمال الدين ابن طاووس
;.
فقرروا لنا ذلك الاصطلاح الجديد ، وقرّبوا
إلينا البعيد ، ووصفوا الأحاديث الواردة في كتبهم الاستدلالية بما اقتضاه ذلك
الاصطلاح من الصحة والحسن والتوثيق.
وأوّل من سلك هذا الطريق من علمائنا
المتأخّرين ـ كما عرفت ـ هو السيد جمال الدين بن طاووس ( المتوفّى عام ٦٧٣ هـ )
وتبعه تلميذاه العلامّة الحلّي ، وابن داود.وما اشتهر في الألسن ، من نسبة ابتكار
هذا التقسيم إلى العلاّمة الحلي لا أساس له.
إذا عرفت ذلك فلنذكر أُصول الحديث
وتعاريفه.
١. الصحيح : من اتصلت روايته إلى المعصوم بإمامي
عادل.
٢. الحسن : ما اتصلت روايته إلى المعصوم بإمامي
ممدوح لم يُنصّ على عدالته.
٣. الموثّق : ما اتصلت روايته إلى المعصوم بثقة غير
إمامي ، سواء أكان شيعياً كالواقفية والفطحية أم سنّياً.
__________________
٤. الضعيف : ما لا تجتمع فيه شروط أحد الثلاثة
الأُول.
وما اعتبرنا من الشروط من كونه عدلاً
إمامياً في الصحيح ، وإمامياً ممدوحاً في الحسن ، وثقة غير إمامي في الموثق إنّما
تعتبر في عامّة السند ؛ فلو افترضنا انّ السند يتصل إلى المعصوم بعدول إماميّين ، لكن
فيه إمامي ممدوح ، فالنتيجة تابعة لأخسّ المقدّمتين ، فهو من أقسام الحسن لا
الصحيح. وهكذا بقية الأقسام.
هذا هو الصحيح عند الشيعة ، وأمّا أُصول
الحديث عند السّنّة فله أقسام ثلاثة :
١. الصحيح ، ٢. الحسن ، ٣. الضعيف.
إنّ الصحيح : ما اتّصل سنده بالعدول
الضابطين من غير شذوذ ولا علّة ؛ وأوّل مصنَّف في الصحيح هو صحيح البخاري ثمّ
مسلم.
الحسن : هو ما عرف مُخْرِجه واشتهر
رجاله ، وقبله أكثر العلماء واستعمله عامّة الفقهاء.
والضعيف : هو ما لم يجمع فيه صفة الصحيح
أو الحسن ، ويتفاوت ضعفه كصحة الصحيح.
تمرينات
١. ما هو التقسيم الثنائي للحديث بين
القدماء؟
٢. بيّن القرائن التي توجب اندراج
الحديث في الصحيح؟
٣. لماذا عدل المتأخّرون عن التقسيم
الثنائي إلى التقسيم الرباعي؟
٤. من الذي ابتكر هذا التقسيم؟
٥. ما هو المراد من الصحيح والحسن
والموثّق والضعيف؟
الدرس
الحادي والثلاثون
تفسير القيود
الواردة في تعريف الصحيح
قد تعرّفت على أنّ الحديث الصحيح عبارة
عمّا اتّصلت روايته إلى المعصوم بإمامي عادل ، والمراد من الإمامي هو المعتقد
بإمامة إمام عصره ، وإن لم يعتقد بإمامة من يأتي بعده لجهله بشخصه واسمه ، فتخرج
الفطحية والواقفية وأضرابهما ، فانّهم لم يعتقدوا بإمامة إمام عصرهم ، فالفطحية
جنحوا إلى إمامة عبد اللّه الأفطح وكان أكبر أولاد الإمام الصادق 7 بعد إسماعيل ، والواقفية توقّفوا على
الإمام الكاظم وهكذا. ولو فسّرنا الإمامي بالقائل بإمامة الأئمّة الاثني عشر ، لخرج
كثير من الأخبار الصحيحة عن تلك الضابطة ، لأنّ الشيعة في تلك الظروف لم تكن واقفة
على أسماء الأئمّة الاثني عشر وخصوصياتهم وإن كان الخواص منهم عارفين بها.
والمراد من العدل هو الموصوف بالعدالة ،
والمشهور أنّها عبارة عن ملكة نفسانية راسخة باعثة على ملازمة التقوى ، وترك
ارتكاب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر ، وترك ارتكاب منافيات المروءة التي يكشف
ارتكابها عن قلّة المبالاة بالدين ، بحيث لا يوثق منه التحرّز عن الذنوب.ويستظهر
هذا المعنى من رواية
عبد اللّه بن أبي يعفور.
وكان اللازم إضافة قيد « الضبط » في
قسمي الصحيح والموثّق ، والمراد منه السلامة من غلبة السهو والغفلة الموجبة ، لوقوع
الخلل على سبيل الخطأ ، فلابدّ من ذكره ، غاية الأمر انّ القدر المعتبر منه يتفاوت
بالنظر إلى أنواع الرواية ، فما يعتبر في الرواية من الكتاب قليل ، بالنسبة إلى
الرواية عن الحفظ.
ولعلّ قيد العدالة يغني عن ذكره ، لأنّ
العدل لا يجازف فيما ليس بمضبوط على الوجه المعتبر.
الصحيح والاضطراب في السند والمتن
إنّ الاضطراب تارة يقع في السند وأُخرى
في المتن.
أمّا
الأوّل : بأن يرويه الراوي تارة عن أبيه عن
جدّه ، وأُخرى عن جدّه ، وثالثة عن ثالث غيرهما ، كما اتّفق ذلك في رواية أمر
النبي بالخط للمصلّي سترة حيث لا يجد العصا.
وأمّا
الثاني : كاعتبار الدم عند اشتباهه بالقرحة
بخروجه من الجانب الأيمن فيكون حيضاً ، أو بالعكس ، فرواه في الكافي بالأوّل ، وكذا
في التهذيب في كثير من
النسخ ، وفي بعضها
بالثاني ، واختلفت الفتوى بسبب ذلك حتى من الفقيه الواحد.
هذا هو حقيقة الاضطراب ، ولكنّه هل يمنع
عن وصف الرواية بالصحّة ، أو يسقطها عن الحجّية وإن كانت صحيحة؟ وجهان ، الأقرب هو
الأوّل ; لأنّ الاضطراب في السند أو المتن يدلّ على عدم كون الراوي ضابطاً ، وقد
عرفت اشتراط الضبط في وصف الخبر بالصحّة.
الصحيح وأقسامه
إنّ جمعاً قد قسّموا الصحيح إلى ثلاثة
أقسام : أعلى وأوسط وأدنى.
فالأعلى
: ما يثبت وصف الجميع بالصحة ، بالعلم أو بشهادة عدلين ، أو في البعض بالأوّل ، وفي
البعض الآخر بالثاني.
والأوسط
: ما ثبت وصف الجميع بما ذكر بقول عدل يفيد الظنّ المعتمد ، أو ما ثبت وصف البعض
به بأحد الطرق المزبورة في الأعلى ، والبعض الآخر بقول البعض المفيد للظن المعتمد.
والأدنى
: ما ثبت وصف الجميع بالصحة بالظن الاجتهادي ، وكذا إذا ثبتت صحّة بعضه بذلك ، والبعض
الآخر بالظنّ المعتمد أو العلم أو شهادة عدلين.
وربما يقال انّ كلاً من الحسن والموثق
يُقسّم إلى أعلى وأسفل وأدنى على نحو ما مرّ في الصحيح.
ما هو الحجّة من الأقسام الأربعة؟
اختلفت كلمات فقهائنا في حجّية خبر
الواحد ، فذهب السيد المرتضى إلى
عدم جواز العمل به ،
وعلى ذلك تنتفي فائدة التقسيم ، لأنّه مقدّمة للعمل ، وهو يرفض العمل بخبر الواحد
على الإطلاق.
وأمّا على القول بجواز العمل به ـ كما
هو الحق ـ فمنهم من خصّه بالصحيح ، ومنهم من أضاف الحسن ، ومنهم من أضاف الموثّق ،
ومنهم من أضاف الضعيف على بعض الوجوه.
والسعة والضيق في هذا المجال تابعان
لدلالة ما استدلّ به على حجّية خبر الواحد ، فمن خصّ نتيجة الأدلّة بحجّية قول
العدل فخصّ العمل بالصحيح ، وأمّا من قال بعمومية النتيجة فأضاف إليها الموثّق ، إلى
غير ذلك ممّا يمكن أن يكون وجهاً لهذا الاختلاف.
وقد اخترنا في أبحاثنا الأُصولية انّه
لا دليل على حجّية خبر الواحد إلاّ سيرة العقلاء التي أمضاها الشارع ، إذ كانت
بمرأى ومسمع منه ، والسيرة كما جرت على العمل بقول الثقة كذلك جرت على العمل بكلّ
خبر حصل الوثوق بصحته ، سواء أُحرزت وثاقة راويه أم لم تحرز ، بل إحراز وثاقة
الراوي مقدّمة لحصول الوثوق بصحة الخبر ، هذا هو المختار ، وليس المراد من الوثوق
هو الوثوق الشخصي بل النوعي ، وعلى ذلك فيعمل بالصحيح والموثّق ، وأمّا العمل
بالحسن والضعيف فهو رهن حصول الوثوق بصدوره ، ولأجل ذلك ربّما يكون تضافر الحديث
وإن كان حسناً أو ضعيفاً سبباً لحصول الوثوق.
وهذا هو الداعي لضبط الأخبار جميعاً ، صحيحها
وموثّقها وحسنها وضعيفها ، ولا يجوز لنا انتقاء الأحاديث وحذف الضعيف في جمع
الأحاديث ، إذ ربّما تحصل هناك قرائن على صدقه ، وربما يؤيّد بعضها بعضاً ، ويشدّ
بعضها بعضاً ، وما يتراءى من قيام بعض الجُدد بتأليف كتب حول الصحاح كالصحيح
من الكافي ، فهو خطأ
محض ، خصوصاً إذا كان تمييز الصحيح عن غيره مبنيّاً على الاجتهاد الشخصي والذوق
الخاص ، غير مبتن على منهج معروف بين العلماء ، وأيّ تفريق بُني على هذا المنهج
يؤدّي إلى ضياع كثير من الأخبار التي يشدّ بعضها بعضاً ويحصل للفقيه الوثوق الكامل
بصدق الحديث.
تمرينات
١. ما معنى الاضطراب في السند والمتن؟
٢. ما هي أقسام الصحيح؟
٣. ماهي الحجّة من أقسام الحديث؟
٤. ما هو المختار في حجّية خبر الواحد؟
الدرس
الثاني والثلاثون
فيما تشترك
فيه الأقسام الأربعة
قد تعرّفت على الأقسام الأربعة للحديث
وبقيت هنا أقسام أُخرى له :
منها : ما تشترك فيها الأقسام الأربعة.
ومنها : ما يختص ببعضها.
وقد ذكر الشهيد الثاني ، فيما يعمّ
الأقسام الأربعة ثمانية عشر نوعاً ، ومن المختص ثمانية أنواع. ونحن نقتصر بالمقدار
اللازم من كلا النوعين.
ثمّ إنّ هذا التقسيم تارة يرجع إلى
السند خاصة كالمسند ، ومنها ما يرجع إلى المتن كالنص والظاهر ، وثالثة يرجع إليهما
معاً كالمتروك والمطروح.
وإليك الكلام في المشترك أي ما يعمّ
جميع أُصول الحديث ثمّ المختص.
١. المسند
المسند عبارة عما اتّصل سنده ولم يسقط
منه أحد ، والعامّة لا تستعمله إلاّ فيما اتصل بالنبي لانحصار المعصوم عندهم به ، وعندنا
ما اتصل بالمعصوم نبيّاً كان أو إماماً من الأئمّة المعصومين.
٢. المتّصل
المتصل : ما اتّصل إسناده إلى المعصوم
أو غيره ، فالمتصل في الحقيقة ، هو المسند ، لكن لما خُصّ المسند بما اتصل
بالمعصوم اصطلحوا في الأعم بلفظ المتّصل أو الموصول.
٣. المرفوع
المرفوع عبارة عما أُضيف إلى المعصوم من
قول أو فعل أو تقرير ، سواء كان بإسناد أو لا ; وعلى فرض وجوده كان كاملاً أو
ناقصاً ، ولذلك يقسم المرفوع إلى المتصل وغيره ، فهو يقابل الموقوف ، وعلى ذلك فلو
أُضيف إلى المعصوم فهو مرفوع ، وإلاّ فهو موقوف.
وكان سيّد مشايخنا البروجردي 1 يفسّر المرفوع بالحديث الذي ورد في
سنده لفظة « رفعه » ولكنّه اصطلاح غير شائع.
٤. المعنعن
المعنعن هو الخبر الذي جاء في سنده كلمة
« عن » فإذا قال الكليني : علي ابن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن
أُذينة فهو معنعن ; بخلاف إذا قال : حدّثني علي بن إبراهيم ، قال : حدّثني إبراهيم
بن هاشم ، قال : حدّثني ابن أبي عمير ، قال : حدّثني ابن أُذينة عن الصادق 7 ، فهو ليس بمعنعن.
لا شكّ انّ القسم الثاني من أقسام
المتصل ; وإنّما الكلام في القسم الأوّل. قال الشهيد الثاني : إنّه من قبيل
المتّصل بشرطين :
١. إذا أمكن اللقاء أي ملاقاة الراوي مع
المرويّ عنه.
٢. أن يكون معروفاً بالبراءة عن التدليس
وإلاّ لم يكف إمكان اللقاء.
٥. المعلّق
المعلّق : مأخوذ من تعليق الجدار أو
الطلاق ، وهو ما حذف من مبدأ إسناده واحد أو أكثر ، كما إذا روى الشيخ عن الكليني
وقال : محمد بن يعقوب ، عن علي ابن إبراهيم ، عن أبيه ... ومن المعلوم أنّ الشيخ
لا ينقل عن الكليني بلا واسطة ، إنّما ينقل عنه بالسند التالي مثلاً يقول : الشيخ
المفيد ، عن جعفر بن قولويه ، عن الكليني.
إنّ جلّ روايات الشيخ في كتابي «
التهذيب » و « الاستبصار » روايات معلّقة ، ومثله الصدوق في الفقيه ، لأنّهما أخذا
الروايات من الأُصول والكتب ، وذكرا طريقهما إلى أصحابهما في المشيخة ، فربّما
يحذفان من صدر السند أكثر من اثنين.
ولكن المعلّق لا يخرج عن الصحيح إذا عرف
المحذوف ، وعلم أنّه ثقة ؛ وأمّا إذا لم يعرف القائل ، أو عرف ولم تعلم وثاقته
فيلحق بالضعيف.
وأمّا التعليق في « الكافي » فقليل جداً
، لأنّه التزم بذكر جميع السند ، نعم قد يحذف صدر السند في خبر بقرينة الخبر الذي
قبله ، مثلاً يقول : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن
يونس.
ويقول في الخبر الثاني : ابن أبي عمير ،
عن الحسن بن عطيّة ، عن عمر بن زيد.
فقد حذف صدر السند اعتماداً على السند
المتقدّم ، ولأجل ذلك لو نقل
المحدّث الحديث الثاني
من الكافي يجب أن يخرجه عن التعليق ويذكر تمام السند ، لأنّ الكليني إنّما حذفه
اعتماداً على الخبر السابق.
وإلى ذلك يشير صاحب المعالم ويقول : إعلم
أنّه اتّفق لبعض الأصحاب توهّم الانقطاع في جملة من أسانيد « الكافي » ، لغفلتهم
عن ملاحظة بنائه في كثير منها على طرق سابقة ، وهي طريقة معروفة بين القدماء.
٦. المشهور
الحديث المشهور ما شاع عند أهل الحديث
خاصّة دون غيرهم بأن نقله رواة كثيرون ولايعرف هذا القسم إلاّ أهل الصناعة.
إلى هنا تمّ ما أردنا نقله من الأقسام
المشتركة بين الأقسام الأربعة.وإليك بيان الأقسام الخاصة بالضعيف.
ما يختصّ بالضعيف
قد تعرّفت على الأقسام المشتركة ، فنذكر
في المقام بعض ما يختص بالضعيف :
٧. الموقوف
وهو على قسمين : مطلق ومقيّد ، فإن جاء
مطلقاً فالمراد ما روي عن مصاحب المعصوم من نبي أو إمام ، من قول أو فعل ، أو
غيرهما ، سواء أكان السند متّصلاً إلى المصاحب أم منقطعاً ; وأمّا إذا أُخذ من غير
المصاحب للمعصوم فلا يستعمل إلاّ مقيّداً ، فيقال : وقف فلان على فلان ، إذا كان
الموقوف عليه غير مصاحب.
قال النووي : الموقوف هو المروي عن
الصحابة قولاً لهم أو فعلاً أو نحوه ، متّصلاً كان أو منقطعاً ، ويستعمل في غيرهم
مقيّداً ، فيقال : وقفه فلان على الزهري ونحوه ، وعند فقهاء خراسان تسمية الموقوف
بالأثر والمرفوع بالخبر.
٨. المرسل
كلّ حديث أسنده التابعي إلى النبيّ وهو
مأخوذ من إرسال الدابّة ، بمعنى رفع القيد والربط عنها ، فكأنّ المحدّث بإسقاط
الراوي رفع الربط الذي بين رجال السند بعضهم ببعض.
وفسّره الشهيد الثاني بقوله : ما رواه
عن المعصوم من لم يدركه سواء أكان الراوي تابعيّاً أم غيره ، صغيراً أم كبيراً ، وسواء
أكان الساقط واحداً أم أكثر ، وسواء رواه بغير واسطة بأن يقول التابعي : قال رسول
اللّه 6 مثلاً ، أو
بواسطة نسيها بأن صرّح بذلك أو تركها مع علمه بها ، أو أبهمها كقوله عن رجل أو بعض
أصحابنا أو نحو ذلك. وهذا هو المعنى العامّ للمرسل المتعارف بين أصحابنا.
تمرينات
١. ما هو الفرق بين المسند والمتّصل؟
٢. عرِّف المرفوع والمعنعن من أقسام
الحديث؟
٣. عرِّف المعلّق من أقسام الحديث.
٤. ماهي النكتة التي ذكرها صاحب المعالم
في روايات « الكافي »؟
٥. ما هو المراد من الموقوف والمرسل؟
الدرس
الثالث والثلاثون
في حجّية
المرسل
اختلفت كلمتهم في حجّية المرسل إلى
أقوال :
١. القبول مطلقاً ، وهوالمنسوب إلى محمد
بن خالد البرقي والد مؤلّف صاحب المحاسن ( المتوفّى عام ٢٧٤ أو ٢٨٠ هـ ).
٢. عدم القبول مطلقاً وهو خيرة العلاّمة
في « تهذيب الأُصول ».
٣. التفصيل بين من عرف انّه لا يرسل إلاّ
عن ثقة فيقبل وإلاّ فلا.
استدلّ للقول الأوّل بأنّ رواية العدل
عن الأصل المسكوت عنه ، تعديل له ، لأنّه لو روى عن غير العدل ولم يبيّن حاله لكان
ذلك غشّاً وهو مناف للعدالة.
وضعفه ظاهر ، لأنّه إنّما يتمّ لو انحصر
أمر العدل في الرواية عن العدل ، أو عن الموثوق بصدقه وهو ممنوع.
واستدلّ للقول الثاني بأنّه من المحتمل
كون المروي عنه ممّن لا يحتج به فلا يكون حجّة.
يلاحظ
عليه : أنّه إنّما يتم إذا لم يكن المرسِل
ملتزماً على عدم الإرسال إلاّ إذا كان الراوي ثقة ، وبذلك يظهر صحّة القول الثالث
، أعني : التفصيل بين من لا يرسل إلاّ عن ثقة ومن ليس ملتزماً به ، فيؤخذ بمراسيل
الأوّل دون الثاني.
المراسيل الجزمية للصدوق
ثمّ إنّ الصدوق يتفنّن في الحديث المرسل
، فتارة يقول : « عن الصادق 7
» ، واخرى يقول : « قال الصادق 7
» فسمّي القسم الثاني من المراسيل بالمرسلات الجزمية ، فهل هي حجّة أو لا؟
ذهب الفاضل التفريشي وغيره إلى حجّية
ذلك القسم. قال : إنّ قول العدل : قال رسول اللّه 6
يشعر بإذعانه بمضمون الخبر ، بخلاف ما لو قال حدّثني فلان.
وقال السيد بحر العلوم : قيل : إنّ
مراسيل الصدوق في الفقيه كمراسيل ابن أبي عمير في الحجّية والاعتبار ، وإنّ هذه
المزيّة من خواصّ هذا الكتاب لا توجد في غيره من كتب الأصحاب.
وقال بهاء الدين العاملي في شرح الفقيه
ـ عند قول المصنّف : وقال الصادق جعفر بن محمّد 7
: « كلّ ماء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر » ـ : هذا الحديث كتاليه من مراسيل المؤلّف ; ، وهي كثيرة في هذا الكتاب ، تزيد على
ثلث الأحاديث الموردة فيه ، وينبغي أن لا يقصر الاعتماد عليها من الاعتماد على
مسانيده من حيث تشريكه على النوعين في كونه ممّا يُفتي به ويحكم بصحّته ، ويعتقد
أنّه حجّة بينه وبين ربّه سبحانه ، بل ذهب جماعة من الأُصوليّين إلى ترجيح مرسل العدل
على مسانيده محتجّين بأنّ قول العدل : قال رسول اللّه 6 كذا ، يشعر بإذعانه بمضمون الخبر ، بخلاف
ما لو قال : حدّثني فلان عن فلان ، أنّه قال 6
كذا.
وقال المحقّق الداماد في الرواشح ـ في
ردّ من استدلّ على حجّية المرسل مطلقاً ـ : بأنّه لو لم يكن الوسط الساقط عدلاً
عند المرسل لما ساغ له إسناد
الحديث إلى المعصوم
... قال : إنّما يتمّ ذلك إذا كان الإرسال بالإسقاط رأساً والإسناد جزماً ، كما لو
قال المرسل : قال النبي 6
أو قال الإمام 7
ذلك ، وذلك مثل قول الصدوق في الفقيه ، قال 7
: « الماء يطهّر ولا يطهر » ، إذ مفاده الجزم أو الظنّ بصدور الحديث عن المعصوم ، فيجب
أن تكون الوسائط عدولاً في ظنّه ، وإلاّ كان الحكم الجازم بالإسناد هادماً لجلالته
وعدالته.
وقال المحقّق سليمان البحراني في البلغة
ـ في جملة كلام له في اعتبار روايات الفقيه ـ : بل رأيت جمعاً من الأصحاب يصفون مراسيله
بالصحّة ، ويقولون : إنّها لا تقصر عن مراسيل ابن أبي عمير ؛ منهم : العلاّمة في
المختلف ، والشهيد في شرح الإرشاد ، والسيّد المحقّق الداماد.
ولعلّ التفصيل بين الإرسال والنقل عن
جزم ، والإرسال والنقل بلا جزم هو الأقرب.
٩. المصحّف
التصحيف : هو التغيير ، يقال : تصحّفت
عليه الصحيفة ، أي غيّرت عليه فيها الكلمة ، ومنه : تصحّف القارئ ، أي أخطأ في
القراءة ، فإنّ الخطأ رهن التغيير.
ثمّ التصحيف يقع تارة في السند ، وأُخرى
في المتن ، وثالثة فيهما.
فمن الأوّل تصحيف بريد بـ « يزيد » ، وتصحيف
« حريز » بـ « جرير » ، وتصحيف « مراجم » بـ « مزاحم » ، والتصحيف في الإسناد غير
قليل.
قال الشهيد : قد صحّف العلاّمة في كتب
الرجال كثيراً من الأسماء ، ومن أراد الوقوف عليها فليطالع « الخلاصة » له ، و «
إيضاح الاشتباه في أسماء الرواة » له
أيضاً ، وينظر ما
بينهما من الاختلاف ، وقد نبّه الشيخ تقي الدين بن داود على كثير من ذلك.
ومن التغيير في المتن قوله 6 : « من صام رمضان وأتبعه ستّاً من
شوّال » ، فقد صحّف فقرئ « وأتبعه شيئاً ».
ثمّ إنّ منشأ التصحيف إمّا البصر ، أو
السمع.
فلنقتصر في ما يرجع إلى السند من
الأقسام بهذا المقدار ، وامّا ما يرجع إلى المتن فنذكر منه ما يلي :
١٠. النصّ
وهو ما كان صريحاً في الدلالة لا يحتمل
إلاّ معنىً واحداً.
١١. الظاهر
وعرّف بما دلّ على معنى دلالة ظنيّة
راجحة مع احتمال غيره كالألفاظ التي لها معان حقيقية إذا استعملت بلا قرينة
تجوّزاً سواء أكانت لغوية أم شرعية أم غيرها.
والظاهر أنّ التعريف ينطبق على المجمل ،
فإنّ المشترك إذا استعمل بلا قرينة يكون مجملاً ، بل الأولى أن يقال : إنّ الظاهر
هو ما دون الصريح في الدلالة على المراد ، وقد أثبتنا في الأبحاث الأُصولية أنّ
الظواهر كالنصوص من أقسام الدلالات القطعية الكاشفة عن المقاصد الاستعمالية ، وأمّا
الكشف عن المقاصد
الجدّية فليس هو على
عاتق اللّفظ حتى يوصف الظاهر بالنسبة إليه بالظنّ ، فلاحظ.
١٢. المؤوّل
وهو اللفظ المحمول على معناه المرجوح
بقرينة حالية أو مقالية.
١٣. المُجْمَل
وهو ما كان غير ظاهر الدلالة على
المقصود ، وإن شئت قلت : اللّفظ الموضوع الذي لم يتّضح معناه. هذا إذا جعلنا
الإجمال صفة للمفرد ، فربّما يقع وصفاً للجملة ، فيكون المراد ما لم يتّضح المقصود
من الكلام فيه.
١٤. المُبيّن
وهو خلاف المجمل ، وقد أشبع الأُصوليون
الكلام في المجمل والمبيّن ، بل النصّ والظاهر وهي من صفات مطلق اللّفظ سواء أكان
في الحديث أم في غيره ، ووصف الحديث بهما ، لأجل اشتماله عليهما.
تمرينات
١. بيّن الأقوال في حجّية المرسل؟
٢. ما هو المراد من المراسيل الجزمية
للصدوق؟ وهل هي حجّة؟
٣. ما هو المراد من التصحيف في المتن
وفي السند؟
٤. بيّن الفرق بين النصّ والظاهر؟
الدرس
الرابع والثلاثـون
طرق تحمّل
الحديث
إنّ لتحمّل الحديث طرقاً مختلفة ربما
تناهز ثمانية.
١. السماع
وهي أن يقرأ الشيخ الحديثَ من حفظه أو
من كتاب ، والحُضور يسمعون لفظه ، وهي أرفع أنواع التحمّل عند جمهور المحدّثين ، لأنّ
الشيخ أعرف بوجوه ضبط الحديث وتأديته.
٢. القراءة على الشيخ
وهي أن يقرأ أحد الحضور الحديثَ على
الشيخ ، ويُسمّى عند المحدّثين بالعرض ، لأنّ الطالب يعرض على المحدّث ما يقرأه ، ويُشترط
في القارئ أن يكون ممّن يعرف ويفهم ، ويُشترط في الشيخ أن يكون بحيث لو وقع من
القارئ تحريف أو تصحيف لردّ وإلاّلا يصحّ التحمّل عنه.
٣. الإجازة
وهي أن يقول المحدِّث لبعض الحضور : أجزت
لكم رواية كتاب كذا ، وقد
سمعته من فلان ، ويشترط
في الإجازة أن يعرف المحدّث ما يجيز به وان يكون نسخة الطالب مطابقة لأصل المجيز
حتى كأنّها هي ، وأن يكون المجيز من أهل العلم.
أمّا صحّة التحمّل عن طريق الإجازة ، فوجهها
انّ الإجازة عرفاً في قوة الإخبار بمرويّاته جملة ، فهو كما لو أخبره تفصيلاً ، والإخبار
غير متوقّف على التصريح لفظاً كما في القراءة على الشيخ ، وإنّما الغرض حصول
الإفهام ، وهو يتحقّق بالإجازة المفهمة ، وليس في الإجازة ما يقدح في اتّصال
المنقول بها وفي الثقة به ، فيجري عليها حكم السماع من الشيخ.
وقد كان تحمّل الحديث في العصور الأُولى
على وجه السماع أو القراءة على الشيخ ، ولكن بعد تقاصر الهمم وانتشار العلم في
البلاد ، اقتُصر على التحمّل بالإجازة ، وهي دون السماع والعرض.
٤. المناولة
والمراد بالمناولة أن يعطي المحدِّث
تلميذَه حديثاً أو أحاديث أو كتاباً ليرويه عنه ، ولا كلام بين المحدّثين في صحّة
التحمّل بهذا الطريق ، ويشهد لذلك انّ رسول اللّه 6
كتب لأمير السرية ، وقال : « لا تقرأ هذا على الناس حتى تبلغ مكان كذا » فلمّا بلغ
ذلك المكان قرأه عليهم وأخبرهم بأمر النبي.
والمناولة على قسمين : مقرونة بالإجازة
ومجرّدة عنها.
والأوّل كما إذا قال : خذ هذا الكتاب
فأروه عني ، فتعدّ مقرونة بالاجازة.
والثاني كما إذا اقتصر على أصل المناولة
ولم يعقبها بالإجازة.
٥. المكاتبة
وهي أن يكتب المحدِّث بخطه ، أو يطلب من
غيره بأن يكتب عنه بعض حديثه لطالب حاضر عنده ، أو لشخص غائب ويرسل الكتاب مع من
يثق به ، وهي أيضاً على قسمين :
أ. أن تقترن الكتابة بالإجازة ، فتشبه
المناولةَ المقترنة بالإجازة.
ب. أن يكتب إليه من غير إجازة.
٦. الإعلام
وهو أن يُعلم الشيخ تلميذَه بقوله : إنّ
هذا الكتاب أو هذا الحديث روايته أو سماعه من فلان ، مقتصراً عليه من غير أن يأذن
في روايته عنه ، ويقول : اروه عنّي ، أو أذنت لك في روايته ، وفي جواز الرواية به
قولان. والأقوى جواز الرواية بمجرّد هذا القدر.
٧. الوصية
أن يوصي الشيخ عند موته أو سفره لشخص
بكتاب يرويه ذلك الشيخ ، وقد جوّز بعض السلف للموصى له ، روايته عنه بتلك الوصية ؛
لأنّ في دفعه له نوعاً من الإذن وشبهاً من العرض والمناولة وانّها قريبة من
الإعلام.
٨. الوجادة
بكسر الواو مصدر مولَّد ، وهي أخذ
الحديث من صحيفة من غير سماع ولا مناولة ولا إجازة ، ولا شكّ في صحّة هذا النوع من
التحمّل ، فله أن يقول : وجدت
أو قرأت في كتاب
فلان ، يقول : حدّثني فلان ويسوق باقي الاسناد والمتن ، وهذا هو الذي استمرّ عليه
العمل قديماً وحديثاً.
إلى هنا تمت طرق التحمّل وإليك بيان طرق
الأداء.
يجب على الراوي في كلّ صورة من صور
التحمّل ، أن يعبّر بما يوافق كيفيةَ التحمّل ، لأنّ طرق التحمّل التي ذكرناها
تتفاوت من حيث القوّة والترجيح ، وعلى ذلك يجب أن يتميّز ما تحمَّل بالسماع عن
الشيخ ، عن القراءة عليه ، كما يجب أن يتميّز ما يليهما من طرق التحمّل عن غيره ، فلا
يجوز أن يقول سمعت أو حدثنا أو أخبرنا أو أنبأنا فيما إذا تحمّل بالإجازة
والمكاتبة فضلاً عن الوجادة.
تمرينات
١. اذكر عناوين طرق تحمّل الحديث.
٢. ما هو المراد من الإجازة في طرق
تحمّل الحديث؟
٣. ما هو المراد من المناولة؟
٤. عرِّف الوجادة.
خـاتمة
المطـاف
في نكات
رجالية مهمّة
١. الفرق بين الأصل والمصنَّف والنوادر والكتاب
الأصل : عنوان يطلق على بعض كتب الحديث
خاصّة ، فيقال له كتاب أصل أو له أصل ، وهكذا ، فيقع الكلام فيما هو المراد منه. والظاهر انّ الأصل
عبارة عن الأحاديث التي رواها مؤلّفها عن المعصوم أو عن الراوي عنه ، من دون أن
يكتب في كتاب قبله.
والسبب لتسميته أصلاً هو انّ كتاب
الحديث إن كان جميع أحاديثه سماعاً من مؤلّفه عن الإمام 7 ، أو سماعاً منه عمّن سمع عن الإمام 7 ، فوجود تلك الأحاديث في عالم الكتاب
من صنع مؤلّفها وجود أصلي بدوي ارتجالي غير متفرّع من وجود آخر ، كما أنّ أصل كلّ
كتاب هو المكتوب الأوّلي الذي كتبه المؤلّف فيطلق عليه النسخة الأصلية أو الأصل
لذلك.
والمصنّف : هو الكتاب الذي كان جميع
أحاديثه أو أكثرها منقولاً عن كتاب آخر سابق وجوده عليه ، أو كان فيه كلام المؤلّف
كثيراً بحيث يخرجه عن إطلاق القول بأنّه كتاب رواية. والدليل على ذلك انّ الشيخ
نقل في مقدّمة الفهرست انّ
أحمد بن الحسين بن
عبيد اللّه الغضائري عمل كتابين : أحدهما ذكر فيه المصنفات ، والآخر ذكر فيها
الأُصول.
والمصنَّف بهذا المعنى يقابل الأصل.
والنوادر
: هي اسم يطلق على نوع من مصنّفات الأصحاب
في القرون الأربعة الأُولى كان يُجمع فيها الأحاديث غير المشهورة ، أو التي تشتمل
على مضامين مختلفة لا يمكن تبويبها في باب واحد.
ومن هنا يظهر وجه تسمية بعض الأبواب
الموجودة في الجوامع الحديثية بعنوان النوادر ، كنوادر الصلاة ونوادر الزكاة
ونحوهما ; لأنّ الأحاديث المذكورة في هذه الأبواب ، إمّا شاذة غير معمول بها عند
الأصحاب ، وإمّا غير قابلة لتخصيصها بعنوان.
وأمّا
الكتاب فهو عنوان جامع للجميع.
٢. في تعارض الجرح والتعديل
إذا تعارض الجرح والتعديل فهل يقدّم
الجارح مطلقاً ، أو المعدِّل كذلك ، أو يقدّم الكثير منهما على الأقل؟ وجوه :
فربما يقال بأنّ الجرح أولى بالاعتبار
لكونه شهادة بصدور أمر وجودي من الراوي ، بخلاف التعديل فإنّه يشهد على عدم صدور
ذنب يزيل عدالته.
وربما يعارض بأنّ التعديل شهادة على
حصول ملكة وجودية هي العدالة.
وربما يتصوّر انّ الأكثر عدداً يفيد
الاطمئنان المتآخم للعلم.
والحقّ
انّ علماء الرجال الذين هم أصحاب الجرح
والتعديل ليسوا على درجة واحدة في الوقوف على خصوصيات
الراوي ، فمنهم واقف
على خصوصيات الراوي بكافة تفاصيلها ، ومنهم من هو دون ذلك وإن كان له معرفة
بالرجال ، فلذلك إذا تعارضت تزكية النجاشي مع جرح الشيخ ، فيقدم الأوّل على الثاني
، وما هذا إلاّ لأنّ النجاشي كان له إلمام واسع بهذا الفن في حين انّ الشيخ مع
جلالته ، صرف عمره الشريف في علوم شتّى.
هذا كلّه إذا كان المعيار قول الجارح
والمزكّي ، وأمّا لو كان ثمة سبيل آخر يكشف عن الحقيقة فهو أولى بالأخذ ، أعني : جمع
القرائن ، فمثلاً : انّ داود بن كثير الرقي ضعّفه النجاشي ، وابن الغضائري ، ومع
ذلك لم يأخذ المشهور بتضعيفهما وعملوا برواياته ، لأنّ القرائن تشهد على وثاقته ، وانّ
النجاشي خرِّيت هذا الفن ، تبع ابن الغضائري في تضعيفه.
٣. الفرق بين المجهول والمهمل
كثيراً ما يشتبه المجهول بالمهمل
ويستعمل أحدهما بدل الآخر ، بَيْد انّ المجهول غير المهمل ، فالمجهول عبارة عمّن
حكم علماء الرجال عليه بالجهالة ، كإسماعيل بن قتيبة من أصحاب الرضا 7 ، وبشير المستنير الجعفي من أصحاب
الباقر 7.
قال الطوسي في حقّ الأوّل : مجهول من
رجال الرضا 7. وذكره
البرقي في رجال الكاظم 7
، له روايتان في الكافي والروضة.
وقال الطوسي في حقّ الثاني : يكنّى أبا
محمد المستنير الجعفي الأزرق ، بيّاع الطعام ، مجهول من أصحاب الباقر 7.
وأمّا المهمل فهو عبارة عمّن لم يحكم
عليه بمدح ولا ذمّ ، وإن عرف حاله وبان أمره.
ومن المعلوم انّ الجهالة من أسباب الطعن
في سند الحديث دون الإهمال ، أي ما سكت علماء الرجال في مدحه أو ذمّه. فلابدّ
للمجتهد من تتبّع حاله من الطبقات ، والأسانيد ، والمشيخة والإجازات ، والأحاديث ،
والسير ، والتواريخ ، وكتب الأنساب وغيرها.
فإن وقع إليه ما يصلح للتعبير عنه
بالمجهولية فذاك ، وإلاّوجب التوقّف.
وبذلك يعلم أنّ وصف كثير من الصحابة
بالجهالة ، كما عليه العلاّمة المامقاني في فهرسه ليس بتامّ ، فانّه ذكر قائمة
بأسماء عدد كبير من الصحابة ووصفهم بالجهالة.
مع أنّ الصحيح أن يصفهم بالإهمال دون
الجهالة ، لعدم وصفهم بالجهالة من قبل علماء الرجال.
ثمّ إنّ من أسباب الطعن في الحديث هو
جهالة الراوي بالمعنى الذي ذكرناه ، وامّا الإهمال بمعنى عدم ذكر الراوي بمدح أو
ذم ، فليس ممّا يسوغ الحكم بضعف السند أو الطعن فيه كما لا يسوغ تصحيحه أو تحسينه
أو توثيقه.
٤. الفرق بين المَشْيَخَة والمَشِيخة؟
اعلم أنّ بين المَشْيَخة والمَشِيخة
فرقاً ، وهو : انّ المَشْيَخة ـ باسكان الشين بين الميم والياء المفتوحتين ـ جمع
الشيخ كالشيوخ والأشياخ والمشايخ على الأشهر.
قال المطرزي : إنّها اسم للجمع والمشايخ
جمعها.
وأمّا المَشِيخة ـ بفتح الميم وكسر
الشين ـ فاسم المكان من الشيخ والشيخوخة ، كالمسيحة من السياحة ، والشيخ والشيخان
، والمتيهة من التيه والتيهان.
ومعناها عند أصحاب هذا الفن : المَسْنَدة
أي محل ذكر الأشياخ والأسانيد فالمشيخة موضع ذكر المشْيَخة.
بقيت في المقام نكات رجالية أُخرى
ذكرناها في كتابنا « كليّات في علم الرجال » و « أُصول الحديث وأحكامه » فمن حاول
التفصيل فليرجع إليهما.
تمرينات
١. ما هو الفرق بين الأصل والمصنّف؟
٢. إذا تعارض الجارح والمعدل ، فبأيّهما
نأخذ؟
٣. الفرق بين المجهول والمهمل؟
٤. ما هو المراد من مَشِيخة الفقيه أو
التهذيب؟
وصل الكلام إلى هنا صبيحة
يوم الخميس نهاية شوّال المكرم
من شهور عام ١٤٢١ هـ وتمّ
بيد مؤلّفه الفقير
جعفر بن محمد حسين السبحاني
التبريزي
( عاملهما اللّه بلطفه الخفي
)
وآخر دعوانا
أن الحمد للّه ربّ العالمين
فهرس محتويات
الكتاب
كلمة المكتب................................................................ ٣
تمهيد........................................................................ ٦
الدرس الأوّل : نظرة إجمالية إلى علمي الرجال والدراية............................ ٩
تعريف علم الرجال............................................................ ٩
موضوعه................................................................... ١٠
مسائله..................................................................... ١٠
غايته....................................................................... ١٠
الأُصول الرجالية الخمسة..................................................... ١١
تمرينات.................................................................... ١٢
الدرس الثاني : الحاجة إلى علم الرجال........................................... ١٣
تمييز الثقة عن غير
الثقة....................................................... ١٣
علاج الأخبار
المتعارضة بالرجوع إلى صفات الراوي............................. ١٤
ظاهرة الوضع والتدليس في
الحديث............................................ ١٥
سيرة العلماء................................................................ ١٥
تمرينات.................................................................... ١٦
الدرس الثالث : أدلّة نفاة الحاجة إلى علم
الرجال................................. ١٧
قطعية روايات الكتب
الأربعة................................................. ١٧
أ. قطعية روايات «
الكافي »............................................... ١٨
ب : صحّة روايات «
الكافي »............................................ ١٩
تمرينات.................................................................... ٢٠
الدرس الرابع : أدلّة نفاة الحاجة إلى علم
الرجال................................. ٢١
عمل المشهور جابر لضعف
السند............................................. ٢٣
لا طريق إلى إثبات العدالة.................................................... ٢٣
تمرينات.................................................................... ٢٤
الدرس الخامس : طرق ثبوت وثاقة الراوي...................................... ٢٥
التوثيقات الخاصّة............................................................ ٢٥
١. نصّ أحد المعصومين :............................................. ٢٥
٢. نصّ أحد أعلام المتقدّمين............................................... ٢٦
٣. نصّ أحد أعلام المتأخّرين.............................................. ٢٧
تمرينات.................................................................... ٢٨
الدرس السادس : تصحيح الرجوع إلى توثيقات
المتأخّرين......................... ٢٩
١. الرجوع إلى أهل
الخبرة................................................... ٢٩
٢. حجّية الخبر الموثوق
بصدوره.............................................. ٣٠
طرق الوثوق بصدور الرواية.................................................. ٣٠
تمرينات.................................................................... ٣٢
الدرس السابع : التوثيقات العامّة............................................... ٣٣
١. صحبة النبي 6 والإمام............................................... ٣٣
٢. الوكالة عن الإمام........................................................ ٣٦
تمرينات.................................................................... ٣٧
الدرس الثامن : هل شيخوخة الإجازة آية
الوثاقة................................. ٣٩
١. إجازة الشيخ كتابَ
نفسه................................................. ٣٩
٢. إجازة رواية كتاب ،
ثابت الانتساب لمؤلّفه................................. ٤٠
٣. إذا أجاز رواية
كتاب لم تثبت نسبته إلى مؤلّفه.............................. ٤١
كثرة تخريج الثقة عن
شخص آية الوثاقة....................................... ٤١
كثرة الرواية عن المعصوم..................................................... ٤٣
تمرينات.................................................................... ٤٣
الدرس التاسع : أصحاب الإمام الصادق 7
الثقات............................ ٤٥
تمرينات.................................................................... ٤٨
الدرس العاشر : أصحاب الإجماع............................................... ٤٩
أصحاب الإجماع اصطلاح
جديد.............................................. ٥١
في عدد أصحاب الإجماع..................................................... ٥١
تمرينات.................................................................... ٥٤
الدرس الحادي عشر : التفسير
الأوّل لقولهم : « تصحيح ما يصحّ
عنهم »......... ٥٥
في تفسير قوله : تصحيح
ما يصحّ عنهم........................................ ٥٦
تمرينات.................................................................... ٥٩
الدرس الثاني عشر : المختار
ومناقشات المحدّث النوري........................... ٦١
سؤال وإجابة................................................................ ٦٢
كلمات الأعلام حول
المعنى المختار............................................. ٦٣
تمرينات.................................................................... ٦٦
الدرس الثالث عشر : التفسير
الثاني لقولهم : « تصحيح ما يصحّ عنهم » بشقوقه الثلاثة ٦٧
الصحّة لاحتفاف
أحاديثهم بالقرائن الخارجية................................... ٦٨
الصحة لاحتفاف
رواياتهم بالقرائن الداخلية..................................... ٦٩
تمرينات.................................................................... ٧٢
الدرس الرابع عشر : الشق
الثالث للتفسير الثاني................................. ٧٣
حجّية الإجماع الوارد
في كلام الكشّي......................................... ٧٥
تمرينات.................................................................... ٧٦
الدرس الخامس عشر : مشايخ
ابن عيسى ، وبني فضّال ، وابن بشير.............. ٧٧
مشايخ أحمد بن محمد بن
عيسى القمّيّ......................................... ٧٧
مشايخ بني فضّال............................................................ ٧٨
مشايخ جعفر بن بشير........................................................ ٧٩
تمرينات.................................................................... ٨٠
الدرس السادس عشر : مشايخ
الزعفراني والطاطُري والنجاشي................... ٨١
مشايخ محمد بن إسماعيل
الزعفراني............................................. ٨١
مشايخ علي بن حسن
الطاطري............................................... ٨١
أحمد بن علي النجاشي
صاحب « الرجال ».................................... ٨٢
تمرينات.................................................................... ٨٤
الدرس السابع عشر : مشايخ
محمد بن أحمد بن يحيى صاحب « نوادر الحكمة ».... ٨٥
نقد وتحليل.................................................................. ٨٩
تمرينات.................................................................... ٩٠
الدرس الثامن عشر : ما
وقع في أسناد كتاب « كامل الزيارات »................. ٩١
تمرينات.................................................................... ٩٤
الدرس التاسع عشر : ما
ورد في أسناد تفسير القمي « علي بن إبراهيم ».......... ٩٥
تمرينات.................................................................... ٩٩
الدرس العشـرون : محمد بن أبي عمير ومشايخه............................... ١٠١
ابن أبي عمير المتوفّى
عام ٢١٧ هـ.......................................... ١٠٢
تمرينات................................................................... ١٠٥
الدرس الحادي والعشرون : نقد
التسوية والإجابة عنه.......................... ١٠٧
نقض القاعدة.............................................................. ١٠٧
محمد بن سنان............................................................. ١٠٨
علي بن حديد............................................................. ١٠٩
يونس بن ظبيان............................................................ ١١٠
الحسين بن أحمد
المنقري.................................................... ١١٢
علي بن أبي حمزة
البطائني................................................... ١١٢
تمرينات................................................................... ١١٤
الدرس الثاني والعشرون : صفوان
بن يحيى بيّاع السابُري........................ ١١٥
الضعاف من مشايخ صفوان............................................. ....١١٦
١. يونس بن ظبيان........................................................ ١١٦
٢. علي بن أبي حمزة
البطائني................................................ ١١٦
٣. أبو جميلة المفضّل
بن صالح الأسديّ....................................... ١١٧
٤. عبد اللّه بن خداش
المنقري.............................................. ١١٩
٥. معلّى بن خنيس........................................................ ١٢٠
تمرينات................................................................... ١٢١
الدرس الثالث والعشرون : أحمد
بن محمد بن أبي نصر البزنطي.................. ١٢٣
دراسة لبعض مشايخ البزنطي
............................................... ١٢٣
١. المفضّل بن صالح........................................................ ١٢٤
٢. حسن بن علي بن أبي
حمزة.............................................. ١٢٤
٣. عبد اللّه بن محمد
الشاميّ................................................ ١٢٥
٤. عبد الرحمن بن سالم.................................................... ١٢٦
حصيلة البحث............................................................ ١٢٦
تمرينات................................................................... ١٢٨
الدرس الرابع والعشرون : مشكلة
مراسيلهم.................................. ١٢٩
محاولة الشهيد الصدر
لحجّية مراسيلهم....................................... ١٢٩
تحليل ما ذكره من
الجواب والإشكال......................................... ١٣١
محاولة أُخرى لحجّية
مراسيله................................................ ١٣٢
تمرينات................................................................... ١٣٣
الدرس الخامس والعشرون : طرق
الصدوق والشيخ إلى أصحاب الأُصول والمصنّفات
............................................................................ ١٣٥
مسلك الشيخ في
التهذيبين.................................................. ١٣٧
تمرينات................................................................... ١٣٩
الدرس السادس والعشرون : تصحيح
أسانيد الشيخ في التهذيب والاستبصار..... ١٤١
الرجوع إلى الفهارس....................................................... ١٤١
التعويض عن الطريق
الضعيف............................................... ١٤٢
نقد السيد البروجردي...................................................... ١٤٥
تمرينات................................................................... ١٤٦
الدرس السابع والعشرون : المصطلحات
الرجالية............................... ١٤٧
تمرينات................................................................... ١٥٤
الدرس الثامن والعشرون : في
ألفاظ الذمّ والقدح.............................. ١٥٥
تمرينات................................................................... ١٦٠
الدرس التاسع والعشرون : تقسيم
الخبر إلى المتواتر والآحاد..................... ١٦١
الخبر المتواتر............................................................... ١٦٤
تقسيم المتواتر إلى
اللفظي والمعنوي........................................... ١٦٤
التواتر التفصيلي والإجمالي.................................................. ١٦٥
تقسيم الخبر الواحد
إلى المحفوف بالقرينة وعدمه............................... ١٦٥
تمرينات................................................................... ١٦٦
الدرس الثلاثون : أُصول الحديث............................................. ١٦٧
الصحيح.................................................................. ١٦٩
الحسن.................................................................... ١٦٩
الموثّق..................................................................... ١٦٩
الضعيف.................................................................. ١٧٠
تمرينات................................................................... ١٧٠
الدرس الحادي والثلاثون : تفسير
القيود الواردة في تعريف الصحيح............. ١٧١
الصحيح والاضطراب في
السند والمتن........................................ ١٧٢
الصحيح وأقسامه.......................................................... ١٧٣
ما هو الحجّة من
الأقسام الأربعة؟............................................ ١٧٣
تمرينات................................................................... ١٧٥
الدرس الثاني والثلاثون : فيما
تشترك فيه الأقسام الأربعة........................ ١٧٧
المسند.................................................................... ١٧٧
المتّصل.................................................................... ١٧٨
المرفوع................................................................... ١٧٨
المعنعن.................................................................... ١٧٨
المعلّق..................................................................... ١٧٩
المشهور................................................................... ١٨٠
ما يختصّ بالضعيف........................................................ ١٨٠
الموقوف.................................................................. ١٨٠
المرسل.................................................................... ١٨١
تمرينات................................................................... ١٨٢
الدرس الثالث والثلاثون : في
حجّية المرسل.................................... ١٨٣
المراسيل الجزمية للصدوق................................................... ١٨٤
المصحّف.................................................................. ١٨٥
النصّ..................................................................... ١٨٦
الظاهر.................................................................... ١٨٦
المؤوّل.................................................................... ١٨٧
المُجْمَل................................................................... ١٨٧
المُبيّن..................................................................... ١٨٧
تمرينات................................................................... ١٨٧
الدرس الرابع والثلاثـون : طرق
تحمّل الحديث............................... ١٨٩
السماع................................................................... ١٨٩
القراءة على الشيخ......................................................... ١٨٩
الإجازة................................................................... ١٨٩
المناولة.................................................................... ١٩٠
المكاتبة................................................................... ١٩١
الإعلام................................................................... ١٩١
الوصية................................................................... ١٩١
الوجادة................................................................... ١٩١
تمرينات................................................................... ١٩٢
خـاتمة المطـاف : نكات رجالية مهمّة........................................ ١٩٣
١. الفرق بين الأصل
والمصنَّف والنوادر والكتاب.............................. ١٩٣
٢. في تعارض الجرح
والتعديل.............................................. ١٩٤
٣. الفرق بين المجهول
والمهمل............................................... ١٩٥
٤. الفرق بين المَشْيَخَة
والمَشِيخة............................................. ١٩٦
تمرينات................................................................... ١٩٧
فهرس محتويات الكتاب..................................................... ١٩٩
|