قال تعالى : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ).

سورة الصافات ، الآية : ٢٦.

قال ابن حجر الشافعي : أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري أن النبي 9 قال : « وقفوهم إنهم مسؤولون » عن ولاية علي 7.

( الصواعق : ٢٢٩ الآية الرابعة من الفصل الأول ).

وفي الأمالي للشيخ المفيد عليه الرحمة ، قال أبو هارون العبدي : سمعت أبي سعيد الخدري يقول : أُمر الناس بخمس ، فعملوا بأربع وتركوا واحدة ، فقال له رجل : يا أبا سعيد ما هذه الأربع التي عملوا بها؟ قال : الصلاة ، والزكاة ، والحج ، وصوم شهر رمضان ، قال : فما الواحدة التي تركوها؟ قال : ولاية علي بن أبي طالب 7 قال الرجل : وإنها المفترضة معهن؟ قال أبو سعيد : نعم ورب الكعبة!

( الأمالي ، الشيخ المفيد : ١٣٩ ح ٣ ، خطط الشام ، محمد كرد علي : ٦/٢٤٥ ).


الإهداء

إليك يا أبا الفضل ، يا من أسس الفضل والإبا

إليك يامن قلت مدافعا عن العقيدة وأنت في الرمق الأخير :

إني أحامي أبدا عن ديني

وعن إمام صادق اليقين

إليك يا معلم الأجيال الدفاع عن المعتقد بكل غال ونفيس

أهدي هذا الكتاب المتواضع راجيا القبول والشفاعة.

( يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَة مُّزْجَاة فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ).

سورة يوسف ، الآية : ٨٨.



مقدمّة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين المنتجبين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين ، وبعد :

فإن من نعم الله تعالى عليَّ ـ وله الحمد والشكر ـ أن قمت بإعداد وجمع وتحقيق جملة كثيرة من المناظرات التي دارت بين الشيعة الإمامية والسنة في باب الإمامة وغيرها من المسائل الخلافية التي بيننا وبينهم ، فتشكَّل من ذلك إلى الآن أربعة أجزاء وسمَّيتها بالمناظرات ، وكان أول أجزائها ( مناظرات في الإمامة ) (١) وقد طبع في عام ١٤١٥ هـ ، وفي هذا العام ١٤٢٧ هـ ـ ولله الحمد ـ قمت بإعداد الجزء الرابع وهو في الإمامة أيضاً ، فأصبحت هذه الموسوعة تضمُّ أفخر المناظرات وأجودها.

ثم رأيت من الفائدة أن أفرز من هذه الموسوعة كتاباً مستقلا في مناظرات بعض المستبصرين الذين شاء الله لهم الهداية ، فأخذوا بمنهج أهل البيت : ، لا يهمُّهم عذل العذَّال وغمزهم ولمزهم ماداموا على الحقّ ، ولا يبالون وإن قلاهم بعض أصدقائهم وأهاليهم ، بعد أن أنار الله قلوبهم بالهداية ، فنشطت جوارحهم وأعضاؤهم ، فنذروا أنفسهم للدفاع عن المذهب الحق بقلوبهم وأيديهم

__________________

١ ـ وقد كان الابتداء في تأليفه في عام ١٤١٢ هـ.


وألسنتهم ، فجزاهم الله خير الجزاء.

وإذا حلَّت الهداية قلباً

نشطت للعبادة الأعضاء

ومما لا شك فيه أن الدفاع عن أهل البيت : وظلاماتهم طاعة مقربة لله تعالى ، ومحاورات المستبصرين ومناظراتهم هذه التي ضمها هذا الكتاب تنبئ عن تلكم العقيدة الراسخة في قلوبهم ، وولائهم الصادق للعترة صلوات الله وسلامه عليهم ، وشغفهم في الدفاع عن إمامة أهل البيت : بقلوبهم وألسنتهم ، فجزاهم الله خير الجزاء ومن حذى حذوهم في نشر علوم أهل البيت : وتعريف الناس بظلاماتهم.

روى الشيخ المفيد عليه الرحمة عن الإمام جعفر بن محمّد عن أبيه 8 قال : من أعاننا بلسانه على عدونا أنطقه الله بحجته يوم موقفه بين يديه عزّوجلّ.

وعن الإمام الحسن بن علي 8 إنه قال : من أحبنا بقلبه ونصرنا بيده ولسانه فهو معنا في الغرفة التي نحن فيها ، ومن أحبنا بقلبه ونصرنا بلسانه فهو دون ذلك بدرجة ، ومن أحبنا بقلبه وكف بيده ولسانه فهو في الجنة (١).

وإليك في هذا الكتاب جملة من مناظرات هؤلاء المستبصرين ، والتي تنم عن قناعة واستبصار ، وذلك من خلال ما رأوه من الأدلة المقنعة من الكتاب والسنة ، والتي تأخذ بالأعناق في لزوم الإعتقاد بإمامة أمير المؤمنين 7 وأبنائه المعصومين : بعد رسول الله 6 ، وقد أوضحوا في بعض هذه المناظرات كيفية استبصارهم ، والأسباب التي دعتهم للأخذ بمنهج أهل البيت : وما عانوه من المتاعب والصعاب في سبيل ذلك.

__________________

١ ـ الأمالي ، الشيخ المفيد : ٣٣ ح ٧.


وبحق إنها مناظرات قيمة تستحق القراءة والوقوف على كثير من مضامينها فقد حوت الكثير من الأدلة الساطعة ، والبراهين القوية ، والحقائق التأريخية ، ببيان قوي ، وأسلوب علمي رصين في إثبات إمامة أهل البيت : مما يجعلك تشعر أن من وراء ذلك التآييد الإلهي لهؤلاء الذين عرفوا الحقّ فاتبعوه ، فسددهم الله تعالى وأيدهم ، فأسأل الله العلي القدير أن يأخذ بأيديهم لما فيه الخير والصلاح ، وأن يوفقنا وإياهم لنصرة الدين الحنيف ، وترويج علوم آل محمّد : وفضائلهم الشريفة إنَّه سميع الدعاء ، إنه نعم المولى ونعم النصير ، والحمد لله رب العالمين.

عبد الله الحسن

قم المقدسة في يوم الخميس ١٥ / شوال ١٤٢٧ هـ



كلمة لابدَّ منها

قال تعالى : ( وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ) (١) وقال تعالى : ( فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ ) (٢) فلقد ندب القرآن إلى التزود بالعلم والمعرفة ، وإلى استماع القول والأخذ بأحسنه ، وأن لا يستنكف العبد من التعلم والتفهم حتى يصل إلى الحقيقة التي هي ضالة كل مؤمن يأخذها أنى وجدها ، فلا ينبغي للإنسان أن يحجب عن نفسه العلم والمعرفة ، ويعيش في ظلمة الجهل ، ويبتني على عقائد الآباء ولو كانت باطلة ، فلابد أن يُحكِّم العقل قبل كل شيء فالله تعالى بالعقل يثيب وبه يعاقب ، ولقد ذم القرآن الكريم أُناسا عطلوا عقولهم ، وصموا أسماعهم عن الحق ، قال تعالى : ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ )(٣).

قال الشيخ الراوندي عليه الرحمة : قال الحسن بن علي 8 : عجبت لمن يتفكر في مأكوله كيف لا يتفكر في معقوله فيجنب بطنه ما يؤذيه ويودع صدره ما

__________________

١ ـ سورة طه ، الآية : ١١٤.

٢ ـ سورة الزمر ، الآية : ١٧ ـ ١٨.

٣ ـ سورة الأنعام ، الآية : ١٧٩.


يرديه (١).

فمن الأجدار بالعاقل أن يتجنب التقليد الأعمى ، وعليه بالتفكر ، ويتفهم تلكم الأدلة الكثيرة في الكتاب والسنة والتأريخ ، وكلها دلائل تنص على لزوم الأخذ بمنهج أهل البيت : وأنهم خلفاء الله تعالى في أرضه ، أولهم أميرالمؤمنين 7 وآخرهم الإمام الحجة المهدي بن الحسن العسكري 7.

وحري أيضاً بالقارئ الكريم أن يقرأ كتب هؤلاء المستبصرين الذين شرحوا فيها كيفية استبصارهم ، والأسباب التي دعتهم إلى الأخذ بمذهب الشيعة الإمامية ، وليرى القارئ الكريم ، كيف وصل هؤلاء المستبصرون إلى الحقيقة بمحض إرادتهم وعزيمتهم ، وبفضل تعرفهم على الأدلة المقنعة ، والتي قادتهم إلى الحق والإعتراف به.

إعتراف المستبصرين بأن في كتب السنة الدلائل الواضحة على صدق التشيّع

ولست هنا في صدد سرد الأدلة على خلافة أميرالمؤمنين 7 بعد رسول الله 6 من كتب السنة ككتب الصحاح والمسانيد والحديث وكتب التأريخ أيضاً ، وأن فيها ما يكفي في معرفة الحق لحتوائها الكثير من البراهين الدالة على النصوص التي لا تقبل التأويل ولا الشك في أن الخليفة ـ بمقتضاها ـ بعد رسول الله 6 هو أميرالمؤمنين 7 ، بل أترك القارئ هنا ليقرأ بنفسه تلكم الإعترافات التي جاءت على لسان جملة من المتشيعين الذين استبصروا وأخذوا بمنهج أهل

__________________

١ ـ الدعوات ، الراوندي : ١٤٤ ـ ١٤٥ ح ٣٧٥ ، بحار الأنوار ، المجلسي : ١/٢١٨ ح ٤٣.


البيت : وتركوا ما ألفوه لعشرات السنين بعدما فتحوا قلوبهم على معرفة الحق ، وتركوا التعصب فهداهم الله تعالى ، فهؤلاء قد اعترفوا أن في كتب السنة دلائل على صحة معتقد الشيعة فلا مجال لتأويل هذه الدلائل أو إنكارها.

يقول الشيخ الأنطاكي 4 في حواره مع عالم شافعي من الشام : بعد اشتهار أمرنا بالتشيع أتاني أحد أعاظم علماء الشافعية المشهورين بالعلم والفضيلة في مدينة حلب الشهباء ، وسألني بكل لطف لماذا أخذتم بمذهب الشيعة وتركتم مذهبكم وما هو السبب الداعي لكم واعتمادكم عليه وما هو دليلكم على أحقية علي 7 من أبي بكر؟ فناظرته كثيراً ، وقد وقعت المناظرة فيما بيننا مراراً وأخيراً اقتنع الرجل ، ومن جملة المناظرة أنه سألني عن بيان الأحقية في أمر الخلافة هل أبو بكر أحق أم علي؟ فأجبته إن هذا شيء واضح جداً بأن الخلافة الحقة لأميرالمؤمنين علي 7 فور وفاة رسول الله 6 ثم من بعده إلى الحسن المجتبى 7 .. الخ

ودليل الشيعة على ذلك الكتاب الكريم ، والسنة الثابتة عن رسول الله 6 من الطرفين ، وكتبهم مليئة من الحجج والبراهين الرصينة ، ويثبتون مدعاهم من كتبكم ومؤلفاتكم ، إلاّ أنكم أعرضتم عن الرجوع إلى مؤلفات الشيعة والوقوف على ما فيها ، وهذا نوع من التعصب الأعمى؟

إلى أن يقول : فالشيعة برمتهم يحكمون بما ثبت عندهم من الأدلة قرآنا وسنة وتأريخا ، ويحتجون من كتب خصومهم السنة فضلا عن كتبهم بالخلافة لعلي ولبنيه الأئمة الأحد عشر : الذين تمسكت الشيعة بإمامتهم (١).

__________________

١ ـ كتاب لماذا اخترت مذهب الشيعة ، الأنطاكي : ٣١٩.


ويقول السيد حسين الرجا السوري المستبصر : اصطحبني ذات ليلة أحد المحبين إلى بيت أحد المشايخ لغرض الإستشفاء ، فاستقبلنا ورحب بنا ، فقبلت يده ، ولما استقر بنا المجلس قال الشيخ : يا حاج حسين أصحيح ما سمعناه عنك فقلت له : نعم شيخنا.

فقال : تكلم لنا كيف استحوذ عليك الشيعة بأعظم مصيبة هي المصيبة في الدين؟

فقلت له : شيخنا لقد قرأت بعض كتبهم العقيدية والجدلية والتأريخية وسيرة الصحابة وغيرها فوجدتهم يثبتون صحة مذهبهم من كتب أهل السنة ، وبالأخص صحيحي مسلم والبخاري وسائر الكتب الستة ، وكذلك يثبتون غلط مذاهب أهل السنة من كتبهم.

ولقد راجعت الكثير فوجدته كما يقولون ، وكلما يزداد شكي في التسنن يزداد يقيني في التشيع ، وفي مثل هذه القضايا تزل الأقدام ، فخفت على نفسي من زلة القدم ، وأصبحت مريضاً ولا علاج لي إلاّ عند العلماء ، وإلاّ فمرضي لا تُرجى براءته (١).

ويقول الشيخ معتصم السوداني المستبصر : وبعد الإنتهاء من الحوار وأداء صلاة المغرب انفردت بقريبي عبد المنعم وسألته بكل احترام هل أنت شيعي؟ ومن هم الشيعة؟ ومن أين تعرفت عليهم؟

قال : مهلا ... مهلا سؤال بعد سؤال.

__________________

١ ـ دفاع من وحي الشريعة ، السيد حسين الرجا السوري : ٢٨ ـ ٢٩ ، المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : ٣٦٦ ـ ٣٦٧.


قلت له : عفوا ، وأنا ما زلت مذهولا مما سمعته منك؟

قال : هذا بحث طويل ومجهود أربع سنوات من العناء والتعب مع الأسف لم تكن النتيجة متوقعة.

فقاطعته : أي نتيجة هذه؟

قال : ركام من الجهل والتجهيل عشناه طوال حياتنا نركض خلف مجتمعاتنا من غير أن نسأل هل ما عندنا من دين هو مراد الله تعالى وهو الإسلام؟ وبعد البحث اتضح أن الحق كان مع أبعد الطرق تصوراً في نظري وهم الشيعة؟

قلت له : لعلك تعجلت .. أو اشتبهت؟

فابتسم في وجهي قائلا : لماذا لا تبحث أنت بتأمل وصبر؟ وخاصة أن لكم مكتبة في الجامعة تفيدك في هذا الأمر كثيرا؟

قلت متعجبا : مكتبتنا سنية فكيف أبحث فيها عن الشيعة؟

قال : من دلائل صدق التشيع أنه يستدل على صحته من كتب وروايات علماء السنة ، فإن فيها ما يظهر حقهم بأجلى الصور.

قلت : إذن مصادر الشيعة هي نفس مصادر أهل السنة؟

قال : لا ، فإن للشيعة مصادر خاصة تفوق أضعافا مضاعفة مصادر السنة كلها مروية عن أهل البيت : عن رسول الله 9 ولكنهم لا يحتجون على أهل السنة بروايات مصادرهم لأنها غير ملزمة لهم فلابد أن يحتجوا عليهم بما يثقون به ، أي ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم.

سرَّني كلامه وزاد تفاعلي للبحث ، قلت له : إذن كيف أبدأ؟

قال : هل يوجد في مكتبتكم صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند أحمد والترمذي والنسائي؟


قلت : نعم عندنا قسم ضخم لمصادر الحديث.

قال : من هذه ابدأ ثم تأتي بعد ذلك التفاسير ، وكتب التأريخ فإن في هذه الكتب أحاديث دالة على وجوب اتباع مدرسة أهل البيت :.

وبدأ يسرد لي أمثلة منها مع ذكر المصدر ورقم المجلد والصفحة ، توقفت حائراً أسمع إلى هذه الأحاديث التي لم أسمع بها من قبل مما جعلني أشك في كتب السنة ، ولكن سرعان ما قطع عني هذا الشك بقوله : سجل هذه الأحاديث عندك ثم ابحثها في المكتبة ونلتقي يوم الخميس القادم بإذن الله (١).

المستبصرون والحوار وقراءة الكتب العلميّة

من خلال الحوار والمناظرة تتضح الكثير من المسائل العالقة في الذهن ، فكثير ما يستمع البعض إلى بعض معتقدات الشيعة عن طريق بعض الأبواق المأجورة ، أو يقرأها من طريق بعض الأقلام المحرفة ، فإذا أحب فعلاً أن يتعرف على عقائد الشيعة فعليه بمراجعة ما كتبه علماء الشيعة وفقهائهم والمحسوبين عليهم ، لا من طريق خصومهم وأعدائهم الذين يحاولون تشويه صورة الشيعة والتشيع.

ومن أراد أن يتعرف على عقائد الشيعة وأدلتهم في مسائل الإمامة وغيرها من المسائل فليرجع إلى كتاب الغدير للأميني وكتاب المراجعات وكتاب أصل الشيعة وأصولها ودلائل الصدق للمظفر وأمثالها.

وهناك أيضاً كتب قيمة كتبت بقلم بعض المستبصرين فلا بأس بمراجعتها

__________________

١ ـ المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : ٢٧٤ ـ ٢٧٩.


وقراءتها مثل كتاب لماذا اخترت مذهب الشيعة للأنطاكي ، وكتاب ثم اهتديت للتيجاني ، وكتاب بنور فاطمة اهتديت ، وكتاب المتحولون للشيخ هشام آل قطيط.

فإن هذه الكتب كفيلة في التعريف بالتشيع والشيعة وأدلتهم من القرآن والسنة الشريفة.

يقول الشيخ معتصم السوداني : وبهذه الصورة وبمزيد من البحث انكشفت أمامي كثير من الحقائق لم أكن أتوقعها وكنت في طوال هذه الفترة كثير النقاش مع زملائي ..

إلى أن يقول الشيخ معتصم : وبعد قرائتي لكتاب المراجعات ومعالم المدرستين وبعض الكتب الأخرى اتضح لي الحق وانكشف الباطل لما في هذين السفرين من أدلة واضحة ، وبراهين ساطعة بأحقية مذهب أهل البيت : وازدادت قوتي في النقاش والبحث حتى كشف الله نور الحق في قلبي ، وأعلنت تشيعي .. (١)

وتقول الأستاذة السورية لمياء حمادة في كتابها القيم كتاب أخيراً أشرقت الروح في حوارها مع الأستاذة بتول العراقية : فقالت : هل تريدين الحق؟ لقد أحببتك يا أختي لمياء وأتمنى منك أن تقبلي هديتي المقبلة ، كتب عدة ، إقرأيها وسوف تجدين ملاذك عن كل سؤال طرحتيه عليَّ ... فأنا إن أجبتك عن كل سؤال لا يكفينا أيام السنة كلها ونحن نتناقش في صحة كلامي وعدمه ، أما إذا قرأتِ عن أشخاص عدة استبصروا عرفوا طريق الحق ، كانوا من أهل السنة وأصبحوا من الشيعة ، لوجدت برهانا دامغا ساطعا وحجة عليك من كتبكم ، ولن

__________________

١ ـ المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : ٢٧٤ ـ ٢٧٩.


أطلعك على كتبنا حتى تطلبيها أنت بعد قراءتك لكتب المتشيعين.

شكرتها وتمنيت منها أن تزورني وترسل لي الكتب بأسرع وقت ، فأنا شغفة ومتشوقة لقراءتها عسى ولعل أن أجد فيها شفاء لشكوكي ووساوسي الدفينة حول الاختلاف الدائر بين المذاهب الأربعة المعروفة.

وفعلا ، لم تكذب خبرا فبعد ثلاثة أيام جائتني بكثير من الكتب وقالت لي : سآتي في الأسبوع القادم لأخذك معي لحضور عاشوراء ، فترددت قليلا في قبول الدعوة ، ثم قبلت وأنا حيرانة ، وقلت : حسنا كما تريدين ... ثم انكببت على الكتب ليل نهار وأنا أقرؤها من الجلدة إلى الجلدة ـ كما يقولون ـ فقد استهواني تحليل كل كاتب منهم القضايا العالقة بين السنة والشيعة وفاجأني الكل بقصة لم أسمع بها من قبل ، رزية يوم الخميس ، إنها فضيحة فظيعة لا تصدق ، ولكن عندما ذيل الكاتب الصفحة بأنها من كتب السنة : صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، ومسند الإمام أحمد ، وتاريخ الطبري ، وتاريخ ابن الأثير.

فكيف بعد هذا الذي قرأته أكذب نفسي وأقول : إنه قول جماعة لا يحبون الخلفاء الثلاثة ويكرهونهم ، أليس ذلك مذكور في الصحاح؟ فخطر لي أن أبحث عن تلك الصفحات في الصحاح لأتأكد ، وتمنيت أني لو لم أجدها ، لكن البخاري ذكرها ، ومسلم ذكرها ، وكلهم ذكروها ، وأمرونا أن نتبع أبا بكر وعمر ، وأخبرونا بأنهم عدول لا يذنبون.

ومن هنا ، ملت إلى الشيعة أكثر فأكثر ، لأن تحليلهم لكل الأمور منطقي ، أكملت قراءة كل كتب التيجاني ، والشيخ محمّد مرعي أمين الأنطاكي ، وكتاب و ... و ... وكلهم سنة تشيعوا ولم أسمع بحياتي عن شيعي قد تسنن.

إن رزية الخميس وحدها كافية لأن تشيعني ، ليتك يا عزيزي القارئ


تعرفها لتعرف أني على حق ، إنها قصة يندى لها الجبين وهي عار على أهل السنة في كتبهم ، فلا نؤاخذ المستشرقين عندما يكتبون عن رسولنا 6 ما يكتبون ، فهم قد استندوا في دعاويهم على كتبنا المليئة بمثل هذه الروايات عن الرسول 6.

لقد قرأت الكتب واقتنعت بها ، وأنا مندهشة حينا لما أقرأ ، ومستاءة حينا آخر على الدهر الذي أمضيته وأنا عمياء البصيرة ... فالشيعة على حق ونحن على باطل ، وهم يتمسكون باللب ونحن نتمسك بالقشور ، هم الذين يجب أن يسموا أهل السنة ، لأنهم لم يغيروا ما جاء به محمّد 6 أما نحن فاتبعنا سنة أبي بكر وعمر ومعاوية.

أقولها وبكل صراحة : إن الحق هو اتباع أهل البيت : الذين أوصى النبي 6 بالتمسك بهم فقال : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله ، حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفونني فيهما (١).

وقال 6 : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك (٢) آه وا أسفاه على ماض كنت فيه مغمضة العينين ، أمشي مع أقراني وقومي وهم على طريق الضلالة ، ولكن الحمد لله الذي هداني بفضل هذه الفتاة المؤمنة الصادقة النية وليهنأ وليعتز بنفسه كل شيعي فهو الذي يتمسك بالعروة الوثقى ، وهو من الفرقة الناجية التي حدث عنها رسول الله 6 في

__________________

١ ـ سنن الترمذي ٥/٣٢٨ ـ ٣٢٩ ح ٣٨٧٦ ، مسند أحمد بن حنبل : ٣/١٤. وسوف يأتي المزيد من تخريجات هذا الحديث المتواتر.

٢ ـ المستدرك ، الحاكم : ٢/٣٤٣ ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وذكره أيضاً في ص ١٥٠ ـ ١٥١.


حديث له.

انتهيت من قراءة الكتب وقد تشيعت تماما وطويت صفحة الأيام الماضية ، وقررت أن أبدأ من يومي هذا حياة جديدة.

إلى أن تقول : وأنت عزيزي القارئ إذا أردت الاستبصار أكثر عليك بقراءة كتب التيجاني والأنطاكي وخليفات ... الخ وكل من تشيع لأنها حجة علينا يوم الحساب .. وستجد فيها جوابا لكل مسائلي التي لم أورد لك أجوبتها كي تتشجع وتبحث بنفسك على طريق النور والحق.

.. وبعدها إذا بقيت على حالك ولم تغير رأيك في موروثك فعلى الدنيا السلام ، وإلاّ فأنت إنسان راق قد اتبعت قوله تعالى : ( فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ ) (١) (٢).

ويقول الشيخ مروان خليفات الأردني في حواره مع صديقه الشيعي في حديث رزية الخميس وآثارها : وفي أثناء مسيرنا وبينما كنت أحدثه عن فضائل أبي بكر وعمر قاطعني قائلا كالمنتصر : رزية الخميس.

قلت : خيرا ماذا تقصد؟

قال : إنها حادثة كانت قبل وفاة النبي 6 بأيام حيث قال النبي 6 لأصحابه : ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ، فقال عمر : إن النبي غلبه الوجع أو يهجر حسبنا كتاب الله.

__________________

١ ـ سورة الزمر ، الآية : ١٧ ـ ١٨.

٢ ـ كتاب أخيرا أشرقت الروح ، لمياء حمادة : ٩ ـ ٢١ ، المتحولون ، هشام آل قطيط : ٣٣٠ ـ ٣٤١.


فقلت له : هل وصل بكم الأمر أن تنسبوا هذا الكلام للفاروق الذي ما عصى النبي 6 قط؟

قال : تجد هذه الحادثة في صحيح البخاري ومسلم.

عندئذ يأست من جوابه وشعرت بالهزيمة .. وأردفت : في أي كتاب قرأت هذه الحادثة؟ لأنني وإن وقفت موقف المعاند الذي هزم ولم يعترف ، لكنني كنت أعتصر ألما.

فقال : في كتاب ثم اهتديت لأحد علمائكم الذين تشيعوا.

قلت ساخراً : وهل هناك عالم من علمائنا تشيع.

قال : نعم ، فالتيجاني صاحب هذا الكتاب يذكر كيف تشيع وأسباب تشيعه ، وطلبت الكتاب منه ، وبدأت بقراءته فوراً ، ورزية الخميس تدور في ذهني وأتوجس خيفة لعلي أجدها فأخذتني قصة الكاتب الممتعة وأسلوبه الجذاب ، وقرأت نصوص إمامة آل البيت : ومخالفات الصحابة للرسول 6 ورزية الخميس ، والمؤلف يوثق كل قضية من صحاحنا المعتبرة فدهشت لما أقرأ! وشعرت أن كل طموحاتي انهارت وسقطت أرضا وحاولت إقناع نفسي بأن هذه الحقائق غير موجودة في كتبنا.

رزية الخميس في صحيح مسلم والبخاري

وفي اليوم الثاني عزمت على توثيق نصوص الكتاب من مكتبة الجامعة وبدأت برزية الخميس فوجدتها مثبتة في صحيح مسلم والبخاري بعدة طرق وكان أمامي احتمالان : إما أن أوافق عمر على قوله فيكون النبي 6 يهجر والعياذ بالله! وبهذا أدفع التهمة عن عمر.


وإما أن أدافع عن النبي 6 وأقر بأن بعض الصحابة بقيادة عمر ارتكبوا خطأً جسيماً بحق النبي 6 حتى طردهم وهنا أتنازل أمام صديقي عن معتقدات طالما رددتها وافتخرت بها أمامه.

وفي نفس اليوم سألني صديقي عن صحة ما في الكتاب فقلت وقلبي يعتصر ألماً : نعم ، صحيح.

بقيت فترة حائراً تأخذني الأفكار شرقاً وغرباً وعرض علي صديقي كتاب لأكون مع الصادقين لمؤلفه التيجاني وكتاب فسئلوا أهل الذكر وغيرها ، فكشفت هذه الكتب أمامي حقائق كثيرة وزادت حيرتي وشكي ، وحاولت إيقاف حيرتي بقراءة ردود علمائنا على هذه الحقائق لكنها لم تنفعني بل زادتني بصيرة ، وقرأت كتباً كثيرة لا يسعني ذكرها فكانت ترسم لي صورة الحقيقة بألوان من الحجج الدامغة التي كان عقلي يقف مبهوراً محتاراً أمامها فضلا عن حيرة علمائنا في التعامل معها إلى أن اكتملت الصورة في ذهني كالشمس في رابعة النهار ، واعتنقت مذهب آل البيت الأطهار : أبناء الرسول 6 وأشقاء القرآن ، وأولياء الرحمن ، سفن النجاة ، وأعلام الورى ورحمة الله للملأ بكل قناعة واطمئنان قلب.

وها أنا الآن وبعد تخرجي من كلية الشريعة على يقين تام بصحة ما أنا عليه ، أقول هذه الكلمات ويمر بذهني كيف عزمت على هداية صديقي الشيعي وأهله ، وإذا بالصورة قد انعكست فكان هو سبب هدايتي وفقه الله (١).

ويقول الشيخ هشام آل قطيط المستبصر في حواره مع صديقه الشيعي :

__________________

١ ـ المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : ١٩٣ ـ ١٩٦.


وفعلا في اليوم الثاني أتاني صديقي الشيعي بكتاب المراجعات وبدأت بالقراءة فيه حتى وصلت إلى ص ٧١ فاستوقفني مقال للشيخ الأنطاكي الحلبي المتشيع ( الاختلاف بين المذاهب الأربعة ) واستوقفتني أقوال للإمام علي ( كرم الله وجهه ) ما أقواها وأشدها وطأً وأثراً على النفس في ص ٧٥ ، قوله 7 : ( نحن الشعار والأصحاب والخزنة والأبواب ، ولا تؤتى البيوت إلاّ من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقا ).

ثم قال في ص ٨٢ : وإليك بيان ما أشرنا إليه من كلام النبي 6 إذ أهاب بالجاهلين وصرخ في الغافلين ، فنادى : ( يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ).

فسجلت مصادر الحديث الذي ينقلها العالم الشيعي في كتابه ( المراجعات ) وبعد يومين نزلت إلى مكتبة دار الفتوى ( عائشة بكار ) لأفتش عن المصادر لأرى مدى صدق الشيعة في أقوالهم ، وفعلا عندما أتيت بصحيح الترمذي فوجدت الحديث ، فشعرت بالانتصار النفسي وفرحت فرحاً شديداً ، وتابعت المصادر فأنزلت تفسير ابن كثير فوجدت فيه الحديث ..

الله أكبر أكبر!! صرت أصيح ما هذا الانتصار..؟ إصبر إصبر ، أحدث نفسي : تابع البحث لا تيأس ، أشجع نفسي الآن وليس غدا يجب الذهاب إلى الشيخ عبد الفتاح صقر ، لأناقشه في هذا الحديث الذي سجلت مصادره عندي بورقة وضعتها في جيبي وأغلقت عليها كأني عثرت على كنز!! أحدث نفسي : إصبر ، تابع البحث ، فصبَّرت نفسي على فرحها الشديد.

ورجعت أتابع القراءة ، وأي شيء كان يثيرني كنت أسجله ، وأنزل إلى المكتبة فقط ، أنزل إلى مكتباتنا حذراً من الصحاح الموجودة عند الشيعة كما


يقول علماؤنا السنة : أغلبها مزورة ومحرفة!!

إلى أن يقول : وهنا جاء التأمل والصراع ، والمسألة مع النفس ومع الذات .. فراجعت المصادر ووقفت عليها ، ووجدت صدق ما يأتي به العالم الشيعي فاستغربت من قوة استدلال هذا العالم وإحاطته الدقيقة بالتأريخ والسيرة والصحاح ، واستهواني الكتاب بأسلوبه الجذاب وثوبه الناعم المزركش ، وصرت أفكر يا إلهي أين كنت أنا؟ أين علماؤنا من هذه الكتب؟ فهل يعرف علماؤنا ما في هذ الكتب من أدلة ويتعمدون طمس هذه الحقائق عنا؟ لأنه ليس من اختصاصنا البحث في الدين وإنما هو حكر على الشيوخ والعلماء فقط ، أم أنهم لا يعلمون حقيقة هذه الكتب (١) ؟!

كتاب التحول المذهبي

وفيما يتعلق برحلة المستبصرين والأسباب والدواعي التي دعتهم إلى الأخذ بمذهب أهل البيت : راجع كتاب التحول المذهبي ـ بحث تحليلي حول رحلة المستبصرين إلى مذهب أهل البيت : للكاتب الفاضل الأستاذ علاء الحسون وفقه الله تعالى فإنه كتاب قيّم بحث فيه ما يخص المستبصرين من حيث الدوافع إلى الإستبصار ، والعقبات التي تعترض طريقهم ، ومراحل الإستبصار ، وما بعد الإستبصار وغير ذلك ، بشكل مفصل فجزاه الله خير الجزاء.

__________________

١ ـ المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : ٤٩ ـ ٥٢.


المناظرة الأُولى

مناظرة

الشيخ الأنطاكي السوري (١) مع جماعة من السنّة

في عقيدة الشيعة في أمر الخلافة

قال الشيخ محمّد مرعي الأنطاكي 4 : وفي الليلة الخامسة من شهر رمضان المبارك سنة ١٣٧١ هـ ، بينما أنا مشتغل في مكتبتي بكتابة كتاب : ( الشيعة وحجّتهم في التشيُّع ) إذ وفد عليَّ جماعة يبلغ عددهم نحو خمسة عشر شخصاً ، أو أكثر ، وفيهم العلماء وغير العلماء ، فتلقَّيتهم بالترحاب ، وبصدر

__________________

١ ـ هو : المرحوم العلامة الكبير المجاهد الشيخ محمد مرعي الأمين الأنطاكي مولداً ، والحلبي نشأة ، والأزهري تخرجاً ، والشافعي مذهباً ، والشيعي خاتمة ، من أبرز علماء سوريا ، ولد سنة ١٣١٤ هـ ، في قرية من القرى التابعة إلى أنطاكية ، ودرس فيها بضع سنوات ثمّ انتقل إلى الجامع الأزهر مع أخيه ، ودرس عند شيخ الجامع الأزهر الشيخ مصطفى المراغي ، والشيخ محمد أبو طه المهنى وغيرهما من مشيخة الأزهر ، حصل على شهادات راقية من جامع الأزهر ، وعاد إلى بلاده ، وامتهن إمامة الجماعة والجمعة والتدريس والإفتاء والخطابة نحو خمسة عشر عاماً.

وأخيراً أخذ بمذهب أهل البيت: لما تبيّن له أن الحقّ معهم وفيهم ، وذلك بسبب قراءته كتاب المراجعات للسيد شرف الدين 1 ، ومناظراته الكثيرة مع علماء الشيعة الإمامية ، كما تشيع على يده ويد أخيه الشيخ أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ الكثير من أبناء العامة من سوريا ولبنان وتركية. ( إستفدنا هذه الترجمة من كتابه الشهير « لماذا اخترت مذهب الشيعة » ).


رحب ، وقلب ملؤه السرور ، وما إن اطمأنَّ بهم الجلوس حتى فاتحوني بالبحث العلميّ ، يريدون الإيضاح عن مذهب الشيعة ، وعن اعتقادهم في الخلافة ، وما يدور حولها.

ضرورة الوصية بالخلافة بعد النبي 6

فبادرت إلى الجواب ، وهم صامتون يصغون إلى ما أورد عليهم من الأدلّة الواضحة ، والحجج القاطعة ، والبراهين الساطعة ، القائمة لدينا ولديهم حتى مضى علينا أكثر من ثلثي الليل ، وبعد انتهائنا من البحث قاموا ، فمنهم الشاكر ، ومنهم المنكر.

ومن جملة ما أفدت عليهم ، قلت : لا شك في أن النبيَّ 6 كان يعلم أن أمّته الجديدة القريبة العهد بالإسلام ، وما هي عليه من الرغبة في الخلافة ، ويعلم أنه سينقلب الكثير منهم على الأعقاب (١) ، ولا يسلم منهم إلاَّ مثل همل النعم (٢) عند ورودهم على الحوض ـ كما جاء في البخاري في حديث الحوض (٣) ، ويعلم علم اليقين أن أصحابه كانوا يضمرون الشرَّ لوصيِّه وخليفته من بعده علي 7 (٤) ،

__________________

١ ـ قال تعالى في سورة آل عمران ، الآية : ١٤٤ : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ).

٢ ـ قال ابن الأثير في النهاية : ٥/٢٧٤ : في حديث الحوض : ( فلا يخلص منهم إلاَّ مثل همل النعم ) الهمل : ضوالّ الإبل ، واحدها هامل ؛ أي إن الناجي منهم قليل في قلّة النعم الضالّة.

٣ ـ صحيح البخاري : ٧/٢٠٨ ـ ٢٠٩.

٤ ـ جاء في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي : ١١/٢١٦ ، في ترجمة رقم : ٥٩٢٨ بإسناده عن أبي إدريس


وأنهم فور موته يحدثون حدثاً.

إذن ، فلابد أن يكون قد وضع للخلافة حلاًّ لها ، يوقف من تدعوه نفسه إلى الخلافة ، ولا يخفى عليه أمر أصحابه ، إذ أنه قد سبرهم ، وعرف المستقيم منهم والملتوي ، وهو القائل لهم : ستتبعون سنن من قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه (١) ، وكان شيخنا العلامة الشيخ ( أحمد أفندي الطويل الأنطاكي ) يرويه لنا في أثناء الدرس ، وعلى المنبر ، ويقول في ختام الحديث : ولو جامع أحدهم امرأته في السوق لفعلتموه!! وهو القائل : من لم يعرف إمام زمانه ، مات ميتة جاهلية (٢) أي كفر.

إذن ، فلابد أن يضع للخلافة حلاًّ يوقفهم عند حدِّهم ، ونحن ما دمنا نعتقد أنه نبيٌّ مرسل من الله ، ويعلم أنه الذي ختم الرسل ، وأن رسالته مستمرة إلى آخر الدنيا ، فلا يبقى له أن يترك أمّته فوضى مع علمه أنها ستفترق إلى ثلاث وسبعين

__________________

عن علي 7 قال : مما عهد إليَّ النبي 6 أن الأمة ستغدر بك من بعدي.

وراجع الحديث في المصادر الآتية : شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٤/١٠٧ و٢٠/٣٢٦ ح ٧٣٤ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/٤٤٧ ـ ٤٤٨ ، تذكرة الحفاظ ، الذهبي : ٣/٩٩٥ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٦/٢٤٤.

ورواه أيضاً الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين : ٣/١٤٢ عن حيان الأسدي قال : سمعت علياً 7 يقول : قال لي رسول الله 6 أن الاُمة ستغدر بك بعدي وأنت تعيش على ملتي.

ورواه عنه كنز العمال ، المتقي الهندي : ١١/٢٩٧ ح ٣١٥٦٢.

١ ـ صحيح البخاري : ٤/١٤٤ ـ ١٤٥ و٨/١٥١ ، صحيح مسلم : ٨/٥٧ ، صحيح ابن حبان : ١٥/٩٥ ، مسند أحمد بن حنبل : ٢/٣٢٧ و٥١١ ، المستدرك ، الحاكم : ٤/٤٥٥ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٧/٢٦١.

٢ ـ راجع : شرح النهج لابن أبي الحديد : ٩/١٥٥ و١٣/٢٤٢. وسوف يأتي الحديث نفسه أيضاً مع مصادر أخرى.


فرقة كما في الحديث (١).

مناقشة دعوى إيكال أمر الخلافة إلى الاُمة

هذا ودعوى إيكال أمر الخلافة إلى الأمة باطلة لأمور :

أوّلا: إن أهل الحلِّ والعقد، أو الانتخاب ، أو ذوي الشورى لا يتمُّ الأمر بما أوكل إليهم إلى مدى الدهر ، بل هو عين إيقاع الأمة في الفوضى التي توقع الأمة في هوَّة ساحقة لاحدَّ لها ولا قرار ، لهذا نرى الأمّة لا زالت تمخر في بحور من الدماء من ذلك اليوم إلى يومنا هذا ، ثمَّ إلى انتهاء حياة البشر يوم البعث والنشور.

ثانياً : مما لا خفاء فيه أن الناس مختلفون في معتقداتهم ، ومتباينون في آرائهم ، ونرى أنه لا يتفق اثنان في الرأي ، بل الإنسان نفسه لا يتفق له أن يستمرَّ على رأي دائم ، بل يتقلَّب رأيه في كل لحظة ، فكيف يمكن أن يكون الأمر موكولا إلى أهل الحلِّ والعقد؟! وهذا يأباه العقل والوجدان.

ثالثاً : يستحيل أن يحصل الاتفاق بإيكال الأمر إلى أهل الحلِّ والعقد ، فلابدَّ من وقوع اضطراب شديد بين الشعوب والقبائل ، ووقوع القتل والسلب والنهب ، وغيرها ممّا هو موجود ، كما هو موجود في كل عصر ومصر ، ولم يمكن لرئيس أن يتمَّ على يده نظام حياة الإنسان إلاَّ بالقوَّة القاهرة ، وهذه مؤقَّتة زائلة ، ومتى زالت رجع كل واحد إلى ما كان عليه من الأعمال الضارّة بالسكان.

لهذا قلنا مكرَّراً : إن الله لا يدع أمراً من أمور الدين للأمَّة تتجاذبه

__________________

١ ـ تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : ١٣/٢٩٥ ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ٦٢/٣١١ ، الفصول في الأصول ، الجصاص : ٣/٣١٦.


أهواؤهم ، بل لابدَّ من أن يوكل الأمر إلى أربابه ممن له أهليّة كاملة في العلم الغزير الذي كان عند الرسول 6 (١) ، والشجاعة ، والحكم ، والكرم ، والزهد ، والتقى ، والفراسة ، والإعجاز ، وأهمُّها العصمة ، وغير ذلك مما يكون الوصيُّ الذي يقوم مقام الرسول 6 في حاجة إليه في إدارة دفّة الحكم ، وهذا لا يمكن أن يتمكَّن منه أحد إلاَّ الله العالم بما تكنُّه الصدور ، ويعلم السرَّ وأخفى ، والرسول 6 قد بيَّن بصراحة في كل مناسبة أن الوصيَّ والخليفة من بعده : علي 7.

كما وإن هناك أدلّة كثيرة أخرى ترشدك إلى ما تقوم به الحجة ، زيادة على ما قدَّمنا ، مما هو ثابت لدنيا معاشر الشيعة ، والكتاب والسنة بُنيتا على ذلك.

ثمَّ استحسن جميعهم ما أفدت عليهم ، وطلبوا مني بعض مؤلَّفات

الشيعة ، فأعطيتهم بعض ما كانت عندي ، فقاموا وحمدوا الله تعالى على هذه النعمة (٢).

__________________

١ ـ قال الأنطاكي في الهامش : كحديث : أنا مدينة العلم وعلي بابها.

٢ ـ لماذا اخترت مذهب أهل البيت : ، الأنطاكي : ٤٥٠ ـ ٤٥٣.


المناظرة الثانية

مناظرة

الشيخ الأنطاكي مع بعضهم في مشروعية السجود

على التربة الحسينيّة وإقامة العزاء

يقول الشيخ محمّد مرعي الأنطاكي 4 : في يوم الرابع عشر من شهر محرم الحرام سنة ١٣٧٤ هجرية أتاني جماعة من علماء السنّة وبعضهم زملائي في الأزهر حاملين عليَّ حقداً في صدورهم لأخذي بمذهب أهل البيت :وتركي مذهب السنة ، ودار البحث بيننا طويلا يقرب حوالي عشر ساعات تقريباً وذلك في كثير من المسائل.

ومنها : انتقادهم على الشيعة بأنهم يسجدون على التربة الحسينية فهم مشركون ، وإجراؤهم التعازي على الإمام الحسين 7 وهو بدعة؟!

فقلت لهم : كلاهما أمرٌ محبوب محبذ إليه من الشارع المقدّس ، أما قولكم : إنّ الشيعة يسجدون على التربة الحسينية فهم مشركون! هذا غير صحيح لأن السجود على التربة لا يكون شركاً ، لأن الشيعة تسجد على التربة لا لها ، وإن كانت الشيعة تعتقد على حسب مدعاكم وزعمكم ـ على الفرض المحال ـ أن التربة هي أو في جوفها شيء يسجدون لأجلها ، فكان اللازم السجود لها لا السجود عليها، لأن الشخص لا يسجد على معبوده ، لأن السجود يجب أن يكون


للمعبود وهو الله يعني تكون الغاية من السجود والخضوع هو الله سبحانه ، أمّا السجود على الله فهو كفر محض ، فسجود الشيعة على التربة ليس شركاً!

لماذا السجود على التربة

فأجابني أحدهم وهو أعلمهم قائلا : أحسنت يا فضيلة الشيخ على هذا التحليل اللطيف ، ولنا أن نسألك ما سبب إصرار الشيعة على السجود على التربة ، ولم لا تسجدون على سائر الأشياء كما تسجدون على التربة؟

فأجبته : ذلك عملا بالحديث المتفق عليه بالإجماع جميع فرق المسلمين وهو قوله 9 : جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً (١) ، فالتراب الخالص هو الذي يجوز السجود عليه باتفاق جميع طوائف المسلمين ، ولذلك نسجد دائماً على التراب الذي اتفق المسلمون جميعاً على صحة السجود عليه.

فسألني : وكيف اتفق المسلمون عليه؟

فأجبته : أول ما جاء رسول الله 9 إلى المدينة وأمر ببناء مسجد فيها ، هل كان المسجد مفروشاً بفرش؟

فأجابني : كلاّ لم يكن مفروشاً.

قلت : فعلى أي شيء كان يسجد النبي 9 والمسلمون؟

أجابني : على أرض المسجد المفروشة بالتراب.

قلت : ومن بعد النبي 6 في زمن أبي بكر وعمر وعثمان وأمير المؤمنين

__________________

١ ـ راجع : مسند أحمد بن حنبل : ١/٣٠١ ، صحيح البخاري : ١/٨٦ سنن الترمذي : ١/١٩٩ ح ٣١٦ ، السنن الكبرى للبيهقي : ٢/٤٣٣ ، وسائل الشيعة : ٣/٣٥٠ ح ٣٨٣٩ و ٣٨٤٠ وص ٣٥١ ح ٣٨٤١ وج ٥ ص ١١٧ ح ٦٠٨٣ و ٦٠٦٨.


علي 7 هل كان المسجد مفروشاً بفرش؟

فأجابني أيضاً : كلاّ.

قلت : فعلى أي شيء كان المسلمون يسجدون في صلواتهم في المسجد؟

أجابني : على أرض مفروشة بالتراب.

فقلت : إذن جميع صلوات رسول الله 9 كانت على الأرض وكان يسجد على التراب ، وكذلك المسلمون في زمانه وبعده كانوا يسجدون على التراب ، فالسجود على التراب صحيح قطعاً ، ومعاشر الشيعة إذ تسجد على التراب تأسياً برسول الله 9 فتكون صلواتهم صحيحة قطعاً.

فأورد عليَّ : بأن الشيعة لم لا تسجد على غير التربة التي يحملونها معهم من سائر مواضع الأرض أو غيرها من التراب؟

فأجبته : أولا : أن الشيعة تجوّز السجود على كل أرض سواء في ذلك المتحجر منها أو التراب.

ثانياً : حيث إنه يشترط في محل السجود الطهارة من النجاسة ، فلا يجوز السجود على أرض نجسة ، أو تراب غير طاهر ، لذلك يحملون معهم قطعة من الطين الجاف الطاهر تفصياً عن السجود على ما لا يعلم طهارته من نجاسته ، مع العلم أنهم يجوّزون السجود على تراب أو أرض لا يعلم بنجاسته.

فأورد عليَّ : إن كانت الشيعة يريدون بذلك السجود على التراب الطاهر الخالص فلم لا يحملون معهم تراباً يسجدون عليه؟

فأجبته : حيث إن حمل التراب يوجب وسخ الثياب لأنه أينما وضع من الثوب فلا بد أن يوسخه ، لذلك نمزجه بشيء من الماء ثم ندعه ليجف حتى لا يوجب حمله وسخ الثوب.


السجود على التراب أكثر دلالة على الخشوع

ثم أن السجود على قطعة من الطين الجاف أكثر دلالة على الخضوع (١) والتواضع لله ، فإن السجود هو غاية الخضوع ، ولذا لا يجوز السجود لغير الله سبحانه ، فإذا كان الهدف من السجود هو الخضوع لله ، فكلما كان مظهر السجود أكثر في الخضوع لا شك أنه يكون أحسن ، ومن أجل ذلك استحب أن يكون موضع السجود أخفض من موضع اليدين والرجلين ، لأن ذلك أكثر دلالة على الخضوع لله تعالى.

وكذلك يستحب أن يعفر الأنف بالـتراب في حال السجدة (٢) لأن ذلك أشد دلالة على التواضع والخضوع لله تعالى ، ولذلك فالسجود على الأرض أو على قطعة من الطين الجاف أحسن من السجود على غير هما مما يجوز السجود عليه ، لأن في ذلك وضع أشرف مواضع الجسد ، وهو الجبهة على الأرض خضوعاً لله تعالى وتصاغراً أمام عظمته.

أما أن يضع الإنسان في حال السجدة جبهته على سجاد ثمين ، أو على معادن كالذهب والفضة وأمثالهما أو على ثوب غالي القيمة ، فذلك مما يقلل من الخضوع والتواضع وربما أدى إلى عدم التصاغر أمام الله العظيم.

__________________

١ ـ عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله 7 ( في حديث ) قال : السجود على الأرض أفضل

لأنّه أبلغ في التواضع والخضوع لله عزّ وجلّ ، وعن إسحاق بن الفضيل أنه سأل أبا عبدالله 7 عن السجود على الحصير والبواري؟ فقال : لا بأس ، وإن يسجد على الأرض أحب إليَّ ، فإنَّ رسول الله 9 كان يحبّ ذلك أن يمكن جبهته من الأرض ، فأنا أُحبُ لك ما كان رسول

الله يحبّه. وسائل الشيعة للحر العاملي : ٣/٦٠٨ ـ ٦٠٩ ( ب ١٧ من أبواب ما يُسجد عليه ح ١ و ٤ ).

٢ ـ وسائل الشيعة : ٤/٩٥٤ ( ب ٤ من أبواب السجود ).


إذن فهل يمكن أن يعتبر السجود على ما يزيد من تواضع الإنسان أمام ربه شركاً وكفراً!؟ والسجود على ما يذهب بالخضوع لله تعالى تقرباً من الله؟! إنْ ذلك إلاّ قول زور.

ثم سألني : فما هذه الكلمات المكتوبة على التربة التي تسجد الشيعة عليها؟ فأجبته.

أوّلا : إنه ليس جميع أقسام التربة مكتوباً عليها شيء ، فإن هناك كثيراً من التربات ليس عليها حرف واحد.

وثانياً : المكتوب على بعضها سبحان ربي الأعلى وبحمده ، رمزاً لذكر السجود ، وعلى بعضها إن هذه التربة متخذة من تراب أرض كربلاء المقدسة ، بالله عليك أسأل من فضيلتك هل في ذلك بأس؟ وهل يعد ذلك شركاً؟ أو هل ذلك يخرج التربة عن كونها تراباً جائز السجود عليه؟! فأجابني كلا!

السرّ في السجود على التربة الحسينيّة

ثم سألني : ما هذه الخصوصية في تربة أرض كربلاء ، حيث إن أكثر الشيعة مقيدون بالسجود عليها مهما أمكن؟

قلت : السر في ذلك أنه ورد في الحديث الشريف : السجود على تربة أبي عبدالله 7 يخرق الحجب السبع (١) ، يعني أن السجود عليها يوجب قبول الصلاة

__________________

١ ـ روي عن معاوية بن عمار قال : كان لأبي عبدالله 7 خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبدالله 7 فكان إذا حضرته الصلاة صبّه على سجادته وسجد عليه ، ثم قال 7 : إن السجود على تربة أبي عبدالله 7 يخرق الحُجب السبع. راجع : مصباح المتهجد : ٦٧٧ ، الدعوات للراوندي : ١٨٨ ح ٥١٩ ،


وصعودها إلى السماء ، وما ذلك إلا لإدراك أفضلية ليست في تربة غير كربلاء المقدسة

فأورد عليَّ : هل السجود على تربة الحسين 7 تجعل الصلاة مقبولة عند الله تعالى ولو كانت الصلاة باطلة؟

فأجبته : إن الشيعة تقول : بأن الصلاة الفاقدة لشرط من شرائط الصحة باطلة غير مقبولة ، ولكن الصلاة الجامعة لجميع شرائط الصحة قد تكون مقبولة عند الله تعالى وقد تكون غير مقبولة ، أي لا يثاب عليها ، فإذا كانت الصلاة الصحيحة على تربة الحسين 7 قبلت ويثاب عليها ، فالصحة شيء والقبول شيء آخر.

أرض كربلاء أشرف البقاع

فسألني : وهل أرض كربلاء المقدسة أشرف من جميع بقاع الأرض (١) حتى أرض مكة المعظمة والمدينة ، حتى يكون السجود عليها أفضل؟ (٢)

__________________

وسائل الشيعة للحر العاملي : ٣/٦٠٨ ح ٣ ( ب ١٦ من أبواب ما يسجد عليه ) ، بحار الأنوار للمجلسي : ٨٢/١٥٣ ح ١٤ و ج ٩٨ ص ١٣٥ ح ٧٤.

١ ـ راجع : بحار الأنوار للمجلسي : ٩٨/١٠٦ ب ١٥.

٢ ـ ونحن أيضاً إذا رجعنا إلى كتب السيرة والتأريخ وجدنا رسول الله 9 ـ الذي لنا به أسوة حسنة ـ كان يقدس هذه التربة الشريفة حتى احتفظ بها وكان يشمها كما يشم الطيب ، وقد سلمها إلى اُمّ سلمة ، وإليك بعض الأخبار في ذلك :

١ ـ عن اُمّ سلمة قالت : رأيت رسول الله 9 وهو يمسح رأس الحسين 7 ويبكي؟ فقلت : ما بكاؤك؟ فقال : إن جبرئيل أخبرني أن ابني هذا يقتل بأرض يقال لها كربلاء قالت : ثمّ ناولني كفاً من تراب أحمر وقال : إن هذا من تربة الأرض التي يقتل بها فمتى صار دماً فاعلمي أنه قتل ، قالت أم سلمة فوضعت التراب في قارورة عندي وكنت أقول إن يوماً يتحول فيها دماً ليوم عظيم. راجع : ذخائر


فقلت : وما المانع من ذلك؟

إن الله عوض الحسين 7 باستشهاده بثلاث

قال : إن تربة مكة التي لم تزل منذ نزول آدم 7 إلى أرض مكة ، وأرض المدينة المنورة التي تحتضن جسد الرسول الأعظم 9 تكونان في المنزلة دون منزلة كربلاء؟! قال : هذا أمر غريب ، وهل الحسين بن علي 7 أفضل من جده الرسول 9؟

قلت : كلا إن عظمة الحسين 7 من عظمة الرسول 9 وشرف الحسين من شرف الرسول ، ومكانة الحسين عند الله تعالى إنما هي لأجل أنه إمام سار على دين جده الرسول 9 حتى استشهد في ذلك ، لا .. ليست منزلة الحسين إلا جزءاً من منزلة الرسول ، ولكن حيث إن الحسين 7 قتل هو وأهل بيته وأنصاره

__________________

العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : ١٤٧.

٢ ـ وعن أمير المؤمنين 7 قال : دخلت على النبي 9 وعيناه تفيضان قلت : يا نبي الله أغضبك أحد ما شأن عينيك تفيضان؟ قال : قام من عندي جبرئيل 7 قبل وحدثني أن الحسين 7 يُقتل بشط الفرات ، قال : فقال : هل لك إلى أن أشمك من تربته قلت : نعم فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا.

راجع : مسند أحمد بن حنبل : ١/٨٥ ، مسند أبي يعلى : ١/٢٩٨ ح ٣٦٣ ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ١٤/١٨٧ ـ ١٨٨ ، تهذيب الكمال ، المزي : ٦/٤٠٧ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ١٤٨.

٣ ـ وروي لما أتى جبرئيل بالتربة إلى رسول الله 9 من موضع يهراق فيه دم أحد ولديه ولم يخبر باسمه شمها وقال : هذه رائحة ابني الحسين 7 وبكى! فقال : جبرئيل صدقت. وغيرها من الأحاديث ، وإن شئت المزيد في ذلك فراجع : ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري : ١٤٦ ـ ١٤٨ ، مقتل الحسين 7 للخوارزمي : ١/١٥٨ ـ ١٦٢ و ١٧٠ ( الفصل الثامن ) ، ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : ٣/١١ ـ ١٢ ح ١٢.


في سبيل إقامة الإسلام وإرساء قواعده ، وحفظها عن تلاعب متبعي الشهوات عوَّضه الله تعالى باستشهاده ثلاثة أمور :

الأوّل : استجابة الدعاء تحت قبته.

الثاني : الأئمة : من ذريته.

الثالث : الشفاء في تربته (١).

فعظم الله تعالى تربته لأنه قتل في سبيل الله أفجع قتلة ، وقُتل معه أولاده وإخوته وأصحابه وسبي حريمه ، وغير ذلك من المصائب التي نزلت به من أجل الدين ، فهل في ذلك مانع؟ أم هل في تفضيل تربة كربلاء على سائر بقاع الأرض حتى على أرض المدينة معناه أن الحسين 7 أفضل من جده الرسول 9 بل الأمر بالعكس فتعظيم تربة الحسين تعظيم للحسين ، وتعظيم الحسين 7 ، تعظيم لله ولجده رسول الله 7.

الإعتراف بالحقّ

فقام أحدهم عن مجلسه وعليه آثار البشاشة والسرور ( فشكرني ) كثيراً وطلب مني بعض مؤلفات الشيعة بعد أن قال : مولاي إفاداتك هذا صحيح ، وإني كنت أتخيَّل أن الشيعة يفضلون الحسين 7 حتى على جده رسول الله 9 ، والآن عرفت الحقيقة وأشكرك على هذه المناظرة اللطيفة والإلفاتات الطيبة التي زوَّدتنا بها ، وسوف أحمل معي أبداً قطعة من أرض كربلاء المقدسة لأسجد عليها أينما

__________________

١ ـ فقد روي عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر ، وجعفر بن محمد 8 يقولان : إن الله تعالى عوض الحسين 7 من قتله أن جعل الإمامة في ذرّيّته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تُعدُّ أيام زائريه جائياً وراجعاً من عمره ... الحديث راجع : بحار الأنوار للمجلسي : ٤٤/٢٢١ ح ١.


صليت ، كما أني سأدع السجود على غير التراب ومخصوصاً التربة الحسينية

فلسفة إقامة المأتم والعزاء على الإمام الحسين 7

ثم قلت : وأما قولك : إجراء الشيعة التعازي على الإمام الحسين 7 هو بدعة فهذا كلام باطل فاسد! ولا أدري لماذا تنقمون على الشيعة بإقامتهم التعازي على شهيد الحق والإنسانية الإمام بن الإمام حفيد الرسول 6 وسلالة الزهراء البتول 3 سيد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين 7 في مصابه العظيم الذي زلزلت لها أظلة العرش مع أظلة الخلائق ، والحادثة المروعة التي لم يسبقها في العالم الإسلامي ولا في غيره سابق ولا يلحقها لاحق ، إذ أنه جَلَلٌ عمَّ خطبه العظيم جميع الأمة الإسلامية حتى الجن والطير والوحش راجع كتب المقاتل تعرف (١) ، وبعضكم يعترض على الشيعة بأن الحسين 7 قتل منذ زمن بعيد يربو على ١٣ قرناً ، فأيُّ فائدة في البكاء عليه واللطم على الصدور والضرب بالسلاسل بحيث يسيل الدم.

فاعلموا أن عمل الشيعة هذا هوعين الصواب أولا : لو أنهم لم يستمروا على إقامة ذكرى سيد الشهداء 7 لأنكرتموه كما أنكرتم يوم الغدير ، وحديثه المشهور المعترف به المؤالف والمخالف فرواه أكثر من مائة وثمانين صحابياً ، فيهم البدري وغيره ومن التابعين أكثر فأكثر ، فالشيعة لم يأتوا بشيء إذاً.

ثانياً : الشيعة اقتفوا أثر أئمتهم : في ذكرى أبي عبد الله الحسين 7 ، فلو وقفتم على كتب الشيعة لما أوردتم علينا نقداً ، وأُلفتُ نظركم إلى كتاب مقدمة

__________________

١ ـ راجع : مقتل الحسين 7 للخوارزمي : ٢/٨٩ ـ ١٠١.


المجالس الفاخرة للإمام شرف الدين ، وإقناع اللائم على إقامة المآتم للإمام السيد محسن الأمين العاملي ـ رحمهما الله ـ ففيهما من الحجج ما يقنع الجميع.

وانظروا أيضاً إلى ص ٥٧٦ من مصابيح الجنان للحجة السيد الكاشاني إذ قال فيه : ينبغي للمسلمين إذا دخل شهر المحرم أن يستشعروا الحزن والكآبة ، وأن يعقدوا المجالس والمآتم لذكرى ما جرى على سيد الشهداء وأهل بيته والصفوة من أصحابه من الظلم والعدوان ، وهو أمر مندوب إليه ومرغب فيه ، على أن في ذلك تعظيماً لشعائر الله تعالى ، وامتثالاً لأمر رسول الله 9 واقتداءً بالأئمة المعصومين : ، ويدل عليه ما ورد عن الرضا 7 وهو الإمام الثامن من أوصياء رسول الله 9 أنه قال : كان أبي ـ وهو الكاظم ، الإمام السابع من أوصياء الرسول 9 ـ : إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصبيته وحزنه وبكائه ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلّى الله عليه (١) ، ويستفاد منه رجحان كل ما له دخل في الحزن والكآبة (٢) من غير أن يشتمل على فعل محرم.

ثم قال : ويستحب البكاء وإجراء التعازي على سيد الشهداء 7 وإسالة الدموع عليه لا سيما في العشر الأوّل من المحرم ، فإن البكاء عليه من الأمور الحسنة المندوبة ، ومن موجبات السعادة الأبدية والزلفى إلى المهيمن سبحانه ،

__________________

١ ـ راجع : أمالي الشيخ الصدوق : ١١١ ح ٢ ، بحار الأنوار للمجلسي : ٤٤/٢٨٤ ح ١٧.

٢ ـ فقد روى الشيخ المفيد 4 بسنده عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبدالله 7 قال : كلُّ الجزع والبكاء مكروه ، سوى الجزع والبكاء على الحسين 7 ، وجاء عن الرضا 7 في حديث : قال 7 : فعلى مثل الحسين فليبك الباكون الخ. بحار الأنوار للمجلسي : ٤٤/٢٨٠ ح ٩ وص ٢٨٤ ح ١٧.


ويكفي في رجحانه الأحاديث المعتبرة المروية عن الحجج الطاهرة وهي كثيرة جداً نحيلك على مظانها (١).

إلى أن قال : وأما الذين يعيبون الشيعة بذلك فلا يعبأ بقولهم إذ إنهم حائدون عن جادة الإنصاف ، وقاسطون عن طريق الصواب ، مع هذه النصوص الكثيرة المتواترة الواردة عن الأئمة السلف خاصة عن أئمة العترة الطاهرة من أهل البيت : وهم أحد الثقلين الذين لا يضل المتمسك بهما ، على أن في ذلك من المواساة لرسول الله 9 ووصيه أمير المؤمنين 7 وابنته الصديقة فاطمة الزهراء 3.

وقد اتفقت الطوائف الإسلامية على اختلاف مذاهبها على جواز التفجع لفقد الأحبة والعظماء ، جرت عليها سيرتهم العملية وإجماعهم وكان عليه السلف وتشهد بذلك الموسوعات الضخمة المشحونة بأقوالهم وأفعالهم سواء في ذلك الأئمة من أهل البيت : وغيرهم من سائر المسلمين ، فمن راجع كتبهم يجد نصوصهم في هذا المورد بكثرة مدهشة.

فنحن إذ نجد الأدلة النقلية والعقلية متوفرة ، نُجدد ذكرى مصاب سيد

__________________

١ ـ ومن ذلك ما روي عن علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه قال : قال الرضا 7 : من تذكر مصابنا وبكى لما ارتُكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومن ذُكّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبكِ عينه يوم تبكي العيون ، ومن جلس مجلساً يُحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

وروي عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبدالله 7 قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمّه لنا عبادة ، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله ، ثمّ قال أبو عبدالله 7 : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب.

وروي عن محمد بن أبي عمارة الكوفي ، قال : سمعت جعفر بن محمد 7 يقول : من دمعت عينه فينا دمعة لدم سفك لنا أو حقّ لنا نقصناه ، أو عرض انتهك لنا ، أو لأحد من شيعتنا ، بوأه الله تعالى بها في الجنة حُقباً. راجع : بحار الأنوار للمجلسي : ٤٤/٢٧٨ ـ ٢٩٦ ب ٣٤.


الشهداء وريحانة الرسول الإمام الحسين 7 غير مكترثين بالتقولات الشاذة التي لا وزن لها ، راجين بذلك من الله الثواب ومن رسوله 6 الشفاعة يوم الحساب ، إنتهى ما جاء في مصابيح الجنان للكاشاني.

ثم أيها الإخوان إن الشيعة مقتدون بسلفهم الصالح إذ جاء في حديث معتبر مأثور أن علياً زين العابدين بن الحسين 7 لما عاد من أسره هو ومن معه من أسارى أهل البيت : من دمشق جعلوا طريقهم على العراق ولما وصلوا كربلاء أخذ هو ومن معه في البكاء يندبون الحسين 7.

فأي بأس على الشيعة في أمثال هذه الأعمال المقدسة المحبوبة عند الله ورسوله والصفوة من آله؟

لكن البأس كل البأس والنقد الشديد موجه عليكم ، وهو أنكم أخذتم ببدعة يزيد بن معاوية الطليق ابن الطليق ، إذ أنه جعل في كل سنة في العشر الأول من المحرم عيداً يقيم فيه الأفراح وينصب الزينة ، وتقام المهرجانات ويسميه عيد النصر والفوز (١) ، وأشفعه ببدعة أخرى تدل على خسته ودنائته فإنه قد أتى بمومسة تشبه في صفتها جدته هند بنت عتبة فيجمع الأخساء من بني شجرته

__________________

١ ـ ويقول الشريف الرضي عليه الرحمة في ذلك :

كانت مآتم بالعراق تعدها

أموية بالشام من أعيادها

مناقب آل أبي طالب : ٣/٢٦٨.

ويقول : أبو ريحان البيروني في الآثار الباقية بعد ذكر ما جرى على الحسين 7 في يوم عاشوراء ، فأما بنو أمية فقد لبسوا فيه ما تجدد ، وتزينوا واكتحلوا وعيدوا ، وأقاموا الولائم والضيافات ، وأطعموا الحلاوات والطيبات ، وجرى الرسم في العامة على ذلك أيام ملكهم ، وبقي فيهم بعد زواله عنهم ، وأمّا الشيعة فإنّهم ينوحون ويبكون أسفاً لقتل سيد الشهداء 7 فيه .. [ الكنى والألقاب ، الشيخ عباس القمي : ١/٤٣١ ].


الملعونة ، ويأتي بآلة الطرب والخمر وكل ما يلزمه من الأشياء وتعزف الموسيقى..

فأي الفريقين أحق بالأمن يا مسلمون؟! فدعوا الشيعة وشأنهم! فإنهم هم الفرقة ـ الناجية ـ التي عناها رسول الله 9 من الثلاث والسبعين فرقة (١) ، لذلك اعتنقنا هذا المذهب الشريف وتركنا المذهب السني.

ولما وصلت إلى هنا شكرني جميع من في المجلس ، ثم قالوا : كنا لا ندري أن مذهب الشيعة هكذا ، بل كنا نسمع عنهم بأنهم ليسوا على حق ، بل هم كفرة فجرة مشركون.

فقلت : لا ، إنما هو كما أخبرتكم ، وستعرفون مذهب الشيعة بعد وقوفكم على كتبها ، والذنب ذنبكم في تقصيركم عن الوقوف على مؤلفات الشيعة ، ولماذا ثم إني أبين أن هذه التهم الموجهة إلى الشيعة الأبرار تبعة رسول الله 9 وخدنة أمير المؤمنين علي وذريته العترة الطاهرة : ليس لها واقعٌ ، وإنما هي أكذوبات بحتة اختلقتها عليهم الآثمون من أعداء المسلمين المسمّين أنفسهم بالمسلمين ، فعليكم أن تتحروا الحقيقة دائماً ، ولا تعتنوا بكل ما تسمعون ضد الشيعة دون أن تبحثوا عن واقعه وحقيقته ، وهذا ما أرجوه منكم.

ثم قاموا وودّعوني جميعهم ، وذهب كل منهم إلى محله بعد أن جاؤا غضاباً ، فرجعوا فرحين مسرورين ، وأخيراً بلغني من بعض من أثق به أن بعضهم اعتنق المذهب الشريف مذهب أهل البيت : ، والحمد لله على هذه النعمة الكبرى ، وهي ولاية أهل البيت : (٢).

__________________

١ ـ إشارة إلى الحديث المروي عنه 9 : ستفترق اُمّتي ... الخ.

٢ ـ كتاب لماذا اخترت مذهب الشيعة ، الأنطاكي : ٣٤١ ـ ٣٥٢.


المناظرة الثالثة

مناظرة

الشيخ الأنطاكي مع عالم شافعي من الشام في أن

أمير المؤمنين 7 أحقّ الناس بالخلافة

يقول الشيخ الأنطاكي : بعد اشتهار أمرنا بالتشيع أتاني أحد أعاظم علماء الشافعية المشهورين بالعلم والفضيلة في مدينة حلب الشهباء ، وسألني بكل لطف لماذا أخذتم بمذهب الشيعة وتركتم مذهبكم؟ وما هو السبب الداعي لكم واعتمادكم عليه؟ وما هو دليلكم على أحقية علي 7 من أبي بكر؟

فناظرته كثيرا ، وقد وقعت المناظرة فيما بيننا مرارا وأخيرا اقتنع الرجل.

ومن جملة المناظرة أنه سألني عن بيان الأحقيّة في أمر الخلافة هل أبو بكر أحقُ أم علي؟

فأجبته : إن هذا شيء واضح جداً بأن الخلافة الحقّة لأمير المؤمنين علي 7 فور وفاة رسول اللّه 9 ثم من بعده إلى الحسن المجتبى 7 ثم إلى الحسين الشهيد بكربلاء 7 ثم إلى علي بن الحسين زين العابدين 7 ، ثم إلى محمد بن علي الباقر 8 ، ثم إلى جعفر بن محمد الصادق 8 ، ثم إلى موسى بن جعفر الكاظم 8 ثم إلى علي بن موسى الرضا 8 ، ثم إلى محمد بن علي الجواد 8 ثم إلى علي بن محمد الهادي 8 ، ثم إلى الحسن بن علي


العسكري 8 ، ثم إلى الحجة بن الحسن المهدي الإمام الغائب المنتظر ـ عجل اللّه فرجه ـ.

الاحتجاج بآية الولاية

ودليل الشيعة على ذلك الكتاب الكريم ، والسنّة الثابتة عن رسول اللّه 6 من الطرفين ، وكتبهم مليئة من الحجج والبراهين الرصينة ، ويثبتون مدعاهم من كتبكم ومؤلفاتكم ، إلا أنكم أعرضتم عن الرجوع إلى مؤلفات الشيعة والوقوف على ما فيها ، وهذا نوع من التعصب الأعمى؟

أما الكتاب : فقوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١).

وأن هذه الأية نزلت في ولاية عليّ 7 بلا ريب ، بإجماع الشيعة وأكثر علماء السنة في كتب التفسير كالطبري ، والرازي ، وابن كثير ، وغيرهم ، فإنهم قالوا بنزولها في علي بن أبي طالب 7.

ومما لا يخفى على ذي مسكة بأن اللّه جلّ وعلا هو الّذي يرسل الرسل إلى الاُمم لا يتوقف أمرهم على إرضاء الناس ، وكذلك أمر الوصاية تكون من اللّه لا بالشورى ولا بأهل الحل والعقد ولا بالانتخاب أبدا ، لأن الوصاية ركن من أركان الدين ، واللّه جلّ وعلا لا يدع ركنا من أركان الدين إلى الأمة تتجاذبه أهواؤهم كل يجر إلى قرصه ، بل لا بد من أن يكون القائم بأمر اللّه بعد وفاة النبي 6 منصوصاً عليه من اللّه لا ينقص عن الرسل ولا يزيد ، معصوماً عن

__________________

١ ـ سورة المائدة ، الآية : ٥٥.


الخطأ.

فالآية نص صريح في ولاية على 7 (١) ، وقد أجمعت الشيعة وأكثر المفسرين من السنّة أيضا أن الّذي أعطى الزكاة حال الركوع هو عليّ 7 بلا خلاف ، فتثبت ولايته أي خلافته بعد رسول اللّه 6 بهذه الأية.

دعوى إنفاق أبي بكر أمواله

فأوردَ عليَّ حجةً يدّعىْ بها تدعيم خلافة أبي بكر. فقال : إن أبا بكر أحق بالخلافة ، إذ أنه أنفق أموالاً كثيرة قدمها إلى رسول اللّه 6 ، وزوجه ابنته ، وقام إماما في الجماعة أيام مرض النبي 6.

فأجبته قائلاً : أما إنفاق أمواله ، دعوى تحتاج إلى دليل يثبتها ، ونحن لا نعترف بهذا الانفاق ولا نُقرُّ به ، ثم نقول : من أين اكتسب هذه الأموال الطائلة ، ومن الذي أمره به ، ولنا أن نسألك : هل الانفاق كان في مكة أم المدينة؟ (٢)

__________________

١ ـ يقول المقداد السيوري عليه الرحمة في شرح الباب الحادي عشر ، ص ٩٦ : إن المراد بـ ( الذين آمنوا ) في الآية هو بعض المؤمنين لوجهين :

الوجه الأوّل : أنه لو لا ذلك لكان كل واحد ولياً لنفسه ـ وهو باطل ـ

الوجه الثاني : أنه وصفهم بوصف غير حاصل لكلهم ، وهو إيتاء الزكاة حال الركوع ، إذاً الجملة هنا حالية.

فعلى هذا أن المراد بذلك البعض هو علي بن أبي طالب 7 خاصة للنقل الصحيح ، واتفاق أكثر المفسرين على أنه كان يصلي ، فسأله سائل فأعطاه خاتماً راكعاً ، وإذا كان 7 أولى بالتصرف فينا ، تعين أن يكون هو الإمام ، لأنّا لا نعني بالإمام إلاّ ذلك.

٢ ـ قال أبو القاسم الكوفي عليه الرحمة في كتاب الاستغاثة : ٢/٢٩ : معلقاً على الحديث الذي روته العامة : ما نفعني مال كمال أبي بكر ... فما يكون عند ذوي الفهم من الكذب شيء أوضح منه لأن من


فإن قلت : في مكة فالنبي 6 لم يُجهز جيشا ولم يبنِ مسجدا ، ومن يُسْلِم من القوم يهاجره إلى الحبشة والنبي 6 وجميع بني هاشم لا تجوز عليهم الصدقة ، ثم إن النبي 6 غني بمال خديجة كما يروون.

وإن قلت : بالمدينة فأبو بكر هاجر ولم يملك من المال سوى ( ٦٠٠ ) درهم فترك لعياله شيئا ، وحمل معه ما بقي ونزل على الأنصار ، فكان هو وكل من يُهاجر عالة على الأنصار ، ثم إن أبا بكر لم يكن من التجّار بل كان تارة بزازا يبيع يوم اجتماع الناس أمتعته يحملها على كتفه ، وتارة معلم الأولاد ، وأخرى نجارا يصلّح لمن يحتاج بابا أو مثله. وأما تزويجه ابنته لرسول اللّه 6 فهذا لا يلزم منه تولّي أمور المسلمين به.

وأما صلاته في الجماعة ـ إن صحت ـ فلا يلزم منها تولّي الإمامة الكبرى والخلافة العظمى فصلاة الجماعة غير الخلافة. وقد ورد أن الصحابة كان يؤم بعضهم بعضا حضرا وسفرا ، فلو كانت هذه تثبت دعواكم لصح أن يكون منهم

__________________

أنفق هذا المال العظيم على رجل محال أن لا يعرف موطنه وموضعه ، وحيث أنفقه ، ولسنا نعرف لرسول الله 6 موطناً غير مكة والمدينة ، فإن زعموا أن أبا بكر أنفق هذا المال بمكة قبل الهجرة قيل لهم : على ما أنفق هذا المال ، وفيمَ صرفه ، أكان لرسول الله 6 من الحشم بمكة والعيال ما أنفق عليهم هذا المال كله من مدة ما أسلم أبو بكر إلى وقت هجرته فهذا بيِّن المحال ... وكانت خديجة 3 باقية عنده إلى سنة الهجرة لا يحتاج مع مالها إلى مال غيرها ... فإن أهل الأثر مجمعون على أن خديجة أيسر قريش ، وأكثرهم مالا وتجارة ...

فإنّ قالوا : إنه أنفقه عليه بالمدينة بعد الهجرة فقد علم أهل الآثار أن أبا بكر ورد المدينة وهو محتاج إلى مواساة الأنصار في الدور والمال ، وفتح الله بعد الهجرة على رسوله 6 من غنائم الكفار وبلدانهم ما كان بذلك أغنى .. وقد رووا أن رسول الله 6 .. كان في أوقات كثيرة يشد الحجر من المجاعة على بطنه ، ويطوي الأيّام الثلاثة والسبعة لم يطعم فيهن طعاماً إلى أن فتح الله عليه البلدان .. فيا سبحان الله ما أعظم تخرصهم على الله ورسوله 6.


حقيق بالخلافة ، ولو صحت لادعاها يوم السقيفة لنفسه لكنها لم تكن آنذاك بل وُجدت أيام الطاغية معاوية لمّا صار الحديث متبحرا.

ثم حديث الجماعة جاء عن ابنته عائشة فقط ، ولا تنسى لما سمع النبي 6 تكبيرة الصلاة قال : من يؤم الجماعة؟ فقالوا : أبو بكر. قال : احملوني ، فحملوه بأبي وأمي مُعصبا مدثّرا يتهادى بين رجلين على 7 والفضل حتى دخل المسجد ، فعزل أبا بكر وأمّ الجماعة بنفسه ، ولم يدعْ أبا بكر يكمل الصلاة ، فلو كانت صلاة أبي بكر بإذن النبي 6 أو برضاه فلماذا خرج بنفسه 6 وهو مريض وأمّ القوم؟ (١)

والعجب كلّ العجب من إخواننا أنهم يقيمون الحجة بهذه الأشيأ التي لا تنهض بالدليل ، ويتناسون ما ورد في على 7 من الأدلة التي لا يمكن عدها ، كحديث يوم الإنذار إذ جمع رسول اللّه 6 عشيرته الأقربين بأمر من اللّه : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ ) (٢) ، فجمعهم الرسول 6 وكانوا آنذاك أربعين رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون ، ووضع لهم طعاما يكفي الواحد منهم فأكلوا جميعهم حتى شبعوا وبعد أن فرغوا. قال النبي 6 : يا بني هاشم من منكم يؤازرني على أمري هذا فلم يجبه أحد. فقال علي 7 : أنا يا رسول اللّه اؤازرك ، قالها ثلاثا ، وفي كلّ مرة يجيب علىُّ أنا يا رسول اللّه ، فأخذ برقبته وقال : أنت وصيي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا (٣).

__________________

١ ـ راجع : الفصول المختارة ، الشيخ المفيد : ١٢٦ ـ ١٢٨ ، الإرشاد ، الشيخ المفيد : ١/١٨٣ ، الصراط المستقيم ، الشيخ علي بن يونس العاملي : ٣/١٣٣ ـ ١٣٤ ، السقيفة ، الشيخ محمّد رضا المظفر : ٥٤ ـ ٥٩.

٢ ـ سورة الشعراء ، الآية : ٢١٤.

٣ ـ سوف يأتي الحديث مع تخريجاته في المناظرة التالية.


الأدلة الكثيرة على إمامة أميرالمؤمنين 7

وحديث يوم الغدير المشهور ، وحديث الثقلين ، وحديث المنزلة ، وحديث السفينة ، وحديث باب حطة ، وحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وحديث المؤاخاة ، وحديث تبليغ سورة براءة.

وسد الأبواب ، وقلع باب خيبر ، وقتل عمر بن ود ، وزوج بضعة الرسول فاطمة الزهراء 3 ، إلى كثير وكثير من ذلك النمط مما لو أردنا جمعها لملأنا المجلدات الضخمة.

أفكل هذه الروايات المتفق عليها لا تُثبت خلافة علي 7 وتلك الروايات المُختلف فيها المُفتَعلة تثبت لأبي بكر تولّي منصب الرسالة ، وهذا شيء عجاب؟!

ثم قال لي : أنتم لا تعترفون بخلافة أبي بكر.

قلت : هذا لا نزاع فيه عندنا ، ولكن ننازع في الأحقية والأولوية ، هل كان أبو بكر أحق بها أم أمير المؤمنين 7؟ ها هنا النزاع ، ولنا عندئذ نظر في هذا الأمر العظيم الذي جرّ على الأمة بلاء ، وفرَّق الأمة ابتداء يوم السقيفة إلى فرقتين بل إلى أربع فرق ، فالأنصار انقسموا على أنفسهم قسمين ، قسم يريد عليا 7 وذلك بعد خراب البصرة ـ والأخر استسلم وسلّم الأمر إلى أبي بكر ، وكذلك المهاجرون منهم من يريد أبا بكر والأخر عليّا 7 ، ثم إلى فرق تبلغ الثالثة والسبعين ، كل فرقة تحمل على من سواها من الفرق حملةً شعوأ لا هوادة فيها ، فجرَّ الأمة الإسلامية إلى نزاع دائم عنيف فكفّر بعضُهم بعضا ، ولا زالت الأمة تّمخر في بحور من الدماء من ذلك اليوم المشؤوم إلى يوم الناس هذا ، ثم إلى يوم يأتي اللّه


بالفرج.

فالشيعة برمتهم يحكمون بما ثبت عندهم من الأدلة قرآنا وسنة وتأريخاً ، ويحتجون من كتب خصومهم السنّة فضلاً عن كتبهم بالخلافة لعلي ولبنيه الأئمة الأحد عشر : الذين تمسكت الشيعة بإمامتهم.

إلى غير ذلك من الأدلة الّتي أوردتها على فضيلته فسمع واقتنع ، وخرج من عندنا وهو في ريب من مذهبه ، وشاكرا لنا على ما قدّمناه له من الأدلة ، وقد طلب مني بعض كتب الشيعة ومؤلفاتهم فأعطيته جملة منها ، وفيها من كتب الإمام الحجة المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين 4 (١).

__________________

١ ـ كتاب لماذا اخترت مذهب الشيعة ، الأنطاكي : ٣١٩.


المناظرة الرابعة

مناظرة

الشيخ الأنطاكي مع رجل من أهل حمص (١)

في النص الصريح على خلافة أميرالمؤمنين 7 بعد الرسول 6

يقول الشيخ الأنطاكي 4 تعالى : دخل عليَّ يوما في حلب نفران من أهل حمص أحدهما شيعي مستبصر ، والآخر سني مستهتر ، وكانت بينهما مناقشة أولوية عليّ 7 بالخلافة.

فقال لي الشيعي : يقول صاحبي هذا وهو من أهل السنّة ليس هناك نص على علي 7 بأنه الخليفة بعد رسول اللّه 7 بلا فصل؟!

فسألني السني : هل هناك نص صريح؟

فأجبته : نعم ، بل نصوص صريحة في كتبكم ومصادركم ، وأحلته على تأريخ الطبري وابن الأثير والتفاسير أجمع.

وذكرت له تفسير آية ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ ) (٢) ، من تاريخ الكامل

__________________

١ ـ حمص : بلد مشهور كبير مسور ، في طرفه القبلي قلعة حصينة على تل عال كبير ، بين دمشق وحلب ، في نصف الطريق يسمى باسم من أحدثه وهو : حمص بن مكنف العمليقي. انظر كتاب مراصد الاطلاع : ١/٤٢٥.

٢ ـ سورة الشعراء ، الآية : ٢١٤.


لابن الأثير (١) والحديث بطوله ، وقد رواه ابن الأثير بزيادة ألفاظ على ما رواه الطبري (٢).

إلى أن انتهيت إلى قول النبي 6 : أيكم يا بني عبد المطلب يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي من بعدي ، وأجابه على لمّا لم يجبه أحد منهم ، فقال رسول اللّه 6 : هذا أخي ووزيري ووصيي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا (٣).

ثم قلت له : أيها المحترم أتطلب نصا أصرح من هذا النص؟

فقال : إذا ما صنعوا؟!

ففهمت من قوله : ما صنعوا ، يشير إلى اجتماعهم في السقيفة وتنازعهم فيمن يخلف رسول اللّه 6 أمهاجرون أم أنصار.

فقلت له : هذا ما وقع؟

فقال : عجباً عجباً ، وانتهى الأمر.

وقال قولاً في هذا المقام ولا أريد ذكره ، ثم استبصر وذهب حامدا شاكرا (٤).

__________________

١ ـ الكامل ، ابن الأثير : ٢/٦٢ ـ ٦٣.

٢ ـ تاريخ الطبري : ٢/٦٢ ـ ٦٣.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٣/٢١١ ، مناقب أميرالمؤمنين 7 ، الكوفي : ١/٣٧١ ح ٢٩٤ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ١٣/١١٤ ح ٣٦٣٧١ ، جامع البيان ، ابن جرير الطبري : ١٩/١٤٩ ، تفسير ابن كثير : ٣/٣٦٤ ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/٤٩ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٣/٥٣ ، السيرة النبوية ، ابن كثير : ١/٤٥٩.

٤ ـ لماذا اخترت مذهب الشيعة ، الأنطاكي : ٣٢٧.


المناظرة الخامسة

مناظرة

الشيخ الأنطاكي مع أحد مشايخ الأزهر

في سبب تشيعه وأخذه بمنهج أهل البيت :

قال الشيخ الأنطاكي 4 تعالى : في يوم السابع من شهر ذي القعدة الحرام عام ١٣٧١ هـ قبيل الظهر أخبرني أحد وجهاء حلب وهو الأستاذ شعبان أبو رسول بأن أحد مشايخ الأزهر ، وهو علامة كبير ، ومؤلف شهير يقصد زيارتكم فمتى يأتكم؟

فقلت : يا أهلاً وسهلاً ، فليشرّف في هذا اليوم فجائني بعد العصر ، وبعد أن أخذ بنا المجلس ورحبت به.

الدواعي التي توجب الأخذ بالمذهب الشيعي

سألني قائلاً : إنني قصدتك للإستفسار عن السبب الذي دعاكم على الأخذ بالمذهب الشيعي وترككم المذهب السني الشافعي؟

فأجبته بكل لطف : الدواعي كثيرة جدا ، منها : رأيت اختلاف المذاهب الأربعة فيما بينهم ، ومنها ، ومنها ، وقد أخذت أعدِّد له الأسباب التي دعتني إلى الأخذ بالمذهب الشيعي.


ثم قلت : وأهمها أمر الخلافة العظمى التي هي السبب الأعظم في وقوع الخلاف بين المسلمين ، إذ لا يعقل أن الرسول الأعظم 6 يدع أمته بلا وصي عليهم يقوم بأمر الشريعة التي جاء بها عن اللّه كسائر الأنبياء ، إذ ما من نبي إلا وله وصي أو أوصياء معصومون يقومون بشريعته ، وقد ثبت عندي أن الحق مع الشيعة ، إذ معتقدهم أن النبي 6 قد أوصى لعلي 7 قبل وفاته بل من بدء الدعوة وبعده أولاده الأئمة الأحد عشر ، وأنهم يأخذون أحكام دينهم عنهم ، وهم أئمة معصومون في معتقدهم بأدلة خاصة بهم ، لهذا وأمثاله أخذت بهذا المذهب الشريف.

لا دليل على اتباع أحد المذاهب الأربعة

ثم أنّا لم نعثر على دليل يوجب علينا الأخذ بأحد المذاهب الأربعة ، بل ولا مرجح أيضا ، غير أننا عثرنا على أدلة كثيرة توجب الأخذ بمذهب أهل البيت : وتقود المسلم إلى سواء السبيل.

ثم عرضت له كثيرا من الأدلة القطعية الصريحة بوجوب الأخذ بمذهب أهل البيت : وكله سمعٌ يصغي إلىَّ ، إلى أن قلت : يا فضيلة الشيخ أنت من العلماء الأفاضل! فهل وجدت في كتاب اللّه وسنة الرسول 6 دليلاً يرشدك إلى الأخذ بأحد المذاهب الأربعة؟

فأجابني : كلا.

ثم قلت له : ألا تعرف أن المذاهب الأربعة كل واحد منهم يخالف الآخر في كثير من المسائل ، ولم يقيموا دليلاً قويا ، وبرهانا جليا واضحا على أنه الحق دون غيره ، وإنما يذكر الملتزم بأحد المذاهب أدلة لاقوام لها ، إذ ليس لها معضد من


كتاب أو سنة ، فهيِّ : ( كَشَجَرَة خَبِيثَة اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَار )(١).

مثلاً لو سألت الحنفي : لِمَ اخترت مذهب الحنفية دون غيره ، ولِمَ اخترت أبا حنيفة إماماً لنفسك بعد ألف عام من موته ، ولم تختر المالكي أو الشافعي ، أو أحمد بن حنبل مع بعض مزاياهم التي يذكرونها! فلم يجبك بجواب تطمئن إليه النفس!

والسر في ذلك أن كل واحد منهم لم يكن نبي أو وصي نبي وما كان يوحى إليهم ، ولم يكونوا ملهمين بل أنهم كسائر من ينتسب إلى العلم وأمثالهم كثير وكثير من العلماء.

ثم أنهم لم يكونوا من أصحاب النبي 6 وأكثرهم أو كلّهم لم يدركوا النبي ولا أصحاب النبي 6 فاتخاذ مذهب واحد منهم وجعله مذهبا لنفسه ، والالتزام به وبآرائه التي يمكن فيه الخطأ والسهو ... وكل واحد منهم ذوي آراء متشتتة يخالف بعضها بعضا لا يقره العقل ولا البرهان ، ولا تصدقه الفطرة السليمة ، ولا الكتاب ولا السنة ، ولا حجة لأحد على اللّه في يوم الحساب ، بل للّه الحجة البالغة عليها ، حتى أنه لو سأل اللّه من التزم بأحد المذاهب الأربعة في يوم القيامة بأىّ دليل أخذت بمذهبك هذا؟ لم يكن له جواب سوى قوله : ( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّة وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ) (٢) أو يقول : ( إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ ) (٣) ، فباللّه عليك يا فضيلة الشيخ هل يكون لملتزمي أحد المذاهب الأربعة يوم القيامة أمام اللّه الواحد القهار جوابا؟!

__________________

١ ـ سورة إبراهيم ، الآية : ٢٦.

٢ ـ سورة الزخرف ، الآية : ٢٣.

٣ ـ سورة الأحزاب ، الآية : ٦٧.


فأطرق رأسه مليا ثم رفع رأسه وقال : لا.

فقلت : هل يكون أحد معذورا بذاك الجواب؟

أجابني : كلا.

ثم قلت : وأما نحن المتمسكين بولاء العترة الطاهرة آل بيت الرسول 6 العاملين بالفقه الجعفري فنقول في يوم الحساب عند وقوفنا أمام اللّه العزيز الجبار : ربنا إنك أمرتنا بذلك لأنك قلت في كتابك : ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١).

وقال نبيك محمد 6 باتفاق المسلمين : إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض (٢). وقال 6 : مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق (٣).

ولا ريب لأحد أن الإمام الصادق جعفر بن محمد 8من العترة الطاهرة ، وعلمه علم أبيه ، وعلم أبيه علم جده رسول اللّه 6 وعلم رسول اللّه من علم اللّه (٤).

__________________

١ ـ سورة الحشر ، الآية : ٧.

٢ ـ مسند أحمد بن حنبل : ٤/٣٦٧ ، صحيح مسلم : ٧/١٢٢ ـ ١٢٣ ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ٣/١١٠ ، السنن الكبرى ، البيهقي : ٢/١٤٨ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٥/١٥٤ ح ٤٩٢٣ ، المناقب ، الخوارزمي : ٢٠٠ ، ينابيع المودة ، القندوزي : ١/١٢١ ح ٤٩ ، وغيرها الكثير جداً.

٣ ـ المستدرك ، الحاكم : ٢/٣٤٣ ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وص ١٥٠ ـ ١٥١ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٣/٤٥ ـ ٤٦ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٩/١٦٨ ، تهذيب الكمال ، المزي : ٢٨/٤١١ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : ٢ ، ينابيع المودة ، القندوزي : ١/٩٣.

٤ ـ وفي ذلك يقول الشاعر :


هذا مضافا إلى أن الإمام الصادق 7 قد اتفق جميع المسلمين على صدقه ووثاقته (١) ، وهناك طائفة كبيرة من المسلمين من يقول بعصمته وإمامته وأنه الوصي السادس لرسول اللّه 6 وإنه حجة اللّه على البرية ، وأن الإمام الصادق 7 كان يروي عن آبائه الطيبين الطاهرين ، ولا يفتي برأيه ، ولا يقول بما يستحسنه ، فحديثه حديث أبيه وجده ، إذ أنهم منابع العلم والحكمة ، ومعادن الوحي والتنزيل.

فمذهب الإمام الصادق 7 هو مذهب أبيه وجده المأخوذ عن الوحي لا يحيد عنه قيد شعرة ، لا بالاجتهاد كغيره ممن اجتهد فالآخذ بمذهب جعفر بن محمد 8 ومذهب أجداده آخذ بالصواب ، ومتمسك بالكتاب والسنة.

المؤاخذات على بعض الصحابة

وبعد أن أوردت عليه ما سمعت من الأدلة أكبرني وفخم مقامي وشكرني ،

__________________

إذا شئت أن تبغي لنفسك مذهباً

ينجيك يوم الحشر من لهب النار

فدع عنك قول الشافعي ومالك

وأحمد والمروي عن كعب أحبار

ووال أُناساً قولهم وحديثهم

روى جدنا عن جبرئيل عن الباري

١ ـ قال عمر بن شاهين في كتاب تأريخ الثقات : ٥٤ ، رقم : ١٥٨ : جعفر بن محمد الصادق 7 ثقة مأمون. وسُئل عثمان بن أبي شيبة عنه؟ فقال : مثل جعفر يُسأل عنه هو ثقة ..

وقال الرازي في كتاب الجرح والتعديل : ٢/٤٨٧ ، رقم : ١٩٨٧ : حدثنا عبدالرحمن ، قال : سمعت أبي يقول : جعفر بن محمّد 7 ثقة لا يُسأل عنه مثله .. الخ

وقال ابن راهويه : قلت للشافعي : كيف جعفر بن محمّد 7 عندك؟ قال : ثقة.

وجاء في سير أعلام النبلاء للذهبي : ٦/٢٥٧ روى عباس عن يحيى ابن معين قال : جعفر بن محمّد 7 ثقة مأمون وجاء في تهذيب الكمال للمزي : ٥/٧٨ قال عمرو ابن أبي المقدام : كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد 7 علمت أنه من سلالة النبيين.


فأجبته : أن الشيعة لا يطعنون على الصحابة جميعا ، بل إن الشيعة يعطون لكل منهم حقهم ، لأن فيهم العدل وغير العدل ، وفيهم العالم والجاهل ، وفيهم الأخيار والأشرار ، وهكذا ألا ترى ما أحدثوه يوم السقيفة ، تركوا نبيهم 9 مسجى على فراشه ، وأخذوا يتراكضون على الخلافة ، كل يراها لنفسه كأنها سلعة ينالها من سبق إليها مع ما رأوا بأعينهم ، وسمعوا بآذانهم من النصوص الثابتة الصارخة عن الرسول 9 من يوم الذي أعلن الدعوة إلى اليوم الذي احتضر فيه.

مع أن القيام بتجهيز الرسول 6 أهم من أمر الخلافة على فرض أن النبي لم يوص ، فكان الواجب عليهم أن يقوموا بشأن الرسول 6 وبعد الفراغ يعزون آله : وأنفسهم ، لو كانوا ذوي إنصاف فأين العدالة والوجدان ، وأين مكارم الأخلاق ، وأين الصدق والمحبة؟!

ومما يزيد في النفوس حزازة تهجمهم على بيت بضعته فاطمة الزهراء 3 نحوا من خمسين رجلاً ، وجمعهم الحطب ليحرقوا الدار على من فيها ، حتى قال قائل لعمر : إن فيها الحسن والحسين وفاطمة 3 ، قال : وإن.

ذكر هذا الحادث كثير من مؤرخي السنة (١) فضلاً عن إجماع الشيعة.

وقد علم البر والفاجر وجميع من كتب في التأريخ أن النبي 6 قال :

__________________

١ ـ راجع : الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : ١/٣٠ ، تاريخ الطبري : ٢/٤٤٣ ، السقيفة وفدك ، الجوهري : ٦٢ و٥٣ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٦/٤٨ و٢/٥٦ ، العقد الفريد ، الأندلسي : ٥/١٣ ، نشر دار الكتب العلمية ، و٤/٢٥٩ ـ ٢٦٠ طـ دار الكتاب العربي بيروت.

وقال شاعر النيل حافظ إبراهيم في ديوانه : ١/٨٢ :

وقوله لعليّ قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حَرَّقْتُ دارك لا أُبقي عليك بها

إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غيرُ أبي حفص يفوه بها

أمام فارس عدنان وحاميها


فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن أغضبها فقد أغضبني ، ومن أغضبني فقد أغضب اللّه ، ومن أغضب اللّه أكبه اللّه على منخريه في النار (١).

ووقائع الصحابة الدّالة على عدم القول بعدالة الجميع كثيرة ، راجع البخاري ومسلم في ما جاء عن رسول اللّه 6 في حديث الحوض تعلم صحة ما ذهب إليه الشيعة ومن نحا نحوهم من السنّة ، فأي ذنب لهم إذا قالوا بعدم عدالة كثير منهم؟ وهم الذين دلوا على أنفسهم ، وحرب الجمل وصفين أكبر دليل على إثبات مدّعاهم ، والقرآن الكريم كشف عن سوء أحوال كثير منهم ، وكفانا سورة براءة دليلاً ، ونحن ما أتينا شيئا إذا؟ ألا ترى إلى ما أحدثه الطاغية معاوية ، وعمرو بن العاص ، ومروان وزياد ، وابن زياد ، ومغيرة بن شعبة ، وعمر بن سعد ، الذي أبوه من العشرة المبشرة بالجنة على ما زعموا ، وطلحة ، والزبير ، اللّذان بايعا عليّا 7 ونقضا البيعة وحاربا إمامهما مع عائشة في البصرة ، وأحدثوا فيها من الجرائم الّتي لا يأتي بها ذو مرؤة.

فليت شعري هل كان وجود النبي 6 بينهم موجبا لنفاق كثير منهم ، ثم بعد لحوقه بالرفيق الأعلى ـ بأبي وأمي ـ صار كلّهم عدولاً.

ونحن لم نسمع قط بأن نبياً من الأنبياء أتى قومه وصاروا كلّهم عدولاً ، بل الأمر في ذلك بالعكس ، والكتاب والسنة بيّنتنا على ذلك ، فماذا أنت قائل أيها الأخ المحترم؟

فأجابني : حقاً لقد أتيت بما فيه المقنع ، فجزاك اللّه عني خيرا.

__________________

١ ـ راجع : فضائل الصحابة ، أحمد بن حنبل : ٧٨ ، المصنف ابن أبي شيبة : ٧/٥٢٦ ح ١ ، صحيح البخاري : ٤/٢١٠ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٦/٢٧٣.


ثم قلت : جاء في كتاب الجوهرة في العقائد للشيخ إبراهيم اللوقاني المالكي :

فتابع الصالح ممن سلفا

وجانب البدعة ممن خلفا

قال : نعم هكذا موجود.

قلت : أرشدني من هم السلف الذين يجب علينا اتباعهم؟ ومن الخَلفْ الذين يجب علينا مخالفتهم؟

قال : السلف هم صحابة رسول اللّه 6.

قلت : إن الصحابة عارض بعضهم بعضا ، وجرى ما جرى بينهم مما لا يخفى على مثلكم؟!

فتوقف برهة ، ثم قال : هم أصحاب القرون الثلاثة.

قلت له : إذاً أنت في جوابك هذا قضيت على المذاهب الأربعة لأنهم خارجون عن القرون الثلاثة.

فتوقف أيضا ، ثم قال : ماذا أنت تريد بهذا السؤال؟

نص النبي 6 على أهل البيت :

قلت : الأمر ظاهر ، وهو يجب علينا أن نتبع الذين نص عليهم رسول اللّه 6 بأن يكونوا قدوة للأمة.

قال : ومن هم؟

قلت : علي بن أبي طالب وبنيه الحسن والحسين وأبناء الحسين التسعة : آخرهم المهدي ـ عجل اللّه فَرَجَهُ الشريف ـ.

قال : والخلفاء الثلاثة؟


قلت : الخلاف واقع فيهم ، فالأمة لم تجتمع عليهم ، وحدث منهم أعمال توجه عليهم النقد.

قال : عجبا! وهذا من رأي الشيعة؟

قلت : وإن يكن ، هل وقع في الصحابة ما ذكرت لكم أم لا.

قال : بلى.

قلت : إذاً يجب علينا أن نأخذ بمن اتفقت عليهم الأمة وندع المختلف فيهم ، فالشيعة وهم طائفة كبيرة من الإسلام يكثر عددهم عن مائة مليون ، وهم منتشرون في الدنيا كما تقدم ، وفيهم العلماء الأعاظم ، والفقهاء الأكابر ، والمحدثون الأفاضل ... فلم يعترفوا بخلافة الثلاثة.

ولكن أهل السنة والجماعة اعترفوا بخلافة أمير المؤمنين 7 ، فخلافة أمير المؤمنين مجمع عليه عند المسلمين عامة ، وخلافة الثلاثة ليس بمجمع عليه.

والخلافة بعد أمير المؤمنين على 7 إلى ولده الحسن ثم إلى الحسين ثم إلى ولده الأئمة التسعة : ، خاتمهم قائمهم ـ عجل اللّه تعالى فرجه الشريف ـ والنصوص في ذلك من كتبكم بكثرة ، وجاءت الروايات من طرقكم بفضل أهل البيت : وتقدمهم على غيرهم ، وأهمها العصمة.

قال : نحن لا نقول بالعصمة.

قلت : أعلم ذلك ، ولكن الدليل قائم عند الشيعة على ما قلت ، وسأقدم لك كتابا يقنعك ويرضيك.

قال : إذا ثبت لدىَّ عصمتهم انحل الإشكال بيني وبينك ، فقدمت له الكتاب ، وهو كتاب ( الألفين ) لأحد أعاظم مجتهدي الشيعة الإمام الأعظم


« العلامة الحلي 2 » (١) ، فأخذ الكتاب يتصفحه في مجلسه فأكبره وأعجبه هذا السفر العظيم.

ثم قال لي : هل تعلم أن فضيلتك أدخلت عليَّ الريب في المذاهب الأربعة؟ وملت إلى مذهب أهل البيت : لكن أريد منك تزويدي ببعض كتب الشيعة.

فقدمت جملة منها له ، ومنها كتب الإمام شرف الدين ، ودلائل الصدق ، والغدير وأمثالها ، وأرشدته إلى سائر كتب الشيعة.

ثم ودعني وقام شاكرا حامدا قاصدا إلى محله وهو متزلزل العقيدة وذهب ، ثم بعد أيام أتتني رسالة شكر منه من الأزهر الشريف ، وأخبرني فيها بأنه قد اعتنق مذهب أهل البيت : وصار شيعيا ، ووعدني أن يكتب رسالة في أحقية مذهب الشيعة (٢).

__________________

١ ـ هو الحسن بن يوسف المطهر الحلي عليه الرحمة ، المتوفى سنة ٦٣٧ هـ.

٢ ـ كتاب لماذا اخترت مذهب الشيعة ، الأنطاكي : ٣٣٢.


المناظرة السادسة

مناظرة

الدكتور التيجاني (١) مع أحد علماء الزيتونة (٢)

في حديث الغدير ودلالاته

يقول الدكتور التيجاني : والعجيب الغريب أنّ أغلب المسلمين عندما تذكرله حديث الغدير ، لا يعرفه أو قل : لمْ يسمع به ، والأعجب من هذا كيف يدّعي علماء أهل السنّة بعد هذا الحديث المجمع على صحّته ، بأنّ رسول الله 6 لم يستخلف وترك الأمر شورى بين المسلمين ، فهل هناك للخلافة

__________________

١ ـ هو الدكتور محمّد التيجاني السماوي التونسي ، حفظ القرآن في سن مبكر ، نشأ وترعرع على طريقة الصوفية التيجانية ، ثم اعتنق المذهب الشيعي بعد بحث طويل ، وقد جرت بينه وبين بعض العلماء مناظرات ومحاورات حين زيارته للنجف الأشرف ، وقد شرح كيفية استبصاره في كتابه القيم ( ثم اهتديت ) ، وله عدة مؤلفات قيمة ، حصل على شهادة الدكتورا ، في الفلسفة من جامعة السوربون ـ باريس.

والدكتور التيجاني يُعد أحد أكبر المتشيعين والمستبصرين الذين لهم الأثر الكبير في نصرة المذهب ، وذلك من خلال مؤلفاته ومحاوراته ومناظراته حتى أصبح معروفاً في العالم الإسلامي ، إذ ما زال ينشر التشيع كل ما سنحت له الفرصة ، وهو جريء بمحاوراته مع علماء المذاهب الإسلامية ، وقد تشيع على يديه الآلاف من الناس ، فجزاه الله خير الجزاء ، وثبته على طريق الحق ، وسدده إنه سميع الدعاء.

٢ ـ الزيتونة : جامع في تونس بنته عطف أرملة المستنصر الحفصي ـ ١٢٨٣ ـ خارج باب البحر ( المنجد قسم الأعلام : ص ٣٤١ ).


حديث أبلغ من هذا وأصرح يا عباد اللّه؟؟

وإني لأذكر مناقشتي مع أحد علماء الزيتونة في بلادنا عندما ذكرتُ له حديث الغدير محتجّا به على خلافة الإمام عليّ 7 فاعترف بصحّته ، بل وزاد في الحبل وصلة فأطلعني على تفسيره للقرآن الذي ألّفه بنفسه ، والذي يذكر فيه حديث الغدير ويصححه ، ويقول بعد ذلك :

« وتزعم الشيعة بأن هذا الحديث هو نصّ على خلافة سيدنا علي ـ كرّم اللّه وجهه ـ ، وهو باطل عند أهل السنّة والجماعة لإنه يتنافى مع خلافة سيّدنا أبي بكر الصدّيق ، وسيّدنا عمر الفاروق ، وسيّدنا عثمان ذي النورين ، فلا بدّ من تأويل لفظ المولى الوارد في الحديث على معنى المحب والناصر ، كما ورد ذلك في الذكر الحكيم ، وهذا ما فهمه الخلفاء الراشدون والصحابة الكرام ، وهذا ما أخذه عنهم التابعون وعلماء المسلمين ، فلا عبرة لتأويل الرافضة لهذا الحديث لأنهم لا يعترفون بخلافة الخلفاء! ويطعنون في صحابة الرسول 6! « وهذا وحده كاف لردّ أكاذيبهم وإبطال مزاعمهم » انتهى كلامه في الكتاب.

سألته : هل الحادثة وقعتْ بالفعل في غدير خم؟

أجاب : لو لم تكن وقعتْ ما كان ليرويها العلماء والمحدّثون!

قلتُ : فهل يليق برسول اللّه 6 أن يجمع أصحابه في حرّ الشمس المُحرِقة ، ويخطب لهم خطبة طويلة ليقول لهم : بأنّ علي محبّكم وناصركم؟ فهل ترضون بهذا التأويل؟

أجاب : إن بعض الصحابة اشتكى عليِّا 7 وكان فيهم من يحقد عليه ويبغضه ، فأراد الرسول 6 أن يزيل حقدهم ، فقال لهم : بأنّ عليا محبّكم وناصركم ، لكي يحبّوه ولا يبغضوه.


قلتُ : هذا لا يتطلّب إيقافهم جميعا والصلاة بهم وبدأ الخطبة بقوله : ألستُ أولى بكم من أنفسكم ، لتوضيح معنى المولى ، وإذا كان الأمر كما تقول فكان بإمكانه أن يقول لمن اشتكى منهم عليَّا : « إنّه محبّكم وناصركم » ، وينتهي الأمر بدون أن يحبس في الشمس ، تلك الحشود الهائلة ، وهي أكثر من مائة ألف فيهم الشيوخ والنساء ، فالعاقل لا يقنع بذلك أبدا!

فقال : وهل العاقل يصدّق بأنّ مائة ألف صحابي لم يفهموا ما فهمتَ أنتَ والشيعة؟؟

قلتُ : أولاً لم يكن يسكن المدينة المنوّرة إلاّ قليلٌ منهم.

وثانيا : إنهم فهموا بالضبط ما فهمتُه أنا والشيعة ، ولذلك روى العلماء بأن أبا بكر وعمر كانا من المهنّئين لعلي بقولهم : بخ بخ لك يابن أبي طالب أمسيت وأصبحت مولى كل مؤمن (١).

قال : فلماذا لم يبايعوه إذاً بعد وفاة النبي 6؟ أتراهم عصوا وخالفوا أمر النبيّ؟ أستغفر اللّه من هذا القول!

قلتُ : إذا كان العلماء من أهل السنّة يشهدون في كتبهم بأنّ بعضهم ـ أعني من الصحابة ـ كانوا يخالفون أوامر النّبي6ـ في حياته وبحضرته (٢)، فلا

__________________

١ ـ راجع : مسند أحمد بن حنبل : ٤/٢٨١ ، المصنف ، ابن أبي شيبة : ٧/٥٠٣ ح ٥٥ ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/٢٢١ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٥/٢٢٩ ، ذخائر العقبى ، الطبري : ٦٧.

٢ ـ فقد اخرج البخاري في صحيحه ، ومسلم أيضاً عدة مخالفات لهم ، كما في صلح الحديبية ، وكما في مرض رسول الله 6 وهي رزية يوم الخميس كما يسميها ابن عبّاس وغير ذلك من المخالفات وخير من كتب في هذا الموضوع هو الحجّة السيد شرف الدين العاملي 1 فراجع كتابه القيم ( النص والاجتهاد ) فإنه استقصى الكثير من المواضع التي خولف فيها الرسول 6.


غرابة في ترك أوامره بعد وفاته ، وإذا كان أغلبهم يطعنُ في تأميره أسامة بن زيد لصغر سنّه ، رغم أنها سريّة محدودة ولمدّة قصيرة فكيف يقبلون تأمير عليّ 7 على صغر سنّه ولمدّة الحياة ، وللخلافة المطلقة؟ ولقد شهِدتَ أنتَ بنفسك بأن بعضهم كان يبغض عليَّا 7 ويحقد عليه!!

أجابني متحرّجا : لو كان الإمام على ـ كرّم اللّه وجهه ورضي اللّه عنه ـ يعلَمُ أنّ رسول اللّه 6 استخلفه ، ما كان ليسكتَ عن حقّه! وهو الشجاع الذي لا يخشى أحدا ويهابه كل الصحابة.

قلتُ : سيدي هذا موضوع آخر لا أريد الخوض فيه ، لأنك لم تقتنع بالأحاديث النبوية الصحيحة ، وتحاول تأويلها وصرفها عن معناها حفاظا على كرامة السلف الصالح ، فكيف أُقنعك بسكوت الإمام على 7 أو باحتجاجه عليهم بحقّه في الخلافة؟

ابتسم الرّجل قائلاً : أنا واللّه من الذين يفضّلون سيدنا عليّا ـ كرّم اللّه وجهه ـ على غيره ، ولو كان الأمر بيدي لما قدّمتُ عليه أحدا من الصحابة ، لأنه باب مدينة العلم ، وهو أسد اللّه الغالب ، ولكن مشيئة اللّه سبحانه ، هو الذي يقدّم من يشاء ويؤخّر من يشاء ، ( لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) (١).

ابتسمتُ بدوري له ، وقلتُ : وهذا أيضا موضوع آخر يجرّنا للحديث عن القضاء والقدر ، وقد سبق لنا أن تحدّثنا فيه وبقي كلٌ منّا على رأيه ، وإنّي لأعجب يا سيدي لماذا كلّما تحدثتُ مع عالم من علماء أهل السنّة وأفحمته بالحجّة سرعان ما يتهرّب من الموضوع إلى موضوع آخر لا علاقة له بالبحث الذي نحن

__________________

١ ـ سورة الأنبياء ، الآية : ٢٣.


بصدده.

قال : وأنا باق على رأيي لا أغيّره.

ودّعته وانصرفتُ. بقيتُ أفكّر مليَّا لماذا لا أجدُ واحدا من علمائنا يكمل معي هذا المشوار ويوقف الباب على رجله ، كما يقول المثل الشائع عندنا.

فالبعض يبدأ الحديث ، وعندما يجد نفسه عاجزا عن إقامة الدّليل على أقواله يتملّص بقوله : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ) (١) والبعض يقول : ما لنا ولإثارة الفتن والأحقاد ، فالمهم أنّ السنّة والشيعة يؤمنون بإله واحد ورسول واحد وهذا يكفي ، والبعض يقول بإيجاز : يا أخي اتّق اللّه في الصحابة ، فهل يبقى مع هؤلاء مجال للبحث العلمي وإنارة السبيل ، والرجوع للحق الذي ليس بعده إلاّ الضّلال؟ وأين هؤلاء من أسلوب القرآن الذي يدعو الناس لإقامة الدّليل : ( قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (٢) مع العلم بأنهم لو يتوقّفون عن طعنهم وتهجمهم على الشيعة لما ألجأونا للجدال معهم حتّى بالتي هي أحسن (٣).

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٣٤.

٢ ـ سورة البقرة ، الآية : ١١١.

٣ ـ مع الصادقين ، الدكتور التيجاني : ٥٨.


المناظرة السابعة

مناظرة

الدكتور التيجاني مع أحد العلماء

في الاجتهاد والبحث لمعرفة الحق

يقول الدكتور التيجاني : قلت لأحد علمائنا : إذا كان معاوية قتل الأبرياء ، وهتك الأعراض ، وتحكمون بأنّه اجتهد وأخطأ وله أجر واحد. وإذا كان يزيد قتل أبناء الرسول6وأباح المدينة (١) لجيشه وتحكمون بأنّه اجتهد وأخطأ وله

__________________

١ ـ راجع : شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٣/٢٥٩ ، الأخبار الطوال ، الدينوري : ٢٦٥ ، تهذيب التهذيب ، ابن حجر : ١١/٣١٦ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٨/٢٤١ و٢٤٣ و٢٥٥.

قال ابن جر في الإصابة : ٦/٢٣٢ : قد افحش مسلم القول والفعل بأهل المدينة وأسرف في قتل الكبير والصغير حتّى سموه مسرفاً ، وأباح المدينة ثلاثة أيام لذلك ، والعسكر ينهبون ويقتلون ويفجرون...الخ.

وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق : ٥٨/١٠٨ عن مغيرة ، قال : أنهب مسرف بن عقبة المدينة ثلاثة أيام ، فزعم المغيرة أنه اُفتض منها ألف عذراء.

وقال السيوطي في تأريخ الخلفاء : ١٩٥ : وفيه : قتل فيها خلق من الصحابه ومن غيرهم ، وافتض فيها ألف عذراء ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، قال رسول الله 6 : من أخاف أهل المدينة أخافه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

وقال ابن حبان في كتاب الثقات : ٢/٣١٣ ـ ٣١٤ : وقد بعث يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المزني إلى


أجر واحد ، حتى قال بعضكم : « قُتل الحسين بسيف جدّه » (١) لتبرير فعل يزيد. فلماذا لا أجتهد أنا في البحث؟ وهو ما يجرّني للشك في الصحابة وتعرية البعض منهم ، وهذا لا يقاس بالنسبة للقتل الذي فعله معاوية وابنه يزيد في العترة الطاهرة : ، فإن أصبت فلي أجران وإن أخطأت فلي أجر واحد ، على أنّ انتقاصي لبعض الصحابة لا أريد منه السبّ والشتم واللّعن ، وإنّما أريد الوصول إلى الحقيقة لمعرفة الفرقة الناجية من بين الفرق الضّالة ، وهذا واجبي وواجب كل مسلم ، واللّه سبحانه يعلم السرائر وما تخفي الصدور.

أجابني العالم قائلاً : يا بني لقد أُغلق باب الاجتهاد من زمان.

فقلت : ومن أغلقه؟

قال : الأئمة الأربعة.

فقلت متحرّرا : الحمد للّه إذ لم يكن اللّه هو الذي أغلقه ولا رسول اللّه 6 ولا الخلفاء الراشدون الذين « أمرنا بالاقتداء بهم » فليس على حرج إذا اجتهدت كما اجتهدوا.

فقال : لا يمكنك الإجتهاد إلاّ إذا عرفت سبعة عشر علماً ، منها علم التفسير واللّغة والنحو والصرف والبلاغة والأحاديث والتاريخ وغير ذلك.

وقاطعته قائلاً : أنا لن أجتهد لأبيّن للناس أحكام القرآن والسنّة ، أو لأكون صاحب مذهب في الإسلام ، كلا ، ولكن لأعرف مَنْ على الحق ومَنْ على الباطل ، ولمعرفة إن كان الإمام على7على الحق ، أو معاوية مثلاً ، ولا يتطلّب

__________________

المدينة .. فقتل بالمدينة خلفاً من أولاد المهاجرين والأنصار ، واستباح المدينة ثلاثة أيام نهباً وقتلا ، فسميت هذه الوقعة وقعة الحرة.

١ ـ راجع : فيض القدير ، المناوي : ١/٢٦٥ و٥/٣١٣ ، العواصم من القواصم ، ابن العربي : ٢٣٢.


ذلك الإحاطة بسبعة عشر علما؟! ويكفي أن أدرس حياة كل منهما وما فعلاه حتى أتبيّن الحقيقة.

قال : وما يهمّك أن تعرف ذلك : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (١).

قلت : أتقرأ « ولا تسألون » بفتح التّاء أم بضمّها؟

قال : تُسألون ، بالضمّ.

قلت : الحمد للّه ، لو كانت بالفتح لامتنع البحث ، وما دامت بالضم فمعناها أنّ اللّه سبحانه سوف لن يحاسبنا عمّا فعلوا ، وذلك كقوله تعالى : ( كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) (٢) ، و ( وَأَن لَّيْسَ لِلاِْنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى ) (٣).

وقد حثّنا القرآن الكريم على استطلاع أخبار الأمم السابقة ولنستخلص منها العبرة ، وقد حكى اللّه لنا عن فرعون وهامان ونمرود وقارون وعن الأنبياء السابقين وشعوبهم ، لا للتسلية ولكن ليعرفنا الحق من الباطل.

أمّا قولك : « وما يهمني من هذا البحث »؟

فأجيب عليه بقولي : يهمني :

أولاً : لكي أعرف ولىَّ اللّه فأواليه ، وأعرف عدوَّ اللّه فأعاديه ، وهذا ما طلبه مني القرآن ، بل أوجبه علىَّ.

ثانيا : يهمّني أن أعرف كيف أعبد اللّه وأتقرّب إليه بالفرائض التي افترضها وكما يريدها هو جلّ وعلا ، لا كما يريدها مالك أو أبو حنيفة أو غيرهم من

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٣٤.

٢ ـ سورة المدثر ، الآية : ٣٨.

٣ ـ سورة النجم ، الآية : ٣٩.


المجتهدين لأنّي وجدت مالكا يقول بكراهة البسملة في الصّلاة (١) بينما يقول أبو حنيفة بوجوبها (٢) ، ويقول غيره ببطلان الصلاة بدونها!

وبما أنّ الصلاة هي عمود الدّين إنْ قُبِلت قُبل ما سواها وإن رُدّت ردّ ما سواها ، فلا أريد أن تكون صلاتي باطلة ، كما أنّ الشيعة يقولون بمسح الرجلين في الوضوء ويقول السنّة بغسلهما! بينما نقرأ في القرآن ( وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) (٣) وهي صريحة في المسح ، فيكف تريد يا سيدي أن يقبل المسلم العاقل قول هذا ويردّ قول ذاك بدون بحث ودليل؟

الإختلاف بين المذاهب الأربعة

قال : بإمكانك أن تأخذ من كلّ مذهب ما يعجبك لأنها مذاهب إسلامية ، وكلّهم من رسول اللّه 6 ملتمس.

قلت : أخاف أن أكون ممن قال اللّه فيهم : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْم وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَتَذَكَّرُونَ )(٤). يا سيدي أنا لا أعتقد بأنّ المذاهب كلّها على حق ما دام الواحد منهم يبيح الشيء ويحرّمه الآخر، فلايمكن أن يكون الشيء ، حراما وحلالاً في آن واحد ، والرسول6لم يتناقض في أحكامه لأنّه « وحي من القرآن » ، ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً )(٥). وبما أنّ

__________________

١ ـ الفقه على المذاهب الأربعة ، الجزيري : ١/٢٥٧.

٢ ـ نفس المصدر السابق : ١/٢٥٧.

٣ ـ سورة المائدة ، الآية : ٦.

٤ ـ سورة الجاثية ، الآية : ٢٣.

٥ ـ سورة النساء ، الآية : ٨٢.


المذاهب الأربعة فيها اختلاف كثير فليست من عند اللّه ، ولا من عند رسوله ، لأنّ الرسول 6 لا يناقض القرآن.

الصحابة في ميزان البحث والتحقيق

ولما رأى الشيخ العالم كلامي منطقيّا وحجتي مقبولة قال : أنصحك لوجه اللّه تعالى مهما شككت فلا تشك في الخلفاء الراشدين ، فهم أعمدة الإسلام الأربعة إذا هدّمت عمودا منها سقط البناء!!

قلت : أستغفر اللّه يا سيدي فأين رسول اللّه 6 إذن إذا كان هؤلاء هم أعمدة الإسلام؟

أجاب : رسول اللّه 6 هو ذاك البناء! هو الإسلام كلّه.

ابتسمت من هذا التحليل وقلت : أستغفر اللّه مرة أخرى يا سيدي الشيخ! فأنت تقول من حيث لا تشعر : بأنّ رسول اللّه 6 لم يكن ليستقيم إلاّ بهؤلاء الأربعة بينما يقول اللّه تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً ) (١). فقد أرسل محمدا بالرسالة ولم يشركه فيها أحدا من هؤلاء الأربعة ولا من غيرهم ، وقد قال اللّه تعالى في هذا الصّدد : ( كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ) (٢).

قال : هذا ما تعلّمناه نحن من مشايخنا وأئمتنا ، ولم نكن نحن في جيلنا

__________________

١ ـ سورة الفتح ، الآية : ٢٨.

٢ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٥١.


نناقش ، ولا نجادل العلماء مثلكم اليوم الجيل الجديد! أصبحتم تشكّون في كل شيء ، وتشكّكون في الدين! وهذه من علامات الساعة ، فقد قال 6 : لن تقوم الساعة إلاّ على شرار الخلق (١).

فقلت : يا سيدي لماذا هذا التهويل ، أعوذ باللّه أن أشكّ في الدين أو أشكك فيه ، فقد آمنت باللّه وحده لا شريك له ، وملائكته وكتبه ورسله ، وآمنت بأنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله 6 وهو أفضل الأنبياء والمرسلين ، وخاتمهم وأنا من المسلمين ، فكيف تتّهمني بهذا؟

قال : أتهمك بأكثر من هذا! لأنّك تشكك في سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر وقد قال 6 : لو وزن إيمان أمّتي بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر (٢).

وقال في حقّ سيدنا عمر : عرضت على أمتي وهي ترتدي قمصاً لم تبلغ الثدي ، وعرض على عمر وهو يجرّ قميصه ، قالوا : ما أوّلته يا رسول اللّه؟ قال : الدين (٣).

وتأتي أنت اليوم في القرن الرابع عشر لتشكك في عدالة الصحابة وبالخصوص أبي بكر وعمر! ألم تعلم بأنّ أهل العراق هم أهل الشقاق ، هم أهل الكفر والنفاق!!

ماذا أقول لهذا العالم المدّعي العلم الذي أخذته العزّة بالإثم ، فتحوّل من الجدال بالتي هي أحسن إلى التهريج والافتراء ، وبثّ الإشاعات أمام مجموعة من الناس المعجبين به ، والذين احمرّت أعينهم وانتفخت أوداجهم ، ولاحظت

__________________

١ ـ صحيح مسلم : ٦/٥٤ ، المستدرك ، الحاكم : ٤/٤٥٦.

٢ ـ تذكرة الموضوعات ، الفتني : ٩٣ ، كشف الخفاء ، العجلوني : ٢/١٦٥ ، ح ٢١٣٠.

٣ ـ مسند أحمد بن حنبل : ٣/٨٦ ، صحيح البخاري : ١/١١ ، تهذيب الكمال ، المزي : ٢١/٣٢٥.


في وجوههم الشر.

فما كان منّي إلاّ أن أسرعت إلى البيت وأتيتهم بكتاب الموطأ للإمام مالك وصحيح البخاري ، وقلت : يا سيدي إنّ الذي بعثني على هذا الشك هو رسول اللّه6نفسه ، وفتحت كتاب الموطأ وفيه روى مالك أنّ رسول اللّه 6 قال لشهداء أحد : هؤلاء أشهد عليهم ، فقال أبو بكر الصديق : ألسنا يا رسول اللّه إخوانهم أسلمنا كما أسلموا ، وجاهدنا كما جاهدوا ، فقال رسول اللّه6: بلى ولكن لا أدري ما تُحدثون بعدي! فبكى أبو بكر ثم بكى ثم قال : إنّنا لكائنون بعدك (١).

ثم فتحت صحيح البخاري وفيه : دخل عمر بن الخطاب على حفصة وعندها أسماء بنت عميس فقال ـ حين رآها ـ : من هذه؟ قالت : أسماء بنت عميس ، قال عمر : الحبشية هذه ، البحرية هذه ، قالت أسماء : نعم ، قال : سبقناكم بالهجرة فنحن أحقّ برسول اللّه 6 منكم ، فغضبت وقالت : كلا واللّه ، كنتم مع رسول اللّه يطعم جائعكم ، ويعظ جاهلكم ، وكنّا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة ، وذلك في اللّه وفي رسوله ، وأيم اللّه لا أطعم طعاما ، ولا أشرب شرابا حتى أذكر رسول اللّه 6 ونحن كنّا نؤذى ونخاف ، وسأذكر ذلك للنبي أسأله واللّه لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه!

فلمّا جاء النبي 6 قالت : يا نبي اللّه ، عمر قال : كذا وكذا.

قال : فما قلت له. قالت : كذا وكذا.

قال : ليس بأحقّ بي منكم ، وله ولأصحابه هجرة واحدة ، ولكم أنتم أهل

__________________

١ ـ كتاب الموطأ ، مالك : ٢/٤٦١ ـ ٤٦٢ ح ٣٢ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٥/٣٨.


السفينة هجرتان ، قالت : فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالاً يسألونني عن هذا الحديث ، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم ما في أنفسهم ممّا قال لهم النبي 6 (١).

وبعد ما قرأ الشيخ العالم والحاضرون معه الأحاديث تغيّرت وجوههم وبدأوا ينظرون بعضهم إلى بعض ، ينتظرون ردّ العالم الذي صُدم ، فما كان منه إلاّ أن رفع حاجبيه علامة التعجّب وقال : ( وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ) (٢).

فقلت : إذا كان رسول اللّه 6 هو أوّل من شكّ في أبي بكر ولم يشهد عليه لأنّه لا يدري ماذا سوف يحدث من بعده ، وإذا كان رسول اللّه 6 لم يقرّ بتفضيل عمر بن الخطّاب على أسماء بنت عميس بل فضّلها عليه ، فمن حقّي أن أشك وأن لا أفضّل أحدا حتى أتبيّن وأعرف الحقيقة ، ومن المعلوم أنّ هذين الحديثين يناقضان كل الأحاديث الواردة في فضل أبي بكر وعمر ويبطلانها ، لأنّهما أقرب من أحاديث الفضائل المزعومة.

قال الحاضرون : وكيف ذلك؟

قلت : إنّ رسول اللّه 6 لم يشهد على أبي بكر ، وقال له إنّني لا أدري ماذا تحدثون بعدي! فهذا معقول جداً ، وقد قرّر ذلك القرآن الكريم ، والتاريخ يشهدأنّهم بدّلوا بعده ، ولذلك بكى أبوبكر، وقدبدّل وأغضب فاطمة الزهراء 3بنت الرسول6، وقدبدّل حتى ندم قبل وفاته(٣) وتمنى أن لا يكون بشرا.

__________________

١ ـ صحيح البخاري : ٥/٨٠ ، صحيح مسلم : ٨/١٧٢ ـ ١٧٣ ، السنن الكبرى ، النسائي : ٥/١٠٤.

٢ ـ سورة طه ، الآية : ١١٤.

٣ ـ روى اليعقوبي وغيره أن أبا بكر قال عند موته : وليتني لم افتش بيت فاطمة 3 بنت رسول 6


أمّا الحديث الذي يقول : لو وزن إيمان أمتي بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر ، فهو باطل وغير معقول ، ولا يمكن أن يكون رجل قضى أربعين سنة من عمره يشرك باللّه ، ويعبد الأصنام أرجح إيمانا من أمّة محمّد بأسرها ، وفيها أولياء اللّه الصالحين والشهداء ، والأئمة الذين قضوا أعمارهم كلّها جهادا في سبيل اللّه ، ثم أين أبو بكر من هذا الحديث؟ لو كان صحيحا لما كان في آخر حياته يتمنى أن لا يكون بشرا.

ولو كان إيمانه يفوق إيمان الأمة ما كانت سيدة النساء فاطمة بنت الرسول 6 ، تغضب عليه وتدعو اللّه عليه في كل صلاه تصلّيها (١).

ولم يرد العالم بشي ، ولكنّ بعض الجالسين قالوا : لقد بعث واللّه هذا الحديث الشك فينا؟!

عند ذلك تكلم العالم ليقول لي : أهذا ما تريده؟ لقد شككت هؤلاء في دينهم!!

وكفاني أحدهم الردّ عليه ، إذ قال : كلا ، إنّ الحق معه ، نحن لم نقرأ في حياتنا كتابا كاملاً ، واتّبعناكم واقتدينا بكم في ثقة عمياء بدون نقاش ، وقد تبيّن لنا الآن أنّ ما يقوله الحاج صحيح ، فمن واجبنا أن نقرأ ونبحث!! ووافقه على

__________________

وأدخله الرجال ، ولو كان أغلق عليَّ الحرب ..

راجع : تاريخ اليعقوبي : ٢/١٣٧ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ١/٦٢ ح ٤٣ ، تاريخ الطبري : ٢/٦١٩ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٣٠/٤١٨ ، مروج الذهب ، المسعودي : ٢/٣٠١ ـ ٣٠٢ ، الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : ٣٦ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٢/٤٧ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٥/٢٠٣.

١ ـ الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : ١/٣١ ، السقيفة وفدك ، الجوهري : ١٠٤ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٦/٢١٤ ، أعلام النساء ، كحالة : ٤/١٢٣ ـ ١٢٤.


رأيه بعض الحاضرين ، وكان ذلك انتصارا للحق والحقيقة ، ولم يكن انتصارا بالقوة والقهر ولكنّه انتصار العقل والحجّة والبرهان ( قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (١).

ذلك ما دفعني وشجّعني على الدخول في البحث ، وفتح الباب على مصراعيه فدخلته باسم اللّه وباللّه وعلى ملّة رسول اللّه ، راجيا منه سبحانه وتعالى التوفيق والهداية فهو الذي وعد بهداية كلّ باحث عن الحقّ وهو لا يخلف وعده (٢).

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١١١.

٢ ـ كتاب ثم اهتديت ، الدكتور التيجاني : ١٤٩.


المناظرة الثامنة

مناظرة

الدكتور التيجاني مع السيد الخوئي 1 في الإفتراء

المنسوب إلى الشيعة أن جبرئيل أعطى

الرسالة النبي 9 بدل علي 7

يقول الدكتور التيجاني في لقائه مع السيد الخوئي 1 : ودخل السيد الخوئي ومعه كوكبة من العلماء عليهم هيبة ووقار ، وقام الصبيان وقمت معهم ، وتقدّموا من « السيد » يقبّلون يده ، وبقيت مستمّراً في مكاني ، ما إن جلس « السيد » حتى جلس الجميع وبدأ يحيّيهم بقوله : « مسّاكم الله بالخير » يقولها لكل واحد منهم ، فيجيبه بالمثل حتى وصل دوري فأجبت كما سمعت ، بعدها أشار عليَّ صديقي الذي تكلّم مع « السيد » همساً ، بان أدنو من « السيد » وأجلسني على يمينه وبعد التحية قال لي صديقي : احكِ للسيد ماذا تسمعون عن الشيعة في تونس.

فقلت : يا أخي ، كفانا من الحكايات التي نسمعها من هنا وهناك ، والمهم هو أن أعرف بنفسي ماذا يقول الشيعة ، وعندي بعض الأسئلة أريد الجواب عنها بصراحة.

فألحّ عليّ صديق وأصرّ على أن أروي « للسيد » ما هو اعتقادنا في الشيعة،


قلت : الشيعة عندنا هم أشدّ على الإسلام من اليهود والنصارى ، لأنّ هؤلاء يعبدون الله ويؤمنون برسالة موسى 7 ، بينما نسمع عن الشيعة أنّهم يعبدون عليّاً ويقدّسونه ، ومنهم فرقة يعبدون الله ولكنهم ينزلون عليّاً بمنزلة رسول الله ، ورويت قصّة جبريل كيف أنّه خان الأمانة حسب ما يقولون ، وبدلا من أداء الرسالة إلى علي 7 ، أدّاها إلى محمد 9 (١).

__________________

١ ـ هذه الفرية على ما يبدو إنها ظهرت من قبل أكثر من ألف سنة ، فقد نسبها إلينا كلٌ من ابن عبد ربه الأندلسي ( ت ٣٢٨ هـ ) في العقد الفريد : ج ٢ ص ٢٥٠ ، بلا تورع ولا تثبت فيما ينقل عن الشيعة الإمامية ، وأبو القاسم النيسابوري ( ت ٤٠٦ هـ ) في كتابه عقلاء المجانين ص ١٨٤ ح ٣٢٢ بسنده عن بكار بن علي عن أبي سعيد الضبعي ، الذي يزعم أن الشيعة تقول : إن الله بعث جبرئيل إلى علي 7 فغلط فأتى محمداً 9!! وتكفي شهادة راوي الحديث ـ بكار بن علي ـ في المروي عنه ـ وهو أبو سعيد الضبعي ـ أنه قد خولط في عقله. هذا في نفس الكتاب المطبوع في بيروت نشر دار النفائس تحقيق الدكتور عمر الأسعد ، أما في الكتاب المطبوع في القاهرة نشر مكتبة إبن سينا تحقيق مصطفى عاشور ص ١١٩ ـ ١٢٠ فقد حذفت منه شهادة الراوي في المروي عنه ( إنه قد خولط في عقله ) ولا أدري كيف حذفت منه ، أهو من أجل دفع شبهة الجنون عن الراوي لتزكيته لتثبيت التهمة ، أو لخطاء من الناسخ أو غيرهما الله العالم راجع تعلم ، كما ذكر هذه الفرية أيضاً ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٠ ص ١٣ إلا أنه لم ينسبها إلى فئة معينة ، قال : وادعوا فيه ـ أي الإمام علي 7 ـ انه كان الرسول 9 ولكن الملك غلط فيه.

وبسبب هؤلاء غير المتثبتين الذين ألصقوا هذه الفرية على الشيعة الإمامية انطوت على أولئك الذي لا يتورعون عن بث الفرقة والخلاف في أوساط المسلمين ، وراحوا يبثونها ما وجدوا إليها من سبيل حتى عولَ عليها مَنْ لا تثبت عنده ، ولم يسأل نفسه عن مصدرها وحقيقتها ، فهل وجدت هذه الفرية في كتاب من كتب الشيعة مثبتة ، أو سمع أحداً منهم تفوه بها ولو كان شاذاً ، والعجب كل العجب من بعض الكتاب الذي يعيشون في عصر الثقافة والعلم ، أمثال الشرقاوي الذي انطوت عليه مثل هذه الأكذوبة التي لا أصل لها ، فقد ذكر في مقال كتبه عن ( زيد الشهيد ) نشرته جريدة الأهرام بتاريخ ٤ / ٨ / ١٩٧٨ م ، ص ١٠ ، قال فيه : وفي العراق جماعات مختلفة متطرفة من شيعة آل بيته ، اضطرهم جور الحكام


أطرق« السيد » رأسه هنيئة ، ثم نظر إليّ وقال : نحن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله6، وما عليُّ7إلاّ عبد من عبيد الله ، والتفت إلى بقية الجالسين قائـلا ومشيراً إليّ : انظروا إلى هؤلاء الأبرياء كيف تغلّطهم الإشاعات الكاذبة ، وهذا ليس بغريب فقد سمعت أكثر من ذلك من أشخاص آخرين ، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم ، ثم التفت إليَّ وقال : هل قرأت القرآن؟

قلت : حفظت نصفه ولم أتخطّ العاشرة من عمري.

قال : هل تعرف أنّ كلّ الفرق الإسلامية على اختلاف مذاهبها متفقة على القرآن الكريم ، فالقرآن الموجود عندنا هو نفسه موجود عندكم.

قلت : نعم هذا أعرفه.

قال: إذاً ، ألم تقرأ قول الله سبحانه وتعالى: ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قِد خَلَت مِن

__________________

وظلمهم لآل البيت : إلى المبالغة والتطرف والتفوا حوله ، منهم جماعة تدعي أن الوصي كان سينزل على الإمام علي بن أبي طالب 7 ولكنه أخطأ. انتهى.

ولنا أن نحاسب الشرقاوي في ما كتبه ، فمن أين جاء بهذه المعلومة فهل سمع من هؤلاء الجماعة التي تزعم ذلك بنفسه أم تلقفها من الأبواق المأجورة ، ومن هؤلاء أيضاً عبد الرحمن الجزيري في كتابه الفقه على المذاهب الأربعة : ج ٤ ص ٧٥ ، في باب النكاح في مبحث الكفاءة ، حيث يقول في صدد استعراض من يختلف مع المسلمين بالدين ، قال :

المخالفون للمسلمين في العقيدة ثلاثة أنواع : الأول ، الذين لا كتاب لهم سماوي ، ولا شبهة كتاب ، إلى أن قال : ويُلحق بهؤلاء المرتدون الذين ينكرون المعلوم من الدين الإسلامي بالضرورة ، كالرافضة الذين يعتقدون أن جبرئيل غلط في الوحي ، فأوحى إلى محمد مع أن الله أمره بالإيحاء إلى علي 7 ... إلى آخر كلامه الذي سوف يحاسب عليه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، وبعد هذا كله هل تجد مسوغاً لأمثال هؤلاء الذين لا يتورعون عن الإفتراء على أمة بكاملها ، ولم يحاسبوا أنفسهم ، ولم يكلفوها عناء البحث والتحقيق والتثبت؟!


قِبلِهِ الرُّسلُ ) (١).

وقوله أيضاً : ( مُّحَمّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلىَ الكُفَّارِ ) (٢).

وقوله : ( مَّا كَانَ مُحَمّدٌ أَبا أَحَد مِّن رجَالكُم وَلَكِن رّسُولَ اللهِ وَخَاتَم النَّبِيِّينِ ) (٣)

قلت : بلى أعرف هذه الآيات.

قال : فأين هو علي 7؟ إذا كان قرآننا يقول بأنّ محمداً رسول الله 9 فمن أين جاءت هذه الفرية؟ سكتُّ ولم أجد جواباً.

وأضاف يقول : وأمّا خيانة جبرئيل « حاشاه » فهذه أقبح من الأولى ، لأنّ محمداً كان عمره أربعين سنة عندما أرسل الله سبحانه إليه جبرئيل 7 ، ولم يكن عليّ 7 إلاّ صبياً صغيراً عمره ستّ أو سبع سنوات ، فكيف يا ترى يخطئ جبرئيل ولا يفرّق بين محمد الرجل وعلي الصبي؟.

ثم سكتّ طويلا ، بينما بقيت أفكّر في أقواله وأنا مطرق أحلّل وأتذّوق هذا الحديث المنطقي الذي نفذ إلى أعماقي وأزال غشاوة عن بصري ، وتساءلت في داخلي كيف لم نحلّل نحن بهذا المنطق.

أضاف « السيد الخوئي » يقول : وأزيدك بـأنّ الشيعة هي الفرقة الوحيدة من بين كل الفرق الإسلامية الأخرى التي تقول بعصمة الأنبياء والأئمة ، فإذا كان أئمتنا ـ سلام الله عليهم ـ معصومين عن الخطاء وهم بشر مثلنا ، فكيف بجبرئيل وهو ملك مقرّب سمّاه ربّ العزّة بـ « الروح الأمين ».

قلت : فمن أين جاءت هذه الدعايات؟!

__________________

١ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٤٤.

٢ ـ سورة الفتح ، الآية : ٢٩.

٣ ـ سورة الأحزاب ، الآية : ٤٠.


قال : من أعداء الإسلام ، الذين يريدون تفريق المسلمين وتمزيقهم وضرب بعضهم ببعض ، وإلاّ فالمسلمون إخوة سواء كانوا شيعة أم سنّة ، فهم يعبدون الله وحده لا يشركون به شيئاً وقرآنهم واحد ، ونبيّهم واحد ، وقبلتهم واحدة ، ولا يختلف الشيعة عن السنّة ، إلاّ في الأمور الفقهية ، كما يختلف أئمـة المذاهب السنّية أنفسهم في ما بينهم ، فمالك يخالف أبا حنيفة ، وهذا يخالف الشافعي وهكذا ...

قلت : إذاً كل ما يُحكى عنكم هو محض افتراء؟

قال : أنت بحمد الله عاقل ، وتفهم الأمور وقد رأيت بلاد الشيعة وتجوّلت في أوساطهم فهل رأيت أوسمعت شيئاً من تلك الأكاذيب؟

قلت : لا ، لم أسمع ولم أر إلاّ الخير (١).

__________________

١ ـ كتاب : ثم اهتديت ، للدكتور التيجاني : ٥٥ ـ ٥٧.


المناظرة التاسعة

مناظرة

الدكتور التيجاني مع السيد الصدر 1 في حكم الشهادة

لأمير المؤمنين 7 بالولاية والسجود على التربة

والبكاء على الحسين 7

يقول الدكتور التيجاني في لقاءه مع السيد الصدر 1 : سألت السيد الصدر عن الإمام علي 7 ، لماذا يشهدون له في الأذان بأنه وليّ الله؟!

فأجاب قائلا : إنّ أمير المؤمنين عليّاً ـ سلام الله عليه ـ هو عبد من عبيد الله ، الذين اصطفاهم الله وشرّفهم ليواصلوا حمل أعباء الرسالة بعد أنبيائه ، وهؤلاء هم أوصياء الأنبياء ، فلكل نبي وصي وعلي بن أبي طالب 7 هو وصيّ محمد 9 ، ونحن نفضله على سائر الصحابة بما فضّله الله ورسوله 9 ولنا في ذلك أدلّة عقلية ونقليّة من القرآن والسنّة ، وهذه الأدلّة لا يمكن أن يتطرّق إليها الشكّ لأنّها متواترة وصحيحة من طرقنا وحتى من طرق أهل السنة والجماعة ، وقد ألّف في ذلك علماؤنا العديد من الكتب.

ولمّا كان الحكم الأموي يقوم على طمس هذه الحقيقة ومحاربة أمير المؤمنين علي وأبنائه : وقتلهم ، ووصل بهم الأمر إلى سبّه ولعنه على منابر


المسلمين ، وحمل الناس على ذلك بالقهر والقوة (١).

فكانت شيعته واتباعه ـ رضي الله عنهم ـ يشهدون أنّه وليّ الله ، ولا يمكن للمسلم أن يسبّ وليّ الله ، وذلك تحدّياً منهم للسلطة الغاشمة حتى تكون العزّة لله ولرسوله 6 وللمؤمنين ، وحتى تكون حافزاً تأريخياً لكلّ المسلمين عبر الأجيال فيعرفون حقيقة علي 7 وباطل أعدائه.

ودأب فقهاؤنا على الشهادة لعلي 7 بالولاية في الأذان والإقامة استحباباً ، لا بنيّة أنها جزء من الأذان أو الإقامة ، فإذا نوى المؤذّن أو المقيم أنّها جزء بطل أذانه وإقامته (٢).

__________________

١ ـ جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١١/٤٤ قال : روى أبو الحسن المدايني في كتاب ( الأحداث ) قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته ، فقامت الخطباء في كل كورة ، وعلى كل منبر يلعنون علياً 7 ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته ، وكان أشد الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي 7 .. الخ.

قال عامر بن عبدالله بن الزبير لما سمع ابنا له يتنقص علياً 7 : يا بني إياك والعودة إلى ذلك ، فإن بني مروان شتموه ستين سنة ، فلم يزده بذلك إلاّ رفعة ، وإن الدين لم يبن شيئاً فهدمته الدنيا ، وإن الدنيا لم تبنِ شيئاً إلاّ عادت على ما بنت فهدمته.

راجع : الجوهرة في نسب الإمام علي وآله : ، البري : ٩٤ ـ ٩٥ ، المحاسن والمساوئ ، البيهقي : ٥٥.

وجاء في رواية الثقفي : فإن بني أميه لعنوه على منابرهم ثمانين سنة ، فلم يزده الله بذلك إلاّ رفعة. شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٣/٢٢١.

٢ ـ قال السيد الخوئي 1 في كتاب الصلاة من التقرير الشريف : ٢/٢٨٨ : لا شبهة في رجحان الشهادة الثالثة في نفسها بعد أن كانت الولاية من متممات الرسالة ، ومقومات الإيمان ، ومن كمال الدين بمقتضى قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) بل من الخمس التي بني عليها الإسلام ، ولا سيما وقد أصبحت في هذه الأعصار من أجلى أنحاء الشعائر ، وأبرز رموز التشيع ، وشعائر مذهب الفرقة


والمستحبات في العبادات والمعاملات لا تحصى لكثرتها ، والمسلم يثاب على فعلها ولا يعاقب على تركها ، وقد ورد على سبيل المثال أنه يذكر استحباباً بعد شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله ، بأن يقول المسلم : وأشهد أن الجنّة حقّ ، والنار حقّ ، وأن الله يبعث من في القبور (١).

قلت : إنّ علماءنا علّمونا : أنّ أفضل الخلفاء على التحقيق سيدنا أبو بكر الصديق ، ثم سيدنا عمر الفاروق ، ثم سيدنا عثمان ، ثم سيدنا علي 7؟

سكت السيد قليلا ، ثمّ أجابني : لهم أن يقولوا ما يشاؤون ، ولكن هيهات أن يثبتوا ذلك بالأدلّة الشرعيّة ، ثم أن هذا القول يخالف صريح ما ورد في كتبهم الصحيحة المعتبرة ، فقد جاء فيها ، أنّ أفضل الناس أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ولا وجود لعلي 7 بل جعلوه من سوقة الناس ، وإنّما ذكره المتأخّرون استحباباً لذكر الخلفاء الراشدين (٢).

__________________

الناجية ، فهي إذن أمر مرغوب فيه شرعاً ، وراجح قطعاً في الأذان وغيره ، وإن كان الإتيان بها فيه بقصد الجزئية بدعة باطلة ، وتشريعاً محرماً حسبما عرفت.

١ ـ جاء ذكر هذه الكلمات في روايات أهل البيت : بعد ذكر الشهادتين ( بتفاوت ) ـ على سبيل المثال ـ كما في التشهد والوصية والعتق ، راجع وسائل الشيعة : ج ٤ ص ٦٨٢ ، ( ب ١ من أبواب أفعال الصلاة ح ١١ ) ، وص ٩٨٩ ( ب ٣ من أبواب التشهد ح ٢ ) ، و ج ١٣ ص ٣٥٣ ( ب ٣ من أحكام الوصايا ح ١ ) ، وج ١٦ ص ١٠ ( ب ٦ من أبواب العتق ح ٢ ).

٢ ـ فانظر كيف جعلوا خليفة رسول الله 6 علياً أميرالمؤمنين 7 واحداً كسائر الناس لا فضل له عليهم ، وهو الذي نصبه رسول الله 6 عليهم خليفة وإماماً يوم غدير خم وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه .. ، وقال في حقه : أنا مدينة العلم وعلي بابها .. وسد كل الأبواب الشارعة في المسجد إلاّ باب علي 7 ، قال أحمد بن حنبل : ما جاء في أحد من الفضائل ما جاء في علي 7 ، وقال النيسابوري : لم يرد في حق أحد من الصحابه بالأحاديث الحسان ما ورد في حق علي ( فيض القدير ، المناوي :


السجود على التربة الحسينية

سألته بعد ذلك عن التربة التي يسجدون عليها والتي يسمّونها بـ « التربة الحسينية ».

أجاب قائلا : يجب أن يُعرف قبل كلّ شيء أننا نسجد على التراب ، ولا نسجد للتراب ، كما يتوهّم البعض الذين يشهّرون بالشيعة ، فالسجود هو لله سبحانه وتعالى وحده ، والثابت عندنا وعند أهل السنّة أيضاً أن أفضل السجود على الأرض أو ما أنبتت الأرض من غير المأكول ، ولا يصحّ السجود على غير ذلك ، وقد كان رسول الله 9 يفترش التراب وقد اتخذ له خمرة من التراب والقش يسجد عليها ، وعلّم أصحابه فكانوا يسجدون على الأرض ، وعلى الحصى ، ونهاهم أن يسجد أحدهم على طرف ثوبه ، وهذا من المعلومات بالضرورة عندنا.

وقد اتّخذ الإمام زين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسين8تربة

__________________

٤٦٨ ).

فمع كل هذه النصوص الدالة على إمامته وولايته عليهم ، غصبوه حقه في الخلافة ، وفضلوا غيره عليه ، وجعلوه واحداً من سائر الناس لا فضل له عليهم ، فإنا لله وانا إليه راجعون ، وإليك هنا كلام ابن عمر الصريح في ظلامة أميرالمؤمنين 7 ، روى أبو علي الموصلي في مسنده : ٩/٤٥٤ ح ٥٦٠٢ ، وابن عساكر أيضاً في تأريخ دمشق : ٣٩/١٦٦ عن ابن عمر قال : كان رسول الله 6 ولا نعدل به أحداً ، ثم نقول : خير الناس أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ثم لا نفاضل.

أقول : فأين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه ، فلم يذكروه بالفضل حتى بعد عثمان..؟! وفي رواية ابن عساكر بعد ذكر عثمان قال : ثم لم نبال من قدمنا أو أخرنا؟! وهذا صريح في استقصاء أميرالمؤمنين 7 وتجاهله وجحده حقه ، وإنكار فضله على سائر الخلق بعد رسول الله 6.


من قبر أبيه أبي عبدالله 7 باعتبارها تربة زكية طاهرة (١) سالت عليها دماء سيد الشهداء ، واستمر على ذلك شيعته إلى يوم الناس هذا ، فنحن لا نقول بأنّ السجود لايصحّ إلاّ عليها ، بل نقول بأنّ السجود يصحّ على أي تربة أو حجرة طاهرة ، كما يصحّ على الحصير والسجاد المصنوع من سعف النخيل وما شابه ذلك.

البكاء واللطم على الإمام الحسين 7

قلت : على ذكر سيدنا الحسين 7 لماذا يبكي الشيعة ويلطمون ويضربون أنفسهم حتى تسيل الدماء؟! وهذا محرّم في الإسلام ، فقد قال 9 : « ليس منّا من لطم الخدود وشقّ الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية » (٢).

أجاب السيد قائلا : الحديث صحيح لا شكّ فيه ، ولكنّه لا ينطبق على مأتم أبي عبدالله 7 ، فالذي ينادي بثأر الحسين ، ويمشي على درب الحسين ، دعوته ليست دعوى جاهلية ، ثم إنّ الشيعة بشر فيهم العالم وفيهم الجاهل ولديهم عواطف ، فإذا كانت عواطفهم تطغى عليهم في ذكرى استشهاد أبي عبدالله 7 وما جرى عليه وعلى أهله وأصحابه من قتل وهتك وسبي ، فهم مأجورون لأنّ نواياهم كلّها في سبيل الله ، والله سبحانه وتعالى يعطي العباد على قدر نواياهم.

وقد قرأت منذ أسبوع التقارير الرسميّة للحكومة المصرية بمناسبة موت

__________________

١ ـ من الواضح عناية أهل البيت : بهذه التربة المقدّسة العظيمة كما حدّثوا أيضاً أصحابهم وشيعتهم بفضلها وفضل السجود عليها وإنها شفاء من كلّ داء ، راجع في ذلك : مصباح المتهجّد للشيخ الطوسي : ٧٣١ ـ ٧٣٥ ، كامل الزيارات : ٢٧٤ ـ ٢٨٦ ب ٩١ ـ ٩٥ ، بحار الأنوار : ٤٦ / ٧٩ ح ٧٥ وج ٨٢ ص ٤٥ و ج ٨٥ ص ١٤٤ ، و ج ١٠١ ص ١٢٠.

٢ ـ صحيح البخاري : ٢/٨٢ ، صحيح مسلم : ١/٧٠ ، مسند أحمد بن حنبل : ١/٣٨٦.


جمال عبد الناصر ، تقول هذه التقارير الرسميّة بأنّه سجّل أكثر من ثماني حالات انتحارية قتل أصحابها أنفسهم عند سماع النبأ ، فمنهم من رمى نفسه من أعلى العمارة ، ومنهم من ألقى بنفسه تحت القطار وغير ذلك ، وأمّا المجروحون والمصابون فكثيرون ، وهذه أمثلة أذكرها للعواطف التي تطغي على أصحابها.

وإذا كان الناس ـ وهم مسلمون بلا شك ـ يقتلون أنفسهم من أجل موت جمال عبد الناصر وقد مات موتاً طبيعياً ، فليس من حقّنا ـ بناءً على مثل هذا ـ أن نحكم على أهل السنّة بأنّهم مخطئون؟!

وليس لإخواننا من أهل السنّة أن يحكموا على إخوانهم من الشيعة بأنّهم مخطئون في بكائهم على سيّد الشهداء 7 ، وقد عاشوا محنة الحسين 7 وما زالوا يعيشونها حتى اليوم ، وقد بكى رسول الله 9 نفسه على ابنه الحسين 7 وبكى جبريل لبكائه.

قلت : ولماذا يزخرف الشيعة قبور أوليائهم بالذهب والفضّة ، وهو محرّم في الإسلام؟

أجاب السيد الصدر : ليس ذلك منحصراً بالشيعة ، ولا هو حرام فها هي مساجد إخواننا من أهل السنة سواء في العراق أو في مصر أو في تركيا أو غيرها من البلاد الإسلامية مزخرفة بالذهب والفضة ، وكذلك مسجد رسول الله 6 في المدينة المنورة ، وبيت الله الحرام في مكّة المكرّمة ، الذي يُكسى في كل عام بحلّة ذهبية جديدة يصرف فيها الملايين ، فليس ذلك منحصراً بالشيعة.

تعظيم قبور الصالحين

قلت : إنّ بعض العلماء يقولون : إنّ التمسح بالقبور ، ودعوة الصالحين ،


والتبرّك بهم ، شرك بالله ، فما هو رأيكم؟

أجاب السيد محمد باقر الصدر : إذا كان التمسّح بالقبور ، ودعوة أصحابها بنيّة أنّهم يضرّون وينفعون ، فهذا شرك ، لا شكّ فيه : وإنّما المسلمون موحِّدون ويعلمون أنّ الله وحده هو الضارّ والنافع ، وإنّما يدعون الأولياء والأئمة : ليكونوا وسيلتهم إليه سبحانه وهذا ليس بشرك ، والمسلمون سنّة وشيعة متّفقون على ذلك من زمن الرسول 9 إلى هذا اليوم ...

وإنّ السيّد شرف الدين من علماء الشيعة لمّا حجّ بيت الله الحرام ... كان من جملة العلماء المدعوين إلى قصر الملك لتهنئته بعيد الأضحى كما جرت العادة هناك ، ولمّا وصل الدور إليه وصافح الملك قدّم إليه هديّة وكانت مصحفاً ملفوفاً في جلد ، فأخذه الملك وقبّله ووضعه على جبهته تعظيماً له وتشريفاً.

فقال له السيد شرف الدين عندئذ : أيّها الملك لماذا تقبّل الجلد وتعظّمه وهو جلد ماعز؟

أجاب الملك ، أنا قصدت القرآن الكريم الذي بداخله ولم أقصد تعظيم الجلد!

فقال السيد شرف الدين عند ذلك : أحسنت أيها الملك ، فكذلك نفعل نحن عندما نقبّل شبّاك الحجرة النبويّة أو بابها ، فنحن نعلم أنّه حديد لا يضرّ ولا ينفع ، ولكنّنا نقصد ما وراء الحديد وما وراء الأخشاب ، نحن نقصد بذلك تعظيم رسول الله 9 ، كما قصدت أنت القرآن بتقبيلك جلد الماعز الذي يغلّفه.

فكبّر الحاضرون إعجاباً له وقالوا : صدقت ، واضطر الملك وقتها إلى السماح للحجّاج أن يتبركوا بآثار الرسول 9.

وسألته عن الطرق الصوفيّة فأجابني بإيجاز : بأن فيها ما هو إيجابي وفيها


ما هو سلبي ، فالإيجابي منها تربية النفس وحملها على شظف العيش ، والزهد في ملذّات الدنيا الفانية ، والسموّ بها إلى عالم الأرواح الزكية ، أمّا السلبي منها ، فهو الإنزواء والهروب من واقع الحياة ، وحصر ذكر الله في الأعداد اللفظية وغير ذلك ، والإسلام ـ كما هو معلوم ـ يقرّ الإيجابيات ويطرح السلبيات ، ويحق لنا أن نقول بأنّ مبادئ الإسلام وتعاليمه كلّها إيجابية (١).

__________________

١ ـ كتاب : ثم اهتديت ، الدكتور التيجاني : ٦٥ ـ ٦٩.


المناظرة العاشرة

مناظرة

الدكتور التيجاني مع السيد الصدر 1

في حكم الجمع بين الصلاتين

قال الدكتور التيجاني في معرض حديثه عن مسألة جواز الجمع بين الصلاتين (١) : وأنا أتذكّر بأنّ أوّل صلاة جمعت فيها بين الظهر والعصر كانت

__________________

١ ـ مسألة جواز الجمع بين الصلاتين من المسائل التي قام الدليل عليها في كتب الحديث عند السنة ، ومع ذلك لم يعملوا بها ، فقد رووا أن النبي 9 جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، من غير سفر ولا خوف ولا مطر ، ومع ذلك قد شُنّع على الشيعة الإمامية في مسألة الجمع إذ عملوا بسنة النبي 9 وأهل بيته ، أضف إلى ذلك ما ثبت عن بعض الصحابة في جواز ذلك كما في كتب الصحاح ، مع أن المذاهب الإسلامية يرون جواز الجمع بين الظهر والعصر في عرفة ويسمى جمع تقديم ، وبين المغرب والعشاء في مزدلفة ويُسمى جمع تأخير ، وإنما الخلاف هو في مسألة الجمع بدون عذر السفر وغيره من سائر الأعذار.

فأما المالكية ، عندهم أن أسباب الجمع هي السفر والمرض والمطر والطين مع الظلمة في آخر الشهر ، ووجود الحاج بعرفة أو مزدلفة.

وأمّا الشافعية ، قالوا : بجواز الجمع بين الصلاتين جمع تقديم أو تأخير للمسافر مسافة القصر ، ويجوز جمعها جمع تقديم فقط بسبب نزول المطر.

وأما الحنفيّة ، قالوا : لا يجوز الجمع بين صلاتين في وقت واحد لا في السفر ولا في الحضر بأي عذر


بإمامة الشهيد السيد محمد باقر الصدر ـ عليه رضوان الله ـ إذ كنتُ أنا في النجف أفرّق بين الظهر والعصر ، حتّى كان ذلك اليوم السعيد الذي خرجتُ فيه مع السيد محمد باقر الصدر من بيته إلى المسجد الذي يؤمّ فيه مُقلّديه الذين احترموني وتركوا لي مكاناً خلفه بالضّبط ، ولّما انتهت صلاة الظهر وأقيمت صلاة العصر ، حدّثتني نفسي بالانسحاب ، ولكن بقيتُ لسببين أوّلهما هيبةُ السيد الصّدر وخشوعه في الصلاة حتى تمنّيتُ أن تطول ، وثانيهما وجودي في ذلك المكان ، وأنا أقرب المصلّين إليه ، وأحسستُ بقوّة قاهرة تشدّني إليه.

ولّما فرغنا من أداء فريضة العصر وانهال عليه النّاس يسألونه بقيتُ خلفَه أسمع الأسئلة والإجابة عليها إلا ما كان خفيّاً ، ثم أخذني معه إلى بيته للغذاء وهناك وجدتُ نفسي ضيف الشرّف ، واغتنمتُ فرصة ذلك المجلس وسألته عن الجمع بين الصلاتين؟

ـ سيدي! أيمكن للمسلم أن يجمع بين الفريضتين في حالة الضرورة؟

__________________

من الأعذار إلاّ في حالتين.

الأولى : يجوز جمع الظهر والعصر في وقت الظهر جمع تقديم بشروط أربعة ، منها أن يكون ذلك في يوم عرفة.

الثانية : يجوز جمع المغرب والعشاء في وقت العشاء جمع تأخير بشرطين : أن يكون ذلك بالمزدلفة ، وأن يكون محرماً بالحج ، وكل صلاتين لا يؤذن لهما إلا أذان واحد ، وان كان لكل منهما إقامة واحدة.

وأمّا الحنابلة ، قالوا بجواز الجمع المذكور تقديماً وتأخيراً فانه مباح ولكن تركه أفضل ، وإباحة الجمع عندهم لا بد أن يكون بأحد الأعذار التالية كأن يكون المصلي مسافراً أو مريضاً تلحقه مشقة بترك الجمع ، أو امرأة مرضعة أو مستحاضة وللعاجز عن الطهارة بالماء أو التيمم لكل صلاة ، وللعاجز عن معرفة الوقت كالأعمى والساكن تحت الأرض ، ولمن خاف على نفسه أو ماله أو عرضه ، ولمن خاف ضرر يلحقه بتركه في معيشته ، وفي ذلك سعة للعمال الذين يستحيل عليهم ترك أعمالهم. راجع : كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري : ١/٤٨٣ ـ ٤٨٧.


قال: يمكن له أن يجمع بين الفريضتين في جميع الحالات وبدون ضرورة.

قلتُ : وما هي حجّتكم؟

قال : لأن رسول الله 9 جمع بين الفريضتين في المدينة في غير سفر ولا خوف ولا مطر ولا ضرورة ، وإنها فقط لدفع الحرج عنّا ، وهذا بحمد الله ثابت عندنا من طريق الأئمة الأطهار : (١) وثابت أيضاً عندكم.

ـ استغربتُ كيف يكون ثابتاً عندنا ولم أسمع به قبل ذلك اليوم ، ولا رأيتُ أحداً من أهل السنّة والجماعة يعمل به ، بل بالعكس يقولون ببطلان الصلاة إذا وقعت حتى دقيقة قبل الأذان ، فكيف بمن يصلّيها قبل ساعات مع الظهر ، أو يصلّي صلاة العشاء مع المغرب ، فهذا يبدو عندنا مُنكراً وباطلا!!

وفهِمَ السيد محمد باقر الصّدر حيرتي واستغرابي ، وهمس إلى بعض الحاضرين فقام مسرعاً وجاءه بكتابين عرفتُ بأنّهما صحيح البخاري وصحيح مسلم ، وكلّف السيد الصدر ذلك الطالب بأن يطلعني على الأحاديث التي تتعلّق بالجمع بين الفريضتين ، وقرأتُ بنفسي في صحيح البخاري (٢) كيف جمع النبي 9 فريضة الظهر والعصر وكذلك فريضة المغرب والعشاء ، كما قرأت في صحيح مسلم (٣) باباً كاملا في الجمع بين الصلاتين في الحضر في غير خوف؟ ولا مطر ولا سفر.

ولم أخفِ تعجّبي ودهشتي ، وإن كان الشكّ داخلني بأنّ البخاري ومسلم

__________________

١ ـ راجع : وسائل الشيعة للحر العاملي : ٣/١٦٠ ، ( ب ٣٢ من أبواب المواقيت ).

٢ ـ صحيح البخاري : ١/١٣٧ و٢/٣٩.

٣ ـ صحيح مسلم : ٢/١٥١ ـ ١٥٢ ( ب ٦ الجمع بين الصلاتين في الحضر ) ، سنن الترمذي : ١/١٢١ ح ١٨٧.


اللذين عندهم قد يكونان محرفين ، وأخفيتُ في نفسي أن أراجع هذين الكتابين في تونس.

وسألني السيد محمد باقر الصدر عن رأيي بعد هذا الدّليل؟

قلت : أنتم على الحق ، وأنتُم صادقون في ما تقولون ، وبودّي أن أسألكم سؤالا آخر.

قال : تفضّل.

قلت : هل يجوز الجمع بين الصلوات الأربع كما يفعل كثيرٌ من الناس عندنا لما يرجعوا في الليل يصلّون الظهر والعصر والمغرب والعشاء قضاءً؟

قال : هذا لا يجوز.

قلتُ : إنّك قلتَ لي فيما سبق. بأن رسول الله 9 فرّق وجَمع ، وبذلك فهمنا مواقيت الصلاة التي ارتضاها الله سبحانه.

قال : إنّ لفريضتي الظهر والعصر وقتاً مشتركاً ، ويبتدئ من زوال الشمس إلى الغروب ، ولفريضتي المغرب والعشاء أيضاً وقتٌ مشترك ، ويبتدئ من غروب الشمس إلى منتصف الليل ، ولفريضة الصبح وقتٌ واحدٌ يبتدئ من طلوع الفجر إلى شروق الشمس ، فمن خالف هذه المواقيت يكون خالف الآية الكريمة ( إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتٌ عَلىَ المؤُمِنِينَ كِتَاباً مَّوقُوتاً ) (١) فلا يمكن لنا مثلا أن نصلّي الصبح قبل الفجر ، ولا بعد شروق الشمس ، كما لا يمكن لنا أن نصلّي فريضتي الظهر والعصر قبل الزوال أو بعد الغروب ، كما لا يجوز لنا أن نصلّي فريضتي المغرب والعشاء قبل الغروب ، ولا بعد منتصف الليل.

__________________

١ ـ سورة النساء ، الآية : ١٠٣.


وشكرتُ السيد محمد باقر الصدر ، وإن كنتُ اقتنعتُ بكلّ أقواله ، غير أنّي لم أجمع بين الفريضتين بعد مغادرته ، إلاّ عندما رجعتُ إلى تونس وانهمكتُ في البحث واستبصرتُ.

الجمع بين الصلاتين في صحاح السنة

هذه قصّتي مع الشهيد الصدر 4 في خصوص الجمع بين الفريضتين أرويها ليتبيّن إخواني من أهل السنّة والجماعة أولا ، كيف تكون أخلاق العلماء الذين تواضعوا حتّى كانوا بحق ورثة الأنبياء في العلم والأخلاق.

وثانياً : كيف نجهلُ ما في صحاحنا ، ونُشنّعُ على غيرنا بأمور نعتقدُ نحن بصحّتها ، وقد وردت في صحاحنا :

فقد أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن ابن عباس قال : صلّى رسول الله 9 في المدينة مقيماً غير مسافر سبعاً وثمانياً (١).

وأخرج الإمام مالك في الموطأ عن ابن عباس قال : صلّى رسول الله 9 الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاءَ جميعاً ، في غير خوف ولا سفر (٢).

وأخرج الإمام مسلم في صحيحه في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر ، قال : عن ابن عباس قال : صلى رسول الله 9 الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء جميعاً ، في غير خوف ولا سفر (٣).

كما أخرج عن ابن عباس أيضاً قال : جمع رسول الله 9 بين الظُهر

__________________

١ ـ مسند أحمد بن حنبل : ١/٢٢١.

٢ ـ موطأ الإمام مالك : ١/١٤٤ ح ٤.

٣ ـ صحيح مسلم : ٢/١٥١ ( باب الجمع بين الصلاتين في الحضر ).


والعصر ، والمغرب والعشاء ، بالمدينة في غير خوف ولا مطر ، قال : قلتُ لابن عباس : لم فعلَ ذلك؟ قال : كي لا يحرجَ أُمّتَهُ (١).

ومّما يدلّك أخي القارئ أن هذه السنة النّبوية كانت مشهورة لدى الصحابة ويعملون بها ، ما رواه مسلم أيضاً في صحيحه في نفس الباب قال : خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتّى غَرُبت الشمس وبدت النجوم ، وجعل النّاس يقولون : الصّلاة الصّلاة ، قال : فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني : الصلاة الصلاة ، فقال ابن عباس : أتُعلّمني بالسّنة لاَ أمّ لك! ثم قال : رأيت رسول الله 9 جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء (٢).

وفي رواية أخرى قال ابن عباس للرجل : لا اُم لك! أتعلّمنا بالصّلاة؟ وكنّا نجمعُ بين الصّلاتين على عهد رسول الله 9 (٣).

وأخرج الإمام البخاري في صحيحه في باب وقت المغرب قال : حدّثنا آدم ، قال : حدّثنا شعبة ، قال : حدثنا عمرو بن دينار ، قال : سمعتُ جابر بن زيد عن ابن عبّاس قال : صلّى النبي 9 سبعاً جميعاً وثمانياً جميعاً (٤).

كما أخرج البخاري في صحيحه في باب وقت العصر ، عن سهل بن حُنيف قال : سمعتُ أبا أمامة يقول : صلّينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ، ثم خرجنا حتّى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلّي العصر ، فقلتُ : يا عمّ ، ما هذه الصلاة التي صلّيت؟ قال : العصْرُ وهذه صلاة رسول الله 9 التي كنّا نصلّي معه (٥).

__________________

١ ـ صحيح مسلم : ٢/١٥٢.

٢ ـ صحيح مسلم : ٢/١٥٢ ـ ١٥٣.

٣ ـ نفس المصدر : ٢/١٥٣.

٤ ـ صحيح البخاري : ١/١٤٠ ( باب وقت المغرب ) ، مسند أحمد بن حنبل : ١/٢٨٥.

٥ ـ صحيح البخاري ١/١٣٨ ، صحيح مسلم : ٢/١١٠ ( باب وقتُ العصر ).


تشنيع البعض على الشيعة في الجمع بين الصلاتين

ومع وضوح هذه الأحاديث فإنك لا تزال تجد من يشنع بذلك على الشيعة ، وقد حَدث ذلك مرة في تونس ، فقد قام الإمام عندنا في مدينة قفصة ليشنع علينا ويُشهّر بنا وسط المصلّين قائلا : أرأيتم هذا الدّين الذي جاؤوا به ، إنهم بعد صلاة الظهر يقومون ويصلّون العصر ، إنه دين جديد ليس هو دين محمد رسول الله 9 ، هؤلاء يخالفون القرآن الذي يقول : ( إنَّ الصلاةَ كانتْ عَلى المؤمنينَ كِتاباً مَوقُوتاً ) (١) وما ترك شيئاً إلاّ وشتم به المستبصرين.

وجاءني أحد المستبصرين ، وهو شاب على درجة كبيرة من الثقافة ، وحكى لي ما قاله الإمام بألم ومرارة ، فأعطيته صحيح البخاري وصحيح مسلم وطلبتُ منه أن يطلعه على صحّة الجمع ، وهو من سنّة النبي 9 ، لأنني لا أريد الجدال معه ، فقد سبق لي أن جادلته بالتي هي أحسن فقابلني بالشتم والسبّ والتّهم الباطلة ، والمهم أن صديقي لم ينقطع من الصلاة خلفَه ، فبعد انتهاء الصلاة جلس الإمام كعادته للدّرس فتقدّم إليه صديقي بالسؤال عن الجمع بين الفريضتين؟

فقال : إنها من بدع الشيعة.

فقال له صديقي : ولكنّها ثابتة في صحيح البخاري ومسلم.

فقال له : غير صحيح ، فأخرج له صحيح البخاري وصحيح مسلم وأعطاه فقرأ باب الجمع بين الصلاتين.

__________________

١ ـ سورة النساء ، الآية : ١٠٣.


يقول صديقي : فلمّا صدمتهُ الحقيقة أمام المصلّين الذين يستمعون لدروسه ، أغلق الكتب وأرجعها إليّ قائلا : هذه خاصة برسول الله 9 ، وحتى تصبح أنت رسول الله فبإمكانك أن تصلّيها.

يقول هذا الصديق : فعرفتُ أنّه جاهل متعصّبُ ، وأقسمتُ من يومها أن لا أصلّي خلفَهُ ، بعد ذلك طلبتُ من صديقي بأن يرجع إليه ليُطلِعَه على أنّ ابن عبّاس كان يصلّي تلك الصلاة ، وكذلك أنس بن مالك ، وكثير من الصحابة ، فلماذا يريد هو تخصيصها برسول الله 6 ، أو لم يكن لنا في رسول الله أسوةٌ حسنة؟ ولكنّ صديقي اعتذر لي قَائلا : لا داعي لذلك ، وإنّه لا يقتنع ولو جاءه رسول الله 9.

وإنّه والحمد لله بعد أن عرف كثيرٌ من الشباب هذه الحقيقة ، وهي الجمع بين الصلاتين ، رجع أغلبهم إلى الصّلاة بعد تركها ، لأنهم كانوا يُعانُونَ من فوات الصلاة في وقتها ، ويجمعون الأوقات الأربعة في اللّيل فتملّ قلوبهم ، وأدركوا الحكمة في الجمع بين الفريضتين ، لأن كل الموظفين والطلبة وعامة الناس يقدرون على أداء الصلوات في أوقاتها وهم مطمئنُّون ، وفهموا قول الرسول 9 ، كي لا أحرج أمّتي (١) (٢).

__________________

١ ـ روى الطبراني في المعجم الأوسط : ٤/٢٥٢ بإسناده عن عبدالله بن مسعود قال : جمع رسول الله 6 بين الأولى والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، فقيل له في ذلك ، فقال : صنعت هذا لكي لا تحرج أمتي.

٢ ـ مع الصادقين ، الدكتور التيجاني : ٢١٠ ـ ٢١٥.


المناظرة الحادية عشر

مناظرة

الدكتور التيجاني مع أحد علماء السنّة

في بريطانيا في مشروعية التقيّة

يقول الدكتور التيجاني : وقد عمل بالتقيّة الصحابة الكرام في عهد الحكام الظالمين ، أمثال معاوية الذي كان يقتل كلّ من امتنع عن لعن علي بن أبي طالب 7 ، وقصّة حجر بن عدي الكندي وأصحابه مشهورة (١) وأمثال يزيد وابن زياد والحجّاج وعبد الملك بن مروان وأضرابهم ، ولو شئتُ جمع الشواهد على عمل الصحابة بالتقيّة لاستوجب كتاباً كاملا (٢) ، ولكن ما أوردته من أدلّة أهل

__________________

١ ـ راجع : تأريخ اليعقوبي : ٢/٣٢ ـ ٣٣ ، تاريخ الطبري : ٤/٢٠٥ ـ ٢٠٨ ، الكامل في التأريخ لابن الأثير : ٣/٤٧٢.

٢ ـ قال العلاّمة المظفر عليه الرحمة في كتابه عقائد الإمامية ص ٣٤٣ ـ ٣٤٦ : ( عقيدتنا في التقيّة ) :

روي عن صادق آل البيت 7 في الأثر الصحيح : « التقيّة ديني ودين آبائي » و « من لا تقيّة له لا دين له » ، وكذلك هي ، لقد كانت شعاراً لآل البيت : ، دفعاً للضرر عنهم وعن أتباعهم وحقناً لدمائهم ، واستصلاحاً لحال المسلمين وجمعاً لكلمتهم ، ولمّاً لشعثهم ، وما زالت سمة تُعرف بها الإمامية دون غيرها من الطوائف والأُمم ، وكلّ إنسان إذا أحسّ بالخطر على نفسه أو ماله بسبب نشر معتقده أو التظاهر به لا بد أن يتكتّم ويتقي في مواضع الخطر ، وهذا أمر تقتضيه فطرة العقول ، ومن المعلوم أن


السنّة والجماعة كاف بحمد الله.

__________________

الإمامية وأئمّتهم لاقوا من ضروب المحن وصنوف الضيق على حرياتهم في جميع العهود ما لم تلاقه أية طائفة أو اُمّة أخرى ، فاضطروا في أكثر عهودهم إلى استعمال التقيّة بمكاتمة المخالفين لهم وترك مظاهرتهم وستر اعتقاداتهم وأعمالهم المختصة بهم عنهم ، لما كان يعقب ذلك من الضرر في الدين والدنيا ، ولهذا السبب امتازوا ( بالتقية ) وعُرفوا بها دون سواهم.

وللتقيّة أحكام من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهية. وليست هي بواجبة على كل حال ، بل قد يجوز أو يجب خلافها في بعض الأحوال كما إذا كان في إظهار الحق والتظاهر به نصرة للدين وخدمة للإسلام ، وجهاد في سبيله ، فإنّه يستهان بالأموال ولا تعز النفوس ، وقد تحرم التقية في الأعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة أو رواجاً للباطل ، أو فساداً في الدين ، أو ضرراً بالغاً على المسلمين باضلالهم أو إفشاء الظلم والجور فيهم ، وعلى كل حال ليس معنى التقية عند الإمامية أنها تجعل منهم جمعية سرية لغاية الهدم والتخريب ، كما يريد أن يصورها بعض أعدائهم غير المتورعين في إدراك الأُمور على وجهها ، ولا يكلِّفون أنفسهم فهم الرأي الصحيح عندنا ، كما أنه ليس معناها أنها تجعل الدين وأحكامه سراً من الأسرار لا يجوز أن يذاع لمن لا يدين به ، كيف وكتب الإمامية ومؤلفاتهم فيما يخص الفقه والأحكام ومباحث الكلام والمعتقدات قد ملأت الخافقين وتجاوزت الحد الذي ينتظر من أية أُمّة تدين بدينها.

بلى! إن عقيدتنا في التقيّة قد استغلها من أراد التشنيع على الإمامية ، فجعلوها من جملة المطاعن فيهم ، وكأنهم كان لا يشفي غليلهم إلاّ أن تقدم رقابهم إلى السيوف لاستئصالهم عن آخرهم في تلك العصور التي يكفي فيها أن يقال هذا رجل شيعي ليلاقي حتفه على يد أعداء آل البيت من الأمويين والعباسيين ، بل العثمانيين.

وإذا كان طعن من أراد أن يطعن يستند إلى زعم عدم مشروعيتها من ناحية دينية ، فإنا نقول له : « أولا » أننا متبعون لأئمّتنا : ونحن نهتدي بهداهم ، وهم أمرونا بها وفرضوها علينا وقت الحاجة ، وهي عندهم من الدين وقد سمعت قول الصادق 7 : ( من لا تقية له لا دين له ) ( راجع : بحار الأنوار : ج ٦٤ ص ١٠٣ ح ٢١ و ج ٧٥ ص ٣٤٧ ح ٤ ).

و « ثانياً » قد ورد تشريعها في نفس القرآن الكريم ذلك قوله تعالى : « النحل : ١٠٦ » ( إلاّ مَن أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) وقد نزلت هذه الآية في عمّار بن ياسر الذي التجأ إلى التظاهر بالكفر خوفاً من أعداء الإسلام ، وقوله تعالى : ( إلاّ أن تتقوا منهم تقاة ) ، وقوله تعالى : ( وَقالَ رَجُلٌ مِن آلِ فِرعونَ يَكتُم إيمانَهُ ) « سورة المؤمن ، الآية : ٢٨ ».


ولا أترك هذه الفرصة تفوت لأروي قصّة طريفة وقعت لي شخصيّاً مع عالم من علماء أهل السنّة ، التقينا في الطائرة وكنّا من المدعوين لحضور مؤتمر إسلامي في بريطانيا وتحادثنا خلال ساعتين عن الشيعة والسنّة ، وكان من دعاة الوحدة ، وأُعجبت به غير أنّه ساءني قوله : بأنّ على الشيعة الآن أن تترك بعض المعتقدات التي تُسبب اختلاف المسلمين ، والطعن على بعضهم البعض.

وسألته مثل ماذا؟

وأجاب على الفور : مثل المتعة والتقيّة ، وحاولت جهدي إقناعه بأنّ المتعة هي زواج مشروع ، والتقيّة رخصة من الله ، ولكنّه أصرّ على رأيه ولم يقنعه قولي ولا أدلّتي ، مدّعياً أن ما أوردته كلّه صحيح ، ولكن يجب تركه من أجل مصلحة أهم ألا وهي وحدة المسلمين ، واستغربت منه هذا المنطق الذي يأمر بترك أحكام الله من أجل وحدة المسلمين ، وقلت له مجاملة : لو توقّفت وحدة المسلمين على هذا الأمر لكنت أوّل من أجاب.

ونزلنا في مطار لندن وكنتُ أمشي خلفه ولمّا تقدّمنا إلى شرطة المطار سُئل عن سبب قدومه إلى بريطانيا؟ فأجابهم : بأنه جاء للمعالجة ، وأدّعيت أنا بأني جئت لزيارة بعض أصدقائي ، ومررنا بسلام وبدون تعطيل إلى قاعة استلام الحقائب ، عند ذلك همست له : أرأيت كيف أن التقيّة صالحة في كل زمان؟

قال : كيف؟

قلت : لأنّنا كذبنا على الشرطة ، أنا بقولي : جئت لزيارة أصدقائي ، وأنت بقولك : جئت للعلاج ، في حين أنّنا قدمنا للمؤتمر.

إبتسم ، وعرف بأنّه كذب على مسمع منّي فقال : أليس في المؤتمرات الإسلامية علاج لنفوسنا؟ ضحكت قائلا : أو ليس فيها زيارة لإخواننا (١) ؟

__________________

١ ـ مع الصادقين ، الدكتور التيجاني السماوي : ١٨٨.


المناظرة الثانية عشر

مناظرة

الدكتور التيجاني مع أحد الأصدقاء في مشروعية

الصلاة والسلام على أهل البيت :

يقول الدكتور التيجاني : تحدّثت يوماً مع صديقي ورجوته وأقسمت عليه أن يجيبني بصراحة ، وكان الحوار التالي :

أنتم تُنزلون عليّاً ـ رضي الله عنه وكرّم الله وجهه ـ منزلة الأنبياء : ، لأني ما سمعت أحداً منكم يذكره إلاّ ويقول : 7.

قال : فعلا نحن عندما نذكر أمير المؤمنين أو أحد الأئمة من بنيه نقول 7 ، فهذا لا يعني أنّهم أنبياء ، ولكنهم ذرية الرسول 9 وعترته الذين أمرنا الله بالصلاة عليهم في محكم تنزيله ، وعلى هذا يجوز أن نقول : عليهم الصلاة والسلام أيضاً.

قلت : لا يا أخي ، نحن لا نعترف بالصلاة والسلام إلاّ على رسول الله 9 والأنبياء الذين سبقوه ، ولا دخل لعلي وأولاده في ذلك ـ رضي الله عنهم ـ.

قال : أنا أطلب منك وأرجوك أن تقرأ كثيراً حتى تعرف الحقيقة.

قلت : أي الكتب أقرأ يا أخي؟ ألست أنت الذي قلت : بأنّ كتب أحمد أمين ليست حجّة على الشيعة ، كذلك كتب الشيعة ليست حجّة علينا ولا نعتمد


عليها ، ألا ترى أنّ كتب النّصارى التي يعتمدونها تذكر أنّ عيسى 7 قال : « إنّي ابن الله » في حين أن القرآن الكريم ـ وهو أصدق القائلين ـ يقول على لسان عيسى بن مريم : ( مَا قُلتُ لَهُم إلاّ مَا أمَرْتني بهِ أن اعبدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكم ) (١).

قال : حسناً قلت : لقد قلت ذلك ، والذي أريده منك هو هذا ، أعني استعمال العقل والمنطق والاستدلال بالقرآن الكريم والسنّة الصحيحة ما دمنا مسلمين ، ولو كان الحديث مع يهودي أو نصراني لكان الاستدلال بغير هذا.

قلت : إذاً ، في أي كتاب سأعرف الحقيقة ، وكل مؤلف وكلّ فرقة وكل مذهب يدّعي أنّه على الحق.

قال : سأعطيك الآن دليلا ملموساً ، لا يختلف فيه المسلمون بشتّى مذاهبهم وفرقهم ومع ذلك فأنت لا تعرفه!.

قلت : وقل ربّي زدني علماً.

قال : هل قرأت تفسير الآية الكريمة : ( إنَّ اللهَ وملائكَتَهُ يُصلُّونَ على النَّبي يَا أيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلُّوا عليهِ وَسلِّموا تَسلِيماً ) (٢).

فقد أجمع المفسّرون سنّة وشيعة على أن الصحابة الذين نزلت فيهم هذه الآية ، جاؤوا إلى رسول الله9فقالوا : يا رسول الله ، عرفنا كيف نسلّم عليك ، ولم نعرف كيف نصّلي عليك! فقال: قولوا اللّهم صلّ على محمد وآل محمد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد(٣) ولا تصلّوا عليَّ

__________________

١ ـ سورة المائدة ، الآية : ١١٧.

٢ ـ سورة الأحزاب ، الآية : ٥٦.

٣ ـ صحيح البخاري : ٧/١٥٦ ، صحيح مسلم : ٢/١٦ ، صحيح ابن حبان : ٣/١٩٤ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٥/٢١٨ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ١٠/١٦٣.


الصلاة البتراء ، قالوا : وما الصلاة البتراء يا رسول الله؟ قال : أن تقولوا : اللّهم صلّ على محمد وتصمتوا ، وأنّ الله كامل ولا يقبل إلاّ الكامل (١).

ولكل ذلك عرف الصحابة ومن بعدهم التابعون أمر رسول الله 6 فكانوا يصلّون عليه الصلاة الكاملة ، حتى قال الإمام الشافعي في حقّهم :

يا آل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الشأن أنّكم

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له (٢)

علي 7 في صحيح البخاري

كان كلامه يطرق سمعي وينفذ إلى قلبي ويجد في نفسي صدىً إيجابياً ، وبالفعل فقد سبق لي أن قرأت مثل هذا في بعض الكتب ، ولكن لا أذكر في أي كتاب بالضبط ، وأعترفت له بأننا عندما نصلّي على النبي نصلّي على آله وصحبه

__________________

١ ـ راجع : الغدير للأميني : ٢/٣٠٣ ـ ٣٠٤ ، الصواعق المحرقة لابن حجر : ٢٢٥ ، وروى محبّ الدين الطبري في الذخائر : ص ١٩ عن جابر 2 أنّه كان يقول : لو صلّيت صلاةً لم اُصلِّ فيها على محمد وعلى آل محمد ما رأيت أنَّها تُقبل.

وروى الدار قطني عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين عن أبي مسعود عن النبي 6 قال : من صلى صلاة لم يصل فيها عليَّ ولا على أهل بيتي لم تقبل منه.

وفي رواية عن أبي مسعود قال : لو صليت صلاة لم يصل فيها عن النبي 6 ولا على أهل بيته لرأيت أنها لا تتم. راجع : علل الدار قطني : ٦/١٩٧ ـ ١٩٨ ح ١٠٦٦ ، تفسير القرطبي : ١٤/٢٣٦ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 6 ، القاضي عياض : ٢/٦٤ ، ينابيع المودة ، القندوزي : ٢/١١٦.

٢ ـ الإمام الشافعي ، حياته ـ شعره تحقيق إسماعيل اليوسف ص ٧٤ ، ينابيع المودة : ص ٣٥٤ ط الحيدرية وص ٢٥٩ ط إسلامبول و٢/٤٣٤ ح ١٩٧ ط دار الأسوة سنة ١٤١٦ هـ نور الأبصار ، الشبلنجي : ص ١٠٥ ط السعيدية وص ١٠٣ ط العثمانية ، نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ١٨ ، الصواعق المحرقة ، ابن حجر : ٢٢٨ ، الغدير للأميني : ج٢ ص ٣٠٣ وج٣ ص ١٧٣.


أجمعين ، ولكن لا نفرد عليّاً بالسلام كما يقول الشيعة.

قال : فما رأيك في البخاري؟ أهو من الشيعة؟

قلت : إمام جليل من أئمة أهل السنّة والجماعة ، وكتابه أصحّ الكتب بعد كتاب الله.

عند ذلك قام وأخرج من مكتبته صحيح البخاري وفتحه وبحث عن الصفحة التي يريدها ، وأعطاني لأقرأ فيه : حدّثنا فلان عن فلان عن علي 7 ، ولم أصدّق عيني واستغربت حتى أنّني شككت أن يكون ذلك هو صحيح البخاري ، واضطربت وأعدت النظر في الصفحة وفي الغلاف!

ولمّا أحسّ صديقي بشكّي أخذ مني الكتاب وأخرج لي صفحة اُخرى فيها : حدّثنا علي بن الحسين 8 ، فما كان جوابي بعدها إلاّ أن قلت : سبحان الله واقتنع مني بهذا الجواب وتركني وخرج ، وبقيت أفكّر وأراجع قراءة تلك الصفحات وأتثبت في طبعة الكتاب فوجدتها من طبع ونشر شركة الحلبي وأولاده بمصر.

الإعتراف بالحق

يا إلهي ، لماذا أكابر وأعاند وقد أعطاني حجّة ملموسة من أصحّ الكتب عندنا ، والبخاري ليس شيعياً قطعاً ، وهو من أئمة أهل السنّة ومحدّثيهم ، أأسلم لهم بهذه الحقيقة وهي قولهم : علي 7 ، ولكن أخاف من هذه الحقيقة فلعلّها تتبعها حقائق أخرى لا أحبّ الاعتراف بها ، وقد انهزمت أمام صديقي مرّتين ، فقد تنازلت عن قداسة عبد القادر الجيلاني وسلّمت بأنّ موسى الكاظم 7 أولى منه ، وسلّمت أيضاً بأنّ عليّاً 7 هو أهل لذلك ، ولكنّي لا أُريد


هزيمة اُخرى ، وأنا الذي كنت منذ أيام قلائل عالماً في مصر أفخر بنفسي ويمجّدني علماء الأزهر الشريف ، أجد نفسي اليوم مهزوماً مغلوباً ومع من؟ مع الذين كنت ولا أزال أعتقد أنهم على خطأ ، فقد تعوّدت على أنّ كلمة « شيعة » هي مسبّة.

إنّه الكبرياء وحبّ الذات ، إنّها الأنانية واللجاج والعصبية ، إلهي ألهمني رشدي ، وأعنّي على تقبّل الحقيقة ولو كانت مرّة.

اللّهم افتح بصري وبصيرتي ، واهدني إلى صراطك المستقيم ، واجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، اللّهم أرنا الحق حقّاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.

رجع بي صديقي إلى البيت وأنا أردّد هذه الدعوات ، فقال مبتسماً : هدانا الله وإيّاكم وجميع المسلمين ، وقد قال في محكم كتابه : ( وَالَّذينَ جَاهَدوا فينَا لَنَهدِيَنَّهم سُبُلنا وإِنَّ اللهَ لَمع المُحسِنينَ ) (١).

والجهاد في هذه الآية يحمل معنى البحث العلمي للوصول إلى الحقيقة ، والله سبحانه يهدي إلى الحقِّ كلّ من بحث عن الحقّ (٢).

__________________

١ ـ سورة العنكبوت ، الآية : ٦٩.

٢ ـ كتاب : ثم اهتديت ، الدكتور التيجاني : ٤٤ ـ ٤٧.


المناظرة الثالثة عشر

مناظرة

الدكتور التيجاني مع بعض السنّة

في أمر بعض الصحابة

قال الدكتور التيجاني : كنت يوماً في العاصمة التونسية (١) داخل مسجد عظيم من مساجدها ، وبعد أداء فريضة الصلاة جلس الإمام وسط حلقة من المصلّين وبدأ درسه بالتنديد والتكفير لأولئك الذين يشتمون أصحاب النبي 9 واسترسل في حديثه قائلا :

إيّاكم من الذين يتكلّمون في أعراض الصحابة بدعوى البحث العلمي والوصول لمعرفة الحق ، فأولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، إنهم يريدون تشكيك الناس في دينهم ، وقد قال رسول الله9: « إذا وصل بكم الحديث إلى أصحابي فأمسكوا (٢)، فوالله لو أنفقتم مثل أحد ذهباً لما بلغتم معشار

__________________

١ ـ تونس : عاصمة الجمهورية التونسية ، وعاصمة البلاد السياسية والاقتصادية والثقافية ، وهي أهم مدينة وميناء فيها ومركز صناعي في البلاد. ( المنجد ـ قسم الإعلام ـ ص ١٩٧ ).

٢ ـ راجع : المعجم الكبير ، الطبراني : ٢/٩٦ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٧/٢٠٢ ، كتاب المجروحين ، ابن حبان : ٣/١١٥.


أحدهم » (١).

وقاطعه أحد المستبصرين كان يصحبني قائلا : هذا الحديث غير صحيح وهو مكذوب على رسول الله 6!

وثارت ثائرة الإمام وبعض الحاضرين! والتفتوا إلينا منكرين مشمئزين ، فتداركت الموقف متلطّفاً مع الإمام وقلت له : يا سيدي الشيخ الجليل ، ما هو ذنب المسلم الذي يقرأ في القرآن قوله : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إلاّ رَسولٌ قَد خَلَت من قَبلِهِ الرُّسُلُ أفإن ماتَ أو قُتِل انقَلبتُم على أَعقابِكُم ، وَمَن يَنقَلِب على عَقِبَيهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيئاً وَسَيجزي اللهُ الشاكِرين ) (٢).

الصحابة في صحيح البخاري ومسلم

وما هو ذنب المسلم الذي يقرأ في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم قول رسول الله 9 لأصحابه : « سيؤخذ بكم يوم القيامة إلى ذات الشمال ، فأقول : إلى أين؟ فيُقال : إلى النار والله ، فأقول : يا ربّ هؤلاء أصحابي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا من بعدك إنّهم لم يزالوا مرتدين منذ فارقتهم ، فأقول : سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي ، ولا أرى يخلصُ منهم إلاّ مثل همل النعم » (٣).

وكان الجميع يستمعون إليّ في صمت رهيب ، وسألني بعضهم : إن كنت واثقاً من وجود هذا الحديث في صحيح البخاري؟

__________________

١ ـ راجع : الشفا بتعريف حقوق المصطفى 6 ، القاضي عياض : ٢/٥٤ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٢٠/١١.

٢ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٤٤.

٣ ـ صحيح البخاري : ٧/٢٠٨ ـ ٢٠٩ و٨/٨٧ ، صحيح مسلم : ٧/٦٦ و٨/١٥٧.


وأجبتهم : نعم كوثوقي بأن الله واحد لا شريك له ، و محمداً عبدهُ ورسوله 6.

ولمّا عرف الإمام تأثيري في الحاضرين من خلال حفظي للأحاديث التي رويتها قال في هدوء : نحن قرأنا على مشايخنا رحمهم الله تعالى بأنّ الفتنة نائمة فلعن الله من أيقظها.

فقلت : يا سيدي الفتنة عمرها ما نامت ، ولكنّا نحن النائمون ، والذي يستيقظ منّا ويفتح عينيه ليعرف الحق تتهمونه بأنّه أيقظ الفتنة ، وعلى كل حال فإنّ المسلمين مطالبون باتّباع كتاب الله وسنّة رسوله 9 ، لا بما يقوله مشايخنا الذين يترضّون على معاوية ويزيد وابن العاص.

وقاطعني الإمام قائلا : وهل أنت لا تترضّى عن سيدنا معاوية ، كاتب الوحي؟

قلت : هذا موضوع يطول شرحه ، وإذا أردت معرفة رأيي في ذلك ، فأنا أهديك كتابي « ثمّ اهتديت » (١) لعلّه يوقظك من نومك ، ويفتح عينيك على بعض الحقائق! وتقبّل الإمام كلامي وهديّتي بشيء من التردّد ، ولكنّه وبعد شهر واحد كتب إليّ رسالة لطيفة يحمد الله فيها أن هداه إلى صراطه المستقيم وأظهر ولاءً وتعلّقاً بأهل البيت : وطلبتُ منه نشر رسالته في الطبعة الثالثة لما فيها من معاني الود وصفاء الرّوح التي متى ما عرفت الحق تعلّقت به وهي تعبّر عن حقيقة أكثر أهل السنّة الذين يميلون إلى الحق بمجرد رفع الستار.

__________________

١ ـ وقد شرح فيه كيفية استبصاره والأسباب التي دعته للأخذ بمذهب أهل البيت : وذلك بعد مسيرة ـ ليست قصيرة ـ من البحث والمناظرة في شتى مسائل الخلاف مع الأعلام والمحقّقين في النجف الأشرف وغيره.


ولكنّه طلب منّي كتم الرسالة وعدم نشرها ، لأنّه لا بدّ له من الوقت الكافي حتى يُقنع المجموعة التي تصلي خلفه ، وهو يحبذ أن تكون دعوته سلمية بدون هرج ومرج حسب تعبيره (١).

__________________

١ ـ كتاب فاسألوا أهل الذكر ، الدكتور التيجاني السماوي : ١١٥ ـ ١١٧.


المناظرة الرابعة عشر

مناظرة

الدكتور التيجاني مع بعض علماء العامة في بومباي

في بعض المفتريات على الشيعة (١)

قال الدكتور التيجاني في رسالته التي أرسلها إلى السيد أبي الحسن الندوي العالم الهندي ـ معتذراً له عن عدم زيارته له في الهند ـ :

سيدي العزيز قدمتُ إلى الهند في زيارة قصيرة ، وكان أملي أن التقي بحضرتكم لما أسمعه عنكم ، ولما أعلمه بأنّكم المشار إليه بين أهل السنّة والجماعة عندكم ، ولكن عاقني عن ذلك بُعدُ المسافة وضيق الوقت ، واكتفيت بزيارة مدينة بومباي وبونة وجبل بور وبعض المدن الأخرى في كوجراتي ، وتألمت كثيراً لما شاهدته في الهند من عداوة وبغضاء بين أهل السنة والجماعة وإخوانهم المسلمين من الشيعة.

وقد كنت أسمع بأنهم يتحاربون ويتقاتلون أحياناً ، وتُسفك دماء بريئة من الطرفين باسم الإسلام، ولم أكن أصدق، معتقداً بأنّه مبالغة في التشويه ، ولكنّ ما

__________________

١ ـ وسوف تأتي بعض مضامينها أيضاً في مناظرته مع المفتي عزيز الرحمان في بومباي ، وهي نفسها ذكرناهما لتفاوت مضامينهما.


شاهدته وما سمعته خلال زيارتي يبعث حقّاً على الحيرة والاستغراب ، وأيقنتُ بأنّ هناك نوايا خسيسة ، ومؤامرات خطيرة تُحاك ضد الإسلام والمسلمين ، للقضاء عليهم جميعاً سنّة وشيعة ، ومّما زاد يقيني وضوحاً وعلمي رسوخاً تلك المقابلة التي دارت بيني وبين مجموعة من علماء أهل السنّة يتقدّمهم الشيخ عزيز الرحمن مفتي الجماعة الإسلامية ، وكان اللقاء في مسجدهم بـ « بومباي » وبدعوة منهم.

وما أن حللتُ بينهم حتّى بدأ الازدراء والتهكّم والسبُّ واللّعنُ لشيعة آل البيت : وقد أرادوا بذلك استفزازي وإثارتي ، لعلمهم مُسبقاً بأنّي قد ألّفتُ كتاباً يدعو للتّمسك بمذهب أهل البيت ـ سلام الله عليهم ـ ولكنّي فهمتُ قصدهم ، وتمالكتُ أعصابي وابتسمتُ لهم قائلا : أنا ضيف عندكم ، وأنتم الذين دعوتموني فجئتكم مُسرعاً مُلبّياً ، فهل دعوتموني لتسبّوني وتشتموني ، وهل هذه هي الأخلاق التي علّمكم إيّاها الإسلام؟؟

فأجابوني بكل صلافة ، بأني لم أكن يوماً في حياتي مسلماً لأنني شيعي ، والشيعة ليسوا من الإسلام في شيء ، وأقسموا على ذلك.

قلتُ : اتّقوا الله يا إخوتي ، فربُّنا واحد ونبيُّنا واحد وكتابنا واحد وقبلتنا واحدة ، والشيعة يوحّدون الله ، ويعملون بالإسلام اقتداءاً بالنبي 9 وأهل بيته : ، وهم يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، ويحجّون بيت الله الحرام ، فكيف يجوز لكم تكفيرهم؟؟

أجابوني : أنتم لا تؤمنون بالقرآن ، أنتم منافقون تعملون بالتقية ، وإمامكم قال : التقية ديني ودين آبائي (١) ، وأنتم فرقة يهودية أسّسها عبد الله بن سبأ

__________________

١ ـ المحاسن ، البرقي : ٢٥٥ ح ٢٨٦ ، دعائم الإسلام ، القاضي المغربي : ١/١١٠.


اليهودي (١).

__________________

١ ـ هذه الفرية .. ألصقها أعداء الشيعة فيهم ليخرجوهم عن الإسلام ويُكرّهوا الناس فيهم!! ومما لا شك فيه أنهم يعلمون جزماً براءة الشيعة من هذه الدعوى الكاذبة المزيفة ، والتي لا أساس لها إلاّ كراهيتهم لهذا المبدأ القويم الذي أسس مبادئه النبي الكريم 9 ، وهو الذي دعى إليه وشيّد أركانه ، وإن شئت فأقرأ ما جاء عن رسول الله 9 فيهم ، ومن ذلك قوله لأمير المؤمنين 7 :

١ ـ إنك ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين. ( المعجم الأوسط ، الطبراني : ٤/١٨٧ ، مجمع الزوائد : ٩/١٣١ ، النهاية لابن الأثير : ٤/١٠٦ ).

٢ ـ أنت أول داخل الجنة من أمّتي ، وأن شيعتك على منابر من نور مسرورون مبيضة وجوههم حولي ، أشفع لهم فيكونون غداً في الجنة جيراني ( مجمع الزوائد : ٩/١٣١ ، كفاية الطالب ، الكنجي الشافعي : ١٣٥ المناقب ، الخوارزمي : ١٢٩ ح ١٤٣ ).

٣ ـ يا علي ، إن الله قد غفر لك ولذريتك ولولدك ولأهلك ولشيعتك ولمحبّي شيعتك ( الصواعق ، ابن حجر : ١٦١ ، ٢٣٢ ، ٢٣٥ ينابيع المودة : ٢/٤٥٢ ح ٢٥٢ ).

٤ ـ أنت وشيعتك في الجنة ( تاريخ بغداد/٢٨٤ : ١٢ ).

٥ ـ إذا كان يوم القيامة دُعي الناس بأسمائهم ، وأسماء اُمّهاتهم ستراً من الله عليهم إلاّ هذا ـ يعني علياً 7 ـ وشيعته فإنّهم يُدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحة ولادتهم ( مروج الذهب : ج ٢ ص ٤٤٨ دار الأندلس ، وج ٣ ص ٦ ط السعادة بمصر ).

وإن أردت المزيد في ذلك فراجع ما رواه المفسرون في قوله تعالى : ( إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات اُولئك هم خير البرية ) فقد رووا قول النبي 9 لعلي 7 : هم أنت وشيعتك. ( راجع : الدر المنثور ، السيوطي : ٦/٣٧٩ في تفسير الآية الكريمة ).

فبعد هذا كلّه هل تجد مسوغاً لأحد أن يطعن في شيعة أهل البيت : الذين امتدحهم النبي 9 وبشرهم بموالاتهم أمير المؤمنين 7 ، ودعاهم للتمسّك به والاعتصام بحبل ولائه ، إذن ما هو ذنبهم بعدما قامت عندهم الحجة البالغة التي تأخذ بإعناقهم حتى يتفوه عليهم كلّ أفّاك أثيم بالقول الباطل والبهتان؟ كأن لم يكن عندهم شغلٌ شاغل في الحياة الدنيا إلاّ التعرض للفرقة الناجية بالسوء والقدح فيهم.

وهنا أترك القارئ الكريم أن يقرأ هذه المقالة القيمة التي جاءت على لسان واحد من الذين نصروا أهل البيت : بأيديهم وقلوبهم وألسنتهم وهو العلامة الأميني عليه الرحمة في رده على ابن حزم


قلتُ لهم مبتسماً : دعونا من الشيعة ، وتكلّموا معي أنا شخصياً ، فقد كنتُ مالكياً مثلكم ، واقتنعتُ بعد بحث طويل بأن أهل البيت : هم أحق وأولى بالاتباع ، فهل عندكم حجّة تجادلوني بها ، أو تسألوني ما هو دليلي وحجّتي عسى أن نفهم بعضنا بعضاً؟

قالوا : أهل البيت هم نساء النبي 9 وأنتَ لا تعرف من القرآن شيئاً.

قلت : فإنّ صحيح البخاري وصحيح مسلم يُفيدان غير ما ذكرتم!

قالوا : كل ما في البخاري ومسلم ، وكتب السنة الأخرى من حجج

__________________

الذي كال التهم إلى الشيعة الإمامية بلا تثبت فيما كتبه عنهم! قال عليه الرحمة :

نعم ذنبهم الوحيد الذي لا يغفر عند ابن حزم أنّهم يوالون علياً أمير المؤمنين 7 وأولاده الأئمّة الأمناء صلوات الله عليهم إقتداءً بالكتاب والسنة ، ومن جزاء ذلك يستبيح صاحب الفصل من أعراضهم ما لا يُستباح من مسلم ، والله هو الحكم الفاصل.

وأما ما حسبه من أن مبدء التشيع كان إجابةً ممّن خذله الله لدعوة من كاد الإسلام ، وهو يريد عبدالله بن سبأ الذي قتله أمير المؤمنين 7 إحراقاً بالنار على مقالته الإلحادية وتبعته شيعته على لعنه والبراءة منه.

فمتى كان هذا الرجس من الحزب العلوي حتى تأخذ الشيعة منه مبدءَها القويم؟! وهل تجد شيعياً في غضون أجيالها وأدوارها ينتمي إلى هذا المخذول ويمتُّ به؟! لكن الرجل أبى إلاّ أن يقذفهم بكل مائنة وشائنة ، ولو استشفَّ الحقيقة لعلم بحق اليقين أنّ ملقي هذه البذرة ـ التشيع ـ هو مشرع الإسلام 9 يوم كان يُسمّي من يوالي علياً 7 بشيعته ويضيفهم إليه ويطريهم ويدعو أمّته إلى موالاته واتباعه.

ولتفاهة هذه الكلمة لا نسهب الإفاضة في ردّه ونقتصر على كلمة ذهبيّة للأُستاذ محمد كرد علي في خطط الشام : ج ٦ ص ٢٤٦ قال : أما ما ذهب إليه بعض الكتاب من أنَّ أصل مذهب التشيع من بدعة عبدالله بن سبأ المعروف بابن السوداء فهو وهمٌ!! وقلّة علم بتحقيق مذهبهم! ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم في ذلك ، علم مبلغ هذا القول من الصواب.

الغدير : ج ٣ ص ٩٤ ـ ٩٥ ، ولتقف أيضاً على المزيد من حقيقة هذا الإفتراء راجع نفس المصدر : ج ٨ ص ٣٨٠ ـ ٣٨٢ ، وج ٩ ص ٢١٨ ـ ٢٢٢.


تحتجّون بها هي من وضع الشيعة دسّوها في كتبنا.

أجبتهم ضاحكاً : إذا كان الشيعة وصلوا للدّس في كتبكم وفي صحاحكم فلا عبرة ولا قيمة لها ولا لمذهبكم القائم عليها!!

فسكتوا وأُفحموا ، ولكنّ أحدهم عَمَدَ إلى التهريج والإثارة من جديد فقال : من لا يؤمن بخلافة الخلفاء الراشدين سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا علي 7 وسيدنا معاوية وسيدنا يزيد فليس بمسلم!

ودهشت لهذا الكلام ، الذي ما سمعتُ مثله في حياتي ، وهو تكفير من لا يعتقد بخلافة معاوية وابنه يزيد ، وقلتُ في نفسي : معقول أن يترضّى المسلمون على أبي بكر وعمر وعثمان فهذا أمرٌطبيعي، أما على يزيد فلم أسمع ذلك إلاّ في الهند، والتفتُّ إليهم جميعاً أسألهم: أتوافقون هذا على رأيه! فأجابوا كلّهم : نعم.

وعند ذلك عرفتُ بأن لا فائدة في مواصلة الكلام ، وفهمتُ بأنهم إنّما يريدون إثارتي حتّى ينتقموا منّي ، وربّما يقتلوني بدعوى سبّ الصحابة فمن يدري؟

ورأيت في أعينهم شرّاً ، وطلبتُ من مرافقي الذي جاء بي إليهم أن يُخرجني فوراً ، فأخرجني وهو يتحسّر ويعتذر إليَّ على ما وقع ، وهذا الشخص البريء الذي كان يرمي من وراء هذا اللقاء أن يتعرّف على الحقيقة هو الشاب المهذّب شرف الدين صاحب المكتبة والمطبعة الإسلامية في « بومباي » فهو شاهد على كل ما دار بيننا من هذه المحاورة المذكورة ، ولم يُخفِ استياءه من هؤلاء الذين كان يعتقد بأنهم من أكابر العلماء (١).

__________________

١ ـ كتاب : فاسألوا أهل الذكر ، الدكتور التيجاني : ١١ ـ ١٣.


المناظرة الخامسة عشر

مناظرة

الدكتور التيجاني التونسي مع طه المصري (١)

في حديث الثقلين

يقول الدكتور التيجاني في رحلته إلى مصر : وصادف ذات يوم أن دخلنا إلى مسجد سيِّدنا الحسين 7 لأداء صلاة الظهر ، وما أنهيت الصلاة ورفعت رأسي أقرأ الكتابات والنقوش الدائرة على جدران المسجد حتى شدَّني حديث الثقلين المكتوب قرب المحراب ، وفيه إضاءة كهربائيّة ، ناديت طه وطلبت منه قراءة الحديث ، قرأ : إني تارك فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلُّوا بعدي أبداً : كتاب الله وعترتي أهل بيتي (٢) ، فصاح يقول : مش معقول ، أنت ـ يا تيجاني ـ جئت بهذا الحديث وعلَّقته هنا؟!

وزادني استغراب طه فرحاً وسروراً؛ لأنه طالما جادلني في مضمون هذا الحديث ، وأنكر أن يقول الرسول6: كتاب الله وعترتي ، بل كان دائماً يردِّد : كتاب الله وسنّتي ، وادّعى أنه ماسمع طيلة عمره أحداً يحدِّث بحديث: كتاب الله

__________________

١ ـ أكمل دراسته في النمسا ، وهو شابٌّ له اطّلاع وثقافة واسعة ، وقد تبع التيجاني في تجولاته في مصر وقت زيارته لها سنة ١٩٨٥ م.

٢ ـ تقدمت تخريجاته في المناظرة الخامسة.


وعترتي ..

أخرجته من المسجد ، ثمَّ اتّجهت به إلى الأزهر الشريف حيث كان هناك معرض للكتاب ، قلت له : يا طه! اتق الله ولا تتكبَّر ، فأنا ما جئت بشيء من عندي ، وإن كان الحديث المكتوب في المسجد قد علَّقته أنا في هذه الأيام ، فما هو ردُّك على صحيح مسلم الذي بين يديك الآن ، وهو يباع في معرض الكتاب ، وهو من أقدم الكتب الإسلاميّة؟

قال : وهل فيه حديث : عترتي؟

فتحت له باب فضائل أهل البيت : وأطلعته على الحديث (١) ، فقرأه مرَّتين أو ثلاثاً ، فسكت طويلا وكأنه يفكِّر ، مصفرّاً وجهه ، وكأنه يعيد أنفاسه.

قلت : هذا غيض من فيض ، فلو أردت سأطلعك على عشرات الأحاديث التي تؤيِّد هذا المعنى ، وكلها من صحاح السنة.

قال بصوت خافت : الآن تشيَّعت ، واقتنعت بكل أقوالك في حقّ أهل البيت :.

وعمل طه في السهرات المتتالية على إقناع من تبقَّى من المجموعة ، وكان يؤيِّد كل ما أقول بالشواهد والأدلّة ، ويتحمَّس لها ، فتشيَّع بقية الشبّان ، وعددهم ثمانية (٢).

__________________

١ ـ جاء في صحيح مسلم : ٧/١٢٢ ـ ١٢٣ عن زيد بن أرقم قال : قام رسول الله 6 يوماً فينا خطيباً ، بماء يدعى خمّاً ، بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكَّر ، ثمَّ قال : أمَّا بعد ، ألا أيُّها الناس! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب الله ، فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحثَّ على كتاب الله ورغَّب فيه ، ثمَّ قال : وأهل بيتي ، أذكِّركم الله في أهل بيتي ، أذكركِّم الله في أهل بيتي ، أذكركِّم الله في أهل بيتي.

٢ ـ كتاب : فسيروا في الأرض فانظروا ، التيجاني السماوي : ١٨ ـ ١٩.


المناظرة السادسة عشر

مناظرة

الدكتور التيجاني التونسي مع بعض مرافقيه

في تايلاند فيما جرى على الأُمّة بعد النبيِّ 6

ورزية يوم الخميس

يقول الدكتور التيجاني في حديثه عن زيارته إلى تايلاند ـ بعد أن ذكر زيارته لمفتي جمهورية تايلاند ـ : وخرجت من عنده ، وركبت السيارة مع الأخ عبد الله النجفي ، وأنا أنظر إلى البنايات العالية وناطحات السحاب ، وأستحضر في خاطري عدد السكان في تايلاند ، الذي يتعدَّى الستين مليون نسمة ، منهم أكثر من أربعين مليون يعبدون الأصنام ، ويقيمون في كل مكان تمثالا لبوذا ، وما عبد فيها من الأصنام ، ثمَّ أستحضر عدد البوذيين في العالم ، وعدد الملحدين ، وعدد النصارى واليهود ، ثمَّ أستعرض عدد المظلَّلين من أمَّة محمّد 6 ، فأقول بصوت باك : ماذا ستلقى عند ربِّك يابن الخطاب؟

قال أحد المرافقين : وما دخل ابن الخطاب في هذا؟

قلت : إنّه هو المسؤول عن كل ضلالة حدثت بعد وفاة الرسول 6.

قال : عجيب! بشر واحد يتسبَّب في ضلالة أمَّة كاملة؟

قلت : وما العجيب في ذلك؟ لقد حكى لنا القرآن الكريم أن رجلا واحداً


اسمه السامري تسبَّب في ضلالة بني إسرائيل إلاَّ القليل القليل ، وهي أمَّة بأسرها ، كل ذلك مع وجود رسول الله موسى 7 ، وفيهم هارون 7 ، وغياب موسى 7 ، فما بالك بأمَّة توفِّي نبيُّها ، وأبعد وليُّها وصيُّ رسول الله 6 عنها حتى كادوا يقتلونه لو لا سكوته؟

فأنا أؤمن متيقِّناً أنه لو لا وقوف عمر تلك الوقفة الجريئة على الله ورسوله ، ومنعه الناس أن يدخلوا بيت رسول الله 6 ، وادّعائه أن محمّداً لم يمت ، وتهديده بالقتل من يقول بذلك.

أقول : لولا الوقفتان لما اختلف الناس ووقعوا في الضلالة.

قال مرافقي : فهمنا موقفه من رزيَّة يوم الخميس (١)، وأنه لو كتب ذلك الكتاب لما اختلف من الأمَّة اثنان كما قال ابن عباس(٢)، ولكن لم نفهم موقفه من

__________________

١ ـ والذي سمَّاها رزيّة هو ابن عباس ، وذلك لمَّا منع عمر رسول الله 6 من كتابة الكتاب ، وقد رواها البخاري ، فقد روى أنَّ عبيد الله قال : وكان ابن عباس يقول : إن الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول الله 6 وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. صحيح البخاري : ٧/٩ و٨/١٦١ ، صحيح مسلم : ٥/٧٦ وقد تقدَّم المزيد من تخريجات هذا الحديث في مناظرة السيِّد الرضوي مع الدكتور طه حسين.

٢ ـ روى أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس قال : إنّي كنت عند عبد الله بن عباس في بيته ، وعنده رهط من الشيعة ، قال : فذكروا رسول الله 6 وموته ، فبكى ابن عباس ، وقال : قال رسول الله 6 يوم الاثنين ـ وهو اليوم الذي قبض فيه ـ وحوله أهل بيته وثلاثون رجلا من أصحابه : ايتوني بكتف أكتب لكم فيه كتاباً لن تضلُّوا بعدي ، ولن تختلفوا بعدي ، فمنعهم ( فلان ) فقال : إن رسول الله يهجر ، فغضب رسول الله 6 وقال : إني أراكم تخالفوني وأنا حيٌّ ، فكيف بعد موتي؟ فترك الكتف.

قال سليم : ثمَّ أقبل عليَّ ابن عباس فقال : يا سليم! لو لا ما قال ذلك الرجل لكتب لنا كتاباً لا يضلُّ أحد ولا يختلف ، فقال رجل من القوم : ومن ذلك الرجل؟ فقال : ليس إلى ذلك سبيل ، فخلوت بابن عباس


منع الناس أن يدخلوا بيت النبيِّ 6 بعد وفاته ، وقوله : بأنه لم يمت ، فهل عندك تفسير لذلك؟

قلت : طبعاً ، الأمر واضح وضوح الشمس ، لأن عمر أدرك بدهائه أن الصحابة إذا ما دخلوا إلى البيت النبويِّ ، ورأوه ميِّتاً وإلى جانبه الإمام علي 7 فسيبايعونه على الفور ، وإذا ما بايع جمع من الصحابة عليّاً 7 فسيكون من المستحيل بعدها مبايعة خليفة ثان.

قال مرافقي عند سماعه هذا التحليل : الله أكبر! من يفكر بهذا التفكير؟ .. إلخ (١).

لماذا لم يدعُ أميرالمؤمنين 7 الناس إلى بيعته ولم يغتنم الفرصة؟

ولعلّه يقول قائل : إذا كان الخليفة إنّما فعل ما فعل ليحول بين الناس وبين بيعة أميرالمؤمنين 7 فهذه الخطّة إذن لم تكن لتخفى على أميرالمؤمنين 7 ، فلماذا لم يخرج إلى الناس ويخبرهم بحقيقة الأمر ، ويدعوهم للبيعة لنفسه؟

والجواب على ذلك نفهمه من خلال كلام أميرالمؤمنين7مع عمِّه العباس ابن عبد المطلب ، فقد روى الشيخ المفيد عليه الرحمة أن العباس قال لعلي 7 في اليوم الذي قبض فيه رسول الله6بما اتفق عليه أهل النقل: ابسط يدك ـ يا بن أخ ـ أبايعك ، فيقول الناس : عمُّ رسول الله بايع ابن أخيه ، فلا يختلف عليك

__________________

بعد ما قام القوم ، فقال : هو عمر ، فقلت : صدقت ، قد سمعت عليّاً 7 وسلمان وأبا ذر والمقداد يقولون : إنه عمر ، فقال : يا سليم! اكتم إلاَّ ممن تثق بهم من إخوانك ، فإن قلوب هذه الأمَّة .. إلخ.

كتاب سليم بن قيس ، تحقيق محمّد باقر الأنصاري : ٣٢٤ ، بحار الأنوار ، المجلسي : ٢٢/٤٩٧ ـ ٤٩٨ ح ٤٤.

١ ـ فسيروا في الأرض فانظروا ، الدكتور محمّد التيجاني : ٣١٣ ـ ٣١٥.


اثنان ، فقال له علي 7 : إن رسول الله 6 عهد إليَّ أن لا أدعو أحداً حتى يأتوني ، ولا أجرِّد سيفاً حتى يبايعوني ، ومع هذا فلي برسول الله شغل (١).

وفي رواية الجوهري : قال العباس بن عبد المطلب لعليٍّ 7 في حوار له معه : فلمَّا قبض رسول الله 6 أتانا أبو سفيان بن حرب تلك الساعة ، فدعوناك إلى أن نبايعك ، وقلت لك : ابسط يدك أبايعك ، ويبايعك هذا الشيخ ، فإنّا إن بايعناك لم يختلف عليك أحد من بني عبد مناف ، وإذا بايعك بنو عبد مناف لم يختلف عليك أحد من قريش ، وإذا بايعتك قريش لم يختلف عليك أحد من العرب ، فقلت : لنا بجهاز رسول الله 6 شغل ، وهذا الأمر فليس نخشى عليه ، فلم نلبث أن سمعنا التكبير من سقيفة بني ساعدة .. (٢).

وقال المقريزي : وفي رواية : أن العباس قال لعلي 7 : هلمَّ يدك أبايعك ، فقال : إن لي برسول الله شغلا ، ومن ذاك الذي ينازعنا هذا الأمر؟ (٣).

وقال ابن قتيبة الدينورى : فلمَّا قبض رسول الله 6 قال العباس لعلي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه : ابسط يدك أبايعك ، فيقال : عمُّ رسول الله بايع ابن عمِّ رسول الله 6 ، ويبايعك أهل بيتك ، فإن هذا الأمر إذا كان لم يقل ، فقال له عليٌّ كرَّم الله وجهه : ومن يطلب هذا الأمر غيرنا؟ (٤).

وعن أبي جعفر محمّد بن علي8أن عليّاً حمل فاطمة 3 على حمار ، وسار بها ليلا إلى بيوت الأنصار، يسألهم النصرة ، وتسألهم فاطمة الانتصار له ،

__________________

١ ـ الفصول المختارة ، المفيد : ٣٤١.

٢ ـ السقيفة وفدك ، الجوهري : ٤٤ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٢/٤٨.

٣ ـ النزاع والتخاصم ، المقريزي : ٧٨.

٤ ـ الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة الدينوري : ٢١.


فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله! قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، لو كان ابن عمِّك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به ، فقال علي : أكنت أترك رسول الله ميّتاً في بيته لا أجهِّزه پ (١) ، وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه؟ وقالت فاطمة : ما صنع أبو حسن إلاَّ ما كان ينبغي له ، وصنعوا هم ما الله حسبهم عليه (٢).

والأمر واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان ، فحاش أميرالمؤمنين علياً 7 أن يترك النبيَّ 6 جنازة ، ويخرج في طلب الخلافة ، فهو ليس بحاجة لها ولا للناس ، بل الناس في حاجة إليه ، فجلس إلى جانب أخيه وابن عمِّه باكي العين حزين القلب ، وقد هدَّ ركنه هذا المصاب الجلل ..

وقد جاء هذا المعنى أيضاً في احتجاجات فاطمة الزهراء 3 ، فقد قالت للقوم : لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم ، تركتم رسول الله 6 جنازة بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ، ولم تردُّوا لنا حقّاً (٣).

ثمَّ إن عليّاً 7 هو خليفة رسول الله 6 بما عقد له من الولاية والخلافة والطاعة يوم غدير خمٍّ وغيره ، وهو إمام بايعه الناس أو لم يبايعه ، وليس على الإمام أن يذهب إلى الناس ليبايعوه ، بل على الناس أن يأتوه للبيعة طائعين ، ولا يبايعوا غيره ، فهو 7 كالكعبة تؤتى ولا تأتي (٤) وهذا ـ طبعاً ـ لا يعني أن يسكت

__________________

١ ـ في رواية ابن قتيبة : أفكنت أدع رسول الله 6 في بيته لم أدفنه؟

٢ ـ السقيفة وفدك ، الجوهري : ٦٣ ـ ٦٤ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٦/١٣ ، الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : ١/٢٩ ـ ٣٠.

٣ ـ الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة الدينوري : ١/٣٠.

٤ ـ روي عن أبي الحسن موسى ، عن أبيه 8 أن رسول الله 6 قال لعلي 7 : إنما مثلك في الأمة مثل الكعبة التي نصبها الله علماً ، وإنما تؤتى من كل فجٍّ عميق ونأي سحيق ، ولا تأتي ... الحديث. وسائل


أميرالمؤمنين 7 عن حقِّه ، أو يترك الاحتجاج ولا يعلن ظلامته.

هذا والمتتبِّع لكلمات أميرالمؤمنين 7 يجد الكثير من هذه الاحتجاجات الصريحة في ذلك (١) ، وهي كفيلة أن توقف كل من قرأها على الحقيقة ، ومن هو صاحب الخلافة والذي تجب له البيعة والطاعة.

كلام فاطمة الزهراء 3 في النصِّ على أميرالمؤمنين 7 بالخلافة ولماذا قعد عن حقّه

قال محمود بن لبيد : لمَّا قبض رسول الله 6 كانت فاطمة تأتي قبور الشهداء ، وتأتي قبر حمزة ، وتبكي هناك ، فلمَّا كان في بعض الأيام أتيت قبر حمزة رضي الله عنه ، فوجدتها ـ صلوات الله عليها ـ تبكي هناك ، فأمهلتها حتى سكتت ، فأتيتها وسلَّمت عليها ، وقلت : يا سيِّدة النسوان! قد والله قطَّعتِ أنياط قلبي من بكائك.

فقالت : يا أبا عمر! يحقُّ لي البكاء ، ولقد أصبت بخير الآباء رسول الله 6 ، واشوقاه إلى رسول الله ، ثمَّ أنشأت 3 تقول :

__________________

الشيعة ، الحرّ العاملي : ٤/٣٠٢.

وفي تفسير الثعلبي بسنده ، قال : قال رسول الله 6 : مثل عليٍّ فيكم ـ أو قال : في هذه الأمّة ـ مثل الكعبة المستورة أو المشهورة ، النظر إليها عبادة ، والحجُّ إليها فريضة. المناقب ، ابن المغازلي : ١٠٧ ، رقم : ١٤٩.

١ ـ راجع الجزء الثالث من كتابنا المناظرات : ص ٣٧ ـ ٥١ في احتجاجات أميرالمؤمنين 7 ، ومن احتجاجاته قوله 7 : يا معشر المهاجرين! الله الله ، لا تخرجوا سلطان محمّد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه ، فوالله ـ يا معشر المهاجرين ـ لنحن أهل البيت أحقُّ بهذا الأمر منكم .. إلخ. السقيفة وفدك ، الجوهري : ٦٣.


إذا مات يوماً ميِّت قلَّ ذكره

وذكر أبي مذ مات والله أكثر

قلت : يا سيِّدتي! إني سائلك عن مسألة تلجلج في صدري.

قالت : سل.

قلت : هل نصَّ رسول الله 6 قبل وفاته على عليٍّ بالإمامة؟

قالت : واعجباه! أنسيتم يوم غدير خمّ؟!

قلت : قد كان ذلك ، ولكن أخبريني بما أسرَّ إليك.

قالت : أشهد الله تعالى لقد سمعته يقول : عليٌّ خير من أخلِّفه فيكم ، وهو الإمام والخليفة بعدي ، وسبطاي وتسعة من صلب الحسين أئمة أبرار ، لئن اتبعتموهم وجدتموهم هادين مهديين ، ولئن خالفتموهم ليكون الاختلاف فيكم إلى يوم القيامة.

قلت : يا سيِّدتي! فما باله قعد عن حقه؟

قالت : يا أبا عمر! لقد قال رسول الله 6 : مثل الإمام مثل الكعبة ؛ إذ تؤتى ولا تأتي ، أو قالت : مثل عليٍّ 7 ـ ثمَّ قالت : أما والله لو تركوا الحقَّ على أهله ، واتبعوا عترة نبيِّه لما اختلف في الله تعالى اثنان ، ولورثها سلف عن سلف ، وخلف بعد خلف حتى يقوم قائمنا ، التاسع من ولد الحسين ، ولكن قدَّموا من أخَّره الله ، وأخَّروا من قدَّمه الله ، حتى إذا ألحد المبعوث ، وأودعوه الجدث المجدوث ، واختاروا بشهوتهم ، وعملوا بآرائهم ، تبّاً لهم أو لم يسمعوا الله يقول : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) (١) ، بل سمعوا ، ولكنّهم كما قال الله سبحانه : ( فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الاَْبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) (٢) ،

__________________

١ ـ سورة القصص ، الآية : ٦٨.

٢ ـ سورة الحج ، الآية : ٤٦.


هيهات ، بسطوا في الدنيا آمالهم ، ونسوا آجالهم ، فتعساً لهم وأضلَّ أعمالهم ، أعوذ بك ـ يا ربِّ ـ من الحور بعد الكور (١).

قال كليب بن معاوية الصيداوي : قال أبو عبد الله جعفر بن محمّد 7 : ما يمنعكم إذا كلَّمكم الناس أن تقولوا : ذهبنا من حيث ذهب الله ، واخترنا من حيث اختار الله ، إن الله سبحانه اختار محمّداً ، واختار لنا آل محمّد ، فنحن متمسِّكون بالخيرة من الله عزّوجل (٢).

كلام الشيخ المفيد عليه الرحمة في حديث العباس لأمير المؤمنين 7

قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : وما رأيت أوهن ولا أضعف من تعلُّق المعتزلة ومتكلِّمي المجبِّرة بقول العباس بن عبد المطلب 4 لأميرالمؤمنين 7 بعد وفاة رسول الله 6 : امدد يدك ـ يا بن أخ ـ أبايعك ، فيقول الناس : عمُّ رسول الله بايع ابن أخيه ، فلا يختلف عليك اثنان ، وقد ادّعوا أن في هذا دليلا على أن رسول الله 6 لم ينصَّ على أميرالمؤمنين 7 ، وقولهم : إنَّه لو كان نصَّ عليه لم يدعه العباس إلى البيعة ؛ لأن المنصوص عليه لا يفتقر في إمامته وكمالها إلى البيعة ، فلمَّا دعاه العباس إلى عقد إمامته من حيث تنعقد الإمامة التي تكون بالاختيار دلَّ على بطلان النصِّ.

وهذا الكلام مع وهنه فقدحار قوم من الشيعة عن فهم الغرض فيه، وعدلوا عن نقضه من وجهه ، وقد كنت قلت لمناظر اعتمد عليه في حجاجه في الإمامة ، ورام به مناقضتي في مجلس من مجالس النظر أقوالا، أنا أورد مختصراً منها ،

__________________

١ ـ كفاية الأثر ، الخزاز القمي : ١٩٨ ـ ٢٠٠.

٢ ـ الأمالي ، الطوسي : ٢٢٧ ح ٤٧ ، بحار الأنوار ، المجلسي : ٢٧/٣٢٦ ح ٥.


وأعتمد على بعضها ، إذ كان شرح ذلك يطول.

وهو أن يقال لهم : إن كان دعاء العباس أميرالمؤمنين 7 إلى البيعة يدلُّ على ما زعمتم من بطلان النصِّ وثبوت الإمامة من جهة الاختيار فيجب أن يكون دعاء النبي 6 الأنصار إلى بيعته في ليلة العقبة ، ودعاؤه المسلمين من المهاجرين والأنصار تحت شجرة الرضوان ، دليلا على أن نبوَّته 6 إنما ثبتت له من جهة الاختيار ، فإنّه لو كان ثابت الطاعة من قبل الله عزَّ وجلَّ وإرساله له ، وكان المعجز دليل نبوَّته ، لا ستغنى عن البيعة له تارة بعد أخرى ، فإن قلتم ذلك خرجتم عن الملّة ، وإن أثبتموه نقضتم العلّة عليكم.

فإن قالوا : إنّ بيعة الناس لرسول الله 6 لم تك لإثبات نبوَّته ، وإنما كانت للعهد في نصرته ، بعد معرفة حقِّه وصدقه فيما أتى به عن الله عزَّ وجلَّ من رسالته.

قيل لهم : أحسنتم في هذا القول ، وكذلك كان دعاء العباس أميرالمؤمنين 7 إلى بسط اليد إلى البيعة ، فإنما كان بعد ثبوت إمامته بتجديد العهد في نصرته ، والحرب لمخالفيه وأهل مضادّته ، ولم يحتج 7 إليها في إثبات إمامته.

ويدلُّ على ما ذكرناه قول العباس : يقول الناس : عمُّ رسول الله بايع ابن أخيه ، فلا يختلف عليك إثنان ، فعلَّق الاتفاق بوقوع البيعة ، ولم يكن لتعلُّقه بها إلاَّ وهي بيعة الحرب التي يرهب عندها الأعداء ، ويحذرون من الخلاف ، ولو كانت بيعة الاختيار من جهة الشورى والاجتهاد لما منع ذلك من الاختلاف ، بل كانت نفسها الطريق إلى تشتُّت الرأي ، وتعلُّق كل قبيل باجتهاده واختياره.

أو لا ترى إلى جواب أميرالمؤمنين 7 بقوله : يا عمّ! إن لي برسول


الله 6 أعظم شغل عن ذلك ، ولو كانت بيعته عقد الإمامة لما شغله عنها شاغل ، ولما كانت قاطعة له عن مراده في القيام برسول الله 6.

أو لا ترى أنه لما ألحَّ عليه العباس في هذا الباب قال : يا عمّ! إن رسول الله 6 أوصى إليَّ ، وأوصاني أن لا أجرِّد سيفاً بعده حتى يأتيني الناس طوعاً ، وأمرني بجمع القرآن والصمت حتى يجعل الله عزَّ وجلَّ لي مخرجاً ، فدلَّ ذلك أيضاً على أن البيعة إنّما دعا إليها للنصرة والحرب ، وأنّه لا تعلُّق لثبوت الإمامة بها ، وأن الاختيار ليس منها في قبيل ولا دبير على ما وصفناه.

ووجه آخر وهو : أنَّ القوم لمَّا أنكروا النصَّ ، وأظهروا أن الإمامة تثبت لهم من طريق الاختيار ، أراد العباس أن يكيدهم من حيث ذهبوا إليه ، ويبطل أمرهم بنفس ما جعلوه طريقاً لهم إلى الظلم ، وجحد النصِّ ، فقال لأميرالمؤمنين 7 : ابسط يدك أبايعك ، فإن سلَّموا الحقَّ لأهله لم تضرَّك البيعة ، وإن ادّعوا الشورى والاختيار ، وأنكروا حقَّك كان لك من البيعة والاختيار والعقد مثل ما لهم ، فلم يمكنهم الاستبداد بالأمر دونك ، فأبى أميرالمؤمنين 7 ذلك ، وكره أن يتوصَّل إلى حقِّه بباطل لا يوصل إليه ، وبرهان أمره يقهر القلوب بظهور النصِّ عليه ، ولأنّه كره أن يبسط يده للبيعة فيلزمه بعد ذلك تجريد السيف على دافعيه الأمر ، فلا يستقيم له ـ مع الاختيار وعقد القوم له ـ أن يلزم التقيّة ، وقد تقدَّمت الوصيَّة له من النبيِّ 6 بالكفِّ عن الحرب مخافة بطلان الدين ودرس الإسلام.

وقد بيَّن ذلك في مقاله 7 ، حيث يقول : أما والله ، لو لا قرب عهد الناس بالكفر لجاهدتهم ، فعدل عن قبول البيعة لما ذكرناه.

فإن قال بعضهم في هذا الجواب : قد وصل إلى حقِّه كما زعمتم بعد عثمان بالاختيار ، ودخل في الشورى ، فكيف استجاز التوصُّل إلى الحقِّ بالباطل على ما فهمناه عنكم من الجواب؟


قيل له : يقول القوم : إنّما ساغ له ذلك في الشورى وبعد عثمان لخفاء النصِّ عليه في تلك الأحوال ، واندراس أمره بمرور الزمان على دفعه عن حقِّه ، فلم يجد إذ ذاك من ظهور فرض طاعته ما كان عند وفاة رسول الله 6 ، فاضطرَّ إلى التوصُّل إلى حقِّه من حيث جعلوه طريقاً إلى التأمير على الناس ، على أن القوم جمعوا بين علّتين : إحداهما ما ذكرناه ، والأخرى ما أردفناه المذكور من وجوب الجهاد عليه بعد قبول البيعة ، ولم يكن في الأول يجوز له ذلك ؛ للوصيَّة المتقدِّمة من النبيِّ 6 في الكفِّ عن السيف ، ولما رآه في ذلك من الاستصلاح ، وكانت الحال بعد عمر وبعد عثمان على خلاف ما ذكرناه ، وهذا يبطل ما تعلَّقتم به.

ووجه آخر ـ وهو المعتمد عندي في هذا الجواب عن هذا السؤال ، والمعوَّل عليه دون ما سواه ـ وهو : أن أميرالمؤمنين 7 لم يتوصَّل إلى حقِّه في حال من الأحوال بما يوصل إليه من اختيار الناس له على ما ظنَّه الخصوم.

وذلك أنّه 7 احتجَّ في يوم الشورى بنصوص رسول الله 6 الموجبة له فرض الطاعة ، كقوله : أفيكم أحد قال له رسول الله 6 : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، غيري؟ أفيكم أحد قال له رسول الله 6 : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنه لا نبيَّ بعدي ، غيري؟

وأشباه هذا من الكلام الموجب لإمامة صاحبه ، بدليله المغني له عن اختيار العباد ، ولمَّا قتل عثمان لم يدع أحداً إلى اختياره ، لكنَّه دعاهم إلى بيعته على النصرة له ، والإقرار بالطاعة ، وليس في هذا من معنى الاختيار الذي يذهب إليه المخالفون شيء على كل حال ، والجواب الأول لي خاصة ، والثاني لأصحابنا ، وقد نصرته بموجز من الكلام ... (١).

__________________

١ ـ الفصول المختارة ، المفيد : ٢٤٩ ـ ٢٥٢.


المناظرة السابعة عشر

مناظرة

الدكتور التيجاني مع الشيخ علي في كينيا

في أمر الصحابة واجتهاداتهم ومسألة رضاعة الكبير

في الموطأ والبخاري

يقول الدكتور التيجاني السماوي في حديثه عن رحلته إلى كينيا ، وتعرُّفه على الشيخ علي في كينيا ، وكان هو إمام الجماعة هناك ، وله شعبيَّة واسعة ، ويحفُّ به طلاب العلم وعامة الناس ، وكان على مذهب السنة :

وفي الصباح جاء الأصدقاء مهنئين ومباركين ليتناولوا فطور الصباح عندي ، وكان من بينهم الشيخ علي ، وقد حمل كل منهم إليَّ هديَّة بسيطة ، واغتنمتها فرصة ، فأهديت لكل واحد منهم نسخة من كتاب : ثم اهتديت ، وطلبت من الشيخ علي أن يقرأه ويعطيني رأيه ، وأشعرته بأن مكانته العلميَّة ، وكثرة اطلاعاته تبوِّئه رئاسة الجميع ، وإنّي شخصيّاً مهتمٌّ بأفكاره وكل ما يصدر عنه.

وبعد أسبوع دعاني وزوجتي للعشاء عنده في بيته ، وجلست معه وبعض الأصدقاء على الطعام ، بينما دخلت الزوجة مع النساء حسب الأصول والعادات العربيّة.


سألت خلال السهرة الشيخ علي وبعدما أراني مكتبته القيِّمة ، سألته عن رأيه في كتابي : ثم اهتديت.

قال : من حيث الأسلوب فهو رائع ، يشدُّ القارئ شدّاً عجيباً ، ولكن من حيث الموضوع فهو جدّاً خطير.

قلت : أين يكمن الخطر ، فرأيك يهمُّني؟

قال : في نقد الصحابة وقدحهم ، فنحن ما عرفنا الإسلام الذي جاء به محمَّد 6 إلاَّ من خلالهم.

قلت : هذا صحيح لو كان الأمر يتعلَّق بجميعهم ، ولكن الحمد لله لم يمسَّ القدح والنقد إلاَّ البعض منهم ، الذين شهد التأريخ بانحرافهم ، والبعد عن سنَّة نبيهم 6 ، وأنت بحمد الله ممن عرف التأريخ وأحداثه ، وعرف اختلافهم ، وما سبَّبوه لنا من مشاكل وانقسامات داخل الأمَّة الواحدة.

قال باعتزاز : أنا أعلم كل ذلك ، ولكن الذين قسموا الأمَّة هم بنو أميَّة ، وعلى رأسهم معاوية ، وقد نصَّ على ذلك رسول الله 6 في حياته عندما قال : الخلافة من بعدي ثلاثون سنة ثمَّ ملك عضوض (١) ، واسترسل يسبُّ بني أميَّة ويشتمهم ، ويمدح الخلفاء الراشدين ، وهو يحاول بذلك إقناع الحاضرين بأفكاره ، فتركته يتكلَّم حتى سكت.

قلت : اتق الله يا شيخ علي ، فالله سبحانه وتعالى لا يحبُّ العلماء الذين يعرفون الحقَّ ويكتمونه ، فقد قال جلَّ من قائل : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ

__________________

١ ـ راجع : المعجم الكبير ، الطبراني : ٧/٨٣ ـ ٨٤ ، أسد الغابة ، ابن الأثير : ٢/٣٢٤.


اللاَّعِنُونَ ) (١).

فهل اغتصب بنو أميَّة خلافة علي بن أبي طالب 7 التي نصَّ عليها رسول الله 6 في غدير خم (٢)؟

هل اغتصب بنو أميَّة حقَّ الزهراء سلام الله عليها في النحلة والخمس والميراث ، حتى ماتت غاضبة تدعو الله عليهم في كل صلاة؟

هل أحرق بنو أميَّة ما جمع من سنَّة النبيِّ 6 ، ومنعوا الناس من

التحدُّث بها (٣)؟

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٥٩.

٢ ـ لا شكَّ أن بني أميَّة من الغاصبين لخلافة أميرالمؤمنين 7 وأولاده الطاهرين : ، ولكنَّ مقصود الدكتور التيجاني اغتصاب الخلافة بعد الرسول 6 مباشرة ، والإقصاء الذي تمَّ على أيدي القوم لعترة النبي 6.

٣ ـ إحراق أبي بكر خمس مائة حديث.

روى الذهبي في تذكرة الحفاظ : ١/٥ عن القاسم بن محمّد قال : قالت عائشة : جمع أبي الحديث عن رسول الله 6 ، وكانت خمسمائة حديث ، فبات ليلته يتقلَّب كثيراً ، قالت : فغمَّني ، فقلت : أتتقلَّب لشكوى أو لشيء بلغك؟ فلمَّا أصبح قال : أي بنيَّة! هلمّي الأحاديث التي عندك ، فجئته بها ، فدعا بنار فحرقها ، فقلت : لم أحرقتها؟ قال : خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت ولم يكن كما حدَّثني فأكون قد نقلت ذاك.

أقول : كان على الخليفة حينما خشي هذا الأمر أن يُرجع الأحاديث إلى أصحابها ، لا أن يحرقها ويتلفها ، ولو كان هذا الخوف أمراً عقلائيّاً لما وصلنا شيء من كتب السنن والحديث ، لأن كل كتاب يحوي جملة من الأحاديث الشريفة يحتمل فيها هذا الاحتمال ، وأنت ترى أنَّ سيرة المسلمين قامت على اقتناء كتب الحديث والسنن ، ويرون إتلافها أمراً قبيحاً مستهجناً ، فلو أن أحداً جمع كتب السنن والحديث وأحرقها بذريعة هذا العذر لما كان مقبولا منه ، وحتى الراوي نفسه الذي سمع آلاف الأحاديث النبويّة وجمعها ثمَّ أحرقها بهذه الحجّة ليس معذوراً.

وجاء أيضاً في تذكرة الحفاظ : ١/٢ ـ ٣ قال : عن ابن أبي مليكة أن الصدّيق جمع الناس بعد وفاة نبيِّهم


هل غيَّر بنو أميَّة أحكام القرآن ، وأحكام السنّة النبويّة ، وأبدلوها باجتهادات غيَّرت مسار الإسلام والمسلمين (١)؟

أنت تعلم أنّه لم يفعل كل ذلك غير الخلفاء الذين تسميهم الراشدين ، عندما لم يكن لبني أميَّة دولة ولا نفوذ ، ولم يكن لمعاوية ولا لأبيه وزن عند المسلمين ، والذي كبَّر معاوية ، وجعله إمبراطور الإسلام هم : أبو بكر وعمر وعثمان ، الذين تحاول أنت بكل جهودك أن تسدل عليهم ستار الهالة والتقديس ، وتجعلهم من طراز الأنبياء والمرسلين.

قال مبتسماً أمام الحاضرين وهو يحاول المراوغة : نحن ما قلنا إن الخلفاء من طراز الأنبياء ، وما قلنا بأنهم معصومون عن الخطأ ، فهم كسائر البشر ،

__________________

6 ، فقال : إنكم تحدِّثون عن رسول الله 6 أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشدُّ اختلافاً ، فلا تحدِّثوا عن رسول الله 6 شيئاً ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله ، فاستحلُّوا حلاله وحرَّموا حرامه.

حرق عمر للأحاديث الشريفة

وجاء في الطبقات الكبرى ، لابن سعد : ٥/١٨٨ عن عبد الله بن العلاء قال : سألت القاسم يملي عليَّ أحاديث ، فقال : إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب ، فأنشد الناس أن يأتوه بها ، فلمَّا أتوه بها أمر بتحريقها ، ثمَّ قال : مثناة كمثناة أهل الكتاب.

وجاء في كتاب حجّيّة السنة : ٣٩٥ : عن القاسم بن محمّد بن أبي بكر : أن عمر بن الخطاب بلغه أنه قد ظهرت في أيدي الناس كتب ، فاستنكرها وكرهها ، وقال : أيُّها الناس! إنّه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب ، فأحبُّها إلى الله أعدلها وأقومها ، فلا يبقين أحد عنده كتاباً إلاَّ أتاني به ، فأرى فيه رأيي ، قال : فظنُّوا أنه يريد أن ينظر فيها ، ويقوِّمها على أمر لا يكون فيه اختلاف ، فأتوه بكتبهم ، فأحرقها بالنار ، ثمَّ قال : أمنية كأمنية أهل الكتاب.

١ ـ وبنو أميَّة أيضاً لم يذخروا وسعاً في تغيير أحكام الله ، وتحريف حديث رسوله 6 ، وقلب الحقائق ، وتضليل الناس ، وآثار ذلك إلى يومنا هذا.


يخطئون ويصيبون ، وقد قال رسول الله 6 : كل ابن آدم خطَّاء ، وخير الخطَّائين التوَّابون (١) ، فنحن مسلمون بأن أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً كلهم أخطأ ، وكلهم مأجورون ، لقول الرسول 6 : من اجتهد وأصاب فله أجران ، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد (٢).

قلت : يا شيخ علي! أقول لك مرَّة ثانية : اتق الله ، ولا تلذ بالأوهام الواهية كبيت العنكبوت ، وتترك الحقائق الدامغة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء ، وأنا أتحدَّاك أمام الحاضرين أن تأتيني بخطأ واحد للإمام عليٍّ 7 ، فسوف لن تجد إلاَّ ما يردِّده أسلاف النواصب الذين أعيتهم الحيلة ليجدوا خطأ واحداً لعليٍّ 7 ، فقالوا بأنه بعد تولّيه الخلافة أخطأ في عزل معاوية ، ولو أنّه صبر حتى استتبَّ له الأمر ثمَّ عزله بعد ذلك لكان أحسن(٣) ، أو أنّه أخطأ في واقعة التحكيم

__________________

١ ـ مسند أحمد بن حنبل : ٣/١٩٨ ، سنن ابن ماجة : ٢/١٤٢٠ ح ٤٢٥١ ، سنن الترمذي : ٤/٧٠ ح ٢٦١٦.

٢ ـ مسند أحمد بن حنبل : ٤/١٩٨ ، سنن ابن ماجة : ٢/٧٧٦ ح ٢٣١٤ ، سنن الترمذي : ٢/٣٩٣ ح ١٣٤١ ، ولفظه : إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر.

٣ ـ روي عن جبلة بن سحيم ، عن أبيه ، قال : لمَّا بويع أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب 7 بلغه أن معاوية قد توقَّف عن إظهار البيعة له ، وقال : إن أقرَّني على الشام وأعمالي التي ولاَّنيها عثمان بايعته ، فجاء المغيرة إلى أميرالمؤمنين 7 فقال له : يا أميرالمؤمنين! إن معاوية من قد عرفت ، وقد ولاَّه الشام من قد كان قبلك ، فولِّه أنت كيما تتَّسق عرى الأمور ، ثمَّ اعزله إن بدا لك ، فقال أميرالمؤمنين 7 : أتضمن لي عمري ـ يا مغيرة ـ فيما بين توليته إلى خلعه؟ قال : لا ، قال : لا يسألني الله عزَّوجلَّ عن توليته على رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبداً ( وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ) لكن أبعث إليه ، وأدعوه إلى ما في يدي من الحقِّ ، فإن أجاب فرجل من المسلمين ، له ما لهم ، وعليه ما عليهم ، وإن أبى حاكمته إلى الله ، فولَّى المغيرة وهو يقول : فحاكمه إذن ..

الأمالي ، الطوسي : ٨٧ ح ٤٢ ، مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : ٢/٣٧٥.


في حرب صفين ، وهو قول الخوارج.

فهل تجدون لعليٍّ7 أكثر من هذين الخطأين المزعومين ، وكلُّها لا تعدو الآراء السياسيّة التي يختلف فيها الناس ، فتظهر للبعض بأنها خطأ ، وتظهر للبعض الآخر بأنها عين الصواب ، وهي من باب قول الله سبحانه وتعالى : ( عَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) (١).

هذا على افتراض أن علياً 7 شخص عاديٌّ ، ليست له ميزة ولا علم ..

إلى أن قال : وإذا كان الأمر كما تقول ـ يا شيخ علي ـ فلماذا لا تلتمس عذراً لإبليس لعنه الله الذي اجتهد في قوله : ( أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّار وَخَلَقْتَهُ مِن طِين ) (٢) ؟ فاجتهاده أو صله إلى نتيجة أن النار هي خير من الطين ، أو كما قال بعض المتصوِّفة : إن إبليس هو أكبر الموحِّدين ؛ لأن اجتهاده منعه أن يسجد لغير الله تعالى.

ألا ترى معي أن الموازين كذلك المقاييس العقليّة يجب أن تتوقَّف عن الاجتهادعند صدور الحكم الإلهيّ ، انظر إلى قوله تعالى: ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ )(٣)، فكل الملائكة قالوا: سمعاً وطاعة ، ولم يجتهدوا بآرائهم في هذا الحكم الصادر من الخالق إلى المخلوق، إلاَّ إبليس أبى أن يكون من الساجدين ، لماذا؟ لأنه اجتهد برأيه مقابل هذا الحكم الإلهيِّ، فرأى أنّه أفضل من آدم ، فعصى وتمرَّد.

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢١٦.

٢ ـ سورة الأعراف ، الآية : ١٢.

٣ ـ سورة الحجر : ٢٩ ـ ٣١.


وإذا كان الأمر كذلك فكلُّ المجرمين والفاسقين مأجورون على اجتهادهم ، فهذا فرعون اجتهد في تكذيب موسى 7 ؛ لأنه كان يظنُّ أن كل الآيات التي جاء بها موسى 7 هي من قبيل السحر ، ولذلك جمع له السحرة ، واعتقد بأنّه كبيرهم الذي علَّمهم السحر ، وهذا السامريُّ الذي اجتهد فأخذ قبضة من أثر الرسول 6 ، فتسبَّب في ضلالة بني إسرائيل ، وهذا أبو لهب عمُّ النبي 6 اجتهد أيضاً ؛ لأنه ظنَّ أن ابن أخيه يريد الدعوة لنفسه مقابل الآلهة التي يعبدونها.

وهذه عائشة اجتهدت في قتل الآلاف من المسلمين الأبرياء ؛ لأنها كانت لا ترى مصلحة في خلافة عليٍّ 7 ، وهذا يزيد اللعين اجتهد هو الآخر في قتل سيِّد شباب أهل الجنة الحسين 7 ؛ لأنه كان يرى جميع الناس على طاعة الخليفة وعدم الخروج عليه.

وهذا هتلر الذي اجتهد ورأى بأن الألمان ـ وهم الجنس السامي ـ هم أسياد العالم ، وكل الناس هم عبيد ، لهم ويجب محقهم ، وهذا صدّام اجتهد الآخر في قتل الملايين .. وهو بطل القادسيَّة ، وقد اجتهد في احتلال الكويت ؛ لأنه يرى بأنها جزء من العراق ...

وما أظنُّك ـ يا شيخ علي ـ توافق على أن كل هذا هو الاجتهاد الذي يستوجب الأجر من عند الله.

قال وهو يتنهَّد : لا طبعاً ، أنا أعرف الفرق بين الاجتهاد والعصيان وهو كما قدَّمت ، إلاَّ أنه عندي تعليق على ذكرك أمَّ المؤمنين السيِّدة عائشة ، فهي التي قال فيها رسول الله6: خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء(١)، ويقصد بذلك

__________________

١ ـ والمروي عندهم : خذوا شطر دينكم عن الحميراء ، راجع : النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير :


عائشة.

وحاولت إقناعه بأن هذه الأحاديث وأمثالها موضوعة في عهد بني أميَّة ، فقد أكثروا من إطراء الخلفاء الثلاثة : أبي بكر وعمر وعثمان من الرجال ، وعائشة من النساء ؛ للدور الذي قامت به بعد وفاة النبيِّ 6.

فكان يوافقني تارة ، ويتردَّد ويشكِّك أحياناً في بعض الأحداث التأريخيّة ، وهو يريد رغم محاولاتي أن يضفي على عائشة هالة من التقديس ، حتى جعلها أعلم الصحابة ؛ لأن نصف الدين عندها وحدها ، وكل الباقين عندهم النصف الثاني.

وضحكت لهذا الاعتقاد ، وقلت له : ما رأيك لو أوقفتك على دليل ملموس

__________________

١/٤٢١ ، إرواء الغليل ، الألباني : ١/١٠ ، وقال في الهامش عن الحديث : حديث موضوع ، انظر : المنار المنيف لابن القيِّم.

وهذا الحديث عندهم ضعيف لا يؤخذ به ، وإن كان مشهوراً بينهم ، فليس له إسناد ولا أصل ، قال ابن كثير في البداية والنهاية : ٨/١٠٠ : فأمَّا ما يلهج به كثير من الفقهاء وعلماء الأصول من إيراد حديث : خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء ، فإنه ليس له أصل ، ولا هو مثبت في شيء من أصول الإسلام ، وسألت عنه شيخنا أبا الحجاج المزي فقال : لا أصل له.

وقال العجلوني في كشف الخفاء : ١/٣٧٤ ـ ٣٧٥ ح ١١٩٨ : ( خذوا شطر دينكم عن الحميراء ) قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث ابن الحاجب من إملائه : لا أعرف له إسناداً ، ولا رأيته في شيء من كتب الحديث إلاَّ في النهاية لابن الأثير ، ذكره في مادة ح م ر ، ولم يذكر من خرَّجه ، ورأيته في الفردوس بغير لفظه ، وذكره عن أنس بغير إسناد بلفظ : خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء ، وذكر ابن كثير أنّه سأل الحافظين : المزي والذهبي عنه فلم يعرفاه ، وقال السيوطي في الدرر : لم أقف عليه ، لكن في الفردوس عن أنس : خذوا ثلث دينكم من بيت عائشة ، انتهى ، وقال الحافظ عماد الدين في تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب : هو حديث غريب جدا ، بل هو منكر ، سألت عنه شيخنا المزي فلم يعرفه ، وقال : لم أقف له على سند إلى الآن ، وقال شيخنا الذهبي : هو من الأحاديث الواهية التي لا يعرف لها سند. انتهى.


بأن ما تقوله لا يصحُّ؟

قال : هات نسمع منك.

رضاعة الكبير في الموطأ والبخاري

قلت : هل تعرف رضاعة الكبير؟

قال : وما هي رضاعة الكبير؟

قلت : باختصار أنّه يمكن لزوجتك أن ترضعني أنا فأصبح بعد تلك الرضاعة ربيبك ، ويمكن لي أن أستحلَّ منها ما يستحلُّ الولد من والدته.

فضحك عند سماعه هذه الأطروحة ، وقال مستغرباً : كيف؟ أنت ترضع من زوجتي أنا؟ لا يحقُّ لك ذلك.

قلت : هذا من نصف دينك الذي تقول به أمُّ المؤمنين عائشة.

قال : لا ، لا ، ما سمعت بهذا أبداً ، لعلّك تمزح.

قلت : أنا لا أمزح في مثل هذه الأبحاث العلميّة ، وكيف أمزح باتهام أم المؤمنين عائشة؟ ولكن أنا قدمت من باريس ، وليس معي إلاَّ كتاب : ثم اهتديت ، وأنت ـ ما شاء الله ـ عندك هنا مكتبة ضخمة ، وبالتأكيد إن فيها صحيح مسلم ، وموطأ الإمام مالك.

قال : نعم ، عندي هذه الكتب ، وهل فيها هذا الحديث؟

قلت : نعم ، سأترك لك المجال لتقرأ بنفسك على راحة البال ، وتعطيني بعد ذلك رأيك.

قال : دلَّني على الحديث في أيِّ موضع من الكتاب؟


قلت : اقرأ باب رضاعة الكبير في الكتابين (١) ، وغداً أعطني النتيجة ، وقمت أعتدر للخروج فقد مضى نصف الليل أو أكثر.

قال : وفي صباح اليوم التالي جاء الجامعة كالعادة لفطور الصباح ، وتأخَّر الشيخ علي أكثر من ساعة ، وكدنا نكمل الإفطار وإذا به يدخل علينا ، ويبدِّد

__________________

١ ـ جاء في كتاب الموطأ لمالك : ٢/٦٠٥ ح ١٢ عن ابن شهاب ، أنه سئل عن رضاعة الكبير فقال : أخبرني عروة بن الزبير ، أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة ... كان تبنَّى سالماً الذي يقال له : سالم مولى أبي حذيفة ، كما تبنَّى رسول الله 6 زيد بن حارثة ، وأنكح أبو حذيفة سالماً ، وهو يرى أنه ابنه ، فلمَّا أنزل الله تعالى في كتابه في زيد بن حارثة ما أنزل ... ردَّ كل واحد من أولئك إلى أبيه .. فجاءت سهلة بنت سهيل ، وهي امرأة أبي حذيفة ـ إلى رسول الله 6 فقالت : يا رسول الله! كنّا نرى سالماً ولداً ، وكان يدخل عليَّ وأنا فضل ، وليس لنا إلاَّ بيت واحد ، فماذاترى في شأنه؟ فقال لها رسول الله 6 : ( أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها ) وكانت تراه ابناً من الرضاعة ، فأخذت بذلك عائشة أم المؤمنين فيمن كانت تحبُّ أن يدخل عليها من الرجال ، فكانت تأمر أختها أمَّ كلثوم بنت أبي بكر الصديق ، وبنات أخيها أن يرضعن من أحبَّت أن يدخل عليها من الرجال.

وأبى سائر أزواج النبيِّ 6 أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس ، وقلن : والله ، ما نرى الذي أمر به رسول الله 6 سهلة بنت سهيل إلاَّ رخصة من رسول الله 6 في رضاعة سالم وحده ، لا والله ، لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد ، فعلى هذا كان أزواج النبي 6 في رضاعة الكبير.

وجاء في صحيح مسلم : ٤/١٦٩ : عن زينب بنت أم سلمة ، قالت : قالت أم سلمة لعائشة : إنّه يدخل عليك الغلام الأيفع الذي ما أحبُّ أن يدخل عليَّ ، قال : فقالت عائشة : أما لك في رسول الله 6 أسوة .. إلخ.

وعن زينب بنت أبي سلمة تقول : سمعت أم سلمة زوج النبي 6 تقول لعائشة : والله ما تطيب نفسي أن يراني الغلام قد استغنى عن الرضاعة ، فقالت : لم؟ قد جاءت سهلة بنت سهيل إلى رسول الله 6 فقالت : يا رسول الله! والله إني لأرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم ، قالت : فقال رسول الله 6 : أرضعيه ، فقالت : إنه ذو لحية ، فقال : أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة ، فقالت : والله ما عرفته في وجه أبي حذيفة.

وروي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تقول : أبى سائر أزواج النبي 6 أن يدخلن عليهن أحداً بتلك الرضاعة .. إلخ.


حيرتنا ، وعندما وصل إليَّ مسلِّماً ضحك ، وقال : أرضعيه ولو كان ذا لحية.

وفهمت أنه اطّلع على الموضوع من شتّى جوانبه ، وفرحت لذلك ، ودعوناه للجلوس وتناول الإفطار متسائلين : ما الذي أبطأه عن الموعد المعتاد؟

قال : لم أنم إلاَّ قليلا ، فقد سهرت بعدكم ، واطّلعت على قصة رضاعة الكبير في كل من صحيح مسلم وموطأ مالك ، فحيَّرتني وطار النوم من عيني ، فلم أنم إلاَّ بعد صلاة الفجر.

الشيخ علي يعلن تشيعه واستبصاره

قلت : فهل ما زلت على رأيك في أخذك نصف الدين عن الحميراء؟

قال: أعوذ بالله ، هذا لايجوز أبداً ، أنا من اليوم شيعيٌّ ، لاأتّبع إلاَّعليّاً 7.

قال أخوه الشيخ محمّد : أتدري ـ يا دكتور ـ أننا من سلالة عليٍّ كرَّم الله وجهه؟

قلت : إذن فأنتم أحقُّ بجدِّكم من غيركم ، قال الله تعالى : ( وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِي كِتَابِ اللّهِ ) (١).

وفرح الإخوة الكويتيون بهذا الاستبصار المفاجئ ، وكذلك الدكتور الخطيب ، وأخرج الشيخ علي الكتب إلى الطلبة ، وبدأ الدكتور الخطيب وأخوه عثمان ينشطان بحرّيّة ، ويعملان بكل جهودهم ، ولم يمض أسبوع واحد حتى استبصر أكثر من مائتين من الطلبة.

وجاء يوم الفراق للرجوع إلى باريس ، وخرج أكثرهم يودِّعونني ، وفي

__________________

١ ـ سورة الأنفال ، الآية : ٧٥.


مقدِّمتهم الشيخ علي وأخوه الشيخ محمّد ، وقبل دخولي الطائرة عانقت الشيخ ، وقلت له أمام الجميع : سامحني إن كنت أسأت لك ، أو صدر مني شيءٌ تكرهه ، فأنا أرجوك العفو.

قال : العفو العفو ، أنت سيِّدنا ، وقد هديتنا إلى صراط الله المستقيم ، فجزاك الله عنّا خيراً ، ونتمنَّى أن لا تنسانا من زيارتك.

قلت : أتشهد أمام الحاضرين أنّك استبصرت للحقِّ وغيَّرت عقيدتك؟

قال بصوت عال : أشهد أنني تشيَّعت ، وإمامي هو عليُّ بن أبي طالب 7 ، والله على ما أقول شهيد.

عانقته مرَّة أخرى بحرارة أكثر ، وقبَّلت رأسه ، وفاضت أعيننا وأعين الحاضرين من الدمع ، وهم يكبِّرون صائحين : اللهمَّ صلِّ على محمّد وآل محمّد(١).

__________________

١ ـ كتاب فسيروا في الأرض ، الدكتور التيجاني السماوي : ٢٥٣ ـ ٢٦١.


المناظرة الثامنة عشر

مناظرة

الدكتور التيجاني مع الشيخ المفتي عزيز الرحمان في بومباي

في المراد من ( أهل البيت : ) في آية التطهير

قال الدكتور التيجاني في رحلته إلى الهند : طلب مني ـ أي السيد شرف الدين صاحب دار النشر للمنشورات الإسلامية ـ إن كان بإمكاني زيارة مفتي الجماعة الإسلامية في بومباي فهو سني وله أتباع كثيرون يأتمرون بكل أوامره ، ولوا أقنعته هو فسيكون فتح عظيم لكل المسلمين في الهند. قلت : ما اسمه؟ أليس هو أبو الحسن الندوي؟

قال : لا ، أبو الحسن الندوي يقيم الآن في دلهي ، أما هذا فاسمه عزيز الرحمن ، وهو الكل هنا.

قلت : أنا لا أرى مانعاً في لقائه إن كان يرغب في ذلك طبعاً.

قال : لا عليك أنا عندي معه علاقة وديّة وسأرتّب الأمور ، فأين أتّصل بك؟

قلت : عند السيّد محمّد الموسوي.

قال : عندي رقم تليفونه فأتّصل بك حالماً أتفاهم وأتفق مع الجماعة ـ إلى أن قال : وبعد يومين فقط ، جاءني السيد محمّد الموسوي إلى مقرّ إقامتي


وأعلمني بأن الجماعة في انتظاري وأن السيد شرف الدين قادم ليأخذني عندهم ، فهيأت نفسي للخروج ووقف السيّد الموسوي يقرأ على رأسي بعض الأدعية المأثورة عن أئمّة أهل البيت : ، وفهمت بأنه متخوّف عليّ ، وخصوصاً بعدما قدم السيّد شرف الدين فحذّره السيّد الموسوي وأوصاه بي قائلا : لولاك أنت وثقتي فيك لما تركت السيّد التيجاني يذهب إليهم ، فطمنه السيد شرف الدين قائلا : يحصل خير إن شاء الله.

وذهبت بصحبة السيد شرف الدين إلى الجامع الكبير في مدينة بومباي ودخلنا من باب صغير خلف الجامع وصعدنا طابقين ومشينا كثيراً حتى وصلنا إلى مقرّ الجماعة.

سلّمنا عليهم وكانوا خمسة يحيطون بالشيخ المفتي عزيز الرحمان وكلّهم يلبسون اللّباس السعودي ولحاهم تكشف هويّتهم السلفية ، وكان في أفواههم ورق أو حشيش يلوكونه بأسنانهم ويمتصوّن عصارته ثم يبصقون من حين لآخر في أواني وضعت إلى جانب كلّ واحد منهم.

واشمأزت نفسي لأول وهلة رأيتهم فيها وما شعرت إلاّ بالنّفور وفهمت بأن الجماعة يبادلوني نفس الشعور ، وزيادة خصوصاً وأنا أشاهدهم يبصقون لونا أحمر ظننت أنه دم ، وعرفت فيما بعد بأنه عصير الورق الذي يمضغونه.

وقلت في نفسي : هذا يذكّرني بالحشّاشين وبالغلابة الذين شاهدتهم في اليمن وفي موريطانيا والمغرب وفي كينيا الذين يخدّرون عقولهم بهذا النّوع من « القات » ليسبحوا في بحر النسيان والخيال فهل هؤلاء العلماء الذين دعوني للنّقاش العلميّ يخدّرون عقولهم أيضاً فكيف سأناقشهم وموازينهم العقليّة مختلّة؟


جلست معهم وأنا أبتسم لكل واحد منهم فلا أرى إلاّ وجوها كالحة تنظر إليّ شزرا وكأنها حيوانات مفترسة تريد أن تنقضّ عليّ وتفتك بي.

دعوت السيّد شرف الدين للجلوس بجانبي فأسرع وأخذ بيدي وقدّمني للجماعة وهو يقول : السيد الدكتور التيجاني صاحب كتاب « ثم اهتديت ».

ضحك أحدهم قائلا : ثم اهتدى إلى ماذا؟ إلى الضلالة بلا شك.

وقلت في نفسي : هذه أول لكمة ، فما عليك يا تيجاني إلاّ بالصبر وتحمّل الأذى ما دمت ورطّت نفسك وجئت إليهم تمشي على قدميك.

قلت : سامحك الله ، أنا اهتديت لأهل البيت ، العترة الطاهرة : فإذا كان أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً هم ضلالة ، فقولك هذا لا يغضبني بل يزيدني شرفا وافتخارا.

تكلّم الثاني قائلا : هكذا الشيعة دائماً يكذبون على الله ويؤولون القرآن على حسب مزاجهم ، فالقرآن يقول صراحة بأن أهل البيت هم نساء النبي 6 ، وهم يقولون : أهل البيت هم أئمّة الشيّعة.

قلت : نساء النبي 6 أصدق منا جميعاً فهنّ اللائي قلن صراحة بأن أهل البيت هم أئمّة الشيعة.

ضحك شيخهم الكبير عزيز الرحمان حتى بدت نواجذه وهو يقول : في زمن النبي 6 ونزول القرآن ما كان هناك شيعة فضلا عن أئمّتهم ، فكيف يقول نساء النبي 6 بأن أهل البيت هم أئمّة الشيعة؟

فرحت في داخلي وقلت : الحمد لله إن الجماعة لم تغب عقولهم بعد بهذا الحشيش الذي يملأ أفواههم فقلت : لا يا سيّدي الشيخ أنا لم أقصد اللّفظ ولكنّي قصدت المعنى.


فزاد ضحكه واستعجابه وقال : وهل عند الشيعة أن اللّفظ يخالف المعنى؟

قال الذي بجانبه : إنه النّفاق الذي يسمونه التقية.

بدأت أملّ هذا النقاش الذي لا زال في بدايته ، ولكنّي تجلّدت ولم أبالي بالمتكلّم الجديد وتوجهت لشيخهم الكبير ظنّا منّي بأنه أذكاهم وأعلمهم ، وإذا قدرّ له أن يقتنع بكلامي فسيكون فتحاً كبيراً.

قلت : يا سيدي الشيخ دعني أشرح الموضوع بطريقة أخرى ، إن عائشة وأم سلمة أمهات المؤمنين وهنّ نساء النبي 6 قالتا بأن الآية لم تنزل فينا بل نزلت في محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين : وهؤلاء الأشخاص اتّخذهم الشيعة أئمّة لهم ، فلا يتّقون إلا فيهم ولا يقتدون إلاّ بهم ، وهذا هو قصدي من اللّفظ الذي لا يخالف المعنى.

فضحك بقهقهة حتى شرق بالسّعال وقال : فاطمة 3 إمام الشيعة؟ قال رسول الله : « لا أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة » فكيف تكون فاطمة أميرالمؤمنين7؟

وضحك هو وكلّ الحاضرين ، وغمزني السيّد شرف الدين أن اصبر على استهزائهم.

التفت إلي أحدهم وقال : الشيعة كلّهم منافقون ويتستّرون بمحبّة أهل البيت : لهدم الإسلام وتخريبه ، ولذلك كان أهل البيت يلعنون الشيعة ويحذّرون المسلمين منهم ومن دسائسهم.

قلت : متى وأين وجدت أهل البيت : يلعنون الشيّعة؟

قال : في نهج البلاغة سيّدنا علي كرّم الله وجهه يلعنهم ويشتمهم.

قلت : أولا سيّدنا علي 7 لم يلعن شيعته ولكن ذمّ الذين تخاذلوا عن


الجهاد في سبيل الله ، فهذا هو الموجود في نهج البلاغة ، أمّا ثانياً فأنا أطلب منكم أن تتفاهموا فيما بينكم على أهل البيت ، وتشخّصوهم هل هم نساء النبي 6 كما ادعيتم منذ قليل أم هو سيّدنا علي 7 كما تقولون الآن؟

فتكلّم أحدهم وكأنه أراد أن ينقذهم من الورطة التي وقعوا فيها فقال : العجيب في الأمر أن الشيعة من حماقتهم يحتجّون بنهج البلاغة ، وهو عندهم كالقرآن الكريم ، وهذا الكتاب يلعنهم ويشتمهم ويكشف كلّ فضائحهم.

وتكلّم الذي بجانبه يؤيّده فقال : الشيعة هم المجوس الذين دخلوا في الإسلام ليتآمروا على المسلمين ، وهم الذين قتلوا سيّدنا عمر وسيّدنا عثمان وسيّدنا علي 7.

قلت : دعونا من الشيعة فأنا لست لسان الدّفاع عنهم ، وناقشوني أنا فأنا لا أمثل إلاّ نفسي ، وقد كنت مالكيّا ولكن بعد البحث والتنقيب اكتشفت بأني كنت مضلّلا ، وبأن أهل البيت7هم أحقّ بالاتباع من غيرهم وقد سمّاهم رسول الله6سفينة النّجاة من ركبهانجا ومن تخلّف عنها غرق ، فإن كانت لكم حجّة غير هذه فأقنعوني بها وأعطوني الأدلّة كي اتّبعكم ، وأكن لكم من الشّاكرين ، وإن لم تكن عندكم حجّة ولادليل ، فاسمعوني واسألوني عسى أن تهتدوا.

قالوا : كيف نستمع إليك وأنت جاهل لا تعرف آيات القرآن ولا أحكامه؟

قلت : فلنحتكم إلى البخاري ومسلم وهما أصحّ الكتب عندكم بعد كتاب الله ، وسأعطيكم الأدلّة من البخاري ومسلم على أن أهل البيت : ليسوا نساء النبي 6 وإنما هم أئمّة الشيعة.

قالوا : كلّ حديث تحتجّون به في البخاري ومسلم هو مدسوس من الشيعة.


ضحكت لهذا القول الرّخيص وقلت : إذا ، ما بقي لكم شيء تعتمدون عليه ما دام الشيعة قد دسوّا في كتبكم وفي صحاحكم ، فلا عبرة لها ولا لمذهبكم القائم عليها.

واستحسن السيّد شرف الدين هذا المنطق فلم يملك نفسه أن ضحك وضحكت معه.

ترضي البعض على معاوية ويزيد

وتكلّم أحدهم وتعمّد التهريج والاستفزاز فقال : من لا يؤمن بخلافة الرّاشدين سيّدنا أبو بكر وسيّدنا عمر وسيّدنا عثمان وسيّدنا علي 7 وسيّدنا معاوية وسيّدنا يزيد رضي الله عنهم فليس بمسلم وإنما هو شيعيّ رافضي عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

استغربت لهذا المنطق المتناقض وقلت : معقول أن يترضى أهل السنة على أبي بكر وعمر وعثمان ولكن على يزيد وأبيه معاوية ، فهذا أمر غريب لم أسمع به إلاّ في الهند ، ففي كل بقعة من الدنيا أهل السنّة يقولون قولتهم الشهيرة « العن يزيد ولا تزيد » ، فكيف يترضى المسلمون في الهند عن يزيد.

التفت إلى الشيخ الكبير عزيز الرحمان وسألته أتوافقون هذا على ما قاله؟

فقالوا جميعاً : بأنهم متّفقون على ذلك لأنهم صحابة رسول الله 6 ومن يسبّ الصّحابة فهو من الزّنادقة الذين يجب قتلهم.

وعرفت وقتها بأن لا فائدة من مواصلة الحديث معهم وفهمت بأنهم يريدون استفزازي وإثارتي لكي ينتقموا منّي ، ويقتلوني بدعوى سبّ الصحابة إذا أقاموا عليّ شاهدين منهم.


ورأيت في أعينهم شرّاً ، وخفت على نفسي وطلبت من مرافقي السيّد شرف الدين أن يرجعني إلى السيّد الموسوي الذي ينتظرنا مدّعيا أنه سيأتي بنفسه إلينا إذا ما تأخرنا عنه ، وأخرجني السيّد شرف الدين بسرعة وهو يقول إليّ على الدّرج : أسرع يا دكتور قبل أن تحل بنا مصيبة ، وأسرعت مهرولا وراءه وأنا لا أصدّق النّجاة.

ولمّا خرجنا خارج المسجد تنفّس وتنفّست معه ، فاعتذر إليّ على ما وقع وتحسّر كثيراً على هؤلاء الذين كان يعتقد بصلاحهم وغزارة علومهم ، وحمد الله مرّة أخرى على سلامتي منهم ، خرجت من عندهم فرحا بنجاتي وأحسست في داخلي بأني ولدت من جديد ، ولكنّي ساخط متأسف على ما وصلت إليه حالة المسلمين في الهند ، وخصوصاً الذين يتزعّمون مراكز الصّدارة ويتسمّون بالعلماء ، وقلت في نفسي : إذا كان العلماء بهذه الدّرجة من التعصّب الأعمى والجهل المركّب ، فكيف تكون حالة عامّة الناس وجهّالهم الذين لا يعرفون غير لغة الخناجر والسّكاكين (١).

__________________

١ ـ كتاب فسيروا في الأرض ، الدكتور التيجاني : ٢٦٩ ـ ٢٧٣.


المناظرة التاسعة عشر

مناظرة

الدكتور التيجاني مع أبي ياسين في طهران

في روايات أبي هريرة

قال الدكتور التيجاني : في إحدى المؤتمرات الإسلامية التي حضرتها في طهران تعرّفت على الأخ محمود الطّاهري الذي يقيم في السويّد وهو تونسي.

كنّا في ليلة الجمعة نقرأ دعاء كميل ولاحظت كثرة البكاء وشدة التّأثر على الأخ محمود ورقّ له قلبي ، واختليت به بعد الدّعاء فعرّفني على نفسه وأنه من جهة صفاقس كما عبّر عن إعجابه بهذا الدعاء الذي سمعه لأول مرّة ، وأخذ ( يناقشني في ) عدّة مسائل ، ولم يفارقني تلك اللّيلة حتى استبصر قبل الفجر فعلّمته وضوء أهل البيت 7 وصلّيت أمامه وهو يصلّي خلفي ، ونمنا بعدها في الغرفة نفسها.

أعلمني بأنه قدم من السويد بصحبة مجموعة تضمّ تونسيّين ومعهم جزائري واحد ، وألحّ عليّ أن أسهر في الليلة التالية مع المجموعة وافتح لهم موضوع التشيع لعلّهم يهتدون ، اتّفقنا على أن يعمل هو على جمعهم في غرفته ثم يدعوني لأتعرّف عليهم خلال سهرة علميّة.

واجتمعنا وتعارفنا ، عرفوا بأني تونسيّ متشيّع فالبعض يسمع عنّي وكان


يتمنّى رؤيتي ، وتعرّفت عليهم فمنهم الأخ عبد الرحمان الشطّي الذي يدير رابطة المسلمين في ستوكهولم العاصمة السويدية ، ومعه بعض أعضائها ومنهم الأخ الجزائري رشيد بدرة وبدران غزال وكمال مبذر والأخ الأمين بن سعيد ، وكذلك السيد أبو حيدر ، والذين لم يحضر منهم إلاّ رشيد بدرة والأمين بن سعيد.

بدأنا نتحدّث عن الشيعة والفرق بينها وبين أهل السنّة والجماعة ، واستعرضت معهم تاريخ المسلمين باختصار ، كما استعرضت معهم الأحاديث النبوية الصحيحة الدّاعية للتمسّك بأهل البيت :.

كان الحاضرون كلّهم منسجمون يصغون إليّ بإعجاب عدا واحد منهم يكنّى أبو يس ويقول بأنه أمير الجماعة ، يفهم من حديثه واعتراضاته بأنه متأثر بكتب إحسان إلهي ظهير الباكستاني الذي يتحامل على الشيعة ، فكان ينتقد الشيعة ، ولكن بدهاء واضح يحاول تغطيته من حين لآخر بقوله : نحن دعاة الوحدة الإسلامية التي ينادي بها الإمام الخميني ولا نحبّ إثارة الفتن بين المسلمين خصوصاً في هذا الوقت الذي تكالب فيه الشرق والغرب على محق الإسلام.

فأرجوك وأطلب من فضلك أن توقف الحديث ولا تواصل فنحن في غنى عن هذا ونعمل بقوله تعالى : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (١).

واعتذرت للحاضرين إن كنت أسأت إليهم في شيء لأني ما كنت لأتكلّم في مثل هذا لولا دعوتهم لي وسؤالهم إيّاي.

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٤١.


وتدخل بعض الحاضرين بالخصوص محمود الطاهري الذي ألح على مواصلة البحث حتى يتجلى الحق ونفهم الواقع الذي نعيشه.

فقال له أبو يس : أي حق وأي واقع ، هو يريد ( مشيرا إلي ) هدم عقيدتنا من الأساس ، أنا أعرف سياسته إنه بدأ كلامه بالطعن في المنافقين وسينتهي بكم بعد ذلك في طعن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وفي أكبر راوية للإسلام أبي هريرة وعائشة أم المؤمنين ، وكان يتكلّم بحدّة ووجهه مصفرّ اللّون.

قلت : سامحك الله يا أخي نحن نريد بحثا علميا ولا نريد ملاكمة ، ولماذا أنت تحكم على الإسلام من خلال هؤلاء الرّجال ، والمفروض أنك تحكم على هؤلاء الرجال من خلال الإسلام ، وهذا عين ما قاله الإمام علي 7 : لا يعرف الحق بالرجال إعرف الحق تعرف أهله (١) ، فماذا علينا لو حكمنا على هؤلاء النّاس بأحكام القرآن والسنّة.

قال : أيّ سنّة ، أنت ترفض السنّة ولا تأخذ منها إلاّ ما يعجبك وأنا قرأت ما يقوله الشيعة في أبي هريرة يقولون عنه : كذّاب والعياذ بالله.

قلت : لا تتسرّع ، وإذا أردت أن تعرف قول السنّة في أبي هريرة فهو كقول الشيعة تماما لا يختلف بعضهم عن بعض ، ولو صبرت قليلا وسمحت لنا بإخراج الأدلة فسوف تغيّر رأيك في الرجل.

قال ضاحكا : هذا أمر غريب كيف يطعن أهل السنة في أبي هريرة ويعدّونه راوية الإسلام ، ويأخذون عنه أكثر الأحاديث؟ هذا عجيب.

استغرب الحاضرون أيضاً وقالوا : لأول مرّة نسمع بمثل هذا.

__________________

١ ـ روضة الواعظين ، الفتال النيسابوري : ٣١ ، بحار الأنوار ، المجلسي : ٤٠/١٢٦.


قلت : إذاً موعدنا في الليلة القادمة إن شاء الله بعد صلاة العشاء وسآتيكم ( بالأدلة ) المقنعة.

والتقينا في الليلة الثانية وقد جلبت معي من مكتبة المؤتمر التي تعرض الكتب الإسلامية للبيع بأثمان رمزية ، جلبت كتاب الموطّأ للإمام مالك وكتاب صحيح البخاري ، وكان محمود الطاهري فرحا مسرورا منتظرا المفاجأة وقد نقل إليّ قول أمير الجماعة أبو يس الذي حاول أن يثبّط همّتهم ويحلّ عزيمتهم لإلغاء اللّقاء ، ولكن الجماعة أصرّوا على الحضور لكي يعرفوا الأدلّة التي وعدتهم بها ، واضطرّ أبو يس للحضور معهم خوفا عليهم أن يتشيّعوا.

بدأت السهرة بافتتاح قصير من الأخ محمود الطاهري الذي عبّر عن تمسّك الجماعة بمواصلة البحث للوصول إلى الحقيقة ، فهذه الفرصة التي أتاحها الله لهم لزيارة إيران الإسلام لعلّها تكون ابتلاءً لهم ، وبدأت كلامي بحمد الله والثّناء الذي بشرّ عباده الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه ، وقلت لهم : لا شكّ أنكم متشوقون لمطالعة الأدلّة التي وعدتكم بها ، ولكنّي وكما تعلمون أني عابر سبيل مثلكم وليست مكتبتي تحت يدي ، ومع ذلك فقد جئتكم بكتابين وجدتهما هنا وهما لإمامين جليلين من أئمّة أهل السنّة والجماعة ، أما الأول فهو موطّأ الإمام مالك الذي يقولون عنه ـ رواية عن الشافعي ـ : ما ظهر على الأرض كتاب بعد كتاب الله أصحّ من كتاب مالك (١).

أمّا الثاني فهو صحيح البخاري وهو غنّي عن التعريف فهو عمدة أهل السنّة والجماعة ، وسوف أطلب أحد المتطوّعين منكم للقراءة ، فتطوّع أحدهم

__________________

١ ـ كتاب الموطأ ، الإمام مالك : ١/٣ ، تنوير الحوالك ، السيوطي : ٧.


وأعطيته موطّأ مالك مفتوحا على الصفحة المعنيّة فأخذ يقرأ والكل يستمعون قال:

وحدّثني عن مالك ، عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمان بن الحارث ابن هشام ، أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمان بن الحارث بن هشام يقول : كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فذكر له أن أبا هريرة يقول : من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم فقال مروان : أقسمت عليك يا عبد الرحمان لتذهبنّ إلى أم المؤمنين عائشة وأم سلمة فلتسألنّهما عن ذلك ، فذهب عبد الرحمان وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة فسلّم عليها ثم قال : يا أم المؤمنين إنا كنّا عند مروان بن الحكم فذكر له أن أبا هريرة يقول : من أصبح جنباً أفطر ذلك اليوم ، قالت عائشة : ليس كما قال أبو هريرة يا عبد الرحمان أترغب عمّا كان رسول الله 6 يصنع ، فقال عبد الرحمان : لا والله ، قالت عائشة : فاشهد على رسول الله 6 أنه كان يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم.

قال : ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة فسألها عن ذلك فقالت مثل ما قالت عائشة ، قال : فخرجنا حتى جئنا مروان بن الحكم فذكر له عبد الرحمن ما قالتا ، فقال مروان : أقسمت عليك يا أبامحمّد لتركبنّ دابّتي فإنها بالباب فلتذهبن إلى أبي هريرة فإنه بأرضه بالعقيق فلتخبرنّه ذلك ، فركب عبد الرحمان وركبت معه حتى أتينا أبا هريرة ، فتحدّث معه عبد الرحمان ساعة ثم ذكر له ذلك.

فقال أبو هريرة : لا علم لي بذلك إنما أخبرنيه مخبر (١).

ضحك الأخ الجزائري عند سماع هذه العبارة وهو يقول بلهجته : اشنيّة؟

__________________

١ ـ كتاب الموطأ ، الإمام مالك : ١/٢٩٠ ح ١١.


صار هي وكالة أنباء « متاع قيل وقالوا »؟

قلت : اصبر قليلا وأعطيت الكتاب الثاني وهو صحيح البخاري للمتطوع فأخذ يقرأ : حدّثنا عمر بن حفص حدّثنا أبي حدّثنا الأعمش حدّثنا أبو صالح قال : حدّثني أبو هريرة قال : قال النبي 6 : أفضل الصدّقة ما ترك غنى ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعوّل ، تقول المرأة : إمّا أن تطعمني وإمّا أن تطلّقني ، ويقول العبد : أطعمني واستعملني ، ويقول الابن : أطعمني إلى من تدعني ، فقالوا : يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله 6؟

قال : لا ، هذا من كيس أبي هريرة (١).

قال محمود الطّاهري وهو يضحك : كلّنا مشينا في كيس أبي هريرة ، وحاول أمير الجماعة أبو يس أن يتفلسف في الحديثين ويجد لهما مخرجا فقال : سبحان الله الذي لا ينسى ، أبو هريرة كسائر البشر نسي أو اشتبه عليه الأمر في حديث الجنب الذي يفطر ذلك اليوم فذكّرته أم المؤمنين عائشة فرجع عن رأيه.

أمّا في حديث البخاري الذي يقول : المرأة تقول أطعمني أو طلّقني الخ ...

واعترض عليه بعض الحاضرين الذين لم يقتنعوا بكلامه وقالوا : ليس من حقّ أبي هريرة أن يزيد في الحديث من كيسه ، فمرّة يقول : لا علم لي وإنما أخبرنيه مخبر ، ومرّة يقول : هذا من كيس أبي هريرة ، ومع ذلك فهو يبدأ الحديث بقوله : قال النبي 6 فهذا كذب صريح على النبي 6.

ولمّا كثر الجدال حول هذا واختلف الحاضرون كلّهم يدينون أبا هريرة إلاّ أبو يس بقي المدافع الوحيد الذي حاول تأويل الكلام على غير واقعه.

__________________

١ ـ صحيح البخاري : ٦/١٩٠ باب وجوب النفقة على الأهل والعيال.


فتدخلّت بلطف لأحسم هذا النزاع فقلت : يا أخي العزيز سأعطيك دليلا أوضح كي لا يبقى بعده عندك عذر مقبول ، وإن شئت بعده أن تبقى على رأيك فأنت حرّ ، ورأيك محترم.

أعطيته صحيح البخاري وقلت : اقرأ وحدك بصوت عال حتى يسمع الجميع ، وأخذ الكتاب وقرأ : حدّثني عبد الله بن محمّد ، حدّثنا هشام بن يوسف ، أخبرنا معز بن الزّهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال النبي 6 : لا عدوى ولا صفر ولا هامّة ، فقال أعرابي : يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمّل كأنها الطباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها ، فقال رسول الله 6 : لا يوردن ممرّض على مصح.

وأنكر أبو هريرة الحديث الأوقات : قلنا ألم تحدّث أنه لا عدوى ، فرطن بالحبشيّة ، قال أبو سلمة : فما رأيته نسي حديثاً غيره (١).

وصاح فرحا ألم أقل لكم أنه نسي ، ودار الجدال من جديد بينه وبين رفاقه يحاول هو إقناعهم بنزاهة أبي هريرة ملتمسا له عذر السّهو والنسيان والغلط ، وهم لا يقبلون منه هذا الاعتذار ولكنّهم يردّدون : ما كنّا نعرف هذا عن أبي هريرة.

قلت : لو كانت المسألة تتعلّق بالسّهو والنسيان لهانت ، ولكن المسألة غير ذلك تماما لأن أبا هريرة اتّهمه كثير من الصحابة من أجل كثرة الحديث ، وعمر بن الخطّاب نفسه كذّبه في حديث خلق الله السماوات والانتشار في سبعة أيّام ، وكذّبته عائشة كما كذّبه أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب 7 ، وحسبكم قراءة

__________________

١ ـ صحيح البخاري : ٧/٣١ ، باب لاهامة ولا عدوى.


كتاب « شيخ المضيرة » لمؤلفّه الشيخ محمود أبو ريّة العالم المصري الذي كشف عن أكاذيب أبي هريرة وهو سنيّ.

تكلّم الأخ الجزائري فقال : الشيعة يقولون : إن أبا هريرة كذّاب ، ولا يعطون الدليل على كذبه ، والسنّة يقولون بأنه ثقة ولكنّهم يعطون مائة دليل على كذبه.

انفعل أبو يس أمير الجماعة واصفرّ لون وجهه والتفت إليّ ليقول : أنت تستغلّ بسطاء العقول للتأثير عليهم ، أمّا أنا فإني حائز على دكتوراه دولة ولا يمكن أن تؤثّر عليّ.

غضب الأخوة من كلامه وكيف ينتقص من شأنهم ويقول عنهم بسطاء العقول.

فتكلّم الأخ الشطّي رئيس الرّابطة وقال : يا أخ التيجاني نحن معك إلى الصباح وسنستمع لكلّ ما تقوله ، ومن كان عقله بسيطاً فالباب مفتوح ، وما عليه إلاّ الخروج ومغادرة المكان.

وفهم أبو يس أنه المقصود ، لكنّه فهم أيضاً بأنه احترق عندما احتقرهم وسمّاهم بسطاء العقول.

وتدخّلت أنا لتهدئة الجوّ فقلت : يا أخ أبو يس أنا أحترم رأيك ولو لم تكن حائزاً على دكتوراه دولة فأنا لا أريد أنّ أقول لك بأني أنا أيضاً دكتور ، ولكن هذه الشهادات وهذه الألقاب لا تعني بالنسبة إليّ شيئاً لأني تعلّمت من أميرالمؤمنين 7 قوله الحكيم : « قيمة كل امرئ ما يحسنه (١) ، المرء مخبوء تحت

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ٤/١٨ ، رقم : ٨١ ، روضة الواعظين ، النيسابوري : ١٠٩ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٨/٢٣٠.


طيّ لسانه لا تحت طيلسانه » (١).

فقام أبو يس غاضبا وغادر الغرفة وكنت أحاول إبقاءه معنا ولكن الجماعة غمزوني لأدعه يخرج كي يستفيدوا من الجلسة ، ولمّا خلا المكان منه طلبوا منّي تعليمهم كيفيّة الوضوء والصلاة على طريقة أهل البيت : ، ففعلت ، ونزلوا من الغد إلى غرفتي وطلبوا منّي مصاحبتهم إلى معرض الكتاب كي أشير عليهم بالكتب التي تفيدهم ، واشتروا من المعرض كل كتب الشيّعة المعروضة ، ولمّا كان يوم المغادرة بعد انتهاء المؤتمر وجهّوا إليّ الدّعوة لزيارتهم في السوّيد عسى أن أقنع المزيد من رفاقهم ، وأعلموني بأن رابطتهم الإسلامية تنتمي إلى السعوديّة ، وأن الفكر الوهابي انتشر بين المصلّين ، لأن أغلب المسؤولين عن الرابطة يتقاضون مرتّبات شهريّة بالإضافة إلى المبالغ المخصّصة لإحياء شؤون الرّابطة (٢).

__________________

١ ـ راجع : نهج البلاغة ٤/٣٨ ، رقم : ١٤٨ ، الإرشاد ، المفيد : ٣٠٠.

٢ ـ كتاب فسيروا في الأرض ، الدكتور التيجاني : ٢٨١ ـ ٢٨٧.


المناظرة العشرون

مناظرة

الدكتور التيجاني مع أبي لبن

متعهد الرابطة الإسلامية في استكهولم

في المراد من ( أهل البيت : ) في آية التطهير

قال الدكتور التيجاني : كانت فرحة الإخوان المستبصرين كبيرة خصوصاً الأخ محمود الطّاهري الذي ألحّ عليّ في السّفر معه إلى مدينة قوتو بورق حيث يقيم هناك مع جالية إسلامية كبيرة أغلبها من الأتراك ، واستشرت الإخوة فاستحسنوا ذلك ، وسافرت معه ليلة كاملة في القطار السريع ، وقضيت في بيته يومين نسهر في الليل في المسجد مع المصلين وإمامهم من الأتراك الناطقين بالعربيّة ، وقد استهواه البحث ومال إلى التشيع ، ولكنّه فضلّ الكتمان على حاله حتى يتكاثر المستبصرون ، ولمّا كان اليوم الثالث اتّصل بنا جماعة استكهولم طالبين منّي القدوم على جناح السرعة ، لأن الجماعة المناوئين استنجدوا بأحد العلماء الكبار الذي قدم من النروج خصيصا لإبطال دعوتي وهو في انتظاري.

وركبت قطار اللّيل ووصلت يوم الجمعة صباحاً ، وكان في انتظاري بالمحطّة ثلاثة من الإخوة ، فأعطوني بعض الإرشادات عن العالم الذي يسمّى أبو لبن ، وهو متخرّج من جامعة الملك عبد العزيز بالسّعوديّة ، وهو الذي يتعهدّ


الرّابطة من حين لآخر ، ويبدو أن السعودية أسّست رابطة إسلامية لنشر الوهابية في كل بلد من البلد الاسكندنافيّة التي تقطنها جاليات إسلامية لا بأس بها.

تركوني لأخذ نصيباً من الرّاحة والنوم لأني قضيت ليلة بيضاء بالقطار ، ولمّا استيقظت كان أحد المستبصرين يروي لنا بأن أبو لبن هو الذي صلّى بالناس صلاة الجمعة ، وقد اكتظّ المسجد بالنّاس فخطبهم خطبة كلّها تكفير للشيعة ، وتحقير لهم ولعقائدهم الزّائفة المزيفة حسب تعبيره ، وكان الغذاء والدّعوة للمناظرة في بيت أحد الإخوة المستبصرين ، وهو من أمثلة العرائس من ولاية قفصة اسمه أحمد العيساوي ، وكان يحبّني كثيرا ، وهو صاحب نكتة وطرافة ، فكان يقول للجماعة : أنا لا أخاف على ولد بلادي.

وجاء أبو لبن ووراءه رجل سوداني يحمل حقيبته اليدويّة ، وهو رجل طويل القامة بلباس عربيّ ، ولحيته تتدلّى على صدره ، وعلى عينيه نظّارات ، قام الجميع يسلّمون عليه وقمت معهم ، قدّموني إليه فكأنه احتقرني ولم يعبأ بوجودي ، وتقدّم صاحب البيت باقتراح طلب فيه تسجيل ما يدور بيننا من جدال ، ووافقت أنا ولكن أبو لبن رفض التسجيل ، وبدأنا الحوار.

قلت : قبل كلّ شيء ما رأيك بالشيّعة؟

وأردت بهذا السؤال أن أحرجه أمام الحاضرين الذين صلّوا معه وسمعوا قوله.

وأراد التخلّص من هذا السؤال ولكنّي أصررت على الإجابة فقال : نحن نكفّرالشيعة لأنهم لايؤمنون بقرآننا ، وعندهم قرآن خاصّ بهم يسمّونه ، مصحف فاطمة3، ضحكت لهذه المعلومات ، وعرفت قيمة مجادلي ، وما مبلغه من


العلم ، فقلت : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً ) (١).

أنت تكفّرنا ، أمّا نحن فلا نكفّرك ، إنما نقول : بأن الدّعايات الأموية ضلّلتك ، ونطلب من الله أن يهديك إلى الحق ، وأنا سوف لن أجادلك في قضايا وهميّة ترددونها كالببّغاء خلفا عن السلّف بدون تحقيق ولا تمحيص ، ولكنّي سوف أجادلك في قضيّة اعتقد أنها من أهم القضايا التي تجمع المسلمين وتنقذهم من النّار ليفوزوا بالجنّة.

قال : هات ما عندك فما هي القضيّة؟

قلت : قضيّة أهل البيت : ووجوب الاقتداء بهم لعصمتهم.

قال : لنبدأ بأهل البيت ، من هم أهل البيت؟ أليست عائشة منهم؟

قلت : لا ، لأن عائشة نفسها ما ادّعت يوما أنها منهم.

قال مستغربا وهو يكلّم الحاضرين : أعندكم مصحف قرآن في البيت؟

قلت : أتريد أن تقرا قوله تعالى : ( يَا نِساء النبيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِّن النِّسَاء إِنِ اتَّقَ يتُنَّ فَلَاَ تَخضَغنَ بِالقَولِ ... ) إلى قوله تعالى : ( إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) (٢).

قال : نعم ، هي هذه.

قلت : هذه لاتقصد نساء النبي 6 لأن الله سبحانه عندما خاطب نساء النبي 6 خاطبهم بنون النسوة ، فقال لستن ، إن اتقيتنّ ، فلا تخضعن ، وقلن قولا معروفا ، وقرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن ، وأقمن الصلاة ، وآتين الزكاة ،

__________________

١ ـ سورة المائدة ، الآية : ٢٧.

٢ ـ سورة الأحزاب ، الآية : ٣٢ ـ ٣٣.


وأطعن الله ورسوله فكلّ هذا خطاب لنساء النبي 6 لكنّ قوله سبحانه : ( إنَّمَا يُريدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ ويُطهِّرِكُم تَطهِيراً ) خارج عليهنّ ، ولو كان المقصود بها نساء النبي 6 لتواصل السيّاق نفسه وقال : إنما يريد الله ليذهب عنكنّ ويطهّركن.

فقال أبو لبن مستهزئا : يبدو أنك لاتعرف اللّغة العربيّة وتجهل قواعدها ، وإلاّ ما وقعت في هذا الخطأ الفاحش.

قلت : لماذا علّمني.

قال : لأن اللغة العربيّة تأتي بنون النّسوة عندما يكون نسوة فقط ، ولو كان عددهنّ ألف امرأة ، أمّا إذا كان بينهنّ رجل واحد فتأتي اللّغة بجمع المذكّر.

قلت : أنا أعرف ذلك ، وهذه من القواعد الابتدائيّة التي نعرفها.

قال : فلماذا تحتجّ عليّ بأنها لا تخصّ نساء النبي 6؟

قلت : لعدّة أسباب وعدّة وجوه سوف أوقفك عليها فيما بعد ، ولكن سلّمت لك جدلا بصحّة ما تذهب إليه ، فسؤالي إليك من هو الرّجل الذي قصده الله ودخل مع نساء النبي 6 في هذه الآية؟

قال بدون تردد : هو سيّدنا علي كرّم الله وجهه.

قلت : الحمد لله رب العالمين فهذا يكفيني حجّة ودليلا ، فأنت تقول بأن الله أذهب الرّجس وطهّر نساء النبي 6 جميعاً ومعهنّ الإمام عليّ 7.

قال : أقول بذلك ، وهذا هو الردّ المناسب لمزاعم الشيعة الذين يريدون إسقاط نساء النبي 6 من العصمة لأنهم لا يحبّون أم المؤمنين عائشة.

قلت : دعنا من الهروب إلى الهامشيّات ، وخلّنا في صلب الموضوع ، فأنا أعيد عليك أمام الحاضرين لتتأكد ممّا تقول ، فقد قلت : بأن الآية نزلت في نساء النبي 6 ومعهم رجل واحد هو علي 7.


قال : نعم.

قلت : تثبّت لعلّه أبو بكر.

قال : لا.

قلت : لعلّه عمر؟

قال : لا ،

قلت : لعلّه عثمان؟

قال : إنها لم تخصّ من الرّجال إلاّ علي فقط ، فلماذا أنت تكرّر ما نقول؟

قلت : لأن العصمة لم تثبت إلاّ لرجل واحد هو علي بن أبي طالب 7 حسب شهادتك ، وهو دليل قاطع على صحّة عقيدة الشيعة لأن المسلمين مطالبون بالاقتداء بالرّجال دون النّساء ، والمسلمون اتّفقوا كلّهم على أميرالمؤمنين 7 ولم نسمع بأميرة المؤمنين.

فكبّر لذلك الحاضرون وقالوا : إنها حجّة قاطعة يا أبا لبن.

قال : نحن علماؤنا كلّهم متّفقون على نزول الآية في نساء النبي 6.

قلت : اتّق الله يا رجل ، أنا أقول قال الله ، وقال رسول الله 6 وأنت تقول : قال العلماء ، أفتقدّم قول العلماء على قول الرّسول 6.

قال : ماذا قال الرّسول 6.

قلت : جمع تحت كساء : نفسه وعليّاً وفاطمة والحسن والحسين : ثم قال : « اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس » فنزلت الآية (١).

__________________

١ ـ سنن الترمذي : ٥/٣٠ ـ ٣١ ح ٣٢٥٨ ، أسباب النزول ، الواحدي : ٢٣٩ ، مسند أحمد بن حنبل : ٦/٢٩٢ ، مناقب أميرالمؤمنين 7 ، الكوفي : ١/١٥٧ ح ٩٢ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٣/٥٤ ح ٢٦٦٦ ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ١٤/١٤١ ، الدر المنثور ، السيوطي : ٥/١٩٨ ، ذخائر العقبى ، الطبري : ٢١.


قال : هذا ما يقوله الشيعة.

قلت : اتّق الله في الشيعة فإنهم لا يقولون إلاّ قول الله ورسوله 6 ، وهذا الذي تنكره أنت ذكره صحاح السنّه.

قال : ما رأيت عند علماء السنّة وفي صحاحهم هذا أبدأ.

قلت لصاحب البيت : هل لك أن تأتينا بصحيح مسلم؟ فأحضره فناولته لأبي لبن ليقرأ في فضائل أهل البيت : أن عائشة هي التي روت رواية الكساء ونزول الآية في هؤلاء الخمسة المذكورين (١) ، فلمّا قرأ ذلك في صحيح مسلم تغيّر لونه وتلعثم في الكلام.

وظهر عجزه قلت : أعرفت لماذا نحن نخصّ هؤلاء بنزول الآية ، لأن عائشة التي تريدون إلصاقها بالآية لا توافقكم هي نفسها على ذلك ، وكذلك أم سلمة من نساء النبي 6 قالت : أردت الدّخول معهم تحت الكساء فمنعني رسول الله 6 وقال : أنت إلى خير (٢).

وقام الأخ رشيد الجزائري وقال متوجّها إلى أبي لبن وهو يضحك : أنا من

__________________

١ ـ صحيح مسلم : ٧/١٣٠ ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ١٤٧ ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله 6 نزلت هذه الآية في خمسة ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) في وفي علي وفاطمة وحسن وحسين.

تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ١٣/٢٠٦ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٩/١٦٧ ، نظم درر المسطين ، الزرندي : ٢٣٨ ، جامع البيان ، ابن جرير الطبري : ٢٢/٩ ح ٢١٧٢٧ ، الدر المنثور ، السيوطي : ٥/١٩٨ ، تفسير ابن كثير : ٣/٤٩٤.

٢ ـ راجع : المعجم الكبير ، الطبراني : ٣/٥٢ ـ ٥٣ ح ٢٦٦٢ ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ١٤/١٣٩ ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ٣٤٦ ـ ٣٤٧.


اليوم سأسميك أبا لهب ، لأنك تترك قول رسول الله 6 وتتبع قول العلماء الذين علّموك ..

وانتهت الجلسة على أحسن ما يرام وازداد المستبصرون بذلك فرحا وابتهاجا.

وما خرجت من السوّيد حتى انقلبت الرّابطة إلى شبه حسينيّة.

واستقدموا بعد ذلك شيخا معمّما من قم المقدّسة ، وأسسوا مسجداً للشيعة هناك يديره جماعة المستبصرين بمعيّة مجموعة من العراقيّين على رأسهم السيد أبو حيدر الذي ساهم بكل جهوده وأمواله في إنجاح المشروع (١).

__________________

١ ـ كتاب فسيروا في الأرض ، الدكتور التيجاني : ٢٩١ ـ ٢٩٥.


المناظرة الحادية والعشرون

مناظرة

الدكتور التيجاني مع شرف الدين المصري

إمام الرابطة في السويد

في حديث أن عمر جذب رسول الله 6 من قميصه

قال الدكتور التيجاني : وجاء اليوم الموعود واستقبلني الأخوة بالمطار في العاصمة السوّيدية ستوكهولم ، ونزلت ضيفا عند الأخ الشطّي رئيس الرّابطة وفي يومين وخلال محاضرتين انقسمت الرّابطة إلى قسمين وتشيّع أغلبهم بإعانة الإخوة الذين عرفتهم خلال المؤتمر ، وكان أشدّ النّاس حماسا للتشيّع الأخ محمود الطّاهري والأخ الجزائري رشيد بدرة ، ولكن إمام الرّابطة شرف الدين المصري ومعاونه حسين التونسي بقيا معادين ومعاندين.

وبدأ الإمام يحسّ بالعزلة شيئاً فشيئا فلجأ إلى المواجهة والهجوم العنيف على الشيعة وقال فيما قال : أنا أعرف أن علماء الشيعة كذّابين ومنافقين ، وأن أعظم كتاب عندهم هو كتاب المراجعات الذي يفتخر به الدكتور التيجاني نفسه ، هذا الكتاب كلّه كذب ونفاق.

استفزّني كلامه الذي قاله بمحضر أكثر من عشرين رجلا فقلت : اتّق الله فأنت إمام الجماعة والمفروض أن الإمام يكون مثال الصدّق والأمانة ، ولا يقول


بما لا يعلم ، فكيف لو طالبتك بالدليل على ادّعائك.

قال : عندي دليل على ما أقول وأنا لا أتكلم إلاّ بما أعلم.

استغربت منه هذه الجرأة وتحدّيته أمام الحاضرين قائلا : إن هذا الكتاب هو بالفعل من أعظم الكتب التي أثّرت فيّ شخصيّاً ، وقد تتبّعته بالبحث فوجدته ينقل بدقّة ، أعني مؤلّفه وهو السيد شرف الدين الموسوي ينقل بدقّة وأمانة فلا يزيد ولا ينقص ، فأنا أتحدّاك أمام الحاضرين إن جئتني بكذبة واحدة في كتابه فسوف ألعنه أمام الجميع وألعن الشيعة معه.

قال : أتشهدون عليه يا جماعة؟

قالوا : لقد حكم على نفسه بنفسه.

قلت : وهو كذلك.

قال : موعدنا الليلة وسآتيكم بالدليل القاطع ، إن شاء الله.

قال الأخ الجزائري : السهرة الليلة في بيتي فأنتم كلّكم مدعوّون للعشاء عندي ، وبعد العشاء نبحث في الموضوع ، وكان الاتّفاق على ذلك.

بقي الأخ محمود الطاهري متخوّفاً ويحذّرني من الإمام على أنه مثقّف ، ومطّلع على أمور كثيرة ، وأغلب النّاس يثقون بعلمه فلو انتصر عليك ، لا قدّر الله فستكون ردّة لكلّ من تشيّعوا ، فهدّأت من روعه وطمأنته بأن شرف الدين الشيعي أعلم من شرف الدين السنّي.

وكان اللقاء ، الإمام المصري يتبعه معاونه حسين التونسي ويحمل حقيبته ، وبعد تناول العشاء وقضاء فريضة الصّلاة ، افتتح صاحب البيت الأخ رشيد بدرة الجلسة بكلمة وجيزة دعا فيها الحاضرين ، وكانوا يزيدون على الثلاثين رجلا ، ونساءهم في الغرفة المجاورة ، دعاهم كلّهم لاحترام المجالس العلميّة ولزوم


الصمت ، وقال : كلّنا نستمع للدكتور التيجاني والإمام شرف الدّين ، فلسنا هنا للخصام ولا للملاكمة ، وإنما نحن نريد الوصول إلى الحقيقة ، وهذه الحقيقة قد تكون مع التيجاني وقد تكون من شرف الدين ، فنحن يجب أن نكون مع الحقّ لا مع الأشخاص.

أخرج الإمام شرف الدين المصري من حقيبته كتاب النصّ والاجتهاد ، ثم أخرج معه صحيح البخاري وفتح كتاب النص والاجتهاد وأعطاني إيّاه ، وطلب مني قراءة الصفحة المسطرة ، وقرأتها وأنا أعرفها فهي تتعلّق باجتهاد عمر بن الخطّاب عندما جذب رسول الله 6 من قميصه وهو يصلّي على عبد الله ابن أبي المنافق وقال له : إن الله نهاك أن تصلي على المنافقين (١).

قلت : وماذا فيها فالقضيّة معروفة ولا ينكرها أيّ باحث.

قال : نعم أنا لا أجادل في القضيّة ، وإنما في العالم الشيعي الذي يكذب ويقلّب الحقائق.

قلت : وكيف ذلك ، ما وجدت في القصّة كذبا ولا تقليباً للحقيقة أعدت القراءة ، خرج رسول الله 6 يصلّي على عبدالله بن أبي ، فجاء عمر فجذبه من قميصه.

قال : قف هنا واقرأ التعليق الذي كتبته أنا ، فقرأت على الحاشية وقد سطّر كلمة فجذبه بسطرين ، قوله : انظروا إلى هذا الكذّاب الدجّال الذي يحرّف الكلام عن مواضعه ، ثم أولغ سباً وشتماً في المؤلّف وفي الشيعة عامّة.

فقلت مستغرباً : مافهمت حتى الآن قصدك ، وأين الكذب والتحريف أنا ما

__________________

١ ـ صحيح البخاري : ٧/٣٦ ، سنن النسائي : ٤/٣٦ ـ ٣٧.


رأيته.

قال : إنه هنا يستشهد بالبخاري وها هو البخاري أمامنا ، خذ اقرأ بنفسك ما ذكره البخاري ، وناولني كتاب البخاري فقرأت : فجاء رسول الله 6 ليصلّي عليه ، فمسكه عمر (١).

قلت : ما هو الفرق بين هذا وذاك المهمّ أن عمر منع رسول الله 6 من الصلاة وأنا لا أرى فرقا بين جذبه أو مسكه.

فصاح قائلا : وهذه مصيبتك ، أنت جاهل باللّغة العربيّة ، ولا تفرّق بين جذبه ومسكه ، فلفظ مسكه تعني اللين واللّطف ، وجذبه تعني الشدّة والعنف ، وسيّدنا عمر كما يقول البخاري : مسك رسول الله 6 برفق ولطف ، وليس كما يقول عالم الشيعة : جذبه ، وهو يوحي بتحريفه ، هذا على أن سيّدنا عمر كان يستعمل الشدّة والعنف مع حضرة الرسول 6.

ونظرت حولي إلى الحاضرين وقد انتكست رؤوسهم ، وأوجست في نفسي خيفة أمام شرف الدين الذي أخذ يصول ويجول بنخوة الانتصار عليّ أمام الجموع الحاضرة ، لأني تحديته أمامهم إن جاءني بكذبة واحدة فسألعن الشيعة وعلى رأسهم صاحب المراجعات ، وها هي الكذبة واضحة في نظر الحاضرين لأن شرف الدين الموسوي أبدل كلمة مسكه بكلمة جذبه ، وهذه خيانة علميّة.

وفجأة جاءني الجواب وقرأت من جديد ما كتبه شرف الدين قائلا : وإليك منه ما أخرجه البخاري في كتاب اللباس من صحيحه ، وراجعت كتاب البخاري الذي جاء به الإمام معه فوجدته يستدلّ بغير الكتاب الذي ذكره شرف الدين

__________________

١ ـ راجع : صحيح البخاري : ٢/١٠٠ ، وجاء في ص ٢٠٦ : فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله 6 .. الخ.


الموسوي ، عند ذلك ، فهمت وقلت لشرف الدين المصري : لا تتسرّع بفرحة الانتصار ، وأنا أتّهمك أنت الآن بالدّس ، فلماذا لم تأت بالجزء المذكور ، والذي فيه كتاب اللباس، فإن كنت تعلم فتلك مصيبة ، وإن كنت لاتعلم فالمصيبة أعظم.

قال صائحا يسأل الحاضرين : أهناك كتاب آخر للبخاري غير هذا؟

قلت : لا ، أنا أقصد لماذا لم تأت بالأجزاء كلّها وجئت بهذا الجزء فقط؟ لأني أعرف أن البخاري ينقل الحادثة في عدّة أبواب من صحيحه ، ويتصرّف في الحديث فيغيّر هو معانيه حفاظاً على كرامة الصّحابة ، ولو كان ذلك على حساب رسول الله 6.

فتهلّل وجه صاحب البيت رشيد بدرة وقال : أنا عندي صحيح البخاري هنا بكل أجزائه.

انهزام شرف الدين المصري وانتكاسته

فقلت : هلم به إلينا ، وفي لحظة جاء الكتاب وأخرجت كتاب اللباس الذي استدلّ به شرف الدين الموسوي وإذا فيه : فجاء رسول الله 6 ليصلّي عليه فجذبه عمر ، فصاح رشيد بدرة : الله أكبر وتهلل الحاضرون كلّهم ، وانتكس الإمام المصري لأنه أصيب بذهول وتبيّن لي أنه ما كان يعرف بوجود هذا الحديث ، ولكنّه لمجرّد ما فتح البخاري ووجد كلمة مسكه عوضاً عن جذبه ظنّ المسكين أنه اكتشف زيف الشيعة وأكاذيبهم فطأطأ برأسه إلى الأرض ، ولم يزد شيئاً رغم الكلمات النابية التي وجّهها إليه الأخ رشيد بدرة الذي قال له فيها : يا شرف الدين كنّا نظنّك عالما متبحّرا فإذا بك فارغ ، وتتّهم العلماء الأجلاء بالكذب والدّجل ، وتسبّ وتشتم أناساً أبرياء أفضوا أمرهم إلى الله.

فقام معاونه حسين التونسي لينقذ الموقف ، ويخرج زميله من الورطة التي


وقع فيها ، فقال موجّها كلامه إليّ : إن إمامك الذي تدعو إليه عنده شذوذ فهو يجيز نكاح المرأة من دبرها ، استغربت منه هذا القول ، وهو الذي لم يتكلّم أبداً ، وكان يمتاز بالسّكوت والاستماع.

قلت : أي إمام دعوتك إليه؟

قال : الإمام الخميني.

التفت للحاضرين وسألتهم : هل كلّمتكم منذ قدمت إليكم عن الإمام الخميني؟

قالوا : ما سمعنا منك إلاّ الكلام عن أئمّة أهل البيت : ولم نسمعك أبداً تتكلّم عن الإمام الخميني.

قلت له : لماذا تتّهمني بشيء لم يقع أبدأ هذا أولا ، أمّا ثانياً فلماذا تنكر على الإمام الخميني ، وتتّهمه بالشّذوذ في مسألة فقهيّة اختلف فيها الصّحابة أنفسهم بين مانع ومكره ومجيز ، وإذا استنكرت ذلك على الإمام الخميني ، الذي قال : بالكراهة ، لماذا لم تستنكره على البخاري الذي قال بجوازه قبل ألف عام.

فقال : حاشى البخاري من هذه السّفاسف.

قلت : البخاري بين أيدينا ، وفي لحظة وجيزة أخرجت له وللحاضرين قول البخاري عن عبدالله بن عمر في تفسير قوله تعالى : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) (١) قال يأتيها في ... (٢) واستفظع الكلمة فلم يكتبها (٣).

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢٢٣.

٢ ـ صحيح البخاري : ٥/١٦٠.

٣ ـ جاء في كتاب جامع البيان لابن جرير الطبري : ٢/٥٣٥ : بإسناده عن نافع قال : كنت أمسك على ابن


فلمّا قرأ الأخ رشيد بدرة هذا الحديث غضب وقال للتّونسي : أنت أيضاً تريد طمس الحقيقة ونصرة الباطل ، غداً خذ أدباشك ، وارجع من حيث أتيت ، فأنا لا أكفلك أبداً ، وانتهى كل شيء بيننا.

وتبيّن لي أن التّونسي جيء به من باريس ليؤمّ المصلّين في غياب الإمام المصري الذي يتغيّب شهورا عندما يسافر إلى مصر ، ووعد الأخ رشيد بدرة أن يزوّجه من سوّيدية ، ويحضرّ له أوراق الإقامة والمعاملات القانونيّة.

وحاولت إقناع الأخ الجزائري بإتمام ما وعده به فرفض قائلا : أنا لا أعين الباطل ، ولا أكون للظّالمين ناصرا ، وقد تبيّن لي أن هؤلاء فارغين ونحن كنّا غافلين (١).

__________________

عمر المصحف ، اذتلا هذه الآية : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) فقال : أن يأتيها في دبرها. وعن نافع أيضاً عن ابن عمر أن هذه الآية نزلت في إتيان النساء في أدبارهن.

١ ـ كتاب فسيروا في الأرض ، الدكتور التيجاني : ٢٨٧ ـ ٢٩١.


المناظرة الثانية والعشرون

مناظرة

الدكتور التيجاني مع بعض السلفيين

في مشروعية التوسّل والاستشفاع بالنبي 6

قال الدكتور التيجاني : أعلمني صديقي الأستاذ التونسي بأنّ صديقه السعودي سيأتي في الغد لإجراء محاورة علمية معي ، وقال : بأنه استدعى لذلك مجموعة من الأساتذة ليشاركوا في الحوار ليستفيد الجميع ، وقال : بأنّه هيأ الغداء ، فاليوم هو يوم عطلة الأسبوع ، وعندنا الوقت الكافي ، وكم نحن مشتاقون لمثل هذه المجالس ، ثم أضاف : ونحن نريدك منتصراً فلا تخجّلنا ، لأنّ هذا السعودي « ما كِلْنَا بقرعة » (١).

وفي الساعة الموعودة توافد على البيت الأساتذة ومعهم العالم الوهّابي ، وكان مجموعهم سبعة ، أضف إليهم صاحب البيت ، وشخصي الحقير ، فصار المجلس يضمّ تسعة أشخاص.

__________________

١ ـ جاء في الهامش : هو تعبير شائع عند العامة في تونس ومعناه يتكلم وحده ولا يترك لنا فرصة للكلام.


الحاجة إلى التوسل بالأنبياء والأولياء

بعد أكل سريع ودردشة أثناء الأكل ، قد لا يخلو منها مجلس بدأنا الحوار ، وكان موضوعه المطروح التوسّل والوساطة بين العبد وربّه.

كنت من القائلين بالتوسّل إليه سبحانه وتعالى بأنبيائه ورسله وأوليائه الصّالحين ، وأن الإنسان قد يحجب دعاءه كثرة الذنوب والإنشغال بالدنيا فيستشفع إلى الله سبحانه بأوليائه وأحبابه.

قال : هذا شرك ، وأن الله لا يغفر أن يشرك به ..

قلت : وما دليلك على أنه شركٌ بالله؟

قال : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ) (١) ، هذه آية صريحة في تحريم الدعاء لغير الله ، فمن دعا غير الله فقد جعل له شريكاً ينفع ويضرّ ، والنّافع والضّار هو الله وحده.

إستحسن بعض الحاضرين كلامه وأراد تأييده فاستوقفه صاحب البيت قائلا : مهلا ، مهلا ، لقد دعوتكم لا للجدال ولاللمباراة ، وإنّما دعوتكم للإستماع لهذين العالمين ، فهذا التونسي عرفته من قديم ولكنّي فوجئت بأنه شيعي يتبع أهل البيت ،:وهذا صديقنا السعودي ، وكلّكم تعرفونه وتعرفون عقيدته ، فما علينا إلاّ الاستماع إليهما ، وإلى مايدليان به من حجج إلى أن يفرغا من بحثهما ويستوفيا ماعندهما ، بعد ذلك نفسح المجال للنقاش ليشارك فيه كل من أراد.

__________________

١ ـ سورة الجن ، الآية : ١٨.


توسل الصحابة بالنبي 6

شكرناه على هذا الأسلوب وهذا اللطف ، وواصلنا الحديث فقلت : أنا أوافقك على أنّ الله سبحانه هو وحده النّافع والضارّ ولا أحد غيره ، ولا يخالفك أحدٌ من المسلمين في ذلك ، إنّما اختلافنا في التوسّل ، فالذي يتوسّل برسول الله 6 مثلا يعرف أنّ محمّداً لا ينفع ولا يضرّ ، ولكنّ دعاءه مستجاب عند الله ، فإذا سأل محمّدٌ ربّه قائلا : اللهم ارحم هذا العبد ، أو اغفر لهذا العبد ، أو اغني هذا العبد ، فإنّ الله سبحانه يستجيبُ له ، والرّوايات الصحيحة الواردة في هذا المعنى كثيرة جداً ، منها : أنّ أحد الصحابة كان أعمى فجاء إلى رسول الله 6وطلب منه أن يدعو الله له ليفتح بصره ، فأمره الرسول 6 بأن يتوضّأ ويصلّي لله ركعتين ، ثم يقول : اللهم إني أتوسّل إليك بحبيبك محمّد إلاّ ما فتحت بصري ففتح الله بصرهُ (١).

__________________

١ ـ روى الترمذي في السنن : ٥/٢٢٩ ح ٣٦٤٩ بالإسناد عن عثمان بن حنيف : أن رجلا ضرير البصر أتى النبي 6 فقال : ادع الله أن يعافيني ، قال : إن شئت دعوت ، وإن شئت صبرت فهو خير لك ، قال : فادعه ، قال : فأمره أن يتوضأ فيحسن وضؤه ويدعوه بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمّد نبي الرحمة ، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضي لي ، اللهم فشفعه في. قال : هذا حديث حسن صحيح.

ورواه ابن ماجة في السنن : ١/٤٤١ ح ١٣٨٥ وقال : قال أبو إسحاق : هذا حديث صحيح ، ومسند أحمد بن حنبل : ٤/١٣٨ ، السنن الكبرى ، النسائي : ٦/١٦٩ ح ١٠٤٩٤ ـ ١٠٤٩٦ ، أسد الغابة ، ابن الأثير : ٣/٣٧١ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٦/٢٤ ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ١/٣١٣ ، وقال : هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ورواه أيضاً في ص ٥١٩.

ورواه في ص ٥٢٦ وجاء في الحديث بعد الدعاء : فدعا بهذا الدعاء فقام وقد أبصر ، ورواه أيضاً ثانية


وكذلك ثعلبة ذلك الصحابي الفقير المعدوم الذي جاء للنبي 6 وطلب منه أن يسأل الله له الغنى لأنه يحبّ أن يتصدّق ، ويكون من المحسنين ، وسأل رسول الله 6 ربّهُ فاستجاب له ، وأغنى ثعلبة ، فأصبح من الأغنياء حتّى ضاقت بأنعامه أرجاء المدينة فلم يعد يحضر الصّلاة ، ومنع إعطاء الزكاة. والقصة معروفة ومشهورة عند النّاس كافة (١).

كذلك كان النبي 6 يوماً يصف لأصحابه نعيم الجنّة ، وما أعدّه الله سبحانه لسكّانها ، فقام عكاشة فقال : يا رسول الله أدعو الله أن يجعلني منهم ، فقال رسول الله : اللهمّ اجعله منهم ، فقام آخر فقال : وأنا يا رسول الله ، فقال : لقد سبقك بها عكاشة (٢).

ففي الرّوايات الثلاثة دليل قاطع على أنّ رسول الله 6 جعل نفسه واسطة بين الله والعباد.

الاحتجاج بالآيات الشريفة على مشروعية التوسل

قاطعني الوهابيّ بقوله : أنا أستدل عليه بالقرآن الكريم ، وهو يستدل عليَّ بالأحاديث الضعيفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

__________________

في نفس الصفحة وجاء في آخره : قال عثمان : فو الله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضر قط ، ثم قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.

١ ـ أسباب النزول ، الواحدي : ١٧٠ ـ ١٧٢ ، تفسير القرطبي : ٨/٢٠٩ ، الدر المنثور ، السيوطي : ٢٦٠ ـ ٢٦١ ، تفسير ابن كثير : ٢/٣٨٨ ، في تفسير قوله تعالى : ( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) سورة التوبة ، الآية : ٧٥ ، أسد الغاية ، ابن الأثير : ١/٢٣٧.

٢ ـ مسند أحمد بن حنبل : ١/٤٢٠ ، صحيح البخاري : ٧/٤٠ ، صحيح مسلم : ١/١٣٦ ، المستدرك ، الحاكم : ٣/٢٢٨.


قلت : القرآن الكريم يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (١).

قال : الوسيلة هي العمل الصالح!

قلت : آيات العمل الصالح كثيرة ومحكمة ففيها يقول سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) (٢) ولكن في هذه الآية قال : ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) وفي آية أخرى قال : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ) (٣).

وهاتان الآيتان تفيدان البحث عن وسيلة يتوسل بها إليه سبحانه ، وذلك مع التقوى والعمل الصالح ألم تر أن الله قال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ ) (٤) فقدّم الإيمان والتقوى على ابتغاء الوسيلة؟

قال : أكثر العلماء يفسّرون الوسيلة بالعمل الصالح.

قلت : دعنا من التفسير وأقوال العلماء ، ما رأيك لو أثبت لك الوساطة من القرآن نفسه؟

قال : مستحيل إلاّ أن يكون قرآن لا نعرفه!

قلت : أعرف ماذا تقصد ، سامحك الله ، ولكنّي سوف أثبت ذلك من القرآن الذي نعرفه جميعاً ، ثم قرأتُ ( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (٥) فلماذا لم يقل سيدنا يعقوب نبي

__________________

١ ـ سورة المائدة ، الآية ٣٥.

٢ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢٥.

٣ ـ سورة الإسراء ، الآية : ٥٧.

٤ ـ سورة المائدة ، الآية : ٢٧٨.

٥ ـ سورة يوسف ، الآية : ٩٧ و ٩٨.


الله 7 لأولاده : استغفروا الله وحدكم ، ولا تجعلوني وسيطاً بينكم وبين خالقكم ، بل أقرّهم على تلك الوساطة فقال : ( سوف أستغفر لكم ربّي ) فجعل نفسه بذلك وسيلة إلى الله لأولاده؟!

أحسّ الوهّابي بحرج لدفع هذه الآيات البيّنات التي لا مجال للتشكيك فيها ، ولا لتأويلها فقال : ما لنا وليعقوب 7 وهو من بني إسرائيل ، وقد نُسخت شريعته بشريعة الإسلام.

قلت : سأعطيك الدليل من شريعة الإسلام ، من شريعة نبي الإسلام محمّد رسول الله 6.

قال : نستمع إليك.

فقلت : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ) (١).

فلماذا يأمرهم الله بالمجيء إلى الرّسول 6 ليستغفروا عنده ، ثم يستغفر لهم الرّسول 6 فهذا دليل قاطع على أنّه 6 هو واسطتهم إلى الله ولا يغفر الله لهم إلاّ به.

اعتراف السلفي بالتوسل في حياة النبي 6

فقال الحاضرون : هذا دليل ما بعده دليل ، وأحسّ الوهابيّ بالهزيمة فاستطرد يقول : ذاك صحيح عندما كان حيّاً ، ولكن الرّجال مات منذ أربعة عشر قرناً.

__________________

١ ـ سورة النساء ، الآية : ٦٤.


قلت مستغرباً : كيف تقول عن رسول الله 6 رجّال مات؟! رسول الله 6 حيّ وليس بميّت.

فضحك من قولي مستهزءاً قائلا : القرآن قال له : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ)(١).

قلت : والقرآن نفسه يقول : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (٢) وقال : ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ) (٣).

قال : هذه الآيات تتكلّم عن الشهداء الذين يقتلون في سبيل الله ، ولا علاقة لها بمحمّد.

قلت : سبحان الله ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، أأنت تنزل بمرتبة النبي محمّد حبيب الله 6 إلى درجة هي أقل من رتبة الشهيد ، وكأنّك تريد أن تقول بأن أحمد بن حنبل مات شهيداً ، فهو حيّ عند ربّه يرزق ورسول الله 6 ميّتٌ كسائر الأموات؟!

قال : هذا ما يقوله القرآن الكريم.

قلت : الحمد لله أن كشف لنا عن هويّتكم ، وعرّفنا على حقيقتكم بألسنتكم ، وقد حاولتم جهودكم طمس آثار الرسول 6 ووصل الأمر بكم أن حاولتم إعفاء قبره ، كما أعفيتم البيت الذي ولد فيه.

وهنا تدخَّل صاحب البيت ليقول لي : لا نخرج عن دائرة القرآن والسنّة

__________________

١ ـ سورة الزمر ، الآية : ٣٠.

٢ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٦٩.

٣ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٥٤.


وهذا ما اتفقنا عليه.

اعتذرت وقلت : المهمّ أنّ صاحبنا اعترف بالوسيلة في حياة النبي 6 ونفاها بعد وفاته.

فقال الحاضرون جميعاً : وهو كذلك ، وسألوه من جديد : أنت وافقت بأنّ الوساطة كانت جائزة في حياة النبيّ 6؟

أجاب : كانت جائزة في حياته وهي غير جائزة الآن بعد وفاته 6.

فقلت : الحمد لله ، لأول مرّة تعترف الوهابيّة بالوسيلة وهذا فتح كبير.

واسمحوا لي بأن أضيف أنّ الوسيلة جائزة حتى بعد وفاة الرسول 6.

قال الوهّابي : والله لا يجوز ، ذلك من الشرك.

فقلت : مهلا ، ولا تتسرّع وتقسم فتندم على ذلك.

قال : هات الدليل من القرآن.

قلت : أنت تطلب المستحيل لأنّ نزول الوحي انقطع بوفاة محمّد 6 ، فلا بد من الإستدلال من كتب الحديث.

فقال : نحن لا نقبل الحديث إلاّ إذا كان صحيحاً ، أمّا ما يقوله الشيعة فلا نعتبره شيئاً.

توسل عمر بن الخطاب بالعباس عم النبي 6

قلتُ : هل تثق في صحيح البخاري ، وهو أصح الكتب عندكم بعد كتاب الله؟

قال مستغرباً : البخاري يقول بجواز الوسيلة؟!

قلتُ : نعم يقول بذلك ، ولكن مع الأسف لا تقرأون ما في صحاحكم ،


ورغم ذلك تعاندون تعصّباً لأرائكم فقد أخرج البخاري في صحيحه أنّ عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعبّاس بن عبد المطّلب فقال : اللهمّ إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا 6 فتسقينا وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا ، قال : فيسقون»(١).

ثم قلت له : هذا عمر بن الخطّاب وهو عندكم أعظم الصّحابة ولا شك عندك في إخلاصه ، وقوة إيمانه ، وحسن عقيدته ، فإنكم تقولون : لو كان نبي بعد محمّد لكان عمر بن الخطاب (٢) ، وأنت الآن بين أمرين لا ثالث لهما ، إمّا أن تعترف بأنّ التوسل هو من صميم الدين الإسلامي ، وقول عمر بن الخطّاب : إنّا كنا نتوسل إليك بنبيّنا ، وإنا نتوسل إليك بعمّ نبيّنا ، هو إقرارٌ بالتوسّل في حياة النبي 6 وبعد حياة النبيّ ، وإمّا أن تقول : بأنّ عمر بن الخطاب مشرك ، لأنه جعل العبّاس بن عبد المطلب وسيلته إلى الله ، والعبّاس كما هو معلوم ليس بنبيّ ولا إمام ، وليس هو من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً.

أضف إلى ذلك أنّ البخاري وهو إمام المحدّثين عندكم الذي أخرج هذه القصة معترفاً بصحّتها ، ثم أضاف بقوله : كانوا إذا قحطوا استسقوا بالعبّاس

__________________

١ ـ صحيح البخاري : ٢/١٦ ، ٤/٢٠٩ ، السنن الكبرى ، البيهقي : ٣/٣٥٢ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ١/٧٢ ح ٨٤ ، الطبقات الكبرى ، ابن سعد ٤/٢٨ ـ ٢٩ ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ٢٦/٣٥٥ ، ذخائر العقبى ، الطبري : ١٩٨ ـ ١٩٩.

٢ ـ راجع : مسند أحمد بن حنبل : ٤/١٥٤ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ١٧/١٨٠ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٢/١٧٨ ، تذكرة الموضوعات ، الفتني ، ٩٤ ، فيض القدير ، المناوي : ٥/٤١٤ ح ٧٤٦٩ ، كشف الخفاء ، العجلوني : ٢/١٥٤ ح ٢٠٩٤.


فيسقون ، ويعني بذلك أن الله يستجيب لهم.

فالبخاري والمحدّثين من الصحابة الذين رووا هذا وكل أهل السنة والجماعة الذين يعتقدون صحة البخاري كلّهم عندكم مشركون؟!

قال الوهّابي : لو صحّ هذا الحديث فهو حجّة عليك.

قلت : وكيف يكون حجّةً عليَّ؟!

قال : لأن سيدنا عمر لم يتوسّل بالنبيّ 6 لأنه ميّتٌ ، وتوسل بالعباس لأنه حيّ.

قلت : إنّ عمل وقول عمر بن الخطّاب ليس عندي بحجة ، ولا أقيم له وزناً ، وإنّما استعرضت هذه الرواية للإستدلال بها على موضوع البحث ، وهو إنكارك وإنكار كل علمائكم التوسّل ، واعتباره شركاً بالله.

وإني أتساءل لماذا لم يتوسّل عمر بن الخطاب أثناء القحط بعلي بن أبي طالب 7 الذي هو من محمّد كمنزلة هارون من موسى ، ولم يقل أحدٌ من المسلمين بأنّ العبّاس أفضل من عليّ ، ولكن هذا موضوع آخر لا يهمّنا في هذا البحث ، ونكتفي بالقول : بأنكم الآن تعترفون بالوسيلة بالأحياء ، فهذا بالنسبة إليَّ انتصارٌ كبير أحمد الله عليه أن جعل حجتنا هي البالغة ، وجعل حجتكم هي الباطلة (١).

__________________

١ ـ كل الحلول عند آل الرسول 6 ، الدكتور التيجاني : ٢٢٩ ـ ٢٣٧.


المناظرة الثالثة والعشرون

مناظرة

الدكتور التيجاني مع بعض السلفيّة

في مشروعيّة زيارة القبور

قال الدكتور التيجاني : والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدّاً ملأت كتب الصحاح عند أهل السنّة وعند الشيعة (١).

ولكن الوهابيّة تنكرها ولا تقيم لها وزناً وقد قال لي بعضهم عندما حاججتهم بهذه الأحاديث فقال : أنَّها نسخت.

فقلت : بالعكس التحريم هو المنسوخ ، لأن رسول الله 6 قال : كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، الآن فزوروها فإنها تذكّركم بالموت (٢).

قال : هذا الحديث يعني به الرّجال دون النساء.

قلت : قد ثبت في التأريخ وعند المحققين من أهل السنّة بأنّ فاطمة الزهراء سلام الله عليها كانت في كل يوم تزور قبر أبيها فتبكي وتقول :

__________________

١ ـ يعني الأحاديث المصرحة بجواز زيارة القبور.

٢ ـ مسند أحمد بن حنبل : ١/١٤٥ ، صحيح مسلم : ٣/٦٥ ، سنن ابن ماجة : ١/٥٠١ ح ١٥٧١ ، سنن الترمذي : ٢/٢٥٩ ح ١٠٦٠ ، المستدرك ، الحاكم : ١/٣٧٤ ـ ٣٧٦ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٥/٨٢ ح ٤٦٤٨.


صُبَّت عليّ مصائبٌ لو أنها

صُبّت على الأيام صرن لياليا (١)

والمعروف بأن عليّاً 7 بنى لها بيتاً يسمى بيت الأحزان فكانت تقضي جلّ أوقاتها في البقيع (٢).

قال : وعلى فرض صحة الرّواية فهي تخص فاطمة 3 وحدها.

إنّه التعصّب الأعمى مع الأسف ، وإلاّ كيف يتصوّر مسلمٌ أن يمنع الله ورسوله 6 المرأة المسلمة من زيارة قبر أبيها ، أو قبر أخيها ، أو قبر ولدها ، أو قبر أمّها ، أو قبر زوجها ، فتترحّم عليهم وتستغفر لهم ، وتسيل عليهم دموع الرّحمة ، وتتذكر هي الأخرى الموت والآخرة ، كما يتذكر الرّجل ، إنّه ظلمٌ للمرأة المسلمة المسكينة ، ولا يرضاه الله ، ولا يرضاه رسول الله 6 ، ولا يرضاه أهل العقول السليمة (٣).

__________________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : ١/٢٠٨ ، نظم درر السمطين ، الزرندي : ١٨١ ، أعلام النبلاء ، الذهبي : ٢/١٣٤.

٢ ـ بحار الأنوار ، المجلسي : ٤٣/١٧٧ ـ ١٧٨.

٣ ـ كل الحلول عند آل الرسول 6 ، الدكتور التيجاني : ٢٦٦ ـ ٢٦٧.


المناظرة الرابعة والعشرون

مناظرة

الدكتور أسعد القاسم الفلسطيني مع دكتور أردني

في حديث ( الخلفاء إثنا عشر )

يقول الدكتور أسعد القاسم (١) : من الحوادث أذكر منها مناقشتي لدكتور معروف في كليَّة الشريعة بالجامعة الأردنية ، لا داعي لذكر اسمه ، حيث زار مانيلا قبل عشر سنوات ، وألقى محاضرة للطلبة العرب ، تعرَّض فيها لأحوال المسلمين عموماً ، وكان مما قاله : أن معركة المسلمين مع الشيعة معركة عقيدة.

وبعد انتهاء المحاضرة طلبت مناقشته فيما قال ، فكان همُّه معرفة إن كنت شيعيّاً أم سنّياً ، وعندما حاصرته بالأدلّة القويّة حاول في البداية تبريرها بقوله : ومن منّا لا يحب أهل البيت :.

__________________

١ ـ هو : الدكتور أسعد وحيد القاسم ، من مواليد فلسطين ١٩٦٥ م ، حاصل على بكالوريوس في الهندسة المدنيَّة ، وما جستير في إدارة الإنشاءات ، ودكتوراة في الإدارة العامة ، دفعه اطّلاعه على بعض كتب السلفيّة التي تهاجم مذهب أهل البيت : إلى قراءة كتاب المراجعات وكتباً أخرى ، ثمَّ تحقَّق مما جاء فيها من صحاح السنة ، وهو الأمر الذي قاده إلى إعلان تشيُّعه بعد بحث مستفيض طال سنتين ، له كتاب : تحليل نظم الإدارة العامة في الإسلام ، وهي رسالة الدكتوراة ، وكتاب : حقيقة الشيعة الاثني عشرية ، وكتاب : أزمة الخلافة والإمامة وآثارها المعاصرة. عن كتاب : المتحوِّلون : ٤٨٥.


وعندما واجهته بالأحاديث التي توجب اتبّاعهم بالعمل ، وليس بمجرِّد الادّعاء حاول أن ينهي النقاش ، وعندما ذكرت له الأحاديث الدالّة على عدد الأئمة الاثني عشر : ، وسألته : من هم هؤلاء الأئمَّة أو الأمراء كما ذكر البخاري؟ كان جوابه :

هذا الحديث من عقلك ، وليس له وجود عندنا ، ثمَّ سحب نفسه من المناقشة تاركاً الطلبة يهزّوا رؤوسهم استغراباً.

وكان لهذه الحادثة الأثر الكبير في تحفيزي للمزيد من البحث ما دامت المسألة على هذه الدرجة من الخطورة (١).

السبب الذي دعاني إلى التشيع

ويقول الدكتور أسعد في بيان السبب الذي دعاه إلى التشيُّع: إن الدافع كان واحداً ليس له ثاني ، وهو رؤيتي ـ بما لا يقبل الشك ، والدليل والبرهان القاطع ـ وجوب اتّباع أهل البيت:الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً ، فماذا بعد التمعُّن بقوله6في خطبة حجة الوداع : إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب الله وعترتي أهل بيتي (٢).

فهذا القول المعروف بحديث الثقلين يرسم المنهاج بإطاره العام ، ثمَّ يخصّص بقوله6: من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه (٣) ، وقوله 6 : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنه لا نبيَّ

__________________

١ ـ المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : ٤٨٣ ـ ٤٨٤.

٢ ـ تقدَّمت تخريجاته.

٣ ـ روى أحمد بن حنبل في مسنده : ٤/٢٨١ : عن البراء بن عازب قال : كنّا مع رسول الله 6 في سفر ،


بعدي (١) ، وغير ذلك الكثير من التوجيهات النبوّيّة التي تضع النقاط على الحروف ، فكلمة « بعدي » توضح أن علياً 7 كان وصيّاً للرسول 6 كما كان هارون ليكون خليفة له وإماماً على الأمة بعده.

وهناك العديد من الروايات الموثَّقة أيضاً في الصحاح ، تشير إلى أن عدد الأئمة : اثنا عشر ، وكان علماء أهل السنة على مرّ التأريخ مازالوا في حيرة أمام هذا الرقم الصعب دون أن يجدوا له تفسيراً (٢).

__________________

فنزلنا بغدير خمٍّ ، فنودي فينا : الصلاة جامعة ، وكسح لرسول الله 6 تحت شجرتين ، فصلَّى الظهر ، وأخذ بيد علي 7 فقال : ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى ، قال : ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا : بلى ، قال : فأخذ بيد علي ، فقال : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه. قال : فلقيه عمر بعد ذلك فقال له : هنيئاً يا ابن أبي طالب! أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.

ورواه أيضاً الحاكم النيسابوري في المستدرك : ٣/١٠٩ عن زيد بن أرقم مثله ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله.

وروى أحمد بن حنبل أيضاً في مسنده : ١/١١٨ عن سعيد بن وهب ، وعن زيد بن يثيع قالا : نشد علي 7 الناس في الرحبة : من سمع رسول الله 6 يقول يوم غدير خم إلاَّ قام ، قال : فقام من قبل سعيد ستة ، ومن قبل زيد ستة ، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله 6 يقول لعلي 7 يوم غدير خم : أليس الله أولى بالمؤمنين؟ قالوا : بلى ، قال : اللهم من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه.

وهذا الحديث من المتواترات ، وقد ذكرته جلَّ المصادر ، ونذكر منها مايلي :

فضائل الصحابة ، أحمد بن حنبل : ١٥ ، المصنّف ، ابن أبي شيبة الكوفي : ٧/٤٩٩ ح ٢٨ و٥٠٣ ح ٥٥ ، السنن الكبرى ، النسائي : ٥/٤٥ ح ٨١٤٨ و١٣٤ ح ٨٤٧٨ ، مسند أبي يعلى الموصلي : ١/٤٢٩ ، صحيح ابن حبان : ١٥/٣٧٦ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٢/٣٥٧ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٢/٢٨٩ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ١/٩ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : ٦٧.

١ ـ تقدَّمت تخريجاته.

٢ ـ المتحوِّلون ، الشيخ هشام آل قطيط : ٤٧٢ ـ ٤٧٣.


المناظرة الخامسة والعشرون

مناظرة

السيّد حسين الرجا السوري مع بعض علماء العامّة

في أن الخليفة عمر شهر سيفه بعد وفاة رسول الله 6

وقال إنَّ رسول الله 6 لم يمت

قال السيِّد حسين الرجا (١) : أبلغني ذات يوم أحد المحبّين الغيارى أنّه يعتزم عقد لقاء بيني وبين أحد العلماء ، فقلت له : ياليت ، فإن وضح الحق وشفيت نفسي لك الأجر والثواب ، وإنني خائف من زلّة القدم ، ولكنني أطلب منك أن يحضر ندوة الحوار بعض المثقَّفين ؛ لأنهم أقدر على الفهم فيحكموا لي أو عليَّ.

وبعد أيام أبلغني بأنَّه عيَّن العالم والزمان والمكان ، فذهبنا في الوقت المحدَّد ، ووجدنا الشيخ بالانتظار ، وقد حضر أحد المثقَّفين ، وكان عدد الحضور سبعة رجال ، وما أن استقرَّ بنا المجلس إلاَّ ونطق أحدهم قائلا : شيخنا! هذا السيِّد الذي كلَّمناك بشأنه ، وعندها بدأنا الكلام ، وإليك عزيزي القارئ نصَّ الحوار بكامله.

أشاح الشيخ بوجهه ناظراً إلى وجهي فقال : ( هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ

__________________

١ ـ من منطقة دير الزور حطلة ، ومؤلِّف كتاب : دفاع من وحي الشريعة ضمن دائرة السنة والشيعة.


صَادِقِينَ ) (١).

فقلت له : شيخنا! أصحيح أن عمر بن الخطاب دخل على رسول الله 6 فوجده ميِّتاً مسجَّى ببردته ، فأغلق الباب عليه ، وشهر سيفه ، يهدِّد الناس ، ويمنعهم من القول بأن محمّداً قد مات ، ويقول : من قال إن محمّداً قد مات ضربته بسيفي هذا ، محمّد لم يمت ، إنما ذهب إلى ميقات ربِّه كموسى بن عمران ، وسيرجع بعد أربعين يوماً ، فيقطع أيدي رجال وأرجلهم؟ (٢)

فقال : نعم ، هذا الحديث صحيح لا غبار عليه.

فقلت له : شيخنا! هل الله قال : إن محمَّداً لم يمت؟

قال : لا.

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١١١.

٢ ـ جاء في صحيح البخاري : ٤/١٩٣ : قال عمر : والله ما مات رسول الله 6، وليبعثنَّه الله ، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم.

وفي رواية تاريخ اليعقوبي : ٢/١١٤ : قال : وخرج عمر فقال : والله ما مات رسول الله ولا يموت ، وإنما تغيَّب كما غاب موسى بن عمران أربعين ليلة ، ثمَّ يعود ، والله ليقطعن أيدي قوم وأرجلهم ، وقال أبو بكر : بل قد نعاه الله إلينا فقال : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ) فقال عمر : والله لكأني ما قرأتها.

وفي رواية الآحاد والمثاني للضحاك : ٣/١٣ ، قال : ثمَّ إن رسول الله 6 قبض ، فقال عمر : والله لا أسمع أحداً يذكر أن رسول الله 6 قبض إلاَّ ضربته بسيفي هذا.

وراجع أيضاً : السنن الكبرى ، النسائي : ٤/٢٦٣ ، أسد الغابة ، ابن الأثير : ٢/٢٤٨ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٢/٤٠.

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١/١٧٨ : لمَّا مات رسول الله 6 ، وشاع بين الناس موته ، طاف عمر على الناس قائلا : إنه لم يمت ، ولكنه غاب عنّا كما غاب موسى عن قومه ، وليرجعن فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ، يزعمون أنه مات ، فجعل لا يمرُّ بأحد يقول إنه مات إلا ويخبطه ويتوعَّده ، حتى جاء أبو بكر ، فقال : أيُّها الناس! من كان يعبد محمّداً فإن محمّداً قد مات ، ومن كان يعبد ربَّ محمّد ، فإنه حيٌّ لم يمت .. إلخ.


قلت : فهل رسول الله 6 قال : إني لم أمت؟

قال : لا.

قلت : فهل جبرئيل نزل على عمر فقال له : إن محمَّداً لم يمت؟

قال : لا.

قلت : أما كان عمر يقرأ قول الله : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ) (١) معنى ذلك أن عمر تكلَّم بما لا يتطابق مع الواقع ، بل تكلَّم ضدَّ الله ورسوله وجبرئيل والقرآن.

ثمَّ سكتُّ قليلا أنتظر الجواب ، ووجه الشيخ يتغيَّر ، وقبل أن يتكلَّم قلت : اللّهم إلاَّ أن يقال : إن عمر كان يهجر ، وحتى هذا الاعتذار ساقط من الحسبان ؛ لأن الرجل عندما يهجر يختلُّ كلامه لفظاً ومعنى ؛ لأنه فاقد الشعور ، لا يدرك ما يقول ، وعلى عكس ما يقوله عمر ، حيث تكلَّم بكلام فصيح ، فلا ركّة في المعنى ، ولا هجر في القول.

ثمَّ سكتُّ قليلا أنتظر الجواب ، وإذا بالشيخ ينظر إلى الساعة في يده قائلا : عندي موعد ، يا الله ، فنهض قائماً فتفرَّقنا بلا عودة.

ثمَّ التقيت بالرجل المثقَّف ، فقلت له : بماذا حكمت؟

فقال : إذا كان دليل الشيعة هكذا ، وعلماء السنة هكذا ، فعلى هذا الأساس اعتبرني شيعيّاً ، وبعد مدّة استبصر ذلك المثقَّف ، والحمد لله (٢).

__________________

١ ـ سورة الزمر ، الآية : ٣٠.

٢ ـ دفاع من وحي الشريعة ، السيد حسين الرجا : ٢٦ ـ ٢٨ ، المتحولون ، الشيخ هشام آل قطيط : ٣٦٥ ـ ٣٦٦.


المناظرة السادسة والعشرون

مناظرة

السيّد حسين الرجا مع بعض مشايخ السنّة

في صحّة مذهب الشيعة من كتب السنّة وأنهم على حق

قال السيِّد حسين الرجا : اصطحبني ذات ليلة أحد المحبّين إلى بيت أحد المشايخ لغرض الاستشفاء ، فاستقبلنا ورحَّب بنا ، فقبَّلت يده ، ولمَّا استقرَّ بنا المجلس قال الشيخ : يا حاج حسين! أصحيح ما سمعناه عنك؟

فقلت له : نعم شيخنا.

فقال : تكلَّم لنا كيف استحوذ عليك الشيعة بأعظم مصيبة ، هي المصيبة في الدين؟

فقلت له : شيخنا! لقد قرأت بعض كتبهم العقيديّة والجدليّة والتأريخيّة وسيرة الصحابة وغيرها ، فوجدتهم يثبتون صحّة مذهبهم من كتب أهل السنة ، وبالأخصّ صحيحي مسلم والبخاري وسائر الكتب الستة. وكذلك يثبتون غلط مذاهب أهل السنة من كتبهم.

ولقد راجعت الكثير فوجدته كما يقولون ، وكلَّما يزداد شكّي في التسنُّن يزداد يقيني في التشيُّع ، وفي مثل هذه القضايا تزلُّ الأقدام ، فخفت على نفسي من زلَّة القدم ، وأصبحت مريضاً ولا علاج لي إلاَّ عند العلماء ، وإلاَّ فمرضي لا


ترجى براءته.

فأطرق الشيخ دقيقة صمت ، ثمَّ نظر إليَّ نظر العالم المتمكِّن والمتحدّي ، فقال : يا حاج حسين! لا يمكن أن الصحابة يغلطون أو يزلّون ، وإذا الصحابة يغلطون أو يزلّون ، أو يأثمون ويجرمون ، أو يتعاطون المعاصي فأنا أشرط عمامتي وأضعها في بيت الماء ـ يعني يمزِّقها ويضعها في المرحاض.

ولمَّا أنهى الشيخ كلامه أطرقت رأسي ، ولم أردَّ جواباً ، وشرع ذهني يتجوَّل بين ثلاثة محاور ، تارة في مكتبة الشيخ التي تضمُّ صحيحي مسلم والبخاري ، وتارة في عمامته التي أصيغت على طراز أبدع ما تصاغ به العمائم ، وثالثة أفكِّر في المرحاض الذي لا يبعد كثيراً عن مجلس الحوار ، فأخذني صراع داخلي ، فتارة تحمل عليَّ نفسي فأكاد أن أقول للشيخ : آتني بمجلَّد كذا ورقم كذا وباب كذا وكذا في مسلم والبخاري ، وتارة أحمل عليها فأسكتها ، فو الله ما منعني عن ردّ التحدّي إلاَّ شيمي وأخلاقي ، ولأن الردَّ خطير.

وبعد الحوار الذي هو أقرب إلى كونه صبياني تفرَّقنا ، ولمَّا دخلت بيتي وأخذت مضجعي أدركتني بركة الشيخ ، فاستفدت كثيراً ، غير أنها من نوع سلبي ونتيجة عكسيَّة ، حيث قرَّرت أن لا أموت إلاَّ شيعيّاً على طريق محمَّد 6.

وعلمت أن الشيخ مأسور الفكر والدراسة ، وأدركت أن كثيراً ما يوجد في العالم الإسلامي من عالم بلا علم ، وعمامة بلا معمَّم ، وأيقنت أن طلب العلم للعلم هو غيره عن طلب العلم للوظيفة والاكتساب (١).

__________________

١ ـ دفاع من وحي الشريعة ، السيد حسين الرجا : ٢٨ : ٣٠ ، المتحوِّلون ، الشيخ هشام آل قطيط : ٣٦٦ ـ ٣٦٧.


المناظرة السابعة والعشرون

مناظرة

الكاتب الأستاذ إدريس الحسني المغربي

مع بعضهم في معاوية والحجّاج

قال الأستاذ إدريس الحسيني (١) : جاءني يوماً أحد أصدقائي الطلبة ، يسألني عن معاوية وقتاله لعلي 7 في صفين ، وقبل أن أباشر في الجواب نطق أحد الحاضرين قائلا : اللعنة عليه ، فخزرت فيه ، ثم قلت : أعوذ بالله ، لماذا تلعنه؟

قال : لأنه قاتل علياً 7 (٢).

__________________

١ ـ هو : الأستاذ الكاتب والصحافي السيّد إدريس بن محمّد بن أحمد العشاقي المغربي الحسيني الإسماعيلي ، من نسل إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق 7 ، من مواليد نكسة ١٩٦٧ ، بمدينة مولاي إدريس ، ويحضر حالياً بحوث الخارج في الحوزة العلميّة في منطقة السيِّدة زينب 3 في الشام ، وله عدة مؤلَّفات منها : كتاب لقد شيَّعني الحسين 7 ، وكتاب الخلافة المغتصبة ، وله كتاب رد على أحمد الكاتب ( المتحوِّلون : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ).

٢ ـ قال ابن أبي الحديد : وكان معاوية على أسّ الدهر مبغضاً لعلي 7 ، شديد الانحراف عنه ، وكيف لا يبغضه ، وقد قتل أخاه حنظلة يوم بدر ، وخاله الوليد بن عتبة ، وشرك عمَّه في جدِّه وهو عتبة ، أو في عمِّه وهو شيبة ، على اختلاف الرواية ، وقتل من نبي عمِّه عبد شمس نفراً كثيراً من أعيانهم وأماثلهم ،


قلت له : ومع ذلك ، فإن الرسول 6 يقول : لا تسبّوا أصحابي.

وبهذه الكلمة البائسة الغبيّة المصحوبة بتماوج كاريكاتوري يختزل وقاراً مصطنعاً .. استطعت أن أسكت صديقنا (١).

قال إدريس الحسيني في موضع آخر : وذات مرَّة قلت لأحد المشائخ الكبار : عجباً! لست أدري كيف يقبل المسلمون بأمثال الحجاج بن يوسف الثقفي ، ذلك السفاح ، ما وقَّر عالماً ولا عاميّاً؟ (٢)

فقال شيخنا الموقَّر : أعوذ بالله ، نحن السنة والجماعة نعتقد في إيمانه وإسلامه ، وقد قال فيه العلماء خيراً رغم كل ذلك ، فهو من الصالحين ، لأنه شكل القرآن؟ (٣).

ويقول السيد إدريس الحسيني في كتابه القيِّم ( لقد شيَّعني الحسين 7 ) في سبب تشيُّعه وأخذه بمذهب أهل البيت:: ما إن خلصت من قراءة مذبحة

__________________

ثمَّ جاءت الطامة الكبرى واقعة عثمان ، فنسبها كلها إليه بشبهة إمساكه عنه ، وانضواء كثير من قتلته إليه 7 ، فتأكَّدت البغضة ، وثارت الأحقاد ، وتذكرت تلك الترات الأولى ، حتى أفضى الأمر إلى ما أفضى إليه.

وقد كان معاوية مع عظم قدر علي 7 في النفوس ، واعتراف العرب بشجاعته ، وأنه البطل الذي لا يقام له يتهدَّده ـ وعثمان بعد حيٌّ ـ بالحرب والمنابذة ، ويراسله من الشام رسائل خشنة.

إلى أن قال : ومعاوية مطعون في دينه عند شيوخنا ، يرمى بالزندقة ، وقد ذكرنا في نقض السفيانية على شيخنا أبي عثمان الجاحظ ما رواه أصحابنا في كتبهم الكلاميّة عنه من الإلحاد والتعرُّض لرسول الله 6 ، وما تظاهر به من الجبر والإرجاء ، ولو لم يكن شيءٌ من ذلك لكان في محاربته الإمام 7 ما يكفي في فساد حاله ، لا سيما على قواعد أصحابنا ، وكونهم بالكبيرة الواحدة يقطعون على المصير إلى النار والخلود فيها ، إن لم تكفِّرها التوبة. شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ١/٣٣٨ ـ ٣٤٠.

١ ـ كتاب لقد شيعني الحسين 7 ، الكاتب والصحفي إدريس الحسيني : ٤٦.

٢ ـ راجع جملة من أخبار الحجاج في التأريخ وموبقاته بعد هذه المناظرة.

٣ ـ كتاب لقد شيَّعني الحسين 7 ، الكاتب إدريس الحسيني : ٤٩.


كربلاء بتفاصيلها المأساويّة حتى قامت كربلاء في نفسي وفكري ، ومن هنا بدأت نقطة الثورة ؛ الثورة على كل مفاهيمي ومسلَّماتي الموروثة ؛ ثورة الحسيني 7 داخل روحي وعقلي ، إلى أن يقول : فكربلاء مدخلي إلى التأريخ ، إلى الحقيقة ، إلى الإسلام ، فكيف لا أجذب إليها جذبة صوفي رقيق القلب ، أو جذبة أديب مرهف الشعور؟! وتلك هي المحطة التي أردت أن أنهي بها كلامي عن مجمل معاناة آل البيت : ، وظروف الجريمة التأريخية ضدَّ نسل النبي6.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو : من قتل الحسين 7؟ أو بتعبير أدقّ من قتل من؟ نحن لا نشك في أن مقتل الحسين 7 هو نتيجة وضع يمتدُّ بجذوره إلى السقيفة ، إلى أخطر قرار صدر بعد وفاة الرسول 6 ، وكان ضحيَّته الأولى : آل البيت : ، ونلاحظ من خلال حركة التاريخ الإسلامي أن محاولة تهميش آل البيت ، وقمع رموزهم بدأ منذ السقيفة ، ورأيي لو جازف الإمام علي وفاطمة الزهراء 8 لكان فعلا أحرقوا عليهم الدار ، ولكان شيء أشبه بعاشوراء وكربلاء الحسين 7 (١).

والجدير بالذكر هنا هو ما أنشده القاضي أبو بكر بن أبي قريعة ( المتوفَّى ٣٦٧ ) في هذا المعنى ، حيث يقول :

يَا مَنْ يُسَائِلُ دائباً

عن كلِّ مُعضِلَة سخيفه

لاَ تَكْشِفَنَّ مُغَطَّأً

فَلَرَبَّما كَشَّفْتَ جِيْفَه

وَلَرُبَّ مَستُور بَدَا

كالطبلِ مِنْ تَحْتِ القطيفه

__________________

١ ـ نفس المصدر : ٣١٥ و٣١٧.


إِنَّ الجَوَابَ لَحَاضِرٌ

لكنَّني أُخفِيْهِ خِيْفَه (١)

لو لا اعتذارُ رَعِيَّة

ألغى سِيَاسَتَها الخليفه

وَسُيُوفُ أعْدَاء بها

هَامَاتُنا أبداً نقيفه

لَنَشَرْتُ مِنْ أَسْرَارِ

آلِ محمَّد جُمَلا طريفه

تُغنِي بِها عمَّا رَوَاهُ

مَالِكٌ وأبو حنيفه

وَأَرَيْتُكُمْ أَنَّ الحُسَيْنَ

أُصيِبَ في يَوْمِ السقيفه

وَلاَِيِّ حَال أُلْحِدَتْ

باللَّيلِ فَاطِمَةُ الشريفه

وَلِما حَمَتْ شَيْخَيْكُمُ

عَنْ وَطْيِ حُجْرَتِها المنيفه

آه لِبِنْتِ محمَّد

ماتت بِغُصَّتِها أسيفه (٢)

جملة من أخبار الحجاج في التأريخ

جاء في شرح النهج لابن أبي الحديد : فأمَّا الكعبة فإن الحجاج في أيام عبدالملك هدمها ، وكان الوليد بن يزيد يصلّي إذا صلى أوقات إفاقته من السكر إلى غير القبلة ، فقيل له ، فقرأ : ( فَأَيْنََما تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ ) (٣).

وخطب الحجاج بالكوفة فذكر الذين يزورون قبر رسول الله 6 بالمدينة ، فقال : تبّاً لهم! إنّما يطوفون بأعواد ورمَّة بالية! هلاّ طافوا بقصر أميرالمؤمنين عبد الملك! ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله! (٤)

__________________

١ ـ كشف الغمة ، الإربلي : ٢/١٢٧ ـ ١٢٨.

٢ ـ كتاب الوافي بالوفيات ، الصفدي : ٣/٢٢٧ ـ ٢٢٨.

٣ ـ سورة البقرة ، الآية : ١١٥.

٤ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٥/٢٤٢.


وروى أبو داود في سننه بسنده عن المغيرة عن الربيع بن خالد الضبي قال : سمعت الحجاج يخطب ، فقال في خطبته : رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه ، أم خليفته في أهله؟ فقلت في نفسي : لله عليَّ ألا أصلِّي خلفك صلاة أبداً ، وإن وجدت قوماً يجاهدونك لأجاهدنَّك معهم (١).

وقال الأوزاعي : قال عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كل أمة بخبيثها ، وجئنا بالحجاج لغلبناهم (٢).

وقال أبو بكر بن عياش : عن عاصم بن أبي النجود : ما بقيت لله حرمة إلاَّ وقد ارتكبها الحجاج.

وقال عبد الرزاق : عن معمّر ، عن ابن طاووس أن أباه لما تحقَّق موت الحجاج تلا قوله تعالى : ( فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (٣) (٤).

وقال ابن حجر في ترجمته : حجاج بن يوسف بن أبي عقيل الثقفي ، الأمير الشهير ، ولد سنة ( ٤٥ ) أو بعدها بيسير ، ونشأ بالطائف ، وكان أبوه من شيعة بني أمية ، وحضر مع مروان حروبه ، ونشأ ابنه مؤدِّب كتّاب ، ثمَّ لحق بعبد الملك بن مروان ، وحضر مع قتل مصعب بن الزبير ، ثمَّ انتدب لقتال عبدالله بن الزبير بمكة ، فجهَّزه أميراً على الجيش ، فحضر مكة ورمى الكعبة بالمنجنيق إلى أن قتل ابن الزبير.

__________________

١ ـ سنن أبي داود : ٢/٤٠٠ ، رقم : ٤٦٤٢ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٩/١٥١.

٢ ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ١٢/١٨٦ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٦/٢٦٧.

٣ ـ سورة الأنعام ، الآية : ٤٥.

٤ ـ البداية والنهاية ، ابن كثير : ٦/٢٦٧.


وقال جماعة : إنه دسَّ على ابن عمر من سمَّه في زجّ رمح (١) ، وقد وقع بعض ذلك في صحيح البخاري ، وولاَّه عبدالملك الحرمين مدّة ، ثمَّ استقدمه فولاَّه الكوفة وجمع له العراقين ، فسار بالناس سيرة جائرة واستمرَّ في الولاية نحواً من عشرين سنة ، وكان يزعم أن طاعة الخليفة فرض على الناس في كل ما يرومه ، ويجادل على ذلك ، وخرج عليه ابن الأشعث ومعه أكثر الفقهاء والقرَّاء من أهل البصرة وغيرها ، فحاربه حتى قتله ، وتتبَّع من كان معه فعرضهم على السيف ، فمن أقرَّ له أنه كفر بخروجه عليه أطلقه ، ومن امتنع قتله صبراً ، حتى قال عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم.

وأخرج الترمذي من طريق هشام بن حسان : أحصينا من قتله الحجاج صبراً فبلغ مائة ألف وعشرين ألفاً.

وقال زاذان : كان مفلساً من دينه ، وقال طاووس : عجبت لمن يسمّيه مؤمناً ، وكفَّره جماعة منهم سعيد بن جبير ، والنخعي ، ومجاهد ، وعاصم بن أبي النجود ، والشعبي .. وغيرهم.

وقالت له أسماء بنت أبي بكر: أنت المبير الذي أخبرنا به رسول الله6.

وروى ابن أبي الدنيا بسنده ، عن زيد بن أسلم قال: أغمي على المسور بن مخرمة ، ثمَّ أفاق فقال : أشهدأن لاإله إلاَّ الله ، وأن محمّداً رسول الله أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها ، إلى أن قال : وعبدالملك والحجاج يجرّان أمعاء هما في النار.

قال : قلت : هذا إسناد صحيح ، ولم يكن للحجاج حينئذ ذكر ، ولا كان عبدالملك ولي الخلافة بعد ؛ لأن المسور مات في اليوم الذي جاء فيه نعي يزيد

__________________

١ ـ الزُجّ بضمِّ الزاي المعجمة : الحديدة في أسفل الرمح ، ونصل السهم.


ابن معاوية من الشام ، وذلك في ربيع الأول سنة ( ٦٤ ) من الهجرة.

وقال القاسم بن مخيمرة : كان الحجاج ينقض عرى الإسلام عروة عروة.

وقال موسى بن أبي عبدالرحمن النسائي عن أبيه : ليس بثقة ولا مأمون.

وقال الحاكم أبو أحمد : ليس بأهل أن يروى عنه.

ومما يحكى عنه من الموبقات قوله لأهل السجن : ( اخْسَؤُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ ) مات سنة ( ٩٥ ) بواسط وهو الذي بناها ، وقيل إنه لم يعش بعد قتل سعيد بن جبير إلاَّ يسيراً.

وقال الأصمعي : عن أبي عمرو بن العلاء : لمَّا مات الحجاج ، قال الحسن : اللهم أنت أمتّه فأمت سنَّته.

وعن أشعث الحداني ـ وكان يقرأ للحجاج في رمضان ـ قال : رأيته في منامي بحالة سيئة ، فقلت : يا أبا محمّد! ما صنعت؟ قال : ما قتلت أحداً بقتلة إلاَّ قتلت بها ، قلت : ثمَّ مه؟ قال : ثمَّ أمر به إلى النار .. (١).

__________________

١ ـ تهذيب التهذيب ، ابن حجر : ٢/١٨٤ ـ ١٨٧.


المناظرة الثامنة والعشرون

مناظرة

الشيخ مروان خليفات الأردني مع صديقه الشيعي

في حديث رزيّة الخميس وآثارها

قال الشيخ مروان خليفات (١) : في وقت الغروب ، وفي إحدى طرق القرية كنت مع صديقي الشيعي ، كان لا يأتي علينا يوم إلاَّ ويحتدُّ النقاش بيننا ، تمنَّيت في وقتها أن يصبح هذا الصديق سنّيّاً ، وعزمت أن أنقله من مذهبه إلى المذهب الشافعي ، وجرت الأيام ، والتحقت بكليَّة الشريعة ، وفي الدروس كان مشايخنا يتطرَّقون إلى الشيعة ، وكان البعض منهم يكفِّرهم ، ومع أني كنت على المذهب الشافعي إلاَّ أني بدأت أتأثَّر بما يطرحه أساتذتي السلفيَّة خاصة في العقيدة ، فقمت أردِّد معالم العقيدة السلفيَّة وكأني مقتنع بها ، وكنت أعرض هذه العقيدة مع ذكر الأدلّة على صديقي الشيعي ، وكذا ما يقال عن الشيعة في قاعة الدرس ، وذلك كي أبدأ بهدايته ، لكنَّه كان يردُّ عليَّ بكلِّ قوَّة.

وفي أثناء مسيرنا ، وبينما كنت أحدِّثه عن فضائل أبي بكر وعمر قاطعني

__________________

١ ـ ولد عام ١٩٧٣ في كفر جايز من توابع مدينة إربد في الأردن ، تخرَّج من جامعة اليرموك ، وحصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية سنة ١٩٩٥ م ، له كتاب : وركبت السفينة.


قائلا كالمنتصر : رزيَّة الخميس.

قلت : خيراً! ماذا تقصد؟

قال : إنها حادثة كانت قبل وفاة النبيِّ 6 بأيام ، حيث قال النبي 6 لأصحابه : ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده أبداً ، فقال عمر : إن النبيَّ غلبه الوجع أو يهجر ، حسبنا كتاب الله.

فقلت له : هل وصل بكم الأمر أن تنسبوا هذا الكلام للفاروق الذي ما عصى النبيَّ 6 قط؟

قال : تجد هذه الحادثة في صحيح البخاري ومسلم.

عندئذ يئست من جوابه ، وشعرت بالهزيمة ، وقلت فوراً : وإن قال ذلك يبقى صحابيّاً ، أسأل الله الغفران ، عبارة لم تأت صدفة ولكنها تعبير عن عقيدة ترسَّخت في أذهاننا ، وأردفت : في أيِّ كتاب قرأت هذه الحادثة؟ لأنني وان وقفت موقف المعاند الذي هزم ولم يعترف ، لكنني كنت أتعصَّر ألماً.

فقال : في كتاب ( ثمَّ اهتديت ) لأحد علمائكم الذين تشيَّعوا.

قلت ساخراً : وهل هناك عالم من علمائنا تشيَّع؟!

قال : نعم ، فالتيجاني صاحب هذا الكتاب يذكر كيف تشيَّع ، وأسباب تشيُّعه وطلبت الكتاب منه ، وبدأت بقراءته فوراً ، ورزيَّة الخميس تدور في ذهني ، وأتوجَّس خيفة لعلي أجدها ، فأخذتني قصَّة الكاتب الممتعة ، وأسلوبه الجذَّاب ، وقرأت نصوص إمامة آل البيت : ، ومخالفات الصحابة للرسول 6 ، ورزيَّة الخميس ، والمؤلِّف يوثِّق كلَّ قضيَّة من صحاحنا المعتبرة ، فدهشت لما أقرأ ، وشعرت أن كلَّ طموحاتي انهارت وسقطت أرضاً ، وحاولت إقناع نفسي بأن هذه الحقائق غير موجودة في كتبنا.


رزية الخميس في صحيح مسلم والبخاري

وفي اليوم الثاني عزمت على توثيق نصوص الكتاب من مكتبة الجامعة ، وبدأت برزيَّة الخميس فوجدتها مثبتة في صحيح مسلم والبخاري بعدّة طرق ، وكان أمامي احتمالان : إمَّا أن أوافق عمر على قوله فيكون النبي 6 يهجر والعياذ بالله ، وبهذا أدفع التهمة عن عمر ، وإمَّا أن أدافع عن النبيِّ 6 وأقرُّ بأن بعض الصحابة بقيادة عمر ارتكبوا خطأ جسيماً بحقِّ النبيِّ 6 حتى طردهم ، وهنا أتنازل أمام صديقي عن معتقدات طالما ردَّدتها ، وافتخرت بها أمامه.

وفي نفس اليوم سألني صديقي عن صحّة ما في الكتاب ، فقلت وقلبي يعتصر ألماً : نعم ، صحيح.

بقيت فترة حائراً ، تأخذني الأفكار شرقاً وغرباً ، وعرض عليَّ صديقي كتاب ( لأكون مع الصادقين ) لمؤلِّفه التيجاني ، وكتاب ( فاسألوا أهل الذكر ) وغيرها ، فكشفت هذه الكتب أمامي حقائق كثيرة ، وزادت حيرتي وشكي ، وحاولت إيقاف حيرتي بقراءة ردود علمائنا على هذه الحقائق ، لكنَّها لم تنفعني بل زادتني بصيرة ، وقرأت كتباً كثيرة لا يسعني ذكرها ، فكانت ترسم لي صورة الحقيقة بألوان من الحجج الدامغة التي كان عقلي يقف مبهوراً محتاراً أمامها ، فضلا عن حيرة علمائنا في التعامل معها ، إلى أن اكتملت الصورة في ذهني كالشمس في رابعة النهار ، واعتنقت مذهب آل البيت الأطهار : ، أبناء الرسول 6 وأشقّاء القرآن ، وأولياء الرحمن ، سفن النجاة ، وأعلام الورى ، ورحمة الله للملأ ، بكل قناعة واطمئنان قلب.

وها أنا الآن ـ وبعد تخرُّجي من كليَّة الشريعة ـ على يقين تام بصحّة ما أنا عليه ، أقول هذه الكلمات ويمرُّ بذهني كيف عزمت على هداية صديقي الشيعي وأهله ، وإذا بالصورة قد انعكست فكان هو سبب هدايتي ، وفَّقه الله.


ولا أنسى تلك اليد ؛ يد الرحمة الإلهيَّة ، كانت تعطف عليَّ باستمرار أيَّما عطف ، فلك الحمد ربَّاه حمداً يليق بجلالك العظيم ، ومنِّك الجسيم (١).

__________________

١ ـ المتحوِّلون ، الشيخ هشام آل قطيط : ١٩٣ ـ ١٩٦.


المناظرة التاسعة والعشرون

مناظرة

لمياء حمادة السوريَّة مع بتول العراقيَّة

في كليَّة الشريعة بدمشق في عقائد الشيعة

وشرحها كيفيَّة اعتناقها التشيُّع

تقول الأستاذة لمياء حمادة (١) في بداية اكتشافها للحقيقة : وربَّ صدفة ، ولحسن الحظّ وخير الطالع ، وأثناء دراستي في الجامعة دخلت علينا طالبة جديدة ، وكانت عراقيَّة ، وقد تهجَّرت من بلادها مع ذويها إلى بلدنا طلباً للأمان.

وقد انخرطت في الدراسة بالجامعة ، واختارت كليَّتنا ؛ لأن طلابها ملتزمون ، مع أنه كان بإمكانها أن تختار كليَّة أعلى من كليَّتنا ؛ لأنها كانت من المتفوِّقين في كليَّة الطبِّ في بلدها.

وكانت هذه الفتاة واسمها ( بتول ) ـ تجلس في المقعد الأخير في القاعة ، ودائماً تلبس العباءة السوداء والخمار يغطي رأسها حتى ذقنها وياله من حجاب يدلُّ على التزامها الدينيّ ، وانتصارها على تقلُّبات العصر ، وهفوات التقدّم

__________________

١ ـ ولدت سنة ١٩٦٥ ، اعتنقت مذهب أهل البيت : عام ١٩٨٥ ، تخرَّجت من كليَّة الشريعة جامعة دمشق عام ١٩٨٧ م.


والموضة.

ولكن لمَّا عرفنا ـ نحن طلاب كليَّة الشريعة ـ بأنها عراقيَّة تيقّنّا بأنّها شيعيَّة ، وكثيراً ما كنَّا نتحرَّش بها قاصدين السخرية والاستهزاء بها ؛ لأنها ـ حسب اعتقادنا ومعلوماتنا الخاطئة طبعاً ـ أنها ومن يتبع هذا المذهب غير مسلمين ، فهم يعبدون عليَّ بن أبي طالب ، والمعتدلون منهم فقط يعبدون الله ، ولكنهم لا يؤمنون برسالة محمَّد 6 ، ويشتمون جبرائيل ويقولون بأنه خان الأمانة ، فبدلا من أداء الرسالة إلى علي 7 أدَّاها إلى محمّد 6 ، وأنهم ينزِّلون أئمّتهم منزلة الآلهة ، وأنهم يقولون بالحلول ، وأنهم يسجدون للقرص الحجريّ من دون الله ، وأنهم أشدُّ على الإسلام من اليهود والنصارى ، لأن هؤلاء يعبدون الله ويؤمنون برسالة موسى 7 ، بينما نسمع عن الشيعة أنهم يعبدون علياً ويقدِّسونه.

ومع كل هذا التقريع وهذه السخرية والأخت بتول لا تردُّ علينا ، وتقول في كل مرة : سامحكم الله ، هداكم الله ، ليتكم تعلمون الحق ، أستغفر الله لي ولكم.

وهكذا إلى أن جاء يوم من الأيام ـ وهو بالنسبة لي يوم التحوُّل الكبير ـ جئت في هذا اليوم متأخِّرة عن موعد المحاضرة ، فلم أجد مكاناً إلاَّ إلى جانب هذه الفتاة بتول ، وكنت قبلا لا أجلس إلى جانبها أبداً ، تحسُّباً منها على أنها كافرة ، أو أنها جاسوسة تريد أن تعرف تفاصيل مذاهبنا لتنقلها إلى فرقتها.

جلست وأنا مستاءة منها نوعاً ما ، ثمَّ قلت في نفسي : ما لي وما لها؟ كل واحدة منّا في حالها ، وبالصدقة كانت المحاضرة يومذاك عن المذهب الشيعيّ ، وبدأت المحاضرة وكلُّنا مصغون إلى ما يقال عن ذلك المذهب ، وبتول تندهش وتندهش من كل ما يقال عنهم ، وتتمتم أثناء المحاضرة بأن لعنة الله على


الظالمين .. سامحكم الله .. أذناب بني أمية .. أتباع معاوية ... وهكذا إلى أن انتهت المحاضرة وبتول تكاد تنفجر من الغيظ.

فقلت لها : لماذا أنت مغتاظة ومتضايقة؟ أليس ما قاله الدكتور المحاضر عنكم صحيحاً؟ فابتسمت بتول عندها وقالت : إذا كان الأستاذ يفكِّر بهذا الشكل فلا لوم على الطلاب ، وإذا كان تفكير الطلاب هكذا فلا لوم على عامة الناس الذين لا ثقافة لهم.

قلت : ماذا تقصدين؟

أجابت : عفواً ، ولكن من أين لكم هذه الادّعاءات الكاذبة؟

قلت : من كتب التاريخ ومما هو مشهور عند الناس كافّة.

قالت : هل عندكِ الوقت للمناقشة؟

تردَّدت قليلا ثمَّ أجبت : ربّما بعض الوقت ، وأخذنا نتمشَّى إلى الكافتيريا ، فطلبت القهوة وجلسنا نتحدَّث.

قالت : لنترك الناس كافة ، الذين يعتمدون على الصحاح بالدرجة الأولى ، ولكن أنتِ هل قرأت شيئاً من الكتب عنّا؟

قلت : نعم ، مثل : ظهر الإسلام ، وفجر الإسلام ، وضحى الإسلام لأحمد أمين ، وغيرها كتب كثيرة.

قالت : ومتى كان أحمد أمين حجَّة على الشيعة؟ أليس عليكم أن تتبيَّنوا الأمر من مصادره الأصليّة المعروفة.

قلت : وكيف لنا أن نتبيَّن في أمر كهذا.

قالت: إن أحمدأمين نفسه زارالعراق ، وقد التقى بأساتذة عدّة في النجف ،


وعاتبوه على كتاباته عن الشيعة ، فاعتذر قائلا : إني لا أعلم عنكم شيئاً ، ولم أتصّل بالشيعة من قبل ، وهذه أول مرَّة ألتقي فيها بالشيعة ، فقلنا له : إذن لم تكتب عنا القبيح؟ قال : هكذا ورثنا عن الناس نظرتهم إليكم.

وتابعت : أرأيتِ هذا الافتراء؟ وهكذا خذي كل ما يقال عنّا على هذا المنوال ، فهو أكاذيب مغرضة حاقدة.

قلت : دعينا من أحمد أمين هذا ، وأخبريني عن حقائق عديدة تقال عنكم.

فقاطعتني قائلة : إذا كنتِ تريدين تمضية الوقت والكلام لمجرَّد الكلام فأنا آسفة ، والأفضل أن أذهب ، وأمَّا إذا أردتِ الاستفادة حقّاً ، والتأكُّد من مظلوميَّتنا فلكِ ما تريدين ، ووقتي لكِ كلُّه.

قلت : لا والله ، معاذ الله أن أتكلَّم معكِ لمجرَّد الكلام ، ولكني أحببتكِ فعلا ، وأحسست بأنّكِ مظلومة ، وعندكِ حجج كثيرة أردت قولها أثناء المحاضرة ، ولكنَّكِ لم تجرؤي ، فلم يا ترى؟

قالت : الكلام مع هؤلاء الناس كعدمه ، وربَّما جرَّتنا المناقشة أن أضع من شأن مذهبي وديني من جرَّاء مناقشتي مع جهَّال كهؤلاء ، فقد قال الإمام علي 7 : ناقشت جاهلهم فغلبني ، وناقشت عالمهم فغلبته (١).

قلت : فلنبدأ ، فقاطعتني وقالت : إذن صلي على محمَّد وآل محمّد ، فتعجَّبت وقلت في نفسي : هؤلاء الذين نتّهمهم نحن بالخروج عن الدين

__________________

١ ـ لم أعثر على مثل هذا الحديث في هذه العجالة ، وقد روي ما بمضمونه عن أميرالمؤمنين 7 وهو : لا ينتصف عالم من جاهل. عن كتاب عيون الحكم والمواعظ ، الليثي : ٥٣٤.


يحافظون عليه أكثر منّا.

فقلت : اللهم صلِّ على محمّد وآله وصحبه أجمعين ، فتبسَّمت قليلا وقالت : تابعي ، فقلت لها : لأيِّ المذاهب ينتمي مذهبكم؟

قالت : المذهب الجعفريّ.

قلت : عجباً! ما هذا الاسم الجديد؟! نحن لا نعرف غير المذاهب الأربعة ، وما عداها فليس من الإسلام في شيء.

وابتسمت قائلة : عفواً ، إن المذهب الجعفري هو محض الإسلام المحض ، ألا تعرفين أن الإمام أبا حنيفة تتلمذ على يد الإمام جعفر الصادق 7؟ وفي ذلك يقول أبو حنيفة : ( لولا السنتان لهلك النعمان ) (١).

الإمام الصادق 7 والمذاهب الأربعة

فسكتُّ ولم أردَّ ، وقالت : إن المذاهب الأربعة أخذ بعضهم عن بعض ، فأحمد بن حنبل أخذ عن الشافعي ، والشافعي أخذ عن مالك ، وأخذ مالك عن أبي حنيفة ، وأبو حنيفة أخذ عن جعفر الصادق ، وعلى هذا فكلُّهم تلاميذ لجعفر بن محمّد 7 ، وهو أول من فتح جامعة إسلاميَّة في مسجد جدِّه رسول الله 6 ، وقد تتلمذ على يديه أكثر من أربعة آلاف محدِّث وفقيه.

وسألتني مقاطعة نفسها : أيَّ الأئمَّة تقلدين؟

قلت : الإمام أبا حنيفة!

قالت : كيف تقلِّدين ميِّتاً بينك وبينه قرابة أربعة عشر قرناً ، فإذا أردت أن

__________________

١ ـ التحفة الاثني عشرية ، الآلوسي : ٨ ، الإمام جعفر الصادق 7 ، عبدالحليم الجندي : ١٦٢.


تسأليه الآن عن مسألة مستحدثة فهل يجيبك؟

فقلت لها بسرعة البديهة : وأنت إمامك ميِّت ، فكيف تقلِّدينه؟

قالت : إن إمامي حيٌّ غائب ، وفي غيبته نقلِّد أحد المجتهدين الورعين ، ولا يجوز عندنا تقليد الميت.

وأخبرتني عندها كيف على الإنسان أن يعرف إمام زمانه ، فقد قال 6 : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية (١) ، وأنا إمام زماني هو صاحب الزمان الإمام المهدي 7 ، وهذا موضوع طويل يحتاج لشرح.

بعض المفتريات على الشيعة

قلت : حسناً ، هذه اقتنعت بها .. لننتقل إلى الثانية : إنكم تعبدون عليّاً وتقدِّسونه ، أليس كذلك؟

__________________

١ ـ روى الشيخ الكليني عليه الرحمة في الكافي : ١/٣٧٧ ح ٣ ، بالإسناد عن الحارث بن المغيرة قال : قلت لأبي عبدالله 7 : قال رسول الله 6 : من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليَّة؟ قال : نعم ، قلت : جاهليَّة جهلاء أو جاهليَّة لا يعرف إمامه؟ قال : جاهليَّة كفر ونفاق وضلال.

وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة في ثواب الأعمال : ٢٠٥ ، عن عيسى بن السري اليسري قال : قلت لأبي عبدالله 7 : قال رسول الله 6 : من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليَّة ، قال أبو عبدالله 7 : أحوج ما يكون إلى معرفته إذا بلغ نفسه هكذا ـ وأشار بيده إلى صدره ـ فقال : لقد كنت على أمر حسن.

وجاء في مسند أحمد بن حنبل : ٤/٩٦ : عن أبي صالح ، عن معاوية قال : قال رسول الله 6 : من مات بغير إمام مات ميتة جاهليَّة.

وراجع : المعجم الكبير ، الطبراني : ١٩/٣٨٨ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٥/٢١٨ و٢٢٥ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٩/١٥٥ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ١/١٠٣ ح ٤٦٤.

وفي رواية الطبراني في المعجم الأوسط : ٦/٧٠ : من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهليَّة.


قالت : ألم تقرأي قول الله سبحانه وتعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) (١) وقوله : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ ) (٢) ، وقوله : ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَد مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) (٣)؟

قلت : بلى ، أعرف هذه الآيات.

قالت : فأين هو علي؟ فالقرآن نفسه عندنا وعندكم ، ويقول بأن محمّداً هو رسول الله ، فمن أين جاء هذا الاتّهام الباطل؟

قلت : هذه أقنعتيني بها ، فماذا عن خيانة جبرئيل؟

قالت : حاشاه ، هذه أقبح من الأولى ، لأن محمّداً 6 كان عمره أربعين سنة عندما أرسل الله سبحانه إليه جبرئيل 7 ، ولم يكن عليٌّ إلاَّ صبيّاً صغيراً ، عمره ست أو سبع سنوات ، فكيف يخطئ جبرئيل ، ولا يفرِّق بين محمَّد الرجل وعليٍّ الصبيّ؟!

فقلت : هذا منطقيٌّ جدّاً ، كيف لم نحلِّل نحن بهذا المنطق؟

أضافت : إن الشيعة هي الفرقة الوحيدة من بين كلِّ الفرق الإسلاميَّة الأخرى ، التي تقول بعصمة الأنبياء والأئمّة ، فإذا كان أئمّتنا عليهم سلام الله معصومين عن الخطأ وهم بشر مثلنا ، فكيف بجبرائيل وهو ملك مقرَّب ، سمَّاه الربُّ الروح الأمين؟!

فاحترت وتلكَّأت ، وقلت في نفسي : قبل أن نسألهم عن اختلافهم عنّا في اعتقاداتهم ، لنسأل أنفسنا نحن السنة : لماذا تتعدَّد مذاهبنا وتختلف فيما بينها؟

__________________

١ ـ سورة الفتح ، الآية : ٢٩.

٢ ـ سورة الأحزاب ، الآية : ٤٠.

٣ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٤٤.


قلت : إذن كل ما يقال عنكم افتراء؟

قالت : سامحكم الله.

اعتذرت منها لضيق الوقت ، وودَّعتها طالبة منها زيارتي في القريب العاجل ؛ لأنني تلهَّفت كثيراً لسماع المزيد من ردود الشيعة على الأقاويل التي يدانون بها.

فشكرتني وتمنَّت هي بدورها لي الخير والهداية ، فقلت في نفسي بعدما مشيت خطوات عدّة : هل سيأتي يوم وأصبح فيه شيعيَّة؟ ثمَّ استبعدت الفكرة ، وقلت : لا ، هكذا كان آباؤنا وأجدادنا ، فهل من المعقول أن يكونوا كلُّهم على ضلال؟ وهل أنا الوحيدة في عائلتي سأكون على نور وبيِّنة؟ لا ، لا .. هذا مستحيل ، أستغفر الله وأتوب إليه.

الحديث عن أحقية أميرالمؤمنين 7 في الخلافة وأمور أخرى

وبعد أيام عدّة جاءت بتول لعيادتي ، فقد كنت متوعِّكة قليلا ، ولم أذهب إلى الكليَّة لأيام عدّة ، فأهدتني طاقة من الورد ومعها مصحف ، ففتحته ووجدته مثل مصحفنا تماماً ، فقلت لها : يقولون إن لكم مصحفاً خاصاً بكم؟

قالت : أشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وأن محمَّداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله الطيِّبين الطاهرين ، هؤلاء المفترون أعداء الإسلام يريدون تفريق المسلمين وتمزيقهم ، وضرب بعضهم ببعض ، فنحن نعبد الله وحده لا شريك له ، وقرآننا واحد ، ونبيُّنا واحد ، وقبلتنا واحدة ، نشترك معكم في هذه الأمور ، وربما نختلف عنكم أنتم السنة في بعض الأمور الفقهيَّة وبعض الأمور العقائديَّة.

فقلت لها : زيديني زادك الله من علمه.


قالت : عن ماذا تريدين أن تستفسري؟

قلت : حدِّثيني عن أحقّيّة عليٍّ 7 في الخلافة كما تزعمون .. حدِّثيني عن التربة الحسينيّة ( قرص الطين الذي تسجدون عليه ) ، عن الحسين 7 ، ولماذا يبكي الشيعة ويلطمون؟ حدِّثيني عن توسُّلكم وتبُّرككم بأضرحة أئمَّتكم ، حدِّثيني كيف تجعلون من أبي بكر وعمر وعثمان أشخاصاً عاديين ، وأحياناً تشتمونهم ، وتسبُّون بعض أزواج النبي 6 الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً ... أخبريني لماذا وضوؤكم غير وضوئنا .. ولماذا صلاتكم غير صلاتنا ، وماذا عن الزواج المؤقَّت ، والتقيَّة ، والرجعة ، والخمس ، وتأويلكم لآيات القرآن في عليٍّ وذرّيّته : آيات لا نعرفها ، وماذا عن مصحف فاطمة 3؟

ذكرت كل تساؤلاتي ، وكانت هي مبتسمة ، وبدا أنها مستعدّة لكل سؤال يطرح عليها ، وأنها واثقة من نفسها تماماً.

فقالت : هل تريدين الحقَّ؟ لقد أحببتك يا أختي لمياء ، وأتمنَّى منك أن تقبلي هديّتي المقبلة ، كتب عدّة ، اقرأيها ، وسوف تجدين ملاذك عن كل سؤال طرحتيه عليَّ ... فأنا إن أجبتك عن كل سؤال لا يكفينا أيام السنة كلّها ، ونحن نتناقش في صحّة كلامي وعدمه ، أمَّا إذا قرأتِ عن أشخاص عدّة استبصروا ، وعرفوا طريق الحق ، كانوا من أهل السنة وأصبحوا من الشيعة ، لوجدتِ برهاناً دامغاً ساطعاً ، وحجّة عليكِ من كتبكم ، ولن أطلعك على كتبنا حتى تطلبيها أنتِ بعد قراءتك لكتب المتشيِّعين.

شكرتها وتمنَّيت منها أن تزورني وترسل لي الكتب بأسرع وقت ، فأنا شغفة ومتشوِّقة لقراءتها ، عسى ولعلَّ أن أجد فيها شفاء لشكوكي ووساوسي


الدفينة حول الاختلاف الدائر بين المذاهب الأربعة المعروفة.

رزية الخميس وحدها كافية لأن تشيعني

وفعلا ، لم تكذِّب خبراً ، فبعد ثلاثة أيام جائتني بكثير من الكتب ، وقالت لي : سآتي في الأسبوع القادم لأخذك معي لحضور عاشوراء ، فتردَّدت قليلا في قبول الدعوة ، ثمَّ قبلت وأنا حيرانة ، وقلت : حسناً كما تريدين...ثمَّ انكببت على الكتب ليل نهار وأنا أقرؤها من الجلدة إلى الجلدة ـ كما يقولون ـ فقد استهواني تحليل كل كاتب منهم القضايا العالقة بين السنة والشيعة ، وفاجأني الكل بقصّة لم أسمع بها من قبل ، رزيَّة يوم الخميس ، إنها فضيحة فظيعة لا تصدَّق ، ولكن عندما ذيَّل الكاتب الصفحة بأنها من كتب السنة : صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، ومسند الإمام أحمد ، وتاريخ الطبري ، وتاريخ ابن الأثير.

فكيف بعد هذا الذي قرأته أكذِّب نفسي وأقول : إنه قول جماعة لا يحبُّون الخلفاء الثلاثة ويكرهونهم ، أليس ذلك مذكوراً في الصحاح؟ فخطر لي أن أبحث عن تلك الصفحات في الصحاح لأتأكَّد ، وتمنَّيت أني لو لم أجدها ، لكنَّ البخاري ذكرها ، ومسلم ذكرها ، وكلُّهم ذكروها ، وأمرونا أن نتبع أبا بكر وعمر ، وأخبرونا بأنهم عدول لا يذنبون.

ومن هنا ملت إلى الشيعة أكثر فأكثر ، لأن تحليلهم لكل الأمور منطقيٌّ ، أكملت قراءة كل كتب التيجاني ، والشيخ محمّد مرعي أمين الأنطاكي ، وكتاب .. و ... و ... وكلُّهم سنة تشيَّعوا ، ولم أسمع بحياتي عن شيعيٍّ قد تسنَّن.

إن رزيَّة الخميس وحدها كافية لأن تشيِّعني ، ليتك ـ يا عزيزي القارئ ـ تعرفها لتعرف أني على حقّ ، إنها قصّة يندى لها الجبين ، وهي عار على أهل


السنة في كتبهم ، فلا نؤاخذ المستشرقين عندما يكتبون عن رسولنا 6 ما يكتبون ، فهم قد استندوا في دعاويهم على كتبنا المليئة بمثل هذه الروايات عن الرسول 6.

لقد قرأت الكتب واقتنعت بها ، وأنا مندهشة حيناً لما أقرأ ، ومستاءة حيناً آخر على الدهر الذي أمضيته وأنا عمياء البصيرة .. فالشيعة على حقٍّ ونحن على باطل ، وهم يتمسَّكون باللبِّ ونحن نتمسَّك بالقشور ، هم الذين يجب أن يُسَمَّوا أهل السنة ؛ لأنهم لم يغيِّروا ما جاء به محمّد 6 ، أمَّا نحن فاتّبعنا سنّة أبي بكر وعمر ومعاوية.

الحق هو اتباع أهل البيت :

أقولها وبكل صراحة : إن الحقَّ هو اتّباع أهل البيت : ، الذين أوصى النبيُّ 6 بالتمسُّك بهم فقال : إني تارك فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلُّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله ، حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرَّقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونني فيهما (١).

وقال 6 : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلَّف عنها هلك (٢).

__________________

١ ـ سنن الترمذي : ٥/٣٢٨ ـ ٣٢٩ ح ٣٨٧٦ ، مسند أحمد بن حنبل : ٣/١٤ و١٧ و٢٦ و٥٩ ، المصنّف ، ابن أبي شيبة : ٧/١٧٦ ح ٥ ، مسند أبي يعلى الموصلي : ٢/٣٧٦ ح ١٦٦ ، المعجم الصغير ، الطبراني : ١/١٣١ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٩/١٦٣ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : ١٦.

٢ ـ تقدمت تخريجات الحديث في مناظرة الشيخ الأنطاكي مع أحد مشايخ الأزهر وهي المناظرة الخامسة فراجع.


آهٍ وا أسفاه على ماض كنت فيه مغمضة العينين ، أمشي مع أقراني وقومي وهم على طريق الضلالة ، ولكن الحمد لله الذي هداني بفضل هذه الفتاة المؤمنة الصادقة النيَّة ، وليهنأ وليعتزَّ بنفسه كل شيعي ، فهو الذي يتمسَّك بالعروة الوثقى ، وهو من الفرقة الناجية التي حدَّث عنها رسول الله 6 في حديث له.

انتهيت من قراءة الكتب وقد تشيَّعت تماماً ، وطويت صفحة الأيام الماضية ، وقرَّرت أن أبداً من يومي هذا حياة جديدة.

وفي اليوم الذي وعدتني به صديقتي بتول جزاها الله عنّي كل خير ، أتت إليَّ وقد بدا عليها الحزن قليلا ، فقلت : لم ـ يا صديقتي ـ هذا الحزن؟

قالت: إنه يوم عاشوراء ، وقد قال الإمام الصادق7ـ إنه علينا أن لا نبتسم في هذا اليوم ففيه قتل الحسين7(١) ، وكانت هذه مصيبة على الأمّة الإسلاميّة

__________________

١ ـ جاء في كتاب المصباح للشيخ الطوسي عليه الرحمة ، عن عبدالله بن سنان قال : دخلت على سيدي أبي عبدالله جعفر بن محمّد 8 في يوم عاشوراء ، فألفيته كاسف اللون ، ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط ، فقلت : يا ابن رسول الله! مم بكاؤك؟ لا أبكى الله عينيك ، فقال لي : أو في غفلة أنت؟ أما علمت أن الحسين بن علي أصيب في مثل هذا اليوم؟ إلى أن قال 7 : فإنه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلَّت الهيجاء عن آل رسول الله ، وانكشفت الملحمة عنهم ، وفي الأرض منهم ثلاثون صريعاً في مواليهم ، يعزُّ على رسول الله 6 مصرعهم ، ولو كان في الدنيا يومئذ حيّاً لكان صلوات الله عليه وآله هو المعزَّى بهم ، قال : وبكى أبو عبدالله 7 حتى اخضلَّت لحيته بدموعه ..

( مصباح المتهجِّد ، الطوسي : ٧٨٢ ، المزار ، محمّد بن المشهدي : ٤٧٣ ، بحار الأنوار ، المجلسي : ٩٨/٣٠٣ ح ٤ ).

وروى ابن قولويه عليه الرحمة ، عن أبي عمارة المنشد قال : ما ذكر الحسين بن علي 8 عند أبي عبدالله جعفر بن محمّد 8 في يوم قط فرئي أبو عبدالله 7 في ذلك اليوم متبسِّماً إلى الليل ( كامل الزيارات ، ابن قولويه : ٢٠٣ ح ٦ ).


كلِّها.

فقلت : لعن الله أعداء الإسلام ، وعجِّل فرجك أيُّها الإمام المنتظر لتملأ هذه الدنيا قسطاً وعدلا بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

فاستغربت صديقتي وقالت : أتهزأين؟ قلت : حاشا وكلاّ ، وقبلَّتها بين عينيها ، وقلت : أشكرك ، أشكرك يا بتول على هذه الهديَّة ، فلقد أنقذتيني من ظلام وجهل كنت أعيشه ، ونقلتيني إلى النور والعلم والنبوَّة والعقائد الصحيحة ، إلى أحضان أئمَّة الهدى أحفاد رسول الله 6، فهل من مزيد من هذه الكتب؟

فقالت : إذا كنتِ قد اكتفيتِ ، وصار عندكِ يقين تام فسأعطيكِ بعضاً من كتبنا من المؤلِّفين الشيعة.

الحضور في مجالس عاشوراء

فقلت : أتمنَّى هذا ، ودعينا الآن نذهب لحضور عاشوراء ، فذهبت ورأيت الناس في بكاء وعويل ، وكأن الحسين 7 قد استشهد لتوِّه ، فبكيت معهم ، وعشت لحظاتهم المباركة الحزينة ، وأحسست بانجلاء الكروب عن نفسي ،

__________________

وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة ، عن إبراهيم بن أبي محمود قال : قال الرضا 7 : إن المحرَّم شهر كان أهل الجاهليَّة يحرِّمون فيه القتال ، فاستحلَّت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهب ما فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول الله 6 حرمة في أمرنا ، إن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلَّ عزيزنا ، بأرض كرب وبلاء ، أورثتنا الكرب والبلاء ، إلى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإن البكاء يحطُّ الذنوب العظام. ثم قال 7 : كان أبي ( صلوات الله عليه ) إذا دخل شهر المحرَّم لا يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين ( صلوات الله عليه ). ( الأمالي ، الصدوق : ١٩٠ ح ٢ ).


وتنفسَّت الصعداء ، واعتبرت هذا اليوم أول يوم من مسيرة تشيُّعي ، واعتبرت هذا البكاء حزناً على الأيام الماضية ، وعلى الإسلام ، وعلى المآخذ التي كنت أشنُّها ورفاقي على صديقتي الشيعيّة ، وكل من اتّبع هذا المذهب ، والذين أصبحوا أحبّائي من بعد تشيُّعي ، وإخوتي في الدين ، بارك الله فيهم.

لقيت في البداية بعض المعارضة من أهلي ـ سامحهم الله ـ ولكن بصبري وتفوُّقي عليهم ، وحفظي لكل المسائل التي ربَّما أتعرَّض إليها خلال مناقشاتي ومجادلتي مع كل من يسمع بأنّي قد تشيَّعت ، تفوَّقت وتفوَّقت ، واستطعت أن أشيِّع اثنتين من أخواتي ، وذلك بعد اطّلاعي على كل كتب الشيعة تقريباً ، فقد وجدت في عقائدهم وأدعيتهم كنزاً لا يفنى.

لمياء تعلن تشيعها

وهكذا كانت مسيرة حياتي مع التشيُّع ، بدأتها بشك بيني وبين نفسي عن اختلاف المذاهب ، وأنهيتها بإعلان التشيُّع ، والتمسُّك بالمذهب الحقّ ؛ مذهب أهل البيت :.

فسلام عليكم يوم ولدتم ، ويوم استشهدتم ، ويوم تبعثون ، وخاسر خاسر من لا يعرفكم ولا يعرف قدركم ، وأنا متأسِّفة جدّاً ، وأعتذر إليكم عني ، وعن المسلمين الذين كانوا يجهلون صلتكم بالنبيِّ 6 وحديثه عنكم ، وعن حبِّكم ومودَّتكم الواجبة علينا ، وعن بعض من آذاكم ، وحمل الآخرين على القول فيكم وفيمن تمسَّك بكم أقاويل وأكاذيب مغرضة ، لعنهم الله وأحرقهم بناره.

وأنت ـ عزيزي القارئ ـ إذا أردت الاستبصار أكثر عليك بقراءة كتب التيجاني والأنطاكي وخليفات ... إلخ ، وكل من تشيَّع ؛ لأنها حجّة علينا يوم


الحساب .. وستجد فيها جواباً لكل مسائلي التي لم أورد لك أجوبتها كي تتشجَّع وتبحث بنفسك على طريق النور والحقّ ... وبعدها إذا بقيت على حالك ولم تغيِّر رأيك في موروثك فعلى الدنيا السلام ، وإلاَّ فأنت إنسان راق قد اتّبعت قوله تعالى : ( فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ ) (١) (٢).

__________________

١ ـ سورة الزمر ، الآية : ١٧ ـ ١٨.

٢ ـ كتاب : أخيراً أشرقت الروح ، لمياء حمادة : ٩ ـ ٢١ ، المتحوِّلون ، هشام آل قطيط : ٣٣٠ ـ ٣٤١.


المناظرة الثلاثون

مناظرة

الهاشمي بن علي التونسي مع بعض الشيعة

في حديث العشرة المبشَّرة ووصوله إلى الحقيقة

قال الهاشمي بن علي التونسي في بداية تعرُّفه على الحقائق : كنت أدرس في الصفِّ مادة التأريخ ، وكان عندنا أستاذ يتبنَّى الفكر القوميّ ، ولمَّا مررنا على معركة صفّين ابتسم الأستاذ وقال : فاقترح الداهية عمرو ابن العاص فكرة رفع المصاحف حتى يخدعوا جيش عليٍّ 7 ، وينجوا من الهزيمة المنكرة التي بدأت تلوح لهم.

صعقني جدّاً هذا الكلام ، فقلت في نفسي : أعمرو بن العاص يفعل هذا؟ هذا الصحابيّ الجليل ـ الذي عرفناه من أقطاب الصحابة كما قال لنا شيوخنا ـ يخدع ويمكر؟! إذن أين تقوى الصحابة وإخلاصهم الذي دمغجنا به شيوخنا؟!

شعرت حينها بتمزُّق نفسيٍّ شديد بين ثقافتي الإسلاميّة التي تقدِّم كل الصحابة ، وترفعهم إلى صفوف الملائكة ، وبين حقائق التأريخ إن كانت حقَّه ، رجعت إلى البيت مغموماً ، وسألت أخي عن المسألة فقال لي : إن هذا ليس من شأننا فلا تخض فيه ، وهم ـ أي الصحابة ـ أدرى بزمانهم.

ولم يقنعني هذا الكلام البارد الفارغ من كل معنى ، وهل يمكن أن يمارس المؤمن العادي الخداع والمكر؟! فكيف بالصحابة؟!


وتمضي السنوات ، وتبقى في نفسي أشياء وأشياء ، لكنّي لمَّا لم أصل إلى الجواب قفلت عليها في صدري ، وألقيت حبلها على غاربها ومضيت.

وتشاء الأقدار أن تجمعني بصديق قديم ، وزميل دراسة ، كنَّا تفارقنا مدَّة من الزمن ، وإذا بي أسمع أنه شيعي ، لقد كنت أعتقد أن المذهب السنّيّ هو المذهب الصافي ، وخاصّة أتباع الإمام مالك ، إمام دار الهجرة ، حيث إن أكثر إفريقيا مالكيُّون ، وكنت أعتقد أن بقيَّة المذاهب الثلاثة وإن كانت على الحقّ ، لكنَّ المذهب المالكي أصفاها وأحقُّها ، نعم كانت أحياناً تجول في خاطري تساؤلات حول الاختلافات التي ما بين هذه المذاهب الأربعة ، وكنت لا أرى مبرِّراً لاختلافها ، نعم لقد تعلَّمنا منذ صغرنا أن اختلافها رحمة ، وأنهم كلَّهم من رسول الله 6 ملتمس ، لكن كان في نفسي من ذلك ما كان ، لكنّي قنعت بحجّة شيوخنا ، أو ربَّما أقنعت بها نفسي.

وكنت قاطعاً ببطلان مذهب الشيعة ، وأنهم متطرِّفون في عقائدهم ، وكنت أسمع ما كان ينقله البعض حول بكائهم على الحسين 7 ، وسبِّهم للصحابة ، فيزداد عجبي ، وكنت أتمنَّى أن ألتقي بواحد منهم لأقنعه ، أو على الأقل لأعرف لماذا هم هكذا؟

كان أوَّل ما ناقشني فيه صديقي الشيعي حديث العشرة المبشَّرين بالجنَّة ، وقال لي : هل يعقل أن يكون طلحة والزبير وعلي 7 في الجنة ، وقد قتل بعضهم بعضاً ، وشتم بعضهم بعضاً؟!

وهل يعقل كذلك أن يكونوا في النار؟! فكان مما أجابني به أن الصحابة على ثلاثة أقسام : قسم الثابتين بعد رسول الله 6 ، وقسم المرتدّين ( فعلا لا قولا ) ، وقسم المنافقين ، وعليه لا يمكن أن يكونوا كلُّهم عدولا.


من الحجج الملزمة حديث الثقلين

وممّا واجهني به صديقي هذا من الحجج حديث الثقلين ، الذي يقول فيه رسول الله 6 : إني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسَّكتم بهما لن تضلّؤا أبداً : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرَّقا حتى يردا عليَّ الحوض (١) ، وقد كفانا رسول الله 6 مؤونة إمامة الأمّة السياسيّة والعلميّة بالأئمّة من أهل بيته :.

وخضنا نقاشات عديدة حول تنزيه الله تعالى عن الرؤية والحركة والانتقال ، وتنزيه رسول الله 6 من الذنوب والكبائر والخطأ والنسيان.

وهكذا رأيت أن عائشة وحفصة نزلت فيهما سورة كاملة تهدِّدهما بالطلاق وبعذاب النار .. ورأيت أن كل بناء السنّة العقائديّ متهاو ، بل هو من صنع وبناء حكَّام بني أميَّة أعداء الله ورسوله 6 ، وبني العباس ، ومن بعدهم من الظالمين إلى اليوم.

مذهب الشيعة مليء بالحجج الدامغة وضرورة الاطلاع على كتبهم

ورأيت أن الشيعة مذهب صاف عقلاني ، مليء بالحجج الدامغة من القرآن الكريم والسنّة المحمديَّة ، ولا مجال للخرافات والتحريفات والأكاذيب فيه ، وهكذا إذ بينما كنت أنسب إلى الشيعة كل قبيح ، استفقت على أن مذهبهم حقٌّ ، ولهذا كثرت حوله الأباطيل والدعايات الباطلة ، التي لم يرم بها حتى دين اليهود والمجوس.

__________________

١ ـ تقدَّمت تخريجاته.


وعرفت حينها معنى قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَة ... ) (١) ، وعرفت الحديث القائل : الناس أعداء ما جهلوا.

وأنا من موقعي هذا أدعو كل إنسان حرٍّ أن يطّلع على كتب الشيعة ، وعلى آرائهم دون واسطة ، كما عرفت أنا كتب السنّة كالبخاري والموطَّأ دون واسطة ، وقارنوا بين المذاهب ، فلسنا أقلَّ من معاوية الذي قتل النفوس ، وأحدث الفتن ، ثمَّ يقال عنه : إنّه اجتهد فأخطأ ، فنحن إن وصلنا إلى الحق ـ إلى دين الله ورسوله 6 ـ فلنا أجران ، وإن لم نتوصَّل إلى ذلك فلعلَّ الله يكتب لنا أجراً واحداً ، وذلك لصدق نيَّاتنا وصفاء سرائرنا.

وجرِّبوا أن تطالعوا عن التشيُّع والشيعة الاثني عشريَّة ، فليس في ذلك بأس ولا ضرر ولا فتنة ولا سمٌّ ، كما يدّعي بعض العلماء المتحجِّرين ، بل إن أحدنا يفاخر بأنَّه قرأ مجموعة آثار فيكتور هيجو مثلا ، أو اطّلع على مسرحيَّات شكسبير ، وتجده جاهلا بما يقوله إخوانه وبما يعتقدونه جهلا مطبقاً. أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العليَّ العظيم ، الهاشمي بن علي ، رمضان قابس ـ تونس ١ ـ شوال ـ ١٤١٩ هـ (٢).

كلام الأستاذ عبدالمنعم السوداني في حديث العشرة المبشَّرة

قال الأستاذ عبدالمنعم حسن السوداني : حديث العشرة المبشَّرين المزعوم : ما بدأت حواراً مع أحد فيما جرى بعد رسول الله 6 إلاَّ وبادرني :

__________________

١ ـ سورة الحجرات ، الآية : ٦.

٢ ـ الصحابة في حجمهم الحقيقي ، الهاشمي بن علي : ٩ ـ ١٢.


إنهم مبشَّرون بالجنَّة ، مستنداً إلى حديث العشرة المبشَّرين بالجنّة كما يزعمون ، وإنه لعمري حديث لا يحتاج منّي إلى كثير عناء لإثبات وهنه ، ومخالفة متنه لواقع الأحداث التاريخيّة ، وهو لا يعدو أن يكون إحدى الأكاذيب التي وضعت كغيرها من الفضائل ، وأورده هنا كنموذج لمأساة الأمّة.

العشرة المبشَّرون بالجنّة هم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وطلحة والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وأبو عبيدة بن الجرَّاح.

هذا الحديث الضعيف سنداً ـ كما بيَّن فطاحل العلم ـ يكذِّبه متنه كذلك ، ولا ندري لماذا اشتهر هؤلاء العشرة بالتبشير بالجنَّة ، وحصرت فيهم مع أن النبيَّ 6 بشَّر غيرهم ، كآل ياسر والحسن والحسين وأبي ذر ، والقرآن أيضاً يبشِّر كل من آمن وعمل صالحاً ثمَّ اهتدى بالجنّة.

إن هؤلاء الذين يرفعون عقيرتهم بمثل هذه الروايات الموضوعة لم يفطنوا إلى وضوح كذب الأحاديث ، إذ أنها لو كانت وردت عن النبيِّ 6 حقيقة لسمعنا في التأريخ احتجاج عمر بهاً ـ مثلا ـ في السقيفة كدعاية انتخابيّة لأبي بكر ، يسند بها انتخابه له.

وياليتني أجد من يوضح لي : هل من الممكن أن يكون عبد الرحمن بن عوف أحد رواة هذا الحديث معتقداً بصحّته ، ومع ذلك يسلُّ سيفه على عليٍّ 7 يوم شورى الستة قائلا : بايع وإلاَّ تقتل (١)؟!

__________________

١ ـ راجع : شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٦/٩٦ ، و١٢/٢٦٥ ، الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : ١٧٦ ، الغدير ، الأميني : ٥/٣٧٥.


ويقول لعلي 7 ـ بعدما انتقضت البلاد على عثمان ـ : إذا شئت فخذ سيفك ، وآخذ سيفي ، إنّه قد خالف ما أعطاني (١).

وهل أبو بكر وعمر المبشَّران بالجنّة هما اللذان ماتت الصدّيقة بضعة المصطفى 6 وهي واجدة عليهما (٢)؟

وهل هما اللذان قالت لهما : إني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني ، وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبيَّ لأشكونَّكما إليه (٣)؟

وهل أبو بكر هذا هو الذي أوصت فاطمة 3 أن لا يصلِّي عليها ، وأن لا يحضر جنازتها (٤)؟

وهل كان عمر يصدِّق هذه الرواية وله إلمام بها ، وهو يناشد مع ذلك حذيفة بن اليمان العالم بأسماء المنافقين ، ويسأله عن أنه هل هو منهم (٥)؟

وهل كان طلحة والزبير يؤمنان بقول الرسول 6 وهما يؤلِّبان على عثمان ، ويشاركان في قتله؟ وهما اللذان خرجا على إمامهما ، وخليفة

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٣/٢٨ ، الغدير ، الأميني : ٩/٨٦ عن البلاذري.

٢ ـ راجع صحيح البخاري : ٥/٨٢ ، صحيح مسلم : ٥/١٥٤.

٣ ـ الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : ١/٣١ ، مناقب أهل البيت : الشيرواني : ٤٠٢.

٤ ـ صحيح البخاري : ٥/٨٢ ، صحيح مسلم : ٥/١٥٤ ، تأريخ المدينة ، ابن شبة النميري : ١/١٩٧.

٥ ـ فتح الباري ، ابن حجر : ٨/٤٨٧ ، تفسير القرطبي : ١/٢٠٠ ، قال الشيخ علي بن يونس العاملي في ( الصراط المستقيم : ٣/٧٩ : وفي الإحياء للغزالي : كان عمر لا يحضر جنازة لم يحضرها حذيقة وفي مسند الصحابيات روى أبو وائل عن مسروق عن أم سلمة قالت : قال النبي 6 : من أصحابي من لا أراه ولا يراني ، فناشدها عمر : هل أنا منهم؟ الخبر ، وكيف يسأل الإمام رعيته عن أحوال إيمانه وقد رويتم أن النبي 6 شهد له بالجنة ورأى له قصراً فيها فلا يعتمد على قول نبيه 6 ويعتمد على غيره؟


المسلمين ، المفروض عليهما طاعته ، بعد أن عقدت له البيعة ، فنكثا بيعته ، وأسعرا عليه نار البغض وقاتلاه وقتلا؟

أو ليس طلحة والزبير هما اللذان ارتكبا من رسول الله 6 في هتك حرمته ما لم يرتكبه أحد ، حينما أخرجا زوجته عائشة تسير بين العساكر في البراري والفلوات ، غير مبالين في ذلك ولا متحرِّجين؟!! (١)

وغير ذلك الكثير مما يؤكِّد أن الحديث مكذوب على رسول الله 6 من أصله ، ولا تحتاج معرفة ذلك إلى كثير عناء (٢).

__________________

١ ـ جاء في كتاب البداية والنهاية لابن كثير : ٧/٢٤٠ ، في معركة الجمل : قال علي 7 لطلحة : أجئت بعرس رسول الله 6 تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت؟!

وجاء في تاريخ اليعقوبي : ٢/١٨٣ في معركة الجمل لما اجتاز الزبير بالأحنف بن قيس قال : ما رأيت مثل هذا! أتى بحرمة رسول الله 6 يسوقها فهتك عنها حجاب رسول الله 6 وستر حرمته في بيته ثم أسلمها وانصرف! ألا رجل يأخذ لله منه؟!

وجاء في مروج الذهب للمسعودي : ٢/٣٦٧ في وقوف أميرالمؤمنين 7 على هودج عائشة بعدما هزمت وسقط جملها ، قال : فجاء علي 7 فضرب الهودج بقضيب وقال : يا حُميراء! أرسول الله 6 أمركِ بهذا؟ ألم يأمرك أن تقري في بيتك؟ والله ما أنصفك الذين أخرجوكِ إذ صانوا عقائلهم وأبرزوكِ؟!

٢ ـ بنور فاطمة 3 اهتديت ، عبدالمنعم حسن : ١٦٣ ـ ١٦٥.


المناظرة الحادية والثلاثون

مناظرة

المحامي محمّد علي المتوكِّل السوداني

مع الدكتور الحبر يوسف نور الدائم

في الإقتتال الذي جرى بين الصحابة

يذكر المحامي محمّد علي المتوكِّل السوداني (١) أنه أجرى مع الدكتور الحبر يوسف نور الدائم (٢) حواراً في منزله في أحد الأحياء الشعبيَّة في أم درمان ، باقتراح من أحد أصدقائه في معرفة رأي الدكتور في التشيُّع ، وموقفه من تناقضات التأريخ.

ومن هذا الحوار مايلي :

الدكتور الحبر : على كل حال هم شيعة ، ويكفي أنهم لا يتورَّعون عن القدح في الصحابة والتطاول عليهم.

قال : فقلت : وماذا في ذلك إذا كان الصحابة أنفسهم كان ما بينهم السباب وتبادل الاتّهام ، بل أكثر من ذلك : الاقتتال وإراقة الدماء ، كالذي حدث مباشرة

__________________

١ ـ مؤلِّف كتاب : ودخلنا التشيُّع سجَّداً.

٢ ـ أستاذ اللغة العربيّة بجامعة الخرطوم ، وأحد أبرز مؤسِّسي حركة الإخوان في السودان.


بعد وفاة النبيّ 6؟ ويكفي أنهم اقتتلوا في واقعة الجمل ، فكان القتلى من الصحابة والتابعين بالألوف ، فكيف جاز لهم أن يقتتلوا ويتسابّوا ، ولا يجوز لنا أن نعيِّن المخطئ منهم والمصيب؟ (١)

__________________

١ ـ والمشكلة عند القوم تكمن في تزكيتهم جميع الصحابة بلا استثناء ، يقول ابن الأثير في مقدِّمة كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة : ١/٣ : والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلاَّ الجرح والتعديل ، فإنّهم كلّهم عدول ، لا يتطرَّق الجرح إليهم ؛ لأن الله عزَّوجلَّ ورسوله 6 زكَّياهم وعدَّلاهم ، وذلك مشهور لا نحتاج لذكره.

أقول : ليس هناك أيُّ دليل على أن الله تعالى ورسوله 6 زكَّيا جميع الصحابة ، وحاشاهما ، والقرآن الكريم والسنّة فيهما الأدلّة التي تنافي هذه الدعوى ، وذلك من خلال بعض الآيات والأحاديث الشريفة ، وكيف يكونون كلُّهم عدولا ، وفيهم من هو معلوم الحال ، وفيهم المنافقون الذين يتستَّرون تحت شعار الإسلام ، ونزلت آيات من القرآن فيهم ، بل نزلت سورة كاملة باسمهم وهي سورة المنافقون ، وإذا حكمنا بأن جميع الصحابة عدول فقد حكمنا في الضمن أيضاً بعدالة جميع المنافقين ، المندسّين في صفوف الصحابة ، والمتستِّرين باسم الإسلام وباسم صحابة النبي 6 ، وكانت لهم بعض العلامات التي يعرفون بها ، فقد روى الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين : ٣/١٢٩ وصحَّحه ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : ما كنّا نعرف المنافقين إلاَّ بتكذيبهم الله ورسوله 6 ، والتخلُّف عن الصلوات ، والبغض لعليِّ بن أبي طالب 7 ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

وقد أخبر القرآن عن بعضهم وسمَّاه فاسقاً ، وهو الوليد ، وذلك في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَة فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) سورة الحجرات ، الآية : ٦. فانظر قصة الوليد بن عقبة ونزول الآية فيه في الدرّ المنثور للسيوطي : ٦/٨٨.

وقد روى البخاري في صحيحه : ٧/٢٠٧ عن أنس ، عن النبي 6 قال : ليردن عليَّ ناس من أصحابي الحوض ، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول : أصحابي فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك.

وروى في ص ٢٠٩ عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت : قال النبي 6 : إني على الحوض حتى أنظر من يرد عليَّ منكم ، وسيؤخذ ناس من دوني ، فأقول : يا ربّ! منّي ومن أمتي ، فيقال : هل شعرت ما عملوا


قال : إن اقتتال الصحابة فيما بينهم لا يخرجهم من دائرة الإيمان ؛ لقوله تعالى : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) (١).

قلت : ولكنه تعالى يقول بعد ذلك : ( فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الاُْخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) أليس لنا أن نحدِّد الفئة الباغية ، وإذا ما كانت قد فاءت إلى أمر الله أم لا؟

قال : يا بنيَّ! نحن نقول كما قال أبو زرعة : تلك فتنة وقى الله منها سيوفنا ، أفلا نقي منها ألسنتنا؟

عند هذا الحدّ كان صاحبي قد بلغ به الغضب مبلغاً خشيت معه أن يأتي بتصرُّف لا يليق بالمقام ، وفي ذات الوقت بدأ الدكتور غير راغب في المضيِّ في هذا الاتجاه المزعج ، عندئذ أدركت أنه لا جدوى من الإصرار على توجيه الحوار عقائديّاً ، فعدنا إلى الحوار في ساحة العمل الإسلاميّ.

حركة التشيع في السودان

ويقول المحامي محمّد علي : إن الدكتور الحبر ... لم يرضه أن يعلو ذكر أهل البيت : في السودان ، وأن يسارع الشباب إلى الدخول في حصون

__________________

بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم.

فكيف يكونون كلهم عدولا وفيهم من قد علمت؟ وبعد هذه الروايات وأمثالها ، هل يمكن القول بعدالة جميع الصحابة ، وفيهم سمرة بن جندب ومعاوية بن أبي سفيان وأمثالهما؟ والخلاصة أن الصحابة كغيرهم ، فيهم المؤمن التقيُّ والصفيُّ النقيُّ ، وفيهم غير ذلك ، وكلٌّ يعرف بعمله ، وما ظهر على سلوكه ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشرٌّ.

١ ـ سورة الحجرات ، الآية : ٩.


ولايتهم ، فأخذ يدقُّ نواقيس الخطر ، ويؤلِّب ذوي الشأن ليتصدَّوا لحركة التشيُّع التي عمَّت أرجاء السودان ، وأن على المسؤولين أن يقفوا في وجه هذا المدّ ، وأنه بهذا البيان يكون قد أدَّى ما عليه ؛ إذ لا يملك أن يفعل بهذا الصدد أكثر من التحذير.

لقد فات على الدكتور أن التشيُّع بما هو جوهر الدين قد صمد عبر التأريخ في وجه أعنف حملات الطمس والتشويه ، واستعصى على كل المؤامرات التي استهدفته منذ وفاة الرسول6وإلى الآن ، وهو المذهب الوحيد الذي ظلَّ أمره في ازدياد ؛ لما يستبطن من حقّ ، ولتمسُّك أهله به ، ولقدرته على مواكبة العصر ، والوفاء بمتطلَّبات الزمن ، بينما اندثرغيره من المذاهب ، أوكاد ، حتى المذاهب الأربعة لم يعد التمسُّك بها إلاَّ تقليديّاً وشكليّاً ، ولم تعد قادرة على الوقوف أمام دعاوى التجديد الفقهيّ ، وفتح أبواب الاجتهاد التي تنطلق من هنا وهناك ..

والذي لا يعرفه الدكتور أو يتجاهله هو أن الولاء لأهل البيت : أسبق في دخوله إلى السودان من جميع الحركات السلفيَّة بما فيها حركة الإخوان ، وأن السودانيين قد عرفوا لأهل البيت : حقَّهم في ذات الوقت الذي عرفوا فيه الإسلام ، وأن البنية الاجتماعيَّة في السودان لا يهدِّدها انخراط الشباب في سلك التشيُّع لأهل البيت : ، الذين هم قوام الدين ، ونظام الأمّة ، ولكن ما يهدِّد المجتمع في دينه وحضارته هو انتماؤهم إلى تلك الجماعات الموتورة ، التي ورثت الحقد عن الخوارج وأهل الفتن وبني أمية وأئمَّة القشريين من لدن ابن تيمية إلى محمّد بن عبد الوهاب وأتباعه (١).

__________________

١ ـ المتحوِّلون ، الشيخ هشام آل قطيط : ٦٦٣ ـ ٦٦٦.


المناظرة الثانية والثلاثون

مناظرة

الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني قبل تشيُّعه

مع ابن عمِّه المتشيِّع في الإمامة ووجوب البحث عن الحقيقة

قال الأستاذ عبد المنعم حسن تحت عنوان ( حوار في بداية الطريق ) : كنت قلقاً جدّاً وأنا أحاول تجنُّب أيِّ حوار مع ابن عمِّي حول هذا المذهب الجديد الذي تجسَّد في سلوكه أدباً وأخلاقاً ومنطقاً ، مما جعلني أفكِّر في أنه لا غضاضة في النقاش معه حول أصل الفكرة ، رغم قناعتي بأنَّ ما يؤمن به لا يتجاوز أطر الخرافة ، أو ربَّما نزوة عابرة جعلته يتبنَّى هذه الأفكار الغريبه.

قلقي كان نابعاً من تخوُّفي لأن أتأثَّر بفكرته ، أو ربَّما أجد أنها تجبرني على الاعتراف بها ، وبالتالي أخالف ما عليه الناس ، وما وجدت عليه آبائي ، وسأكون شاذّاً في المجتمع ، وربَّما اتُّهمت بأني مارق من الدين كما اتّهم ، ولكني تجاوزت كل ذلك ، وقرَّرت أن أخوض معه حواراً ، لعلّني أجد منفذاً أزعزع من خلاله ثقة هذا الرجل بما يعتنقه ، خصوصاً وأني قرأت كتباً لا بأس بها ضدَّ الشيعة والتشيُّع ، ومنها كان المخزون الذي من خلاله أنطلق لجداله ، فبدأت معه الحوار.

قلت له : الآن أنت تركت ما كان عليه الناس وأصبحت شيعيّاً ، فما هي


الضمانات التي تمنعك من أن تغيِّر مذهبك غداً؟

قال : الآية الكريمة تقول : ( قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (١) ، وأنا من أنصار الدليل أينما مال أميل ، وقد أفرغت وسعي ، وتوصَّلت إلى أن الطريق المستقيم هو مذهب أهل البيت : ، والدليل على صحّته أن الأدلّة التي يسوقها أصحابه مما اتّفق عليه جميع المسلمين.

قلت : لكن لماذا لم يكتشف غيرك هذه الحقيقة؟

قال : أوّلا : من قال لك إنه لا يوجد غيري؟!

وثانياً : وصول غيرك للحقيقة أو عدمه ليس دليلا على صحّة أو خطأ ما توصَّلت إليه ، إن المسألة تكمن في نفس وجدان الحقيقة والحقّ ، ومن ثَمَّ اتّباعه ، ولا شأن لي بغيري ، لأن الله يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) (٢).

قلت له : لو افترضنا صحّة مذهب الشيعة ذلك يعني أن ٩٠% من المسلمين على خطأ ؛ لأن كل المسلمين يؤمنون بمذهب أهل السنّة والجماعة ، فأين هذا التشيُّع من عامة الناس؟

الكثرة ليست معياراً للحق

قال : الشيعة ليست بهذه القلّة التي تتصوَّرها ، فهم يمثِّلون غالبيَّة في كثير من الدول ، ثمَّ إن الكثرة والقلّة ليست معياراً للحقّ ، بل القرآن كثيراً ما يذمُّ

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١١١.

٢ ـ سورة المائدة ، الآية : ٥.


الكثرة ، يقول تعالى : ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) (١) ، ويقول : ( وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ) (٢) ، ( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) (٣) ، وبذلك لا تكون الكثرة دليلا على أنهم على حقٍّ.

أمَّا التشيُّع كمنهج سماويٍّ فهو موجود ، بدليل أني شيعيٌّ ، وإذا وجِّه الإشكال إلى عدم انتشار التشيُّع فهذا يتوجَّه أيضاً لرسول الله 9 في أوَّل دعوته وحتى وفاته ؛ إذ أن الإسلام لم يكن منتشراً ، ومع ذلك فهو الحقُّ المنزل من قبل الله تعالى.

قلت متعجِّباً : وهل تريدني أن أسلِّم بأن آباءنا وأجدادنا الذين عرفناهم متديِّنين طريقهم غير الذي أمر به الله؟!

ابتسم قائلا : أنا لست في مقام بيان وتقييم أحوال الماضين ، فالله أعلم بهم ، ولكن أذكِّرك بأن القرآن يرفض أن يكون الأساس في الاعتقاد تقليد الآباء والأجداد ، يقول تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ) (٤).

أخذ الدين عن طريق أئمّة أهل البيت :

شعرت بأن الحوار قد أخذ منحىً عاماً ، وأن حجّته بدت في هذا المجال قويَّة ومدعَّمة بآيات قرآنية ، فقرَّرت أن أناقش معه مفردات معتقده التي قرأت

__________________

١ ـ سورة الزخرف ، الآية : ٧٨.

٢ ـ سورة الأعراف ، الآية : ١٧.

٣ ـ سورة سبأ ، الآية : ١٣.

٤ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٧٠.


نقدها من الكتب ، وتركتها كورقة أخيرة في النهاية ؛ لأني على ثقة من أنه لا يستطيع الإجابة عليها ، ولقد أضفت إليها رأيي الخاص ، ولأغيِّر مجرى الحديث إلى حيث أريد قلت له : حسناً ، ماذا تقول الشيعة؟!

هنا اعتدل في جلسته وقال : الشيعة يقولون : إن هذا الدين الخاتم لا يجوز لنا أخذه إلاَّ عن طريق أئمّة أهل البيت : ، ويعتبرون أن هذا هو عين التمسُّك بسنَّته 6 ، وهو المطلوب من كل إنسان.

قلت ساخراً : كلُّنا نتّبع رسول الله 6 ، ولا أحد يرى أنه خلاف ما جاء به عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام.

قال : الأمر ليس مجرَّد ادّعاء ، إنّما يجب إثبات ذلك بالدليل ، ونحن كشيعة نرى أن المسألة الأساسيّة التي ابتليت بها الأمّة هي مسألة الإمامة والقيادة بعد رسول الله 6 ، والتي اختصَّ بها عليٌّ 7 كوصيٍّ وخليفة ، ومن بعده أئمَّة أهل البيت : ، وواحدة من مستلزمات هذه الوصاية والإمامة الخلافة السياسيّة ، ومن أهل البيت فقط يصح أخذ الدين ، أمَّا ما أخذ من غيرهم فلا نقول إنه باطل مطلقاً ، ولكنّه حقٌّ مخلوط بباطل ، ونحن مأمورون بأخذ الحقِّ فقط دون غيره.

قلت : وما جدوائيَّة البحث حول قضيَّة مرَّت عليها قرون؟ وهل يفيدنا إذا ما كان عليٌّ 7 هو الخليفة أم أبو بكر؟!

ابتداء افتراق الأمة لما غصبت الخلافة من علي 7

سكت قليلاثمَّ قال: عندما ننظر ـ يا أخي ـ لكل مشكلة ، يجب البحث عن جذور تلك المشكلة حتى نحلِّلها ، وما عليه المسلمون اليوم من فرقة وشتات وضياع إنما هو ناتج عن ذلك اليوم الذي حجبت فيه الخلافة عن علي بن أبي


طالب 7 ، وأعطيت لغيره بلا حقٍّ ، ومن هناك ابتدأ افتراق الأمّة ، والآن أنا أمامك أقول لك : إن الشيعة على حقٍّ ، وأنت ترى خلاف ذلك ، من هنا جاءت ضرورة البحث في الماضي لنعرف أين الأصل ، ومن الذي خالف.

هنا أخذتني العزّة ، وقرَّرت الهجوم عليه من كل جانب ، فانهلت عليه بالأسئلة مقاطعاً : إذن أنتم تشكِّكون في الصحابة؟!

أجاب بهدوء : نحن لسنا في مقام التشكيك في أحد ، ما نقوله أن كل من اتّبع الحق من الصحابة أو غيرهم على رؤوسنا ، نقدِّسهم ، نحترمهم ، وكل من خالف النهج السماويّ القويم فلن نسمح لأنفسنا أخذ معالم ديننا منه.

الصحابة ومسألة الخلافة

فقلت له : لا أريدك أن تناقشني في عموميَّات! من غير المعقول أن كل الصحابة الذين بايعوا أبا بكر خالفوا قول الرسول 6! أتدري ماذا يعني ذلك؟يعني أن نشكِّك في كل ديننا ، فكيف تجوِّزون لأنفسكم ذلك؟ وأرجو ألا تستعمل معي التقيَّة المعروفة عندكم.

أجاب : أولا : التقيَّة شرعيَّة من الكتاب والسنة ، ولها مجالها ، وهي ليست واجبة في كل الأحوال ، إنما لها ظروفها الخاصة ، وأنا لا أمثِّل كل الشيعة ، بإمكانك أن تطّلع على كتب الشيعة ، فلن تجد غير كلامي هذا.

أما بالنسبة للصحابة فالأمر لا يصل إلى مستوى التشكيك في الدين إلاَّ إذا كان الدين عندك ملخَّصاً في الصحابة.

قاطعته : إنهم هم الذين نقلوا لنا الدين.

قال : بحثنا الآن حول نقلهم ، وهذا أوَّل الكلام وبيت القصيد ، أنتم


تجرحون الرجال في علم الجرح والتعديل ، وتبدأون عمليَّة معرفة أحوال الرجال من القرون المتأخِّرة بعد عهد النبي 6 ، ونحن الشيعة نبدأ ممن كان حول الرسول 6 ؛ لأن منهم من كان منافقاً ، وآخر كان لا يفقه شيئاً. وهكذا.

أضف إلى ذلك : من الذي قال : إن الجميع قد بايع أبا بكر؟ ارجع لكتب التاريخ ستجد أن أوَّل المعترضين كان علياً 7 ، ومعه مجموعة من الصحابة.

قلت : لو كان الأمر كما تدّعون لنصر الله عليّاً وخذل أبا بكر ، وهذا دليل على أن الله اختار للأمّة أبا بكر.

قال : بقولك هذا تلغي فلسفة الابتلاء التي يمتحن الله بها العباد ، إن الله يبيِّن الطريق للناس فقط ، ثمَّ يدعهم ، فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر ، والله لا يجبر الناس ، وإلاَّ نكون من الذين يقولون بالجبر فنسقط الثواب والعقاب ، ونتيجة كلامك هذا أن أيَّ شخص يتحكَّم في رقابنا يجب أن نهتف له ، ونعتبره تأييداً من الله ، وهذا ما لا يعقل.

ضرورة البحث في مسألة الإمامة أولا ثم الأصول الاُخرى

ورميت آخر سهم في جعبتي قائلا : إنكم تغالون في أهل البيت : ، وتقولون إنهم معصومون ، كما أنكم تبيحون زواج المتعة ، وتجمعون في الصلاة ، وتصلّون للحجر ، والأخير رأيته بعيني ، يعني لم أقرأه في كتاب فقط.

قال : أخي! هذه فروع بإمكاني أن أناقشها معك ، ولكن من المنهجيَّة أن تبحث أولا حول الأصل الذي يتبعه الفرع أوتوماتيكياً ، فأنت عندما تريد أن تدعو شخصاً غير مؤمن بالله إلى الإسلام لن تبدأ معه بكيفيَّة الوضوء والصلاة ، بل لابدَّ من إقناعه بوجود الله تعالى ، ثمَّ النبي 6 ، ثمَّ تفرِّع على ذلك.


فأطلب منك ـ أخي ـ أن تبحث بتجرُّد ، وسترى نور الحقيقة.

انتهينا من جلسة الحوار هذه وأنا متعجِّب من هذه الثقة التي يملكها ، وفكَّرت في البحث ، ولكن ليس لكي أقتنع ، وإنما لأملك أدلّة أقوى أدحض بها حججه ، وبعد فترة قرَّرت ألا أدخل معه في نقاش حتى أكون بعيداً عن المشاكل ، وحتى لا أتأثَّر بهذه الأفكار الغريبة ، والتي أرى شخصاً عن قرب يتبنَّاها.

ثمَّ كانت البداية التي جعلتني أنطلق في البحث ... (١).

__________________

١ ـ بنور فاطمة اهتديت ، عبد المنعم حسن : ٥٥ ـ ٥٩.


المناظرة الثالثة والثلاثون

مناظرة

الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني

مع بعض أصدقائه حول العصمة في حديث الثقلين

قال الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني : جرى حوار بيني وبين أحد الأصدقاء حول عصمة الإمام ، قال لي : أنتم مغالون تبالغون في حبِّ أهل البيت : حتى ادّعيتم أنهم معصومون ، ومفوَّضون بالتشريع ، ونحن لا نرى سوى عصمة الرسول 6.

قلت : أولا : أهل السنة والجماعة لا يقولون بأن النبيَّ 6 معصوم في كل شيء ، بل في أمر التبليغ فقط ، ولا ندري كيف يحدِّدون ويصنّفون الأمور الواردة عن النبيِّ 6 أيٌّ منها من الدين ، وأيٌّ من غيره ، وذلك بخلاف قول الشيعة الذين يقولون بعصمة النبي 6 المطلقة ، ولا فرق في ذلك بين أمور التشريع وغيرها.

أمَّا عصمة أهل البيت : فالآية واضحة في دلالتها ، يقول تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) (١) الآية (٢).

__________________

١ ـ سورة الأحزاب ، الآية : ٣٣.

٢ ـ روى الحاكم النيسابوري ، عن أم سلمة قالت : في بيتي نزلت : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ


أضف إلى ذلك مجموعة الأحاديث التي نستشفُّ منها بوضوح دلائل العصمة ، وحسبك في ذلك حديث الثقلين (١) ، بعد أن ثبتت صحّته لدى جمهور المسلمين سنَّةً وشيعةً.

قال : هذا الحديث لا يدلُّ على العصمة ، فهو فقط يخبرنا بالرجوع لأهل البيت :.

قلت : بل الحديث أوضح من أن يبحث فيه عن العصمة ؛ إذ أن صحّة الحديث يؤكِّد عصمتهم ، وإليك البيان ، وسألته : ما قولك في القرآن؟

قال : ماذا تقصد؟!

قلت : هل يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه؟

قال : لا.

قلت : إن اقتران أهل البيت : بالكتاب ، والتصريح بعدم الافتراق عنه يدلُّ على عصمتهم ؛ إذ أن صدور أيِّ مخالفة للشريعة منهم سواء كان عمداً أم سهواً أم غفلة يعتبر افتراقاً عن القرآن ، لو قلنا بأنهم يفترقون عنه ولو للحظة فهذا تكذيب للرسول 6 ، الذي أخبر عن الله عزَّوجلَّ بعدم وقوع الافتراق ، وتجويز الكذب على النبيِّ 6 متعمِّداً مناف لعصمته حتى في مجال التبليغ ، وقد أكَّد على الحديث في أكثر من موضع.

__________________

أَهْلَ الْبَيْتِ ) قالت : فأرسل رسول الله 6 إلى علي وفاطمة والحسن والحسين ، فقال : هؤلاء أهل بيتي.

قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ٣/١٤٦.

١ ـ تقدَّم مع تخريجاته.


أضف إلى ذلك أن الرسول 6 اعتبر التمسُّك بهم عاصماً من الضلالة دائماً وأبداً ، كما هو مقتضى ما تفيده كلمة لن التأبيديَّة ، فإذا كان هنالك مجال لضلالتهم ولو للحظة فكيف يكون التمسُّك بهم عاصماً؟!

هذا عن العصمة ، أمَّا ما قلته عن التفويض فلا أحد من الشيعة يقول به ، إنما هو قول أعداء الدين الذين حاولوا تشويه الصورة النقيَّة للتشيُّع ، وأنت إذا أردت أن تتعرَّف على معتقدات الشيعة فيجب عليك الاطّلاع عليها من كتبهم وأقوال علمائهم ، لا من كتب وأقوال المناوئين لهم ، الذين لا يتورَّعون عن الكذب والافتراء ، ومعروف عند الشيعة أن الأئمة يقولون بما قاله الرسول 6 ، وها هو الإمام أميرالمؤمنين علي 7 يقول : علَّمني رسول الله ألف باب من العلم ، يفتح لي من كل باب ألف باب (١).

فهم لا يقولون بالتفويض ، بل أهل السنة والجماعة هم الذين فوَّضوا الصحابة في التشريع ، حتى أمضوا اجتهادات الصحابة الواضحة مقابل النصوص المؤكَّدة.

بعد هذا الحوار أخذ صاحبي يبحث له عن مخرج ، وبدأ يقفز بالحديث هنا وهناك ، ويحاول أن يجد ثغرة يصطادني بها ، وعندما لم يجد قال لي : يا أخي! أنا مفوِّض أمري إلى الله ، نحن أهل تسليم.

قلت : التسليم لايكون إلاَّ للحقِّ ، أمَّا التفويض لله فلا يلغي إرادتك ويجمِّد عقلك ، إذا كنت تصبو إلى الحقيقة واصل بحثك عنها ، ثمَّ فوِّض الأمر إلى الله

__________________

١ ـ تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/٣٨٥ ، ينابيع المودة ، القندوزي : ١/٢٣١ ح ٧١ ، نظم درر السمطين ، الزرندي : ١١٣.


يهديك إلى الصراط المستقيم ، أمَّا أن تكون لا تدري أعلى حقٍّ أنت أم على غيره ، ثمَّ تفوِّض الأمر ، هذا تبرير لا يقبل شرعاً ولا عقلا ... وتركته وذهبت (١).

حديث الثقلين وآية التطهير يدلان على عصمة أهل البيت :

وقال الأستاذ عبد المنعم قبل هذه المناظرة في كتابه : وحديث العترة يثبت فيما يثبت عصمة أهل البيت : ؛ لأن الذي لا يفارق القرآن ولا يفترق عنه يعني لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه مثل القرآن تماماً ، ولو كان هنالك ثمَّة احتمال ـ ولو ضئيل جدّاً ـ بافتراق أهل البيت : عن القرآن لما أكَّد لنا الرسول 6 في كلامه أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، وبهذا المعنى نفهم آية التطهير التي نزلت في أهل البيت : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢).

ولقد أجمعت مصادر التفسير والحديث على نزول هذه الآية في خمسة : النبيُّ : ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، كما جاء في صحيح مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل أهل البيت : (٣).

والآية ناطقة بعصمة أهل البيت:، ممّا يؤهِّلهم دون غيرهم للقيام بدور

__________________

١ ـ بنور فاطمة 3 اهتديت ، عبد المنعم حسن : ١٤٢ ـ ١٤٤.

٢ ـ سورة الأحزاب ، الآية : ٣٣.

٣ ـ راجع : صحيح مسلم : ٧/١٣٠ ، سنن الترمذي : ٥٠/٣١ ح ٣٢٥٩ ، مسند أحمد بن حنبل : ١/٣٣١ ، السنن الكبرى ، البيهقي : ٢/١٤٩ ، المصنّف ، ابن أبي شيبة : ٧/٥٠١ ، ح ٣٩ ـ ٤١ ، صحيح ابن حبان : ١٥/٤٣٢ ـ ٤٣٣ ، المستدرك ، الحاكم : ٣/١٣٣ و١٤٧ و١٤٨ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٣/٥٤ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٧/٩١.


الإمامة ، لحفظ الشريعة الإسلاميَّة ، وممارسة دور الرسول 6 القياديّ في الأمّة ، والذي لا يتأتَّى إلاَّ لمعصوم مصطفى من السماء ، وهذا ما لخَّصته آية التطهير ، والتي صدِّرت بأداة الحصر ( إنَّما ) وهي من أقوى أدوات الحصر ، وفيها إذهاب الرجس عن أهل البيت : ، والرجس يعني مطلق الذنوب والآثام والأدناس ، والقيام بالتطهير بإرادة الله تعالى .. كل ذلك مؤدّاه عصمة أهل البيت:.

ومن أوضح الواضحات التي لا تقبل الجدل عندنا في السودان أن أصحاب الكساء ـ أو أصحاب العباء ـ هم الخمسة الذين نزلت فيهم آية التطهير كما تواتر في الأحاديث (١).

__________________

١ ـ بنور فاطمة 3 اهتديت ، عبد المنعم حسن : ١٤١ ـ ١٤٢.


المناظرة الرابعة والثلاثون

مناظرة

الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني مع بعض السلفيَّة

في التوحيد والتوسُّل وصفات الله تعالى

قال الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني في حواره مع البعض ، وسبب تأليفه كتابه القيِّم ( بنور فاطمة 3 اهتديت ) تحت عنوان ( لماذا هذا الكتاب ) : ذهبت في يوم من الأيام إلى أحد أصدقائي لزيارته ، فأخذنا الحديث إلى حيث الشيعة والتشيُّع ، فتجاذبنا أطراف الحديث حول هذا الموضوع ... وفي أثناء تداولنا للموضوع دخل علينا شابٌّ في مقتبل العمر ... ألقى علينا تحيَّة الإسلام ، ثمَّ جلس وبدأ يستمع ، ونحن نواصل الحوار ، انتبهت إليه وقد بدت عليه علامات الحيرة ، ثمَّ تدخَّل في النقاش بقوله : يبدو أن بعض الفرق الضالّة أثَّرت عليك يا أخي! وأخذ يتفنَّن في المهنة التي يجيدها وأمثاله من توزيع أصناف الكفر والضلال والزندقة على كل الطوائف الإسلاميَّة عدا الوهابيّة ، كنت منذ دخوله قد علمت أنه وهابيٌّ ، وذلك من ثوبه الذي كاد أن يصل إلى ركبتيه من القصر ... قبل أن يتمَّ كلامه ارتفع أذان المغرب ، توقّفنا عن النقاش حتى نصلِّي ثمَّ نعود بعد الصلاة.

بعد الصلاة بادرني قائلا : من أيِّ الفرق أنت؟! يبدو أنك من جماعة


الشيعة؟!

قلت : تهمة لا أنكرها ، وشرف لا أدّعيه ، فما كان منه إلاَّ أن أرعد وأزبد وثارت ثائرته.

قلت له ـ وقد تجمَّع بعض أقارب صديقي حولنا ـ : إذا كان لديك إشكال تفضَّل بطرحه بأدب ، ولنجعله مناظرة مصغَّرة أو حواراً ـ وهو سلاحهم الذي يهدِّدون به الآخرين اغتراراً منهم بقوَّة مقدرتهم على الاحتجاج ـ.

وافق المغرور ، فقلت له : من أين نبدأ؟ ما رأيك أن نبدأ بالتوحيد الذي تتمشدقون به ، وبسبب فهمكم الخاطئ له تضعون كل الناس في جبهة المشركين؟

التوسل وتعظيم الأولياء ليسا من الشرك في شيء

فوافق أيضاً ، وبدأ الحوار والجميع يستمع ، قلت : ما تقولون في الله خالق الكون وصفاته؟

قال : نحن نقول : لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له ، ولا تجوز عبادة غيره.

قلت : وهل يختلف اثنان من المسلمين في ذلك؟

قال : الجميع يقول بذلك ، ولكن تطبيقهم خلاف قولهم ؛ إذ أنهم في الواقع مشركون ؛ لأنهم يتوسَّلون بالأموات ، ويخضعون لغير الله ، ويشركون به في طلب الحاجات ، والخضوع لغير الله ، وغيرها من الأشياء التي ذكرتها تعني عبادة غيره تعالى.

قلت : حسناً ، طالما الجميع يقول بأن الله واحد أحد فرد صمد ، ولا يجوز عبادة غيره بأيِّ حال من الأحوال فهذا جَيّد ، ويخرج الجميع من دائرة الشرك ، إلاَّ


إذا ثبت لدينا بالدليل القاطع أنهم يعبدون غير الله ، أو يشركون بعبادته أحداً ، حينها يكونون مشركين.

أمَّا ما يفعلونه من أفعال مثل التوسُّل وتعظيم الأولياء واحترامهم فهذا ليس من الشرك في شيء ؛ لأن العبادة تعني الخضوع والتذلُّل لمن نعتقد أنه إله مستقلّ في فعله لا يحتاج إلى غيره ، أمَّا مجرَّد الخضوع والتذلُّل والاحترام فلا يعتبر عبادة ، وقد أمرنا به القرآن ؛ كالتذلُّل للوالدين والمؤمنين ، بل إن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم 7 ، بناء على ذلك لا يكون احترام الأولياء وزيارة قبورهم والتوسُّل بهم وتعظيمهم شركاً بالله ؛ لأنهم لا يرون أن هؤلاء آلهة مستقلّون عن الله ، بل هم عباد أكرمهم الله بفضله ، فعطاؤهم من الله ، وليس لهم قدرة ذاتيّة مستقلّة.

قال : ولماذا لا يسألون الله مباشرة؟ هل هناك مانع وهو القائل : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (١)؟

قلت : أيضاً قال تعالى : ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (٢) ، ثمَّ إنك عندما تمرض لماذا تذهب إلى الدكتور؟ ألم يقل الله تعالى في كتابه : ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) (٣)؟ أليس من أسمائه الشافي؟

قال : هذه ضرورة في الحياة.

قلت : أيضاً تلك سنّة ، وسبب به تبتغى الحاجات ، والتفتُّ إلى الحاضرين وقلت : هل تجدون في كلامي هذا خطأ؟

__________________

١ ـ سورة غافر ، الآية : ٦٠.

٢ ـ سورة المائدة ، الآية : ٣٥.

٣ ـ سورة الشعراء ، الآية : ٨٠.


فأقرُّوا بما قلت ، وزاد أحدهم ـ وكان صوفيّاً ـ : هذه الأشياء موجودة من زمن الرسول 6 ، وسار عليها الصحابة والتابعون ، وكل المسلمين إلى أن جاء ابن تيميّة وتلميذه محمّد بن عبد الوهاب ببدعهم الجديدة هذه.

النقاش في مسألة التجسيم

قال الوهابي : إنكم تتحدَّثون بلا علم ، والوقت ضيِّق الآن ، فلنأخذ من الموضوع شيئاً نتناقش حوله ، وفي وقت آخر أكون مستعدّاً لنتحاور أكثر من ذلك.

قلت : عندي سؤال أخير حول التوحيد : ماذا تقولون في صفات الله؟

قال : نحن لا نقول ، إنما نصفه بما وصف به نفسه في القرآن.

قلت : وبماذا وصف نفسه؟ هل قال بأنه جسم يتحرَّك؟ أو أن له يداً وساقاً وعينين؟

قال : نحن نقول بما جاء في القرآن ، لقد قال تعالى : ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) (١) ، وكثير من الآيات الأخرى التي تصف الله لنا ، فنقول : إن لله يداً بلا كيف.

قلت : إن قولك هذا يستلزم التجسيم ، والله ليس بجسم ، وهو ليس كمخلوقاته ، ثمَّ ما هو الفرق بينكم وبين مشركي مكة؟ أولئك نحتوا أصنامهم بأيديهم وعبدوها ، وأنتم نحتم أصناماً بعقولكم ، وظلَّت في أذهانكم تعبدونها ، لقد جعلتم لله يداً وساقاً وعينين ومساحة يتحرَّك فيها ( مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ

__________________

١ ـ سوره الفتح ، الآية : ١٠.


وَقَاراً ) (١) ، وبكلمة : إن الآيات التي ذكرتها مجازيّة ، وترمز لمعان أخرى.

قال : نحن لا نؤمن بالمجازات والتأويلات في القرآن؟

قلت : ما رأيك فيمن يكون في الدنيا أعمى؟ هل يبعث كذلك أعمى؟

قال : لا!

قلت : كيف وقد قال تعالى : ( وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى ) (٢) ، وأنتم تقولون : لا مجاز في القرآن ، ثمَّ إنه بناء على كلامك إن يد الله ستهلك ، وساقه ، وكل شيء مما زعمتموه ـ والعياذ بالله ـ عدا وجهه ، ألم يقل البارئ جلَّ وعلا : ( كُلُّ شَيْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) (٣) ، و ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالاِْكْرَامِ ) (٤).

قال : هذه الأشياء لا ربط بينها وبين ما نقوله.

قلت : كلام الله وحدة واحدة لا تتجزَّأ ، وإذا استدللتم به على صحَّة قولكم يحقُّ لي أن أنطلق منه لتفنيد هذا القول ، وأنتم تستدلّون على مجي الله مع الملائكة صفّاً يوم القيامة ، كما فهمتم من القرآن.

قال : ذلك ما قاله الله تعالى في القرآن.

قلت : المشكلة تكمن في فهمك للقرآن ، إن في القرآن آيات محكمات وأخر متشابهات ، فلا تتّبع المتشابهات فتزيغ ، وإلاَّ أين كان الله حتى يأتي؟

قال : هذه أمور لا يجب أن تسأل عنها.

__________________

١ ـ سورة نوح ، الآية : ١٣.

٢ ـ سورة الإسراء ، الآية : ٧٢.

٣ ـ سورة القصص ، الآية : ٨٨.

٤ ـ سورة الرحمن ، الآية : ٢٦.


قلت : دعك من هذا ، ألا تقولون إن الله ينزل في الثلث الأخير من الليل ليستجيب الدعاء؟

قال : نعم ، ذلك ما جاءنا عبر الصحابة والتابعين من أحاديث.

قلت : إذن أين هو الله الآن؟!

قال : فوق السماوات.

قلت : وكيف يعلم بنا ونحن في الأرض.

قال : بعلمه.

قلت : إذن الذات الإلهيَّة شيء ، وعلمه شيء آخر.

قال : لا أفهم ماذا تقصد!

قلت : إنك قلت إن الله في السماء ، وبعلمه يعلم بنا ونحن في الأرض ، إذن الله شيء ، وعلمه شيء آخر.

سكت متحيِّراً ... واصلت حديثي : أو تدري ماذا يعني ذلك؟ إنه يعني الشرك الذي تصفون به الآخرين ؛ لأن الفصل بين الذات الإلهيَّة والعلم واحد من اثنين ، إمَّا أن العلم صفة حادثة فأصبح الله عالماً بعد أن كان جاهلا ، وإمَّا أنها صفة قديمة وهي ليست الذات كما تدّعون فيعني الشرك ؛ لأنكم جعلتم مع الله قديماً ، أو يأخذنا قولكم هذا إلى أن الله مركَّب ، والتركيب علامة النقص ، والله غنيٌّ كامل ، سبحانه وتعالى عمَّا يصفه الجاهلون.

عندما وصلت إلى هذا الموضع من الكلام قال أحد الحاضرين : إذا كانوا يقولون بذلك فالله ورسوله 6 منهم براء ، ثمَّ التفت إليَّ قائلا : ما تقول أنت حول هذا الموضوع؟ ومن أين لك بذلك؟


كلام أهل البيت : حول التوحيد

بيَّنت لهم أن ما أقوله هو كلام أهل البيت : ، وهو كلام واضح تقبله الفطرة ، ولا يرفضه صاحب العقل السليم ، ويؤكِّد عليه القرآن ، وأتيتهم ببعض خطب الأئمَّة حول التوحيد ، منها خطبة الإمام علي 7 ، يقول : أوَّل الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كلِّ صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف الله فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنَّاه ومن ثنَّاه فقد جزَّأه ، ومن جزَّأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حدَّه ، ومن حدَّه فقد عدَّه ، ومن قال : فيم فقد ضمَّنه ، ومن قال : علام فقد أخلى منه ...(١).

ثمَّ شرحت لهم مقصود الخطبة ، قال بعض الحاضرين : والله إنه كلام بليغ سلس ومحكم.

ثمَّ اتفقت كلمتهم حول هذا الشابِّ المسكين أنه مخطئ في اعتقاده ، ويجب عليه مراجعة حساباته حتى لا يذهب إلى نار جهنم.

ثمَّ دار النقاش حول الرسالة والرسول محمّد 6 ، والذي يدّعون أنهم أولى الناس به ، وقد ثبت لي أنهم أبعد ما يكون عن نبيِّ الرحمة 6 ، وعن معرفته ، فكيف يكونون أولى الناس به؟

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، خطب أميرالمؤمنين علي 7 : ١/١٥ ـ ١٦.


انقطاع حجة المُحاوِر وتعنته

وبالحوار انقطعت حجّته ، وأصبح محلَّ تهكُّم الآخرين ، وقبل أن نختم الحوار سألني محاولا استفزازي : شيخنا! ما رأيكم في الصحابة الذين نعتبرهم نحن من أولياء الله الصالحين؟

فقلت له : يا شيخ! أول الدين معرفته ، وأنت لم تعرف الله فكيف تعرف أولياءه؟! وتواعدنا لمواصلة الحوار يوماً آخر.

وفي ذلك اليوم جاء بوجه آخر ، ويبدو أنه أخذ جرعة قويَّة من مشايخه ، وابتدأ هذه المرَّة بالشتم والسبِّ أمام جمع من الحاضرين ، وطالبهم بعدم الجلوس معي ، ولا أبالغ إذا قلت إنه ظلَّ ما يقارب الساعتين يسبُّ ويشتم ويصرخ ، ويلوِّح بيده مهدِّداً ومتوعِّداً بقتلي جهاداً في سبيل الله ، ولا أدري من أين تعلَّم الجهاد ، وهو عمليّاً محرَّم عندهم ، خصوصاً ضدَّ الطواغيت ، ولعلّه لم يكن ملتفتاً إلى أن دم الحسين 7 ما زال يغلي في عروق الشيعة.

مع ذلك ـ ويعلم الله ـ فإنني لم أردَّ عليه ؛ لأنني على بصيرة من ديني ، وتعلَّمت من سيرة النبيّ 6 كيف أنه صبر على أذى كفار قريش ، وكيف أمروا صبيانهم بملاحقته وإيذائه ، وطلبوا من الناس ألا يستمعوا إليه ، وهكذا التاريخ يعيد نفسه.

لأجل ذلك ـ عزيزي القارئ ـ أقدِّم كتابي هذا ، إنه الحق يصرخ لنصرته ، لقد رأيت في عيون الذين حضروا حواري هذا التلهُّف لمعرفة الحقيقة ، وما زلت أراها في عيون كل الأحرار ، الذين يدفعون ثمن التضليل الإعلامي وتزييف الحقائق.


وعندما يشعر الإنسان قبل ذلك بلذَّة الانتصار على النفس الأمَّارة بالسوء ، ويبصر نور الحقّ شعلة برَّاقة أمام ناظريه ... يتمنَّى أن يشاركه الآخرون هذا النور ، فيبيِّن لهم طريق ذلك ... وهذا الكتاب ما هو إلاَّ إثارة لدفائن العقول ، وتحفيز الآخرين للبحث عن الحقيقة ، التي كادت أن تضيع بين مطرقة اقتفاء آثار الآباء والأجداد ، وسندان سياسة التجهيل التي مارسها العلماء في حقّ الأبرياء ، مثل هذا الشابّ الذي أجريت معه الحوار ، إن هنالك الكثير ما يزال على فطرته يريد الحقَّ ، ولكن يلتبس عليه الأمر فيتمسَّك بما اعتقده من باطل ، وأصبح جزء من كيانه يدافع عنه بتعصُّب ، مانعاً الحقيقة أن تتسرَّب إلى عقله.

لقد منَّ الله عليَّ بالهداية بفضله ، وأدخلني برحمته إلى حيث نور الحقّ ، وشكراً لهذه النعمة يجب عليَّ أن أبلغ للناس ما توصَّلت إليه.

لذلك أسطِّر هذه المباحث ، وأكتب هذا الكتاب، إنه شعلة حقٍّ أخذتها من فاطمة الزهراء عليها، وأقدِّمها لكل طالب حقٍّ، ولكل باحث عن الحقيقة ... (١).

__________________

١ ـ بنور فاطمة 3 اهتديت ، عبد المنعم حسن : ١٥ ـ ٢٣.


المناظرة الخامسة والثلاثون

مناظرة

الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني

مع بعض السلفيَّة في حديث أن الأئمة اثنا عشر

قال الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني : عندما كنت أحاور ذلك السلفي الذي أجريت معه المناظرة المذكورة في أوَّل الكتاب ، وفي أثناء حوارنا لمعت عيناه فجأة وكأنه عثر على ضالّته ، وفاجأني بسؤال معتقداً أنه سيضعني في زاوية حرجة .. سؤال من ظنَّ أنه بلغ منتهى العلم والحكمة ، قال : من قال لكم أن الأئمة اثنا عشر؟ ولماذا هذا العدد بالذات؟ وضحك!!

قلت له : يا أخي! بالنسبة للعدد فلو فتحنا هذا الباب لمعرفة الحكمة من العدد سأجرُّ إليك أسئلة لا قبل لك بها ، فلماذا كان الخلفاء أربعة فقط؟ ولماذا اختار موسى سبعين رجلا لميقات ربِّه ولم يكونوا ثمانين؟ ولماذا خلق الله سبع سماوات وسبعاً من الأرض ، ولم تكن كل واحدة منهما عشرة مثلا؟ ولماذا كان عدد نقباء بني إسرائيل اثني عشر؟ ولماذا يقول تعالى : ( وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً ) (١) ولم يكونوا خمسة عشر؟ ... وهكذا.

__________________

١ ـ سورة الأعراف ، الآية : ١٥٨.


الأئمة اثنا عشر في صحاح وكتب السنة

أضف إلى ذلك أن الآيات والروايات التي وردت عن أهل البيت : كافية لتوجِّهنا للأخذ منهم ، ونحن لم نجد سوى الشيعة متمسِّكة بهم ، وهنالك تعلم بعدد الأئمة ، ولا ضرورة للاحتجاج عليك بعدد الأئمة من مصادركم ؛ لأن الموضوع فرعىٌّ ، ومع ذلك ـ وبلطف من الله تعالى لإظهار الحقّ ولإقامة الحجّة ـ لم تخل مصادر أهل السنة والجماعة من الأحاديث التي تحدِّد عدد الأئمَّة بعد رسول الله 6.

وصدفة كنت أحمل أحد مجلَّدات موسوعة تجمع ما جاء في الصحاح الستة من أحاديث ، وفتحت باب الإمارة ، وقرأت عليه : عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله 6 : يكون بعدي اثنا عشر أميراً كلُّهم من قريش ، وقلت له : هل سمعت؟ فبهت الذي كفر.

وانتفض انتفاضة قويَّة وكأنه قد مسَّ بطائف من الشيطان ، وقال : من أين لك هذا الحديث؟!

فذكرت له المصادر ، وأذكرها هنا تتمَّة للفائدة :

صحيح البخاري ، كتاب الأحكام ، ج٩ ، ص ٧٢٩.

صحيح مسلم ، ج٣ ، كتاب الإمارة ، باب الناس تبع لقريش.

صحيح الترمذي ، ج٤ ، ص ٥٠١.

سنن أبي داوود ، كتاب المهدي ، ص ٥٠٨.

مسند أحمد بن حنبل ، ج١ ، ص ٣٩٨.


ماذا قال علماء السنة في الحديث

وهذا الحديث جعل علماء أهل السنة يعيشون في تخبُّط ومشكلة كبيرة لن يخرجوا منها ، ولن يجدوا لها حلاًّ إلاَّ عند أتباع أهل البيت : ، وهم الشيعة المعروفون بـ : الاثني عشريَّة ... ولقد حاول البعض أن يجد تفسيراً معقولا للحديث على أرض الواقع ، فمنهم من عدَّ أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً 7 وتوقَّف ، ومنهم من زاد عليهم الحسن بن علي 8 ثمَّ تحيَّر ، وبعضهم أضاف إليهم معاوية وبني أمية فلم يوفَّق لضبط العدد ، وآخر أصبح انتقائيّاً يختار كما يتراءى له ... وهكذا.

والأمر لا غموض فيه ولا لبس عند شيعة أهل البيت : ، ذلك بعد أن علمنا حقَّهم في الولاية والخلافة بعد رسول الله 6 ، وليس من المعقول أن يخرج هذا العدد خارج دائرتهم ، وقد جاء في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ، الباب ( ٩٤ ) عن المناقب ، بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله 6 : يا جابر! إن أوصيائي وأئمّة المسلمين من بعدي أوَّلهم عليٌّ ، ثمَّ الحسن ، ثمَّ الحسين ، ثمَّ علي بن الحسين ، ثمَّ محمّد بن علي المعروف بالباقر ، ستدركه يا جابر! فإذا لقيته فأقرئه منّي السلام ، ثمَّ جعفر بن محمّد ، ثمَّ موسى بن جعفر ، ثمَّ عليُّ بن موسى ، ثمَّ محمّد بن علي ، ثمَّ علي بن محمّد ، ثمَّ الحسن بن علي ، ثمَّ القائم ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، محمّد بن الحسن بن علي المهدي ، ذلك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها.

أمَّا النصوص الواردة من مصادر الشيعة عن طريق أهل البيت : فهي متواترة وواضحة بخصوص هذا الشأن ، ولم يدّع أحد من الأمَّة أنه أحد الأئمة الاثني عشر كما قال أهل البيت : عن أنفسهم ... (١).

__________________

١ ـ بنور فاطمة 3 اهتديت ، عبد المنعم حسن : ١٤٧ ـ ١٤٩.


المناظرة السادسة والثلاثون

مناظرة

الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني مع بعضهم

في حديث أصحابي كالنجوم

قال الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني : قلت لأحدهم وهو يحاورني : إن كان حديث أصحابي كالنجوم صحيحاً أفلا يعتبر علي7منهم فيحقّ لي اتبّاعه؟

قال : عليٌّ 7 من أكابر الصحابة!

قلت له : إذن أنا أقتدي بعليٍّ 7 ، الذي رفض بيعة أبي بكر ، وقاتل عائشة وطلحة والزبير ، ولو ظفر بطلحة والزبير أثناء القتال في صفوف أعدائه لقتلهم ، وكنت سأقاتل مع عليٍّ 7 لو كنت حاضراً في حرب صفّين ولو تمكَّنت من معاوية لقتلته ، وكنت سأجهز على عمرو بن العاص وهو يظهر سوأته لعليٍّ 7 حتى لا يقتله! أليس من حقي أن أقتدي بأيِّ صحابيٍّ كما تدّعون؟! ... ألا ساء ما يحكمون (١).

__________________

١ ـ بنور فاطمة 3 اهتديت ، عبد المنعم حسن : ١٦٣.


المناظرة السابعة والثلاثون

مناظرة

الأستاذ عبد المنعم السوداني وبعض الشيعة

مع بعض السلفيّة في أمر معاوية ويزيد

قال الأستاذ عبد المنعم السوداني : في إحدى المرَّات التقى بعض الإخوة الشيعة مع مجموعة وهابيّة صدفة ، وكنت موجوداً ، ولم تكن الرؤية واضحة لديَّ وإن كانت ملامح الصواب بدأت تلوح لي ، ويبدو أن هؤلاء الوهابيّة كان لهم حوار سابق مع الشيعة ، فبدأوا معهم النقاش حول قضية الحسين 7 وكربلاء ، ورأيت الوهابيّة وقد احتوشوا الإخوة والشرر يتطاير من أعينهم وكأنهم يريدون القتال.

تحدَّث أحد الشيعة عن عدم أحقّيّة معاوية في تنصيب يزيد خليفة للمسلمين ، فذكر اسم معاوية مجرَّداً من الترضّي عليه ، فصرخ أحدهم في وجهه قائلا : قل : رضي الله عنه ، هل هو أخوك حتى تذكره مجرَّداً؟!

فردَّ عليه الشيعي : هل أنت وأنا أفضل من عليٍّ7وأكثر فهماً منه؟ فشمَّر أحدهم عن ساعديه ، وكأنه ينوي ضربه ، وهو يقول : اسمعوا ، هذا هو ديدن الشيعة ، يشكِّكون في كل شيء ، وهذا الرجل يسألنا سؤالا بديهياً والإجابة عنه واضحة ، فلا أحد يرى أن هنالك أفضل من عليٍّ سوى الخلفاء الثلاثة ، رضي الله


عنهم جميعاً وأرضاهم.

فالتفت إليه الشيعي وقال : أولا : فليتكلَّم أحدكم ، ثانياً : إذا أردت الحديث فافهم أولا ما أقول ثمَّ تحدَّث ، وثالثاً : إذا كان علي 7 أفضل منّا ـ وهو كذلك بلا شك ـ فهو أدرى منا بالأصول ، أليس كذلك؟!

قالوا بحذر : نعم.

فقال لهم : عليٌّ 7 حارب معاوية ، ليس فقط لم يترضَّ عليه كما تطالبوني ، بل قاتله أشدَّ قتال ، ولو ظفر به لألحقه بأجداده.

قال أحدهم وهو يمضغ مسواكاً : نقول كما قال السلف : تلك دماء عصم الله منها سيوفنا فلنعصم ألسنتنا ، ونحن نرى معاوية صحابيّاً جليلا ، وأنه فعل خيراً عندما نصب يزيد ، ونرى أن خروج الحسين بن علي 7 كان خطأ منه ، وقد تاب يزيد.

قال الشيعي : قولك : فنعصم منها ألسنتنا ، لا ينطبق عليك ؛ لأنك الآن تقول إن معاوية صحابيٌّ جليل ، إذن لقد أخطأ عليٌّ في حربه لمعاوية ، ثمَّ من قال لك : إنك لن تسأل عن تلك الدماء؟ لابدّ أن يكون لكم موقف تجاه ما جرى ، فهما جهتان : إحداهما على حقٍّ ، والأخرى على باطل ، ووقوفك الآن في وجهي اشتراك في تلك ( الفتنة ) كما تدّعي.

أمَّا عن الحسين بن علي 7 فهو لم يخطئ كما تقول ، فهو كما قال عنه رسول الله6: سيِّد شباب أهل الجنة (١) ، وهو من أهل بيت النبوَّة ، وتعلَّم من

__________________

١ ـ روى ابن أبي شيبة الكوفي ، عن علي 7 قال : قال رسول الله 6 : الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة.


جدِّه كيف ينصر الحق ، ويزيد تعلَّم من أبيه ما تعلَّم كما نقلت إلينا كتب التأريخ.

قاطعه أحد الوهابيّة ، وساق كلاماً سيّئاً خارجاً عن حدود الأدب في الحوار والمناظرة ، كما هي عادة أمثاله وشاكلته ، بدل أن يدلي بحجّة أو برهان.

فقال له أحد الشيعة وهو يبتسم : هكذا دائماً كان أعداء الشيعة ، باسم الحقّ يقتلون الحقّ ، وباسم الفتنة يحجبون الناس عن الحقائق ، وبالنتيجة أنت لا تفترق عن سلفك كثيراً ، إنك تربية ذلك المنهج الذي تبنَّاه معاوية ويزيد وآل أميَّة ومن إليهم.

وبعد مشادّة كلاميّة عنيفة حصلت بينهم .. يقول الأستاذ عبد المنعم فقال له بعضهم : على كل حال يجب ألا تتأثَّر بكلام هؤلاء ، فإن في حديثهم سحراً يؤثِّر.

ضحكت وقلت له : هذا ما قالته قريش للنبيِّ 6 عندما جاء بالقرآن ، ورجعت إليه مرَّة أخرى قائلا له : دعنا من كل ذلك ، فأنا أسألك حول قضيّة الحسين بن علي 8 كمسألة واضحة ماذا تقولون فيها؟

سكت وكأنه يبحث عن إجابة ، ثمَّ قال : لماذا تبحثون عن هذه الأشياء؟!

قلت : أجب على سؤالي ، ودع عنك السبب.

قال : معاوية صحابيٌّ جليل ، ويزيد كان أميراً على المسلمين ، والحسين

__________________

وروى ابن أبي شيبة الكوفي ، عن حذيفة قال : أتيت النبي 6 فصلَّيت معه المغرب ، ثمَّ قام يصلّي حتى صلى العشاء ، ثمَّ خرج فاتبعته ، فقال : ملك عرض لي ، استأذن ربَّه أن يسلِّم عليَّ ، ويبشِّرني أن الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة.

راجع : المصنّف ، ابن أبي شيبة الكوفي : ٧/٥١٢ ، سنن الترمذي : ٥/٣٢١ ح ٣٨٥٦ ، صحيح ابن حبان : ١٥/٤١٣ ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ١٦٧ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٣/٣٥ ـ ٣٨ ح ٢٥٩٩ وح ٢٦٠٨ وح ٢٦١١ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : ١٢٩.


خرج على وليِّ أمر زمانه ، ولو كان يزيد قد أخطأ فربَّما يكون قد تاب ، فلا داعي لأن نتحدَّث حوله ونشهِّر به.

قلت مختتماً هذا الحوار الذي لن يثمر عن شيء : أنت بهذا تلغي الآيات القرآنية التي شهَّرت بقابيل ونمرود وفرعون والسامري .. وغيرهم من الطغاة أعداء الرسالات ، وبقولك هذا تبرِّر لكل مخطئ في هذه الدنيا ؛ لأنه ربما يتوب ، وبهذه العقليّة تعطِّل الدين ، ويصبح كل التأريخ بلا فائدة.

كلمة أخيرة أقولها لك : أنتم لا ترتقون لمستوى الدفاع عن شريعة السماء ؛ لأنها لا تحتاج إلى مراوغة وكذب وافتراء ، وحديثي معك الآن إذا لم أصبح بسببه شيعيّاً فهو يبعدني عنكم أكثر فأكثر.

وحاول أن يعتذر قائلا : على كل حال ، نصيحة لك لا تقرأ لهؤلاء ، ونحن سنكون بالمرصاد لهم.

قلت : إذا كانوا على حق فالله ناصرهم ، وإن كانوا على باطل فأنتم أكثر بطلاناً منهم.

وتركته وانصرفت راجعاً إلى الإخوة ، فوجدت أن الوهابيّة لم تزل تدافع عن يزيد ومعاوية ، فتركتهم وانصرفت إلى بعض أشغالي أسفاً على حال هؤلاء المساكين الذين يردِّدون ما يقوله أحبارهم بلا وعي ولا فهم (١).

__________________

١ ـ بنور فاطمة 3 اهتديت ، عبد المنعم حسن السوداني : ١٨٩ ـ ١٩٢.


المناظرة الثامنة والثلاثون

مناظرة

الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني

مع بعضهم في الافتراء على الشيعة وأثر أدعية أهل البيت:

قال الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني : ولأهل البيت : تراث عظيم ، كان من الممكن أن تستفيد منه الأمَّة ، ولكنها أبت إلاَّ نفوراً ، وإحدى معاجزهم التي بهرتني ذلك المنهج في الدعاء، وكيفيَّة التقرُّب إلى الله تعالى ، والأدب الرفيع في مخاطبة الربِّ سبحانه ، والقارئ للصحيفة السجّاديّة ـ وهي صحيفة كلُّها أدعية للإمام الرابع علي بن الحسين السجاد 7 ـ يتعجَّب لماذا لم يهتمَّ علماء السنة بهذه الصحيفة ، هل لأنها واردة عن أحد الأئمَّة أهل البيت؟ أم ماذا؟! (١).

__________________

١ ـ يقول الدكتور أسعد الفلسطيني أحد المتشيعين فيما وجده أيضاً ولمسه في أدعية أهل البيت : : وأمَّا على صعيد الأخلاق والتربية الروحيّة فما عليك إلاَّ أن تنظر في مفاتيح الجنان ، والصحيفة السجّاديّة ، وغيرها من كتب الأدعية والزيارات المأثورة لترى سموَّ المستوى الذي أراد أهل البيت : أن يهذِّبوا به نفوس أتباعهم. المتحوِّلون : ٤٧٦.

ويقول الدكتور محمّد المغلي ( النمسا ) ـ وهو أستاذ علم الاجتماع في جامعة بروكسل في بلجيكا ، وقد تشيَّع وأخذ بمذهب أهل البيت : ـ : إن أحد الأسباب التي جعلته يتشيَّع هو تأثُّره البالغ بالأدعية المأثورة عن أئمّة أهل البيت : ، وضرب أمثلة على ذلك وقال : مثل دعاء كميل ، ودعاء الافتتاح


استبصار البعض بفضل الحوار وأدعية أهل البيت :

أحد الإخوة الذين استبصروا كان يميل للوهابيَّة بعد أن عملوا على تزريقه أفكارهم ومعتقداتهم ، وقبل أن ينغمس معهم تماماً منَّ الله عليه بأحد الأصدقاء ، والذي أعطاه بعض مؤلَّفات الشيعة ليقرأها ، ولقد سمع من قبل عن الشيعة وحُذِّر منهم ، فطلب منّي ومن بعض الإخوة جلسة حوار حول التشيُّع وما إليه ، فرحَّبنا به وجلسنا ، فدار النقاش حول معتقدات الشيعة ، وبعد نقاش طويل تنفَّس قائلا : هذا الكلام حقٌّ لا لبس فيه ، ولكن لماذا يقولون عن الشيعة كل هذه الأقاويل؟!

قلت له : كما أن للحق أنصاراً يعملون على نصرته ، فإن للباطل جنوداً وشياطين يوحون إليهم ، ولا يمكن أن يعتمد الباطل إلاَّ على باطل.

قال هذا الأخ وعلامات الأسف والتأثُّر واضحة عليه : لقد قالوا لنا إن الشيعة يخالفون المسلمين في كل شيء حتى الصلاة ، كان وقت صلاة المغرب قدحان فقلت: الآن بإمكانك أن تصلّي معنا لترى هل صلاتنا تختلف كما يدّعون.

توضَّأنا وصلَّينا ، وكان اليوم يوم خميس ، وبعد الصلاة ـ وكما هو معروف عند الشيعة ـ يستحبُّ قراءة دعاء كميل ، وهو دعاء علَّمه أميرالمؤمنين علي 7 لأحد أصحابه ، وهو كميل بن زياد النخعي ، والشيعة يواظبون على قراءته.

قرأنا ذلك الدعاء ، وأحسست بانفعال هذا الأخ بالدعاء ، حينها تألَّمت

__________________

الذي يقرأ في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك ، ودعاء الصباح للإمام علي 7 ، وأدعية الإمام زين العابدين 7 في الصحيفة السجادية ، وغيرها من الأدعية التي لا مثيل لها عند المذاهب الإسلامية الأخرى.

راجع كتاب المتحولون ، هشام آل قطيط : ٥٥٦ ـ ٥٥٧.


لهذه الأمّة المحرومة من هذه الكنوز التي لم يبخل بها أهل البيت : ، خصوصاً فيما يختصُّ بالأدعية التي تجعل الإنسان في عالم آخر وهو يناجي ربَّه.

بعد الدعاء رأيت الدموع في عينيه ، وهو يقول بحرقة : خدعونا وقالوا لنا : إن الشيعة لا يعرفون الصلاة ، والله نحن ما عرفنا الصلاة ولم نفهم الصلاة (١).

__________________

١ ـ بنور فاطمة 3 اهتديت ، عبد المنعم حسن السوداني : ٢١٠ ـ ٢١١.


المناظرة التاسعة والثلاثون

مناظرة

الشيخ هشام آل قطيط السوري مع مجموعة من مشايخ السنّة

وتساؤلاته حول عقائد الشيعة ورحلته في البحث عن الحقيقة

قال الشيخ هشام آل قطيط : عندما كنت في القرية وأنا طالب في الجامعة أتردَّد على بعض المساجد في المنطقة ، فأجد الخطاب عند العلماء متشابهاً تماماً ، بحيث لا يختلف عالم عن آخر بطريقة الخطاب من حيث المقدِّمة والموضوع والخاتمة والدعاء ، أشعر بأن علماءنا يتبعون طريقة روتينية في إلقاء الكلام ، بحيث إذا غاب إمام المسجد لمرض أو لظرف معيَّن يكلّف أحد الإخوة المصلّين بإلقاء الخطبة ، يصعد على المنبر ويقرأ علينا بطريقة الدرج والسرعة ، فأنظر ممن حولي أجد قسماً من الناس نياماً ، والقسم الآخر كأنه مسافر في حافلة.

هذا من جهة الخطاب ، وأمَّآ من جهة الحوار الموضوعي والانفتاح الفكري فهو مفقود تماماً ، لماذا؟ لأننا ترعرعنا على طريقة التفكير التقليدي الموروث غير القابل للتطوُّر ، رغم أن الإسلام دين التطور ، ودين المرونة ، ودين الانفتاح ، ودين المعاملة ، ودين النصيحة ، ودين الأخلاق ، ودين الإنسانيّة ، دين السماحة والعزّة والكبرياء والأنفة ، هذه هي مبادئ ديننا الحنيف الذي نزل به


الوحي على نبيِّنا محمّد 6 ، بحيث إذا أردت السؤال من أحد العلماء فإجابته على شقّين :

الشقّ الأوّل : إما يجاوبني ، وإمّا يقول لي : ما هذا السؤال الذي تطرح؟ فيسفِّه سؤالي!!

والشقّ الثاني : إذا كان سؤالي عن مذهب معيَّن ، ولم يكن الجواب حاضراً في ذهن الشيخ فيقمعني : ما يجوز تسأل هكذا سؤال ، هذا سؤالك غلط ، لا يجوز أن تجادل ، الجدل فيه إثم ، صوم وصلي وبس ، لماذا تقلق نفسك بهكذا أفكار ، فالشيخ عندنا في البلد ديكتاتور.

فصرت أتساءل في نفسي : يا إلهي! إذا أريد أن أستفسر عن ديني ، وعن بعض الأفكار الصعبة التي تدور في ذهني أواجه بالقمع .. والإرهاب ، وأهل البلد مع الشيخ ، وليسوا معي ، ولا مع أفكاري ، فعشت في حيرة.

مع الشيخ عزّ الدين الخزنوي

فمرَّة من المرّات كنت طالباً في الثانوية ، وقال لي أحد الأصدقاء : ما رأيك في أن نزور الشيخ العلامة الكبير عزّ الدين الخزنوي ، بقرية تل معروف ، شرق مدينة القامشلي؟

فقلت له : حاضر ، وفعلا سافرنا أنا وصديقي ، وكانت في جعبتي مجموعة من الأسئلة ، ففرحت وشعرت بأن صديقي يريد أن ينفِّس عني ، فوصلنا إلى قرية تل معروف ؛ قرية الشيخ الخزنوي ، فرأيت الناس آلافاً مؤلَّفة تتقدَّم قبل عشرة أمتار من الوصول إلى الشيخ زحفاً على الأيادي والركب ، وبعد الوصول يقبِّلون أيادي الشيخ وجبهته ، فرأيت صفّاً كبيراً من الناس خلف بعضهم البعض ، بحيث


السائل يجلس عند الشيخ دقيقة ويخرج ، فقلت لصديقي : كيف أستطيع أن أسأل وسط هذا الزحام الهائل من البشر؟ وهل أتجرَّأ أن أناقش وسط هذا المعترك؟ فقلت لصديقي : والله إن سألت وناقشت ليمزِّقوني هؤلاء الخدم المقيمون عند الشيخ ، فقال لي : نتبارك بالشيخ ، ونسلِّم عليه ونخرج.

وبقينا أكثر من ثلاث ساعات ولم نستطع أن نصل للشيخ ، ورجعنا إلى القرية ولم نستفد شيئاً.

إلى الشيخ محمّد نوري

فصرت أتساءل ، هل الدين ديكتاتورية ، امبراطورية ، تسلط...؟

فقلت : غداً أذهب إن شاء الله تعالى إلى قرية تقع في الجنوب الشرقي من حقول البترول ( رميلان ) لشيخ مشهور هناك يدعى : الشيخ محمّد نوري ، عالم المنطقة ، فعندما ذهبت إليه أسأله ، ودخلت إلى المضافة التي تقع شرق المصلَّى للمسجد ، قالوا لي : الشيخ مريض ولم يستطع الإجابة عن الأسئلة.

ومرَّت الأيّام .. والسنون ... وأنهيت دراستي الجامعيَّة في حلب ، وشاء الله والأقدار بأن أخدم خدمة العلم في بيروت ، وكنت بعد الانتهاء من الدوام أقوم بزيارة بعض المكتبات ، وأجلس أقرأ في المكتبة ؛ لأن الوضع لا يسمح لي في المنطقة أن أقرأ بسبب عدم وجود الفراغ ، وبدأت أستعير بعض الكتب الدينيّة لأقرأها ، عسى أن أجد حلاًّ لأسئلتي التي كانت تدور في ذهني وأنا في الثانويَّة ، بالرغم من أن أسئلتي لم تكن محيِّرة ، مثل : من هي الفرقة الناجية؟ باعتبار أن الرسول 6 قال : ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة ناجية ،


والباقون في النار (١).

ومن هذه الأسئلة والسؤال الأكثر إلحاحاً : باعتبار أن الله خلق آدم وحوّاء فهل تزوَّج أولاد أدم أخوات بعضهم البعض؟

فاقترحت على بعض الأصدقاء الذهاب إلى الشيخ ونسأل ، وفعلا ذهبنا وسألته عن بعض القضايا العقائديَّة التي تتعلَّق بالكون والإله ، عقل يفكِّر ، فالإنسان بطبعه يحبُّ السؤال ؛ لأن عمدة العلم كما يقول العلماء في السؤال ، والرسول9يقول : اثنان لا يتعلَّمان : مستح ومتكبِّر(٢)، وكما يقول6: لا حياء في الدين ، والله تعالى يقول في محكم كتابه: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ

__________________

١ ـ راجع : سنن الدارمي : ٢/٢٤١ ، سنن ابن ماجة : ٢/١٣٢٢ ح ٣٩٩٢ ، سنن أبي داوود : ٢/٣٩٠ ح ٤٥٩٧ ، المستدرك ، الحاكم : ١/١٢٨ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٨/٢٧٣.

قال الشيخ علي بن يونس العاملي عليه الرحمة في الصراط المستقيم : ٢/٩٦ : روى أهل الإسلام قول النبي 6 : ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة ناجية والباقون في النار ، فهذه شهادة صريحة من النبيِّ المختار 6 على وصف أكثرهم بالضلال والبوار ، ولا بدَّ أن يكون الله ورسوله أوضحا لهم وجوه الضلال ، لئلا يكون لهم الحجّة عليهما يوم الحساب والسؤال ، وبهذا يتّضح وجه إمساك علي 7 وعترته عن الجهاد ، إذ كيف تقوى فرقة على أضعافها من أهل العناد؟ ومن فرَّ عن أكثر من اثنين قد عذره القرآن ، فكيف لا يعذر من أمسك عن أضعافه من أهل الطغيان؟!

٢ ـ روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة في علل الشرائع : ٢/٦٠٦ عن أبي إسحاق الليثي ، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر 7 ، في حديث له عن المؤمن المستبصر قال 7 : فإن هذا العلم لا يتعلَّمه مستكبر ولا مستحي.

وقال الشهيد الثاني عليه الرحمة في منية المريد : ١٧٥ : وقيل أيضاً : لا يتعلَّم العلم مستحي ولا مستكبر.

وروى العامة عن مجاهد أنه قال : لا يتعلَّم مستحي ولا مستكبر.

مقدّمة ابن الصلاح ، عثمان بن عبد الرحمن : ١٥٢ ، فتح الباري ، ابن حجر : ١/٢٠٢.


وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ) (١) ويقول تعالى في آية أخرى : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ) (٢).

قراءة كتاب المراجعات

فلهذا كانت طبيعتي منذ نعومة أظفاري التساؤل ، وأسأل بكثرة لأفهم المسألة والموضوع ، وهكذا تعرَّفت على صديق لي في بيروت أثناء فترة خدمة العلم ، اسمه : دخل الله ، من الجنوب ، يسكن في منطقة اسمها : حي السلم ، فدعاني مرَّة لزيارته في بيته فلبَّيت الدعوة ، ولأول مرَّة أزوره ، فعندما زرته رأيت عنده مكتبة صغيرة ، فدفعني الفضول وحبُّ المعرفة لأرى هذه الكتب ، وعن ماذا تبحث وتدور ، فوقع نظري على كتاب اسمه ( المراجعات ) ، فسألت صديقي : عن ماذا يبحث هذا الكتاب؟

فقال لي : عبارة عن حوار بين عالم سنّيٍّ وعالم شيعيٍّ ، يتحاورون في قضيَّة الخلافة والإمامة بعد رسول الله 6 ، قلت له : لطيف ، هل أن العالم السنّيّ غلب الشيعيَّ في الحوار؟

فضحك صديقي ، وقال لي : العالم السنّيُّ يغلب العالم الشيعيَّ؟! هذا مستحيل ، فعرفت منذ تلك اللحظة بأن صديقي شيعي ، حيث إنه كان يجهِّز الطعام ، ففوجئت ، ذلك لأن أحد علمائنا في المنطقة كان يقول لي دائماً : إيّاك ومجالسة الشيعي ، إياك ومحاورة الشيعي ، لا تحاور الشيعي ، ولو كان الجدال

__________________

١ ـ سورة الزمر ، الآية : ٩.

٢ ـ سورة فاطر ، الآية : ٢٨.


عن حقّ ، هؤلاء الشيعة قتلوا إمامنا الحسين 7 ، ولحدّ الآن يبكون ويلطمون ويندبون هم ونساؤهم وأطفالهم ندماً وخوفاً ، عسى الله أن يغفر لهم.

هؤلاء الشيعة يعتقدون بأن الرساله نزلت على علي ( كرّم الله وجهه ) وتاه الوحي جبرائيل ونزل على محمَّد 6 ، وغير ذلك ، يسجدون للحجر ، ويسبُّون الصحابة ، ويعملون بالتقيَّة بينهم سرّاً ، لا يظهرونها لأحد ، وذبيحتهم محرَّمة لا يجوز لنا أن نأكل منها.

فتذكَّرت كلام الشيخ عندنا في المنطقة ، فاعتذرت عن الطعام بطريقة لبقة ، بحيث إني لم أشعر صديقي بشيء ، وشربت عنده القهوة والشاي ، فقال لي صديقي : لماذا لا تأكل؟ أنا أتيت باللحم من أجلك.

فقلت له : لا أستطيع أن آكل اللحم! فصارت الأفكار تتضارب في ذهني وتتصادم وتتصارع ، فقلت : يا إلهي! هذا ما حدَّثنا به الشيخ ، وفعلا شاهدته أمام عيني ، كان يقول لنا الشيخ عندما كنّا في المنطقة : الشيعي يقول آخر الصلاة ثلاث مرَّات : تاه الوحي جبرائيل ..

وفعلا راقبت صديقي وهو يصلّي على الحجر ، وأشار إلى أذنه ثلاث مرَّات دون أن أفهم ما قال ؛ لأنه كان يتمتم بصوت هادئ ، عندئذ أيقنت تماماً بأن كلام الشيخ صحيح ، وكان يؤكِّد لنا الشيخ : حتى إذا سألته لا يعطيك الحقيقة ؛ لأنهم يستعملون التقيّة ، والتقية أشدُّ خطراً ، ولا يطلعون أحداً على دينهم ؛ لأن لديهم الظاهر شيء ، والباطن شيء آخر ، ولا يطلعون أحداً على باطنهم.

فقال لي صديقي : إذا أردت أن تستعير هذا الكتاب فخذه ، وبعد الانتهاء منه أرجعه إليَّ ، فأخذت منه كتاب ( المراجعات ) إعارة لمدّة أسبوع ، وفعلا بدأت بالقراءة في هذا الكتاب ، وكنت واثقاً من نفسي بأنه كتاب ضلال ، سوف


أردُّ عليه ، وأفهم الشيعي من هو السني؟!!

فقرأت ترجمة الكتاب ، واستمرّيت بالقراءة ، وقطعت منه تقريباً أكثر من مئتين صفحة ، ففوجئت وتشنَّجت من هذا الكتاب المدسوس ، واستغربت من هذه المعلومات الغريبة التي لأول مرَّة تطرق ذهني ، وخاصة علماؤنا دائماً يحذِّرونا من قراءة كتب الضلال ، فقلت : إن استمرّيت في القراءة في هذا الكتاب سوف يحرفني ، لا شك في ذلك إطلاقاً ، وإذا أردت أن أتتبَّع الأدلّة ليس لديَّ المصادر ، وليس لديَّ الفراغ الكافي للبحث في هذه القضية الشائكة ، فأغلقت الكتاب لأنه شوَّش تفكيري.

اللقاء مع الدكتور عبد الفتاح صقر المصري (١)

وبعد أسبوع من قراءة كتاب المراجعات وإغلاقه لشدّة ما رأيت فيه من بعض المسائل التي جعلتني أتشنَّج ، فقرَّرت وبدافع قويٍّ أن ألتقي الشيخ عبد الفتاح صقر ، وذهبت أسأل عنه في كليَّة الشريعة ، فقالوا لي : في السكن حالياً ، والسكن بعد منطقة عائشة بكار توجد منطقة اسمها نزلة أبي طالب 7 ، فنزلت فيها وبدأت أسأل إلى أن وصلت موقع السكن ، فصعدت وطرقت الباب ، انتظرت قليلا ، وفتح الباب ، فقلت للذي فتح الباب : أودُّ مقابلة الدكتور الشيخ عبد الفتاح صقر ، وإذا به يقول لي : تفضَّل ، تفضَّل يا بنيَّ ، ودخلت وجلست لحظات ، وقال لي : من أين أنت أيها الأخ؟

__________________

١ ـ الدكتور الشيخ عبد الفتاح صقر ، من البعثة الأزهرية في بيروت ـ عائشة بكار ، أستاذ في كلية الشريعة ، وأحياناً يخطب الجمعة في مسجد دار الفتوى في بيروت.


قلت له : من سوريا.

فقال : أهلا وسهلا ، أهلا وسهلا ، نحن وسوريا كنّا وحدة ، ولا يزال الشعب المصري والسوري شعباً واحداً.

قلت له : نعم.

قال : ما سؤالك أيُّها الأخ؟

قلت له : سؤالي ـ شيخنا الجليل! ـ دعاني أحد الأصدقاء ، ولم أعلم أنه شيعيٌّ ، لأني لو كنت أعلم أنه شيعيٌّ بصراحة لم أزره ، لماذا؟ لأن الشيخ عندنا في المنطقة دائماً يحذِّرنا من مجالسة الشيعيِّ ، وعدم محاورته في المجال الديني.

فقال الشيخ عبد الفتاح صقر : الشيعة عندهم مبالغات كثيرة ، وكثير من أقوال رسول الله 6 ينسبونها للإمام علي 7 ، وعندهم تحريف في بعض الأحاديث.

فقلت : أيُّها الشيخ! ما رأيكم في كتاب المراجعات؟

الشيخ عبد الفتاح صقر : إيَّاك أن تقرأه يا بنيَّ ، هذا كتاب خياليٌّ ، كتبه عبد الحسين شرف الدين بعد وفاة شيخ الأزهر الشيخ سليم البشري ، أحذِّرك من قراءته ، لا تفرقن بك السبل يا بنيَّ ، مالك ومال الشيعة؟؟ فرقة وضعت مقابل المعتزلة!!

ودَّعت الشيخ عبد الفتاح صقر ، وطلبت منه الدعاء ، وأرجعت كتاب المراجعات لصديقي ، وأوقفت المطالعة طيلة فترة خدمة العلم.

وأخيراً انتهت خدمة العلم في عام تسعين ، وبعد الانتهاء من معركتنا مع ميشيل عون ، حيث لم أسافر إلى البلد مباشرة ، بسبب الفقر المدقع ، والظروف


الصعبة التي يمرُّ بها أهلي ، وخاصة الظروف الماديّة ، حيث لم أتمكَّن من الذهاب إلى أهلي بعد التسريح من خدمتي الإلزاميَّة ، فاضطررت إلى المكوث في بيروت ، وأسكن مع الشباب السوريين في منطقة تسمَّى خلدة ( مشروع نائل السكني ) ، فكان هناك شباب من القرية والبلد فسكنت معهم ، وتركت مهنة التعليم ، وكنت أجد مصلحة شاقّة وصعبة من الإعداديّة والثانويّة ، حيث كنت أسافر مع عمّي ( أبو طلال ) إلى بيروت ، وعلَّمني تجارة الإسمنت والحديد ، إذ أصبحت معلِّماً في هذا المجال ، ومكثت أكثرمن شهرين بعد انتهائي من الخدمة.

وبعد فترة من العمل أكثر من أسبوع جاءتنا عطلة ، فتوقَّفت أسبوعاً آخر عن العمل ، وكنت أقف صباحاً مع العمَّال العاطلين في هذا المشروع ؛ لأن هناك مكاناً يشبه المعرض كنت أقف فيه وأنتظر الساعات الطويلة ، حتى يأتيني إنسان بحاجة إلى عامل أو معلِّم حدّاد أو نجّار ، وهكذا تجري الأَيَّام والليالي ، وإذا بهذا الصديق الشيعي ( دخل الله ) يأتي إلى معرض العمَّال ، فينظر في وجوه العاملين ، فيشاهدني من بينهم ، شتان ما بين الموقفين!! موقف كنت أرتدي البزّة العسكريّة ، وموقف حاليّاً أرتدي فيه لباس العمل ، فقال صديقي الشيعي : أتشتغل معي؟ تشغِّلني في مصلحة ( البلاط )؟

فقلت له بعد فترة : نعم ، وبدأنا نشتغل أنا وصديقي الشيعي سويَّة ، وفي اليوم الثاني قال لي : لِمَ لمْ تحدِّثني ـ يا أخي ـ إلى أين وصلت في كتاب المراجعات؟

فقلت له : والله لم أتمكَّن من قراءته كما يجب ؛ لأن القراءة ـ يا صديقي ـ تحتاج إلى ذهن صاف ؛ لأن العلم ـ كمايقال ـ شديد الانفلات ، إذا أعطيته كلَّك أعطاك بعضه ، وإذا أعطيته نصفك لم يعطك شيئاً ، وأنا كنت مكابراً معه لوصايا


علمائنا الحادّة من مجالسة الشيعي والحوار معه.

وبدأ شبح المراجعات يطاردني من جديد ، وشبح صديقي يطاردني في كل مكان ، أفكِّر بكلمات الشيخ عندنا في المنطقة ، أفكِّر بكلمات الدكتور الشيخ عبد الفتاح صقر : يا بنَّي! هذا كتاب خياليٌّ ، كتبه العالم الشيعي بعد وفاة شيخ الأزهر.

وأحدِّث نفسي وأصارعها ، هل أنا أعقل من هذا الدكتور الذي قضى عمره في الدراسة واختصاصه في الشريعة الإسلاميّة ، ومن الجامع الأزهر العاصمة الإسلاميّة للعالم؟

مع الشيخ عبدالله الهرري وكتاب ثم اهتديت والمراجعات

وذات يوم جاء أخي إلى بيروت ليعمل في العطلة الصيفيّة ، حيث كان طالباً في الثانويّة ، فحدَّثته في الموضوع وقلت له : ما رأيك ـ يا أخي ـ تنزل معي إلى بيروت؟

قال لي : لماذا؟

قلت له : عندي بعض الأسئلة عن الشيعة ، وقلت له أيضاً بأني ذهبت فيما سبق إلى دار الفتوى منذ ستة أشهر ، والتقيت بشيخ مصري ، وأريد اليوم الذهاب إلى مسجد برج أبي حيدر ، يقال أن هناك عالماً علامة اسمه : الشيخ عبد الله الهرري ، أودُّ اللقاء معه ، وفعلا وصلنا أنا وأخي والصغير ( دحام ) إلى هذا المسجد ، والتقيت بشيخ اسمه : طارق اللحام ، وبعد أن أدَّيت فريضة صلاة المغرب خلف سماحة الشيخ اقتربت منه وصافحته ، وقلت له : تقبَّل الله أعمالكم يا شيخ.


فردَّ عليَّ : وأنتم كذلك.

فقلت له : شيخنا! لديَّ بعض الأسئلة.

فقال لي : تفضَّل ، حيث كان يتكلَّم الفصحى.

فقلت له : ما رأيك بكتاب المراجعات عند الشيعة؟

فقال لي الشيخ طارق : من أين أنت؟

قلت له : من سوريا ، وأصلا من ريف حلب ، وأسكن حاليّاً في مدينة القامشلي.

وإذا به يسألني : هل قرأت كتاب ( ثمَّ اهتديت ) للضالّ التونسي؟ إذا قرأته أو موجود عندك فأحرقه!!

قلت له : لأوَّل مرَّة أسمع باسم هذا الكتاب.

فقال لي : مؤلِّفه خياليٌّ غير موجود ، اسمه : التيجاني السماوي ، كتبوه الشيعة باسمه على أنه سنّيٌّ وتشيَّع ، وبدأ يدعو لمذهبهم ، ونحن اتصلنا في تونس ، فقالوا لنا : هذا الاسم غير موجود.

وأمَّا عن كتاب المراجعات أحذِّرك من قراءته ، ولا تأخذ علمك من القراءة والصحف فتسمَّى مصحفياً ؛ لأن هناك قواعد للقراءة ، فتضلن بك السبل ، إذا عندك فراغ احضر عندنا للدروس ؛ لأن العلم عندنا بالتلقّي ، ومن ليس له شيخ فشيخه الشيطان ، وقال لي : تفضَّل إلى المكتبة ، وقدَّم لي كتاباً هديَّة اسمه ( المقالات السنيّة في كشف ضلالات ابن تيمية ) للشيخ عبد الله الهرري.

فودَّعت سماحة الشيخ طارق ، وقبلت منه الهديَّة ، وذهبت ، وبدأ يراودني الفضول للبحث عن كتاب( ثمَّ اهتديت ) للتيجاني السماوي ، ورجعت أنا وأخي لمجمع نائل السكني حيث مقرُّنا هناك ، وبعد فترة أسبوع وإذا بصديقي الشيعي


يقدِّم لى كتاب ( ثمَّ اهتديت ) هذا ما حدَّثني به سماحة الشيخ طارق وحذَّرني من قراءته ، وأنه شخص لا أصل له.

فأخذت الكتاب وقلت لصديقي بأن هذا الشخص شخص خياليٌّ ، وإذا بالأخ دخل الله يقول لي : منذ شهر كان في بيروت ، وأنا رأيته بنفسي ، دعك ـ يا أخي ـ من هذه الأقاويل ، أنت إنسان متعصِّب ، وتفكيرك على الطريقة التقليديّة الموروثة ، دائماً تقول لي : الشيخ عندنا قال كذا ، والشيخ قال كذا ، فكِّر بعقليَّتك لا بعقليَّة الشيخ.

فقلت لصديقي : عفواً ، أنا وأنت نفهم أكثر من العلماء والشيوخ؟

فردَّ عليَّ صديقي الشيعي قائلا : أنتم السنة .. الدين عندكم عادة وليس عبادة.

فقلت له : أفهمني كيف؟

قال لي : الشيوخ عندكم تصلون بهم إلى درجة القداسة ، وبعد قال الشيخ .. لم يبق مجالا إطلاقاً للنقاش والحوار معكم.

قلت : وأنتم الشيعة كيف تتعاملون مع الشيوخ؟

قال : نحن نحترم الشيوخ ، ولكن على الطريقة المألوفة في الوسط الشيعي ، إذا كان هناك خطأ من العالم .. ونبَّهته إليه فإنه يتقبَّل ذلك بكل رحابة صدر.

فقلت له : هل هذا من المعقول؟ عندنا العالم لا يستطيع أحد مناقشته ، حتى إذا أردت أن تسأل سؤالا ولم يعجبه لا يردُّ عليه أصلا.

مع مفتي دمشق في المسجد الأموي

وأعطيك مثالا على ذلك : مرَّة دخلت إلى المسجد الأموي ، وقصدت


مفتي دمشق في هذا المسجد ، وكان برفقتي المهندس عبد الحكيم السلوم ، لأسأله عن حديث الفرقة الناجية والخلفاء الاثني عشر من هم؟

فأجابني بكلمة : آسف.

وكرَّرت السؤال ، وقال لي : آسف .. وكرَّرته ثالثاً وقال لي : آسف. بصوت عال.

فخرجت مخذولا .. لماذا لم يردَّ على أسئلتي؟

حوارٌ مُحرج

صديقي الشيعي : وهل هذا عالم؟ العالم متواضع ، ليِّن ، لا يكون فظّاً غليظ القلب ، يردُّ على أسئلة الناس ، يجب أن يستقطب الناس من حوله .. لأنه إذا صلح العالِم صلح العالَم ، وإذا فسد العالِم فسد العالَم ، هؤلاء علماء الأمّة هم القدوة ، والأسوة الحسنة في المجتمع الإسلاميّ.

ولكن نحن الشيعة عندنا مسألة مهمّة ، وهي الدليل في النقاش والحوار ، والدليل يجب أن يكون من القرآن والسنّة ، ونحن أبناء الدليل ، أينما مال نميل.

فأجبته : هل نحن على الباطل حتى تقول لي : دليلكم القرآن والسنة؟

ونحن ماذا عندنا؟ أليس القرآن والسنة؟

صديقي الشيعي : يا أخي! نفترض جدلا هذا الكتاب كتاب ضلال ، لماذا لا يردُّ عليه علماؤكم السنة؟

قلت له : يردّون على شخصيّة خياليّة موهومة ، مع الأسف عليك أيُّها الصديق ، إذا إنه إنسان خياليٌّ غير موجود فكيف يردُّون عليه؟

صديقي الشيعي : سؤال ، نفترض أن التيجاني شخصيّة خياليّة وهميّة غير


موجودة ، فهل الأدلّة الموجودة في كتابه أيضاً خياليّة موهومة وغير موجودة؟ أجبني على ذلك.

فأحرجت أمامه ؛ لأني لا أعرف مضمون كتاب ( ثم اهتديت ) ، ومن ثمَّ حذَّرني منه الشيخ طارق وقال لي : احرقه ، فوقعت بين نارين ، بين إحراج الصديق الشيعي : لماذا لا يردُّ عليه علماؤكم؟ وبين تحذيرات الشيخ طارق : إيَّاك أن تقرأه ، فأحرقه! يا إلهي! خلِّصني من هذا المأزق الشديد ، الله أكبر!

لماذا؟ لماذا البحث والعناء؟ ما هذه القصّة؟ من أين جاءني هذا الشيعي ليشوِّش عليَّ أفكاري ، وينغِّص حياتي ، وأنا رجل الآن أعمل بالإسمنت والأعمال الشاقّة المتعبة المجهدة؟ فعشت في صراع حادٍّ مع عقلي ونفسي ، عقلي يقول لي : اقرأ كتاب ثمَّ اهتديت واعرف ما فيه ، ونفسي قتلها الخوف والتحذير من الشيخ طارق.

نهاراً محرج من الصديق الشيعي ، يقول لي : أنت متعصِّب ، ولا تأتي بالدليل ، ألم تسمع بالبخاري ومسلم؟ فكتاب ثم اهتديت كل أدلّته من البخاري ومسلم.

فقلت له : هناك طبعات للبخاري ومسلم مزوَّرة ومدسوسة ، فما بالك يا صديقي؟ إن التيجاني شخصيّة موهومة كما يقول علماؤنا ، وأتى بأدلّة مزوَّرة من البخاري ومسلم.

فأين أصبح يا صديقي؟! دعني في حالي وعملي ، وكلُّنا إن شاء الله مسلمين ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ )(١) ، وكلَّما أصبحنا وأتانا

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٣٤.


يوم جديد يقول لي : فكِّر بمذهب أهل البيت : ، فكِّر لتنقذ نفسك بموالاة علي بن أبي طالب 7.

قلت له : أنا وأنت متفقان على حبِّ عليٍّ ( كرَّم الله وجهه ) لكن مذهب أهل البيت : هذا مصطلح جديد لأوَّل مرَّة يطرق ذهني ، قلت له : وماذا تقصد من كلمة موالاة علي 7؟

حول حديث ( عمار تقتله الفئة الباغية )

سألني الشيعي قائلا : ألم تقل : عندكم سيِّدنا معاوية قتل سيِّدنا الحسن7؟

قلت له : نعم ، يقول علماؤنا ذلك ، بأن سيِّدنا معاوية اجتهد فأخطأ فله نصف الأجر.

الشيعي : وما تقول في البخاري؟

المحاور : أصدق كتاب عندنا ، وهو لا يقبل الشك.

الشيعي : ينقل لنا البخاري في صحيحه حديثاً مشهوراً ومـتواتراً ـ اسأل عنه علماؤكم ـ : يا عمَّار! تقتلك الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار (١).

أليس الفئة الباغية هي فئة معاوية من خلال الحديث؟ وهي التي قتلت

__________________

١ ـ صحيح البخاري : ٣/٢٠٧ ، صحيح مسلم : ٨/١٨٦ ، مسند أحمد بن حنبل : ٣/٩١ ، صحيح ابن حبان : ١٥/٥٥٣ ـ ٥٥٥ ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ٣/١٤٩ ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ، فتح الباري ، ابن حجر : ١/٤٥١ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٣/٤٦ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٣/٢٦٤.


عمّاراً ، ألم يقل الرسول 6 في عمار : إن عمّاراً ملئ إيماناً من قرنه إلى قدمه؟ (١)

قلت له : نعم.

قال : فمن أين جاء؟ فأين له وجه الاجتهاد كي يحصل على نصف الأجر ، وهو قد قتل الصحابي الجليل عمار بن ياسر الذي قال فيه رسول الله 6 : صبراً صبراً آل ياسر ، فإن موعدكم الجنة (٢)؟ فأين له من عمار بن ياسر؟

__________________

١ ـ روى الواحدي النيسابوري في أسباب نزول الآيات : ١٩٠ عن النبي 6 : إن عماراً ملئ إيماناً من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه.

وروى ابن أبي شيبة بالإسناد عن هانئ بن هانئ ، قال : كنّا جلوساً عند علي 7 ، فدخل عمّار فقال : مرحباً بالطيِّب المطيب ، سمعت رسول الله 6 يقول : إن عماراً ملئ إيماناً إلى مشاشه.

راجع : المصنّف ، ابن أبي شيبة الكوفي : ٧/٢١٧ ح ٧ ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ٤٣/٣٩١ ـ ٣٩٢ ، تهذيب الكمال ، المزي : ٢١/٢٢٢ ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ١/٤١٣ ، تهذيب التهذيب ، ابن حجر : ٧/٣٥٨ ، الإصابة ، ابن حجر : ٤/٤٧٣ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ١١/٧٢٤ ح ٣٣٥٤٠.

وعن عمرو بن شرحبيل قال : قال رسول الله 6 : إن عماراً ملئ إيماناً إلى مشاشه. المصنف ابن أبي شيبة الكوفي : ٧/٢١٧ ح ٦.

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٠/١٠٣ روى الحديث مثله وقال : ويروى إلى أخمص قدميه.

قال ابن حجر في فتح الباري : ٧/٧٢ : وقد جاء في حديث أن عماراً ملئ إيماناً إلى مشاشه. أخرجه النسائي بسند صحيح ، والمشاش بضمِّ الميم ومعجمتين الأولى خفيفة ، وهذه الصفة لا تقع إلاَّ ممن أجاره الله من الشيطان.

وقال المناوي في فيض القدير : ٤/٤٧٣ ح ٥٦٠٤ : ( عمار ملئ إيماناً إلى مشاشه ) بضمِّ الميم بضبط المصنّف ؛ أي ملأ الله جوفه به حتى تعدَّى الجوف ووصل إلى العظام الظاهرة ، والمشاش رؤوس العظام ، وفي رواية أبي نعيم أيضاً : عمار ملي إيماناً من قرنه إلى قدمه قال : يعني مشاشه.

٢ ـ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ٣/٣٨٣ و٣٨٨ ـ ٣٨٩ ، وقال : صحيح على شرط مسلم ولم


وجاء الليل وجاء الصراع ، عقلي يقول : هل علماؤنا مضلَّلون عبر التاريخ؟ هل علماؤنا ضحايا لإعلام مضلِّل؟ تفكيرهم قائم على الطريقة التقليديّة الموروثة ، لا يقبلون الناش والحوار ، ومن خالفهم في الرأي اتهموه بالكفر وفسّقوه وضلَّلوه ، وأقاموا عليه الدنيا وأقعدوها ، لأنه خالفهم في الرأي ، وأخذوا يشهِّرون به في المجالس ، ويحذِّرون الناس منه لمجرد أنه أثار تساؤلا لا يعرفون الإجابة عليه ، أو لا يريدون الخوض فيه.

أستاذي العالم! لا تريد أن تبحث فدعني أبحث ، دعني أقرأ .. دعني أفكِّر ، فإلى متى ( ممنوع أن تقرأ ، ممنوع أن تبحث ، ممنوع أن تفكِّر ) إلاّ بإذن من الشيخ ، وإلاَّ فسَّقني ودمَّرني ، وأقام عليَّ أهل البلد.

الله أكبر! ما هذه السلطة المستبدّة؟ ما هذه الدكتاتوريَّة؟ نفسي تقول : إيَّاك أن تقرأ! الرعب مسيطر عليها ، تحذيرات الشيخ في المنطقة والشيخ الدكتور عبد الفتاح صقر ، والتحذيرات الحادّة من الشيخ طارق اللحام ، دوَّامة لا أعرف متى الخروج منها؟ فاستيقظت ليلا من شدّة الصراع الذي أرهقني وهدَّ كياني ، أفكار هذا الصديق الشيعي وطريقته في الحوار مقنعة ... إذا كان هذا الكتاب على ضلال فليردَّ عليه علماؤكم ، فليحاوروا هذا الكتاب ، وإلاَّ فإن هذا الكتاب كتاب صحيح.

وكيف تفكِّر وتقول : سيِّدنا معاوية قتل سيِّدنا عمّاراً 2 ، وسيِّدنا معاوية سمَّ أو قتل سيِّدنا الحسن7، والحسن معروف بسيِّد شباب أهل الجنة؟ ما هذا

__________________

يخرجاه ، تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : ١/١٦١ ، الطبقات الكبرى ، ابن سعد : ٣/٢٤٩ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٢٤/٣٠٣ ، المعجم الأوسط : ٢/١٤١ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٩/٢٩٣ ، وقال : رواه الطبراني ورجاله ثقات ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٣/٢٥٥.


التناقض الحادّ؟ هل الدين جاء بالتناقض؟ لا والله لم يأتِ بالتناقض.

مع الشيخ صالح عيزوقي

وفي اليوم الثاني وبعد أن انتهينا من العمل قلت لأخي : ما رأيك في أن تنزل معي إلى بيروت؟ قال لي : أنا متعب جدّاً هذا اليوم.

فعزمت أن أنزل لوحدي ، وذهبت إلى مسجد صبرا ، والتقيت بالشيخ صالح عيزوقي ، وبعد أن أدَّيت فريضة صلاة المغرب خلفه قلت له : شيخنا الجليل! لديَّ بعض الأسئلة ، فسألني : من أين الأخ؟

فأجبته : من سوريا.

فقال لي : أنا درست في دمشق ، وتتلمذت على شيوخ دمشق.

فقلت له : سماحة الشيخ! أريدك أن ترشدني إلى كتب الصحاح ، وهل كتب الصحاح كلها صحيحة عندنا أهل السنة؟

فأخذني إلى جانب من الناس ، وقال لي : يا بنيّ! رحم الله من قبلنا ، إن الصحاح عندنا مليئة بالمسيحيّات والإسرائيليّات ، وتغيير بعض الحقائق.

فقلت له : البخاري ومسلم هل فيه مسيحيّات وإسرائيليات؟

قال ، نعم ، كلها جاءتنا عن طريق كعب الأحبار اليهودي ، وتميم الداري المسيحي وغيرهما.

قلت له : سماحة الشيخ! ما تنصحني؟ هناك صديق شيعي نعمل أنا وإيّاه في ورشة عمل في خلدة ، وقدَّم لي كتابين للقراءة ( المراجعات ، ثمَّ اهتديت ) وصار له فترة بعد أن امتنعت عن قراءتهما بسبب فتاوى من علمائنا ، أصبحت محرجاً أمامه في بعض الحوارات.


فقال لي : يا أخي! المذهب الخامس لديهم الاجتهاد مفتوح ، أمَّا قصَّة الحوار فهم أذكياء فيه ، بسبب ظلمهم واضطهادهم عبر التأريخ من السلطات ، فاضطرُّوا بكل السبل وأساليب فنّ الكلام للدفاع عن أنفسهم ، ممَّا جعلهم يغربلون الصحاح عندنا وكتب التأريخ ليثبتوا أنفسهم ، لأن علماءنا علماء المذاهب الأربعة لم يعترفوا بهم كمذهب قائم ، لكن أنصحك بعدم الخوض في حوارات مع صديقك هذا ؛ لأن القضية شائكة ، والبحث طويل ، وطريق صعب ومتعب ، هم لديهم أدلّة مقنعة ، ونحن لدينا أدلّة مقنعة ، فاتركه يا أخي.

فودَّعت الشيخ صالح ، ورجعت إلى مكان عملي ، أفكِّر بكلمات الشيخ صالح ، وجاء الليل ، وجاء التفكير ، لديهم أدلّة مقنعة ، ولدينا أدلّة مقنعة ، فقلت : ما دام لديهم أدلة مقنعة ـ كما قال لي الشيخ ـ ما المانع من أن أقرأ كتاب المراجعات ، وكتاب ثمَّ اهتديت ، وأقف على هذه الأدلّة؟

مع الشيخ إسماعيل عرناسي

وقعت في تناقض حادّ ، الشيخ المصري حذَّرني!! والشيخ طارق حذَّرني!! والشيخ فتح الباب ولكن في مصراع واحد ، لماذا لا أكمل رحلة البحث؟ فسألت أحد أصدقائي من الذين يعملون معنا في الورشة ، فقلت له : من يصلّي عندكم إماماً للجماعة؟

فقال لي : نحن في برج البراجنة عندنا شيخ كبير اسمه : الشيخ إسماعيل عرناسي ( جامع العرب ) ، وفي اليوم الثاني وبعد الانتهاء من العمل ذهبت إليه ، حيث انتظرت في المسجد موعد صلاة المغرب ومجيء الشيخ ، فجاء الشيخ وصلَّينا خلفه جماعة ، وعندما انتهى صافحته واقتربت منه ، فقلت له : سماحة


الشيخ! أنا شابٌّ سوريٌّ ، وأعمل في ورشة في منطقة خلدة ، وأشتغل مع صديق شيعيٍّ ، وكل ساعة يحاورني في الدين ، ويسألني ويحرجني ، فما تنصحني بالله عليك أيُّها الشيخ وتريحني؟!!

فقال لي : يا بنيَّ! صار لي أكثر من أربعين سنة في هذا المسجد ، ولم اختلط مع واحد شيعيٍّ ، والكل يعلم ذلك ، لكن أنصحك هؤلاء الشيعه يقولون في آخر الصلاة : تاه الوحي ثلاث مرَّات ، وينسبون أقوالا للرسول 6 ويقولون : قال الإمام علي 7.

فقلت له : شيخنا الجليل! أنا قرأت في كتيِّب لتعليم الصلاة عندهم ، حيث يقولون آخر الصلاة ثلاث مرَّات : الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر.

فردَّ عليَّ : يا بنيَّ! ماذا تعرف من دهاء هؤلاء الشيعة؟ إنهم يستعملون التقيَّة ، وإمامهم الصادق 7 يقول : ( التقيّة ديني ودين آبائي ).

فرجعت إلى مكاني مخذولا تائها محتاراً ، وأوشكت من أن أصاب بأزمة نفسيَّة ، وسيطر عليَّ القلق ، بحيث لم أعد أستطيع العمل ، أصبت برجفة حادّة وقشعريرة ، فأخذني أخي إلى الدكتور ، وقال لي الدكتور : جسميّاً لا يوجد فيك شيء ، فأنت مرهق نفسيّاً وفكريّاً ، يا أخي! بماذا تفكر؟ هذه الدنيا لا تستحقّ التفكير ، خذ إجازة من العمل وسافر إلى البلد.

فنمت يومين في الفراش ، محاولا التخلُّص من التفكير ، وصرت أجلس مع أصدقائي ، أشاهد برامج التلفزيون والمسلسلات لأروِّح عن نفسي التعب والإرهاق.

وبعدها عزمت أن أكمل قراءة كتاب المراجعات ، وقلت لصديقي الشيعي : إذا سمحت ، غداً اجلب لي معك كتاب المراجعات.


ففرح صديقي وقال : أين أنت هذين اليومين؟

فقلت له مكابراً : والله إن أعصابي وجسمي مرهقان ، وأخذني أخي دحام إلى الدكتور ، وقال لي : تحتاج إلى إجازة وراحة من العمل.

العودة إلى كتاب المراجعات

وفعلا في اليوم الثاني أتاني صديقي الشيعي بكتاب المراجعات ، وبدأت بالقراءة فيه حتى وصلت إلى ص ٧١ ، فاستوقفني مقال للشيخ الأنطاكي الحلبي المتشيِّع ( الاختلاف بين المذاهب الأربعة ) ، واستوقفتني أقوال للإمام عليٍّ ( كرَّم الله وجهه ) ، ما أقواها وأشدَّها وطأ وأثراً على النفس! في ص ٧٥ قوله : ( نحن الشعار والأصحاب ، والخزنة والأبواب ، ولا تؤتى البيوت إلاَّ من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سمِّي سارقاً ).

حديث الثقلين في كتب السنة

ثمَّ قال في ص ٨٢ : وإليك بيان ما أشرنا إليه من كلام النبي 6 ، إذ أهاب بالجاهلين وصرخ في الغافلين ، فنادى : ( يا أيُّها الناس! إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلُّوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ) ، وقال 6 : ( إني تارك فيكم ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلُّوا بعدي : كتاب الله ، حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ).

فسجَّلت مصادر الحديث الذي ينقلها العالم الشيعي في كتابه ( المراجعات ) ، وبعد يومين نزلت إلى مكتبة دار الفتوى ( عائشة بكار ) لأفتِّش


عن المصادر ، لأرى مدى صدق الشيعة في أقوالهم ، وفعلا عندما أتيت بسنن الترمذي فوجدت الحديث (١) ، فشعرت بالانتصار النفسي ، وفرحت فرحاً شديداً ، وتابعت المصادر فأنزلت تفسير ابن كثير فوجدت فيه الحديث (٢).

الله أكبر! الله أكبر!! صرت أصيح ما هذا الانتصار؟ اصبر اصبر ، أحدِّث نفسي ، تابع البحث ، لا تيأس ، أشجِّع نفسي ، الآن وليس غداً يجب الذهاب إلى الشيخ عبد الفتاح صقر لأناقشه في هذا الحديث الذي سجَّلت مصادره عندي بورقة وضعتها في جيبي ، وأغلقت عليها كأني عثرت على كنز!! أحدِّث نفسي : اصبر ، تابع البحث ، فصبَّرت نفسي على فرحها الشديد.

ورجعت أتابع القراءة ، وأيُّ شيء كان يثيرني كنت أسجِّله ، وأنزل إلى المكتبة فقط ، أنزل إلى مكتباتنا حذراً من الصحاح الموجودة عند الشيعة ، كما يقول علماؤنا السنة : أغلبها مزوَّرة ومحرَّفة!!

ولاية علي بن أبي طالب 7

وأثارني حديث آخر استغربت منه أشدَّ الاستغراب : عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله 6 : ( من يريد أن يحيى حياتي ، ويموت موتي ، ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ، فليتولَّ عليَّ بن أبي طالب ، فإنه لن يخرجكم من هدى ، ولن يدخلكم في ضلالة ) ، فسجَّلته وسجَّلت مصادره وتابعت القراءة إلى أن وصلت ص ١٣٧ ، حيث جاءت آية قرآنية تقول : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ

__________________

١ ـ سنن الترمذي : ٥/٣٢٩.

٢ ـ تفسير ابن كثير : ٤/١٢٣.


وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) (٢) ، وأخرج النسائي في صحيحه نزولها في عليٍّ 7 عن طريق رواية عبدالله ابن سلام ، وأخرج نزولها صاحب الجمع بين الصحاح الستة في تفسير سورة المائدة ، وأخرج الثعلبي في تفسيره الكبير نزولها في أميرالمؤمنين 7 ، فراجعت المصادر ووقفت عليها.

واستدلَّ العالم الشيعي على أن الولاية بعد الله ورسوله 6 لعليِّ بن أبي طالب 7 ، وتابع القول في آية أخرى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (٣) ، ويقول : ألم يصدع رسول الله 6 بتبليغها عن الله يوم الغدير حيث خطب خطابه ، وعبَّ عبابه ، فأنزل الله يومئذ : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (٤) ألم تر كيف فعل ربك يومئذ بمن جحد ولايته علانية ، وصادر بها رسول الله 6 جهرة ، فقال : اللهم إن كان هذا هو الحق فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فرماه الله بحجر من سجّيل ، كما فعل من قبل بأصحاب الفيل ، وأنزل في تلك الحالة : ( سَأَلَ سَائِلٌ

__________________

١ ـ سورة المائدة ، الآية : ٥٥.

٢ ـ قال هشام قطيط معلِّقاً في الهامش : وقفت على صحّة هذه الأقوال ، يقول العالم الشيعي : أجمع المفسِّرون ـ كما اعترف به القوشجي الأشعري ، وهو من فطاحل علماء السنة ، في مبحث الإمامة من شرح التجريد ـ على أن الآية نزلت في علي 7 عندما تصدَّق بخاتمه وهو راكع.

٣ ـ سورة المائدة ، الآية : ٦٧ ، نزلت هذه الآية يوم ١٨ من ذي الحجة سنة ١٠ من الهجرة ، في حجّة الوداع ، في رجوع النبي 6 من مكة إلى المدينة ، في مكان يقال له : غدير خم ، فأمر الله نبيَّه 6 أن ينصب علياً 7 إماماً وخليفة من بعده.

٤ ـ سورة المائدة ، الآية : ٣.


بِعَذَاب وَاقِع * لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ) (١).

وهنا جاء التأمُّل والصراع ، والمسألة مع النفس ومع الذات ، فراجعت المصادر ، ووقفت عليها ، ووجدت صدق ما يأتي به العالم الشيعي ، فاستغربت من قوّة استدلال هذا العالم ، وإحاطته الدقيقة بالتأريخ والسيرة والصحاح ، واستهواني الكتاب بأسلوبه الجذّاب ، وثوبه الناعم المزركش ، وصرت أفكِّر ، يا إلهي! أين كنت أنا؟ أين علماؤنا من هذه الكتب؟ فهل يعرف علماؤنا ما في هذه الكتب من أدلّة ويتعمَّدون طمس هذه الحقائق عنّا؟ لأنه ليس من اختصاصنا البحث في الدين وإنما هو حكر على الشيوخ والعلماء فقط ، أم أنهم لا يعلمون حقيقة هذه الكتب؟!

حول الخطبة الشقشقية واحتجاجات الإمام علي 7

وتابعت القراءة إلى أن وصلت إلى الخطبة الشقشقية : ص ٦٨٠ من المراجعات ، فاستوقفتني خطب ومناشدات للإمام علي 7 ، وشدَّت انتباهي ، وأسرت تفكيري ؛ لما فيها من البيان والتصريح عن مظلوميّته بعد النبيّ 6 ، حيث كان يبثُّ شكواه من خلال هذه الخطب والمناشدات ، فيقول إمامنا علي 7 أيام خلافته متظلِّماً ، يبثُّ آلامه متألِّما منها ، حتى قال :

أما والله لقدتقمَّصها فلان وهو يعلم أن محلّي منها محلُّ القطب من الرحى ، ينحدر عنّي السيل ، ولا يرقى إليَّ الطير ، فسدلت دونها ثوباً ، وطويت عنها

__________________

١ ـ سورة المعارج ، الآية : ١ ـ ٢ ، نزلت هذه الآيات في النعمان الفهري لمَّا شك في تنصيب النبي لعلي : الخلافة فوقع عليه العذاب. راجع : شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي : ج٢ ، ص ٢٨٦ حديث : ١٠٣٠ ـ ٣١ ـ ٣٢ ، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي : ص ٣٠.


كشحاً ، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذَّاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربَّه ، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهباً ... إلخ الخطبة (١).

وكم وقف متظلِّماً من القوم ، يبثُّ شكواه قائلا : اللهم إني أستعينك على قريش ومن أعانهم ، فإنهم قطعوا رحمي ، وصغَّروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي ، ثمَّ قالوا : ألا إن في الحق أن تأخذه ، وفي الحق أن تتركه(٢).

يا الله!! ما أعظم هذه الكلمات! إنها تخرق الحجر ، وليس الدم واللحم ، فيتابع قوله : فنظرت فإذا ليس لي معين إلاَّ أهل بيتي ، فضننت بهم عن الموت ، أغضيت على القذى ، وشربت على الشجا ، وصبرت على أخذ الكظم ، وعلى أمرَّ من طعم العلقم (٣).

فصرت أتساءل : ما ذنب عليٍّ 7في التاريخ؟ الله أكبر! وأتابع البحث من جديد ، وأشحذ همّتي كي أستطيع التأمُّل والتفكُّر في مناشدات وخطابات سيِّدي وإمامي علي 7 روحي فداه .. ما قرأت مقطعاً من كلماته إلاَّ وانهمرت دموعي!!

ومرَّة أخرى يبثُّ شكواه بمرارة : فجزت قريشاً عنّي الجوازي ، فقد قطعوا

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، خطب الإمام علي 7 : ١/٣٠ ـ ٣١ ، خطبة رقم : ٣.

٢ ـ نهج البلاغة ، خطب الإمام علي 7 : ٢/٨٥ ، خطبة رقم : ١٧٢ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٤/١٠٣ ـ ١٠٤ و٦/٩٦ و٩/٣٠٥ ، الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : ١/١٧٦.

٣ ـ نهج البلاغة ، خطب الإمام علي 7 : ١/٦٧ ، خطبة رقم : ٢٦ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٢/٢٠ ، الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : ١/١٧٦.


رحمي ، وسلبوني سلطان ابن أمّي (١).

أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً علينا وبغياً ، أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يستعطى الهدى ، ويستجلى العمى ، إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم (٢).

وقوله أيضاً في خطبة له خطبها بعد البيعة له : لا يقاس بآل محمّد 6 من هذه الأمة أحد ، ولا يسوَّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً ، هم أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حقّ الولاية ، وفيهم الوصيّة والوراثة ، الآن إذ رجع الحق إلى أهله ، ونقل إلى منتقله (٣).

فكلمات الإمام بعد البيعة تؤكِّد على صدق ما ذهبنا إليه ، فكلَّما وصلت إلى مقطع يزداد ألمي.

هذه الكلمات القويّة لا تخرج من إنسان عاديٍّ ، كلمات بحدِّ ذاتها معجزة ، يتدفَّق الإشعاع منها إلى أعماق قلبي ، عبارات رصينة ، أدلّة قوية تسيطر على القارئ المتدبِّر.

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، خطب الإمام علي 7 : ٣/٦١ ، خطبة رقم : ٣٦ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٦/١٤٨.

٢ ـ نهج البلاغة ، خطب الإمام علي 7 : ٢/٢٧ ، خطبة رقم : ١٤٤ ، مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب ١/٢٤٥ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٩/٨٤ ، ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : ١/٢٠٧ ح ٧.

٣ ـ نهج البلاغة ، خطب الإمام علي 7 : ١/٣٠ ، خطبة رقم : ٢ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١/١٣٨ ـ ١٣٩ ، ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : ١/٨٣ ح ٢٣.


وحسبك قوله في خطبة أخرى : رجع قوم على الأعقاب ، وغالتهم السبل ، واتّكلوا على الولائج ، ووصلوا غير الرحم ، وهجروا السبب الذي أمروا بمودّته ، ونقلوا البناء عن رصّ أساسه ، فبنوه في غير مواضعه ، معادن كل خطيئة ، وأبواب كل ضارب في غمرة ، قد ماروا في الحيرة ، وذهلوا في السكرة ، على سنة من آل فرعون ، من منقطع إلى الدنيا راكن ، أو مفارق للدين مباين (١).

فما تمالكت من نفسي إلاَّ والدموع تعاودني بالانهمار ، فوقفت مبهوتاً من هذه الأمّة ، وهؤلاء القوم الذين يدّعون الإسلام ، ما أقوى هذه الكلمات! تركت نفسي تقرأ بكل ما أمتلك من تركيز ؛ لأني أقرأ كلمات من سيِّد الوصيين ، وخليفة رسول الله 6 ، وكل ذلك لم أكن أعلم بعد صدق هذه الخطب ، ولكنها هزَّت مشاعري ، وسيطرت عليَّ ، وصرت أتساءل : هل هذه الكلمات تصدر من الإمام علي 7؟

هل غصبت الخلافة من عنده؟ هل هذه الكلمات لها سند معتبر؟ فبدأت تنهال عليَّ موجات عارمة من الأسئلة ، وتابعت البحث حتى عثرت على مناشدة للإمام علي 7 يوم الشورى (٢) ، وما أدراك ما يوم الشورى؟!!

وساق الحديث إلى أن قال : بداية الحيرة والشك والتساؤل :

بعد تأثّري الشديد بخطب ومناشدات علي 7 الذي أوردها صاحب كتاب المراجعات في الصفحة ٦٨٠ طبع ( الدار الإسلامية ) عام ١٩٨٦ ، صحيح أني تأثَّرت وصدمت إثر قراءتها ، ولكن بدأت بالبحث للتأكُّد من صحّة ما يذهب

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، خطب الإمام علي 7 : ٢/٣٦ ، خطبة رقم : ١٥٠ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٩/١٣٢.

٢ ـ راجع : المناقب ، ابن المغازلي الشافعي : ٢٢٢.


إليه السيِّد الشيعي 4 و 1 ، فوجدت قسماً للخطب ينقلها ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة ، فقلت في نفسي : إن ابن أبي الحديد معتزليٌّ ، وليس شيعياً حتى ينتصر لمذهبه أو عقيدته ، وكان لديَّ من المسلَّمات أن نهج البلاغة للإمام علي 7 ، وليس للشريف الرضي كما يقول بعض المتقوِّلين والمتعصِّبين ، حيث إنه شرحه وعلَّق عليه أكثر من عالم من علمائنا السنة الكبار ، أمثال الشيخ محمّد عبده شيخ الأزهر ، والدكتور صبحي الصالح الأستاذ في الجامعة اللبنانيّة سابقاً.

وبقي لدي تساؤل واحد ، إذا ثبتت لديَّ خطبة ومناشدة علي 7 يوم الشورى سوف أعلن عن تشيُّعي وولائي واستبصاري لخطّ أهل البيت : ، وعند ما بدأت أقرأ وأحقِّق مصادر هذه الخطبة فعثرت على أكثر من مصدر منهم:

١ ـ شيخ الإسلام الشافعي الحمويني صاحب كتاب فرائد السمطين.

٢ ـ مناقب علي بن أبي طالب 7 ، ابن المغازلي الشافعي.

ومنها رجعت إلى أمر آخر ، وهو تحليل خطبة الشورى ، والوقوف على مصادر ما قاله الإمام علي 7 من أحاديث وحجج ، فوجدتها بمصادرها ( من حيث الحديث والآية التي استشهد بهما ) حيث كنت أقف على المصدر ونقله من كتاب المراجعات وأراجع في ذلك فأجد كل هذا الكلام موجوداً (١).

__________________

١ ـ ومن الحوار اكتشفت الحقيقة ، هشام آل قطيط : ١٩ ـ ٤٦.


المناظرة الأربعون

مناظرة

هشام آل قطيط مع الشيخ عبد الأمير الهويدي وغيره

وبحثه عن الحقيقة وأشياء يسمعها لأوَّل مرة

قال الشيخ هشام آل قطيط تحت عنوان ( لقاء الصدقة ) : كنت أبحث عن بعض المصادر في مدينة بيروت التي تخصُّ بحثي عن الحقيقة ... وإذا بشيخ موجود في دار النشر ، فدفعني الفضول لأتعرَّف عليه ، فقال لي : أنا الشيخ عبد الأمير الهويدي من العراق ، وسألني : من أين أنت؟

فأجبته : من سوريا.

فسألني : ماذا تعمل هنا؟

فأجبته بكل صراحة : لقد أعارني أحد الشباب الشيعة كتاب المراجعات ، ومن هنا كانت بداية البحث والتساؤل والحيرة.

فقال لي : لماذا تتعب نفسك؟ ١ + ١ = ٢ ، أسألك سؤال : هل النبي 6 وصَّى أم لم يوصِّ؟

فقلت له : ماذا تقصد؟

قال : أقصد خلافنا كله قائم على الخلافة من بعد الرسول6، إذا وصَّى الرسول 6 فالخلافة لعلي 7 ، وإذا لم يوصِّ فالرسول فيه نقص ، وكلامه


مخالف للقرآن.

فقلت له : حاشا لرسول الله 6 أن يخالف القرآن.

قال لي : أنت متأكِّد أن الرسول 6 لا يخالف القرآن؟

فقلت له : نعم ، أنا متأكِّد.

فقال : إذن : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ ) (١) لا يعقل أن الرسول 6 يموت بلا وصيَّة ويخالف القرآن ، والقرآن يقول : ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٢).

وبعدها قال لصاحب دار النشر : أعطيه كتاب الإمام الصادق 7 والمذاهب الأربعة (٣) هديَّة ، وأنا أحاسبك به ، واقرأ في الجزء الثاني رسالة للجاحظ ، تأمَّل بها وتدبَّر فسوف تعرف الحقيقة ، وأنا مشغول ، أريد الذهاب ، في أمان الله.

فقلت له : أين أراك؟

فقال لي : سجِّل رقم هاتفي في دمشق ، فسجَّلته ، وقلت له : في أمان الله .. وخرجت من الدار ذاهباً لزيارة صديق لي ، وبعد أن أنهيت الزيارة رجعت مبكِّراً لقراءة هذه الرسالة التي أشار إليها الشيخ الهويدي ، وهذه هي الرسالة.

رسالة الجاحظ

رسالة الجاحظ (٤) التي أرشدني إليها الشيخ الهويدي في تفضيل علي 7.

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٨٠.

٢ ـ سورة الحشر ، الآية : ٧.

٣ ـ وهو لمؤلِّفه المرحوم المحقِّق الأستاذ الشيخ أسد حيدر النجفي.

٤ ـ الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ، أسد حيدر : ٢/٩٤.


قال : هذا كتاب من اعتزل الشك والظنّ ، والدعوى والأهواء ، وأخذ باليقين والثقة من طاعة الله ورسوله 9 ، وبإجماع الأمَّة بعد نبيِّها 7 ممَّا يتضمَّنه الكتاب والسنّة ، وترك القول بالآراء ، فإنَّها تخطئ وتصيب ؛ لأنَّ الأمَّة أجمعت أن النبيَّ 9 شاور أصحابه في الأسرى ببدر ، واتّفق على قبول الفداء منهم ، فأنزل الله تعالى : ( مَا كَانَ لِنَبِيّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى ) (١).

فقد بان لك أن الرأي يخطئ ويصيب ، ولا يعطي اليقين ، وإنّما الحجّة لله ورسوله 6 وما أجمعت عليه الأمّة من كتاب الله وسنّة نبيِّها ، ونحن لم ندرك النبيَّ 6 ، ولا أحداً من أصحابه الذين اختلفت الأمّة في أحقِّهم ، فنعلم أيّهم أولى ونكون معهم ، كما قال تعالى : ( وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٢) ، ونعلم أيّهم على الباطل فنجتنبهم وكما قال تعالى : ( وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً ) (٣) حتى أدركنا العلم ، فطلبنا معرفة الدين وأهله ، وأهل الصدق والحقّ ، فوجدنا الناس مختلفين ، يبرأ بعضهم من بعض ، ويجمعهم في حال اختلافهم فريقان : أحدهما قالوا : إن النبيَّ 6 مات ولم يستخلف أحداً ، وجعل ذلك إلى المسلمين يختارونه ، فاختاروا أبا بكر ، والآخرون قالوا : إن النبيَّ 6 استخلف عليّاً ، فجعله إماماً للمسلمين بعده ، وادّعى كل فريق منهم الحقَّ.

فلمَّا رأينا ذلك وقفنا الفريقين لنبحث ونعلم المحقَّ من المبطل ، فسألناهم جميعاً : هل للناس من وال يقيم أعيادهم ، ويجبي زكاتهم ، ويفرِّقها على مستحقيها ، ويقضي بينهم ، ويأخذ لضعيفهم من قويِّهم ، ويقيم حدودهم؟

__________________

١ ـ سورة الأنفال ، الآية : ٦٧.

٢ ـ سورة التوبة ، الآيه : ١١٩.

٣ ـ سورة النحل ، الآية : ٧٨.


فقالوا : لابدَّ من ذلك.

فقلنا : هل لأحد أن يختار أحداً ، فيولّيه بغير نظر من كتاب الله وسنّة نبيِّه 6؟

فقالوا : لا يجوز ذلك إلاَّ بالنظر.

فسألناهم جميعاً عن الإسلام الذي أمر الله به ، فقالوا : إنه الشهادتان ، والإقرار بما جاء من عند الله ، والصلاة ، والصوم ، والحج ـ بشرط الاستطاعة ـ والعمل بالقرآن ، يحلُّ حلاله ويحرِّم حرامه ، فقبلنا ذلك منهم لإجماعهم.

ثمَّ سألناهم جميعاً : هل لله خيرة من خلقه ، اصطفاهم واختارهم؟

فقالوا : نعم.

فقلنا : ما برهانكم؟

فقالوا : قوله تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) (١).

فسألناهم : من الخيرة؟

فقالوا : هم المتقون.

فقلنا : ما برهانكم؟

فقالوا : قوله تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (٢).

فقلنا : هل لله خيرة من المتقين؟

قالوا : نعم ، المجاهدون بأموالهم ، بدليل قوله تعالى : ( فَضَّلَ اللّهُ الُْمجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ) (٣).

__________________

١ ـ سورة القصص ، الآية : ٦٨.

٢ ـ سورة الحجرات ، الآية : ١٣.

٣ ـ سورة النساء ، الآية ٩٥.


فقلنا : هل لله خيرة من المجاهدين؟

قالوا جميعاً : نعم ، السابقون من المهاجرين إلى الجهاد ، بدليل قوله تعالى : ( لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ) (١).

فقبلنا ذلك منهم لإجماعهم عليه ، وعلمنا أن خيرة الله من خلقه المجاهدون السابقون إلى الجهاد.

ثم قلنا : هل لله منهم خيرة؟

قالوا : نعم.

قلنا : من هم؟

قالوا : أكثرهم عناء في الجهاد ، وطعناً وحرباً وقتلا في سبيل الله ، بدليل قوله تعالى : ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْراً يَرَهُ ) (٢) ( وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْر تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ ) (٣).

فقبلنا منهم ذلك ، وعلمنا وعرفنا : أن خيرة الخيرة أكثرهم في الجهاد عناء ، وأبذلهم لنفسه في طاعة الله ، وأقتلهم لعدوِّه ، فسألناهم عن هذين الرجلين ـ علي ابن أبي طالب 7 وأبي بكر ـ أيُّهما كان أكثر عناء في الحرب ، وأحسن بلاء في سبيل الله؟

فأجمع الفريقان على أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب 7 أنه كان أكثر طعناً وحرباً ، وأشدَّ قتالا ، وأذبَّ عن دين الله ورسوله 6 ، فثبت بما ذكرنا من إجماع الفريقين ، ودلالة الكتاب والسنة أن عليّاً 7 أفضل.

__________________

١ ـ سورة الحديد ، الآية : ١٠.

٢ ـ سورة الزلزلة ، الآية : ٧.

٣ ـ سورة البقرة ، الآية : ١١٠.


وسألناهم ـ ثانياً ـ عن خيرته من المتقين ، فقالوا : هم الخاشعون ، بدليل قوله تعالى : ( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيد * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّاب حَفِيظ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْب مُّنِيب ) (١) ، وقال تعالى : ( وَذِكْراً لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم ) (٢).

ثم سألناهم : من الخاشعون؟

فقالوا : هم العلماء ، لقوله تعالى : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ) (٣).

ثم سألناهم جميعاً : من أعلم الناس؟ قالوا : أعلمهم بالقول ، وأهداهم إلى الحق ، وأحقُّهم أن يكون متبوعاً ولا يكون تابعاً ، بدليل قوله تعالى : ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْل مِّنكُمْ ) (٤). فجعل الحكومة لأهل العدل.

فقبلنا ذلك منهم ، وسألناهم عن أعلم الناس بالعدل من هو؟

قالوا : أدلُّهم عليه.

قلنا : فمن أدلُّ الناس عليه؟

قالوا : أهداهم إلى الحقِّ ، وأحقُّهم أن يكون متبوعاً ولا يكون تابعاً ، بدليل قوله تعالى : ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى ) (٥) ، فدلَّ كتاب الله وسنَّة نبيِّه 6 والإجماع : أن أفضل الأمّة بعد نبيِّها أميرالمؤمنين علي ابن أبي طالب 7 ، لأنه إذا كان أكثرهم جهاداً كان أتقاهم ، وإذا كان أتقاهم كان

__________________

١ ـ سورة ق ، الآية : ٣١ ـ ٣٣.

٢ ـ سورة الأنبياء ، الآية : ٤٨ ـ ٤٩.

٣ ـ سورة فاطر ، الآية : ١٢٨.

٤ ـ سورة المائدة ، الآية : ٩٥.

٥ ـ سورة يونس ، الآية : ٣٥.


أخشاهم ، وإذا كان أخشاهم كان أعلمهم ، وإذا كان أعلمهم كان أدلَّ على العدل ، وإذا كان أدلَّ على العدل كان أهدى الأمّة إلى الحقِّ ، وإذا كان أهدى كان أولى أن يكون متبوعاً ، وأن يكون حاكماً ، لا تابعاً ولا محكوماً.

وأجمعت الأمّة بعد نبيِّها 6 أنه خلَّف كتاب الله تعالى ذكره ، وأمرهم بالرجوع إليه إذا نابهم أمر ، وإلى سنّة نبيِّه 6 ، فيتدبَّرونهما ، ويستنبطون منهما ما يزول به الاشتباه ، فإذا قرأ قارئكم : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ ) (١) ، فيقال له : أثبتها ، ثمَّ يقرأ : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (٢) ، وفي قراءة ابن مسعود : إنَّ خيْرَكُم عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ، ثمَّ يقرأ : ( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيد * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّاب حَفِيظ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ ) (٣) فدلَّت هذه الآية على أن المتقين هم الخاشون.

ثمَّ يقرأ فإذا بلغ قوله : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ) (٤) فيقال له : اقرأ حتى ننظر هل العلماء أفضل من غيرهم أم لا؟ فإذا بلغ قوله تعالى : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ) (٥) علم أن العلماء أفضل من غيرهم.

ثمَّ يقال: اقرأ ، فإذا بلغ إلى قوله:( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات )(٦) قيل : قد دلَّت هذه الآية على أن الله قداختار العلماء ، وفضَّلهم

__________________

١ ـ سورة القصص ، الآية : ٦٨.

٢ ـ سورة الحجرات ، الآية : ١٣.

٣ ـ سورة ق ، الآية : ٣١ ـ ٣٣.

٤ ـ سورة فاطر ، الآية : ٢٨.

٥ ـ سورة الزمر ، الآية : ٩.

٦ ـ سورة المجادلة ، الآية : ١١.


ورفعهم درجات ، وقد أجمعت الأمّة على أن العلماء من أصحاب رسول الله 6 الذين يؤخذ عنهم العلم كانوا أربعة : علي بن أبي طالب 7 ، وعبد الله بن العبّاس ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت.

وقالت طائفة : عمر ، فسألنا الأمّة : من أولى الناس بالتقديم إذا حضرت الصلاة؟

فقالوا : إن النبي 6 قال : يؤمُّ القوم أقرؤهم ، ثمَّ أجمعوا على أن الأربعة كانوا أقرأ من عمر فسقط عمر.

ثمَّ سألنا الأمَّة : أيُّ هؤلاء الأربعة أقرأ لكتاب الله ، وأفقه لدينه فاختلفوا ، فأوقفناهم حتى نعلم ، ثمَّ سألناهم : أيُّهم أولى بالإمامة؟

فأجمعوا على أن النبي 6 قال : إذا كان عالمان فقيهان من قريش فأكبرهما سنّاً وأقدمهما هجرة ، فسقط عبدالله بن العبّاس ، وبقي علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، فيكون أحقَّ بالإمامة ؛ لما أجمعت عليه الأمّة ، ولدلالة الكتاب والسنة عليه. انتهى (١).

الاقتناع بأحقية أهل البيت :

وبعد أن أنهيت هذه الرسالة القيِّمة من القراءة أصبح لديَّ اليقين القاطع بأحقّيّة أهل البيت : ، وبخلافة الإمام علي 7 بعد رسول الله 6.

ولكنَّ متابعة البحث ضروريٌّ للردِّ على كلِ التساؤلات التي تثار ،

__________________

١ ـ ذكر هذه الرسالة الإربلي في كشف الغمة : ١/٣٧ ـ ٤٠ ، وقال : إنها نسخت عن مجموع للأمير أبي محمّد الحسن بن عيسى المقتدر بالله.


فاتّصلت تلفونياً بالشيخ الهويدي ، وحدَّدنا موعداً بمقام السيِّدة زينب 3.

وجاء الموعد ، واقترب اللقاء ، وبعد أن جلسنا وتحادثنا وتحاورنا قال لي : هل تعرف الحوزة العلميّة الزينبية؟ فقلت له : لا أعرفها ، فقال لي : تخرج من المقام ، وتمشي مع الطريق الذي يذهب إلى دمشق .. مقابل قسم الأمن الجنائي ، تسأل عن شيخ اسمه ( جلال المعاش ) تقول له : يسلِّم عليك الشيخ الهويدي .. وترشدني إلى منزل الداعية الشيعيِّ السيِّد علي البدري.

زيارة مرقد السيدة الجليلة رقية 3 بنت الحسين 7

وأخذت منه العنوان ، وكتبه لي على قصاصة من ورق .. وودَّعته وخرجت ، وعاودتني دوَّامة التساؤل بعد أن ودَّعت الشيخ الهويدي ، وخرجت من مقام السيِّدة زينب 3 ، وأنا في الطريق أسمع سائق ( السرفيس ) يصيح بصوت عال : ( رقيّة رقيّة ).

فلفت نظري تساؤل : هل هناك منطقة في دمشق اسمها ( رقيَّة ) فدفعني الفضول لأسأله : أين تقع هذه المنطقة؟ فسألته .. فقال لي : من أين أنت فأجبته : من القامشلي.

فقال : أوه!! في آخر سوريا .. قال لي : يا أخي! الإيرانيّون واللبنانيّون والخليجيّون يقدِّسون هذه المقامات ، فأنا أصيح حتى أشتغل ، وهذا موسمهم ، لأنّه كل صيفيّة يأتون إلى هنا لزيارة هذه المقامات ، وفعلا عزمت على الذهاب مع السائق لأرى هذه المنطقة التي أجهلها.

ومشت السيارة ، وأنا أتساءل لأوَّل وهلة أسمع هذا النداء وأسمع بهذه المنطقة، فوصلت إلى هذا المقام الشريف، ولم أستطع الدخول من شدّة الزحمة ،


أمَّة من البشر!! الله أكبر! ما هذه الزحمة؟ من أين أتت كل هذه الجموع الغفيرة؟ وبعد انتظار ساعة من الوقت استطعت الدخول ، ورأيت الناس يلطمون على صدورهم ويصيحون يا حسين .. يا حسين ، يا رقية يا رقية .. الظليمة .. الظليمة.

فدخلت إلى داخل المقام ، ووصلت إلى الضريح ، وقرأت الفاتحة ، وصلَّيت قربة إلى الله ركعتين زيارة لهذه السيِّدة ، دون أن أعرفها بنت من؟ لكن عندما رأيت الناس تدخل وتزور وتقبِّل هذا الضريح فعلت مثلهم ، فعرفت أن هنا مقاماً لسيِّدة فاضلة.

فاقتربت من أحد الشباب الذين يلطمون على رؤوسهم وصدورهم ، حيث يضع شريطاً أسوداً مربوطاً برأسه ، وعلى جبينه مكتوب ( يا حسين ) .. فقلت له : إذا سمحت .. السيِّدة رقيّة بنت من؟

فضحك هذا الشابّ من سؤالي ، واستغرب!! وقال لي : من أين أنت؟

فأجبته : من القامشلي.

فقال لي : أين تقع مدينة القامشلي؟

فقلت له : تبعد من هنا ما يقارب ١٠٠٠ كم ، وقال : أنت من سوريا ولا تعرف هذا المقام لمن؟

فقال لي : أنت سنّيٌّ؟

فأجبته : نعم.

فقال لي : حقّك لا تعلم ، هذه السيِّدة رقيَّة بنت الإمام الحسين 7 ، عندما جاءوا بأهل البيت سبايا من العراق إلى الشام ، والحسين رأسه محمول على الرمح من هناك إلى هنا ، وعندما وصلوا إلى الجامع الأموي وضعوا رأس الحسين7في المسجد أمام اللعين يزيد ، وبدأ يزيد يرغي ويزبد ويصيح : أتينا


برأس زعيم الخوارج الحسين بن علي بن أبي طالب.

فقاطعته الحديث ، الحسين سيِّد شباب أهل الجنّة يحملون رأسه على الرمح ويأتون به إلى الشام؟ ماذا تقول يا أخي؟ أليس الشيعة هم الذين قتلوه ، وهم الآن يبكون ويندبون ويلطمون ندماً وحزناً لأنهم هم الذين قتلوه؟

قاطعني الشابُّ بحماس ، وقال لي : أنت متعلِّم؟

فقلت له: نعم .. وأنهيت الدراسة الجامعيّة ، لكن والله العظيم لم أسمع بهذه الأحداث ؛ لأن هذه القضايا ليست من اختصاصي ، فالصدفة أتت بي إلى هنا.

فقال لي : يا أخي! أعذرك كلَّ العذر ؛ لأن الإنسان عدوُّ ما يجهل ، وأنا لم أفرض عليك اعتقاداتي وقناعاتي .. ولكن أنت ابحث بنفسك عن هذه الحقائق ، وقال لي : إذا أردت أن تزور رأس الحسين 7 مقامه في الجامع الأموي.

وشطَّ بنا الحديث وتفرَّع ، ورجعنا في الحديث عن السيِّدة رقية ، فقال لي : هذه السيِّدة بنت الإمام الحسين 7 ، وعندما توفِّيت كان عمرها ثلاث سنوات تقريباً .. أهل البيت : عندما جاءوا بهم إلى الشام كانت هذه الطفلة مع عمّتها زينب 3 ، أتعرف مقام السيِّدة زينب 3 أخت الإمام الحسين 7؟

فأجبته : نعم ، الآن جئت من هناك.

فقال: عندما وضعوا رأس الحسين 7 في طشت كانت هذه الطفلة تصيح وتبكي ، طفلة تبكي تريد أباها ، فقال يزيد اللعين : خذوا هذا الرأس ، وضعوه أمام الطفلة لكي ترى أباها ، فعندما شاهدت الطفلة رأس والدها انكبَّت على وجهها ، فلم تطق الطفلة ذلك الموقف إلى أن فارقت الحياة فوق رأس والدها.

ماذا تحكي يا أخي؟ ماذا تقول؟ هل هذا صحيح؟ فضيَّعني كلام هذا الشابّ الشيعيّ.


وسألت آخر وآخر .. وكنت في كلِّ مرّة أحصل على نفس الجواب ، فرجعت مرَّة أخرى إلى القفص ، ففاضت دموعي بالبكاء ، وصرت أصيح وأسأل : بنت الحسين سيِّد شباب أهل الجنة هكذا قتلت؟ هكذا ماتت؟ فصرت أردِّد بدون شعور كما تردِّد الشيعة : الظليمة الظليمة ، يا رقيّة! يا رقية! ثمَّ بعد هذا ودَّعتها متّجهاً إلى الجامع الأمويّ ، وشاهدت الحشود والجموع تتّجه باتّجاه الشرق ، وتصيح وتلطم : يا حسين! يا حسين! لعن الله من ظلمك ، لعن الله من قتلك ، لعن الله يزيد .. فوصلت إلى الباب ، ودخلت بقوَّة من شدّة الازدحام ، حيث وصلت إلى مكان رأس الحسين 7 فقبَّلته ، وانهارت دموعي بالبكاء ، فصرت أحدِّث نفسي : ما الذي حصل؟ ما الأمر؟ ما القضيَّة؟ ما الذي حدث؟ هذا الأخ الشيعي يقول لي : يزيد الذي قتل الحسين 7 ، وليس الشيعة ـ كما يقول أحد علمائنا في المنطقة الشرقية!!

فعاودني الصراع السابق الذي عشته ، ورجعت إليَّ دوّامة التساؤل والحيرة ، هل الشيعة بريئون من دم الحسين؟ هل صحيح أن الشيعة لم يقتلوا الحسين؟ فإذن لماذا يلطمون ويبكون ويصيحون يا حسين يا حسين؟ وصرت أفكِّر بكلام الشيخ عندنا عندما كان يحذِّرنا من الجلوس مع الشيعة ، وعدم محاورة الشيعة ، والشيعة هم الذين قتلوا الحسين ، فخرجت من مقام رأس الحسين 7 لزيارة النبيِّ يحيى بن زكريا 7 في قلب الجامع الأمويِّ.

الاستماع إلى مصائب الحسين 7

وعندما وصلت الضريح قبَّلته وصلَّيت ركعتين ، ولم أستطع أن أكمل من شدّة الصياح واللطم والبكاء ، فحاولت مرَّة ثانية إعادة صلاتي ، وأنهيتها بعد


الجهد ، وشاهدت بعد الصلاة شيخاً يبدو أنه عراقيٌّ من خلال اللهجة والبحّة ، يصيح ويخطب بالناس : يا موالين! يا شيعة! اليوم قتل إمامكم ، اليوم ـ الظليمة الظليمة ـ بقي الحسين ثلاث ساعات ملقياً على وجه الأرض ، قد صنع وسادة من الرمل ، فظنَّ بعض العسكر أن الحسين 7 قد صنع لهم مكيدة ، فقالوا : إن الحسين لا يمكنه فعل شيء ، وقال بعضهم : إنه مثخن بالجراح ، ولا يقوى على القيام ، وقال بعضهم : إن الرجل غيور ، إذا أردتم أن تعرفوا حاله فاهجموا على المخيَّم ، فهجموا على المخيَّم ، وروَّعوا النساء والأطفال ، فخرجت الحوراء زينب ووقفت على التلّ ، ثمَّ نادت بصوت حزين يقرح القلوب : يا ابن أمي يا حسين! يا حبيبي يا حسين! إن كنت حيّاً فأدركنا ، فهذه الخيل قد هجمت علينا ، وإن كنت ميّتاً فأمرنا وأمرك إلى الله ، فلمَّا سمع الحسين صوت أخته قام ووقع على وجهه ، ثمَّ قام ووقع على وجهه ثانية ، ثمَّ قام ثالثة ووقع على وجهه ، عند ذلك صاح : يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون ، فنادى الشمر : ما تقول يا ابن فاطمة؟ قال : أنا الذي أقاتلكم ، والنساء ليس عليهن جناح ، فامنعوا عتاتكم وأشراركم عن التعرُّض لحرمي ما دمت حيّاً ، قال الشمر : إليكم عن حرم الرجل واقصدوه بنفسه ، فانكفأت الخيل والرجال على أبي عبدالله الحسين 7.

وانتهى الشيخ من كلامه وبدأ يخطب ويتكلَّم ، والناس تضجّ وتبكي ، وهو يقول : وهم في طريقهم إلى الشام نزلوا منزلا فيه دير راهب ، فرفعوا الرأس على قناة طويلة ( رأس الحسين ) إلى جانب دير الراهب ، فلمَّا عسعس الليل سمع الراهب للرأس دويّاً كدويِّ النحل ، وتسبيحاً وتقديساً ، فنظر إلى الرأس وإذا هو


يسطع نوراً ، قد لحق النور بعنان السماء ، ونظر إلى باب قد فتح من السماء ، والملائكة ينزلون كتائب كتائب ويقولون : السلام عليك يا أبا عبدالله ، السلام عليك يا ابن رسول الله ، فجزع الراهب جزعاً شديداً وقال للعسكر : وما الذي معكم؟ فقالوا : رأس خارجيٍّ خرج بأرض العراق فقتله عبيد الله بن زياد ، فقال : ما اسمه؟ قالوا : اسمه الحسين بن علي ، فقال : الراهب : ابن فاطمة بنت نبيّكم وابن عمِّ نبيِّكم؟ قالوا : نعم ، قال : تبّاً لكم!! والله لو كان لعيسى ابن مريم ابن لحملناه على أحداقنا ، وأنتم قتلتم ابن بنت نبيِّكم! ثمَّ قال : صدقت الأخبار في قولها : إذا قتل هذا الرجل تمطر السماء دماً عبيطاً ، ولا يكون هذا إلاَّ في قتل نبيٍّ أو وصيّ نبيٍّ ، ثمَّ قال : لي إليكم حاجة ، قالوا : وما هي؟ قال : قولوا لرئيسكم : عندي عشرة آلاف درهم ، ورثتها عن آبائي ، يأخذها مني ويعطيني الرأس يكون عندي إلى وقت الرحيل ، فإذا رحل رددته إليه ، فوافق عمر بن سعد ، فأخذ الرأس وأعطاهم الدراهم ، وأخذ الرأس فغسله ونظَّفه وطيَّبه بمسك ، ثمَّ جعله في حريرة ووضعه في حجره ، ولم يزل ينوح ويبكي وهو يقول : أيُّها الرأس المبارك! كلِّمني بحقِّ الله عليك ، فتكلَّم الرأس وقال : ما تريد مني؟ قال : من أنت؟ قال : أنا ابن محمّد المصطفى ، أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا المقتول بكربلاء ، أنا الغريب العطشان بين الملا ، فبكى الراهب بكاء شديداً ، وقال : سيدي! يعزُّ والله أن لا أكون أوَّل قتيل بين يديك ، فلم يزل يبكي حتى نادوه وطلبوا منه الرأس ، فقال : يا رأس! والله لا أملك إلاَّ نفسي ، فإذا كان غدا فاشهد لي عند جدِّك محمّد أني أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأن محمّداً عبده ورسوله ، أسلمت على يدك وأنا مولاك.

فبدأ يصيح الشيخ بصوت حزين يقرح القلوب : مسيحيُّ أسلم ، مسيحىٌّ


آوى رأس إمامكم ، وأنتم تدّعون أنكم من الإسلام!!

فأخذني البكاء الشديد ، وصرت أكفكف بدموعي ، وأنظر من حولي لئلا يراني أحد ، وأنا مكابر .. وأسأل : رأس ابن بنت النبيِّ يحمل على الرمح؟ يمثَّل به؟ من بلد إلى بلد؟ ويزيد يدّعي الإسلام!! مسيحيٌّ راهب آمن من وراء معجزة رأس الحسين وأنا مكابر؟ يا إلهي!! السماء تمطر دماً؟ ورأس الحسين يطاف به من بلد إلى بلد؟ فتذكَّرت حديث رسول الله 6 : لا تمثِّلوا ولو بكلب عقور ، فأين هذه الأمّة من الإسلام؟ فصرت ألعن يزيد ومن عيَّن يزيد.

فصرت أسأل : من الذي عيَّن يزيد؟ معاوية؟ من الذي عيَّن معاوية؟ تساؤلات لا تنتهي.

أثَّرت في نفسي قصّة الراهب ودخوله الإسلام ، أثرت في نفسي الجموع الغفيرة وهي تبكي وتلطم ، يا إلهي! ما الخطب؟ ما الأمر؟ ما الذي جرى على الأمّة؟ فخرجت من المسجد ودوَّامة الصراع لا تتركني.

أين شيخنا في القرية الذي يحذِّرني من هؤلاء الشيعة ، ويقول لي : هم الذين قتلوا الحسين 7؟

ما هذه المأساة التي حلَّت بالأمَّة؟ ما هذه الظليمة؟ فخرجت من الجامع الأمويّ متّجهاً باتجاه منطقة السيِّدة زينب 3 ، وفي الطريق أفكِّر هل كلام الشيخ عندنا صحيح؟ أم كلام هذا الشابّ الشيعي؟ الراهب يدخل إلى الإسلام؟ ويبكي وينوح؟ ويقول : اشهد لي يا رأس! أسلمت على يدك ، اشهد لي عند جدِّك محمّد؟

كلَّما أهدأ وأتخلَّص من دوَّامة بعض التساؤلات تأتيني عاصفة جديدة من التساؤلات ، يا إلهي!! لماذا لا أعلم كل هذه الأمور؟ يا إلهي! متى أتخلَّص من


هذه الدوَّامة التي حيَّرتني؟ فدفعتني هذه الكارثة التي حلَّت بالأمَّة إلى أن أشدَّ الهمّة من جديد دون كلل أو ملل بحثاً عن الحقيقة ، لمعرفة كلام الشابّ الشيعيّ هل هو صحيح أم كلام شيخ البلد؟ فصعدت في ( السرفيس ) متّجهاً إلى منطقة السيِّدة زينب 3 ، والأفكار والتساؤلات تعصب بي كالموج ، مرَّة أهدأ ومرَّة أثور ، مرّة أهدأ .. أقول كلام الشيخ عندنا هو الصحيح! ومرَّة أثور عندما أتذكَّر قضيّة الراهب وقضيَّة الرأس!! وقضيّة يزيد!! وماذا فعل بالأمَّة؟ حتى أخذتني الأفكار ونسيت أن أنزل في منطقة السيِّدة زينب ، فتجاوزتها ووصلت إلى منطقة الذيابيّة ، فهدأت من التفكير ، وإذا بالسائق يصيح : ذيابيّة ذيابيّة ، من هو نازل؟

فقلت له : على مهلك ، أنزلني ، فنزلت وعدت مرّة أخرى إلى منطقة السيِّدة زينب 3 ، أسأل عن الحوزة العلميّة الزينبيّة ، وأخيراً وصلت إلى الحوزة ، فصعدت أسأل عن الشيخ جلال المعاش ، فقال لي شابٌّ : بعد صلاة المغرب يأتي.

ورجعت بعد صلاة المغرب ، وصعدت أسأل عن الشيخ ، فوجدت مكتبة في الطابق الأوّل ، فقرعت الباب ، وسألت عن الشيخ ، فقال لي شاب : تفضّل اجلس ، الآن يأتي الشيخ ، وهذه غرفته ( بجوار المكتبة ).

فجلست وأنا في دوَّامة ، أخمد وأثور ، وإذا بشابٍّ يفاجئني بقوله : هذا هو الشيخ جلال الذي تبحث عنه ، فصافحت الشيخ بحرارة ، وشرحت له موقفي ، ومن أرسلني إليه ، فحيَّاني ورحَّب بي ذلك الترحاب الشديد ، وأدخلني إلى غرفته ، ومن ثمَّ أدخلني إلى المكتبة ، فصرت أحادث نفسي وكأنه عرف مشكلتي .. الحمد لله.

فدخلت معه إلى المكتبة ، وبدأ يجوِّلني في المكتبة ، وأنا أنظر إلى أسماء


الكتب فشاهدت مباشرة صحيح البخاري ، فقرأت الطبعة وإلاَّ نفس الطبعة الموجودة عند شيخنا في البلد .. صحيح مسلم ، الترمذي ، صحيح النسائي ، كتب السنن والسيرة كلّها .. تفسير ابن كثير ، تفسير الجلالين ، تفسير القرطبي ، تفسير الفخر الرازي ، يا إلهي! هذه مكتبة سنّيّة وليست شيعيّة ، كل كتب السنّة موجودة بالإضافة إلى كتب الشيعة!! يا إلهي! ما هذه الحواجز؟ ما هذه الإشاعات؟

هل علماؤنا يعمدون التجهيل بنا؟ هل علماؤنا مضللون؟ هل علماؤنا لا يعرفون الحقيقة؟ يا إلهي! كيف كان يقول لي أحد علماؤنا : كتبهم محرَّفة ومزوَّرة ومدسوسة؟ ومن هنا كانت انطلاقة البحث ، والثورة في عالم العقائد والإلهيّات ، والانفتاح على القراءة ، ومتابعة البحث دون تردّد ، فودَّعت الشيخ ، وشكرته على ما أطلعني عليه في هذه المكتبة من كتب ، وقلت له : أُريد منك عنوان العالم العراقي الذي كان سنّيّاً وتشيَّع حتى ألتقي به ، فأعطاني العنوان وخرجت (١).

__________________

١ ـ ومن الحوار اكتشفت الحقيقة ، هشام آل قطيط : ٤٧ ـ ٦٢.


المناظرة الحادية والأربعون

مناظرة

الشيخ هشام آل قطيط مع العلاّمة السيِّد علي البدري 4

للقاء الأول : لقاء وتعارف

قال الشيخ هشام آل قطيط : اللقاء الأول مع الداعية الشيعيِّ الكبير ، العلامة البدري.

وفي اليوم الثاني بعد صلاة الظهر ذهبت إلى منزل السيِّد البدري ، وصعدت إلى الطابق الأوَّل ، أنظر إلى الجرس مكتوباً عليه منزل السيِّد علي البدري ، فقرعت الجرس وقلبي يخفق فرحاً ، يا إلهي! يا سيِّدتي زينب! الخلاص الخلاص من هذه الدوَّامة والقلق المستمرّ ، الغوث الغوث ، أدركيني يا بنت علي بن أبي طالب ، وعند وصولي إلى كلمة علي انفتح الباب ، وإذ برجل طويل ، عريض المنكبين ، ذي لحية كثّة طويلة ، وجهه كالنور المشعّ ، تعلوه الهيبة والوقار ، فقال لي : تفضَّل يا ابن الجزيرة ، فدخلت ، وأصبت بقشعريرة حلَّت في جسدي ، يا إلهي! من أين له العلم أني من الجزيرة؟ الله أكبر! الله أكبر! اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد!!

فأدخلني وأجلسني في صدر المكتبة ، وقال لي : أنت مريض وقلق ، مرضك ليس جسديّاً وليس نفسيّاً ، وإنما تعيش في دوَّامة ، بالتأكيد إنك التقيت


في حياتك بشيعة ، تحاورت معهم فغلبوك في الحوار ، ورجعت إلى علمائكم السنّة ، فغيَّروا أفكارك ، فأصبحت تائهاً ومحتاراً في أفكارك ، وهذا أشدُّ مرضاً وحيرةً ، هنيئاً لك ، هنيئاً لك متابعة البحث ، فالكثير من الشباب سقطوا في البحث ، نتيجة لقائهم مع أخ شيعيٍّ يحاوره ، فيرجع إلى العالم هناك في المنطقة أو في أيِّ مسجد يحذِّره من الشيعة ، فيقف عن متابعة البحث ويصبح أشدَّ عداء للشيعة ، فمتابعة البحث ضرورية.

إلى أن قال السيِّد البدري : أنا من منطقة الكرَّادة الشرقيَّة ( بغداد ) ، كنت سنّيّاً ، وعائلة البدري معروفة في العراق سنّيّة ، فهناك عالم مهمٌّ إذا تسمع به ، الباحث الكبير والدكتور عبد العزيز البدري ، الذي اغتاله صدام لأنّه كان معارضاً له.

نشأت وترعرت في بيئة سنّيّة إلى أن حصلت على الجامعة كليّة الشريعة الإسلاميّة من العراق ، وبعدها التقيت بكثير من الشيعة في العراق ، وأنت تعلم أن نسبة الشيعة في العراق حوالي ٦٥% تقريباً ، أكبر طائفة في العراق ، وبدأت أبحث وألتقي مع علماء الشيعة ، فأحرج أمامهم بالنقاش وأنا خريج جامعة ـ كليَّة الشريعة ـ.

فتابعت البحث بكل ما يستدلُّ به الشيعة على السنّة من خلال الصحاح ، وبعد سبع سنوات من البحث أعلنت عن تشيُّعي ، وبدأت أدعو للمذهب الشيعيِّ الذي اخترته بقناعة ، فحوربت من قبل أهلي وتركت المنطقة.

وكلِّفت من قبل زعيم الطائفة الشيعيَّة في العراق ، المرجع الكبير ، آية الله العظمى السيِّد أبو القاسم الخوئي ، وكيلا عنه للشيعة في مصر ، وتركت زوجتي في العراق ، وتزوَّجت دكتورة مصرية خلال الخمس سنوات من إقامتي في


القاهرة ، حيث تشيَّعت وهداها الله إلى مذهب أهل البيت : ، والآن تسكن هي وأولادها في إيران ، ومن مصر رجعت إلى إيران ، ومن إيران إلى بلدكم الطيِّبة التي احتضنتنا سوريا ، بقيادة هذا الرجل الطيِّب السيِّد الرئيس حافظ الأسد ، يحترم رجال الدين ويقدِّرهم.

وصار لي أكثر من سنة في سوريا ، وتجربتي في الدعوة من فضل الله كبيرة ، حيث أسَّست مراكز للشيعة في السودان (١) ، وفي تنزانيا ، وفي ساحل العاج ، وفي بومباي والباكستان ، وفي مصر .. رموز الشيعة هناك أمثال الشيخ حسن شحاتة من قرية أبو كبير ، والسيِّد حسين الضرغامي وكيل الشيعة في مصر حاليّاً في القاهرة ، والأستاذ محمّد عبد الحفيظ المصري ، ودكاترة من الأزهر أعلنوا عن تشيُّعهم على يدي بفضل الله وبركاته.

وسوف أقدِّم لك كتاباً يفيدك في هذا المجال ، اسمه : ثمَّ اهتديت ، لدكتور تونسيٍّ تشيَّع ، وكتاب اسمه : الحقيقة الضائعة ، لكاتب سودانيٍّ اسمه : الشيخ معتصم سيِّد أحمد ، يكتب قصَّته ، وكيف انتقل من السنة إلى الشيعة بالأدلّة والبراهين ، وكتب أخرى في هذا المجال.

وسوف أصوِّر لك حواريَّة إنسان مسيحيٍّ كان قسّيساً عند المسيحيّة ،

__________________

١ ـ والجدير بالذكر هنا هو ما قاله الشيخ معتصم سيِّد أحمد السوداني في حق هذا السيِّد الجليل في تجوُّله في البلدان ، واهتمامه الشديد ، وعمله الدؤوب في نشر التشيُّع ، والدعوة والإرشاد إلى ولاية أهل البيت : ، قال : وبعد وصولي إلى مدينة الخرطوم وجدت سماحة العلامة السيِّد علي البدري يعقد المحاضرات والمناظرات تثبيتاً لمذهب أهل البيت : رغم سنّه ، وكثرة الأمراض التي تعجزه عن الحركة ، ولكنه كان ذا روح عاليه تغلَّبت على ألام المرض وضعف الكبر ، فقلت في نفسي : مثل هذا السيِّد وفي بلد غير بلده يقوم بخدمة مذهب أهل البيت : أكثر منّا نحن الشباب ، فقرَّرت تأجيل سفري إلى أهلي في شمال السودان ، وأن أقوم بمساعدته. حوارات ، الشيخ معتصم السوداني : ١٨.


وجاء إلى قبَّة الإسلام في بغداد ، وحاور علماء السنّة في المذاهب الأربعة ، واهتدى إلى الإسلام بعد كشفه التناقض في المذاهب الأربعة وأعلن عن تشيُّعه.

وسوف أقدِّم لك كتاباً يشفي غليلك إن شاءالله تعالى ، اسمه : لماذا اخترت مذهب الشيعة مذهب أهل البيت:؟ للشيخ محمّدمرعي الأنطاكي ، وهو أزهريٌّ تخرَّج من الأزهر منذ ثلاثين سنة ، وأعلن عن تشيُّعه ، وهو من مدينة حلب ، وكان قاضياً للقضاء في حلب ، وتشيَّع عن طريقه أخوه الشيخ أحمد مرعي الأنطاكي ، وكتب كتاباً في هذا الخصوص اسمه : في طريقي إلى التشيع.

وهنالك محامي أردني تشيَّع أخيراً ، وألَّف كتاباً اسمه : نظرية عدالة الصحابة والمواجهة مع رسول الله 6.

قال هشام قطيط بعدما أهداه فضيلة السيِّد البدري مجموعة من الكتب القيِّمة : فودَّعته شاكراً ، وقبَّلت جبينه ، وطلبت منه الدعاء ، وخرجت.

اللقاء الثاني : تحديد موعد للمناظرة والمحاورة

قال الشيخ هشام آل قطيط : اللقاء الثاني.

قرعت جرس الباب في تمام الساعة العاشرة صباحاً ، ففتح لي سماحة السيِّد البدري ، وأدخلني بيته ، وأجلسني في صدر المكتبة ، إلى أن قال :

سيِّدنا الجليل! بكل صراحة لا أخفيك الأمر ، أنا لديَّ مجموعة كبيرة من الأسئلة ، فجمعت كل ما يطرحه عندنا العالم السنّيّ لأسأله ، لأني محتاج ومتعطِّش للاطّلاع ، فأريد منك أن تحدِّد لي جلسة للبدء في الحوار.

فقال لي: بعد أسبوع تجهِّز ما عندك من أسئلة ، وتأتيني بعد صلاة المغرب مباشرة لنبدأ بالحوار ، فودَّعت سماحة السيِّد ، وشكرته على رحابة صدره


وتواضعه ، والقبول بكل ما أسأل ، يا إلهي! ما أعظم هذا الرجل!!

اللقاء الثالث : ( بداية البحث الفعلي والحوار )

حضرت بعد صلاة المغرب مباشرة وأنا أحضر أسئلتي للحوار الذي لا يرحم ، حيث فيه تقرير المصير والوصول إلى النهاية بعد بحث ونظر.

هشام آل قطيط : سماحة السيِّد البدري! إذا كنتم أهل الشيعة تعتقدون بأن علياً 7 هو الإمام بعد النبيِّ 6 والخليفة دون غيره ، وأنَّه أحقُّ بها وأهلها ، فما الوجه في تقدُّم الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان ، وادّعائهم الإمامة دونه ، وإظهارهم أنهم أحقُّ بها منه؟

السيِّد البدري : إني عندما بدأت بالبحث كان أوَّل سؤال يخطر في ذهني هو هذا التساؤل ، ويسأله كل سنّيٍّ ، والإجابة عليه يا بني : إن ذلك ليس مما أعتقده أنا وأريد إقناعك به ، وإنما أراده الله تعالى ورسوله 6 وجماعة المؤمنين أجمعين ، بحكم ما جاء من أدلّة ونصوص تثبت خلافة علي 7 في الأحاديث الصحيحة والمتواترة عند جميع المسلمين ، والآيات الكريمة المتّفق عليها من الفريقين السنّيِّ والشيعيِّ ، فمن الأدلّة القرآنيّة التي تثبت أحقّيّة علي 7 بالخلافة :

أولا : ( آية التبليغ ) وهي قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (١).

يأمر الله تعالى نبيَّه محمّد 9 في واقعة غدير خم في تبليغ هذه الآية

__________________

١ ـ سورة المائدة ، الآية : ٦٧.


الكريمة ، وقد أجمع المفسِّرون من السنّة والشيعة على أنها نزلت في غدير خم ، في شأن علي 7 ، في تحقيق أمر الخلافة والإمامة ، وأنها نصٌّ من الله سبحانه وتعالى.

هشام آل قطيط : سماحة العلامة البدري! بعد ذكرك لهذه الأدلّة القيِّمة التي أثبتَّ من خلالها أحقّيّة علي 7 بالخلافة ، لكن لم أسمع الجواب على سؤالي بالتحديد ، وخاصّة أن الأكثريّة أجمعوا على خلافة أبي بكر.

السيِّد البدري : أنا ذكرت لك هذا الدليل من القرآن لكي تأخذه بالاعتبار ؛ لأن مصدرنا التشريعي الأوَّل هو القرآن ، والثاني هو السنة النبويّة ، والآن أعطيك الجواب ، وأبيِّن لك على أن رأي الأكثريَّة ليس بحجَّة ، ولو أنك ـ يا بني ـ وقفت قليلا على ما سجَّله التاريخ الصحيح لعلمت أن عليّاً 7 لم يقرَّهم على ذلك ، أو أنه رضي بذلك إلاَّ أن رضا أكثرهم لا يكون دليلا علميّاً على صوابهم وأن الحق في جانبهم ، كما صرَّحت بذلك الكثير من آيات الكتاب العزيز.

فعل الأكثرين لا يكون دليلا على الصواب ، فمن ذلك قوله تعالى : ( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ) (١) ، وقال تعالى : ( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) (٢) ، وقال تعالى : ( وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْد وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ) (٣) ، وقال تعالى : ( فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً ) (٤) ، وقال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ

__________________

١ ـ سورة ص ، الآية : ٢٤.

٢ ـ سورة سبأ ، الآية : ١٧.

٣ ـ سورة الأعراف ، الآية : ١٠٢.

٤ ـ سورة الفرقان ، الآية : ٥٠.


لَذُو فَضْل عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ) (١) ، وقال تعالى : ( يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ) (٢) ، وقال تعالى : ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ ) (٣).

وكل هذه الآيات تدلُّ على أن الحقَّ لا يكون دائماً بجانب الكثرة ، وإنما يكون غالباً بجانب القلّة ، ولو أنك تدبَّرت ـ يا أخي ـ لوجدت على مرّ التاريخ أن الأغلبيّة عصاة ، والمخلص المطيع منهم قليل ، والأكثر منهم جهَّال ، والعلماء منهم قليلون ، وأهل المروءة والشجاعة فيهم أقلّ ، وأهل الفضائل والمناقب أفراد ، وأن المدار في معرفة الحقّ والوقوف عليه يعتمد على الدليل والبرهان.

أميرالمؤمنين علي 7 له أسوة بسبعة من الأنبياء ، وأمَّا ترك علي 7 جهاد المتقدِّمين بالسيف والسنان فحسبك في جوابه قوله 7 فيما تضافر عنه نقله ، وحكاه ابن أبي الحديد في شرح النهج ، وغيره من مؤرِّخيكم ، حيث يقول : لو لا حضور الحاضر ، وقيام الحجّة بوجود الناصر ، وما أخذ الله تعالى على أولياء الأمر ، أن لا يقارُّوا على كظَّة ظالم ، أو سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أولها .. (٤).

وأنت ترى ـ يا أخي ـ أن قول علي7هذا صريح كل الصراحة في أنه 7إنما ترك جهاد وقتال الخلفاء الثلاثة لعدم وجود الناصر ، وجاهدالناكثين أيام

__________________

١ ـ سورة يونس ، الآية ٦٢.

٢ ـ سورة النحل ، الآية : ٨٣.

٣ ـ سورة الأنبياء ، الآية : ٢٤.

٤ ـ نهج البلاغة ، خطب أميرالمؤمنين ٧ : ١/٣٦ ـ ٣٧ ، خطبة رقم : ٣ ، علل الشرائع ، الصدوق : ١/١٥١ ح ١٢ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١/٢٠٢.


حرب الجمل ، والقاسطين أيام معاوية ، والمارقين ( أي الخوارج ) لوجود الأنصار معه ، ولأنه في قتاله المتقدِّمين عليه ذهاب الدين بأصوله وفروعه ؛ لأن الناس جديدو عهد بالإسلام كما لا يخفى عليك ، وعلى من له أدنى فطنة بخلاف الطوائف الثلاث.

ولقد قال علي7 في جواب من قال : لم لم ينازع علي الخلفاء الثلاثة كما نازع طلحة والزبير ومعاوية؟ إليك قوله7 : إن لي بسبعة من الأنبياء أسوة :

الأوَّل : نوح 7 ، قال الله تعالى مخبراً عنه في سورة القمر : ( أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ) (١) ، فإن قلت لي : لم يكن مغلوباً فقد كذَّبت القرآن ، وإن قلت لي كذلك فعلي 7 أعذر.

الثاني : إبراهيم الخليل 7 ، حيث حكى الله تعالى عنه قوله في سورة مريم : ( وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) (٢) ، فإن قلت لي : اعتزلهم من غير مكروه فقد كفرت ، وإن قلت لي : رأى المكروه فاعتزلهم فعليٌّ 7 أعذر.

الثالث : ابن خالة إبراهيم ، نبي الله تعالى لوط 7 ، إذ قال لقومه على ما حكاه الله تعالى في سورة هود 7 : ( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْن شَدِيد ) (٣) ، فإن قلت لي : كان له بهم قوَّة فقد كذَّبت القرآن ، وإن قلت لي : إنه ما كان له بهم قوَّة فعليٌّ 7 أعذر.

الرابع : نبي الله يوسف 7 ، فقد أخبرنا الله تعالى عنه في قوله في سورة

__________________

١ ـ سوره القمر ، الآية : ١٠.

٢ ـ سورة مريم ، الآية : ٤٨.

٣ ـ سورة هود ، الآية : ٨١.


يوسف : ( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) (١) ، فإن قلت لي : إنه دعي إلى غير مكروه يسخط الله تعالى فقد كفرت ، وإن قلت لي : إنه دعي إلى ما يسخط الله فاختار السجن فعلي 7 أعذر.

الخامس : نبي الله هارون بن عمران 7 ، إذ يقول على ما أخبرنا الله تعالى عنه في قوله : ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي ) (٢) فإن قلت لي : إنهم ما استضعفوه فقد كذَّبت القرآن ، وإن قلت لي : إنهم استضعفوه ، وأشرفوا على قتله فعليٌّ أعذر.

السادس : كليم الله موسى بن عمران 7 ، إذ يقول على ما ذكره الله تعالى عنه : ( فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (٣) ، فإن قلت لي : إنه فرَّ منهم من غير خوف فقد كذَّبت القرآن ، وإن قلت لي : فرَّ منهم خوفاً فعلي 7 أعذر.

السابع : سيدنا محمّد 6 ، حيث هرب إلى الغار ، فإن قلت لي : إنه 6 هرب من غير خوف فقد كفرت ، وإن قلت لي : إنهم أخافوه وطلبوا دمه وحاولوا قتله فلم يسعه غير الهرب فعلي 7 أعذر (٤).

هشام آل قطيط : سماحة السيِّد! من المعلوم لدى جميع الطوائف الإسلاميَّة وغير الإسلاميّة أن علياً 7 أشجع الناس ، وتدّعون أنتم الشيعة أن

__________________

١ ـ سورة يوسف ، الآية : ٢٢.

٢ ـ سورة الأعراف ، الآية : ١٥٠.

٣ ـ سورة الشعراء ، الآية : ٢١.

٤ ـ هذا الاحتجاج الذي ساقه السيِّد البدري مأخوذ من احتجاج علي بن ميثم في مناظرته مع بعضهم ، وهي المناظرة السابعة والثلاثون ، راجع الجزء الثالث من كتابنا المناظرات ص ١٩١.


عليّاً معصوم ، فلو لم تكن خلافة أبي بكر حقّة لنازعه في ذلك ، وترك المنازعة ـ سماحة السيد ـ مخلٌّ بالعصمة ، وأنتم الشيعة توجبونها في الإمام ، وتعتبرونها شرطاً في الصحّة.

السيِّد البدري : أولا : إن ترك علي 7 منازعة أبي بكر بالحرب والقتال لا يكون مخّلا بعصمته ولا بأشجعيّته ، ولا يدلُّ على صحَّة ما قام به أقوامهم ، وبطلانه واضح لا يشكُّ فيه من له عقل أو شيء من الدين.

ثانياً : كان في توقُّف الإمام علي 7 عن حربهم وقتالهم منافع عظيمة ، وفوائد جليلة ، حصرت المدارك والأفهام عن الوصول إليها ، منها : أنه لو قاتلهم لتولَّد الشك من النائين عن المدينة وغيرها من البلدان الإسلاميّة بنبَّوة النبِّي محمّد 6 ، وذلك لعلمهم بأن القتل والقتال لا يقع إلاَّ على طلب الملك والزعامة الدنيويّة ، لا على النبوَّة والإمامة والخلافة ، فيوجب ذلك وقوع الشك في صحّة نبوَّة سيِّدنا محمّد 6 ، لا سيّما وهم جديدو عهد بالإسلام ، خاصّة إذا لا حظت وجود من يتربَّص الدوائر بالإسلام من المنافقين ، ويريد الوقيعة فيه ، فهل تجد حينئذ فساداً أعظم من أن يخرج عن الإسلام من دخل فيه بفعل المنافقين ، وتلبيسهم ذلك الأمر على البله المغفلين؟!

ومنها : أن ترك قتالهم يومئذ كان سبباً لأن يكثر فيهم التشيُّع ، وفي التابعين إلى يومنا هذا.

والدليل على ذلك يا أخي ، انظر إلى ( ميزان الذهبي ) عند ترجمته لأبان بن تغلب من جزئه الأول ، فإنكم ترونه يقول : فهذا كثير ـ يعني التشيُّع ـ في التابعين وتابعيهم ، مع الدين والورع والصدق ، فلو ردَّ حديث هؤلاء لذهبت جملة من الآثار النبوّيّة ؛ وهذه مفسدة بيِّنة (١).

__________________

١ ـ ميزان الاعتدال ، الذهبي : ١/٥ ، رقم : ٢ ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ١/٥٩.


الخطبة الشقشقية واحتجاجات الإمام علي 7

هشام آل قطيط مقاطعاً السيّد : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ) (١) أين نذهب بمفاد هذه الآية؟

السيِّد البدري : على كيفك ـ ( رويداً ) ـ على كيفك يا أخي ، أنتهي من إثبات الأدلّة ، وأبيِّن لك توجيه ومفاد الآية الكريمة.

ومنها : ذهاب السنن الدالّة على إمامة الإمام علي 7 ، إن هو قاتلهم وقتلهم يختفي الحقّ ملتبساً ، لا يعرف أين هو ، ولذلك ترونه قد رضي 7 بالهدنة عندما رفع أهل الشام المصاحف في صفّين ، فانخدع بذلك جمٌّ غفير من أهل العراق ، فكان 7 بإمكانه أن يقلب الصفَّ على الصفِّ ، لكنَّه 7 آثر ذلك لأنه أهون الضررين ؛ لعلمه 7 برجوع الكثير منهم إلى الحقِّ بعد خروجهم عليه ، فمثل هذه النتائج القيِّمة والغايات الحسنة أوجب ترك قتالهم وأوجب مهادنتهم.

ومنها : أن ترك علي 7 قتال القوم لا يوجب الرضا بتقدُّمهم عليه ، ولا يقتضي سقوط حقِّه في الخلافة بعد النبي6 ، وإلاَّ لزم أن يكون النبيُّ 6 بتركه قتال المشركين عام الحديبية ، ومحو اسمه من النبوّة معزولا عن النبوَّة ، وراضياً بما ارتكبه المشركون ، وكان يومئذ أربعمائة وألف رجل ـ على ما أخرجه البخاري في صحيحه في غزوة الحديبية ـ على قتالهم ، فإذا صحَّ لديكم هذا ، وقلتم بسقوط حقِّ النبوَّة من رسول الله 6 صحَّ لكم ذاك ، وهذا معلوم البطلان ، وذاك منه باطل ، نعم إنما قبل 6 ورضي به 6 لحكم وغايات

__________________

١ ـ سورة الفتح ، الآية : ٢٩.


جليلة ، غابت عن ذهن الكثيرين ، ولم يهتدوا لها.

ومنها : كراهته 6 للقتل والقتال وحرصه على صون الدماء ما استطاع إليه سبيلا ، وليس في محو لاسمه الشريف من الرسالة ما يوجب الوهن فيها ؛ لثبوتها بآياتها البيّنات ومعجزاتها النيِّرات.

مقارنات بين محمَّد رسول الله 6 وبين ما اتّبعه علي 7

علم سيِّدنا محمّد 6 بأن أكثر هؤلاء سوف يسلمون بعد فتح مكة.

محافظته على حياة أصحابه ولو رجل منهم من غير ضرورة تدعو إلى قتالهم ؛ لعلمه 6 بأنه سيدخل مكة المكرمة مع أصحابه في العام القادم من غير سلاح وقتال.

إنه لو قاتلهم في عام الحديبية لم يتيسَّر له فتحها بتلك السهولة ، بل تنكَّر منه القوم ، ولجعل دعاتهم العيون في الطريق خوفاً من صولته 6 عليهم بغتة وهم لا يشعرون.

إنه 6 سنَّ بذلك دستوراً جميلا ، ومنهاجاً عالياً لمن يأتي بعده ليسير عليه كل من عرض له مثل ما عرض له 6.

ولهذا وأضعاف أمثاله جنح للسلم والمصالحة ، ويقول القرآن في سورة الأنفال : ( وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا )(١)، لذا ترون عليّاً7ترك قتلهم وقتالهم مقتدياً بالنبي6، ومتّبعاً له في شرعه ومنهاجه ، فلم يقاتل دافعيه عن حقِّه لمقاصد سامية ، أعظمها ـ كما ذكرت ـ حفظ الدين بأصوله وفروعه وقوانينه

__________________

١ ـ سورة الأنفال ، الآية : ٦١.


وآثاره ، الأمر الذي كان يدعوه كثيراً إلى أن يقدِّم نفسه الزكيَّة قرباناً في سبيل حفظه وبقائه واستمراره وانتشاره ، فضلا عن حقّه وتراثه.

وجملة القول : كانت رعايته 7 لصيانة الدين وحفظه أكثر من رعايته لحقّه ، وكان ضياع حقِّه عنده أهون عليه من ذهاب الدين وزواله ، وما فعله 7 هو الواجب عقلا وشرعاً ؛ إذ أن مراعاة الأهمّ ـ وهو احتفاظه بالأمّة ، وحياطته على الملّة ـ وتقديمه على المهمّ ـ وهو احتفاظه بحقّه ـ عند التعارض من الواجب الضروريِّ في الدين الإسلاميِّ ، وميله للسلم والموادعة كان هو الأفضل في الصواب.

هشام آل قطيط : سماحة السيد! أدلّتك مقنعة وقويّة ، ولكن أين نذهب بقوله تعالى:( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ) (١).

السيِّد البدري : لماذا أنت متمسِّك بهذه الآية؟ اتركني أنتهي من الأدلّة وأردُّ عليك إن شاء الله تعالى ، اصبر ، اصبر يا أخي .. ألم تسمع بكتاب نهج البلاغة للإمام علي 7 ، إذ قال في خطبته المشهورة بالشقشقيّة :

أما والله لقد تقمَّصها ابن أبي قحافة ، وإنه ليعلم أن محلّي منها محلُّ القطب من الرحى ، ينحدر عنّي السيل ، ولا يرقى إليَّ الطير ، فسدلت دونها ثوباً ، وطويت عنها كشحاً ، وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب منها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربَّه ، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ، أرى تراثي نهباً ، حتى مضى الأوَّل لسبيله ، فأدلى بها إلى ابن

__________________

١ ـ سورة الفتح ، الآية : ٢٩.


الخطاب بعده ... (١).

ونقل ابن أبي الحديد أيضاً في شرح نهج البلاغة في ٣٠٨ تحت عنوان ( خطبته عند مسيره للبصرة ) قال : روى الكلبي أنّه لمَّا أراد عليٌّ 7 المسير إلى البصرة قام فخطب الناس ، فقال بعد أن حمد الله وصلَّى على رسوله 6 : إن الله لمَّا قبض نبيَّه استأثرت علينا قريش بالأمر ، ودفعتنا عن حقٍّ نحن أحقُّ به من الناس كافّة ، فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين ، وسفك دمائهم ، والناس حديثو عهد بالإسلام ، والدين يمخض مخض الوطب ، يفسده أدنى وهن ، ويعكسه أقلُّ خلف (٢).

ولعليٍّ7في نهج البلاغة كتاب إلى أهل مصر ، بعثه مع مالك الأشتر 4 ، جاء فيه : أمَّا بعد ، فإن الله سبحانه بعث محمّداً6نذيراً للعالمين ، ومهيمناً على المرسلين ، فلمَّا مضى6تنازع المسلمون الأمرمن بعده ، فو الله ما كان يلقى في روعي ، ولا يخطر ببالي أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده6عن أهل بيته ، ولا أنه نحوَّه عنّي من بعده6، فماراعني إلاَّ انثيال الناس على فلان يبايعونه ، فأمسكت بيدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام ، يدعون إلى محق دين محمَّد6، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً وهدماً ، تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي

__________________

١ ـ نهج البلاغة ؛ خطب أميرالمؤمنين ٧ : ١/٣٠ ـ ٣٢ ، رقم : ٣ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١/١٥١ ، الإرشاد ، المفيد : ١/٢٨٧ ـ ٢٨٨ ، الأمالي ، الطوسي : ٣٧٢ ـ ٣٧٣ ح ٥٤ ، علل الشرائع ، الصدوق : ١٥٠ ـ ١٥١ ح ١٢ ، معاني الأخبار ، الصدوق : ٣٦٠ ـ ٣٦١ ح ١ ، مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : ٢/٤٨.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١/٣٠٨ ، بحار الأنوار ، المجلسي : ٣٢/٦٢.


متاع أيام قلائل ، يزول منها ما كان ، كما يزول السراب ، وكما ينسطع السحاب ، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق واطمأنّ الدين وتنهنه (١).

ونقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة تحت عنوان ( خطبة الإمام علي 7 بعد قتل محمّد بن أبي بكر ) قال : روى إبراهيم ـ صاحب كتاب الغارات ـ عن رجاله ، عن عبد الرحمن بن جندب ، عن أبيه قال : خطب علي 7 بعد فتح مصر ، وقتل محمّد بن أبي بكر ، فنقل خطبة بليغة ذكر فيها وقائع أليمة وقعت بعد وفاة النبي 6 ، وذكر بعض ما كتبه لأهل مصر ، وأشار في خطبته إلى الشورى التي أمر بها عمر بن الخطاب وخرج بالنتيجة قائلا :

فصرفوا الولاية إلى عثمان ، وأخرجوني منها ، ثمَّ قالوا : هلمَّ فبايع وإلاَّ جاهدناك ، فبايعت مستكرهاً ، وصبرت محتسباً ، فقال قائلهم : يا بن أبي طالب! إنك على هذا الأمر لحريص ، فقلت : أنتم أحرص منّي وأبعد ، أيُّنا أحرص أنا الذي طلبت ميراثي وحقّي الذي جعلني الله ورسوله أولى به ، أم أنتم إذ تضربون وجهي دونه ، وتحولون بيني وبينه؟ فبهتوا ، والله لا يهدي القوم الظالمين (٢).

ولا أطيل عليك بعدِّ هذه الأدلّة من كلمات الإمام 7 وخطبه المشهورة التي تبيِّن مظلوميَّته وسكوته عن حقّه وقعوده.

هشام آل قطيط : هل الخطبة الشقشقيّة للإمام علي7أم من إنشاء وأقوال الشريف الرضي الذي جمع نهج البلاغة؟ وقد ثبت في التأريخ أنه لم يكن ناقماً على خلافة الخلفاء الراشدين قبله ، بل كان راضياً منهم ، ومن آمن لهم.

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، خطب الإمام علي ٧ : ٣/١١٨ ـ ١١٩ ، رقم الكتاب : ٦٢ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٧/١٥١.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٦/٩٦ ، الغارات ، الثقفي : ١/٣٠٨.


سماحة السيد! إعطني دليلا على أن نهج البلاغة من أقوال الإمام علي 7 وكرَّم الله وجهه ، وإلاَّ هذه الأقوال والخطب مردودة.

السيِّد البدري : الشارحون لنهج البلاغة من علمائكم يا أستاذ ، ابن أبي الحديد المعتزلي لم يكن شيعيّاً ، هذا أوّلا.

ثانياً : الشيخ محمّد عبده مفتي الديار المصرية له شرح على نهج البلاغة ، ويثبت أنه من أقوال الإمام علي 7.

ثالثاً : الشيخ محمّد الخضري من أعلام السنة ، وله كتاب بعنوان ، محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية ، صفحة : ٢٧ ، وقد صرَّح أن الخطبة الشقشقيّة من بيان الإمام علي 7 ، وهناك أكثر من أربعين عالماً من الفريقين السني والشيعي قد صرَّحوا بأن الخطبة الشقشقيّة من كلام الإمام علي 7 ؛ لأنها على نسق خطبه الأخرى في النهج.

وقد نقل لنا ابن أبي الحديد في آخر شرحه للخطبة الشقشقيَّة عن ابن الخشاب قال : أنّى للرضيِّ ولغير الرضيِّ هذا النفس وهذا الأسلوب ، قد وقفنا على رسائل الرضيِّ وعرفنا طريقته وفنَّه في الكلام المنثور.

الخطبة الشقشقيّة موجودة قبل ولادة الرضي ، وقد ذكر ابن الخشاب وغيره أنهم وجدوا هذه الخطبة في الكتب منتشرة قبل أن يولد الشريف الرضيّ ، وقبل أن يولد أبوه أبو أحمد النقيب ـ نقيب الطالبيين ، فقد نقل ابن أبي الحديد في آخر شرحه للخطبة ، عن الشيخ عبدالله بن أحمد المعروف بابن الخشاب أنه قال : في كتب صنِّفت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة ، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها ، أعرف خطوط من هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي.


ثمَّ قال ابن أبي الحديد : وقد وجدت أنا كثيراً من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي ، إمام البغداديين من المعتزلة ، وكان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدّة طويلة.

ووجدت أيضاً كثيراً منها في كتاب أبي جعفر بن قبه ـ أحد متكلِّمي الإماميّة ـ المشهور المعروف بكتاب ( الإنصاف ) وكان أبو جعفر هذا من تلاميذ الشيخ أبي القاسم البلخي 4 ومات في ذلك العصر قبل أن يولد الشريف الرضي(١).

وجدتها أيضاً بخط الوزير ابن فرات ، كان قد كتبها قبل ميلاد الرضي بستين سنة.

وقال كمال الدين ابن ميثم البحراني الحكيم المحقِّق في كتابه شرح نهج البلاغة في الخطبة : إنّي وجدت هذه الخطبة في كتاب الإنصاف لابن قبه ، وهو متوفَّى قبل أن يولد الشريف الرضي.

اللقاء الرابع : في قضايا الخلاف وما يتعلَّق بالصحابة

كان اللقاء الرابع محدَّداً من قبل السيِّد لتكملة الحوار والمناظرة في قضايا الخلاف ، ومعرفة الحقيقة ، حيث كنت ألحُّ على السيِّد بالنقاش.

هشام آل قطيط : سماحة السيِّد! أريد جواباً منكم لقوله تعالى : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ) (٢) ، أليس الخلفاء ممن تحدَّثت الآن عنهم من الذين كانوا أشدّاء على الكفار ، وكانوا مع رسول

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١/٢٠٥ ـ ٢٠٦.

٢ ـ سورة الفتح ، الآية : ٢٩.


الله 6؟ فهذا توجيه الآية الكريمة ومفادها ، فما هو جوابكم؟ وما تقولون في أن الخلفاء : أبا بكر وعمر وعثمان من وجوه أصحاب الرسول 6 وزعماء من كان معه ، وإذا كان كذلك فهم أحقُّ الناس بما دلَّت عليه الآية من وصف المؤمنين ، والمدح لهم والثناء عليهم ، وذلك يمنع الحكم عليهم بالانحراف والخطأ.

السيِّد البدري : أقول : أولا ـ يا أستاذ ـ إن الآية بعمومها الإطلاقي شاملة لطلحة والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبي هريرة ، وأبي عبيدة عامر ابن الجرّاح ، وأبي الدرداء ، وسعد ، وسعيد ، وأبي موسى الأشعري ، وأبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومعاوية ، ومالك بن نويرة ، وأبي معيط ، ويزيد ، والوليد بن عقبة ، وعبد الله بن سلول ، وغيرهم من الناس ؛ لأن هؤلاء كلهم كانوا مع النبي 6 ، لا خصوص الخلفاء الثلاثة فقط الذين ذكرتهم يا أستاذ ؛ لأن الآية الكريمة جاءت على صيغة الإطلاق العمومي لكل من كان مع رسول الله 6 ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) لم تحدِّد أو تخصِّص الآية فقط الخلفاء الثلاثة.

وذلك فإن كل ما أوجب دخول الخلفاء : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان في القرآن وثنائه ، فهو يقتضي بوجوب دخول كل من ذكرنا في الآية ؛ لأن هؤلاء كلهم من أصحاب رسول الله 6 ، وكانوا جميعاً من الذين معه ، وكان لأكثرهم من الجهاد بين يدي رسول الله 6 والنصرة للإسلام ما لم يكن شيء منه للخلفاء : أبي بكر وعمر وعثمان ، فكيف يتسنَّى لأحد تخصيص الآية بالخلفاء وحدهم؟

وبماذا ياترى اختصَّ الخلفاء الثلاثة بما خرج عنه أولئك ، والجميع بمستوى واحد ، وفي ميزان واحد؟ وهل تجد لذلك ـ يا أخي ـ وجهاً إلاَّ


التخصيص بلا مخصِّص ، والترجيح بلا مرجِّح ، الباطلين عقلا؟!

فإن قلت لي : إن الآية تريد كل من كان مع النبيِّ 6 في الزمان أو المكان ، أو بظاهر الإسلام فقد صرت إلى أمر كبير ، وهو مدح الكافرين والمنافقين الذين ( معه ) 6 في المكان ، وكانوا يتظاهرون له 6 بالإسلام ، ويبطنون النفاق كما نطق به القرآن.

هشام آل قطيط مقاطعاً السيد : نحن لا نريد أن ننتقص الصحابة ، ولكن أقبل الدليل من القرآن أو من السنة.

السيِّد البدري : فهاك نماذج من مخالفات الصحابة لرسول الله 6 من القرآن والسنة.

نماذج من مخالفات الصحابة للرسول 6

منها : أنهم أنكروا على رسول الله 6 صلح الحديبيّة ، وتكلَّموا بكلمات مزعجة على ما حكاه البخاري في صحيحه (١).

منها : أنهم أسرعوا إلى رمي عفاف أمِّ المؤمنين عائشه لمَّا تأخَّرت وصفوان بن المعطل في غزوة بني المصطلق (٢) حتى نزل فيهم قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالاِْفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الاِْثْمِ ) (٣) (٤).

__________________

١ ـ صحيح البخاري : ٢/٩٧٤ ح ٢٥٨١ و٢٥٨٢ ، باب الشروط في الجهاد.

٢ ـ صحيح البخاري : ٤/١٥١٧ ح ٣٩١٠ ، باب حديث الإفك.

٣ ـ سوره النور ، الآية : ١١.

٤ ـ جاء في تفسير القمي عليه الرحمة : ٢/٩٩ في تفسير هذه الآية الشريفة : فإن العامة رووا أنها نزلت في


منها : أنهم تجرَّؤوا على النبيِّ 6 ، وأنكروا عليه صلاته على ابن أبي ( المنافق ) حتى جذبوه من ردائه وهو واقف للصلاة عليه (١).

منها : أن رسول الله 6 كان يخطب على المنبر يوم الجمعة إذ جاءت عير لقريش قد أقبلت من الشام ، ومعها من يضرب الدفّ ، ويستعمل ما حرمه الإسلام ، فتركوا رسول الله 6 قائماً على المنبر ، وانفضُّوا عنه إلى اللهو واللعب رغبة فيه ، وزهداً في استماع مواعظه ، وما يتلو عليهم من آيات القرآن الكريم ، حتى أنزل الله تعالى فيهم : ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (٢).

ومنها : أنهم قد تشاتموا مرَّة على عهد النبي 6 ، وتضاربوا بالنعال بحضرته ، على ما أخرجه البخاري في صحيحه (٣).

وتقاتل الأوس والخزرج على عهد رسول الله 6 ، وأخذوا السلاح واصطفّوا للقتال ـ كما ذكره الحلبي الشافعي في سيرته الحلبية (٤) ، مع علمهم بقول رسول الله 6 : ( سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر ) على ما حكاه البخاري في صحيحه (٥) ، وعلمهم بما أوجبه الله تعالى عليهم من التأدُّب بحضرته 6 ، وأن لا يرفعوا أصواتهم فوق صوته ، فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ

__________________

عائشة وما رميت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة ، وأما الخاصة فإنهم رووا أنها نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عائشة.

١ ـ صحيح البخاري : ٥/٢١٨٤ ح ٥٤٦٠ ، باب لبس القميص.

٢ ـ سورة الحجر ، الآية : ١١.

٣ ـ صحيح البخاري : ٢/٩٥٨ ح ٤٨ ، باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر.

٤ ـ راجع : صحيح البخاري : ٢/١٠٧.

٥ ـ صحيح البخاري : ٢/٩٥٨ ح ٤٨ ، باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر.


فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْض أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ) (١).

وهناك مخالفات كثيرة وقعوا فيها مما يضيق المجال لذكرها الآن.

هشام آل قطيط : سماحة السيِّد! لماذا لم تذكر فضيلة الخليفة أبي بكر عندما كان مع رسول الله 6 في الغار لتحقيق معنى الآية؟ ولماذا تنكرون ذلك أنتم الشيعة؟ ألم يكن له شرف الهجرة مع الرسول 6 ، وهذه من أكبر الفضائل للخليفة الأول؟ ألم تنزل عليه السكينة في الآية؟ لماذا تغفل هذه الأمور ولم تناقشها؟ ألم يكن تعصُّباً ودفاعاً عن الشيعة؟

السيِّد البدري : إن ما ذكره الطبري في تأريخه : إن أبا بكر ما كان يعلم بهجرة النبيِّ 6 ، فجاء عند علي بن أبي طالب 7 وسأله عن رسول الله 6 ، فأخبره بأنه هاجر نحو المدينة ، فأسرع أبو بكر ليلتقي بالنبيِّ 6 ، فرآه في الطريق ، فأخذه النبيُّ 6 معه ، فالنبيُّ 6 إنما أخذ معه أبا بكر على غير ميعاد ، لا كما تقول.

وقال بعض المحقِّقين : إن أبا بكر بعدما التقى بالنبيِّ 6 في الطريق اقتضت الحكمة النبويَّة أن يأخذه معه ولا يفارقه ؛ لأنه كان من الممكن أن يفشي أمر الهجرة ، وكان المفروض أن يكون سرّاً ، كما نوَّه به الشيخ أبو القاسم ابن الصبَّاغ ، وهو من كبار علمائكم ، قال في كتابه ( النور والبرهان ) : إن رسول الله 6 أمر عليّاً فنام على فراشه ، وخشي من أبي بكر أن يدلَّهم عليه فأخذه معه ومضى إلى الغار.

__________________

١ ـ سوره الحجرات ، الآية : ٢.


السيِّد البدري : أسألك ـ يا أستاذ ـ أن تبيِّن لي محلَّ الشاهد من الآية الكريمة ، وتوضح الفضيلة التي سجَّلتها الآية لأبي بكر!

هشام آل قطيط : الآية تبدأ من قوله تعالى : ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُود لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (١) ، محلُّ الشاهد ظاهر ، والفضيلة أظهر ، وهي :

أوّلا : صحبة النبيِّ 6 ؛ فإن الله تعالى يعبِّر عن الصدّيق بصاحب رسول الله 6.

ثانياً : جمله : ( إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ).

ثالثاً : نزول السكينة من عند الله سبحانه وتعالى على سيِّدنا أبي بكر. ومجموعها تثبت أفضليّة سيِّدنا الصدّيق وأحقّيّته بالخلافة ، وأنت صرَّحت ـ أيُّها السيِّد ـ لا أحد ينكر أن أبا بكر كان من كبار الصحابة ، ومن شيوخ المسلمين ، وأنه زوَّج ابنته من النبي 6.

السيِّد البدري : ولكن كل هذه الأمور لا تدلّ على أحقّيتّه بالخلافة ، وكذلك كل ما ذكرت من شواهد ودلائل من الآية الكريمة لا تكون فضائل خاصة بأبي بكر ، بل لقائل أن يقول : إن صحبة الأخيار والأبرار لا تكون دليلا على البرّ والخير ، فكم من كفار كانوا في صحبة بعض المؤمنين والأنبياء وخاصة في الأسفار.

الصحبة ليست فضيلة ، فإنّا نقرأ في سورة يوسف الصدّيق7أنه قال : ( يَا

__________________

١ ـ سورة التوبة ، الآية : ٤٠.


صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) (١).

لقد اتّفق المفسِّرون أن صاحبي يوسف الصدَّيق 7 هما ساقي الملك وطبَّاخه ، وكانا كافرين ، ودخلا معه السجن ، ولبثا خمس سنين في صحبة النبيِّ يوسف الصديق 7 ، ولم يؤمنا بالله ، حتى أنهما خرجا من السجن كافرين ، فهل صحبة هذين الكافرين لنبيِّ الله يوسف 7 تعدُّ منقبة وفضيلة لهما؟!

ثانياً : ونقرأ في سورة الكهف : ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَاب ثُمَّ مِن نُّطْفَة ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ) (٢).

ذكر المفسِّرون أن المؤمن ـ كان اسمه : يهودا ـ قال لصاحبه ـ واسمه براطوس ـ وكان كافراً ، وقد نقل المفسِّرون منهم الفخر الرازي ـ محاورات هذين الصاحبين ، ولا مجال لنفيها.

سؤال : فهل تعدُّ صحبة براطوس ليهودا فضيلة أو شرفاً يقدِّمه على أقرانه؟! أو هل تكون دليلا على إيمان براطوس ، مع تصريح الآية : ( أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَاب )؟! فالمصاحبة وحدها لا تدلُّ على فضيلة وشرف يميِّز صاحبها ويقدِّمه على الآخرين.

وأمَّا استدلالك على أفضليّة أبي بكر بالجملة المحكية عن النبي 6 : ( إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ) فلا أجد فيها فضيلة وميزة لأحد ؛ لأن الله تعالى لا يكون مع المؤمنين فحسب ، بل يكون مع غير المؤمنين أيضاً ؛ لقوله تعالى : ( مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَة إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَة إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ

__________________

١ ـ سورة يوسف ، الآية : ٣٩.

٢ ـ سورة الكهف ، الآية : ٢.


مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ... ) (١) ، فبحكم هذه الآية الكريمة فإن الله عزَّوجلَّ يكون مع المؤمن والكافر والمنافق.

هشام آل قطيط : عفواً سماحة السيِّد! المقصود ( إن الله شاء ) أي أن الله مع الذين يعملون لطاعته وعبادته ، والألطاف والعناية ، أي تشملنا ، هذا هو المراد ، وإلاَّ في الحقيقة والواقع الله سبحانه وتعالى مع الجميع ، ويعلم ما في قلوب الجميع ، وإلاَّ هذا الاستدلال الذي أتيت به غير مقنع.

حقائق لا بد من توضيحها وكشفها

السيِّد البدري : أقول لك : لا مناقشة في الأمثال ؛ لأن الأمثال تضرب ولا تقاس ، أعطيك أمثلة على ذلك.

١ ـ إبليس ، فإنه عبد الله تعالى عبادة قلَّ نظيرها من الملائكة ، وقد شملته الألطاف الإلهيّة والعناية الربّانيّة ، ولكن لما تمرَّد عن أمر خالقه واتّبع هواه واغتر خاطبه الله تعالى قائلا : ( قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ) (٢).

٢ ـ وبرصيصا في بني إسرائيل ، كان مجدّاً في عبادة الله سبحانه وتعالى حتى أصبح مع المقرَّبين ، وكانت دعوته مستجابة ، ولكن عند الامتحان أصيب بسوء العاقبة ، فترك عبادة ربِّ العالمين ، وسجد لإبليس اللعين ، وأمسى من الخاسرين ، فقال الله تعالى فيه : ( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلاِْنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي

__________________

١ ـ سورة المجادلة ، الآية : ٧.

٢ ـ سورة الحجر ، الآية : ٢٤ ـ ٢٥.


بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ) (١).

فإذا صدر عمل حسن من إنسان فلا يدلُّ على أن ذلك الإنسان يكون حسناً إلى آخر عمره ، وأن عاقبة أمره تكون خيراً ، ولذا ورد في أدعية أهل البيت : : اللهم اجعل عواقب أمورنا خيراً.

٣ ـ ومثله في البشر : بلعم بن باعورا ، فإنه كما ذكر المفسِّرون في تفسير قوله تعالى : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ) (٢) ، قالوا : إنه تقرَّب إلى الله تعالى بعبادته له إلى أن أعطاه الاسم الأعظم ، وأصبح ببركة اسم الله سبحانه دعاؤه مستجاباً ، وعلى أثر دعائه تاه موسى وبني إسرائيل وأممٌ كثيرة في الوادي ، ولكن على أثر طلبه للرئاسة والدنيا سقط في الامتحان ، واتّبع الشيطان ، وخالف الرحمن ، وسلك سبيل البغي والطغيان ، وصار في المخلَّدين في النيران ، ومن أحبَّ تفصيل قصّته فليراجع تفسير الفخر الرازي : ٤/٤٦٢ ، فإنه يروي ( قصته ) عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد بالتفصيل.

هشام آل قطيط : استأذنت بالخروج من الجلسة ، وما عدت أتحمَّل الحوار ، ولا الإصغاء إلى هذا الكلام القاسي بحقّ تشبيهه الخلفاء وأصحاب رسول الله 6 بإبليس وبرصيصا وبلعم بن باعورا ، ووقفت ووصلت إلى الباب ، فركض سماحة السيِّد خلفي ، وقال : ألم أقل لك : اصبر ، اصبر يا أخي.

فقلت له : من فضلك تغيِّر محور النقاش سماحة السيِّد الجليل.

__________________

١ ـ سوره الحشر ، الآية : ١٦.

٢ ـ سورة الأعراف ، الآية : ١٧٥.


السيِّد البدري : أنا انتهيت من هذه القصص ، ألم أقل لك في بداية الجلسة على أن الأمثال تضرب ولا تقاس ، ولا مناقشة في الأمثال؟ ولكن يا أخي! إن الأمثلة تضرب لتقريب موضوع الحوار إلى الأذهان ، وليس المقصود من المثل تشابه المتماثلين من جميع الجهات ، بل يكفي تشابههما من جهة واحدة ، وهي التي يرتكز عليها موضوع الحوار ، وإني أشهد الله ـ يا أخي! ـ بأني ما قصدت بالأمثال التي ذكرتها إهانة أحد ، بل البحث والحوار يقتضي في بعض المواقع أن أذكر شاهداً لكلامي ، وأبيِّن المطلب والمراد والمقصود.

هشام آل قطيط : إذا كنت ـ سماحة السيد! ـ قد بيَّنت لي في قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ) وشرحت أن المقصود من أن الله سبحانه تعالى مع الكافر والمؤمن والمنافق فأين تذهب بهذا الدليل القاطع الذي يعدُّ منقبة وفضيلة عظيمة لسيِّدنا أبي بكر ، ألا وهو قوله تعالى : ( فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) فإن الضمير في ( عليه ) يرجع لأبي بكر الصدّيق ، وهذا شرف من الله ، ومقام عظيم قد كرَّمه به ، فلماذا تحاول طمس هذه الحقيقة؟

السيّد البدري : الضمير التي ذكرته في هذه الكلمة يرجع إلى النبي 6 ، وليس لأبي بكر ، وبقرينة الجملة التالية في الآية : ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُود لَّمْ تَرَوْهَا ) وقد صرَّح جميع المفسرين : أن المؤيَّد بجنود الله سبحانه هو النبي 6.

هشام آل قطيط : ونحن نقول : إن المؤيَّد بالجنود النبي 6 ، لا شك بذلك ، ولكن أبا بكر كان مؤيَّداً مع النبيِّ 6 لمصاحبته في الغار.

السيِّد البدري : إذا كان الأمر كما تقول يا أستاذ ، وقلت لي في أول الجلسة بأنك تدرس اللغة العربيّة ، لجاءت الضمائر في الآية الكريمة بالتثنية ، بينما الضمائر كلُّها جاءت مفردة ، فحينئذ لا يجوز لأحد أن يقول : إن الألطاف


والعنايات الإلهيّة ـ كالنصرة والسكينة ـ شملت أبا بكر دون رسول الله 6 ، فينحصر القول بأنها شملت رسول الله دون صاحبه.

هشام آل قطيط : سماحة السيِّد! إن رسول الله 6 ليس بحاجة إلى السكينة ؛ لأن السكينة موجودة معه ولا تفارقه ، ولكنَّ سيِّدنا أبا بكر كان بحاجة ماسّة إلى السكينة فأنزلها الله عليه.

السيِّد البدري : يا أخي! لماذا تضيع الوقت بتكرار الكلام؟ وبأيِّ دليل تقول : إن النبي 6 لا يحتاج إلى السكينة الإلهيّة؟! بينما الله سبحانه وتعالى يقول : ( ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ) (١) وذلك في غزوة حنين ، ويقول الله تعالى في آية أخرى : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ) (٢) وذلك في فتح مكة المكرمة.

لاحظ ـ أيُّها الأستاذ الكريم ـ أن الله تعالى في الآيتين الكريمتين يذكر النبي 6 ويذكر بعده المؤمنين ، فلو كان أبو بكر في آية الغار من المؤمنين الذين تشملهم السكينة الإلهيّة لكان الله عزَّوجلَّ قد ذكره بعد ذكر النبي 6 ، أو قال تعالى : فأنزل الله سكينته عليهما.

هذا وقد صرَّح كثير من كبار علمائكم بأن ضمير ( عليه ) في الآية الكريمة يرجع إلى النبي 6 ، لا إلى أبي بكر ، راجع كتاب : ( نقض العثمانيّة ) للعلامة الشيخ أبي جعفر الإسكافي ، وهو أستاذ ابن أبي الحديد ، وقد كتب ذلك الكتاب القيِّم في ردِّ وجواب أباطيل أبي عثمان الجاحظ.

وأزيدك أدلّة أخرى أيُّها الأستاذ المحاور ، إنا نجد في الآية الكريمة جملة

__________________

١ ـ سورة التوبة ، الآية : ٢٦.

٢ ـ سوره الفتح ، الآية : ٢٦.


تناقض قولك!

سؤال : قال تعالى في محكم كتابه : ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ ) (١) فالنبي 6 هنا ينهى صاحبه عن الحزن ، فالسؤال الذي أوجِّهه إليك أيُّها المحاور : هل أن حزن أبي بكر كان طاعة لله ولرسوله أم معصية؟!

هشام آل قطيط : طبعاً حزن سيِّدنا أبي بكر كان طاعة لله فكيف يكون معصية؟ معاذ الله!

السيِّد البدري : ما دام حزن الخليفة أبي بكر طاعة لله كما ذكرت فلماذا نهاه رسول الله 6 عن هذه الطاعة وقال له : لا تحزن؟ و ( لا ) هنا للنهي ، والنهي يأتي عن المعصية وليس عن الطاعة ، فالآية لم تكن في فضل أبي بكر ومدحه ، بل تكون في ذمِّه وقدحه! وصاحب السوء لا تشمله العناية والسكينة الإلهيَّة ؛ لأنهما تختصَّان بالنبيِّ 6 والمؤمنين ، وهم أولياء الله الذين لا يخشون أحداً إلاَّ الله سبحانه ، ومن أهم علامات الأولياء كما في قوله تعالى : ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٢).

ولمَّا وصلنا إلى هذه النقطة كان الوقت ما يقرب من أذان صلاة المغرب ، وأجِّلت الجلسة بسبب تعب الطرفين ؛ لأن هناك تكملة لبحوث أخرى.

اللقاء الخامس : مناقشة الأدلّة التي يستدلّ بها على خلافة أبي بكر

هشام آل قطيط : بعد أن ذكرت وبيَّنت ـ سماحة السيِّد! ـ موضوع آية :

__________________

١ ـ سورة التوبة ، الآية : ٤٠.

٢ ـ سورة يونس ، الآية : ٦٢.


( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) وآية الغار ، لديَّ أدلّة جديدة ، ونصوص صريحة ، أثبت من خلالها أحقّيّة سيِّدنا أبي بكر بالخلافة من بعد رسول الله 6 ، وهي :

أولا : مروا أبا بكر فليصلِّ بالمسلمين ( حديث رواه البخاري ) (١).

ثانياً : لو كنت متّخذاً من أهل الأرض خليلا غير ربّي لا تخذت أبا بكر خليلا ، لا يبقين في المسجد خوخة إلاَّ سدَّت إلاَّ خوخة أبي بكر ( حديث رواه البخاري ) (٢).

ثالثاً : عن عائشة قالت : دخل عليَّ رسول الله 6 في اليوم الذي بدأ فيه فقال : ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتاباً ، ثمَّ قال : يأبى الله والمسلمون إلاَّ أبا بكر (٣).

حوار في النصوص المدعاة على أحقّيّة الخليفة أبي بكر بالخلافة

السيِّد البدري : أقول : لو سلَّمت لك جدلا أن النبي 6 أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس في مرضه الذي توفِّي فيه6، ولكن ماذا تقول لوقال قائل ممن لايقول بقولك: ألم يقل جمهور الصحابة لرسول الله6في مرضه : هجر رسول الله6على ما أخرجه البخاري في صحيحه(٤) عن ابن عباس أنه قال : يوم الخميس وما يوم الخميس ، ثمَّ بكى حتى خضب دمعه الحصباء ، قال : اشتدّ

__________________

١ ـ سوف يأتي قريباً مع مصادره.

٢ ـ سوف يأتي قريباً أيضاً مع مصادره.

٣ ـ راجع مسند أحمد بن حنبل : ٦/١٤٤ ، السنن الكبرى ، البيهقي : ٨/١٥٣.

٤ ـ صحيح البخاري : ٧/٩ ، ٥/١٣٧ ، ٢/١٣٢ ، ٤/٦٥ ـ ٦٦ ، صحيح مسلم : ٢/١٦ ، ٥/٧٥ ، ١١/٩٤ ـ ٩٥ ، بشرح النووي ، مسند أحمد بن حنبل : ١/٩٥٥.


برسول الله 6 وجعه يوم الخميس ، فقال : ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ، فتنازعوا ، ولا ينبغي عند نبيٍّ تنازع ، فقالوا : هجر رسول الله 6! قال : دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه.

هشام آل قطيط : عفواً سماحة السيِّد! أراك خرجت عن موضوع الدليل والنصّ الذي طرحته.

السيّد البدري : يا أستاذ! تعلَّم الصبر والنفس الطويل في الحوار ، ولا تكن سريعاً ، مهلا! سأورد لك بعض المخالفات لأنتقل إلى تحليل هذا النصّ الذي أنت تحتجُّ به وتعتبره دليلا مقنعاً.

سؤال موجَّه لك : ألم يقل الخليفة عمر بن الخطاب للصحابة في مرض النبي 6 : إن النبي قد غلبه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله؟ والرواية الأولى قال عن الرسول 6 : إنه هجر ؛ أي بمعنى يهذي (١).

هشام آل قطيط : سيِّدنا عمر بن الخطاب الفاروق يقول لسيِّدنا محمّد 6 : إنّه هجر؟ من أين لك هذا الحديث؟ ومن أين أتيت به أيها السيِّد؟ كلام غريب ( معاذ الله من ذلك ).

السيِّد البدري : لا تغضب يا أخي ، هدِّئ من روعك واصبر.

هشام آل قطيط : كيف أهدأ وأنت تتهجَّم على سيِّدنا عمر وتتّهمه هذا الاتّهام؟

السيِّد البدري : ما رأيك في صحيح البخاري يا أستاذ؟

هشام آل قطيط : صحيح البخاري أصدق صحيح عندنا بعد القرآن.

__________________

١ ـ سرّ العالمين وكشف ما في الدارين ، أبو حامد الغزالي : ٢١.


السيِّد البدري : راجع صحيح البخاري في أواخر ص ١١٨ الجزء الثاني في باب ( هل يستشفع إلى أهل الذمّة ومعاملتهم ) وحتى أربط كل هذا الاستدلال لك يقول : عن ابن عباس قال : لمَّا حضر رسول الله 6 ، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال النبي 6 : هلمّ أكتب لكم كتاباً لا تضلُّوا بعده ، فقال عمر : إن النبيَّ 6 قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت فاختصموا ، ، منهم من يقول : قرِّبوا يكتب لكم النبي 6 كتاباً لنا تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلمَّا أكثروا اللغو واللغط والاختلاف عند النبي6قال رسول الله: قوموا. قال عبيدالله : فكان ابن عباس يقول : الرزيّة كل الرزيَّة ما حال بين رسول الله 6 وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم (١) ، وهذا مشهور برزيَّة يوم الخميس.

الوجه الصحيح في حديث صلاة الخليفة أبي بكر

السيِّد البدري : أقول : إن الصحيح المتواتر بين الفريقين : السنّي والشيعيّ معاً أن النبيَّ 6 أخَّر الخليفة أبا بكر من تلك الصلاة ، وصرفه عن إمامة المسلمين ؛ لأنه خرج بعد سماعه بتقدُّم أبي بكر يتهادى بين علي والعبّاس ، مع ما فيه من ضعف الجسم بالمرض ، الأمر الذي لا يتحرَّك معه العاقل إلاَّ في حال الاضطرار ، لتدارك ما يخاف بفوته حدوث أعظم فتنة ، فعزل النبيُّ 6 أبا بكر عمّا كان تولاَّه من تلك الصلاة كما نطقت به صحاحكم ، ويدلُّك على أن تقدُّمه للصلاة لم يكن بأمر من النبي 6 في شيء ، وإنما كان الأمر صادراً من ابنته

__________________

١ ـ صحيح البخاري ، الجزء الثاني ، باب ( يستشفع إلى أهل الذمّة ومعاملتهم ) ص ١١٨.


السيّدة عائشة ، ولم تكن تلك الصلاة إلاَّ صلاة الصبح لا غيرها.

ويرشدك ويدلُّك على ذلك ـ يا أخي ـ ما أخرجه الحافظ الكبير الإمام مسلم في صحيحه (١).

وأنقل لك هذه الرواية عن عائشة : قالت : لمَّا ثقل رسول الله 6 جاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فقال : مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس ، قالت : فقلت : يا رسول الله! إن أبا بكر رجل أسيف ، وإنه متى يقم مقامك لم يسمع الناس فلو أمرت عمر ، فقال : مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس ، قالت : فقلت لحفصة : قولي له : إن أبا بكر رجل أسيف ، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر ، فقالت له ، فقال رسول الله 6 : إنكن لأنتن صويحبات يوسف ، مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس! قالت : فأمروا أبا بكر يصلّي بالناس.

ثمَّ ـ أخي الكريم ـ لماذا تحاول ربط مسألة الصلاة بمسألة الخلافة؟ لو فرضنا جدلا صحّة حديث عائشة أم المؤمنين ، وغضضنا النظر عن تلك الوجوه التي ناقشتها الآن ، ومع كل ذلك فإن الأمر بالصلاة خلفه لا يوجب للخليفة أبي بكر الإمامة العامة على المسلمين ؛ لعدة أسباب ، منها :

أولا : لقد اتّفق أئمّة السنة والحفّاظ عندكم على أن رسول الله6صلَّى خلف عبد الرحمن بن عوف ، على ما نقله لنا ابن كثير في تأريخه(٢) وهذا شيء لايختلف فيه أحد ، فلم يوجب فضلا لعبدالرحمن بن عوف على النبيِّ6، ولايقتضي ذلك أن يكون إماماً واجب الطاعة عليه6وعلى غيره من أصحابه ،

__________________

١ ـ صحيح مسلم ، ٢/٢٢ ـ ٢٣ باب ( استخلاف الإمام إذا عرض له عذر ) كتاب الصلاة ، صحيح البخاري : ١/١٦٥ ، مسند أحمد بن حنبل : ٦/٩٦ ، سنن الترمذي : ٥/٢٧٥ ح ٣٧٥٤.

٢ ـ البداية والنهاية ، ابن كثير : ٥/٢٢.


فكما أن صلاة النبيِّ 6 خلف عبد الرحمن بن عوف لم توجب له الإمامة على رسول الله 6 ولا على غيره من الناس ، فكذلك لم توجب صلاة أبي بكر بالمسلمين إمامته عليهم.

ثانياً : لا خلاف بين الفريقين : السنّي والشيعيّ في أن رسول الله 6 قد استعمل عمرو بن العاص على الخليفتين أبي بكر وعمر وجماعة المهاجرين والأنصار ، وكان يؤمُّهم في الصلاة مدّة إمارته عليهم في واقعة ذات السلاسل ، على ما نقله لنا ابن كثير في تاريخه(١)، فلم توجب صلاته فيهم(٢)إمامته عليهم ، ولا فضلا عليهم ، لافي الظاهر ، ولا عند الله تعالى على حال من الأحوال ، فكذلك الحال في صلاة أبي بكر فيهم ، لاتوجب إمامته عليهم ، ولا فضلا عليهم.

ثالثاً : وهذا البخاري أصدق صحيح عندكم يحدِّثنا في صحيحه (٣) عن ابن عمر قال : لمَّا قدم المهاجرون الأوّلون العصبة ( موضع بقبا ) قبل مقدم رسول الله 6 كان يؤمُّهم سالم مولى أبي حذيفة ، وكان أكثرهم قرآناً.

فكما أن إمامة سالم مولى أبي حذيفة للمهاجرين الأوّلين لم توجب له فضلا ، ولا الإمامة العامّة عليهم ، ولم تقض له بخلافة الرسالة المحمديَّة ، فكذلك إمامة أبي بكر للصلاة بالمسلمين لم توجب له فضلا ، ولا الإمامة العامّة عليهم ، ولم تقض له بخلافة الرسول 6.

__________________

١ ـ البداية والنهاية ، ابن كثير : ٤/٢٧٣.

٢ ـ راجع في إمامة عمرو بن العاص في الخليفتين أبي بكر وعمر هذه المصادر : السيرة الحلبيّة ، الشافعي : ٣/١٩ ، تاريخ الخميس : ٢/٨٢ ، والدحلاني في ص ١١ من سيرته بهامش الجزء الثاني من السيرة الحلبية.

٣ ـ صحيح البخاري : ١/٨٩ ، باب ( إمامة العبد من أبواب صلاة الجماعة من كتاب الأذان ).


رابعاً : عتاب بن أسيد أحقُّ بالخلافة من الخليفة أبي بكر ، لماذا؟ لأنه الذي قدَّمه الرسول 6 يصلّي بالناس حين فتح رسول الله مكة ، والرسول مقيم في مكة ، وأبو بكر معه يصلّي خلف عتاب بن أسيد ، فقدَّمه رسول الله 6يصلّي بالناس في المسجد الحرام من غير علّة ، ولا ضرورة دعته إلى ذلك.

وهذا بإجماع الأمّة ، فكان رسول الله 6 يصلّي بالناس الظهر والعصر ، وعتاب بن أسيد يصلّي بالناس الثلاث صلوات بإجماع الأمّة ، وبإجماع الأمّة أن المسجد الحرام أفضل من مسجد المدينة ، ومكة أفضل من المدينة ، ويلزم في النظر أن من قدَّمه رسول الله 6 في المواطن الأفضل من غير علّة أفضل ممن قدَّمه في مسجد هو دونه في الفضل مع ضرورة العلة ، فتأمَّل يا أخي.

تجويزكم للصلاة خلف البرّ والفاجر

السيِّد البدري : ثمَّ إنكم متّفقون على أن رسول الله 6 أرشدكم إلى الصلاة خلف كل برٍّ وفاجر (١) ، فإذا كانت الصلاة تجوز عندكم خلف كل فاسق وفاجر ، والاقتداء بكل ظالم وعاص ، بإجماع علماء السنة نصّاً وفتوى وعملا ، وكانت صلاة الخليفة أبي بكر بالمسلمين دليلا على خلافة النبيِّ 6 وإمامة الأمّة ، كان ذلك دليلا أيضاً على إمامة هؤلاء جميعاً ، ولكان كلُّهم خلفاء النبي 6 من بعده ، وكأن قوله تعالى : ( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) (٢) باطلا لا معنى له (٣).

__________________

١ ـ سنن البيهقي : ٤/١٩ ، الفتح الكبير : ٢/١٩٠.

٢ ـ سورة هود ، الآية : ١١٣.

٣ ـ قال الشيخ المظفر عليه الرحمة في دعوى تقديم أبي بكر في الصلاة : فليس فيها أيَّة إشارة إلى تعيينه


حوار في حديث خوخة أبي بكر

هشام آل قطيط : بعدما ذكرت الأدلّة الكثيرة حول صلاة الخليفة أبي بكر وإبطالها ، فما رأي سماحتكم بقوله 6 : لو كنت متّخذاً من أهل الأرض خليلا غير ربّي لاتخّذت أبا بكر خليلا ، لا يبقين في المسجد خوخة إلاَّ سدَّت إلاَّ خوخة أبي بكر (١)؟ أليس هذا الحديث دليلا قاطعاً على خلافة سيدنا أبي بكر (٢).

السيِّد البدري : إن هذا الحديث رواية آحاد ، هذا أوَّلا.

__________________

للخلافة ، فضلا عن النصّ ؛ لأن الإمامة في الصلاة ليست بالأمر الخطير الشأن الذي لا يكون إلاَّ لمن له الإمامة ، ولا سيّما على مذهب أهل السنّة ، وكان ائتمام المسلمين بعضهم ببعض مما اعتادوا عليه ، وشاع يومئذ بينهم بترغيب النبي 6 فيه .. ولا أعتقد بصحّة ما يروى أن النبي 6 هو الذي قدَّمه للصلاة ، وأنه صلَّى أياماً ؛ لأن أبا بكر كان من جيش أسامة من غير شك ، وقد نهى النبي 6 عن التخلُّف عنه ، وشدَّد في الإسراع بإنفاذه ، فكيف يجتمع هذا مع تقديم النبيِّ له للصلاة مدّة مرضه؟

نعم ، الثابت أنه صلَّى صلاة واحدة .. يوم الإثنين ، يوم وفاة النبيِّ 6 ، وقبل أن يتمَّها خرج صاحب الرسالة يتهادى بين رجلين ، ورجلاه تخطّان الأرض من الوجع ، فصلَّى بالناس صلاتهم ، وتأخَّر أبو بكر ، فإن عائشة هي التي روت أمر النبي 6 بتقديمه لا غيرها ، وأنها راجعته في ذلك حتى قال لها غاضباً : إنكن لأنتن صواحب يوسف ، وهي نفسها تروي خروجه في نفس تلك الصلاة ، وكان خروجه بهذه الحال إلى الصلاة يوم وفاته وهو يوم الإثنين ، ولو أن النبيَّ 6 كان قدَّمه للصلاة إشارة إلى خلافته ، فلماذا خرج بهذه الحال المؤلمة ، وصلَّى بالناس صلاة المضطرين جالساً؟ ولا معنى لما يقال : إنّه صلَّى أبو بكر بصلاة النبيِّ 6 ، وصلَّى الناس بصلاة أبي بكر ، فمن هو الإمام إذن؟ إن كان أبا بكر فلم يكن قد صلَّى بصلاة النبيِّ 6 وإن كان النبي فلم تكن الناس قد صلَّت بصلاة أبي بكر .. السقيفة ، الشيخ محمّد رضا المظفر : ٥٤.

١ ـ صحيح البخاري : ٤/٢٥٤ ، فضائل الصحابة ، أحمد بن حنبل : ٣ ، مسند أحمد بن حنبل : ١/٤٣٤ ، سنن الترمذي : ٥/٢٧٠ ح ٣٧٤٠ ، صحيح مسلم : ٧/١٠٩ ، السنن الكبرى ، البيهقي : ٦/٢٤٦.

٢ ـ قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ١١/٤٩ : إن البكرية وضعت لأبي بكر أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث نحو ( لو كنت متخذاً خليلا ... ) فإنهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء ، ونحو سد الأبواب ، فإنه كان لعلي 7 فقلبته البكرية إلى أبي بكر.


وثانياً : إن هذا الحديث معارض بحديث أقوى منه سنداً ، وتنقله أحاديثكم ، وهو قوله 6 : لا تقل : لو أني فعلت كذا كان كذا ، ولكن قل : قدَّر الله وما شاء فعل ، فإن كلمة ( لو ) تفتح عمل الشيطان ( حديث شريف ) (١) ، فكيف برسول الأمّة وإمامها ينهانا عن القول بكلمة ( لو ) ويقول لنا إنها تفتح عمل الشيطان ، وهو يبدأ بها؟! هل يعقل هذا الأمر بأن هذا الحديث يصدر من النبيِّ 6؟ فتأمَّل.

ثالثاً : إن هذا الحديث موضوع لدينا ، ووضع مقابل حديث المؤاخاة المشهور والمتواتر ، وهو قول النبي 6 لعلي 7 : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنه لا نبيَّ بعدي (٢).

رابعاً : الشطر الثاني من الحديث ( لا يبقين في المسجد خوخة إلاَّ سدَّت إلاَّ خوخة أبي بكر ) وضع مقابل الحديث المشهور والمتواتر ( سدُّوا هذه الأبواب إلاَّ باب علي ) (٣) فوضع أصحاب الأقلام المأجورة كلمة ( خوخة ) بدل ( باب ) للتغيير والتحريف.

هشام آل قطيط : عفواً سماحة السيِّد! الرسول 6 ترك خوخة مفتوحة

__________________

١ ـ سنن ابن ماجة : ٥/٣١ ح ٧٩ ، صحيح مسلم : ٨/٥٦ ، السنن الكبرى ، البيهقي : ١٠/٨٩ ، السنن الكبرى ، النسائي : ٦/١٥٩ ح ١٠٤٧٥.

٢ ـ تقدَّمت تخريجاته.

٣ ـ فضائل الصحابة ، أحمد بن حنبل : ١٣ ـ ١٤ ، صحيح مسلم : ٧/١٢٠ ـ ١٢١ ، سنن الترمذي : ٥/٣٠٢ ح ٣٨٠٨ و٣٠٤ ح ٣٨١٣ ، المستدرك ، الحاكم : ٢/٣٣٧ ـ ٣٣٨ ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، و٣/١٠٨ ـ ١٠٩ ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة ، وص ١٣٣ أيضاً ، السنن الكبرى ، البيهقي : ٩/٤٠ ، المصنّف ، عبد الرزاق : ٥/٤٠٥ ـ ٤٠٦ ح ٩٧٤٥ ، وغير ذلك من المصادر الكثيرة ، كما أن هذا الحديث يعدُّ من المتواترات.


لسيِّدنا أبي بكر ، ومعنى كلمة الخوخة أي ( الباب الصغير ).

السيِّد البدري : لو أن الرسول 6 أراد إكرامه لفتح له باباً كبير ، لماذا باب صغير؟ وحتى أثبت لك بالأدلّة والبراهين القاطعة بأن هذا الحديث وضع مقابل حديث ( سدُّوا كل الأبواب إلاَّ باب علي ) فتفضَّل يا أخي :

أوّلا : أمر رسول الله 6 بسدِّ أبواب الصحابة من المسجد تنزيهاً له عن الجنب والجنابة ، ولكنَّه أبقى باب علي 7 ، وأباح له عن الله تعالى أن يجنب في المسجد ، كما كان هذا مباحاً لهارون ، فدلَّنا على ذلك عموم المشابهة كما كان هذا مباحا لهارون 7.

الحديث : قال ابن عباس حبر الأمّة : وسدَّ رسول الله6أبواب المسجد غير باب عليٍّ ، فكان يدخل المسجد جنباً ، وهو طريقه ليس له طريق غيره (١).

الحديث : كان لنفر من أصحاب رسول الله 6 أبواب شارعة في المسجد ، فقال رسول الله 6 : سدُّوا هذه الأبواب إلاَّ باب عليٍّ ، فتكلَّم الناس في ذلك ، فقام رسول الله 6 ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمَّ قال : أمَّا بعد ، فإني أمرت بسدِّ هذه الأبواب إلاَّ باب علي ، فقال فيه قائلكم ، وإنّي والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ، ولكني أمرت بشيء فاتبعته (٢).

وأخرج الطبراني في الكبير ، عن ابن عباس أن رسول الله 6 قام يومئذ

__________________

١ ـ المستدرك ، الحاكم : ٣/١٣٤ ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة ، السنن الكبرى ، النسائي : ٥/١١٢ ـ ١١٣ ح ٨٤٠٩ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ١٢/٧٨ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/٩٩ ـ ١٠٢ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ٨٧ ـ ٨٨.

٢ ـ السنن الكبرى ، النسائي : ٥/١١٨ ح ٨٤٢٣ ، فتح الباري ، ابن حجر : ٧/١٢ ـ ١٣ ، فيض القدير ، المناوي : ١/١٢٠.


فقال : ما أنا أخرجتكم من قبل نفسي ، ولا أنا تركته ، ولكن الله أخرجكم وتركه ، إنما أنا عبد مأمور ، ما أمرت به فعلت ، إن أتَّبِعُ إلاَّ ما يوحى إليَّ (١).

يا عليُّ! لا يحلُّ لأحد أن يجنب في المسجد غيري وغيرك (٢).

وعن سعد بن أبي وقاص ، والبرّاء بن عازب ، وابن عباس ، وابن عمر وحذيفة بن أسيد الغفاري ، قالوا كلُّهم : خرج رسول الله6إلى المسجد فقال : إن الله تعالى أوحى إلى نبيِّه موسى أن ابن لي مسجداً طاهراً لا يسكنه إلاَّ أنت وهارون ، وإن الله أوحى إليَّ أن ابنِ مسجداً طاهراً لايسكنه إلاَّ أنا وأخي علي (٣)

حديث المنزلة ومنازل هارون من موسى 7

السيِّد البدري : وحتى أثبت لك بأن حديث الخلّة وضع مقابل حديث المنزلة ، حتى تكون على بصيرة من أمرك أيُّها الأستاذ الباحث عن الحقيقة ، فالواجب الشرعي يفرض عليَّ أن أبيِّن لك الحقائق لتنقذ نفسك من الصراع الذي تعيشه ، والتناقض والحيرة ، فهذا الإمام البخاري يحدِّثنا في صحيحه (٤) في مناقب علي بن أبي طالب 7 ، وذاك الإمام مسلم في صحيحه يحدِّثنا عن النبي 6 أنه قال لعلي 7 : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنّه لا نبيَّ

__________________

١ ـ المعجم الكبير ، الطبراني : ١٢/١١٤ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٩/١١٥ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ١١/٦٠٠ ح ٣٢٨٨٧.

٢ ـ سنن الترمذي : ٥/٣٠٣ ح ٣٨١١ ، السنن الكبرى ، البيهقي : ٧/٦٦ ، فتح الملك العلي ، المغربي : ٤٦ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/١٤٠ ، تهذيب الكمال ، المزي : ٢٦/٢٥٢ ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ١٣/٢٧٢ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ٧٧.

٣ ـ المناقب ، ابن المغازلي : ٢٥٢ ح ٣٠١ ، ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : ١/٢٥٨ ح ٦.

٤ ـ صحيح البخاري : ٤/٢٠٨ و٥/١٢٩ ، التأريخ الكبير ، البخاري : ١/١١٥ ، رقم : ٣٣٣.


بعدي (١).

وفي القرآن العربي المبين يقول الله تعالى في سورة طه : آية ٢٥ وما بعدها ، حكاية عن كليمه موسى 7 : ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) إلى قوله تعالى : ( قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ) وأنت تعلم ـ يا أخي المحاور ـ أن منازل هارون 7 من موسى 7 كثيرة ومتعدِّدة ، وسأورد لك بعض المقارنات بين هارون ومنزلته من موسى لتعلم أن علياً هو الخليفة الحق بعد رسول الله 6.

الأوَّل : إن هارون 7 كان وزيراً لموسى 7 ، فكذلك علي 7 وزير رسول الله 6.

الثاني : إن هارون 7 كان شريكاً لموسى 7 في أمره ، فكذلك علي 7 شريك رسول الله 6 في أمره على الخلافة والإمامة ، إلاّ النبوَّة ، والمستثناة من عموم المنازل في الحديث الشريف.

الثالث : إن هارون 7 كان ثاني موسى 7 في قومه ، فكذلك علي 7 ثاني رسول الله 9 في أمته.

الرابع : إن هارون 7 كان أخاً لموسى 7 ، فكذلك علي 7 كان أخاً لرسول الله 6 ، بدليل حديث المؤاخاة المتواتر نقله في كتب السنة والشيعة ، وعدم استثناء النبيِّ 6 من حديثه إلاَّ النبوة ، وقد أخرج ذلك أحد علمائكم ـ أحمد بن حنبل في مسنده ـ عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عباس في حديث :

__________________

١ ـ صحيح مسلم : ٧/١٢٠ ـ ١٢١.


بضع عشرة فضيلة كانت لعلي 7 لم تكن لغيره من الصحابة (١).

الخامس : إن هارون 7 كان أفضل قوم موسى 7 عند الله تعالى وعند نبيِّه موسى 7 ، فكذلك علي 7 أفضل أمّة النبي 6 عند الله تعالى وعند رسوله محمّد 6.

السادس : إن هارون 7 كان هو القائم مقام موسى 7 في غيبته مطلقاً ، فكذلك علي 7 هو الذىِّ يقوم مقام النبيِّ 6 في غيبته مطلقاً ، وقد جاء التنصيص عليه جليّاً واضحاً ، لا يرتاب فيه اثنان من أهل الإيمان ، بقوله 6 : لا ينبغي أن أذهب إلاَّ وأنت خليفتي (٢).

السابع : إن هارون7كان أعلم قوم موسى7فكذلك علي 7 أعلم أمة

__________________

١ ـ مسند أحمد بن حنبل : ١/٣٣١ ، السنن الكبرى ، النسائي : ٥/١١٣ ، خصائص أميرالمؤمنين 7 ، النسائي : ٦٢ ، وقال محقِّق الكتاب في الهامش : في نسخة : فضائل ليست لأحد غيره ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/٩٩ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٧/٣٧٤ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : ٨٧.

وروى الموفق الخوارزمي بالإسناد عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه بإسناده عن ابن عباس : وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره ( المناقب ، الموفق الخوارزمي : ١٢٥ ح ١٤٠ ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ٣/١٣٢ ).

وفي رواية النعمان المغربي : عن عمرو بن ميمون ، عبدالله بن عبّاس : وقعوا في رجل قال فيه رسول الله 6 عشر خلال ، كل خلّة منها خير من الدنيا وما فيها ، وقعوا في علي أميرالمؤمنين.

( شرح الأخبار ، القاضي النعمان المغربي : ٢/٢٠٩ ح ٥٤١ ).

٢ ـ مسند أحمد بن حنبل : ١/٣٣١ ، كتاب السنّة ، عمرو بن أبي عاصم : ٥٥١ ، خصائص أميرالمؤمنين 7 ، النسائي : ٦٤ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ١٢/٧٨ ، المناقب ، الموفق الخوارزمي : ١٢٧ ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/١٠٢ ، الإصابة ، ابن حجر : ٤/٤٦٧ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٧/٣٧٤ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : ٨٧ ، كنز العمال ، المتقى الهندي : ١١/٦٠٦ ح ٣٢٩٣١ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٩/١٢٠ ، ينابيع المودة ، القندوزي : ١/١١٢.


رسول الله 6 ، وقد صرَّح النبيُّ 6 بذلك فقال : أعلم أمّتي من بعدي علي بن أبي طالب (١).

الثامن : إن هارون 7 كان واجب الطاعة على يوشع بن نون وصيِّ موسى 7 وغيره من أمّته ، فكذلك علي 7 واجب الطاعة على الخلفاء : أبي بكر وعمر وعثمان ، وغيرهم من أمّة النبي 6.

التاسع : إن هارون 7 كان أحبَّ الناس إلى الله تعالى وإلى كليمه موسى 7 ، فكذلك عليٌّ أحبُّ الناس إلى الله تعالى وإلى رسوله محمّد 6.

العاشر : إن الله تعالى قد شدَّ أزر نبيِّه موسى 7 بأخيه هارون 7 ، فكذلك شدَّ أزر نبيِّه محمّد 6 بأخيه علي 7.

الحادي عشر : إن هارون 7 كان معصوماً من الخطأ والنسيان ، والزلل والعصيان ، فكذلك علي 7 يكون معصوماً من الخطأ والنسيان ، والزلل والعصيان.

أدلة أخرى في إمامة علي 7

هشام آل قطيط : سماحة السيِّد! هل لديك أدلّة أخرى في عليٍّ كرَّم الله وجهه ، وفي إثبات أحقّيّته بالخلافه؟ زدني من فضلك.

__________________

١ ـ روى الموفق الخوارزمي بالإسناد عن سلمان ، عن النبي 6 أنه قال : أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب 7.

راجع : المناقب ، الموفق الخوارزمي : ٨٢ ، فتح الملك العلي ، أحمد بن الصديق المغربي : ٧٠ عن مسند الفردوس ، ينابيع المودة ، القندوزي : ٢/٧٠ ح ٦ و٢٣٩ ح ٦٦٩ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ١١/٦١٤ ح ٣٢٩٧٧.


السيِّد البدري : وما أزيدك؟ ما هذا الذي ذكرته إلاَّ غيض من فيض من فضائل علي بن أبي طالب 7 ، إذا قلت لك إن عليّاً جامع لفضائل الأنبياء هل تقنع؟

هشام آل قطيط : إذا كان هناك أدلّة وبراهين تقنعني لماذا لا أقنع؟ الإمام علي 7 جامع فضائل الأنبياء.

السيِّد البدري : وقد شهد بذلك سيِّد الرسل ، وخاتم النبيين محمّد ، الصادق الأمين 7 ، كما جاء في مناقب الخوارزمي : ص ٤٩ ـ ٢٤٥ والرياض النضرة : ٢ ـ ٢١٧ ، وذخائر العقبى : ٩٣ ، وغيرها أنه قال 6 مع بعض الاختلافات اللفظيّة : ( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى يحيى بن زكريا في زهده ، وإلى موسى بن عمران في بطشه فلينظر إلى علي بن أبي طالب ).

ونقل لنا ابن الصبّاغ المالكي في كتابه ( الفصول المهمة ) : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في عزمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في زهده فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

وفي الرياض النضرة : ٢ ـ ٢٠٢ قال : أخرج الملا عمر بن خضر في سيرته : قيل : يا رسول الله! وكيف يستطيع علي 7 أن يحمل لواء الحمد؟ فقال رسول الله 6 : وكيف لا يستطيع ذلك وقد أعطي خصالا شتّى ؛ صبراً كصبري ، وحسناً كحسن يوسف ، وقوّة كقوّة جبريل 7؟!

وروى السيِّد مير علي الهمداني في كتابه ( مودّة القربى ) المودة الثامنة ، قال : عن جابر قال : قال رسول الله 6 : من أراد أن ينظر إلى إسرافيل في هيبته ، وإلى ميكائيل في رتبته ، وإلى جبرائيل في جلالته ، وإلى آدم في علمه ،


وإلى نوح في خشيته ، وإلى إبراهيم في خلّته ، وإلى يعقوب في حزنه ، وإلى يوسف في جماله ، وإلى موسى في مناجاته ، وإلى أيوب في صبره ، وإلى يحيى في زهده ، وإلى عيسى في عبادته ، وإلى يونس في ورعه ، وإلى محمّد في حسبه وخلقه ، فلينظر إلى عليٍّ ، فإن فيه تسعين خصلة من خصال الأنبياء جمعها الله فيه ، ولم يجمعها في أحد غيره (١).

هشام آل قطيط : عفواً سماحة السيد! أنت هنا وصلت بي إلى مقايسة عليٍّ ـ كرَّم الله وجهه ـ بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وهذا مشكل منكم؟

السيِّد البدري : اسمع ـ يا أخي ـ لأروي لك ما نقله بعض من المؤرِّخين ، إذا الأدلّة لم تقنع فناقشني وحاورني.

مقايسة علي 7 بالأنبياء :

لقدحدَّثنا المؤرِّخون والمحدِّثون أنه 7 في آخر يوم من حياته الكريمة ، حينما كان على فراش الموت والشهادة حضر عنده جماعة من أصحابه لعيادته ، وكان ممَّن حضر صعصعة بن صوحان ، وهو من كبار الشيعة في الكوفة ، وكان خطيباً بارعاً ، ومتكلِّماً لامعاً ، وهو من الرواة الثقات حتى عند أصحاب الصحاح الستة عندكم وأصحاب المسانيد ، فإنّهم يروون عنه ما ينقله عن الإمام علي 7 ، وقد ترجم له كثير من أعلامكم مثل : ابن عبد البرّ في الاستيعاب ، وابن سعد في الطبقات الكبرى ، وابن قتيبة في المعارف ، وغيرهم ، فكتبوا أنه كان عالماً صادقاً ، وملتزماً بالدين ، ومن خاصة أصحاب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب 7 ، في ذلك اليوم سأل صعصعة الإمام عليّاً 7 قائلا : يا أميرالمؤمنين!

__________________

١ ـ ينابيع المودة ، القندوزي : ٢/٣٠٦ ـ ٣٠٧ ح ٨٧٤.


أخبرني أنت أفضل أم آدم 7؟

فقال الإمام 7 : يا صعصعة! تزكية المرء نفسه قبيح ، ولولا قول الله عزَّ وجلَّ : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) (١) ما أجبت ، يا صعصعة! أنا أفضل من آدم ؛ لأن الله تعالى أباح لآدم كلَّ الطيِّبات المتوفِّرة في الجنة ، ونهاه عن أكل الحنطة فحسب ، ولكنَّه عصى ربَّه وأكل منها! وأنا لم يمنعني ربّي من الطيِّبات ، وما نهاني عن أكل الحنطة ، فأعرضت عنها رغبة وطوعاً.

فقال صعصعة : أنت أفضل أم نوح؟

فقال 7 : أنا أفضل من نوح ؛ لأنه تحمَّل ما تحمَّل من قومه ، ولمَّا رأى منهم العناد دعا عليهم ، وما صبر على أذاهم ، فقال : ( رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الاَْرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً ) (٢) ، ولكنّي بعد حبيبي رسول الله 6 تحمَّلت أذى قومي وعنادهم ، فظلموني كثيراً ، فصبرت وما دعوت عليهم (٣).

فقال صعصعة : أنت أفضل أم إبراهيم؟

فقال 7 : أنا أفضل ، لأن إبراهيم قال : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) (٤) ، ولكنّي قلت وأقول : لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً.

قال صعصعة : أنت أفضل أم موسى؟

قال7: أناأفضل من موسى؛ لأن الله تعالى لمَّا أمره أن يذهب إلى فرعون

__________________

١ ـ سورة الضحى ، الآية : ١١.

٢ ـ سورة نوح ، الآية : ٢٦.

٣ ـ راجع : نهج البلاغة ـ الخطبة الشقشقية حيث يصف 7 فيها جانباً من الوضع الذي قاساه فصبر.

٤ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢٦٠.


ويبلِّغ رسالته قال : ( رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ) (١) ، ولكنّي حين أمرني حبيبي رسول الله 6 بأمر الله عزَّوجلَّ حتى أبلِّغ أهل مكة المشركين سورة براءة ، وأنا قاتل كثير من رجالهم وأعيانهم! مع ذلك أسرعت غير مكترث ، وذهبت وحدي بلا خوف ولا وجل ، فوقفت في جمعهم رافعاً صوتي ، وتلوت الآيات من سورة براءة وهم يسمعون!!

قال صعصعة : أنت أفضل أم عيسى؟

قال 7 : أنا أفضل ؛ لأن مريم بنت عمران لمَّا أرادت أن تضع عيسى كانت في بيت المقدس ، جاءها النداء : يا مريم! اخرجي من البيت ، هاهنا محلُّ عبادة ، لا محلُّ ولادة ، فخرجت ( فَأَجَاءهَا الَْمخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ) (٢) ، ولكنَّ أمّي فاطمة بنت أسد لمَّا قرب مولدي جاءت إلى بيت الله الحرام ، والتجأت إلى الكعبة ، وسألت ربَّها أن يسهِّل عليها الولادة ، فانشقَّ لها جدار البيت الحرام ، وسمعت النداء : يا فاطمة! ادخلي ، فدخلت وردَّ الجدار على حاله ، فولدتني في حرم الله وبيته (٣).

وانتهى اللقاء ، وعشت في دوَّامة أكثر ، وأحدِّث نفسي : تابع البحث ، إياك والملل!!

اللقاء السادس : خبر منع عمر النبيَّ 6 من كتابة الكتاب

هشام آل قطيط: لقد فاتنا ـ سماحة السيِّد البدري! ـ المناقشة في الحديث

__________________

١ ـ سورة القصص ، الآية : ٣٣.

٢ ـ سورة مريم ، الآية : ٢٣.

٣ ـ راجع : الأنوار النعمانية : ١/٢٧.


الشريف الذي يقول : عن رسول الله 6 : ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتاباً ، ثمَّ قال : يأبى الله والمسلمون إلاَّ أبا بكر (١).

فهذا الحديث أفهم منه أن هناك عزيمة وتصميم من رسول الله 6 للتوصية بالخليفة أبي بكر من بعده ، والذي يدلّني أكثر أن الرسول 6 يريد أن يكتب كتاباً ، ويؤكِّد من خلال فعل الأمر الذي يبدأ به الحديث.

السيِّد البدري : ألم يكن الرسول 6 عازماً على أن يكتب كتاباً ومنعه الخليفة عمر بن الخطاب ، وقال : إن رسول الله غلبه الوجع ، وإنَّه هجر ، أي بمعنى يهذي ، والرسول المعصوم لا يمكن أن يهجر أو يهذي أيُّها الأستاذ ، وقول الرسول 6 : قوموا عنّي ، لا ينبغي عند نبيٍّ تنازع (٢) ؛ لأنه لو أصرَّ الرسول 6 على كتابة الكتاب لقالوا : إنه هجر؟

ثمَّ إن هذا الحديث وضع مقابل الحديث المشهور ، عندما أراد الرسول 6 أن يكتب الكتاب ، حيث قال : أعطوني دواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعدي ـ ولمَّا واجهه القوم بتلك الكلمة القارصة والعبارة الجارحة ـ خاصّة وهو في آخر أيامه من الدنيا ـ رأى أن من الحكمة والمصلحة أن يعدل عن كتابته حفاظاً على الدين ، وقياماً بما أوجبه 6 من تقديمه الأهمَّ على

__________________

١ ـ قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : إن البكريّة وضعت لأبي بكر أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث نحو : ائتوني بدواة وبياض أكتب فيه لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه اثنان ، ثمَّ قال : يأبى الله تعالى والمسلمون إلاَّ أبا بكر ؛ فإنهم وضعوه في مقابلة الحديث المرويِّ عنه في مرضه : ائتوني بدواة وبياض أكتب لكم ما لا تضلُّون بعده ابداً ، فاختلفوا عنده ( شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١١/٤٩ ).

٢ ـ صحيح البخاري : ٤/٣١ ، المصنّف ، عبد الرزاق الصنعاني : ٦/٥٧ ح ٩٩٩٢ ، مسند أبي يعلى الموصلي : ٤/٢٩٨ ح ٢٤٠٩ ، الطبقات الكبرى ، ابن سعد : ٢/٢٤٢ ، فتح الباري ، ابن حجر : ٨/١٠١ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٥/٢٤٧.


المهمِّ.

وأنقل لك ما سجَّله ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة ، عن أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب تأريخ بغداد ، مسنداً عن ابن عباس أنه قال ـ في حديث طويل جرى بينه وبين الخليفة عمر بن الخطاب ـ قال عمر في بعض ما أجاب به ابن عبّاس ما ملخَّصه : إني لمَّا علمت أن النبيَّ 6 أراد في مرضه أن يكتب لعلي 7 بالخلافة ويعهد بها إليه ، فمنعته من ذلك ، لعلمي بأن العرب تنقض عليه لبغضها له (١).

وهذا القول ـ يا أستاذ ـ يرشدك إلى أنهم كانوا يعلمون مسبقاً بالنصِّ على علي 7 ، ولكنّهم يرون أن مصلحة الأمّة ، وانتقاض العرب ، وعدم رغبتهم في اجتماع النبوّة والإمامة في أهل بيت النبيِّ 6.

المحاورة بين عمر وابن عباس تكشف عن لثام الحقيقة

السيِّد البدري يتابع الحديث قائلا : هذه المحاورة تكشف لك ـ يا أخي ـ عن المؤامرة التي حصلت من الخليفة عمر بن الخطاب عمَّا كان يريده رسول الله 6 من كتابة الكتاب ، كما وردت في تأريخ الطبري ، والكامل لابن الأثير ، فاسمع أيها المحاور ...

قال عمر بن الخطاب لابن عباس : يا بن عباس! أتدري ما منع قومكم منهم بعد محمّد 6؟

فكرهت أن أجيبه ، فقلت : إن لم أكن أدري فإن أميرالمؤمنين يدريني.

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٢/٢١.


فقال عمر : كرهوا أن يجمعوا لكم النبوَّة والخلافة ، فتبجَّحوا على قومكم بجحاً بجحاً ، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفِّقت.

فقلت : يا أميرالمؤمنين! إن تأذن لي في الكلام ، وتمط عني الغضب تكلَّمت.

قال : تكلَّم ، قلت : أمَّا قولك يا أميرالمؤمنين : اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفِّقت ، فلو أن قريشاً اختارت لأنفسها حيث اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود ، وأمَّا قولك : إنهم أبوا أن تكون لنا النبوَّة والخلافة ، فإن الله عزَّوجلَّ وصف قوماً بالكراهة ، فقال : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) (١).

فقال عمر : هيهات والله يا ابن عباس ، قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أقرَّك عليها فتزيل منزلتك مني (٢).

ولهذا يقول عمر بن الخطاب : لقد كان ـ أي النبي 6ـ يربع في أمره ، ولقد أراد في مرضه أن يصرِّح باسمه فمنعته من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام ، لا وربِّ هذه البنيَّة! لا تجتمع عليه قريش أبداً ، ولو وليها لانتفضت عليه العرب في أقطارها ، فعلم رسول الله 6 أنني علمت ما في نفسه فأمسك (٣).

هشام آل قطيط : بعد كلِّ ما طرحناه من تساؤلات ومناقشات وردود من

__________________

١ ـ سورة محمّد ، الآية : ٩.

٢ ـ تاريخ الطبري : ٣/٢٨٩ ، السقيفة وفدك ، الجوهري : ١٣١ ، الكامل ، ابن الأثير : ٣/٦٢ في حوادث سنة ٢٣ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٢/٥٣.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٢/٢١.


قبل سماحتكم ، إلى أين تريد أن توصلني؟

السيِّد البدري : يا أخي! نحن لسنا بحاجة ، إن تشيعت أم لم تتشيَّع لدينا أكثر من ٣٠٠ مليون شيعي في العالم ، ولكن الواجب الشرعي يفرض عليَّ أن أبيِّن لك بالأدلّة والبراهين أين هو الحق ، فالمسلم الواثق من عقيدته لا يهاب الحوار ، ولا تخيفه المناقشات ، لماذا الخوف من الحوار؟ فأعطيك مثالا : أنا السيِّد علي البدري ، من سكَّان بغداد ( الكرَّادة الشرقية ) ، نشأت في بيئة سنّية ، ودرجت كما درج أهلي ( الدين عندنا عادة وليس عبادة ).

وبعد أن أنهيت دراساتي الشرعيَّة من جامعة بغداد ، وذهبت إلى الأزهر لإكمال الدراسات العليا ، فبدأت من هناك أجري مقارنات بين العقيدة السنّيّة والعقيدة الشيعيّة ، فتوصَّلت بعد بحوث مجهدة ومعاناة طويلة إلى أن اخترت مذهب أهل البيت : ، أو مذهب الإمام جعفر الصادق 7 ، أو ما يسمُّونه اليوم بالشيعة ، أو المذهب الشيعيّ ، فأعلنت عن تشيُّعي ، وكنت وكيل زعيم الطائفة الشيعيّة السيِّد أبو القاسم الخوئي في مصر ، وحتى أصبحت داعية التشيُّع في كلِّ أقطار العالم الإسلاميّ وغير الإسلاميّ.

وأنا أتكلَّم من منطق الواثق من نفسه ، حيث إني درست واطّلعت على كتب الفريقين : السنّيّ والشيعيّ ، حتى توصَّلت إلى حفظ صحيح البخاري وأرقام الصفحات المهمّة بالحوار والاحتجاج ، وغيره من الصحاح وكتب التاريخ.

كل ممنوع مرغوب

أحكي لك هذه القصَّة : عندما كنت صغيراً في العشرينات كان أحد أساتذني يحذِّرني من قراءة كتب الشيعة.


فقلت له : يا أستاذ! ما دمتم تحذِّرونا من كتب الشيعة أسألك هذا السؤال : هذه الكتب المخيفة إمَّا أنها تحتوي على الحقيقة أو على الباطل ، فإن كانت الأولى فلماذا تحذِّرون من اتّباع الحقيقة؟ وإمَّا على الباطل فلماذا لا تردُّون عليها ـ يا أستاذ ـ وتبيِّنوا لنا الشبهات التي فيها حتى لا نقع في الشبهات؟

فضحك الأستاذ ، وقال لي : كان والدي يحذِّرني منها.

فقلت له : يا أستاذ! وإلى متى نبقى على هذا الخوف والتحذير؟

فكان الأستاذ من خلال تحذيره لي ، تولَّد عندي نزعة شديدة لقراءة هذه الكتب ، ووصلت بحمدالله تعالى إلى ما وصلت ، فأشجِّعك ـ يا أخي ـ قربة إلى الله ، وأنا رجل مريض ، وأصبحت في آخر العمر، ولا أعرف أكمل هذه السنة أم لا، فتابع البحث والسؤال يابنيَّ ؛ لأن عمدة العلم في السؤال ، ووفَّقك الله.

وانتهت هذه الجلسة بسبب مرض السيِّد البدري.

اللقاء السابع : المناقشة في بيعة أبي بكر وحديث الثقلين

ذهبت في تمام الساعة العاشرة صباحاً إلى منزل الداعية الشيعيِّ السيِّد علي البدري ، فطرقت الباب ، ففوجئت بحرمه الموقَّرة تبلغني نبأ مرضه الشديد ، وقالت : حصل معه ألم في القلب ، وهو في مشفى المجتهد ، في قسم العناية القلبيّة المشددة.

فنزلت على الدرج بسرعة هائلة ، وقطعت الشارع ركضاً ، وأقلَّتني سيَّارة إلى مشفى المجتهد ، فدخلت إلى المشفى ، وأدعو له طول الطريق بطول العمر ؛ لأنه الإنسان الوحيد الذي وجدت فيه الصدق في القول والإخلاص في العمل ، رجل شيبة في الثمانينات ، ويحاور ويسافر ، ويحمل أكداس من الكتب بيده


الشريفة لينير الدرب أمام الشباب ، وسألت البوَّاب الذي يقف على باب قسم العناية القلبيّة المشدَّدة فأدخلني ، فسرت في الممرّ ، فسألت إحدى الممرِّضات عن غرفة السيِّد علي البدري ، فقالت لي : الشيخ الشيبة؟ قلت لها : نعم ، قالت : هو في الغرفة الثالثة.

فدخلت وقبَّلت جبينه ، وقال لي : يابنيَّ! لقدأتيت ، فقلت له : نعم ، فقال لي : أطلب من الله أن يطيل بعمري فقط ولو سنة حتى أوضح لك كل الشبهات التي في ذهنك ، فقلت له: عمرك طويل إن شاءالله تعالى ياسماحة السيِّد.

السيِّد : هل تريد منّي أيَّ خدمة؟ قال لي : اجلس هنا ، هذا السرير فارغ ، فجلست ، ورفع رأسه عن الوسادة.

حوار في مشفى المجتهد لمدة نصف ساعة!!

هشام آل قطيط : سماحة السيِّد الجليل! أستطيع أن أتكلَّم معك وأسألك؟

السيِّد البدري : اسأل يا أخي! ما دام فيَّ عرق ينبض سأردُّ عليك ، ويساعدني الإمام علي والزهراء 8 ، والحجّة القائم الإمام المهدي عجَّل الله فرجه الشريف.

هشام آل قطيط : ألم يكن هناك إجماع وشورى على خلافة سيِّدنا أبي بكر بعد النبيِّ 6؟

السيِّد البدري : أرجو أن تبيِّن لي أدلّتك على صحة الإجماع والشورى.

هشام آل قطيط : أولا : إجماع الأمّة على خلافته.

ثانياً : كبر سنّه وشيخوخته ، والأمّة لا تقبل أن يكون الخليفة من هو أصغر سنّاً مثل الإمام علي ( كرَّم الله وجهه ) وأنتم لوأنصفتم ـ سماحة السيِّد ـ لأعطيتم


الحقَّ للمسلمين ، فلا يجوز عقلا أن يتقدَّم في هذا الأمر العظيم شابٌّ حدث السن مع وجود شيوخ قومه وكبراء أهله ، وإن تأخَّر سيِّدنا علي ( كرَّم الله وجهه ) لا يكون نقصاً له بل كمالا له ، وإن أفضليته على أقرانه ثابتة ولا ننكرها.

ثمَّ إنني أسمع حديثاً دائماً يردِّده علماؤنا السنّة ؛ قول سيِّدنا عمر : لا تجتمع النبوَّة والملك في أهل بيت واحد.

هذه أسباب تقدُّم أبي بكر وتأخُّر عليٍّ 7 في أمر الخلافة ( ولا تجتمع أمّتي على ضلال أو على خطأ ).

السيِّد البدري : إن أدلَّتك ـ يا أخي ـ تضحك الثكلى ، وإن مثلك كمثل الذي يغمض عينيه فيصبح كالأعمى ، فلا يرى الشمس الطالعة في الضحى ، وينكر ضوء النهار إذا تجلَّى ، فافتح عينيك ، وانظر إلى منار الهدى ، واسلك طريق الحقّ ، ولا تتّبع الهوى ، ولا تغرّنّك الدنيا ، وإن الآخرة خير وأبقى.

وأرجو منك أن تقرأ كتب الشيعة بدقّة ، وتعمِّق الفكر في أدلّتنا وبراهيننا ، أقول هذا لأني فتَّشت أسواق القاهرة والحجاز والخليج والأردن ، وأسواق الشام وأندونيسيا وتنزانيا وبومباي ، وغيرها من البلاد الإسلاميّة التي غالب سكَّانها أهل السنة ، أو حكَّامها من أهل السنّة والجماعة ، فما وجدت كتب الشيعة في مكتباتها ، فكأنكم ـ مع الأسف ـ آليتم أن لا تطالعوا كتب الشيعة ، فلا أدري هل حكمتم عليها بأنها كتب ضلال فحرَّمتم قراءتها؟!!

وإنّي دخلت بيوت كثير من إخواننا أهل السنّة ، علماء وغير علماء ، وخاصة الذين يهوون مطالعة الكتب ، ويملكون مكتبات شخصيّة في بيوتهم ، فوجدت فيها كتب مختلفة حتى كتب غير المسلمين من الشرقيّين والغربيّين ، ولم أجد كتاباً واحداً من كتب الشيعة!!


بينما نحن في بلادنا نطبع كتب السنّة وننشرها ، وندعو أهل العلم والمثَّقفين من شبابنا لمطالعتها ، فهذه مدينة النجف الأشرف ، وكربلاء المقدَّسة في العراق ، وهذه مدينة مشهد ، ومدينة قم المقدسة ، وكذلك شيراز وطهران وإصفهان ، التي فيها حوزاتنا العلميّة ومراجعنا العظام ، ولا أجد مكتبة واحدة من مكتباتنا العامّة والخاصّة تخلو من صحاحكم وكتبكم ومسانيدكم وتواريخكم وتفاسيركم ، لا لحاجة منّا إليها ؛ لأن مدرسة أهل البيت : غنيّة ، والأخبار المرويَّة عن العترة الطاهرة تناولت جميع جوانب الحياة ، وكل ما يحتاجه الإنسان في أمر الدين والدنيا.

وعلاوة على ذلك ألفت نظرك إلى مسألة مهمّة جدّاً ، خذها بعين الاعتبار يا أخي ، أعطني دليلا واحداً أن هناك عالم شيعي انتقل من التشيُّع إلى التسنُّن ، لا يوجد .. أتحدَّاك ، بينما العشرات والمئات من علماء السنة ومثقَّفيهم انتقلوا من التسنُّن إلى التشيُّع .. لماذا ؟!! فكِّر في ذلك وأنصف.

لا إجماع على خلافة أبي بكر..

ويتابع سماحة السيِّد إجابته قائلا : أيُّها الأخ! لو فكَّرت قليلا وأنصفت ، ثمَّ نظرت نظرة الباحث المدقِّق المتأمِّل بأحداث السقيفة وما نجم منها لأذعنت أن خلافة أبي بكر ما كانت بموافقة أهل الحلِّ والعقد ، ولم يحصل الإجماع عليها ، ولو أنك تدبَّرت قول عمر بن الخطاب في صحيح البخاري ـ أصدق صحيح عندكم ـ ما قاله بعد هذا الإجماع والبيعة في السقيفة قوله : إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة ، وتمَّت ، ولكن الله وقى شرَّها (١) ، إلى أن قال : من بايع منكم رجلا من غير

__________________

١ ـ صحيح البخاري : ٨/٢٦ ، المعيار والموازنة ، أبو جعفر الإسكافي : ٣٨ ، المصنّف ، ابن أبي شيبة :


مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ، ولا الذي بايعه تغرَّة أن يقتلا ، إلى قوله : إلاَّ أن الأنصار خالفوا ، واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة ، وخالف عنّا علي 7 والزبير ومن معهما.

وأزيدك أدلّة أخرى يا أستاذ ، فالإجماع الذي تزعمه نفاه كثير من علمائكم ، منهم : صاحب كتاب ( المواقف ) ، والفخر الرازي ، وجلال الدين السيوطي ، وابن أبي الحديد ، والطبري ، والبخاري ، ومسلم بن الحجاج ، وغيرهم.

وقد ذكر العسقلاني ، والبلاذري في تأريخه ، وابن عبد البرّ في الاستيعاب ، وغير هؤلاء أيضاً ، ذكروا : أن سعد بن عبادة وطائفة من الخزرج وجماعة من قريش ما بايعوا أبا بكر ، وثمانية عشر من كبار الصحابة رفضوا أيضاً أن يبايعوه ، وهم شيعة علي بن أبي طالب7 وأنصاره ، ذكروا أسماءهم كمايلي :

١ ـ سلمان الفارسي

٢ ـ أبو ذر الغفاري.

٣ ـ المقداد بن الأسود الكندي

٤ ـ أُبي بن كعب.

٥ ـ عمار بن ياسر.

٦ ـ خالد بن سعيد بن العاص.

٧ ـ بريدة الأسلمي.

٨ ـ خزيمة بن ثابت ذوالشهادتين.

٩ ـ أبو الهيثم بن التيهان.

١٠ ـ سهل بن حنيف.

١١ ـ عثمان بن حنيف.

١٢ ـ أبو أيوب الأنصاري.

__________________

٨/٦١٥ ـ ٦١٦ ، تأريخ اليعقوبي : ٢/١٥٨ ، كتاب الثقات ، ابن حبان : ٢/١٥٦ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٩/٣١ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٦/٥.


١٣ ـ جابر بن عبد الله الأنصاري.

١٤ ـ حذيفة بن اليمان.

١٥ ـ سعد بن عبادة.

١٦ ـ قيس بن سعد.

١٧ ـ عبد الله بن عبّاس.

١٨ ـ زيد بن أرقم.

وذكر اليعقوبي في تأريخه فقال : تخلَّف قوم من المهاجرين والأنصار عن بيعة أبي بكر ، ومالوا مع علي بن أبي طالب ، منهم : العباس بن عبد المطلب ، والفضل بن العباس ، والزبير بن العوام ، وخالد بن سعيد بن العاص ، والمقداد ، وسلمان ، وأبو ذر الغفاري ، وعمار بن ياسر ، والبراء بن عازب ، وأُبي بن كعب (١).

أقول : ألم يكن هؤلاء من صفوة أصحاب النبي 6 ، ومن المقرَّبين إليه والمكرَّمين لديه؟! فلماذا لم يشاورهم؟ فإن لم يكن هؤلاء الأخيار من أهل الحلِّ والعقد ، ومن ذوي البصيرة والرأي في المشورة والاختيار ، فمن يكون إذن؟!! وإذا لم يعبأ برأي أولئك الذين كانوا مع رسول الله 6 يشاورهم الأمور ويعتمد عليهم ، فبرأي من يعبأ؟ ورأي من يكون ميزاناً ومعياراً لإبرام الأمور المهمّة ، وحسم قضايا الأمة؟!

مخالفة أهل البيت : لخلافة أبي بكر

ويتابع السيِّد البدري استدلاله قائلا : أوَّل من خالف أبا بكر هم أهل البيت : ، وهم بإجماع الأمة أفضل الصحابة ، وهم في الصفّ الأول والمتقدِّمين على أهل الحلّ والعقد، وإن إجماع أهل البيت:حجّة لازمة على الأمّة ، بدليل

__________________

١ ـ تاريخ اليعقوبي : ٢/١٢٤.


قوله 6 : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلُّوا بعدي أبداً (١).

هشام آل قطيط : عفواً ، عفواً سماحة السيِّد! أنت ذكرت : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، لماذا لم تذكر حديث : كتاب الله وسنّة نبيِّه؟ من أين أتيت بحديث : عترتي أهل بيتي؟

السيِّد البدري : أعطني دليلا على صحّة ما قلت أيُّها الأستاذ.

هشام آل قطيط : وقفت محتاراً عن عدم الدليل ( فاقد الشيء لا يعطيه ) ، إن شاء الله في جلسة أخرى سأحضر الدليل.

السيِّد البدري : لا تعذِّب نفسك يا أخي ، راجع : مسند أحمد بن حنبل ، الجزء الثالث : ص ١٧ ، وأخرجه أيضاً في نفس المصدر عن أبي سعيد الخدري ص ٢٦ ، وص ٥٩ عن أبي سعيد الخدري حديثاً آخر ، وأخرج في الجزء الرابع ص ٢٦٧ عن زيد بن أرقم حديثاً آخر ، وفي صحيح مسلم ذكره في الجزء الثاني ص ٢٣٨.

وأمَّا حديث : كتاب الله وسنَّة نبيِّه ، رواه الإمام مالك في موطَّئه ، الجزء الثاني : ص ٨٩٩ ، ط دار إحياء التراث العربي ، تحقيق الدكتور محمّد فؤاد عبد الباقي المصري. وصيغة الحديث على الشكل التالي : حدَّثنا مالك أنه بلغه : ما إن تمسَّكتم بأمرين : كتاب الله وسنّة نبيِّه.

فهذا الحديث عند علماء الجرح والتعديل عندكم والحفَّاظ حديث مرسل ولا يؤخذ به ، فاشتهر عندكم ( وكم من شهير ليس له أصل ) والصحاح الحاكمة

__________________

١ ـ تقدَّمت تخريجاته.


بوجوب التمسُّك بالثقلين متواترة ، وطرقها عن بضع وعشرين صحابيّاً متظافرة ، وقد صدع بها رسول الله 6 في مواقف له شتّى : تارة يوم غدير خمّ ، وتارة يوم عرفة في حجّة الوداع ، وتارة بعد انصرافه من الطائف ، ومرَّة على منبره في المدينة ، وأخرى في حجرته المباركة في مرضه ، والحجرة غاصَّة بأصحابه ، إذ قال : أيُّها الناس! يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي ، وقد قدَّمت إليكم القول معذرة إليكم ، ألا إنّي مخلِّف فيكم كتاب الله عزَّوجلَّ وعترتي أهل بيتي ، ثمَّ أخذ بيد علي 7 فرفعها ، فقال : هذا علي مع القرآن ، والقرآن مع علي ، لا يفترقان حتى يردا عليَّ الحوض .. الحديث (١).

ثمَّ قال : أخرجه الطبراني كما في أربعين الأربعين ، وكتاب ( إحياء الميت في فضائل أهل البيت : ) للشيخ جلال الدين السيوطي.

وانتهى الحوار في مشفى المجتهد بدمشق.

اللقاء الثامن : تأجيل المناظرة

ذهبت إلى منزل السيِّد البدري صباحاً ، وهنَّأته بالسلامة بعد خروجه من المشفى ، وقال لي : الآن عندي موعد مع جماعة من لبنان ، وبعد صلاة المغرب تفضَّل ـ يا أخي ـ لنكمل البحث والحوار.

اللقاء التاسع : مسألة كبر السنّ في الخليفة ، وظلامة علي وفاطمة ٨

وبعد صلاة المغرب حضرت لإكمال البحث والحوار.

__________________

١ ـ مناقب أهل البيت : ، الشيرواني : ١٧٤ ، ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : ١/١٢٤ ح ٥٦ و٢/٤٠٣ ح ٥٤ ، الصواعق المحرقة ، ابن حجر : ١٢٤ ط المحمدية بمصر و٧٥ ط الميمنية.


مناقشة الأدلّة وتفنيدها

السيِّد البدري : أمَّا دليلك كبر سنّ الخليفة أبي بكر ، فقدَّموه لأنه أكبر سنّاً من علي بن أبي طالب 7 ، صحيح أن أصحاب السقيفة استدلُّوا بهذا الدليل لإقناع الإمام علي 7 ليبايع أبا بكر (١) ، ولكنه دليل ضعيف ، وكلام سخيف ، فلو كان كبر السنّ ملحوظاً في المنصوب للخلافة فقد كان في المسلمين والصحابة من هو أكبر سنّاً من أبي بكر ، حتى إن والده أبا قحافة كان حيّاً في ذلك اليوم ، فلم أخَّروه وقدَّموا ابنه؟!!

هشام آل قطيط : عفواً سماحة السيّد! إن الملاحظ عندنا والمعروف هو كبر السنّ والسابقة في الإسلام ، وقد كان سيِّدنا أبو بكر محنَّكاً في الأمور ، ومحبوباً عند رسول الله 6 ، بينما سيِّدنا علي ( كرَّم الله وجهه ) كان حدث السنّ ، وغير محنَّك في مجرَّبات الأمور.

السيِّد البدري : إذا كان كذلك ـ يا أستاذ ـ فلماذا قدَّم رسول الله 6 عليّاً 7 في كثير من الأمور والقضايا؟!

أولا : أروي لك هذه النكتة التي وردت في شرح ابن أبي الحديد ، قال : قيل لأبي قحافة والد الخليفة أبي بكر يوم ولي الأمر ابنه : قد ولي ابنك الخلافة ، فقرأ : ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء ) (٢) ، ثمَّ قال :

__________________

١ ـ قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ١/٢٩ : قال أبو عبيدة بن الجرَّاح لعليٍّ كرَّم الله وجهه : يا بن عمّ! إنك حديث السنّ ، وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور ، ولا أرى أبا بكر إلاَّ أقوى على هذا الأمر منك ، وأشدّ احتمالا واستطلاعاً ، فسلِّم لأبي بكر هذا الأمر ، فإنك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت بهذا الأمر خليق ، وبه حقيق ، في فضلك ودينك ، وعلمك وفهمك ، وسابقتك ، ونسبك وصهرك.

٢ ـ سورة آل عمران ، الآية : ٢٦.


لم ولَّوه؟ قالوا : لسنِّه! قال : أنا أسنُّ منه!! (١).

ثانياً : في غزوة تبوك ، حينما عزم رسول الله 6 أن يخرج مع المسلمين إلى تبوك ، وكان يخشى تحرُّك المنافقين في المدينة وتخريبهم خلَّف عليّاً 7 ليدير أمور المدينة المنوَّرة ، دينيّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً ، وقال له : أنت خليفتي في أهل بيتي ، ودار هجرتي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاَّ أنه لا نبيَّ بعدي (٢).

ثالثاً : تبليغ آيات من سورة براءة لأهل مكة حين كانوا مشركين ، فقد عيَّن النبي 9 أبا بكر لهذه المهمّة وأرسله إلى مكة ، وقطع مسافة نحوها ، ولكنَّ الله عزَّوجلَّ أمر النبيَّ 6 أن يعزل أبا بكر ويعيِّن عليّاً 7 لتبليغ الرسالة ، ففعل النبي 6 وأرسل عليّاً 7 ، فأخذ الرسالة من أبي بكر ، فرجع إلى المدينة ، وذهب علي7إلى مكة ، فوقف في الملأ العام من قريش ، ورفع صوته بتلاوة الآيات من سورة براءة ، وأدَّى تبليغ الرسالة ، ونفَّذ الأمر ، ورجع إلى المدينة (٣).

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١/٢٢٢.

٢ ـ الإرشاد ، المفيد : ١/١٥٦ ، بحار الأنوار ، المجلسي : ٢١/٢٠٨ ، مسند أحمد بن حنبل : ١/٣٣١ ، كتاب السنة ، ابن أبي عاصم : ٥٥١ ح ١١٨٨ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ١٢/٧٨ ، المناقب ، الموفق الخوارزمي : ١٢٦ ـ ١٢٧ ح ١٤٠ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/١٠٢ ، الإصابة ، ابن حجر : ٤/٤٦٧ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٧/٣٧٤ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ١١/٦٠٦ ح ٣٢٩٣١.

٣ ـ قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ٦/٤٥ و١٢/٤٦ : روى الزبير بن بكار في كتاب ( الموفقيات ) عن عبدالله بن عباس ، قال : إني لأماشي عمر بن الخطاب في سكَّة من سكك المدينة ، إذ قال لي : يا ابن عباس! ما أرى صاحبك إلاَّ مظلوماً! فقلت في نفسي : والله لا يسبقني بها ، فقلت : يا أميرالمؤمنين! فاردد إليه ظلامته ، فانتزع يده من يدي ، ومضى يهمهم ساعة ، ثمَّ وقف فلحقته ، فقال : يا ابن عباس! ما أظنُّ منعهم عنه إلاَّ أنه استصغره قومه! فقلت في نفسي : هذه شرٌّ من الأولى! فقلت :


رابعاً : أنه 6بعثه إلى اليمن ليهدي أهلها إلى الإسلام ، ويبلغهم الدين ، ويقضي بين المتخاصمين ، وقد أدَّى هذا الأمر على أحسن وجه.

هشام آل قطيط : وما جوابكم ـ سماحة السيِّد ـ عن قول سيِّدنا عمر بأن النبوَّة والحكم لا تجتمعان في أهل بيت واحد؟

السيِّد البدري : أيُّها الأستاذ! قول عمر باطل ، وزيفه واضح ، بدليل قوله تعالى : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً ) (١).

فهذا الكلام إن كان ينسب إلى عمر فهو دليل على عدم إحاطته بالآيات القرآنيّة ومفاهيمها ، وإن كان عمر يرويه عن رسول الله 6 فهو حديث مجعول ؛ لأنه مخالف لكتاب الله العظيم.

ثمَّ ـ أيُّها الأخ المحاور ـ إن خلافة النبوَّة عندنا كخلافة هارون لأخيه موسى بن عمران ، حيث قال سبحانه وتعالى في كتابه : ( وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ) (٢) ، فإن يكن عندكم أنه يحقُّ للمسلم أن ينفي خلافة هارون لموسى ، فإنه يحقُّ له أيضاً عزل علي 7 من خلافة خاتم النبيين 6 ، فكما أن النبوَّة والخلافة اجتمعتا في أهل بيت عمران والد موسى وهارون كما ينصُّ القرآن فيه ، كذلك اجتمعتا للنبيِّ6وعلي7في بيت عبد

__________________

والله ما استصغره الله ورسوله 6 حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك! فأعرض عني وأسرع ، فرجعت عنه.

وروي أيضاً : في السقيفة وفدك ، الجوهري : ٧٢ ، والرياض النضرة ، الطبري : ٢/١٧٣.

١ ـ سورة النساء ، الآية : ٥٤.

٢ ـ سورة الأعراف ، الآية : ١٤٢.


المطلب بالنصوص الكثيرة.

هشام آل قطيط : سماحة السيِّد! إن الكلام والنقاش حول هذه المواضيع لا يزيد المسلمين إلاَّ تنافراً وحقداً وابتعاداً ، كيفما كان الأمر فنحن ما كنّا في ذلك اليوم ، ولم نحضر السقيفة حتى نلمس الأمر ، ونتحسَّس الأحداث ، فأقول لك : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ) (١) ، فنحن لا نحاسب عنهم إن أخطأوا.

السيِّد البدري : هذا جواب من لا يملك الحجّة والدليل الشرعيّ ، فيقول : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ) يجب على كل مسلم أن يتبع الحق ، لا أنه يستسلم للأمر الواقع فكم من ضلال وباطل قائم في الدنيا ، فهل يجوز للمسلم أن يتبعه ويتقبَّله ثمَّ يقول : إنه أمر واقع ، وليس لنا إلاَّ أن نستسلم للأمر الواقع؟! فالإسلام دين تحقيق لا دين تقليد ، قال سبحانه وتعالى : ( فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) (٢) ، فهل قول عمر أحسن أم قول رسول الله 6؟! فهل يجوز للمسلم أن يترك هذه النصوص الجليَّة والأحاديث النبويَّة المرويَّة عن صحاحكم وتواريخكم؟

هل بايع علي 7 وبنو هاشم أبا بكر؟

هشام آل قطيط : لقد كرَّرت الكلام بأن عليّاً كرَّم الله وجهه وبني هاشم وكثير من الصحابة لم يرضوا بخلافة أبي بكر ولم يبايعوه ، ونحن نرى التواريخ كلها اتّفقت على أن سيِّدنا عليّاً وبني هاشم وجميع أصحاب رسول الله 6

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٣٤.

٢ ـ سورة الزمر ، الآية : ١٧ ـ ١٨.


بايعوا أبا بكر.

السيِّد البدري : نعم بايعوا ، ولكن أسألك كيف تمَّت هذه البيعة؟ أما قرأت في كتب التأريخ والحديث أن عليّاً 7 وبني هاشم وكثيراً من كبار الصحابة ما بايعوا إلاَّ بعد ستة أشهر بالتهديد والجبر ، إذ جردوا السيف على رأس الإمام علي 7 ، وهدَّدوه بالقتل إن لم يبايع!

هشام آل قطيط : إني أعجب من سماحتك أيُّها السيِّد ، كيف تتفوَّه بهذا الكلام؟! ما هو إلاَّ من أساطير عوام الشيعة وجهلتهم ، وقد أكَّد المؤرِّخون أن سيِّدنا عليّاً ( كرَّم الله وجهه ) بايع أبا بكر في لحظة استلامه للخلافة طوعاً ورغبة ، وأعلن موافقته لخلافة سيِّدنا أبي بكر.

السيِّد البدري : ألم تقرأ كتب الصحاح والتاريخ أيُّها المحاور ، إرجع إلى صحيح البخاري : ٣ ـ ٣٧ باب غزوة خيبر لترى ما ترى .. راجع صحيح مسلم : ٥ ـ ١٥٤ باب قول النبيِّ 6 : لا نورث ، وراجع كتاب الإمامة والسياسة : ص ١٤ ، وراجع مروج الذهب للمسعودي : ١ ـ ٤١٤ ، وابن أعثم الكوفي في الفتوح ، والحميدي في الجمع بين الصحيحين ، كل هؤلاء أخرجوا أن عليّاً 7 وبني هاشم لم يبايعوا إلاَّ بعد ستة أشهر.

وروى ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة عن الصحيحين ، عن الزهري ، عن عائشة : فهجرته ـ يعني أبا بكر ـ فاطمة ولم تكلِّمه في ذلك حتى ماتت ، فدفنها عليٌّ ليلا ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وفي الخبر : فمكثت فاطمة 3 ستة أشهر ثمَّ توفِّيت ، فقال رجل للزهري : فلم يبايعه عليٌّ ستة أشهر؟! قال : ولا أحد من بني هاشم ، حتى بايعه علي (١).

__________________

١ ـ راجع أيضاً : السنن الكبرى ، البيهقي : ٦/٣٠٠ ، المصنّف ، عبد الرزاق الصنعاني : ٥/٤٧٢ ح ٩٧٧٤ ،


وذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : ص ١٣ (١) ، تحت عنوان : ( كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه ) قال : وإن أبا بكر تفقَّد قوماً تخلَّفوا عن بيعته عند علي ( كرَّم الله وجهه ) فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار عليٍّ ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده! لتخرجن أو لأحرقها على من فيها! فقيل له : يا أبا حفص! إن فيها فاطمة! فقال : وإن ... وبعد عدّة أسطر في نفس المصدر السابق له ، يقول : فدقُّوا الباب ، فلمَّا سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة؟ فلمَّا سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين.

وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا عليّاً ، فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع ، فقال : إن أنا لم أبايع فمه؟! قالوا : إذن والله الذي لا إله إلاَّ هو! نضرب عنقك! قال : إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله ، قال عمر : أمَّا عبد الله فنعم ، وأمَّا أخو رسوله فلا ، وأبو بكر ساكت لا يتكلَّم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك؟! فقال : لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه.

فلحق عليٌّ بقبر رسول الله 9 ، يصيح ويبكي وينادي : ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي ) (٢) (٣).

__________________

تاريخ الطبري : ٢/٤٤٨ ، فتح الباري ، ابن حجر : ٧/٣٧٩ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٦/٤٦.

١ ـ وفي الطبعة الأولى : ص ٣٠ وفي طبعة مؤسَّسة الحلبي : ص ١٩.

٢ ـ سورة الأعراف ، الآية : ١٥٠.

٣ ـ قال قطب الدين اليونيني : وحكى لي نجم الدين موسى الشقراوي ما معناه : أن العزّ الضرير ـ وكان العز يصرِّح بتفضيل علي 7 على الثلاثة الخلفاء ـ حدَّثه أنه كان في مجلس سيف الدين الآمدي ، وهناك


واعلم ـ أيُّها الأخ المحاور ـ أن مسؤوليتك خطيرة تجاه الجهلة والعوام ؛ لأنهم يأخذون منكم أنتم المثقَّفون ـ وأيضاً العلماء ـ ولقد قيل : إذا فسد العالِم فسد العالَم ، أنتم الشباب الواعي المثقَّف يجب عليكم أن تقرؤوا صحاحكم وتاريخكم ، ولا تتّبعون أسلافكم المتعصِّبين وأتباعهم ، فلِم تصدِّقون كل ما تسمعونه عن الشيعة المظلومين عبر التاريخ؟ بينما كل الأخبار التي تتحدَّث بها الشيعة هي من كتبكم ، فراجع واقرأ بعين الإنصاف ؛ لأنك مسؤول غداً أمام الله عن هذه الأدلّة ، ولا تقل إن أبي وجدّي كانوا كذا ... الدين ليس بالوراثة ، والدين ليس عادات وتقاليد ورثناها عن آبائنا وأجدادنا ، فالدين علم ، وفكر ، ومنطق ، واحتجاج ، وبيِّنة.

حتى لو اصطدمت مع والدك ، حتى لو اصطدمت مع أستاذك ، أو مع شيخك الذي تصلّي خلفه ، أو اختلفت فعليك اتّباع البيِّنة والحجَّة والبرهان ، والله الموفِّق إلى سبيل الرشاد.

وثائق تاريخيَّة في ضلامة فاطمة الزهراء 3

لقد نقل لنا المحدِّثون والمؤرِّخون هذه الحوادث الأليمة في التاريخ ، وإليك ـ أيُّها المحاور ـ بعض الوثائق التاريخية التي تكون عندكم محلَّ الوثوق

__________________

جماعة من العلماء منهم الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام ، فجرى البحث في الإمامة ، ومن الخليفة بعد رسول الله 6؟ فقال بعض الحاضرين : قد روي أن علي بن أبي طالب 7 بايع لأبي بكر مكرهاً ، وأن أبا عبيدة بن الجراح قال له : بايع وإلاَّ قتلت ، فالتفت علي 7 إلى قبر رسول الله 6 وقال : ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي ). ( ذيل مرآة الزمان ، قطب الدين اليونيني ، المجلّد الأول : ج٢ ص ١٦٩ ).


والاعتبار.

١ ـ غضب السيِّدة فاطمة الزهراء 3 ، ويذكره البخاري في صحيحه قائلا : ( فوجدت فاطمة 3 على أبي بكر في ذلك ، فهجرته فلم تكلَّمه حتى توفِّيت ) (١)، وأخذنا بحديث رسول الله6، ( فاطمة سيِّدة نساء العالمين ) (٢).

فنستنتج بأن إمام زمان فاطمة 3 هو علي بن أبي طالب 7 ، الواجب الطاعة ، وهو الخليفة بعد رسول الأمَّة ، ألم يبادر إلى ذهنك ـ أيُّها المحاور ـ أين قبر فاطمة؟ فخذ الجواب من شاعر أهل البيت : الأزري :

فَلأَيِّ الأُمُورِ تُدْفَنُ لَيْلا

بَضْعَةُ الْمُصْطَفَى وَيُعْفَى ثَرَاهَا

فَمَضَتْ وَهيَ أَعْظَمُ الناسِ وَجْداً

في فَمِ الدهرِ غُصَّةٌ مِنْ جَوَاهَا

وَثَوَتْ لاَ يَرَى لَهَا النّاسُ مثوىً

أيُّ قُدّس يَضُمُّهُ مَثْوَاها (٣)

ثمَّ أُضيف لك ـ أيُّها الأخ ـ أنهم اغتصبوا حقَّ فاطمة 3 ، واحتجُّوا عليها بحديث : النبيُّ لا يورِّث.

المحاور : عفواً سماحة السيِّد! : النبيُّ 6 قال : نحن معاشر الأنبياء لا نوِّرث ، فالوراثة هي العلم والحكمة.

__________________

١ ـ صحيح البخاري : ٥/٨٢ و٨/٣ ، صحيح مسلم : ٥/١٥٤ ، السنن الكبرى ، البيهقي : ٦/٣٠٠ ، المصنّف ، عبد الرزاق الصنعاني : ٥/٤٧٢ ح ٩٧٧٤ ، صحيح ابن حبان : ١١/١٥٣ ، تأريخ المدينة ، ابن شبة : ١/١٩٦.

٢ ـ السنن الكبرى ، النسائي : ٤/٢٥٢ ، ح ٧٠٧٨ ، المصنّف ، ابن أبي شيبة : ٧/٥٢٧ ح ٥ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/١٣٤ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٠/٢٦٥ ، أسد الغابة ، ابن الأثير : ٤/١٦ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ١٢/١١٠ ح ٣٤٢٣٣ ، فيض القدير ، المناوي : ٣/١٣٩ ، الدرّ المنثور ، السيوطي : ٢/٢٣ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : ٤٣.

٣ ـ الأزريّة ، الشيخ الأزري : ١٤٣.


السيِّد البدري : أولا : هذا الحديث هو رواية آحاد ، وتفرَّد به الخليفة أبو بكر ثمَّ قال الرسول 6 : ( ستكثر من بعدي الكذَّابة ) (١) ( فاعرضوا كلامنا على القرآن ، فإن وافق القرآن فخذوا به ، وإن خالف القرآن فاضربوا به عرض الحائط ) (٢) فليكن رجوعنا إلى الميزان وهو القرآن ، لنرى هل هذا الحديث الذي استشهدت به يخالف القرآن أم يوافقه.

الزهراء 3 تخاطب الخليفة أبابكر

فاسمع قوله تعالى: ( وَوَرِثَ سُلَيَْمانُ دَاوُودَ )(٣)، فإن قلت لي : إن الميراث المطلوب في هذه الآية هو العلم والحكمة فاسمع قول الزهراء3 في خطبتها

__________________

١ ـ روي عن النبي 6 : أيُّها الناس! قد كثرت عليَّ الكذَّابة.

راجع : الكافي ، الكليني : ١/٦٢ ح ١ ، تحف العقول ، ابن شعبة الحراني : ١٩٣. 6

٢ ـ روى الشيخ الطبرسي عليه الرحمة في كتاب الاحتجاج : ٢/٢٤٦ قال : قال رسول الله 6 في حجّة الوداع : قد كثرت عليَّ الكذّابة وستكثر بعدي ، فمن كذب عليَّ متعمِّداً فليتبوَّأ مقعده من النار ، فإذا أتاكم الحديث عنّي فاعرضوه على كتاب الله وسنّتي ، فما وافق كتاب الله وسنّتي فخذوا به ، وما خالف كتاب الله وسنّتي فلا تأخذوا به.

وروى الشيخ الطبرسي عليه الرحمة في تفسير مجمع البيان ١/٣٩ قال : قال النبي 6 : إذا جاءكم عنّي حديث فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافقه فاقبلوه ، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط.

وروى الشيخ الطوسي عليه الرحمة في الاستبصار : ١/١٩٠ ح ٩٦٦٨ : وقد روي عنهم : أنهم قالوا : إذا جاءكم عنّا حديثان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالفه فاطرحوه.

وروى العامّة أيضاً عن النبي 6 : ما أتاكم عنّي فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فهو منّي ، وما خالفه فليس منّي.

راجع : أحكام القرآن ، الجصاص : ١/٦٢٩ ، المحصول ، الرازي : ٤/٤٣٨.

٣ ـ سورة النمل ، الآية : ١٦.


المشهورة للخليفة أبي بكر : يا ابن أبي قحافة! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريّاً!! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ، ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول : ( وَوَرِثَ سُلَيَْمانُ دَاوُودَ ) وقال فيما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريا إذ قال : ( فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) (١) ، وقال : ( وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِي كِتَابِ اللّهِ ) (٢) ، وقال : ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) (٣) ، وقال : ( إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ ) (٤) ، وزعمتم أن لا حظوة لي ، ولا إرث من أبي ، ولا رحم بيننا ، أفخصَّكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم تقولون : أهل ملّتين لا يتوارثان؟ أو لست أنا وأبي من ملّة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟! فدونكها مخطومة مرحولة ، تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمّد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم إذ تندمون و ( لِّكُلِّ نَبَإ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) (٥) ( مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) (٦). الخطبة (٧).

ألم يكفِك جواباً قول الزهراء 3؟

__________________

١ ـ سورة مريم ، الآية : ٥ ـ ٦.

٢ ـ سورة الأنفال ، الآية : ٧٥.

٣ ـ سورة النساء ، الآية : ١١.

٤ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٨٠.

٥ ـ سورة الأنعام ، الآية : ٦٧.

٦ ـ سورة هود ، الآية : ٣٩.

٧ ـ بلاغات النساء ، ابن طيفور : ١٤ ، السقيفة وفدك ، الجوهري : ١٠١ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٦/٢١٢ ، جواهر المطالب ، ابن الدمشقي : ١٦٠ ـ ١٦١.


المحاور : سماحة السيِّد! الكلام قويٌّ وبليغ ، ولكن أين دليل وسند هذه الخطبة؟

السيِّد البدري : راجع نهج البلاغة ، شرح ابن أبي الحديد المعتزلي : الجزء الرابع ، ص ١٩٣ ، وبلاغات النساء لابن أبي طيفور.

الإمام علي 7 يذكر فدك في خطبته.

السيِّد البدري يتابع الحديث .. ينقل لنا كلاماً للإمام علي 7 في نهج البلاغة بمناسبة أرض فدك : ( .. فو الله ما كنزت من دنياكم تبراً ، ولا ادّخرت من غنائمها وفراً ، ولا حزت من أرضها شبراً ، بلى كانت في أيدينا فدك من كلِّ ما أظلَّته السماء ، فشحَّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس قوم آخرين ، ونعم الحكم الله .. ) (١).

فهذا كلام الإمام علي 7 ، يقول : ( ونعم الحكم الله ) ومعناه : أني سوف أطالبهم حقّي يوم الحساب .. يوم لا تظلم نفس شيئاً .. والحكم يومئذ لله.

الزهراء 3 تشكو اهتضامها لأبيها 6

وأمَّآ سيِّدتنا فاطمة 3 فقد قالت لأبي بكر وعمر : فإني أشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني فما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبيَّ 6 لأشكونَّكما إليه. الإمامة والسياسة لابن قتيبة (٢) عليك مراجعته.

وكما نقل بعض المؤرِّخين كانت في أواخرأيَّام حياتها تخرج إلى قبر أبيها

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، خطب الإمام علي 7 : ٣/٧٠ ـ ٧١ ، كتاب رقم : ٤٥ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٦/٢٠٨.

٢ ـ الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : ١/٣١.


رسول الله 6، وهناك تشكو اهتضامها وتقول : أبتاه! أمسينا بعدك من المستضعفين ، وأصبحت الناس عنّا معرضين!! ثمَّ تأخذ تراب القبر فتشمُّه وتنشد :

مَاذَا علَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَد

أَنْ لاَ يَشَمَّ مَدَى الزَّمَان غَوَالِيَا

صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبٌ لَوْ أَنَّها

صبَّتْ عَلَى الأيَّامِ صِرْنَ لَيَالِيَا (١)

فماتت مقهورة مظلومة ، في ربيع العمر وعنفوان الشباب ، وأوصت إلى علي 7 أن يغسِّلها ويجهِّزها ليلا ، ويدفنها ليلا إذا هدأت الأصوات ونامت العيون ، وأوصت أن لا يشهد جنازتها أحد ممن ظلمها وآذاها (٢).

ولمَّا وضعها في لحدها وأهال عليها التراب هاج به الحزن فتوجَّه إلى قبر رسول الله 6 يقول : السلام عليك يا رسول الله عنّي وعن ابنتك النازلة في جوارك ، والسريعة اللحاق بك ، إلى أن يقول 7 : فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فلقد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرهينة! أمَّا حزني فسرمد ، وأمَّا ليلي فمسهَّد ، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم ، وستنبئك ابنتك بتضافر أمَّتك على هضمها ، فأحفها السؤال ، واستخبرها الحال ، هذا ولم يطل العهد ، ولم يخل منك الذكر ، والسلام عليكما سلام مودِّع ، لا قال ولا سئم .. (٣).

__________________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : ١/٢٠٨ ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ٢/١٣٤ ، نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ١٨١ ، سبل الهدى والرشاد ، الصالحي الشامي : ١٢/٣٣٧ ، المغني ، عبدالله بن قدامة : ٢/٤١١.

٢ ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : ٣/١٣٧ ، بحار الأنوار ، المجلسي : ٣١/٦١٩ ح ٩٧ و٤٣/١٨٢ ح ١٦.

٣ ـ نهج البلاغة ، خطب الإمام علي 7 : ٢/١٨٢ ، رقم : ٢٠٢ ، الكافي ، الكليني : ١/٤٥٨ ـ ٤٥٩ ح ٣ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٠/٢٦٥.


المحاور : كفى .. كفى .. رحم الله والديك ، لقد مزَّقتني من الداخل ، حيث كانت دموعي تجري على تلك المظلوميَّة ، لا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فلذة كبد النبي 6 وريحانته ، وسيِّدة نساء العالمين ، وسيِّدة نساء أهل الجنة ، وأمّ الحسن والحسين ، وزوجة الإمام علي ( كرَّم الله وجهه ) بطل الإسلام ، تموت مظلومة ، لم تعش بعد والدها سوى بضعة أشهر ... تدفن ليلا ، يهضم حقّها ، وممَّن؟ من الخلفاء أبي بكر وعمر!!

يا للهول ويا للعجب! فكانت أكبر نقاط الحوار تأثيراً في نفسي وفي كياني ، فتركت الجلسة ولم أستطع أن أكمل الحوار ، فاعتذرت من سماحة السيِّد وخرجت.

في المنزل

خرجت من منزل السيِّد البدري والوقت ما يقارب الساعة العاشرة ليلا ، ووصلت إلى البيت حيث كنت منهكاً ، فقالت لي زوجتي : يبدو عليك الأرق والتعب!

فقلت لها : وأيُّ تعب؟

فقالت لي : وجهك مقلوب ومتغيِّر .. عندما ذهبت وجهك كان أفضل.

فقلت لها : نعم صحيح .. إن مظلوميّة السيِّدة فاطمة الزهراء 3 قد هدَّت كياني ، ولم أكن أعلم كل هذا العمر الذي قضيته في المطالعة وقراءة الكتب والجامعة بهذه المصيبة والفاجعة والمظلوميّة.

مراجعة صحيح البخاري للوصول إلى الحقيقة

تناولت من مكتبتي المتواضعة صحيح البخاري لأرى صدق كلام السيِّد


البدري بأن فاطمة 3 ماتت وهي غاضبة عليهم ، وفي رواية أخرى قال لي : ( ماتت وهي واجدة عليهم ) كما ذكر لي في صحيح البخاري كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ، ج٥ ، ص ٧٧ ، مطابع دار الشعب ، وصحيح البخاري ، كتاب الجهاد والسير ، باب فرض الخمس ، ج٤ ، ص ٤٢ ، دار الفكر.

والحديث في هذا مسند إلى عائشة ، وقد صرَّحت فيه أن الزهراء 3 هجرت أبا بكر ، فلم تكلِّمه بعد رسول الله 9 حتى ماتت فعندما وجدت الحديث ووقفت عليه متأمِّلا ، فصرت أحدِّث نفسي : لماذا علماؤنا علماء السنة لايصرِّحون لنا بالحقيقة؟!! هل الدين جاء لكتمان الحقائق أم للتصريح بها؟! فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

اللقاء الأخير : ودخل النور إلى قلبي بمظلوميَّة فاطمة 3

بعد وقوفي على حادثة ومظلوميَّة الزهراء 3 ، وتأمَّلتها في صحيح البخاري ، رجعت إلى منزل السيِّد البدري بعد ثلاث أيام لأشكره على ما قدَّم لي من كتب ، وأعطاني من وقته للبحث ، وقال لي : يا بنيَّ! اللّهمَّ اشهد أني قد بلَّغتك على مذهب الحقّ مذهب أهل البيت : ، وأقام عليَّ الحجّة بعد هذه اللقاءات ، وأصبحت هذه الحوارات أمانة في عنقك وحجَّة عليك ، فالويل ثمَّ الويل لمن بان له الحقُّ وكتمه ، فالويل ثمَّ الويل لمن تجلَّت له الحقيقة وسكت عنها ، ولم يدافع عنها ولم يدعُ لها.

وقال لي : يا بنيَّ! أنا كبرت وتعبت ، وأتعبني قلبي ، وغداً سأسافر إلى بيروت ، إلى الجامعة الأمريكيّة لأعمل عمليّة للقلب ، وفقرات الظهر.

وفعلا سافر السيِّد البدري ، وتمَّ الرفض من قبل الجامعة الأمريكيّة لإجراء


أيِّ عمل جراحيٍّ له ، بسبب عدم تحمُّل القلب ، وصمَّم أن يعمل فقط عمل جراحي لظهره في مشفى صيدا ، وسافر بعدها إلى إيران.

وكان يقول لي : مسؤوليتك كبيرة أمام الله ، ومعرفتك الحق أمانة ، وأنت تسأل غداً عن هذه الأمانة.

فعاهدت السيِّد البدري على حفظ الأمانة ، ومتابعة البحث والطريق إن شاء الله تعالى ، وأسألك الدعاء سيِّدي ، فودَّعته وقبَّلت جبينه وخرجت.

وبعد ذلك وصلني نبأ وفاته في مدينة قم المقدسة بعد شهر ، فبكيت عليه بكاء شديداً ، وسافرت إلى مدينة قم حيث لم أحضر جنازته ، فزرته وقرأت الفاتحة على ضريحه المقدَّس ، وعاهدته بمواصلة البحث ، والسير في الدعوة إلى طريق أهل البيت:حتى ألقى ربّي وأنا في هذا الطريق إن شاء الله تعالى(١).

__________________

١ ـ ومن الحوار اكتشفت الحقيقة ، هشام آل قطيط : ٦٥ ـ ١٣٨.


المناظرة الثانية والأربعون

مناظرة

الشيخ معتصم سيد أحمد السوداني مع الشيخ عبدالقادر

الأرنؤوطي في حديث الثقلين

حدث لي أثناء إقامتي في الشام لقاء مع الشيخ عبدالقادر الأرنؤوطي ، وهو من علماء الشام ، وله إجازة في علم الحديث.

وقد تم هذا اللقاء من غير إعداد مني ، وإنما كان من طريق الصدفة ..

كان لي أحد الأصدقا السودانيين أسمه عادل ، تعرفت عليه في منطقة السيدة زينب 3 وقد أنار الله قلبه بنور أهل البيت : وتشيع لهم ، وامتاز هذا الأخ بصفات حميدة قل ما تجدها في غيره ، فكان خلوقاً متديناً ورعاً ، وقد أجبرته الظروف على العمل في إحدى المزارع في منطقة تُسمى العادلية ـ ٩ كم تقريباً جنوب السيدة زينب 3 ، وكان بجوار المزرعة التي يعمل بها مزرعة اُخرى لرجل كبير السن متديّن يكنى بأبي سليمان.

فعندما عرف هذا الجار أن السوداني الذي يعمل بجواره شيعي ، جاء إليه وتحدّث معه ، قال : يا أخي ، السودانيون سنّة طيبون ... من أيين لك بالتشيع؟! هل في اُسرتك أحد شيعي؟

قال عادل : لا ، ولكن الدين والقناعة لا تبتني على تقليد المجتمع


والاُسرة.

قال : إن الشيعة يكذّبون ويخدعون العامة.

قال عادل : أنا لم أر منهم ذلك.

قال : بلى نحن نعرفهم جيداً.

قال عادل : يا حاج ، هل تؤمن بالبخاري ومسلم وصحاح السنة؟

قال : نعم.

قال عادل : إن الشيعة يستدلون على أي عقيدة يؤمنون بها من هذه المصادر ، فضلاً عن مصادرهم.

قال : إنهم يكذبون ، ولهم بخاري ومسلم محرَّف.

قال عادل : إنهم لم يلزموني بكتاب مخصص ، بل طلبوا مني أن أبحث في أي مكتبة في العالم العربي.

قال : هذا كذبٌ ، وأنا من واجبي أن أردك مرة اُخرى إلى السنّة ، « وإن يهدي بك الله رجل واحد خير لك مما طلعت عليه الشمس » (١).

قال عادل : نحن طالبي حق وهدى ، نميل مع الدليل حيثما مال.

قال : إني سأحضر لك أكبر عالم في دمشق ، وهو العلامة عبدالقادر الأرونؤوطي ، عالم جليل ، ومحدّث حافظ ، وقد حاول الشيعة إغراءه بالملايين حتى يصبح معهم ، لكنه رفض ...

وافق ـ الأخ ـ عادل على هذا الطرح ، وقال له أبو سليمان : موعدنا يوم الأثنين أنت وكل السودانيين الذين تأثروا بالفكر الشيعي.

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١ ص ٢١٥ ح ٢٦ ، وج ٢ ص ١٤٦ ح ١٥.


جاء إليَّ عادل ، وأخبرني بماحدث ، وطلب مني أن أذهب معه ... وبفرحة شديدة قبلت هذا العرض ، وتواعدت معه يوم الإثنين بتاريخ ٨ صفر ١٤١٧ من الهجرة على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم ، في تمام الساعة ١٢ ظهراً.

وكان يوماً شديد الحر ، تقابلنا في الموعد ، وانطلقنا إلى المزرعة مع ثلاثة من السودانيين ، وبعد وصولنا كان الأخ عادل في استقبالنا في مزرعة خضراء تحفّها الأشجار المثمرة من الخوخ والتفاح والتوت وغيرها من الفواكه التي لا توجد عندنا في السودان.

وبعدها أخذنا نحث الخطى إلى مزرعة جاره السني ، فاستقبلنا بحفاوة بالغة ، وبعد قليل من الاستجمام في ذلك المكان الذي تحيط به الخضرة من كل حدب ، قمت إلى صلاة الظهر ، وفي أثناء الصلاة ، جاءت قافلة في مقدمتها سيارة تحمل الشيخ الأرنؤوطي ، وقد امتلأ المكان بالناس وخارج المبنى بالسيارات ، وعلت الدهشة وجوه أصحابي السودانيين من هيبة هذا المقام ، لأنهم لم يتصوروا أن الأمر بهذا الحجم ، وبعدما استقر كل واحد في مكانه ، اخترتُ مكاناً بجوار الشيخ.

وبعد إجراء التعريف بين الجميع ، تحدّث صاحب المزرعة مع الشيخ قائلاً : إن هؤلاء إخواننا من السودان ، وقد تأثروا بالتشيع في السيدة زينب 3 ، وبينهم واحد شيعي يعمل في المزرعة التي بجوارنا.

قال الشيخ : أين هذا الشيعي؟

قالوا له : ذهب إلى مزرعته وسيرجع بعد قليل.

قال : إذن نؤخر الحديث إلى رجوعه ..

... ذهب إليه أحد السودانيين وأحضره إلى المجلس ، وقد استغل الشيخ


هذه الفرصة ، بقراءة أحاديث كثيرة يحفظها عن ظهر قلب ، وكان موضوعها أفضلية بعض البلدان على بعض ، وخاصة الشام ودمشق ، وقد أخذ هذا الموضوع حوالي نصف ساعة ـ وهو موضوع لا جدوى فيه ـ ، وقد تعجبت منه كثيراً كيف لا يستغل هذا الظرف ، وقد أعاره الجميع عقولهم بحديث يستفيدون منه في دينهم ودنياهم ، ثم قال : إن دين الله لا يؤخذ بالحسب والنسب ، وقد جعل الله شرعه لكل الناس ، فبأي حق نأخذ ديننا من أهل البيت :؟! وقد أمرنا رسول الله 9 بالتمسك بكتاب الله وسنته ، وهو حديث صحيح لا يستطيع أحد تضعيفه ، ولا يوجد عندنا طريق آخر غير هذا الطريق وضرب بيده على ظهر عادل وقال له : يا إبني ، لا يغرنَّك كلام الشيعة.

استوقفته قائلاً : سماحة الشيخ ، نحن باحثون عن الحق ، وقد اختلط علينا الأمر ، وجئنا كي نستفيد منك عندما عرفنا أنك عالم جليل ومحدّث وحافظ.

قال : نعم.

قلت : من البديهيات ، التي لا يتغافل عنها إلا أعمى أن المسلمين قد تقسموا إلى طوائف ومذاهب متعددة ، وكل فرقة تدعي أنها الحق وغيرها باطل ، فكيف يتسنى لي ، وأنا مكلف بشرع الله أن أعرف الحق من بين هذه الخطوط المتناقضة؟! هل أراد الله لنا أن نكون متفرقين ، أم اراد أن نكون على ملة واحدة ، نُدين الله بتشريع واحد؟! وإذا كان نعم ، ما هي الضمانة التي تركها الله ورسوله 9 لنا لكي تحصن الاُمة من الضلالة؟

مع العلم أن أول ما وقع الخلاف بين المسلمين كان بعد وفاة رسول الله 9 مباشرة ، فليس جائز في حق الرسول أن يترك أمته من غير هدى يسترشدون به.


قال الشيخ : إن الضمانة التي تركها رسول الله9لتمنع الاُمة من الاختلاف قوله9: إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وسنتي (١).

قلت : لقد ذكرت قبل قليل ، في معرض كلامك قد يكون هناك حديث لا أصل له ، أي غير مذكور في كتب الحديث.

قال : نعم.

قلت له : هذا الحديث لا أصل له في الصحاح الستة ، فكيف تقول به ، وأنت رجل محدّث؟

... هنا ، شبت ناره ، وأخذ يصرخ قائلاً : ماذا تقصد ، هل تريد أن تضعّف هذا الحديث.

تعجبت من هذه الطريقة ، وعن سبب هيجانه مع أنني لم أقل شيئاً.

فقلت : مهلاً ، إنَّ سؤالي واحد ومحدد ، هل يوجد هذا الحديث في الصحاح الستة؟

قال : الصحاح ليست ستة ، وكتب الحديث كثيرة ، وإن هذا الحديث يوجد في كتاب الموطأ للإمام مالك (٢).

قلت ـ متوجها إلى الحضور ـ : حسناً ، قد اعترف الشيخ أن هذا الحديث ، لا وجود له في الصحاح الستة ، ويوجد في موطأ مالك ..

فقاطعني ـ بلهجة شديدة ـ قائلاً : شو ، الموطأ مو كتاب حديث؟

__________________

١ ـ كنز العمال : ج ١ ص ١٨٦ ح ٩٤٨.

٢ ـ الموطأ لمالك بن أنس : ج ٢ ص ٨٩٩ ح ٣ ( كتاب القدر ) وإليك نص الحديث كما جاء في الموطأ ، قال : وحدثني عن مالك ، أنّهُ بلغه أن رسول الله 9 قال : تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما مَسَكتُمْ بهما : كتاب الله وسنّة نبيه.


قلت : الموطأ كتاب حديث ، ولكن حديث : كتاب الله وسنتي مرفوع في لموطأ من غير سند ، مع العلم أن كل أحاديث الموطأ مسندة.

هنا صرخ الشيخ بعدما سقطت حجته ، وأخذ يضربني بيده ويهزني شمالاً ويميناً : أنت تريد أن تضعّف الحديث ، وأنت مَنْ حتى تضعّفه ... حتى خرج عن حدود المعقول ، وأخذ الجميع يندهش من حركاته وتصرفه هذا.

قلت : يا شيخ! هنا مقام مناقشة ودليل ، وهذا الاُسلوب الغريب الذي تتبعه لا يجدي ، وقد جلست أنا مع الكثير من علماء الشيعة ، ولم أر مثل هذا الاُسلوب أبداً ، قال تعالى : ( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) (١) ... وبعد هذا ، هدأ قليلاً من ثورته.

قلت : أسألك يا شيخ : هل رواية مالك لحديث كتاب الله وسنتي ، في الموطأ ، ضعيفة أم صحيحة؟!

قال ـ بتحسر شديد ـ : ضعيفة.

قلت : فلماذا إذن ، قلت : أن الحديث في الموطأ ، وأنت تعلم أنه ضعيف؟ قال ـ رافعاً صوته ـ : إنَّ للحديث طرق اُخرى.

قلت للحضور : قد تنازل الشيخ عن رواية الموطأ ، وقال : إن للحديث طرق اُخرى ، فلنسمع منه هذه الطرق.

... هنا أحس الشيخ بالهزيمة والخجل ، لأن ليس للحديث طرق صحيحة ، وفي هذه الأثناء ، تحدث أحد الجلوس ، فوكزني الشيخ بيده ، وقال لي وهو مشيراً إلى المتحدث : إسمع له والتفت ، يريد بذلك الهروب من السؤال المحرج

__________________

١ ـ سورة آل عمران : الآية ١٥٩.


الذي وجهته له.

أحسست منه هذا ، ولكني أصررت وقلت : أسمعنا يا شيخ الطرق الاُخرى للحديث؟؟

قال ـ بلهجة منكسرة ـ : لا أحفظها ، وسوف أكتبها لك.

قلت : سبحان الله! ، أنت تحفظ كل هذه الأحاديث ، في فضل البلدان والمناطق ، ولا تحفظ طريق أهم الأحاديث ، وهو مرتكز أهل السنة والجماعة ، والذي يعصم الاُمة عن الضلالة كما قلت ... فظل ساكتاً.

وعندما أحس الحضور بخجله ، قال لي أحدهم : ماذا تريد من الشيخ وقد وعدك أن يكتبها لك ، قلت : أنا أقرّب لك الطريق ، إن هذا الحديث يوجد أيضاً في سيرة ابن هشام (١) من غير سند.

قال الشيخ الأرنؤوطي : إن سيرة ابن هشام ، كتاب سيرة وليس حديث.

قلت : إذن تضعّف هذه الرواية.

قال : نعم.

قلت : كفيتني مؤونة النقاش فيها.

وواصلت كلامي قائلاً : ويوجد أيضاً في كتاب الإلماع للقاضي عياض (٢) ، وفي كتاب الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (٣) ... هل تأخذ بهذه الروايات؟

قال : لا.

__________________

١ ـ السيرة النبويّة لابن هشام : ج ٤ ص ٢٥١.

٢ ـ الألماع إلى معرفة الرواية وتقييد السماع للقاضي : ص ٩.

٣ ـ كتاب الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي : ج ١ ص ٩٤.


قلت : إذن ، حديث كتاب الله وسنتي ، ضعيف بشهادة الشيخ ، ولم يبقى أمامنا إلا ضمانة واحدة تمنع الاُمة من الاختلاف ، وهي حديث متواتر عن رسول الله 9 وقد روته كتب الحديث السنية ، والصحاح الستة ما عدا البخاري وهو قول رسول الله 9 : إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فإن العليم الخبير ، انبئني انهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. كما في رواية أحمد بن حنبل (١) ، ولا مناص لمؤمن يريد الإسلام الذي أمر الله به ورسوله 9 غير هذا الطريق ، وهو طريق أهل البيت المطهرين في القرآن الكريم من الرجس والمعاصي ، وذكرت مجموعة من فضائل أهل البيت : ، والشيخ ساكت لم يتفوه بكلمة طوال هذه المدة ـ على غير عادته ـ فقد كان يقاطع حديثي بين كلمة واُخرى.

وعندما رأى مريدوه الإنكسار في شيخهم ، أصبحوا يهرّجون ويمرّجون.

قلت : كفى دجلاً ونفاقاً ، ومراوغة عن الحق ، إلى متى هذا التنكر؟!! والحق واضحة آياته ، ظاهرة بيناته ، وقد أقمتُ عليكم الحجة ، بأن لا دين من غير الكتاب والعترة الطاهرة من آل محمد 9.

وظل الشيخ ساكتاً ولم يرد عليَّ كلمة واحدة. فقام منتفضاً قائلاً : أنا أريد أن أذهب ، وأنني مرتبطٌ بدرس ، مع العلم أنه كان مدعواً لطعام الغذاء!!.

أصر عليه صاحب المنزل بالبقاء ، وبعد إحضار طعام الغداء ، هدأ

__________________

١ ـ مسند أحمد بن حنبل : ج ٣ ص ١٧ ، كنز العمال : ج ١ ص ١٧٣ ح ٨٧٣ و ٩٤٣ ـ ٩٤٥.


المجلس ، ولم يتفوه الشيخ بكلمة واحدة في أي موضوع كان ، طيلة جلسة الغداء ، وقد كان فيما سبق هو صاحب المجلس والحديث أولاً! ...

هكذا مصير كل من يراوغ ويخفي الحقائق ، فلا بد أن ينكشف أمام الملأ..(١)

__________________

١ ـ الحقيقة الضائعة ، للشيخ معتصم السوداني : ص ٤٩ ـ ٥٦.


المناظرة الثالثة والأربعون

مناظرة

الشيخ معتصم سيد أحمد السوداني مع الشيخ أحمد الأمين

في صيانة القرآن عن التحريف(١)

قال الشيخ معتصم السوداني ـ في معرض كلامه عمّا جرى له مع بعض أولئك الذين ينالون من الشيعة ـ : وجرى حوار بيني وبين شيخهم ـ أحمد الأمين ـ وطلبت منه العقلانية وترك الإستهتار والتهجم دون جدوى ، وبعدما طفح الكيل وازداد تعنتهم وتعصبهم ذهبت إلى مسجدهم وصليتُ خلفه صلاة الظهر ، وبعد الإنتهاء من الصلاة سألته : هل تعرضتُ لك يوماً طوال هذه المدة ، التي تسب فيها الشيعة وتكفرهم بمكبرات الصوت؟!

قال : لا.

قلت : أو تدري ما السبب؟!

__________________

١ ـ من أراد الاطلاع الواسع على رأي الشيعة الإمامية واعتقادهم بصيانة القرآن الكريم عن التحريف فليراجع :

١ ـ البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي 1 : ص ١٩٧ ـ ٢٧٢.

٢ ـ التحقيق في نفي التحريف للسيد علي الميلاني.

٣ ـ سلامة القرآن من التحريف ، نشر وإصدار مؤسسة الإمام عليّ 7 وغيرها الكثير.


قال : لا أدري.

قلت : إن كلامك تهجم وجهل ، وتعرّض لشخصيتي ، فخفتُ أن أعترض عليك فيكون ذلك دفاعاً عن نفسي ، وليس دفاعاً عن الحق ، والآن أطلب منك مناظرة علمية ومنهجية أمام الجميع حتى ينكشف الحق.

قال : لا مانع عندي.

قلت : إذاً حدد محاور المناظرة.

قال : تحريف القرآن ، وعدالة الصحابة.

قلت : حسناً ، ولكن هناك أمران ضروريان لابد من مناقشتهما ، وهما صفات الله ، والنبوة في اعتقادكم ورواياتكم.

قال : لا.

قلت : ولِمَ؟

قال : أنا أحدد المحاور ، فإذا طلبتُ منك ـ أنا ـ المناظرة ، يكون الحق لك في تحديد المحاور.

قلت : لا خلاف ... متى موعدنا؟

قال : اليوم ، بعد صلاة المغرب ـ ظناً منه أنه سيرهبني بهذا الموعد القريب ـ فأظهرت موافقتي بكل سرور ، وخرجت من المسجد.

وبعد أداء صلاة المغرب ، بدأت المناظرة ، فبدأ شيخهم ـ أحمد الأمين ـ الحديث كعادته يتهجم ويتهم الشيعة بالقول بتحريف القرآن ، وكان يمسك في يده كتاب ( الخطوط العريضة لمحب الدين ).

وبعدالفراغ من حديثه ، ابتدأت حديثي ، وقمت بالردعلى كل ما افتراه من اتهامات بالتفصيل ، وبرأت الشيعة تماماً من القول بتحريف القرآن ، وبعد ذلك ،


قلت له كما قيل : ترون التبنة في أعين غيركم ، ولا ترون الخشبة في أعينكم ، فإن الروايات التي احتوتها كتب الحديث عند السنة ظاهرة في اتهام القرآن الكريم بالتحريف ، فنسبة القول بالتحريف إلى السنة أقرب منها إلى الشيعة. وذكرت ما يقارب عشرين رواية مع ذكر المصدر ورقم الصفحة من صحيح البخاري ومسلم ومسند أحمد والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ، مثال :

أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، عن أبي بن كعب قال : كم تقرأون سورة الأحزاب؟ قال : بضعاً وسبعين آية ، قال : لقد قرأتها مع رسول الله 9 مثل البقرة أو أكثر منها ، وإن فيها آية الرجم (١).

وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب ، قال : إن الله بعث محمداً 9 بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل الله آية الرجم ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، فلذا رجم رسول الله 9 ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ... إلى أن يقول : ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : ( أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، أو إن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) (٢).

وروى مسلم في صحيحه ، قال : بُعث أبو موسى إلى قراء أهل البصرة ، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن ، فقال : أنتم خيار أهل البصرة ، وقراؤهم ، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمر ، فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإناكنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها ، غير

__________________

١ ـ مسند أحمد بن حنبل : ج ٥ ص ١٣٢.

٢ ـ صحيح البخاري : ج ٨ ص ٢٠٩ ـ ٢١٠ ( ك المحاربين ، ب رجم الحبلى إذا زنت ).


أني قد حفظت منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ، وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها ، غير أني حفظت منها : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ) (١).

وفي أثناء ذكري لهذه الروايات ، لاحظت أن الشيخ حملق عينيه وفتح فاه وظهرت الحيرة والدهشة على وجهه ، فما أن توقفت عن الكلام حتى أخذ يقول : أنا لم أسمع بذلك وأنا لم ارَ ذلك ، وأطالبك أن تحضر هذه المصادر أمامي.

قلت : قبل قليل كنت تتهجم على الشيعة وتتهمهم بالتحريف ، فلماذا لم تحضر كتبهم التي لم ترها في حياتك كلها ، فأنت ملزم بإحضار مصادرك وهذه مكتبتك ، فيها البخاري ومسلم وكتب الحديث ، أحضرها حتى اُخرجَ لك هذه الروايات منها ، وعندما لم يجد مخرجاً قفز إلى موضوع آخر ، وهو أن الشيعة تقول بالتقية فكيف نصدق كلامهم؟!

وهرج ومرج ، حتى قام أحدهم وأذن لصلاة العشاء ، وبعد الصلاة تواعدنا أن نكمل المناظرة في الأيام القادمة ، على أن نختار في كل يوم موضوعاً نتناظر حوله ... ولما جاء الغد كنتُ جالساً أمام منزلنا في الصباح فمر الشيخ وسلّم عليَّ بكل احترام وقال : إن هذه المباحث لا يفهمها العامة ، فمن الأفضل أن نتحاور ونتناظر أنا وأنت على انفراد.

قلت : أوافق ، لكن بشرط أن تترك التهجم على الشيعة ، وفيما بعد لم نسمع له تهجماً على الشيعة .. (٢)

__________________

١ ـ صحيح مسلم : ج ٢ ص ٧٢٦ ح ١١٩ ( ك الزكاة ب ٣٩ ).

٢ ـ الحقيقة الضائعة للشيخ معتصم السوداني : ص ٢٦ ـ ٢٩.


المناظرة الرابعة والأربعون

مناظرة

الشيخ معتصم السوداني مع الأستاذ عبد المنعم

في أن كتب السنّة فيها دلائل على التشيُّع

وبداية تحوُّله وبحثه عن الحقيقة

يقول الشيخ معتصم سيِّد أحمد السوداني : انطلقت إلى المكتبة التي حوت كثيراً من الكتب والموسوعات الضخمة ، فأصبحت ملازماً لها ، ولكنَّ المشكلة التي واجهتني هي : من أين أبدأ؟ وأيَّ شيء أقرأ؟

وبقيت على هذه الحال أنتقل من كتاب إلى آخر ، وقبل أن أضع لنفسي برنامجاً فتح لي أحد أقاربنا باباً واسعاً ومهمّاً في البحث والتنقيب ، وهو دراسة التاريخ وتتبُّع المذاهب الإسلاميّة لمعرفة الحقِّ من بينها ، وكان الفتح توفيقاً إلهيّاً لم يكن في حسباني عندما التقيت بقريبي عبد المنعم ـ وهو خريج كلية القانون ـ في منزل ابن عمّي في مدينة عطبرة ، وقبل غروب الشمس رأيته في ساحة المنزل يتحاور مع أحد من الإخوان المسلمين الذي كان ضيفاً في البيت ، فأرهفت السمع لأرى فيم يتحادثان ، وأسرعت إليهم عندما علمت بطبيعة النقاش ، وهو في الأمور الدينيّة ، فجلست بالقرب منهم أراقب تطوُّرات المحاورة التي امتاز فيها عبد المنعم بالهدوء التامّ ، رغم استفزازات الطرف الآخر


وتهجُّمه ، ولم أعرف طبيعة النقاش بتمامه إلى أن قال الأخ المسلم : الشيعة كفَّار زنادقة.

هنا انتهيت وأمعنت النظر ، ودار في ذهني استفهام حائر : من هم الشيعة؟ ولماذا هم كفَّار؟ وهل عبد المنعم شيعيٌّ؟ وما يقوله من غريب الحديث هل هو كلام الشيعة؟

وللإنصاف إن عبد المنعم أفحم خصمه في كلِّ مسألة طرحت في النقاش ، بالإضافة إلى لبقة منطقه وقوَّة حجَّته.

وبعد الانتهاء من الحوار وأداء صلاة المغرب انفردت بقريبي عبد المنعم ، وسألته بكلِّ احترام : هل أنت شيعيٌّ؟ ومن هم الشيعة؟ ومن أين تعرَّفت عليهم؟

قال : مهلا .. مهلا ، سؤال بعد سؤال.

قلت له : عفواً ، وأنا ما زلت مذهولا ممَّا سمعته منك.

قال : هذا بحث طويل ، ومجهود أربع سنوات من العناء والتعب ، مع الأسف لم تكن النتيجة متوقَّعة.

فقاطعته : أيُّ نتيجة هذه؟

قال : ركام من الجهل والتجهيل عشناه طوال حياتنا ، نركض خلف مجتمعاتنا من غير أن نسأل : هل ما عندنا من دين هو مراد الله تعالى وهو الإسلام؟ وبعد البحث اتّضح أن الحقَّ كان مع أبعد الطرق تصوُّراً في نظري وهم الشيعة.

قلت له : لعلّك تعجَّلت .. أو اشتبهت.

فابتسم في وجهي قائلا : لماذا لا تبحث أنت بتأمُّل وصبر؟ وخاصة أن لكم مكتبة في الجامعة تفيدك في هذا الأمر كثيراً.


قلت متعجِّباً : مكتبتنا سنّيّة ، فكيف أبحث فيها عن الشيعة؟

قال : من دلائل صدق التشيُّع أنه يستدلُّ على صحّته من كتب وروايات علماء السنة ، فإن فيها ما يظهر حقَّهم بأجلى الصور (١).

قلت : إذن مصادر الشيعة هي نفس مصادر أهل السنة؟

قال : لا ، فإن للشيعة مصادر خاصّة تفوق أضعافاً مضاعفة مصادر السنة ، كلّها مرويَّة عن أهل البيت : عن رسول الله 6 ، ولكنّهم لا يحتجُّون على أهل السنة بروايات مصادرهم ؛ لأنها غير ملزمة لهم ، فلابد أن يحتجُّوا عليهم بما يثقون به ؛ أي ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم.

سرَّني كلامه ، وزاد تفاعلي للبحث ، قلت له : إذن كيف أبدأ؟

قال : هل يوجد في مكتبتكم صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند أحمد والترمذي والنسائي؟

قلت : نعم ، عندنا قسم ضخم لمصادر الحديث.

قال : من هذه ابدأ ، ثمَّ تأتي بعد ذلك التفاسير وكتب التأريخ ، فإن في هذه الكتب أحاديث دالّة على وجوب اتّباع مدرسة أهل البيت :.

وبدأ يسردلي أمثلة منها ، مع ذكر المصدرورقم المجلَّد والصفحة ، توقَّفت

__________________

١ ـ وهذه الشهادة من الأستاذ عبد المنعم شهادة حقٍّ ، وقد سمعناها كثيراً ، وإليك كلام بعض المستبصرين الفضلاء ، وهو السيد حسين الرجاء ، إذ يقول عن الشيعة الإماميّة : لقد قرأت بعض كتبهم العقيديّة والجدليّة والتأريخيّة وسيرة الصحابة وغيرها ، فوجدتهم يثبتون صحّة مذهبهم من كتب أهل السنّة ، وبالأخصّ وغيرها ، فوجدتهم يثبتون صحّة مذهبهم من كتب أهل السنّة ، وبالأخص صحيحي مسلم والبخاري وسائر الكتب الستة ، وكذلك يثبتون غلط مذاهب أهل السنّة من كتبهم ، ولقد راجعت الكثير فوجدته كما يقولون ، وكلَّما يزداد شكي في التسنُّن يزداد يقيني في التشيع. راجع كتاب المتحوِّلون ، هشام آل قطيط : ٣٦٧.


حائراً أسمع إلى هذه الأحاديث التي لم أسمع بها من قبل ، ممَّا جعلني أشكُّ في كتب السنّة ، ولكن سرعان ما قطع عنّي هذا الشكَّ بقوله : سجِّل هذه الأحاديث عندك ، ثمَّ ابحثها في المكتبة ، ونلتقي يوم الخميس القادم بإذن الله.

البحث في مكتبة الجامعة

بعد مراجعة تلك الأحاديث في البخاري ومسلم والترمذي في مكتبة جامعتنا تأكَّد لي صدق مقالته ، وفوجئت بأحاديث أخرى أكثر منها دلالة على وجوب اتّباع أهل البيت : ، ممَّا جعلني أعيش في حالة من الصدمة ، لم نسمع بهذه الأحاديث من قبل.

فعرضتها على زملائي في الكلّيّة حتى يشاركوني في هذه الأزمة ، فتفاعل البعض ، ولم يكترث لها البعض الآخر ، ولكنّني صمَّمت على مواصلة البحث ولو كلَّفني ذلك كل عمري ، وعندما جاء يوم الخميس انطلقت لعبد المنعم ، فاستقبلني بكل ترحاب وهدوء ، وقال : يجب عليك ألا تتعجَّل ، وأن تواصل البحث بكل وعي.

ثمَّ بدأنا في بحوث أخرى لم أكن أعرفها ، وقبل رجوعي إلى الجامعة طلب منّي عدّة أمور أبحثها ، وهكذا دواليك إلى مدّة من الزمن ، وكانت طبيعة النقاش بيني وبينه تتغيَّر من فترة إلى أخرى ، فأحياناً أحتدُّ معه في الكلام ، وأحياناً أكابر في الحقائق الواضحة ، فكنت ـ مثلا ـ عندما أراجع بعض المصادر وأتأكَّد من وجودها أقول له : إن هذه الأحاديث غير موجودة ، ولست أعلم إلى الآن ما الذي كان يدفعني إلى ذلك سوى الشعور بالانهزام وحبِّ الانتصار.

وبهذه الصورة وبمزيد من البحث انكشفت أمامي كثير من الحقائق لم أكن


أتوقَّعها ، وكنت في طوال هذه الفترة كثير النقاش مع زملائي.

إلى أن يقول الشيخ معتصم : وبعد قراءتي لكتاب المراجعات ومعالم المدرستين وبعض الكتب الأخرى اتّضح لي الحقُّ وانكشف الباطل ؛ لما في هذين السفرين من أدلّة واضحة ، وبراهين ساطعة بأحقّيّة مذهب أهل البيت : ، وازدادت قوَّتي في النقاش والبحث حتى كشف الله نور الحق في قلبي ، وأعلنت تشيعي (١).

__________________

١ ـ المتحوِّلون ، الشيخ هشام آل قطيط : ٢٧٤ ـ ٢٧٩.


المناظرة الخامسة والأربعون

مناظرة

الشيخ معتصم السوداني مع بعض السلفيين في

وجوب اتّباع أهل البيت: والأدلّة على إمامة أميرالمؤمنين 7

الشيعة والتشيع حديث الساعة بين طلبة الجامعة

قال الشيخ معتصم السوداني تحت عنوان ( مع الوهّابيّة في أركان النقاش ) : دارت في الساحة الفكريّة في مدينة عطبره أحداث ساخنة ، بعد أن سيطر الطرح الشيعيُّ على مستوى المناظرات وأركان النقاش ، خاصة بين طلبة جامعة وادي النيل ، فكان حديث الساعة : الشيعة والتشيُّع حتى في الأماكن العامة ، هذا ممَّا أشعل نار الحقد الوهّابيّ ، فكثّفوا هجومهم على الشيعة في كل منابرهم ، وعندما علموا أن مصدر التشيّع في المدينة هو جامعة وادي النيل ، عملوا على حجز دار الطلاب ، وهي دار كبيرة تقام فيها نشاطات الطلاب الثقافيّة والسياسيّة ، لمدّة يومين وهما : الخميس والجمعة ، وكان برنامجهم يشتمل على معرض كتاب وملصقات وعرض فيديو ، كلُّها تعرِّض بالشيعة ، بالإضافة إلى محاضرة في اليوم الأول بعنوان : « وجاء دور المجوس » وكان المحاضر مستعاراً من مدينة أخرى وهي ( مدني ) جنوب الخرطوم ، وفي اليوم التالي كان ركن النقاش بعنوان : ( هذا أو الطوفان ) ويختلف ركن النقاش عن المحاضرة بأنّه


يغلب عليه طابع النقاش والجدال والحدّيّة أكثر من المحاضرة.

وكان قصدهم من هذا الجهد هو تشديد الضربة على الشيعة ، حتى ينتهي وجودهم في المدينة ، أو على الأقل يحدثوا قطيعة بين الشيعة والمجتمع ، ولذلك عندما فشلوا في الردّ على الشيعة رفعوا شعارات الولاء والبراءة ، وأمروا الناس بمقاطعة الشيعة في كل أمور الحياة.

الحوار العلمي الساخن في مواجهة السلفيين في دار الطلاب

وعندما اكتشفنا نواياهم قرّرنا أن يكون ردّنا عليهم وعلى افتراءاتهم قويّاً ومحكماً ، وأن يكون أكثر علميّة ، ولا ننصاع لتهكُّماتهم ومهاتراتهم ، وخاصة أن الجوَّ الذي سوف يكون فيه الحوار هو جوٌّ مثقَّف وواعي بأهمّيّة البرهان والدليل.

وعندما جاء يوم الخميس زرنا الدار في الساعة الخامسة مساءً حتى نقف على آخر التطوُّرات ، فوجدنا أن الدار كلَّها معدّة لذلك ، فقد حشدوا فيها المعارض والملصقات ومكبّرات الصوت وكراسي ، ولحى طويلة تملأ الدار ، وقد كان الجوُّ مهيباً ، وهم ينظرون إلينا ويتهامزون ويتغامزون ، ولكنّا كسرنا حاجز الهيبة ، وتجوّلنا في أجنحته ، نتصفّح عناوين الكتب ، ونقرأ شعاراتهم التي كتبت بخط عريض في كفر الشيعة وبعدهم عن الدين ، فهي تحكم في الواقع على جهالة الوهابيّة ، وبعدهم عن الإسلام الصحيح ، فكان الأصدقاء يضحكون على هذه العقول السخيفة التي سطَّرت هذه الكلمات ، وعندما حان وقت المغرب ذهبنا لنصلّي جماعة ، ثمَّ نأخذ احتياطاتنا اللازمة في تأمين أنفسنا من اعتداءاتهم ، وتوزيع برامج النقاش بيننا ، وكيفيَّة الانتشار ، واتّخاذ المناطق المهمّة في الجلوس وغيرها ، وبالفعل تمَّ ذلك ، واتخذت أنا أول مقعد في مقابل


المتحدِّث الوهابي مباشرةً.

دعوى أن الصحابة كلهم عدول

وبعد تلاوة آيات من القرآن الحكيم وتقديم المتحدِّث ، شرع المحاضر في حديثه وكان يحتوي على الآتي :

اختلف المسلمون إلى مذاهب عديدة ، وهذا مصداق لحديث رسول الله 6 : افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى إلى اثني وسبعين فرقة ، وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلاَّ واحدة ، وقيل : من هم يا رسول الله؟ قال : ما كنت عليه أنا وأصحابي (١).

وهذا الحديث نصّ صريح على أن طريق النجاة هو الأخذ بمنهج السلف الصالح ، فهم الذين فهموا الدين ونقلوه ، وحفظوا القرآن وفسرّوه ، ولا يجوز أن نقدِّم رأينا على كلامهم ، بل نتمسّك بهم ، ونعضُّ على سنّتهم بالنواجذ.

إنّ الشيعة عندما أرادوا أن يطعنوا في الدين طعنوا في الصحابة ، والطعن في الناقل هو الطعن في المنقول ، فشكّكوا في عدالة الصحابة وجرحوهم ، مع أنّ الجرح والتعديل لا يجوز في حقّهم ؛ لأنّهم وثَّقهم الله ورسوله 6 (٢).

__________________

١ ـ تذكرة الموضوعات ، الفتني : ١٥ ، كشف الخفاء ، العجلوني : ١/١٥٠ ، فتح القدير ، الشوكاني : ١/٣٧١.

٢ ـ وهذا ما يروِّج له كبار القوم أمثال : ابن الأثير وابن حجر والنووي وابن حزم ومن تبعهم على ذلك ، وقد تقدَّم قول ابن الأثير أنه قال في مقدِّمة كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة : ١/٣ : والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلاَّ الجرح والتعديل ، فإنهم كلهم عدول لا يتطرَّق الجرح إليهم ؛ لأن الله عزَّوجلَّ ورسوله 6 زكَّياهم وعدَّلاهم ...


__________________

قال ابن حجر في الإصابة : ١/٢٢ : قال الإمام النووي : الصحابة كلهم عدول ، من لابس الفتن وغيرهم ، بإجماع من يعتدُّ به ، وقال إمام الحرمين : والسبب في عدم الفحص عن عدالتهم أنّهم حملة الشريعة ، فلو ثبت توقُّف في روايتهم لا نحصرت الشريعة على عصره ٦ ، ولما استرسلت سائر الأعصار.

وقال الخطيب البغدادي في الكفاية : ص ٦٤ مبوِّباً على عدالتهم : ما جاء في تعديل الله ورسوله 6 للصحابة ، وأنّه لا يحتاج إلى سؤال عنهم ، وإنما يجب فيمن دونهم : كل حديث اتصل إسناده بين من رواه وبين النبيِّ 6 لم يلزم العمل به إلاَّ بعد ثبوت عدالة رجاله ، ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله 6 ؛ لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم ، وإخباره عن طهارتهم ، واختياره لهم في نصّ القرآن.

وقال ابن حزم في المحلّى : ٩/٣٦٢ : فالصحابة كلهم عدول ، فإذا ثبتت صحة صحبته فهو عدل مقطوع بعدالته ؛ لقول الله تعالى : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ ) الآية. سورة الفتح ، الآية : ٢٩.

وأمَّا أبو حنيفة فله رأي في ذلك ، قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ٤/٦٨ : روى أبو يوسف أنَّه قال أبو حنيفة : الصحابة كلُّهم عدول ما عدا رجالا ، ثمَّ عدَّ منهم أبا هريرة وأنس بن مالك.

أقول : لو كان كل الصحابة عدولا كما يزعم هؤلاء ، وقد زكَّاهم الله تعالى لما رمى بعضهم بعضاً بالكذب والافتراء ، ولما قاتل بعضهم بعضاً ، ولما اعتدى بعضهم على بعض ، ولصدَّق بعضهم بعضاً ، هذا ولم تكن الصحابة في يوم ما يعتقدون في أنفسهم هذا الاعتقاد من النزاهة والطهارة ، كيف وحال الصحابة يشهد بعدم ذلك؟ فلو كانت الصحابة كلهم عدولا لما خفي عليهم هذا الأمر ، ولا حتجّوا بالآية الشريفة على هذه الدعوى ، ولا حتجَّ بعضهم على بعض دفاعاً عن نفسه بما زعمه هؤلاء من التزكية ، وهذا لم يحصل إطلاقاً ، والآية الشريفة ليست مطلقة كي تشمل جميع الصحابة فراجع سبب نزولها.

وأمَّا قول إمام الحرمين : والسبب في عدم الفحص عن عدالتهم أنهم حملة الشريعة ، فلو ثبت توقُّف في روايتهم لا نحصرت الشريعة على عصره 6 ولما استرسلت سائر الأعصار.

فهو أول الكلام ؛ فإنّا لا نسلِّم انحصار الشريعة بهم ومن طريقهم ، وذلك لوجود عترة النبيِّ 6 وأهل بيته : الذين أمرنا بالتمسُّك بهم في حديث السفينة وحديث الثقلين وغيرهما ، وثانياً : لو سلَّمنا توقُّفها فهي لا تتوقَّف على جميع الصحابة ، بل من ثبتت وثاقته وتزكيته.


الحديث عن أثر التشيع في السودان

إنّ فرقة الشيعة ابتكرتها اليهوديَّة ، ولذلك نجد أن مؤسّسها يهوديٌّ اسمه عبدالله بن سبأ ، وهو دخيل على الإسلام وما كان يقصد إلاَّ الفتنة ، فغلوا جماعته

__________________

قال العلاّمة المجلسي عليه الرحمة في البحار : ٢٨/٣٦ : اعلم أن أكثر العامة على أن الصحابة كلهم عدول ، وقيل : هم كغيرهم مطلقاً ، وقيل : هم كغيرهم إلى حين ظهور الفتن بين علي 7 ومعاوية ، وأمَّا بعدها فلا يقبل الداخلون فيها مطلقاً ، وقالت المعتزلة : هم عدول إلاَّ من علم أنه قاتل علياً 7 فإنه مردود ، وذهبت الإمامية إلى أنهم كسائر الناس من أن فيهم المنافق والفاسق والضال .. إلخ.

وقال العلاّمة الأميني عليه الرحمة في كتابه الغدير : ١٠/٩٦ ، في حال أبي محجن الثقفي : وما أدراك ما الثقفي؟! كان يدمن الخمر ، منهمكاً في الشراب ، حدَّه عمر في سبع مرَّات ، ونفاه إلى جزيرة في البحر ، وبعث معه رجلا فهرب منه ، وهو صاحب الشعر الدائر السائر :

إذا متُّ فادفنّي إلى جنب كرمة

تروِّي عظامي بعد موتي عروقها

ولا تدفنَّني بالفلاة فإني

أخاف إذا ما متُّ أن لا أذوقها

هذا أبو محجن فانظر ماذاترى ، وأنت بين أمرين : إمَّا أن تأخذ بكتاب الله وفيه قوله تعالى : ( إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا ) وإمَّا أن تجنح إلى ما جاء به القوم من خرافة : الصحابة كلهم عدول ، لا يستوي الحسنة ولا السيئة ، لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ، لا يستوي الخبيث والطيب ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ ) سورة السجدة ، الآية : ١٨.

وقال الأستاذ محمود أبو ريّة 4 في كتابه أضواء على السنّة المحمديّة : ٣٥٣ : وإذا كان الجمهور على أن الصحابة كلهم عدول ، ولم يقبلوا الجرح والتعديل فيهم كما قبلوه في سائر الرواة ، واعتبروهم جميعاً معصومين عن الخطأ والسهو والنسيان ، فإن هناك كثيراً من المحقِّقين لم يأخذوا بهذه العدالة المطلقة لجميع الصحابة ، وإنما قالوا كما قال العلامة المقبلي : إنها أغلبيّة لا عامة ، وإنه يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم من الغلط والنسيان والسهو والهوى ، ويؤيِّدون رأيهم بأن الصحابة إن هم إلاَّ بشر ، يقع منهم ما يقع من غيرهم ، مما يرجع إلى الطبيعة البشرية ، ويعزِّزون حكمهم بما وقع في عهده من المنافقين والكذَّابين ، وبما وقع بعده من الحروب والفتن والخصومات التي لا تزال آثارها إلى اليوم ، وستبقى إلى ما بعد هذا اليوم.


في عليٍّ 7 وألّهوه حتى أحرقهم بالنار ، وهذا دليل كاف على أن علياً بريءٌ منهم.

إنّ الشيعة دخيلة على السودان ، وهو شعب سنّي أصيل ، وهذا من مساوئ الحكومة الحاكمة ، فإنها فتحت المجال لهم ، وكان من المفترض أن تقف في وجوههم وتردَّ كيدهم.

ومن مساوئ الشيعة أيضاً أنهم يؤمنون بزواج المتعة ، وهو زواج جاهليٌّ أبطله الإسلام ، ولكنهم يدّعون أنّه لم يحرّمه الرسول 6 ، ولكن حرَّمه عمر بن الخطاب.

ولم يخرج كلامه من هذه النقاط ، وبعد أن ختم حديثه ، وزَّع جماعته قطعاً ورقيّةً حتى تكتب فيها الأسئلة ، ولكنّها طريقة غير مجدية في حقّنا ، فرفعت يدي ، وطلبت أن أسأل مباشرةً ، فوافق على ذلك.

طلب المناظرة مع المُحاضِر

وبعد أن أمسكت بلاقطة الصوت ، شكرته على إتاحته الفرصة لنا ، وقلت له : إنّ لي ملاحظات على كل كلامك ، ولكن أن أسألك وأنت تجيب فهذه مسألة غير منصفة ، فأخيّرك بين أمرين : إمّا تعقد معي مناظرة ، وإمّا أن تسمح لي بالكلام حتى أعقّب على كل المحاضرة ، فأيَّهما تختار؟

سكت مدّة من الزمن ، وقال : أسمح لك بخمس دقائق.

قلت : لا تكفي.

قال : عشر دقائق.

قلت : أيضاً لا تكفي ، وأنا أرى أن تكون مناظرة ، حتى لا تكون محدّدة


بزمن ، ونحن مستعدُّون أن نجلس معك أسبوعاً كاملا ، ونطرح كل العقائد الشيعيّة من الألف إلى الياء.

قال : إن المناظرة لابدَّ أن تنسَّق مع جماعة أنصار السنّة المحمديَّة في الجامعة.

قلت : أنا أريدها معك أنت شخصيّاً ، فلا تحتاج إلى تنسيق.

قال : تكلَّم براحتك .. وكأنه هاربٌ من المناظرة.

مفهوم التشيع ونشاءته التاريخية

وبعدما فسح لي المجال للتحدّث ، رأيت أنّه من الأنسب أن لا أعتمد على منهجيّة الردِّ وحسب ، وإنما أقوم بتوضيح عام لمفهوم التشيُّع ونشوئه التاريخي ومصادره ، بمثابة مقدّمة تأصيليّة.

فقلت : إنّ التشيُّع ليس وليد اللحظة ، ولا وليد حالة تأريخيّة معيَّنة كما يقول البعض : إنّ التشيّع نشأ بعد حرب الجمل ، أو كما يقال : التشيّع أصبح خطّاً في الأمّة الإسلاميّة بعد حادثة كربلاء الأليمة التي ولَّدت تيَّاراً عاطفيَّاً عنيفاً في نفوس المسلمين ، ممَّا جعلهم يتبنّون أهل البيت : باعتبارهم قيادةً للمسلمين ، وليس كما يقول المجحفون إنّ التشيُّع وليد الذهنيّة اليهوديَّة التي تمثَّلت في شخصيَّة عبدالله بن سبأ.

إن الناظر إلى التشيُّع بروح موضوعيَّة ، يرى أنه ضارب جذوره في عمق الرسالة المحمديَّة ، فهو كمفهوم واضح من خلال النصّ القرآني ، والأحاديث النبويّة ، فإنّه لا يتجاوز أن يكون نظرة عميقة في سنن الله سبحانه وتعالى ، التي نستخلص منها ضرورة اصطفاء أئمّة وقادة ربانيين ، يتكفَّلون بقيادة البشريّة إلى


نور الهداية ، فالضرورة العقليّة تحتّم وجود إمام من قبل الله ليقود هذه الأمة ، وتؤيِّد هذه الضرورة العقليّة النصوص الشرعيّة التي نجدها ظاهره في تنصيب الأئمة واصطفاء القادة ، فما من مجتمع بشريٍّ مرَّ على تأريخ الإنسانية إلاّ وكان فيه قيادة إلهيَّة تمثِّل حجّة الله على العباد ، فقد أرسل الله مائة وأربعة وعشرين ألف نبيٍّ كما في بعض الروايات ، ولكل نبيٍّ وصيّ يحفظ خطَّ الرسالة من بعد النبيِّ.

وما لاقته الأمّة الإسلاميَّة من تمذهب وفرقة ما كان إلاَّ لفقدان المرجعيَّة الواحدة ، المصطفاة من قبل الله ، وممّا ثبت بالضرورة أنّ فترة وجود الرسول 6 كان المسلمون كياناً واحداً ؛ لوجود رسول الله 6 بينهم ، وكذلك إذا فرضنا وجوده 6 إلى اليوم لكانت الأمّة الإسلاميّة جسداً واحداً ، فيتّضح بذلك أن رسول الله 6 كان يمثّل صمّام أمان لهذه الأمّة ، فمجرَّد ما انفلت صمَّام الأمان انفلت الوضع من بعده ، فماذا كان يمثّل رسول الله 6؟!

كان يمثّل المرجعيّة المعصومة والقيادة الواحدة ، فيثبت من ذلك أنّ الطريق الوحيد لعصمة الأمّة هو وجود قيادة إلهيَّة معصومة ، وهذا ما تتبنّاه الشّيعة ، ومن هنا كان من الضروريِّ أن ينصب الله ورسوله 6 إماماً لقيادة المسلمين ، والذي ينكر التنصيب ـ بمعنى أنّ الله لم يعيِّن إماماً ـ يكون بذلك نسب سبب الضلالة إلى الله ورسوله 6.

فهذا هو مفهوم الإمامة ، ولا أتصوَّر أنّ أحداً من المسلمين ينكر الإمامة كضرورة ومفهوم ، ولكنّ الخلاف كل الخلاف في مصاديق الإمامة الخارجيَّة ، فإنّ الشيعة تعتقد أنّ الإمامة جارية في ذرية رسول الله6وأهل بيته:، ولم يكن هذا مجرّد افتراض جادت به قريحة الشيعة ، وإنما هو نص قرآني وحديث


نبوي ، قال رسول الله 6 كما جاء في الحاكم : أوحى إليَّ في عليٍّ ثلاثة : أنّه سيِّد المسلمين ، وإمام المتقين ، وقائد الغرِّ المحجَّلين (١) ، وحديث جابر بن عبدالله قال : سمعت رسول الله 6 وهو آخذٌ بضبع علي بن أبي طالب 7 وهو يقول : هذا إمام البررة ، وقاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله (٢) ، وقال رسول الله 6 : مرحباً بسيِّد الموحِّدين ، وإمام المتقين ، وعن علي بن أبي طالب 7 قال : قال رسول الله 6 : الأئمة من ولدي ، فمن أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى ، والوسيلة إلى الله جلَّ وعلا (٣) ، ومئات الأحاديث.

فما ذنب الشيعة بعد ذلك إذا والوا علي بن أبي طالب 7 ، وأخذوا دينهم منه ، فهو المسار الطبيعي للرسالة ، ولو لاه لم يعرف للدين معنى.

ولذلك نجد رسول الله 6 أكّد كثيراً على ضرورة الإمامة ، وإمامة عليِّ بن أبي طالب 7 بالذات ، وهذا هو التشيُّع ، فهل لكم معنى آخر للتشيُّع حتى تنسبوه إلى عبدالله بن سبأ؟! بل كلمة الشيعة نفسها لم تكن مصطلحاً غريباً على

__________________

١ ـ المستدرك ، الحاكم : ٣/١٣٧ ـ ١٣٨ ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، المناقب ، الخوارزمي : ٣٢٨ ح ٣٤٠ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/٣٠٢ ، أسد الغابة ، ابن الأثير : ١/٦٩ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ١/٧٨ و٩/١٢١ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٩/١٦٩ ، الدرّ المنثور ، السيوطي : ٤/١٥٣.

٢ ـ المستدرك ، الحاكم : ٣/١٢٩ ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، تأريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : ٣/١٨١ ، رقم : ١٢٠٣ و٤/٤٤١ ، رقم : ٢٢٣١ ، فتح الملك العلي ، المغربي : ٥٧ ، المناقب ، الخوارزمي : ١٧٧ ح ٢١٥ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/٢٢٦ و٣٨٣ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ١١/٦٠٢ ح ٣٢٩٠٩ ، فيض القدير ، المناوي : ٤/٤٦٩ ح ٥٥٩١.

٣ ـ ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : ٢/٣١٨ ح ٩١٨.


الأمّة الإسلاميّة ، فقد عمل رسول الله 6 على تثبيت هذا المصطلح وتأصيله في ذهنيَّة الأمّة الإسلاميّة ، كما جاء في حديث جابر قال : كنّا عند النبيِّ 6 فأقبل عليٌّ 7 ، فقال النبي 6 : « والذي نفسي بيده ، إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة » فأنزل قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (١) ، وكما جاء عن ابن عباس قال : لمَّا أنزل الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) قال رسول الله 6 لعلي 7 : هم أنت وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيَّين ، ويأتي عدوُّك غضاباً مقمحين (٢).

وغير هذه الروايات الواضحة في تحديد مسار الأمَّة بعد وفاة رسول الله 6 ، لذلك نجد أنّ لهذه الروايات مصاديق وترجمة خارجيَّة من مجموعة من الصحابة كسلمان الفارسي ، وأبي ذر الغفاري ، وعمار بن ياسر ، والمقداد ، حتى أصبح لفظ الشيعة لقباً لهم. ذكر أبو حاتم في كتابه الزينة : إنّ أوّل اسم لمذهب ظهر في الإسلام هو الشيعة ، وكان هذا لقب أربعة من الصحابة : أبو ذر ، وعمار ، والمقداد ، وسلمان الفارسي (٣).

هذا بالإضافة لوجود كثير من الآيات والأحاديث التي توجب اتّباع أهل

__________________

١ ـ سورة البيِّنة ، الآية : ٧.

٢ ـ شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ٢/٤٦٠ ـ ٤٦١ ح ١١٢٦ ، النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : ٤/١٠٦ ، الدرّ المنثور ، السيوطي : ٦/٣٧٩ ، نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ٩٢ ، ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ٢/٤٥٢ ح ٢٥٤ ، الصواعق المحرقة ، ابن حجر : ٢٤٦ ، الآية الحادية عشر.

٣ ـ ذكره في باب الألفاظ المتداولة بين أهل العلم.


البيت : خاصّة ، وأخذ الدين عنهم ، كقوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١).

من الضروريِّ أن لا يكون الله طهّرهم من الذنوب عبثاً ، وإنّما تطهيرهم مقدِّمة لاتّباعهم وأخذ الدين منهم ، كما جاء في الحديث : إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلُّوا بعدي أبداً ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إن العليم الخبير أنبأني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض (٢).

وهذا يدلُّ على أن البعد عن الضلالة لا يتحقّق إلاَّ باتّباعهم وأخذ الدين منهم ، حتى السلف الصالح لا يسمّى صالحاً إلاَّ إذا أخذ دينه عن أهل البيت : ، فبأيِّ حجّة بعد ذلك تقول : إن أخذ الدين لابد أن يكون عن طريق السلف؟ وأيَّ سلف تقصد؟ هل الذين لم يتفقوا في أبسط الأحكام الفقهيّة كاختلافهم في قطع يد السارق ، فهل تقطع من أصل الأصابع كما قال بعض الصحابة أو من الكفّ ، أو من المرفق ، أو من الكتف كما قال آخرون (٣)؟

فمن الضروريِّ أن يكون رسول الله 6 قد بلَّغ حكماً واحداً لا أحكاماً متعدّدةً ، وهذا يدلُّ على أن الصحابة هم الذين أخطأوا ، فكيف نعتمد على قولهم ، وندين الله تعالى باتّباعهم؟

هل هناك دليل على وجوب اتباع السلف؟

فإذن ليس كما ذهبت أنّ الطريق هو متابعة كل السلف الذين اقتتلوا ،

__________________

١ ـ سورة الأحزاب ، الآية : ٣٣.

٢ ـ تقدمت تخريجاته في المناظرة الخامسة.

٣ ـ راجع : بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، وتفسير الفخر الرازي في تفسير الآية الشريفة : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا ) سورة المائدة ، الآية : ٣٨.


وكفَّروا بعضهم ، وإنّما يؤخذ الدين عن شريحة خاصة كفل الله عصمتهم من الاختلاف ، وهم أهل البيت : الذين تواترت الروايات في حقِّهم ، ووجوب اتباعهم.

أسألك بالله إن كنت صادقاً فيما تقول ، أن تثبت لي دليلا واحداً يقتضي بوجوب اتباع السلف؟! واستدلالك ببعض الآيات كقوله تعالى : ( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ) (١) فإنها لا يمكن أن تحمل على مطلق السلف ، وإنّما هي عامّة ، وتخصيصها يحتاج إلى دليل ، ولا توجد قرائن تخصّصها إلاَّ ما جاء في حقِّ أهل البيت : ، ولا يمكن أن تحملها على مطلق السلف كما ثبت من وقوع الاختلاف بينهم.

ولا نقبل استدلالك بقوله تعالى : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) (٢) فإنّها لا تتجاوز أن تكون مدحاً ، وإن تنازلنا وسلّمنا بظهورها فيما تدّعي فإن الظهور لا يقابل النصوص الواضحة القاطعة بوجوب اتّباع أهل البيت :.

ونحن ندري أنّ مشكلتكم ليست الأدلّة والبراهين الواضحة في وجوب اتّباع أهل البيت : ، وأنكم لم تكونوا سلفيين بمحض إرادتكم ، وإنَّما هذا ما ورثتموه من التاريخ الجائر للحكمين الأموي والعباسي ، الذي عمل جهده حتى يورث الأمَّة تيَّاراً يواجه أهل البيت : ، وإلاّ ما كرّرت أنت نفس مالاكه علماؤك الأقدمون ، الذين صنعتهم السلطات الجائرة ، ليشوِّهوا صورة التشيُّع.

__________________

١ ـ سورة النساء ، الآية : ١١٥.

٢ ـ سورة الفتح ، الآية : ٢٩.


لا علاقة للتشيّع بعبدالله بن سبأ

بالله عليك ، هل هناك عاقل له قليل اطّلاع بالمذهب الشيعيِّ يكون صادقاً مع نفسه إذا نسبه إلى عبدالله بن سبأ؟ نعم قد يكون الجاهل معذوراً ، ولكن ما عذر من يكرّر الجهل ويتبّناه من غير دراية وتحقيق ، ونحن على مشارف القرن الحادي والعشرين ، فكيف تتحدَّثون عن الشيعة وكأنهم مخلوق غريب لا ارتباط لهم بالإنسانيّة ، ويعيشون في كوكب غير كوكبنا؟

عزيزي! إنّ الوسائل قد تغيَّرت ، فاتركوا ما ورثتموه عن سلفكم ، ابحثوا عن وسائل جديدة في الردِّ على الشيعة ، فزمنهم غير زمنكم ، فقد تعدَّدت وسائل المعارف ، فهذه الكتب الشيعيّة متوفِّرة في كل مكان فاطّلعوا على براهينهم ، وهذه البلاد الشيعيّة زوروها ، وقفوا على أحوالهم.

وكان بإمكاني أن لا أردّ على ما ذكرت ؛ لأنه لا يرقى إلى مستوى الفكر والنقاش ، ولكن تنازلا أعقّب على ما ذكرته في حديثك.

أولاً: إنّ نسبة الشيعة إلى عبدالله بن سبأ ، يرجع إلى ما رواه الطبري ، وهو أول راوي لذلك ، أمَّا بقية المؤرِّخين فإنهم أخذوا منه ، وروى الطبري ذلك عن سيف بن عمر ، وسيف معروف قدره عند علماء الجرح والتعديل(١)، فإنه رجل

__________________

١ ـ قال يحيى بن معين ـ ت ٢٣٣ هـ ـ : ضعيف الحديث ، فلسٌ خير منه ، وقال أبو داوود ـ ت ٢٧٥ هـ ـ : ليس بشيء كذّاب ، وقال النسائيي صاحب الصحيح ـ ت ٣٠٣ هـ ـ : ضعيف ومتروك الحديث ، ليس بثقة ولا مأمون ، وقال ابن حاتم ـ ت ٣٢٧ هـ ـ : متروك الحديث ، وقال ابن عدي ـ ت ٣٦٥ ـ : يروي الموضوعات اُتهم بالزندقة ، وقال : قالوا : كان يضع الحديث ، وقال الحاكم ـ ت٤٠٥ هـ ـ : متروك ، وقد


كاذب ومدلِّس ، ولا يؤخذ برواياته ، وللمزيد ارجع إلى كتاب عبدالله بن سبأ وأساطير أخرى للعلامة السيد مرتضى العسكري.

ثانياً : حتى لو سلّمنا بهذه الروايات فإنها لا تقول بأن عبدالله بن سبأ هو مؤسّس الشيعة ، فكل ما فيها أنّ هذا الرجل ادّعى أنّ لكل نبيٍّ وصيّاً ، وأنّ وصيَّ محمَّد 6 هو عليٌّ 7 ، وهذا ليس من مبتكرات عبدالله بن سبأ ، وإنما صرَّح به رسول الله 6 من قبل ، فإذا كان قول الشيعة مطابقاً لقول ابن سبأ ، فما هو وجه الملازمة بين هذا وبين أن يكون هو مؤسّس الشيعة؟ فما هو وجه الشبه حتى تربط بين الأمرين؟ ولعمري إنها لسخافة في الرأي.

أمَّا تأليه عليٍّ 7 وأنّ عليّاً 7 أحرق أتباعه بالنار ، فإن الشيعة لا تؤمن بذلك ، وإنما نعتقد أن عليّاً 7 عبدٌ صالح من عباد الله الصالحين ، اختاره الله لحمل رسالته من بعد الرسول 6.

ثالثاً : ما كانت هذه الفرية إلاَّ حلقة من مسلسل الوضع على الشيعة ، كما قال طه حسين : ( ابن سبأ شخص ادّخره خصوم الشيعة للشيعة ، ولا وجود له في الخارج ) وتستهدف هذه المحاولة تشويه عقائد الشيعة التي تنبع من القرآن والسنة ، مثل الوصيَّة والعصمة ، فلم يجد أعداؤهم طريقاً إلاَّ ربط هذه العقائد بجذر يهوديٍّ ، يكون بطلها شخصاً خياليّاً اسمه عبدالله ابن سبأ ، فيلقى اللوم بذلك عليه وعلى الذين أخذوا منه ، وهذا بالإضافة إلى تعديل صورة الصحابة

__________________

اتهم بالزندقة ، وهاهُ الخطيب البغدادي ، ونقل ابن عبد البرّ عن ابن حيان أنه قال فيه : سيف متروك ، وإنّما ذكرنا حديثه للمعرفة ، ولم يعقِّب ابن عبد البرِّ عليه ، وقال الفيروز آبادي : صاحب توالف ، وذكره مع غيره وقال عنهم : ضعفاء ، وقال ابن حجر بعد إيراد حديث ورد في سنده اسمه : فيه ضعفاء أشدُّهم سيف ، وقال صفي الدين : ضعَّفوه ، وروى له الترمذي فرد حديث.


وتنزيههم عن اللوم والعتاب ، بما جرى بينهم من فرقة واختلاف انتهت بقتل عثمان ، وحرب الجمل التي تعتبر أكبر فاجعة بعد حادثة السقيفة ، حيث راح ضحيَّتها آلاف من الصحابة ، وما هذه القصة المفتعلة عن ابن سبأ إلاَّ تغطية على تلك الفترة الزمنيّة الحرجة ، فألقوا مسؤوليَّة ما حدث على هذه الشخصيّة الوهميّة وأسدلوا الستار ، ومن غير ذلك يكون الصحابة أنفسهم مسؤولين عمَّا حدث ، من انشقاق الأمَّة ، وتفرّقهم إلى مذاهب ومعتقدات شتى ، ولكن هيهات يتسنَّى لهذا الدخيل أن يعبث حتى غيَّر تاريخ الإسلام العقائدي ، والصحابة شهود على ذلك!! فإذا لم يكن الصحابة قادرين على قيادة الأمّة إلى برِّ الأمان في حياتهم ، فكيف يقودون الأمَّة بعد وفاتهم ، فالذي فشل في حياته كيف ينجح بعد مماته؟!

الدليل على ولاية علي بن أبي طالب 7 وخلافته

وعندما كنت أتحدَّث كان بعض الوهابيّة يصيحون : الزمن ، الزمن ، ولكن المحاضر صامت وكأنّ على رأسه الطير ، ولم يتفوّه بكلمة واحدة ، وشعرت بأنه يطلب المزيد ، ولذلك ما إن وضعت لاقطة الصوت وقلت : لنا عودة ، قال : أسألك سؤالا ، هل عندك دليل على ولاية علي بن أبي طالب 7 وخلافته؟

قلت : من القرآن والسنة ، والعقل ، والتاريخ ، فأيّها تحبُّ؟

قال : من القرآن.

فحمدت الله في سرّي على هذه الفرصة الجديدة ، وقلت : إنّ الآيات كثيرة في ذلك ، وسوف أذكر لك بعضها مع التوضيح :


الآية الأولى : آية ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ ... ).

أولاً : قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١).

هذه الآية تطرح نفس ما قلناه ، وتؤكِّد أولا : ضرورة الولاية في الدين ، وثانياً : استمراريّة ولاية الله ، وهي السلطة والحاكميّة للرسول 6 ، ثمَّ من بعده الذين آمنوا الذين يؤتون الزكاة وهم راكعون.

أمَّا ولاية الله فهي ثابتة بالذات ، وأمَّا ولاية الرسول 6 والذين آمنوا فهي بالتبع ، فولاية الله في الأرض وحكومته لا تتمُّ إلاَّ باصطفاء بشر أعطاهم الله القدرة التي تؤهّلهم على أن يكونوا امتداداً لحكومة الله في الأرض ، فلا يحقُّ للإنسان ، مطلق الإنسان ، أن يتصرَّف في إدارة البلاد والعباد من غير إذن الله ؛ لأنّ الله هو الحاكم ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ) (٢) ولا تتمُّ حكومته في الأرض إلاّ إذا اصطفى الله حاكماً من عباده ، ولذلك جاءت هذه الآية القرآنيّة صريحة في هذا المجال ، فأثبتت أولا : ولاية الله ، ثمَّ أجرت هذه الولاية على الرسول 6 ، ثمَّ صرَّحت أن الولاية من بعد الرسول تكون مستمرَّة في الذين آمنوا وآتوا الزكاة في حال الركوع.

فدلالة هذه الآية على ولاية علي بن أبي طالب 7 تكون واضحة إذا اتضح أنّ المراد من قوله تعالى ( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) هو علي بن أبي طالب7، والحمدلله إنّ هذا المعنى ثابت ؛ لما تواتر

__________________

١ ـ سورة المائدة ، الآية : ٥٥.

٢ ـ سورة الأنعام ، الآية : ٥٧.


من الأخبار في نزول هذه الآية بخصوص علي بن أبي طالب 7 ، وأذكر لكم هنا ما جاء عن أبي ذر الغفاري في رواية طويلة أخرجها عنه الحاكم الحسكاني ( ج١ ص ١٧٧ ط. بيروت ) بسنده.

قال أبو ذر الغفاري : أيُّها الناس! من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري أبو ذرٍّ الغفاري ، سمعت النبي 6 بهاتين وإلاَّ فصمَّتا ، ورأيته بهاتين وإلاَّ فعميتا ، وهو يقول : عليٌّ قائد البررة ، قاتل الكفرة ، منصور من نصره ، ومخذول من خذله ، أما إني صلّيت مع رسول الله 6 يوماً من الأيام صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد ، فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السماء ، وقال : اللهم اشهد أنّي سألت في مسجد رسول الله 6 فلم يعطني أحدٌ شيئاً ، وكان علي 7 راكعاً فأومأ إليه بخنصره اليمنى ، وكان يتختّم فيها ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره ، وذلك بعين النبيِّ 6 ، فلمَّا فرغ النبي من صلاته رفع رأسه إلى السماء ، وقال : اللّهمّ إنّ أخي موسى سألك فقال : ( قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (١) ، فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً : ( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ) (٢) ، اللهم وأنا محمّد نبيُّك وصفيُّك ، اللهم فاشرح صدري ، ويسرّ لي أمري ، وجعل لي وزيراً من أهلي ، عليّاً أخي ، اشدد به أزري.

قال : فوالله ما استتمّ رسول الله6الكلام حتى نزل عليه جبرئيل7 من

__________________

١ ـ سورة طه ، الآية : ٢٥ ـ ٣٢.

٢ ـ سورة القصص ، الآية : ٣٥.


عند الله ، وقال : يا محمّد! هنيئاً ما وهب لك في أخيك ، قال 6 : وما ذاك يا جبرئيل؟ قال : أمر الله أمّتك بموالاته إلى يوم القيامة ، وأنزل عليك ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ) ... إلى آخر الآية (١).

فيكون معنى الآية بعد ذلك : إنما وليُّكم الله ورسوله 6 وعلي بن أبي طالب 7. ولا يستشكل أحد ، كيف خاطب الله الفرد بصيغة الجمع؟ لأنه أمر جائز في لغة العرب ، وهو ضرب من ضروب التعظيم ، والشواهد على ذلك كثيرة ، كقوله تعالى : ( الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء ) (٢). فالقائل هو حيي بن أخطب ، وقوله تعالى : ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ) (٣) ، وهذه الآية نزلت في رجل من المنافقين ، إما في الجلاس بن سويد ، أو نبتل بن الحرث ، أو عتاب بن قشيرة (٤).

ولا يستشكل أيضاً بأنّ معنى الوليّ هو المحبُّ والناصر ، وإنما هو الأولى بالتصرُّف ، والذي يدلُّ على ذلك هو أن الله تعالى نفى أن يكون لنا وليٌّ غيره وغير رسوله 6 وغير ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) بلفظة ( إِنَّمَا ) ، ولو كان المقصود الموالاة في الدين ما خصّ بها المذكورين ، لأن الموالاة في الدين عامة للمؤمنين جميعاً ، قال تعالى :

__________________

١ ـ شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ١/٢٢٩ ـ ٢٣١ ح ٢٣٥ ، نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ٨٧.

٢ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٨١.

٣ ـ سورة التوبة ، الآية : ٦١.

٤ ـ تفسير الطبري : ٨/١٩٨.


( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض ) (١) فالتخصيص يدلُّ على أنّ نوع الولاية يختلف عن ولاية المؤمنين لبعضهم البعض ، فلا يكون المراد من قوله : ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ ... ) مجمل ومطلق المؤمنين ، وإنّما تكون خاصّة بعلي 7 بدليل ( إنّما ) التي تفيد التخصيص فتنفي جملة المؤمنين ، وهذا بالإضافة للأحاديث التي أثبتت أن هذا الوصف ( وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) لم ينطبق على أحد ، ولم يدّعه أحد غير أميرالمؤمنين 7 ، وهو كونه أتى الزكاة وهو راكع.

الآية الثانية : آية ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ... ).

ثانياً : قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٢).

تعالوا لنتدبَّر في هذه الآية المباركة ، فإننا نلاحظ أنّ هذه الآية خاطبت رسول الله 6 بلهجة غريبة : « وإن لم تفعل » فمتى توانى رسول الله 6 في أمر تبليغ الرسالة حتى يخاطبه الله بقوله : ( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ ) فنستظهر من ذلك أن هذا الأمر الذي يأمر المولى بتبليغه في غاية الأهمّيّة والشأن ، هذا أولا.

وثانياً : صعوبة تبليغ هذا الأمر من قبل الرسول 6 ، وهذه الصعوبة تتحتَّم أن تكون من باب عدم قبول سائر الناس لهذا الأمر ، وإلاَّ لم تكن لرسول الله 6 مصلحة في عدم تبليغه لهذا الأمر ، ويؤكِّد ذلك ذيل الآية ( وَاللّهُ يَعْصِمُكَ

__________________

١ ـ سورة التوبة ، الآية : ٧١.

٢ ـ سورة المائدة ، الآية : ٦٧.


مِنَ النَّاسِ ) أي بمعنى أنك ستواجه معارضة عنيفة في تبليغ هذا الأمر لدرجة أنه يمكن أن يلحق الأذى برسول الله 6 ، وهنا كفل الله له العصمة والضمانة.

وقوله تعالى : ( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) إنّ هذا الأمر بلغ من الأهمّيّة جعلته يوضع في كفّة قبال كل الرسالة بما فيها من صبر على العناء والجهاد ودماء الشهداء ، وما لاقاه رسول الله 6 من أذى ، حتى قال : ما أوذي نبيٌّ كما أوذيت ، يكون كل هذا لا اعتبار له إلاَّ بتبليغ هذا الأمر.

فياترى ماذا يكون؟ هل الصيام ، أم الزكاة ، أم الحج ، أو التوحيد وسائر المفردات العقائدية؟ لا يمكن أن يكون ذلك ؛ لأنّ هذه الآية في سورة المائدة ، وهي مدنيَّة ، كما أنّها من أواخر سور القرآن كما جاء في مستدرك الحاكم ، هذا بالإضافة إلى نزول هذه الآية بالذات بعد حجّة الوداع ، وهي آخر حجّة في الإسلام ، وكانت كل أحكام الدين مبلَّغةً وواضحةً ، فيكون الأمر خلاف ذلك ، وإنّما له ربط بوفاة رسول الله 6.

فهل هنالك أمر غير تعيين الإمام والخليفة بعد الرسول 6 ، أمرٌ يكون بقاء الرسالة منوطاً به ، حيث لو لاه لما كانت رسالة ، وهل هنالك أمرٌ وقع الخلاف فيه بين المسلمين غير الخلافة والولاية كما قال الشهرستاني : ( ما سُلّ سيف في الإسلام كما سلّ في الخلافة ) (١) ، هذا بالإضافة لما أوضحناه في بداية حديثنا أن الإمامة والمرجعيّة الواحدة هي كفيلة بعصمة الأمّة من الضلال ، فيتحتَّم أن يكون الأمر المراد تبليغه هو ذلك.

وهذا ما أثبته المفسِّرون ، وأصحاب السير ، ورواة الأحاديث بأن هذه الآية

__________________

١ ـ الملل والنحل ، الشهرستاني : ١/٣٠.


نزلت بخصوص علي بن أبي طالب7، في غدير خم ، ذكر السيوطي في تفسيره ( الدرّ المنثور ) في تفسير الآية عن ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر ، بأسانيدهم عن أبي سعيد قال : ( نزلت على رسول الله 6 يوم غدير خم في علي 7 ) ونقل أيضاً عن ابن مردويه بإسناده إلى ابن مسعود قوله : كنّا نقرأ على عهد رسول الله 6 : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ـ أن عليّاً مولى المؤمنين ـ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (١).

وروى الواحدي في أسباب النزول : ص ١٥٠ عن أبي سعيد قال : ( نزلت في غدير خم في علي 7 ) (٢) ، وروى الحافظ ابن عساكر الشافعي بإسناده عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت يوم غدير خم في علي بن أبي طالب (٣).

فقد جاء عن زيد بن أرقم أنه قال : لمَّا نزل النبيُّ 6 بغدير خم ، في رجوعه من حجّة الوداع ، وكان في وقت الضحى والحرّ شديد ، أمر بالدوحات فقمِّمن ، ونادى : الصلاة جامعة فاجتمعنا ، فخطب خطبة بليغة ، ثمَّ قال : إنّ الله تعالى أنزل إليَّ : ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) وقدأمرني جبرائيل عن ربي أن أقوم في هذا المشهد، وأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب7أخي ووصيّي وخليفتي والإمام من بعدي .. فاعلموا معاشر الناس ذلك ، فإنّ الله قد نصبه لكم وليّاً وإماماً ، وفرض طاعته على كل أحد ، ماض حكمه ، جائز قوله ، ملعون من خالفه ، مرحوم من صدَّقه، اسمعوا وأطيعوا، فإنّ الله مولاكم ، وعليٌّ إمامكم ، ثمَّ الإمامة في ولده من

__________________

١ ـ الدرّ المنثور ، السيوطي : ٢/٢٩٨ ، فتح القدير ، الشوكاني : ٢/٦٠.

٢ ـ أسباب نزول الآيات ، الواحدي : ١٣٥.

٣ ـ تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/٢٣٧.


صلبه إلى يوم القيامة ... (١).

وبعدما بلَّغ رسول الله 6 ولاية علي 7 التي لو لاها لم يكتمل الدين ، كما هو واضح من منطوق الآية : ( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) أمَّا مفهومها ( إذا بلغت أكملت الرساله ) ومن هنا نزل قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (٢) فإكمال الدين وإتمام النعمة بولاية عليٍّ 7 (٣).

الآية الثالثة : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (٤).

هذه الآية تلخِّص ما أوضحناه بأن استمراريّة الرسالة منوطة بطاعة الله ورسوله وطاعة أولي الأمر من بعد الرسول 6 ، ونجد هنا أن مفهوم الولاية وكأنه ثابت في فطرة الإنسان ، ولذلك تتَّكي الآية عليه لإثبات حكم آخر ، وهو الملاك والمناط الذي من خلاله نتعرَّف على وليِّ الأمر ، وهو العصمة.

__________________

١ ـ راجع : الغدير ، الأميني : ١/٢١٤ ـ ٢١٥ ، روضة الواعظين ، الفتال النيسابوري : ٩٢ ـ ٩٣.

٢ ـ سورة المائدة ، الآية : ٣ ، وقد صرَّح بنزول هذه الآية في علي 7 كثيرٌ من المحدِّثين ، وذكر منهم الأميني في كتابه الغدير : ١/٢٣٠ ـ ٢٣٧ ستة عشر مصدراً ، فراجع.

٣ ـ روى ابن عساكر ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : لمَّا أخذ رسول الله 6 بيد علي بن أبي طالب فقال : ألست وليَّ المؤمنين؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : فأخذ بيد علي بن أبي طالب ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقال له عمر بن الخطاب : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ، قال : فأنزل الله عزَّوجلَّ : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) قال أبو هريرة : وهو يوم غدير خم ، من صام ثماني عشرة من ذي الحجّة كتب الله له صيام ستين شهراً ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/٢٣٣.

٤ ـ سورة النساء ، الآية : ٥٩.


إنّ العصمة للوالي ثابتة بالضرورة العقليّة ، ولكن هذا ليس موضع حديثنا ، ويكفي في هذا المقام أنّ الآية ظاهرة ، بل نصٌّ صريح في المدَّعى وهو العصمة ، فإنّ الله سبحانه وتعالى أمر بطاعة وليِّ الأمر على سبيل الجزم ، وكل من يأمر الله بطاعته على سبيل الجزم لابد أن يكون معصوماً ، وإلاّ اجتمع الأمر والنهي في موضع واحد ، وهذا محال ؛ لأنه لا يأمر بالمعصية وينهى عنها.

وتقرير ذلك : إذا أمرنا الله بالطاعة الحتميّة لوليِّ الأمر ، مع افتراض المعصية والخطأ منه ، فنقع بالتبع في المعصية والخطأ منّا لطاعتنا له ، فيكون بذلك قد أمرنا الله بالمعصية والخطأ بطريقة غير مباشرة ، وفي الوقت نفسه قد نهانا الله عن الخطأ والمعصية ، وهذا تناقض ومحال ، فتتحتَّم وتتعيَّن العصمة للإمام ، وهذا هو المقياس الذي جعله الله لنا لنكتشف من خلاله المصداق الخارجي للإمام ، وهذا يعني الكفر بكل وال ادّعى خلافة المسلمين وهو غير معصوم ، فضلا على أن يكون فاسقاً مجاهراً بالفجور.

وياترى من الذين كفل الله عصمتهم وطهارتهم حتى يكونوا ولاة أمورنا؟ لم نجد في آيات الذكر الحكيم ، ولا أحاديث النبيِّ الأمين 6 ، ولا من بين دفّات التاريخ جماعة طهّرهم الله وأذهب عنهم الرجس غير أهل بيت رسول الله 6 ، قال تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١).

وإفادة العصمة واضحة من هذه الآية ، وذلك لاستحالة تخلُّف المراد ، إذا كان المريد هو الله سبحانه ، وهي تطهير أهل البيت : خاصة ، وأداة الحصر

__________________

١ ـ سورة الأحزاب ، الآية : ٣٣.


( إنّما ) شاهدةٌ على ذلك ، وهذا بالإضافة لتأكيدات رسول الله 6 على تعضيد هذا المعنى ، كما في حديث الثقلين : إنّي أوشك أن أُدعى فأجيب ، وإنّي تاركٌ فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا بم تخلِّفوني فيهما ، ومن المعلوم أنّ القرآن معصوم ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأهل البيت متلازمون معه إلى الحوض ، فإن كان يأتيهم الباطل كانوا حتماً يفترقون عن القرآن ، وهذا ما أكَّد رسول الله 6على عدمه بـ ( لن ) التي تفيد التأبيد ( لن يفترقا ) وغيره من النصوص الدالّة على ذلك مثل قوله : عليٌّ مع الحقِّ والحقُّ مع عليٍّ ، يدور معه حيثما دار (١).

وبذلك تكون الآية نصّاً في ولاية أهل البيت : ، وعلى رأسهم عليٌّ بن أبي طالب 7 ، فيكون معنى الآية : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وعليَّ بن أبي

__________________

١ ـ روى الخطيب البغدادي عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال : دخلت على أم سلمة فرأيتها تبكي وتذكر علياً 7 وقالت : سمعت رسول الله 6 يقول : علي مع الحق ، والحق مع علي ، ولن يفترقا حتّى يردا علي الحوض يوم القيامة.

( تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : ١٤/٣٢٢ ، رقم : ٧٦٤٣ تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/٤٤٩ ).

وعن سعد بن أبي وقاص قال : سمعت رسول الله 6 يقول : علي مع الحق والحق معه.

( مناقب أميرالمؤمنين 7 ، الكوفي : ١/٢٩٧ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٧/٢٣٥ ) وجاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢/٢٩٧ عن تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي وقد أيدهم ، قالوا جميعاً : قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنه قال علي مع الحق ، والحق مع علي ، يدور حيثما دار.

وجاء في كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري : ١/٩٨ قال : وأتى محمّد بن أبي بكر فدخل على أخته عائشة ـ يعني في حرب الجمل لما خرجت على أميرالمؤمنين 7 ـ قال لها : أما سمعت رسول 6 يقول : علي مع الحق ، والحق مع علي؟ ثم خرجت تقاتلينه بدم عثمان!؟


طالب ، وأولاده الأحد عشر (١) ، وغيرها من الآيات الدالّة على ذلك ، فبعضها نصٌّ في الأمر ، وبعضها ظاهر الدلالة ، ويمكنك أن تراجع في ذلك كتاب ابن حجر ( الصواعق المحرقة ) باب ما نزل في أهل البيت : من القرآن (٢).

سكوت المُحاضِر ولم يعقب بشيء

وبعدما وضعت لاقطة الصوت وانصرفت ، لم يعقّب الوهابي المتحدِّث على كلامي ولوبنصف كلمة ، وبينما هو في سكوته رفع أحد إخواننا يده ـ وهو طالب في الجامعة ـ فأذن له المحاضر ، وكان يظنُّ أنه وهابي أتى لنجدته.

وبعد أن حمد الله وأثنى عليه قال : لي نقطة ، أودّ أن أقرّها قبل أن أورد ملاحظاتي على الشيخ ، وهي عندما يتحدَّث الشيخ عن السودان ، وكأنه مستعمرة لمحمّدبن عبد الوهاب ، وأنّ دخول التشيُّع يُعدُّ أمراً شاذّاً إلى هذا البلد الطيِّب ، وأقول له من باب ردَّ الحجر من حيث أتى : وأنت من الذي أدخلك إلى السودان ، فهل تظنُّه مقاطعة من صحارى نجد؟! إن السودان بلد فطر على حبّ

__________________

١ ـ روى القندوزي الحنفي في ينابيع المودة : ١٠٤ ، منشورات مؤسَّسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، و٣/٢٨٩ ط. أسوة عام ١٤١٦ ، قال ذكر يحيى بن الحسن في كتاب العمدة من عشرين طريقاً أن الخلفاء من بعد النبي 6 اثنا عشر خليفة ، كلهم من قريش ، وفي البخاري من ثلاثة طرق ، وفي مسلم من تسعة طرق ، وفي أبي داود من ثلاثة طرق ، وفي الترمذي من طريق واحد ، وفي الحميدي من ثلاثة طرق. ففي البخاري عن جابر رفعه : يكون من بعدي اثنا عشر أميراً ، فقال كلمة لم أسمعها ، فسألت أبي : ماذا قال؟ قال : قال كلهم من قريش ، وفي مسلم عن عامر بن سعد ، قال : كتبتُ إلى ابن سمرة : أخبرني بشيء سمعته من النبي 6 ، فكتبت إليَّ : سمعت رسول الله 6 يوم عشية رجم الأسلمي يقول : لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش.

٢ ـ ص ٢٢٠.


محمّد وآل محمّد 6 ، وأنتم الغرباء لا نحن (١).

حادثة الإرتداد بعد النبي 6 في صحيح البخاري ومسلم

أمَّا النقطة الثانية : هي مسألة الارتداد في عصر النبيِّ الأكرم 6 والتي لم يبتدعها الشيعة من عند أنفسهم ، بل طفحت بها الكتب المعتمدة لديكم ، كالبخاري ومسلم وغيرهما ، وهي واضحة بحيث لا يشك فيها أحد ، هذا إذا لم نأخذ بالاعتبار الآيات القرآنية المتحدِّثة في هذا المجال ، إنّ الردّة ـ يا شيخ ـ قد حدثت ، ولم تقدر أنت ، ولا من معك ، ولا من كان قبلك ، ولا من سيأتي بعدك على إنكارها ، وحروب الردّة التي قامت في صدر الإسلام فهي تؤكِّد أن هناك حقاً ارتدّ عنه ، ولذا نشب القتال ، فحاصل الأمر أن هناك ارتداداً ، أم تقول : إن الذين قاتلهم أبو بكر كانوا أمريكان ولم يكونوا مسلمين؟

وأمَّا النقطة الثالثة : هل فات الشيخ أنه يخاطب عقولا ناضجة وصلت إلى هذه المرحلة ، أم أنه يستهزئ بها ، إنّ وصف الشيعة باليهوديّة أمرٌ لا يقبله العقل ، والدليل على ذلك ـ أيُّها الشيخ ـ من الذي يدافع عن الإسلام اليوم ضدَّ الزحف اليهودي؟ إلى من ينتمي حزب الله في لبنان ، وحركة المقاومة الإسلاميَّة؟ إنّ وصفاً كهذا يسفِّه قائله قبل أيّ شخص آخر ، فنرجوا احترام العقول هنا.

وبعدأن أكمل الطالب حديثه قال له الوهابي : لي سؤال واحد ، فقد ذكرت في حديثك أنّ مجموعة من الصحابة ارتدّوا، فهل تستطيع أن تذكر لي أسماءهم؟

__________________

١ ـ قال في الهامش : مع العلم أنّ المتحدِّث كان وهابياً متشدِّداً ، هداه الله إلى التشيُّع.


فردَّ عليه قائلا : لا أذكر.

فقال الشيخ : أتخاف أن تكشف عقيدتك.

وفي هذه اللحظة طلبت من الوهابي أن أجيب أنا على هذا السؤال ، ولكنه رفض ، وقال : لماذا لا يجيب هو؟

فقال الطالب : الأسود العنسي.

فقال الشيخ : فيك الخير سمِّ واحداً غيره.

فقلت لصديقنا : قل : لا أعلم ، وبعد إصرار منّي سمح الوهابي لي بالإجابة على هذا السؤال.

فقلت : إن القضية لا تثبت موضوعها ، ونقاشنا الآن في مجمل القضيّة ، وهي : هل كان هناك ارتداد بعد رسول الله 6؟

وقد أثبتت ذلك الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة ، فقد أثبت القرآن وجود المنافقين ، ولم يذكر أسماءهم ، وذكر رسول الله 6 ذلك ولم يحدّد أسماءهم ، فكيف تطالبني بشيء سكت عنه الله ورسوله 6 ، ونحن نلتزم بقولهم ، فعندما يقول تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) (١) فنقول نحن كما قال الله سبحانه وتعالى : إنّ بعض الصحابة انقلبوا ، وهم الأكثريّة ، ولا نزيد على ذلك ، وكذلك نقول عندما يقول رسول الله 6 كما جاء في البخاري ومسلم.

روى البخاري في تفسير سورة المائدة ، باب ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) وتفسير سورة الأنبياء ، كما رواه الترمذي في أبواب صفة القيامة ، باب ما

__________________

١ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٤٤.


جاء في شأن الحشر ، وتفسير سورة طه : ( وإنه يجاء برجال من أمتي ، فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا ربّ! أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح : ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) (١) ، فيقال : إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم ، مذ فارقتهم ) (٢).

وروى البخاري في كتاب الدعوات ، باب الحوض ، وابن ماجة في كتاب المناسك ، باب الخطبة يوم النحر ، كما أورده أحمد بن حنبل بطرق متعدّدة : ( ليردنّ عليَّ ناس من أصحابي الحوض ، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول : أصحابي ، فيقال : لا تدري ما أحدثوا بعدك ) كما رواه مسلم أيضاً في كتاب الفضائل ، باب إثبات حوض نبينا 6 ، الحديث أربعين (٣).

وهنا قاطعني الوهابي قائلا : إنّ سؤالي محدّد ، فما رأيك مثلا في السيِّدة عائشة؟

قلت: أنا وأنت لم نزامن السيِّدة عائشة ، وكل ما نعرفه عنها هو عبر مصادر التاريخ ، وأنا مستعدٌّ أن نجمع كل المصادر ونبحث في شخصيتها ، ومانخرج منه من البحث النزيه يكون ملزماً لنا ، فالسؤال في هذه الأمور لا يجاب عنه ارتجالا.

فقال الوهابي : هكذا دائماً يراوغ الشيعة ، ويستخدمون التقيّة في إخفاء

__________________

١ ـ سورة المائدة ، الآية : ١١٧.

٢ ـ صحيح البخاري : ٤/١١٠ و٥/١٩١ ـ ١٩٢ ، صحيح مسلم : ٨/١٥٧ ، مسند أحمد ابن حنبل : ١/٢٣٥.

٣ ـ صحيح البخاري : ٧/٢٠٧ ، سنن ابن ماجة : ٢/١٠١٦ ، مسند أحمد بن حنبل : ١/٤٣٩ ، صحيح مسلم : ٧/٧٠ ـ ٧١.


عقائدهم ، فإنهم يكفّرون الصحابة ومن بينهم أبو بكر وعمر ، ويكفّرون أمّهات المؤمنين ، وهنا تعالت الأصوات بالصراخ من قبل الوهابيَّة الجلوس ، تندّد بالشيّعة وتصرّح بكفرهم.

وبعد أن توتَّر الجوُّ فضَّلنا الانسحاب ؛ لأنه لا يسمح بالحوار والبرهان.

أحداث يوم الجمعة والحوار في التوحيد والتوسل

وهو يوم اللقاء الثاني مع الوهابيّة ، وكان برنامجهم المعدّ في هذا اليوم ركن النقاش بعنوان ( هذا أو الطوفان ).

بعد انتشار أنباء يوم الخميس ، والهزيمة النكراء التي أثبتت ضحالتهم الفكريّة ، اكتظَّ المكان بالروّاد ، حتى من بعض المدن المجاورة ، لأنّ موضوع الشيعة أصبح الحدث الفريد الذي كسب اهتمامات الناس ، ومن الطريف في هذا المقام أنّ كثيراً من النّاس في بادئ الأمر كانوا يتوقَّعون أن الشيعة سوف يهربون من المناقشة والمواجهة ، ولكن بعد يوم الخميس انعكست الصورة ، فكان الكثير يراهن على أنّ الوهابيَّة سوف ينسحبون من يوم الجمعة.

بدأ ركن النقاش بآيات من الذكر الحكيم ، ثمَّ بدأ الوهابي حديثه ، وهو أيضاً مستعار من مدينة ( مدني ) ومتخصّص في إدارة أركان النقاش ، كما يقول هو عن نفسه أنه عشر سنوات خلف لاقطة الصوت من ركن إلى ركن ، وهذا إن دلّ إنما يدلّ على عظيم الفجيعة التي ألمَّت بالوهابيَّة مما جعلهم يرسلون استغاثاتهم إلى جنوب الخرطوم.

حديث المُحاضر في التوسل وزيارة القبور

ثمَّ بدأ حديثه بالتأصيل للخطِّ الوهابي السلفي ، الذي كاد أن ينحسر


وجوده في المدينة ، فتلخّص حديثه في موضوع التوحيد والشرك ، وصفات الله ، وعدالة الصحابة ، والبدعة ، ولم يذكر حرف الشين من الشيعة ، مع أن المعلوم هو مواصلة الحديث عن التشيُّع ، فهذا التصرُّف دلَّ عند الجميع على انسحاب الوهابيّة من حلبة النقاش ، فصمَّمت بيني وبين نفسي أن أستغلّ هذه الفرصة ، وأوجّه الضربة الفاصلة بفضح هذه العقائد ، وتوضيح فسادها بالتفصيل.

وبعد أن أتمّ حديثه في التوحيد ، مركِّزاً فيه على أنّ التوسّل وزيارة القبور والأضرحة من أنواع الشرك الجلي ، تحدَّث عن الصفات قائلا : إنّ منهج السلف هو إمرار كل الصفات التي جاء بها القرآن كما هي من غير تأويل وتشبيه ، وإنّ كل منهج غير هذا هو بدعة ، مخالف لما نقل عن الصحابة الأبرار.

الرد على المُحاضر وبيان حقيقة التوحيد ومفهوم البدعة

وبعد أن أتيحت الفرصة للمشاركة والنقاش سمح لي بالحديث ، فقلت : أرجو منك أن تمنحني الفرصة الكافية لأتناول بالتفصيل التوحيد والشرك وصفات الله ومفهوم البدعة.

أولا: إنّ توحيد الله سبحانه وتعالى من أشرف ما يتّصف به الإنسان ، ومعارفه من أشرف المعارف ، ولذلك نجد كل الرسالات السماويَّة كان جلُّ اهتمامها هو نشر التوحيد ، بل كان هو الحدّ الفاصل بين أتباع الرسالة وغيرهم ، ومن هنا كان رسول الله 6 يقاتل الكفار حتى يقولوا : ( لا إله إلاَّ الله ، محمّد رسول الله 6 ) فإذا قالوا عصموا بها دماءهم وأعراضهم وأموالهم ، وهذا ممَّا لا يختلف فيه مسلمان على وجه هذه الأرض منذ البعثة إلى أن جاء محمّد بن عبدالوهاب ، فقتل المؤمنين الموحِّدين تحت راية التوحيد، وهذا مما أكَّده أخوه


سليمان بن عبدالوهاب في كتابه : ( الصواعق الإلهيَّة في الردّ على الوهابيَّة ) ثمَّ قرأت له مقطعاً من كلامه :

( من قبل زمان الإمام أحمد في زمن أئمّة الإسلام حتى مليت بلاد الإسلام كلّها ، ولم يرو عن أحد من أئمة المسلمين أنهم كفروا بذلك ، ولا قالوا : هؤلاء مرتدّون ، ولا أمروا بجهادهم ، ولا سمَّوا بلاد المسلمين بلاد شرك وحرب كما قلتم أنتم ، بل كفَّرتم من لم يكفر بهذه الأفاعيل وإن لم يفعلها ، وتمضي القرون على الأئمة بعد زمان أحمد علماؤها وأمراؤها وعامتها كلهم كفَّار مرتدُّون.

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون : واغوثاه إلى الله! ثمَّ واغوثاه أن تقولوا كما يقول بعض عامتكم : إن الحجّة ما قامت إلاَّ بكم ).

ويقول أيضاً : ( فإنّ اليوم ابتلي الناس بمن ينتسب إلى الكتاب والسنّة ، ويستنبط من علومها ، ولا يبالي من خالفه وإذا طلبت منه أن يعرض كلامه على أهل العلم لم يفعل ، بل يوجب على الناس الأخذ بقوله وبمفهومه ، ومن خالفه فهو عنده كافر ، هذا وهو لم تكن فيه خصلة واحدة من فعال أهل الاجتهاد ، لا والله ، ولا عشر واحد ، مع هذا فراح كلامه ينطلي على كثير من الجهَّال ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، الأمَّة كلها تصيح بلسان واحد ـ ومع هذا لا يردّ لهم في كلمة ، بل كلّهم كفّار وجهَّال ـ : اللّهمّ اهد هذا الضال وردّه إلى الحق ).

هذا ما يدعو إليه الوهابيّة من التوحيد ، وهو في الواقع تكفير كل المسلمين ، ووصفهم بالشرك ، كما يقول محمّد بن عبدالوهاب : ( إنّ مشركي زماننا ـ أي المسلمين ـ أغلظ شركاً من الأوَّلين ، لأنّ أولئك يشركون في الرخاء ويوحِّدون في الشدّة ، وهؤلاء شركهم في الحالتين ، لقوله تعالى: ( فَإِذَا رَكِبُوا فِي


الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ) (١).

ونحن عادةً نناقش الوهابيَّة في أمور فرعيَّة تتفرَّع من مفهومهم العام للتوحيد والشرك ، وأنا هنا أريد أن أحوِّل مسار النقاش من الفروع إلى الأصول ، والمفاهيم العامة في تحديد مناط العبادة.

حول الخضوع والتذلّل لغير الله تعالى

إن مفهوم العبادة عند الوهابيَّة هو مطلق الخضوع والتذلّل وتكريم وتعظيم غير الله.

إذا سلّمنا مع الوهابية ... بصحّة هذا المفهوم فإننا لا يمكن أن نعاتبهم على النتائج التي يمكن الوصول إليها ، فعندما نرى مسلماً يتمسّح ويتبرّك بضريح فإن مفهوم العبادة الذي سلَّمنا به سوف ينطبق عليه ؛ لأنه بتذلّل لغير الله فيكون بذلك عابداً للضريح ، وبالتالي يكون مشركاً ، وهذا استنتاج منطقيٌّ صحيح وفقاً للقاعدة التي تقول: ( كل متذلّل لغير الله مشرك ، وهذا متذلّل ، إذن هذا مشرك ).

ولكن الحقيقة والواقع أن الكبرى غير مسلَّم بها (٢) ، فكل متذلّل لغير الله مشرك، كاذب ، وهذه بديهة عقليّة وعقلائيّة ، ويمكن معرفة ذلك من الواقع الذي يعيشه أيُّ إنسان ، فإن من طبيعة البشر الاحترام ، بل من الأخلاق في بعض الأحيان التذلّل لبعضنا البعض ، كتذلّل التلميذ للمؤمن ( أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّة

__________________

١ ـ سورة العنكبوت ، الآية : ٦٥.

٢ ـ أي كبرى القياس ، فالقياس ينقسم إلى كبرى ، وصغرى ، ونتيجة ، فالكبرى هنا : كل متذلل .. والصغرى : هذا متذلل ، والنتيجة : هذا مشرك.


عَلَى الْكَافِرِينَ ) (١) ، كما أمرنا الله سبحانه وتعالى بتعظيم الوالدين والتذُّلل لهم : ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) (٢) ، وأكثر من ذلك أنّ الله أمر الملائكة بالسجود لآدم ، والسجود ـ كما تعلمون ـ أكمل مرتبة في الخضوع والتذلّل.

فإذا كان كما تدّعي الوهابيَّة فتكون كل الملائكة مشركة ، وإبليس هو الموحِّد الوحيد لأنه رفض السجود ..

إلى أن يقول : فإذن لا يمكن أن يكون أيُّ خضوع أو تذلّل عبادة ، ولابد أن يكون هناك ملاكٌ آخر أكثر دقّة ، وهو مسألة الاعتقاد ، فإنّ الخضوع إذا كان مقترناً بالاعتقاد بألوهيَّة المخضوع له ، فيكون هذا الخضوع عبادة ، بل إن أيَّ تصرُّف يكون بدافع الاعتقاد لغير الله فهو مصداقٌ للشرك ، فالخضوع والتذلّل بمعزله ليس شركاً ، والاعتقاد في غير الله شرك ، وإن كان من غير خضوع أو تذلّل.

فيتّضح من ذلك أنّ العبادة هي خضوع مقترن بالاعتقاد في غير الله تعالى ، أمَّا الخضوع والتذلّل من غير اعتقاد يمكن أن يناقش من جهة الحسن والقبح ، وهذا دائر مدار العناوين التي تطرأ على التذلُّل ، فمثلا يكون تذلُّل المؤمن لغير المؤمن قبيحاً ، ونفس هذا التذلُّل عندما يكون من المؤمن للمؤمنين يكون حسناً ، بل هو مستحب ، فإذن هو خارج تخصّصاً عن مبحث التوحيد والشرك ، وسحبه على هذا البحث يكون مقدِّمة فاسدة تؤدِّي إلى نتائج حتماً فاسدة.

__________________

١ ـ سورة المائدة ، الآية : ٥٤.

٢ ـ سورة الإسراء ، الآية : ٢٤.


مفهوم التوسل وحقيقته ومفهوم الشرك

أمَّا قولك : إن هؤلاء الجهَّال يطلبون من الميِّت ويتوسّلون به ، وهو لا ينفع ولا يضرُّ ، أو يطلبون حتى من الحيِّ طلباً لا يقدر على فعله فهو شرك.

هذا الكلام لا يقبله جاهل فضلا عن عالم ، لأن هذا بعيدٌ كلَّ البعد عن مورد الشرك ، فإن معنى : الميِّت لا ينفع ولا يضرّ غير تام ؛ لأنّ الحيّ بهذا المعنى لا ينفع ولا يضرّ أيضاً ، وبما أنّ الحيّ يضرُّ بإذن الله كذلك الميِّت ، فليس هناك استقلاليَّة بالفعل سواء من الحيِّ أو الميِّت ، وبذلك لا يكون هنالك غرابة في الطلب من الميِّت ؛ لأنه كالطلب من الحيِّ ، وإنما يكون البحث كل البحث عن جدوى الطلب أو عدم جدواه ، وهذا خارج جملةً وتفصيلا عن مسار البحث ، ولتوضيح الصورة أضرب لكم مثالا : إذا طلبت من شخص أن يحضر لي كأساً من الماء هل في هذا شرك؟

قال الجميع : لا.

وفي نفس الوقت إذا طلبت هذا الطلب من نفس هذا الإنسان ، ولكنه كان نائماً ، فهو في الواقع لا يقدر على فعل هذا الأمر ، ولكن هل يمكن أن تقول إنك مشرك لأنه لا يقدر؟

قالوا بكلمة واحدة : لا.

بل أكثر ما يمكن أن يقال في حقي أن طلبك طلب عبثيُّ لا جدوى منه ، أو سميني حتى مجنوناً ، ولكن لا تصفني بالشرك.

وبهذا عرفنا أن عدم القدرة على الفعل ليست ملاكاً في التوحيد والشرك.

أمَّا كلامك : إن طلب الأمور الماديّة لا إشكال فيها ، وإنّما الشرك هو طلب


الأمور الغيبيّة التي لا يقدر عليها إلاَّ الله.

فإنَّ في هذا الكلام مغالطة ؛ لأنّ السنن الماديّة أو الغيبيّة ليس لها دخل في ملاك التوحيد والشرك ، وأنا بدوري أسأل : هل هذه السنن هي مستقلّة عن الله ، بمعنى أنها تعمل بقدرة ذاتيّة منفصلة عن الله ، أم أنها بإذن الله وإرادته؟

وهنا المحور ، فإذا تعامل معها الإنسان باعتبار أنها مستقلة فهو مشرك ، سواءً كانت ماديّة أو غيبيّة ، أمَّا إذا كان باعتبار أنها قائمة بالله تعالى وبإذنه فهذا هو عين التوحيد ، وأقرِّب لكم هذه الصورة بمثال : إذا مرض إنسان فمن الطبيعي أنه سيذهب إلى الطبيب ، فإذا كان ينظر له بأنه قادر على شفائه بقدرة ذاتيّة منفصلة عن الله كان مشركاً ، ولا يشك في ذلك اثنان ، أمَّا أنه يشفي المريض بقدرة الله وإرادته فلا إشكال في ذلك ، بل هو عين التوحيد.

فمن هنا نعرف أن السنة والسبب ليس لها اعتبار بعنوان أنه ماديّ أو غيبيّ ، وأن مدار الكلام هو الاعتقاد باستقلاليّة هذه الأسباب أو عدم استقلاليّتها ، وتحت هذه القاعدة يمكن أن نقيس كل موضوع ، سواء كان طلب إحضار كأس من الماء ، أو طلب الذرِّيَّة والولد من وليٍّ من أولياء الله ، وكلاهما محكومٌ بالقاعدة.

أمَّا قولك : لا يقدر عليها إلاَّ الله ، بهذا المعنى الذي أطلقته لا يوجد شيء في صفحة الوجود يقدر على فعل شيء ، وإنّما القادر الحقيقيُّ هو الله ، ولكنَّ المسألة لا تؤخذ بهذا الإطلاق ، كما أنّ الله أعطى الإنسان القدرة على فعل بعض الأشياء بإذنه ومشيئته ، أعطى عباداً من عباده أسراراً وقدرات لم يعطها لغيرهم ، مثلما كان عند الأنبياء من إحياء الموتى ، وشفاء المرضى ، بل حتى ما كان عند أتباع الأنبياء مثل إحضار عرش بلقيس ، والأمثلة كثيرة في القرآن الكريم.


عدم مواصلة الحديث بسبب أخذ لاقطة الصوت

وقبل أن أبدأ بالكلام في مسألة الصفات الإلهيّة وبعد الوهابيَّة عن معرفتها ، جاء المتحدِّث الوهابي وأخذ منّي لاقطة الصوت بقوَّة ، فلم أستجب لاستفزازه ، وسلَّمتها له بكل هدوء حتى أضمن لنفسي فرصة جديدة ، وأنا أعلم يقيناً أنه لا يستطيع أن يردَّ على كلمة واحدة ممَّا ذكرت.

الإفتراء على الشيعة ونكوص القوم عن الرد العلمي

فبدأ حديثه قائلا : شيعة أم شيوعيّة! آه تذكَّرت ، قد كان لي صديق في الجامعة في نفس الغرفة التي أسكن فيها ، وكان شيعيّاً متعصّباً ، يؤمن بأنّ القرآن محرّف ، وكان عنده مصحف اسمه مصحف فاطمة 3 ، وكانت طبعته أجمل من طبعة الملك فهد ، والذي يعجبني فيه أنه يعلن كل عقائده بصراحة ، فهو يعتقد بكفر كل الصحابة ، وأنّ مؤسّسهم هو عبدالله بن سبأ ، وإنّه يعبد الحجر.

هؤلاء سذَّج لا يعرفون التشيُّع ، قد خدعهم الشيعة ، ولم يعرّفوهم على العقائد الحقيقيّة ، والشيعة لا يعرفون إلاَّ السفسطة والفلسفة ، وبدأ بالسبِّ والشتم.

أمَّا كلامي فردَّ عليه بكلمة واحدة وكأنه أبطل كل حججي : أمَّا المتحدِّث الشيعي فننصحه بأن يتصفَّح أيَّ كتاب في أصول الفقه ، حتى يجد أن شرع من كان قبلنا ليس واجباً علينا ، فلا يستدلُّ بسجود إخوة يوسف 7.

رفعت يدي مصرّاً لتتاح لي الفرصة ، حتى أتحدَّث عن أساليب الحوار ، والتعاطي مع الطرف الآخر ، وعن أهمّيّة البرهان ، على ضوء المنهج القرآني ،


الذي فتح الباب على مصراعيه للحرّيّة الفكريَّة التي عبَّر عنها بقوله : ( قل هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (١).

وأردت أبيّن أنّ كلامه خارج ـ تخصصّاً ـ عن محل البحث ، فما دخل هذا الكلام فيما طرحته من أدلّة على بطلان نظرة الوهابيَّة للتوحيد؟!! فهو كالذي يقول : أحلى العسل أم أطول الشجر؟

وكان كل خوفي أن ننزل نحن إلى مستواهم من سبّ وشتم وتشتيت المواضيع ، ولكن للأسف لم تتح لي فرصة إلى آخر ركن النقاش ، بل لم تتح الفرصة لأيِّ شيعي ، وفي المقابل كان الباب مفتوحاً للوهابيّة الذين لم يزيدوا غير السباب.

وعندما أتيحت الفرصة لأحد الطلبة ـ وهو من جماعة الإخوان المسلمين ـ استبشرنا بذلك ، فلعلّه يكون منصفاً ، ولكنه لم يختلف عنهم كثيراً.

فبدأ حديثه قائلا : إنّنا لا نستطيع أن نكفّر أحداً بعينه ، ولكن يمكننا أن نكفّر منهجاً ، ورفع صوته صارخاً : فالتشيُّع كفر في منهجه وتوجّهه وكل تعليماته ، فأشعل بذلك حماس الوهابيّة ، فتعالت صرخاتهم بالتكبير وبشعارات البراءة من الشيعة ، فقرّروا وجوب مقاطعتهم في الجامعة ، فلا يجوز لأيِّ مسلم سنّي أن يتعامل معهم أياً كان نوع التعامل ، فلا يجوز السلام عليهم ، كما لا يجب ردّ سلامهم ، فتوتَّر الجوُّ إلى أبعد الحدود.

ولكن ـ وبحمد الله ـ لم ينجحوا في ذلك ، فإنّ طلبة الجامعة كانوا أكثر تحرُّراً وعقلانية ، فلم يستجيبوا لمحظوراتهم التي شرعوها ، وكأنهم مراجع الأمَّة

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١١١.


الإسلاميَّة ، وإن كان هنالك نجاح ، فإنني منعت من الدخول إلى الجامعة بعد تلك الأحداث بداعي أمن الجامعة.

الجلسة الثانية مع الدكتور عمر مسعود ورد للإتهامات الباطلة

يقول الشيخ معتصم السوداني : وبعد هذه الأحداث الساخنة زرت الدكتور في مكتبه في كلّيّة التجارة ، وسألني ما دار بيننا وبين الوهابيَّة ، وقد كانت الأخبار عنده بالتفصيل.

قال : إنّ المشكلة التي تعيشها الوهابيّة هي الجهل المركَّب من مصادرة للآراء والاتهام بالباطل ، فنحن كنّا نسمع أنّ الشيعة يقولون : إنّ الرسالة كانت يفترض أن تأتي لعليِّ بن أبي طالب 7 ، ولكن عندما بحثنا لم نجد لذلك أثراً ، وكنا نسمع أنّ للشيعة مصحفاً اسمه ( مصحف فاطمة 3 ) ولكن لا واقع له ، وكنّا نسمع أنّ عبدالله بن سبأ هو مؤسّس الشيعة ، فبحثنا فوجدنا أنه شخصيّة خرافيّة ، فما بال الوهابيَّة يردّدون هذه الاتّهامات الباطلة؟ وبأيِّ حق يتحدَّثون عن الشيعة؟!

فقد طلب منّي قبل أيام أنا والدكتور علوان والدكتور أبشر وأحد مشايخ الوهابيّة ، إقامة ندوة عن الشيعة في الجامعة ، ولكنّي اعتذرت ، وعلى ما يبدو اعتذر الدكتور علوان ، والدكتور أبشر ، وقلت لهم : بأيِّ حق أتحدَّث عن الشيعة فأكون الحاكم والقاضي والجلاَّد ، فأقول : الشيعة يقولون كذا ، وحكمهم كذا؟ فهذه مصادرة ، فكل صاحب مذهب يجب أن يسأل عن مذهبه ، هذه هي المنهجيّة العلميّة ، فلا يمكن بداعي خلافي مع الوهابيَّة ألصق بهم ما ليس فيهم.

فمثلا : كنّا نسمع أن محمّد بن عبدالوهاب ، كان يقول : إنّ عصاي أفضل


من محمّد 6 ، ولكن عند البحث العلمي تبيَّن أن هذه المقولة ليست ثابتة ، فلا يجوز أن أنسبها له ، وكثير من الكتب التي ألَّفت ضدَّهم ، فليس كل ما فيها حقاً وصواباً.

وأذكر أنّي كنت في سفرة إلى الخرطوم ، فجاءني أحد الإخوان الأعزّاء بكتاب ، وقال : إن هذا الكتاب يردُّ كيد الوهابيَّة ، وإذا هو كتاب ( مذكِّرات مستر همفر ) وبعد قراءته قلت له : إنّ هذا الكتاب لا يمكن أن أستفيد منه شيئاً ، فهو خارج عن المنهج العلميِّ ، وهو أقرب للافتراء من الحقِّ.

وأيضاً ليس ما يقوله الوهابيّة في جماعتنا التيجانيّة بحق ، وأذكر أنّ أحد مشايخنا وعلماءنا الكبار ـ وهو الحافظ المصري ـ التقى بأحد الوهابيّة ، فسأله الوهابي عند مذهبه ، فقال : تيجاني.

فقال الوهابي : أعوذ بالله.

فقال له : إنّ الذي استعذت منه ليس نحن.

قال : كيف؟ ألستم تقولون : إنّ صلاة الفاتح أفضل من القرآن.

قال : لا.

قال : ألستم تقولون كذا؟

قال : لا.

قال : ألستم تقولون كذا وكذا وكذا؟

قال : لا.

فتعجَّب ، فقال له : إنكم تحملون صورة في أذهانكم لا تمتُّ إلى الواقع بصلة.

كما أنّه ذكر لي قصّة مفصَّلة من لقاءاته مع المسيحيّة ، وقال : إنه استدعي


إلى الخرطوم لمناقشة مجموعة من علماء المسيحيّة ، الذين حضروا من الغرب ، وأنه كيف عجز الآخرون عن ردِّهم ، لأنهم لم يسألوهم عن اعتقاداتهم ، بل كانوا يهاجمونهم وهم ينفون الاتهام ، ولم يفحموا إلاَّ بعد ما طلبت منهم أن يتحدَّثوا عن أنفسهم.

وقد فصَّل كثيراً في منهجيَّة التعامل مع الأطراف المخالفة ، ولم يطرح في هذه الجلسة موضوع للنقاش بيننا رغم أنها طالت أربع ساعات ، وقد سررت بكلامه ؛ لأننا بهذا الحديث أمنّا هجومه علينا ، وخاصة أنه شخصيّة مرموقة اجتماعياً ، وله أتباع ومريدون ، وكلمته مسموعة ، فحرصت أن لا أثيره بأيِّ موضوع.

حوار في عصمة الأئمة : في مدينة عطبرة

وبعد هذه الجلسة ، ذهبت معه في سيارته إلى مدينة عطبره ، حيث يوجد مجموعة من إخواننا الشيعة ، حتى أنقل لهم هذه الأخبار السارّة.

ولكن سرعان ما صدمت عندما أخبروني أن هنالك مناظرة بينهم وبين الدكتور عمر مسعود ، موضوع المناظرة : عصمة الأئمة :.

قلت : نحن مستعدُّون أن نناظر في أيِّ مبحث من عقائدنا ، ونفحم أيَّ طرف بالدليل ، ولكن الذي يحيِّرني أنه مضت ساعات من لقائي مع الدكتور ولم يذكر لي هذا الأمر ، فلعله لا يدري!

قالوا : لا ، بل هو الذي دعا ، وقد وزِّعت الإعلانات في كل مكان ، ومكتوب عليها ( حوار ساخن بين الشيعة والدكتور عمر مسعود ).

فصمَّمنا أن نستوفي كل الأدلة عن عصمة الأئمة : ، ونردُّ على كل


الإشكاليّات ، ورشَّحني الإخوة على أن أدير النقاش معه.

وبعدما حان وقت الموعد انطلقنا إلى دار التيجانيّة ، وقد اكتظَّت بالحضور ، وما إن رآني الدكتور حتى بدت علامات التردُّد عليه ، فقال لي : هل جاء الإخوة الذين سوف يحاوروني ، وكأنه لا يريدني أن أتدخَّل ، بل هو كذلك.

والدليل عليه أننا أول ما جلسنا كنّا بمحاذاته من الجهة اليمنى ، فقال : لا يمكن أن ألتفت على يميني دائماً ، فالذي يريد مناقشتي فليجلس أمامي ، فقمنا ، ولكنه أمسك بيدي ، وقال : اجلس أنت بالقرب منّي ، وكأنني لم أكن مقصوداً بالنقاش.

وبعد تلاوة من آيات الذكر الحكيم ، قدَّموا ممثِّل الشيعة للحديث عن عصمة الأئمة :.

فحمدت الله ، وصلّيت على خاتم الأنبياء ، وأهل بيته الطاهرين : ، فأظهر الدكتور عدم ارتياحه من تدخُّلي.

قلت : قبل أن أبدأ حديثي عن مسألة العصمة وأدلّتها من القرآن والسنّة والعقل ، أحبُّ أن أبدي هذه الملاحظة ، وهي : من الذي دعا إلى هذا الحوار؟ إذا كان إخواننا الشيعة فعلى الدكتور أن يحدِّد محاور النقاش ، ولا غضاضة في ذلك ، أمَّا إذا كان هو الداعي فعلينا تحديد محاور النقاش ؛ لأنّ مسألة العصمة ليست عقيدة مجرَّدة ، وإنما ترتبط بواقع عقائديٍّ متكامل ، فالمسألة التي يجب أن تناقش هي الإمامة ، وضرورتها ، وشروطها ، على ضوء المنهج القرآني والعقلي ، فتأتي تبعاً لذلك مسألة العصمة ، فأنا أسأل أستاذي الدكتور ، هل كان هو الذي دعا الشيعة للحوار؟


الدكتور عمر مسعود ينكص عن المناظرة ويرفع الجلسة

بدأ حديثه بعد الحمد والصلاة قائلا : أنا من طبيعتي الذاتيّة وتكوين شخصيتي ، إنسان يمكن أن تسمِّيني منعزل ومنطوي ، فليس أنا من دعاة المناظرات ، ولا الحوارات والمحاضرات (١) ، والدليل على ذلك أن الأستاذ معتصم جلس معي هذا اليوم أربع ساعات ، ثمَّ ذكر ما دار بيننا ، وقال : إني لم أتخيَّل أنّ الأستاذ معتصم سيتدخَّل في هذا الحوار ؛ لأنه لا توجد بيننا حواجز ، ومكتبي مفتوحٌ له طول اليوم ، وهذا هو أمامكم ، اسألوه عن العلاقة التي بيننا ، فالمفروض منه أن يختبر في مثل هذه الجلسة جماعته من الشيعة ، وهل هم استوعبوا الدروس التي تلقَّوها منه ، ثمَّ قال : أدعو لرفع هذه الجلسة.

فشكرته ، وقلت : نحن أيضاً ليس من عادتنا أن نطرق الأبواب ، وندعو أهلها للمناظرات ، وما دمت دعوت لرفع الجلسة فنحن لا نصرّ عليها.

وفي هذا الحين تدخَّل أحد الحضور ، ووجه لي سؤالا قائلا : أسألك سؤال مستفهم مستفسر ، وليس مناظر عن رأي الشيعة في مسألة العصمة وأدلّتهم على ذلك.

قلت له : إنّ الأدلة متعدِّدة ، ولكن ليس المكان مكاني ، ولا المجلس مجلسي ، فإذا أذن لي الدكتور .. فقاطعني الدكتور قائلا : لقد دعوتكم لرفع هذه الجلسة.

وبهذا انتهت المناظرة ورفعت الجلسة (٢).

__________________

١ ـ جاء في الهامش : مع العلم أنه في نفس تلك الأيام دارت بينه وبين الوهابيّة مجموعة من المناظرات بعنوان ( ابن تيمية صوفي ).

٢ ـ حوارات ، الشيخ معتصم السوداني : ٣٣ ـ ٨٠.


المناظرة السادسة والأربعون

مناظرة

الشيخ معتصم السوداني مع شيخ السلفيّة في صفات الله

تعالى والطريق الذي يجب أن تسلكه الأمّة بعد رسول الله 6

يقول الشيخ معتصم السوداني : وبعد تلك الأحداث مباشرةً ، سافرت إلى شمال السودان ، مدينة ( مروي ) وأول ما لاحظته في تلك المنطقة النشاط الوهابي المتزايد ، وبعد ما استطلعت الأمر وجدت أنّ المؤثِّر الأول في ذلك النشاط هو شيخ يسمّى ( مصطفى دنقلا ) ، وهو يسكن في منطقة بالقرب من مروي تسمّى ( الدبيبة ) فسعيت للوصول إليه ، وذات مرَّة ذهبت إلى سوق شعبيٍّ في منطقة تسمّى ( تنقاسي ) فأشار لي أحد الإخوان ـ وكان مرافقاً لي ـ أن ذلك الرجل هو ( مصطفى دنقلا ) الذي تسأل عنه ، فأسرعت إليه ، وبعد السلام قلت له : أنا شخص غريب عن هذه المنطقة ، وهدفي الوحيد في هذه الحياة هو البحث عن الحقيقة ، وسمعت أنك من أكبر المشايخ في المنطقة ، فأحببت أن أستفيد من علمك.

فاستبشر بذلك ، وأمسك يدي وقال : تعال ولا داعي للمواعيد ، وجلسنا في منطقة هادئة من السوق.

فقلت له قبل الدخول في البحث : في أيِّ موضوع يجب أن نتفق على


أساليب الحوار ، والأخذ والعطاء ، فإن أسلوب التلقين ليس مجدياً في حقي ، فإنّ العقيدة التي تقوم على الحوار والنقاش ، والدليل والبرهان ، عقيدة صلبة لا تزلزلها العواصب.

قاطعني قائلا : وهذا ما ندعو إليه.

فقلت : إذن ، ما هي نظرة الإنسان الباحث للإسلام؟

هل يعتبر أنّ الإسلام هو ذلك الذي يكون في بيئته ومجتمعه ، أم أنه أوسع من ذلك فيشمل الإسلام بشتّى مدارسه ومذاهبه الحاضرة أو التي كانت في التاريخ؟

وهذه النظرة الشاملة ، هي التي تكسب الإنسان نوعاً من الحرّيّة ، تمكِّنه من معرفة الطائفة المحقّة ؛ لأنها المقدِّمة للتحرّر من كل قيود البيئة والمجتمع ، كما أن هذه النظرة تكسب الإنسان نوعاً من الإنصاف ، في التعاطي مع الأطراف المتعدِّدة ، ومن هنا أطلب منك أن لا تحاكمني بمسلَّماتك باعتبار أنها حقيقة ؛ لأنّها لابد أن تثبت بالدليل أوَّلا ، ثمَّ تكون صالحة للمحاكمة ، كما يقولون ( ثبِّت العرش ، ثم انقش عليه ) كما أنني لا أقبل منك أن تجعل الموروث الديني والحالة الدينيّة في المجتمع هي الحاكم بيننا ؛ لأن المجتمع السوداني وإن كان مجتمعاً متدِّيناً ، إلاَّ أنه لا يكون ممثِّلا لكل المذاهب الإسلاميّة ، فما هو إلاَّ حالة واحدة من تلك الحالات المتعدِّدة ، وهي نفسها لا تدّعي أن مجتمعنا قد استوعبها بشكل كامل.

إذن لابد أن نحدِّد مقاييس ثابتة تكون هي مدار حجّتنا ، وملزمة للطرفين ، وعلى ما يبدو أنّنا يمكن أن نتفق على القرآن والسنّة والعقل ، رغم أنّ السنّة حجّيّتها ليست مكتملة ؛ لأننا سوف نعتمد على مرويَّات مدرسة واحدة ، وهم


أهل السنّة ، مع العلم أنّ هناك مدارس أخرى لها مرويَّاتها الخاصة ، ولكن من أجل الوصول إلى الفائدة يمكن أن نعتمد على مصادرهم.

استغرب الوهابي كثيراً من هذا الكلام ، وهو لا يدري إلى أيِّ طريق أسلك به ، ولكنه وافق على ما قلت ، مع علمي الكامل أنه لا يلتزم به.

فقلت له : إذن نبدأ البحث ، وسوف ينحصر في التوحيد وصفات الله ، ثمَّ في الطريق الذي يجب أن تسلكه الأمَّة من بعد رسول الله 6 ، فإذا تكرّمت شيخنا ، وبدأت بالكلام.

فابتدأ الشيخ قائلا : إنّ الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستهديه ، ونستغفره ، وإنّ شرّ الأمور محدثاتها ، وكلّ محدثة بدعة ، وكلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة في النار ، وأصلّي وأسلّم على سيِّدنا محمّد ، وعلى أهله ، وأصحابه أجمعين ، وبعد ، قال رسول الله 6 : افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلاَّ واحدة ، فقيل : ما هي يا رسول الله؟ قال : ما كنت عليه أنا وأصحابي (١).

وقد بيّن الرسول 6 بهذا الحديث أنّ الفرقة الناجية هي واحدة ، وباقي الفرق كلُّها في ضلال ، وإلى النار، وكمابيّن رسول الله6أنّ الفرقة الناجية هي ما كان عليه رسول الله6وأصحابه ، وهذا بيان صريح من الرسول6 على أن الفرقة الناجية هم السلف الصالح ومن تبع نهجهم ، وهذا كاف لناكمكلَّفين أن نتبع منهج السلف ، ولا نهتمُّ بمذاهب الضلال ، فالطائفة المحقّة هم أهل السنّة

__________________

١ ـ تقدمت تخريجاته في المناظرة الخامسة والأربعين.


والجماعة ، وهم أكثر الطوائف اعتدالا ؛ لأنها سلّمت بما جاء به الرّسول 6 وصحابته الكرام ، ولا نريد أن نخوض في الطوائف الأخرى ، ونوضح مدى ضلالها ، فمجرَّد معرفة الطائفة المحقّة كاف للحكم على البقيَّة بالضلالة.

الصفات الإلهية عند السنة والشيعة

أمَّا صفات الله سبحانه وتعالى ، فعلى حسب قول الطائفة المحقّة ، إنّ هذه الصفّات التي أخبر بها القرآن ، نجريها كما جاءت من غير تأويل ، فمثلا قوله تعالى : ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) (١) فلا يمكن أن نؤوِّل معنى اليد ، وفي الوقت نفسه لا نثبت لها معنى خاصاً ، فلا نقول إنّ يد الله تعني قدرته ؛ لأنه لا دليل على ذلك ، وإنما نثبت لله يداً من غير كف ، وهذا ما قال به السلف الصالح ، فلم يرو منهم على الإطلاق رأي مخالف لما قلناه ، وهذا دليل على صواب هذا الرأي ؛ لأن السلف أقرب الناس إلى رسول الله 6 ، وأعلم الناس بالقرآن ، وعدم اختلافهم دليل على صدق قولهم ، أمَّا الطوائف الأخرى فقد ذهبت بعيداً في آيات الصفات ، فكل طائفة تؤوِّلها على حسب هواها ، فالقائلون بالتأويل لم يتفقوا على معنى معيَّن ، وهذا وحده دليل على البطلان ، فيتحتَّم أن يكون الطريق أمامنا هو إجراء هذه الصفات كما جاءت من غير تأويل ، وكما قال السلف في مثل هذا المقام : ( الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والسؤال عنه بدعة ) ولا أعتقد أن إنساناً يخاف الله ويطلب الحق يجادل في هذه المسألة.

استفزّتني هذه الكلمة ، فقاطعته قائلا :

__________________

١ ـ سوره الفتح ، الآية : ١٠.


أولاً : إنّ الطائفة المحقّة هم أهل السنّة ؛ لأنهم ساروا على منهج السلف ، وذلك لقول رسول الله6إنّ الفرقة الناجية « ما كنت عليه أنا وأصحابي » ، فإنّ الموضوع أوسع من المدّعى ، وبصورة أخرى : إن الصغرى غير تامّة ، فمن الذي يقول : إنّ الذي عليه أنتم هو نفس ما كان عليه رسول الله 6 وأصحابه؟!

وكون أهل السنة هم الطائفة الوحيدة ، التي جسَّدت ما كان عليه رسول الله 6 وأصحابه ، هذه مصادرة من غير دليل ؛ لأن كل الطوائف تدّعي وصلا بليلى.

وثانياً : الاختلافات الكبيرة جدّاً بين أهل السنّة هي دليل على بطلان ما تدّعي ، فليس هناك في الواقع مذهب واحد متكامل يسمَّى أهل السنّة ، وكل ما هنالك عنوان يسمّى أهل السنة ، تنطوي تحته مجموعة من المدارس ، التي تختلف في أبسط المسائل الفقهيّة ، بل حتى في طريقة التعامل مع السلف ، فأيّ أهل السنّة والجماعة تقصد؟ هل هم الوهابية؟ ويوجد هنالك من يدّعون أنهم أهل السنّة ويكفِّرون الوهابيِّة ، فلا تعمّم الكلام ، ولا تحاول أن تلزمني بالعناوين الفضفاضة.

أمَّا كلامك في الصفات الإلهيَّة فيكتنفه نوع من الغموض ، فما معنى أن نثبت لله ما أثبته لنفسه من غير كيف؟! فهذا التبرير لا يقبله صاحب عقل سليم ؛ لأنّ الجهل بالكيفيّة لا يغيّر عنوان القضيّة ، وهو لا يتعدَّى أنّ يكون إبهاماً وألغازاً ؛ لأنّ إثبات هذه الألفاظ هو عين إثبات معانيها الحقيقيّة ، وصرفها عن معناها الحقيقي هو عين التأويل الذي أنكرته ، وإثبات المعنى الحقيقي لها لا ينسجم مع عدم الكيفيّة ؛ لأن الألفاظ قائمة بمعانيها ، والمعاني قائمة بالكيفيّة ، وإجراء هذه الصفات بمعانيها المتعارفة هو عين التجسيم والتشبيه ، والاعتذار بقولك : ( بلا


كيف ) لا يتعدّى أن يكون لقلقة لسان ، وإذا كانت هذه الألفاظ الجوفاء تكفي لإثبات التنزيه لله عزّ وجلَّ فلا إشكال على من يقول : إن لله : جسماً بلا كيف ، ولا كالأجسام ، وله دم بلا كيف ، ولحم وشعر و ... بلا كيف ، كما قال أحد الحشوية : ( إنما استحييت عن إثبات الفرج واللحية ، واعفوني عنهما ، واسألوني عمَّا وراء ذلك ) كما ذكرها الشهرستاني في الملل والنحل.

وإنَّما مشكلتكم هي التقليد في العقائد من غير تفكير ، مع أن التقليد في باب العقائد لا يجوز ، فإذا فكَّرت جيِّداً فيما نسبته للسلف من قولهم : ( الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والسؤال عنه بدعة ) تجد أنّ هذا الكلام متهافت لأبعد الحدود ؛ لأنّ الاستواء إذا كان معلوماً فالكيف بالتالي يكون معلوماً ، وإذا كان الكيف مجهولا فكذلك الاستواء يكون مجهولا ، ولا ينفصل عنه ، فالعلم بالاستواء هو عين العلم بالكيفيّة ، والعقل لا يفرِّق بين وصف الشيء وبين كيفيّته ؛ لأنهما شيء واحد ، فإذا قلت : فلان جالس فعلمك بجلوسه هو علمك بكيفيّته ، فعندما تقول : الاستواء معلوم فنفس العلم بالاستواء هو العلم بالكيفيّة ، وإلاَّ فيكون في كلامك تناقض ، بل هو التناقض بعينه ، فكل تبرير بعدم الكيف مع إجراء المعاني الحقيقيَّة للألفاظ هو تناقض وتهافت ، فقولك : إن لله يداً بلا كيف ، كلام ينقض آخره أوَّله ، والعكس ؛ لأن اليد بالمعنى الحقيقي لها تلك الكيفيّة المعلومة ، ونفي الكيفيّة منها هو نفي لحقيقتها.

الصفات الإلهية عند السلف والمفسرين

قاطعني قائلا : ماذا نفهم من هذا الكلام؟ هل تخالف السلف الصالح ، وتؤوِّل هذه الآيات؟


قلت : أولا : إنّ مجرَّد نسبة هذه الأفكار إلى السلف لا يكسبها قدسيّة يمنعها من النقاش.

ثانياً : إن السلف الذين تدّعي اتباعهم لم يقولوا ما قلت ، بل كانوا يوجِّهون تلك الآيات القرآنيّة التي جاءت في باب الصفات غير توجيهكم ، وفي الواقع إن نسبة هذه الأفكار إلى ابن تيمية وابن عبد الوهاب أقرب وأصدق من نسبتها إلى السلف ، وحتى تتأكَّد من ذلك ارجع إلى أيِّ تفسير من التفاسير المأثورة في باب الصفات ، لتجد تأويلات السلف واضحة لهذه الآيات.

جاء في تفسير الطبري ، في تفسر قوله تعالى : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) (١) التي اعتبرها ابن تيمية من أعظم آيات الصفات ، نجد أن الطبري يروي حديثين بإسناد إلى ابن عباس قال : اختلف أهل التأويل في معنى الكرسي ، فقال بعضهم : هو علم الله تعالى ذكره ، وذكر من قال ذلك بإسناده أن ابن عباس قال : كرسيُّه علمه ، ورواية أخرى بإسناده عن ابن عباس قال : كرسيُّه علمه ، ألا ترى : ( وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا ) (٢).

وفي تفسير الطبري نفسه ، ينقل في تفسر قوله تعالى : ( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) يقول : اختلف أهل البحث في معنى قوله : وهو العليُّ العظيم ، فقال بعضهم : يعني بذلك هو عليٌّ عن النظير والأشباه ، وأنكروا أن يكون معنى ذلك هو : العلي المكان ، وقالوا : غير جائز أن يخلو منه مكان ، ولا يعني بوصفه بعلوِّ المكان ؛ لأن ذلك وصف بأنه في مكان دون مكان.

__________________

١ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢٥٥.

٢ ـ تفسير الطبري : ٣/٩٢٧.


وإليك شاهداً آخر في تفسير قوله تعالى : ( كُلُّ شَيْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) (١) وقوله : ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالاِْكْرَامِ ) (٢).

قال الطبري : واختلف في معنى قوله : ( إلاَّ وجهه ) ، فقال بعضهم : كل شيء هالك إلاَّ هو ، وقال آخرون : معنى ذلك : إلاَّ ما أريد به وجهه ، واستشهدوا بقول الشاعر :

أستغفر الله ذنباً لست محصيه

ربّ العباد إليه الوجه والعمل

وقال أبو البغوي : إلاّ وجهه ؛ أي إلاَّ هو ، وقيل : إلاَّ ملكه ، قال أبو العالية : إلاَّ ما أريد به وجهه.

وفي الدرّ المنثور للسيوطي عن ابن عباس قال : المعنى : إلاّ ما يريد به وجهه ، وعن مجاهد : إلاّ ما أريد به وجهه ، وعن سفيان : إلاَّ ما أريد به وجهه من الأعمال الصالحة (٣).

هذا قول السلف ، وأنا لم أخالف قولهم ، بل أنتم الذين تخالفونهم ، وتنسبون لهم ما ليس فيهم.

ثالثاً : نحن لا ندعو إلى التأويل في مثل هذه الآيات ، فلا يجوز صرف ظاهر الكتاب والسنّة بحجّة أنها تخالف العقل ، فلا يوجد في القرآن والسنّة ما يخالف العقل ، وما يتبادر من الظاهر أنه مخالف ليس بظاهر ، وإنما يتخيَّلونه ظاهراً.

ولتوضيح ذلك لابد أنّ تفهم أن اللغة في مدلولها تنقسم إلى قسمين :

__________________

١ ـ سورة القصص ، الآية : ٨٨.

٢ ـ سورة الرحمن ، الآية : ٢٧.

٣ ـ الدرّ المنثور ، السيوطي : ٥/١٤٠.


١ ـ دلالة إفراديّة.

٢ ـ دلاله تركيبيّة.

أو كما يسمّيها علماء المنطق والأصول دلالة تصوُّريَّة ودلالة تصديقيّة.

فقد يختلف المعنى الإفرادي عن المعنى التركيبي في الكلمة الواحدة ، إذا وجدت قرائن في الجملة تصرفها عن معناها الإفرادي ، فمثلا : عندما أقول : ( أسد ) ينصرف الذهن إلى الحيوان ، ولكن عندما أقول : أسد يقود سيارة فإن الذهن سينصرف إلى الرجل الشجاع ، فمعنى أيِّ كلمة لابد أن يلاحظ فيه السياق والقرائن المتصلة والمنفصلة ، وهذا هو ديدن العرب في فهم الكلام ، ولذلك الذي يفهم بهذه الطريقة لا يسمَّى مؤوِّلا للنصّ ، خارجاً عن الظاهر ، وهكذا الحال في مثل هذه الآيات ، ففي قوله تعالى : ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) فيكون المعنى الظاهر من اليد هي القدرة والتأييد الإلهي من غير تأويل ، كالذي يقول : البلد في يد السلطان ، أي تحت تصرفه وإدارته ، ويصح هذا القول وإن كان السلطان مقطوع اليد ، وكذلك في بقيَّة الآيات فلا يمكن أن تثبت معنى الكلمة من غير ملاحظة السياق ، وهذا هو الأخذ بالظاهر بعينه.

بدأت الحيرة على وجه الوهابي ، وهو لا يدري ماذا يقول ، إلاَّ أنه قاطعني قائلا : هذا الكلام فيه تكلُّف ومراوغة ، فالإسلام دين يسر ، ولا يحتمل هذه السفسطة ، فقد خاطب علماؤنا المسلمين بأبسط الكلمات من غير تعقيد وتكلُّف ، وقد أجمع المسلمون على فضلهم وأعلميَّتهم ، مثل : الإمام أحمد بن حنبل ، وشيخ الإسلام ابن تيميّة ، فإنهم بتوفيق الله ردُّوا على أصحاب المذاهب الباطلة بأوضح البراهين ، ولم يقولوا كلمة واحدة مما قلت ، مع أنهم لا يجرأ على مخالفتهم أحد.


فمن أنت؟ وما هو مذهبك؟ فإنّي لا أراك إلاَّ من المعتزلة الذين يتمنطقون بالكلام.

يا شيخنا! ألم أقل لك إنّك تجترُّ ما قاله ابن تيميّة ، وابن عبد الوهاب ، من غير تدبر؟ فإن هؤلاء كلامهم لا يتجاوزهم ، وهو حجّة عليهم لا علينا ، وخصَّ الله سبحانه كل إنسان بعقل ، ولا يحاكمنا بعقولهم ، هذا بالإضافة إلى أن هؤلاء لم يكونوا موضع إجماع الأمّة ، فقد خالفهم جلُّ علماء المسلمين ، وكان أكثر مخالفيهم من علماء أهل السنّة والجماعة.

رأي الذهبي وابن حجر في ابن تيمية

قال الذهبي في رسالته لابن تيمية : يا خيبة من اتّبعك ، فإنه معرَّض للزندقة والانحلال ، ولا سيَّما إذا كان قليل العلم والدين ، باطنيّاً شهوانيّاً ، فهل أتباعك إلاَّ قعيد مربوط خفيف العقل ، أو عاميٌّ كذَّاب بليد الذهن ، أو غريب واجم قويُّ المكر ، أو ناشف طالح عديم الفهم؟ فإن لم تصدِّقني ففتِّشهم وزنهم بالعدل ) (١).

وجاء في الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني : ج١ ص ١٤١ : ( فمن هنا وهناك ردوّا عليه ـ يعني ابن تيمية ـ ما ابتدعته يده الأثيمة من المخاريق التافهة ، والآراء المحدثة الشاذّة عن الكتاب والسنة والإجماع والقياس ، ونودي عليه بدمشق : ممن اعتقد عقيدة ابن تيمية حلَّ دمه وماله ).

__________________

١ ـ السيف الصقيل ، السبكي : ٢١٨ ، التوفيق الرباني : ٢٠٦ ، ذيل تذكرة الحفاظ ، الذهبي : ٣٢٠ ( في الهامش ).


هذا ، غير عشرات الكتب التي ردَّت على ابن تيميَّة وكشفت عقائده الباطلة ، مثل كتاب ( الدرر المضيّة في الردِّ على ابن تيمية ) للحافظ عبدالكافي السبكي.

ويكفيك في هذا المقام ما قاله الحافظ شهاب الدين ابن حجر الهيثمي في ترجمته لابن تيمية : ( ابن تيمية عبدٌ خذله الله ، وأضلّه ، وأعماه وأصمّه وأذلّه ، بذلك صرَّح الأئمة الذين بيَّنوا فساد أحواله ، وكذّبوا أقواله ) (١).

هذا غيضٌ من فيض من علماء أهل السنة في ابن تيمية ، أمَّا الطوائف الأخرى فمجمعون على ضلاله وسخافة رأيه.

أمَّا ابن عبد الوهاب فإنه لا يمثّل شيئاً حتى يخصّ بالكلام.

الدعوة إلى المباهلة

وهنا رفع صوته صارخاً : من أين تأتي بهذا الكلام؟! ... وأنا لا أسمح لك أبداً أن تتحدَّث بهذه الطريقة عن علمائنا العظام ، وما أنت إلاَّ رجل مجادل تماري العلماء ، فمن تكون أنت مقابل شيخ الإسلام ابن تيمية؟!

فاسمع : إذا كنت صادقاً فيما تقول تعال لنتباهل ، وانتصب واقفاً وقال : قم أيُّها المفتري ، قم حتى تباهلني ، والله إني أراك وقد خسف الله بك الأرض.

وهو على هذا الصراخ حتى اجتمع الناس حولنا ، وهو يقول : إنّه رافضيٌ ، إنّه شيعيٌّ ، وقد خدعني بعدما ظننت فيه الخير.

قلت : اهدأ أيُّها الشيخ ، والله إنّي لا أراك إلاَّ هارباً من الحوار ، فلم نتحدَّث بعد عن عدالة الصحابة.

قال : اسكت ، إنّ الصحابة عدالتهم أوضح وأكبر من أن نختلف فيها ، وإن

__________________

١ ـ الفتاوى الحديثية ، ابن حجر : ١١٤ ، الغدير ، الأميني : ٣/٢١٧.


كنت تؤمن بما تقول قم وباهلني.

قلت : أنا موافق على المباهلة ، ولكن قبلها أريد أن أطلب منك طلباً أمام كل الحضور ، وهو أن تقيم معي مناظرة علنيّة أمام جميع أهل هذه البلد ، حتى لا يبقى لوجودك ولا لوجود أمثالك أثر.

أمَّا المباهلة ، أتهدّدني أنت بالمباهلة وقد باهل رسول الله 6 بأئمتي نصارى نجران؟ والله لو أقسمت على الله بحقّهم لمسخت قرداً يلعب بك الصبيان ، ولكن نحن لا نختبر ربَّنا ، إنما الله هو الذي يختبرنا.

ووقفت قائماً وقلت : هيَّا ابدأ بالمباهلة ، فبدأ الخوف على وجهه.

ابدأ ، لماذا سكتَّ؟

قال : أباهلك على البخاري ومسلم ، فضحكت ، وانتهرته .. يا أحمق ، ما البخاري ومسلم ، حتى نتباهل حولهم؟ وإنما أباهلك بأن مذهب التشيُّع ـ مذهب أهل البيت ، الأئمة الاثني عشر 7 ـ هو الحق ، وما غيره باطل.

فسكت ثمَّ قال : أنا لا أباهلك في أهل البيت :.

وعلى أيِّ شيء نتحدّث؟ أعلى غير إمامة أهل البيت 7؟

قال : أنا لا أباهلك رحمةً بك ، وانصرف.

قلت : سبحان الله! فإن الراحم هو الله ، كيف ترحمني وعندكم هذا من مصاديق الشرك (١)؟

__________________

١ ـ حوارات ، الشيخ معتصم السوداني : ٨١ ـ ٩٤.


المناظرة السابعة والأربعون

مناظرة

الشيخ معتصم السوداني مع الدكتور عمر مسعود

في صلح الإمام الحسن 7 وحديث الثقلين

قال الشيخ معتصم السوداني : بعد رجوعي من مدينة ( مروي ) وأنا في طريقي إلى الخرطوم ، مررت بجامعة وادي النيل ، كلّيّة التجارة ، فالتقيت بالدكتور عمر مسعود ، ودار بيني وبينه حوار حول صلح الإمام الحسن 7 مع معاوية.

الدكتور : أنتم تقولون : إنّ الإمام الحسن 7 معصوم ، ونحن نقول : إنه من الصحابة العظام ، ومرتبته عالية عند كل المسلمين ، ولكنه غير معصوم ، وهذه هي النظرة الصحيحة ؛ لأنّ القول بعصمة الإمام الحسن 7 مع أنه صالح معاوية فيكون هذا الصلح أعطى الشرعيّة لمعاوية .. أمَّا إذا قلنا ـ على حسب ما نرى ـ إنه رجلٌ مجتهد اجتهد وأخطأ ، فله أجر الاجتهاد ، ولا يستلزم ذلك أن نحمِّله ما جرى ، وهذا يدلُّ على أن أهل السنّة تقدِّس الإمام الحسن 7 أكثر من الشيعة ..

قال الشيخ معتصم : لم أفهم ما هو وجه الملازمة بين أن يكون الإنسان معصوماً ، وبين أن نحمِّله ذنب الآخرين.

قال الدكتور عمر مسعود : أنا لم أقل ذلك على إطلاقه ، وإنما بخصوص


حادثة محدودة ، وهذه الحادثة غيَّرت مسار الأمّة الإسلاميّة ، فالملازمة موجودة ، فإذا لم يصالح الإمام الحسن 7 وثار كما ثار أخوه الحسين 7 لكان مصير الأمَّة غير الذي كانت عليه ، بل كان بإمكانه أن يجلس في بيته كما فعل عبدالله بن عمر وغيره ، ولا يصالح ولا يبايع.

قال الشيخ معتصم : أولا : هذا الكلام خلاف الفرض ، فإذا ثبتت عصمته فيكون كل ما يفعله هو عين الصواب ، سواء صالح أو حارب ، والمعصوم لا يحاسب.

ثانياً : هناك مهم وأهم ، وتزاحم في المصالح ، فحكم الإمام الحسن 7 مصلحة ، والحفاظ على بيضة الإسلام مصلحة ، فصلح الإمام 7 هو تقديم مصلحة الحفاظ على بيضة الإسلام على مصلحة حكمه (١) ، خاصة أن الظروف كانت تعاكسه تماماً بعد أن خذله جماعته ، وهرب منه قادة جيشه ، كما حدث لنبيِّ الله هارون 7 عندما جعله موسى 7 خليفة على بني إسرائيل ، فأضلّهم السامريُّ ، وعبدوا العجل ، فصبر هارون على ذلك لمصلحة عدم التفريق بين بني إسرائيل ، قال تعالى : ( قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ) (٢).

قال الدكتور : هذا الكلام ضعيف جداً ، ويمكن أن يقال كتبرير لاجتهاده

__________________

١ ـ روى أبو الحسن المدائني ، قال : خرج على معاوية قوم من الخوارج بعد دخوله الكوفة وصلح الحسن 7 له ، فأرسل معاوية إلى الحسن 7 يسأله أن يخرج فيقاتل الخوارج ، فقال الحسن : سبحان الله! تركت قتالك وهو لي حلال لصلاح الأمَّة وألفتهم ، أفتراني أقاتل معك! راجع : شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٦/١٤.

٢ ـ سورة طه ، الآية : ٩٤.


الخاطئ إذا قلنا بالرأي الثاني ، إنّه اجتهد وأخطأ ، وسبب اجتهاده وخطأه هو ما ذكرته ، فكلامك ينسجم مع القول الثاني لا القول بالعصمة.

قال الشيخ معصتم : .. ولكن هذا لا ينفي أن يكون معصوماً ، خاصة أنّ عصمته ثابتة بالقرآن والسنة وبحكم العقل ، وبعد ثبوت العصمة لا يمكن أن يقدح فيها لوجود حادثة لم تفهم مقاصدها ، وإلاَّ يعتبر خلفاً.

قال الدكتور : خُلف بالنسبة لكم ، أمَّا نحن فلا نسلِّم بالعصمة.

قال الشيخ معتصم : إذن يتحدَّد النقاش ويتعيَّن في مسألة العصمة والأدلّة عليها ، أمَّا صلح الإمام الحسن 7 فلا يكون كافياً لإثبات العصمة أو نفيها ، وخاصَّة أنه كان صلح المغلوب على أمره ، وليس هو كعبد الله بن عمر ، فإنّ عبدالله لا يشكِّل خطراً على الدولة الأمويّة كالإمام الحسن 7 ، ولذلك كان أخذ البيعة منه من أهمِّ الأمور ، حتى وإن لم يبايع كل المسلمين ، فبالتالي لا يكون هنالك ملازمة بين صلحه وما جرى على المسلمين في العهد الأموي ؛ لأنه لا خيار غيره.

قال الدكتور : هذا الكلام غير مقنع وكاف ، وكل الشيعة يقولون بالظروف.

وفي هذه الأثناء دخل عينا الدكتور أبشر العوض ، وهو متخصِّص في علم الحديث ، وقد كان أستاذي في الجامعة في علم مصطلح الحديث ، فما إن رآني حتى سلَّم عليَّ ببشاشة ، وقال : أين هذه الغيبة الطويلة؟

وقبل أن أجيب تدخَّل الدكتور عمر قائلا : معتصم الآن صار من الشيعة الكبار ، وقد درس في الحوزة العلميّة ، وله كتاب اسمه « الحقيقة الضائعة ».

قال الدكتور أبشر : وما هي المواضيع التي تناقشها في هذا الكتاب؟

قلت : موضوعه هو الخلاف بين السنّة والشيعة ، وقد أثبتُّ فيه ممَّا لا يدع


مجالا للشك أن الشيعة هي الطائفة المحقّة ، وغيرها باطل وضلال.

وهنا تدخَّل الدكتور عمر قائلا : أيّ فرقة في الشيعة تقصد؟ الزيديّة ، أم الإماميّة ، أم الإسماعيليّة؟ فالفرق الشيعيّة متعدِّدة ، فأيُّها الحقُّ؟

قال الشيخ معتصم : سماحة الدكتور! بغضّ النظر عن هذه التفاصيل ، فنحن الآن أمام إطار عام وعناوين مجرّدة ، وبعد تجاوزها يكون المجال مفتوحاً لمناقشة التفاصيل ، والإطار العام هو وجوب اتّباع أهل البيت : والأخذ عنهم ، ويمكننا أن نثبت هذا الإطار بشتّى الطرق ، سواء كان قرآناً أو سنّة ، ويكفيك مفارقة واحدة بين السنّة والشيعة ، وهو أخذ الشيعة بحديث : إني تارك فيكم ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلُّوا بعدي أبداً ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي (١) ، وتمسّك أهل السنة بحديث « كتاب الله وسنّتي » وهذا الشاهد كاف في الحكم بأحقّيّة الشيعة ، وبطلان أهل السنّة في هذه الحيثيّة ، وهكذا يمكن أن نتدرَّج في بقيَّة المسائل.

وهنا واصل الدكتور عمر قائلا : إنّ حديث العترة نؤمن به ، ولكن لا نفهم منه ما فهمته الشيعة ، فإنّ الحديث يدلّ على التمسُّك بالقرآن فحسب.

قال الشيخ معتصم : قلت : سبحان الله! إنّ واو العطف في الحديث واضحة « كتاب الله وعترتي » هذا بالإضافة إلى قول رسول الله 6 : « الثقلين » ، « ما إن تمسَّكتم بهما ».

عارضني قائلا : ليس كل واو دالة على العطف ، فإن للواو معاني عدَّة ، ولقد كتبت رسالة خاصة في هذا المورد.

__________________

١ ـ تقدَّمت تخريجاته في المناظرة الخامسة.


قال الشيخ معتصم : لا خلاف في ذلك ، ولكن معنى كل حرف يعرف من خلال السياق العام للجملة ، فسياق الحديث واضح في العطف في قوله « الثقلين » ، و « ما إن تمسَّكتم بهما » كافية لإثبات المدّعى ، وهو وجوب اتباع أهل البيت :.

قال الدكتور : على العموم ، ليس لنا اعتراض على مذهب أهل البيت:، ونحن نعتقد أنّه الحقُّ ، ولكنّه لم يتعيَّن لنا ، ولو تعيَّن لكنت أول الناس اتّباعاً له.

قال الشيخ معتصم : قلت : لماذا تتبعه؟

قال الدكتور : لأنّه الحقُّ.

قال الشيخ معتصم : قلت : وما عليه أنت الآن؟! فإذا كان مذهب أهل البيت : فقد تعيَّن لك ، وإن كان لا ، فإذن أنت على ضلالة ، بحكمك على نفسك.

قال : هذه سفسطة!

وفي هذه الأثناء استأذن الدكتور أبشر ، وأخذ يتحدَّث مع الدكتور عمر في موضوع جانبيٍّ ، فاستأذنته وخرجت ؛ لعلمي أنّه ليس هناك فائدة (١).

كلمة في صلح الإمام الحسن 7 وشروطه

إن الذي يعتقد بأن الإمام الحسن 7 إمام معصوم مفترض الطاعة يحكم بلا شك أن الإمام 7 لا يفعل إلاّ الصواب ، وليس للعبد إلاّ التسليم لإمامه ومولاه ، هذا وقد بين الإمام الحسن 7 من خلال كلماته الشريفة الأسباب التي

__________________

١ ـ ( حوارات ) للكاتب السوداني المستبصر ، الفاضل الشيخ معتصم السيّد أحمد السوداني : ٩٥ ـ ١٠٠.


دعته إلى الصلح ، فهو 7 الإمام المفترض الطاعة سواء كانت بيده الخلافة أم لم تكن ، وليس له غرض في الخلافة إلاّ إصلاح الناس ، ما أمكنه ذلك ، وهو نفس أبيه بين جنبيه ، وكما قال أبوه علي أمير المؤمنين 7 لابن عباس كما في نهج البلاغة ، لما دخل عليه وهو يخصف نعله قال له : ما قيمة هذا النعل؟ فقال له ابن عباس : لا قيمة لها ، فقال 7 : والله لهي أحب إلي من إمرتكم إلاّ أن أقيم حقاً أو أدفع باطلا (١) وقال 7 : لا تزيدني كثرة الناس حولي عزة ولا تفرقهم عني وحشة (٢).

فأهل البيت : ليسوا كسائر الناس الذين يقاتلون في سبيل الحكم ، والخلافة حتى ولو تعرض الناس إلى سفك دمائهم وانتهاك حرماتهم ، وهدر كرامتهم ، وإليك هنا بعض كلماته 7 في أسباب الصلح.

روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن أبي سعيد عقيصا قال : قلت للحسن ابن علي بن أبي طالب 7 : يا ابن رسول الله لم داهنت معاوية وصالحته ، وقد علمت أن الحق لك دونه وأن معاوية ضال باغ؟

فقال7: يا أباسعيد ألست حجة الله تعالى ذكره على خلقه ، وإماما عليهم بعد أبي 7؟ قلت : بلى ، قال : ألست الذي قال رسول الله 6 لي ولأخي : الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا؟ قلت : بلى ، قال : فأنا إذن إمام لو قمت ، وأنا إمام إذا قعدت ، يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله 6 لبني ضمرة وبني أشجع ، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية ، أولئك كفار بالتنزيل ، ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل ، يا أبا سعيد إذا كنت إماما من

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، خطب الإمام علي 7 : ١/٨٠ ، رقم : ٣٣.

٢ ـ نهج البلاغة ، خطب الإمام علي 7 ، رقم : ٣٦.


قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة ، وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا ، ألا ترى الخضر 7 لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى 7 فعله ، لا شتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي ، هكذا أنا سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة فيه ، ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلاّ قتل (١).

وروي أنه قال 7 أيضاً لما عاتبه بعضهم : ما أنا بمذل المؤمنين ولكني معز المؤمنين ، إني لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوة سلمت الأمر لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم ، كما عاب العالم السفينة لتبقى لأصحابها وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم (٢).

وعن أبي العريف قال : كنا في مقدمة الحسن بن علي 7 اثني عشر ألفا مستميتين حرصاً على قتال أهل الشام ، فلما جاء الحسن الكوفة أتاه شيخ منا يُكنى أبا عمر وسفيان بن أبي ليلى فقال : السلام عليك .. فقال 7 : لا تقل يا أبا عمرو ، فإني لم أذل المؤمنين ، ولكن كرهت أن أقتلهم في طلب الملك. خرجه أبو عمر (٣).

وعن جبير بن نفير قال : قدمت المدينة فقال الحسن بن علي 7 : كانت جماجم العرب بيدي يسالمون من سالمت ، ويحاربون من حاربت ، فتركتها

__________________

١ ـ علل الشرائع ، الصدوق : ١/٢١١ ح ٢ ، بحار الأنوار ، المجلسي : ٤٤/١ ح ٢.

٢ ـ تحف العقول ، ابن شعبة الحراني : ٣٠٨ ، بحار الأنوار ، المجلسي : ٧٥/٢٨٧.

٣ ـ ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : ١٣٩ ، تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : ١٠/٣٠٥ ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ٣/١٧٥ ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ١٣/٢٧٩ ، تهذيب الكمال ، المزي : ٦/٢٥٠.


ابتغاء لوجه الله تعالى ، وحقن دماء المسلمين. خرجه الدولابي (١).

وروى الدينوري عن علي بن محمّد بن بشير الهمداني ، قال : خرجت أنا وسفيان ابن ليلى حتّى قدمنا على الحسن المدينة ، فدخلنا عليه ، وعنده المسيب بن نجبة وعبدالله بن الوداك التميمي ، وسراج بن مالك الخثعمي ، فقلت : ( السلام عليك ... قال : وعليك السلام ، اجلس ، لست مذل المؤمنين ، ولكني معزهم ، ما أردت بمصالحتي معاوية إلاّ أن أدفع عنكم القتل عندما رأيت من تباطؤ أصحابي عن الحرب ، ونكولهم عن القتال ، ووالله لئن سرنا إليه بالجبال والشجر ما كان بد من إفضاء هذا الأمر إليه (٢).

وجاء في شرح النهج لابن أبي الحديد : التفت حجر بن عدي إلى الحسن 7 ، فقال : ... إنا رجعنا راغمين بما كرهنا ، ورجعوا مسرورين بما أحبوا. فتغير وجه الحسن 7 ، وغمز الحسين 7 حجرا ، فسكت ، فقال الحسن 7 : يا حجر ليس كل الناس يحب ما تحب ، ولا رأيه كرأيك ، وما فعلت إلاّ إبقاء عليك ، والله كل يوم في شأن (٣).

وجاء في كتاب الإمامة والسياسة من كلام له7في ذلك : ... ولكني أشهد الله وإياكم أني لم أرد بما رأيتم إلاّ حقن دمائكم ، وإصلاح ذات بينكم ، فاتقوا الله وارضوا بقضاء الله ، وسلموا لأمرالله ، والزموا بيوتكم ، وكفوا أيديكم (٤).

فالخلاصة نستفيد من مجموع هذه الكلمات الشريفة أن الأمور في زمانه

__________________

١ ـ ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : ١٣٩.

٢ ـ الأخبار الطوال ، الدينوري : ٢٢٠ ـ ٢٢١.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٦/١٥.

٤ ـ الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة الدينوري : ١/١٨٦.


وصلت حدا لا يمكن معها أن يزج بجيش أهل العراق في حرب مع معاوية مع كثرة المتخاذلين ، وتفشي الخلاف عليه ، وقلة الأنصار ، فكان حاله مختلف عما كان عليه الحال في زمن أبيه أميرالمؤمنين 7 ولهذا وجد 7 أن يصونهم عن سفك دمائهم ، والإبقاء عليهم خير من أن يعرضهم لأمر لا منفعة فيه ، وضرره بيِّن ، وقد أغرى معاوية ضعاف النفوس ، وشرى منهم أديانهم ، والناس تبع الدنيا أين ما مالت مالوا معها ، وكما قال سيد الشهدا أبو عبد الله الحسين 7 : إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه مادرت معائشهم ، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون (١).

والإمام الحسن 7 صالح ولكن بشروط ومواثيق أخذها على معاوية ، وهي كفيلة أن تعيد الحق إلى نصابه لو التزم معاوية بالوفاء بها ، ولكنه الغدر الذي ما نفك عن معاوية ابن آكلة الأكباد؟

قال العلاّمة الأميني عليه الرحمة : وأمَّا جنايات معاوية على ذلك الإمام المطهَّر فقد سارت بها الركبان ، وحفظ التاريخ له منها صحائف مشوّهة المجلى ، مسودّة الهندام ، فهو الذي باينه وحاربه ، وانتزع حقَّه الثابت له بالنصِّ والجدارة ، وخان عهوده التي اعترف بها عندما تنازل الإمام 7 له بالصلح حقناً لدماء شيعته ، وحرصاً على كرامة أهل بيته ، وصوناً لشرفه الذي هو شرف الدين. إلى أن قال :

فعهد إليه 7 أن لا يسبَّ أباه 7 على منابر المسلمين ، وقد سبَّه وجعله سنّة متبعة في الحواضر الإسلاميّة كلِّها ، وعهد إليه أن لا يتعرَّض بشيعة أبيه الطاهر بسوء ، وقد قتلهم تقتيلا ، واستقرأهم في البلاد تحت كل حجر ومدر ، فطنَّب عليهم الخوف في كل النواحي ، بحيث لو كان يقذف الشيعيُّ باليهوديَّة

__________________

١ ـ تحف العقول ، الحراني : ٢٤٥.


لكان أسلم له من انتسابه إلى أبي تراب سلام الله عليه.

وعهد إليه أن لا يعهد إلى أحد بعده ...

ولمَّا تصالحا كتب به الحسن 7 كتاباً لمعاوية صورته : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما صالح عليه الحسن بن علي 8 معاوية بن أبي سفيان ، صالحه على أن يسلِّم إليه ولاية المسلمين ، على أن يعمل فيها بكتاب الله تعالى وسنَّة رسول الله 6 وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين ، وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً ، إلى أن قال : وعلى أنَّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالى ، في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم ، وعلى أن أصحاب عليٍّ وشيعته آمنون على أنفسهم و أموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا ، وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه ، وأن لا يبتغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من بيت رسول الله 6 غائلة سرّاً وجهراً ، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق ، أشهد عليه فلان ابن فلان وكفى بالله شهيداً (١).

فلمَّا استقرَّ له الأمر ودخل الكوفة وخطب أهلها فقال : يا أهل الكوفة! أتراني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج؟ وقد علمت أنكم تصلُّون وتزكُّون وتحجُّون ، ولكنني قاتلتكم لأتأمَّر عليكم وعلى رقابكم ( إلى أن قال ) : وكل شرط شرطته فتحت قدميَّ هاتين (٢) (٣).

__________________

١ ـ الصواعق المحرقة ، ابن حجر : ٢٠٩ ـ ٢١٠ ، ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ٢/٤٢٥ ـ ٤٢٦ ح ١٩٣ ، كشف الغمّة ، الإربلي : ٢/١٩٣.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٦/١٤ ـ ١٥ ، مقاتل الطالبيين ، الإصبهاني : ٤٥.

٣ ـ الغدير : الأميني : ١١/٥.


أقول : كل إناء بما فيه ينضح ، فهل بعد هذا كله أترى عذراً لأُولئك الذين يدافعون عن معاوية ويلتمسون له الأعذار ، أو حينما يعدونه في جملة الصحابه الذين يُترضى عنهم ، وأنه أحد النجوم الذين ( بأيهم اقتديتم اهتديتم ) ومن كان هذا حاله في عدم الوفاء بالعهود ، واتخاذه الغدر سنة وعداوته لعترة الرسول 6 فهل يرتجى منه الهداية أو يهتدى به؟!


المناظرة الثامنة والأربعون

مناظرة

أم محمّد علي المعتصم السودانيّة

مع خالها وقصّة تشيُّعها

وطرق التشيُّع بابنا

الأستاذة السيِّدة أم محمّد علي المعتصم السودانيّة تحكي عبر هذا الحوار العلميِّ والموضوعيِّ والشيِّق مع خالها الشيعي قصة تشيُّعها وأخذها بمذهب أهل البيت : ، حاكية في بداية البحث ما انتابها من الهواجس والتفكير والحيرة في شأن التعرُّف على العقيدة الحقّة واتّخاذ القرار.

قالت في كتابها القيِّم ( من حقّي أن أكون شيعيّة ) : وفي غمرة تلك الهواجس التي تتزاحم على خاطري كان في بيتنا ازدحام من نوع آخر ، فقد بدأ الأهل بحزم أغراضهم بقصد السفر إلى قريتنا في شمال السودان ، فهناك مناسبة زواج ابن عمّي ، وفي تلك المناسبة تجتمع كل العائلة قادمة من كل مدن السودان ، فظروف العمل تفرّق البيت الواحد ، وتفصل الأحبّة عن الأحبّة ، خاصّة أن المسافات في السودان بين المدن كبيرة ، ويتعسّر على الأهل مقابلة بعضهم إلاَّ في بعض المناسبات.

ففرحة اللقاء بالأهل والأقارب أسكنت ذلك البركان الذي يتنفّس في


أعماقي ، وأزهرت الحياة من جديد في ناظري ، وفي طول الطريق لم أفكِّر إلاَّ في أخوالي وأعمامي وخالاتي وعمَّاتي ، لعلَّ بين أحضانهم الدافئة أطفي آلام الألم والشك والحيرة ، ولعلَّ ذكريات الطفولة بين بيوتات القرية االقديمة الواقعة بين ضفاف النيل وخضرة النخيل ، وبين السلسلة الجبليّة كأنه عقد التفَّ حول عنقها ليجعل منها عروساً للنيل ، أو يجعلها آية لسحر الطبيعة الفاتنة التي تجلَّى الباري في صنعها ، فلعل روحي تعشق جمال الخالق ، وتسرح به بعيداً فتنتابها جذبة صوفيٍّ تنكشف معه الحقيقة.

ثمَّ جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن ، وانكسرت تلك الريشة التي كادت أن ترسم لي عطلة بعيدة عن كل ما يهيج نفسي ، فصراع الأديان وصراع النفس مع الاختيار لم أكن أتوقَّع أن يلحقني في تلك القرية النائية ويطرق باب بيتنا ، ومن الطارق ياترى؟ شيء غير مألوف .. وشخص غير معروف .. من..؟ الشيعة .. نحن في السودان ، ليس في النجف أو طهران ... أم مع تغيُّر الزمان تتغيَّر أيضاً البلدان؟

لا .. لم تتغيَّر البلدان ، والطارق من السودان ، فهو خالي ، ومجموعة أخرى من أقاربي ، فقد كان صادق إحساسي ، فالتغيُّر الذي لا حظته في خالي في سلوكه وكلامه لم يكن معهوداً ، فقد كان شابّاً عصريّاً منفتحاً على الحياة ، كل ما كان يشغله دراسته الجامعيّة ، فتبدّلت تلك الصورة بهذه الصورة ناسكاً عابداً ، لا يتحدَّث إلاَّ في أمر الدين.

فقلت : أصدقني القول يا خالي ، أهو الدين الذي غيَّر ذاك الحال؟

قال : الشيعة.

قلت : ماذا؟

قال : الشيعة.


نعم. الشيعة .. فكانت تلك الكلمات هي صوت دقَّات الباب.

من هم الشيعة

استرسل خالي في الحديث مبِّيناً من هم الشيعة ، واضعاً إصبعه على أسس الخلاف بينهم وبين أهل السنّة ، ومدى أحقّيّتهم في هذا الخلاف ، فقد كنت لا أعرف عنهم إلاَّ أنهم هم الذين يدّعون بأن الرسول 6 بعد وفاته لم يترك الأمر شورى ، وإنّما قام بتعيين الإمام علي 7 الشرعي.

فقد أكَّد خالي أنّ الخلاف المذهبي هو خلاف في عمق آليات الفهم الدينيِّ ، ولذا كان إيمان الشيعة بأهل البيت : كمرجعيَّة معصومة لقطع الطريق أمام دواعي الخلاف الدينيِّ ، فالضرورة العقليّة قاضية بأن وحدة المرجعيَّة هي كفيلة بجمع الصفوف وحلِّ التباين ، فإذا كان الله حريصاً على هداية الناس ـ وهو كذلك ـ فقد أرسل الأنبياء والرسل وأيَّدهم بمعجزاته حرصاً على هداية الناس ، فلمَّا تجاهل هذه الحقيقة العقليَّة الحاكمة بضرورة وجود مرجعيَّة معصومة ، ألا يكون لنا حجَّة يوم القيامة إذا سألنا عن سبب تفرُّقنا إلى مذاهب ؛ بأن نقول : لم تجعل لنا علماً هادياً نقتدي به ونلجأ إليه ، كما كان يفعل الصحابة في عهد رسول الله 6؟

رأي الشيعة في منصب الإمامة

فجوهر الخلاف بين السنّة والشيعة في هذه النقطة المحوريّة ، حيث يدّعي الشيعة أن حكمة الله تقتضي أن ينصب لنا الله إماماً من بعد الرسول 6.

ألا تجدين في نفسك إن كان هناك ـ مثلا ـ عشرة أشخاص ينوون القيام


بعمل ما ، فإن كان هناك قائد من بينهم يلجأون إليه ، ويأتمرون بأمره ، ألا يكفل ذلك وحدتهم ، وجمع صفِّهم؟ أمَّا إذا كان كل واحد منهم يعمل برأيه فسوف ينقلب جميعهم إلى عشرة طرق ، كل فريق بما لديه فرح.

فنقطة بداية الخلاف بين السنّة والشيعة في هذا الأمر تمسُّك الشيعة بضرورة حكم العقل ، ولم يعترف السنّة بذلك الحكم.

ولا تعتقدي أن هذا الحكم العقليَّ بعيد عن الحكم الشرعيِّ ، فالقرآن قاض بهذا الحكم ، ألا يكفيك في هذا الأمر أن الله لم يوكل للبشر اختيار أنبيائهم ، بل هو الذي ينتجب ويصطفي من عباده ما يشاء ، فإن لم يكن للبشر خيرة في تنصيب من يخصّة الله بالنبوَّة والرسالة ، كذلك ليس لهم الخيرة في تعيين من يقوم بأمر دينه ، ألم يقل تعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (١)؟ فالجاعل هو الله ، فهذه هي سنَّة الله ولن تجد لسنّته تحويلا.

ثم إنّ أساس الخلاف في هذه الأمَّة هو فيما بعد الرسول 6 ، فأهل السنّة والشيعة متفقون بشكل ما على الإيمان بالله والرسول ، والخلاف كل الخلاف فيما بعد الرسول 6 ، وقد ذكرت لك أن الضرورة العقليَّة حاكمة في هذا الحال بأن يكون لنا إمام من بعد الرسول6، وقد حكم القرآن أيضاً بهذه الضرورة في قوله تعالى ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ )(٢)، فقد بيّنت هذه الآية ثلاثة محاور أساسيَّة وهي : الله ، والرسول 6 ، ووليُّ الأمر ، فلم تستثنِ هذه الآية موضوع الإمامة ، ممّا يعني أن الدين لا يكتمل إلاَّ بهذه المحاور الأساسيَّة ،

__________________

١ ـ سورة الأنبياء ، الآية : ٧٣.

٢ ـ سورة النساء ، الآية : ٥٩.


وإذا تدبّرت في هذه الآية بشكل أعمق تكتشفين حقائق أكثر بعداً.

فإذا نظرنا إلى لفظة ( أَطِيعُواْ ) نجد أنها تكرَّرت في الآية مرَّتين ؛ المرَّة الأولى توجب الطاعة ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ) من غير لفظة ( طاعة ) جديدة ، ويتحقّق بذلك المعنى ، ولكن هذه دلالة على الفرق بين الطاعتين ، فطاعة الله عبادة ، وطاعة الرسول 6 امتثال لأوامره ، هذا ما يقودنا إلى الاستفسار عن عدم تكرار لفظة الطاعة مرَّة ثالثة في أولى الأمر ، فلو استخدم القرآن لفظة ثالثة ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ( وأَطِيعُواْ ) أُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) لدلّل على الفرق بين الطاعتين ، وحين لم يستخدم ذلك بل عطف طاعة أولي الأمر على طاعة الرسول علمنا أن طاعة أولي الأمر هي عين طاعة الرسول 6 ، وهي طاعة على سبيل الجزم ، والحتم ، هذا ما يقودنا إلى حقيقة عميقة وهي عصمة أولي الأمر ، وإلاَّ كيف يأمرنا الله بالطاعة المطلقة لمن هو يرتكب المعاصي فيكون أمراً من الله بالمعصية التي نهى عنها ، فيجتمع بذلك الأمر والنهي في موضع واحد وهو محال؟

فتعيَّن بذلك عصمة أولي الأمر ، وبذلك يكون رسم الله لنا معياراً نتعرَّف به على ولاة أمورنا وهو العصمة ، وبهذا تسقط خلافة كل إمام ادّعى الخلافة وهو غير معصوم ، فالخلفاء الراشدون لم يدّعوا العصمة لأنفسهم فضلا على ادّعاء الآخرين ، فمن هذه النقطة الجوهرية انطلق الفهم الشيعيُّ يبحث عن ولاة الأمر الذين عصمهم الله من الخطأ ، ولم يجد الشيعة بنص القرآن غير أهل البيت: الذين طهّرهم الله من الرجس ، وقال تعالى في حقّهم: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ )(١) فقد حصر الله في هذه الآية أهل البيت:وخصّهم بالطهارة من كل

__________________

١ ـ سورة الأحزاب ، الآية : ٣٣.


رجس ودنس ، أو بمعنى آخر عصمهم من الخطأ.

وبمعرفة المعصومين نكون قد عرفنا من هم أئمتنا ، وولاة أمورنا في تلك الآية ، فتكون الطاعة واجبة على كل مسلم لله تعالى وللرسول 6 ولأهل البيت : ، وبذلك رسم لنا القرآن طريقنا من بعد الرسول 6 ، وهو موالاة أهل البيت : ومودّتهم كما أمر الله بقوله : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) ، ومن هنا جاءت الأحاديث متواترة عن رسول الله 6 توجب اتّباع أهل البيت : ، كقوله 6 : إنّي تارك فيكم ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض ، وعترتي أهل بيتي ، إنّ العليم الخبير أنبأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض .. (٢) فحصر هذا الحديث مسار الأمَّة من بعد الرسول 6 ، وهو في اتّباع الكتاب والعترة ، فعندما رأى الشيعة هذه النصوص تشيَّعوا لأهل البيت : وتابعوهم ، فالتشيُّع يعني اتّباع أهل البيت :.

ولا تتصوَّري أن الفكر الشيعي وليد ذهنيّة ابتكرت فكرة الإمامة في ظروف تأريخيّة معيَّنة ، وإنّما هو امتداد طبيعيٌّ لحركة الرسالة الإسلاميَّة ، وقد كان الصحابة الذين يوالون الإمام عليّاً 7 ـ أمثال : أبي ذر وسلمان والمقداد رضي الله تعالى عنهم ـ يسمُّونهم بشيعة عليٍّ 7 ، كما أكَّد الرسول 6 هذا المفهوم ، وجذّر هذا المصطلح في عقليَّة الأمَّة الإسلاميَّة بمجموعة أحاديث بشّر

__________________

١ ـ سورة الشورى ، الآية : ٢٣.

٢ ـ الطبقات الكبرى ، ابن سعد : ٢/١٩٤ ، كتاب السنة ، عمرو بن أبي عاصم : ٦٢٩ ـ ٦٣٠ ، السنن الكبرى ، النسائي : ٥/٤٥ ح ٨١٤٨ ، المستدرك ، الحاكم : ٣/١٠٩ ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وقد تقدَّم المزيد من تخريجات هذا الحديث الشريف.


بها شيعة عليٍّ 7 بالفوز بالجنّة ، وأكَّدت أنّهم هم الفرقة الناجية ، كقول رسول الله 6 : من أراد أن يحيى حياتي ، ويموت مماتي ، ويدخل جنَّة عدن التي وعدني ربّي ، فليوال عليَّ بن أبي طالب من بعدي ، ويوال وليَّه ، ويقتدِ بأهل بيتي ، فإنّهم خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي ، ويل للقاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي (١) ، وقول الرسول 6 : يا علي! أنت وشيعتك على منابر من نور ، مبيضّة وجوههم حولي في الجنّة ، يا علي! أنت وشيعتك هم الفائزون (٢).

وغيرها من الأحاديث التي رسمت للأمَّة طريقها.

فهذا هو التشيُّع باختصار ، وأنا أدعوك إلى التأمُّل فيما قلته لك ، ويكون الحوار بيننا ممتدّاً.

كلمات في الصميم وأدلة مقنعة

توقَّف الزمن أمامي وأنا أستمع إلى هذا الكلام .. ارتسمت على محيَّاي الدهشة .. وبدا عليَّ السّكون .. ولكنّه في الواقع هزّ نفسي بعنف ، وكأنّه اقترب بأنامله حول عنقي ليحبس بكلماته أنفاسي ، فهل سحب خالي بهذا الكلام البساط من تحت أقدام كلِّ المذاهب...لكنّه بدأ من النقطة التي وقفت عندها في

__________________

١ ـ تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/٢٤٠ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٩/١٧٠ ، عن حلية الأولياء لأبي نعيم الإصبهاني ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ١٢/١٠٣ ح ٩٤١٩٨ ، ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : ١/٣٧٩ ـ ٣٨٠ ح ٢.

٢ ـ راجع : مناقب أميرالمؤمنين 7 ، الكوفي : ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ح ١٦٧ ، المناقب ، الخوارزمي : ١٢٩ ح ١٤٣ ، ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي : ٣٩١ ـ ٣٩٢ ح ٤.


مفترق الطريق ، فلعله هو العابر الذي كنت أنتظره ليسلّي وحدتي ، ويربط على قلبي لكي أقتحم تلك الصفحات التي ختمت بحبر التقديس.

ولكن سرعان ما لملمت أشتات ذهني ، وحزمت أمر نفسي قائلة : لا يمكن تجاوز كل ذلك الزخم الفكريّ في الموروث الإسلاميِّ ، وما أبدعت فيه عبقريَّات العقل المسلم بهذه الكلمات ، فالأمر موقوف على كثير من البحث والنقاش.

قاطعني قائلا : أنا لم أطلب منك تحديد موقف بهذا الكلام ، كما أنني لا أؤمن بسياسة التلقين وتمرير الأفكار ، فكل ما ذكرته توضيح عام ، وما زال البحث والنقاش بيننا.

قلت : الأمر بحاجة إلى تركيز أكثر ، وأنا لا أجد أنّ المكان مناسب في وسط هذه الضجّة وزغاريد الفرحة ، فمن المناسب أن ننتظر بعد أن تهدأ الأمور ، وأجد الفرصة الكافية لاستجماع نفسي لطرح الحوار نقطة بعد نقطة.

قال : لا بأس بهذا الاقتراح ، فأنا موجود متى طلبتِ منّي الحوار.

ودّعت خالي بعد تلك الجلسة العابرة ، ودخلت مع النساء في معمعة الزواج ، بين ضجيج النسوة ، وصراخ الأطفال ، ولكنّها لم تحجب عن سمعي تلك الكلمات التي سمعتها من خالي ، فما زالت تتردّد في أذني ، فعزمت على إعداد العدّة ، فلا يمكن الاستهانة بهذا الكلام ، كما لا يمكن الاستهانة بمقدرة خالي العلميَّة ، فقد أدهشني فعلا بتلك الكلمات التي كانت تنساب على لسانه من غير جهد وتكلُّف.

حوار تحت ضوء القمر حول الخلافة بين النص والشورى

بعد الانتهاء من مراسيم الزواج وفي مساء يوم من الأيام دعوت خالي


لإكمال الحوار ، وقد سجّلت مجموعة أدلّة تنقض ما قاله خالي ، فوافق بترحاب ، بشرط أن يكون النقاش مع مجموعة لتعمَّ الفائدة.

وفي جوٍّ من الهدوء والسكينة وتحت ضوء القمر اجتمعنا أنا وأخواتي وبنات خالتي ، وبدأ الحوار مع خالي ..

قلت : أولا ، وقبل كل شيء تعلم أن كل من لا يؤمن بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان فهو كافر ، والشيعة لا يؤمنون بذلك ، ويعتبرون أنّ الخليفة من بعد الرسول 6 هو عليٌّ 7 فحسب ، وفي هذا الكلام تجاوز على الخلفاء ، وكذبٌ وافتراء على الله ورسوله 6 وطعن في الصحابة ، وتسقيط لمكانة أبي بكر وعمر وعثمان.

خالي : لعلَّ الله منَّ عليَّ بكِ حتى أهتدي على يديكِ إن كنت ضالا ، فقد قال رسول الله 6 : وأيم الله لئن يهدي الله على يديك رجلا خير لك ممَّا طلعت الشمس عليه وغربت (١) ، وقال تعالى : ( وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) (٢).

فتعالي ، اكشفي لي المستور ، وأنيري دربي للحقيقة ، ولكن أرجومنك ـ يا بنت أختي ـ بأن تنتهجي طريق الحكمة والدليل، فنحن قوم نميل مع الدليل أينما مال ، قال تعالى:( قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )(٣)، وقال تعالى: ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) (٤) وقال أميرالمؤمنين علي بن أبي

__________________

١ ـ المستدرك ، الحاكم : ٣/٥٩٨ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ١/٣١٥ ح ٩٣٠ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٥/٣٣٤.

٢ ـ سورة المائدة ، الآية : ٣٢.

٣ ـ سورة البقرة ، الآية : ١١١.

٤ ـ سورة النحل ، الآية : ١٢٥.


طالب 7 : رحم الله امرأ سمع حكماً فوعى ، ودعي إلى رشاد فدنا ، وأخذ بحجزة هاد فنجا (١).

النبي 6 ينصب علياً 7 خليفة من بعده

وعندها أطرقت رأسي خجلا ، وقلت : سامحني يا خالي ، ولكنَّ الحوار ليست فيه اعتبارات ، وأنت صادق فيما قلت ، وما عليك إلاَّ مواصلة النقاش ، وعليك ذكر دليل الشيعة على أن الإمام علياً 7 قد نصّ عليه من قبل الله تعالى.

خالي : إذا كنت مديرة مدرسة أو شركة وطرأ عليك سفر ، فهل تغادرين هذه المدرسة أو تلك الشركة بدون تعيين أيِّ وكيل؟

قلت : طبعاً لا ، وليست هذه صفة أيِّ إداريٍّ عاقل.

خالي : إذن فهل خرج رسول الله 6 من هذه الدنيا بدون وضع أيِّ حلٍّ لأمّته؟ فهل كان رسول الله 6 يجهل بما سيقع من بعده من حروب وفتن واختلافات؟ وهل يعقل أنّ رسول الله 6 ـ هذه الشخصيَّة العملاقة التي بنت أعظم حضارة في تأريخ الإنسانيَّة ـ يترك هذه الحضارة من غير تعيين من يرعى شؤونها؟

أو ليس من الواجب على الرسول 6 أن يكون حريصاً على العباد ، فيختار إليهم من يكون إمامهم في أمور الدين والشريعة؟ أو ليس هو القائل : ستفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلُّها في النار إلاّ واحدة (٢).

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١/١٢٥ ـ من ١٢٦ خطبة له 7 رقم : ٧٦ ، بحار الأنوار ، المجلسي : ٦٦/٣١٠ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٦/١٧٢.

٢ ـ مسند أحمد بن حنبل : ٣/١٢٠ ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ١/١٢٨ ، وقد تقدَّمت تخريجاته.


حاشا رسول الله 6 أن يترك أمَّته سدىً ، وهو العالم بما سيجري بعده ، وقد أثبت التاريخ أن رسول الله 6 كان إذا أراد أن يخرج من المدينة إلى غزوة كان لا يخرج حتى يجعل خليفة ، وقد ذكر البخاري في صحيحه أنّ رسول الله 6 عندما خرج لغزوة تبوك خلَّف علي بن أبي طالب 7 على المدينة ، وقال له : يا علي! ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي (١) ، فيتضح من ذلك أن رسول الله 6 قد وضع حلاًّ لأمّته .. أليس كذلك؟

قلت : أنا لا أعترض على شيء ممّا قلت ، فإن رسول الله 6 لم يخرج من هذه الدنيا حتى وضع حلاًّ .. ولكن لا يعني هذا أن يكون الحلّ الذي وضعه هو النصّ على الإمامة.

خالي : إذن ما هو الحل؟

قلت : الحل هو الشورى بين المسلمين.

خالي : إذن خلاصة هذا الكلام أنّ رسول الله 6 كان يعلم بما سيجري من بعده ، وأنه قد وضع حلاًّ لأمَّته .. ولكن اختلفنا في نوعيَّة ذلك الحل ، فأنتم تقولون : إن الحل الذي وضعه الرسول 6 هو الشورى بين المسلمين .. أمَّا الشيعة فقد ذهبت إلى أن الحلَّ هو النص والتعيين من قبل الله تعالى ورسوله 6 ، وقد أثبتوا بما لا يدع مجالا للشك أنّ الرسول عيّن من بعده علياً وأهل بيته :.

قلت : إنّ الأدلة على الشورى واضحة في آيات الله تعالى ، ولا أدري كيف

__________________

١ ـ سنن الترمذي : ٥/٣٠١ ـ ٣٠٢ ح ٣٨٠٨ ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ٢/٣٣٧ ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وتقدَّم المزيد من تخريجات هذا الحديث الشريف المتواتر.


تغافل عنها الشيعة ، فهل هناك نص أوضح من قوله تعالى : ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) (١) ، وقوله : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) (٢)؟!

فإنّ الظاهر من هذه الآيات هو إعطاء الشرعيَّة للأمَّة في انتخاب خليفتها ، وليست لك حجّة ممّا ينتج من هذا الانتخاب من اختلاف ؛ لأنّ من ميزات شريعتنا الغرّاء أنّ الاختلاف مسموح به ، بل هو رحمة كما قال رسول الله 6 : اختلاف أمَّتي رحمة (٣) ، هذه من أعظم القيم الإسلاميّة وهو إقرار مبدأ الديمقراطية.

كما أن الواقع العملي لسيرة المسلمين وخاصة سيرة السلف الصالح قد أجمعوا على هذا المبدأ ، وأنّ أول شورى حدثت في التاريخ أسفرت عن أعظم

__________________

١ ـ سورة الشورى ، الآية : ٣٨.

٢ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٥٩.

٣ ـ شرح مسلم ، النووي : ١١/٩١ ، الجامع الصغير ، السيوطي : ١/٤٨ ح ٢٨٨ ، كشف الخفاء ، العجلوني : ١/٦٤ ح ١٥٣.

قال المتقي الهندي في كنز العمال : ١٠/١٣٦ ح ٢٨٦٨٦ : اختلاف أمَّتي رحمة ( نصر المقدسي في الحجة ، والبيهقي في الرسالة الأشعرية بغير سند ، وأورده الحليمي والقاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهم ، ولعلّه خرِّج في بعض كتب الحفّاظ التي لم تصل إلينا ).

وقال الفتني في تذكرة الموضوعات : ٩٠ ـ ٩١ : في المقاصد اختلاف أمتي رحمة للبيهقي عن الضحاك عن ابن عباس رفعه في حديث طويل بلفظ : واختلاف أصحابي لكم رحمة ، وكذا للطبراني والديلمي والضحاك عن ابن عباس منقطع ، وقال العراقي : مرسل ضعيف ، وقال شيخنا : هذا الحديث مشهور على الألسنة ، وقد أورده ابن الحاجب في المختصر في القياس ، وكثر السؤال عنه ، وزعم كثير من الأئمة أنَّه لا أصل له ، لكن ذكره الخطابي وقال : اعترض على الحديث رجلان ؛ أحدهما ماجن ، والآخر ملحد ، وهما : إسحاق الموصلي والجاحظ ، وقالا : لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذاباً ، ثمَّ ردَّ الخطابي عليهما ، ولم يقع في كلامه شفاء في عزو الحديث ، ولكنه أشعر بأن له أصلا عنده ، وفي حاشية البيضاوي ذكر هذا الحديث السبكي وغيره وليس بمعروف عند المحدِّثين.


حضارة بقيادة الخلفاء كانت نتاج مبدأ الشورى ، وهذا ما أراده رسول الله 6 ، وهو القائل : لا تجتمع أمَّتي على ضلال (١) ، وهذا للأمَّة فماذا يكون الحال إذا كان المجمعون هم الصحابة الذين زكَّاهم الله عزّوجل ومدحهم رسول الله 6 ، فلم تكن ـ يا خالي ـ خلافة أبي بكر خارجة عن الدين ، بل هي الدين بعينه.

وإذا كنت في شك ممَّا قلت لك تكون قد خالفت أهل البيت : الذين تدّعون التمسُّك بهم ؛ لأنّ علي بن أبي طالب 7 بنفسه بايع أبا بكر ولم يخالفه ، وإذا كانت الخلافة له لم سكت وبايع أبا بكر ، وكان على الأقل احتجّ عليهم وذكَّرهم بأن رسول الله 6 قد نصَّ عليه ، ولكن حدث عكس ذلك ، فقد أقرَّ عليٌّ 7 مبدأ الشورى كما جاء في هذا النص ـ كتبته من كتاب يرجعه إلى نهج البلاغة ـ : وإنَّما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضاً ، فإن خرج من أمرهم بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منهم ، فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين (٢) ، ولعلّ عليّاً 7 كان يدري أنَّ أناساً يأتون من بعده يدّعون أن الإمامة حقٌّ له دون غيره ، ولذلك سطَّر هذه الكلمات حتى تكون حجّة عليهم مدى الدهر.

هذا من جهة عليٍّ 7 ، أمَّا من جهة الصحابة فالأمر أوضح ، لأنهم لم يبايعوا علياً ، ولوكان هناك نص عليه لم يتخذوا دونه بدلا، ولا يمكن أن يقبل أن كل الصحابة قد تواطؤوا على عليٍّ ، وهم الذين مدحهم الله في كتابه: ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ

__________________

١ ـ أحكام القرآن ، الجصاص : ٢/٣٧ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٨/١٢٣.

٢ ـ نهج البلاغة ، خطب أمير المؤمنين 7 : ٣/٧ ، من كتاب له 7 لمعاوية ، رقم : ٦ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٣/٧٥ و١٤/٣٥ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٥٩/١٢٨ ، المناقب ، الخوارزمي : ٢٠٢.


اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً ) (١) ، وكما قال رسول الله 6 : أصحابي كالنجوم بأيِّهم اقتديتم اهتديتم (٢) (٣).

فإذا كان الصحابة لم يبايعوا عليّاً فهذا دليل قويٌّ على أنَّه لا يوجد أيُّ نص ؛ إذ لو كان هناك ثمَّة نصٌّ لالتزم به الصحابة الكرام.

ثمَّ بالله عليك ، إذا كانت الإمامة نصّاً إلهيّاً ، وهي بهذه الدرجة من الخطورة كما تدّعون وتطبِّلون على ذلك ، لماذا لم تذكر في القرآن الكريم؟ لماذا لم يذكر اسم عليٍّ7كما ذكر اسم محمّد6، بل لم يترك حتى إشارة واضحة محكمة

__________________

١ ـ سورة الفتح ، الآية : ٢٩.

٢ ـ تقدَّمت تخريجاته.

٣ ـ قال محمّد بن عقيل في النصائح الكافية : ١٨١ ـ بعدما ساق حديث : أصحابي كالنجوم ـ : قال ابن عبد البرّ : هذا إسناد لا تقوم به حجَّة ؛ لأن الحرث بن غصين مجهول ، وقال أيضاً عن محمّد بن أيوب الرقي قال : قال لنا أبو بكر أحمد بن عمر بن عبد الخالق البزار : سألتهم عمَّا يروى عن النبيِّ 6 ممَّا في أيدي العامّة يروونه عن النبيِّ 6 أنه قال : إنّما مثل أصحابي كمثل النجوم ، أو أصحابي كالنجوم فبأيِّها اقتدوا اهتدوا ، قالوا : هذا الكلام لا يصحُّ عن النبيِّ 6 ، وربَّما رواه عبدالرحيم عن أبيه عن ابن عمر ، وإنّما ضعف هذا الحديث من قبل عبدالرحيم بن زيد ؛ لأن أهل العلم قد سكتوا عن الرواية لحديثه ..

وقال الحجّة العلم آغا بزرك الطهراني عليه الرحمة في الذريعة : ١٣/١٨٨ تحت رقم : ٦٥١ : ( شرح حديث أصحابي كالنجوم بأيِّهم اقتديتم اهتديتم ) لبعض الأصحاب ، استدلَّ به من وجوه على وضع هذا الحديث وكذبه وبطلانه ، وهو في أربعمائة بيت ، أوَّله : الحمد لله الذي جعل مقام شيعة عليٍّ عليّاً ، وصيَّرهم مع خليله إبراهيم في ذلك الاسم سميّاً .. إلخ ، وعلى فرض صحّة هذا الحديث وصدوره عنه 6 فليس المراد به كافّة الأصحاب ، بل هم أهل البيت المعصومون : ، وآخره : الحمد لله الذي جعل الحقَّ ممّا يعلو ولا يعلى ، والنسخة في مكتبتي المسمَّاة بـ : ( مكتبة صاحب الذريعة العامّة ) في النجف الأشرف ، وورقها سميك ، لكنَّه ليس بأقدم من القرن الماضي أو قبله بقليل ، والظاهر أنَّه ألفِّ جواباً على بعض العامة المستدلين بالحديث على صحّة مذهبهم.


في ذلك الخصوص؟

فهذا يدلُّ على أنّ القضيَّة هي قضيّة شورى بين المسلمين ، وليست القضيّة نصاً كما تدّعي وتذهب.

وإن تنازلنا وسلّمنا للشيعة أنّ الخليفة لابد أن يكون منصوصاً عليه فحينها تكون الكفّة مع أبي بكر الصديق.

خالي متعجِّباً : ... أبو بكر؟

قلت : أجل ، الصدّيق ..

خالي : نوِّرينا ، كيف ذلك؟؟

قلت : عن عليٍّ 7 قال : دخلنا على رسول الله 6فقلنا : يا رسول الله! استخلف علينا ، قال : إن يعلم الله فيكم خيراً يولِّ عليكم خيركم ، فقال علي 2 : فعلم الله فينا خيراً فولَّى علينا خيرنا أبا بكر (١).

وعن عليِّ بن أبي طالب 7 أيضاً : أتت امرأة إلى النبيِّ 6 فأمر أن ترجع إليه ، فقالت : إن جئت ولم أجدك ؛ كأنها تقول الموت ، قال : إن لم تجديني فأتي أبا بكر (٢).

وعن ابن عمر قال : سمعت رسول الله 6 يقول : يكون خلفي اثنا عشر خليفة ؛ أبو بكر لا يلبث إلاَّ قليلا .. (٣).

__________________

١ ـ المستدرك ، الحاكم : ٣/١٤٥ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٣٠/٢٨٩ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ١٣/١٨٩ ح ٣٦٥٦٢.

٢ ـ صحيح البخاري : ٤/١٩١ ، فتح الباري ، ابن حجر : ٧/١٦ ، البداية والنهاية ، ابن كثير : ٥/٢٤٨.

٣ ـ المعجم الكبير ، الطبراني : ١/٩٠ ح ١٤٢ ، الكامل ، ابن عدي : ٢٠٨ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٣٠/٢٢٩.


وعن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله 6 : اقتدوا بالذين بعدي ؛ أبي بكر وعمر (١).

هذا بالإضافة إلى قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْم يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (٢) ، فإن هذه الآية نازلة في حق أبي بكر الصدّيق ، فكانت النتيجة طبيعيَّة أن يعيِّن رسول الله 6 أبا بكر كما عيّنه إماماً ليصلّي بالمسلمين.

الاستدلال بآيات الشورى باطل

خالي : انتهيت؟

قلت : أجل ، وهل بعد هذا الكلام من زيادة ، وابتسمت قائلةً : قطعت جهيزة قول كل خطيب ، ولو كان للشيعة ربع هذه الأدلة لقلنا إنهم تأوّلوا ، ولوجدنا لهم عذراً.

خالي : هوِّني عليك يا بنت أختي ، زادني الله وإياك بصيرة في الحق .. وهدانا الله إلى طريق الهدى والصراط المستقيم.

حججك ـ يا عزيزتي ـ قويّة ومنطقيّة ، ولكن عندي عدّة أسئلة وبعض الشبهات حول ذلك ، فإن أجبت عنها كان الصواب معك.

قلت بوجه مستبشر وبلهفة : تفضَّل .. تفضَّل.

__________________

١ ـ سنن الترمذي : ٥/٢٧١ ح ٣٧٤٢ ، مسند الحميدي : ١/٢١٤ ح ٤٤٩ ، المستدرك ، الحاكم ٣/٧٥ ، المعجم الأوسط ، الطبراني : ٤/١٤٠ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٩/٥٣ ، قال : رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم.

٢ ـ سورة المائدة ، الآية : ٥٤.


خالي : ذكرت أنّ الحل والمنهجيّة التي وضعها الرسول 6 لأمَّته بعد وفاته هي الشورى بين المسلمين ، واستدليت بالآيتين المباركتين : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) (١) ، ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) (٢).

قلت : أجل ، هو ذلك.

خالي : حسناً! من هو المخاطب بقوله تعالى : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ ) (٣)؟

قلت : المخاطب هو الرسول 6.

خالي : إذن فالخطاب في الآية متوجِّهٌ إلى الحاكم الذي استقرّت حكومته ، أليس كذلك؟

قلت وبعد ثوان من الصمت : لم أفهم ذلك.

خالي : بما أنّ الرسول 6 كان هو الحاكم الشرعي ، وخطاب الآية متوجّهٌ له ، فلا يمكن أن تكون الآية مؤسِّسة لنظريَّة الحكم ، وإلاّ يكون في الأمر خلف وتحصيل حاصل ؛ لأنّ الرسول 6 هو الحاكم حين ذاك ، فكيف تكون الشورى لتنصيب الحاكم والحاكم موجود؟! فأقصى ما نفهمه من الآية أنّ من وظائف الحاكم الشرعيِّ هو الشورى مع رعيّته ، هذا ما أكَّده أميرالمؤمنين 7 : من استبدّ برأيه هلك ، ومن شاور الرجال في أمورها شاركها في عقولها (٤) ، هذا

__________________

١ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٥٩.

٢ ـ سورة الشورى ، الآية : ٣٨.

٣ ـ سورة الشورى ، الآية : ٣٨.

٤ ـ نهج البلاغة ، خطب الإمام علي 7 : ٤/٤١ ح ١٦١ ، بحار الأنوار ، المجلسي : ٧٢/١٠٤ ح ٣٨ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٨/٣٨٢.


أوَّلا.

وثانياً : إنّ مشورة الحاكم للرعيَّة ليست على وجه الإلزام ؛ أي ليس واجباً على الحاكم الأخذ برأيهم ، والدليل على ذلك قوله تعالى : ( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ ) (١) ، فالأمر أوَّلا وأخيراً منوط بالحاكم.

هذه هي الشورى الشرعيَّة التي أمر بها الإسلام ، وهي لا تنعقد إلاّ بوجود الحاكم والقيّم على الشورى ، فأركان الشورى في الإسلام ، أوَّلا : المتشاورون ، وهذا من قوله تعالى : ( وَشَاوِرْهُمْ ) ، وثانياً : موضوع للشورى ، والدليل عليه : ( فِي الأَمْرِ ).

وثالثاً : وليٌّ وقيّم على الشورى ، حيث ترجع إليه الآراء ، وهو الذي يحكم فيها : ( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ ) ، فبهذا لا يمكن أن تنعقد الشورى بكيفيَّتها الإسلاميَّة إلاّ بحاكم ، وأنتم تزعمون أنّ الحاكم لا يأتي إلاَّ عن طريق الشورى ، وهذا دور ، والدور باطل كما تعلم ، أي ـ بمعنى آخر ـ إن الحاكم لا يأتي إلاّ بالشورى ، والشورى لا تقوم إلاَّ بالحاكم ، فإذا حذفنا المتكرِّر تكون المحصَّلة : الحاكم لا يقوم إلاَّ بالحاكم ، أو الشورى لا تقوم إلاّ بالشورى ، وهذا باطل بإجماع العقلاء ، فتكون الآية خارجة عن موضوع تعيين الحاكم ، ولأجل ذلك لم نر أحداً من [ أهل ] السقيفة احتجّ بهذه الآية.

فالمتعمعِّن في الآية يتضح له أنّ الأمر بالمشاورة كان بقصد الملاينة معهم والرحمة بهم ، ومن سبل الترابط الذي يجمع بين القائد وأمَّته ، قال تعالى : ( فَبَِما رَحْمَة مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ

__________________

١ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٥٩.


وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ ) (١).

أمَّا قوله تعالى : ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) (٢) فالكلام فيها بنفس ما تقدَّم ؛ لأن الخطاب كان شاملا للرسول 6 أيضاً ، فمن الممنوع عقلا وشرعاً أن يعقد الصحابة مشورة من دون الرسول 6 وهو بينهم ، فإذا تحتّم دخول الرسول معهم ـ وهو الحاكم المطاع ـ فتخرج الشورى حينها عن موضوع تعيين الحاكم كما تقدَّم في الآية الأولى ، فتكون الآية حثَّت على الشورى فيما يمتُّ إلى شؤون المؤمنين بصلة ، لا فيما هو خارج عن حوزة أمرهم.

أمَّا كون تعيين الإمام داخلا في أمورهم فهذا هو أوَّل الكلام ، وعلى أقل تقدير إذ لا ندري هل أن أمر الإمام هو من شؤون المؤمنين أم من شؤون الله سبحانه ، ومع هذا الترديد لا يصحُّ التمسُّك بالآية.

فهذه الآيات التي ذكرتيها لا يستفاد منها أكثر من رجحان التشاور بين المؤمنين في أمورهم ، كما أن التشاور لا يمكن أن يكون في القضايا التي ورد فيها تحديد شرعيٌّ ، فليس لأحد صلاحيَّة في قبالة تشريعات الله ، قال تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) (٣) ، وقال : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً ) (٤).

__________________

١ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٥٩.

٢ ـ سورة الشورى ، الآية : ٣٨.

٣ ـ سورة القصص ، الآية : ٦٧.

٤ ـ سورة الأحزاب ، الآية : ٣٦.


... فالآيتان أجنبيَّتان تماماً عن موضوع القيادة ، وبالتالي دليلك هذا ساقط ، ولا ينهض بأيِّ حال من الأحوال لإثبات المدَّعى .. أليس كذلك؟!

قلت : هذا الكلام يبدو في ظاهره وجيهاً ، مع أنّه يشوبه نوع من الغرابة ، فلم أسمع من قبل بمثل هذا الاستدلال ، ولكن كل ما أفهمه أنّ اختلاف أمَّة محمّد 6 رحمة.

حديث اختلاف أمَّتي رحمة

عذراً يا عزيزتي! إنّ الحديث الذي ذكرتيه ليس بهذا الفهم ، والوارد في تفسيره عند أهل البيت : ـ كما جاء في كتاب اسمه علل الشرائع ـ أنه قيل للإمام الصادق 7 : إن قوماً يروون أن رسول الله 6 قال : اختلاف أمَّتي رحمة ، فقال : صدقوا ، فقيل : إذا كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب؟ قال 7 : ليس حيث تذهب وذهبوا ، إنما أراد قول الله عزَّ وجلَّ : ( فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَة مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (١) واختلاف أهل البلدان إلى نبيِّهم 6 ثمَّ من عنده إلى بلادهم رحمة .. فالاختلاف في البلدان لا في الدين ، لأن الدين واحد (٢).

وهذا ما تؤكِّده كتب اللغة ، فقد جاء في المنجد : اختلف إلى المكان : تردّد ؛ أي جاء المرَّة بعد الأخرى ، وهذا ما يقبله العقل والشرع ، قال تعالى : ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) (٣) ، وقوله تعالى : ( وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ

__________________

١ ـ سورة التوبة ، الآية : ١٢٢.

٢ ـ علل الشرائع ، الصدوق : ١/٨٥ ح ٤ ، معاني الأخبار ، الصدوق : ١٥٧ ح ١.

٣ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٠٣.


رِيحُكُمْ ) (١) ، وقال : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ ) (٢) ، وقال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) (٣).

الديمقراطيَّة مبدأ إسلاميٌّ وعقلائيٌّ

قلت : حسناً يا خالي! إذاً أنتم الشيعة الإماميّة لا تعترفون بمبدأ الشورى في الفكر الإسلاميِّ ، وإذا كان الأمر كذلك فلم المصلحون والمجدِّدون يقولون : إن بنيان الحكم في الإسلام مبنيٌّ على أسس الديمقراطيَّة ، وحريَّة الرأي والتعبير ، ولم يكن ذلك من فراغ ، وإنما استناداً للطريق الذي شرَّعه الإسلام لانتخاب الحاكم بالشورى والاختيار الحرِّ ، وهذا ما أجمع عليه كل العقلاء ، مسلمون وغير مسلمين؟

خالي : أوَّلا : إنّ الديمقراطية بصورتها الحاليَّة لم تكن هي المبدأ الذي اتفق عليه كل العقلاء.

وثانياً : إنّ الديمقراطيَّة بالفهم الإسلاميِّ هي رقابة مشتركة بين الحاكم والرعيَّة من أجل تطبيق قيم ومبادئ سامية ، وليست هي الفوضى التي تنتج من الاتباع المطلق لرغبات الشعب ، وإنما هي مساعي مشتركة بين الحاكم والرعيَّة لتطبيق شرع الله.

ثالثاً : إنّ الديمقراطية يمكن أن تقبل في إطار خاص وليس مطلقاً ، أي في

__________________

١ ـ سورة الأنفال ، الآية : ٤٦.

٢ ـ سورة الصف ، الآية : ٤.

٣ ـ سورة الحجرات ، الآية : ٤.


الأمور التي تعتبر من اختصاصات البشر ، لا في الأمور التي هي من شأن الله سبحانه وتعالى ، فالحاكميَّة الحقيقيَّة لله تعالى ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ) (١) ، والله هو الخالق ، والخالق مالك ، والمالك هو الحاكم ، ولا يجوز للمملوك أن يتصرَّف في حقِّ المالك إلاّ بإذن المالك ، وقد جرت سنّة الله سبحانه وتعالى باصطفاء الخلفاء والحكّام الذين يمثلِّون حكومته في الأرض ، قال تعالى : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) (٢) وقال تعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٣) وقال : ( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٤) وهذا غير الآيات التي تحدَّثت عن اصطفاء الله للخلفاء ، فأمر الحكم هو من اختصاص الله عزّ وجلَّ ، فلا تجري فيه الديمقراطيَّة.

الديمقراطيَّة لا تصلح في المجتمع القبلي

رابعاً : ولو سلّمنا جدلا أنّ الديمقراطيَّة يمكن أن تكون طريقاً لاختيار الحاكم ، لكنّها لا تفيد مع ذلك المجتمع الجاهلي الذي لم يعرف في طول تأريخه معنى الشورى ، فإنّ الأنظمة التي كانت سائدة هي الأنظمة القبليّة ، والتقسيمات العشائريّة ، التي لا تعترف إلاَّ بقانون القوَّة.

قلت : لكنَّ النبيَّ 6 سعى سعياً حثيثاً لمحو الروح القبليّة ، وإذابة الفوارق العشائريّة ، وجمع ذلك الشتات في بوتقة الإيمان الموحّد.

__________________

١ ـ سورة الأنعام ، الآية : ٥٧.

٢ ـ سورة البقرة ، الآية : ٣٠.

٣ ـ سورة الأنبياء ، الآية : ٧٣.

٤ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٢٤.


خالي : نعم هذا صحيح ، ولكن ليس من الممكن أن ينقلب النظام القبلي في مدّة ثلاثة وعشرين عاماً إلى نظام موحَّد إسلاميٍّ ، فقد كان لا يرى إلاّ الانتساب إلى القبليَّة فخراً له ، والأدلة على ذلك كثيرة ، فقد نقل البخاري في صحيحه : ( تنازع مهاجريٌّ مع أنصاريٍّ ، فصرخ الأنصاري : يا معشر الأنصار! وصرخ المهاجري : يا معشر المهاجرين! ولمَّا سمع النبيُّ 6 قال : دعوها فإنّها منتنة (١).

ولولا قيادته الحكيمة 6 لخضّب وجه الأرض بدماء المسلمين من المهاجرين والأنصار ، وكم حدثت أمثال تلك الحوادث ، حتى قال فيهم النبي 6 : يا معشر المسلمين! أبدعوى الجاهليّة وأنا بين أظهركم (٢) وحتّى تتأكَّد ممَّا قلته لك ارجع إلى أيِّ كتاب في التأريخ ، لترى الصورة الحقيقيَّة للمجتمع الأول ، ولا تفهم من ذلك أنّي أشكِّك في مجتمع الرسول 6 ، وكل ما أقصده أنّ النظرة المثاليّة ليست واقعيّة.

قلت : ليس كلّ ما جاء في كتب التأريخ حقيقة.

خالي : عفواً! لا تعتمدي على الكلمات المطلقة ، ليس كل ما في التأريخ حقيقة ، هذا الكلام عليك وليس معك ؛ لأنّ السلف الذين تدافعين عنهم أنتِ لم تعيشىِّ معهم ، وكل ما تعرفينه عنهم هو عبر التأريخ ، هذا أوَّلا.

وثانياً : إنّ هنالك روايات في الصحاح التي تعترفون بصحّتها تكشف أن المجتمع الأول لم يكن مثاليّاً كما تتخيَّلين ، وإليك هذه الحادثة التي جاءت في

__________________

١ ـ صحيح البخاري : ٤/١٦٠ و٦/٦٥ ـ٦٦.

٢ ـ أسد الغابة ، ابن الأثير : ١/١٤٩ ، سيرة النبي 9 ، ابن هشام : ٢/٣٩٧ ، فتح القدير ، الشوكاني : ١/٣٦٨.


صحيح البخاري في قصة الإفك كمثال وليس حصراً :

قال النبي 6 وهو على المنبر : يا معشر المسلمين! من يعذرني في رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي ، والله ما علمت على أهلي إلاَّ خيراً ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت منه إلاَّ خيراً ، وما يدخل على أهلي إلاَّ معي.

قالت عائشة : فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل ، فقال : أنا ـ يا رسول الله ـ أعذرك ، فإن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا.

قالت عائشة : فقام رجل من الخزرج ، وهو سعد بن عبادة ، وهو سيِّد الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلا صالحاً ولكن احتملته الحميَّة ، فقال سعد بن عبادة : كذبت لعمر الله ، لا تقتله ولا تقدر على قتله ، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل.

فقال أسيد بن حضير ـ وهو ابن عم سعد بن معاذ ـ لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله ، لتقتلنّه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين.

قالت عائشة : فصار الحيَّان ( الأوس والخزرج ) حتى همُّوا أن يقتتلا ورسول الله 6 قائم على المنبر ، ولم يزل رسول الله يخفضهم ( أي يهدِّئهم ) حتى سكتوا (١).

فعليك أن تتدبَّر ، هذا هو الحال ورسول الله 6 بينهم ، فكيف الحال بعد وفاته؟!

واسمحي لىِّ أن أتجاسر قليلا وأقول لك : إنّ فرض الديمقراطية في مثل

__________________

١ ـ صحيح البخاري : ٥/٥٨ و٦/٧ ـ ٨.


هذا المجتمع هرطقة فاضحة.

وذلك لأنَّ العمليّات الانتخابيّة التي يفترض إجراؤها تحت مظلّة الديمقراطيَّة تستلزم وعياً ، ونظراً للمصالح والمفاسد ، وتقويماً للطرق السليمة التي تفيد المجتمع في ارتقائه وتكامله ، وتجربة في الحياة السياسيّة ، وهذا كلُّه يستدعي أرضيَّة ثقافيَّة وفكريَّة نشطة لدى أبناء الشعب ، وفي غير تلك الصورة يكون فرض الديمقراطيَّة ضرباً من اللاواقعيَّة.

قلت : بقدر ما أنك تجد شواهد على بدويَّة ذلك المجتمع ، فإنّ الشواهد على وجود نماذج طيِّبة كثيرة جداً في التأريخ ، وليس من الإنصاف أن تتمسَّك بالشواهد السلبيَّة دون الإيجابيَّة ، فمجرَّد وجود تلك النماذج الإيجابيَّة كاف لصيرورة نظام الشورى.

خالي : أنا لا أنكر تلك النماذج الإيجابيَّة ، بل أفتخر بها ، ولكن ليس هذا مربط الفرس ، فإن القضيَّة تدور مدار الشرعيَّة للشورى ، والمدَّعى قائم على نفي الشرعيَّة عنها ؛ إذ لا يعقل أن تكون الشورى هي الطريق الذي حدَّده الشرع ، في حين أنه لا توجد رواية واحدة عن الرسول 6 يتحدَّث فيها عن الشورى ، وهذا خلاف المفترض ، حيث كان من اللازم أن يبيّن الرسول 6 كيفيَّة الشورى وحدودها وآلياتها ، في حين أنّ الأحاديث التي تتحدَّث عن السواك وفوائده لا تقلُّ عن الخمسة والثلاثين حديثاً.

خلافة أبي بكر والإجماع

قلت : في كلامك نسبة كبيرة من الوجاهة ، وقد يصل إلى حدِّ الإقناع لو لا أنه معارض بإجماع الصحابة الذين استقرَّ رأيهم على خلافة أبي بكر في سقيفة


بني ساعدة ، وقد أعطى رسول الله 6 هذا الإجماع الشرعيَّة بقوله 6 : لا تجتمع أمَّتي على الخطأ (١).

خالي : بغضّ النّظر عن الكلام حول حجّيّة الإجماع والنقاش الدائر حوله ، فإن إجماع الصحابة على خلافة أبي بكر لا يخلو من إشكال ؛ لأنّ القدر المتيقّن من حجّيّة الإجماع هو الإجماع غير المخروق ؛ أي الإجماع الذي لم يخالفه مخالف ، وهذا غير متحقّق.

قلت : إنّ الإجماع ينعقد برؤوس القوم وزعمائهم ، وهذا متحقِّق ، ولا عبرة بغيرهم.

الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر

خالي : إنّ الذين تخلَّفوا عن بيعة أبي بكر لم يكونوا من صغار القوم كما زعمت ، بل هم أعاظم الصحابة (٢) ، وإليك منهم على سبيل المثال لا الحصر :

__________________

١ ـ نظم المتناثر من الحديث المتواتر ، الكتاني : ١٦١ ، المحصول ، الرازي : ٩٧ ، المجموع ، محيي الدين النووي : ١٠/٤٢.

٢ ـ قال اليعقوبي في تأريخه : ٢/١٢٤ في الأحداث التي جرت بعدما بويع لأبي بكر : وجاء البراء بن عازب ، فضرب الباب على بني هاشم وقال : يا معشر بني هاشم! بويع أبو بكر ، فقال بعضهم : ما كان المسلمون يحدثون حدثاً نغيب عنه ، ونحن أولى بمحمّد ، فقال العباس : فعلوها وربِّ الكعبة.

وكان المهاجرون والأنصار لا يشكّون في عليٍّ ، فلمَّا خرجوا من الدار قام الفضل بن العباس ـ وكان لسان قريش ـ فقال : يا معشر قريش! إنه ما حقَّت لكم الخلافة بالتمويه ، ونحن أهلها دونكم ، وصاحبنا أولى بها منكم. وقام عتبة بن أبي لهب فقال :

ما كنت أحسب أن الأمر منصرف

عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن

عن أوَّل الناس إيماناً وسابقة

وأعلم الناس بالقرآن والسنن


فروة بن عمرو ، وهو ممّن تخلّف عن بيعة أبي بكر ، وكان ممّن جاهد مع رسول الله 6 ، وكان يتصدّق من نخله بألف ساق كل عام ، وكان سيِّداً ، وهو من أصحاب علي ، وممّن شهد معه يوم الجمل .. (١) ، وجاء في أسد الغابة : شهد العقبة وبدراً وما بعدهما (٢).

وممّن تخلّف أيضاً خالد بن سعيد الأموي ، وهو ممَّن أسلم قديماً فكان

__________________

وآخر الناس عهداً بالنبيِّ ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

من فيه ما فيهم لا يمترون به

وليس في القوم ما فيه من الحسن

وتخلَّف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ، ومالوا مع علي بن أبي طالب ، منهم : العباس بن عبد المطلب ، والفضل بن العباس ، والزبير بن العوام بن العاص ، وخالد بن سعيد ، والمقداد ابن عمرو ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، وعمّار بن ياسر ، والبراء بن عازب ، وأبي بن كعب.

فأرسل أبو بكر إلى عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة ، فقال : ما الرأي؟ قالوا : الرأي أن تلقى العباس بن عبد المطلب ، فتجعل له في هذا الأمر نصيباً يكون له ولعقبه من بعده ، فتقطعون به ناحية علي بن أبي طالب حجة لكم على علي ، إذا مال معكم ، فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح والمغيرة حتى دخلوا على العباس ليلا ، فحمد أبو بكر الله وأثنى عليه ، إلى أن قال : فاختاروني عليهم والياً ولأمورهم راعياً ، فوليت ذلك .. ولقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيباً يكون لك ، ويكون لمن بعدك من عقبك إذ كنت عمَّ رسول الله .. وقال عمر بن الخطاب : إي والله ، وأخرى أنا لم نأتكم لحاجة إليكم ، ولكن كرهاً أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم ، فيتفاقم الخطب بكم وبهم ، فانظروا لأنفسكم.

فردَّ عليه العباس ، فكان من كلامه له : فإن كنت برسول الله فحقاً أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم ، فما تقدمنا في أمرك ، ولا حللنا وسطاً ، ولا برحنا سخطاً ، وإن كان هذا الأمر إنَّما وجب لك بالمؤمنين ، فما وجب إذ كنا كارهين ، إلى أن قال : فأمَّا ما قلت إنّك تجعله لي ، فإن كان حقاً للمؤمنين فليس لك أن تحكم فيه ، وإن كان لنا فلم نرض ببعضه دون بعض ، وعلى رسلك ، فإن رسول الله 6 من شجرة نحن أغصانها ، وأنتم جيرانها ، فخرجوا من عنده.

١ ـ وقد ذكر ذلك الزبير بن بكار في الموفقيات : ٥٩٠.

٢ ـ أسد الغابة ، ابن الأثير : ٤/١٧٨.


ثالثاً أو رابعاً ، وقيل : خامس من أسلم ، وقال ابن قتيبة في المعارف : أسلم قبل إسلام أبي بكر (١) .. وسعد بن عبادة ، وحذيفة بن اليمان ، وخزيمة بن ثابت ، وأبو بريدة الأسلمي ، وسهل بن حنيف ، وقيس بن سعد ، وأبو أيوب الأنصاري ، وجابر بن عبدالله .. وغيرهم ، وكل هؤلاء من الصحابة العظماء كما تعلم ، هذا بالإضافة إلى أبي ذر وسلمان والزبير وأبيّ بن كعب والمقداد بن الأسود (٢).

علي 7 لم يبايع أبا بكر

قلت : كلامك مقنع ، وقد تفاجأت فعلا بهذه الأسماء ، ولكنه معارض بمبايعة علي 7 لأبي بكر ، وهذا كاف ؛ لأنه مدار الخلاف.

خالي : لم تكن مبايعة علي 7 لأبي بكر متفق عليها ، فقد تواتر في كتب التأريخ والصحاح والمسانيد تخلُّف علي 7 ومن معه عن بيعة أبي بكر ،

__________________

١ ـ المعارف ، ابن قتيبة : ١٢٨.

٢ ـ قال اليعقوبي في تأريخه : ١٢٦ : وكان فيمن تخلَّف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان بن حرب ، وقال : أرضيتم ـ يا بني عبد مناف ـ أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم؟ وقال لعلي بن أبي طالب : امدد يدك أبايعك ، وعلي معه قصي ، وقال :

بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم

ولا سيما تيم بن مرة أو عدي

فما الأمر إلاَّ فيكم وإليكم

وليس لها إلاَّ أبو حسن علي

أبا حسن فاشدد بها كف حازم

فإنك بالأمر الذي يرتجى ملي

وإن امراً يرمي قصي وراءه

عزيز الحمى والناس من غالب قصي

وكان خالد بن سعيد غائباً ، فقدم فأتى علياً فقال : هلمَّ أبايعك ، فوالله ما في الناس أحد أولى بمقام محمّد منك.

واجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة له ، فقال لهم : اغدوا محلِّقين الرؤوس ، فلم يغد عليه إلاَّ ثلاثة نفر.


وتحصُّنهم بدار فاطمة 3 (١).

ومن ذلك ما رواه البلاذري ، قال : بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي 7 حين قعد عن بيعته ، وقال : ائتني به بأعنف العنف ، فلمَّا أتاه جرى بينهم كلام ، فقال عليٌّ 7 لعمر : احلب حلباً لك شطره ، والله ما حرصك على إمارته اليوم إلاَّ ليؤثرك غداً (٢).

لذلك قال أبو بكر في مرض موته : أما إني لا آسى على شيء من الدنيا إلاَّ على ثلاث فعلتهن وددت أنّي تركتهن ، إلى قوله : فأمّا الثالثة التي فعلتها فوددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء ، وإن كانوا قد أغلقوه على حرب (٣).

وقد ذكر المؤرِّخون ممَّن دخل في دار فاطمة 3 :

١ ـ عمر بن الخطاب.

٢ ـ خالد بن الوليد.

٣ ـ عبدالرحمن بن عوف.

٤ ـ ثابت بن قيس.

__________________

١ ـ قال اليعقوبي في تأريخه : ١٢٦ : وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله 6 ، فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار ، وخرج عليٌّ 7 ومعه السيف ، فلقيه عمر ، ودخلوا الدار ، فخرجت فاطمة فقالت : والله لتخرجنَّ أو لأكشفنَّ شعري ولأعجّنَّ إلى الله! فخرجوا وخرج من كان في الدار.

٢ ـ أنساب الأشراف ، البلاذري : ١/٥٨٧.

٣ ـ السقيفة وفدك ، الجوهري : ٧٥ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٢٠/٢٤ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ١/٦٢ ، ح ٤٣ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٣٠/٤١٨ ـ ٤٢٢ ، تأريخ الطبري : ٢/٦١٩ ، ميزان الاعتدال ، الذهبي : ٣/١٠٩ ، لسان الميزان ، ابن حجر : ٤/١٨٩ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ٥/٦٣١ ـ ٦٣٢ ح ١٤١١٣.


٥ ـ زياد بن لبيد.

٦ ـ محمّد بن مسلمة.

٧ ـ زيد بن ثابت.

٨ ـ سلمة بن أسلم.

٩ ـ أسيد بن حضير.

الهجوم على بيت فاطمة ٣

وقد ذكروا في كيفيَّة كشف بيت فاطمة 3 أنه : غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر ، منهم علي بن أبي طالب 7 والزبير ، فدخلا بيت فاطمة 3 ومعهما السلاح .. (١).

وذكر المؤرِّخون أيضاً : قد بلغ أبا بكر وعمر أنّ جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله 6، وأنهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليّاً 7 ، فبعث إليهم أبو بكر عمر ليخرجهم من بيت فاطمة ، وقال له : إن أبوا فقاتلهم.

فأقبل عمر بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيتهم فاطمة فقالت : يا بن الخطاب! أجئت لتحرق دارنا؟!

قال عمر : نعم ، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمَّة (٢).

وفي أنساب الأشراف : فتلقّته فاطمة 3 على الباب ، فقالت : يا ابن

__________________

١ ـ السقيفة وفدك ، الجوهري : ٤٦ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٢/٥٠ و٦/٤٧.

٢ ـ العقد الفريد ، ابن عبد ربِّه الأندلسي : ٣/٦٣ ـ ٦٤ ط. الثانية ، وفي ط. أخرى : ٥/١٣.


الخطاب! أتراك محرِّقاً عليَّ بابي؟! قال عمر : نعم (١).

وعلى ذلك أنشد حافظ إبراهيم شاعر النيل قائلا :

وقوله لعليٍّ قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرَّقتُ دارك لا أبقي عليك بها

إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص يفوه بها

أمام فارس عدنان وحاميها (٢)

قلت وأنا مندهشة : لم أسمع بهذا من قبل ، فهل يمكن أن تنقلب الأمَّة حتى على بنت رسول الله 6 ، ولكن ـ يا خالي ـ إذا تجاوزت هذه الحادثة ـ مع أنه ممّا لا يمكن تجاوزه ، وإنّما لفتح الباب أمام الحوار ـ وسلَّمتُ بما حدث ، فإنه لا يتجاوز أن يكون موقفاً مخالفاً لموقف الصحابة الذين اجتمعوا في السقيفة ، وارتأوا الشورى حلاًّ ، وهذا ليس كافياً لسلب صحّة الشورى ، وأهل السنّة على هذا الرأي.

أحداث السقيفة

خالي : إن الكلام كان عن الإجماع، وما ذكرته لك كاف لإبطاله ، هذا أوَّلا.

وثانياً : إنّ الشورى بما هي شورى ليست حجّةً وغير ملزمة ، كما أثبتنا ذلك في أول الكلام.

وثالثاً : إن الشورى لم تكن موجودة على المستوى العملي : فإنّ مجريات الأحداث لا توحي بوجود شورى.

__________________

١ ـ أنساب الأشراف : ١/٥٨٦.

٢ ـ ديوان حافظ إبراهيم : ١/٨٢ ، تحت عنوان : عمر وعلي 7.


وإليك ما جاء في السقيفة من رواية عمر بن الخطاب ، قال : إنّه كان من خبرنا حين توفِّي رسول الله 6 أنّ الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ، وخالف عنّا عليٌّ 7 والزبير ومن معهما ، فقلتُ لأبي بكر : انطلق بنا إلى إخواننا الأنصار ، فانطلقنا حتى أتيناهم ، فإذا رجل مزمّل ، فقالوا : هذا سعد بن عبادة يوعك .. فلمَّا جلسنا قليلا تشهّد خطيبهم فأثنى على الله ، ثمَّ قال : أمَّا بعد ، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام ، وأنتم معشر المهاجرين رهط ..

فأراد عمر أن يتكلَّم عند ما سمع خطيب سعد بن عبادة ، لكنَّ أبا بكر منعه ، فتكلَّم هو ، يقول عمر : والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلاَّ قال في بديهته مثلها أو أفضل ، حيث قال : ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ، ولن يصرف عنكم هذا الأمر لهذا الحيِّ من قريش ، هم أوسط العرب نسباً وداراً ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ؛ أي عمر وأبي عبيدة ، فبايعوا أيَّهما شئتم.

وأخذ أبو بكر بيد عمر وبيد أبي عبيدة ، فقال قائلٌ من الأنصار : أنا جذيلها المحكّك وعذيقها المرجَّب .. منّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ..

فكثر اللغط وارتفعت الأصوات.

فخاف عمر من الاختلاف ، فقال لأبي بكر : ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته ، وبايعه المهاجرون ، ثمَّ بايعته الأنصار(١) ، وهذا مختصر ما جرى في

__________________

١ ـ راجع : صحيح البخاري : ٨/٢٦ ـ ٢٧ ، السنن الكبرى ، البيهقي : ٨/١٤٢ ، مسند أحمد بن حنبل : ١/٥٥ ـ ٥٦ ، صحيح ابن حبان : ٢/١٥٥ ـ ١٥٧ ، البداية والنهاية ، ابن كثير ، ١٥/٢٦٦ ـ ٢٦٧ ، سيرة النبي 6 ، ابن هشام : ٤/١٠٧٣ ـ ١٠٧٤ ، تأريخ الطبري : ٢/٤٤٦ ـ ٤٤٧ ، الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : ١/٢٦ ـ ٢٨ ، تأريخ اليعقوبي : ١٢٣.


السقيفة (١).

عليٌّ مع الحقِّ والحقُّ مع عليٍّ 7

والأمر الأهمُّ من ذلك أنّ علياً 7 لم يكن طرفاً في قبالة أهل الشورى كما زعمتِ ؛ لأنّ علياً 7 ركن الحق والحقيقة ، والحق يدور معه حيثما دار.

قلت : ولماذا الحق يدور مع علي حيثما دار؟ هذا الكلام في غاية التهافت ، ولا يمكن أن يقبله جاهل فضلا عن عالم ، كيف يدور الحق مدار إنسان ، فإذا قبل هذا الكلام يمكن أن يقبل للرسل الذين عصمهم الله ، أمَّا في غيرهم فمخالف للشرع ، كما قال رسول الله 6 : كل ابن آدم خطّاء ، وخير الخطّائين التوابون (٢) ، وهذا من المسلّمات العقليَّة قبل الشرعيّة ، فإنّ العقلاء يجوِّزون الخطأ حتى على الرجال الذين بلغوا مستوى من الكمال البشرى.

خالي : أولا : يا عزيزتي! إنّ هذا الكلام ليس متهافتاً كما تفضّلت ؛ لأن العقل لا يمانع أن يكون الحق يدور مدار إنسان ، بل حتى الإمكان العلمي والعملي لا يخالف ذلك ، أمَّا على المستوى العقلي فإن العقل لا يحكم باستحالة شيء إلاَّ إذا رجع لمبدأ التناقض ، وهذه منتفية بالضرورة ، وأمَّا على المستوى العلمي فالعلم يقول إنّ في الإنسان قوَّة عقليَّة تدلّه للصواب ، وغرائز وشهوات

__________________

١ ـ جاء في الهامش : وللتفصيل ارجعي إلى كتب التاريخ ، مثل الطبري في ذكره حوادث بعد الرسول 6 ، وابن الأثير ، ج٢ ، ص ١٢٥ ، وتاريخ الخلفاء لابن قتيبة ، ج١ ، ص ٥ ، وسيرة ابن هشام ، ج٤ ، ص ٣٣٦ ، وغيرها مثل : الطبقات ، وكنز العمال ، والعقد الفريد ، وتاريخ الذهبي ، واليعقوبي ، والموفقيات للزبير بن بكار ، وكتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري ، وشرح نهج البلاغة.

٢ ـ سنن الترمذي : ٤/٧٠ ح ٢٦١٦ ، المستدرك ، الحاكم : ٤/٢٤٥.


تجرُّه للخطأ ، فإذا غلّب الإنسان قوَّته العقليَّة لا يمكن أن يرتكب الخطأ ، وأمَّا من الناحية العمليَّة يكفيك الأنبياء والرسل ( صلوات الله عليهم أجمعين ) ، فليس في الأمر تهافت.

وثانياً : إنّ هذا الكلام لا يخالف الشرع كما تفضَّلت ، قال تعالى : ( وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرّاً يَرَهُ ) (١) فإنّ الله يحاسب الإنسان على مثقال ذرة ـ وهي أصغر ما يمكن أن يعبَّر بها ـ من الشرّ ، فإذا كان الإنسان ليس قادراً على أن لا يرتكب مثقال ذرَّه فلماذا يحاسبه الله؟ قال تعالى : ( لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وسَعَها ) (٢).

فمعنى ذلك أن عدم ارتكاب الذرّة من الخطأ هي من سعة الإنسان واستطاعته ، وهذا دليل على أن كل إنسان يمكن أن يكون معصوماً ، وإذا سلَّمت بذلك كما هو واضح ، فهل ياترى لم يتحقَّق ذلك أبداً في طول التأريخ الإسلامي؟ وهو بالتأكيد تحقَّق ؛ لأن الله لم يضع هذا الأمر عبثاً ، وإنما واقعاً ؛ لأن هذه الآية ليست مثاليَّة ، وإنما لها نماذج واقعيَّة تكون حجَّة على البشر ، فهل ياترى هنالك نموذج يكون مصداقاً لهذه الآية غير علي بن أبي طالب 7 الذي اتّفق على فضله جميع المسلمين؟!

وثالثاً قال تعالى : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (٣) ، جاء في تفسير الرازي لهذه الآية أنّ الله أوجب طاعة أولي الأمر على سبيل الجزم ، وكل من يأمر الله بطاعته على سبيل الجزم لابدَّ أن يكون معصوماً ، وإلاَّ

__________________

١ ـ سورة الزلزلة ، الآية : ٨.

٢ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢٨٦.

٣ ـ سورة النساء ، الآية : ٥٩.


يجتمع الأمر والنهي في موضع واحد ، وهذا محال.

وبتقرير آخر : إنّ الله أمر بالطاعة المطلقة لأولي الأمر من غير تخصيص ، فإذا كان يتصوَّر منهم الخطأ فإننا بطريقة غير مباشرة نرتكب الخطأ ، فنكون أمرنا بارتكاب الخطأ ، وقد نهانا الله عنه ، فيكون بذلك اجتمع الأمر والنهي في موضع واحد ، وهذا محال ، فإذاً لابد أن يكون أولو الأمر معصومين ، فياترى من هم المعصومون الذين أمرنا الله بطاعتهم؟

قلت لكي أقطع عليه الطريق : ... الرسول 6 طبعاً.

خالي مبتسماً : مهلا يابنة أختي ، لا تتعجَّلي ..

قلت : نعم ، نعم أنا آسفة .. واصل كلامك.

خالي : والإجابة على ذلك هو قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) إنّ في هذه الآية تأكيداً من الله عزّوجلَّ على تطهير أهل البيت : من الرجس ، وهو كل ذنب صغيراً كان أم كبيراً ، وهذه هي العصمة بعينها ، فيكون معنى الآية : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأهل البيت : ، وقد ذكرت لك ذلك من قبل ولكن لتأكيد الفائدة وتعميمها.

رابعاً : قال رسول الله 6 : عليٌّ مع الحق والحق مع علي ، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض (٢) ، وقال6مشيراً إلى علي7: الحق مع ذا ، الحق مع ذا..(٣)، وقد روى الترمذي في فضائل علي7، والحاكم أيضاً في فضائله

__________________

١ ـ سورة الأحزاب ، الآية : ٣٣.

٢ ـ تأريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : ١٤/٣٢٢ ، رقم : ٧٦٤٣ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/٤٤٩ ، مناقب علي بن أبي طالب 7 للفقيه الحافظ أبي الحسن الواسطي الشافعي : ٢٤٤.

٣ ـ مسند أبي يعلى الموصلي : ٢/٣١٨ ح ١٠٥٢ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٧/٢٣٥ ، وقال : رواه أبو يعلى ورجاله ثقات ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/٤٤٩.


من المستدرك ، ونقل هذا الحديث أيضاً في الصواعق في الفصل الخامس في

الباب الأول ، وعن الذهبي أنه صحّح طرقاً كثيرة لدعاء النبيِّ 6 لعليٍّ 7 في غدير خم المشتمل على قوله : وأدر الحقَّ معه حيث دار.

وحكى ابن أبي الحديد قول الشيخ أبي القاسم البلخي وتلامذته لو نازع عليٌّ 7 عقيب وفاة الرسول 6 وسلَّ سيفه لحكمنا بهلاك كل من خالفه وتقدَّم عليه ، كما حكمنا بهلاك من نازعه حين أظهر نفسه ... إلى أن قال : وحكمه حكم رسول الله 6 ؛ لأنه قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنه قال 6 : عليٌّ مع الحق والحق مع عليٍّ يدور حيثما دار (١).

وجاء في كنز العمال : الحقُّ مع ذا ، الحقُّ مع ذا (٢) ، وروى أيضاً : يا عمار! إن رأيت عليّاً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع عليٍّ ودع الناس ، فإنه لن يدلَّك على ردى ، ولن يخرجك من الهدى (٣).

الشورى في الواقع العملي

هذا من جهة ، ومن جهة أخرى إننا إذا تنازلنا عن كل ما قلناه في علي 7 ، ونظرنا إلى الشورى والإجماع الذي تحتجّين به ، فهنالك عدّة إشكاليّات على أهل السقيفة ، وهي تتمثَّل في الريبة التي تلفُّ زمان السقيفة ومكانها ، حيث السقيفة لم تكن هي المكان الذي يصلح لا نعقاد مثل هذا الأمر الهامّ جداً ، وكان من الممكن أن ينعقد في مسجد رسول الله6، وثانياً الزمان الذي انعقدت فيه

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة : ٢/٢٩٦ ـ ٢٩٧.

٢ ـ كنز العمال ، المتقي الهندي : ١١/٦١٣ ـ ٦١٤ ح ٣٢٩٧٢.

٣ ـ كنز العمال ، المتقي الهندي : ١١/٦٢١ ح ٣٣٠١٨.


الشورى ؛ فإنه لا يخلو من خبث واضح ، فإن الرسول 6 ما زال مسجّى لم يدفن بعد ، فأيُّ مسلم له غيرة على الإسلام يقبل ذلك؟

والإشكال الآخر : إذا سلّمنا أنّ للإجماع حجّة فإن هذا الإجماع لم ينعقد ؛ لعدم حضور كل الصحابة ، وعلى الأقل أهل المدينة ، وكان فيهم كبار الصحابة ، ثم إن الطريقة التي جرت بها الشورى خالية حتى من أبسط الأخلاقيَّات ؛ لشدَّة المهاترات التي جرت بينهم ، كقول عمر لسعد عندما اجتمع الناس لمبايعة أبي بكر ، وكادوا يطؤون سعد بن عبادة ، فقال أناس من أصحاب سعد : اتّقوا سعداً لا تطؤوه ، فقال عمر : اقتلوه قتله الله ، إنه صاحب فتنة ، ثمَّ قام على رأس سعد وقال له : لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك ، فأقبل عليه قيس بن سعد وأخذ بلحيِّة عمر قائلا : والله لو حصحصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة ، ثم تكلَّم سعد بن عبادة منادياً ، وخاطب عمر : أما والله لو أنّ بي قوَّة ما أقوى على النهوض لسمعت منّي في أقطارها وسككها زئيراً يحجرك وأصحابك ، أما والله لألحقنّك بقوم كنت فيهم تابعاً غير متبوع (١).

فبالله عليك ، لأيِّ شي استحقَّ سعد القتل ، ولم يكن يدعو إلاّ إلى نفسه كما دعا غيره؟

ولماذا كان صاحب فتنة وقد دعا للشورى التي أمر بها الإسلام كما تدّعون؟

__________________

١ ـ ذكرها الطبري : ٢/٤٥٩ ، الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : ١/١٧ ، المصنف ، ابن أبي شيبة : ٨/٥٧١ ـ ٥٧٢ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٢/٢٥.


عدالة الصحابة

قلت : للإنصاف ـ يا خالي ـ قد أدهشني هذا الكلام ، ولكنني لا يمكن أن أصدّق ذلك على الصحابة ، وكأنّي أراك متحاملا عليهم ، وإلاّ ما حفظت كل هذه الشواهد في مثالبهم ، وممَّا يجعلني أشكِّك في كلامك أنّ مثل هذه الأفعال كيف تصدر من الصحابة الذين ربّاهم الرسول الأكرم 6.

خالي : لا يا عزيزتي ، لم يكن في الأمر تحامل ، وما أنا إلاّ دارس للتأريخ ، وقد سجّل لنا التأريخ أنّ الصحّابة فعلوا ما فعلوا.

ثمَّ من قال : إنّ مجرَّد الصحبة عاصمة من الخطأ؟ فالصحابة هم مجتمع بشريٌّ يحمل الصالح والطالح ، وكون هنالك رسول اتفق وجوده مع وجودهم هذا ليس كافياً أن ينقل كل ذلك المجتمع من قمّة الجاهليّة إلى قمّة العدالة ، وكم هنالك مجتمعات عاش بينها عشرات الأنبياء لم يمنعهم ذلك من عذاب الله ، فبنو إسرائيل كانوا يقتلون في اليوم والليلة سبعين نبيّاً (١) ، قال تعالى : ( كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ ) (٢) ، أمّا لماذا فعلوا ، فهذا بحث آخر.

قلت : ما هي نظرتكم إلى الصحابة بكل أمانة؟

خالي : ننظر إليهم كما نظر إليهم القرآن والأحاديث الشريفة.

قلت : وكذلك أهل السنّة يقولون : إنّ القرآن نزَّههم من كل سوء ، وبايعوه

__________________

١ ـ راجع : اللهوف في قتلى الطفوف ، ابن طاووس : ٢٢ ، تفسير الثعالبي : ١/٢٧٧.

٢ ـ سورة المائدة ، الآية : ٧٠.


على الموت ، وصاحبوه بصدق في القول والعمل ، وهي أحد الأصول التي ندين بها.

خالي : هذه نظرتهم لا نظرة القرآن ؛ لأنّ القرآن قسّم الصحابة إلى ثلاثة أقسام ...

الأول : الصحابة الأخيار الذين عرفوا الله ورسوله 6 حق المعرفة ، ولم ينقلبوا بعده ، بل ثبتوا على العهد ، وقد مدحهم الله جلّ جلاله في كتابه العزيز ، وقد أثنى عليهم رسول الله 6 في العديد من المواقع ، ونحن الشيعة نذكرهم باحترام وتقديس ونترضَّى عليهم.

القسم الثاني : هم الصحابة الذين اعتنقوا الإسلام واتّبعوا رسول الله 6 إمّا رغبة أو رهبة ، وهؤلاء كانوا يمنُّون إسلامهم على رسول الله 6 ، وكانوا يؤذونه في بعض الأوقات ، ولا يمتثلون لأوامره ونواهيه ، بل يجعلون لآرائهم مجالا في مقابل الرسول 6 ، حتى نزل القرآن بتوبيخهم مرّة وتهديدهم أخرى ، وقد فضحهم الله في عديد من الآيات ، وحذَّرهم رسول الله 6 في عديد من الأحاديث النبويَّة ، ونحن الشيعة لا نذكر هؤلاء إلاَّ بأفعالهم.

القسم الثالث : فهم المنافقون الذين صحبوا رسول الله 6 نفاقاً ، وقد أنزل الله فيهم سورة كاملة ، وذكرهم في العديد من المواقع ، وتوعَّدهم بالدرك الأسفل من النار ، وهؤلاء يتفق الشيعة والسنة على لعنهم والبراءة منهم.

قلت : من أين أتيت بهذا التقسيم ، وقد قال تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً )(١)، فهذه الآية تفيد الإطلاق على كل من تبع الرسول6، وتصفهم

__________________

١ ـ سورة الفتح ، الآية : ١٨.


بالإيمان وإنزال السكينة ، ما عدا المنافقين فهم خارجون تخصُّصاً.

خالي : أولا : إنّ ( المؤمنين ) هنا ليست لفظاً قصد منه الإطلاق ؛ أي مطلق المؤمنين ، وإنّما صفة مخصّصة ومقيِّدة لكل من تبع الرسول 6 ؛ أي ليس كل من تبع الرسول 6 وإنما المؤمنون منهم.

ثانياً : لو رجعت إلى الآية الأخرى التي تحدَّثت عن بيعة الشجرة في نفس السورة وبالتحديد الآية رقم ١٠ ، تجدين أنّ الله لم يجعل رضاه مطلقاً ، وإنما جعله مرهوناً ومشروطاً بعدم النكث ، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) (١) ، والآية أوضح من أيِّ تفسير ، فهذه الآية تبيِّن أنّ هناك قسمين من الصحابة :

قسم نكث ولم ينل رضا الله.

وقسم أوفى بما عاهد الله فنال رضاه.

قلت : تحليلك للأمور رائع ، ولكن ماذا تقول في قوله تعالى : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيَماهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الاِْنجِيلِ كَزَرْع أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) (٢) ، فما رأيك في هذه الآية الصريحة في عدالة الصحابة؟ وقد فسّر

__________________

١ ـ سورة الفتح ، الآية : ١٠.

٢ ـ سورة الفتح ، الآية : ٢٩.


بعضهم قوله : ( يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) يعجب المؤمنين ويغيظ الشيعة ، لأنهم يعادون الصحابة.

خالي وهو مبتسم : أوّلا : كون بعض من ارتأى وقالوا ما قالوا فإنّ هذا ليس ملزماً لنا ، كما أنه افتراء على الله ورسوله 6 ؛ لأنه لا يتعدَّى كونه تفسيراً بالرأي.

وثانياً : أنا أسألك ، ما معنى المعيَّة هنا؟ هل هي معيَّة الزمان؟ أم معيَّة المكان؟ أم معيَّة من نوع آخر؟

إن كان المقصود بهذه المعيَّة هو معيَّة الزمان والمكان ، فأبو جهل وسجاح والأسود العنسي والمنافقون كانوا معه ، وكذلك المشركون ، من الواضح أن لا يكون المقصود ذلك ، وإنّما معيَّة من نوع آخر ، وهي من كان معه على المنهج ، ومؤيِّداً وثابتاً على ما عاهد الله عليه ، والدليل على ذلك ذيل الآية : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم ) (١) فمنهم تفيد التبعيض ، وهذا هو عين الصواب ، وإلاَّ دخل في المعيّة أولئك المنافقون الذين مردوا على النفاق كما جاء في قوله تعالى : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) (٢).

كما أن الحديث عن المنافقين يفتح أمامنا سؤالا عريضاً ، كيف انقطع النفاق بمجرَّد انقطاع الوحي؟ فهل كانت حياة النبيِّ 6 سبباً في نفاق المنافقين؟ أو موته6سبباً في إيمانهم وعدالتهم؟ كل هذه الأسئلة يدعو إليها

__________________

١ ـ سورة الفتح ، الآية : ٢٩.

٢ ـ سورة التوبة ، الآية : ١١٠.


الواقع التأريخيِّ الذي لم يذكر لنا شيئاً عنهم بعد وفاة رسول الله 6 ، مع أنهم كانوا يشكِّلون خطراً على الأمَّة الإسلاميَّة ، قال تعالى : ( جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) (١) ، ولم يثبت لنا التأريخ أنّ رسول الله 6قاتل المنافقين ، فهل ياترى من الذي قاتل المنافقين ، غير علي 7؟! وخاصة أن الكتاب والسنّة أثبتا بقاء المنافقين على نفاقهم ، بل هم الأكثريّة الذين شكَّلوا تيَّار الانقلاب بعد وفاة رسول الله 9 ، قال تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) (٢) ولا يخفى عليك أن قوله : ( الشَّاكِرِينَ ) دلالة على الأقلّيّة ؛ لقوله تعالى : ( وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) (٣) ، ( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) (٤).

قلت : قد زدتني حيرة على حيرتي ، كيف يكون كل هذا في الصحابة؟ فكيف تفسّر تلك الحروب التي قدَّم فيها الصحابة أرواحهم ، وضربوا لنا أروع الأمثال في التضحية؟ فيمكن أن ينافق الإنسان في كل شيء إلاَّ في هلاك نفسه.

خالي : لا تحتاري ، فإنَّ مجتمع الرسول 6 كان مجتمعاً بشريّاً فيه الصالح والطالح ، ولا يمكن أن يكون مجرَّد وجود الرسول 6 بينهم كافياً لعصمة مجتمع بأكمله ، والآيات القرآنيّة حاكمة بذلك كما تقدَّم ، وغيرها كقوله تعالى : ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ

__________________

١ ـ سورة التحريم ، الآية : ٩.

٢ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٤٤.

٣ ـ سورة المؤمنون ، الآية : ٧٠.

٤ ـ سورة سبأ ، الآية : ١٣.


غُرُوراً ) (١) ، والعطف في الآية دال على أنّ الذين في قلوبهم مرض غير المنافقين.

وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا ... ) (٢).

ومن المعلوم أنّ الفاسق المقصود كان من الصحابة (٣).

أمَّا قولك كيف ضحّوا بأنفسهم ، فإن مثل هذا السؤال لا تتوقَّف الإجابة عليه على كونهم مؤمنين ، والتأريخ والواقع خير شاهد على ما قلت ، فكم من حروب دارت ، وكم من جماعات ضحّوا ، فهل نحكم على الجميع بالإيمان ، فهناك المكره ، وهناك من فرض عليه الواقع أمراً محكوماً ، والحروب التي كانت قبل الإسلام خير دليل ، ومع ذلك أنا أرمي ( بعض ) الذين حاربوا مع رسول الله 6 بأنهم كانوا مجبرين ، مع أنه كان هناك المجبور والمنافق كشهيد الحمار ، إنَّما أقول حتى المؤمن حقّاً لا تعني حربه مع رسول الله 6 عاصمة له من الانحراف بعد وفاة رسول الله 6 ، فإنّ مجموعة كبيرة من الصحابة كانت تحارب مع رسول الله 6 وهم يستلهمون الطاقة والحماس منه.

وبمعنى آخر كانوا يعملون بالطاقة التي كانوا يكسبونها من رسول الله 6 ، وأضرب لك مثالا على ذلك : عندما يستمع الإنسان لخطيب بارع يتحدَّث عن الجهاد والتضحية فسوف تنتاب المستمعين حالة روحيّة عالية ، بحيث لوطلب من كل واحدمنهم أن يضحّي بنفسه فإنّه لايمانع ، ولكن مجرَّد أن

__________________

١ ـ سورة الأحزاب ، الآية : ١٢.

٢ ـ سورة الحجرات ، الآية : ٦.

٣ ـ وهو الوليد بن عقبة ، راجع : أسباب النزول ، الواحدي : ٢٦١ ـ ٢٦٢ ، تفسير ابن كثير : ٤/٢٢٤ ، تفسير الدرّ المنثور ، السيوطي : ٦/٨٨ ـ ٨٩.


يغادر المكان ويبتعد عن الخطيب ، تضعف تلك الطاقة ، هذا بخلاف الذي يكون له وعي كامل بالقضية ، فإنه يولِّد تلك الطاقة من نفسه ، وكثير من الثورات الإصلاحيّة تحوَّل الداعون لها إلى مفسدين بعد أن فقدوا قائدهم الروحي ، وهذا أمر طبيعي ينتاب كل البشر.

ولك في الثورة المهديّة في السودان خير مثال ، فبموت محمّد أحمد المهدي انشقَّت صفوف الأنصار ، ووقع الخلاف بينهم ، وهكذا الصحابة بشر فإنهم معرَّضون لذلك ، قال تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) (١) ، وقال رسول الله 6 ـ كما جاء في البخاري وصحيح مسلم ـ : بينما أنا قائم فإذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم ، فقلت : إلى أين؟ فقال : إلى النار والله ، قلت : ما شأنهم؟ قال : إنهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أرى يخلص منهم إلاَّ كهمل ، النعم (٢).

وقال 6 : إنّي فرطكم على الحوض ، من مرَّ عليَّ شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبداً ، ليردنَّ عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفونني ، ثمَّ يحال بيني وبينهم ، فأقول : أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي (٣).

__________________

١ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٤٤.

٢ ـ صحيح البخاري : ٧/٢٠٨ ـ ٢٠٩ ، كتاب الدعوات ، باب في الحوض ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ١١/١٣٢ ـ ١٣٣ ح ٣٠٩١٨.

٣ ـ صحيح البخاري : ٧/٢٠٧ ـ ٢٠٨ ، صحيح مسلم : ٧/٦٦ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٦/١٤٣.


موقف علي 7 من خلافة أبي بكر

طأطأت رأسي غارقة في تفكير عميق ومردِّدة .. عجيب ، عجيب ، عجيب.

خالي : ممَ تعجُّبكِ؟

قلت : وفق ما ذكرت من هذه الأدلّة القاطعة ، وخاصة في مورد الإمامة ، فلماذا لم يعترض عليٌّ كرَّم الله وجهه على القوم ، بل أكَّد على موقف الشورى ، حيث قال في النص الذي سجَّلته لك : وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضى ، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردُّوه إلى ما خرج منهم ، فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين.

خالي : كما أثبتُّ لك أن الشورى باطلة ، وأن النص والتعيين هو المتحقِّق ، وهذا هو مبحثنا ، أمَّا أن عليّاً 7 لماذا سكت فهذا بحث آخر.

قلت مقاطعة : هذا الكلام لا أقبله منك ، أليست الخلافة حقاً لعليٍّ؟ فسكوت الإمام علي 7 هو سكوت عن حقِّه.

خالي : أجمعت الأمَّة على أنّ علياً 7 وسائر بني هاشم لم يشهدوا البيعة ، ولا دخلوا السقيفة يومئذ ، كانوا منشغلين بتجهيز رسول الله 6 ، حتى أكمل أهل السقيفة أمرهم ، وعقدوا البيعة لأبي بكر ، فأين كان الإمام 7 عن السقيفة ، وعن بيعة أبي بكر ليحتجّ عليهم؟

وقد أجاب الإمام عليٌّ 7 عن هذا الإشكال عندما سأله الأشعث ابن قيس ، عندما قال للإمام علي7: ما منعك ـ يا ابن أبي طالب ـ حين بويع أخو


بني تيم ، وأخو بني عدي ، وأخو بني أمية ـ أن تقاتل وتضرب بسيفك وأنت لم تخطبنا مذ قدمت العراق إلاَّ قلت قبل أن تنزل عن المنبر : والله إنّي لأوّل الناس ، وما زلت مظلوماً مذ قبض رسول الله 6 ، فقال 7 : يا ابن قيس! لم يمنعني من ذلك الجبن ، ولا كراهية لقاء ربّي ، ولكن منعني من ذلك أمر النبيِّ 6 وعهده إليّ .. أخبرني بما الأمّة صانعة بعده ، فقال رسول الله 6 : يا عليُّ! ستغدر بك الأمّة من بعدي ، فقلت : يا رسول الله! فما تعهد إليّ إذا كان كذلك؟ فقال الرسول 6 : إن وجدت أعواناً فانبذ إليهم وجاهدهم ، وإن لم تجد أعواناً فكفَّ يدك ، واحقن دمك حتى تجد على إقامة الدين وكتاب الله وسنّتي أعواناً (١).

وفي رواية الخطيب البغدادي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن علي 7 قال : أخذ عليٌّ يحدِّثنا إلى أن قال : « جذبني رسول الله 6 وبكى ، فقلت : يا رسول الله! ما يبكيك؟ قال : ضغائن في صدور قوم لن يبدوها لك إلاَّ بعدي ... فقلت : بسلامة من ديني؟ قال : نعم بسلامة من دينك (٢).

كما سئل هذا السؤال الإمام الرضا 7 ، وهو الإمام الثامن من أهل البيت : ، فأجاب : لأنّه ـ أي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب 7 ـ اقتدى برسول 6 في تركه جهاد المشركين بمكة بعد النبوَّة ثلاث عشرة سنة ، وبالمدينة تسعة عشر شهراً (٣).

__________________

١ ـ الاحتجاج ، الطبرسي : ١/٢٨٠ ـ ٢٨١ ، كتاب سليم بن قيس ، ٢١٤ ـ ٢١٥ ، بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة ، التستري : ٤/٥١٩.

٢ ـ تأريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : ١٢/٣٩٤ ، رقم : ٦٨٥٩ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/٣٢٣.

٣ ـ والرواية هي عن الصدوق عليه الرحمة ، عن الهيثم بن عبدالله الرماني قال: سألت علي بن موسى


وجاء في كتاب معاوية إلى عليٍّ 7 : وأعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلا على حمار ، ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع أبو بكر ، فلم تدع أحداً من أهل بدر والسوابق إلاَّ دعوتهم إلى نفسك ، ومشيت إليهم بامرأتك ، وأدليت إليهم بابنيك ، فلم يجبك منهم إلاَّ أربعة أو خمسة ... مهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لمَّا حرّكك وهيّجك : لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم (١).

فأمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 ترك جهاد القوم ، لقلّة ناصريه ، فصبر وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ، يرى تراثه ينهب ، ويعلِّل ذلك بأنّه لم يسكت إلاَّ تأسِّياً بالأنبياء : ، حيث قال : إنّ لي بسبعة من الأنبياء أسوة :

الأول : نوح 7 ، قال الله تعالى مخبراً عنه في سورة القمر ( فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ) (٢) فإن قلت : لم يكن مغلوباً فقد كذَّبت القرآن ، وإن قلت : كان مغلوباً فعليٌّ أعذر.

الثاني : إبراهيم الخليل 7 ، حيث حكى الله تعالى عنه قوله : ( وَأَعْتَزِلُكُمْ

__________________

الرضا 7 ، فقلت له : يابن رسول الله! أخبرني عن علي بن أبي طالب لم لم يجاهد أعدائه خمساً وعشرين سنة بعد رسول الله 6 ثمَّ جاهد في أيام ولايته؟ فقال : لأنَّه اقتدى برسول الله 6 في تركه جهاد المشركين بمكة ثلاث عشرة سنة بعد النبوَّة ، وبالمدينة تسعة عشر شهراً ، وذلك لقلّة أعوانه عليهم ، وكذلك علي 7 ترك مجاهدة أعدائه لقلّة أعوانه عليهم ، فلمَّا لم تبطل نبوَّة رسول الله 9 مع تركه الجهاد ثلاث عشرة سنة وتسعة عشر شهراً ، كذلك لم تبطل إمامة علي 7 مع تركه الجهاد خمساً وعشرين سنة ؛ إذ كانت العلّة المانعة لهما من الجهاد واحدة.

علل الشرائع ، الصدوق : ١/١٤٨ ح ٥ ، عيون أخبار الرضا 7 ، الصدوق : ١/٨٧ ـ ٨٨ ح ١٦.

١ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٢/٤٧.

٢ ـ سورة القمر ، الآية : ١٠.


وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) (١) فإن قلت : اعتزلهم من غير مكروه فقد كفرت ، وإن قلت : رأى المكروه فاعتزلهم فعليٌّ أعذر.

الثالث : نبيُّ الله لوط 7 ، إذ قال لقومه على ما حكاه الله تعالى : ( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْن شَدِيد ) (٢) فإن قلت : كان له بهم قوَّة كذّبت القرآن ، وإن قلت : إنه ما كان له بهم قوَّة فعليٌّ أعذر.

الرابع : نبيُّ الله يوسف 7 ، فقد حكى الله تعالى عنه : ( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) (٣) فإن قلت : إنّه دعي إلى غير مكروه يسخط الله تعالى فقد كفرت ، وإن قلت : إنه دعي إلى ما يسخط الله فاختار السجن فعليٌّ أعذر.

الخامس : كليم الله موسى بن عمران 7 ، إذ يقول ما ذكره الله تعالى عنه : ( فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (٤) ، فإن قلت : إنه فرَّ منهم من غير خوف فقد كذَّبت القرآن ، وإن قلت : فرَّ منهم خوفاً فعليٌّ أعذر.

السادس : نبيُّ الله هارون بن عمران 7 ، إذ يقول على ما حكاه الله تعالى عنه : ( قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي ) (٥) فإن قلت : إنهم ما استضعفوه فقد كذَّبت القرآن ، وإن قلت : إنهم استضعفوه وأشرفوا على قتله فعليٌّ أعذر.

__________________

١ ـ سورة مريم ، الآية : ٤٨.

٢ ـ سورة هود ، الآية : ٨.

٣ ـ سورة يوسف ، الآية : ٣٣.

٤ ـ سورة الشعراء ، الآية : ٢١.

٥ ـ سورة الأعراف ، الآية : ١٥٠.


السابع : محمّد رسول الله 6 ، حيث هرب إلى الغار ، فإن قلت : إنَّه 6 هرب من غير خوف فقد كفرت ، وإن قلت : أخافوه وطلبوا دمه وحاولوا قتله فلم يسعه غير الهرب فعليٌّ أعذر (١).

إمامة عليٍّ 7 على نحو الاختيار وليس الجبر

إنّ الأحكام الشرعيّة ـ يا عزيزتي ـ معلَّقة على حرِّيَّة المكلَّف واختياره ، فإنّ الله لا يجبر عباده على طاعته ، فكون علي 7 إماماً من قبل الله تعالى لا يعني أن تجبر الخلائق على اتباعه ( مَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ) (٢) وهذا ما جرى على الأنبياء جميعهم ، وقال تعالى : ( أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) (٣) ، فالبيعة لعليٍّ لا يفرضها الله على عباده (٤) كما لم يفرض بيعة الرسول 6 ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ) (٥) والمجيء دالٌ على أنّ الأمر بالبيعة معلَّق على مجيء المؤمنات طائعات.

لذلك قال رسول الله 6 في حق علي 7 ـ كما أخرجه الطبري في الرياض النضرةـ : يا علي! إني أعلم ضغائن في صدور قوم سوف يخرجونها لك

__________________

١ ـ راجع : مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : ١/٢٣٢ ـ ٢٣٣.

٢ ـ سورة الكهف ، الآية : ٢٩.

٣ ـ سورة البقرة ، الآية : ٨٧.

٤ ـ يعني بالجبر والإكراه ، قال تعالى : ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) البقرة ، الآية : ٢٥٦.

٥ ـ سورة الممتحنة ، الآية : ١٢.


من بعدي ، أنت كالبيت تؤتى ولا تأتي ، إن جاءوك وبايعوك فاقبل منهم ، وإلاَّ فاصبر حتى تلقاني مظلوماً.

فإذا كان هنالك قصور فهو من الذين لم يبايعوه ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن في الأمر تزاحم مصالح ، فولاية علي 7 مصلحة ، والحفاظ على بيضة الإسلام مصلحة أخرى (١) ، فقدَّم عليٌّ مصلحة الحفاظ على بيضة الإسلام على مصلحة إمامته ، كما فعل نبيُّ الله هارون عندما عبد قومه العجل ، فلم يمنعهم حفاظاً على وحدة بني إسرائيل ، قال تعالى : ( إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) (٢).

قلت : إذاً بماذا تفسّر كلمة الإمام ( كرَّم الله وجهه ) التي جاءت في نهج البلاغة : وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسمَّوه إماماً كان ذلك لله رضى؟

خالي : باختصار شديد أجيبك قائلا : إن ابن أبي الحديد المعتزلي هو أول من احتجّ بهذه الكلمة ، على أن صيغة الحكومة بعد وفاة النبي6مستندة إلى الاختيار ونظام الشورى ، وتبعه من تبعه ، ولكنّه غفل ـ أو بالأصحِّ تغافل ـ عن صدر الكلمة التي تعرب عن أن الاستدلال بالشورى من باب الجدل ، خضوعاً لقوله تعالى: ( وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (٣) فإن الإمام علياً7بدأ كلمته ـ مخاطباً معاوية بن أبي سفيان ـ بقوله : أمَّا بعد ، فإنَّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت

__________________

١ ـ إن الدولة الإسلاميّة كانت مهدَّدة من المنافقين من جهة ، ودولة فارس والروم من جهة أخرى ، وهذا بالإضافة لما أخبر به القرآن الكريم من حوادث تقع بعد وفاة الرسول 9 كاية الانقلاب.

٢ ـ سورة طه ، الآية : ٩٤.

٣ ـ سورة النحل ، الآية : ١٢٥.


بالشام ، لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبابكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يردَّ ... إلى قوله : وإن طلحة والزبير بايعاني ثمَّ نقضا بيعتي ، وكان نقضهما كردِّهما ، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق ، ظهر أمر الله وهم كارهون .. فادخل فيما دخل فيه المسلمون (١).

فقد ابتدأ أميرالمؤمنين 7 بخلافة الشيخين ، وذلك يعرب على أنه في مقام إسكات معاوية الذي خرج على إمام زمانه ، وقد أتمَّ 7 كلمته بقوله : فإن اجتمعوا على رجل .. احتجاجاً بمعتقد معاوية ، بمعنى : ألزموهم ما ألزموا به أنفسهم.

وهذه هي الخطبة الشقشقية في نهج البلاغة عن أميرالمؤمنين 7 : « أما والله لقد تقمَّصها (٢) ابن أبي قحافة ، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحى ، ينحدر عنّي السيّل ، ولا يرقى إليّ الطَّير (٣) ، فسدلت (٤) دونها ثوباً ، وطويت عنها كشحاً (٥) ، وطفقت أرتأي بين أن أصول بيدجذّاء (٦)، أو أصبر على طخية عمياء(٧) ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٣/٧٥ ، و١٤/٣٦ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٥٩/١٢٨ ، المناقب ، الخوارزمي : ٢٠٢.

٢ ـ الضمير عائد على الخلافة ، فهنا شبَّه الإمام علي 7 خلافة أبي بكر كالذي لبس قميصاً ليس قميصه.

٣ ـ تمثيل لسمو قدره 7 ، وقربه من مهبط الوحي ، وأن ما يصل إلى غيره من فيض الفضل فإنما يتدفَّق من حوضه ، ثمَّ ينحدر عن مقامه العالي ، فيصيب منه من شاء الله.

٤ ـ كناية عن غضّ نظره عن الخلافة ، وسدل الثوب : أرخاه.

٥ ـ مال عن الخلافة ، وهو مثل لمن جاع ، فمن جاع طوى كشحه ، ومن شبع فقد ملأه.

٦ ـ الجذّاء : المقطوعة ، ومراده 7 هنا قلّة الناصر والمعين.

٧ ـ الطخية : الظلمة ، ونسبة العمى إليها مجاز عقليٌّ ، وهو تأكيد لظلام الحال واسودادها.


يلقى ربَّه ، فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ، أرى تراثي نهباً (١) ، حتى مضى الأوَّل لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده ، ثم تمثّل بقول الأعشى :

شتّان ما يومي على كورها

ويوم حيّان أخي جابر

فيا عجباً! بينا هو يستقيلها في حياته (٢) إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشدّ ما تشطّرا ضرعيها (٣) ، فصّيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسُّها .. إلى أن يقول 7 : فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة ، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم ، فيالله وللشورى! متى اعترض الرّيب فيَّ مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر ، لكنّي أسففت إذ أسفُّوا ، وطرت إذ طاروا ، فصغى رجل منهم لضغنه (٤) ، ومال الآخر لصهره (٥) ، مع هن وهن (٦) ، إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه .. (٧).

إلى أن ختمها بقوله 7 : أما والذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة ، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر ، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارُّوا على

__________________

١ ـ وهذا تأكيد منه 7 بأنّ الخلافة حق ثابت له.

٢ ـ إشارة لقول أبي بكر : أقيلوني فلست بخيركم.

٣ ـ وهي إشارة منه 7 إلى تقسيم الخلافة بين أبي بكر وعمر.

٤ ـ يشير 7 إلى سعد بن أبي وقاص الذي صغى إلى ضغنه وهو عبد الرحمن بن عوف.

٥ ـ يشير 7 إلى عبد الرحمن بن عوف الذي مال إلى صهره وهو عثمان بن عفان.

٦ ـ إشارة منه 7 إلى أغراض أخر يكره ذكرها.

٧ ـ يشير 7 إلى عثمان وكان ثالثاً بعد انضمام كل من طلحة والزبير وسعد إلى صاحبه ، ونافجاً حضنيه : رافعاً لهما ، والحضن : ما بين الابط والكشح ، يقال للمتكبِّر : جاء نافجاً حضنيه ، والنثيل : الروث ، والمعتلف : موضع العلف ، أي أراد 7 بقوله : لاهمَّ له إلاَّ ما ذكره.


كظّة ظالم ، ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها ، ولألفيتُم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز (١).

احتجاج السيدة فاطمة الزهراء 3

تجمَّد فكري ، وعقدت الحيرة لساني ، فوضعت كلتا يديّ على رأسي ، ثمَّ قلت : كل هذا ونحن لا ندري ، أمرٌ لا يصدَّق.

فلم يدعني خالي أرتاح قليلا ... حتى أنعش أعصابي فبادرني قائلا : هذا فيما يتعلّق باحتجاج أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب 7 ، ودعيني أقرأ عليك ممّا جاء عن احتجاج الزهراء 3.

خالي : بغضّ النّظر عمَّا جاء في المصادر الشيعيّة من استنكار أهل بيت العصمة والطهارة 7 ، فقد ذكر أبو الفضل أحمد بن طيفور (٢) ، وجاء في شرح ابن أبي الحديد في المجلَّد الرابع (٣) ، وفي أعلام النساء لعمر رضا كحالة (٤) ، قالت 3 في خطبتها ـ التي كان أهل البيت : يلزمون أولادهم بحفظها كما يلزمونهم بحفظ القرآن ـ :

« ويحهم ، أنّى زحزحوها (٥) عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوَّة ، ومهبط

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ١/٣٠ ، رقم الخطبة : ٣ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١/١٦٢.

٢ ـ بلاغات النساء ، ابن طيفور : ٢٠ ، السقيفة وفدك ، الجوهري : ١٢٠.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٦/٢٣٣.

٤ ـ ج ٣ ، ص ١٢٠٨.

٥ ـ أي الخلافة.


الروح الأمين ، والطبين (١) بأمور الدنيا والدين ، ألا ذلك هو الخسران المبين .. ومانقموا من أبي الحسن؟! نقموا والله منه نكير سيفه ، وشدّة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمّره في ذات الله ، وتالله لو تكافأوا (٢) على زمام نبذه رسول الله 6 إليه لاعتلقه ، لسار بهم سيراً سجحاً لا يكلم خشاشه (٣) ولا يتعتع راكبه ، ولأوردهم منهلا رويّاً فضفاضاً (٤) تطفح ضفّتاه ، ولا يترنّم جانباه ، ولأصدرهم بطاناً (٥) ونصح لهم سرّاً وإعلاناً ، غير متحلٍّ منهم بطائل ، إلاَّ بغمر الناهل (٦) ، وردعه سورة الساغب (٧) ، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض ، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون ، ألا هلمَّ فاستمع ، وما عشت أراك الدهر عجباً ، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث ، إلى أيِّ لجأ استندوا ؟! وبأيِّ عروة تمسَّكوا ، لبئس المولى ولبئس العشير ، بئس للظالمين بدلا ، استبدلوا والله الذنابى بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، ألا إنّهم المفسدون ولكن لا يشعرون ، ويحهم ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن

__________________

١ ـ أي الخبير.

٢ ـ التكافؤ : التساوي ، والزمام الذي نبذه إليه رسول الله 9 ـ أي ألقاه إليه ـ في أمور دينها ودنياها ، والمعنى أنهم لو تساووا جميعاً في الانقياد بذلك الزمام والاستسلام إلى ذلك القائد العام ، لا عتلقه أي وضعه بين ركابه ، وساقه كما يعتقل الرمح.

٣ ـ سار بهم سيراً سجحاً أي سيراً سهلا ؛ ولا يكلم خشاشة أي لا يجرح أنف البعير ، والخشاش : عود يجعل في أنف البعير يشدُّ به الزمام ، ولا يتعتع راكبه ، أي لا يصيبه أذى.

٤ ـ أي يفيض منه الماء.

٥ ـ أي شبعانين.

٦ ـ أي ريّ الظمآن.

٧ ـ أي كسر شدّة الجوع.


يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١) ... إلى آخر الخطبة.

بينما هو يقرأ أحسست برعشة تسري إلى جميع أجزاء بدني ، وجرت دمعة على خدّي .. وكيف لا أبكي وقد أحسست بأنفاس الزهراء الطاهرة 3 تتسرَّب مع أنفاسي إلى أعماق نفسي ، فكانت تلك الكلمات حروفاً من نور تشعُّ في وجداني ، وربّ السماء والأرض لو أنكر أهل الدنيا جميعاً هذه الكلمات لعشت بها وحيدة في فيافي الأرض وقفارها ، أترنّم بأجراس كلماتها ، وترقص نفسي طرباً بأزيز أنغامها ، وهنا يكون العشق والحبُّ ، وتهيم الروح سكراً بلبِّ معناها.

كفكفت دمعي ، وتوسَّلت بخالي أن لا يقطع الحوار بسبب اضطرابي ... دعاني إلى النوم لكي تهدأ أعصابي ، قلت : كم هي الليالي التي لم نستفد منها إلاَّ النوم ، فإن كانت ليلة القدر خيراً من ألف شهر فهذه الليلة خير من ألف يوم ، فتلك الليلة تكتب فيها الأقدار ، وهذه الليلة تبعث فيها الأرواح.

وبعد إلحاح قال خالي : أختم لك هذه الليلة بحوار عمر مع جدِّنا عبد الله بن العباس ـ الذي نتشرَّف بالانتساب إليه ـ كما جاء في الكامل لابن الأثير (٢) ، وشرح النهج لابن أبي الحديد (٣) ، وتاريخ الطبري (٤).

قال عمر : أتدري ما منع قومكم بعد محمّد 6؟

قال ابن عباس : فكرهت أن أجيبه ، فقلت له : إن لم أكن أدري فإن

__________________

١ ـ سورة يونس ، الآية : ٣٥.

٢ ـ ج٣ ، ص ٦٣.

٣ ـ شرح نهج البلاغة : ١٢/٥٣.

٤ ـ تأريخ الطبري : ٣/٢٨٩.


أميرالمؤمنين يدري!

فقال عمر : كرهوا أن يجمعوا لكم النبوَّة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحاً (١) ، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفّقت.

عندها قال ابن عباس : يا أميرالمؤمنين! إن تأذن لي في الكلام وتمط عنّي الغضب ، تكلَّمت ..

قال : تكلَّم.

فقال ابن عباس : أمَّا قولك ـ يا أمير المؤمنين ـ : اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفّقت ، فلو أنّ قريشاً اختارت لأنفسها من حيث اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود ، وأمَّا قولك : إنهم أبوا أن تكون لنا النبوّة والخلافة فإنّ الله عزّ وجلَّ وصف قوماً بالكراهة ، فقال : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) (٢).

قال عمر : هيهات يا ابن عباس! قد كانت تبلغني عنك أشياء أكره أن أقرّك عليها فتزيل منزلتك منّي.

فقال ابن عباس : ما هي يا أميرالمؤمنين؟ فإن كانت حقاً فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك ، وإن كانت باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه.

قال عمر : بلغني أنك تقول : إنّما صرفوها عنّا حسداً وبغياً وظلماً.

فقال ابن عباس : أمَّا قولك ـ يا أميرالمؤمنين ـ : ظلماً ، فقد تبيَّن للجاهل والحليم ، وأمَّا قولك : حسداً ، فإن آدم حُسدَ ، ونحن ولده المحسودون.

__________________

١ ـ التبجُّح بالشي ، أي الفرح به.

٢ ـ سورة محمّد 9 ، الآية : ٤٧.


فقال عمر : هيهات ، هيهات ، أبت والله قلوبكم ـ يا بني هاشم ـ إلاَّ حسداً لا يزول.

فقال ابن عباس : مهلا يا أميرالمؤمنين! لا تصف بهذا قلوب قوم أذهب الله عنهم الرِّجس وطهَّرهم تطهيراً.

خالي : والدليل على أنّ أهل البيت : محسودون على المكانة التي خصّهم بها الله قوله تعالى : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً ) (١) ، والتدبُّر في هذه الآية يكشف لنا أنّ الحسد وقع على هؤلاء الناس بسبب عطاء ربِّك لهم ( الكتاب والحكمة والملك العظيم ) لأنّ المعلوم والمحكم في هذه الآية أنّ الله أعطى آل إبراهيم الكتاب والحكمة والملك العظيم ، والمتشابه علينا في هذه الآية هو من المقصود بالناس في هذه الآية؟ وما هو الفضل الذي أُعطي لهم؟ ولاستجلاء المعنى المقصود لابد من إجراء المقابلة ، فالناس يقابلهم آل إبراهيم ، والفضل يقابله الكتاب والحكمة والملك العظيم ، فهل ياترى من هؤلاء الناس في أمَّة محمّد يقابلون آل إبراهيم؟ هل تجدين غير آل محمّد كفؤاً ونظيراً لآل إبراهيم؟ فيتضح بذلك أنّ الناس المقصودين في هذه الآية هم آل محمّد 6 (٢).

أمَّا الفضل الذي أُعطي لهم فهو الكتاب والحكمة والملك العظيم ، فيكون

__________________

١ ـ سورة النساء ، الآية : ٥٤.

٢ ـ روى الحاكم الحسكاني ، عن أبان بن تغلب ، عن جعفر بن محمّد 7 في قوله تعالى : ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) قال : نحن المحسودون. شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ١/١٨٣ ح ١٩٥ ، ينابيع المودة ، القندوزي : ٢/٣٦٩ ح ٥٢ ، عن المناقب لابن المغازلي : ٢٦٧ حديث ٣١٤.


معنى الآية : أم يحسدون آل محمّد على ما آتاهم الله من الكتاب والحكمة والملك العظيم ، ولقد آتينا آل إبراهيم مثل ما أعطيناهم من الكتاب والملك العظيم ، فهل عرفت بذلك السبب الذي جعلهم يزيلون آل محمّد عن مراتبهم التي رتبهم الله بها؟.

يا عزيزتي! قد تبيَّن للجاهل قبل العالم ، وإياك أن تحيدي عن قوم أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً.

قلت : كل ما ذكرته مقنع ، ومستند على الأدلّة والبراهين الساطعة ، وهذا خلاف ما كنّا نعرفه عن الشيعة الذين كانوا في تصوُّرنا أبعد الناس عن الحقِّ ، وكل ما يمكن أن أجزم به الآن ـ حتى لا أكون متعجِّلة بالحكم بأحقّيّة مذهبكم ـ أنَّ الشيعة طائفة إسلاميَّة يجب أن تحترم ، وإن كانوا يختلفون مع عامّة المسلمين من أهل السنّة في بعض الأمور التي يمكن تجاوزها في سبيل الوحدة الإسلاميّة ، وللإنصاف ـ يا خالي ـ لقد سررت جداً بهذا الحوار ، وقد تعلَّمت منه درساً لن أنساه أبداً ، وهو عدم الحكم على الآخرين بالأفكار المسبقة ، والرجوع إليهم لا إلى من يخالفهم ، وأنا أعتقد أنّ من أعظم المصائب التي تعيشها أمتنا هي فقدانها لأرضيَّة الحوار.

ولكن عفواً يا خالي! ما زال هناك سؤال يراودني ، هل غاب هذا عن العلماء؟ ولماذا لم يتوصَّل أحد منهم لما ذكرت؟

خالي : لقد أثلجت صدري بهذا الكلام الذي ينمُّ عن وعي وشعور كاملين بالمسؤولية ، التي أمرنا القرآن الكريم أن نتحلّى بها من معرفة المنهج القرآنيِّ في المباحثة والمناظرة العلميّة الذي يعترف بالطرفين ، قال تعالى معلِّماً رسوله6


مخاطبة الكفار والمشركين : ( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَل مُّبِين ) (١) ، فانظري إلى هذا التعامل الأخلاقي النبيل ، فلم يقل لهم : إني على حق وأنتم على ضلال ، بل قال : إمَّا نحن أو أنتم على حق أو على باطل .. فهذا هو منهج القرآن عندما طرح للجميع حرّيّة المناقشة قائلا : ( قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (٢) ، فكان رسول الله 6 يسمع براهينهم ويردُّها بالتي هي أحسن ، وقد سجَّل القرآن نماذج كثيرةً سواء كانت مع رسول الله 6 أو مع الأنبياء السابقين ، ففي قصّة إبراهيم ونمرود ، وموسى وفرعون ، خير عبر ، وقد أثبت الله سبحانه وتعالى حجج وبراهين الكافرين في قرآنه ، وأعطاها من القداسة ما أعطى غيرها من الآيات ، ولم يجوّز لمسلم أن يمسَّها من غير وضوء بناء على الفقه الشيعي ، فأين هؤلاء الذين يشنِّعون ويفترون على الشيعة بكل ما هو باطل من هذا المنهج القرآني الأصيل (٣)؟

أمَّا قولك : لماذا لم يتوصَّل أحد لما ذكرت؟

قال تعالى : ( وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) (٤) ، وقال : ( أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) (٥) ، ( أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ) (٦) ، ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ

__________________

١ ـ سورة سبأ ، الآية : ٢٤.

٢ ـ سورة النمل ، الآية : ٦٤.

٣ ـ راجع كتاب الحقيقة الضائعة ، لمعتصم سيد أحمد ، ص ٣٠ تحت عنوان : ملاحظات للباحث لابد منها ، وص ٢١٨ مع إحسان إلهي ظهير.

٤ ـ سورة المؤمنون ، الآية : ٧٠.

٥ ـ سورة الأعراف ، الآية : ١٨٧.

٦ ـ سورة يوسف ، الآية : ٣٨.


بِمُؤْمِنِينَ ) (١) ، ( فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً ) (٢) ، ( أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (٣) .. هذا أوَّلا.

ثانياً : هناك من هو مصداق قوله تعالى : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ) (٤).

ثالثاً : هنالك مجموعة من نخبة السنّة وعلمائها من كسر الأغلال ، وتعدَّى حواجز الكبت الإعلامي ، والتحقوا بركب التشيٌّع في كل أنحاء العالم ، فتمسُّك بعض العلماء بموقفهم ليس دليلا على بطلان مذهب آل البيت : وإلاَّ حكمنا ببطلان مذهب أهل السنّة أيضاً لتمسّك علماء الطوائف الأخرى بعقيدتهم.

مسح الأرجل في الوضوء

لو سمحت لي ـ يا خالي ـ بآخر سؤال : لقد رأيتك تمسح على رجليك في الوضوء بدلا عن الغسل ، فما هو السبب؟ أليس الغسل أنظف وآمن للنجاسة من المسح؟

خالي وهو مستغرب لهذا الانتقال المفاجئ : نعم الغسل أنظف ، ولكن الله أعرف ، ثم ابتسم.

قلت : ولكن لم يأمر الله بالمسح؟

خالي : صبراً عليَّ : قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ

__________________

١ ـ سورة يوسف ، الآية : ١٠٣.

٢ ـ سورة الإسراء ، الآية : ٨٩.

٣ ـ سورة الرعد ، الآية : ١.

٤ ـ سورة النمل ، الآية : ١٤.


فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ) (١) ، فقوله : ( وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) دال على وجوب المسح بكلتا القراءتين : بالكسر أو بالفتح ، أمَّا الكسر فواضح ؛ لأنها معطوفة على الرأس ، وأمَّا النصب فإنه يدل على المسح أيضاً ، وذلك لأنه معطوف على موضع الرؤوس لوقوع المسح عليهما ، ولا يمكن العطف على الأيدي ، وذلك لوجود فاصل أجنبيٍّ وهو المسح ، فلا يجوز العطف على البعيد مع إمكانيَّة العطف على القريب.

وهذا ما أكَّدت عليه روايات أهل بيت العصمة والطهارة :، بل هنالك أحاديث من مصادر أهل السنة تؤيِّد المسح ، وممَّن قال بالمسح ابن عباس والحسن البصري والجبائي والطبري وغيرهم ، قال ابن عباس وأنس : الوضوء غسلتان ومسحتان ، كما جاء في الدر المنثور (٢) ، وقال عكرمة : ليس على الرجلين غسل ، إنما فيهما المسح ، وبه قال الشعبي : ألا ترى أن التيمم أن يمسح ما كان غسلا ، ويلغي ما كان مسحاً (٣) ، وروى أوس بن أوس ، قال : رأيت النبي 6 توضَّأ ومسح على رجليه (٤) ، ووصف ابن عباس وضوء رسول الله 6 وأنّه مسح على رجليه ، وقال : إنّ في كتاب الله المسح ، ويأبى الناس إلاَّ الغسل (٥).

__________________

١ ـ سورة المائدة ، الآية : ٦.

٢ ـ الدر المنثور : ٢/٢٦٢.

٣ ـ نفس المصدر : ٢٦٢.

٤ ـ أسد الغابة ، ابن الأثير : ١/٢١٧.

٥ ـ مجمع البيان ، الطبرسي : ٣/٢٨٤ ، الدرّ المنثور ، السيوطي : ٢/٢٦٢ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ٩/٤٣٢ ح ٢٦٨٣٧.


وجاء أيضاً في كنز العمال عن حمران قال : دعا عثمان بماء فتوضَّأ ، ثم ضحك فقال : ألا تسألوني ممَّ أضحك؟ قالوا : يا أميرالمؤمنين! ما أضحكك؟ قال : رأيتُ رسول الله 6 توضَّأ كما توضَّأت ، فمضمض واستنشق وغسل وجهه ثلاثاً ويديه ثلاثاً ومسح برأسه وظهر قدميه (١).

وفي سنن ابن ماجة فقال : إنّها لا تتُّم صلاة لأحد حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى ، يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين (٢).

ألا يكفي هذه دلالة على وجوب المسح؟

قلت : عجيب! ولماذا يغسل أهل السنّة إذاً؟

خالي : أنت سألتيني لماذا يمسح الشيعة فأجبتك ، وبقي عليك أن تجيبي على سؤالك لماذا يغسل أهل السنّة؟

ثمَّ اعتذر وانصرف لنومه.

أكذوبة المذاهب الأربعة

وبعد ذلك الحوار وجلسات أخرى متفرِّقة مع خالي ، اهتزّت كل قناعاتي بالموروث الديني السنّي ، وتكشَّفت أمام ناظري مجموعة من الحقائق ، بعدما وقفت على عمق الخلافات المذهبيَّة ، وعندما أتى خالي لزيارتنا في بيتنا عاجلته بالسؤال : وما هو رأيكم في المذاهب الأربعة؟

__________________

١ ـ كنز العمال : ٤٣٦ ح ٢٦٨٦٣.

٢ ـ سنن ابن ماجة : ١/١٥٦ ح ٤٦٩.


فتبسّم خالي قائلا : أما زلت في حيرة من أمرك ، فإنّ الله ورسوله 6 لم يكلِّفاك باتّباع أحد منهم ، وأنا أتحدَّى كل علماء السنة الماضين منهم والباقين أن يستدلُّوا بدليل واحد على وجوب تقليدهم ، فدعي عنك تلك الوساوس ، وتوجَّهي إلى أئمّة الهدى من آل البيت : ، فهم موضع الحكمة والرسالة ، جعلهم الله لنا عصمة وملاذاً ، ألم يقل رسول الله 6 : إني تارك فيكم ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي (١) .. ولم يقل : كتاب الله وأئمَّة المذاهب الأربعة.

فقاطعته قائلة : ولكن قال : ( كتاب الله وسنّتي ) ممَّا يفتح الباب واسعاً أمام اجتهاد الأمة.

خالي : أوَّلا : إنّ حديث : كتاب الله وسنّتي غير صحيح فلم يروه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة والترمذي وكل الصحاح الستة ، فكيف نرتكز على حديث غير ثابت عن رسول الله 6 ، فهذا الحديث لم يروه إلاَّ مالك في الموطأ من غير سند ، فقد جاء في الموطأ أن مالك بلغه أنّ رسول الله 6 قال : ( تركت فيكم كتاب الله وسنّتي ) (٢) ، فكيف ياترى بلغ مالكاً هذا الحديث عن رسول الله 6؟!! ومن المعلوم أن الفاصل بين رسول الله 6 ومالك يحتاج فيه الحديث إلى سند طويل ، يعني : حدَّثني فلان عن فلان عن فلان عن الصحابي عن رسول الله 6 ، وهذا الحديث من غير سند ، ممَّا يعني أنه حديث في غاية الضعف.

__________________

١ ـ تقدَّمت تخريجاته في المناظرة الخامسة.

٢ ـ كتاب الموطأ ، مالك : ٢/٨٩٩ ح ٣ ، ولفظ الحديث : وحدَّثني عن مالك أنّه بلغه أن رسول الله 6 قال : تركت فيكم أمرين لن تضلُّوا ما مسكتم بهما : كتاب الله وسنّة نبيِّه 6.


أمَّا حديث : تركت فيكم كتاب الله وعترتي فقد رواه مسلم في صحيحه بعدّة طرق (١) ، وروته كل الصحاح الستة ما عدا البخاري ، وعدد الرواة الذين نقلوا الحديث من الصحابة يتجاوز الثلاثين راوياً ، ممَّا يعني أنّه حديث متواتر مقطوع الصدور عند السنّة والشيعة ، فكيف نتنازل عنه من أجل حديث لا سند له؟ ومن هنا كان من الواجب على كل مسلم أن يتبع أهل البيت : في كل أمور دينه.

قلت : هناك حديث آخر يقول : عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي ، عضّوا عليها بالنواجذ (٢) ، فنستفيد من هذا الحديث أوَّلا التمسُّك بسنّة الرسول 6 ، وسنَّة الخلفاء ثانياً.

خالي : هذه إسقاطات لا يقبلها النص ، أولا ـ بعيداً عن مناقشة سند الحديث الذي استفرد بنقله أبو داود وابن ماجة والترمذي ، وتجاوزنا عن تضعيف بعض الرواة في أسانيده ـ فإنّ هذا الحديث لا يتحمَّل أكثر من دعم رأي الشيعة ، وذلك أنّ كلمة الخلفاء هنا لا تعني الخلفاء الأربعة ، أو الذين حكموا في التأريخ ؛ لأن هذا إسقاط تأويلي متأخِّر عن النص ، فتسمية الخلفاء الراشدين للأربعة الذين حكموا ليست هي تسمية شرعيّة ، وإنّما تسمية المؤرِّخين الذين حكموا على فترة حكم الخلفاء بالرشد ، فبالتالي لا يكون الخلفاء مصداقاً لهذا الحديث لمجَّرد اشتراك التسمية ، فيكون التفسير الأقرب أن الخلفاء المقصودين هم أئمة أهل البيت الاثنا عشر : ، وذلك لقول الرسول 6 في البخاري في باب الخلافة ، ومسلم وغيرهما من الصحاح عشرين رواية ـ كما جعلها

__________________

١ ـ صحيح مسلم : ٧/١٢٣. وقد تقدَّم المزيد من تخريجات هذا الحديث المتواتر.

٢ ـ سنن ابن ماجة : ١/١٦ ح ٤٢ ، شرح معاني الآثار ، ابن سلمة : ١/٨١ ، أحكام القرآن ، الجصاص : ١/٥٣٠.


القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ـ أنّ رسول الله 6 قال : إن الخلفاء من بعدي اثنا عشر خليفة (١).

فجاء في رواية : كلهم من قريش ، وفي رواية : كلهم من بني هاشم ، وهذا الترديد في نقل الراوي لا يؤثِّر في الاستدلال بهذا الحديث على إمامة أهل البيت : ، وذلك بأن الفرقة الإسلاميّة الوحيدة التي توالي اثني عشر إماماً هم الشيعة الإماميّة الاثنا عشريّة ، كلهم من أهل البيت : ، فإذا ثبت ـ وهو كذلك ـ حديث رسول الله 6 : عليكم بكتاب الله وعترتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، ثمَّ جاء حديث آخر يقول : الخلفاء من بعدي اثنا عشر خليفة ، تعيَّن أن يكون هؤلاء من أهل البيت : ؛ لأنه يستحيل عقلا أن يأمرنا الرسول 6 باتّباع أهل البيت ، وفي نفس الوقت يأمرنا باتّباع خلفاء من غير أهل البيت ، ممَّا يحدث تناقضاً وتضارباً ، فتعيَّن أن يكون الخلفاء المقصودون في الحديث هم الأئمة من آل البيت : ، وللأسف لم يكن الخلفاء الذين حكموا في التأريخ ولا أئمّة المذاهب الأربعة من آل البيت : ، وهذا كاف في إبعادهم عن ساحة الحوار.

قلت : ولكن من أين جاءت فكرة المذاهب الأربعة؟

خالي : فكرة المذاهب الأربعة خدعة نسجت خيوطها سياسات الكبت الأمويّة والعباسيّة ، وإلاَّ لم يكن الفقهاء الأربعة هم أعلم أهل زمانهم ، فهناك من كان أكثر علماً منهم ، وكان لهم مذاهبهم الخاصة ، كسفيان الثوري وابن عيينة

__________________

١ ـ راجع : صحيح البخاري : ٨/١٢٧ ، صحيح مسلم : ٦/٣ ، مسند أحمد بن حنبل : ٥/٨٦ ـ ٩٣ ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ٣/٦١٧ ـ ٦١٨.


والأوزاعي وغيرهم ، انقرضت مذاهبهم عندما لم تجد دعماً سياسيّاً من السلطة ، ممَّا يعني أن للسلطة مآرب معيَّنة لتمرير أسماء الأربعة ، ومن ثمَّ سدّ الطريق عن غيرهم ، والأمر واضح وهو خلق قيادات فقهيّة بديلة عن أهل البيت : لكي يلتفَّ حولها عامة المسلمين.

أو ليس من العجيب فعلا أن كل ما جاء في أهل البيت : من آيات قرآنيّة وأحاديث نبويّة كاشفة عن مكانة عظيمة ومرتبة رفيعة إذا لم نقل بالعصمة ، ألا تؤهِّلهم في نظر أهل السنّة ليتسلَّم أهل البيت : زمام الفتيا ، أو على أقل تقدير يختارون واحداً من أهل البيت ليكون من بين الأئمّة الأربعة ، حتى يأتي شيخ الأزهر شلتوت ليتصدَّق على أهل البيت : في القرن العشرين بأن يجعل الإمام الصادق 7 إماماً خامساً مع الأئمة الأربعة ، مع أن أهل البيت : لا يقبلون الصدقة.

لقد تعجَّبت فعلا عندما ردَّدت أسماءهم في نفسي ( مالك ، أبو حنيفة ، الشافعي ، أحمد بن حنبل ) فمعظمهم مشكوك في عروبته ، ناهيك عن كونه من آل البيت ، ثمَّ نتباهى بحبِّ ذرِّيَّة الرسول 6 ، أيُّ حب هذا الذي لم يورثنا الثقة في علمهم وجدارتهم؟ ومن الغريب أيضاً أننا لم نقبل حقَّ أهل البيت : في الخلافة ، متمسِّكين بأنّ الحق لا يثبت بمجرِّد القرابة ، فإن كان الحق لا يثبت بالقرابة فالحبُّ لا يكون أيضاً لمجرِّد القرابة ، إلاَّ إذا كان حبُّنا مجرَّد ادّعاء أجوف ، أمَّا إذا اعترفنا بأن هنالك مكانة خاصة ومرتبة رفيعة تؤهِّلهم للحبِّ غير قرابتهم من رسول الله 6 فهو نفسه يؤهّلهم إلى مرتبة الإمامة ، هذا مع أنّ الواقع التأريخي يثبت أنّ أئمة المذاهب الأربعة ـ بدءاً من مالك وانتهاءاً بابن حنبل ـ يدينون بالفضل والأعلميّة لأهل البيت : ، فإن كان للأربعة علم فهو من نفحات


أهل البيت : ، ممَّا يكشف لنا مأساة التأريخ الأعمى الذي لا ينظر إلاَّ بعيون السلطة ، فإن كان بنظر أهل السنّة لا يوجد في أهل البيت فقهاء ، ألا يوجد فيهم علماء في العقائد والحديث ومعارف القرآن؟ فمن أئمّة العقائد والتفسير والحديث عندنا؟ ... لا يوجد من بينهم واحد من أهل البيت : ، فهل يحقُّ لأهل السنّة بعد ذلك أن يدّعوا أنهم محبُّون لأهل البيت :؟

الشعائر الحسينيّة

حسمت لي تلك النقاشات مع بعض الاطلاع أحقّيّة المذهب الشيعي بجدارة ، ولم يكن بيني وبين الالتزام الكامل إلاَّ بعض الإشكالات الطفيفة التي لا تمسُّ بالجوهر ، مثل بعض الممارسات الشيعيّة في شهر محرَّم ؛ من اللطم على الصدور ، وضرب الرؤوس بالسيوف ، فسألت خالي وأنا مستنكرة لهذا الأمر : كيف يجوِّز الشيعة فعل ذلك ، ورسول الله 6 يقول : ليس منّا من شقّ الجيوب ولطم الخدود ودعا بدعوة الجاهلية (١)؟

خالي : أولا : هذا نقاش فقهيٌّ داخل الدائرة الشيعيّة ، ممَّا يعني أن الشيعة ملزمون باستنباط أحكامهم الشرعيّة فيما ورد عندهم من الأحاديث المرويَّة عن رسول الله 6 وأهل البيت : ، والحديث الذي ذكرته هو من أحاديث أهل السنة ، فهو ملزم لهم وليس للشيعة ، كما تقول القاعدة : ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم.

وثانياً : إذا سلَّمنا بهذا الحديث فهو بعيد كلَّ البعد عن مورد الاستدلال

__________________

١ ـ مسند أحمد بن حنبل : ١/٤٣٢.


والاعتراض ، فالحديث يتكوَّن من ثلاثة محاور أساسية ، فإن اجتمعت في موضوع واحد تتعلَّق به الحرمة والنهي ، وهي : شقُّ الجيوب ، ولطم الخدود ، ودعوة الجاهلية ، والدليل على الاقتران هو حرف العطف ، فإن كان شقُّ الجيب لوحده حراماً ، وكذا لطم الخد لكان من المفترض استخدام حرف ( أو ) فيكون الحديث ( .. من شقّ الجيوب أو لطم الخدود أو دعا بدعوة الجاهلية ) فبالتالي لا تنصبُّ الحرمة على شقِّ الجيب إلاَّ بعنوان دعوة الجاهلية ، أمَّا من شقَّ جيبه بل شقَّ كل ملابسه ولطم خدَّه لأيِّ سبب يراه أو مصلحة يجلبها لنفسه أو حتى عبثاً ، ولم يدع بدعوة الجاهليّة ، لا يكون ملاماً أو معاتباً ، وأكثر ما يقال فيه إذا لم يكن هناك حكمة عقلائيَّة : إنّه مجنون ، فإذاً ليس شقُّ الجيب ولطم الخدِّ بمعزل عن دعاء الجاهليّة ، وهو الذي تدور عليه الحرمة ، وإنما تتحقَّق الحرمة ، ويتعلَّق النهي عن هذه التصرُّفات مع الدعاء بدعوة الجاهليّة ، وكذلك لا يكون الأمر محصوراً في شقِّ الجيب ولطم الخدِّ ، فالذي يضرب رأسه ويشدُّ شعره ويدعو بدعوة الجاهليَّة كذلك يشمله الحديث ، ومن هنا كان محور الحرمة ومناط الحكم هو دعوة الجاهليّة مع شقِّ الجيب أو ضرب الرأس أو أيِّ تصرُّف آخر ، وإلاَّ حكمنا بجواز من يحثو التراب على رأسه ويدعو بدعوة الجاهليّة.

فالحديث بعيد عن تصرُّفات الشيعة أيام محرَّم ؛ لأنهم لا يدعون بدعوة الجاهليّة ، فهم لا يدعون اللاّت والعزّى ومناة وهُبل ، ولا يدعون باسم العصبيّة القبليّة ، ولا كل العادات التي ذمّها الإسلام ، وإنما يدعون بدعوة الإسلام ، ودعوة التوحيد ، ويبكون على مصائب أهل البيت : التي هي مصائب الإسلام ، فالحديث بعيد عنهم.

قلت: ولكن ليس هناك أحد من كل العقلاء يستحسن ما يفعله الشيعة ، بل


يستقبحونه ، ألا يكفي حكم العقلاء لتحريمه؟

خالي : أولا : إذا نظرنا إلى حكم العقل بعيداً عن العقلاء فإن العقل لا يرى فيه قبحاً ؛ لأن العقل إذا نظر إلى أمر نظر له وهو مجرَّد عن كل العناوين وكل الاعتبارات ، فإذا جرَّدنا هذه التصرُّفات من كل عناوينها لا يتمكَّن العقل من الحكم عليها ؛ لأنها من الأمور غير الذاتيّة القبح أو الحسن كالعدل والظلم ، وإنما من الأمور التي يدور حكم العقل فيها مع العنوان ، فمثلا : الضرب كموضوع إذا نظرنا له بعيداً عن أيِّ اعتبار ليس قبيحاً ، وليس هو حسناً ، فإذا كان الضرب مع عنوان التأديب فهو حسن ، والضرب نفسه مع عنوان الإيذاء والظلم فهو قبيح ، فبالتالي الحسن والقبح يدوران مدار العنوان ، كذلك بعض الشعائر الحسينيّة ، فهي إمَّا أن تكون بعنوان إحياء أمر أهل البيت : وبالتالي إحياء الإسلام ، وإمَّا بأيِّ عنوان سلبيٍّ آخر ، فإن كانت بالأول فهي حسنة ، وإن كانت بالثاني فهي قبيحة ، وأظنُّ أنّ الأمر واضح أن هذه الشعائر بالقصد الأوَّل.

أمَّا حكم العقلاء فهو دائر مدار المصلحة العامة من الفعل أو المفسدة ، ولا يرى العقلاء أيَّ مفسدة في أن يقوم مجموعة من الناس بشعيرة معيَّنة لمصلحة تخصُّهم ، كما لا يرى مانع أن يخترع مجموعة من الناس احتفالا يعظِّمون فيه أمراً ما ، مثلا : كأس العالم في كرة القدم الذي يقوم كل أربع سنوات بإجراء منافسات دوليّة ينشغل بها كل العالم ، فلا يستقبح العقلاء هذا الأمر.

أمَّا حكم العرف والذوق والميل والحب والكراهية كلها عناوين لا يمكنها تشكيل معيار لمحاكمة أيِّ قضية ، فإذا كان هناك عرف لا يحبِّذ الشعائر الحسينيّة فهناك عرف آخر يحبِّذها بل يحترمها ، وكذا الحب والكراهية ، فما تحبينه أنت يكرهه الآخر ، فمن الخطأ أن نحاكم الشيعة برغباتنا الخاصة.


قلت : ولكنَّ الأمر يصل إلى حدِّ الضرر كضرب الرؤوس بالسيوف ، وهذه مفسدة واضحة ؛ لأن فيها ضرراً ، وقد نهى رسول الله 6 عنه وقال : لا ضرر ولا ضرار في الإسلام (١).

خالي : إذا نظرنا إلى هذا الحديث وأمعنّا فيه النظر نجد أنّ الاستدلال بهذا الحديث يكون كالتالي : كل ضرر حرام ، وضرب الرأس بالسيف ضرر ، إذاً هو حرام ، وهذا قياس منطقيٌّ واضح ، فإذا كان كل إنسان يموت ، وزيد إنسان ، إذاً زيد حتماً يموت ، أليس كذلك؟

قلت : نعم ، فكيف تجوِّزونه إذاً؟

خالي : مهلا ولاتتعجّلي ، حتى يكون هذا الأمر صحيحاً والقياس تاماً لابد أن تكون الكبرى سليمة كما يسمُّونها في المنطق، وهي: كل ضررحرام ، فهل كل ضرر على إطلاقه حرام ، فإذا كان كذلك لتوقَّفت كل الحياة ، وليست الشعائر الحسينيّة لوحدها ؛ لأن الضرر نسبيٌّ ، فكل فعل يفعله الإنسان فيه ضرر ، ففي الأكل ضرر كما قال رسول الله6: ما ملأ ابن آدم وعاء شرّاً من بطنه (٢) ، وفي عدمه ضرر ، والنوم الكثير ضرر ، والقليل كذلك ، في القراءة ضرر ، وفي عدمها ضرر ، كذلك هناك أفعال في فعلها ضرر وفي تركها منفعة ، ولكنّها ليست حراماً بإجماع الأمّة ، مثل أكل بعض المأكولات الضارّة كالشحوم ، والفلفل الحار ،

__________________

١ ـ الكافي ، الكليني : ٥/٢٩٢ ـ ٢٩٣ ح ٢ ، تهذيب الأحكام ، الطوسي : ٧/١٤٦ ـ ١٤٧ ح ٣٥ ، مسند أحمد بن حنبل : ٥/٣٢٧ ، سنن ابن ماجة : ٢/٧٨٤ ح ٢٣٤٠ و٢٣٤١ ، المستدرك ، الحاكم : ٢/٥٧ ـ ٥٨.

٢ ـ روي عن رسول الله 6 : ماملأ آدمي وعاء شراً من بطنه ، فإن كان لابد فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه. راجع : مشكاة الأنوار ، الشيخ علي الطبرسي : ٥٦٤ ، سنن الترمذي : ٤/١٨.


والسكر الأبيض ، وعشرات الأسماء ، فمع إمكان الإنسان التخلّي عنها إلاَّ أنه ليس ملزماً ، وباختصار ليس هنالك فعل إلاَّ فيه ضرر ، ممَّا يدعونا إلى التفكير في معنى الضرر المقصود في الحديث.

وهنا نتعرَّف على أنّ الضرر نوعان : ضرر حتميٌّ ، وضرر غير حتميٍّ ، أو بمعنى : ضرر مسموح به ، وضرر غير مسموح به ، فالضرر الحرام المقصود في الحديث هو الضرر الحتمي ، بمعنى حتماً يؤدِّي إلى هلاك الإنسان ، مثل أن يشرب الانسان كأساً من السمِّ ، أمَّا الضرر غير الحتمي هو أن يشرب الإنسان مثلا كأساً من القهوة ، فمع أنه فيه نسبة من الضرر إلاَّ أنه ضرر مأذون به.

قاطعته قائلة : ولكن في ضرب الرأس بالسيف ضرر حتمي ، فمن الممكن أن تصادف الضربة شرياناً ، ممَّا يؤدِّي إلى النزف المتواصل ، فيؤدِّي إلى موته.

خالي : هذا الاحتمال غير وارد ولا يعوَّل عليه ؛ لأن الاحتمال نوعان : احتمال عقلائي ، واحتمال غير عقلائي ، والفرق بين الاثنين أنّ الأول احتمال قائم على مجموعة من المبادئ العلمية ، والثاني عكسه ، فمن المحتمل أن يقع هذا البيت على رؤوسنا ، فهل نركض خارج الغرفة؟!

قلت : لا ـ وأنا ضاحكة ـ لأن هذا مجرَّد احتمال سخيف.

خالي : وإذا قال لك مهندس مختص : بأن أعمدة البيت لا يمكنها حمل هذه الغرفة أكثر من يوم مثلا فهل تغادرينها؟

قلت : نعم ، وإذا بقيت أكون رميت بنفسي في التهلكة!

خالي : هذا هو بالضبط الفرق بين الاحتمالين ، فقولك : من المحتمل أن تقطع الضربة شرياناً ، هو كالقول : من المحتمل أن تصدمك سيارة إذا عبرت الشارع ، فهل تتوقَّفين عن العبور؟


قلت : لكن يا خالي ، إذا نظر إنسان إلى منظرهم وهم مضرّجون بالدماء في منظر تشمئزّ منه القلوب وخاصة غير المسلم ، ممَّا يجعله يستهجن هذا الدين الذي يجعل أتباعه غارقين في الدماء.

خالي : نعم معك حق ، إن هذا المنظر الذي يخرج به المطبّرون كما يسمّونهم منظر ( قد ) تشمئزُّ منه القلوب ، ولكن ليس عليهم عتاب ، ولكي تعرفي ذلك لابدَّ لنا من النظر في الجذر الثقافي الذي يرتكز عليه التطبير ، فهو لا يعدو كونه عملا فنّياً ولوحةً إبداعيةً تحاول أن تقترب من مأساة كربلاء ، فإذا أحضرنا مجموعة من الرسَّامين وكلَّفناهم برسم واقعة كربلاء فما هي اللوحات التي تتوقَّعين أن يرسموها ، غير رؤوس مقطَّعة ، وأياد مبتورة ، وخيام محروقة ، ونساء مفجوعة ، فهل يحقُّ لنا أن نعاتبهم على تلك الرسومات ونقول : كان أجدر بكم أن ترسموا لنا حدائق ومياهاً وزهوراً ، فالقبح إذاً ليس في اللوحة ، وإنما القبح في الواقع الذي حاولت أن تجسِّده اللوحة ، وإن صدق ذلك على اللوحة الورقيَّة يصدق أيضاً على اللوحة التي يشترك مجموعة من الناس في إخراجها كالعمل الدرامي مثلا ، فهذا الموكب الدرامي الذي يتكوَّن من مجموعة من الناس لا بسين الأكفان وهي ملطَّخة بالدماء ، وحاملين السيوف ، حقاً منظر تشمئزُّ منه النفوس ، ولكن ليس القبح فيه ، وإنما القبح في ذلك الواقع التأريخي ، وفي تلك المعركة المفجعة ، فالمأساة ليست في التطبير ، وإنما هي في كربلاء ، فهل نغيِّر حقيقة كربلاء أيضاً؟!

قلت : هذا الكلام بصورته النظريّة مقنع ، ولكن عملياً أرى أنه بعيد ، فأنا لا أتصوَّر أن يدفعني أمر للقيام بضرب رأسي بالسيف.

خالي : الفعل يصدر من الإنسان عندما تكون هناك تهيئة نفسيَّة تناسب


الفعل ، فإذا لم تتحقَّق فإن الدوافع النظريَّة ليست كافية ، فكثير من الأمور نعتقد بها نظريّاً ولكن لا نمارسها إلاَّ إذا كانت هناك تهيئة نفسيّة ، فمثلا ضرورة الأكل مقدِّمة نظريَّة ، ولكن لا يقدم الإنسان على الأكل إلاَّ إذا كان جائعاً ممَّا تستعدُّ نفسه للقيام بالأكل ، وكذا الأمثلة كثيرة ، فنحن خلافنا مع الذين يستنكرون هذه الشعائر خلاف نظريٌّ وليس عمليّاً ، فلم نطلب منهم المشاركة ، ومن هنا كان النقاش النظري ضرورياً معهم ، أمَّا التهيئة النفسيَّة فتحتاج إلى مقدِّمات من نوع آخر ، فمثلا الصوت الجميل في تلاوة القرآن يخلق جوّاً تهيج معه النفس ممَّا يجعلها تبكي ، وكذا الأغاني ، فإنّها تطرب النفس فتكون مقدِّمة للرقص ، وكذلك في محرَّم عندما يعيش الإنسان أجزاء كربلاء ، ويستنشق روائح تلك الدماء الزاكيات ، وتعلو النداءات بثارات الحسين 7 ، وتدقُّ طبول الحرب ، تهيِّئ الإنسان نفسيّاً للقيام بتلك الشعائر التي تكون تعبيراً صادقاً لما يجول في نفسه من حبٍّ للإمام الحسين 7.

الحسين 7 الدمعة الجارية

تردَّدت كثيراً في تسجيل تجرتبي الأولى مع الإمام الحسين 7 ، وكلَّما أبدأ بالكتابة تهرب الكلمات من تحت سنان قلمي ، وتبقى المأساة مكتومة في داخل نفسي ، فلا معين أطيل معه العويل والبكاء ، ولا جزوع فأساعد جزعه إذا خلا ، فتمتزج البسمة عندي بالدمعة ، ويحلُّ الحزن مكان الفرحة ، وتتبدَّل كل أهازيج البشرى بأنين الحزن الدائم ، ففي ميلاده سكبت عبرة ... وما زالت تلك العبرة .. وفي استشهاده وفي ذكراه تعلو العبرة..فللحسين مجد مكتوب من الأزل الأبديّ لا ينال إلاَّ بالدمع الأحمر: يا حسين! اعلم أن لك عند الله أجراً لاتبلغه إلاَّ


بالشهادة.

قبل أن أعيش في رحاب التشيُّع ، وأهتدي إلى مذهب أهل البيت : لم أكن أعرف عن الحسين 7 إلاَّ ما درسناه في المدارس ، وهي قصة مجتزأة تعبِّر عن الكبت الدائم لقضيَّة كربلاء ، أذكر أنّني كنت في الرابع الابتدائي ، فحاول الأستاذ ـ تبعاً للمنهج ـ أن يطوي كل ذلك التأريخ في قوله : إن يزيد قتل الإمام الحسين 7 وأولاده وسبى نساءه ، في معركة تسمَّى كربلاء ، فسألت طالبة مسيحيَّة بدهشة : كيف تجوِّزون قتل ابن بنت نبيِّكم؟ فدمعت عيناي دون أن أشعر ، فكانت تلك أول دمعة في مصاب الإمام الحسين 7 ، فقال الأستاذ : ذلك قدر الله على هذه الأمة.

قدر الله أم غدر الأمة التي لم تحفظ رسول الله 6 في ذرِّيَّته وهو

القائل : أذكِّركم الله في أهل بيتي (١) ، وقال الله تعالى في حقِّهم : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٢) ، أيقتل ـ روحي له الفداء ـ في أبشع صورة مرَّت على تأريخ البشرية ، وهو الذي قال فيه رسول الله 6 : حسين منّي وأنا من حسين ، أحبَّ الله من أحبّ حسيناً (٣) ، وقال : الحسين مصباح الهدى وسفينة

__________________

١ ـ راجع : فضائل الصحابة ، أحمد بن حنبل : ٢٢ ، مسند أحمد بن حنبل : ٤/٣٦٧ ، السنن الكبرى ، النسائي : ٥/١٥ ح ٨١٧٥ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٥/١٨٢ ـ ١٨٣ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤١/١٩ ، الدرّ المنثور ، السيوطي : ٥/١٩٩.

٢ ـ سورة الشورى ، الآية : ٢٣.

٣ ـ وهو من الأحاديث المتواترة جداً ، راجع : الإرشاد ، المفيد : ٢/١٢٧ ، مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : ٣/٢٢٦ ، مسند أحمد بن حنبل : ٤/١٧٢ ، سنن ابن ماجة : ١/٥١ ح ١٤٤ ، سنن الترمذي : ٥/٣٢٤ ح ٣٨٦٤ ، المصنف ، ابن أبي شيبة الكوفي : ٧/٥١٥ ح ٢٢ ، الأدب المفرد ، البخاري : ٨٥


النجاة (١) ، والحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة (٢) ، وعندما قال رجل للحسين 7 وهو راكب على ظهر رسول الله 6 : نعم المركب ركبت ، فقال رسول الله : ونعم الراكب هو (٣) ، فالأمَّة التي تجرَّأت على قتل الحسين 7 هي نفسها يمكنها قتل الرسول 6.

فبقيت تلك الدمعة وحيدة حتى جاء اليوم الذي عشت فيه مأساة كربلاء بتفاصيلها ، حيث ما تزال ظلالها الحزينة ترافق ظلّي إلى اليوم ، تاركة آثاراً عميقة في نفسي.

__________________

ح ٣٦٤ ، صحيح ابن حبان : ١٥/٤٢٨ ، المستدرك على الصحيحين ، الحاكم : ٣/١٧٧ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٣/٣٣ ح ٢٥٨٩ ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ٦٤/٣٥ ، أسد الغابة ، ابن الأثير : ٢/١٩ ، تهذيب الكمال ، المزي : ٦/٤٠٢ ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ٣/٢٨٣ ، تهذيب التهذيب ، ابن حجر : ٢/٢٩٩ ، الجامع الصغير ، السيوطي : ١/٥٧٥ ح ٣٧٢٧ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ١٢/١١٥ ح ٣٤٢٦٤ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : ١٣٣.

١ ـ كمال الدين وتمام النعمة ، الصدوق : ٢٦٥ ح ١١ ، بحار الأنوار ، المجلسي : ٣٦/٢٠٥ ح ٧.

٢ ـ صحيح ابن حبان : ١٥/٤١٣ ، فضائل الصحابة ، أحمد بن حنبل : ٢٠ ، مسند أحمد بن حنبل : ٣/٣ ، سنن ابن ماجة : ١/٤٤ ح ١١٨ ، سنن الترمذي : ٥/٣٢١ ح ٣٨٥٦ ، المصنف ، ابن أبي شيبة الكوفي : ٧/٥١٢ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٣/٣٥ ـ ٣٦ ح ٢٥٩٩ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٩/١٦٥.

٣ ـ نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ٢١٢ ، وفي سائر المصادر بدل الحسين 7 الحسن 7 ، راجع : سنن الترمذي : ٥/٣٢٧ ح ٣٨٧٢ ، المستدرك ، الحاكم : ٣/١٧٠ ، أسد الغابة ، ابن الأثير : ٢/١٢.

وروى ابن عساكر في تأريخ دمشق : ١٣/٢١٦ ، بالإسناد عن جابر بن عبد الله قال : دخلت على النبي 6 وهو حامل الحسن والحسين على ظهره ، وهو يمشي بهما ، فقلت : نعم الجمل جملكما ، قال رسول الله 6 : نعم الراكبان هما.

وراجع أيضاً في حديث آخر وفيه أن القائل هو أبو بكر : المعجم الكبير ، الطبراني : ٣/٦٥ ح ٢٦٧٧ ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : ١٣٠ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٩/١٨٢.


كنّا في شهر محرَّم الحرام في منطقة السيِّدة زينب 3 بدمشق ، والسواد يغطّي الساحات ، والكل حزين يهتف : يا لثارات الحسين ، فانتقل بي الزمان حتى كأنّي أرى كربلاء بأمِّ عيني ، صورة لا تحكى ومنظر لا يصوَّر ، عشت لحظات في فيافي دمائها الحمراء ، أواسي النساء الهاشميّات ، فبكيت معهن حتى نبض الدمع مني ، وحينها رجع صدى النفس يردِّد : يا ليتنا كنّا معك فنفوز فوزاً عظيماً.

فعاشوراء لم تمت ، بل هي حاضرة في وجدان هذه الأمَّة ، يلوح من أريج دمائها الذاكية الصمود والإباء ، وفي أعتابها شموخ الإيمان على الكفر ، وفي لهواتها انتصار الحق على الباطل ، وعلى أشراف أبوابها كان نهج الحق وراية العدل ترفرف مدى الأزمان ، فكل أيامنا عاشوراء ، وكل بقعة من بقاع الأرض كربلاء ، فهي أعظم من أن تكون حبيسة التأريخ ، وأكبر من أن يكون الزمان قيداً على عنفوان تحدّيها ، فهي شاهد حيٌّ على كل العصور.

فعام ٦١ للهجرة هو بداية المأساة ، ولكن لم يكن هو النهاية ، فلم تزل حاضرة بكل مأساتها عبر السنين ، ففي كربلاء يتجلَّى الإسلام بأسمى معانيه ، وتضيق عندها المسافة بين الإنسان والقيم ، وتقترب فيها السماء من الأرض ، فكانت تضحيات الحسين جسراً يقرِّب الإنسان من العالم المعنويِّ والأفق الأعلى بما لا يقرِّب به شيء آخر.

فللحسين قضيَّتان : قضيَّة الجسد المقطَّع ، وقضيَّة الحقِّ المضيَّع ، وفي كربلاء اختلطت القيم بالدماء ، والعدل بالشهادة ، ولكي يرفع الحق رفعت هامة الحسين على سنان الرماح ، فلا وجود للمسيرة من غير الوقوف على أشلاء كربلاء ، وليس هناك مأساة تبكي من غير تلك المسيرة التي كان الحسين قرباناً


لها : ( اللهمّ تقبل هذا القربان من آل محمّد ) فكانت المأساة بحجم المسيرة ، وكانت التضحية بقدر المنهج.

فأصبح الحسين 7 هو نهجي .. وعاشوراء هي شعاري ، وتربته الطاهرة أضعها تحت جبيني في سجودي ، لكي أبقى دوماً مع الحسين وألقى الله مع الحسين 7 (١).

__________________

١ ـ كتاب : من حقّي أن أكون شيعية ، أم محمّد علي المعتصم.



مصادر الكتاب

حرف الألف

١ ـ الآحاد والمثاني : ابن أبي عاصم ( ت ٢٨٧ ) نشر دار الدراية للطباعة والنشر والتوزيع السعودية الرياض ، الطبعة الأولى ١٤١١ هـ ـ ١٩٩١ م.

٢ ـ الإحتجاج : الشيخ الطبرسي ، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي تعليقات وملاحظات السيد محمّد باقر الخرسان ، طبع في مطابع النعمان النجف الأشرف حسن الشيخ إبراهيم الكتبي ١٣٨٦ هـ ـ ١٩٦٦ م.

٣ ـ أحكام القرآن : أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص المتوفى سنة ٣٧٠ هـ ضبط نصه وخرج آياته عبد السلام محمّد علي شاهين ، دار الكتب العلمية بيروت ـ لبنان الطبعة الأولى ١٤١٥ هـ ـ ١٩٩٤ م.

٤ ـ أخيرا أشرقت الروح : الأستاذه لمياء حمادة ، نشر دار الخليج العربي.

٥ ـ الأدب المفرد : محمّد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنة ٢٥٦ هـ ، نشر مؤسسة الكتب الثقافية الطبعة الأولى ١٤٠٦ هـ ـ ١٩٨٦ م تحقيق السيد مهدي الرجائي ، الطبعة الأولى ١٤١٨ هـ قم المقدسة.

٦ ـ الإرشاد : الشيخ المفيد ، أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ( ٣٣٦ ـ٤١٣ هـ) تحقيق مؤسسة آل البيت:لتحقيق التراث.


٧ ـ أسباب النزول : أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري ، ( ت ٤٦٨ هـ ) ، نشر مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع ١٣٨٨ هـ ـ ١٩٦٨ م توزيع دار الباز مكه المكرمة.

٨ ـ أسد الغابة في معرفة الصحابة : عز الدين أبو الحسن على بن أبي الكرم محمّد بن محمّد الشيباني المعروف بابن الأثير ، انتشارات اسماعيليان تهران ـ ناصر خسرو.

٩ ـ الإصابة في تمييز الصحابة : الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة ٨٥٢ هـ نشر دار الكتب العلمية بيروت ـ لبنان.

١٠ ـ أضواء على السنة المحمدية : الشيخ محمود أبو ريه ، الطبعة الخامسة.

١١ ـ الإمامة والسياسة المعروف بتأريخ الخلفاء : ابن قتيبة الدينوري الناشر : انتشارات الشريف الرضي سنة الطبع : ١٤١٣ هـ الطبعة : الأولى في إيران المطبعة : أمير ـ قم المقدسة.

حرف الباء

١٢ ـ بحار الأنوار : فخر الأمة المولى الشيخ محمّد باقر المجلسي 1 ، الطبعة الثانية ١٤٠٣ هـ ـ ١٩٨٣ م نشر مؤسسة الوفاء ـ بيروت ـ لبنان.

١٣ ـ بداية المجتهد ونهاية المقتصد : القاضي أبو الوليد محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلسي الشهير ( بابن رشد الحفيد ) المتوفى سنة ٥٩٥ هـ نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

١٤ ـ البداية والنهاية : إسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفى سنة ٧٧٤ هـ ،


نشر دار إحياء التراث العربي ، الطبعة الأولى ١٤٠٨ هـ. ١٩٨٨ م.

١٥ ـ بلاغات النساء : أبو الفضل بن أبي طاهر المعروف بابن طيفور المتوفى سنة ٣٨٠ هـ منشورات مكتبة بصيرتي قم ـ شارع إرم.

١٦ ـ بنور فاطمة اهتديت : الكاتب السوداني الأستاذ عبد المنعم حسن ، نشر دار المعروف للطباعة والنشر ، الطبعة الأولى ١٤١٩ هـ قم المقدسة ـ إيران.

حرف التاء

١٧ ـ تأريخ بغداد أو مدينة السلام : أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفى سنة ٤٦٣ هـ ، نشر دار الكتب العلمية بيروت ـ لبنان.

١٨ ـ تأريخ الطبري ( تأريخ الأمم والملوك ) : أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ، تصحيح نخبة من العلماء الأجلاء ، نشر مؤسسة الأعلمي ، بيروت ـ لبنان.

١٩ ـ التأريخ الكبير : أبو عبدالله محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البخاري المتوفى سنة ( ت ٢٥٦ ) طبع تحت مراقبة الدكتور محمّد عبد المعيد خان.

٢٠ ـ تأريخ المدينة المنورة ( أخبار المدينة النبوية ) : ابن شبه أبو زيد عمر بن شبه النميري البصري ١٧٣ هـ ـ ٢٦٢ هـ نشر دار الفكر ـ قم شارع إرم ـ إيران.

٢١ ـ تأريخ مدينة دمشق : الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي المعروف بابن عساكر ٥٧١ هـ ـ نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ١٤١٥ هـ /١٩٩٥ م بيروت ـ لبنان.


٢٢ ـ تأريخ اليعقوبي: أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب ابن واضح الكاتب العباسي المعروف باليعقوبي ( ت ٢٨٤ هـ) دار صادر ، بيروت ـ لبنان.

٢٣ ـ تحف العقول عن آل الرسول 6 : أبو محمّد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني 4 من أعلام القرن الرابع نشر مؤسسة النشر الإسلامي قم المشرفة ( إيران ) الطبعة الثانية ١٤٠٤ هـ.

٢٤ ـ تذكرة الحفاظ : أبو عبد الله شمس الدين الذهبي المتوفى سنة ٧٤٨ هـ نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ لبنان.

٢٥ ـ تذكرة الموضوعات : محمّد طاهر بن علي الهندي الفتني المتوفى سنة ٩٨٦ هـ.

٢٦ ـ تفسير القرآن العظيم : أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المتوفى سنة ٧٧٤ هـ نشر دار المعرفة ١٩٩٢ م ـ ١٤١٢ هـ بيروت ـ لبنان.

٢٧ ـ تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد رضوان الله عليه : تألف شيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسى المتوفى سنة ٤٦٠ هـ ، نشر دار الكتب الإسلامية ، طهران بازار سلطاني.

٢٨ ـ تهذيب التهذيب : شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة ٥٢٨ هـ نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى ١٤٠٤ هـ ـ ١٩٨٤ م.

٢٩ ـ تهذيب الكمال في أسماء الرجال : جمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي ٧٤٢ هـ مؤسسة الرسالة ، الطبعة الرابعة ١٤٠٦ ـ ١٩٨٥ م.


حرف الجيم

٣٠ ـ جامع البيان عن تأويل آي القرآن : أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري المتوفى سنة ٣١٠ هـ تخريج صدقي جميل العطار ، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ١٤١٥ هـ ـ ١٩٩٥ م.

٣١ ـ الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير : جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( ٩١١ هـ ) ، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت.

٣٢ ـ جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب 7 : شمس الدين أبو البركات محمّد بن أحمد الدمشقي الباعوني الشافعي المتوفى سنة ٨٧١ هـ نشر مجمع إحياء الثقافة الإسلامية ، الطبعة : الأولى ١٤١٥ هـ.

حرف الحاء

٣٣ ـ حوارات ، تجربة عملية في الحوار السني الشيعي : الكاتب السوداني الشيخ معتصم السيد أحمد ، نشر مؤسسة البلاغ ، الطبعة الأولى ، ١٤٢٥ هـ ـ ٢٠٠٤ م بيروت ـ لبنان ، التوزيع في سوريا ـ دمشق ـ السيدة زينب 3 مكتبة دار الحسنيين 8

حرف الخاء

٣٤ ـ خصائص أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب 7 : الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي الشافعي ( ت ٣٠٣ ) تحقيق محمّد هادي الأميني.


حرف الدال

٣٥ ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور : جلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي ( ت ٩١١ ) نشر دار الفكر ، بيروت ـ لبنان.

حرف الذال

٣٦ ـ ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى : الحافظ محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري ( ت ٦٩٤ ) عن نسخة دار الكتب المصرية ، ونسخة الخزانة التيمورية ، نشر مكتبة القدسي ، القاهرة سنة ١٣٥٦ هـ.

حرف الراء

٣٧ ـ روضة الواعظين : زين المحدثين محمّد بن الفتال النيسابوري الشهيد في سنة ٥٠٨ هـ من أعلام القرنين الخامس والسادس الهجريين ، تقديم العلامة الجليل السيد محمّد مهدى السيد حسن الخرسان ، منشورات الرضي قم المقدسة ـ إيران.

حرف السين

٣٨ ـ السقيفة وفدك : أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري البصري البغدادي المتوفى سنة ٣٢٣ هـ تقديم وجمع وتحقيق الدكتور الشيخ محمّدهادي الأميني ، شركة الكتبي للطباعة والنشر الطبعة الثانية ١٤١٣ هـ ١٩٩٣ م ، بيروت ـ لبنان.

٣٩ ـ سنن ابن ماجة: الحافظ أبو عبدالله محمّد بن يزيد القزويني ابن ماجه


( ت ٢٧٥ ) ، نشر دار الفكر ـ للطباعة والنشر والتوزيع.

٤٠ ـ سنن أبي داود : للحافظ أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني المتوفى سنة ٢٧٥ هـ نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

٤١ ـ سنن الترمذي ( الجامع الصحيح ) : أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي ( ت ٢٧٩ ) ، نشر دار الفكر للطباعة والنشر.

٤٢ ـ السنن الكبرى : الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ( ٤٥٨ ) نشر دار الفكر.

٤٣ ـ السنن الكبرى : أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائيع ( ٣٠٣ ) ، نشر دار الكتب العلمية بيروت ـ لبنان ، الطبعة الأولى ١٤١١ هـ ـ ١٩٩١ م.

٤٤ ـ سير أعلام النبلاء : شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ٧٤٨ ، الطبعة التاسعة ١٤١٣ هـ ١٩٩٣ م نشر مؤسسة الرسالة بيروت ـ لبنان.

٤٥ ـ سيرة النبي 9 : ابن هشام الحميري المتوفى سنة ٢١٨ ، نشر مكتبة محمّد علي صبيح وأولاده ، بميدان الأزهر بمصر ١٣٨٣ هـ. ١٩٦٣ م.

حرف الشين

٤٦ ـ شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار : : القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمّد التميمي المغربي المتوفى سنة ٣٦٣ هـ ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

٤٧ ـ شرح صحيح مسلم بشرح النووي : نشر دار الكتاب العربي بيروت ـ لبنان ١٤٠٧ هـ ـ ١٩٨٧ م.


٤٨ ـ شرح معاني الآثار : أبو جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة المصري الطحاوي المتوفى سنة ٣١٢ هـ ، نشر دار الكتب العلمية الطبعة الثالثة ١٤١٦ هـ ـ ١٩٩٦ م.

٤٩ ـ شرح نهج البلاغة : عز الدين أبو حامد هبة الدين بن محمّد ابن أبيع الحديد ( ت ٦٥٦ ) تحيق محمّد أبو الفضل إبراهيم ، نشر دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه ، الطبعة الأولى ( ١٣٧٨ هــ ١٩٥٩ م ).

٥٠ ـ شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم : الحافظ الكبير عبيد الله بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني الحنفي النيسابوري من أعلام القرن الخامس الهجري ، نشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي الطبعة الأولى ١٤١١ هـ ـ ١٩٩٠ م طهران ـ إيران.

حرف الصاد

٥١ ـ الصحابة في حجمهم الحقيقي : الهاشمي بن علي ، نشر مركز الأبحاث العقائدية ، الطبعة الأولى سنة ١٤٢٠ هـ.

٥٢ ـ صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان : الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي المتوفى سنة ٧٣٩ هـ ، الطبعة الثانية ١٤١٤ هـ ـ ١٩٩٣ م.

٥٣ ـ صحيح البخاري : أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي ( ت ٢٥٦ ) طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة باستانبول ١٤٠١ هـ ـ ١٩٨١ م ، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

٥٤ ـ صحيح مسلم ( الجامع الصحيح ) : أبو الحسين مسلم بن الحجاج ابن مسلم القشيري النيسابوري ( ت ٢٦١ ) نشر دار الفكر بيروت ـ لبنان.


٥٥ ـ الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم : الشيخ زين الدين أبو محمّد علي بن يونس العاملي النباطي البياضي المتوفى سنة ٨٧٧ ، نشر المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، الطبعة الأولى ـ ١٣٨٤ هـ.

٥٦ ـ الصواعق المحرقة : أحمد بن حجر الهيثمي المكي ( ت ٩٧٤ ) نشر دار الكتب العلمية ، بيروت ـ لبنان الطبعة الثالثة ١٤١٤ هـ.

حرف الطاء

٥٧ ـ الطبقات الكبرى : محمّد بن سعد بن منيع الزهري ( ٢٣٠ ) نشر دار صادر بيروت ـ لبنان.

حرف العين

٥٨ ـ علل الشرايع : الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المتوفى سنة ٣٨١ هـ نشر المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف ١٣٨٥ هـ ـ ١٩٦٦ م.

٥٩ ـ عيون أخبار الرضا 7 : الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المتوفى سنة ٣٨١ ، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت ـ لبنان الطبعة الأولى ١٤٠٤ هـ ـ ١٩٨٤ م.

٦٠ ـ عيون الأخبار : ابن قتيبة ، أبو محمّد عبد الله بن مسلم الدينوري ( ت ٢٧٦ ) طبع دار الكتب المصرية بالقاهرة.


حرف الغين

٦١ ـ الغدير في الكتاب والسنة والأدب : الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي ، نشر الحاج حسن إيراني صاحب دار الكتاب العربي بيروت ـ لبنان الطبعة الرابعة ١٣٩٧ هـ ـ ١٩٧٧ م.

حرف الفاء

٦٢ ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري : الحافظ أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمّد ابن حجر العسقلاني الشافعي نزيل القاهرة ( ت ٨٥٢ ) ، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت ـ لبنان ، الطبعة الثانية.

٦٣ ـ فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير : محمّد بن علي بن محمّد الشوكاني وفاته بصنعاء ١٢٥٠ هـ ، نشر عالم الكتب.

٦٤ ـ فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي 7 : المحدّث أحمد بن محمّد بن الصديق الحسني المغربي المتوفى سنة ١٣٨٠ تحقيق محمّد هادي الأميني ، نشر مكتبة الإمام أميرالمؤمنين 7 العامة ، أصفهان ـ إيران.

٦٥ ـ فسيروا في الأرض فانظروا : الدكتور محمّد التيجاني السماوي ، نشر دار المجتبى ، الطبعة الأولى ١٤٢٥ هـ مركز التوزيع مكتبة بارسا قم المقدسة ـ إيران.

٦٦ ـ الفصول المختارة : أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي الشيخ المفيد ( ٣٣٦ ـ ٤١٣ هـ ) الطبعة الثانية ١٤١٤ هـ ١٩٩٣ م نشر دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع بيروت. لبنان.

٦٧ ـ فضائل الصحابة : أحمدبن محمّدبن حنبل (ت ٢٤١) نشر دار الكتب


العلمية ، بيروت ـ لبنان.

٦٨ ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير 6 : محمّد عبد الرؤوف المناوي ، نشر دار الكتب العلمية بيروت ـ لبنان ، الطبعة الأولى ١٤١٥ هـ ـ ١٩٩٤ م.

حرف الكاف

٦٩ ـ الكافي : ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي 4 المتوفى سنة ٣٢٨ / ٣٢٩ هـ ، نشر دار الكتب الإسلامية مرتضى آخوندي طهران ـ بازار سلطاني الطبعة الثالثة ( ١٣٨٨ ).

٧٠ ـ كامل الزيارات : الشيخ الأقدم أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمي المتوفى سنة ٣٦٨ هـ ، الطبعة : الأولى ، نشر مؤسسة نشر الفقاهة.

٧١ ـ الكامل في ضعفاء الرجال : الحافظ أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني ( ت ٣٦٥ هـ ) نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة الثالثة ١٤٠٩ هـ ـ ١٩٩٨ م بيروت ـ لبنان.

٧٢ ـ كتاب السنة : أبو بكر عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني المتوفى سنة ٢٨٧ هـ نشر المكتب الإسلامي الطبعة الثالثة ١٤١٣ هـ ـ ١٩٩٣ م بيروت ـ لبنان.

٧٣ ـ كتاب الوافي بالوفيات ، صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي ( ت ٧٦٤ ) الطبعة الثانية ١٣٨١ هـ.

٧٤ ـ كتاب سليم بن قيس الهلالي : التابعي الكبير سليم بن قيس الهلالي ( ت ٧٦ هجرية ) تحقيق محمّد باقر الأنصاري الزنجاني.


٧٥ ـ كشف الخفاء : إسماعيل بن محمّد العجلوني الجراحي المتوفى سنة ١١٦٢ هـ ، نشر دار الكتب العلمية بيروت ـ لبنان الطبعة الثالثة ـ ١٤٠٨ هـ.

٧٦ ـ كشف الغمة في معرفة الأئمة : : الإربلي ، أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح ( ت ٦٩٣ ) ط سنة ١٣٨١ نشر مكتبة بني هاشم ، تبريز ـ إيران.

٧٧ ـ كشف المحجة لثمرة المهجة : رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس الحسني الحسيني المتوفى سنة ٦٦٤ هـ منشورات المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف ١٣٧٠ هـ.

٧٨ ـ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر : : أبو القاسم علي بن محمّد بن علي الخزاز القمي الرازي من علماء القرن الرابع ، انتشارات بيدار مطبعة الخيام ـ قم المقدسة ١٤٠١ هـ.

٧٩ ـ الكفاية في علم الرواية : أبو أحمد بن علي المعروف بالخطيب البغدادي المتوفى سنة ٤٦٣ هـ نشر دار الكتاب العربي الطبعة الأولى ١٤٠٥ هـ ـ ١٩٨٥ م بيروت ـ لبنان.

٨٠ ـ كمال الدين وتمام النعمة : الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المتوفى سنة ٣٨١ صححه وعلق عليه علي أكبر الغفاري ، نشر موسسة النشر الإسلامي ( التابعة ) لجماعة المدرسين بقم المشرفة ( إيران ) ١٤٠٥ هـ.

٨١ ـ كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال : علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي البرهان فوري المتوفى سنة ٩٧٥ ، نشر مؤسسة الرساله ١٤٠٩ هـ ـ ١٩٨٩ م ـ بيروت ـ لبنان.


حرف اللام

٨٢ ـ لسان العرب : أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم ابن منظور الأفريقي المصري ، نشر أدب الحوزة ١٤٠٥ هـ قم المقدسة ـ إيران.

٨٣ ـ لسان الميزان : الحافظ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة ٨٥٢ هـ منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت ـ لبنان الطبعة الثانية ١٩٧١ م ـ ١٣٩٠ هـ.

٨٤ ـ لقد شيعني الحسين 7 : الكاتب إدريس الحسيني ، نشر دار الإعتصام ـ أنوار الهدى ، الطبعة الأولى ١٤١٥ هـ قم المقدسة ـ إيران.

٨٥ ـ لماذا اخترت مذهب الشيعة : الشيخ محمّد مرعي الأميني الأنطاكي ( ت ١٣٨٣ هـ ) ، نشر دفتر تبليغات إسلامي ، الطبعة الأولى سنة ١٤١٧ هـ.

حرف الميم

٨٦ ـ المتحولون : الشيخ هشام آل قطيط ، نشر دار المحجة البيضاء ، بيروت لبنان ـ منشورات ذوي القربى قم المقدسة ـ إيران الطبعة الأولى ١٤٢٣ هـ.

٨٧ ـ المحاسن : الشيخ أبو جعفر أحمد بن محمّد بن محمّد بن خالد البرقي ، نشر دار الكتب الإسلامية.

٨٨ ـ المحاسن والمساوئ : الشيخ إبراهيم بن محمّد البيهقي ، نشر دار صادر ، بيروت ـ لبنان ١٣٩٠ هـ ـ ١٩٧٠ م.

٨٩ ـ المحصول في علم أصول الفقه : فخرالدين محمّدبن عمربن الحسين الرازي ( ت ٦٠٦ هـ ) الطبعة الثانية ١٤١٢ هـ ـ ١٩٩٢ م نشر مؤسسة الرسالة


بيروت ـ لبنان.

٩٠ ـ المحلى : أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم المتوفى سنة ٤٥٦ هـ ، نشر دار الفكر.

٩١ ـ مجمع البيان في تفسير القرآن : أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي من أعلام القرن السادس الهجري ، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت ـ لبنان ، الطبعة الأولى ١٤١٥ هـ ـ ١٩٩٥ م.

٩٢ ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي المتوفى سنة ٨٠٧ ، نشر دار الكتب العلمية بيروت ـ لبنان ١٤٠٨ هـ. ـ ١٩٨٨ م.

٩٣ ـ مروج الذهب ومعادن الجوهر : المسعودي أبو الحسن علي بن الحسين بن علي ( ت ٣٤٦ هـ ) ط الثانية ١٤٠٩ هـ نشر مؤسسة دار الهجرة ، قم المقدسة ـ إيران.

٩٤ ـ المزار الكبير : الشيخ أبو عبد الله محمّد بن جعفر المشهدي ، تحقيق جواد القيومي الاصفهاني ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي الطبعة الأولى ١٤١٩ هـ.

٩٥ ـ المستدرك على الصحيحين : الحافظ أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ( ت ٤٠٥ ) ، نشر دار المعرفة بيروت ـ لبنان.

٩٦ ـ مسند أبي يعلى الموصلي : الحافظ أحمد بن علي بن المثنى التميمي ( ت ٣٠٧ هـ ) نشر دار المأمون للتراث دمشق.

٩٧ ـ مسند أحمد بن حنبل : أبو عبد الله أحمد بن محمّد ( ت ٢٤١ ) ، نشر دار صادر ، بيروت ـ لبنان.


٩٨ ـ المصنف : الحافظ أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني ( ت ٢١١ ) ، نشر المجلس الأعلى.

٩٩ ـ المصنف : الحافظ عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان ابن أبي بسكر بن أبي شيبة الكوفي العبسي المتوفى سنة ٢٣٥ هـ ، ضبط وتعليق الأستاذ سعيد اللحام ، مكتب الدراسات والبحوث في دار الفكر.

١٠٠ ـ المعجم الأوسط : الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني نشر دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع ١٤١٥ هـ ـ ١٩٩٥ م.

١٠١ ـ المعجم الكبير : الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ٣٦٠ هـ ، الطبعة الثانية.

١٠٢ ـ المعيار والموازنة في فضائل الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب 9: أبو جعفر الأسكافي محمّد بن عبد الله المعتزلي المتوفى سنة ٢٢٠ هـ تحقيق الشيخ محمّد باقر المحمودي.

١٠٣ ـ المغني : أبو محمّد عبد الله بن أحمد بن محمّد بن قدامة المتوفى سنة ٦٢٠ هـ ، نشر دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع.

١٠٤ ـ مقاتل الطالبيين : أبو الفرج الأصفهاني ( ت ٣٥٦ ) الطبعة الثانية ، نشر المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف الأشرف ١٣٨٥ هـ ـ ١٩٦٥ م.

١٠٥ ـ الملل والنحل : الشهرستاني أبو الفتح محمّد بن عبد الكريم ( ت ٥٤٨ ) ط الثانية نشر مكتبة الأنجلو المصرية.

١٠٦ ـ المناقب : الموفق بن أحمد بن محمّد المكي الخوارزمي المتوفى سنة ٥٦٨ هـ نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة الطبعة الثانية سنة ١٤١١ هـ.


١٠٧ ـ مناقب الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب 7 : الحافظ محمّد بن سليمان الكوفي القاضي من أعلام القرن الثالث ، نشر مجمع إحياء الثقافة الإسلامية الطبعة الأولى ، ١٤١٢ هـ إيران ـ قم المقدسة.

١٠٨ ـ مناقب آل أبي طالب : الحافظ مشير الدين أبو عبد الله محمّد بن علي ابن شهر آشوب المازندراني المتوفى سنة ٥٨٨ هـ طبع محمّد كاظم الكتبي صاحب المكتبة والمطبعة الحيدرية سنة ١٣٧٦ هـ ١٩٥٦ م النجف الأشرف ـ العراق.

١٠٩ ـ مناظرة لطيفة : نشر مؤسسة في طريق الحق ، مطبعة سلمان الفارسي ١٤١٨ هـ قم المقدسة ـ إيران.

١١٠ ـ من حقي أن أكون شيعية : الكاتبة السودانية السيدة أم محمّد علي المعتصم ، نشر مؤسسة البلاغ ، الطبعة الأولى ، ١٤٢٥ هـ ـ ٢٠٠٤ م بيروت ـ لبنان ، التوزيع في سوريا ـ دمشق ـ السيدة زينب ٣مكتبة دار الحسنيين8.

١١١ ـ الموطأ : مالك بن أنس ، نشر دار إحياء التراث العربي بيروت ـ لبنان ١٤٠٦ هـ ـ ١٩٨٥ م.

١١٢ ـ ميزان الاعتدال في نقد الرجال : أبو عبدالله محمّد بن أحمد بن عثمان المتوفى سنة ٧٤٨ هـ ، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت ـ لبنان.

حرف النون

١١٣ ـ النزاع والتخاصم : تقي الدين أحمد بن علي المقريزي ( ت ٨٤٥ هـ ) تحقيق السيد علي عاشور.

١١٤ ـ النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : الشريف السيد محمّد بن عقيل


بن عبدالله بن عمر بن يحى العلوي المتوفى سنة ١٣٥٠ هـ نشر دار الثقافة للطباعة والنشر إيران ـ قم المقدسة الطبعة الأولى : ١٤١٢ هـ.

١١٥ ـ نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين : : جمال الدين محمّد بن يوسف بن الحسن بن محمّد الزرندي الحنفي المدني المتوفى عام ٧٥٠ هـ الطبعة الأولى ١٣٧٧ هـ ـ ١٩٥٨ م.

١١٦ ـ النهاية في غريب الحديث والأثر: مجد الدين أبو السعادات المبارك ابن محمّد بن الأثير الأجزري المتوفى سنة ٦٠٦ هـ منشورات محمّد علي بيضون ، دار الكتب العلمية ، بيروت ـ لبنان الطبعة الأولى ١٤١٨ هـ ١٩٩٧ م.

١١٧ ـ نهج البلاغة ، خطب الإمام علي 7 نشر : دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت ـ لبنان.

حرف الياء

١١٨ ـ ينابيع المودّة لذوي القربى : الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي ( ت ١٢٩٤ هـ ) ، نشر : دار الأسوة ، الطبعة : الأولى : ١٤١٦ هـ.



الإهداء.............................................................. ........ ٥

مقدمّة الكتاب.................................... ................... ........ ٧

كلمة لابدَّ منها..................................................... ........ ١١

إعتراف المستبصرين بأن في كتب السنة الدلائل الواضحة على صدق التشيّع.......................................................... ........ ١٢

المستبصرون والحوار وقراءة الكتب العلميّة................. ..................١٦

رزية الخميس في صحيح مسلم والبخاري.......................... ..........٢١

المناظرة الأُولى

مناظرة الشيخ الأنطاكي السوري مع جماعة من السنّة في عقيدة الشيعة في أمر الخلافة............................................................. ........ ٢٥

ضرورة الوصية بالخلافة بعد النبي 6............. .......................٢٦

مناقشة دعوى إيكال أمر الخلافة إلى الاُمة..................... ..... ........ ٢٨

المناظرة الثانية

مناظرة الشيخ الأنطاكي مع بعضهم في مشروعية السجود على التربة الحسينيّة وإقامة العزاء....................................................... ............... ٣٠

لماذا السجود على التربة.......................................... ......... ٣١

السجود على التراب أكثر دلالة على الخشوع...................... ........ ٣٣

السرّ في السجود على التربة الحسينيّة................................... .....٣٤


أرض كربلاء أشرف البقاع....................................... ........ ٣٥

إن الله عوض الحسين 7 باستشهاده بثلاث..................... ........ ٣٦

الإعتراف بالحقّ........................................... ............... ٣٧

فلسفة إقامة المأتم والعزاء على الإمام الحسين 7................. . ........ ٣٨

المناظرة الثالثة

مناظرة الشيخ الأنطاكي مع عالم شافعي من الشام في أن أمير المؤمنين 7 أحقّ الناس بالخلافة...................................................... ........ ٤٣

الاحتجاج بآية الولاية........................ .............. ........ ٤٤

دعوى إنفاق أبي بكر أمواله....................................... ........ ٤٥

الأدلة الكثيرة على إمامة أميرالمؤمنين 7...................................٤٨

المناظرة الرابعة

مناظرة الشيخ الأنطاكي مع رجل من أهل حمص في النص الصريح على خلافة أميرالمؤمنين 7 بعد الرسول 6.............................. ........ ٥٠

المناظرة الخامسة

مناظرة الشيخ الأنطاكي مع أحد مشايخ الأزهر في سبب تشيعه وأخذه بمنهج أهل البيت :.................................................. ............. ٥٢

الدواعي التي توجب الأخذ بالمذهب الشيعي....................... ..........٥٢

لا دليل على اتباع أحد المذاهب الأربعة..................... ...... ......... ٥٣

المؤاخذات على بعض الصحابة............................... .............. ٥٦

نص النبي 6 على أهل البيت :................. ...................٥٩

المناظرة السادسة

مناظرة الدكتور التيجاني مع أحد علماء الزيتونة في حديث الغدير ودلالاته.. ......٦٢


المناظرة السابعة

مناظرة الدكتور التيجاني مع أحد العلماء في الاجتهاد والبحث لمعرفة الحق....... ..٦٧

الإختلاف بين المذاهب الأربعة............................. ................٧٠

الصحابة في ميزان البحث والتحقيق.......................... .............. ٧١

المناظرة الثامنة

مناظرة الدكتور التيجاني مع السيد الخوئي 1 في الإفتراء المنسوب إلى الشيعة أن جبرئيل أعطى الرسالة النبي 9 بدل علي 7.................... ........... ٧٧

المناظرة التاسعة

مناظرة الدكتور التيجاني مع السيد الصدر 1 في حكم الشهادة لأمير المؤمنين 7 بالولاية والسجود على التربة والبكاء على الحسين 7............... .......... ٨٢

السجود على التربة الحسينية..................................... .......... ٨٥

البكاء واللطم على الإمام الحسين 7......................... ........... ٨٦

تعظيم قبور الصالحين........................................ ............. ٨٧

المناظرة العاشرة

مناظرة الدكتور التيجاني مع السيد الصدر 1 في حكم الجمع بين الصلاتين... ....٩٠

الجمع بين الصلاتين في صحاح السنة..................... ................. ٩٤

تشنيع البعض على الشيعة في الجمع بين الصلاتين................ ........... ٩٦

المناظرة الحادية عشر

مناظرة الدكتور التيجاني مع أحد علماء السنّة في بريطانيا في مشروعية التقيّة... ....٩٨

المناظرة الثانية عشر

مناظرة الدكتور التيجاني مع أحد الأصدقاء في مشروعية الصلاة والسلام على أهل البيت :....................................... ........................ ١٠١


علي 7 في صحيح البخاري...................... .................... ١٠٣

الإعتراف بالحق........................................ ................ ١٠٤

المناظرة الثالثة عشر

مناظرة الدكتور التيجاني مع بعض السنّة في أمر بعض الصحابة............ ..... ١٠٦

الصحابة في صحيح البخاري ومسلم.......................... ............ ١٠٧

المناظرة الرابعة عشر

مناظرة الدكتور التيجاني مع بعض علماء العامة في بومباي في بعض المفتريات على الشيعة.................................................................... ١١٠

المناظرة الخامسة عشر

مناظرة الدكتور التيجاني التونسي مع طه المصري في حديث الثقلين........ .....١١٥

المناظرة السادسة عشر

مناظرة الدكتور التيجاني التونسي مع بعض مرافقيه في تايلاند فيما جرى على الأُمّة بعد النبيِّ 6 ورزية يوم الخميس.................................. ...... ١١٧

لماذا لم يدعُ أميرالمؤمنين 7 الناس إلى بيعته ولم يغتنم الفرصة؟........ .....١١٩

كلام فاطمة الزهراء 3 في النصِّ على أميرالمؤمنين 7 بالخلافة ولماذا قعد عن حقّه................................................... ................ ١٢٢

كلام الشيخ المفيد عليه الرحمة في حديث العباس لأمير المؤمنين 7..... .....١٢٤

المناظرة السابعة عشر

مناظرة الدكتور التيجاني مع الشيخ علي في كينيا في أمر الصحابة واجتهاداتهم ومسألة رضاعة الكبير في الموطأ والبخاري........................ ................... ١٢٨


رضاعة الكبير في الموطأ والبخاري.......................... .............. ١٣٦

الشيخ علي يعلن تشيعه واستبصاره.................................... ... ١٣٨

المناظرة الثامنة عشر

مناظرة الدكتور التيجاني مع الشيخ المفتي عزيز الرحمان في بومباي في المراد من ( أهل البيت : ) في آية التطهير................................................ ١٤٠

ترضي البعض على معاوية ويزيد................................... ...... ١٤٥

المناظرة التاسعة عشر

مناظرة الدكتور التيجاني مع أبي ياسين في طهران في روايات أبي هريرة... .......١٤٧

المناظرة العشرون

مناظرة الدكتور التيجاني مع أبي لبن متعهد الرابطة الإسلامية في استكهولم في المراد من ( أهل البيت : ) في آية التطهير..................... .................... ١٥٦

المناظرة الحادية والعشرون

مناظرة الدكتور التيجاني مع شرف الدين المصري إمام الرابطة في السويد في حديث أن عمر جذب رسول الله 6 من قميصه................. .................. ١٦٣

انهزام شرف الدين المصري وانتكاسته................... .................. ١٦٧

المناظرة الثانية والعشرون

مناظرة الدكتور التيجاني مع بعض السلفيين في مشروعية التوسّل والاستشفاع بالنبي 6................................................................... ١٧٠

الحاجة إلى التوسل بالأنبياء والأولياء................... ................... ١٧١

توسل الصحابة بالنبي 6......................... ................... ١٧٢


الاحتجاج بالآيات الشريفة على مشروعية التوسل....................... .. ١٧٣

اعتراف السلفي بالتوسل في حياة النبي 6.......................... ... ١٧٥

توسل عمر بن الخطاب بالعباس عم النبي 6...................... .... ١٧٧

المناظرة الثالثة والعشرون

مناظرة الدكتور التيجاني مع بعض السلفيّة في مشروعيّة زيارة القبور...... ......١٨٠

المناظرة الرابعة والعشرون

مناظرة الدكتور أسعد القاسم الفلسطيني مع دكتور أردني في حديث ( الخلفاء إثنا عشر )......................................................................... ١٨٢

السبب الذي دعاني إلى التشيع..................................... ...... ١٨٣

المناظرة الخامسة والعشرون

مناظرة السيّد حسين الرجا السوري مع بعض علماء العامّة في أن الخليفة عمر شهر سيفه بعد وفاة رسول الله 6 وقال إنَّ رسول الله 6 لم يمت.... .......١٨٥

المناظرة السادسة والعشرون

مناظرة السيّد حسين الرجا مع بعض مشايخ السنّة في صحّة مذهب الشيعة من كتب السنّة وأنهم على حق....................................................... ١٨٨

المناظرة السابعة والعشرون

مناظرة الكاتب الأستاذ إدريس الحسني المغربي مع بعضهم في معاوية والحجّاج.................................................................. ١٩٠

جملة من أخبار الحجاج في التأريخ............ ............................ ١٩٣


المناظرة الثامنة والعشرون

مناظرة الشيخ مروان خليفات الأردني مع صديقه الشيعي في حديث رزيّة الخميس وآثارها................................................................... ١٩٧

المناظرة التاسعة والعشرون

مناظرة لمياء حمادة السوريَّة مع بتول العراقيَّة في كليَّة الشريعة بدمشق في عقائد الشيعة وشرحها كيفيَّة اعتناقها التشيُّع..................................... ......... ٢٠١

الإمام الصادق 7 والمذاهب الأربعة.......................... ......... ٢٠٥

بعض المفتريات على الشيعة.................................... .......... ٢٠٦

الحديث عن أحقية أميرالمؤمنين 7 في الخلافة وأمور أخرى..... ...........٢٠٨

رزية الخميس وحدها كافية لأن تشيعني........................ ........... ٢١٠

الحق هو اتباع أهل البيت :............................... ........... ٢١١

الحضور في مجالس عاشوراء................................... ........... ٢١٣

لمياء تعلن تشيعها............................................. ........... ٢١٤

المناظرة الثلاثون

مناظرة الهاشمي بن علي التونسي مع بعض الشيعة في حديث العشرة المبشَّرة ووصوله إلى الحقيقة................................................................ ٢١٦

من الحجج الملزمة حديث الثقلين................................ ......... ٢١٨

مذهب الشيعة مليء بالحجج الدامغة وضرورة الاطلاع على كتبهم ..... .... ٢١٨

كلام الأستاذ عبدالمنعم السوداني في حديث العشرة المبشَّرة............... ....٢١٩

المناظرة الحادية والثلاثون

مناظرة المحامي محمّد علي المتوكِّل السوداني مع الدكتور الحبر يوسف نور الدائم في الإقتتال الذي جرى بين الصحابة.................. .......................... ٢٢٣

حركة التشيع في السودان.................. .............................. ٢٢٥


المناظرة الثانية والثلاثون

مناظرة الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني قبل تشيُّعه مع ابن عمِّه المتشيِّع في الإمامة ووجوب البحث عن الحقيقة......................................... ....... ٢٢٧

الكثرة ليست معياراً للحق........................................ ........٢٢٨

أخذ الدين عن طريق أئمّة أهل البيت :........................ ....... ٢٢٩

ابتداء افتراق الأمة لما غصبت الخلافة من علي 7................ ....... ٢٣٠

الصحابة ومسألة الخلافة........................................ .........٢٣١

ضرورة البحث في مسألة الإمامة أولا ثم الأصول الاُخرى.......... ......... ٢٣٢

المناظرة الثالثة والثلاثون

مناظرة الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني مع بعض أصدقائه حول العصمة في حديث الثقلين.................................................................... ٢٣٤

حديث الثقلين وآية التطهير يدلان على عصمة أهل البيت :....... ......٢٣٧

المناظرة الرابعة والثلاثون

مناظرة الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني مع بعض السلفيَّة في التوحيد والتوسُّل وصفات الله تعالى.......................................................... ٢٣٩

التوسل وتعظيم الأولياء ليسا من الشرك في شيء............ ............... ٢٤٠

النقاش في مسألة التجسيم................................................ ٢٤٢

كلام أهل البيت : حول التوحيد...................... ............... ٢٤٥

انقطاع حجة المُحاوِر وتعنته.............................. ............... ٢٤٦

المناظرة الخامسة والثلاثون

مناظرة الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني مع بعض السلفيَّة في حديث أن الأئمة اثنا عشر...................................................................... ٢٤٨


الأئمة اثنا عشر في صحاح وكتب السنة...................................٢٤٩

ماذا قال علماء السنة في الحديث..........................................٢٥٠

المناظرة السادسة والثلاثون

مناظرة الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني مع بعضهم في حديث أصحابي كالنجوم.................................................................. ٢٥١

المناظرة السابعة والثلاثون

مناظرة الأستاذ عبد المنعم السوداني وبعض الشيعة مع بعض السلفيّة في أمر معاوية ويزيد..................................................................... ٢٥٢

المناظرة الثامنة والثلاثون

مناظرة الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني مع بعضهم في الافتراء على الشيعة وأثر أدعية أهل البيت:........................................................... ٢٥٦

استبصار البعض بفضل الحوار وأدعية أهل البيت :........ ..............٢٥٧

المناظرة التاسعة والثلاثون

مناظرة الشيخ هشام آل قطيط السوري مع مجموعة من مشايخ السنّة وتساؤلاته حول عقائد الشيعة ورحلته في البحث عن الحقيقة..................... ............. ٢٥٩

مع الشيخ عزّ الدين الخزنوي................................ ............. ٢٦٠

إلى الشيخ محمّد نوري................................................... ٢٦١

قراءة كتاب المراجعات..................................... ............. ٢٦٣

اللقاء مع الدكتور عبد الفتاح صقر المصري.................. ............. ٢٦٥

مع الشيخ عبدالله الهرري وكتاب ثم اهتديت والمراجعات..... ...............٢٦٨

حوارٌ مُحرج............................................. .............. ٢٧١


حول حديث ( عمار تقتله الفئة الباغية ).................... .............. ٢٧٣

مع الشيخ صالح عيزوقي................................... .............. ٢٧٦

مع الشيخ إسماعيل عرناسي................................ .............. ٢٧٧

العودة إلى كتاب المراجعات................................ .............. ٢٧٩

حديث الثقلين في كتب السنة.............................. .............. ٢٧٩

ولاية علي بن أبي طالب 7............................. .............. ٢٨٠

حول الخطبة الشقشقية واحتجاجات الإمام علي 7................ ......٢٨٢

المناظرة الأربعون

مناظرة هشام آل قطيط مع الشيخ عبد الأمير الهويدي وغيره وبحثه عن الحقيقة وأشياء يسمعها لأوَّل مرة................................................... ...... ٢٨٧

رسالة الجاحظ.......................................................... ٢٨٨

الاقتناع بأحقية أهل البيت :......................................... ٢٩٤

زيارة مرقد السيدة الجليلة رقية 3 بنت الحسين 7............. ...... ٢٩٥

الاستماع إلى مصائب الحسين 7.............................. ....... ٢٩٨

المناظرة الحادية والأربعون

مناظرة الشيخ هشام آل قطيط مع العلاّمة السيِّد علي البدري 4...... ........٣٠٤

اللقاء الأول : لقاء وتعارف...................................... ........ ٣٠٤

اللقاء الثاني : تحديد موعد للمناظرة والمحاورة...................... ........ ٣٠٧

اللقاء الثالث : ( بداية البحث الفعلي والحوار )................... ......... ٣٠٨

الخطبة الشقشقية واحتجاجات الإمام علي 7................. ......... ٣١٤

مقارنات بين محمَّد رسول الله 6 وبين ما اتّبعه علي7... ...........٣١٥

اللقاء الرابع : في قضايا الخلاف وما يتعلَّق بالصحابة............ ........... ٣٢٠

نماذج من مخالفات الصحابة للرسول 6.................. ............ ٣٢٢


حقائق لا بد من توضيحها وكشفها................................. ..... ٣٢٧

اللقاء الخامس : مناقشة الأدلّة التي يستدلّ بها على خلافة أبي بكر .... ...... ٣٣١

حوار في النصوص المدعاة على أحقّيّة الخليفة أبي بكر بالخلافة........ ........٣٣٢

الوجه الصحيح في حديث صلاة الخليفة أبي بكر................... ........ ٣٣٤

حديث المنزلة ومنازل هارون من موسى 7................... ......... ٣٤١

أدلة أخرى في إمامة علي 7................................ .......... ٣٤٤

مقايسة علي 7 بالأنبياء :.............................. ...........٣٤٦

اللقاء السادس : خبر منع عمر النبيَّ 6 من كتابة الكتاب ... ........... ٣٤٨

المحاورة بين عمر وابن عباس تكشف عن لثام الحقيقة........... .............٣٥٠

كل ممنوع مرغوب...................................................... ٣٥٢

اللقاء السابع : المناقشة في بيعة أبي بكر وحديث الثقلين...... ...............٣٥٣

حوار في مشفى المجتهد لمدة نصف ساعة!!................... ..............٣٥٤

لا إجماع على خلافة أبي بكر............................... ..............٣٥٦

مخالفة أهل البيت : لخلافة أبي بكر........................ ............٣٥٨

اللقاء الثامن : تأجيل المناظرة.................................. ............٣٦٠

اللقاء التاسع : مسألة كبر السنّ في الخليفة ، وظلامة علي وفاطمة 8..................................................................٣٦٠

هل بايع علي 7 وبنو هاشم أبا بكر؟...................... ............ ٣٦٤

وثائق تاريخيَّة في ضلامة فاطمة الزهراء 3................... ............ ٣٦٧

الزهراء 3 تخاطب الخليفة أبابكر....................................... ٣٦٩

الزهراء 3 تشكو اهتضامها لأبيها 6..................... ......... ٣٧١

مراجعة صحيح البخاري للوصول إلى الحقيقة..................... ......... ٣٧٣

اللقاء الأخير : ودخل النور إلى قلبي بمظلوميَّة فاطمة3......... .......... ٣٧٤

المناظرة الثانية والأربعون

مناظرة الشيخ معتصم سيد أحمد السوداني مع الشيخ عبدالقادر الأرنؤوطي في حديث الثقلين.................................................................... ٣٧٦


المناظرة الثالثة والأربعون

مناظرة الشيخ معتصم سيد أحمد السوداني مع الشيخ أحمد الأمين في صيانة القرآن عن التحريف.................................................................. ٣٨٥

المناظرة الرابعة والأربعون

مناظرة الشيخ معتصم السوداني مع الأستاذ عبد المنعم في أن كتب السنّة فيها دلائل على التشيُّع وبداية تحوُّله وبحثه عن الحقيقة......... .......................... ٣٨٩

البحث في مكتبة الجامعة................................................. ٣٩٢

المناظرة الخامسة والأربعون

مناظرة الشيخ معتصم السوداني مع بعض السلفيين في وجوب اتّباع أهل البيت: والأدلّة على إمامة أميرالمؤمنين 7.................................. ....... ٣٩٤

الشيعة والتشيع حديث الساعة بين طلبة الجامعة.................... .........٣٩٤

الحوار العلمي الساخن في مواجهة السلفيين في دار الطلاب......... .........٣٩٥

دعوى أن الصحابة كلهم عدول............................... .......... ٣٩٦

الحديث عن أثر التشيع في السودان............................ ........... ٣٩٨

طلب المناظرة مع المُحاضِر............................................. .. ٣٩٩

مفهوم التشيع ونشاءته التاريخية........................................ ... ٤٠٠

هل هناك دليل على وجوب اتباع السلف؟............................. ... ٤٠٤

لا علاقة للتشيّع بعبدالله بن سبأ...................................... .... ٤٠٦

الدليل على ولاية علي بن أبي طالب 7 وخلافته................... ..... ٤٠٨

الآية الأولى : آية ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ ... )........................ ....... ٤٠٩

الآية الثانية : آية ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ... ).......... ..... ٤١٢

الآية الثالثة : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) ..... ...... ٤١٥

سكوت المُحاضِر ولم يعقب بشيء................................. ....... ٤١٨

حادثة الإرتداد بعد النبي 6 في صحيح البخاري ومسلم ....... ....... ٤١٩


أحداث يوم الجمعة والحوار في التوحيد والتوسل................. .......... ٤٢٢

حديث المُحاضر في التوسل وزيارة القبور...................... ............٤٢٢

الرد على المُحاضر وبيان حقيقة التوحيد ومفهوم البدعة........ ............ ٤٢٣

حول الخضوع والتذلّل لغير الله تعالى........................ ............. ٤٢٥

مفهوم التوسل وحقيقته ومفهوم الشرك...................... ............. ٤٢٧

عدم مواصلة الحديث بسبب أخذ لاقطة الصوت............. .............. ٤٢٩

الإفتراء على الشيعة ونكوص القوم عن الرد العلمي.......... .............. ٤٢٩

الجلسة الثانية مع الدكتور عمر مسعود ورد للإتهامات............ .......... ٤٣١

حوار في عصمة الأئمة : في مدينة عطبرة.................... .......... ٤٣٣

الدكتور عمر مسعود ينكص عن المناظرة ويرفع الجلسة........... .......... ٤٣٥

المناظرة السادسة والأربعون

مناظرة الشيخ معتصم السوداني مع شيخ السلفيّة في صفات الله تعالى والطريق الذي يجب أن تسلكه الأمّة بعد رسول الله 6................. ............... ٤٣٦

الصفات الإلهية عند السنة والشيعة......................... ............... ٤٣٩

الصفات الإلهية عند السلف والمفسرين.................... ................ ٤٤١

رأي الذهبي وابن حجر في ابن تيمية..................... ................. ٤٤٥

الدعوة إلى المباهلة....................................................... ٤٤٦

المناظرة السابعة والأربعون

مناظرة الشيخ معتصم السوداني مع الدكتور عمر مسعود في صلح الإمام الحسن 7 وحديث الثقلين............................................................ ٤٤٨

كلمة في صلح الإمام الحسن 7 وشروطه....................... ....... ٤٥٢

المناظرة الثامنة والأربعون

مناظرة أم محمّد علي المعتصم السودانيّة مع خالها وقصّة تشيُّعها......... ....... ٤٥٩

وطرق التشيُّع بابنا.............................................. ........ ٤٥٩


من هم الشيعة.......................................... ................ ٤٦١

رأي الشيعة في منصب الإمامة............................................ ٤٦١

كلمات في الصميم وأدلة مقنعة.......................... ................ ٤٦٥

حوار تحت ضوء القمر حول الخلافة بين النص والشورى.. ................. ٤٦٦

النبي 6 ينصب علياً 7 خليفة من بعده.......... ................. ٤٦٨

الاستدلال بآيات الشورى باطل........................ .................. ٤٧٤

حديث اختلاف أمَّتي رحمة............................................... ٤٧٨

الديمقراطيَّة مبدأ إسلاميٌّ وعقلائيٌّ...................... .................. ٤٧٩

الديمقراطيَّة لا تصلح في المجتمع القبلي................... .................. ٤٨٠

خلافة أبي بكر والإجماع................................................. ٤٨٣

الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر.......................... .................. ٤٨٤

علي 7 لم يبايع أبا بكر............................ .................. ٤٨٦

الهجوم على بيت فاطمة 3......................... .................. ٤٨٨

أحداث السقيفة....................................... .................. ٤٨٩

عليٌّ مع الحقِّ والحقُّ مع عليٍّ 7..................... .................. ٤٩١

الشورى في الواقع العملي.............................. .................. ٤٩٤

عدالة الصحابة........................................ .................. ٤٩٦

موقف علي 7 من خلافة أبي بكر................... ................. ٥٠٣

إمامة عليٍّ 7 على نحو الاختيار وليس الجبر.......... .................. ٥٠٧

احتجاج السيدة فاطمة الزهراء 3...................................... ٥١١

مسح الأرجل في الوضوء............................................ .... ٥١٨

أكذوبة المذاهب الأربعة.............. ................................... ٥٢٠

الشعائر الحسينيّة..................... ................................... ٥٢٥

الحسين 7 الدمعة الجارية........... .................................. ٥٣١

مصادر الكتاب......................... .................................. ٥٣٧

المحتويات...................................................................٥٥٥

مناظرات المستبصرين

المؤلف: عبد الله الحسن
الصفحات: 569