Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEQasas-Anbiyaimagespage0001.png


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEQasas-Anbiyaimagesrafed.png


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEQasas-Anbiyaimagespage0002.png


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEQasas-Anbiyaimagespage0003.png


المحتويات

مقدمة التحقيق

٧

مقدمة المؤلّف

٣١

الباب الأوّل :

في ذكر خلق آدم وحوّا

٣٥

الباب الثاني :

في نبوّة إدريس ونوح (ع)

٧٣

الباب الثالث :

في ذكر هود وصالح (ع)

٨٨

في حديث إرم ذات العماد

٩٣

الباب الرّابع :

في نبوّة إبراهيم (ع)

١٠٣

الباب الخامس :

في ذكر لوط وذي القرنين (ع)

١١٧

الباب السادس :

في نبوّة يعقوب ويوسف (ع)

١٢٦

الباب السابع :

في ذكر أيوب وشعيب (ع)

١٣٩

الباب الثامن :

في نبوة موسى بن عمران (ع)

١٤٨

في حديث موسى والعالم

١٥٦

في حديث البقرة

١٥٩

في مناجاة موسى (ع)

١٦٠

في حديث حزبيل لمّا طلبه فرعون

١٦٦

في تسع آيات موسى

١٦٧

في حديث بلعم بن باعورا

١٧٣

في وفاة هرون وموسى

١٧٤

في خروج صفراء على يوشع بن نون

١٧٥


الباب التاسع :

في بني إسرائيل

١٧٧

الباب العاشر :

في نبوّة إسماعيل وحديث لقمان

١٨٨

الباب الحادي عشر :

في نبوّة داود (ع)

١٩٨

الباب الثاني عشر :

في نبوّة سليمان (ع) وملكه

٢٠٨

الباب الثالث عشر :

في أحوال ذى الكفل وعمران

٢١٢

الباب الرابع عشر :

في حديث زكريا ويحيى

٢١٦

الباب الخامس عشر :

في نبوّة وارميا ودانيال

٢٢٢

في علامات كسوف الشمس في الاثني عشر شهراً

٢٣٤

في علامات خسوف القمر طول السنة

٢٣٥

الباب السادس عشر :

في حديث جرجيس وعزير وحزقيل وإليا

٢٣٨

الباب السابع عشر :

في ذكر شعيا وأصحاب الأخدود وإلياس واليسع ويونس وأصحاب الكهف والرقيم

٢٤٤

الباب الثامن عشر :

في نبوةّ عيسى وما كان في زمانه ومولده ونبوّته

٢٦٤

الباب التاسع عشر :

في الدلائل على نبوّة محمّد (ص) من المعجزات وغيرها

٢٨١

الباب العشرون :

في أحوال محمد (ص)

٣١٦

قصة المعراج

٣٢٥

في مغازيه

٣٣٩


بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الّذي بعث رسله وأنبياءه إقامةٌ لعدله ودينه وحجّةً له على خلقه لئلّا يثبت لهم عذر و برهان بأنّه : لولا أرسلت إلينا رسولاً هادياً مبشّراً ومنذراً وبيده قرآن وفرقان حتّى نتبعك من قبل أن نضلّ ونخزى. فكشفوا لهم عن المحاسن والمساوئ وبصّروهم سرّاء الدّنيا وضرّائها وبيّنوا لهم ما أعدّ الله للمطيعين من جنّة وكرامة ، وللعصاة من نار وخسارة فجهل الغواة حقّ الهداة فبدّدوهم ومزّقوهم. ولم يقطع الله سبحانه عن الظالمين والغاوين حجّته فواتر إلى الخلق سفراءه ليتواتر عليهم بيّناته البالغة إلى أن أفضت جلائل نعمه وكرائم ألطافه أن ينتجب أبا القاسم محمّد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف رسولا إلى الثّقلين من خليقته فأعطاه الشّريعة السّهلة السّمحة الكامل قواعدها والمرصوص مبانيها فأتمّ به النّبوة وختم به الرّسالة صلى الله عليه وآله الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً ، جعلهم خلفاء الرّسول امتداداً لخطّ الرّسالة وإخراجاً للنّاس من وساوس الضّلالة إلى انوار الهداية فهم مشاعل الخير والسّعادة « حاضرهم وغائبهم ماضيهم وقائمهم الحجة بن الحسن العسكري عليهما السلام وأرواحنا له الفداء » إلى يوم النّاس لربّ العالمين.

التّعريف بالكتاب

ومزاياه القيّمة

ومختصّاته النّادرة

كشف زلّة ورفع شبهة

وبعد : فإنّ كتاب قصص الأنبياء لأبي الحسين سعيد بن هبة الله قطب الدّين الرّاوندي لم يظهر ليومنا هذا على عالم الطّبع مع أنّه كتاب قيّم ثمين مشتمل على مطلب مهمّ وزين ، ألا وهو التأريخ الرّزين للأنبياء والمرسلين وقد أشار مؤلّفه الفذّ « في المقدّمة » إشاره لطيفة إلى تمجيده وتحبيره حيث قال : والكتب المصنّفة في هذا المعنى ، فيها الغثّ والسّمين والرّدّ والثّمين فجمعت بعون الله زلالها وسلبتها جربالها ...

إن قلت : ربما ينسب الكتاب إلى السّيد الأمام ضياء الدّين أبي


الرّضا فضل الله بن عليّ الرّاوندي ، كما كتبت النّسبة على ظهر نسخة منه بمكتبة الأستاذ الشّهيد مرتضى المطهّري (الّتي في السّابق كانت موسومة بـ : المكتبة لمدرسة سبه سالار الكبرى الجديدة في مقابل المدرسة لسبه سالار الصّغرى القديمة كلتاهما في طهران) وقد ترفع النّسبة إلى لمجلسي مردّدا في مقدّمة البحار.

قلت : لااعتبار لتلك النّسبة بالكتابة المجهول كاتبها. والنّسخة الموصوفة رأيتها وأخذت صورة منها. على هامش صفحتها الرّابعة : كتاب قصص الأنبياء تأليف السّيد فضل الله الرّاوندي جزءِ كتابخانهٔ شاهزاده خان لر ميرزا احتشام الدّولة. وعلى هامش آخر النّسخة هكذا : هو الباقي ، قد انتقل بالبيع الشّرعي إلى العبد المذنب خان لر بمبلغ خمسة عشر ريال في سنة ١٢٦٢ وفي ذيل الكتابة ختمه.

وهذا أكمل نسخة (من خمس نسخ خطّيّة نالتها أيدينا) وقع الفراغ من استنساخها في اليوم ٢٢ من ذي الحجّة ١٠٨٩ على يد عزيز بن مطلب بن علاء الدّين بن أحمد الموسوي الحسيني الجزائري (١) مولداً و منشأً في بلدة شوشتر (هكذا تحكي الكتابة والمقصود أنّ مولده الجزائر ـ من اعمال البصرة ـ ونشأه في بلدة شوشتر) وألحق بالنسخة بخط آخر فوائد متفرقة ومسائل متشتّتة منها الاستفتاء في مسألة عن القاضي ابن فريقة وروايات ثلاثة عن مجالس الصّدوق في الرّؤيا ومسائل متفرقة مشكلة تشبه الاحجيّة ورواية معلّى بن خنيس في فضل يوم النّيروز وفائدة ملخّصة من المهذّب شرح المختصر في تحقيق يوم النّيروز و تعيينه في ذيل : تنبيه. ثمّ ذكر فوائد الشّيخ جواد وألغازه وهناك مواعظ مختلفة وفوائد متفرقة عليها.

والشّيخ الطّهراني قد رأى هذه النّسخة ووصفها في الذّريعة الجزء ١٧ / ١٠٤ بما ذكرنا في الجملة فزلّ قلمه حيث نسب الكتاب في هذه الصّفحة إلى السّيد الرّاوندي اغتراراً من تلك الكتابة المجرّدة المجهولة ومسرعا في العبور على عبارة المجلسي في مقدمة البحار الآتي ذكرها وفي الصفحة المقابلة نسبه إلى القطب الرّاوندي لتشويه سواد على بياض فردّد تعدّد الواحد الّذي رتّب على عشرين باباً محدّد البدء والختم وما أدرى لو رأى سائر النّسخ من هذا الكتاب الّتي لم يكتب عليها شيء أو كتب على بعضها ما يفهم منه أنه تأليف قطب الدّين الرّاوندي فهل توقّف أو حكم بتكرّر تأليف بقالب واحد بقلمين للراونديّين ؟

ومن المعلوم أنّ بكتابة صامتة من كاتب غير معروف ومن دون إقامة مستند معتبر مستدلّ على دعواه لايثبت المدّعى وهذه المسألة كمسألة وقف الكتاب حيث قال الفقهاء : لا تثبت وقفيّة كتاب بمجرّد وجود كتابة الوقف عليه فيمكن شراءه وبيعه.

والحال على هذا المنوال في أشباه القضيّة ونظائرها الّتي تحتاج في صحّتها وواقعيّتها إلى بيّنة أو

_________________________________

(١) : الظاهر انه ابن العمّ للسيّد نعمة الله الجزائري ، كما يظهر من ترجمته في أعيان الشيعة ١٠ / ٢٢٦.


استفاضة أو اطمئنان على تصديق عنوان خاص في مواردها ومن الاتّفاق أنّ فيما نحن فيه دعوى الاستفاضة بل الشّهرة على عكس الدّعوى وهو أنّ كتاب قصص الأنبياء الرّاونديّة (على حدّ تعبير شيخنا صاحب الذريعة الجزء ١٧ : ١٠٥) وذاك المقصور على قصص الأنبياء الّذي أخباره جلّها مأخوذة من كتب الصّدوق (على لبّ تحديد المجلسي) كتاب واحد تحت هذه القبّة الخضراء وفوق هذه الغبراء لم ينسبه متتبع إلى غير أبي الحسين قطب الدّين الرّاوندي ولايوجد في الفهارس والمكتبات الطّويلة والعريضة في البلاد تسجيل جازم متقن على خلاف ذلك.

ولذا ذكر المحدّث المتخصّص الشّيخ الحرّ العاملي بكلمة واحدة في وسائل الشيعة الجزء ٢٠ / ٤٢ : كتاب الخرائج والجرائح تأليف الشّيخ الصّدوق سعيد بن هبة الله الرّاوندي ، كتاب قصص الأنبياء له. وقال في ذكر طرقه إلى الكتب ص ٥٧ : ونروي كتاب الخرائج والجرائح وكتاب قصص الأنبياء لسعيد بن هبة الله الرّاوندي بالإسناد السّابق عن العلّامة الحسن بن المطهّر عن والده عن الشّيخ مهذّب الدّين الحسين بن ردّة عن القاضي أحمد بن عليّ بن عبدالجبار الطّبرسي عن سعيد بن هبة الله الراوندي.

وقال في أمل الآمل الجزء ٢ / ١٢٧ عند ترجمة القطب الراوندي وتعريض كتبه : وقد رأيت له كتاب قصص الأنبياء أيضا. ولم ينسبه إلى السيّد فضل الله الرّاوندي حين ترجمه في المصدر نفسه ص ٢١٧.

ويظهر من مواضع لترجمة قطب الدّين الرّاوندي في رياض العلماء الجزء ٢ مسلّمية أنّ كتاب قصص الأنبياء له منها ص ٤١٩ ومنها ص ٤٢٦ ومنها ص ٤٣٥ وقال في ص ٤٢٨ : ثم أقول : المشهور أنّ كتاب الخرائج والجرائح وكتاب قصص الأنبياء كلاهما من مؤلفات القطب الرّاوندي هذا. وقال الأستاذ الإستناد في البحار : وكتاب الخرائج والجرائح للشيخ الإمام قطب الدّين أبي الحسين سعيد بن هبة الله بن الحسن الرّاوندي وكتاب قصص الأنبياء له أيضا على ما يظهر من أسانيد الكتاب واشتهر أيضا ولايبعد أن يكون تأليف فضل الله بن عليّ بن عبيدالله الحسني الرّاوندي كما يظهر من بعض أسانيد السيّد ابن طاووس وقد صرّح بكونه منه في رسالة النّجوم وكتاب فلاح السّائل والأمر فيه هيّن لكونه مقصوراً على القصص وأخباره جلّها مأخوذة من كتب الصّدوق ، انتهى.

أقول : العبارة بعينها موجودة في البحار الطّبع الجديد الجزء ١ / ١٢ وغرض صاحب الرّياض من ذكر عبارة المجلسي ردّ ما أبداه احتمالا من كون كتاب القصص للسيّد فضل الله الرّاوندي ولذا قال متّصلا بالعبارة : أقول : لكن قد صرّح ابن طاووس نفسه أيضا في كتاب مهج الدعوات بأن كتاب قصص الانبياء تأليف سعيد بن هبة الله الرّاوندي والقول بأنّ لكلّ منهما كتاباً في هذا المعنى ممكن لكن


بعيد. فتأمّل (رياض العلماء الجزء ٢ / ٤٢٩) وجه التّأمل أنّ الكلام في المقام ليس في احتمال وجود تأليف في هذا الموضوع للسّيد الرّاوندي ولم يصل إلينا فانّه لانافي لهذا الاحتمال وإنما الكلام في أنّ هذا الكتاب الوحيد المعروف المشخّص في الخارج المحرز بدواً وختماً وفهرساً الموسوم بقصص الأنبياء لأيّ من الرّاونديّين فيقال : إنّه قامت القرائن الوثيقة على أنّه للشيخ الإمام أبي الحسين قطب الدّين سعيد بن هبة الله الرّاوندي.

القرينة الأولى والثّانية : أنّ السيد ابن طاووس ذكر في موردين من مهج دعواته ما فيه انفهام عرفيّ بأنّه يرى نسبة تأليف كتاب قصص الأنبياء. هذا ، إلى قطب الدّين الرّاوندي.

المورد الأوّل في الصفحة ٣٠٧ منه الطّبع الحجري ١٣٢٣ (انتشارات كتابخانه سنائي) : ومن ذلك دعاء يوسف عليه السّلام لمّا أُلقي في الجبّ رويناه بإسنادنا إلى سعيد بن هبة الله الرّاوندي من كتاب قصص الأنبياء بإسناده فيه إلى أبي عبدالله عليه السّلام قال : لمّا ألقى إخوة يوسف يوسف في الجبّ نزل عليه جبرئيل عليه السّلام فقال : يا غلام من طرحك في هذا الجبّ ؟ قال : إخوتي لمنزلتي من أبي حسدوني ، قال : أتحبّ أن تخرج من هذا الجبّ ؟ قال : ذلك إلى إلٰه إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، قال جبرئيل : فإنّ الله يقول لك : قل : اللّهم إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إلٰه إلّا أنت بديع السّماوات والارض يا ذا الجلال والإكرام أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً و ترزقني من حيث أحتسب ومن حيث لاأحتسب برحمتك يٰا أرحم الرّاحمين.

وهذا الحديث مذكور حرفاً بحرف في الكتاب الحاضر في الفصل الأوّل من الباب السّادس في نبوّة يعقوب ويوسف عليهما السّلام.

والمورد الثّاني في ص ٣١٢ : ومن ذلك دعاء عيسى عليه السّلام رويناه بإسنادنا إلى سعيد بن هبة الله الرّاوندي رحمه الله من كتاب قصص الأنبياء عليهم السّلام بإسناده إلى الصّادق عن آبائه عن النّبي صلوات الله عليه وعليهم قال : لمّا اجتمعت اليهود إلى عيسى عليه السّلام ليقتلوه بزعمهم أتاه جبرائيل عليه السّلام فغشّاه بجناحه فطمح عيسى عليه السّلام ببصره فإذا هو بكتاب في باطن جناح جبرئيل وهو : اللّهم إنّي أدعوك باسمك الواحد الأعزّ ... إلى آخر الدّعاء والخبر. وهو مذكور أيضاً عيناً في الكتاب الحاضر ، الباب ١٨ الفصل ٨.

وأمّا مقالة المجلسي من أنّ ابن طاووس قد صرّح بكونه منه في رسالة النّجوم وفلاح السّائل. فمع أنّه جذيلها المحكك وعذيقها المرجّب (١) تورّط من كثرة المشغلة في الخطأ لانّ الكتابين كشفتهما صفحةً بعد

_________________________________

(١) : قول في حادثة السقيفة مع المهاجرين ، واصله : أنا جذيلها ... استعير بن عمن يستشفى برأيه ويستضاء به أي هو ممن يقتدى به ويؤخذ بتدبيره.


صفحةٍ وسطراً خلف سطرٍ فرأيت كتاب فلاح السّائل فارغاً عن ذكر هذا الكتاب ومؤلّفه وما وجدت في كتاب فرج المهموم في علم النّجوم إلّا موضعين فيهما الدّلالة على أنّ كتاب قصص الأنبياء لسعيد بن هبة الله. وهذان الموضعان يشكّلان القرينة الثّالثة والرّابعة على المطلوب.

الموضع الأوّل في ص ٢٧ (طبع النّجف المطبعة الحيدريّة) : ورواه سعيد بن هبة الله الراوندي رحمه الله في كتاب قصص الأنبياء. والمقصود بقوله : ورواه ، الإشارة إلى قصة آذر والد إبراهيم (بمعنى المربّي أو ما يقرب منه) كان منجّما لنمرود ... فقال له : إنّي أرى في حساب النّجوم ... والقصة بطولها موجودة في الباب الرّابع الحديث المرقم ٩٣ من كتاب القصص الحاضر لديك.

الموضع الثّاني فيه في ص ١١٨ : ومن ذلك ما ذكره سعيد بن هبة الله الرّاوندي رحمه الله في كتاب قصص الأنبياء ، قال : إنّ عيسى عليه السلام مرّ بقوم معرّسين فسأل عنهم فقيل له : إنّ بنت فلان تُهدى إلى فلان فقال : إنّ صاحبتهم ميّتة ... والقصّة بعينها مذكورة في كتابكم الحاضر في الباب ١٨ الحديث ٣٣٨.

القرينة الخامسة : إنّي تصفحت كتاب سعد السّعود لابن طاووس أيضا فرأيت فيه ما يشكّل قرينةً على المطلوب حيث قال (ص ١٢٣ من طبعته الأولى في النّجف الحيدريّة ١٣٦٩) : فصل ، فيما نذكره من كتاب قصص الأنبياء جمع الشّيخ سعيد بن هبة الله بن الحسن الرّاوندي قصة إدريس ... : أخبرنا السّيد ابوالصّمصام ذوالفقار بن أحمد بن معبد الحسيني حدّثنا الشّيخ أبوجعفر الطّوسي ... عن إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه عن جدّه عن أبي جعفر عليه السّلام قال : كان نبوّة إدريس أنّه كان في زمنه ملك جبار و أنّه ركب ذات يوم ... وآخر القصّة : فأظلمتهم سحابة من السماء فأرعدت وأبرقت وهطلت عليهم.

والقصّة مفصّلة اقتطعناها وهي باسرها تضمّنها هذا الكتاب الّذي بيدك. الحديث الأوّل من الباب الثّاني في نبوة إدريس.

وبعد استعراض هذه القرائن الخمس مضافا إلى ما سمعته من صاحب الرّياض والوسائل ، لايعتريك ريب في أنّ الكتاب الموجود تأليف قطب الدّين سعيد بن هبة الله الرّاوندي وأنّ احتمال خلافه من قبيل إبداء شبهةٍ في مقابل النّص.

ويؤيّد المطلب ماذكره الشّيخ النّوري في مستدركه الجزء ٣ / ٤٨٩ و ٤٩٠ حيث يلوح من المذكور في الصّفحتين اعتقاده : أنّ كتاب قصص الانبياء للقطب الرّاوندي ولاغير ولوضوح الأمر لاحاجة إلى كشف عبارته في ص ٣٢٦ من نفس الجزء وكسر سكوته على ما تقدّم من المجلسي من البيان الظّاهر في ترديده لكون الكتاب للقطب أو السّيد فضل الله وفيما أوردناه من بسط بعض الإمارات والدّلائل على المقصود كفاية انشاء الله تعالى.


مشخصات القطب :

اسمه ولقبه ومولده

ووفاته ومدفنه

اختلف في اسمه وكنيته وسلسلة نسبه. فقيل : إّنه سعيد وقيل : سعد وقيل : ابوالحسن وقيل : ابوالحسين وقيل : ابوالفرج وقيل : إنّ مدفنه في قرية خسرو شاه بقرب من تبريز وقيل في الجميع غير ذلك.

ولعمري إنّ الاختلاف في ذلك اختلاف في أمر بديهيّ إذ المشتهر عند النّاس من العوامّ والخواصّ هو : ابوالحسين قطب الدّين سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي.

وأسبق من ترجمه بأخصر شئ جميل هو تلميذه ابن شهر آشوب في معالم العلماء ص ٥٥ طبع النجف ، حيث قال : شيخي ابوالحسين سعيد بن هبة الله الرّاوندي. ثمّ فهرس مختصراً من كتبه.

وأقدم من نصّ على تلقييه بـ : قطب الدّين هو تلميذه الآخر الشّيخ منتجب الدّين في فهرسته إذ قال في حرف سينه : الشّيخ الإمام قطب الدّين ابوالحسين سعيد بن هبة الله بن الحسن الرّاوندي فقيه عين صالح ثقة له تصانيف. ثمّ سردها ولسنا بهذا الصّدد وعن تأريخ الرّي له : زيادة : بن عيسى ، بعد ، الحسن.

ويظهر من الرّياض في أوائل ترجمته (الجزء ٢ / ٤١٩) أنّه الشّيخ الإمام قطب الدّين ابوالحسين سعيد بن عبدالله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن الرّاوندي.

ووجه الظّهور أنّه وجه الجمع بين كلامه « بعيد عنوانه » : وقد ينسب إلى جدّه كثيراً اختصاراً فيقال : سعيد بن هبة الله الرّاوندي. فلا تظنّنّ المغايرة بينهما وبين كلامه الآخر بعد ترجمته المفصّلة في ص ٤٣٧ تحت عنوان جديد آخر : الشّيخ الإمام قطب الدّين ابوالحسين سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي ، قد سبق بعنوان : الشّيخ قطب الدّين ابوالحسين سعيد بن عبدالله بن الحسين بن هبة الله ابن الحسن الرّاوندي.

وعليه ففي أصل نسخة الرّياض أو من عند بعض المستنسخين له ، وقع سقط في أوّل سلسلة نسب هذا الرّجل والسّاقط هو ما أثبتناه بقرينة ذكرناها. وطراز ما ذكره السّيد الأمين في أعيانه الجزء ٧ / ٢٣٩ من طبع بيروت دار التعارف هو أيضا هذا.

والزّائد على هذا في نسبه لم يصل إلينا ولم يذكره غير المنتجب والفاضل الأفندي صاحب الريّاض كما لم يذكر أحد تاريخ ولادته وفي أمل الآمل زيد : ابوالحسن على نسخة وابن الحسن بعد هبة الله.

وكيفما كان الّذي يظهر من كلمات المترجمين له أنّه من علماء القرن السادس وتوفي في العام ٥٧٣ ومن المطمئن به مدفنه في الصّحن الجديد بقم وقبره معروف ، له مرقد مرتفع يزار ، وعليه رحمة الله الواسعة.


آبائه وأولاده

وأما آباؤه فلم يتعرض لهم أحد من المتعرضين لتراجم العلماء ولم تطلع على الصّفحات المبيضّة من التأريخ شمس من شموس وجودهم غير أنّه ورد عن مجمع الآداب في أعيان الشّيعة الجزء

١٠ / ٢٦٢ : قطب الدّين ابوالفضل هبة الله ابن سعيد الرّاوندي الفقيه المتكلّم كان من العلماء الأفاضل وله تصانيف حسنة ، روى عن ابي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ، أقول : والظّاهر أنّه أحد آبائه لو كان صدر العبارة مأموناً من الغلط ـ ويحتمل قريباً أنّه صاحب القبر المعروف « في قرية خسروشاه بناحية من تبريز » بـ : قبر القطب الرّاوندي.

وأمّا أولاده فله : محمد وعليّ وحسين ، تعرض لهم تلميذ والدهم منتجب الدين في فهرسته مشفوعين بالثّناء والمدح. فقال في حرف الميم : الشّيخ الإمام ظهير الدّين ابوالفضل محمّد بن الشّيخ الإمام قطب الدّين أبي الحسين سعيد بن هبة الله الرّاوندي ، فقيه ، ثقة ، عدل ، عين.

وعرّف له ابناً وهو : الشّيخ رشيد الدّين الحسين بن أبي الفضل بن محمد الرّاوندي المقيم بقوهده رأس الوادي من أعمال الرّى. صالح ، مقرئ. والظّاهر زيادة « بن » قبل : محمّد ، لأنّ درك الشيخ منتجب الدّين لابن حفيد استاده عند كبره بعيد جداً.

وقال في حرف العين : الشّيخ الإمام عماد الدّين علي ابن الشّيخ الإِمام قطب الدّين أبي الحسين سعيد بن هبة الله الرّاوندي ، فقيه ، ثقة ، وكنيته ابوالفرج ، كرّر إطلاقه عليه في رياض العلماء الجزء ٣ / ٣٣١ ـ ٣٣٢ عن بعض طرق الإِجازات والرّوايات وذكره الشّيخ الحرّ في أمل الآمل الجزء ٢ / ١٧١ وقال : يروي عنه الشّهيد. وما قاله من رواية الشّهيد (الظّاهر في الشّهيد الأوّل) عنه ليس بثبت ، إذ من المسلّم استشهاده في عام ٧٨٦ هـ ق فلا يمكن روايته عنه بلا واسطة (١). وذكر في نفس الجزء ص ١٧٩ أباالفرج الآخر وهو : الشّيخ ابوالفرج عليّ بن الحسين الرّاوندي ، عالم ، فاضل ، جليل يروي عن الشّيخ أبي عليّ الطّوسي. وهذا أيضاً غير صالح للقبول ولم يعلم تطبيقه على واحد من أسرة الشّيخ الإمام القطب.

وللشّيخ عليّ هذا ابن ذكره تلميذ جدّه الشّيخ منتجب الدّين في حرف الميم من فهرسته بعنوان : الشّيخ برهان الدّين محمّد بن عليّ بن أبي الحسين ابوالفضائل الراوندي سبط الإمام قطب الدّين رحمهم الله فاضل ، عالم. أقول : المناسب بفنّ الانساب أن يقول : حفيد الإمام .... لأن السّبط اصطلاحاً ابن البنت.

_________________________________

(١) : نعم روى عنه محمّد بن نما وأسعد بن عبدالقاهر ، كما في البحار الجزء ٩١ / ٢٣٠.


وقال في حرف الحاء : الشّيخ نصير الدّين ابوعبد الله الحسين ابن الشيخ الإمام قطب الدّين أبي الحسين الرّاوندي ، عالم ، صالح ، شهيد. وقال في الرياض الجزء ٢ / ٤٣٠ : ثمّ أنّ له ولداً فاضلاً شهيداً وهو الشّيخ نصير الدّين ابوعبد الله الحسين ... أقول : ولم يظهر وصف شهادته لنا ولايظهر شيء من ذلك من شهداء الفضيلة.

وربما ينسب له ابن بعنوان : الشّيخ ابوالفرج عليّ بن الحسين المشار إليه آنفا والنّسبة غير ثابتة تفرّد بتعرّضه الشّيخ الحرّ. هذا ماساعدتنا الفرصة العزيزة للنّظر إلى مضانّ تراجم الأسرة الشّريفة للشّيخ المعظّم قطب الدّين الرّاوندي ، فما وجدنا غير هؤلاء من أمجاده الفضلاء الدّاخلين في الإجازات وطرق الرّوايات. وقال في الرياض أيضاً في المورد المذكور : وكان والده وجدّه أيضا من العلماء ، وقد مرّ وسيجيء ترجمتها فلاحظ.

أقول : لاحظنا لم يمرّ ولم نظفر بما قال.

وبعد تطواف هذا المطاف يحسن بنا المورود على باب الكتاب ونترك البحث رهواً عن كتبه السّتّة والخمسين ومشايخه السّادس والعشرين وتلامذته الجمّة للمتعطشين إلى شريعة أعيان الشّيعة الجزء ٧ / ٢٤٠ ـ ٢٤١ و ٣٦٠ فانّ منهله واف للباب وكاف للخطاب.

ونهتف « هنا تمهيدا » إلى القراء الكرام والنّظراء العظام بإلاشارة إلى ذكر المهمّ وثائق الكتاب.

منها : تطبيقه مع نسخة العلّامة المجلسي فإنّها مضبوطة مدرجة مبثوثة في بحار الأنوار.

ومنها : تحصيل نسخ خمسة خطّية منه عن المكتباب القيّمة.

مشخّصات النّسخ

والتعريف عن شأن تحقيق

الكتاب

١ ـ نسخة عن مكتبة المدرسة الكبرى لسبه سالار في طهران ـ كتبت بخط النّسخ وهي الّتي تقوّلنا عليها في مفتتح المقدّمة وناقشنا بها بعض الكلام مع شيخنا الطّهراني لتصحيح نسبة النّسخة إلى القطب الرّاوندي ، وبالنّظر إلى أنّها كاملة أولاً ووسطاً وآخراً وحسن الخط نسبيّاً فقد رمزناها بـ : ق ١

٢ ـ نسخة عن مكتبة الجامعة الكبيرة لطهران وهي أيضا بخطّ النّسخ تامّة كسابقتها إلّا أنّها بدون التاريخ واسم الكاتب ولكن يظهر من رسم قلمها أنّها كتبت في عصر تأليف بحار الأنوار. ورمزناها : ق ٢

٣ و ٤ و ٥ ـ نسخ ثلاثة عن مكتبة السّيد الإمام الهمام شهاب الدّين المرعشيّ دام ظلّه في قم وهي بخطّ النّسخ أيضا.


واحد منها تامّ الأوّل والآخر إلّا أسطراً من ما قبل آخرها ، تاريخ كتابتها : ربيع الأول ١٣١٩ كاتبها رجب علي التبريزي أصلا والحائري مسكنا بخطّ حسن نسبة عن نسخة كتبت في ربيع الاول لسنة ١١٣٢. رمزناها بـ : ق ٣.

والثّاني منها تامّ الأوّل وناقص الآخر ـ بمقدار ثلاثين حديثاً تقريباً ـ بخطّ النّسخ وهو حسن قياساً ، يلوح من سبك الخطّ أنّ تاريخها ماقبل مائتي سنة تقريباً ، رمزناها بـ : ق ٤.

والثّالث منها ناقص الأطراف إلّا بقدر قليل من آخرها يقرأ منه تاريخ كتابتها وهو ذوالقعدة لعام ١٠٩٠ بخط غير حسن ، رمزناها بـ : ق ٥

واستفدنا من النّسخة الأولى كثيراً وجعلناها أصلاً ، كما وإنّا استفدنا من نسخة البحار وإثبات الهداة وغيرهما من الكتب ومارسناها مكرّرا لتصبح ، أقاصيص هذا الكتاب سنداً ومتناً مستقيمة خاليةً من الأغلاط والزّيادة والنّقص ، محقّقةً منقّحةً إذ كانت النّسخ الموصوفة مشوّهة في بعض الموارد.

ومن الوثائق ـ إنّا قابلنا النّسخ المذكورة كلّ واحدة مع الأخرى وأشرنا إلى موارد اختلافها واستحسان بعض وتصوييه أحياناً في ذيل الصّفحات لنسختكم هذه الّتي استخلصناها من مجموعها و من نسخة البحار وغيرها.

ومنها ـ أنّ هذا الكتاب بما أنّه من مصادر بحار الانوار وأصولها وبثّت قصصه وعبره ومواعظه وفوائده الأخرى ، على الأبواب المناسبة المتفرقة في البحار فسبرناها دقيقا من أوّل أجزائها المائة وعشرة إلى آخرها مضافا إلى الجزء الثّامن من طبعها القديم (الّذي في الفتن والمحن) فكلّ أثر مرمّز بـ ص ، الّذي اصطلح عليه مؤلف البحار الكتاب قصص الأنبياء ـ وجدناه فيها قيّدناه بذكر رقم الجزء والصّفحة ورقم له لو كان في ذيل نفس الأثر الموجود بالأصل ، وإذا كان مقطوعا مذكورا في أزيد من مورد ، صرّحنا بذلك في الذّيل أيضا.

وإذا اُتي بالأثر في البحار عن غير القصص من سائر المصادر الّتي في التاريخ والآثار فقيّدنا أيضا اسم المصدر بخصوصيّته ومشخصاته ذيلاً.

والحال على هذا المنوال ندرة بالأضافة إلى إثبات الهداة ووسائل الشّيعة ومستدركه.

وفي التّصحيحات السّنديّة والمتنيّة اعتمدنا على الفوائد والقواعد المشهورة المسلّمة والقرائن القطعيّة الّتي علّمنا الله تعالى طرقها ومخارج استنباطها « سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا » البقرة : ٣٢

فأصبحت بحمد الله التّخريجات والتّعليقات نافعةً شاملةً لقصص الكتاب وأحاديثه وحكاياته الّتي نافت بأرقام التّسلسل أربعمائة وخمسين مع شرح اللّغات وتخريج الآيات الواردة فيه.

وليعلم أنّه قد تخلّف في موارد من البحار هذا الرّمز المختص : ص ، بكتاب القصص ، منها ـ في الجزء


١٠٣ / ٣٠ برقم ٥٥ فإنّه ليس من القصص بشيء وإنما ورد مايقرب منه جدّا لفظاً ومعنى في : التّمحيص ص ٥٣ برقم ١٠٤ و ١٠٥. ومنها في نفس الجزء ص ٣٤ برقم ٦٥ ، ذكر في التّمحيص ص ٥٢ برقم ٩٧ وفيه نفسه ص ٣٥ برقم ٦٦ وهو مذكور في التّمحيص ص ٥٢ برقم ٩٨. وفيه عينا برقم ٦٧ مذكور في والتّمحيص ص ٥٢ برقم ٩٩ ، وذكر هذا الأخير في تحف العقول ايضا ص ٢٨٣ ونحو هذه الموارد من الأشتباه ربما يجده المتتبّع أثناء مراجعة البحار. وإنّما سجّلنا هذا النّموذج لأجل تنبيه القرّاء العظام على الصّعوبة الّتي تحمّلناها في سبيل خروج هذا الكتاب عن الظّلام إلى النّور بأحسن النّظام.




وجدير بنا في خاتمة المقدمة أن نعطف عنان القلم إلى سرد كتب وصلت إلينا في تأريخ الأنبياء عليهم السّلام كي تكون نبراساً لمن يريد العائدة والفائدة.

١ ـ القرآن المجيد

٢ ـ أحسن القصص ، في تفسير سورة يوسف للسيّد محمّد بن علي النّقوي الهندي النّصير آبادي ، طبع في عظيم آباد ، الذريعة ١ / ٢٨٨.

٣ ـ أفصح الاحوال ، فهرس : برلن ، ش ٥٣٩ و هو يختص بالانبياء غير الخاتم بضميمة قصة أصحاب الكهف وشمعون وخالد. من : تاريخ ادبيات فارسي ٢٣٢ تأليف : هرمان آته ، بترجمة دكتر رضا زادة شفق.

٤ ـ الأناجيل الاربعة.

٥ ـ أنبياء نامه ، منظوم ، ناظمة : ابواسحاق ابراهيم بن عبدالله الباله الحسني الشبستري في تاريخ الانبياء غير الخاتم ، من :تاريخ ادبيات فارسي تأليف : هرمان اته (المصدر السّابق).

٦ ـ الانبياء والاوصياء من آدم الى المهدي عليهم

السّلام لمحمّد بن علي ، ذكره ابن طاووس في فرج المهموم ص : ١١١.

٧ ـ انس المريد وشمس المجالس ، فارسي في قصة النبي يوسف ، لخواجه عبدالله الانصاري ، الذريعة ٢ / ٣٦٨.

٨ ـ الانهار اللاهوتية في الحياض الناسوتية ، مؤلفه : احمد البيرجندي ، خطي ، طهران مكتبة المجلس ، ش : ٢٢٦٩.

٩ ـ أنيس القلوب ، للقاضي ابي نصر مسعود بن مظفّر أنوى ، تاريخ الانبياء منظوم خطي. أيا صوفيّة في بلغاريا ، ش ٢٩٨٤.

١٠ ـ بحر موّاج لـ : احسان الله ممتاز طبع لكهنو ١٣٦٢ بالقمري.

١١ ـ بهجة التواريخ ، مؤلفة : شكرالله الرّومي الفصل الثّاني منه في : قصص الانبياء الى محمد صلّى الله عليهم وعليه وآله وسلّم ، خطي (لنين گراد. ش : ٣٨٥).

١٢ ـ تاج القصص ، مؤلفه ابونصر احمد البخاري


خطي ، ديوان هند. ش : ٦١٨

وفي تاريخ ادبيات فارسي ٢٣٢ تأليف : هرمان اته : إبن نصر البخاري. وفي الذريعة ٣ / ٢٠٦ : تاج القصص لمولى معين الدين الهروي المتوفي ٩٠٧ المنقول عنه في قصص موسى.

١٣ ـ تاريخ الانبياء ، تأليف : محمد علي بن حسين الطّهراني ماتوزيان ، مطبوع في طهران ١٣٢٩ بالقمري.

١٤ ـ تاريخ الانبياء ، اينديا افيس ، ش : ٢٠٢٨ انبياء بني اسرائيل بضميمة قصة ذي القرنين وجرجيس وراهب برشيشا وموسى حفيد يوسف وبشر بن ايوب الصابر

من تاريخ ادبيات فارسي ٢٣٢ ـ ٢٣٣ تاليف هرمان آته ، بترجمه : دكتر رضا زاده شفق.

١٥ ـ تاريخ الانبياء ، بالفارسية. لميرزا عبدالحسين خان سپهر ، الذريعة ٣ / ٢٣٦.

١٦ ـ تاريخ الانبياء ، لملا علي اكبر معلم بنت لمحمد شاه القاجار ، خطي ، في جامعة طهران ، ش : ٤١١٨.

١٧ ـ تاريخ الانبياء ، مطبوع في ثلاث مجلدات للمولوي الشيخ احمد صاحب الهندي الذريعة ٣ / ٢٣٧.

١٨ ـ تاريخ الانبياء ، فارسي ، راجع إلى أوائل

القرن ١٤ ، الذريعة ٣ / ٢٣٦.

١٩ ـ تاريخ الانبياء والاوصياء ، مؤلفه غير مذكور خطي ـ مشهد ـ في مكتبة الامام الرضا عليه السلام ش : ١٢٣.

٢٠ ـ تاريخ الانبياء باللغة التركية للوزير أمير علي شيرم ٩٠٧ ، راجع الذريعة ٣ / ٢٣٦.

٢١ ـ تاريخ پيامبران وپيشوايان ، (فارسي) ٤٣٩ فهرس سپهسالار ١٥٠٦.

٢٢ ـ تاريخ جهان آرا ، فارسي ، لأحمد بن محمد القاضي انتهى عنه في ٩٧٢ وهو مرتب على ثلاثة اقسام ، الاول منه في : الانبياء الذريعة ٣ / ٢٤٧.

٢٣ ـ تاريخ قبچاق خاني ، تأليف : خواجم قلي بيك البلخي ، الباب الاول منه في تاريخ الانبياء من آدم الى الخاتم ، خطي ، بودليان ، ش : ١١٧.

٢٤ ـ التاريخ الكبير ـ مؤلفه : السيد جعفر الجعفري ، القسم الاول منه في تاريخ الانبياء ، خطي ـ في المكتبة العامة في لينينگراد ، ش : ٢٠١.

٢٥ ـ تاريخ گزيده ـ لحمد الله المستوفي ، الباب الاول منه في تاريخ الانبياء طبع ليدن و طهران.

٢٦ ـ تحفة الاتقياء ، في ترجمة النّصف الأوّل من تنزيه الانبياء بلغة اُردو ، طبع بالهند للسيد شريف حسين الهندي.


٢٧ ـ تحفة الاخوان ، في تواريخ مشاهير الانبياء والخلفاء والائمة الاطهار وغزوات أمير المؤمنين عليهم السلام ، لاقا احمد بن اقا محمد علي الكرمانشاهي ، الذريعة ٣ / ٤١٣.

٢٨ ـ تحفة الانبياء ، في ترجمة : تنزيه الانبياء بلغة اُردو ، مطبوع ... ولعله عين تحفة الاتقياء ، الذريعة ٣ / ٤٢٢.

٢٩ ـ تحفة الاولياء في ترجمة قصص الانبياء والمرسلين بالفارسي ، للسيّد نور الدّين بن السيّد نعمة الله الجزائري ، الذّريعة ٣ / ٤٢٢.

٣٠ ـ تحفة الخاقان في تفسير القرآن في اربعة مجلدات ، المجلد الاول منه في تفسير ايات قصص الانبياء وغيرهم ، على ترتيب الانبياء من آدم الى الخاتم عليهم السلام ، فارسي ، لميرزا محمد باقر بن محمد اللاهيجي كان فراغه منه ١٢٣٠ بالقمري.

الذريعة ٣ / ٤٣١.

٣١ ـ تحفة الملوك ، في تاريخ الانبياء عليهم السلام لآقا محمد بن آقا محمد علي البهبهاني الكرمانشاهي ، الذريعة ٣ / ٤٧١.

٣٢ ـ تذكرة الانبياء والامم ، راجع قصص أنبياء كريم.

٣٣ ـ تذكرة الانبياء والاولياء والسلاطين ...

الباب الاول منه في احوال الانبياء من آدم الى نبينا الخاتم عليهم السلام ، الذريعة ٤ / ٢٨.

٣٤ ـ التذكرة في شرح التبصرة لاقا محمد جعفر البهبهاني الكرمانشاهي فيه مقدمات في اصول الدين وفي بحث النبوة ذكر احوال كثير من الانبياء .....

الذريعة ٤ / ٢٤ ـ ٢٣.

٣٥ ـ تذكرة التواريخ ، لعبد الله الكابلي ، باب اوله في تأريخ حياة الانبياء ، خطي ، تاشكند ـ روسيا ـ ش : ١٥٣.

٣٦ ـ تفسير سورة الانبياء ، للسيد علي بن ابي القاسم البختياري ، الذريعة ٤ / ٣٤٥.

٣٧ ـ تكملة الأخبار ـ مؤلفة : علي زين العابدين المعروف بالعبدي بيك نويدي ، باب منه في : تواريخ الانبياء من آدم الى طوفان نوح ، خطي ، في مكتبة ملك بطهران ، ش : ٣٨٩٠.

٣٨ ـ تنزيه الانبياء ، للسّيد الشّريف المرتضى مطبوع كراراً.

٣٩ ـ تواريخ وقصص الانبياء ، فهرس الظاهرية بدمشق ٢ / ١٨٢.

٤٠ ـ تواريخ الانبياء والائمة الصاحب كتاب الزام الناصب : الشيخ علي اليزدي الحائري) فارسي في ثلاث مجلدات.

الذريعة ٤ / ٤٧٤ ـ ٤٧٥.

٤١ ـ جامع مصائب الانبياء ، حتّى النّبي الخاتم


عليهم السلام مع بسط القول في مقتل النبي يحيى ، للشيخ عبدالنبي البحراني.

الذريعة ٥ / ٧١.

٤٢ ـ جليس الواعظين وانيس الذاكرين : في قصص الانبياء والمرسلين ، فارسي ، من تأليفات الواعظ المعاصر الحاج الشيخ نظر علي بن الحاج اسماعيل الكرماني الحائري المتوفّىٰ ١٣٤٨ ، الذريعة ٥ / ١٢٩.

٤٣ ـ جوامع تاريخ العالم والانبياء ، لمعة من لوامع اودعت في كتاب التنبيه والاشراف للمسعودي وهو شبيه كتابه : مروج الذهب اقتبسنا هذا العنوان من : الذريعة ٤ / ٤٣٩ ـ ٤٤٠.

٤٤ ـ جوامع التّواريخ ، مؤلفه : رشيد الدّين فضل الله الهمداني الوزير ، قسم منه في تاريخ الانبياء طبع آكادمي العلوم (مسكو).

٤٥ ـ جوامع الكلم : للسيّد ميرزا الجزائري ، السمط الثاني منه في حالات الانبياء الذريعة ٥ / ٢٥٤ في الهامش.

٤٦ ـ جواهر الاخيار ، لعلي اكبر بن عبدالعلي الكرماني. خطي. جامعة طهران ج ٢ / ٣.

٤٧ ـ حدائق الحقائق لمسكين الفراهي تابع للقرن ٩ مطبوع بطهران مكرراً.

٤٨ ـ حصص الاتقياء من قصص الانبياء

لنور الدين احمد الصابوني ، ترجمة : كشف الغوامض في : احوال الانبياء ، لابي منصور ماتري ، خطي ، بلوشه ، ش : ٣٧٠.

٤٩ ـ خلاصة الاخبار ، فارسي في قصص الانبياء والمرسلين والائمة عليهم السلام .... تاليف : السيد محمد مهدي بن محمد جعفر الموسوي التنكابني فرغ منه ١٢٥٠ وطبع في ١٢٧٥. الذريعة ٧ / ٢١٠

٥٠ ـ خلاصة الاخبار في احوال الاخيار مؤلفه : غياث الدين بن همام الدين المشهور بـ : خواندمير ، مقالته الاولى في : قصص الانبياء وتواريخهم. طبع مكررا في طهران وفي الذريعة ٧ / ٢١٠ : انه لمؤلف حبيب السّير وهو غياث الدين محمد بن همام ... وقد الّفه قبل حبيب السّير ....

٥١ ـ خير القصص لاهل القصص ، للسيد محمد فارسي وكبير ، راجع ج ٧ من النسخ الخطية لجامعة طهران ص : ٧٠٥ بعنـوان : نسخه‌هائى در يزد از نسخه‌هاى آقاى آتشي.

٥٢ ـ درّ المجالس ، تاليف : سيف الدين ، يتكلم عن عناصر لانبياء بني اسرائيل والعرب والقرون الاولية للاسلام وسمّى أيضا بأسم : سلّم الانبياء ، من : تاريخ أدبيات فارسي ٢٣٣ ، تأليف هرمان


اته ، بترجمة دكتر رضازاده شفق مجموعة في ٣٣ فصلا على مباني التصوف وذكر جملة من مشايخ الصوفية (اينديا افيس ، رك ، فقرة ٣٠ و ٣١).

٥٣ ـ الدّر المسكوك في احوال الانبياء والاوصياء والخلفاء والملوك ، للشيخ أحمد الاخ لصاحب الوسائل منتخب التواريخ ص : ٦١٥ والذريعة ٨ / ٧٠ ولكن في الدفتر الرابع للنسخ الخطية ص : ٤٥٢ لجامعة تهران : الدر المسكوك في احوال الانبياء ... وهو انسب.

٥٤ ـ روضة الالباب في تواريخ الاكابر والأنساب مؤلفه : فخر الدين ابوسليمان داود بن ابي الفضل محمد البناكتي ، ذكر في قسم أوّله تاريخ الانبياء من ادم الى موسى عليهم السلام ، طبع في طهران.

٥٥ ـ روضة الطاهري ـ مؤلفه : طاهر محمد السبزواري ، القسم الاول منه في تاريخ الأنبياء ـ خطي ـ في متحف بريتانيا ش ١٠٤٠ الف.

٥٦ ـ زاد الاخرة للفتحي الحسيني ، خطي ، ولّيرس ، ش ٩٧٦. تاريخ الكتابة ١٠١٩ قمرية.

٥٧ ـ زبدة البيان في قصص الانبياء مع تكملة في سيرة النبي صلّى الله عليه واله ، الدفتر ٥ / ٤١١ من جامعة طهران.

٥٨ ـ زبدة التواريخ ـ مؤلفه : سعدالله بن عبدالله

بن سراج الدين قاسم ، باب أوله في : تاريخ الانبياء ، خطي. في : تاشكند ، روسيا ش : ٣٤٣٩.

٥٩ ـ زندگاني پيامبران : تاليف منوچهر مطيعي (عقاب) مجلدان.

٦٠ ـ زندگاني رهبران اسلام ، مترجم عن العربية للشيخ عباس القمي ، والمترجم : السيد محمد الصحفي القمي ، طبع الترجمة بطهران ١٣٧٥ في ٤٣٨ صفحة ، الذريعة ١٢ / ٥٣. سلّم الأنبياء ، راجع : درّ المجالس.

٦١ ـ الشموس المضيئة ، تأليف : أحمد البيرجندي خطّي ، بجامعة طهران ، تاريخ الكتابة ١٢٩١ بالقمرى.

٦٢ ـ طبقات الناصري ، لمنهاج الدين ابي عمر المعروف بـ : منهاج السراج ، الطبقة الاولى منها في تاريخ الانبياء والرّسل ، مطبوع في كابل.

٦٣ ـ الظنون ، الجزء ٢ العمود ١٣٢٤ طبع استانبول ، وجاء اسم المؤلف في تاريخ ادبيات فارسي ٢٣١ ، تأليف : هرمان آته بترجمة : دكتر رضازاده شفق : اسحاق ابن ابراهيم بن منصور ، وفي مذكرة : خطّي : ديوان هند ، ش : ٦٩٧

٦٤ ـ عجائب القصص ، تأليف : عبدالواحد بن محمد المفتي (في القرن العاشر ، اينديا افيس شماره : ١٧٢٩) في ٢٠ فصلا.


من : تاريخ أدبيات فارسي ٢٣٢ ، تأليف : هرمان اته بترجمة : رضازاده شفق.

٦٥ ـ عجائب الملكوت ، لعبدالله محمد الكسائي وترجمة : لمحمد بن الحسن الديدوزمي ، باسم : نفايس العرايس وقصص الانبياء ، خطي بلوشه ، ش ٣٦٦ كتابته ٦٧٣ بالقمرية.

٦٦ ـ العرائس والمجالس في قصص القرآن ، نسبه ابن طاووس ابن الثعلبي في فرج المهموم ص : ٢٧ وفي ص : ٢١ قال : روى الشيخ الفاضل : محمد بن ابراهيم الثعلبي في كتاب العرائس في المجالس ومواقيت التيجان في : قصص القرآن .... طبع في بيروت.

٦٧ ـ فرحة الناظرين ـ لمحمد بن اسلم بن محمد حفيظ پرسرورى ، المقالة الاولى منه في تاريخ الانبياء خطي ، بودليان ش : ١١٩.

٦٨ ـ فردوس التواريخ ـ مؤلفه : خسرو بن عابد الابرقوهي ـ قسم أوله في : تاريخ وقصص الانبياء ، خطي ـ مكتبة : دورن بروسيا ، ش : ٢٦٧.

٦٩ ـ القرآن وقضايا الانسان بتسلسل ٣٠٠٠٣ في : مكتبة السيّد المرعشي بقم لـ : الدكتورة عايشة بنت الشّاطيء.

٧٠ ـ القرآن والمبادئ الانسانية ٤٣٦٩ تسلسل

لمكتبة السيّد المرعشي بقم ، لمحمد بن عبدالله السّمان.

٧١ ـ قصص الانبياء مؤلفه : علاء الدين علي بن محمد القوشچي ، خطي ، نسخةٌ منه عند : حسن النّراقي في طهران.

٧٢ ـ قصص الانبياء لابي الحسن بن الهيصم البوشنجي ، ترجم بالفارسي. والمترجم : محمد بن أسعد بن عبدالله التّستري خطي. في مكتبة الارشيو الملي بكابل.

٧٣ ـ قصص الانبياء ، لعماد زادهٔ اصفهاني برقم ب / ٤٢ ، في مكتبة مسجد اعظم بقم.

٧٤ ـ قصص الانبياء ، لعبد الوهاب النجار ، الطبع الرابع ، برقم ج / ٤٣ في مكتبة مسجد اعظم بقم.

ـ قصص الانبياء ، للزّواري ، راجع : مجمع الهدى.

٧٥ ـ قصص الانبياء في ٤٧ بابا يوجد في مكتبة عبدالعظيم بالرّي ، تاريخ كتابتها ١٧ذي الحجة ١٢٥٦ ، مذكور في : دربارهٔ نسخه‌هاى خطي ٣ / ٤٤٤ ، الذريعة ١٧ / ١٠٢.

٧٦ ـ قصص الانبياء ، بالفارسي القديم مطبوع على الحجر في ايران بقطع الربع أوله : قال ابومحمد جرير ولعلّ المراد : محمد بن جرير الذريعة ١٧ / ١٠٢.

٧٧ ـ قصص الانبياء ، الفارسي منقول عن تفاسير العامّة وروضة الشهداء وقف


لمدرسة البروجردي في النجف الذريعة ١٧ / ١٠٢.

٧٨ ـ قصص الانبياء ، لأحمد بن محمد بن منصور الارفجني ، موجود في باريس ومأخوذ عن : قصص الانبياء لأبي اسحاق ابراهيم بن منصور بن خلف النيشابوري على نقل الذريعة ١٧ / ١٠٢ عن دانش پژوه.

٧٩ ـ قصص الانبياء ، على ترتيب نزول السور القرآنية ، فارسي ، مؤلفه غير معلوم ، راجع فهرس الجامعة : ١٣ / ٣٢٢٢ فهرس الحقوق : ٥١٢ ، الذريعة ١٧ / ١٠٢ ـ ١٠٣

٨٠ ـ قصص الانبياء ، تفسير سورة الانبياء للسيد احمد بن رضا بن محمد الهندي طبع في النجف في ٢٤٧ ، الذريعة ١٧ / ١٠٣

٨١ ـ قصص انبياء كريم ، تاليف : عبداللطيف بن علي الواعظ البيرجندي ، ش : ٥٤٢ : فهرس برلين في ٨٣ فصلا وترجمة لكتاب : « تذكرة الانبياء والامم » اينديا افيس ش : ٣١٩ من : تاريخ ادبيات فارسي. وفي بعض المذكرات : قصص انبياء ، لطيف بيرجندي ، خطي ، مشهد رضوي ، ش : ٢٨٠ بكتابة مؤرخة ٩٤٧ أقول : ويقرب انطباقه عليه. وفي الذريعة ١٧ / ١٠٣ : قصص الانبياء للواعظ البيرجندي المولى عبداللطيف ، شرع في تأليفه في شوال ٩١٧.

٨٢ ـ قصص الانبياء ، لاحمد بن خلد ، فهرس الاشبيلي ص : ٢٩١.

٨٣ ـ قصص الانبياء للشيخ حسين اللّيثي الواسطي ، الذريعة ١٧ / ١٠٣.

٨٤ ـ قصص الانبياء ، للسيّد عبدالله الشبّر المتوقىٰ ١٢٤٢ كبير ، الذريعة ١٧ / ١٠٣ نسخة منه في الكاظمية واخرى في مكتبة الشيخ خُلّاني ببغداد.

٨٥ ـ قصص الانبياء ، لسيد محمد بن المفتي مير عباس اللكنهوي المتوفىٰ في : ١٣١٢ ذكره في التّجليات بعنوان : كتاب في أحوال الانبياء

الذريعة ١٧ / ١٠٤.

٨٦ ـ قصص الانبياء ، لبهاونگري باللغة الكجراتية طبع في ثلاث مجلدات الذريعة ١٧ / ١٠٤.

٨٧ ـ قصص الانبياء ، للغواصي اليزدي ، الذريعة ١٧ / ١٠٤.

٨٨ ـ قصص الانبياء ، لابراهيم بن منصور ابن خلف المذكر النيسابوري ، فارسي مطبوع في ٤٧٨ صفحة.

وورد في : كشف الظّنون ، الجزء ٢ العمود ١٣٢٤ طبع : استانبول.

٨٩ ـ قصص الانبياء ، لسهل بن عبد الله التستري ، مختصر أوله : الحمدلله الاول فلا شيء قبله ... (أخذناه من مقدمة القصص لابراهيم بن منصور النّيسابوري)


٩٠ ـ قصص الانبياء ، لمحمّد بن حسن ألدّادورمي ، فارسئ اقتفى فيه أثر الثعلبي (المصدر المتقدّم).

٩١ ـ قصص الانبياء ، للكسائي علي ابن حمزة ألتّحوى القارى ، توفي في ١٨٩ ، عن : طبقات القراء الجزء ١ / ٥٣٥.

٩٢ ـ قصص الانبياء ، لوهب بن منبه وهو اول من صنّف فيها ، مات سنة ١١٤ ، قاموس الرجال وتنقيح المقال ٣ / ٢٨١ عن محكي مختص الذهبي ، (وأيضاً المصدر السابق).

٩٣ ـ قصص الانبياء ، للقرن ١١ في ٢٩٠ ورقة « فهرست نسخه‌هاى خطي كتابخانه دانشكده حقوق » (٣٥ ج)

٩٤ ـ قصص الانبياء ، ساقط الاول من مكتبة مدينة رشت (١٢٣ ق).

٩٥ ـ قصص الانبياء ، في مكتبة مسجد گوهرشاد برقم ١٣٧١ فارسيٌ.

٩٦ ـ قصص الانبياء ، فيه أيضا برقم ٣٤٢ فارسي.

٩٧ ـ قصص الانبياء ، لمحمد بن خالد البرقي ، ذكره ابن طاووس في الباب الخامس من فرج المهموم ص : ١٤٣.

٩٨ ـ قصص الانبياء في مجلدين لأبي الفداء اسماعيل بن كثير (يوجد في مكتبة السّيد المرعشي بقم. برقم : ٤ / ٢٠٤٣)

٩٩ ـ قصص الانبياء ، للشيخ ابراهيم بن حسن

العاملي جمعه من طرق الشيعة فرغ منه سنة ١٠٩٢ ، قاله في أعيان الشيعة في ترجمة المؤلف.

١٠٠ ـ قصص الانبياء ، من القرن التاسع الى الثاني عشر ، بالفارسي ، طبع يغما ، ش : ٢٢٩٨ ، الدّفتر ٤ / ٣٤٠ من النسخ الخطية في جامعة تهران.

١٠١ ـ قصص الانبياء كتب في ١١٨٥ ش : ٣٣١٤ ، في مكتبة ملّي تبريز.

١٠٢ ـ قصص الانبياء ، لمولانا محمد الجويرى تسلسل ز ١٩ و ، ز / ١ وج ٤٢ في مكتبة مسجد اعظم بقم ورأيته في دار العلم كاشان وفي الذريعة ١٧ / ١٠٦ : مطبوع مكرراً بطهران وتبريز وبمبئي ، كان المؤلف معاصراً للشّيخ أبي سعيد وأنّه شرع فيه في أوّل ع ١ / ٣٥٢.

١٠٣ ـ قصص الانبياء (فارسيٌ) برقم ٣٦٩ للدّفتر الخامس ص : ٤٧ من النّسخ الخطيّة لجامعة طهران.

١٠٤ ـ قصص الانبياء واحوالهم (كبير) لمحمّد بن عبيدالله بن أحمد المسبحي الحرّاني الشّيعي المصري المتوفى ٤٢٠ ، ذكره الذريعة (عن ابن خلكان) الجزء ١٧ / ١٠٦.

١٠٥ ـ قصص الانبياء وسير الملوك تسلسل مكتبة مسجد اعظم بقم : ٥ / ١٤ / ٧٧ ، قال في الذّريعة الجزء ١٧ / ١٠٦ : لمولانا


محمد الجويري كان عربيا وترجم الى الفارسية وطبع الفارسي في طهران بمطبعة السيد احمد الكتابچي هذا. والظّاهر أنّ السّابق اصله.

١٠٦ ـ قصص الأنبياء والمرسلين = النّور المبين للسّيد نعمة الله الجزائري الشّوشتري ، برقم : ز / ١٩ د / ٤٢ د / ١٩ في مكتبة مسجد اعظم بقم. مطبوع كراراً.

١٠٧ ـ قصص الانبياء ـ و ـ انس المجالس ، لابي اسحاق احمد بن محمد الثعلبي ، نيشابوري محدّث ، يوجد في مكتبة المسجد الاعظم بقم.

١٠٨ ـ قصص الانبياء والمرسلين ، المجلد الخامس من بحار الانوار من الطبع القديم ومن الطبع الجديد ، الجزء ١١ ـ ١٤ وهو كتاب النّبوة من البحار.

١٠٩ـ قصص الانبياء ـ يا ـ تاريخ پيامبران نوشتهٔ : سيد هاشم رسولي محلاتي. مطبوع.

١١٠ ـ قصص أنبياء ، الدفتر ٤ / ١١٧ من النسخ الخطية لجامعة تهران ص : ٣١٩

١١١ ـ قصص العرب ، في مكتبة المسجد الاعظم بقم برقم : د / ٣٤ : لمحمد أحمد جاد المولى ونفرين آخرين.

١١٢ ـ قصص قرآن = تاريخ پيامبران في المكتبة الآنفة برقم د / ٤٢ وق / ٤٦ للسّيد محمد الصّحفي.

١١٣ ـ قصص القرآن نسخة منه في مكتبة السّيد

المرعشي بقم بتسلسل : ١٧٩٦٩ لمحمد بن احمد جاد المولى. وطبع بالقاهرة.

١١٤ ـ قصص القرآن « برقم : ٧٤٨٤ في مكتبة السّيد المرعشي بقم » لعلي المرهون.

١١٥ ـ قصص قرآن « اصله لجاد المولى » ترجمة لقصص الأنبياء الكرام ، المترجم : البلاغي يوجد في مكتبة السيد المرعشي بقم برقم : ١٤٢١١ طبع بطهران.

١١٦ ـ قصص قرآن ـ تاريخ انبياء ، سيرهٔ رسول اكرم « بتسلسل ٢٢٥٨٦ في مكتبة السيد المرعشي بقم » للموسوى والغفّاري.

١١٧ ـ قصص قرآن وتاريخ پيامبران « بتسلسل ٣٣٥٠١ في مكتبة السّيد المرعشي بقم » للسيد محمد الصحفي.

١١٨ ـ قصص قرآن ـ يا ـ تاريخ انبياء سلف ، في مجلدين بتسلسل ٩ / ٢٢٢٨٨ في المكتبة السّابقة » للحاج السيّد عبدالحسين رضيئي.

١١٩ ـ قصص قرآن مجيد ، منتخب من تفسير أبـي بكر النّيشابوري عتيق بتسلسل : ٢٤٣٨٩ في المكتبة المتقدمة.

١٢٠ ـ قصص قرآن يا فرهنگ قرآن ، لصدر البلاغي في مكتبة السّيد المرعشي النّجفي بقم برقم : ٥١٥٦ وفي الذّريعة ١٧ / ١٠٧ : قصص قرآن ـ أو ـ فرهنگ قصص للسّيد صدر الدين ابن السيد حسن النّائيني ، طبع مكررا.


١٢١ ـ القصص القراني في منطوقه ومفهومه بتسلسل ٤٠١١٤ في مكتبة السيد المرعشي بقم ، لعبد الكريم خطيب طبع بيروت.

١٢٢ ـ قصص القران. تأليف القيصم بن محمد بن القيصم النيسابوري. راجع سعد السّعود لابن طاووس ص : ٢٢٥. ولكن في البحار الجزء ٥ / ٣٢٤ عنه : كتاب قصص القران للهيصم بن محمد النيسابوري.

١٢٣ ـ قصص قرآن ، لصدر الدين البلاغي نسخة في مكتبة المسجد الاعظم بقم : ز / ١.

١٢٤ ـ قصص قرآن (فارسي) ، بخط شير علي في عام ١٣١١ والنّسخة تفسير السّور القرانية في مكتبة الملك بتهران برقم ٥٨٧٥. راجع الذّريعة ١٧ / ١٠٧.

١٢٥ ـ قصص القران (فارسي) الذريعة ١٧ / ١٠٧ ذكر في فهرس (الهيّات : ١٠٣) بعنوان : قصص الانبياء ، ناقص الاخر ، راجع الى القرن ٩ في ٣٤٠ صفحة.

١٢٦ ـ قصص المرسلين ، فارسي ، للحاج محمد حسين الطّهراني طبع بطهران ، الذريعة ١٧ / ١٠٨.

قصص موسى ـ راجع ، تاج القصص.

١٢٧ ـ قصص من القرآن ، لمحمود زهران ، يوجد في مكتبة المسجد الاعظم بقم برقم :

د / ٤٢ / ٧٧.

١٢٨ ـ قصص وعبر : لمحمد المجذوب ، يوجد في : مكتبة المسجد الاعظم بقم برقم : ز / ٣ / ٥ / ١٢٥.

١٢٩ ـ قصص ـ يا ـ داستانهاى شگفت انگيز قرآن مجيد ـ تأليف ـ آقاى حاج على آقا زاهدى ، يوجد منه نسخة في المورد المتقدّم برقم : ب / ٢٢.

١٣٠ ـ قصه‌هاى قرآن ، للصّفائي الآملي.

١٣١ ـ قصه‌هاى قرآن ، ترجمة كتاب لاربعة من المؤلفين ١ ـ محمد احمد جاد المولى. ٢ ـ محمد ابوالفضل ابراهيم ٣ ـ علي محمد البجاوي. ٤ ـ السيد شحّانة. والمترجم : مصطفى زماني

١٣٢ ـ قطعة من كتاب في قصص الانبياء ، فيها قصه : ابراهيم ويوسف وموسى بن ميشا وأيّوب ، نقلاً عن أهل السّير : فهرس الظّاهريّة ٢ / ٦٧٣.

١٣٣ ـ كتاب الانبياء ، لابي جعفر احمد بن الحسين بن سعيد بن حماد بن سعيد بن مهران الاهوازي.

ذكره النجاشي في فهرسته.

١٣٤ ـ كتاب الانبياء ، للحسن بن موسى الخشاب ، ذكره النجاشي.

١٣٥ ـ كتاب الانبياء لعلي بن ابراهيم بن هاشم القمي من مشائخ الكليني ، ذكره النجاشي


١٣٦ ـ كتاب الانبياء ، للشريف أبي القاسم علي بن احمد العلوي المتوفّىٰ ٣٥٢ ، ذكره النّجاشي

١٣٧ ـ كتاب الانبياء لابي الحسن علي بن الحسن بن علي بن فضال ، ذكره النجاشي.

١٣٨ ـ كتاب الانبياء ، لابي الحسن علي بن مهزيار الاهوازي ، ذكره النجاشي.

١٣٩ ـ كتاب الانبياء ، لابي النضر العياشي محمد بن مسعود ... ذكره النجاشي

١٤٠ ـ كتاب الانبياء ، حياتهم وقصصهم ، تأليف عبدالصاحب العاملي.

١٤١ ـ كتاب الانبياء والاوصياء ، من آدم الى المهدى عليهم السلام مؤلفه : محمد بن علي. البحار ٤٦ / ٤٢ عن فرج المهموم ص : ١١١.

١٤٢ ـ كتاب قصص الانبياء ، فارسي ، يوجد في مكتبة : لعله لي بأسلامبول ، قاله في الذريعة ١٠ / ٤٧ واحتمل انه : مجمع الهدى.

١٤٣ ـ كتاب القصص برقم : ١٠٣٦ في مكتبة ملك بطهران.

١٤٤ ـ كتاب روض الرّياحين في حكايات الصالحين اوله : الحمدلله حق حمده ... بعض وجوه الحكمة ... خمسة امور أي حكم ... واخره : قصّة أصحاب الفيل. فاتني قيد مصدره.

١٤٥ ـ كتاب النبوة للصدوق ، البحار ١٢ / ٧٥.

١٤٦ ـ لبّ السّير ـ لميرزا ابوطالب خان المعروف بـ : طالب ، الباب الاول منه في : قصص وتواريخ الانبياء خطي ، الاصفية. ش : ١٣١٢.

١٤٧ ـ مجمع الانساب ـ لمحمد بن علي شبانكاره ‌ئي ، القسم الاول منه في شأن الانبياء وقصصهم ، خطي كمبريج. ش : ١٦٢ تاريخ كتابة ١٠٤٦ بالقمري.

١٤٨ ـ مجمع التواريخ ـ لحافظ ابرو ، ربع أوّله في : تاريخ الأنبياء خطّي ـ ايا صوفيّة في بلغاريا ش : ٣٣٥٣ والمؤلف توفّي في : ٨٣٣ على ما في الذّريعة ٢٠ / ٥١.

١٤٩ ـ مجمع الحسنات ، تلخيص من صحيح البخارى ـ قسم تاريخه ـ من تاريخ أدبيات فارسي ٢٣٢ ، تأليف : هرمان اته ، بترجمة : دكتر رضا زاده شفق نسخة منه في اينديا افيس ش : ٣٤٨٩.

١٥٠ ـ مجمل التّواريخ والقصص ـ مؤلّفه لم يذكر. ذكر فيه تاريخ الانبياء والرسل ، طبع ملك الشّعراء بهار في طهران.

١٥١ ـ مجمع الهدى ، تأليف : علي بن الحسن الزّوارى ، ينهي المطالب الى الامام الثاني عشر ، اينديا افيس ، ش : ١٤٠٣ من : تاريخ ادبيات فارسي ص : ٢٣٢ تأليف : هرمان اته ، بترجمة رضازاده شفق وفي مذكّرةٍ :خطي ، اته. ش : ٥٩٨


بكتابة تاريخها : ١٠٧٩ قمرية. وفي الذّريعة ١٧ / ١٠٣ : قصص الانبياء ، للزّواري المفسّر علي بن الحسن وله اسم آخر : مجمع الهدى وقال في الجزء ٢٠ / ٤٧ : مجمع الهدى للمولى المفسر علي بن الحسن الزّواري تلميذ المحقق الكركي واستاذ المولى فتح الله المفسّر الكاشاني ، قال في الرياض : رأيته في اردبيل وتبريز والان عندي وهو اربعون بابا في قصص الانبياء والائمة فارسي كبير حسن الفوائد انتهى.

قصص الانبياء ، للزواري ، راجع : مجمع الهدى.

١٥٢ ـ مجمع فصيحي ـ مؤلفه : فصيح احمد خوافي ـ مقدّمته في : قصص وتواريخ آدم الى خاتم ، طبع محمود فرخي في مشهد في ثلاث مجلدات وفي الذّريعة ٢٠ / ٥١ : مجمل فصيحي ، تاريخ عمومي فارسي .... ألّفه : أحمد بن محمد فصيح الخواني المولود ٧٧٧ المتوفي ٨٤٥ .... نسخة منه في : المليّة بتبريز ٣٦٠٩ و نسخة في : لينين گراد اكادمية العلوم : ٢٤٦ وصورتها الفتوفر افية بطهران (الملية : ٨٤ ـ ١٧٥٥).

١٥٣ ـ مرآة الأدوار ومرقاة الاخبار ـ مؤلفه : مصلح الدين محمد السّعدي العبادي ، الباب الاول منه في : تاريخ الانبياء ،

خطي. متحف بريتانيا ش : ١١٥.

١٥٤ ـ مقاصد الاولياء في محاسن الانبياء لعماد الدين ابي القاسم محمود الفاريابي ، مترجم والمترجم غير مشخص ، خطي ـ آصفية : مكتبة في هند ، ش : ٥٢

١٥٥ ـ مناقب الاولياء ، لمحمد صادق الكشميري ، خطي ، ايوانف في روسيا ، ش : ١٠١ تاريخ الكتابة ١٠٣٨ القمرية.

١٥٦ ـ منهاج الطالبين في معارف الصّادقين مؤلفه : علي بن الحسين القزويني الهلالي ، القسم الثاني منه في : تاريخ الانبياء ، خطي ، في : أيا صوفية ، بلغاريا ، ش : ٣٨٦٧.

١٥٧ ـ نفايس الفنون ـ لشمس الدين الاملي طبع بتصحيح العلّامة الشعراني في طهران.

وهناك كتب مشتمل ضمناً على بعض القصص لبعض الانبياء تقدم بعضها وهذه بقيّتها منها : ـ

١٥٨ ـ اثبات الوصية للمسعودي ، مطبوع

١٥٩ ـ تاريخ الطبري ، مطبوع

١٦٠ ـ تاريخ اليعقوبي ، مطبوع

١٦١ ـ حبيب السير ، الجزء الاول منه في : تاريخ الانبياء ، لخواند مير ، طبع بطهران مكررا.

١٦٢ ـ علل الشرايع ، للصدوق ، طبع مكررا.


١٦٣ ـ عيون اخبار الرضا عليه السلام له كذلك.

١٦٤ ـ فصوص الحكم لابن العربي ، فيه ٢٧ فص في ٢٧ نبيّ.

١٦٥ ـ كامل ابن أثير ، مطبوع.

١٦٦ ـ كمال الدين وتمام النعمة ، له كذلك.

١٦٧ ـ مروج الذهب ، له ، مطبوع.

١٦٨ ـ وفي الفهارس العامة ، من قبيل :

١٦٩ ـ تاريخ الاداب العربي.

١٧٠ فهرس تراث العربيّة الفؤاد زكي

١٧١ ـ فهرس دار الكتاب الظّاهرية بدمشق

١٧٢ ـ فهرس الاستوري الجزء ١ / ١٥٦ ـ ١٧٢.

١٧٣ ـ والفهارس العامّة باللّغات الأجنبية توجد كتب في تواريخ الانبياء وقصصهم عليهم السلام يصعب الحصول على اساميهم عجالة ، يمكن الاطلاع عليها وتحصيلها حسب المرور تدريجاً.

١٧٤ ـ أخيرها وليس آخرها وهو : كتاب قصص الانبياء (كتابنا هذا) لقطب الدّين سعيد بن هبة الله الرّاوندي وهو مبنيّ على الاحاديث الواردة عن

المعصومين عليهم السّلام ومرتّب على ٢٠ بابا و ٤٥٠ حديثاً وسيوافيك فهرس ذلك في آخر الكتاب والغرض هنا التّنبيه على انّ الابتداء في عدّة أسانيده بأسامي مشايخ القطب المختصّة دون أن يشترك معه فيهم السّيد فضل الله الرّاوندي وهم فوق عشرة :

١ ـ ابوحرب المجتبى ابن الداعي الحسيني.

٢ ـ ابوالقاسم بن كميح.

٣ ـ ابوجعفر بن محمد المرزبان.

٤ ـ ابوعبد الله الحسين المؤدب القمي.

٥ ـ ابوسعد الحسن بن علي

٦ ـ ابوالقاسم الحسن بن محمد الحديقي.

٧ ـ ابوعلي الفضل بن الحسن الطبرسي.

٨ ـ ابوالحسين احمد بن محمد بن علي.

٩ ـ هبة الله بن دعويدار.

١٠ ـ ابوالمحاسن مسعود بن علي وغيرهم ، أدلّ دليل على أنّ هذا الكتاب للقطب الراوندي إختصاصاً ولم يبق مجال مع ذلك للتّوهم الّذي صدّرت المقدّمة به والحمدلله ربّ العالمين.

وأنا العبد المفتاق الى رحمة ربّه الرحمن الميرزا غلامرضا عرفانيان اليزدي الخراساني.



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق الزّمان والمكان (١) ، ومنه التّمكين والإِمكان ، الذي دلّ على نفسه بمخلوقاته ، وتعرّف من خلقه بمصنوعاته (٢) ، نحمده على مننه المتتابعة المتظاهرة ، ونشكره على نعمه الباطنة والظّاهرة ، حمداً يوجب مزيد الاحسان (٣) ، وشكراً يقتضى فوز الغفران والرّضوان ، وصلواته على نبيّه محمّد (٤) البشير النّذير السّراج (٥) المنير ، وعلى آله الطيبين وعترته الطّاهرين.

أمّا بعد : فانّ في قصص الانبياء والرّسل صلوات الله عليهم ألطافاً تدعو إلى محاسن الأخلاق ، وعبراً تردع عن الشكّ والنّفاق ، وانّ ذكر أخبارهم وآثارهم ممّا يقرب (٦) من الطّاعة (٧) والعبادة ، ويبعّد ذوي (٨) الاستطاعة من سوء (٩) العادة.

والكتب المصنّفة في هذا المعنى فيها الغثّ والسّمين والرّد والثّمين ، فجمعت بعون الله

_________________________________

(١) في ق ٣ : المنزه عن الزمان والمكان.

(٢) في ق ٣ : وتعرف ذاته بصفاته.

(٣) في ق ٣ : حمداً يوجب الاحسان في كل وقت وآن.

(٤) في ق ٣ : على سيدنا محمد.

(٥) في ق ٣ وق ٤ : والسراج.

(٦) في ق ١ : وآثارهم يقرب.

(٧) في ق ٣ : وأن ذكر أخبارهم تقريب من الزهد.

(٨) في ق ٣ : وتبعيد ذوي ، وفي ق ٤ : وينقذ ذو ، وفي ق ٢ : وتبعد ذو.

(٩) في ق ٣ : عن سوء.


تعالى ذلالها (١) ، وسلبتها جريالها (٢) وحصّلته مرتّباً ، وفصّلته مبوّباً وبالله التّوفيق والعصمة (٣).

الباب الأوّل :

في ذكر أبينا آدم عليه السّلام.

الباب الثّاني :

في ذكر إدريس ونوح عليهما السّلام.

الباب الثالث :

في ذكر هود وصالح عليهما السّلام.

الباب الرّابع :

في ذكر إبراهيم خليل الله (٤) عليه السّلام.

الباب الخامس :

في ذكر لوط وذي القرنين عليهما السّلام.

الباب السّادس :

في ذكر يعقوب ويوسف عليهما السّلام.

الباب السّابع :

في ذكر أيّوب وشعيب عليهما السّلام.

الباب الثّامن :

في ذكر موسى بن عمران صلوات الله عليه.

الباب التّاسع :

في ذكر أحاديث بني إسرائيل.

_________________________________

(١) كذا في ق ٢ وق ٤ ، وفي ق ١ وق ٣ : زلالها.

(٢) كذا في ق ١ وق ٢ وق ٤ ، وفي ق ٣ : وسلبتها سربالها. وجريالها بمعنى لونها وحمرتها ، وعن الاعشى كما في لسان العرب (١١ / ١٠٨) : وسبيئة فما تعتق بابل         كدم الذبيح سلبتها حريالها.

(٣) ليس في ق ٢ كلمة العصمة ، وفي ق ٣ : وحصلته مرتبا على تسعة عشر بابا ، وبالله التّوفيق والعصمة. وهو غلط ظاهراً.

(٤) في ق ٢ وق ٤ : خليل الرحمن.


الباب العاشر :

في ذكر إسماعيل ولقمان صلوات الله عليهما.

الباب الحادي عشر :

في ذكر داود صلوات الله عليه.

الباب الثّاني عشر :

في ذكر سليمان صلوات الله عليه.

الباب الثّالث عشر :

في ذكر ذي الكفل وعمران عليهما السّلام.

الباب الرّابع عشر :

في ذكر زكريّا ويحيى عليهما السّلام.

الباب الخامس عشر :

في ذكر إرميا ودانيال عليهما السّلام.

الباب السّادس عشر :

في ذكر جرجيس وعزير وحزقيل عليهم السّلام.

الباب السّابع عشر :

في ذكر شعيا وأصحاب الأخدود والياس واليسع ويونس وأصحاب الكهف والرّقيم عليهم السّلام.

الباب الثامن عشر :

في ذكر عيسى بن مريم صلوات الله عليه.

الباب التاسع عشر :

في ذكر معجزات النّبي محمّد المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ، وغير ذلك من الوقايع والغزوات على ما يأتي شرحه وبيانه.

الباب العشرون :

في أحوال محمّد صلى الله عليه وآله.


وذكرت أيضاً من أحوال الأصفياء والأمم ما تكون (١) فيه فائدة عائدة (٢) لذوي الهمم ، وجعلت كلّ باب منها يشتمل على عدّة فصول ، وبالله العصمة والتّوفيق في الفروع والأصول.

_________________________________

(١) في ق ١ : مما يكون ، وفي ق ٣ : ما يكون ، وفي ق ٤ : مما تكون.

(٢) في ق ٢ وق ٣ وق ٤ : الفائدة والعائدة.


الباب الأوّل

( في ذكر آدم عليه السّلام )

فصل ـ ١ ـ

في ذكر خلق آدم وحوّا صلوات الله عليهما :

١ ـ أخبرني الشّيخ عليّ بن عليّ بن عبد الصّمد (١) النّيشابوري ، عن أبيه ، أخبرنا السّيد ابوالبركات عليّ بن الحسين الجوزي (٢) ، أخبرنا الشيخ ابوجعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، أخبرنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، قالا : أخبرنا سعد بن عبد الله أخبرنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، أخبرنا الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : سئل أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام هل كان في الأرض خلق من خلق الله تعالى يعبدون الله قبل (٣) آدم عليه السلام وذرّيته ؟ فقال : نعم قد كان في السّماوات والأرض خلق من خلق الله يقدّسون الله ، ويسبّحونه ، ويعظّمونه باللّيل والنّهار لا يفترون ، وأنّ الله (٤) عزّ وجلّ لمّا خلق

_________________________________

(١) في ق ٢ : الشيخ علي بن عبد الصمد ... أقول : وهو النّيسابوري التّميمي ، قال عنه الشّيخ الحرّ في تذكرة المتبحرين [ ص ١٩٢ ط النجف ] : فاضل عالم ، يروي عنه ابن شهر آشوب ، ولا يبعد اتحاده مع التميمي السبزواري ، قال الشيخ منتجب الدين : الشيخ علي بن عبد الصمد التميمي السبزواري فقيه دين ثقة قرأ على الشيخ أبي جعفر. وقال الشيخ الحرّ بعد عدة أسامي : الشيخ ركن الدين علي بن علي بن عبد الصمد التّميمي النّيسابوري فقيه ثقة قرأ على والده وعلى الشّيخ أبي علي بن الشيخ أبي جعفر رحمهم الله قاله منتجب الدين انتهى والظاهر اتّحاد العناوين الثّلاثة.

(٢) في ق ٣ : الخوزي ، وفي ق ٢ وق ٤ : الحوري. ويأتي في الخبر المرقم (١٦ و ٩٥).

(٣) في ق ٢ : خلق الله تعالى قبل.

(٤) في ق ٣ وق ٤ : فان الله.


الأرضين (١) خلقها قبل السّماوات.

ثم خلق الملائكة روحانيّين لهم أجنحة يطيرون بها حيث يشاء الله ، فأسكنهم فيما بين (٢) أطباق السّماوات يقدّسونه في اللّيل والنّهار (٣) ، واصطفى (٤) منهم إسرافيل وميكائيل وجبرائيل.

ثم خلق عزّ وجّل في الأرض الجنّ روحانيين لهم (٥) أجنحة ، فخلقهم دون خلق الملائكة ، وخفظهم (٦) أن يبلغوا مبلغ الملائكة في الطّيران وغير ذلك ، فأسكنهم فيما بين أطباق الارضين السّبع وفوقهنّ يقدّسون (٧) الله اللّيل والنّهار لا يفترون.

ثم خلق خلقاً دونهم ، لهم أبدان وأرواح بغير أجنحة ، يأكلون ويشربون نسناس أشباه (٨) خلقهم وليسوا بإِنس ، وأسكنهم أوساط الارض على ظهر الارض مع الجن يقدّسون (٩) الله اللّيل (١٠) والنّهار لا يفترون.

قال : وكان الجن تطير في السّماء ، فتلقى الملائكة في السّماوات ، فيسلمون عليهم ويزورونهم ويستريحون اليهم ويتعلّمون منهم الخير.

ثمّ انّ طائفة من الجن والنّسناس الّذين خلقهم الله وأسكنهم أوساط الأرض مع (١١) الجن تمرّدوا وعتوا عن أمر الله ، فمرحوا وبغوا في الأرض بغير الحقّ ، وعلا بعضهم على بعض في العتوّ على الله تعالى ، حتّى سفكوا الدماء فيما بينهم ، وأظهروا الفساد ، وجحدوا ربوبيّة

_________________________________

(١) في ق ٢ : الأرض.

(٢) في ق ٤ : ما بين.

(٣) في ق ٣ وق ٤ : يقدّسونه اللّيل والنهار.

(٤) في ق ٣ : ويعظّمونه منهم ، والصّحيح : ويعظّمونه. واصطفى منهم.

(٥) في ق ٢ وق ٤ : ولهم.

(٦) في ق ١ وق ٣ : وحفظهم.

(٧) في ق ٢ وق ٤ : وفوقهن بعد سبع سماوات يقدسون الله ، وفي ق ٣ : الأرضين وفوقهن يسبحون الله.

(٨) في ق ٣ : نسناس دون أشباه.

(٩) في ق ٢ : أوساط الارض مع الجن يقدسون ، وفي ق ٣ : على طهر الارض والكل يقدسون.

(١٠) في ق ٤ : بالليل.

(١١) في ق ٣ : أوساط الارض على ظهرها مع.


الله (١) تعالى.

قال : وأقامت الطّائفة المطيعون من الجن على رضوان الله تعالى وطاعته ، وباينوا الطّايفتين من الجن والنسناس اللّذين (٢) عتوا عن أمر الله.

قال : فحط الله أجنحة (٣) الطّائفة من الجنّ الّذين عتوا عن أمر الله وتمرّدوا ، فكانوا لا يقدرون على الطّيران إلى السّماء والى ملاقاة الملائكة لما (٤) ارتكبوا من الذّنوب والمعاصي.

قال : وكانت الطّائفة المطيعة لأمر الله من الجنّ تطير الى السّماء اللّيل والنّهار على ما كانت عليه ، وكان ابليس ـ واسمه الحارث ـ يظهر للملائكة أنّه من الطّائفة المطيعة.

ثم خلق الله تعالى خلقاً على خلاف خلق الملائكة وعلى خلاف خلق الجن (٥) وعلى خلاف خلق النّسناس ، يدبّون كما يدبّ الهوام في الأرض ، يشربون ويأكلون كما تأكل الأنعام من مراعي الأرض ، كلّهم ذكران ليس فيهم أناث ، ولم يجعل (٦) الله فيهم شهوة النّساء ، ولا حبّ الأولاد ، ولا الحرص ، ولا طول الأمل ، ولا لذّة عيش (٧) ، لا يلبسهم اللّيل ، ولا يغشاهم النّهار ، وليسوا ببهائم (٨) ولا هوام ولباسهم (٩) ورق الشّجر ، وشربهم من العيون الغزار والأودية الكبار.

ثم أراد الله يفرقهم فرقتين ، فجعل فرقة خلف مطلع الشّمس من وراء البحر ، فكوّن لهم مدينة أنشأها لهم تسمّى (١٠) « جابرسا » طولها اثنا عشر ألف فرسخ في اثنى عشر ألف

_________________________________

(١) في ق ٣ : وأنكروا ربوبية الله.

(٢) في ق ٢ : الطائفتين اللذين.

(٣) في ق ٣ : فحفظ أجنحة.

(٤) في ق ٢ : إلى السّماء والارض والى ملاقاة الملائكة لما ، وفي ق ٣ : والى السّماء والى ملاء الملائكة بما ارتكبوا.

(٥) في ق ٢ وق ٤ : على خلاف خلق الجنّ وعلى خلاف خلق الشّياطين.

(٦) في ق ١ وق ٣ : لم يجعل.

(٧) في ق ‍١ وق ٣ : ولا لذة العيش.

(٨) في ق ٣ : بهائم.

(٩) في ق ١ وق ٣ : لباسهم ، بدون الواو.

(١٠) في ق ٢ : أنشأها تسمى.


فرسخ ، وكوّن عليها سوراً من حديد يقطع الأرض إلى السّماء ، ثمّ أسكنهم فيها.

وأسكن الفرقة الاخرى خلف مغرب الشمس من وراء البحر ، وكوّن لهم مدينة أنشأها تسمّى (١) « جابلقا » طولها اثنا عشر ألف (٢) فرسخ في اثني عشر ألف فرسخ ، وكوّن لهم سوراً من حديد يقطع إلى السماء (٣) ، فأسكن الفرقة الأخرى فيها ، لا يعلم أهل جابرسا بموضع أهل جابلقا ، ولا يعلم أهل جابلقا بموضع أهل جابرسا ، ولا يعلم بهم أهل أوساط الأرض من الجنّ والنّسناس.

وكانت (٤) الشّمس تطلع على أهل أوساط الأرض (٥) من الجنّ والنّسناس ، فينتفعون بحرّها ويستضيئون بنورها ، ثمّ تغرب في عين حمئة ، فلا يعلم بها أهل جابلقا اذا غربت ولا يعلم بها أهل (٦) جابرسا اذا طلعت ، لانّها تطلع من دون جابرسا ، وتغرب من دون جابلقا.

فقيل يا أمير المؤمنين : فكيف يبصرون ويحيوُن ؟ وكيف يأكلون ويشربون ؟ وليس تطلع الشّمس عليهم (٧) ؟

فقال صلوات الله عليه : انّهم يستضيئون (٨) بنور الله ، فهم في أشدّ ضوء من نور الشّمس ، ولا يرون أن الله تعالى خلق شمساً ولا قمراً ولا نجوماً ولا كواكب ، ولا يعرفون شيئاً غيره.

فقيل يا أمير المؤمنين : فأين ابليس عنهم ؟

قال : لا يعرفون ابليس ولا سمعوا (٩) بذكره ، لا يعرفون إلّا الله وحده لا شريك له ، لم

_________________________________

(١) في ق ٣ : أنشأها لهم تسمى.

(٢) في ق ٢ وق ٤ : طولها ألف.

(٣) في ق ١ : يقطع الأرض الى السماء.

(٤) في ق ٣ : فان كانت.

(٥) في ق ١ وق ٣ : الارضين.

(٦) في ق ٢ : ولا أهل.

(٧) في ق ٣ : وكيف ما تطلع الشمس عليهم.

(٨) في ق ١ : ليستضيئون.

(٩) في ق ٣ : ولا يسمعون.


يكتسب أحد منهم قطّ خطيئة ولم يقترف (١) اثماً لا يسقمون ولا يهرمون ولا يموتون ، يعبدون الله إلى يوم القيامة لا يفترون ، الليل والنهار عندهم سواء.

قال : إنّ الله (٢) أحبّ أن يخلق خلقاً ، وذلك بعد ما مضى من الجن (٣) والنّسناس سبعة آلاف سنة ، فلمّا كان من خلق الله أن يخلق آدم للّذي أراد من التّدبير والتّقدير فيما هو مكوّنه من السماوات والأرضين كشف عن (٤) أطباق السّماوات.

ثم قال الملائكة : انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجنّ والنّسناس هل ترضون أعمالهم وطاعتهم لي ؟ فاطلعت الملائكة ورأوا (٥) ما يعملون فيما من المعاصي وسفك الدّماء والفساد في الأرض بغير الحقّ ، اعظموا ذلك وغضبوا لله ، وأسفوا على أهل الأرض ، ولم يملكوا غضبهم وقالوا : ربّنا أنت (٦) العزيز الجبّار الظّاهر العظيم (٧) الشّأن وهؤلاء كلّهم خلقك الضّعيف الذّليل في أرضك ، كلّهم ينقلبون (٨) في قبضتك ، ويعيشون برزقك ، ويتمتّعون بعافيتك ، وهم يعصونك بمثل هذه الذّنوب العظام لا تغضب ولا تنتقم منهم لنفسك بما تسمع منهم وترى وقد عظم ذلك علينا واكبرناه (٩) فيك.

قال : فلمّا سمع الله تعالى مقالة (١٠) الملائكة قال : إنّي جاعل في الأرض خليفة فيكون حجّتي على خلقي في الأرض (١١) ، فقالت الملائكة : سبحانك ربّنا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك ؟

_________________________________

(١) في ق ٢ وق ٤ : ولا يقترف.

(٢) في ق ١ : قال ثم ان الله ، وفي ق ٣ : ثم قال ان الله.

(٣) في ق ١ وق ٣ وق ٤ : ما مضى للجن.

(٤) في ق ١ وق ٣ وق ٤ : مكونه في السماوات والارضين كشط عن. والكشط بمعنى الكشف.

(٥) في ق ١ وق ٣ : فاطلعت ورأوا.

(٦) في ق ٣ وق ٤ : يا ربنا أنت.

(٧) في البحار : القاهر العظيم ، وفي ق ١ وق ٣ : الطاهر العظيم.

(٨) في ق ١ وق ٣ والبحار : يتقلّبون.

(٩) في ق ٢ : ذلك وأكبرناه.

(١٠) في ق ١ : مقال.

(١١) في ق ٤ : فيكون حجة على خلقي في أرضي ، وفي ق ١ وق ٣ : في أرضي.


فقال الله تعالى : يا ملائكتي انّي أعلم مالا تعلمون أنّي أخلق خلقاً بيدي أجعلهم (١) خلفائي على خلقي في أرضي ، ينهونهم عن معصيتي ، وينذرونهم (٢) ويهدونهم الى طاعتي ، ويسلكون بهم طريق سبيلي ، أجعلهم حجّة لي عذراً ونذراً (٣) وأنفي الشّياطين من أرضي وأطهّرها منهم ، فأسكنهم في الهواء من أقطار (٤) الأرض وفي الفيافي ، فلا يراهم خلق ، ولا يرون شخصهم ، ولا يجالسونهم ، ولا يخالطونهم ، ولا يؤاكلونهم ، ولا يشاربونهم ، وأنفرّ مردة الجنّ العصاة عن نسل (٥) بريّتي وخلقي وخيرتي ، فلا يجاورون خلقي ، وأجعل بين خلقي وبين الجانّ حجاباً ، فلا يرى خلقي شخص الجنّ ، ولا يجالسونهم ، ولا يشاربونهم ، ولا يتهجّمون تهجّمهم ، ومن عصاني من نسل خلقي الّذي عظّمته واصطفيته لغيبي أسكنهم (٦) مساكن العصاة وأوردهم موردهم (٧) ولا أبالي.

فقالت الملائكة : لا علم لنا الّا ما علّمتنا انّك أنت العليم الحكيم ، فقال للملائكة (٨) : انّي خالق بشراً من صلصال من حماءٍ مسنون فاذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (٩).

قال : وكان ذلك من الله تقدمة للملائكة قبل أن يخلقه احتجاجاً منه عليهم ، وما كان الله ليغيّر ما بقوم إلّا (١٠) بعد الحجّة عذراً أو نذراً ، فأمر تبارك وتعالى ملكاً من الملائكة ، فاغترف غرفة بيمينه ، فصلصلها في كفّه فجمدت ، فقال الله عزّ وجلّ : منك أخلق(١١).

_________________________________

(١) في ق ٢ وق ٣ وق ٤ : أجعل ، وفي البحار : وأجعل من ذريته أنبياء ومرسلين وعباداً صالحين وأئمة مهتدين وأجعلهم خلفائي.

(٢) في البحار : وينذرونهم من عذابي.

(٣) في ق ١ والبحار : عذراً أو نذراً.

(٤) في ق ١ والبحار : وأسكنهم في الهواء وأقطار ... فلا يراهم خلقي.

(٥) في ق ٢ وق ٣ وق ٤ : من نسل.

(٦) في ق ١ : عظمته واصطنعته لعيني ، وفي ق ٣ : عظمته أسكنهم.

(٧) في ق ٤ : مواردهم.

(٨) في ق ١ : فقال الله تعالى للملائكة.

(٩) والايات : الاولى والثانية من سورة البقرة (٣٠ ـ ٣٢) ، والثالثة في سورة الحجر (٢٨ ـ ٢٩).

(١٠) في ق ٣ : ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم الّا بعد.

(١١) بحار الأنوار الجزء (٥٧ / ٥٨) أشار هنا الى جملات من صدر الخبر ، وأورد تمامه في نفس الجزء ص (٣٢٢ ـ


فصل ـ ٢ ـ

٢ ـ وبالاسناد المذكور ، عن إبن بابويه ، أخبرنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ومحمّد بن عليّ ماجيلويه ، أخبرنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن أورمة ، عن عمرو بن عثمان ، عن العبقري ، عن عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن حبّة العرني ، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه قال : ان الله تعالى خلق (١) آدم صلوات الله عليه من أديم الأرض ، فمنه السّباخ والمالح والطّيب ، ومن ذرّيته الصّالح والطّالح ، وقال : إنّ الله تعالى لمّا خلق آدم صلوات الله عليه ونفخ فيه من روحه نهض ليقوم ، فقال الله تعالى : وخلق الإِنسان عجولاً (٢) وهذا (٣) علامة للملائكة ، إنّ (٤) من أولاد آدم عليه السّلام من (٥) يصير بفعله صالحاً ، ومنهم من يكون طالحاً بفعله ، لا أنّ من خلق من الطّيب لا يقدر على القبيح ، ولا أنّ من خلق من السّبخة (٦) لا يقدر على الفعل الحسن(٧).

٣ ـ وبهذا الاسناد ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله الصّادق صلوات الله عليه قال : كانت الملائكة تمرّ بآدم صلوات الله عليه ـ أي بصورته ـ وهو ملقي في الجنّة من طين ، فتقول : لأمر ما خلقت ؟ (٨).

٤ ـ وبالاسناد المتقدّم ، عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي

_________________________________

٣٢٥) تحت الرقم : (٥) ، ونبّه على جملات من أوائل الخبر أيضاً في الجزء (٥٩ / ٢٥٢).

(١) في ق ٢ : لما خلق.

(٢) الآية في الكتاب المجيد « وخلق الانسان ضعيفاً » سورة النساء : (٢٨).

(٣) في ق ١ : هذه.

(٤) في ق ٢ : وان.

(٥) في ق ٢ وق ٣ وق ٤ والبحار : يكون من.

(٦) في ق ٢ : ولا من خلق من السّبخة ، وفي ق ٣ : لا يقدم على القبيح ... لا يقدم على الفعل الخير.

(٧) بحار الأنوار : (١١ / ١١٢ ـ ١١٣) ، برقم : (٣٢) ، قال العلامة المجلسي رحمه الله : بيان ـ قوله « وهذا علامة » كلامه الرّاوندي ذكره لتأويل الخبر.

(٨) بحار الأنوار (١١ / ١١٣) ، برقم : (٣٣).


عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن محمّد الحلبي ، عن أبي عبد الله الصّادق عليه السّلام قال : إنّ القبضة الّتي قبضها الله تعالى من الطّين الّذي خلق آدم صلوات الله عليه منه أرسل الله اليها (١) جبرئيل أن يأخذ منها إن شاء ، فقالت الأرض : أعوذ بالله أن تأخذ منّي شيئاً ، فرجع فقال : يا ربّ تعوّذت بك. فأرسل الله تعالى اليها إسرافيل (٢) وخيّره ، فقالت مثل ذلك ، فرجع فأرسل الله اليها ميكائيل (٣) وخيّره أيضاً ، فقالت مثل ذلك ، فرجع فأرسل الله إليها ملك الموت ، فأمره على الحتم ، فتعوّذت بالله أن يأخذ منها ، فقال ملك الموت : وأنا أعوذ بالله أن أرجع اليه حتّى آخذ منك قبضةً.

وإنّما سمّي (٤) آدم لأنّه أخذ من أديم الأرض. وقال : إنّ الله (٥) تعالى خلق آدم من الطّين وخلق حوّا (٦) من آدم ، فهمّة الرّجال الأرض وهمّة النّساء الرّجال. وقيل : أديم الأرض أدنى الأرض الرّابعة إلى اعتدال ، لأنّه خلق وسط الملائكة (٧) (٨).

٥ ـ وبالاسناد المذكور ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سيف بن عميرة ، عن أخيه ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله الصّادق عليه الصّلاة والسّلام قال : قلت : سجدت الملائكة لآدم صلوات الله عليه ووضعوا جباههم على الأرض ؟ قال : نعم تكرمة من الله تعالى (٩).

٦ ـ وبالاسناد المذكور ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن درّاج قال سألت أبا عبد الله عليه الصّلاة والسّلام أكان إبليس من الملائكة أم (١٠) من الجنّ ؟ قال : كانت الملائكة ترىٰ

_________________________________

(١) في ق ٢ : ارسل اليها.

(٢) في ق ٢ : فأرسل اسرافيل.

(٣) في ق ٢ وق ٣ : فأرسل الله ميكائيل.

(٤) في ق ٢ : وانما يسمى.

(٥) في ق ٣ : الارض ، ثم ان الله.

(٦) في ق ٢ : وحوا.

(٧) في ق ٣ وق ٤ : وسط من الملائكة ، وفي البحار : وسط بين الملائكة والبهائم.

(٨) بحار الأنوار (١١ / ١١٣) ، برقم : (٣٥).

(٩) بحار الانوار (١١ / ١٣٩) ، برقم : (٣).

(١٠) في ق ٢ : والسلام عن ابليس من الملائكة أو.


أنّه منها ، وكان الله يعلم أنّه ليس منها ، فلمّا أمر بالسّجود كان منه الّذي كان (١).

٧ ـ وبالاسناد المذكور ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن الصّادق عليه السلام قال : أمر (٢) ابليس بالسّجود لآدم ، فقال : يا ربّ وعزّتك إن أعفيتنى من السّجود لآدم عليه السلام لأعبدك (٣) عبادة ماعبدك أحد (٤) قطّ مثلها قال الله (٥) جلّ جلاله : إنّى احبّ أن اُطاع من حيث اُريد.

وقال : إنّ ابليس رَنّ أربع رنّات : أولاهن يوم لعن ، ويوم أهبط (٦) الى الارض ، وحين بعث محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم على فترة من الرّسل ، وحين أنزل أمّ الكتاب. ونخر نخرتين : حين أكل آدم من الشّجرة ، وحين أهبط من الجنّة.

وقال في قوله تعالى : « فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا » (٧) كانت سوءاتهما لا ترى ، فصارت ترى بارزةً وقال : الشّجرة الّتي نهى عنها آدم صلوات الله عليه وهي السّنبلة (٨).

٨ ـ وفي رواية اخرى عنه عليه السّلام أنّه قال : إنّ الشّجرة الّتي نهى عنها آدم عليه السّلام هي شجرة العنب (٩).

ولا تنافي بينهما ، لأنّ شجرة الجنّة تحمل الأنواع من الأكل ، وكانت تلك الشّجرة تحمل العنب والحنطة جميعاً (١٠).

فصل ـ ٣ ـ

« في أخباره »

٩ ـ وعن ابن بابويه ، وأخبرنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النّيشابوري ، أخبرنا

_________________________________

(١) بحار الأنوار (٦٣ / ٢٤٩) ، باب ذكر ابليس وقصصه : برقم : (١٠٩).

(٢) في ق ١ : لما أمر.

(٣) في ق ١ وق ٣ والبحار : لأعبدنّك ، وفي ق ٤ : لعبدتك.

(٤) في ق ٤ : لم يعبدك أحد.

(٥) في ق ١ : فقال الله.

(٦) في ق ٢ : هبط.

(٧) سورة طه : (١٢١).

(٨) بحار الانوار (٢ / ٢٦٢) و (١١ / ١٤٥) برقم : (١٤ و ١٧٩) برقم : (٢٦ و ٢٥٠) ، برقم : (١١٠).

(٩) بحار الانوار (١١ / ١٧٩) ، برقم : (٢٧).

(١٠) ليس في ق ٢ : والحنطة جميعاً.


عليّ بن محمّد بن قتيبة ، عن أحمد بن سلمان (١) عن عبد السّلام بن صالح الهروي قال : قلت للرّضا عليه السّلام : يا بن رسول الله صلّى الله عليه وآله أخبرنا (٢) عن الشّجرة الّتي أكل منها آدم عليه السّلام وحوّا عليها السلام ما كانت ؟ فقد اختلف النّاس فيها ، فقال عليه السلام : يا أبا الصّلت إنّما الشّجرة بالجنّة (٣) تحمل أنواعاً ، فكانت شجرة الحنطة وفيها عنب ، وليست كشجرة الدّنيا (٤).

١٠ ـ وعن ابن بابويه أخبرنا إبراهيم بن هارون الهيتي ، (٥) أخبرنا ابوبكر(٦) أحمد بن محمّد بن عيسى ، أخبرنا محمّد بن يزيد القاضي ، أخبرنا قتيبة بن سعيد ، أخبرنا اللّيث (٧) بن سعد واسماعيل (٨) بن جعفر ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لمّا خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه التفت آدم يمينة (٩) العرش فاذا خمسة أشباح ، فقال : يا ربّ هل خلقت قبلي من البشر أحداً ؟ قال : لا قال : فمن هؤلاء الّذين أرى أسماءهم ؟ فقال : هؤلاء خمسة من ولدك ، لولاهم ما خلقتك (١٠) ولا خلقت الجنّة ولا النّار (١١) ولا العرش ولا الكرسي ولا السّماء ولا الارض ولا الملائكة ولا الجنّ ولا الإِنس ، هؤلآء خمسة شققت لهم اسماً من (١٢) أسمائي ، فأنا المحمود وهذا محمّد ( صلّى الله

_________________________________

(١) في ق ٣ : أحمد بن سليمان ، وفي البحار : حمدان بن سليمان.

(٢) في البحار : أخبرني.

(٣) في ق ١ : في الجنة.

(٤) بحار الانوار (١١ / ١٦٤ ـ ١٦٥) برقم : (٩) ، وللرواية بقية مذكورة مع صدرها تحت الرقم نفسه عن معاني الاخبار وعيون اخبار الرضا عليه السلام ، والشيخ الراوندي قطعها فذكر البقية فيما سيأتي تحت الرقم : (١١).

(٥) في ق ٢ وهامش ق ٤ : المجلسي ، وفي ق ١ وق ٣ : الهيسي ، وفي ق ٤ : الهبيسي ، والجميع مصحّف والظّاهر الهيتي منسوب الى هيت بلدة من أعمال بغداد فوق من مدينة أنبار وقرية من محال جاه بهار في محافظة سيستان وبلوجستان.

(٦) ليس في ق ٣ : ابوبكر ، كما أنّه ليس في البحار : ابن عيسى.

(٧) في ق ١ : ليث.

(٨) في ق ٣ : عن اسماعيل.

(٩) في ق ١ والبحار : يمنة ، وفي ق ٣ : يمين.

(١٠) في ق ٣ : لما خلقتك.

(١١) في ق ٢ : وما خلقت الجنة والنار.

(١٢) في ق ١ : هؤلاء شققت لهم أسماءاً من.


عليه وآله) وأنا الأعلى وهذا عليّ (عليه السّلام) وأنا الفاطر وهذه فاطمة (عليها السّلام) وأنا ذو الأحسان وهذا الحسن (عليه السّلام) وأنا المحسن وهذا الحسين (عليه السلام) آليت على نفسي أنّه لا يأتيني أحد (١) وفي قلبه مثقال حبّة من خردل من محبّة أحدهم إلّا أدخلته جنّتي وآليت بعزّتي أنّه لايأتيني أحد وفي قلبه مثقال حبّة من خردل من بغض أحدهم إلا أدخلته ناري ، يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي ، بهم أنجي من أنجي وبهم أهلك من أهلك (٢).

١١ ـ وفي رواية أخرى : عن أبي الصّلت الهروي ، عن الرّضا عليه السّلام قال : إنّ آدم صلوات الله عليه لمّا أكرمه (٣) الله تعالى بإِسجاده ملائكته له (٤) وبإدخاله الجنّة ناداه الله : ارفع رأسك يا آدم ، فانظر إلى ساق عرشي ، فنظر فوجد عليه مكتوباً : (٥) لا إله الّا الله ، محمدٌ رسول الله ، عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة ، فقال آدم عليه السلام : يا ربّ من هؤلاء ؟ قال عزّ وجلّ : هؤلاء ذريّتك ، لولاهم ما خلقتك (٦).

١٢ ـ وبالاسناد المتقدّم ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن اسماعيل بن جابر ، عن عبد الحميد بن أبي الدّيلم ، عن أبي عبد الله الصّادق عليه السّلام قال : هبط آدم صلوات الله عليه على الصّفا ، ولذلك سمّي « الصّفا » لأنّ المصطفى هبط عليه ، قال تبارك وتعالى : إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً (٧) وهبطت حوّا عليها السّلام على المروة ، وإنّما سمّيت « المروة » لأنّ المرأة هبطت عليها ، وهما جبلان عن

_________________________________

(١) في ق ٤ : لا يأتي أحد.

(٢) بحار الانوار (٢٧ / ٥) ، برقم : (١٠). وفي ق ٣ : بهم نجى من نجى وبهم هلك من هلك ، وفي ق ٤ : بهم أنجي وبهم أهلك.

(٣) في ق ٣ : فان آدم ... بما أكرمه.

(٤) في ق ٢ : الملائكة له.

(٥) في ق ٢ : فوجد مكتوباً.

(٦) اثباة الهداة (١ / ٦١٤). برقم : (٦٣٤). بحار الانوار (٢٧ / ٦) ، برقم : (١١) ، وكلمة « هؤلاء » ليست في ق ٢ ، وفي ق ٣ : لولاهم لما خلقتك.

(٧) سورة آل عمران : (٣٣).


يمين الكعبة وشمالها ، فاعتزلها آدم عليه السلام حين فرّق بينهما ، فكان (١) يأتيها بالنّهار فيتحدّث عندها فاذا كان الّليل خشى أن تغلبه نفسه فيرجع فمكث بذلك ما شاء الله ثم أرسل إليه جبرئيل عليه السلام فقال : (٢) السّلام عليك يا آدم الصّابر لبليّته إنّ الله تعالى بعثنى إليك لأعلّمك المناسك الّتي يريد الله أن يتوب عليك بها فانطلق به جبرئيل فأخذ بيده حتّى أتى مكان البيت فنزل غمام من السّماء فقال له جبرئيل : يا آدم خطّ برجلك حيث أظلّك هذا الغمام فأنّه قبلة لك ولاخر عقب من ذريتك فخطّ هناك آدم برجله فانطلق به إلى منى فأراه مسجد منى فخطّ برجله بعد ماخطّ موضع المسجد الحرام وبعد ماخطّ البيت ثمَّ انطلق إلى عرفات فأقام على المعرف ثمَّ أمره جبرئيل عند غروب الشّمس أن يقول : ربّنا ظلمنا أنفسنا ، سبعاً ليكون سنّة في ولده يعترفون (٣) بذنوبهم هناك ثمَّ أمره بالافاضة (٤) من عرفات ففعل آدم عليه السلام ذلك ثم انتهى إلى جمع فبات ليلته بها وجمع فيها (٥) الصّلاتين في وقت العتمة في ذلك الموضع إلى ثلث الّليل وأمره اذا طلعت الشّمس أن يسأل الله تعالى التّوبة والمغفرة (٦) سبع مرّات لتكون سنّة في ولده فمن لم يدرك عرفات فأدرك جمعاً فقد أدرك حجّة (٧) وأفاض من جمع إلى منى ضحوة فأمره أن يقرّب إلى الله سبحانه وتعالى قرباناً ليتقبل الله منه ويكون سنّة في ولده فقرّب آدم قرباناً فتقبّل منه قربانه فأرسل الله ناراً من السّماء فقبضت وقربان آدم (٨) فقال له جبرئيل : يا آدم إن الله تعالى قد أحسن إليك أن علّمك المناسك فأحلق رأسك تواضعاً لله إذ قرّب (٩) قربانك فحلق آدم صلوات الله عليه رأسه ثم أخذ جبرئيل عليه السّلام بيد آدم (١٠) لينطلق به إلى البيت فعرض له إبليس عند

_________________________________

(١) في ق ٢ : وكان.

(٢) وقال : ق ٢.

(٣) معترفون : ق ٣.

(٤) فأفاض : ق ٣ و ٤.

(٥) وجمع بها : ق ٢.

(٦) أن يسأل الله تعالى المغفرة : ق ٢.

(٧) حجّة : ق ٢ و ٤.

(٨) من آدم السّابق إلى آدم هذا سقط من نسخة : ق ١ و ٢.

(٩) إذا قرّبت قربانك : ق ٣.

(١٠) بيده لينطلق : ق ٤. بيد آدم ينطلق : ق ٣.


الجمرة فقال : يا آدم اين تريد فقال جبرئيل : يا آدم ارمه بسبع حصيات ففعل آدم عليه السلام (١) فقال جبرئيل : إنّك لن تراه بعد مقامك هذا أبداً ثم انطلق به إلى البيت فأمره أن يطوف بالبيت سبع مرّات ففعل ذلك آدم عليه السّلام فقال جبرئيل : حلّت لك زوجتك (٢).

١٣ ـ وعن ابن بابويه أخبرنا محمّد بن موسى بن المتوكّل أخبرنا عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن علا عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر صلوات الله عليه قال : إنّ آدم صلوات الله عليه لمّا بنى الكعبة وطاف بها قال : (٣) أللّهم إنّ لكلّ عامل أجراً أللّهم وإنّي قد عملت فقيل له (٤) : سل يا آدم فقال : أللّهم اغفر لي ذنبي فقيل له : قد غفر (٥) لك يا آدم فقال : ولذريّتي من بعدي فقيل له : ياآدم من باء منهم بذنبه هيهنا كما بؤت غفرت له (٦).

١٤ ـ وعن ابن بابويه أخبرنا علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن صالح عن أبي عبد الله الصادق عليه السّلام قال : انّ آدم عليه السّلام لمّا طاف بالبيت فانتهى إلى الملتزم فقال جبرئيل عليه السّلام : أقرّ لربّك بذنوبك في هذا المكان فوقف آدم صلوات الله عليه فقال : يا ربّ إنّ لكلّ عامل أجراً ولقد عملت فما أجري ؟ فأوحى الله تعالى إليه يا آدم : من جاء من ذريّتك إلى هذا المكان فأقرّ فيه بذنوبه غفرت له (٧).

١٥ ـ وبهذا الاسناد عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه

_________________________________

(١) ففعل عليه السلام فذهب : ق ١ بدون عليه السلام : ق ٣.

(٢) البحار الجزء (١١ / ١٦٩) والحديث كما ترى طويل لم يذكر المجلسي إلّا قسماً منه عن كتاب القصص برقم : (١٦) وأحال القسم الاكبر منه إلى ما نقله عن علل الشّرايع برقم : (١٥) والألفاظ هنا وهناك متفاوتة ، مقدمةً ومؤخرةً ، زيادةً ونقيصةً.

(٣) فقال : ق ٢ والبحار.

(٤) فقال له : ق ٤.

(٥) قد غفر الله : ق ٢.

(٦) غفر له : ق ١ والخبر في البحار ، الجزء (١١ / ١٧٩) برقم : (٢٨) والجزء (٩٩ / ٢٠٣) برقم : (١٢).

(٧) غفرت له ذنوبه : ق ٤ فاقرّ بذنوبه : ق ٢ والخبر في البحار الجزء (١١ / ١٧٩ ـ ١٨٠) برقم : (٢٩) والجزء (٩٩ / ٢٠٣) برقم : (١٣).


السّلام قال : لمّا أفاض آدم صلوات الله عليه من عرفات تلقّته الملائكة عليهم السّلام فقالوا له : برّ حجك يا آدم أما أنّا قد حججنا هذا البيت قبلك بالفي عام (١).

فصل ـ ٤ ـ

في أخباره :

١٦ ـ أخبرنا الشّيخ محمد بن علي بن عبد الصّمد عن أبيه عن السّيد أبي البركات الخوري (٢) عن أبي جعفر ابن بابويه أخبرنا محمّد بن عليّ ماجيلويه (٣) عن عمّه محمّد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله عن ابن أبي نصر عن أبان عن عبد الرّحمن بن سيّابة عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : لمّا طاف آدم صلوات الله عليه بالبيت مائة عام ما ينظر إلى حوّا ولقد بكى على الجنّة حتّى صار على خدّيه مثل النّهرين العظيمين من الدّموع ثمّ أتاه جبرئيل عليه السّلام فقال : حيّاك الله وبيّاك فلمّا أن قال : حيّاك الله تبلّج وجهه فرحاً ولمّا قال : وبيّاك ، ضحك (٤) ـ ومعنى بيّاك : أضحكك ـ قال : ولقد قام على باب الكعبة وثيابه جلود الابل والبقر فقال : أللّهم أقلني عثرتي وأعدني إلى الدّار الّتي أخرجتني منها فقال الله جلّ ثناؤه : قد أقلتك عثرتك وسأعيدك إلى الدّار الّتي أخرجتك منها (٥).

١٧ ـ ومن شجون الحديث أنّ آدم صلوات الله عليه لمّا كثر ولده وولد ولده كانوا يتحدّثون عنده وهو ساكت فقالوا يا أبه : مالك لا تتكلم ؟ فقال يا بنيّ : إنّ الله جلّ جلاله لمّا أخرجني من جواره عهد إليّ وقال : أقلَّ كلامك ترجع إلى جواري (٦).

_________________________________

(١) البحار ، الجزء (١١ / ١٨٠) برقم (٣٠) والجزء (٩٩ / ٤٢) برقم (٢٥). وفي : ق ٣ فقالوا : يا آدم ... بألف عام.

(٢) تقدّمت اختلافات النسخ فيه في اوّل سند من الكتاب.

(٣) محمد بن علي بن ماجيلويه : ق ٢ و ٤.

(٤) وبيّاك الله ، ضحك : ق ٤.

(٥) أورده في البحار عن معاني الاخبار ، الجزء (١١ / ١٧٥) برقم : (٢١) بتفاوت قليل وفاته نقل الخبر عن القصص.

(٦) البحار الجزء (١١ / ١٨٠) برقم : (٣١) وليس فيه : ومن شجون الحديث وكذا في الجزء (٧١ / ٢٨٣) برقم : (٣٥).


١٨ ـ وبهذا الاسناد ، عن أبان بن عيسى (١) ، عن أبي عبد الله عليه الصّلاة والسّلام قال : إنّ آدم صلوات الله عليه لمّا هبط هبط (٢) بالهند ، ثمّ رمي إليه بالحجر الأسود وكان ياقوتة حمراء بفناء العرش ، فلمّا رآى عرفه (٣) ، فاكبّ عليه وقبّله ، ثمّ أقبل به فحمله إلى مكّة ، فربما أعيى من ثقله ، فحمله جبرئيل عنه وكان إذا لم يأته جبرئيل اغتمّ وحزن ، فشكا ذلك إلى جبرئيل ، فقال : إذا وجدت شيئاً من الحزن فقل : لا حول ولا قوّة إلّا بالله (٤).

١٩ ـ وفي روايةٍ : أنّ جبل أبي قبيس قال : يا آدم إنّ لك عندي وديعةً ، فرفع (٥) اليه الحجر والمقام ، وهما يومئذ ياقوتتان حمراوان (٦).

٢٠ ـ وبالاسناد المتقدّم ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج ، عن القاسم بن محمّد ، عن أبي جعفر الباقر عليه الصّلاة والسّلام قال : أتى آدم صلوات الله عليه هذا البيت ألف إتية على قدميه منها سبعمائة حجّة وثلاثمائة عمرة (٧).

٢١ ـ وبالإِسناد المتقدّم ، عن الصّفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عمرو بن عثمان ، عن أبي جميلة ، عن عامر (٨) ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّ الله عزّ وجلّ حين أهبط آدم صلوات الله عليه من الجنّة أمره أن يحرث بيده ، فيأكل من كدّها بعد نعيم الجنّة ، فجعل يجأر (٩) ويبكي على الجنّة مائتي سنة ، ثمّ إنّه سجد

_________________________________

(١) ليس في الرجال أبان بن عيسى وان أثبته البحار في المورد الثاني وأثبتته النسخ الخطيّة.

(٢) في البحار : أهبط هبط.

(٣) في البحار : فلما رآه عرفه.

(٤) بحار الانوار (١١ / ٢١٠). برقم : (١٤) ، ومن قوله « كان آدم اذا لم يأته » الى آخر الخبر في (٩٣ / ١٨٨) ، برقم : (١٤) و (٩٩ / ٢٢٥) ، برقم : (٢٠) وفيه عن أبان ، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(٥) في ق ٢ وق ٣ : فدفع.

(٦) بحار الأنوار (٩٩ / ٢٢٥) ، برقم : (٢١ و ٢٣٢) ، برقم : (٢).

(٧) بحار الانوار (١١ / ١١٤) ، برقم : (٣٨) و (٩٩ / ٤٣) ، برقم : ٢٧.

(٨) في ق ٤ وق ٥ : عن جابر ، ولعلّه الصّحيح فانّ المسمّى بـ « عامر » في الرّجال لم يعدّ في أصحاب الامام الباقر عليه السلام إلّا عامر بن أبي الاحوص ولم ينقل منه عليه السّلام ولو حديثاً واحداً ، وأبو جميلة هو المفضل بن صالح وهو روي عن جابر روايات عديدة ، والّذي يؤيّد ذلك رواية العياشي في تفسيره (١ / ٤٠) هذه الرّواية مع زيادة عن جابر ، وعنه البحار بعينها (١١ / ٢١٢) ، برقم : (١٩).

(٩) في ق ٤ : يجاور. وما في المتن هو المناسب لحال آدم. والجأر : رفع الصّوت الى الله بالدّعاء والضّجة وقد قال الله تعالى : ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (١٦ / ٥٣).


لله سجدةً ، فلم يرفع رأسه ثلاثة أيام ولياليها (١).

٢٢ ـ وباسناده ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله الصّادق صلوات الله عليه قال : لمّا بكى آدم صلوات الله عليه على الجنّة ، وكان رأسه في باب من أبواب السّماء وكان يتأذّى بالشّمس ، فحطّ عن (٢) قامته وقال : إنّ آدم لمّا اُهبط من الجنّة وأكل من الطّعام وجد في بطنه (٣) ثقلاً ، فشكا ذلك إلى جبرئيل عليه السّلام ، فقال : يا آدم فتنحّ (٤) ، فنحّاه فأحدث وخرج منه الثّقل (٥).

٢٣ ـ وباسناده ، عن أبي بصير ، عن إبراهيم بن محرز ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه الصّلاة والسّلام قال : إنّ آدم نزل بالهند ، فبنى الله تعالى له البيت وأمره أن يأتيه فيطوف به اُسبوعاً ، فيأتي منى وعرفات ويقضي مناسكه كما أمر الله تعالى.

ثم خطا من الهند ، فكان موضع قدميه حيث خطا عمران (٦) ، وما بين القدم والقدم صحارى (٧) ليس فيها شيء ، ثم جاء إلى البيت فطاف به اُسبوعاً وقضى مناسكه ، فقضاها كما أمره الله تعالى ، فقبل (٨) الله منه توبته وغفر له ، فقال آدم صلوات الله عليه : يا ربّ ولذرّيتي من بعدي فقال : نعم من آمن بي وبرسلي (٩).

٢٤ ـ وباسناده عن ابن محبوب (١٠) عن مقاتل بن سليمان قال : قلت لأبي عبد الله صلوات الله عليه : كم كان طول آدم صلوات الله عليه حين أهبط إلى الأرض ؟ وكم كان طول حوّا عليها السّلام ؟ فقال : وجدنا في كتاب عليّ عليه الصّلاة والسّلام أنّ الله تعالى

_________________________________

(١) بحار الانوار (١١ / ٢١٠ ـ ٢١١) ، برقم : (١٥).

(٢) في ق ٣ : وحط من ، وفي ق ١ وق ٥ والبحار : فحطّ من.

(٣) في ق ٣ : لمّا هبط من الجنة وجد في بطنه ثقل.

(٤) في ق ١ وق ٢ : تنحّ.

(٥) بحار الأنوار (١١ / ١١٣ ـ ١١٤) ، برقم : (٣٦ و ٣٧).

(٦) في ق ١ : عمراناً.

(٧) في ق ٢ وق ٣ وق ٤ : صحار.

(٨) في البحار : فتقبل.

(٩) بحار الانوار (١١ / ١٨٠) ، برقم : (٣٢) و (٩٩ / ٤٣) ، برقم : (٢٦).

(١٠) في النّسخ الخطّية : ابن محمود ، وهو من غلط النّساخ.


لمّا أهبط آدم صلوات الله عليه وزوجته عليها السّلام إلى الأرض كان رجلاه على ثنيّة الصّفا ورأسه دون أفق السّماء وأنّه شكا إلى الله تعالى ممّا يصيبه من حرّ الشّمس فصيّر طوله سبعين ذراعاً بذراعه وجعل طول حوّا خمسةً وثلاثين ذراعاً بذراعها (١).

٢٥ ـ عن ابن بابويه أخبرنا ابوأحمد هاني بن محمّد بن محمود العبدي (٢) أخبرنا أبي أخبرنا محمّد بن أحمد بن بطّة أخبرنا ابومحمّد بن عبد الوّهاب بن مخلّد أخبرنا ابوالحرث الفهري أخبرنا عبد الله بن إسماعيل ، أخبرنا عبد الرّحمن بن أبي زيد بن مسلم (٣) ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عمر بن الخطّاب قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لمّا أكل آدم عليه السّلام من الشّجرة رفع رأسه إلى السّماء ، فقال : أسألك بحقّ محمّد إلّا رحمتني ، فأوحى الله إليه ومن محمّد ؟ فقال : تبارك اسمك لمّا خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك ، فاذا فيه مكتوب : « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله » فعلمت أنّه ليس أحد أعظم عندك قدراً ممّن جعلت اسمه مع اسمك ، فاوحى الله إليه : يا آدم إنّه لآخر النّبيّين من ذرّيّتك ، فلولا محمّد ما خلقتك (٤).

٢٦ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن علي الخزّاز (٥) ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : قال آدم صلوات الله عليه : يا ربّ بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت عليّ ، فأوحى الله تعالى إليه : يا آدم وما علمك بمحمّد ؟ فقال : حين خلفتني رفعت رأسي ، فرأيتُ في العرش مكتوباً : محمّدٌ رسول الله عليٌّ أمير المؤمنين (٦).



_________________________________

(١) بحار الانوار (١١ / ١٢٦ ـ ١٢٧) ، برقم (٥٧).

(٢) في ق ٢ : العبيدي.

(٣) في البحار : الى زيد بن أسلم ، وفي اثباة الهداة : عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.

(٤) بحار الانوار (١١ / ١٨١) ، برقم : (٣٣) و (١٦ / ٣٦٧) ، برقم (٧٣). واثباة الهداة (١ / ١٩٦) ، برقم : (١٠٨).

(٥) في ق ١ وق ٣ وق ٥ : وعن الحسن بن علي الخزار.

(٦) بحار الانوار (١١ / ١٨١) ، برقم : (٣٤). واثباة الهداة (٢ / ١٣٠) ، برقم : (٥٦٢).


فصل ـ ٥ ـ

٢٧ ـ أخبرنا السّيد المرتضى بن الدّاعي ، أخبرنا جعفر الدّوريستي (١) ، عن أبيه ، عن أبي جعفر بن بابويه ، أخبرنا الحسن بن محمّد بن سعيد الكوفي ، أخبرنا فرات بن إبراهيم الكوفي ، أخبرنا الحسن بن الحسين بن محمّد ، أخبرنا إبراهيم بن الفضل ، أخبرنا الحسن بن عليّ الزّعفراني ، أخبرنا سهر بن سنان ، أخبرنا ابوجعفر بن محمّد بن عليّ الطّايفي ، أخبرنا محمّد بن عبد الله ، عن محمّد بن اسحاق ، عن الواقدي ، عن الهذيل ، عن مكحول (٢) ، عن طاوُس ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لمّا أن خلق الله تعالى آدم وقفه بين يديه فعطس ، فالهمه الله أن حمده ، فقال : يا آدم حمدتني (٣) فوعزّتي وجلالي لولا عبدان أريد أن أخلقهما في آخر الزّمان ما خلقتك (٤) قال آدم : يا ربّ بقدرهما عندك ما اسمهما (٥) ؟ فقال تعالى : يا آدم انظر نحو العرش ، فاذا بسطرين من نور ، أوّل السّطر : لا إله إلّا الله ، محمّد نبيّ الرّحمة ، وعلي مفتاح الجنّة. والسّطر الثّاني : آليت على نفسي أن أرحم من والاهما ، وأعذّب من عاداهما (٦).

٢٨ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، أخبرنا محمّد بن يحيى العطّار ، أخبرنا جعفر بن محمّد بن مالك ، أخبرنا محمّد بن عمران القرشي ، عن الحسن بن الحسين اللّؤلوئي ، عن محمّد بن إسماعيل بن يزيع ، عن الخيبري (٧) ، عن يونس بن ظبيان قال : قال ابوعبد الله صلوات الله عليه : اجتمع ولد (٨) آدم في بيت فتشاجروا ، فقال بعضهم : خير خلق الله أبونا آدم ،

_________________________________

(١) في البحار : جعفر الدودويستي.

(٢) في ق ٤ : عن الهذيل بن محكول.

(٣) في ق ٤ وق ٥ والبحار : أحمدتني.

(٤) في ق ١ : لما خلقتك.

(٥) في ق ٢ وق ٣ وق ٤ : يا ربّ بقدرهم عندك ما اسمهم ؟.

(٦) بحار الانوار (١١ / ١١٤) ، برقم : (٣٩) و (٢٧ / ٦) ، برقم (١٢).

(٧) في ق ١ : محمد بن اسماعيل بن بزيع الحميري ، وفي ق ٢ وق ٤ وق ٥ : محمد بن اسماعيل بن بزيع الجبيري ، وفي ق ٣ : ابن بزيع الخيبري. وفي البحار : عن ابن بزيع عن ابن ظبيان ، والصحيح ما أثبتناه في المتن.

(٨) في ق ٢ : أولاد.


وقال بعضهم : الملائكة المقرَّبون ، وقال بعضهم : حملة العرش. إذ دخل عليهم هبة الله ، فقال بعضهم : لقد جاءكم من يفرّج عنكم ، فسلّم ثم جلس ، فقال : في أيّ شيء كنتم ؟ فقالوا : كنّا نفكّر في خير خلق الله فاخبروه ، فقال : اصبروا لي (١) قليلاً حتّى أرجع إليكم ، فأتا أباه فقال : يا أبت إنّي دخلت على إخوتي وهم يتشاجرون في خير خلق الله ، فسألوني فلم يكن (٢) عندي ما أخبرهم ، فقلت : اصبروا حتّى أرجع إليكم ، فقال آدم صلوات الله عليه : يا بنيّ وقفت بين يدي الله جلّ جلاله ، فنظرت إلى سطر على وجه العرش مكتوب : بسم الله الرّحمن الرّحيم محمّد وآل محمّد خير من برأ الله (٣).

٢٩ ـ وعن ابن بابويه ، أخبرنا ابوجعفر محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصّفار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : الكلمات (٤) الّتي تلقّى بهنّ آدم عليه السّلام ربّه فتاب عليه ، قال : « اللّهم لا إله إلّا أنت سبحانك وبحمدك إنّي عملت سوءاً وظلمت نفسي ، فاغفر لي إنّك أنت التّواب الرّحيم ، لا إله إلّا أنت سبحانك وبحمدك عملت (٥) سوءاً وظلمت نفسي ، فاغفر لي إنّك أنت خير الغافرين » (٦).

٣٠ ـ وباسناده عن الصّفار ، عن علي بن حسّان ، عن عليّ بن عطيّة ، عن بعض من سأل أبا عبد الله عليه السّلام عن الطّيب ، قال : إنّ آدم وحوّا عليهما السّلام حين اُهبطا (٧) من الجنّة نزل آدم عليه السّلام على الصّفا وحوّا على المروة ، وانّ حوّا حلّت قرناً من قرون رأسها ، فهبّت به الرّيح فصار بالهند أكثر الطّيب (٨).

_________________________________

(١) في ق ٤ : بي.

(٢) في ق ٢ وق ٤ : فلم يك.

(٣) بحار الانوار (١١ / ١١٤) ، برقم : (٤٠) و (٢٦ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣) ، برقم : (٣٧). واثباة الهداة (١ / ٦١٤ ـ ٦١٥) ، برقم : (٦٣٥).

(٤) في ق ٣ : الكلمة.

(٥) في ق ٣ : وبحمدك اني عملت.

(٦) بحار الانوار (١١ / ١٨١) ، برقم : (٣٥). و (٩٥ / ٣٥٤) ، برقم : (٩).

(٧) في ق ٣ : أهبط ، وفي ق ٤ : حين أهبطا الى الأرض.

(٨) بحار الانوار : (١١ / ٢١١) ، برقم : (١٦).


٣١ ـ وباسناده أنّه قال في قوله تعالى : « فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ » سأله بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصّلاة والسّلام (١).

فصل ـ ٦ ـ

في كيفيّة التّناسل وخلق حوّا وقصّة ابني آدم ووفاته :

٣٢ ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن أورمة ، عن النّوفلي ، عن عليّ بن داود اليعقوبي (٢) عن مقاتل بن مقاتل ، عمّن سمع زرارة يقول : سئل ابوعبد الله عليه السّلام عن بدء النّسل من آدم صلوات الله عليه كيف (٣) كان ؟ وعن بدء النّسل من ذرية آدم ، فإنّ اُناساً عندنا يقولون : إنّ الله تعالى أوحى إلى آدم أن يزوّج بناته من بنيه ، وأنّ هذا الخلق كلّهم أصله من الاخوة والأخوات ، فمنع ذلك ابوعبد الله عليه الصّلاة والسّلام عن ذلك (٤) ، وقال : نبئت (٥) أنّ بعض البهائم تنكرت له اُخته ، فلمّا نزا عليها ونزل ثمّ علم أنّها أخته قبض على عزموله بأسنانه حتّى قطعه فخرّ ميّتاً ، وآخر تنكرت له اُمّه ففعل هذا بعينه ، فكيف بالانسان (٦) في فضله وعلمه ، غير أن جيلاً من هذه الامّة الّذين يرون أنّهم رغبوا عن علم أهل بيوتات أنبيائهم ، فأخذوه من حيث لم يؤمروا بأخذه ، فصاروا إلى ما يرون من الضّلال.

وحقّاً أقول : ما أراد من يقول هذا : إلّا تقويةً لحجج المجوس.

ثمّ أنشأ يحدّثنا (٧) كيف كان بدء النّسل ، فقال : إنّ آدم صلوات الله عليه ولد له سبعون بطناً ، فلمّا قتل قابيل هابيل جزع جزعاً قطعه عن إتيان النّساء ، فبقي لا يستطيع أن

_________________________________

(١) بحار الانوار (١١ / ١١٧) ، برقم : (٢٣).

(٢) في ق ١ : عن ابن داود اليعقوبي.

(٣) في ق ٢ : وكيف.

(٤) في ق ١ وق ٢ : من ذلك.

(٥) في ق ٤ : ثبت.

(٦) في ق ١ وق ٣ وق ٥ : الانسان.

(٧) في ق ١ وق ٤ وق ٥ : حديثاً.


يغشى حوّا خمسمائة سنة (١) ، ثمّ وهب الله له شيئاً وهو هبة الله ، وهو أوّل وصي أُوصي إليه من بني آدم في الأرض ، ثمّ وراه بعده يافث ، فلمّا أدركا وأراد الله أن يبلغ بالنّسل ما ترون أنزل بعد العصر يوم الخميس حوراء من الجنّة اسمها نزلة ، فأمر الله أن يزوّجها من شيث ، ثمّ أنزل الله بعد العصر من الغد حوراء من الجنّة اسمها منزلة ، فأمر الله آدم أن يزوّجها من يافث فزوّجها منه ، فولد (٢) لشيث غلام وليافث جارية ، فأمر الله آدم عليه السّلام حين أدركا أن يزوّج بنت يافث من ابن شيث ، ففعل فولد الصّفوة من النّبيين والمرسلين من نسلهما ومعاذ الله أن يكون ذلك ما قالوه من الإِخوة والأخوات ومناكحهما.

قال : فلم يلبث آدم صلوات الله عليه بعد ذلك إلّا يسيراً حتّى مرض (٣) فدعا شيثاً وقال : يا بنيّ إنّ أجلي قد حضر وأنا مريض فانّ ربيّ قد أنزل من سلطانه ما قد ترى ، وقد عهد إليّ فيما قد عهد أن أجعلك وصيّي (٤) وخازن ما استودعني ، وهذا كتاب الوصيّة تحت رأسي وفيه أثر العلم واسم الله الأكبر ، فاذا أنا متّ فخذ الصّحيفة وإيّاك أن يطّلع عليها أحدٌ (٥) وأن تنظر فيها إلى قابل في مثل هذا اليوم الّذي يصير إليك فيه ، وفيها جميع ما تحتاج إليه من اُمور دينك ودنياك وكان آدم صلوات الله وسلامه عليه نزل بالصّحيفة الّتي فيها الوصيّة من الجنّة.

ثمّ قال آدم لشيث صلوات الله عليهما : يا بنيّ إنّي قد اشتهيت ثمرة من ثمار الجنّة ، فاصعد إلى جبل الحديد ، فانظر من لقيته من الملائكة ، فاقرأه منّي السّلام وقل له : إنّ أبي مريض وهو يستهديكم من ثمار الجنّة ، قال : فمضى حتّى صعد إلى الجبل فاذا هو بجبرئيل في قبائل من الملائكة صلوات الله عليهم.

فبدأه جبرائيل بالسّلام ، ثم قال : إلى أين يا شيث ؟ فقال له شيث : ومن أنت يا عبد الله ؟ قال : أنا الرّوح الأمين جبرئيل ، فقال : إنّ أبي مريض وقد (٦) أرسلني إليكم ،

_________________________________

(١) في ق ٣ : عام.

(٢) في ق ٢ : فولدت.

(٣) في ق ٣ : فمرض.

(٤) في ق ٢ : وصيّاً.

(٥) في ق ٣ : أن تطلع عليها أحداً.

(٦) في ق ٢ : وهو.


وهو يقرئكم السّلام ويستهديكم من ثمار الجنّة ، فقال له جبرئيل عليه السّلام : وعلى أبيك السّلام يا شيث ، أما أنّه قد قبض (١) وإنّما نزلت لشأنه ، فعظّم الله على مصيبتك فيه أجرك (٢) وأحسن على العزاء منه صبرك ، وآنس بمكانه منك عظيم وحشتك ارجع فرجع معهم ومعهم كلّ ما يصلح به أمر آدم صلوات الله عليه وقد جاؤا به من الجنّة.

فلمّا صاروا إلى آدم كان أوّل ما صنع شيث أن أخذ صحيفة الوصيّة من تحت رأس آدم صلوات الله عليه فشدّها على بطنه فقال جبرئيل عليه السّلام : من مثلك يا شيث ؟ قد أعطاك الله سرور كرامته (٣) وألبسك لباس عافيته ، فلعمري لقد خصّك الله منه بأمر جليل.

ثم إنّ جبرئيل عليه السّلام وشيثاً أخذا في غسله ، وأراه جبرئيل كيف يغسّله حتّى فرغ منه ، ثمّ أراه كيف يكفّنه ويحنّطه حتّى فرغ ، ثمّ أراه كيف يحفر له.

ثمّ إنّ جبرئيل أخذ بيد شيث ، فأقامه للصّلاة عليه كما نقوم اليوم نحن ، ثمّ قال : كبّر على أبيك سبعين تكبيرة ، وعلّمه كيف يصنع.

ثم إنّ جبرئيل عليه السّلام أمر الملآئكة (٤) أن يصطفّوا قياماً خلف شيث كما يصطفّ (٥) اليوم خلف مصلّي على الميّت ، فقال شيث : يا جبرئيل أو يستقيم هذا لي وأنت من الله بالمكان الّذي أنت فيه ومعك (٦) عظماء الملائكة ؟ فقال جبرئيل : يا شيث ألم تعلم أنّ الله تعالى لمّا خلق أباك آدم أوقفه بين الملائكة وأمرنا بالسّجود له ، فكان إمامنا ليكون ذلك سنّة في ذرّيّته ، وقد قبضه الله اليوم وأنت وصيّه ووارث علمه وأنت تقوم مقامه ، فكيف نتقدمك وأنت إمامنا ؟ فصلّى بهم عليه (٧) كما أمره.

ثمّ أراه كيف يدفنه ، فلمّا فرغ من دفنه وذهب جبرئيل ومن معه ليصعدوا من حيث

_________________________________

(١) في ق ٣ : قد قضى.

(٢) في ق ٢ : فعظم على الله مصيبتك فيه آجرك الله.

(٣) في ق ٢ : سروراً وكرامة.

(٤) في ق ٣ : ثم أمر جبرئيل الملائكة.

(٥) في ق ١ وق ٣ : كما نصطف.

(٦) في ق ٢ : وأنت بالمكان الذي أنت ومعك.

(٧) في ق ٣ : بهم عليه السّلام ، والصّحيح : بهم عليه عليه السّلام.


جاؤا. بكى (١) شيث ونادى يا وحشتا فقال له جبرئيل : لا وحشة عليك مع الله تعالى يا شيث ، بل نحن نازلون عليك بأمر ربك وهو يؤنسك فلا تحزن ، وأحسن ظنّك بربّك ، فانّه بك لطيف وعليك شفيق.

ثمّ صعد جبرئيل ومن معه ، وهبط قابيل من الجبل وكان على الجبل هارباً من أبيه آدم صلوات الله عليه أيّام حياته لا يقدر أن ينظر إليه فلقى شيثاً ، فقال يا شيث : إنّي إنّما قتلت هابيل أخي لأنّ قربانه تُقبّل ولم يُتقبّل قرباني ، وخفت أن يصير بالمكان الّذي قد صرت أنت اليوم (٢) فيه وقد صرت بحيث أكره ، وإن تكلّمت بشيء ممّا عهد إليك به أبي لأقتلنّك (٣) كما قتلت هابيل.

قال زرارة : ثم قال ابوعبد الله عليه السّلام ـ وأومأ بيده إلى فيه (٤) ، فأمسكه يعلّمنا أي هكذا أنا ساكت ـ : فلا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة معشر (٥) شيعتنا ، فتمكّنوا عدوّكم من رقابكم ، فتكونوا عبيداً لهم بعد إذ أنتم أربابهم وساداتهم ، فانّ في التّقيّة منهم لكم ردّاً عمّا قد أصبحوا فيه من الفضائح بأعمالهم الخبيثة علانية ، ولا يرى (٦) منكم من يبعّدكم عن المحارم وينزّهكم عن الأشربة السّوء والمعاصي وكثرة الحجّ والصّلاة وترك كلامهم (٧).

٣٣ ـ وقال زرارة : سئل [ أبو جعفر عليه السّلام ] (٨) عن خلق حوّا ، وقيل : إنّ اُناساً عندنا يقولون : إن الله خلق حوّا من ضلع آدم الأيسر الأقصى ، قال : سبحان الله إنّ الله لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجته (٩) من غير ضلعه ؟ ولا يكون لمتكلم أن يقول : ان آدم كان ينكح بعضه بعضاً ؟

_________________________________

(١) في ق ٣ : فبكى.

(٢) في ق ٣ : الذي أنت اليوم.

(٣) في ق ٣ : لاقتلك.

(٤) في ق ٢ وق ٣ وق ٤ : فمه.

(٥) في ق ٣ : معاشر.

(٦) في ق ١ وق ٣ : ولا يرون ، وفي البحار : وما يرون.

(٧) بحار الانوار (١١ / ٢٦٢ ـ ٢٦٤) ، برقم : (١١).

(٨) الزّيادة من ق ١ فقط.

(٩) في ق ٢ : ما لا يخلق لآدم من زوجة ، وفي ق ٣ : إنّ الله له من القدرة ما يخلق لآدم.


ثم قال : ان الله تعالى لما خلق آدم وأمر الملائكة فسجدوا له (١) ألقى عليه السّبات ، ثم ابتدع له خلق حوّا ، ثم جعلها في موضع النقرة (٢) الّتي بين وركيه ، وذلك لكي تكون المرأة تبعاً للرّجل (٣) ، فاقبلت تتحرك فانتبه لتحركها ، فلمّا انتبه نودي أن تنحّي عنه ، فلمّا نظر إليها نظر الى خلق حسن يشبه صورته غير أنّها اُنثى ، فكلّمها وكلمته بلغته ، فقال لها من أنت ؟ فقال : أنا خلق خلقني الله تعالى كما ترى.

فقال آدم عند ذلك : يا ربّ ما هذا الخلق الحسن الّذي قد آنسني قربه والنّظر اليه ؟ فقال الله تعالى : يا آدم هذه أمتي حوّا ، أفتحبّ (٤) أن تكون معك فتؤنسك وتحدّثك وتكون تابعة لأمرك ؟ فقال : نعم يا ربّ لك عليّ بذلك الحمد والشكر ما بقيت.

قال : فاخطبها إليّ فانّها أمتي (٥) وقد تصلح لك زوجة للشهوة ، والقى الله عليه الشّهوة ، وقد علمه قبل ذلك المعرفة بكلّ شيء فقال : يا ربّ إنّي أخطبها اليك فما رضاك لذلك لي ؟ فقال : مرضاتي (٦) أن تعلمها معالم ديني ، فقال : ذلك لك يا ربّ إن شئت ذلك لي ، فقال : فقد شئت ذلك وقد (٧) زوّجتكها فضُمّها إليك ، فقال لها آدم : إليّ فاقبلي ، فقالت : بل أنت. فأمر الله آدم أن يقوم اليها فقام ، ولولا ذلك لكنّ النّساء يذهبن إلى الرّجال (٨).

فصل ـ ٧ ـ

( في نحو ذلك )

٣٤ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، أخبرنا سعد بن عبد الله ، عن ابن أبي عمير ، عن

_________________________________

(١) في ق ٢ : وأمر الملائكة بالسّجود له.

(٢) في ق ٢ : المنقرة.

(٣) في ق ١ وق ٤ : للرّجال.

(٤) في ق ١ وق ٣ : فتحب.

(٥) في ق ١ وق ٣ وق ٤ : أنثى.

(٦) في ق ٣ : رضائي.

(٧) في ق ١ : فقال قد شئت وقد.

(٨) لم ينقل العلامة المجلسي هذا الخبر في البحار عن القصص ، إلّا أنه موجود فيه ضمن خبر رواه عن العلل في (١١ / ٢٢٠ ـ ٢٢١) غير أن زرارة رواه عن أبي عبد الله عليه السّلام.


علي بن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين صلوات الله عليهما قال : ان ابن آدم حين قتل أخاه قتل شرهما خيرهما ، فوهب الله تعالى لآدم ولداً ، فسمّاه هبة الله وكان وصيّه ، فلمّا حضرت آدم صلوات الله عليه وفاته (١) ، قال : يا هبة الله قال : لبيك قال : انطلق الى جبرئيل فقل : إنّ أبي آدم يقرؤك السّلام ويستطعمك من طعام الجنّة وقد اشتاق الى ذلك ، فخرج هبة الله ، فاستقبله جبرئيل عليه السلام ، فأبلغه [ رسالة ] (٢) ما أرسله به أبوه اليه ، فقال له جبرئيل عليه السلام : رحم الله أباك ، فرجع هبة الله وقد قبض الله تعالى آدم عليه السلام ، فخرج به هبة الله وصلّى عليه ، وكبّر عليه خمساً (٣) وسبعين تكبيرة سبعين لآدم وخمساً لأولاده من بعده (٤).

٣٥ ـ وبهذا الاسناد عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام قال : ان ابن آدم حين قتل أخاه لم يدر كيف يقتله حتى جاء ابليس فعلّمه ، قال : ضع رأسه بين حجرين ثمّ (٥) اشدخه (٦).

٣٦ ـ وعن ابن بابويه حدثني محمد بن علي بن ماجيلويه ، حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن ابن أورمة ، عن عمر بن عثمان ، عن العبقري ، عن أسباط ، عن رجل حدثه عن علي بن الحسين صلوات الله عليه : أن طاوُساً ، قال في المسجد الحرام : أوّل دم وقع على الارض دم هابيل (٧) ، وهو يومئذٍ قتل ربع الناس ، وقال له زين العابدين عليه الصلاة والسلام : ليس كما قال (٨) ، إنّ أوّل دم وقع على الأرض دم حوّا حين حاضت ، يومئذ قتل سدس النّاس ، كان يومئذ آدم وحوّا وقابيل وهابيل وأختاه بنتين كانتا.

_________________________________

(١) في ق ٢ وق ٣ : حضر آدم الوفاة ، وفي ق ٤ : وحضر آدم وفاته.

(٢) الزيادة من ق ٢.

(٣) في ق ٢ : فصلّى عليه وكبّر خمساً.

(٤) بحار الانوار (١١ / ٢٦٤) ، برقم : (١٢).

(٥) في ق ٣ : ثم أخدشه. والشدخ والخدش واحد عكساً ومفهوماً.

(٦) بحار الانوار (١١ / ٢٣٨) ، برقم : (٢٣).

(٧) في البحار : دم هابيل حين قتله قابيل.

(٨) في ق ٢ : وليس كما قال ، وفي ق ٣ : ليس كما قلت.


ثم قال صلوات الله عليه : هل تدري ما صنع بقابيل ؟ فقال القوم : لا ندري ، فقال : وكّل الله به ملكين يطلعان به مع الشّمس إذا طلعت ، ويغربان به مع الشمس اذا غربت ، وينضجانه (١) بالماء الحار مع حر الشمس حتى تقوم الساعة (٢).

٣٧ ـ وبهذا الاسناد عن ابن أورمة ، عن الحسن بن علي ، عن ابن بكير ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : إنّ بالمدينة لرجلاً أتى المكان الذي فيه ابن آدم عليه السلام فرآه معقولاً معه عشرة موكلون به ، يستقبلون بوجهه الشّمس حيث ما دارت في الصّيف ، ويوقدون حوله النّار ، فاذا كان الشّتاء يصبّوا عليه الماء البارد ، وكلّما هلك رجل من العشرة أخرج أهل القرية رجلاً ، فقال له : يا عبد الله ما قصّتك لأيّ شيء ابتليت بهذا ؟ فقال : لقد سألتني من مسألة ما سألني أحد عنها قبلك ، إنّك أكيس النّاس ، وإنّك لأحمق النّاس (٣).

٣٨ ـ وبهذا الاسناد عن ابن أورمة ، عن عبد الله بن محمد ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كانت الوحوش والطّير (٤) والسّباع وكل شيء خلقه الله تعالى مختلطاً بعضه ببعض ، فلما قتل ابن آدم أخاه نفرت وفزعت ، فذهب كلّ شيء إلى شكله (٥).

فصل ـ ٨ ـ

٣٩ ـ وباسناده عن الصّفار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن اسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو ، عن عبد الحميد بن أبي الديلم ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : كان هابيل راعي الغنم (٦) وكان قابيل حرّاثاً فلمّا بلغا قال لهما آدم

_________________________________

(١) في ق ٢ : وينضحانه.

(٢) بحار الانوار (١١ / ٢٣٨) ، برقم : (٢٤).

(٣) بحار الانوار (١١ / ٢٣٩) ، برقم : (٢٥) ، وأفاد العلامة المجلسي رحمه الله في ذيله : كونه أكيس الناس لانه سأل عما لم يسأل عنه أحد ، وكونه أحمق الناس لأنّه سأل ذلك رجلاً لم يؤمر ببيانه.

(٤) في ق ١ : والطّيور.

(٥) بحار الانوار (١١ / ٢٣٦) ، برقم : (١٧).

(٦) في ق ١ : راعي غنم.


عليه السّلام : إني أحبّ أن تقرّبا إلى الله قرباناً لعلّ الله يتقبّل منكما ، فانطلق هابيل إلى أفضل كبش في غنمه ، فقرّبه التماساً لوجه الله ومرضاة أبيه ، فأمّا قابيل فانّه قرّب الزّوان الذي يبقى في البيدر الذي لا تستطيع البقر أن تدوسه ، فقرّب ضغثاً منه لا يريد به وجه الله تعالى ولا رضى أبيه ، فقبل الله قربان هابيل وردّ على قابيل قربانه.

فقال إبليس لقابيل : إنّه (١) يكون لهذا عقب يفتخرون على عقبك بأن قبل قربان أبيهم ، فاقتله حتى لا يكون له عقب ، فقتله فبعث الله تعالى جبرئيل فأجنّه (٢) ، فقال قابيل : يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب يعني به مثل هذا الغريب الذي لا أعرفه جاء ودفن أخي ولم أهتد لذلك ، ونودي قابيل من السّماء لُعنت لما قتلت أخاك ، وبكى آدم عليه السلام على هابيل أربعين يوماً وليلةً (٣).

٤٠ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، أخبرنا علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : لمّا أوصى آدم صلوات الله عليه الى هابيل ، حسده قابيل فقتله ، فوهب الله تعالى لآدم هبة الله ، وأمره أن يوصي اليه وأمره أن يكتم ذلك ، قال : فجرت السّنة بالكتمان في الوصيّة (٤) ، فقال قابيل لهبة الله : قد علمت أنّ أباك قد أوصى اليك ، فان أظهرت ذلك أو نطقت بشيء منه لاقتلنّك كما قتلت أخاك (٥).

٤١ ـ وعن ابن بابويه ، أخبرنا محمد بن موسى بن المتوكل ، أخبرنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن حبيب السّجستاني ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : لما قرّب ابنا آدم صلوات الله عليه القربان ، فتُقبّل من هابيل ولم يُتقبّل من قابيل (٦) ، دخل قابيل من ذلك حسد

_________________________________

(١) في ق ٢ : ان.

(٢) في ق ٢ : فأخبه.

(٣) بحار الانوار (١١ / ٢٣٩ ـ ٢٤٠) ، برقم : (٢٨).

(٤) في ق ٢ : في أي وصية.

(٥) بحار الانوار (١١ / ٢٤٠) ، برقم : (٢٩).

(٦) في ق ٢ : فقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر.


شديد ، وبغى قابيل على هابيل ، فلم يزل يرصده ويتبع خلواته حتّى خلا به متنحياً عن آدم عليه السلام ، فوثب عليه فقتله ، وكان من قصتهما ما قد بيّنه الله في كتابه من المحاورة قبل ان يقتله (١).

٤٢ ـ وبهذا الاسناد عن محمد بن الحسن ، أخبرنا محمد بن الحسن ، أخبرنا محمد بن الحسن بن متّيل ، أخبرنا محمد بن الحسن ، أخبرنا محمد بن سنان ، عن اسماعيل بن جابر وكرام بن عمر ، وعن عبد الحميد بن أبي الديلم ، عن أبي عبد الله الصادق صلوات الله عليه قال : أوحى الله تعالى إلى آدم صلوات الله عليه : أنَّ قابيل عدوّ الله قتل أخاه ، وإنّي أعقبك منه (٢) غلاماً ، يكون خليفتك ويرث علمك ، ويكون عالم الارض وربانيّها بعدك ، وهو الّذي يدعى في الكتب شيثاً ، وسماه أبا محمد هبة الله ، وهو اسمه بالعربية ، وكان آدم عليه السلام بشّر بنوح صلوات الله عليه وقال : انه سيأتي نبيّ من بعدي اسمه نوح ، فمن بلغه منكم فليسلّم له ، فانّ قومه يهلكون بالغرق إلّا من آمن به وصدّقه (٣) ما قيل لهم وما أُمروا به (٤).

فصل ـ ٩ ـ

٤٣ ـ وبالاسناد المذكور عن حبيب السّجستاني ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : لما علم آدم صلوات الله عليه بقتل هابيل جزع عليه جزعاً شديداً [ عظيماً ] (٥) فشكا ذلك الى الله تعالى ، فأوحى الله تعالى اليه أنّي واهب لك ذكراً يكون خلفاً من هابيل فولدته حوّا ، فلما كان اليوم السّابع (٦) سماه آدم عليه السّلام شيثاً ، فأوحى الله تعالى إليه : يا آدم إنما هذا الغلام هبة منيّ إليك فسمّه هبة الله ، فسمّاه آدم به ، فلمّا جاء وقت وفاة آدم صلوات

_________________________________

(١) بحار الانوار (١١ / ٢٤٠ ـ ٢٤١) ، برقم : (٣٠).

(٢) في ق ٢ وق ٤ : أعقبك عنه ، وفي ق ٣ : أعقبتك منه.

(٣) في ق ٢ : وصدق ، وفي البحار : وصدقه فيما.

(٤) بحار الانوار (١١ / ٢٦٤) ، برقم : (١٣).

(٥) الزيادة من ق ٣.

(٦) في ق ٢ : فلما كان في اليوم التاسع.


الله عليه أوحى الله تعالى إليه أنّي متوفيك ، فأوص الى خير ولدك ، وهو هبتي الّذي وهبته لك فأوص اليه وسلِّم اليه ما علمتك من الأسماء ، فانّي أحبّ أن لا تخلو الأرض من عالم يعلم علمي ويقضي بحكمي ، أجعله حجّة لي على خلقي ، فجمع آدم صلوات الله عليه ولده جميعاً من الرّجال والنّساء.

ثمَّ قال لهم : يا ولدي أنّ الله أوحى إليّ : إنّي متوفّيك وأمرني أن أوصي الى خير ولدي وأنّه هبة الله ، وأنّ الله اختاره لي ولكم من بعدي ، فاسمعوا له وأطيعوا أمره ، فانّه وصيّتي وخليفتي عليكم ، فقالوا جميعاً : نسمع له ونطيع أمره ولا نخالفه.

قال : وأمر آدم صلوات الله عليه بتابوت ، ثم جعل فيه علمه والأسماء والوصيّة ، ثمّ دفعه الى هبة الله ، فقال له : انظر اذا أنا متّ يا هبة الله فاغسلني (١) وكفّني وصلّ عليّ وأدخلني حفرتي ، واذا حضرت وفاتك وأحسست بذلك من نفسك ، فالتمس خير ولدك وأكثرهم لك صحبةً وأفضلهم ، فأوص إليه بما أوصيت به إليك ، ولا تدع الأرض بغير عالم منّا أهل البيت ، يا بنيّ : إنّ الله تعالى أهبطني إلى الارض ، وجعلني خليفة فيها وحجة له على خلقه ، وجعلتك حجّة الله (٢) في أرضه من بعدي ، فلا تخرجنّ من (٣) الدّنيا حتّى تجعل لله حجّة على خلقه ووصيّاً من بعدك ، وسلّم إليه التّابوت وما فيه كما سلّمت (٤) إليك ، وأعلمه أنه سيكون من ذرّيّتي رجل نبيّ اسمه نوح يكون في نبوّته الطّوفان والغرق ، وأوص وصيّك أن يحتفظ (٥) بالتّابوت وبما فيه ، فاذا حضرته وفاته (٦) فمره أن يوصي الى خير ولده وليضع كلُّ وصيّي وصيته في التّابوت ، وليوص بذلك بعضهم الى بعض ، فمن أدرك منهم نبوة نوح ، فليركب معه وليحمل التّابوت وما فيه إلى فلكه ولا يتخلف عنه واحد ، واحذر يا هبة الله وأنتم يا ولدي الملعون قابيل.

_________________________________

(١) في ق ٢ وق ٣ : فغسلني.

(٢) في ق ٢ : حجة الله.

(٣) في ق ٢ : فلا تخرجوا من.

(٤) في ق ٥ : سلمته.

(٥) في ق ٢ : أن يحفظ ، وفي ق ٣ : أن يتحفظ.

(٦) في ق ٢ : الوفاة.


فلمّا كان اليوم الذي أخبره الله أنّه متوفيه تهيّأ آدم صلوات الله عليه للموت وأذعن به ، فهبط ملك الموت فقال آدم : أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّي عبد الله (١) وخليفته في أرضه ، ابتدأني باحسانه (٢) ، وأسجد لي ملائكته وعلّمني الاسماء كلّها ، ثم أسكنني جنته ولم يكن جعلها لي دار قرار ولا منزل استيطان ، وإنما خلقني لأسكن الأرض الذي أراد من التقدير والتدبير.

وقد كان نزل جبرئيل صلوات الله عليه بكفن آدم من الجنة والحنوط والمسحاة (٣) معه قال : ونزل مع جبرئيل سبعون ألف ملك صلوات الله عليهم ليحضروا جنازة آدم عليه السلام ، فغسله هبة الله وجبرئيل صلوات الله عليهما وكفنه وحنطه ، ثم قال جبرئيل لهبة الله : تقدم فصلّ على أبيك وكبّر عليه خمساً وسبعين تكبيرة ، فحضرت الملائكة ثم أدخلوه حفرته.

فقام هبة الله في ولد أبيه بطاعة الله تعالى ، فلمّا حضرته وفاته أوصى إلى ابنه قينان وسلّم إليه التّابوت ، فقام قينان في إخوته وولد أبيه بطاعة الله تعالى وتقدّس ، فلمّا حضرته الوفاة أوصى الى ابنه يزد وسلّم إليه التّابوت وجميع ما فيه ، وتقدّم إليه في نبوة نوح صلوات الله عليه ، فلمّا حضرت وفاة يزد أوصى إلى ابنه أخنوخ ـ وهو ادريس ـ وسلم اليه التابوت وجميع ما فيه والوصية ، فقام أخنوخ به ، فلما قرب أجله أوحى الله تعالى اليه أنّي رافعك الى السماء ، فأوص الى ابنك خرقاسيل (٤) ، ففعل ، فقام خرقاسيل (٥) بوصية أخنوخ ، فلمّا حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه نوح وسلم اليه التابوت ، فلم يزل التّابوت عند نوح حتى حمله معه في سفينته ، فلما حضرته الوفاة أوصى الى ابنه سام وسلّم إليه التّابوت وجميع ما فيه (٦).

فصل ـ ١٠ ـ

٤٤ ـ أخبرنا السّيد ابوحرب بن المجتبى بن الدّاعي الحسني (٧) ، أخبرنا

_________________________________

(١) في ق ٢ : اني عبده.

(٢) في ق ٣ : واجتباني.

(٣) في ق ٣ : والماء.

(٤ ـ ٥) في ق ١ وق ٤ : خرقائيل.

(٦) بحار الانوار (١١ / ٢٦٤ ـ ٢٦٦) ، برقم : (١٤).

(٧) هكذا في جميع النّسخ المخطوطة وموضع في الرياض (٢ / ٤٣٥) وفي موضعين منه (٤٢٩ و ٤٣٤) وأيضاً في أمل الآمل (٢ / ٢٢٧) عن فهرس منتجب الدين : ابوحرب المجتبى بن الداعي (بن القاسم) الحسني وهذا هو الصّحيح.


الدّوريستي (١) عن أبيه ، عن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن الحسن ، أخبرنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، الحسن بن علي ، عن عمر (٢) ، عن أبان بن عثمان ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : أرسل (٣) آدم ابنه الى جبرئيل عليه السلام فقال له : يقول لك أبي : أطعمني من زيت الزّيتون التي في موضع كذا وكذا من الجنّة ، فلقيه جبرئيل عليه السلام ، فقال له : ارجع إلى أبيك فقد قبض وأمرنا باجهازه والصّلاة عليه.

قال : فلمّا جهّزوه (٤) قال جبرئيل عليه السّلام : تقدّم يا هبة الله ، فصلّ على أبيك ، فتقدّم وكبّر عليه خمساً وسبعين تكبيرة سبعين تفضيلاً (٥) لآدم عليه السّلام وخمساً للسنّة.

قال : وآدم عليه السّلام لم يزل يعبد الله بمكة حتّى إذا أراد أن يقبضه بعث (٦) اليه الملائكة معهم سرير وحنوط وكفن من الجنّة ، فلما رأت حوّا عليها السلام الملائكة ذهبت لتدخل بينه وبينهم ، فقال لها آدم : خلّي بيني وبين رسل ربّي ، فقبض ، فغسلوه بالسدر والماء ، ثمّ لحّدوا قبره وقال : هذا سنّة ولده من بعده فكان عمره منذ خلقه الله تعالى إلى أن قبضه سبعمائة وستاً وثلاثين سنة ودفن بمكّة ، وكان بين آدم ونوح صلوات الله عليهما ألف وخمسمائة سنة (٧).

٤٥ ـ وبهذا الاسناد عن محمّد بن الحسن ، حدّثنا محمد بن الحسن الصّفار ، حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، حدّثنا محمّد بن سنان عن اسماعيل بن جابر ، عن عبد الحميد بن أبي الديلم ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : قبض (٨) آدم صلوات

_________________________________

(١) هو الشّيخ ابوعبد الله جعفر بن محمّد بن أحمد بن العباس الدوريستي معاصر للشّيخ الطّوسي تغرض له في رجاله ص (٤٥٩) ووثّقه.

(٢) في ق ٣ : عن عمّه ، وفي ق ٥ : عن عمر بن عثمان.

(٣) في ق ٢ وق ٤ : لما أرسل.

(٤) في ق ٣ : فلما جهزه.

(٥) في ق ٢ وق ٣ : تفضلا.

(٦) في ق ٣ : اذا أراد أن يقبضه فبعث.

(٧) بحار الانوار (١١ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧) ، برقم : (١٥).

(٨) في ق ٢ وق ٤ : لما قبض.


الله عليه وكبّر عليه ثلاثين (١) تكبيرة ، فرفع خمس وعشرون ، بقي السنّة علينا خمساً ، وكان رسول الله صلّى عليه وآله وسلم يكبّر على أهل بدر سبعاً وتسعاً (٢).

٤٦ ـ وبهذا الاسناد عن ابن أبي الديلم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ان قابيل أتى هبة الله عليه السلام ، فقال : ان أبي قد أعطاك العلم الذي كان عنده ، وأنا كنت أكبر منك وأحق به منك ، ولكن قتلت ابنه فغضب عليّ فآثرك بذلك العلم عليّ وأنّك والله إن ذكرت شيئاً ممّا عندك من العلم الّذي ورثك أبوك لتتكبّر به عليّ ولتفتخر عليّ لاقتلنّك كما قتلت أخاك.

فاستخفى هبة الله بما عنده من العلم لينقضي دولة قابيل ، ولذلك يسعنا في قومنا التّقية ، لانّ لنا في ابن آدم أُسوة ، قال : فحدّث هبة الله ولده بالميثاق سرّاً ، فجرت والله السّنة بالوصيّة (٣) من هبة الله في ولده ، ومن يتّخذه يتوارثونها عالم بعد عالم ، وكانوا يفتحون الوصيّة كلّ سنة يوماً فيحدّثون أنّ أباهم قد بشّرهم بنوح عليه السّلام.

قال : وإنّ قابيل لمّا رأى النّار الّتي قبلت قربان هابيل ظنَّ قابيل أنّ هابيل كان يعبد تلك النار ولم يكن له علم بربّه ، فقال قابيل : لا أعبد النار التي عبدها هابيل ، ولكن أعبد ناراً وأقرب قرباناً لها فبنى بيوت النيران (٤).

٤٧ ـ وعن ابن بابويه ، حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل ، حدثنا محمّد ابن أبي عبد الله الكوفي ، حدثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد ، عن علي بن سالم ، عن أبيه ، عن أبي بصير قال : كان ابوجعفر الباقر عليه الصّلاة والسّلام جالساً في الحرم وحوله عصابة من أوليائه اذ أقبل طاوُس اليماني في جماعة ، فقال من صاحب الحلقة ؟ قيل : محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : إيّاه أردت ، فوقف بحياله وسلّم وجلس.

_________________________________

(١) في ق ١ : ثلاثون.

(٢) البحار ، الجزء (١١ / ٢٦٧) ، برقم : (١٦). والجزء (١٩ / ٣٢٠) ، برقم : (٧٣).

(٣) والله الوصيّة : ق ١.

(٤) بحار الانوار (٣ / ٢٤٩) من قوله : قال : وإنّ قابيل ، إلى آخره. و (١١ / ٢٤١) ، برقم : (٣١) أورد فيه تمام الخبر و (٧٥ / ٤١٩) ، برقم : (٧٤). ذكر فيه من صدره إلى قوله : أسوة.


ثمّ قال : أتأذن لي في السّؤال ؟ فقال الباقر عليه السلام : قد آذنّاك فسل قال : أخبرني بيوم هلك ثلث النّاس فقال : وهمت يا شيخ أردت أن تقول : ربع النّاس وذلك يوم قتل قابيل هابيل ، كانوا أربعة : قابيل ، وهابيل ، وآدم ، وحوّا عليهم السّلام ، فهلك ربعهم ، فقال : أصبت ووهمت أنا ، فأيّهما كان الاب للنّاس القاتل أو المقتول ؟ قال : لا واحد منهما ، بل أبوهم شيث ابن آدم عليهما السّلام (١).

فصل ـ ١١ ـ

( في مبتدأ الأصنام )

٤٨ ـ عن محمد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، حدثنا محمّد بن النّعمان الأحول ، عن يزيد بن معاوية (٢) قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول في مسجد النّبي صلى الله عليه وآله وسلم : إنّ إبليس اللّعين هو أوّل من صوّر صورةً على مثال آدم عليه السّلام ليفتن به النّاس ويضلّهم عن عبادة الله تعالى ، وكان ودّ في ولد قابيل ، وكان خليفة قابيل على ولده وعلى من بحضرتهم في سفح الجبل يعظّمونه (٣) ويسوّدونه ، فلمّا أن مات ودّ جزع عليه اخوته وخلّف عليهم ابناً يقال له : سواع فلم يغن غنا أبيه منهم (٤) ، فأتاهم إبليس في صورة شيخ فقال : قد بلغني ما أصبتم به من موت ودّ وعظيمكم ، فهل لكم فيَّ أن أصوّر لكم على مثال ودّ صورةً تستريحون إليها وتأنسون بها ؟ قالوا : افعل ، فعمد الخبيث إلى الآنك فاذابه حتّى صار مثل الماء.

ثمّ صوّر لهم صورةً مثال ودّ في بيته ، فتدافعوا على الصّورة يلثمونها ويضعون خدودهم عليها ويسجدون لها ، وأحبّ سواع أن يكون التعظيم والسّجود له ، فوثب على صورة ودّ ، فحكّها حتّى لم يدع منها شيئاً وهمّوا بقتل سواع ، فوعظهم وقال : أنا أقوم لكم بما كان يقوم

_________________________________

(١) بحار الانوار (١١ / ٢٤١ ـ ٢٤٢) ، برقم : (٣٢) و (٤٦ / ٣٥٤ ـ ٣٥٥) ، برقم : (٨).

(٢) في ق ٤ والبحار : بريد بن معاوية.

(٣) في ق ٣ : وكانوا يعظّمونه.

(٤) في ق ٢ : عنه.


به ودّ ، وأنا ابنه ، فان قتلتموني لم يكن لكم رئيس ، فمالوا الى سواع بالطّاعة والتّعظيم.

فلم يلبث سواع أن مات وخلّف ابناً يقال له : يغوث فجزعوا على سواع فأتاهم إبليس وقال : أنا الّذي صوّرت لكم صورة ودّ ، فهل لكم أن أجعل لكم مثال سواع ؟ على وجه لا يستطيع أحدٌ أن يغيّره قال : فافعل ، فعمد الى عود فنجّره ونصبه لهم في منزل سواع ، وإنّما سمّي ذلك العود خلافاً ، لأنّ إبليس عمل صورة سواع على خلاف صورة ودّ قال : فسجدوا له وعظّموه وقالوا ليغوث : ما نأمنك على هذا الصّنم أن تكيده كما كاد أبوك مثال ودّ ، فوضعوا على البيت حُرّاساً وحجّاباً (١) ، ثم كانوا يأتون الصّنم في يوم واحد ويعظّمونه أشدّ ما كانوا يعظّمون سواعاً ، فلمّا رآى ذلك يغوث قتل الحرسة والحجاب ليلاً وجعل الصّنم رميماً ، فلما بلغهم ذلك أقبلوا ليقتلوه فتوارى منهم (٢) إلى أن طلبوه ورأّسوه وعظّموه.

ثمّ مات وخلّف ابناً يقال له : يعوق فأتاهم إبليس ، فقال : قد بلغني موت يغوث وأنا جاعل لكم مثاله في شيء لا يقدر أحدٌ أن يغيّره قالوا : فافعل ، فعمد الخبيث إلى حجر جرع (٣) أبيض ، فنقره بالحديد حتّى صوّر لهم مثال يغوث ، فعظّموه أشدّ ما مضى (٤) ، وبنوا عليه بيتاً من حجر ، وتبايعوا أن لا يفتحوا باب ذلك البيت إلّا في رأس كلّ سنة ، وسُميّت البيعة يومئذ ، لانّهم تبايعوا وتعاقدوا عليه ، فاشتدّ ذلك على يعوق ، فعمد إلى ريطة (٥) وخلق فألقاها في الحاير ثمّ رماها بالنّار ليلاً ، فأصبح القوم وقد احترق البيت والصّنم والحرس وأرفض الصنم ملقى ، فجزعوا وهمّوا بقتل يعوق ، فقال لهم : إن قتلتم رئيسكم فسدت أموركم (٦) فكفّوا.

فلم يلبث أن مات يعوق ، خلّف ابناً يقال له : نسراً ، فأتاهم إبليس فقال : بلغني موت عظيمكم ، فأنا جاعل لكم مثال (٧) يعوق في شيء لا يبلى ، فقالوا : افعل فعمد إلى

_________________________________

(١) في ق ١ وق ٥ : وحجبا.

(٢) في ق ٢ : عنهم.

(٣) في ق ٤ : حجر جزع ، وفي البحار : إلى حجر أبيض.

(٤) في البحار : مما مضى.

(٥) في ق ١ : الريطة.

(٦) في ق ٣ : أفسدتم أمركم.

(٧) في ق ٢ : مثل.


الذّهب وأوقد عليه النّار حتّى صار كالماء ، وعمل مثالاً من الطّين على صورة يعوق ، ثم أفرغ الذّهب (١) فيه ، ثمّ نصبه لهم في ديرهم ، واشتدَّ ذلك على نسر ولم يقدر على دخول تلك الدّير ، فانحاز عنهم في فرقة (٢) قليلة من اخوته يعبدون نسراً ، والأخرون يعبدون الصّنم.

حتّى مات نسر وظهرت نبوّة إدريس ، فبلغه حال القوم وأنّهم يعبدون جسماً على مثال يعوق وأنّ نسراً كان يعبد من دون الله ، فصار اليهم بمن معه حتى نزل مدينة نسر وهم فيها ، فهزمهم وقتل من قتل وهرب من هرب ، فتفرّقوا في البلاد ، وأمروا بالصّنم فحمل وألقي في البحر ، فاتخذت كلّ فرقة منهم صنماً وسمّوها بأسمائهم ، فلم يزالوا بعد ذلك قرناً بعد قرن لا يعرفون إلّا تلك الاسماء.

ثمّ ظهرت نبوّة نوح عليه السلام ، فدعاهم إلى عبادة الله وحده وترك ما كانوا يعبدون من الاصنام ، فقال بعضهم : لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودّاً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً (٣).

فصل ـ ١٢ ـ

٤٩ ـ عن ابن بابويه ، حدّثنا ابوالحسن علي بن عبد الله بن أحمد الأسواري ، حدّثنا علي بن أحمد البردعي ، حدّثنا محمّد عن محمد بن ميمون (٤) عن الحسن ، عن أبيّ بن كعب ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إنّ أباكم كان طوّالاً كالنّخلة السحوق ستين ذراعاً (٥).

٥٠ ـ وعن ابن بابويه ، حدثنا ابوعبد الله محمّد بن شاذان ، حدّثنا محمّد بن محمّد بن الحرث الحافظ ، حدّثنا صالح بن سعيد التّرمذي ، عن عبد المنعم بن إدريس ، عن أبيه ، عن وهب بن منبّه اليماني أنّ الله تعالى خلق (٦) حوّا من فضل طينة آدم على صورته ، وكان

_________________________________

(١) في ق ٣ : أفرغ عليه الذهب.

(٢) في ق ٢ : في قرية.

(٣) بحار الانوار (٣ / ٢٥٠ ـ ٢٥٢) ، برقم : (٨) ، سورة نوح : ٢٣.

(٤) في ق ٤ : حدثنا محمد بن محمد بن ميمون ، وفي ق ٢ وق ٣ : حدثنا محمد بن ميمون.

(٥) بحار الانوار (١١ / ١١٥) ، برقم : (٤١).

(٦) في ق ٢ : لما خلق.


ألقى عليه النّعاس وأراه ذلك في منامه ، وهي أوّل رؤيا كانت في الارض ، فانتبه وهي جالسة عند رأسه ، فقال عزّ وجلّ : يا آدم ما هذه الجالسة ؟ قال : الرّؤيا التي أريتني في منامي فأنس وحمد الله تعالى ، فأوحى الله تعالى إلى آدم : إنّي (١) أجمع لك العلم كلّه في أربع (٢) كلمات : واحدة لي ، وواحدة لك ، وواحدة فيما بيني وبينك ، وواحدة فيما بينك وبين النّاس.

فأمّا الّتي لي فتعبدني ولا تشرك بي شيئاً ، وأمّا الّتي لك فأجزيك بعملك أحوج ما تكون إليه ، وأمّا الّتي فيما بيني وبينك ، فعليك الدّعاء وعليّ الاجابة ، وأمّا الّتي فيما بينك وبين النّاس ، فترضى للنّاس ما ترضى لنفسك.

وكان مهبط آدم صلوات الله عليه على جبل في مشرق أرض الهند (٣) يقال له : باسم ثم أمره أن يسير إلى مكة ، فطوى له الأرض ، فصار على كلّ مفازة يمرّ به خطوة ، ولم يقع قدمه في شيء من الأرض إلّا صار عمراناً ، وبكى على الجنّة مائتي سنة ، فعزّاه الله (٤) بخيمة من خيام الجنة ، فوضعها له بمكة في موضع الكعبة ، وتلك الخيمة من ياقوتة حمراء لها بابان شرقيّ وغربيّ من ذهب منظومان معلّق فيها ثلاث قناديل من تبر الجنّة تلتهب نوراً ، ونزل الرّكن وهو ياقوتة بيضاء من ياقوت الجنّة ، وكان كرسيّاً لآدم يجلس عليه.

وانّ خيمة آدم لم تزل في مكانها حتّى قبضه الله تعالى ، ثم ّ رفعها الله إليه ، وبنى بنو آدم في موضعها بيتاً من الطّين والحجارة ، ولم يزل معموراً ، وأُعتق من الغرق ، ولم يخرّ به الماء حتى بعث (٥) الله تعالى إبراهيم صلوات الله عليه (٦).

_________________________________

(١) في ق ٣ : اليه اني.

(٢) في ق ٣ : أجمع لك كلمة في أربع.

(٣) في ق ٣ : على جبل شرقي الهند ، وفي ق ٤ والبحار : على جبل في شرقي أرض الهند ، وفي ق ٢ : وكان هبط آدم في مشرق أرض الهند ، وفي ق ١ : وكان مهبط آدم على جبل في شرقي أهل الهند.

(٤) في ق ١ وق ٣ : فعزه الله.

(٥) في ق ١ والبحار : (١١ / ٢١١) إبتعث الله.

(٦) بحار الانوار (١١ / ١١٥) ، برقم : (٤٢) الى قوله : لنفسك. وما بعده إلى آخره في المصدر نفسه ص (٢١١) ، برقم : (١٧) وفي الجزء (٩٩ / ٦١) ، برقم : (٣١) وفيه : إنبعث الله وراجع (٧٥ / ٢٦) ، برقم : (٨) فيه مقدار من وسط الخبر.


٥١ ـ وذكر وهب أنّ ابن عباس أخبره أنّ جبرئيل وقف على النبيِّ صلوات الله عليه وآله وعليه عصابة خضراء (١) قد علاها الغبار ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ما هذا الغبار ؟ قال : إنّ الملائكة أُمرت بزيارة البيت فازدحمت ، فهذا الغبار ممّا تثير الملائكة بأجنحتها (٢).

٥٢ ـ قال وهب : ولمّا أراد قابيل أن يقتل أخاه ، ولم يدر كيف يصنع عمد إبليس إلى طائر ، فرضخ (٣) رأسه بحجر فقتله فتعلّم قابيل ، فساعة قتله أرعش جسده (٤) ولم يعلم ما يصنع أقبل غراب يهوي على الحجر الّذي دمغ أخاه ، فجعل يمسح الدّم بمنقاره وأقبل غراب آخر حتى وقع بين يديه ، فوثب الأوّل على الثّاني فقتله ، ثمّ حفر (٥) بمنقاره فواراه فتعلّم قابيل (٦).

٥٣ ـ وروي أنّه لم يوار سوأة أخيه ، وانطلق هارباً حتى أتى وادياً من أودية اليمن في شرقيّ عدن ، فكمن فيه زماناً ، وبلغ آدم صلوات الله عليه ما صنع قابيل بهابيل ، فأقبل فوجده قتيلاً ثمّ دفنه ، وفيه وفي إبليس نزلت : « رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ » (٧) لأنّ قابيل أوّل من سنّ القتل ، ولا يقتل مقتول إلى يوم القيامة إلّا كان له فيه شركة (٨) (٩).

٥٤ ـ وسئل الصّادق عليه السّلام عن قوله تعالى : « وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ » قال : هما هما (١٠).

_________________________________

(١) في ق ٢ : حمراء خضراء.

(٢) بحار الانوار (٩٩ / ٦١) ، برقم : (٣٢).

(٣) في البحار : فرضح ، وهما بمعنى واحد.

(٤) في ق ٢ وق ٤ : ونعش جسده.

(٥) في ق ٢ : ثم هز ، وفي ق ٤ : ثم هزه.

(٦) بحار الانوار (١١ / ٢٤٢) ، برقم : (٣٣).

(٧) سورة فصلت : (٢٩).

(٨) في ق ١ : شرك ، وفي البحار : فيه له شرك.

(٩) بحار الانوار (١١ / ٢٤٢) ، برقم : (٣٤).

(١٠) بحار الانوار (١١ / ٢٤٣) ، برقم : (٣٥).


٥٥ ـ قال وهب : فلمّا حضرت (١) آدم عليه السّلام الوفاة أوصى الى شيث ، وحفر لآدم في غار في أبي قبيس يقال له : غار الكنز ، فلم يزل آدم في ذلك الغار حتى كان في زمن (٢) الغرق استخرجه نوح صلوات الله عليه في تابوت وجعله معه في السّفينة (٣).

٥٦ ـ وأمّا عوج بن عناق ، فانّه كان جبّاراً [ في الارض ] (٤) عدوّاً لله وللاسلام ، وله بسطة في الجسم والخلق ، وكان يضرب يده (٥) فيأخذ الحوت من أسفل البحر ثم يرفع (٦) الى السماء ، فيشويه في حرّ (٧) الشّمس فيأكله ، وكان عمره ثلاثة آلاف وستّمائة سنة (٨).

٥٧ ـ وروي أنّه لمّا أراد نوح عليه السّلام أن يركب السّفينة جاءَ اليه عوج ، فقال له : احملني معك ، فقال نوح : إنّي لم أومر بذلك ، فبلغ الماء إليه وما جاوز ركبتيه ، وبقي إلى أيّام موسى ، فقتله موسى عليه السلام (٩).



_________________________________

(١) في البحار : قال لما حضر.

(٢) في ق ١ وق ٣ وق ٥ : كان زمان.

(٣) بحار الانوار (١١ / ٢٦٧) ، برقم : (١٧).

(٤) الزيادة من ق ٤.

(٥) في ق ٣ : بيده.

(٦) في ق ١ وق ٣ : ثم يرفعه.

(٧) في ق ٢ : من حرّ.

(٨) بحار الانوار (١١ / ٢٤٣) ، برقم : (٣٦).

(٩) بحار الانوار (١١ / ٢٤٣) ، برقم : (٣٧).


الباب الثاني

( في نبوّة إدريس ونوح عليهما السّلام )

٥٨ ـ أخبرنا السيد ابوالصّمصام ذو الفقار بن أحمد بن معبد (١) الحسيني ، حدّثنا الشّيخ ابوجعفر الطّوسي ، حدّثنا الشيخ المفيد ابوعبد الله ، حدّثنا الشّيخ ابوجعفر بن بابويه ، حدثنا أبي ، حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن ابراهيم بن أبي البلّاد ، عن أبيه ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : كان نبوّة إدريس عليه السلام أنه كان في زمنه ملك جبّار وأنّه ركب ذات يوم في بعض نزهة ، فمرّ بأرض خضرة نضرة لعبد مؤمن فأعجبته ، فسأل وزراءه لمن هذه ؟ فقالوا : لفلان ، فدعا به ، فقال له : أمتعني (٢) بأرضك هذه ، فقال : عيالي أحوج إليها منك ، فغضب الملك وانصرف إلى أهله.

وكانت له امرأة من الأزارقة يشاورها في الامر إذا نزل به ، فخرجت إليه فرأت في وجهه الغضب ، فقالت : أيّها الملك انّما يغتم ويأسف من لا يقدر على التّغيير ، فان كنت تكره أن تقتله بغير حجة ، فأنا أكفيك أمره وأصيّر أرضه بيدك بحجة لك فيها العذر عند أهل مملكتك ، فقال : ما هي ؟

قالت : أبعث أقواماً من أصحابي الأزارقة حتى يأتوك به ، فيشهدون لك عليه عندك أنّه قد برىء من دينكم ، فيجوز لك قتله وأخذ أرضه ، قال : فافعلي وكان أهلها يرون قتل

_________________________________

(١) في ق ٤ : سعيد ـ خ ل.

(٢) في ق ٢ : متعني.


المؤمنين ، فأمرتهم بذلك ، فشهدوا عليه أنّه برىء من دين (١) الملك ، فقتله واستخلص أرضه.

فغضب الله تعالى للمؤمن فأوحى الى إدريس عليه السلام ان ائت عبدي الجبار فقل له : أما رضيت أن قتلت عبدي المؤمن ظلماً حتى استخلصت أرضه ، فأحوجت (٢) عياله من بعده وأجعتهم (٣) ، أما وعزّتي لأنتقمنَّ له منك في الآجل ، ولأسلبنّك ملكك في العاجل ، ولأطعمنّ الكلاب من لحمك ، فقد غرّك حلمي ، فأتاه إدريس عليه السلام برسالة ربِّه ، وهو في مجلسه وحوله أصحابه.

فقال الجبار : اخرج عنّي يا ادريس ، ثمَّ أخبر امراته بما جاءَ به إدريس صلوات الله عليه ، فقالت : لا تهولنّك رسالة إدريس أنا أرسل اليه من يقتله وأكفيك أمره ، وكان لإِدريس صلوات الله عليه أصحاب مؤمنون يأنسون به ويأنس بهم ، فأخبرهم بوحي الله ورسالته (٤) إلى الجبّار ، فخافوا على إدريس منه.

ثم بعثت امرأة الجبار أربعين رجلاً من الازارقة ليقتلوا إدريس ، فأتوه فلم يجدوه في مجلسه ، فانصرفوا ورآهم أصحاب إدريس ، فأحسّوا بأنّهم يريدون (٥) قتل إدريس عليه السّلام ، فتفرّقوا في طلبه وقالوا له : خذ حذرك يا إدريس ، فتنحّى عن القرية (٦) من يومه ذلك ومعه نفرٌ من أصحابه ، فلمّا كان في السّحر ناجى ربَّه ، فأوحى الله إليه أن تنحّ عنه وخلَّني وايّاه.

قال إدريس صلوات الله عليه : أسألك أن لا تمطر السّماء على أهل هذه القرية ، وان خربت وجهدوا وجاعوا. قال الله تعالى : إنّي قد أعطيتك ما سألته ، فأخبر إدريس أصحابه بما سأل الله من حبس المطر عليهم وعنهم ، وقال : اخرجوا من هذه القرية إلى غيرها من القرى ، فتفرقوا وشاع الخبر بما سأل إدريس عليه السّلام ربّه.

_________________________________

(١) في ق ١ وق ٤ وق ٥ : عن دين.

(٢) في ق ٢ : فأخرجت.

(٣) في ق ٣ : وأحوجتهم. وفي ق ٤ : وأفجعتهم.

(٤) في ق ٢ وق ٤ وق ٥ : ورسالاته.

(٥) في ق ٢ : أرادوا.

(٦) في ق ٣ : عن القوم.


وتنحّى إدريس إلى كهف في جبل شاهق ، ووكّل الله تعالى ملكاً يأتيه بالطّعام عند كلّ مساء ، وكان يصوم النّهار ، وظَهَرَ في المدينة جبّار آخر ، فسلب ملكه ـ أعني : الاول ـ (١) وقتله وأطعَمَ الكلاب لحمه ولحم امرأته ، فمكثوا بعد إدريس عشرين سنة لم تمطر السماء عليهم مطرة ، فلما جهدوا ومشى بعضهم إلى بعض.

فقالوا : إنَّ الّذي نزل بنا مما ترون بسؤال إدريس عليه السلام ربّه ، وقد تنحّى عنّا ولا علم لنا بموضعه ، والله أرحم بنا منه ، فأجمعوا أمرهم على أن يتوبوا إلى الله تعالى ، فقاموا على الرّماد ، ولبسوا المسوح ، وحثّوا على رؤوسهم التّراب ، وعجّوا إلى الله بالتّوبة والاستغفار والبكاء والتّضرع إليه.

فأوحى الله تعالى إلى الملك الّذي يأتي إدريس عليه السلام بطعامه : أن أحبس طعامه عنه ، فجاع إدريس عليه السلام ليلة ، فلمّا كان في ليلة اليوم الثّاني لم يؤت بطعامه قلّ صبره وكذلك (٢) اللّيلة الثّالثة ، فنادى يا ربّ حبست عنّي رزقي من قبل أن تقبض روحي.

فأوحى الله إليه اهبط من موضعك ، واطلب المعاش لنفسك ، فهبط إلى قرية فلمّا دخلها نظر الى دخان بعض منازلها ، فأقبل نحوه فهجم على عجوز كبيرة وهي ترفق قرصين لها على مقلاة ، فقال : بيعي منّي (٣) هذا الطّعام ، فحلفت أنّها ما تملك شيئاً غيرهما (٤) واحد لي وواحدٌ لإِبني ، فقال : إنّ ابنك صغير يكفيه نصف قرصة فيحيى به ويجزيني النّصف الآخر ، فأكلت المرأة قرصها ، وكسرت القرص الآخر بين إدريس وبين ابنها ، فلمّا رآى ابنها إدريس يأكل من قرصته اضطرب حتّى مات ، فقالت يا عبد الله : قتلت ابني جزعاً على قوته ، فقال لها إدريس عليه السلام : أحييه باذن الله ولا تجزعي.

ثمَّ أخذ إدريس بعضد الصّبيّ وقال : أيتها الرّوح الخارجة عن هذا الغلام ارجعي إليه وإلى بدنه باذن الله تعالى ، أنا إدريس النبيّ ، فرجعت روح الغلام إليه ، فقالت أشهد أنك

_________________________________

(١) في ق ٣ : فسلب ملك الأول.

(٢) في ق ١ وق ٣ وق ٤ وق ٥ : وكذا.

(٣) في ق ٢ وق ٤ : من.

(٤) في ق ٢ : منه شيئاً غيرها.


إدريس النّبيّ ، وخرجت ونادت في القرية بأعلى صوتها : إبشروا بالفرج قد دخل إدريس عليه السلام قريتكم.

ومضى إدريس حتى جلس على موضع مدينة الجبّار الاوّل وهي تلّ ، فاجتمع إليه النّاس من أهل قريته (١) ، فقالوا مسّنا الجوع والجهد في هذه العشرين سنة ، فادع الله تعالى لنا أن يمطر علينا ، قال إدريس عليه السلام : لا أدعوا حتّى يأتيني (٢) جبّاركم وجميع أهل قريتكم مشاة حفاة ، فبلغ الجبّار قوله ، فبعث إليه أربعين رجلاً يأتوه بادريس ، فأتوه وعنفوا به ، فدعا عليهم فماتوا ، فبلغ الجبار الخبر ، فبعث إليه خمسمائة رجل ، فقالوا له : يا إدريس إنّ الملك بعثنا إليك لنذهب بك إليه ، فقال لهم إدريس عليه السّلام : انظروا إلى مصارع أصحابكم قالوا : متنا بالجوع (٣) فارحم وادع الله أن يمطر علينا فقال : حتّى يأتي الجبّار.

ثمَّ إنهم سألوا الجبّار أن يمضي معهم ، فأتوه وقفوا بين يديه خاضعين ، فقال إدريس عليه السلام : الآن ، فنعم. فسأل الله أن يمطر عليهم فأظلّتهم سحابة من السّماء ، فارعدت وأبرقت وهطلت عليهم (٤).

فصل ـ ١ ـ

٥٩ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا(٥) محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمد بن أورمة ، حدّثنا محمد بن عثمان ، عن أبي جميلة ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّ ملكاً من الملائكة كانت له منزلة ، فاهبطه الله تعالى من السّماء إلى الأرض ، فأتى إدريس النبيّ عليه السلام ، فقال له : اشفع لي عند ربّك ، قال : فصلّى ثلاث ليال لا يفتر وصام

_________________________________

(١) في ق ٣ : القرية.

(٢) في ق ٢ : يأتني.

(٣) في ق ٣ : مسّنا الجوع.

(٤) ذكر العلامة المجلسي نحوه مع اختلاف كثير في الالفاظ مع التّحفظ لروح القصّة عن اكمال الدّين في البحار (١١ / ٢٧١ ـ ٢٧٦) ، برقم : (٢) ، واكتفى بذلك عن التنصيص على عبارات القصّة عن قصص الانبياء.

(٥) في ق ٢ وق ٤ : قال : حدّثنا.


أيّامها لا يفطر.

ثمَّ طلب إلى الله تعالى في السّحر للملك ، فأذن له في الصّعود إلى السّماء ، فقال له الملك : أحبّ أن أكافيك ، فاطلب إليَّ حاجةً ، فقال : تريني ملك الموت لعلّي آنس به ، فانّه ليس يهنئني (١) مع ذكره شيء ، فبسط جناحيه.

ثم قال له : اركب (٢) فصعد به ، فطلب ملك الموت في سماء الدّنيا ، فقيل له : إنّه قد صعد فاستقبله بين السماء الرابعة والخامسة ، فقال الملك لملك الموت : ما لي أراك قاطباً ؟ قال : أتعجّب أنّي كنت تحت ظلّ العرش حتّى أُومر (٣) أن أقبض روح إدريس بين السّماء الرّابعة والخامسة ، فسمع إدريس ذلك ، فانتقض (٤) من جناح الملك ، وقبض ملك الموت روحه مكانه ، وفي قوله تعالى : « وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا » (٥) (٦).

٦٠ ـ وباسناده عن ابن أورمة ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن محمّد بن مروان ، عن أبي صالح عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال : كان إدريس النّبيّ صلوات الله عليه يسيح النّهار ويصومه (٧) ، ويبيت حيث ما جنّه اللّيل ، ويأتيه رزقه حيث ما أفطر ، وكان يصعد له من العمل الصّالح مثل ما يصعد لأهل الأرض كلّهم ، فسأل ملك الموت ربّه في زيارة (٨) إدريس عليه السلام وأن يسلّم عليه ، فأذن له فنزل وأتاه ، فقال : إنّي أريد أن أصحبك ، فأكون معك فصحبه ، وكانا يسيحان النّهار ويصومانه ، فإِذا جنّهما اللّيل أتى إدريس فطره (٩) فيأكل ، ويدعو ملك الموت إليه فيقول : لا حاجة لي فيه ، ثمَّ يقومان

_________________________________

(١) في ق ٣ : يهنأ اليّ.

(٢) في ق ١ : جناحيه ثم ركب.

(٣) في البحار : حتى أمرت.

(٤) في ق ١ وق ٥ والبحار : فانتفض.

(٥) سورة مريم : (٥٦).

(٦) بحار الانوار (١١ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨) ، برقم : (٧).

(٧) في ق ٢ وق ٤ : يسيح النّهار بصومه.

(٨) في ق ٤ : في زيارته.

(٩) في ق ١ وق ٣ : فطوره.


يصلّيان وإدريس يصلّي ويفتر وينام ، وملك الموت يصلّي ولا ينام ولا يفتر ، فمكثا بذلك أيّام.

ثمَّ إنّهما مرّا بقطيع غنم وكرم قد أينع ، فقال ملك الموت : هل لك أن تأخذ من ذلك حملاً ، أو من هذا عناقيد فتفطر عليه ؟ فقال : سبحان الله أدعوك إلى ما لي فتأبى ، فكيف تدعوني إلى مال الغير ؟

ثمَّ قال إدريس عليه السلام : قد صحبتني وأحسنت فيما بيني وبينك من أنت ؟ قال : أنا ملك الموت قال إدريس : لي إليك حاجة فقال : وما هي ؟ قال : تصعد بي إلى السّماء فاستأذن ملك الموت ربّه في ذلك ، فأذن له فحمله على جناحه فصعد به إلى السّماء.

ثمَّ قال له إدريس عليه السّلام : إنّ لي إليك حاجة أخرى قال : وما هي ؟ قال : بلغني من الموت شدة فأحبّ أن تذيقني (١) منه طرفاً فانظر هو كما بلغني ؟ فاستأذن ربّه له ، فأخذ بنفسه ساعة ثم خلّى عنه فقال له : كيف رأيت (٢) ؟ قال : بلغني عنه شدة ، وأنّه لأشدّ ممّا بلغني (٣) ولي إليك حاجة أخرى تريني النّار ، فاستأذن ملك الموت صاحب النّار ، ففتح له ، فلما رآها إدريس عليه السلام سقط مغشيّاً عليه.

ثم قال له : لي إليك حاجة أخرى تريني الجنّة ، فاستأذن ملك الموت خازن الجنّة فدخلها فلمّا نظر إليها قال : يا ملك الموت ما كنت لأخرج منها إنّ الله تعالى يقول : « كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ » وقد ذقته ويقول : « وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا » وقد وردتها ويقول في الجنّة : « وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا » (٤).

٦١ ـ وبالاسناد المتقدّم عن وهب بن منبّه : أنّ إدريس عليه السلام كان رجلاً طويلاً ضخم البطن ، عظيم الصدر ، قليل الصّوت ، رقيق المنطق ، قريب الخطا إذا مشى ، وإنّما سمّي إدريس لكثرة ما يدرس من كلام الله تعالى ، وهو بين أظهر قومه يدعوهم إلى

_________________________________

(١) في ق ٣ : تذوقني.

(٢) في ق ١ : رأيته.

(٣) في ق ٣ : وانّه أشدّ ممّا بلغني ، وفي ق ٤ : وانّه لأشدّ ممّا يبلغني.

(٤) بحار الانوار (١١ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩) ، برقم : (٧) ، الدّية : ٣٥ سورة الانبياء ، الاية : ٧١ سورة مريم ، والذيل بحسب مايراد منه حصنا ، غير موجود في القرآن.


عبادة الله ، فلا يزال يجيبه واحد بعد واحد ، حتّى صاروا سبعة وسبعين ، إلى أن صاروا سبعمائة ثم بلغوا ألفاً ، فاختار منهم سبعة ، فقال لهم : تعالوا فليدع بعضنا وليؤمّن بقيتنا ، ثم رفعوا أيديهم إلى السّماء فنبّأه الله ودلّ (١) على عبادته ، فلم يزالوا يعبدون الله حتّى رفع الله تعالى إدريس عليه السلام إلى السّماء وانقرض من تابعه.

ثمَّ اختلفوا حتّى كان زمن نوح عليه السلام وأنزل الله على إدريس ثلاثين صحيفة ، وهو أوّل من خطّ بالقلم ، وأوّل من خاط الثّياب ولبسها ، وكان من كان قبله يلبسون الجلود ، وكان كلّما خاط سبّح الله وهلّله وكبّره ووحّده ومجّده ، وكان يصعد إلى السّماء من عمله في كلّ يوم مثل أعمال أهل زمانه كلّهم.

قال : وكانت الملائكة في زمن إدريس صلوات الله عليه يصافحون النّاس ويسلّمون عليهم ويكلّمونهم ويجالسونهم ، وذلك لصلاح الزّمان وأهله ، فلم يزل النّاس على ذلك حتّى كان (٢) زمن نوح عليه الصّلاة والسّلام وقومه ، ثم انقطع ذلك.

وكان من أمره مع ملك الموت ما كان حتى دخل الجنّة ، فقال له ربّه : إنّ إدريس إنّما حاجّك فحجّك بوحي (٣) وأنا الّذي هيّأت له تعجيل دخول الجنّة ، فانّه كان ينصب نفسه وجسده يتعبهما لي ، فكان حقّاً عليّ أن أعوّضه (٤) من ذلك الرّاحة (٥) والطّمأنينة وأن أُبوّئه بتواضعه لي وبصالح عبادتي من الجنّة مقعداً ومكاناً عليّاً (٦).

فصل ـ ٢ ـ

٦٢ ـ وبالاسناد عن سعد بن عبد الله ، حدّثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن الحسن بن عطا الأزدي ، عن عبد السّلام ، عن عمّار اليقظان (٧) قال : كان عند أبي

_________________________________

(١) في ق ١ : ودله.

(٢) في ق ٣ : الى ان كان.

(٣) في ق ٤ والبحار : بوحيي.

(٤) في ق ٤ : اعتوضه.

(٥) في ق ٢ وق ٤ : بالراحة.

(٦) بحار الانوار (١١ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠) ، برقم : (٩).

(٧) في البحار : أبي اليقظان.


عبد الله صلوات الله عليه جماعة وفيهم رجل يقال له : أبان بن نعمان فقال : أيّكم له علم بعمّي زيد بن عليّ صلوات الله عليه ؟ فقال : أنا أصلحك الله قال : وما علمك به قال : كنّا عنده ليلة : فقال هل لكم في مسجد سهلة ؟ فخرجنا معه إليه ، فوجدنا معه إجتهاداً كما قال.

فقال ابوعبد الله صلوات الله عليه : كان بيت إبراهيم صلوات الله عليه الّذي خرج منه إلى العمالقة ، وكان بيت إدريس عليه السّلام الّذي كان يخيط فيه ، وفيه صخرة خضراء فيها صورة وجوه النّبيين ، وفيه مناخ الرّاكب ـ يعني : الخضر عليه السلام ـ ثمّ قال : لو أنّ عمى أتاه حين خرج فصلّى فيه واستجار بالله لاجاره عشرين سنة ؛ وما أتاه مكروب قط ، فصلّى فيه ما بين العشاءين ودعا الله إلّا فرّج الله عنه (١).

٦٣ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن علي بن المفضل بن تمام ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عمّار ، عن أبيه ، عن حمدان القلانسي ، عن محمد بن جمهور ، عن مرازم (٢) بن عبد الله ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه أنّه قال : يا أبا محمّد كأنّي أرى نزول القائم في مسجد السّهلة بأهله وعياله قلت : يكون منزله ؟ قال : نعم ، هو منزل إدريس عليه السلام وما بعث الله نبيّاً إلّا وقد صلّى فيه ، والمقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وما من مؤمن ولا مؤمنة إلّا وقلبه يحنّ إليه ، وما من يوم ولا ليلة إلّا والملائكة يأوون إلى هذا المسجد يعبدون الله فيه ، يا أبا محمّد أما انّي لو كنت بالقرب منكم ما صلّيت صلاة إلّا فيه ، ثم إذا قام قائمنا انتقم الله لرسوله ولنا أجمعين (٣).

٦٤ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا عبد الله بن محمد الصّائغ ، حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطّان ، حدثنا ابومحمد بن عبد الله بن حبيب ، حدثنا تميم بن بهلول ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مهران ، قال : قال لي الصّادق عليه السلام : إذا دخلت الكوفة فأت مسجد السّهلة ، فصلّ فيه واسأل الله حاجتك لدينك ودنياك ، فانّ مسجد السّهلة بيت إدريس عليه السّلام الذي كان يخيط فيه ويصلّي فيه ، ومن دعا الله فيه بما أحبّ قضى له

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٠٠ / ٤٣٤ ـ ٤٣٥) ، برقم : (٢) و (٤٦ / ١٨٢) ، برقم : (٤٥).

(٢) في ق ١ و ٢ و ٤ : مريم.

(٣) بحار الانوار (٥٢ / ٣١٧) ، برقم : (١٣) و (١٠٠ / ٤٣٥) ، برقم : (٣).


حوائجه ورفعه يوم القيامة مكاناً علياً إلى درجة إدريس وأجير (١) من مكروه الدّنيا ومكائد أعدائه (٢).

فصل ـ ٣ ـ

( في نبوّة نوح عليه السّلام )

وهو ابن متوشلخ به اُخنوخ ـ وهو إدريس صلوات الله عليه ـ ابن برد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم صلوات الله عليهم أجمعين (٣).

٦٥ ـ وباسناده عن ابن أورمة ، حدّثنا محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، عن عبد الحميد بن أبي الدّيلم ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه أنّ نوحاً دعا قومه (٤) علانيةً ، فلمّا سمع عقب هبة الله من نوح تصديق ما في أيديهم من العلم صدّقوه ، فأمّا ولد قابيل فانّهم كذّبوه وقالوا : « مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ » (٥) وقالوا : « أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ » (٦) يعنون عقب هبة الله صلوات الله عليه (٧).

٦٦ ـ وعن ابن أورمة ، عن محمّد بن علي الكوفي ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبان بن عثمان ، عن إسماعيل الجعفي ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : مكث نوح (٨) عليه السّلام في قومه يدعوهم [ الى الله ] (٩) سرّاً وعلانية ، فلمّا عتوا وأبوا قال : « رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ » (١٠) فأوحى الله تعالى إليه أن اصنع الفلك ، وأمره بغرس النّوى ، فمرَّ عليه قومه

_________________________________

(١) في ق ٣ : وأجاره.

(٢) بحار الانوار (١١ / ٢٨٠) ، برقم : (١٠) و (١٠٠ / ٤٣٤) ، برقم : (١).

(٣) بحار الانوار (١١ / ٢٨٧) ، برقم : (٨) ، وفيه : كان نوح ابن الملك بن متوشلخ.

(٤) في البحار : قال دعا نوح عليه السلام قومه ، وفي ق ٢ وق ٤ : إنّ نوحاً لمّا دعا قومه.

(٥) سورة المؤمنون : (٢٤).

(٦) سورة الشّعراء : (١١١).

(٧) بحار الانوار (١١ / ٣٢٣) ، برقم : (٣٤).

(٨) في ق ١ وق ٣ وق ٥ : سكن نوح.

(٩) الزيادة من ق ٣.

(١٠) سورة القمر : (١٠).


فجعلوا يضحكون ويسخرون ويقولون : قد قعد غراساً حتّى إذا طال وصار طوالاً قطعه ونجره ، فقالوا قد قعد نجّاراً ، ثمّ ألّفه فجعله سفينة ، فمرّوا عليه فجعلوا يضحكون ويسخرون ويقولون : قد قعد ملّاحاً في أرض فلاة حتّى فرغ منها (١).

٦٧ ـ وباسناده عن الصّفار ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان ، عن اسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : صنعها في ثلاثين سنة ، ثمَّ أمر أن يحمل فيها من كلّ زوجين اثنين الأزواج الثّمانية الّتي خرج بها آدم عليه السلام من الجنّة ، ليكون معيشة لعقب نوح عليه السلام في الأرض ، كما عاش عقب آدم عليه السلام ، فإنّ الأرض تغرق بما فيها إلّا ما كان معه في السّفينة (٢).

٦٨ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي نصر ، عن أبان ، عن أبي حمزة ، عن أبي رزين الأسدي ، عن عليّ صلوات الله وسلامه عليه ، قال : لمّا فرغ نوح من السّفينة ، فكان ميعاده عليه السّلام فيما بينه وبين ربّه تعالى في إهلاك قومه أن يفور التّنور ففار ، فقالت امرأته له : إنّ التّنور قد فار ، فقام إليه فختمه [ بخاتمه ] (٣) فقام الماء فأدخل من أراد أن يدخل ثمّ أتى إلى خاتمه فنزعه وقال تعالى (٤) : « فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا » (٥).

٦٩ ـ وعن أحمد بن عيسى (٦) ، حدّثنا الحسن بن محبوب ، عن الحسن بن صالح ، عن أبي عبد الله الصّادق عليه السلام قال : سمعت أبي صلوات الله عليه يحدّث عطا قال : كان طول سفينة نوح عليه السلام ألفاً ومائتي زراع ، وكان عرضها ثمانمائة زراع ، وعمقها ثمانين زراعاً ، فطافت بالبيت وسعت بين الصّفا والمروة سبعة أشواط ، ثمّ استوت على الجوديّ (٧).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١١ / ٣٢٣) ، برقم : (٣٥).

(٢) بحار الانوار (١١ / ٣٢٤) ، برقم : (٤٠).

(٣) الزيادة من قم ٣.

(٤) ق سورة القمر : (١١ ـ ١٢).

(٥) بحار الانوار (١١ / ٣٢٤) ، برقم : (٤١).

(٦) كذا والظّاهر : أحمد بن محمد بن عيسى بدليل الحديث السّابق وأنّ في البحار : وابن عيسى. والتّعبير عنه به بحسب دأب العلّامة المجلسي قرينة عليه.

(٧) بحار الانوار (١١ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥) ، برقم : (٤٢).


٧٠ ـ وعن ابن أورمة ، حدّثنا مصعب بن يزيد ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه الصّلاة والسّلام قال : جاء نوح عليه السّلام إلى الحمار ليدخله السّفينة ، فامتنع عليه قال : وكان إبليس بين أرجل الحمار ، فقال : يا شيطان ادخل فدخل الحمار ودخل الشّيطان فقال إبليس : أعلّمك خصلتين ، فقال نوح عليه السلام : لا حاجة لي في كلامك ، فقال إبليس : إيّاك والحرص ، فانّه أخرج آدم عليه السّلام من الجنّة (١) ، وايّاك والحسد فانّه أخرجني من الجنّة ، فأوحى الله اليه : اقبلهما وإن كان ملعوناً (٢).

٧١ ـ وعن ابن أورمة ، حدّثنا ابوأحمد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : إنّ قوم نوح شكوا إلى نوح عليه السلام الفأر ، فأمر الله الفهد فعطس (٣) فطرح السّنور فأكل الفأر ، وشكوا إليه العذرة فأمر الله الفيل أن يعطس فعطس فسقط الخنزير (٤).

٧٢ ـ وعن ابن أورمة ، حدّثنا الحسن بن عليّ ، عن داود بن يزيد ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه الصّلاة والسّلام قال : ارتفع الماء زمان نوح (٥) عليه السّلام على كلّ جبل وعلى كلّ سهل خمسة عشر ذراعاً (٦).

٧٣ ـ وعن ابن بابويه ، عن جعفر بن علي بن عبد الله بن المغيرة ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن ذريح المحاربي ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : إنّ الله تبارك وتعالى أغرق الأرض كلّها يوم نوح عليه السلام إلّا البيت ، فمن يومئذ سمّي العتيق ، لأنّه أعتق من الغرق ، فقلت : صعد إلى السّماء ؟ فقال : لم يصل الماء إليه وإنّما رفع عنه (٧).

فصل ـ ٤ ـ

٧٤ ـ وعن ابن أورمة ، عن محمّد بن علي الكوفي ، عن محمّد بن سنان ، قال حدّثنا

_________________________________

(١) في البحار (٦٣ / ٢٥٠) : أخرج أبويك من الجنّة.

(٢) بحار الانوار (١١ / ٣٢٣) ، برقم : (٣٦) و (٦٣ / ٢٥٠) ، برقم : (١١١) و (٧٢ / ١٩٥) ، برقم : (١٦).

(٣) في ق ٤ : فأوحى الله تعالى الى الفهد فعطس ، وفي ق ٣ : فأمر الله الفهد يعطس.

(٤) بحار الانوار (١١ / ٣٢٣) ، برقم : (٣٧) و (٦٥ / ٦٤) ، برقم : (٢٢).

(٥) في ق ٣ : في زمن نوح.

(٦) بحار الانوار (١١ / ٣٢٣ ـ ٣٢٤) ، برقم : (٣٨).

(٧) بحار الانوار (١١ / ٣٢٥) ، برقم : (٤٣) و (٩٩ / ٥٨) ، برقم : (١٥).


إبراهيم ابن أبي البلاد ، عن غير واحد ، عن أحدهما صلوات الله عليهما قال : لمّا قال الله تعالى : يا أرض ابلعي مائك ، قالت الأرض : إنما اُمرت أن أبلع مائي فقط ، ولم اُؤمر أن أبلع ماء السّماء ، فبلعت الأرض ماءها وبقى ماء السّماء ، فصير (١) بحراً حول السّماء وحول الدّنيا (٢) والأمر والجواب يكونان مع الملك الموكّل بالأرض وبالسّماء (٣).

٧٥ ـ وبالاسناد المتقدم ذكره ، عن الحسن بن محبوب ، عن حنّان بن سدير ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : آمن (٤) بنوح صلوات الله عليه من قومه ثمانية نفر. وكان اسمه عبد الجبّار ، وإنّما سمّى نوحاً لانّه كان ينوح على نفسه.

وفي روايةٍ : لأنّه بكى خمسمائة سنة ، وكان اسمه عبد الأعلى.

وفي رواية : عبد الملك وكان يسمّى بهذه الأسماء كلّها (٥).

٧٦ ـ وباسناده عن وهب بن منبّه اليماني : أنّ نوحاً عليه السّلام كان نجّاراً ، وكان إلى الاُدمة ما هو دقيق الوجه (٦) ، في رأسه طول ، عظيم العينين ، دقيق السّاقين ، كثير (٧) لحم الفخذين ، ضخم السّرة ، طويل اللّحية عريضاً طويلاً جسيماً ، وكان في غضبه وانتهاره (٨) شدّة ، فبعثه الله وهو ابن ثمانمائة وخمسين سنة ، فلبث فيهم ألف سنة إلّا خمسين عاماً ، يدعوهم إلى الله تعالى ، فلا يزدادون إلّا طغياناً ، ومضى ثلاثة قرون من قومه ، وكان الرّجل منهم يأتي بابنه وهو صغير فيقفه (٩) على رأس نوح صلوات الله عليه ، فيقول : يا بنيّ إن بقيت بعدي فلا تطيعنَّ هذا المجنون (١٠).

_________________________________

(١) في ق ٢ : فصار بحراً.

(٢) للعلامة المجلسي فيه بيان راجع البحار.

(٣) بحار الانوار (١١ / ٣٢٤) ، برقم : (٣٩).

(٤) كذا في ق ٣ والبحار ، وفي غيرهما من النّسخ : أمر.

(٥) بحار الانوار (١١ / ٣٢٦) ، برقم : (٤٤).

(٦) في ق ٢ : مائلاً رقيق الوجه ، وفي ق ٤ : مائل رقيق الوجه ، وفي ق ٣ : وهو دقيق الوجه.

(٧) في البحار : كثيراً.

(٨) في ق ١ : وامتهاره ، وفي ق ٤ : وانتهازه.

(٩) في ق ٤ : يوقفه ـ خ.

(١٠) بحار الانوار (١١ / ٢٨٧) ، برقم : (٩). وقال : بيان الى الادمة ما هو ، أي :كان مائلاً إلى الأدمة وما هو بأدم.


٧٧ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا علي بن أحمد بن موسى ، حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي ، حدّثنا سهل بن زياد الآدمي حدّثنا عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : سمعت عليّ بن محمّد العسكري صلوات الله عليهما يقول : عاش نوح صلوات الله عليه ألفين وخمسمائة سنة ، وكان يوماً في السّفينة نائماً فضحك (١) حام ويافث فزجرهما سام ونهاهما عن الضّحك فانتبه نوح صلوات الله عليه.

وقال لهما : جعل الله ذُرّيتكُمٰا خولاً لذرّيّة سام إلى يوم القيامة ، لانّه برّني وعققتماني ، فلا زالت سمة عقوقكما في ذرّيتكما ظاهرة وسمة البِرّ في ذريّة سام ظاهرة ما بقيت الدّنيا ، فجميع (٢) السّودان حيث كانوا من ولد حام ، وجميع التّرك والسّقالبة ويأجوج ومأجوج والصّين من يافث حيث كانوا ، وجميع البيض سواهم من ولد سام.

وأوحى الله تعالى إلى نوح عليه السلام : إنّي قد جعلت قوسي أماناً لعبادي وبلادي ، وموثقاً منّي بيني وبين خلقي ، يأمنون به إلى يوم القيامة من الغرق ، ومن أوفى بعهده منّي. ففرح نوح عليه السلام وتباشر ، وكان القوس فيها وترٌ وسهمٌ ، فنزع منها السّهم والوتر ، وجعلت أماناً من الغرق.

وجاء إبليس إلى نوح عليه السلام فقال : إنّ لك عندي يداً عظيمةً ، فانتصحني فانّي لا أخونك ، فتأثّم (٣) نوح بكلامه ومساءلته (٤) ، فأوحى الله إليه أن كلّمه واسأله (٥) ، فانّي سأنطقه بحجة عليه ، فقال نوح صلوات الله عليه : تكلّم فقال إبليس : إذا وجدنا ابن آدم شحيحاً أو حريصاً أو حسوداً أو جبّاراً أو عجولاً تلقّفناه تلقّفّ الكرة ، فان اجتمعت لنا هذه الأخلاق سمّيناه شيطاناً مريداً فقال نوح صلوات الله عليه : ما اليد العظيمة الّتي صنعت ؟ قال : إنّك دعوت الله على أهل الأرض ، فألحقتهم في ساعة [ واحدة ] (٦) بالنّار ، فصرت

_________________________________

(١) في البحار : نائماً فهبت ريح فكشفت عورته فضحك.

(٢) في ق ٥ : فجمع.

(٣) في ق ٣ : فتألم.

(٤) في ق ٤ : ومسألته.

(٥) في ق ٤ : وسله.

(٦) الزيادة من ق ٣.


فارغاً ، ولولا دعوتك لشغلت بهم دهراً طويلاً (١).

فصل ـ ٥ ـ

٧٨ ـ أخبرنا الشّيخ ابوجعفر محمّد بن علي بن الحسن الحلبي (٢) ، عن الشّيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطّوسيّ ، عن الشّيخ أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النّعمان الحارثيّ ، حدّثنا ابوجعفر ابن بابويه ، حدّثنا ابوعبد الله محمّد بن شاذان ، عن أحمد بن عثمان البروادي ، حدّثنا ابوعلي محمّد بن محمّد بن الحارث بن سعد بن الحافظ السّمرقندي ، حدّثنا صالح بن سعيد الترمذي ، عن عبد الهيثم (٣) بن إدريس ، عن المسيب ، عن محمد بن السّائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال إبليس لنوح صلوات الله عليه : لك عندي يد عظيمة سأعلّمك خصالاً قال نوح : وما يدي عندك ؟

قال : دعوتك على قومك حتّى أهلكهم الله جميعاً. فايّاك والكبر وايّاك والحرص وايّاك والحسد فان الكبر هو الّذي حملني على أن تركت السّجود (٤) لآدم عليه السلام فأكفرني وجعلني شيطاناً رجيماً وإيّاك والحرص فان آدم أُبيح له الجنّة ونهي عن شجرة واحدة فحمله الحرص على أن أكل منها وايّاك والحسد ، فان ابن آدم حسد أخاه فقتله. فقال نوح صلوات الله عليه : فأخبرني متى تكون أقدر على ابن آدم ؟ قال : عند الغضب (٥).

٧٩ ـ وبالاسناد المتقدم عن عبد الحميد ابن أبي الديلم ، عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام قال : عاش نوح صلوات الله عليه بعد النّزول من السّفينة خمسمائة سنة (٦) ، ثمّ أتاه

_________________________________

(١) بحار الانوار (١١ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨) ، برقم : (١٠) و (٦٣ / ٢٥٠) ، برقم : (١١٢) و (٧٢ / ١٩٥) ، برقم : (١٧).

(٢) عنونه الشّيخ منتجب الدين في الفهرست برقم : (٣٥٧) قائلاً : الشيخ ابوجعفر محمد بن علي ابن المحسن الحلبي ... وعنون الشيخ الحرّ في أمل الآمل (٢ / ٢٨٢ و ٢٨٩) كليهما ونفى البعد عن وحدتهما. والوحدة هي الصّحيح. كما أنّ الأصحّ في اسم جدّه هو المحسن.

(٣) في ق ٥ : عبد الهيثم ، وفي ق ٤ : عبد القيثم ـ عبد القشم.

(٤) في ق ٢ : على ترك السجود.

(٥) بحار الانوار (١١ / ٢٩٣) ، برقم (٧) و (٦٣ / ٢٥١) ، برقم : (١١٣).

(٦) في البحار (١١ / ٢٨٨) : بعد النّزول من السّفينة خمسين سنة. قال العلامة المجلسي رحمه الله أقول : ذكر في


جبرئيل عليه السلام فقال : يا نوح انّه قد انقضت نبوّتك واستكملت أيامك ، فيقول الله تعالى : ادفع ميراث العلم وآثار علم النبوّة التي معك إلى ابنك سام ، فانّي لا أترك الأرض إلّا وفيها عالم يعرف به طاعتي ويكون نجاةً فيما بين قبض النّبيّ وبعث النّبيّ الآخر ، ولم أكن أترك النّاس بغير حجّة ، وداع (١) إليَّ وهادٍ إلى سبيلي وعارفٍ بأمري ، فإنّي قد قضيت أن أجعل لكلّ قوم هادياً أهدي به السّعداء ، ويكون حجّة على الاشقياء.

قال : فدفع نوح صلوات الله عليه جميع ذلك إلى ابنه سام ، فأمّا حام ويافث فلم يكن عندهما علم ينتفعان به. قال : وبشرهم نوح بهود صلوات الله عليهما ، وأمرهم باتّباعه ، وأمرهم أن يفتحوا الوصيّة كلّ عام فينظروا فيها ، فيكون ذلك عيداً لهم ، كما أمرهم آدم صلوات الله عليه (٢).

٨٠ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم عن علي بن الحكم ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : عاش نوح عليه السلام ألفي سنة وخمسمائة سنة منها ثمانمائة سنة وخمسون سنة قبل أن يبعث وألف سنة إلّا خمسين عاماً ، وهو في قومه يدعوهم إلى الله تعالى ، ومائتا عام في عمل السّفينة ، وخمسمائة عام بعد ما نزل من السّفينة ، ونضب الماء ، فمصّر الامصار وسكن ولده البلدان ، ثمَّ جاءه (٣) ملك الموت وهو في الشّمس فقال : السّلام عليك ، فردّ عليه نوح صلوات الله عليهما السلام وقال : ما جاء بك ؟ قال : جئت لأقبض روحك قال : تدعني أدخل من الشّمس إلى الظّل ؟ فقال له : نعم قال : فتحول نوح ثمّ قال : يا ملك الموت كان ما مرَّ بي من الدّنيا مثل تحوّلي من الشمس إلى الظّل ، فامض لما أمرت به ، فقبض روحه صلوات الله عليه (٤).

_________________________________

(ص) بهذا الاسناد الى قوله : « كما أمرهم آدم عليه السلام » إلّا أنّ فيه خمسمائة سنة بدل خمسين سنة ، وهو الصّواب كما يدلّ عليه ما مرّ من الأخبار.

(١) في ق ٣ : فلم أكن أترك الارض بغير حجّة فيها للنّاس وداع.

(٢) بحار الانوار (١١ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩) ، عن إكمال الدّين مثله وعن قصص الانبياء في الجزء (٢٣ / ٣٣) ، برقم : (٥٣).

(٣) في ق ٢ وق ٤ : جاء.

(٤) بحار الانوار (١١ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦) ، برقم : (٢) عن أمالي الصّدوق مثله. وأشار إلى وجود الخبر في القصص بذكر السّند.


الباب الثالث

( في ذكر هود وصالح عليهما السلام )

٨١ ـ وبالاسناد المتقدم عن وهب بن منبّه أنّه قال : كان من أمر عاد أنّ كلّ رمل على ظهر الأرض وضعه الله لشيء من البلاد كان مساكن (١) في زمانها ، وقد كان الرّمل قبل ذلك في البلاد ، ولكن لم يكن كثيراً حتّى كان زمان عاد ، وأنّ ذلك الرّمل كان (٢) قصوراً مشيَّدةً وحصوناً ومدائن ومصانع ومنازل وبساتين.

وكانت بلاد عاد أخصب [ من ] (٣) بلاد العرب ، وأكثرها أنهاراً وجناناً ، فلمّا غضب الله عليهم وعتوا على الله ، وكانوا أصحاب الأوثان يعبدونها من دون الله ، فأرسل الله عليهم الريّح العقيم وانّما سميت « العقيم » لأنّها تلقحت بالعذاب ، وعقمت عن الرّحمة (٤) ، وطحنت تلك القصور والحصون والمدائن والمصانع حتّى عاد ذلك كلّه رملاً دقيقاً تسفيه الرّيح ، وكان تلك الرّيح (٥) ترفع الرّجال والنّساء ، فتهب بهم صعدا ، ثمّ ترمي بهم من الجوّ (٦) فيقعون على رؤوسهم منكّسين.

وكانت عاد ثلاثة عشر قبيلة وكان هود عليه السلام في حسب عاد وثروتها وكان أشبه

_________________________________

(١) في ق ٢ : وكان ساكن.

(٢) في ق ٣ وق ٤ والبحار : كانت.

(٣) الزيادة من ق ٥.

(٤) في ق ٢ وق ٣ : من الرحمة.

(٥) في ق ٢ وق ٤ : الرياح وكان تلك الرياح.

(٦) في ق ٢ : إلى الجو.


ولد آدم بآدم صلوات الله عليهما ، وكان رجلاً أدم (١) ، كثير الشّعر ، حسن الوجه ، ولم يكن أحد من النّاس أشبه بآدم منه إلّا ما كان من يوسف بن يعقوب صلوات الله عليهما ، فلبث هود عليه السلام فيهم زماناً طويلاً يدعوهم إلى الله ، وينهاهم عن الشّرك بالله تعالى وظلم النّاس ، ويخوّفهم بالعذاب فلجّوا ، وكانوا يسكنون أحقاف الرّمال ، وأنّه لم يكن اُمّةً أكثر من عاد ولا أشدَّ منهم بطشاً.

فلما رأوا الرّيح قد أقبلت عليهم قالوا لهود أتخوّفنا بالرّيح ، فجمعوا ذراريهم وأموالهم في شعب من تلك الشّعاب ، ثمَّ قاموا على باب ذلك الشّعب يردّون الرّيح عن أموالهم وأهاليهم ، فدخلت الرّيح من تحت أرجلهم بينهم وبين الأرض حتّى قلعتهم ، فهبّت بهم صعدا ، ثمّ رمت بهم من الجوّ ، ثمّ رمت بهم الرّيح في البحر ، وسلّط الله عليهم الذّر فدخلت في مسامعهم ، وجاءهم من الذّر ما لا يطاق قبل أن يأخذهم الرّيح ، فسيّرهم ، من بلادهم ، وحال بينهم وبين مرادهم حتّى أتاهم الله (٢).

وقد كان سخّر لهم من قطع الجبال والصّخور والعمد والقوّة على ذلك والعمل به شيئاً (٣) لم يسخّره لأحد كان قبلهم ولا بعدهم ، وانّما سمّيت « ذات العماد » من أجل أنهم يسلخون العمد من الجبال ، فيجعلون طول العمد مثل طول الجبل الّذي يسلخونه منه من أسفله الى أعلاه ، ثمَّ ينقلون تلك العمد فينصبونها ، ثمَّ يبنون فوقها القصور ، وقد كانوا ينصبون تلك العمد أعلاماً في الارض على قوارع الطّريق ، وكان كثرتهم بالدّهنا ويبرين وعالج إلى اليمن إلى حضرموت (٤).

٨٢ ـ وسئل وهب عن هود أكان أبا اليمن (٥) ألّذي ولّدهم ؟ فقال لا ، ولكنّهم أخو اليمن الّذي في التّوراة تنسب الى نوح عليه السلام ، فلمّا كانت العصبيّة بين العرب وفخرت مضر بأبيها اسماعيل ادّعت اليمن هوداً أباً ليكون لهم أباً ووالداً (٦) من الانبياء ،

_________________________________

(١) في ق ٣ : أدماً.

(٢) في ق ٣ : حتى أبادهم الله ، وفي البحار : وحال بينهم وبين موادهم حتى أتاهم الله.

(٣) في ق ٣ : شيء.

(٤) بحار الانوار (١١ / ٣٥٧ ـ ٣٥٨) ، برقم : (١٥).

(٥) في ق ١ وق ٢ وق ٤ وق ٥ : أكان باليمن.

(٦) في البحار : ليكون لهم أب ووالد.


وليس بأبيهم ولكنّه أخوهم (١).

ولحق هود ومن آمن معه بمكّة ، فلم يزالوا بها حتّى ماتوا ، وكذلك فعل صالح عليه السلام بعده ، ولقد سلك فج الرّوحا سبعون ألف نبيّ حجاجاً عليهم ثياب الصّوف مخطمين أبلهم بحبال الصّوف ، يلبّون الله بتلبية شتّى ، منهم : هود وصالح وإبراهيم وموسى وشعيب ويونس صلوات الله عليهم ، وكان هود رجلاً تاجراً (٢).

فصل ـ ١ ـ

٨٣ ـ وبالاسناد الّذي قدّمنا عن ابن أبي الدّيلم ، عن أبي عبد الله سلام الله عليه قال : لمّا بعث الله هوداً أسلم له العقب من ولد سام ، وأمّا الآخرون فقالوا : من أشدّ منّا قوَّةً ، فأُهلكوا بالرّيح العقيم ، ووصى (٣) وبشرهم بصالح صلوات الله عليهما (٤).

٨٤ ـ وعن ابن أورمة ، حدّثنا سعيد بن جناح ، عن أيّوب بن راشد ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : كانت أعمار قوم هود صلوات الله عليه أربعمائة سنةً ، وقد كانوا يعذّبون بالقحط ثلاث سنين ، فلم يرجعوا عمّا هم عليه ، فلمّا رأوا ذلك بعثوا وفداً لهم إلى جبال مكّة ، وكانوا لا يعرفون موضع الكعبة ، فمضوا واستسقوا فرفعت لهم ثلاث سحابات ، فقالوا : هذه حُفا يعني الّتي ليس فيها ماء وسمّوا الثّانية فاجياً و [ اختاروا ] (٥) الثالثة التي فيها العذاب.

قال : والرّيح عصفت عليهم ، وكان رئيسهم يقال له : الخلجان فقالوا : يٰا هود ما ترى الرّيح إذ أقبلت أقبل معها خلق [ كثير ] (٦) كأمثال الأباعر معها أعمدة هم الّذين يفعلون بنا الافاعيل ، فقال : أولئك الملآئكة ، فقالوا : أترى ربّك إن نحن آمنّا به أن يديلنا منهم ،

_________________________________

(١) في ق ٣ والبحار : ولكنه أخو اليمن.

(٢) بحار الانوار (١١ / ٣٥٨ ـ ٣٥٩) ، برقم : (١٥).

(٣) في البحار : وأوصاه هود.

(٤) بحار الانوار (١١ / ٣٥٩) ، برقم : (١٦) عن اكمال الدين.

(٥) الزيادة من البحار.

(٦) الزيادة من ق ٤ وق ٥ والبحار.


فقال لهم هود عليه السلام : إنّ الله تعالى لا يديل أهل المعاصي من أهل الطّاعة ، فقال له الخلجان : وكيف لي بالرّجال الّذين هلكوا ؟ فقال له هود : يبدلك الله بهم من هو خير لك منهم ، فقال : لا خير في الحياة بعدهم (١) ، فاختار اللّحاق بقومه ، فأهلكه الله تعالى (٢).

٨٥ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبي ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن عبد الملك بن طريف ، عن الأصبغ بن نباته ، قال : خرجنا مع أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى نخيلة (٣) فإذا أناس من اليهود معهم ميّت لهم ، فقال أمير المؤمنين للحسن صلوات الله عليهما : انظر ما يقول هؤلاء في هذا القبر ؟ فقال : يقولون : هو هود عليه السلام فقال : كذبوا أنا أعلم به منهم ، هذا قبر يهود بن يعقوب ، ثم قال : من ها هنا من مهرة ؟ فقال شيخ كبير : أنا منهم ، فقال له (٤) : أين منزلك ؟ فقال : في مهرة على شاطىء البحر (٥) ، فقال : أين هو من الجبل الّذي عليه الصّومعة ؟ قال : قريب منه قال : ما يقول قومك فيه ؟ فقال : يقولون هو (٦) قبر ساحر ، فقال : كذبوا أنا أعلم به منهم ، ذلك قبر (٧) هود عليه السلام وهذا قبر يهودا (٨).

٨٦ ـ وباسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن ذرعة بن محمّد الحضرمي ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا هاجت الرّياح فجاءت بالسّافي الأبيض والاسود والاصفر ، فانّه رميم قوم عاد (٩).

٨٧ ـ وعن ابن بابويه ، حدثنا محمد بن هارون ، حدثنا معاذ بن المثنى العنبري ،

_________________________________

(١) في ق ٤ : لا خير لي في الحياة بعدهم ، وفي ق ٢ : لا خير لي في الحياة الدّنيا بعدهم ، وفي ق ٥ : لا خير في الحياة الدّنيا.

(٢) بحار الانوار (١١ / ٣٥٩) ، برقم : (١٧).

(٣) في ق ٢ : النخيلة.

(٤) في البحار : فقال لهم.

(٥) في ق ٤ : الفرات ، وفي ق ٣ : النهر.

(٦) الزيادة من ق ٢ وق ٣.

(٧) في ق ٢ : هو قبر.

(٨) بحار الانوار (١١ / ٣٥٩ ـ ٣٦٠) ، برقم : (١٨).

(٩) بحار الانوار (١١ / ٣٦١) و (٦٠ / ١١) ، برقم : (١٣).


حدثنا عبد الله بن أسماء (١) ، حدّثنا جويرية ، عن سفيان بن منصور ، عن أبي وائل ، عن وهب قال : لمّا تمّ لهود عليه السلام أربعون سنة أوحى الله إليه أن ائت قومك ، فادعهم إلى عبادتي وتوحيدي ، فان أجابوك زدتهم قوّةً وأموالاً ، فبيناهم مجتمعون إذ أتاهم هود ، فقال : يا قوم أعبدوا الله مالكم من الۤه غيره ، فقالوا : يا هود لقد كنت عندنا ثقةً أميناً قال : فانّي رسول الله إليكم دعوا عبادة الأصنام ، فلمّا سمعوا ذلك منه بطشوا به وخنقوه وتركوه كالميّت ، فبقى يومه وليلته مغشيّاً عليه ، فلمّا أفاق قال : ربّ إنّي قد عملت وقد ترى مٰا فَعَلَ بي قومي.

فجاء جبرئيل عليه السلام فقال : يا هود إنّ الله تعالى يأمرك أن لا تفتر عن دعائهم ، وقد وعدك أن يلقي في قلوبهم الرعب ، فلا يقدرون على ضربك بعدها ، فأتاهم هود ، فقال لهم : قد تجبّرتم في الارض وأكثرتم الفساد ، فقالوا : يا هود اترك هذا القول ، فانّا إن بطشنا بك الثّانية نسيت الاولى ، فقال : دعوا هذا وارجعوا إلى الله وتوبوا إليه ، فلمّا رأى القوم ما لبسهم من الرعب علموا انّهم لا يقدرون على ضربه الثّانية ، فاجتمعوا بقوّتهم ، فصاح بهم هود عليه السلام صيحة فسقطوا لوجوههم.

ثم قال : يا قوم قد تماديتم في الكفر ، كما تمادى قوم نوح عليه السلام وخليق أن أدعو عليكم كما دعا نوح على قومه ، فقالوا : يا هود إنّ آلهة قوم نوح كانوا ضعفاء وإنّ آلهتنا أقوياء ، وقد رأيت شدّة أجسامنا (٢) وكان طول الرّجل منهم مائة وعشرين ذراعاً وعرضه ستون ذراعاً ، وكان أحدهم يضرب الجبل الصغير فيقطعه ، فمكث على هذا يدعوهم سبعمائة وستّين سنة.

فلمّا أراد الله تعالى هلاكهم حقف الاحقاف حتى صارت أعظم من الجبال ، فقال لهم هود يا قوم ألا ترون إلى هذه الرّمال كيف تحقّفت (٣) إنّي أخاف أن تكون مأمورة ، فاغتمّ هود عليه السلام لما رأى من تكذيبهم إيّاه ونادته الأحقاف قِرَّ يا هود عيناً ، فانّ لعاد منّا يوم سوء ، فلمّا سمع هود ذلك قال : يا قوم اتّقوا الله واعبدوه ، فان لم تؤمنوا به صارت هذه

_________________________________

(١) في ق ٢ : عبد الله بن أسماء بن سماعة.

(٢) في ق ١ : أجسادهم.

(٣) في ق ٤ وق ٥ : تخففت.


الاحقاف عليكم عذاباً ونقمةً ، فلمّا سمعوا ذلك أقبلوا على نقل الأحقاف ، فلا تزداد (١) إلّا كثرةً ، فرجعوا صاغرين ، فقال هود : يا ربِّ قد بلغت رسالاتك فلم يزدادوا إلا كفراً.

فأوحى الله إليه يا هود : إنّي أمسك عنهم المطر ، فقال هود عليه السلام : يا قوم قد وعدني ربّي أن يهلككم ومرّ صوته في الجبال وسمع الوحش (٢) صوته والسّباع والطير ، فاجتمع كلّ جنس منها يبكي ويقول : يا هود أتهلكنا (٣) مع الهالكين ، فدعا هود ربّه تعالى في أمرها ، فأوحى الله تعالى إليه : أنّي لا أهلك من لم يعصني (٤) بذنب من عصاني ، تعالى الله علوّاً كبيراً (٥).

فصل ـ ٢ ـ

( في حديث إرم ذات العماد )

٨٨ ـ عن ابن بابويه ، حدّثنا ابوالحسين محمّد بن هارون الزّنجاني ، حدّثنا معاذ بن المثنى العنبري ، حدّثنا عبد الله بن أسماء ، حدّثنا جويرية ، عن سفيان عن منصور ، عن أبي وائل ، قال : إنّ رجلاً يقال له : عبد الله بن فلانة (٦) خرج في طلب إبل له قد شردت (٧) ، فبينا هو في بعض الصّحاري في عدن في تلك الفلوات إذا هو قد وقع على مدينة عظيمة عليها حصن ، وحول ذلك الحصن قصور كثيرة وأعلام طوال ، فلما دنا منها ظن أنّ فيها من يسأله عن إبله ، فلم ير داخلاً ولا خارجاً ، فنزل عن ناقته (٨) وعقلها وسلّ سيفه ودخل من باب الحصن ، فإذا هو ببابين عظيمين لم ير في الدّنيا أعظم منهما ولا أطول ، واذا

_________________________________

(١) في ق ٢ : فلا تزد.

(٢) في ق ٢ : الوحوش.

(٣) في ق ٣ : أهلكتنا.

(٤) في ق ٣ : لم يعص.

(٥) بحار الانوار (١١ / ٣٦١ ـ ٣٦٢) ، برقم : (٢١).

(٦) في ق ٣ والبحار : عبد الله بن قلابة ، وعن لسان الميزان (٣ / ٣٢٧) قال : عبد الله بن قلابة صاحب حديث إرم ذات العماد.

(٧) في ق ١ : تشردت.

(٨) في ق ١ : عن قتبة.


خشبهما من أطيب خشب عود ، وعليهما نجوم من ياقوت أصفر وياقوت أحمر ، ضوئهما قد ملأ المكان ، فلمّا رآى ذلك أعجبه ، ففتح أحد البابين فدخل ، فإِذا بمدينة لم ير الراؤون مثلها ، واذا هو بقصور كل قصر معلق تحته أعمدة من زبرجد وياقوت ، وفوق كلّ قصر منها غرف ، وفوق الغرف غرف مبنيّة بالذهب والفضّة والياقوت واللّؤلؤ والزّبرجد ، وعلى كلّ باب من أبواب تلك القصور مصراع مثل مصراع باب المدينة من عود طيب قد نضدت عليه اليواقيت (١) وقد فرشت تلك القصور باللؤلؤ وبنادق المسك والزّعفران.

فلمّا رآى ذلك ولم ير هناك أحداً أفزعه ذلك ، ثمّ نظر إلى الأزقة ، فاذا في كلّ زقاق منها أشجار قد أثمرت تحتها أنهار تجري ، فقال : هذه الجنّة الّتي وضعت لعباد الله في الدّنيا فالحمد لله الّذي أدخلني الجنّة ، فحمل من لؤلؤها ومن بنادق المسك والزّعفران ، فانّها كانت منثورة (٢) بمنزلة الرّمل ، ولم يستطع أن يقلع من زبرجدها ولا من ياقوتها ، لانّه كان مثبتاً في أبوابها وجدرانها ، فأخذ ما أراد وخرج إلى اليمن ، فأظهر ما كان منه ، وأعلم النّاس أمره ، وفشا خبره وبلغ معاوية ، فأرسل رسولاً إلى صاحب صنعاء ، وكتب بإِشخاصه فشخص حتى قدم على معاوية وخلا به وسأله عمّا عاين ، فقصّ عليه أمر المدينة وما رآى فيهٰا ، وعرض عليه ما حمله منها.

فبعث معاوية إلى كعب الاحبار ودعاه ، وقال : يا أبا إسحاق هل بلغك أنّ في الدّنيا مدينةً مبنيّة بالذّهب والفضّة ؟ فقال كعب الأحبار : أما هذه المدينة ، فصاحبها شدّاد بن عاد الّذي بناها ، فهي إرم ذات العماد ، وهي الّتي وصفها الله تعالى في كتابه المنزل على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وآله ، قال معاوية : حدّثنا بحديثها.

فقال : إنّ عاد الاولى ـ وليس بعاد قوم هود ـ كان له إبنان يسمّى أحدهما « شديد » والآخر « شدّاد » فهلك عاد وبقيا وملكا وتجبّرا ، وأطاعهما النّاس في الشّرق والغرب فمات شديد وبقي شدّاد ، فملك وحده ولم ينازعه أحد ، وكان مولعاً بقراءة الكتب ، وكان كلّما يذكر الجنّة رغب أن يفعل مثلها في الدّنيا عتوّاً على الله تعالى ، فجعل على صنعتها مائة

_________________________________

(١) في ق ٢ : الياقوت.

(٢) في ق ١ وق ٢ : منشورة.


رجل تحت كلّ واحد منهم ألف من الاعوان ، فقال : انطلقوا إلى أطيب فلاة من الارض وأوسعها فاعملوا لي مدينة من ذَهَبٍ وفضّة وياقوت وزبرجد واصنعوا تحت المدينة أعمدة من ياقوت وزبرجد ، وعلى المدينة قصوراً ، وعلى القصور غرفاً ، وفوق الغرف غرفاً ، واغرسوا تحت القصور في أرضها أصناف الثّمار كلّها ، وأجروا فيها الأنهار حتّى تكون تحت أشجارها فقالوا : كيف نقدر على ما وصفت لنا من الجواهر والذّهب والفضّة حتّى يمكننا أن نبني مدينة (١) كما وصفت ؟ قال شدّاد : أما تعلمون أنّ ملك الدّنيا بيدي ؟ قالوا : بلى ، قال : فانطلقوا إلى كلّ معدن من معادن الجواهر والذهب والفضّة ، فوكّلوا عليها جماعةً حتّى يجمعوا ما تحتاجون إليه ، وخذوا جميع ما في أيدي النّاس من الذّهب والفضّة ، فكتبوا إلى كلّ ملك في المشرق والمغرب ، فجعلوا يجمعون أنواع الجواهر عشر سنين ، فبنوا له هذه المدينة في مدَّة ثلاثمائة (٢) سنة.

فلمّا أتوه وأخبروه بفراغهم منها ، قالوا : انطلقوا فاجعلوا عليها حصناً ، واجعلوا حول الحصن ألف قصر ، لكلّ قصر ألف علم ، يكون في كلّ قصرٍ من تلك القصور وزيرٌ من وزرآئي ، فرجعوا وأعملوا ذلك كلّه.

ثم أتوه فأخبروه بالفراغ ممّا أمرهم به ، فأمر النّاس بالتّجهيز إلى إرم ذات العماد ، فأقاموا إلى جهازهم إليها عشر سنين ، ثمّ سار الملك شدّاد يريد إرم ذات العماد ، فلمّا كان من المدينة على مسيرة يوم وليلة ، بعث الله جلّ جلاله عليه وعلى من معه صيحة من السّماء فاهلكتهم جميعاً ، ومٰا دخل هو إرم ولا أحد ممن كان معه ، وإنّي لأجد في الكتب أنّ واحداً يدخلها فيرى ما فيها ، ثمّ يخرج فيحدِّث بما يرى ولا يصدَّق ، فسيدخلها أهل الدّين (٣) في آخر الزمان (٤).

فصل ـ ٣ ـ

( في نبوة صالح صلوات الله عليه )

وهو صالح بن حاثر بن ثمود بن حاثر بن سام بن نوح صلوات الله عليه(٥).

_________________________________

(١) في ق ٢ : المدينة.

(٢) في ق ٢ : ثمانمائة.

(٣) في ق ٢ : أهل الدنيا.

(٤) بحار الانوار (١١ / ٣٦٧ ـ ٣٦٩) ، برقم : (٢).

(٥) بحار الانوار (١١ / ٣٧٧) ، برقم : (٢) ، وفيه : هو صالح بن ثمود بن عاثر بن ارم بن سام بن نوح.


وأمّا هود ، فهو ابن عبد الله بن رياح ابن حيلوث ـ حلوث ، جلوث ـ بن عاد بن عوض بن آدم بن سام بن نوح (١)

٨٩ ـ أخبرنا ابونصر الغازي ، عن أبي منصور العكبري ، عن المرتضى والرّضي ، عن الشّيخ المفيد ، عن الشيّخ أبي جعفر بن بابويه ، عن أبيه ومحمد بن علي ماجيلويه ، حدّثنا محمد بن أبي القاسم ، عن محمد بن الكوفي ، عن علي بن العباس الدّينوري ، عن جعفر بن محمد البلخي ، عن الحسن بن راشد ، عن يعقوب بن إبراهيم بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، قال سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر صلوات الله عليهما وسأله رجل عن أصحاب الرّس (٢) الّذين ذكرهم الله في كتابه من هم ؟ وممّن هم ؟ وأيّ قوم كانوا ؟

فقال : كانا رسّين (٣) أمّا أحدهما ـ فليس الّذي ذكره الله في كتابه ـ كان أهله أهل بدو وأصحاب شاة وغنم ، فبعث الله تعالى إليهم صالح النّبي رسولاً ، فقتلوه وبعث إليهم رسولاً آخر فقتلوه ، ثمّ بعث إليهم رسولاً آخر وعضده بوليّ ، فقتل الرّسول وجاهد الوليّ حتّى أفحمهم ، وكانوا يقولون إلهُنا في البحر ، وكانوا على شفيره وكان لهم عيد في السّنة يخرج حوت عظيم من البحر في ذلك اليوم فيسجدون له.

فقال وليّ صالح لهم لا أريد أن تجعلوني ربّاً ، ولكن هل تجيبوني إلى ما دعوتكم ؟ إن أطاعني ذلك الحوت ، فقالوا : نعم وأعطوه عهوداً ومواثيق ، فخرج حوت راكب على أربعة أحوات ، فلمّا نظروا إليه خرّوا له سجّداً ، فخرج وليّ صالح النّبي إليه وقال له : ائتني طوعاً أو كرهاً بـ : بسم الله الكريم فنزل على أحواته ، فقال الوليّ ائتني عليهن لئلّا يكون من القوم في أمري شك فأتى الحوت إلى البرّ يجرّها وتجرّه إلى عند وليّ صالح ، فكذّبوه بعد ذلك فأرسل الله إليهم ريحاً ، فقذفهم (٤) في اليم أي البحر ومواشيهم ، فأتى الوحي إلى ولي صالح بموضع ذلك البئر وفيها الذّهب والفضّة ، فانطلق فأخذه ففضّه على أصحابه بالسّوية على الصّغير والكبير (٥).

وأما الّذين ذكرهم الله في كتابه ، فهم قوم كان لهم نهر يدعى الرّس ، وكان فيها أمياه

_________________________________

(١) بحار الانوار (١١ / ٣٥٠) ، برقم : (١).

(٢) في البحار : عن يعقوب بن ابراهيم قال : سأل رجل ابا الحسن موسى عليه السلام عن أصحاب الرّس.

(٣) في ق ٣ : كانا رئيسين ، وفي ق ٤ وق ٥ : كانا رسيين.

(٤) في ق ١ وق ٢ : فنبذهم.

(٥) بحار الانوار (١١ / ٣٨٧ ـ ٣٨٨) ، برقم : (١٣).


كثيرة ، فسأله رجل وأين الرّس ؟ فقال : هو نهر بمنقطع آذربيجان ، وهو بين حدّ (١) أرمنيّة وآذربيجان ، وكانوا يعبدون الصّلبان ، فبعث الله إليهم ثلاثين نبيّاً في مشهد واحد فقتلوهم جميعاً ، فبعث الله إليهم نبيّاً وبعث معه وليّاً فجاهدهم ، وبعث الله ميكائيل في أوان وقوع الحبّ والزّرع ، فانضب ماءهم ، فلم يدع عيناً ولا نهراً ولا ماءاً إلّا أيبسه ، وأمر ملك الموت فامات مواشيهم وأمر الله الأرض فابتلعت ما كان لهم من تبر أو فضة أو آنية « فهو لقائمنا عليه السلام إذا قام » فماتوا كلّهم جوعاً وعطشاً وبكاءاً ، فلم يبق منهم باقية وبقي منهم قوم مخلصون ، فدعوا الله أن ينجيهم بزرع وماشيةٍ وماءٍ ويجعله قليلاً لئلّا يطغوا ، فأجابهم الله إلى ذلك ، لما علم من صدق نيّاتهم.

ثمَّ عاد القوم الى منازلهم ، فوجدوها قد صارت أعلاها أسفلها ، وأطلق الله لهم نهرهم وزادهم فيه على ما سألوا ، فقاموا على الظّاهر والباطن في طاعة الله ، حتى مضى أولئك القوم ، وحدث نسل بعد ذلك أطاعوا الله في الظاهر ونافقوه في الباطن وعصوا بأشياء شتّى ، فبعث الله من أسرع فيهم القتل ، فبقيت شرذمة منهم ، فسلّط الله عليهم الطّاعون ، فلم يبق منهم أحدٌ وبقي نهرهم ومنازلهم مائتي عام لا يسكنها أحدٌ ، ثمَّ أتى الله تعالى بقوم بعد ذلك فنزلوها وكانوا صالحين ، ثم أحدث قوم منهم فاحشة واشتغل الرّجال بالرجال والنّساء بالنّساء ، فسلّط الله عليهم صاعقة ، فلم يبق منهم باقية (٢).

٩٠ ـ وباسناده عن ابن أورمة ، عن علي بن محمد الخيّاط ، عن علي بن أبي حمزة (٣) عن أبي بصير عن أبي عبد الله صلوات الله عليه في قوله تعالى : « كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ » (٤) فقال : هذا لمّا كذبوا صالحاً صلوات الله عليه ، وما أهلك الله تعالى قوماً قطّ حتّى يبعث إليهم الرّسل قبل ذلك فيحتجّوا عليهم ، فاذا لم يجيبوهم أهلكوا ، وقد كان بعث الله صالحاً عليه السّلام فدعاهم إلى الله فلم يجيبوه وعتوا عليه ، وقالوا : لن نؤمن لك حتّى تخرج لنا من الصّخرة ناقة عُشرآء (٥) ، وكانت صحرة يعظّمونها ويذبحون عندها في رأس كلّ سنة

_________________________________

(١) في ق ٣ : هو من حدّ.

(٢) بحار الانوار (١٤ / ١٥٣ ـ ١٥٤) ، برقم : (٤).

(٣) وفي النسخ : علي بن حمزة والظّاهر أنّه : علي بن أبي حمزة البطائني قائد أبي بصير.

(٤) سورة القمر : ٢٣.

(٥) ناقة عشراء : هي التي مضى من حملها عشرة أو ثمانية أشهر ، أو هي كالنفساء من النساء.


ويجتمعون عندها ، فقالوا له : إن كنت كما تزعم نبيّاً رسولاً ، فادع الله يخرج لنا ناقةً منها ، فأخرجها لهم كما طلبوا منه.

فأوحى الله تعالى إلى صالح أن قل لهم : إنّ الله تعالى جعل لهذه النّاقة شرب يوم ولكم شرب يوم ، فكانت النّاقة إذا شربت يومها شربت الماء كلّه ، فيكون شرابهم ذلك اليوم من لبنها ، فيحلبونها فلا يبقى صغير ولا كبير إلّا شرب من لبنها يومه ذلك ، فاذا كان اللّيل وأصبحوا غدوا إلى مائهم فشربوهم ذلك اليوم ولا تشرب النّاقة ، فمكثوا بذلك ما شاء الله حتّى عتوا ودبّروا في قتلها ، فبعثوا رجلاً أحمر أشقر أزرق لا يعرف له أبٌ ولد الزّنا ، يقال له : قذار ليقتلها ، فلمّا توجّهت الناقة إلى الماء ضربها ضربة ، ثمّ ضربها أخرى فقتلها ، وفرّ فصيلها حتى صعد إلى جبل ، فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلّا أكل منها ، فقال لهم صالح عليه السّلام : أعصيتم ربَّكم إنّ الله تعالى يقول : إن تبتم قبلت توئتكم ، وإن لم ترجعوا بعثت إليكم العذاب في اليوم الثّالث ، فقالوا يا صالح ائيتنا بما تعدنا إن كنت من الصّادقين ، قال : إنّكم تصبحون غداً وجوهكم مصفرة ، واليوم الثّاني محمرّة ، واليوم الثّالث مسودّة ، فاصفرت وجوههم فقال بعضهم : يا قوم قد جاءكم ما قال صالح ، فقال العتاة : لا نسمع ما يقول صالح ولو هلكنا (١) ، وكذلك في اليوم الثّاني والثالث ، فلمّا كان نصف اللّيل أتاهم جبرئيل ، فصرخ بهم صرخة خرقت أسماعهم وقلقلت قلوبهم (٢) ، فماتوا أجمعين في طرفة عين صغيرهم وكبيرهم ، ثمَّ أرسل الله عليهم ناراً من السّماء فأحرقتهم (٣).

فصل ـ ٤ ـ

٩١ ـ وباسناده عن الصّفار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن علي بن أسباط ، عن سيف بن عميرة ، عن زيد الشحام (٤) ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : إن صالحاً عليه السلام غاب عن قومه زماناً ، وكان يوم غاب كهلاً حسن الجسم (٥) ،

_________________________________

(١) في ق ٢ : وان هلكنا.

(٢) في ق ٣ : فلقت قلوبهم.

(٣) بحار الانوار (١١ / ٣٨٥ ـ ٣٨٦) ، برقم : (١١).

(٤) في البحار : عن إبن أسباط عن إبن أبي عمير عن الشّحام.

(٥) في ق ٢ : حسن الوجه.


وافر اللّحية ، ربعة من الرّجال ، فلمّا رجع إلى قومه لم يعرفوه ، وكانوا على ثلاث طبقات : طبقة جاحدة (١) ولا ترجع أبداً ، وأخرى شاكة ، وأخرى على يقين ، فبدأ حين رجع بالطّبقة الشّاكة ، فقال لهم : أنا صالح فكذّبوه وشتموه وزجروه ، وقالوا : إنّ صالحاً كان على غير صورتك وشكلك ، ثم أتى (٢) إلى الجاحدة فلم يسمعوا منه ونفروا منه أشد النّفور.

ثمّ انطلق إلى الطّبقة الثالثة وهم أهل اليقين ، فقال لهم : أنا صالح ، فقالوا أخبرنا خبراً لا نشكّ فيه أنّك صالح انا نعلم انّ الله تعالى الخالق (٣) يحوّل في أيّ صورة شاء ، وقد أخبرنا وتدارسنا بعلامات صالح عليه السلام إذا جاء ، فقال : أنا الّذي أتيتكم بالنّاقة ، فقالوا : صدقت وهي الّتي تتدارس (٤) فما علامتها ؟ قال : لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم (٥) ، فقالوا : آمنّا بالله وبما جئتنا به « قال » عند ذلك « الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا » وهم الشّكاك والجحاد : « إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُم بِهِ كَافِرُونَ » (٦).

قال زيد الشحّام : قلت : يا بن رسول الله (ص) هل كان ذلك اليوم عالم ؟ قال : الله أعلم من أن يترك الأرض بلا عالم ، فلمّا ظهر صالح عليه السّلام اجتمعوا عليه ، وانّما مثل عليّ والقائم صلوات الله عليهما في هذة الأمّة مثل صالح عليه السلام (٧).

٩٢ ـ أخبرنا الشّيخ ابوجعفر محمد بن علي النيشابوري ، عن عليّ بن عبد الصّمد التّميمي ، عن السيّد أبي البركات علي بن الحسين ، عن ابن بابويه ، حدثنا محمد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبد الله بن جعفر ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن سدير قال : سأل أبا جعفر عليه السلام رجل وأنا حاضر عن قوله تعالى : « فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا » (٨) فقال : هؤلاء قوم كانت لهم قرى متصلة ، ينظر بعضهم

_________________________________

(١) في البحار : جاحدة لا ترجع.

(٢) في ق ٣ : ثم رجع.

(٣) في ق ٤ والبحار : لخالق.

(٤) في ق ٢ : نتدارسها.

(٥) اقتباس من سورة الشعراء : ١٥٥.

(٦) سورة الاعراف : (٧٦).

(٧) بحار الانوار (١١ / ٣٨٦ ـ ٣٨٧) ، برقم : (١٢).

(٨) سورة سبأ : (١٩).


إلى بعض ، ولهم أنهار جارية وفواكه وأعناب ، وكانت قراهم فيما بين المدينة على ساحل البحر الى الشام ، فكفروا فغيّر الله ما بهم من نعمة (١) ، فأرسل عليهم سيل العرم ، فغرق قراهم (٢).

٩٣ ـ وباسناده عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه السلام إنّ قوماً من أهل إيله (٣) من قوم ثمود كانت الحيتان تستبق إليهم كلّ يوم ، وكانوا نهوا عن صيدها ، فأكلها الجهّال ، ولا ينهاهم عن ذلك العلماء ، ثمَّ انحازت طائفة منهم ذات اليمين ، فقالت : إنّ الله تعالى ينهاكم عنها واعتزلت طائفة منهم ذات اليسار ، فسكتت ولم تعظهم ، وقالت الاولى : « لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّـهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ » (٤) أي : تركوا ما وُعّظوا به ، خرجت الطّائفة الواعظة من المدينة مخافة أن يصيبهم العذاب وكانوا أقلّ الطّائفتين ، فلمّا أصبح أولياء الله أتوا باب المدينة ، فاذا هم بالقوم قردة لهم أذناب.

ثمَّ قال ابوجعفر قال علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام : لهذه الأمّة بعد نبّيها سنّة أولئك لا ينكرون ولا يغيّرون عن معصية الله ، وقد قال الله تعالى : « أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ » (٥).

فصل ـ ٥ ـ

٩٤ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني حدّثنا علي بن إبراهيم ابن هاشم ، عن أبيه ، حدّثنا ابوالصّلت الهروي ، حدثني علي بن موسى الرّضا ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن آبائهم عليهم الصلاة والسلام قال : جاء علي بن أبي طالب عليه السلام قبل مقتله بثلاثة أيام رجل من أشرافهم ، يقال له : عمرو ، فسأله عن أصحاب الرّس فقال :

_________________________________

(١) في ق ٢ : فغير الله عليهم من نعمة.

(٢) بحار الانوار (١٤ / ١٤٤ ـ ١٤٥) ، برقم : (٣) نحوه عن الكافي.

(٣) في البحار : أهل ابلة.

(٤) سورة الاعراف : (١٦٤) والّتي بعدها أيضاً فيها : (١٦٥).

(٥) بحار الانوار (١٤ / ٥٤ و ٥٢).


إنّهم كانوا يعبدون شجرة صنوبر ، يقال لها شاه درخت ، كان يافث بن نوح عليه السلام غرسها على شفير عين (١) يقال لها : روشاب ، وإنّما سمّوا أصحاب الرّس ، لأنّهم رسّوا نبيّهم في الأرض ، وكانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطىء نهرٍ يقال له : الرّس من بلاد المشرق ، ولم يكن يومئذٍ نهر أغزر منه ولا قرى أكبر منها ، وقد جعلوا في كلّ شهر من السّنة في كلّ قرية عيداً يجتمع إليه أهلها ، فيضربوا (٢) على الشّجرة الّتي غرسوا من حبّ تلك الصّنوبرة كلَّةً من حريرٍ ، ثمّ يأتون بشاة وبقرٍ فيذبحونهما قرباناً للشّجرة هذا عيد شهر كذا ، فاذا كان عيد قريتهم العظيمة الّتي فيها الصّنوبرة ضربوا سرداق ديباج عليه ، ويجتمع عليه صغيرهم وكبيرهم ويسجدون له (٣) ويقرّبون الذّبائح أضعاف ما قربوا للشّجرة الّتي في قراهم.

فلمّا طال كفرهم بعث الله نبيّاً يدعوهم إلى عبادة الله فلا يتّبعونه (٤) ، فلمّا رآى شدّة تماديهم ، قال : ياربّ إن عبادك أبوا إلّا تكذيبي فأيبس شجرهم ، فأصبح القوم وقد يبس أشجارهم كلّها فهالهم ذلك ، فقالت فرقة : سحر آلهتكم هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه رسول ربّ السّماء والأرض ، وقالت فرقة : لا بل غضبت آلهتكم ، فحجبت حسنها لتنتصروا منه ، فاجتمع رأيهم على قتله ، فاتخذوا أنابيب طولاً من نحاس واسعة الافواه ، ثمَّ أرسلوها في قرار البئر واحدة فوق الأخرى مثل البرابخ (٥) ونزحوا ما فيها من الماء ، ثمَّ حفروا في قعرها بئراً ضيقة المدخل عميقة.

فأرسلوا فيها نبيّهم صلوات الله عليه والقموا فاها صخرةً (٦) عظيمة ، ثمّ أخرجوا الأنابيب من الماء ، فبقي عامة قومه (٧) يسمعون أنين نبيّهم عليه السلام ، وهو يقول : سيّدي قد ترى ضيق مكاني وشدة كربي ، فارحم ضعف ركني وقلّة حيلتي ، وعجّل بقبض روحي ،

_________________________________

(١) في ق ٢ : على شفر عين.

(٢) في ق ١ : فيضربون.

(٣) في ق ٢ : لها.

(٤) في ق ٢ : فلم يتبعوه.

(٥) البرابخ : ما يعمل من الحرّف للبئر ومجاري الماء.

(٦) في ق ٣ : وألقوا فيها صخرة.

(٧) في ق ١ : فبقي عامة قومهم ، وفي ق ٣ : فبقي عاماً قومه.


فمات صلوات الله عليه ، فقال الله عزّ وجلّ : يا جبرئيل لأجعلنّهم عبرةً للعالمين ، فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلك إلّا ريح عاصفة شديدة الحمرة ، فتحيّروا وتضامّ بعضهم إلى بعض ، ثمّ صارت الأرض من فوقهم كبريتاً يتوقد ، وأظلّتهم سحابة سوداء ، فذابت أبدانهم كما يذوب الرّصاص (١).



_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ١٤٨ ـ ١٤٩) ، عن العلل والعيون ، وفي آخره : كما يذوب الرصاص في النار.


الباب الرابع

( في نبوة إبراهيم عليه السلام )

٩٥ ـ أخبرنا ألسّيد ابوالبركات محمّد بن اسماعيل ، عن علي بن عبدالصّمد سعد النيشابوري ، عن السيد أبي البركات الحوري (١) عن أبي جعفر بن بابويه ، حدّثنا بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان آزر عمّ إبراهيم عليه السلام منجّماً لنمرود (٢) وكان لا يصدر إلّا عن رأيه ، فقال : لقد رأيت في ليلتي عجباً ، فقال : ما هو ؟ فقال : إنّ مولوداً يولد في أرضنا هذه يكون هلاكنا على يديه ، فحجبت الرّجال عن النّساء ، كان تارخ وقع على أمّ ابراهيم عليه السلام فحملت ، فأرسل إلى القوابل لتنظر (٣) إلى النّساء ، ولا يكون في البطن شيء إلّا علمن به ، فنظرن إلى اُمّ ابراهيم ، وألزم الله ما في الرّحم الظّهر ، فقلن ما نرى بها شيئاً ، فلمّا وضعت ذهبت به إلى بعض الغيران (٤) فجعلته فيه وأرضعته ، وجعلت على باب الغار صخرةً ، فجعل الله رزقه في إبهامه فجعل يمصّها فتشخب لبناً ، وجعل يشبّ في اليوم كما يشبّ غيره في الجمعة ، ويشب في الجمعة كما

_________________________________

(١) هو السيد ابوالبركات علي بن الحسين الحسيني الحلي الجوزي ، كما في أمل الآمل ، فالحوري أو الخوري غلط ، كان أنّ الصّحيح في السّند بعد هذا : عن أبي جعفر بن بابويه عن أبيه عن سعد ، اذ الصّدوق لا يروي عن سعد بلا واسطة.

(٢) في ق ٤ وق ٥ : للنمرود.

(٣) في ق ٣ : لينظرن.

(٤) الغيران : جمع الغار.


يشبّ غيره في الشّهر ، فمكث ما شاء الله أن يمكث.

ثمّ أخرج إبراهيم من السّرب (١) ، فرأى الزّهرة وقوماً يعبدونها ، فقال : أهذا ـ على سبيل الانكار ـ ربّي ؟ فلم يلبث أن طلع القمر وعبده قوم أيضاً وقال ( عليه السلام ) أيضاً على سبيل الانكار (٢) ليكون ذلك حجة عليهم في إثبات التّوحيد ونفي التّشبيه ، وذلك قوله تعالى (٣) : « وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ » (٤).

٩٦ ـ وعن ابن أورمة ، حدّثنا الحسين بن علي ، عن عمر ، عن أبان ، عن حجر ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : خالف إبراهيم عليه السلام وعادى آلهتهم حتّى أدخل (٥) على نمرود فخاصمه ، فقال إبراهيم عليه السلام : « رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ » الآية ، وكان في عيد لهم دخل على آلهتهم قالوا : ما اجترأ عليها إلّا الفتى الّذي يعيّبها ويبرأ منها ، فلم يجدوا له مُثلةً أعظم من النّار ، فأخبروا نمرود ، فجمع له الحطب وأوقد عليه ، ثمّ وضعه (٦) في المنجنيق ليرمى به في النّار ، وأنّ إبليس دلّ على عمل المنجنيق لإِبراهيم عليه السّلام (٧).

٩٧ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، حدّثنا يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أخبرني أبي عن جدّي عن النّبي صلوات الله عليه وآله عن جبرئيل عليه الصلاة والسلام قال : لمّا أخذ نمرود إبراهيم عليه السلام ليلقيه في النّار ، قلت : ياربّ عبدك وخليلك ليس في أرضك أحد يعبدك غيره ، قال الله تعالى : هو عبدي آخذه اذا شئت ، ولمّا ألقي إبراهيم عليه السلام في النّار ، تلقّاه جبرئيل عليه السلام في الهوآء وهو يهوي إلى النّار ، فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟

_________________________________

(١) السرب : الحفير تحت الارض.

(٢) كذا في النّسخ ، ولعل الصّحيح : أن طلع القمر ورأى أيضاً قوماً عنده يعبدونه ، فقال أيضاً على سبيل الانكار قوله الأول ، وهو : أهذا ربي.

(٣) سورة الانعام : (٨٣).

(٤) بحار الانوار (١٢ / ٤٢) ، برقم : (٣١) ، الى قوله « فحملت ».

(٥) في ق ٢ : دخل.

(٦) في ق ٢ : وضع ، وفي ق ٣ : وضعه على.

(٧) بحار الانوار (١٢ / ٣٨ ـ ٣٩) ، برقم : (٢٣).


فقال : أمّا اليك فلا وقال : يا الله يا واحد يا أحد يا صمد (١) ، ويا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، نجّني من النّار برحمتك. فأوحى الله إلى النّار : كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (٢).

٩٨ ـ وعن ابن بابويه ، حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن محمد بن مروان ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه ، قال : كان دعاء إبراهيم عليه السلام يومئذ : « يا أحد يا صمد يا لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحدٌ » ثمَّ توكّلت على الله ، فقال : كفيت.

وقال : لمّا قال الله تعالى للنّار : « كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ » لم تعمل يومئذٍ نارٌ على وجه الأرض ، ولا انتفع بها أحد ثلاثة أيّام ، قال : ونزل جبرئيل يحدّثه وسط النّار ، قال نمرود : من اتّخذ إلهاً فليتخذ مثل إله إبراهيم ، فقال عظيم من عظمائهم : إنّي عزمت على النّيران أن لا تحرقه ، قال : فخرجت عنق من النّار فأحرقته ، وكان نمرود ينظر بشرفة على النّار.

فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام قال نمرود لآزر : اصعد بنا حتّى ننظر فصعدا ، فاذا إبراهيم في روضة خضراء ومعه شيخ يحدثه ، قال : فالتفت نمرود إلى آزر ، فقال : ما أكرم ابنك على الله. والعرب تسمّي العمّ « أباً » قال تعالى : في قصة يعقوب : « قَالُوا نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ » (٣) وإسماعيل كان عمّ يعقوب عليهم السّلام وقد سمّاه أباً في هذه الآية (٤).

فصل ـ ١ ـ

٩٩ ـ أخبرنا الاستاد ابوالقاسم بن كمح ، عن الشّيخ جعفر الدّوريستي ، عن الشيخ

_________________________________

(١) في ق ١ وق ٤ : ياالله ياصمد يامن لم يلد ، وفي ق ٣ وق ٥ والبحار : ياالله ياأحد ياصمد.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٣٩) ، برقم : (٢٤).

(٣) سورة البقرة : (١٣٣).

(٤) بحار الانوار (١٢ / ٣٩ ـ ٤٠) ، برقم : (٢٦) و (٩٥ / ١٨٩) الى قوله « كفيت ».


المفيد ، عن أبي جعفر بن بابويه ، حدثنا محمد بن بكران النّقاش ، حدّثنا أحمد بن محمد بن سعد الكوفي ، حدثنا علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه ، عن الرّضا صلوات الله عليه قال : لمّا أشرف نوح صلوات الله عليه على الغرق دعا الله بحقّنا ، فدفع الله عنه الغرق ، ولمّا رُمِيَ إبراهيم في النّار دعا الله بحقّنا ، فجعل النّار عليه برداً وسلاماً ، وأنّ موسى عليه السلام لمّا ضرب طريقاً في البحر دعا الله بحقّنا ، فجعله يبساً ، وأنّ عيسى عليه السلام لمّا أراد اليهود قتله دعا الله بحقّنا ، نجى من القتل فرفعه إليه (١).

١٠٠ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، حدّثنا أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن إبراهيم بن أبي رباب الكرخي (٢) ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إنّ إبراهيم عليه السلام كان مولده بكوثا ، وكان من أهلها وكانت أمّ ابراهيم وأمّ لوط عليهما السلام اختين ، وأنّه تزوّج سارة بنت لاحج ، وهي بنت خالته ، وكانت صاحبة ماشية كثيرة وحال حسنة ، فملّكت إبراهيم جميع ما كانت تملكه ، فقام فيه وأصلحه ، فكثرت الماشية والزّرع ، حتّى لم يكن بأرض كوثا رجل أحسن حالاً منه (٣).

وانّ ابراهيم عليه السلام لمّا كسّر أصنام نمرود أمر به فأوثق وعمل له حَيْراً فيه الحطب ، وألهب فيه النّار ، ثمَّ قذف بابراهيم عليه السلام لتحرقه ، ثمّ أعتزلوها ثلاثاً حتّى خمدت ، ثمّ أشرفوا على الحَيْر فاذا هم بابراهيم صلوات الله عليه سليماً مطلقاً من وثاقه ، فأخبروا نمرود ، فأمرهم أن ينفّروا ابراهيم من بلاده ، فانّه إن بقي في بلادكم أفسد دينكم وأضرّ (٤) بآلهتكم ، فأخرجوا ابراهيم ولوطاً عليهما السلام الى الشّامات.

فخرج إبراهيم ومعه لوط وسارة « وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ » (٥) يعني إلى

_________________________________

(١) بحار الانوار (١١ / ٦٩) ، برقم : (٢٧) و (١٢ / ٤٠) ، برقم : (٢٧) و (٢٦ / ٣٢٥) ، برقم : (٧) وفي ق ١ : فنجيّ ، و هو الصحيح.

(٢) في البحار : أبي زياد الكرخي.

(٣) أورد صدره الى قوله : حالا منه ، في البحار ، الجزء (١٢ / ١١٠) ، برقم : (٣٤) ومرة أخرى هذا الصّدر عن الكافي في نفس الجزء (٤٤ ـ ٤٥) بنحو أحسن وأوسع.

(٤) في ق ١ وق ٢ : وأخرجني.

(٥) سورة الصافات : (٩٩).


بيت المقدس ، فتحمل إبراهيم بماشيته وماله وعمل تابوتاً وحمل سارة فيه ، فمضى حتى خرج من سلطان نمرود وصار إلى سلطان رجل من القبط ، فمرَّ بعاشر (١) له ، فاعترضه فقال له : افتح هذا التّابوت حتّى تعطيني عشره وأبى إلّا فتحه ، ففتحه إبراهيم صلوات الله عليه ، فلمّا بدت سارة وكانت موصوفة بالحسن ، قال : فما هي ؟ قال إبراهيم : حرمتي وابنة خالتي ، قال : فما دعاك إلى أن حبستها (٢) في هذا التّابوت ، فقال إبراهيم صلوات الله عليه : الغيرة عليها أن لا يراها أحدٌ.

قال : فبعث الرّسل إلى الملك فأخبره بخبر إبراهيم ، فأرسل الملك أن احملوه والتّابوت معه ، فلمّا دخل عليه قال الملك لإِبراهيم : افتح التّابوت وأرني من فيه ، قال : إنّ فيه حرمتي وابنة خالتي وأنا مفتدٍ فتحه بجميع ما معي ، فأبى الملك إلّا فتحه ، قال : ففتحه فلمّا رأى سارةً الملك ، فلم يملك حلمه سفهه أنّ مدَّ يده إليها ، فقال إبراهيم : أللّهمّ احبس يده عن حرمتي ، فلم يصل إليها يده ولم ترجع إليه ، فقال الملك : إنّ إلهك هو الّذي فعل بي هذا ؟ قال : نعم إنَّ إلهي غيور يكره الحرام ، وهو الّذي حال بينك وبينها ، فقال الملك : ادع ربّك يردّ عليَّ يدي ، فان أجابك لم أعترض لها ، فقال إبراهيم صلوات الله عليه : أللّهمَّ ردّ عليه يده ليكفّ عن حرمتي ، فردّ الله تعالى عليه يده.

فأقبل الملك نحوها ببصره ، ثم عاد بيده نحوها ، فقال إبراهيم عليه السلام اللّهمّ احبس يده عنها ، فيبست يده ولم تصل إليها ، فقال الملك لابراهيم : إنّ إلهك لغيور فادع إلهك يردّ عليّ يدي ، فانّه إن فعل بي لم اُعد ، فقال له إبراهيم عليه السلام : أسأل ذلك على أنّك إن عدت لم تسألني أن أسأله ، فقال الملك : نعم ، فقال إبراهيم : اللّهمّ إن كان صادقاً فردّ عليه يده ، فرجعت عليه يده.

فلمّا رآى الملك ذلك عظّم إبراهيم عليه السلام وأكرمه ، وقال : فانطلق حيث شئت ، ولكن لي إليك حاجة ، قال ابراهيم عليه السلام وما هي ؟ قال : أحبّ أن تأذن لي أن أخدمها قبطيّة عندي جميلة عاقلة تكون لها خادمة ، فأذن له ابراهيم عليه السلام فدعا بها فوهبها لسارة ، وهي هاجر اُمّ اسماعيل عليه السلام ، فسار إبراهيم بجميع ما معه ، وخرج

_________________________________

(١) في ق ٣ : بعشّار.

(٢) في ق ٢ : الى حبسها.


الملك معه يتّبعه ويمشي خلف إبراهيم عليه السلام إعظاماً له ، فأوحى الله تعالى إلى ابراهيم عليه السلام : أن قف ولا تمش قدّام الجبّار ، فوقف إبراهيم صلوات الله عليه وقال للملك إنّ إلهي أوحى إليّ السّاعة أن أُعظّمك وأُقدّمك وأمشي خلفك ، فقال : أشهد أنّ إلهك رفيق حليم كريم.

قال : وودّعه الملك ، وسار إبراهيم حتّى نزل بأعلى الشّامات ، وخلّف لوطاً بأدنى الشّامات ، ثمَّ إنَّ إبراهيم أبطأ عن الولد ، فقال لسارة : أن لو شئت لمتّعتني من هاجر لعلّ الله يرزقني منها ولداً فيكون خلفاً ، فابتاع ابراهيم عليه السلام هاجر من سارة فوقع عليها فولدت إسماعيل عليه السلام (١).

١٠١ ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن داود بن كثير الرّقّي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أيّهما كان أكبر إسماعيل أم اسحاق ؟ وأيّهما كان الذبيح ؟ قال : كان إسماعيل أكبر بخمس سنين ، وكان الذبيح اسماعيل عليه السلام ، وكانت مكة منزل اسماعيل عليه السلام ، ولمّا أراد إبراهيم أن يذبح اسماعيل أيّام الموسم بمنى قال الله تعالى : « فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ » (٢) ثمَّ قال : « وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ » (٣) فمن زعم أن إسحاق أكبر من اسماعيل وأنّه كان الذّبيح ، فقد كذّب بما أنزل الله تعالى في القرآن من نبأهما صلوات الله عليهما (٤).

١٠٢ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هاشم بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام ، قال : كان لابراهيم ابنان ، فكان أفضلهما ابن الأمة (٥).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ٤٥ ـ ٤٧) ، برقم : (٣٨) عن الكافي.

(٢) سورة الصّافات : (١٠٢).

(٣) سورة الصّافات : (١١٢).

(٤) بحار الانوار (١٢ / ١٣٠) ، برقم (١١).

(٥) بحار الانوار (١٢ / ١١٠) ، برقم : (٣٥).


١٠٣ ـ وعن ابن أبي عمير ، عن عبد الرّحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه في قوله تعالى : « وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ » (١) يعني : حاضت ، وهي يومئذٍ ابنة تسعين سنة ، وابراهيم ابن مائة وعشرين سنةً ، قال : وإنَّ قوم إبراهيم عليه السلام نظروا إلى إسحاق عليه السلام قالوا : ما أعجب هذا وهذه يعنون إبراهيم عليه السلام وسارة أخذا صبيّاً وقالا : هذا ابننا يعنون إسحاق ، فلمّا كبر لم يعرف هذا وهذا لتشابههم حتّى صار إبراهيم يعرف بالشّيب قال : فثنى إبراهيم عليه السلام لحيته ، فرآى فيها طاقةً بيضاء فقال إبراهيم : اللّهمّ ما هذا ؟ فقال : وقار فقال : اللّهمَّ زدني وقاراً (٢).

١٠٤ ـ وباسناده عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن محمد بن مروان (٣) ، عن زرارة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : كان إبراهيم عليه السلام رجلاً غيوراً ، كان إذا خرج أغلق بابه ، فرجع يوماً فرأى رجلاً في داره عليه ثوبان أبيضان يقطر رأسه ماءً ودهناً ، فقال له : من أنت ؟ فقال : أنا ملك الموت ، ففزع إبراهيم عليه السلام وقال : جئتني لتسلبني روحي ؟ فقال : لا ولكن الله اتّخذ عبداً خليلاً فجئته ببشارة ، فقال : ومن هو ؟ قال : وما تريد منه ؟ قال ابراهيم عليه السلام : أخدمه حتى أموت فقال : أنت هو (٤).

١٠٥ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا عبد الله بن داود ، عن عبد الله بن هلال ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : لمّا جاء المرسلون إلى إبراهيم صلوات الله عليه جاءهم بالعجل ، فقال كلوا ، قالوا : لا نأكل حتّى تخبرنا ما ثمنه ؟ فقال : إذا أكلتم فقولوا : بسم الله وإذا فرغتم فقولوا : ألحمد لله ، فقال : فالتفت جبرئيل عليه السلام إلى أصحابه وكانوا أربعة وجبرئيل رئيسهم ، فقال : حق (٥) أن يتّخذ هذا خليلاً (٦).

_________________________________

(١) سورة هود : (٧١).

(٢) بحار الانوار (١٢ / ١١٠ ـ ١١١) ، برقم : (٣٦).

(٣) في ق ٣ : محمد بن حمران.

(٤) بحار الانوار (١٢ / ٤ ـ ٥) عن علل الشّرايع ، برقم : (١١) مع اختلاف في السّند والمتن.

(٥) في البحار : حق لله ...

(٦) بحار الانوار (١٢ / ٥) ، برقم : (١٢) عن العلل والسّند هنا معلول وصحيحه على ما في البحار : ابن الوليد عن محمّد العطّار عن ابن أبان عن ابن أورمة عن عبد الله بن محمّد عن داود بن أبي يزيد عن عبد الله بن هلال.


١٠٦ ـ وعن ابن أورمة ، حدّثنا عمرو بن عثمان (١) ، عن العبقري ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرّب ، عن عليّ عليه السلام قال : شب إسماعيل وإسحاق فتسابقا فسبق إسماعيل فأخذه إبراهيم عليه السلام فأجلسه في حجره وأجلس إسحاق إلى جنبه ، فغضبت سارة وقالت : أما انّك قد جعلت أن لا تسوي بينهما فاعزلها عنّي ، فانطلق ابراهيم عليه السلام باسماعيل صلوات الله عليهما وبأُمّه هاجر حتى أنزلهما مكّة ، فنفد طعامهم ، فأراد إبراهيم أن ينطلق فيلتمس لهم طعاماً ، فقالت هاجر إلى من تكلنا ، فقال : أكلكم إلى الله تعالى ، وأصابهما جوع شديد ، فنزل جبرئيل عليه السلام وقال لهاجر : إلى من وكلكما ؟ قالت : وكلنا إلى الله قال : ولقد وكلكما إلى كاف ، ووضع جبرئيل يده في زمزم ثمَّ طواها ، فاذا الماء قد نبع ، فأخذت هاجر قربة مخافة أن يذهب ، فقال جبرئيل : إنها تبقى فادعي ابنك فأقبل فشربوا وعاشوا حتّى أتاهم إبراهيم عليه السلام فأخبرته الخبر فقال : هو جبرئيل عليه السلام (٢).

١٠٧ ـ وباسناده عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه الصّلاة والسلام عن السّعي ، فقال : إنّ إبراهيم عليه السلام لمّا خلّف هاجر أُمّ إسماعيل عطش الصبيّ ولم يكن بمكة ماء ، فأتت هاجر إلى الصّفا ، فصعدت فوقها ، ثمّ نادت هل بالوادي من أنيس ؟ فلم يجبها أحدٌ ، فرجعت إلى المروة حتّى فعلت ذلك سبعاً ، فأجرى بذلك سنّة (٣) ، قال : فأتاها جبرئيل وهي على المروة ، فقال لها : من أنت ؟ فقالت : أُمّ ولد إبراهيم ، فقال : إلى مَنْ ترككما ؟ قالت : إلى الله تعالى فقال : وكّلكما الى كافٍ ، قال : فحص الصّبيّ برجله فنبعت زمزم ، ورجعت هاجر إلى الصّبيّ ، فلمّا رأت الماء قد نبع جمعت التّراب حوله ولو تركته لكان سيحاً ، قال : ومرّ ركب من اليمن يريد سفراً لهم فرأوا الطّير قد حلقت قالوا : وما حلقت إلا على ماء ، وقد كانوا يتجنبون منه ، لانّه لم يكن بها ماء ، فأتوهم فأطعموهم وسقوهم ، وكان النّاس يمرّون بمكة ، فيطعمونهم

_________________________________

(١) في النّسخ : عمرة بن عثمان ، وهو تصحيف ، والصّحيح ما أثبتناه عن البحار.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ١١١) ، برقم : (٣٧).

(٣) في البحار : فمضت حتى انتهت إلى المروة ، فقال : هل بالوادي من أنيس ؟ فلم يجبها أحد ، ثم رجعت إلى الصفا ، فقالت كذلك حتى صنعت ذلك سبعاً ، فأجرى الله ذلك سنة.


من الطّعام وهم يسقونهم من الماء(١).

١٠٨ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا سعد (٢) بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن عليّ بن النّعمان ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي قال : قال ابوعبد الله صلوات الله عليه : إنّ اسماعيل دفن اُمّه في الحجر وجعله عليها لئلّا (٣) يوطأ قبرها (٤).

فصل ـ ٢ ـ

١٠٩ ـ وباسناده عن ابن أبي عمير ، عن أبان ، عن عقبة ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : إنّ إسماعيل لمّا تزوّج امرأةً من العمالقة يقال لها : سماة وأنّ إبراهيم اشتاق إليه ، فركب حماراً ، فأخذت عليه سارة ألّا ينزل حتّى يرجع قال : فأتاه وقد هلكت أُمّه ولم يوافقه ووافق امرأته ، فقال لها : أين زوجك ، فقال : خرج يتصيّد ، فقال : كيف حالكم ؟ فقالت : حالنا وعيشنا شديد ، قال : ولم تعرض عليه المنزل ، فقال : إذا جاء زوجك فقولي له جاء ها هنا شيخ وهو يأمرك أن تغيّر عتبة بابك.

فلمّا أقبل إسماعيل صلوات الله عليه وصعد الثّنية وجد ريح أبيه ، فأقبل إليها وقال : أتاك أحدٌ ؟ قالت : نعم شيخ قد سألني عنك ، فقال لها : هل أمرك بشيء ؟ قالت : نعم ، قال لي : إذا دخل زوجك فقولي له جاء شيخ وهو يأمرك أن تغيّر عتبة بابك ، قال : فخلّى سبيلها.

ثمَّ إنَّ إبراهيم عليه السلام ركب إليه الثانية ، فأخذت عليه سارة أن لا ينزل حتى يرجع ، فلم يوافقه ووافق امرأته ، فقال : أين زوجك قالت : خرج : عافاك الله للصيد ، فقال : كيف أنتم ؟ فقالت : صالحون قال : وكيف حالكم ؟ قالت : حسنة ونحن بخيرٍ ، انزل يرحمك الله حتّى يأتي ، فأبى ولم تزل به تريده على النزول (٥) فأبى ، قالت : أعطني

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ١٠٦) ، برقم : (١٩) ، عن العلل مع اختلاف في الالفاظ.

(٢) في البحار : الصّدوق عن أبيه عن سعد ، وهو الصّحيح وتقدّم نظيره برقم : (٩٥).

(٣) في البحار : وجعل عليها حائطاً لئلّا.

(٤) بحار الانوار (١٢ / ١٠٤) ، برقم : (١٣).

(٥) في ق ١ وق ٥ والبحار : قال فأبى ولم تزل به ، وفي ق ١ :تزيده على النزول ، وفي ق ٣ : وهي تريده على النزول.


رأسك حتّى أغسله ، فإِنّي أراه شعثاً ، فجعلت له غسولاً ، ثمَّ أدنت منه الحجر ، فوضع قدمه عليه ، فغسلت جانب رأسه ، ثمّ قلبت قدمه الاخرى فغسلت الشق الآخر ثمَّ سلّم عليها وقال : إذا جاء زَوجك فقولي جاءَ ها هنا شيخ فهو يوصيك بعتبة بابك خيراً.

ثمَّ إنّ إسماعيل صلوات الله عليه أقبل فلمّا انتهى الثنيّة وجد ريح أبيه ، فقال لها : هل أتاك أحدٌ ؟ قالت : نعم شيخ وهذا أثر قدميه ، فاكبَّ على المقام وقبّله ، وقال : شكى إبراهيم إلى الله ما يلقى من سوء خلق سارة ، فأوحى الله إليه : أنّ مثل المرأة مثل الضّلع الاعوج إن تركته استمتعت به وان أقمته كسرته ، وقال : إنَّ إبراهيم عليه السلام تزوّج سارة وكانت من أولاد الأنبياء على أن لا يخالفها ولا يعصي لها أمراً ولا تعصي له أمراً فيما وافق الحق ، وأنّ إبراهيم كان يأتي مكة من الحيرة في كلّ يوم (١).

١١٠ ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن موسى المتوكّل ، حدّثنا عبد الله بن جعفر ، عن ابن محبوب ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سمعت أبا عبد الله صلوات الله عليه يقول : إنّ إبراهيم عليه السلام استأذن سارة أن يزور إسماعيل بمكة ، فأذنت له على أن لا يبيت عنها (٢) ولا ينزل عن حماره ، قلت : كيف كان ذلك ؟ قال : طويت له الأرض (٣).

١١١ ـ عن ابن بابويه ، حدثنا محمّد بن الحسن ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن أورمة ، عن يحيى اللّحام ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، قال : إنّ إبراهيم ناجى ربَّه فقال : ياربِّ كيف ذا العيال من قبل أن يجعل له من ولده خلفاً يقوم بعده في عياله ؟ فأوحى الله تعالى إليه : يا ابراهيم أو تريد لها خلفاً منك يقوم مقامك من بعد خيراً منّي ؟ قال ابراهيم : اللّهمّ لا ، الآن طابت نفسي (٤).

١١٢ ـ عن ابن بابويه ، عن محمّد بن علي ماجيلويه ، عن محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن علي البرقي ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ١١١ ـ ١١٢) ، برقم : (٣٨).

(٢) في ق ٤ : عندها.

(٣) بحار الانوار (١٢ / ١١٢) ، برقم : (٣٩).

(٤) بحار الانوار (١٢ / ٨٢) ، برقم : (١١).


عبد الله عليه السلام قال : إنّ اسماعيل صلوات الله عليه توفّي ، وهو ابن مائة وثلاثين سنة ، ودفن بالحجر مع اُمّه ، فلم يزل بنو اسماعيل ولاة الأمر يقيمون للنّاس حجّهم وأمر دينهم يتوارثونها كابراً عن كابرٍ حتّى كان زمن عدنان بن أدد (١).

١١٣ ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان ، عمّن ذكره ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنه ، قال : كانت الخيل العرابة (٢) وحوشاً بأرض العرب ، فلمّا رفع إبراهيم واسماعيل صلوات الله عليهما القواعد من البيت ، قال : إنّي أعطيتك (٣) كنزاً لم أعطه أحداً كان قبلك ، فخرج إبراهيم وإسماعيل صلوات الله عليهما حتّى صعدا (٤) ، فقالا : ألا هلا ألا هلمّ ، فلم يبق في أرض العرب فرس إلّا أتاه وذلّل له فأعطته (٥) بنواصيها (٦).

فصل ـ ٣ ـ

( في وفاة إبراهيم عليه السلام )

١١٤ ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان (٧) ، عن أبي بصير ، عن أحدهما صلوات الله عليهما ، قال : كان سبب وفاة إبراهيم عليه السلام أنّه أتاه ملك الموت ليقبضه فكره إبراهيم ، فرجع ملك الموت إلى ربّه ، فقال : إنَّ إبراهيم كره الموت ، فقال : دع إبراهيم فانّه يحبّ أن يعبدني حتّى رآى إبراهيم شيخاً يأكل ويخرج منه ما يأكل ، فكره الحياة وأحبَّ الموت ، فأتى داره فاذا فيها أحسن صورة ما رآها قطّ ، قال : من أنت ؟ قال : إنا ملك الموت فقال : يا سبحان

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ١١٣) ، برقم : (٤١).

(٢) في البحار : العراب.

(٣) في البحار : قال الله اني قد أعطيتك.

(٤) في البحار : صعدا جياداً ، والجياد كما في الصّحاح اسم جبل بمكة وعن بعض نسخ العلل : صعدا جيلاً.

(٥) في البحار : وأعطت.

(٦) بحار الانوار (١٢ / ١٠٤) ، برقم : (١٦) عن العلل وراجع العلل (١ / ٣٧).

(٧) في العلل : عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن البزنطي عن أبان بن عثمان الخ مع اختلاف يسير.


الله من هذا الّذي يكره قربك ورؤيتك ؟ وأنت بهذه الصّورة ، قال : يا خليل الله إنّ الله تعالى إذا أراد بعبد خيراً بعثني إليه في هذه الصّورة ، وإذا أرادَ بعبد شرّاً بعثني إليه في صورة غيرها وقبض إبراهيم عليه السلام بالشّام (١).

١١٥ ـ عن ابن بابويه ، قال : حدّثنا أحمد بن موسى ، حدّثنا محمّد بن هارون الصّولي (٢) ، عن عبد الله بن موسى الجمال الطّبري ، حدَّثنا محمد بن الحسين الخشاب (٣) ، حدّثنا محمّد بن محسن ، عن يونس بن ظبيان (٤) ، قال : قال لي الصّادق عليه السلام : يا يونس قال أمير المؤمنين عليه الصّلاة والسلام : لمّا أراد الله قبض روح إبراهيم عليه السلام هَبَطَ إليه ملك الموت عليه السلام فقال : السلام عليك يا ابراهيم قال : وعليك السلام يا ملك الموت أداع أنت أم ناع ؟ قال : بل داع فأجبه ، فقال ابراهيم : هل رأيت خليلاً يميت خليله ، قال : فرجع ملك الموت حتّى وقف بين يدي الله تعالى فقال : إلهي قد سمعت ما قال خليلك إبراهيم عليه السلام ، فقال الله جلّ جلاله : يا ملك الموت اذهب إليه وقل له : هل رأيت حبيباً يكره لقاء حبيبه ؟ إنَّ الحبيب يحبّ لقاء حبيبه.

وتُوُفّيَ إبراهيم بالشّام ، ولم يعلم إسماعيل صلوات الله عليهما بموته ، فتهيّأ لقصده (٥) ، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فعزّاه بابراهيم ، وقال : يا اسماعيل لا تقل في موت أبيك ما يسخط الرّب وانّما كان عبداً دعاه الله تعالى فأجابه.

ولمّا ترعرع اسماعيل وكبر أعطوه سبعة أعنز ، وكان ذلك أصل ماله ، فنشأ وتكلّم بالعربيّة وتعلّم الرّمي ، وكان اسماعيل صلوات الله عليه بعد موت أمّه تزّوج امرأة من جرهم اسمها زعلة (٦) ، وطلّقها ولم تلد له شيئاً ، ثمَّ تزوّج السّيدة بنت الحرث بن مضاض فولدت له ، وكان عمر إسماعيل مائة وسبعاً وثلاثين ، ومٰات صلوات الله عليه ودفن في الحجر وفيه

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ٧٩) ، برقم : (٨) عن العلل ، وراجع العلل (١ / ٣٨).

(٢) في ق ٤ : الصوفي.

(٣) في ق ٢ : محمد بن الحسن الخشاب.

(٤) في ق ٢ : محمد بن الحسن عن يونس ، وفي موضع من البحار : محمد بن محصن عن يونس بن ظبيان.

(٥) في ق ١ وق ٤ وق ٥ : تهيأ لقصيده ، وفي البحار : تهيأ اسماعيل لابيه.

(٦) في ق ١ وق ٤ وق ٥ : زعلة أو عمادة ، وفي ق ٣ : وعلة أو عمارة ، وفي ق ٢ : زعلة أو عمارة.


قبور الأنبياء عليهم السلام ، ومن أراد أن يصلي فيه فلتكن صلاته على ذراعين من طرفه (١) ممّا يلي باب البيت ، فانّه موضع شبير وشبر ابني هارون عليه السلام (٢).

١١٦ ـ وكان على عهد ابراهيم عليه السلام رجل يقال له : ماريا بن أوس ، قد أتت عليه ستمائة سنة وستون سنة ، وكان يكون في غيضة له بينه وبين النّاس خليج من ماء غمر ، وكان يخرج الى الناس في كلّ ثلاث سنين ، فيقيم في الصّحراء في محراب له يصلي فيه ، فخرج ذات يوم فيما كان يخرج ، فاذا هو بغنم كان عليها الدّهن ، فأُعجب بها وفيها شاب كأنّ وجهه شقة قمرٍ ، فقال : يا فتى لمن هذا الغنم ، قال : لإِبراهيم خليل الرّحمن قال : فمن أنت ؟ قال : أنا ابنه إسحاق ، فقال ماريا في نفسه : اللّهمّ أرني عبدك وخليلك حتّى أراه قبل الموت.

ثمَّ رجع إلى مكانه ورفع إسحاق ابنه خبره إلى أبيه فأخبره بخبره ، وكان إبراهيم يتعاهد ذلك المكان الّذي هو فيه ويصلّي فيه ، فسأله إبراهيم عن اسمه وما أتى عليه من السّنين فخبّره ، فقال : أين تسكن ؟ فقال : في غيضة ، فقال ابراهيم عليه السلام إنّي أحبّ أن آتي موضعك فأنظر إليه وكيف عيشك فيها ؟ قال : إنّي أيبّس من الثّمار الرّطب ما يكفيني الى قابل ، لا تقدر أن تصل إلى ذلك الموضع فانه خليج وماء غمرٍ ، فقال له ابراهيم : فما لك فيه معبر ؟ قال : لا : قال : فكيف تعبر ؟ قال أمشي على الماء ، قال ابراهيم : لعل الله الّذي سخّر لك الماء يسخّره لي.

قال : فنطلق وبدأ ماريا فوضع رجله في الماء وقال : بسم الله قال ابراهيم عليه السلام : بسم الله ، فالتفت ماريا وإذا إبراهيم يمشي كما يمشي هو ، فتعجّب من ذلك ، فدخل الغيضة ، فأقام معه إبراهيم صلوات الله عليه ثلاثة أيّام لا يعلمه من هو ، ثمَّ قال له : يا ماريا ما أحسن موضعك هل لك أن تدعو الله أن يجمع بيننا في هذا الموضع ؟ فقال : ما كنت لأفعل ، قال : ولِمَ قال لأنّي دعوته بدعوة منذ ثلاث سنين فلم يجبني فيها ، قال :

_________________________________

(١) في ق ١ وق ٢ : من طوفه.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٧٨) ، برقم : (٧) الى قوله : يحبّ لقاء حبيبه. ومن قوله : ولمّا ترعرع. إلى آخره في نفس الجزء ص (١١٢ ـ ١١٣) برقم (٤٠) والباقي مذكور ص (٩٦) عن العلل.


وما الّذي دعوته به (١) ؟ فقصّ عليه خبر الغنم واسحاق ، فقال ابراهيم عليه السلام : فانّ الله قد استجاب منك أنا إبراهيم ، فقام : وعانقه فكانت أوّل معانقة (٢).



_________________________________

(١) الزّيادة من ق ٤ فقط وهو أحسن.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٩ ـ ١٠) ، برقم : (٢٣).


الباب الخامس

( في ذكر لوط وذي القرنين عليهما السلام )

١١٧ ـ أخبرنا الاستاد ابوجعفر محمّد بن المرزبان ، عن الشّيخ أبي عبدالله جعفر الدّوريستي ، عن أبيه ، عن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن أبي حمزة الثّمالي ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : إنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله : سأل جبرئيل كيف كان مهلك قوم لوط ؟ فقال : إنَّ قوم لوط كانوا أهل قرية لا يتنظّفون عن الغائط ، ولا يتطهّرون من الجنابة ، بخلاء أشحّاء على الطّعام ، وأنّ لوطاً لبث فيهم ثلاثين سنة ، وانّما كان نازلاً فيهم ولم يكن منهم ، ولا عشيرة له فيهم ولا قوم ، وأنّه دعاهم الى الله تعالى وإلى الايمان به واتّباعه ، ونهاهم عن الفواحش ، وحثّهم على طاعة الله فلم يجيبوه ولم يطيعوه.

وأنَّ الله لمّا أراد عذابهم بعث إليهم رسلاً عذراً أو نذراً ، فلمّا عتوا عن أمره بعث الله إليهم ملائكة ليخرجوا من كان فيها من المؤمنين ، وقالوا : اسرِ يا لوط باهلك ، فلمّا انتصف اللّيل سار لوط عليه السلام ببناته وتولّت امرأته مدبرة ، فانطلقت الى قومها تسعى بلوط وتخبرهم أنّ لوطاً سار ببناته ، وإنّي نوديت من تلقاء العرش لمّا طلع الفجر يا جبرئيل حق القول من الله بحتم عذاب قوم لوط اليوم ، فأهبط الى قرية لوط وما حوت ، فأقبلها من تحت سبع أرضين ، ثمَّ أعرج بها إلى


السّماء وأوقفها حتّى يأتيك أمر الجبّار في قلبها ودع منها آيةً بينةً منزل لوط عبرةً للسيّارة ، فهبطت على أهل القرية فقلعت ذلك حتّى سمع أهل السّماء بريا ديوكها (١) ، فلمّا طلعت الشّمس نوديت : أقلب القرية فقلبتها عليهم حتّى صار أسفلها أعلاها.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : يا جبرئيل وأين كانت قريتهم ؟ قال : في موضع بحيرة طبريّة اليوم ، وهي في نواحي الشّام ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : حين قلبتها في أيّ موضع وقعت ؟ قال : وقعت فيما بين بحر الشّام الى مصر ، فصارت تلولاً في البحر (٢).

١١٨ ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي جعفر عليه الصلاة والسلام : أخبرني عن عاقبة البخل ، فقال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يتعوّذ من البخل إلى الله تعالى ، والله تعالى يقول : « وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » (٣) وسأخبرك عن عاقبة البخل : إنّ قوم لوط كانوا أهل قريةٍ أشحّاء على الطّعام ، وأعقبهم البخل داء لا دواء له في فروجهم ، قلت : ما أعقبهم قال : إنّ قرية قوم لوط كانت على طريق السيّارة إلى الشّام ومصر ، فكانت السيّارة تنزل بهم فيضيفونهم ، فلمّا كثر ذلك عليهم ضاقوا بذلك ذراعاً ، فدعاهم البخل إلى أن كانوا إذا نزل بهم الضّيف فضحوه من غير شهوة بهم الى ذلك ، حتّى صاروا يطلبونه من الرّجال ويعطون عليه النِّحَل (٤).

وأنّ لوطاً عليه السلام لبث مع قومه ثلاثين سنة يدعوهم إلى الله تعالى ويحذّرهم عقابه ،

_________________________________

(١) في البحار : زقاء ديوكها ، ولعلّه الصّحيح بمعنى الصّياح والصّراخ ، وفي نسختين : ريا ، وفي أخرى : رتا.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ١٥٢) ، برقم : (٧) عن العلل مع اختلاف يسير.

(٣) سورة الحشر : (٩) وسورة التغابن : (١٦).

(٤) في البحار : ويعطونهم عليه الجعل.


وكانت امرأة إبراهيم عليه السلام سارة اُخت لوط ، وكان لوط رجلاً شيخاً كريماً يقري الضّيف اذا نزل به ويحذّره قوم ، فقال قومه : أنا ننهاك عن الضّيف وقرائه ، فان لم تفعل أخزيناك فيه ، فكان لوط اذا نزل به الضّيف كتم أمره مخافة أن يفضحه قومه ، وذلك أنّه لم يكن للوط عشيرة ولم يزل لوط وابراهيم يتوقّعان نزول العذاب على قوم لوط.

وكان لابراهيم ولوط منزلة عند الله شريفة ، وأنّ الله تعالى لمّا أراد عذاب قوم لوط أدركه خلّة ابراهيم ومحبّة لوط ، فبرأفتهم يؤخّر عذابهم ، أراد الله أن يعوّض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم ، فيسلّي به مصابه بهلاك قوم لوط ، فبعث الله رُسُلاً إلى إبراهيم يبشّرونه باسماعيل ، فدخلو عليه ليلاً ففزع وخاف أن يكونوا سرّاقاً فلمّا رأوه فزعاً قالوا : « إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ » (١) ثمَّ قالوا : « إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ » (٢) قوم لوط ، فلمّا كان اليوم الثامن مع طلوع الفجر قدم الله رسلاً إلى إبراهيم يبشّرونه باسحاق ويعزّونه بهلاك قوم لوط (٣).

فصل ـ ١ ـ

١١٩ ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن عمر الجرجاني ، عن أبان ، عن أبي بصير ، عن أحدهما صلوات الله عليهما في قوله تعالى : « أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ » (٤) فقال : إنَّ إبليس أتاهم في صورة شاب حسن فيه تأنيث وعليه ثياب حسنة ، فلجأ الى شباب منهم فأمرهم أن يقعوا به ففعلوا ، ولو أمرهم أن يفعل بهم لأبوا عليه فالتذوا ذلك ، ثمَّ ذَهَبَ وتركهم فأحال بعضهم على بعض (٥).

_________________________________

(١) سورة الحجر : (٥٣).

(٢) سورة الحجر : (٥٨).

(٣) بحار الانوار (١٢ / ١٤٧ ـ ١٤٩) ، عن العلل مع اختلاف يسير وزيادة في ذيله.

(٤) سورة الاعراف : (٨٠) وسورة النّمل : (٥٤).

(٥) بحار الانوار (١٢ / ١٦٢) ، برقم : (١٣).


١٢٠ ـ وبهذا الاسناد عن الحسن بن علي ، عن داود بن يزيد ، عن رجل ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : لمّا جاءت الملائكة عليهم السلام في هلاك قوم لوط مضوا حتّى أتَوا لوطاً ، وهو في زراعة له قرب المدينة فسلموا عليه ، فلما رآهم رآى هيئة حسنة وعليهم ثياب بيض وعمايم بيض ، فقال لهم : المنزل ، قالوا : نعم ، فتقدّمهم ومشوا خلفه ، فندم على عرضه عليهم المنزل ، فالتفت اليهم فقال : انّكم تأتون شراراً من خلق الله ، وكان جبرئيل قال الله له : لا تعذّبهم حتّى تشهد عليهم ثلاث شهادات ، فقال جبرئيل : هذه واحدة ثمَّ مشى سٰاعة فقال : إنكم تأتون شراراً من خلق الله ، فقال : هذه ثنتان ، ثمَّ مشى ، فلمّا بلغ المدينة التفت اليهم فقال : انكم تأتون شراراً من خلق الله ، فقال جبرئيل : هذه ثلاث.

ثمَّ دخل ودخلوا معه منزله فلمّا أبصرت (١) بهم امرأته أبصرت هيئةً حسنةً ، فصعدت فوق السّطح ، فصفقت فلم يسمعوا ، فدخنت لمّا رأوا الدّخان أقبلوا يهرعون إليه حتى وقفوا بالباب ، فقال لوط : « فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي » (٢) ثمَّ كابروه حتّى دخلوا عليه قال : فصاح جبرئيل يا لوط دعهم يدخلوا قال : فدخلوا فأهوى جبرئيل اصبعيه (٣) وهو قوله تعالى : « فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ » (٤) ثمَّ قال جبرئيل : « إنّا رسل ربّك لن يصلوا إليك » (٥).

فصل ـ ٢ ـ

( في حديث ذي القرنين عليه السلام )

١٢١ ـ أخبرنا الأديب ابوعبد الله الحسين المؤدب القمي ، حدّثنا جعفر الدوريستي ، حدّثنا أبي ، عن الشّيخ أبي جعفر بن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد ابن محمد بن عيسى ، عن عليّ بن النّعمان ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن

_________________________________

(١) في ق ٥ والبحار : بصر ، وفي ق ١ : بصرت امرأته ، وفي ق ٣ : بصرتهم.

(٢) سورة هود : (٧٨).

(٣) في ق ٢ : باصبعيه ، وفي ق ٣ : بجناحه فأعمى أعينهم.

(٤) سورة القمر : (٣٧).

(٥) بحار الانوار (١٢ / ١٦٣ ـ ١٦٤) ، برقم : (١٦) ، والآية الاخيرة في سورة هود : (٨١).


أبي جعفر صلوات الله عليه قال : إنّ ذا القرنين لم يكن نبيّاً ، ولكنّه كان عبداً صالحاً أحبَّ الله فأحبَّه الله ، وناصح الله (١) فناصحه الله ، أمر قومه بتقوى الله ، فضربوه على قرنه فغاب عنهم زماناً ، ثمَّ رجع إليهم فضربوه على قرنه الآخر. وفيكم من هو على سنّته ، وأنّه خُيّر السّحاب الصّعب والسّحاب الذّلول ، فاختار الذّلول فركب الذّلول ، وكان إذا انتهى إلى قوم كان رسول نفسه إليهم لكيلا يكذب الرّسل (٢).

١٢٢ ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن الحسن ، عن الصّفار محمّد بن الحسن ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عمرو بن عثمان ، عن رجل ، عن خلّان عن سماك بن حرب بن حبيب (٣) ، قال : أتى رجلٌ عليّاً صلوات الله عليه فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن ذي القرنين ، فقال له عليّ عليه السلام : سخّرت له السّحاب ، وقربت له الأسباب ، وبسط له في النّور ، فقال صلوات الله عليه : كان يبصر باللّيل كما يبصر بالنّهار (٤).

١٢٣ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله ، حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي ، عن المثنى ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّ ذا القرنين كان عبداً صالحاً لم يكن له قرن من ذهبٍ ولا من فضة ، بعثه الله في قومه ، فضربوه على قرنه الايمن. وفيكم مثله (٥) قالها ثلاث مرّات ، وكان قد وصف له عين الحياة ، وقيل له : من شرب منها شربة ، لم يمت حتى يسمع الصّيحة ، وأنّه خرج في طلبها حتّى أتى موضعاً كان في ثمانية وستّون عيناً ، وكان الخضر عليه السلام على مقدمته (٦) ، وكان من آثر أصحابه عنده ، فدعاه وأعطاه وأعطى قوماً من أصحابه كلّ واحد منهم (٧)

_________________________________

(١) في ق ٣ : ناصح لله.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ١٩٤) ، برقم : (١٧).

(٣) في ق ٢ وق ٤ : عن سماك بن حرب عن أبي حبيب ، ولم يعرف ابوحبيب في هذه الطّبقة ، وسماك بن حرب عدّ من أصحاب الامام السّجاد عليه السلام ولم يذكر له جدّ مسمّى بـ « حبيب » على ما عن المقدسي والذهبي في ترجمته راجع قاموس الرجال (٥ / ٥) ، وتوفّي في سنة (١٢٣) ، فلا يمكن روايته عن أمير المؤمنين عليه السلام.

(٤) بحار الانوار (١٢ / ١٩٤) ، برقم : (١٨).

(٥) في البحار بعد قوله : الايمن زيادة وهي : فغاب عنهم ثمّ عاد إليهم فدعاهم فضربوه على قرنه الايسر وفيكم مثله.

(٦) في ق ١ : مقلقه ، وفي ق ٥ : مقلقله. قلقل الشيء : حركه.

(٧) في ق ١ : منكم.


حوتاً مملوحاً.

ثمَّ قال : انطلقوا إلى هذه المواضع ، فيغسل كلّ رجل منكم حوته ، وأنّ الخضر انتهى الى عين من تلك العيون ، فلمّا غمس الحوت ووجد ريح الماء حيّى وانساب في الماء ، فلمّا رآى ذلك الخضر رمى بثيابه (١) وسقط في الماء ، فجعل يرتمس في الماء ويشرب رجاء أن يصيبها ، فلمّا رأى ذلك رجع ورجع أصحابه ، فأمر ذو القرنين بقبض السّمك ، فقال : انظروا فقد تخلفت سمكة واحدة ، فقالوا : الخضر صاحبها فدعاه فقال : ما فعلت بسمكتك ، فأخبره الخبر ، فقال : ماذا صنعت قال : سقطت فيها أغوص وأطلبها فلم أجدها ، قال : فشربت من الماء قال : نعم قال : فطلب ذو القرنين العين فلم يجدها ، فقال الخضر : أنت صاحبها وأنت الّذي خلقت لهذه العين.

وكان اسم ذي القرنين عيّاشاً ، وكان أوّل الملوك بعد نوح عليه السلام ملك ما بين المشرق والمغرب (٢).

فصل ـ ٣ ـ

١٢٤ ـ وباسناده عن محمّد بن أورمة ، حدّثنا محمّد بن خالد ، عمّن ذكره ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه ، قال : حجّ ذو القرنين في ستمائة ألف فارس ، فلمّا دخل الحرم شيّعه بعض أصحابه إلى البيت ، فلمّا انصرف قال : رأيت رجلاً ما رأيت أكثر نوراً ووجهاً منه ، قالوا : ذاك إبراهيم خليل الرّحمن صلوات الله عليه ، قال : اسرجوا (٣) فاسرجوا ستمائة دابة في مقدار ما يسرج دابة واحدة ، قال : ثمَّ قال ذو القرنين : لا بل نمشي إلى خليل الرّحمن ، فمشى ومشى معه بعده أصحابه النقباء (٤).

قال إبراهيم عليه السلام : بم قطعت الدّهر ؟ قال : بأحد عشر كلمة : وهي : سبحان من هو باق لا يفنى ، سبحان من هو عالم لا ينسى ، سبحان من هو حافظ لا يسقط ، سبحان

_________________________________

(١) في ق ١ وق ٣ وق ٥ : ثيابه.

(٢) بحار الانوار (١٣ / ٣٠٠) ، برقم : (١٩) ومن قوله : وكان اسم ذي القرنين في (١٢ / ١٧٥) ، برقم : (١).

(٣) في البحار : وتسرجوا.

(٤) في البحار : ومشى معه أصحابه حتّى التقيا ، ولعلّه الصّحيح.


من هو بصير لا يرتاب ، سبحان من هو قيّوم لا ينام ، سبحان من هو ملك لا يرام ، سبحان من هو عزيز لا يضام ، سبحان من هو محتجب لا يُرى ، سبحان من هو واسع لا يتكلّف ، سبحان من هو قائم لا يلهو ، سبحان من هو دائم لا يسهو (١).

١٢٥ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، حدّثنا محمّد بن عليّ الكوفيّ ، عن شريف بن سابق التّفليسي ، عن أسود بن رزين القاضي قال : دخلت على أبي الحسن الأوّل عليه السلام ولم يكن رآني قطّ ، فقال من أهل السدّ أنت ، فقلت من أهل الباب ، فقال الثانية : من أهل السّد أنت ، قلت : من أهل الباب ، قال : من أهل السّد ، قلت : نعم ذاك السّد (٢) الّذي عمله ذو القرنين(٣).

١٢٦ ـ وروي عن عبد الله بن سليمان ، وكان رجل قرأ الكتب : أن ذا القرنين كان رجلاً من أهل الاسكندريّة ، وأمّه عجوز من عجائزهم ، ليس لها ولد غيره يقال له : إسكندروس ، وكان له أدب وخلق وعفة من وقت صباه إلى أن بلغ رجلاً ، وكان رآى في المنام أنه دنى من الشمس فأخذ بقرنها في شرقها وغربها ، فلمّا قصّ رؤياه على قومه سمّوه ذا القرنين ، فلمّا رآى هذه الرّؤية بعدت همّته وعلا صوته وعزّ في قومه.

فكان أوّل ما اجتمع عليه أمره أن قال : أسلمت لله عزّ وجلّ ، ثمّ دعا قومه إلى الاسلام ، فأسلموا هيبة له ، وانطلق ذو القرنين حتّى امعن في البلاد يؤم المغرب حتّى انتهى إلى الجبل الّذي هو محيط بالأرض ، فاذا هو بملك قابض على الجبل ، وهو يقول : سبحان ربّي من أوّل الدّنيا إلى آخرها ، سبحان ربّي من موضع كفّي إلى عرش ربّي ، سبحان ربّي من منتهى الظّلمة الى النّور. فلمّا سمع ذلك ذو القرنين خرّ ساجداً ، فلمّا رفع رأسه قال له الملك : كيف قويت يابن آدم على مبلغ هذا الموضع ؟ ولم يبلغه أحد من ولد آدم قبلك قال : قوّاني الله على ذلك.

فقال الملك : إنّي موكَّل بهذا الجبل ، ولولا هذا الجبل لانكفأت الأرض بأهلها ، رأس هذا الجبل ملتصق بسماء الدّنيا ، وأسفله في الأرض السّابعة السّفلى ، وهو محيط بها

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ١٩٥) ، برقم : (٢٠) و (٩٣ / ١٨٢) ، برقم : (١٨).

(٢) في البحار : قال ذاك السد.

(٣) بحار الانوار (١٢ / ١٩٦) ، برقم : (٢٢) و (٤٨ / ٥٠) ، برقم : (٤٣).


كالحقلة ، وليس على وجه الارض مدينة إلّا ولها عرق إلى هذا الجبل ، فاذا أراد الله تعالى أن يزلزل مدينةً أوحى اليّ ، فحرّكت العرق الّذي إليها.

فلمّا أراد ذو القرنين الرّجوع قال : للملك أوصني قال : لا يُهِمَّنك رزق غد ، ولا تؤخّر عمل اليوم لغدٍ ، ولٰا تحزن على ما فاتك وعليك بالرّفق ، ولا تكن جباراً متكبراً.

ثمَّ إنّ ذا القرنين عطف على أصحابه ، ثمَّ عطف بهم نحو المشرق يستقري ما بينه وبين المشرق من الأمم ، فيفعل بهم مثل ما فعل بأُمم المغرب من العدل ، فبينما هو يسير إذ وقع على الأُمّة المحاكمة من قوم موسى صلوات الله عليه الّذين يهدون بالحق وبه يعدلون ، فوجد أمّة عادلةً فقال لهم : أخبروني إنّي درت الدّنيا فلم أرَ مثلكم ما بال قبور موتاكم على أبواب بيوتكم ؟

قالوا : لئلّا ننسى الموت ولا يخرج ذكره من قلوبنا.

قال : فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب ؟

قالوا : ليس فينا متّهم ولا ظنين ولا لصّ ، وليس فينا إلّا أمين.

قال : فما بالكم ليس عليكم أمرآء ؟ قالوا : لا نتظالم.

قال : فما بالكم ليس بينكم حكّام ؟ قالوا : لا نختصم.

قال : فما بالكم ليس منكم ملوك ؟ قالوا : لا نتكاثر (١).

قال : فما بالكم ليس فيكم أشراف ؟ قالوا : لا نتنافس.

قال : فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون ؟ قالوا : من قبل انّا متواسون ومتراحمون.

قال : فما بالكم لا تتنازعون ولا تغتالون قالوا : من قبل ألفة قلوبنا وإصلاح ذات البين.

قال : فما بالكم لا تسبُّون ولا تقتلون ؟ قالوا : من قبل أنّا غلبنا طبائعنا بالعزم وسُسنا أنفسنا (٢) بالحلم.

قال : فما بالكم كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة ؟ قالوا : من قبل انا لا نتكاذب

_________________________________

(١) الزّيادة من البحار وبعض النّسخ من القصص.

(٢) في ق ٤ : ووسمنا أنفسنا ، وفي البحار : وسننا.


ولا نتخادع ولا يغتاب بعضنا بعضاً.

قال : فأخبروني لم ليس فيكم مسكين ولا فقير ؟ قالوا : من قبل أنّا نقتسم (١) بالسّوية.

قال : فما بالكم ليس فيكم فظٍّ ولا غليظٌ ؟ قالوا : من قبل الذّلّ والتّواضع.

قال : فلم جعلكم الله أطول النّاس أعماراً ؟ قالوا : من قبل أنّا نتعاطى بالحقّ ونحكم بالعدل.

قال : فما بالكم لا تقحطون ؟ قالوا : من قبل أنّا لا نغفل عن الاستغفار.

قال : فما بالكم لا تحردون(٢) ؟ قالوا : من قبل أنّا وطّنا أنفسنا على البلاء وحرصنا عليه فعزّينا (٣) أنفسنا.

قال : فما بالكم لا تصيبكم الآفات ؟ قالوا : من قبل أنّا لا نتوكّل على غير الله تعالى ولا نستمطر بالانواء والنّجوم.

قال : فحدّثوني أهكذا وجدتم آبائكم يفعلون ؟ قالوا : وجدنا آبائنا يرحمون مسكينهم ، ويواسون فقيرهم ، ويعفون عمّن ظلمهم ، ويحسنون إلى من أساء اليهم ، ويستغفرون لمن سبَّهم ، ويصلون أرحامهم ، ويؤدّون أمانتهم ، ويصدقون ولا يكذبون ، فأصلح الله بذلك أمره.

فأقام عندهم ذو القرنين حتّى قبض ، ولم يكن له فيهم عمر ، وكان قد بلغ السّن وأدرك الكبر ، وكان عدّة ما سار في البلاد الى يوم قبضه الله تعالى خمسمائة عام (٤).



_________________________________

(١) في ق ٤ والبحار : نقسم.

(٢) في البحار : لا تحزنون ، وفي ق ٣ : لا تجأرون.

(٣) في ق ١ وق ٣ وق ٥ : فعرينا.

(٤) بحار الانوار (١٢ / ١٨٣ ـ ١٩٣) عن كمال الدين ، ورواه الصدوق مسنداً عن عبد الله بن سليمان في اكمال الدين ص (٣٩٤ ـ ٤٠٦) ، برقم : (٥).


الباب السّادس

( في نبوّة يعقوب ويوسف عليهما السّلام )

١٢٧ ـ أخبرنا الشّيخ ابوسعد الحسن بن علي الآرابادي (١) ، والشيّخ ابوالقاسم الحسن بن محمّد الحديقي ، عن جعفر بن محمّد بن العبّاس ، عن أبيه ، عن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبد الله بن جعفر ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن أبي حمزة الثّمالي ، قال : صلّيت مع علي بن الحسين صلوات الله عليهما الفجر يوم الجمعة ، فنهض إلى منزله وأنا معه ، فدعا مولاةً له فقال : لا يقف اليوم على بابي سائل إلّا أطعمتموه ، فانّ اليوم يوم الجمعة قلت : ليس كلّ سائل محقّ.

فقال : أخاف أن يكون بعض من يسألنا محقّاً فلا نطعمه ونردّه ، فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب وآله عليهم السّلام أطعموهم ، إنّ يعقوب كان يذبح كلّ يوم كبشاً ، فيتصدق منه ويأكل هو وعياله منه ، وأنّ سائلاً مؤمناً صوّاماً قوّاماً محقّاً له عند الله منزلة كان مجتازاً غريباً إعتر بباب يعقوب عشيّة الجمعة عند أوان إفطاره ، فهتف على بابه : أطعموا السّائل الغريب الجائع من فضل طعامكم. فلمّا يئس شكا جوعه إلى الله تعالى وبات خاوياً وأصبح صائماً ، وبات يعقوب وآله شباعاً بطاناً ، وأصبحوا عندهم فضلة من طعام ، فأوحى الله تعالى إلى يعقوب صلوات الله عليه : استوجبت بلواي أو ما علمت أنّ البلوى إلى أوليائي أسرع منها إلى أعدائي ، وذلك حسن نظر منّي لأوليائي ، استعدّوا لبلائي.

_________________________________

(١) راجع رياض العلماء (٢ / ٤٣٦) فانّ اللّقب بهذا النّحو مضبوط فيه فقط.


فقلت لعليّ بن الحسين صلوات الله عليهما : متى رأى الرّؤيا ؟ قال : في تلك اللّيلة الّتي بات فيها يعقوب صلوات الله عليه وآله شباعاً ، وبات فيها ذلك الغريب جائعاً ، فلمّا قصّها على أبيه اغتمّ يعقوب لما سمع من يوسف مع ما أوحي إليه : أن استعدّ للبلاء ، وكان اوّل بلوى نزل بآل يعقوب الحسد ليوسف عليه السّلام ، فلمّا رآى إخوة يوسف كرامة أبيه إيّاه اشتدّ عليهم فتآمروا حتّى قالوا : « أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ » (١) فلمّا خرجوا به أتوا به غيضة أشجار ، فقالوا نذبحه ونلقيه تحت شجرة يأكله الذّئب ، فقال كبيرهم : لا تقتلوه ولكن ألقوه في غيابة الجبّ فألقوه فيه ، وهم يظنّون أنّه يغرق فيه.

فلمّا أمسوا رجعوا إلى أبيهم « عِشَاءً يَبْكُونَ قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ » (٢) فاسترجع وعبر فصبر وأذعن للبلوى ، وقال : « بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ » (٣) ما كان الله ليطعم لحم يوسف الذّئب.

قال ابوحمزة : ثمّ انقطع حديث علي بن الحسين زين العابدين صلوات الله عليه ، فلمّا كان من الغدو عدوت اليه ، فقلت : إنّك حدّثت أمس بحديث يعقوب ، فما كان من قصّة إخوة يوسف بعد ذلك ؟ فقال : إنّهم لمّا أصبحوا قالوا : انطلقوا بنا حتّى نظر ما حال يوسف أمات أم هو حيّ ؟ فلمّا انتهوا إلى الجبّ وجدوا سيّارة قد أرسلوا واردهم ، فأدلى دلوه فمّا جذب الدّلو إذا هو بغلام متعلق بدلوه ، فلمّا أخرجه قال إخوة يوسف : هذا عبدنا سقط أمس في هذا الجبّ وجئنا اليوم لنخرجه ، فانتزعوه منه وقالوا له : إمّا أن تقرّ لنا أنّك عبد لنا ، فنبيعك من بعض هذه السّيارة أو نقتلك ، قال : اصنعوا ما شئتم ، فأقبلوا الى السيّارة وقالوا لهم : آمنكم من يشتري هذا العبد منّا ؟ فاشتراه بعضهم بعشرين درهماً وسار من اشتراه حتّى أدخله مصر.

فقلت لعليّ بن الحسين عليهما السّلام : إبن كم كان يوسف صلوات الله عليه يوم ألقيَ في الجبّ ؟ قال : كان ابن تسع سنين قلت : فكم كان بين منزل يعقوب يومئذ وبين مصر ؟ قال : مسيرة اثنى عشر يوماً. وكان يوسف عليه السّلام من أجمل أهل زمانه ، فاشتراه العزيز

_________________________________

(١) سورة يوسف : (١٢).

(٢) سورة يوسف : (١٦ ـ ١٧).

(٣) سورة يوسف : (١٨).


وراودته امرأته ، فقال : معاذ الله أنا من أهل بيت لا يزنون ، فأفلت منها هارباً إلى الباب ، فلحقته فجذبت قميصه من خلفه « وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ » (١) فهمّ الملك بعذاب يوسف عليه السّلام ، فقال يوسف عليه السلام هي راودتني فاسأل هذا الصّبيّ ، فأنطق الله الصّبيّ بفصل القضاء ، فقال أيّها الملك : انظر إلى قميص يوسف ، فان كان مقدوداً من قدّامه فهو الّذي راودها ، وإن كان مقدوداً من خلفه فهي الّتي راودته ، فأفزع الملك ذلك ودعى بالقميص ونظر إليه فرآه مقدوداً من خلفه قال : إنّه من كيدكنّ وقال ليوسف : اكتم هذا.

فلمّا شاع أمر امرأة العزيز والنّسوة اللّآتي قطّعن أيديهنّ ، سُجن يوسف عليه السّلام ، ودخل معه السّجن فتيان ، وكان من قصّته ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز (٢).

فصل ـ ١ ـ

١٢٨ ـ وباسناده عن ابن محبوب ، عن الحسن بن عمارة ، عن مسمع أبي سيّار (٣) ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : لمّا ألقى إخوة يوسف يوسف في الجبّ نزل عليه جبرئيل ، فقال : يا غلام من طرحك في هذا الجبّ ؟ فقال : إخوتي بمنزلتي من أبي حسدوني ، قال : أتحبّ أن تخرج من هذا الجبّ ؟ قال : ذلك إلى إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، قال : فانّ الله يقول لك : قل : اللّهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت ، بديع السّماوات والأرض يا ذا الجلال والإِكرام ، ان تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً وترزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب (٤).

١٢٩ ـ وباسناده عن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي نصر ، عن الرّضا عليه السّلام في قوله تعالى : « وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ » (٥) قال : كانت

_________________________________

(١) سورة يوسف : (٢٥).

(٢) بحارالانوار (١٢ / ٢٧١ ـ ٢٧٦) ، برقم : (٤٨) عن علل الشرائع مبسوطاً. وما هو المذكور هنا زبدته ومختصره.

(٣) في البحار : عن أبي سيّار ، وهو مسمع بن عبد الملك كردين.

(٤) بحار الانوار (٩٥ / ١٨٩) ، برقم : (١٦) و (١٢ / ٢٤٨) ، برقم : (١٣).

(٥) سورة يوسف : (٢٠).


عشرين درهماً والبخس : النقص ، وهي قيمة كلب الصّيد إذا قتل (١).

١٣٠ ـ وباسناده عن الحسن بن محبوب ، عن أبي إسماعيل الفرّا ، عن طربال ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : لمّا أمر الملك بحبس يوسف عليه السّلام في السّجن ألهمه الله تأويل الرّؤيا ، فكان يعبر لأهل السّجن رؤياهم (٢).

١٣١ ـ وعن ابن أبي نصر ، عن أبي جميلة ، عن عبد الله بن سليمان ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : كان يوسف عليه السّلام بين أبويه مكرّماً ، ثمّ صار عبداً ، فصار ملكاً (٣).

١٣٢ ـ وعن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي ، عن حماد بن عثمان ، عن جميل ، عن سليمان بن عبد الله الطّلحي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : مٰا حال بني يعقوب ؟ هل خرجوا عن الايمان ؟ فقال : نعم. قلت : فما تقول في آدم عليه السّلام ؟ قال : دع آدم (٤).

١٣٣ ـ وعن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن حنّان بن سدير قال : قلت لأبي جعفر صلوات الله عليه : أكان أولاد يعقوب أنبياء ؟ قال : لا ، ولكنّهم كانوا أسباطاً أولاد الأنبياء ، ولم يفارقوا إلّا سعدآء ، تابوا وتذكّروا ممّا صنعوا (٥).

فصل ـ ٢ ـ

١٣٤ ـ وأخبرنا الشّيخ ابوعلي الفضل بن الحسن بن الفضل الطّبرسي ، عن جعفر الدّوريستي ، عن الشّيخ المفيد ، عن ابن بابويه ، عن أبيه ، عن عليّ بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : لمّا فقد يعقوبُ يوسف عليهما السّلام اشتدّ حزنه وتغيّر حاله ، وكان يمتار القمح من

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ٢٢٢).

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٢٩٠) ، برقم : (٧٢) و (٦١ / ١٧٢) ، برقم : (٣٠).

(٣) بحار الانوار (١٢ / ٢٩٠) ، برقم : (٧٣).

(٤) بحار الانوار (١٢ / ٢٩٠ ـ ٢٩١) ، برقم : (٧٤).

(٥) بحار الانوار (١٢ / ٢٩١) ، برقم : (٧٥).


مصر لعياله في السّنة مرّتين في الشّتاء والصّيف ، فانّه بعث عدّة من ولده ببضاعة يسيرة مع رفقة خرجت ، فلمّا دخلوا على يوسف عليه السّلام عرفهم ولم يعرفوه ، فقال : هلمّوا بضاعتكم حتّى أبدأ بكم قبل الرّفاق وقال لفتيانه : عجّلوا لهؤلاء بالكيل وأوقروهم ، واجعلوا بضاعتهم في رحالهم إذا فرغتم.

وقال يوسف لهم : كان أخوان من أبيكم فما فعلا ؟ قالوا : أمّا الكبير منهما فانّ الذّئب أكله ، وأمّا الأصغر فخلّفناه عند أبيه ، وهو به ضنين وعليه شفيق. قال : إنّي أحبّ أن تأتوني به معكم إذا جئتم لتمتاروا ، ولمّا فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم فيها « قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَـٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا » (١) فلمّا احتاجوا إلى الميرة بعد ستّة أشهر بعثهم ، وبعث معهم ابن يامين ببضاعة يسيرة ، فأخذ عليهم « مَوْثِقًا مِّنَ اللَّـهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ » (٢) فانطلقوا مع الرّفاق حتّى دخلوا على يوسف ، فهيّأ لهم طعاماً وقال : ليجلس كلّ بني أمّ على مائدة ، فجلسوا وبقي ابن يامين قائماً ، فقال له يوسف : مالك لم تجلس ؟ فقال : ليس لي فيهم ابن أمّ ، فقال يوسف : فمالك ابن امّ ؟ قال : بلى زعم هؤلاء أنّ الذّئب أكله.

قال : فما بلغ من حزنك عليه ؟ قال : ولد لي أحد عشر ابناً لكلّهم أشتق اسماً من اسمه ، فقال : اراك قد عانقت النّساء وشممت الولد من بعده ، فقال : انّ لي أباً صالحاً قال لي : تزوّج لعلّ الله أن يخرج منك ذريةً تثقّل الأرض بالتّسبيح ، قال يوسف : فاجلس معي على مائدتي ، فقال إخوة يوسف : لقد فضّل الله يوسف وأخاه حتّى أنّ الملك قد أجلسه معه على مائدته ، وقال لابن يامين : إنّي أنا أخوك فلا تبتئس بما تراني أفعل واكتم ما أخبرتك ، ولا تحزن ولا تخف.

ثمّ أخرجه إليهم وأمر فتيته أن يأخذوا بضاعتهم ويعجّلوا لهم الكيل ، فاذا فرغوا جعلوا (٣) المكيال في رحل أخيه ابن يامين ، ففعلوا ذلك وارتحل القوم مع الرّفقة ، فمضوا ولحقهم فتية يوسف ، فنادوا « أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ » (٤) قالوا : « مَّاذَا تَفْقِدُونَ قَالُوا

_________________________________

(١) سورة يوسف : (٦٥).

(٢) سورة يوسف : (٦٦).

(٣) كذا في ق ١ وفي بقية النّسخ والبحار : فاجعلوا.

(٣) سورة يوسف : (٧٠).


نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ ... قالوا : وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ قالوا : فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ قالوا : « جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ » « فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ » « قَالُوا : إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ » (١) ثمّ « قَالُوا : يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ » « قَالَ : مَعَاذَ اللَّـهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ » (٢) قال كبيرهم : إنّي لست أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي.

فمضى إخوة يوسف حتّى دخلوا على يعقوب صلوات الله عليه ، فقال لهم : أين ابن يامين ؟ قالوا : سرق مكيال الملك ، فحبسه عنده ، فاسأل أهل القرية والعير حتّى يخبروك بذلك ، فاسترجع يعقوب واستعبر حتّى تقوّس ظهره ، فقال يعقوب : يابنيّ اذهبوا فتحسّسوا من يوسف وأخيه ، فخرج منهم نفر وبعث معهم بضاعة وكتب معهم كتاباً إلى عزيز مصر يعطفه على نفسه وولده.

فدخلوا على يوسف بكتاب أبيهم ، فأخذه وقبّله وبكى ، ثمّ أقبل عليهم فقال : « هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ » قالوا : أأنت يوسف ؟ « قَالَ : أَنَا يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي » وقال يوسف : « لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ » و « اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَـٰذَا » بلّته دموعي « فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ » (٣).

فأقبل ولد يعقوب عليه السّلام يحثّون السّير بالقميص ، فلمّا دخلوا عليه قال لهم : ما فعل ابن يامين ؟ قالوا : خلّفناه عند أخيه صالحاً ، فحمد الله عند ذلك يعقوب وسجد لربّه سجدة الشكر واعتدل ظهره ، وقال لولده : تحملوا إلى يوسف من يومكم ، فساروا في تسعة أيّام إلى مصر ، فلمّا دخلوا اعتنق يوسف أباه ورفع خالته ، ثم دخل منزله وأدهن ولبس ثياب الملك ، فلمّا رأوهُ سجدُوا شكراً لله ، وما تطيّب يوسف في تلك المدّة ولا مَسّ النّساء حتّى جمع الله ليعقوب صلوات الله عليه شمله (٤).

_________________________________

(١) سورة يوسف : (٧٥ ـ ٧٧).

(٢) سورة يوسف : (٧٨ ـ ٧٩).

(٣) سورة يوسف : (٨٩ ـ ٩٣).

(٤) بحار الانوار (١٢ / ٢٨٧ ـ ٢٨٩) ، برقم : (٧١).


فصل ـ ٣ ـ

١٣٥ ـ وباسناده عن الصَّفار ، عن أيّوب بن نوح ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، قال : قلت لأبي عبد الله صلوات الله عليه : ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف ؟ قال : حزن سبعين ثكلى ، قال : ولمّا كان يوسف صلوات الله عليه في السّجن دخل عليه جبرئيل عليه السّلام ، فقال : إنّ الله تعالى ابتلاك وابتلى أباك وأنّ الله ينجّيك من هذا السّجن ، فاسأل الله بحقّ محمّد وأهل بيته أن يخلّصك ممّا أنت فيه ، فقال يوسف : اللّهم إنّي أسألك بحقّ محمّد وأهل بيته إلّا عجّلت فرجي وأرحتني ممّا أنا فيه.

قال جبرئيل عليه السّلام : فابشر أيّها الصّديق ، فانّ الله تعالى أرسلني إليك بالبشارة بانّه يخرجك من السّجن إلى ثلاثة أيّام ، ويملّكك مصر وأهلها تخدمك أشرافها ، يجمع إليك إخوتك وأباك ، فابشر أيّها الصّدّيق إنّك صفيّ الله وابن صفيّه. فلم يلبث يوسف عليه السّلام إلّا تلك اللّيلة حتّى رأى الملك رؤيا أفزعته ، فقصّها على أعوانه ، فلم يدروا ما تأويلها.

فذكر الغلام الّذي نجى من السّجن يوسف ، فقال له : أيّها الملك أرسلني إلى السّجن ، فإِنّ فيه رجلاً لم ير مثله حلماً وعلماً وتفسيراً ، وقد كنت أنا وفلان غضبت علينا وأمرت بحبسنا رأينا رؤيا ، فعبَّرها لنا وكان كما قال ، ففلان صلب وأمّا أنا فنجوت فقال له الملك : انطلق إليه ، فدخل وقال : يا يوسف : « أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ » (١) فلمّا بلغ رسالة يوسف الملك قال : « ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي » (٢) فلمّا بلغ يوسف رساله الملك قال : كيف أرجو كرامته وقد عرف برآءتي وحبسني سنين ، فلمّا سمع الملك أرسل إلى النّسوة فقال ما خطبكنّ : « قُلْنَ حَاشَ لِلَّـهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ » (٣).

فأرسل إليه وأخرجه من السّجن ، فلمّا كلّمه أعجبه كماله وعقله ، فقال له : أقصص رؤياي فانّي أريد أن أسمعها منك ، فذكّره يوسف كما رأى وفسّرها. قال الملك : صدقت

_________________________________

(١) سورة يوسف : (٤٦).

(٢) سورة يوسف : (٥٤).

(٣) سورة يوسف : (٥١).


فمن لي بجمع ذلك وحفظه ؟ فقال يوسف : إنّ الله تعالى أوحى إليّ أنّي مدبّره والقيّم به في تلك السّنين ، فقال له الملك : صدقت دونك خاتمي وسريري وتاجي.

فأقبل يوسف على جمع الطّعام في السّنين السّبع الخصيبة يكبسه في الخزائن في سنبله ، ثمّ أقبلت السّنون الجدبة ، أقبل يوسف عليه السّلام على بيع الطّعام ، فباعهم في السّنة الاولى بالدّراهم والدّينار ، حتّى لم يبق بمصر وما حولها دينار ولا درهم إلّا صار في مملكة يوسف ، وباعهم في السّنة الثّانية بالحلي والجواهر حتّى لم يبق بمصر حليّ ولا جوهر إلّا صار في مملكته ، وباعهم في السّنة الثّالثة بالدّواب والمواشي حتّى لم يبق بمصر وما حولها دابّة ولا ماشية إلّا صارت في مملكة يوسف ، وباعهم في السّنة الرّابعة بالعبيد والإِماء حتّى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا أمة إلّا وصار في مملكة يوسف ، وباعهم في السّنة الخامسة بالدّور والعقار حتّى لم يبق بمصر وما حولها دار ولا عقار إلّا صار في مملكة يوسف ، وباعهم في السّنة السّادسة بالمزارع والأنهار حتّى لم يبق بمصر وما حولها نهر ولا مزرعة إلّا صار في مملكة يوسف عليه السّلام ، وباعهم في السّنة السّابعة برقابهم حتّى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا حرًّ إلّا صار في مملكة يوسف عليه السّلام وصاروا عبيداً له.

فقال يوسف للملك : ما ترى فيما خوّلني ربّي ؟ قال : الرّأي رأيك ، قال : إنّي أشهد الله وأشهدك أيُّها الملك انّي أعتقت أهل مصر كلّهم ، ورددت عليهم أموالهم وعبيدهم ، ورددت عليك خاتمك وسريرك وتاجك على أن لا تسير إلّا بسيرتي ، ولا تحكم إلّا بحكمي ، فالله أنجاهم على يديّ ، فقال الملك : إنّ ذلك لديني (١) وفخري ، وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّك رسوله ، وكان من إخوة يوسف وأبيه عليهم السّلام ما ذكرته (٢).

فصل ـ ٤ ـ

١٣٦ ـ وأخبرنا الشّيخ ابوالحسين أحمد بن محمّد بن عليّ بن محمّد الرّشكي (٣) ، عن

_________________________________

(١) في هامش البحار عن نسخة : لزيني ، وهو أنسب.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٢٩١ ـ ٢٩٣) ، برقم : (٧٦).

(٣) في ق ١ وق ٢ وق ٥ : الرشكي وهو الموافق لما في الرياض (٢ / ٤٣٦) وفي ق ٤ : اليشكري ، وعن بعض : الزّشكي ، وزشك قرية من قرى مشهد الرّضا عليه السلام.


جعفر بن محمّد ، عن جعفر بن أحمد ، عن ابن بابويه ، عن محمّد بن علي ماجيلويه ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن أورمة ، عن أحمد بن الحسن الميثمي (١) ، عن الحسن الواسطي ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قدم أعرابيٌ على يوسف ليشتري طعامه فباعه ، فلمّا فرغ قال له يوسف : أين منزلك ؟ قال : موضع كذا وكذا قال : إذا مررت بوادي كذا وكذا ، فقف فناد : يا يعقوب هو يقرؤك السّلام ويقول لك : إنّ وديعتك عند الله لن تضيع.

قال : فمضى الاعرابي حتى انتهى إلى الموضع ، فقال لغلمانه : احفظوا على الابل ، ثم نادى يا يعقوب ، فخرج إليه رجل طويل جميل ، فقال له الاعرابي : أنت يعقوب ؟ قال : نعم ، فأبلغه ما قال له يوسف صلوات الله عليه ، قال : فسقط مغشيّاً عليه ، ثمّ أفاق فقال يا أعرابي : ألك حاجة إلى الله جلّ وعلا ؟ قال : نعم إنّي رجل كثير المال ولي بنت عم ليس يولد لي منها ، فأحبّ أن تدعو الله أن يرزقني ولداً ، قال : فتوضّأ يعقوب عليه السّلام وصلّى ركعتين ، ثمّ دعى الله تعالى ، فرزق له أربعة أبطن في كلّ بطن اثنان (٢).

١٣٧ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن علي ، عن حنّان بن سدير ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي جعفر صلوات الله عليه : أخبرني عن يعقوب عليه السّلام حين قال لولده : يا بنيّ اذهبوا فتجسّسوا من يوسف وأخيه ، أكان عالماً بأنّه حيّ ؟ قال : نعم قلت : فكيف ذلك ؟ قال : ان هبط (٣) عليه ملك الموت.

قال يعقوب عليه السّلام ليوسف : حدّثني كيف صنع بك إخوتك ؟ قال : يا أبت دعني ، فقال أقسمت عليك إلّا أخبرتني ، قال : أخذوني فأقعدوني على رأس الجبّ ، ثم

_________________________________

(١) في ق ٢ : ابن أورمة عن أحمد بن محمد بن المحسن الميثمي ، وفي البحار : عن أحمد بن محسن.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٢٨٥) عن كمال الدين. وراجع كمال الدين ص (١٤١) ، برقم : (٩).

(٣) في ق ١ : انه يهبط. وفي ق ٣ بعد قوله : فكيف ذلك ؟ قال : كان يهبط عليه ملك الموت فسأله هل مرّ بك روح يوسف ؟ قال : لا ، نعلم حياته ، قال : اذهبوا فتحسّسوا من يوسف ، فانّه ألقي في روعي على أن يوسف احتال على أخيه. وبإسناده المذكور بأنه طلب يعقوب من يوسف إخباره بصنع إخوته ، فاستعفى فأقسم عليه ، فقال : أقعدوني على رأس الجبّ وطلبوا نزع قميصي ، فسألتهم بوجهك لا يبدوا عورتي ، فرفع فلان السكين عليّ فقال : انزع ، فصاح يعقوب ووقع مغشياً عليه ، فأفاق فطلب التّكملة فسأله بآبائه أن يكف ، فتركه.


قالوا لي : انزع قميصك ، قلت لهم : إنّي أسألكم بوجه يعقوب ألّا تنزعوا قيمصي ، وتبدوا عورتي ، فرفع فلان عليّ السّكين وقال : انزع ، فصاح يعقوب عليه السّلام وسقط مغشيّاً عليه ثمّ أفاق فقال : يا بنيّ كيف صنعوا بك ؟ قال : إنّي أسألك بآل إبراهيم وإسحاق وإسماعيل إلّا أعفيتني عنه ، فتركه (١).

فصل ـ ٥ ـ

١٣٨ ـ وعن ابن بايويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل ، حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن علا ، عن محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : أخبرني عن يعقوب عليه السلام كم عاش مع يوسف بمصر بعدما جمع الله ليعقوب شمله ، وأراه تأويل رؤيا يوسف الصّادقة ؟ قال : عاش حولين ، قلت : فمن كان الحجّة في الأرض ، يعقوب أم يوسف ؟ قال : كان يعقوب الحجّة ، وكان الملك ليوسف ، فلمّا مات يعقوب صلوات الله عليه حمله يوسف في تابوت إلى أرض الشّام ، فدفنه في بيت المقدس ، وكان يوسف بعد يعقوب الحجة ، قلت : فكان يوسف رسولاً نبيّاً ؟ قال : نعم أما تسمع قول الله تعالى : « وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ » (٢).

١٣٩ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ابن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبي الحسن صلوات الله عليه قال : احتبس المطر عن بني إسرائيل ، فأوحى الله تعالى إلى موسى أن اخرج عظام يوسف من مصر ووعده نزول المطر إذا أخرج عظامه ، فسأل موسى عليه السّلام عمّن يعلم موضعه ، فقيل : ها هنا عجوز تعلم علمه ، فبعث موسى اليها ، فأتي بعجوز مقعدة عمياء ، فقال لها : أتعرفين موضع قبر يوسف عليه السّلام قالت : نعم ، قال : فأخبريني ، فقالت : لا ، حتّى تعطيني أربع خصال : تطلق لي رجلي ، وتعيد إليّ شبٰابي ، وتعيد إليّ بصري ، وتجعلني معك في الجنّة ،

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ٢٧٧) ، برقم : (٥٠) عن العلل مع اختلاف يسير في السّند والمتن. و (١٢ / ٢٤٤) عن تفسير القمي و (١٢ / ٣١٩) عن العياشي ، وراجع تفسير القمي (١ / ٣٥٧).

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٢٩٥) ، برقم : (٧٧) ، سورة غافر : ٣٤.


فكبر ذلك على موسى ، فأوحى الله تعالى إليه : أعطها ما سألت ، فانّك انّما تعطي عليّ ، ففعل فدلته عليه ، فاستخرجه من شاطيء النّيل من تابوت في صندوق ، فلمّا أخرجه نزل المطر ، فحمله إلى الشّام ، فلذلك تحمل أهل الكتاب موتاهم إلى الشّام.

١٤٠ ـ وباسناده عن ابن أورمة ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، قال : لمّا صار يوسف عليه السلام إلى ما صار إليه تعرضت له امرأة العزيز ، فقال لها : من أنتِ ؟ قالت : أنا تيكم ، فقال لها : انصرفي فانّي ساغنيك ، قال : فبعث اليها بمائة ألف درهم (١).

١٤١ ـ وبهذا الاسناد عن بعض أصحابنا ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال : إنّ يوسف لما تزوّج امرأة العزيز وجدها عذراء ، فقال لها : ما حملك على الّذي صنعت ؟ قالت : ثلاث خصال : الشّباب ، والمال ، وانّي كنت لا زوج لي ، يعني : كان الملك عنّيناً (٢).

١٤٢ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا يرفعه ، قال : إنّ ! امرأة العزيز احتاجت ، فقيل لها : لو تعرّضت ليوسف صلوات الله عليه ، فقعدت على الطّريق ، فلمّا مرّ بها قالت : الحمد لله الّذي جعل العبيد بطاعتهم لربّهم ملوكاً ، والحمد لله الّذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيداً ، قال : من أنت ؟ قالت : أنا زليخا فتزوّجها (٣).

فصل ـ ٦ ـ

١٤٣ ـ أخبرنا هبة الله بن دعويدار ، عن أبي عبد الله الدّوريستي ، عن جعفر بن أحمد المريسي ، عن ابن بابويه ، عن جعفر بن علي ، عن أبيه ، عن جدّه عبد الله بن المغيرة ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليها ، قال : استأذنت زليخا على يوسف ، فقيل لها : إنّا نخاف بقدم (٤) أن تقدمي عليه لما كان منك ، قالت : أنا لا أخاف من يخاف الله ، فلمّا

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ٢٩٦) ، برقم : (٧٨).

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٢٩٦) ، برقم : (٧٩).

(٣) بحار الانوار (١٢ / ٢٩٦) ، برقم : (٨٠).

(٤) أي : بجرأة وشجاعة ، وفي البحار (١٢ / ١٨٢) عن القصص والعلل : أنّا نكره أن تقدم.


دخلت عليه قال لها : يا زليخا ما لي أراكِ قد تغيّر لونِك ، قالت : الحمد لله الّذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيداً ، وجعل العبيد بطاعتهم ملوكاً.

قال لها : ما الّذي دعاكِ إلى ما كان منكِ ؟ قالت : حسن وجهك يا يوسف ، قال : فكيف لو رأيت نبيّاً يقال له : محمّد صلى الله عليه وآله يكون في آخر الزّمان يكون أحسن منّي وجهاً ، وأحسن منّي خلقاً ، وأسمح منّي كفّاً ، قالت : صدقت ، قال : فكيف علمت أني صدقت ؟ قالت : لأنّك حين ذكرته وقع حبّه في قلبي ، فاوحى الله تعالى الى يوسف أنّها صدقت إنّي قد أحببتها لحبّهٰا محمّد صلى الله عليه وآله ، فأمره الله تعالى أن (١) يتزوّجها (٢).

١٤٤ ـ وباسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه الصّلاة والسّلام ، قال : لمّا دخل يوسف صلوات الله عليه على الملك يعني نمرود ، قال : كيف أنت يا ابراهيم ؟ قال : انّي لست بابراهيم أنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، قال : وهو صاحب إبراهيم الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه قال : وكان أربعمائة سنة شاباً (٣).

١٤٥ ـ وباسناده عن ابن أورمة ، عن يزيد بن إسحاق ، عن يحيى الأزرق ، عن رجل ، عن الصّادق صلوات الله وسلامه عليه قال : كان رجل من بقيّة قوم عاد قد أدرك فرعون يوسف ، وكان أهل ذلك الزّمان قد ولعوا بالعادي يرمونه بالحجارة ، وأنّه أتى فرعون يوسف ، فقال : أجرني عن النّاس وأحدّثك بأعاجيب رأيتها ولا أحدّثك الّا بالحق ، فأجاره فرعون ومنعه وجالسه وحدّثه ، فوقع منه كلّ موقع ، ورآى منه أمراً جميلاً.

قال : وكان فرعون لم يتعلق على يوسف بكذبة ولا على العادي ، فقال فرعون ليوسف : هل تعلم أحداً خيراً منك ؟ قال : نعم أبي يعقوب ، قال : فلمّا قدم يعقوب عليه السّلام على فرعون حيّاه بتحية الملوك ، فأكرمه وقربه وزاده إكراماً ليوسف ، فقال فرعون ليعقوب عليه السّلام : يا شيخ كم أتى عليك ؟ قال : مائة وعشرون سنة ، قال العادي : كذب فسكت

_________________________________

(١) في أغلب النّسخ المخطوطة : ان يزوّجها.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٢٨١ ـ ٢٨٢) ، برقم : (٦٠) ، وإثبات الهداة (١ / ١٩٧) في الباب (٧) الفصل (١٧) الخبر المرقم (١٠٩).

(٣) بحار الانوار (١٢ / ٤٢) ، برقم : (٣٢) و (١٢ / ٢٩٦) ، برقم : (٨١).


يعقوب ، وشقّ ذلك على فرعون حين كذّبه ، فقال فرعون ليعقوب عليه السلام : كم أتى عليك ؟ قال : مائة وعشرون سنة ، قال العادي : كذب ، فقال يعقوب صلوات الله وسلامه عليه : اللّهم إن كان كذب فاطرح لحيته على صدره ، قال : فسقطت لحيته على صدره فبقي واجباً (١).

فهال ذلك فرعون وقال ليعقوب : عمدت إلى رجل أجرته فدعوت عليه ، أحبّ أن تدعو إلهٰك بردّه ، فدعا له فردّه الله إليه ، فقال العادي : انّي رأيت هذا مع إبراهيم خليل الرّحمن في زمن كذا وكذا. قال يعقوب : ليس أنا الذي رأيته إنّما رأيت إسحاق ، فقال له : فمن أنت ؟ قال : أنا يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليهم ، فقال العادي : صدق ، ذلك الّذي رأيته ، فقال : صدق وصدقت (٢).

١٤٦ ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن أحمد ، حدثنا موسى بن جعفر البغدادي ، عن ابن معبد (٣) ، عن عبد الله الدّهقان ، عن درست ، عن أبي خالد (٤) ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : دخل يوسف صلوات الله عليه السّجن وهو ابن اثني عشرة سنة ، ومكث بعدها ثمانية عشر ، وبقي بعد خروجه ثمانين سنة ، فذلك مائة وعشر سنين (٥).



_________________________________

(١) في النّسخ الخمسة المخطوطة : وجيا ، واحا ، واحبا ، وهذه الكلمة غير موجودة في البحار.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٢٩٧ ـ ٢٩٨) ، برقم : (٨٤).

(٣) في ق ٣ و ٤ : عليّ بن معبد.

(٤) في ق ٤ : ابن خالد ، وهو غلط. والصّحيح : عن أبي خالد القماط يزيد.

(٥) بحار الانوار (١٢ / ٢٩٧).


الباب السّابع

( في ذكر أيوب وشعيب عليهما السّلام )

١٤٧ ـ وأخبرنا السّيد المرتضى بن الدّاعي الحسيني ، عن جعفر الدّوريستي ، عن أبيه ، عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ الخزّاز ، عن فضل الأشعري ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : ابتلي أيوب عليه السّلام سبع سنين بلا ذنب. وقال : ما سأل أيوب عليه السّلام العافية في شيءٍ من بلائه.

وقال : قال أبي صلوات الله وسلامه عليه : إنّ أيوب ابتلي من غير ذنب وانّ الانبياء صلوات الله عليهم لا يذنبون ، لأنّهم معصومون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً ، وقال : انّ الله تعالى ابتلى أيوب بلا ذنب ، فصبر حتّى عُيّر ، والانبياء لا يصبرون على التّعيير (١).

١٤٨ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، حدّثنا يعقوب بن يزيد ، عن الحسن بن علي ، عن داود بن سرحان ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال ذكر أيّوب عليه السلام ، فقال : قال الله جلّ جلاله : إنّ عبدي أيّوب ما أنعم عليه بنعمة إلّا ازداد شكراً ، فقال الشيطان : لو نصبت (٢) عليه البلاء ، فابتليته كيف صبره ، فسلّطه على إبله ورقيقه ، فلم

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ٣٥٠) ، برقم : (١٨) من قوله : ما سأل وخرّج ما قبله عن العلل (١٢ / ٣٤٧) ، برقم : (٩) وما بعده في نفس الجزء ص (٣٤٨) برقم (١٣) عن الخصال إلى قوله : ولا كبيراً والبقيّة أوردها فيه ص (٣٤٧) برقم (١٠) عن العلل.

(٢) في البحار : لو صببت ـ خ.


يترك له شيئاً غير غلام واحد.

فأتاه الغلام فقال : يا أيّوب ما بقي من إبلك ولا من رقيقك أحدٌ إلّا وقد مات فقال أيوب : الحمد لله الّذي أعطى والحمد لله الّذي أخذ (١) فقال الشّيطان : إنّ خيله أعجب إليه فسلّط عليها ، فلم يبق منها شيء إلّا هلك ، فقال أيوب : الحمد لله الّذي أعطى والحمد لله الّذي أخذ (٢). وكذلك ببقره ، وغنمه ، ومزارعه ، وأرضه ، وأهله ، وولده ، حتّى مرض مرضاً شديداً.

فأتاه أصحاب له ، فقالوا يا أيّوب : ما كان أحد من النّاس في أنفسنا ولا خير علانية خيراً عندنا منك ، فلعلّ هذا لشيء كنت أسررته فيما بينك وبين ربّك لم تطلع عليه أحداً ، فابتلاك الله من أجله ، فجزع جزعاً شديداً ودعى ربّه ، فشفاه الله تعالى وردّ عليه ما كان له من قليل أو كثيرٍ في الدّنيا ، قال : وسألته عن قوله تعالى : « وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً » (٣) فقال : الّذين كانوا ماتوا (٤).

١٤٩ ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن الحسن الصّفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : لمّا طال بلاء أيّوب عليه السّلام ، ورآى ابليس صبره أتى إلى أصحاب له كانوا رهباناً في الجبال ، فقال لهم : مرّوا بنا إلى هذا العبد المبتلى نسأله عن بليّته ، قال : فركبوا وجاؤوه ، فلمّا قربوا منه نفرت بغالهم فقرّبوها بعضاً إلى بعض (٥) ، ثمّ مشوا إليه وكان فيهم شابّ حدث فسلّموا على أيّوب وقعدوا ، وقالوا : يا أيّوب لو أخبرتنا بذنبك. فلا نرى تبتلي بهذا البلاء إلّا لأمر كنت تستره.

_________________________________

(١) في ق ١ وق ٥ : الحمد لله الذي أخذه ، وفي غيرهما من النّسخ والبحار : الحمد لله الذي أعطاه والحمد لله الّذي أخذه.

(٢) في البحار هنا ذكر جملة واحدة فقط وهي : الحمد لله الّذي أخذ وترك الاخرى وهي : الحمد لله الذي أعطى. والظّاهر وقوع السّقط.

(٣) سورة ص : (٤٣).

(٤) بحار الانوار (١٢ / ٣٥٠) ، برقم : (١٩).

(٥) في بعض النّسخ : فقرّبوا بعضها من بعض.


قال أيّوب صلوات الله عليه : وعزّة ربّي إنّه ليعلم أنّي ما أكلت طعاماً قطّ إلّا ومعي يتيم أو ضعيف يأكل معي ، وما عرض لي أمران كلاهما طاعة إلّا أخذت بأشدّهما على بدني ، فقال الشّاب : سوءة لكم عمدتم إلى نبيّ الله ، فعنفتموهُ حتّى أظهر من عبادة ربّه ما كان يسرّه ، فعند ذلك دعا ربّه وقال : « رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ » (١).

وقال : قيل لأيّوب صلوات الله عليه بعدما عافاه الله تعالى : أيُّ شيءٍ أشدّ ممّا مرّ عليك ؟ قال : شماتة الاعداء (٢).

فصل ـ ١ ـ

١٥٠ ـ وباسناده عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : أمطر الله على أيّوب من السّماء فراشاً من ذهب ، فجعل أيّوب صلوات الله عليه يأخذ ما كان خارجاً من داره فيدخله داره ، فقال جبرئيل عليه السّلام : أما تشبع يا أيّوب ؟ قال : ومن يشبع من فضل ربّه (٣).

١٥١ ـ وبالاسناد المتقدم عن وهب بن منبّه : انّ أيّوب كان في زمن يعقوب بن إسحاق صلوات الله عليهم ، وكان صهراً له ، تحته ابنة يعقوب يقال لها : إليٰا ، وكان أبوه ممّن آمن بابراهيم صلوات الله عليه ، وكانت أم أيّوب ابنة لوط ، وكان لوط جدّ أيّوب صلوات الله وسلامه عليهما أبا أمّه.

ولمّا استحكم البلاء على أيّوب من كلّ وجه صبرت عليه امرأته ، فحسدها إبليس على ملازمتها بالخدمة ، وكانت بنت يعقوب ، فقال لها : ألست أُخت يوسف الصّديق ؟ قالت : بلى ، قال : فما هذا الجهد وهذه البليَّة الّتي أراكم فيها ؟ قالت : هو الّذي فعل بنا ليأجرنا بفضله علينا ، لأنّه أعطاه بفضله منعماً ثمّ أخذه ليبتلينا ، فهل رأيت منعماً أفضل منه ؟ فعلى إعطائه نشكره ، وعلى ابتلائه نحمده ، فقد جعل لنا الحسنيين كلتيهما ، فابتلاه ليرى صبرنا ، ولا نجد على الصّبر قوّة إلّا بمعونته وتوفيقه ، فله الحمد والمنّة على ما أولانا وأبلانا ،

_________________________________

(١) سورة ص : (٤١).

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٣٥١ ـ ٣٥٢) ، برقم : (٢١).

(٣) بحار الانوار (١٢ / ٣٥٢) ، برقم : (٢٢).


فقال لها : أخطأتِ خطأً عظيماً ليس من هٰيهنٰا ألحّ عليكم البلاء وأدخل عليها شبهاً دفعتها كلّها.

وانصرفت إلى أيّوب صلوات الله عليه مسرعةً وحكت له ما قال اللّعين فقال أيّوب : القائل إبليس لقد حرص على قتلي ، إنّي لأقسم بالله لاجلدنّكِ مائة لِمَ أصغيت إليه إن شفاني (١) الله (٢).

١٥٢ ـ قال وهب : قال ابن عباس : فأحيى الله لهما أولادهما وأموالهما وردّ عليه كلّ شيء لهما بعينه ، وأوحى الله تعالى إليه : وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث ، فأخذ ضغثاً من قضبان رقاق من شجرة يقال لها : الثّمام ، فبرّ به يمينه وضربها ضربة واحدةً ، وقيل : أخذ عشرة منها فضربها بها عشر مرّات ، وكان عمر أيّوب ثلاثاً وسبعين قبل أن يصيبه البلاء ، فزادها الله مثلها ثلاثاً وسبعين سنة أخرى (٣).

فصل ـ ٢ ـ

( في نبوّة شعيب عليه السّلام )

١٥٣ ـ أخبرنا السيّد ذو الفقار بين معبد الحسيني ، عن الشّيخ أبي جعفر الطّوسي ، عن الشّيخ المفيد ، عن أبي جعفر بن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، قال : حدّثنا علي بن الحسين السّعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام ، عن سعد الإِسكافي ، عن علي بن الحسين صلوات الله عليهما قال : إنّ أوّل من عمل المكيال والميزان شعيب النّبي عليه السّلام عمله بيده ، فكانوا يكيلون ويوفون ، ثمّ إنّهم بعد طفّفوا في المكيال وبخسوا في الميزان « فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ » فعذّبوا بها « فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ » (٤).

١٥٤ ـ وبهذا الاسناد عن ابن محبوب ، عن يحيى بن زكريّا ، عن سهل بن سعيد ،

_________________________________

(١) في بعض النسخ : عافاني.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٣٥٢) ، برقم : (٢٣).

(٣) بحار الانوار (١٢ / ٣٥٢) من السّطر (١٨) إلى آخر الصّفحة.

(٤) بحار الانوار (١٢ / ٣٨٢) ، برقم : (٦) والآية في سورة الاعراف : (٧٨).


قال : بعثني هشام بن عبد الملك أستخرج له بئراً في رصافة عبد الملك فحفرنا منها مائتي قامة ، ثمّ بدت لنا جمجمة رجل طويل ، فحفرنا ما حولها فإذا رجل قائم على صخرة عظيمة عليه ثياب بيض ، وإذا كفّه اليمنى على رأسه على موضع ضربة برأسه ، فكنّا إذا نجّينا يده عن رأسه سالت الدّماء ، وإذا تركناها عادت فسدّت الجرح ، وإذا في ثوبه مكتوب : أنا شعيب بن صالح رسول رسول الله شعيب النبي عليه السّلام إلى قومه (١) فضربوني وأضرّوا بي طرحوني في هذا الجبّ وهالوا عليَّ التّراب فكتبنا إلى هشام بما رأيناه فكتب : أعيدوا عليه التّراب كما كان واحتفروا في مكان آخر (٢).

١٥٥ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن علي ، عن أبيه ، عن جدّه إبراهيم بن هشام ، عن عليّ بن معبد ، عن عليّ بن عبد العزيز ، عن يحيى بن بشير ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، قال : بعث هشام بن عبد الملك إلى أبي عليه السّلام ، فأشخصه إلى الشّام ، فلمّا دخل عليه قال له : يا أبا جعفر إنّما بعثت إليك لاسألك عن مسألة لم يصلح أن يسألك عنها غيري ، ولا ينبغي أن يعرف هذه المسألة إلّا رجل واحد ، فقال له أبي : يسألني أمير المؤمنين عمّا أحبّ ، فان علمت أجبتهُ ، وإن لم أعلم قلت : لا أدري وكان الصّدق أولى بي.

فقال هشام : أخبرني عن اللّيلة الّتي قتل فيها عليّ بن أبي طالب ، بما استدلّ الغائب (٣) عن المصر الّذي قتل فيه على ذلك ؟ وما كانت العلامة فيه للنّاس ؟ وأخبرني هل كانت لغيره في قتله عبرة ؟ فقال له أبي : إنّه لمّا كانت اللّيلة الّتي قتل فيها عليّ صلوات الله عليه لم يرفع عن وجه الارض حجرٌ إلّا وجد تحته دم عبيط حتّى طلع الفجر ، وكذلك كانت اللّيلة الّتي فقد فيها هارون أخو موسى عليهما السّلام ، وكذلك كانت اللّيلة الّتي قتل فيها يوشع بن نون ، وكذلك كانت اللّيلة الّتي رفع فيها عيسى بن مريم عليهما السّلام ، وكذلك كانت اللّيلة الّتي قتل فيها الحسين صلوات الله عليه.

_________________________________

(١) في البحار : أنا شعيب بن صالح رسول رسول الله الى قومه.

(٢) بحار النوار (١٢ / ٣٨٣) ، برقم : (٧).

(٣) في جميع النّسخ : الكاتب عن المصر الّذي قتل فيه عليّ. وهي ناقصة حتّى نسخة البحار والصّحيح ما وضعناه في المتن اكتمالاً عن نسخة إثبات الهداة.


فتربّد (١) وجه هشام ، وامتقع (٢) لونه ، وهمّ أن يبطش بأبي فقال له أبي : يا أمير المؤمنين الواجب على النّاس الطّاعة لامامهم والصّدق له بالنّصيحة ، وأنّ الّذي دعاني إلى ما أجبت به أمير المؤمنين فيما سألني عنه معرفتي بما يجب له من الطّاعة ، فليحسن ظنّ أمير المؤمنين فقال له هشام : أعطني عهد الله وميثاقه ألّا ترفع هذا الحديث إلى أحدٍ ما حييت فأعطاه أبي من ذلك ما أرضٰاه.

ثمّ قال هشام : انصرف إلى أهلك إذا شئت ، فخرج أبي متوجّهاً من الشّام نحو الحجاز ، وأبرد هشام بريداً وكتب معه إلى جميع عمّاله ما بين دمشق إلى يثرب يأمرهم أن لا يأذنوا لأبي في شيءٍ من مدينتهم ، ولا يبايعوه في أسواقهم ، ولا يأذنوا له في مخالطة أهل الشّام حتّى ينفذ الى الحجاز ، فلمّا انتهى إلى مدينة مدين ومعه حشمه ، وأتاهم بعضهم فأخبرهم أنّ زادهم قد نفد ، وأنّهم قد منعوا من السّوق ، وأنّ باب المدينة اُغلق.

فقال : أبي : فعلوها ؟ ائتوني بوضوءٍ فأتى بماءٍ فتوضّأ ، ثم توكّأ على غلام له ، ثمّ صعد الجبل حتّى إذا صار في ثنيّةٍ استقبل القبلة ، فصلّى ركعتين ، فقام وأشرف على المدينة ، ثمّ نادى بأعلى صوته ، وقال : « وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّتُ اللَّـهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ » (٣) ثمّ وضع يده على صدره ، ثم نادى بأعلى صوته أنا والله بقيّة الله ، أنا والله بقيّة الله. قال : وكان في أهل مدين شيخ كبير قد بلغ السّن وأدبته التّجارب ، وقد قرأ الكتب ، وعرفه أهل مدين بالصّلاح ، فلمّا سمع النّداء قال لأهله : أخرجوني فحمل ووضع وسط المدينة ، فاجتمع النّاس إليه ، فقال لهم : ما هذا الّذي سمعته من فوق الجبل ، قالوا : هذا رجل يطلب السّوق فمنعه السّلطان من ذلك وحال بينه وبين منافعه ، فقال لهم الشّيخ : تطيعونني ؟ قالوا : اللّهم نعم ، قال : قوم صالح إنّما ولي عقر النّاقة منهم رجل واحد ، وعُذّبوا جميعاً على الرّضا بفعله ، وهذا رجل قد قام مقام

_________________________________

(١) تربّد وجه فلان : تغيّر من الغضب.

(٢) أي : تغيّر من حزن أو فزع.

(٣) سورة هود : (٨٤ ـ ٨٦).


شعيب ، ونادى مثل ندآء شعيب صلوات الله عليه ، وهذا رجل ما بعده ، فارفضوا السّلطان وأطيعوني وأخرجوا إليه بالسّوق فاقضوا حاجته ، وإلّا لم آمن والله عليكم الهلكة ، قال : ففتحوا الباب وأخرجوا السّوق إلى أبي ، فاشتروا حاجتهم ودخلوا مدينتهم ، وكتب عامل هشام إليه بما فعلوه ، وبخبر الشّيخ ، فكتب هشام إلى عامله بمدين بحمل الشّيخ إليه ، فمات في الطّريق رضي الله عنه (١).

فصل ـ ٣ ـ

١٥٦ ـ أخبرنا السّيد عليّ بن أبي طالب السّليقي (٢) ، عن جعفر بن محمّد بن العبّاس ، عن أبيه ، عن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبٰان ، عن محّمد بن أورمة ، عن بعض أصحابنا ، عن سعيد بن جناح ، عن أيّوب بن راشد رفعه إلى علي عليه السّلام قال : قيل له يا أمير المؤمنين : حدّثنا قال : إنّ شعيباً النّبيّ صلوات الله عليه دعا قومه إلى الله حتّى كبر سنّه ورق عظمه ، ثمّ غاب عنهم ما شاء الله ، ثمّ عاد إليهم شابّاً فدعاهم إلى الله ، فقالوا : ما صدّقناك شيخاً ، فكيف نصدّقك شابّاً ؟ وكان عليّ عليه السّلام يكرّر عليهم الحديث مراراً كثيرة (٣).

١٥٧ ـ وبهذا الإسناد عن ابن أورمة ، عمّن ذكره ، عن علا ، عن فضيل بن يسار قال أبو عبد الله صلوات الله عليه : لم يبعث الله عزّ وجلّ من العرب إلّا خمسة أنبيآء : هوداً ، وصالحاً ، وإسماعيل ، وشعيباً ، ومحمّداً خاتم النبييّن صلوات الله عليهم ، وكان شعيب بكاء (٤).

١٥٨ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن إبراهيم الطّالقاني ، حدّثنا أحمد بن عمران

_________________________________

(١) بحار الانوار (٤٦ / ٣١٥ ـ ٣١٧) ، برقم : (٣) ، وجائت قطعات من الحديث في (١٣ / ٣٦٨) ، برقم : (١٢) و (١٤ / ٣٣٦) ، برقم : (٤) و (٤٢ / ٣٠٢) ، وأورد قسماً منه في إثبات الهداة (٢ / ٤٦٤) من الباب (١١) الفصل (٢١) برقم : (٢١٣).

(٢) كذا في ق ٣ وأعيان الشّيعة : وفي ق ١ : الصّيقلي ، وفي ق ٢ وق ٤ وق ٥ : السّيقلي وفي الرّياض (٢ / ٤٢٧) و (٤٣٧) : السّليقي والسّيلقي.

(٣) بحار الانوار (١٢ / ٣٨٥) ، برقم : (١٠).

(٤) بحار الانوار (١١ / ٤٢) ، برقم : (٤٤) ، وراجع (١٢ / ٣٨٥) ، برقم : (١١).


ابن خالد ، حدّثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدّثنا عيسى بن راشد ، عن علي بن خزيمة (١) ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس رضي الله عنه ، قال : إنّ الله تعالى بعث شعيباً إلى قومه ، وكان لهم ملك فأصابه منهم بلاءٌ ، فلمّا رآى الملك أنّ القوم قد خصبوا أرسل إلى عمّاله ، فحسبوا على النّاس الطّعام ، وأغلوا أسعارهم ، ونقصوا مكائيلهم وموازينهم ، وبخسوا النّاس أشياءهم ، وعتوا عن أمر ربّهم ، فكانوا مفسدين في الأرض ، فلمّا رآى ذلك شعيب صلوات الله عليه قال لهم : « لا تنقصوا المكيال والميزان إنّي أرايكم بخير وإنّي أخاف عليكم عذاب يوم محيط » فأرسل الملك إليه بالانكار.

فقال شعيب : إنّي منهيّ في كتاب الله تعالى والوحي الّذي أوحى الله إلي به : أنّ الملك إذا كان بمنزلتك الّتي نزلتها ينزل الله بساحته نقمته ، فلمّا سمع الملك ذلك أخرجه من القرية ، فأرسل الله إليه سحابة فاظلّتهم ، فأرسل عليهم في بيوتهم السّموم وفي طريقهم الشّمس الحارّة وفي القرية ، فجعلوا يخرجون من بيوتهم وينظرون إلى السّحابة الّتي قد أظلّتهم من أسفلها ، فانطلقوا سريعاً كلّهم إلى أهل بيت كانوا يوفون المكيال والميزان ولا يبخسون النّاس أشياءهم فنصحهم الله وأخرجهم من بين العصاة ، ثمّ أرسل على أهل القرية من تلك السّحابة عذاباً وناراً فأهلكتهم ، وعاش شعيب صلوات الله عليه مائتين واثنين وأربعين سنة (٢).

فصل ـ ٤ ـ

١٥٩ ـ وعن ابن بابويه حدّثنا ابوعبد الله محمّد بن شاذان بن أحمد بن عثمان البرواذي حدّثنا ابوعلي محمّد بن محمّد بن الحارث بن سفيان الحافظ السّمرقندي حدّثنا صالح بن سعيد التّرمذي عن عبد المنعم بن إدريس عن أبيه (٣) عن وهب بن منبّه اليماني ، قال : إنّ شعيباً وأيّوب صلوات الله عليهما وبلعم بن باعورا كانوا من ولد رهطٍ آمنوا لإِبراهيم يوم أحرق فنجا ، وهاجروا معه إلى الشّام ، فزوّجهم بنات لوط ، فكلّ نبيّ كان

_________________________________

(١) كذا في ق ١ وق ٢ والبحار ، وفي ق ٣ وق ٥ : علي بن خذيمة.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٣٨٦ ـ ٣٨٧) ، برقم : (١٣).

(٣) الزيادة من العلل فقط.


قبل بني إسرائيل وبعد إبراهيم صلوات الله عليه من نسل اولئك الرّهط ، فبعث الله شعيباً إلى أهل مدين ، ولم يكونوا فصيلة شعيب ولا قبيلته الّتي كان منها ، ولكنّهم كانوا أمّة من الامم بعث إليهم شعيب صلوات الله عليه.

وكان عليهم ملك جبّار ، لا يطيقه أحد من ملوك عصره ، وكانوا ينقصون المكيال والميزان ، ويبخسوا النّاس أشياءهم ، مع كفرهم بالله وتكذيبهم لنبيّه وعتوّهم ، وكانوا يستوفون إذا اكتالوا لأنفسهم أو وزنوا لها ، فكانوا في سعة من العيش ، فأمرهم الملك باحتكار الطّعام ونقص مكائيلهم وموازينهم ، ووعظهم شعيب فأرسل إليه الملك ما تقول فيما صنعت أراض أم أنت ساخط ؟ فقال شعيب : أوحى الله تعالى إليّ أنّ الملك إذا صنع مثل ما صنعت يقال له : ملك فاجر ، فكذّبه الملك وأخرجه وقومه من مدينته ، قال الله تعالى حكاية عنهم : « نُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا ».

فزادهم شعيب في الوعظ (١) ، فقالوا : يا شعيب : « أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ » فآذوه بالنّفي من بلادهم ، فسلّط الله عليهم الحرّ والغيم ، حتّى أنضجهم ، فلبثوا فيه تسعة أيّام ، وصار ماؤهم حميماً لا يستطيعون شربه ، فانطلقوا إلى غيضة لهم ، وهو قوله تعالى : « وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ » فرفع الله لهم سحابة سوداء ، فاجتمعوا في ظلّها ، فأرسل الله عليهم ناراً منها فاحرقتهم ، فلم ينج منهم أحد ، وذلك قوله تعالى : « فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ».

وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا ذكر عنده شعيب قال : ذلك خطيب الأنبياء يوم القيامة ، فلمّا أصاب قومه ما أصابهم لحق شعيب والّذين آمنوا معه بمكّة ، فلم يزالوا بها حتّى ماتوا.

والرّواية الصّحيحة : أنّ شعيباً عليه السّلام صار منها إلى مدين فأقام بها وبها لقيه موسى ابن عمران صلوات الله عليهما (٢).



_________________________________

(١) في ق ١ وق ٥ : الوعد.

(٢) بحار الانوار (١٢ / ٣٨٤ ـ ٣٨٥) ، برقم : (٩).


الباب الثّامن

( في نبوّة موسى بن عمران عليه السّلام )

١٦٠ ـ أخبرنا الشّيخ عليّ بن عبد الصّمد ، عن أبيه ، حدّثنا السّيد ابوالبركات الخوزي ، عن الشّيخ أبي جعفر محمّد بن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، حدّثنا أحمد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبان بن عثمان ، عن محمّد الحلبي ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : إنّ يوسف بن يعقوب صلوات الله عليهما حين حضرته الوفاة جمع آل يعقوب وهم ثمانون رجلاً ، فقال : إنّ هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ، ويسومونكم سوء العذاب ، إنّما ينجيكم الله برجل من ولد لٰاوي بن يعقوب اسمه موسى بن عمران بن فاهث بن لاوي. غلام طوال (١) ، جعد الشّعر ، أدم اللّون ، فجعل الرّجل من بني إسرائيل ، يسمي ابنه عمران ، ويسمّي عمران ابنه موسى.

فذكر أبان ، عن أبي الحصين ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه أنّه قال : ما خرج موسى حتّى خرج ثمانون كذّاباً من بني إسرائيل ، كلّهم يدّعي أنّه موسى بن عمران ، فبلغ فرعون أنّهم يرجفون به ويطلبون هذا الغلام ، فقال له كهنته وسحرته : إنّ هلاك دينك وقومك على يدي هذا الغلام الّذي يولد العام من بني إسرائيل ، قال : فوضع القوابل على النّساء ، فلمّا رأى ذلك بنو إسرائيل قالوا : تعالوا لا نقرب النّساء ، فقال عمران أبو موسى : آتوهنّ فإِنّ (٢) أمر الله واقع ولو كره المشركون ، اللّهمّ من تركه فإنّي لا أتركه ،

_________________________________

(١) في ق ١ والبحار : طويل.

(٢) في ق ٤ : فاذا.


ووقع على أُمّ موسى ، فحملت ، فوضع على أُمّ موسى قابلة تحرسها ، فإِذا قامت قامت وإذا قعدت قعدت.

قال : فلمّا حملته أُمّه وقعت عليها المحبّة. وكذلك حجج الله على خلقه ، فقالت لها القابلة : مالك يا بنت ، تصفرين وتذوبين ؟ فقالت : لا تلوميني فانّي إذا وَلَدْتُ أُخِذَ ولدي فذبح ، قالت : فلا تحزني فانّي سوف أكتم عليك فلم تصدّقها ، فلمّا أن ولدت التفتت إليها وهي مقبلة (١) ، فقالت : ما شاء الله ، فقالت : ألم أقل : إنّي سوف أكتم عليك ، ثمّ حملته فأدخلته المخدع وأصلحت أمره (٢) ، ثمّ خرجت إلى الحرس وكانوا على الباب ، فقالت : انصرفوا فانّما خرج دم مقطع فانصرفوا فارضعته ، فلمّا خافت عليه أوحى الله إليها : اجعليه في تابوت ، ثمّ اخرجيه ليلاً فاطرحيه في نيل مصر ، فوضعته في التّابوت ثمّ دفعته في اليم ، فجعل يرجع إليها وجعلت تدفعه في الغمر وأنّ الريح ضربته فانطلقت به ، فلمّا رأته قد ذهب به الماء ، فهمّت (٣) أن تصيح فربط الله على قلبها.

وقد كانت الصّالحة امرأة فرعون وهي من بني إسرائيل قالت : إنّها أيّام الرّبيع (٤) فاخرجني فاضرب لي قبّة على شاطىء البحر حتّى أتنزّه هذه الايّام ، فضرب لها قبة على شطّ النّيل إذا أقبل التّابوت يريدها ، فقال : هل ترون ما أرى على الماء ؟ قالوا : إي والله يا سيّدتنا إنّا لنرى شيئاً ، فلمّا دنا منها ثارت إلى الماء فتناولته بيدها ، وكاد الماء يغمرها حتّى صاحوا عليها ، فجذبته فأخرجته من الماء ، فأخذته فوضعته في حجرها فاذا غلام أجمل النّاس ، فوقعت عليها له محبّة ، وقالت : هذا ابني ، فقالوا : إي والله يا سيدّتنا مالك ولد ولا للملك ، فاتّخذي هذا ولداً ، فقالت لفرعون : إنّي أصبت غلاماً طيّباً نتّخذه ولداً ، فيكون قرّة عين لي ولك ولا تقتله ، قال : ومن أين هذا الغلام ؟ قالت : ما أدري إلّا أنّ الماء جاء به ، فلم تزل به حتى رضي.

فلمّا سمع النّاس أنّ الملك يربّي ابناً لم يبق أحد من رؤوس من كان مع فرعون إلّا

_________________________________

(١) في ق ١ : تقبله.

(٢) في ق ٣ : شأنه.

(٣) في ق ١ : همّت. وهو الأوجه.

(٤) في ق ٤ : ربيع.


بعث امرأته إليه تكون ظئراً له ، فأبى أن يأخذ من امرأة منهنّ ثدياً ، قالت امرأة فرعون : اطلبوا لإِبني ظئراً ولا تحقّروا أحداً ، فجعل لا يقبل من امرأة منهنّ ، فقالت أمّ موسى لاخته : قصيّه : انظري أثر من له أثر (١) ، فانطلقت حتّى أتت باب الملك : قالت ها هنا إمرأة صالحة : تأخذ ولدكم وتكفّله لكم ، قلت : ادخلوها ، فلما دخلت قالت لها امرأة فرعون : فمن أنت ؟ قالت : من بني إسرائيل ، قالت : اذهبي فليس (٢) لنا فيك حاجة ، فقال لها النّساء : انظري هل يقبل ثديها ؟ فقالت امرأة فرعون : إن يقبل هل يرضى فرعون بذلك ؟ فيكون الغلام من بني اسرائيل والمرأة من بني اسرائيل يعني (٣) الظّئر لا يرضى أبداً ، قلن : فانظري هل يقبل أم (٤) لا يقبل ؟ قالت امرأة فرعون : فاذهبي فادعيها فجاءت إلى أُمّها فقالت : إنّ امرأة الملك تدعوك فدخلت عليها ، فدفعت اليها موسى فوضعته في حجرها ثمّ ألقمته ثديها فقبل ، فقامت امرأة فرعون الى فرعون فقالت : انّ ابنك قد اقبل على ديسها (٥) ثديها وقبلته فقال : وممّن هي ؟ قالت : من بني إسرائيل قال : هذا مالا يكون أبداً ، فلم تزل تكلّمه وتقول : لا يخاف من هذا الغلام إنّما هو ابنك ينشأ في حجرك حتّى قلّبت رأيه ورضي.

فنشأ موسى في آل فرعون ، وكتمت أُمّه خبره وإخته والقابلة ، حتّى هلكت الامّ والقابلة ، وكان بنو إسرائيل تطلبه ، فبلغ فرعون أنّهم يسألون عنه فزاد في عذابهم ، فشكوا ذلك إلى شيخ لهم عنده علم ، فقال : إنّكم لا تزالون فيه حتّى يجيء الله بغلام من ولد لاوي بن يعقوب اسمه : موسى بن عمران غلام أدم جعد ، فبيناهم كذلك إذ أقبل موسى صلوات الله عليه يسير على بغلة حتى وقف عليهم ، فرفع الشّيخ رأسه فعرفه بالصّفة ، فقال له : ما اسمك ؟ قال : موسى قال : ابن من ؟ قال : ابن عمران ، فوثب إليه الشّيخ وقبّل يده (٦)

_________________________________

(١) في ق ٢ وق ٤ : انظري أترين له أثراً.

(٢) في ق ٣ : فما.

(٣) في ق ٣ : تعني.

(٤) في ق ٣ : أو.

(٥) في ق ٣ وق ٤ : ثديها.

(٦) في ق ٢ : يديه.


وثاروا إلى رجليه فقبلوهما ، فعرفهم وعرفوه واتّخذهم شيعته ، فمكث بعد ذلك ما شاء الله ، ثمّ خرج فدخل مدينة لفرعون فيها رجل من شيعته يقاتل رجلاً قبطيّاً فاستغاثه ، فوكز القبطي فمات ، فذكره النّاس وشاع أمره أنّ موسى قتل رجلاً من آل فرعون ، فكان خائفاً حتّى جاءه رجل وقال : إنّهم يطلبونك ، فخرج من مصر بغير دابّة حتّى انتهى إلى أرض مدين ، فانتهى إلى اصل شجرة تحتها بئر وعندها أمّة من النّاس وجاريتان معهما غنيمة (١) في ناحية ، فقال لهما : ما خطبكما ، قالتا : أبونا شيخ كبير ونحن ضيعفتان لا نزاحم الرّجال ، فاذا استقى النّاس وانصرفوا سقينا من بقيّة مائهم ، فرحمهما موسى فاخذ الدلو واستقى وسقي لهما ، فرجعتا قبل النّاس وجلس موسى موضعه.

قال ابوجعفر عليه السلام (٢) لقد قال : « رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ » وأنّه لمحتاج إلى شق تمرة. فلمّا رجعتا إلى أبيها قال : ما أعجلكما ! قالتا : وجدنا صالحاً رحمنا فسقي لنا ، فقال لاحداهما : اذهبي فادعيه فجاءت تمشي على استحياء ، قالت : إنّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ، فقال موسى لها : وجّهيني إلى الطّريق وامشي خلفي ، فانّا بني يعقوب لا ننظر إلى أعجاز (٣) النّساء.

فلمّا جاءه وقصّ عليه القصص ، قال : لا تخف نجوت من القوم الظّالمين ، ثمّ استأجره ليزوّجه ابنته ، فلمّا قضى موسى الأجل وسار بأهله نحو بيت المقدس أخطأ الطّريق ليلاً ، فأورى ناراً فلم يمكنه الزّند (٤) ، فرآى ناراً فقال لاهله : امكثوا إنّي آنست ناراً لعليّ آتيكم منها بقبس أو خبر ، فلمّا انتهى إلى النّار اذا شجرة تضطرم من أسفلها إلى أعلاها ، فلمّا دنا منها تأخّرت ثمّ دنته ، فنودي : أنّي أنا الله ربّ العالمين ، وأن ألق عصاك ، فألقاها فاذا هي حيّة مثل الجذع لأسنانها صرير يخرج من فمها مثل لهب النّار ، فولّى مرتعداً ، فنودي :

_________________________________

(١) في ق ٣ : غنيمات.

(٢) كذا في ق ١ ولعلّه الصّحيح كما يظهر من البحار (١٣ / ٥٩) ، وفي بعض النّسخ بدون « عليه السّلام » فيمكن أن يكون المراد به : إمّا الصّدوق أو أحمد بن محمّد بن عيسى أو غيرهما ، وجملة « قال ابوجعفر » غير موجودة في كمال الدين (١ / ١٥٠) ولا في البحار (١٣ / ٣٨) ، سورة القصص : ٢٤.

(٣) الزيادة من البحار.

(٤) في ق ٢ : الوقد.


لا تخف وخذها ، فوقع عليه الأمان ووضع رجليه على ذنبها وتناول لحيتها (١) ، فاذا يده في شعبة العصا قد عادت عصا (٢).

فصل ـ ١ ـ

١٦١ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدثنا سعد بن عبد الله ، حدثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : سألت أبا الحسن الرّضا صلوات الله عليه عن قوله تعالى : « إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا » أهي الّتي تزوّج بها ؟ قال : نعم ، ولمّا قالت : « اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ » قال أبوها : كيف علمتِ ذلك ؟ قالت لمّا أتيته برسالتك ، فأقبل معي قال : كوني خلفي ودلّيني على الطّريق ، فكنت خلفه أرشده كراهة أن يرى منّي شيئاً.

ولمّا أراد موسى الانصراف قال شعيب : ادخل البيت وخذ من تلك العِصي عصاً تكون معك تدرأ بها السّباع ، وقد كان شعيب أخبر بأمر العصٰا الّتي أخذها موسى ، فلمّا دخل موسى البيت وثبت إليه العصٰا ، فصارت في يده فخرج بها ، فقال له شعيب : خذ غيرها ، فعاد موسى الى البيت ، فوثبت اليه العصا ، فصارت في يده فخرج بها ، فقال له شعيب : خذ غيرها فوثبت إليه فصارت في يده ، فقال له شعيب : ألم أقل لك خذ غيرها ؟ قال له موسى : قد رددتها ثلاث مرّات كلّ ذلك تصير في يدي ، فقال له شعيب : خذها وكان شعيب يزور موسى كلّ سنة ، فاذا أكل قام موسى على رأسه وكسر له الخبز (٣).

١٦٢ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : ألقى الله تعالى من موسى على فرعون وامرأته المحّبة ، قال : وكان فرعون طويل اللِّحية ، فقبض موسى عليها ، فجهدوا أن يخلصوها من يد موسى فلم يقدروا على ذلك (٤) حتى جذّها (٥) ، فأراد فرعون قتله ، فقالت له امرأته : انّ هنا

_________________________________

(١) في ق ١ : لحييها.

(٢) بحار الانوار (١٣ / ٣٨ ـ ٤٢) ، وراجع كمال الدين (١ / ١٥٠).

(٣) بحار الانوار (١٣ / ٤٤ ـ ٤٥) ، برقم : (١٠) ، مع اختلاف لا يضرّ باصل المعنى.

(٤) في ق ١ : على خلاصها.

(٥) في ق ٣ وق ٤ وق ٥ والبحار : حتى خلاها.


أمراً يستبين (١) به هذا الغلام ادع بجمرة ودينار فضعهما بين يديه ففعل ، فأهوى موسى الى الجمرة ووضع يده عليها فأحرقتها ، فلمّا وجد حرّ النّار وضع يده على لسانه ، فأصابته لغثةٌ ، وقد قال في قوله تعالى : « أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ » : قضى أوفاهما وأفضلهما (٢).

١٦٣ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عمّن ذكره ، عن درست ، عمّن ذكره عنهم عليهما السّلام قال : بينما موسى جالس إذ أقبل إبليس وعليه بُرنس (٣) ، فوضعه ودنا من موسى وسلّم ، فقال له موسى : من أنت ؟ قال : إبليس قال : لا قرّب الله دارك لمٰاذا البرنس ؟ قال : أختطف به قلوب بني آدم. فقال موسى عليه السّلام : أخبرني بالذّنب الّذي إذا أذنبه ابن آدم إستحوذتَ عليه ؟ قال : ذلك إذا أعجبته نفسه واستكثر عمله وصغر في نفسه ذنبه.

وقال يا موسى : لا تخلُ بامرأة لا تحلّ لك فإنّه لا يخل رجل بإمرأة لا تحلّ له إلّا كنت صاحبه دون أصحابي وايّاك أن تعاهد الله عهداً ، فانّه ما عاهد الله أحدٌ إلّا كنت صاحبه دون أصحابي حتّى أحول بينه وبين الوفاء به وإذا هممت بصدقة فامضها واذا هم العبد بصدقة كنت صاحبه دون أصحابي حتّى أحول بينه وبينها (٤).

١٦٤ ـ وسئل عن موسى عليه السّلام لمّا وضع في البحر : كم غاب عن أمّه حتّى ردّه الله تعالى إليها ؟ قال : ثلاثة أيّام (٥).

١٦٥ ـ وسئل أيّهما مات قبل ، هارون أم موسى ؟ قال : هارون مات قبل موسى عليهما السّلام ، وسئل أيّهما كان أكبر هارون أم موسى ؟ قال : هارون قال : وكان اسم ابنّي هارون شبيراً وشبّراً وتفسيرهما بالعربية : الحسن والحسين (٦).

وقال : انّ اليهود أمروا بالإمساك يوم الجمعة ، فتركوا يوم الجمعة وامسكوا يوم السّبت

_________________________________

(١) في ق ٣ وق ٤ : نستبين.

(٢) بحار الانوار (١٣ / ٤٦) ، برقم : (١٢) ، الاية ٢٨ : سورة القصص.

(٣) في البحار : برنس ذو ألوان.

(٤) بحار الانوار (١٣ / ٣٥٠) ، برقم : (٣٩) و (٦٣ / ٢٥١ ـ ٢٥٢) ، برقم : (١١٤) ، وأورد قطعات منه في (٧٢ / ٣١٧) ، برقم : (٢٨) و (١٠٤ / ٤٨) ، برقم : (٥) و (١٠٤ / ٢١٩) ، برقم : (١٩).

(٥) بحار الانوار (١٣ / ٤٦) ، برقم : (١٣).

(٦) بحار الانوار (١٣ / ١١) ، برقم : (١٥).


فحرم عليهم الصّيد يوم السّبت (١).

قال : وكان وصيّ موسى يوشع بن نون (٢).

وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : رأيت إبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله عليهم ، فأمّا موسى فرجل طوال سبط ، يشبه رجال الزّطّ ورجال أهل شنوة (٣) ، وأمّا عيسى فرجل أحمر جعد ربعة. قال : ثمّ سكت فقيل له : يا رسول الله فابراهيم قال : انظروا إلى صاحبكم ، يعني نفسه صلى الله عليه وآله (٤).

فصل ـ ٢ ـ

١٦٦ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه حدّثنا سعد بن عبد الله ، حدثنا محمّد بن الحسين ابن أبي الخطاب ، عن محمّد بن سنان ، عن مقرن إمام بني فتيان (٥) ، عمّن روى ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : كان في زمن موسى صلوات الله عليه ملك جبّار قضى حاجة مؤمن بشفاعة عبد صالح ، فتوفّي في يوم الملك الجبّار والعبد الصّالح ، فقام على الملك النّاس وأغلقوا أبواب السّوق لموته ثلاثة أيّام ، وبقي ذلك العبد الصّالح في بيته ، وتناولت دوابّ الارض من وجهه ، فرآه موسى بعد ثلاث (٦) ، فقال : يا ربّ هو عدوّك وهذا وليّك ، فأوحى الله إليه يا موسى إنّ وليّي سأل هذا الجبّار حاجة فقضاها له ، فكافأته عن المؤمن وسلّطت دوابّ الأرض على محاسن وجه المؤمن لسؤاله ذلك الجبّار (٧).

١٦٧ ـ وعن ابن بابويه ، عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ،

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٥٠) ، عن العلل.

(٢) بحار الانوار (١٣ / ٣٦٥) ، برقم : (٧).

(٣) في مورد من البحار : شبوه ، وشنوة لعلّه محرّف شنوءة بالفتح ثمّ الضّم اسم مكان باليمن تنسب اليه الأزد ، كما في معجم البلدان (٣ / ٣٦٨) أو محرّف شبوة وهو أيضاً اسم مكان باليمن كما في المعجم أيضاً.

(٤) بحار الانوار (١٢ / ١٠) ، برقم : (٢٤) و (١٣ / ١١) ، برقم : (١٥) و (١٤ / ٢٤٨) ، برقم : (٣٥).

(٥) في ق ١ : فينان ، وفي ق ٣ : قينان.

(٦) في ق ٣ : ثلاثة أيام.

(٧) بحار الانوار (١٣ / ٣٥٠ ـ ٣٥١) ، برقم : (٤٠) و (٧٤ / ٣٠٦) ، برقم : (٥٥) و (٧٥ / ٣٧٣) ، برقم : (٢٣).


عن الحسن بن علي ، عن أبي جميلة ، عن محمّد بن مروان ، عن العبد الصالح صلوات الله عليه قال : وكان من قول موسى عليه السّلام حين دخل على فرعون : « اللهمّ إنّي أدرأ إليك في نحره ، وأستجير بك من شرّه ، وأستعين بك » فحوّل الله ما كان في قلب فرعون من الأمن خوفاً (١).

١٦٨ ـ وعن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحجّال ، عن عبد الرّحمن بن أبي حمّاد ، عن جعفر بن غياث ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إنّ فرعون بنى سبع مدائن ، فتحصّن فيها من موسى ، فلمّا أمره الله أن يأتي فرعون جاءه ودخل المدينة ، فلمّا رأته الأسود بصبصبت بأذنابها ، ولم يأت مدينة إلّا انفتح له [ بابها ] (٢) حتى انتهى إلى الّتي هو فيها ، فقعد على الباب وعليه مدرعة من صوف ومعه عصٰاه ، فلمّا خرج الآذِن ، قال له موسى صلوات الله عليه : إنّي رسول ربّ العالمين إليك.

فلم يلتفت ، فضرب بعصاه الباب ، فلم يبق بينه وبين فرعون باب إلّا انفتح فدخل عليه ، فقال أنا رسول ربّ العالمين فقال : ائتني بآية فألقى عصٰاه وكان له شعبتان ، فوقعت إحدى الشّعبتين في الأرض ، والشّعبة الاخرى (٣) في أعلى القبّة ، فنظر فرعون إلى جوفها وهي تلهب ناراً ، وأهوت إليه فاخذت فرعون ، وصاح يا موسى خذها ، ولم يبق أحد من جلساء فرعون إلّا هرب ، فلمّا أخذ موسى العصا ورجعت إلى فرعون نفسه همّ بتصديقه ، فقام إليه هامان وقال : بينا أنت إله تعبد إذ (٤) أنت تابع لعبد ، واجتمع الملأ وقالوا هذا ساحر عليم ، فجمع السّحرة لميقات يوم معلوم ، فلمّا ألقوا حبٰالهم وعصيّهم ألقى موسى عصٰاه فالتقمتها كلّهٰا ، وكان في السّحرة اثنان وسبعون شيخاً خرّوا سجّداً. ثمّ قالوا لفرعون ما هذا سحر (٥) لو كان سحراً لبقيت حبٰالنا وعصيّنٰا.

ثمّ خرج موسى صلوات الله عليه ببني إسرائيل يريد أن يقطع بهم البحر ، فأنجى الله

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ١٣٢) ، برقم : (٣٦) و (٩٥ / ٢١٧ ـ ٢١٨) ، برقم : (١١).

(٢) الزيادة من ق ١.

(٣) في ق ٤ : وإحدى الشّعبتين.

(٤) في ق ٤ : إذا.

(٥) ما هذا سحراً ، ق (١ و ٣).


موسى ومن معه وغرق فرعون ومن معه ، فلمّا صار موسى في البحر أتبعهُ فرعون وجنوده ، فتهيب فرعون أن يدخل البحر ، فمثّل جبرئيل على ماديانة وكان فرعون على فحل ، فلمّا رأى قوم فرعون الماديانة اتبعوها ، فدخلوا البحر فغرقوا ، وأمر الله البحر فلفظ فرعون ميّتاً حتى لا يظنّ أنّه غائب وهو حيٌّ.

ثمّ إنّ الله تعالى أمر موسى أن يرجع ببني إسرائيل إلى الشّام ، فلمّا قطع البحر بهم مرَّ على قوم يعكفون على أصنٰام لهم قالوا : يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ؟ قال : إنّكم قوم تجهلون ، ثمّ ورث بنو إسرائيل ديارهم وأموالهم ، فكان الرّجال يدور على دور كثيرة ويدور على النّساء (١).

فصل ـ ٣ ـ

( في حديث موسى والعالم عليهما السّلام )

١٦٩ ـ أخبرنا السّيد ابوالسّعادات هبة الله بن علي الشّجري ، عن جعفر بن محمّد بن العباس ، عن أبيه ، عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ابن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبي بصير ، عن أحدهما صلوات الله عليهما قال لمّا كان من أمر موسى الّذي كان اُعطى مكتلاً فيه حوت مٰالح ، فقيل له : هذا يدلُّك على صٰاحبك عند عين لا يصيب منها شيء إلّا حُيّ ، فانطلقا حتّى بلغا الصّخرة وجاوزا ثمّ « قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا » فقال : الحوت اتّخذ في البحر سرباً ، فاقتصّا الأثر حتّى أتيا صٰاحبهما (٢) في جزيرة في كسٰاء جالساً ، فسلّم عليه وأجٰاب وتعجّب وهو بأرض ليس بها سلام ، فقال : من أنت ؟ قال موسى : فقال : ابن عمران الّذي كلّمه الله ؟ قال : نعم ، قال : فما جاء بك ؟ قال : أتيتك على أن تعلّمني.

قال : إنّي وكّلت بأمر لا تطيقه ، فحدّثه عن آل محمّد صلى الله عليهم وعن بلائهم وعمّا يصيبهم حتّى اشتدّ بكاؤهما ، وذكر له فضل محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وما اُعطوا

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ١٠٩ ـ ١١٠) ، برقم : (١٤).

(٢) في ق ١ وق ٢ وق ٤ وق ٥ : صاحبها ، الآية ٦٢ : سورة الكهف.


وما ابتلوا به ، فجعل يقول : يا ليتني من أمّة محمّد.

وانّ العالم لمّا تبعه موسى خرق السّفينة ، وقتل الغلام ، وأقام الجدار. ثمّ بين له كلّها وقال : ما فعلته عن أمري ؛ يعني لولا أمر ربّي لم أصنعه ، وقال : لو صبر موسى لأراه العالم سبعين أعجوبة.

١٧٠ ـ وفي رواية رحم الله موسى عجّل على العالم أمٰا إنّه لو صبر لرآى منه من العجائب مالم ير (١).

١٧١ ـ وعن ابن بابويه ، حدثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن اسحاق التّاجر ، عن علي بن مهزيار ، وعن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان عن منذر ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : لمّا لقي موسى العالم عليهما السّلام وكلّمه وساءله نظر إلى خطّاف يصفر ويرتفع في الماء (٢) ويسفل (٣) في البحر ، فقال العالم لموسى : أتدري ما تقول هذه الخطافة ؟ قال : ومٰا تقول ؟ قال : تقول : وربّ السّماوات والارض وربّ البحر ما علمكما من علم الله إلّا قدر ما أخذت بمنقاري من هذا البحر وأكثر.

ولمّا فارقه موسى قال له موسى : أوصني. فقال الخضر : الزم مالا يضرك معه شيء ، كما لا ينفعك من غيره شيء. وإيّاك واللّجاجة ، والمشي إلى غير حاجة والضّحك في غير تعجّب ، يابن عمران لا تعيّرنّ أحداً بخطيئةٍ وابك على خطيئتك (٤).

١٧٢ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن على ماجيلويه ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن علي الصّيرفي (٥) ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن أبيه ، عن الحارث الأعور الهمداني رحمه الله قال : رأيت مع أمير المؤمنين عليه الصّلاة والسّلام شيخاً

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ٣٠١) ، برقم : (٢١) إلى آخره و (٢٦ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤) ، برقم : (٤٠) إلى قوله : ياليتني من أمّة محمد صلّى الله عليه وآله.

(٢) في ق ١ وق ٤ : خطّافة تصفر وترتفع في الماء.

(٣) في البحار : تستفل.

(٤) بحار الانوار (١٣ / ٣٠١ ـ ٣٠٢) ، برقم : (٢٢) ومن قوله : لمّا فارق موسى الخضر ، في الجزء (٧٣ / ٣٨٦ ـ ٣٨٧) ، برقم : (٧) و (٧٨ / ٤٤٩) ، برقم : (١١).

(٥) في البحار : عن عمّه عن عليّ الكوفي ، وهو غلط.


بالنّخيلة : فقلت : يٰا أمير المؤمنين من هٰذا ؟ قال : هذا أخي الخضر جاءني يسألني عمّا بقي من الدّنيا وسألته عمّا مضى من الدّنيا ، فأخبرني وأنا أعلم بمٰا سألته منه ، قال أمير المؤمنين : فأوتينا بطبق رطب من السّماء ، فأمّا الخضر فرمى بالنّوى ، وأمّا أنا فجمعته في كفّي ، قال الحارث : قلت فهبه لي يا أمير المؤمنين ، فوهبه لي فغرسته فخرج منه (١) مشٰاناً (٢) جيّداً بالغاً عجباً (٣) لم أر مثله قطّ (٤).

١٧٣ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمد بن أورمة ، عن عبد الرّحمن بن حمّاد الكوفي ، حدّثنا يوسف بن حمّاد الخزاز ، عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : لمّا أُسري برسول الله صلى الله عليه وآله بينٰا هو على البراق وجبرئيل معه إذ (٥) نفحته رائحة مسك ، فقال جبرئيل : ما هذا ؟ فقال كان في الزّمان الاوّل ملك له أسوة حسنة في أهل مملكته وكان له ابن رغب عمّا هو فيه ، وتخلّى في بيت يعبد الله تعالى ، فلمّا كبر سنّ الملك مشى إليه خيرة النّاس ، قالوا : أحسنت الولاية علينا وكبر سنّك ولا خلفك إلّا ابنك ، وهو راغب عمّا أنت فيه ، وأنّه لم ينل من الدّنيا ، فلو حملته على النّساء حتّى يصبب لذّة الدّنيا لعٰاد ، فاخطب كريمة له فأمرهم بذلك ، فزوّجه جاريةً لها أدب وعقل ، فلمّا أتوا بها واجلسُوها حوّلها الى بيته وهو في صلاته ، فلمّا فرغ قال : أيّتها المرأة ليس النّساء من شأني ، فان كنت تحبّين أن تقيمي معي وتصنعين كما أصنع كان لك من الثّواب كذا وكذا ، قالت : فأنا أقيم على ما تريد.

ثمّ إنّ اباه بعث إليها يسٰائلها هل حبلت ؟ فقالت : إنّ ابنك ما كشف لي عن ثوب ، فأمر بردّها إلى أهلها ، وغضب على ابنه ، وأغلق الباب عليه ، ووضع عليه الحرس فمكث ثلاثاً ، ثمّ فتح عنه فلم يوجد في البيت أحد فهو الخضر عليه الصّلاة والسّلام (٦).

_________________________________

(١) الزيادة من ق ٢ وق ٤.

(٢) الشأن : نوع من الرّطب وهو الأطيب منه.

(٣) في ق ١ وق ٣ : عجيباً ، وفي ق ٢ : عجماً.

(٤) بحار الانوار (٣٩ / ١٣١) ، برقم : (٣).

(٥) في ق ٤ : إذا.

(٦) بحار الانوار (١٣ / ٣٠٢ ـ ٣٠٣) ، برقم : (٢٣).


فصل ـ ٤ ـ

( في حديث البقرة )

١٧٤ ـ أخبرنا الشّيخ ابوالمحاسن مسعود بن عليّ بن محمّد الصّوابي ، عن عليّ بن عبد الصّمد التّميمي ، عن السّيد أبي البركات عليّ بن الحسين الحسيني ، عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي حمزة ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس رضي الله عنه ، قال : كان في مدينة اثنا عشر سبطاً أمّة أبرار (١) ، وكان فيهم شيخ له ابنة وله ابن أخ خطبها إليه ، فأبى أن يزوّجها ، فزوّجها من غيره ، فقعد له في الطّريق إلى المسجد ، فقتله وطرحه على طريق أفضل سبط لهم ثمّ غدا يخاصمهم فيه.

فانتهوا إلى موسى صلوات الله عليه ، فأخبروه فأمرهم أن يذبحوا بقرة قالوا : أتتخذنا هزواً ، أسألك من قتل هٰذا ؟ تقول : اذبحوا بقرة ، قال : أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ، ولو انطلقوا الى بقرة لأخبرت (٢) ، ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم ، قالوا : ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي قال : إنّه يقول : إنّها بقرة لا ذلول ، فرجعوُا إلى موسى وقالوا : لم نجد هذا النّعت إلّا عند غلام من بني إسرائيل وقد أبى أن يبيعها إلّا بملأ مسكها (٣) دنانير ، قال : فاشتروها فابتاعوهٰا ، فذبحت قال : فأخذ جذوةً من لحمهٰا فضربه فجلس ، فقال له موسى : من قتلك ؟ فقال : قتلني ابن أخي الّذي يخاصم في قتلي ، قال : فقتل فقالوا يا رسول الله : إنّ لهذا البقرة لنبأ ؟ فقال صلوات الله عليه : إنّها كانت لشَيخ من بني إسرائيل وله ابن بارّ به ، فاشترى الابن بيعاً فجاء (٤) لينقدهم الثّمن ، فوجد أباه نائماً ، فكره أن يوقظه والمفتاح تحت رأسه ، فأخذ القوم متاعهم فانطلقوا ، فلمّا استيقظ قال له : يا أبت إنّي اشتريت بيعاً كان لي فيه من الفضل كذا وكذا ، وإنّي جئت لأنقدهم الثّمن ، فوجدتك نائماً وإذا المفتاح

_________________________________

(١) في ق ١ وق ٣ : أبراراً.

(٢) في ق ٤ : لاخبرتهم ، وفي ق ٢ : لأجزتهم ، وفي البحار : لاجيزت.

(٣) في ق ٣ : جلدها.

(٤) في ق ٢ : فجاءهم.


تحت رأسك ، فكرهت أن أوقظك ، وأنّ القوم أخذوا متاعهم ورجعوا ، فقال الشّيخ : أحسنت يا بنيّ فهذه البقرة لك بما صنعت وكانت بقيّة كانت لهم ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : انظروا ماذا صنع به البرّ (١).

١٧٥ ـ وباسناده عن أحمد بن محمّد ، عن الحجّال ، عن مقاتل (٢) ، عن أبي الحسن صلوات الله عليه قال : إنّ الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يذبحوا بقرةً ، وكان يجزيهم ما ذبحوا وما تيسّر لهم من البقر ، فعنتوا (٣) وشدّدوا فشدّد عليهم (٤).

١٧٦ ـ وعن أحمد بن محمّد ، عن علي بن سيف بن عميرة ، عن محمّد بن عبيدة ، قال : دخلت على الرّضا صلوات الله عليه فبعث إلى صالح بن سعيد فحضرنا جميعاً فوعظنا ، ثمّ قال : إنّ العابد من بني إسرائيل لم يكن عابداً حتّى يصمت عشر سنين ، فاذا صمت عشر سنين كان عابداً ، ثم قال : ابوجعفر عليه السّلام : كن خيراً لا شرّ معه. كن ورقاً لا شوك معه ولا تكن شوكاً لا ورق معه وشرّاً لا خير معه.

ثمّ قال : إنّ الله تعالى يبغض القيل والقال وايضاع المال وكثرة السّؤال ، ثمّ قال : إنّ بني إسرائيل شدّدوا فشدّد الله عليهم ، قال لهم موسى عليه السّلام : اذبحوا بقرة ، قالوا : ما لونها ؟ فلم يزالوا شدّدوا (٥) حتّى ذبحوا بقرة يُملأ (٦) جلدها ذهباً ، ثمّ قال : انّ علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال : انّ الحكماء ضيّعوا الحكمة لما وضعوها عند غير أهلها (٧).

فصل ـ ٥ ـ

( في مناجاة موسى عليه السّلام )

١٧٧ ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ٢٦٥) ، برقم : (٣).

(٢) في ق ٣ وق ٤ والبحار : مقاتل بن مقاتل.

(٣) في ق ٤ : فغشوا.

(٤) بحار الانوار (١٣ / ٣٦٦) ، برقم : (٤).

(٥) في ق ١ : يشدّدون ، وفي ق ٣ : يشدّدوا.

(٦) في ق ١ : على ملاء ، وفي ق ٢ وق ٥ : بملاء.

(٧) بحار الانوار (٧٨ / ٣٤٥) ، برقم : (٣) مع إختلاف يسيرو (١٣ / ٢٦٦) ، برقم : (٥) بعضه وعن الكافي في (٧١ / ٤٠٣) ، ما يقرب من صدره.


محمّد بن أبي عمير ، عن عليّ بن يقطين ، عن رجل ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه ، قال : أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السّلام : أتدري لم اصطفيتك بكلامي من دون خلقي ؟ قال : لا ياربّ قال : لم أجد أحداً أذلّ نفساً منك يٰا موسى ، إنّك إذا صلّيت وضعت خدّيك على التّراب (١).

١٧٨ ـ وبهذا الاسناد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله صاحب السّابري ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : أوحى الله تعالى الى موسى عليه السّلام يا موسى اشكرني حقّ شكري ، فقال : يا ربّ كيف أشكرك حق شكرك وليس من شكر أشكرك به إلّا وأنت أنعمت به عليّ ، فقال : يا موسى شكرتني حقّ شكري حين علمت أنّ ذلك منّي (٢).

١٧٩ ـ وباسناده عن أحمد بن محمّد ، عن عمرو بن عثمان ، عن أبي جميلة ، عن جابر ، عن أبي جعفر (٣) عليه الصّلاة والسّلام قال : أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السّلام أحببني وحبّبني إلى خلقي ، قال موسى : يا ربّ إنّك لتعلم أنه ليس أحدٌ أحبّ إليَّ منك ، فكيف لي ربّي بقلوب العباد ؟ فأوحى الله تعالى إليه فذكّرهم نعمتي وآلائي ، فانّهم لا يذكرون منّى إلّا خيراً ، فقال موسى : يا ربّ رضيت بما قضيت ، تميت الكبير وتبقي الاولاد الصّغار ، فأوحى الله إليه أما ترضى بي رازقاً وكفيلاً ؟ فقال : بلى يا ربّ نعم الوكيل ونعم الكفيل (٤).

١٨٠ ـ وعن ابن بابويه ، عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحجّال ، عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : إنّ موسى عليه السّلام سأل ربّه أن يعلمه زوال الشّمس ، فوكّل الله بها ملكاً ، فقال : يا موسى قد زالت الشّمس ، فقال موسى متى ؟ فقال حين أخبرتك وقد سٰارت خمسمائة عام والله هو الوليّ (٥).

١٨١ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ،

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ٨) ، برقم (٨) عن العلل وأيضاً عنه في (٨٦ / ١٩٩) ، برقم : (٨) باختلاف في بعض العبارة.

(٢) بحار الانوار (١٣ / ٣٥١) ، برقم : (٤١) و (٧١ / ٥١) ، برقم : (٧٥).

(٣) في ق ٣ : عن أبي عبد الله عليه السّلام.

(٤) بحار الانوار (١٣ / ٣٥١ ـ ٣٥٢) ، برقم : (٤٣) وص (٣٦٤) ، برقم : (٢).

(٥) بحار الانوار (١٣ / ٣٥٢) ، برقم : (٤٤) و (٥٨ / ١٦١) ، برقم : (١٦).


عن محمّد بن أبي عمير ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، قال : أوحى الله تعالى الى موسى صلوات الله عليه أنّه ما يتقرّب إليّ عبد بشيء أحبّ إليَّ من ثلاث خصال ، فقال موسى : وما هي يا ربّ ؟ قال : الزّهد في الدّنيا ، والورع عن محارمي ، والبكاء من خشيتي ، فقال موسى : فما لمن صنع ذلك ؟ فقال : امّا الزّاهدون في الدنيا فأحكّمهم (١) في الجنّة ، وأمّا الورعون عن محارمي فإنّي أفتش النّاس ولا اُفتّشهم ، وأمّا البكّاؤون من خشيتي ففي الرفيق الأعلى لا يشركهم فيه أحد (٢).

١٨٢ ـ وعن الصّفار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن عليّ بن أسباط ، عن خلف بن حمّاد ، عن قتيبة الأعشى ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، قال : أوحى الله إلى موسى صلوات الله عليه كما تدين تدان ، وكما تعمل كذلك تجزى ، من يصنع المعروف إلى امرئ السّوء (٤) يجزي (٥) شرّاً (٦).

١٨٣ ـ وبهذا الاسناد قال ابوجعفر صلوات الله عليه : إنّ فيما ناجى الله تعالى به موسى عليه السّلام أن قال : إنّ الدّنيا ليست بثواب للمؤمن بعمله ولا نقمة للفاجر بقدر ذنبه ، وهي دار الظّالمين إلّا العامل فيها بالخير ، فانّها له نعمت الدّار (٧).

١٨٤ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكلّ ، حدّثنا عبدالله بن جعفر ، حدّثنا أحمد بن محمّد ، حدّثنا رجل ، عن أبي يعقوب (٨) ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، قال : كان فيما ناجى الله تعالى به موسى : لا تركن إلى الدّنيا ركون الظالمين وركون من اتّخذها أمّاً وأباً ، يا موسى لو وكلتك إلى نفسك تنظر (٩) لها لغلب عليليك حبّ

_________________________________

(١) في ق ٢ : فأسكنهم ، وفي ق ٤ : فأحكمهم فأسكنهم.

(٢) بحار الانوار (١٣ / ٣٥٢) ، برقم : (٤٦).

(٣) في ق ٣ : من صنع.

(٤) هكذا في النّسخ ولعلّه تصحيف : إمرئٍ سوءٍ ، كما في البحار أيضاً.

(٥) في ق ١ : يجز.

(٦) بحار الانوار (١٣ / ٣٥٣) ، برقم : (٤٩) و (٧٤ / ٤١٢) ، برقم : (٢٦).

(٧) بحار الانوار (١٣ / ٣٥٣) ، برقم : (٥٠) و (٧٣ / ١٠٤) ، برقم : (٩٧).

(٨) في البحار : ابن أبي يعفور.

(٩) في ق ٢ : تنظر اليها ، وفي البحار : تنظرها.


الدّنيا وزهرتها ، يا موسى نافس في الخير أهله واسبقهم إليه فانّ الخير كاسمه ، واترك من الدّنيا ما بك الغنى عنه ، ولا تنظر عيناك إلى كلّ مفتون فيها مأكول إلى نفسه ، واعلم أنّ كلَّ فتنة بذرها حبّ الدّنيا ، ولا تغبطنّ أحداً برضا النّاس عنه حتّى تعلم أنّ الله عزّ وجلّ عنه راض ، ولا تغبطنّ أحداً بطاعة النّاس له واتّباعهم إيّاه على غير الخلق ، فهو هلاك له ولمن اتّبعه (١).

١٨٥ ـ وقال ابوجعفر صلوات الله عليه : قال موسى عليه السّلام : أيّ عبادك أبغض إليك ؟ قال : جيفة باللّيل بطّال بالنّهار.

وقال : قال موسى عليه السّلام لربّه : يا ربّ إن كنت بعيداً ناديت ، وإن كنت قريباً ناجيت ، قال يا موسى : أنا جليس من ذكرني ، فقال موسى : يا ربّ إنّا نكون على حٰال من الحالات في الدّنيا مثل الغائط والجنابة فنذكرك ؟ قال يا موسى : اُذكرني على كلّ حال.

وقال قال موسى عليه السّلام : يٰا ربّ ما لمن عاد مريضاً ؟ قال : أوكّل به ملكاً يعوده في قبره إلى محشره ، قال ربّ : ما لمن غسّل ميّتاً ؟ قال : أخرجه من ذنوبه كما خرج من بطن أمّه ، قال : يا ربّ ما لمن شيّع جنازة ؟ قال : أوكّل به ملائكةً معهم رايات يشيّعونه من محشره (٢) إلى مقامه ، قال : فما لمن عزّى الثّكلى ؟ قال : أظلّه في ظلّي يوم لا ظلّ إلّا ظلّي تعالى الله.

وقال فيما ناجى الله به موسى أن قال : اكرم السّائل إذا هو أتاك بشيءٍ أو ببذل يسير أو برد جميل ، فانّه قد أتاك (٣) من ليس بجنّيّ ولا إنسيّ ملك من ملائكة الرّحمن ليبلوك فيما خوّلتك (٤) ونسألك عمّا موّلتك ، فكيف أنت صانع ؟ وقال يا موسى : لخلوف (٥) فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك (٦).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ٣٥٣ ـ ٣٥٤) ، برقم : (٥١) و (٧٣ / ١٠٥) ، برقم : (٩٨).

(٢) في ق ٤ : في المحشر.

(٣) في بعض النّسخ والبحار : يأتيك.

(٤) في ق ١ : نولتك.

(٥) في ق ١ : لخلوق.

(٦) بحار الانوار (١٣ / ٣٥٤) ، برقم : (٥٢) ومن قوله : فيما ناجى الله به موسى. إلى قوله : فكيف أنت صانع ، في الجزء (٩٦ / ١٧٤) ، برقم : (١٦).


فصل ـ ٦ ـ

١٨٦ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبد الله بن جعفر ، عن محمّد بن الحسين ، حدّثنا الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن حبيب السّجستاني ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : إنّ في التّوراة مكتوباً فيما ناجى الله به موسى صلوات الله عليه : خفني في سرّ أمرك أحفظك من وراء عورتك ، واذكرني في خلواتك وعند سرور لذاتك أذكرك عند غفلاتك واملك غضبك عمّن ملّكتك عليه أكفّ غضبي عنك ، واكتم مكنون سرّي في سريرك ، وأظهر في علانيتك المداراة عنّي لعدوّك وعدوّي من خلقي ، يا موسى إنّي خلقتك واصطفيتك وقوّيتك وأمرتك بطاعتي ونهيتك عن معصيتي ، فان انت أطعتني أعنتك على طاعتي ، وإن أنت عصيتني لم أعنك على معصيتي ولي عليك المنّة في طاعتك ، ولي عليك الحجّة في معصيتك إيّاي.

وقال : قال موسى : يا ربّ من يسكن حظيرة القدس ؟ قال : الّذين لم تر أعينهم الزّنا ، ولم يخالط أموالهم الرّبا ، ولم يأخذوا في حكمهم الرّشا ، وقال : قال يا موسى (١) : لا تستذلّ الفقير ولا تغبط الغني بالشّيء اليسير (٢).

١٨٧ ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن علي ماجيلويه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن ابن أورمة ، عن رجل ، عن عبد الله بن عبد الرحمن البصري ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله ، عن آبائه عليهم الصّلاة والسّلام قال : مرّ موسى بن عمران عليه السّلام برجل رافع يده الى السّماء يدعو ، فانطلق موسى في حاجته ، فغاب عنه سبعة أيّام ، ثم رجع اليه وهو رافع يده يدعُو ويتضرّع ويسأل حاجته ، فأوحى الله إليه يا موسى لو دعاني حتّى تسقط لسانه ما استجبت له حتّى يأتيني من الباب الّذي أمرته به (٣).

١٨٨ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن

_________________________________

(١) في بعض النّسخ والبحار : وقد قال يا موسى.

(٢) بحار الانوار (١٣ / ٣٢٨ ـ ٣٢٩) ، برقم : (٦).

(٣) بحار الانوار (١٣ / ٣٥٥) ، برقم : (٥٣) و (٢٧ / ١٨٠) ، برقم : (٢٨).


أبي عمير ، عن جميل بن صالح ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : لمّا مضى موسى صلوات الله عليه إلى الجبل أتبعه رجل من أفضل أصحابه قال : فأجلسه في أسفل الجبل وصعد موسى الجبل فناجى ربّه ، ثمّ نزل فاذا بصاحبه قد أكل السّبع وجهه وقطّعه ، فأوحى الله تعالى إليه أنّه كان له عندي ذنب ، فأردت أن يلقاني ولا ذنب له (١).

١٨٩ ـ وعن ابن أبي عمير ، عن أبي علي البصري (٢) ، عن محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه ، قال : أوحى الله تعالى الى موسى صلوات الله عليه : انّ من عبٰادي من يتقرّب إليّ بالحسنة فاحكمه في الجنّة ، قال : وما تلك الحسنة ؟ قال : يمشي (٣) في حاجة مؤمن (٤).

١٩٠ ـ وعن أحمد بن محمّد (٥) ، عن إبن محبوب ، عن مقاتل بن سليمان ، قال : قال أبو عبد الله صلوات الله عليه : لمّا صعد موسى عليه السّلام الى الطّور فنادى (٦) ربّه قال : ربّ أرني خزائنك ، قال : يا موسى إنّ خزائني إذا أردتُ شيئاً أن أقول له : كن فيكون ، وقال : قال : يا ربّ أيّ خلقك (٧) أبغض إليك ؟ قال : الّذي يتّهمني قال : ومِنْ خلقك مَنْ يتّهمك ؟ قال : نعم ، الّذي يستخيرني فأخيّر له ، والّذي أقضى القضاء له وهو خير له فيتّهمني (٨).

١٩١ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، حدّثنا محمّد بن الحسين ابن أبي الخطّاب ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن الوصّافي ، عن أبي جعفر(٩)

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ٣٥٦) ، برقم : (٥٥).

(٢) في البحار : الشّعيري ، وهو الصّحيح لما أثبتناه في محلّه وهو : (الحلقة الاولى من مشايخ الثّقات دون) البصري والثّوري كما في بعض النّسخ.

(٣) في ق ١ : السّعي.

(٤) بحار الانوار (١٣ / ٣٥٦) ، برقم : (٥٦) و (٧٤ / ٣٠٦) ، برقم : (٥٦).

(٥) في البحار في الموردين الاتيين : بالاسناد إلى الصّدوق عن ابن المتوكّل عن الحميري عن أحمد بن محمّد ....

(٦) في ق ٢ وق ٣ والبحار : فناجى.

(٧) في البحار : أيّ خلق.

(٨) بحار الانوار (١٣ / ٣٥٦) ، برقم : (٥٧) و (٧١ / ١٤٢) ، برقم : (٣٨).

(٩) في بعض النّسخ والبحار : عن ابن مسكان عن الرّضا وعن أبي جعفر عليهما السّلام ، وهو غلط لانّ ابن مسكان توفّي في أيّام أبي الحسن موسى عليه السلام. والوصّافي هو عبيد الله بن الوليد الوصّافي.


صلوات الله عليه قال : فيما ناجي الله موسى عليه السّلام أن قال : إنّ لي عباداً أبيحهم جنّتي وأحكّمهم فيها قال موسى : من هؤلاء الذين أبحتهم جنّتك وتحكمهم فيها ؟ قال : من أدخل على مؤمن سروراً (١).

١٩٢ ـ وعن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد (٢) ، عن فضالة ، عن إسماعيل بن أبي زياد ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه. قال : أوحى الله تعالى إلى موسى لا تفرح بكثرة المال ، ولا تدع ذكري على كلّ حال ، فانّ كثرة المال تُنسي الذّنوب ، وترك ذكري يُقسي القلوب (٣).

١٩٣ ـ وعن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، قال : في التّوراة مكتوب يا ابن آدم تفرَّغ لعبادتي أملأ قلبك خوفاً ، وإلّا تفرّغ لعبادتي أملأ قلبك شغلاً بالدّنيا ، ثمّ لا أسدّ فاقتك وأكِلُكَ إلى طلبها (٤).

فصل ـ ٧ ـ

( في حديث حزبيل (٥) عليه السّلام وهو مؤمن آل فرعون لمّا طلبه فرعون لعنه الله )

١٩٤ ـ أرسل فرعون رجلين في طلبه فانطلقا في طلبه ، فوجدٰاه قائماً يصلّي بين الجبال والوحوش خلفه ، فأرادا أن يعجّلاه عن صلاته ، فأمر الله دابّة من تلك الوحوش كأنّها بعيرٌ أن تحوّل بينهما وبين المؤمن ، فطردتهما عنه حتّى قضى صلاته ، فلمّا رآهما أوجس في نفسه خيفةً وقال : يا ربّ أجرني من فرعون ، فانّك إلهي عليك توكّلت وبك آمنت وإليك أنبت ، أسألك يا إلهي إن كان هذان الرّجلان يريدان بي سوءاً فسلّط عليهما فرعون وعجّل ذلك ،

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧) ، برقم : (٥٩) و (٧٤ / ٣٠٦) ، برقم : (٥٧).

(٢) في المورد الأوّل من البحار : عن أبيه عن سعد عن الأهوازي ، وهو غلط ، والصّحيح ما أثبتناه في المتن كما في جميع النّسخ وفي المورد الثّاني من البحار وكما في مشيخة الفقيه في الطّريق الى الحسين بن سعيد الأهوازي.

(٣) بحار الانوار (١٣ / ٣٤٢) ، برقم : (١٩) و (٧٣ / ١٤٢) ، برقم : (١٩).

(٤) بحار الانوار (١٣ / ٣٥٧) ، برقم : (٦٠) وفيه : وإن لا تفرّغ ... وفي سائر النّسخ منها ، البحار (٧١ / ١٨٢) ، برقم : (٣٩) مدغماً.

(٥) في البحار : خِربيل ـ خ ل.


وإن هما أراداني بخير فاهدهما ، فانطلقا حتّى دخلا على فرعون فاخبراه بالّذي عايناه فقال احدهما : ما الّذي نفعك أن يقتل فكتم عليه ، فقال الآخر : وعزّة فرعون لا أكتم عليه وأخبر فرعون على رؤوس النّاس بما رآى وكتم الآخر ، فلمّا دخل حزبيل قال فرعون للرّجلين من ربّكما ؟ قالا : أنت. فقال لحزبيل ومن ربّك ؟ قال : ربّي ربّهما ، فظنّ فرعون أنّه يعنيه فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب وسُرَّ فرعون ، وأمر بالأوّل فصلب ، فنجى الله المؤمن وآمن الآخر بموسى صلوات الله عليه حتّى قتل مع السّحرة (١).

فصل ـ ٨ ـ

( في تسع آيات موسى صلوات الله عليه )

١٩٥ ـ لمّا اجتمع رأي فرعون أن يكيد موسى فأوّل ما كاده به عمل الصّرح ، فأمَرّ هامان ببنائه حتّى اجتمع فيه خمسون ألف بنّاء ، سوى من يطبخ الآجر ، وينجّر الخشب والأبواب ، ويضرب المسامير حتّى رفع بنياناً لم يكن مثله منذ خلق الله الدّنيا ، وكان أساسه على جبل ، فزلزله الله تعالى ، فانهدم على عمّاله وأهله وكلّ من كان عمل فيه من القهارمة والعمّال ، فقال فرعون لموسى عليه السّلام : انّك تزعم أنّ ربّك عدل لا يجور أفعدله (٢) الّذي أمر ؟ فاعتزل الآن الى عسكرك ، فإِنّ النّاس لحقوُا بالجبال والرمال ، فاذا اجتمعوا تُسمِعَهُمْ (٣) رسالة ربّك ، فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السّلام أخّره ودعه ، فانّه يريد أن يجنّد لك الجنود لك الجنود فيقاتلك ، واضرب بينك وبينه أجلاً ، وابرز الى معسكرك يأمنوا بأمانك ، ثمّ ابنوا بنياناً واجعلوا بيوتكم قبلةً.

فضرب موسى بينه وبين فرعون أربعين ليلةً ، فأوحى الله الى موسى أنّه يجمع لك الجموع ، فلا يهولنّك شأنه فانّي أكفيك كيده ، فخرج موسى صلوات الله عليه من عند فرعون والعصٰا معه على حالها حيّة تتبعه وتنعق وتدور حوله والنّاس ينظرون إليه متعجّبين وقد ملئوا رعباً ، حتّى دخل موسى عسكره وأخذ برأسها فإذا هي عصٰا ، وجمع قومه وبنوا مسجداً.

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ١٦٢ ـ ١٦٣) ، برقم : (٦).

(٢) في ق ١ : أفعدل.

(٣) في ق ١ وق ٢ : فأسمعهم.


فلمّا مضى الأجل الّذي كان بين موسى وفرعون أوحى الله تعالى إلى موسى صلوات الله عليه أن اضرب بعصاك النّيل ، وكانوا يشربون منه ، فضربه فتحوّل دماً عبيطاً ، فاذا ورده بنو اسرائيل استقوا ماءاً صافياً ، وإذا ورده آل فرعون اختضبت أيديهم واسقيتهم بالدّم ، فجهدهم العطش حتّى أنّ المرأة من قوم فرعون تستقي من نساء بني إسرائيل ، فاذا سكبت الماء لفرعونيّة تحوّل دماً ، فلبثوا في ذلك أربعين ليلة ، وأشرفوا على الموت واستغاث (١) فرعون وآله بمضغ الرّطبة ، فصير ماؤها مالحاً ، فبعث فرعون إلى موسى : ادع لنا ربّك يعيد لنا هذا الماء صافياً ، فضرب موسى بالعصٰا النّيل ، فصار ماءاً خالصاً. هذا (٢) قصّة الدّم.

وأمّا قصّة الضّفادع ، فانّه تعالى أوحى إلى موسى أن يقوم إلى شفير النّيل حتّى يخرج كلّ ضفادع خلقه الله تعالى من ذلك الماء ، فأقبلت تدبّ سراعاً تؤمّ أبواب المدينة ، فدخلت فيها حتّى ملأت كلّ شيء ، فلم تبق دار ولا بيت ولا إناء إلّا امتلأت ضفادع ، ولا طعام ولا شراب إلّا في ضفادع ، حتّى غمّهم ذلك وكادوا يموتون ، فطلب فرعون إلى موسى صلوات الله عليه أن يدعوا ربّه ليكشف البلاء ، واعتذر اليه من الخلف ، فأوحى الله تعالى إلى موسى أن أسعفه ، فأناف (٣) موسى بالعصٰا ، فلحق جميع الضّفادع بالنّيل.

وأمّا قصّة الجراد والقمّل ، فانّه تعالى أوحى إلى موسى عليه السّلام أن ينطلق إلى ناحية من الأرض ويشير بالعصٰا نحو المشرق وأخرى نحو المغرب ، فانبثّ (٤) الجراد من الافقين جميعاً ، فجاء مثل الأسود ، وذلك في زمان الحصاد ، فملأ كلّ شي وغمّ الزّرع ، فأكله وأكل خشب البيوت وأبوابها ومسامير الحديد والأقفال والسّلاسل ، ونكت موسى الأرض بالعصا ، فامتلأت فصار وجه الأرض أسود وأحمر ، حتّى أنّ ثيابهم ولحفهم وآنيتهم فتجيء من أصله (٥) وتجىءُ من رأس الرّجل ولحيته وتأكل كلّ شيءٍ ، فلمّا رأوا الّذي نزل من البلاء اجتمعوا إلى فرعون ، وقالوا : ليس من بلاء إلّا ويمكن الصّبر عليه إلّا الجوع ، فانّه بلاء فاضح

_________________________________

(١) في هامش ق ٤ : واشتغل وفي ساير النّسخ حتّى البحار : واستغاث والظّاهر : واستعان. على ما يستدعيه معنى العبارة.

(٢) في ق ١ : هذه.

(٣) أي : أشار بها.

(٤) في ق ٣ والبحار : فانبثق.

(٥) في البحار (١٣ / ١١٥) : حتى ملئت ثيابهم ولحفهم وآنيتهم فتجيء متواصلة.


لا صبر لأحد عليه ، ما أنت صانع ؟ فأرسل فرعون إلى موسى عليه السّلام بجنده أنّه لم يجتمع له أمره الّذي أراد ، فأوحى الله تعالى إلى موسى أن لا تدع له حجّةً وأن ينظره ، فأشار بعصاه فانقشع (١) الجراد والقمل من وجه الأرض.

وأمّا الطّمس ، فانّ موسى صلوات الله عليه لمّا رآى آل فرعون لا يزيدون إلّا كفراً دعا موسى عليهم ، فقال : ربّنا إنّك أتيت فرعون وملأه زينةً وأموالاً في الحياة الدّنيا ربّنا اطمس على أموالهم ، فطمس الله أموالهم حجارةً ، فلم يبق لهم شيئاً ممّا خلق الله تعالى يملكونه ، ولا حنطةً ولا شعيراً ، ولا ثوباً ولا سلاحاً ، ولا شيئاً من الأشياء إلّا صار حجارةً.

وأمّا الطّاعون ، فانّه أوحى الله تعالى إلى موسى إنّي مرسل على (٢) أبكار آل فرعون في هذه اللّيلة الطّاعون ، فلا يبقى بآل فرعون من إنسان ولا دابة إلّا قتله ، فبشّر موسى قومه بذلك ، فانطلقت العيون إلى فرعون بالخبر ، فلمّا بلغه الخبر قال لقومه : قولوا لبني إسرائيل : إذا أمسيتم فقدّموا أبكاركم وقدّموا أنتم أبكاركم واقرنوا كلّ بكرين في سلسلة ، فانّ الموت يطرقهم ليلاً ، فاذا وجدهم مختلطين لم يدر بايّهم يبطش ، ففعلوا ، فلمّا جنّهم اللّيل أرسل الله تعالى الطّاعون ، فلم يبق منهم إنسان ولا دابة إلّا قتله ، فأصبح أبكار آل فرعون جيفاً وأبكار بني إسرائيل أحياءً سالمين ، فمات منهم ثمانون ألفاً سوى الدوّاب.

وكان لفرعون من أثاث الدّنيا وزهرتها وزينتها ومن الحلّي والحلل مالا يعلمه إلّا الله تعالى ، فأوحى الله جلّت عظمته إلى موسى صلوات الله عليه إنّي مورث بني إسرائيل ما في أيدي آل فرعون ، فقل لهم : ليستعيروا منهم الحليّ والزّينة ، فانّهم لا يمتنعون من خوف البلاء ، وأعطى فرعون جميع زينة أهله وولده ومٰا كان في خزائنة ، فاوحى الله تعالى إلى موسى بالمسير بجميع ذلك حتّى كان من الغرق بفرعون وقومه ما كان (٣).

فصل ـ ٩ ـ

( في قصّة قارون )

١٩٥ ـ أمر موسى عليه السّلام قارون أن يعلق في رداءه خيوطاً خضراً ، فلم يطعه

_________________________________

(١) وانقشع : تفرق.

(٢) في ق ٢ وق ٤ خ ل : إلى.

(٣) بحار الانوار (١٣ / ١١٣ ـ ١١٦) ، برقم : (١٦).


واستكبر وقال : إنّما يفعل ذلك الأرباب بعبيدهم كيما يتميّزوا ، وخرج على موسى في زينته على بغلة شهباء ، ومعه أربعة آلاف مقاتل وثلاثمائة وصيفة عليهنّ الحليّ ، وقال لموسى : أنا خير منك ، فلمّا رآى ذلك موسى قال لقارون : أبرز بنا فادع عليَّ وأدعوا عليك ـ وكان ابن عمّ لموسى عليه السّلام لحّاً (١) ـ فأمر الأرض فأخذت قارون إلى ركبتيه ، فقال : أنشدك الله والرّحم يا موسى ، فابتلعته الأرض وخسف به وبداره (٢).

١٩٦ ـ وعن محمّد بن السّايب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : كان قارون ابن عمّ موسى عليه السّلام وكانت في زمان موسى امرأة بغيّ لها جمال وهيئة ، فقال لها قارون : أعطيك مائة ألف درهم وتجيئين غداً إلى موسى وهو جالس عند بني إسرائيل يتلو عليهم التّوراة فتقولين : يا معشر بني إسرائيل إنّ موسى دعاني إلى نفسه فأخذت منه مائة ألف درهم ، فلمّا أصبحت جاءت المرأة البغيّ فقامت على رؤوسهم وكان قارون حضر في زينته فقالت المرأة : يا موسى إنّ قارون أعطاني مائة ألف درهم على أن أقول بين بني إسرائيل على رؤوس الأشهاد أنّك دعوتني إلى نفسك ومعاذ الله ان تكون دعوتني ، لقد أكرمك الله عن ذلك فقال موسى للارض : خذيه فأخذته وابتلعته ، وإنّه ليتخلخل (٣) ما بلغ ولله الحمد (٤).

فصل ـ ١٠ ـ

١٩٧ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن القاسم الاسترآبادي ، حدّثنا يوسف بن محمّد بن زياد ، عن أبيه ، عن الحسن بن علي صلوات الله عليهما في قوله تعالى جلّ ذكره : « وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ » (٥) قال : كان موسى عليه السّلام يقول لبني اسرائيل : إذا فرّج الله عنكم وأهلك أعداءكم أتيتكم بكتاب من عند ربّكم يشتمل على أوامره ونواهيه ومواعظه وعبره وأمثاله ، فلمّا فرّج الله عنهم أمره الله أن يأتي الميعاد ،

_________________________________

(١) اللّح بفتح اللّام : الملاصق بالنّسب ، وهذه الكلمة سقطت عن ق ٣ والبحار.

(٢) بحار الانوار (١٣ / ٢٥٣) ، برقم : (٣).

(٣) في ق ٣ والبحار : ليتجلجل ، وفي ق ٤ : لتخلخل ، وفي ق ٢ : فتخلخل.

(٤) بحار الانوار (١٣ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤) ، برقم : (٤).

(٥) الآية : ٥١ ، سورة البقرة.


وأوحى إليه أن يعطيه الكتاب بعد أربعين ، فجاء السّامري فشبّه على مستضعفي بني إسرائيل ، فقال : وعدكم موسى أن يرجع إليكم عند أربعين ، وهذه عشرون ليلة وعشرون. يوماً تمت أربعين (١) أخطأ موسى ، وأراد ربّكم أن يريكم أنّه قادر على أن يدعوكم إلى نفسه بنفسه ، وأنّه لم يبعث موسى لحاجة منه إليه ، فأظهر العجل الّذي عمله ، فقالوا له : كيف يكون العجل إلهنا ؟ قال : إنّها هذا العجل يكلّمكم منه ربّكم كما تكلّم (٢) موسى من الشّجرة فضلّوا بذلك ، فنصب السّامري عجلاً مؤخّره إلى حائط ، وحفر في الجانب الآخر في الأرض [ وأجلس فيه ] (٣) بعض مردته ، فهو الّذي يضع فاه (٤) على دبره ويكلّم بما تكلّم لمّا قال : هذا إلهكم وإله موسى.

ثم إنّ الله تعالى أبطل تمويه السّامري ، وأمر الله أن يقتل من لم يعبده من عبده ، فاستسلم المقتولون وقال القاتلون : نحن أعظم مصيبةً منهم نقتل بأيدينا آباءنا وأبناءنا وإخواننا وقراباتنا ، فلمّا استمرّ القتل فيهم فهم ستّمائة ألف إلّا اثنى عشر ألفاً الّذي لم يعبدوا العجل ، فوقف الله بعضهم فقال لبعض : أو ليس الله قد جعل التّوسل بمحمّد وآله أمراً لا يخيب معه طالبه وهكذا توسّلت الأنبياء والرّسل ، فما بالنا لا نتوسّل ، فضجّوا يا ربّنا بجاه محمّد الاكرم ، وبجاه علي الأفضل الأعلم ، وبجاه فاطمة الفضلى ، وبجاه الحسن والحسين ، وبجاه الذّرية الطّيبين من آل طه وياسين ، لمّا غفرت لنا ذنوبنا وغفرت هفواتنا وأزلت هذا القتل عنّا ، فنودي موسى عليه السّلام كفّ عن القتل (٥).

فصل ـ ١١ ـ

١٩٨ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، حدّثنا إبراهيم بن هاشم ،

_________________________________

(١) في البحار : أربعون.

(٢) في ق ٣ والبحار : كلم وفي ق ٢ : يكلم.

(٣) الزّيادة من البحار فقط.

(٤) في ق ٢ : فمه.

(٥) بحار الانوار (١٣ / ٢٣٠ ـ ٢٣١) ، برقم : (٤٢) ، وص (٢٣٤ ـ ٢٣٥) عن التفسير المنسوب الى الامام العسكري ، وراجع التفسير ص (٩٩ ـ ١٠١).


عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه ، قال : لمّا انتهى بهم موسى عليه السلام إلى الأرض المقدّسة ، قال لهم : ادخلوا فأبوا أن يدخلوها ، فتاهوا في أربعة فراسخ أربعين سنة ، وكانوا إذا أمسوا نادى مناديهم أمسيتم الرّحيل (١) ، حتّى إذا انتهى إلى مقدار ما أرادوا أمر الله الارض ، فدارت بهم إلى منازلهم الأولى ، فيصبحون في منزلهم الّذي ارتحلوا منه ، فمكثوا بذلك أربعين سنة ينزل عليهم المنّ والسّلوى ، فهلكوا فيها أجمعين إلّا رجلين يوشع بن نون وكالب بن يوفنا (٢) الّذين أنعم الله عليهما ، ومات موسى وهارون صلوات الله عليهما ، فدخلها يوشع بن نون وكالب وأبناؤهما ، وكان معهم حجر كان موسى يضربه بعصاه ، فينفجر منه الماء لكل سبط عين (٣).

١٩٩ ـ وبالاسناد المتقدّم ، عن وهب بن منبّه ، عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال : قال بنو إسرائيل لموسى عليه السّلام حين جاز بهم البحر : خبّرنا يا موسى بأيّ قوّة وبأيّ عدّة وعلى أيّ حمولة تبلغ الأرض المقدّسة ومعك الذّرية والنّساء والهرمى والزّمني ؟ فقال موسى عليه السّلام : ما أعلم قوماً ورّثه الله من عرض الدّنيا ما ورّثكم ، ولا أعلم أحداً آتاه منها مثل الّذي آتاكم ، فمعكم من ذلك مالا يحصيه إلّا الله تعالى ، وقال موسى : سيجعل الله لكم مخرجاً ، فاذكروه وردّوا إليه اُموركم ، فانّه أرحم بكم من أنفسكم ، قالوا : فادعه يطعمنا ويسقينا ويكسنا ويحملنا من الرّجلة ويظلّلنا من الحرّ ، فأوحى الله تعالى إلى موسى قد أمرت السّماء أن يمطر عليهم المنّ والسّلوى ، وأمرت الرّيح أن تنشف لهم السّلوى ، وأمرت الحجارة أن تنفجر ، وأمرت الغمام أن تظلّهم ، وسخرت ثيابهم أن تثبت بقدر ما يثبتون (٤) ، فلمّا قال لهم موسى ذلك سكتوا ، فسار بهم موسى فانطلقوا يؤمّون الأرض المقدّسة وهي فلسطين ، وإنّما قدّسها ، لأنّ يعقوب عليه السّلام وُلد بها ، وكانت مسكن أبيه اسحاق عليه السّلام ، ويوسف عليه السّلام ولد بها ، ونقلوا كلّهم بعد الموت إلى أرض فلسطين(٥).

_________________________________

(١) في ق ٣ : كرر الرحيل.

(٢) في ق ١ : باقنا ، وفي ق ٤ وق ٥ : باقنا.

(٣) بحار الانوار (١٣ / ١٧٧ ـ ١٧٨) ، برقم : (٦).

(٥) في ق ٣ : أن تنبت بقدر ما يلبسون ، وفي البحار : أن تنبت بقدر ما ينبتون.

(٥) بحار الانوار (١٣ / ١٧٨) ، برقم : (٧).


فصل ـ ١٢ ـ

( في حديث بلعم بن باعورا (١) )

٢٠٠ ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، ومحمّد بن يحيى العطّار ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن عبد الرّحمن بن سيّابة ، عن عمّار بن معاوية الدّهني رفعه ، قال : فتحت مدائن الشّام على يوشع بن نون ، ففتحها مدينة مدينة حتّى انتهى الى البلقاء ، فلقوا فيها رجلاً يقال له : بالق ، فجعلوا يخرجون يقاتلونه لا يقتل منهم رجل ، فسأل عن ذلك فقيل : إنّ فيهم امرأةً عندها علم ، ثمّ سألوا يوشع الصّلح ، ثمّ انتهى إلى مدينة أخرى ، فحصرها فأرسل صاحب المدينة الى بلعم ودعاه.

فركب حماره إلى الملك ، فعثر حماره تحته ، فقال لِم عثرت فكلّمه الله فقال : لِمَ لا أعثر وهذا جبرئيل بيده حربة ينهاك عنهم ، وكان عندهم أنّ بلعم أوتي الاسم الأعظم ، فقال الملك : ادع عليهم وهو المنافق الّذي روي أنّ قوله تعالى : « وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا » نزل فيه فقال لصاحب المدينة : ليس للدّعاء عليهم سبيل ولكن أُشير عليك أن تزّين النّساء وتأمرهنّ أن يأتين عسكرهم فتتعرّض الرّجال ، فانّ الزّنا لم يظهر في قوم قطّ إلّا بعث الله عليهم الموت ، فلمّا دخل النّساء العسكر وقع الرّجال بالنّساء ، فاوحى الله إلى يوشع إن شئت سلّطت عليهم العدوّ ، وإن شئت أهلكتهم بالسّنين ، وان شئت بموت حثيث عجلان ، فقال : هم بنو إسرائيل لا احب أن يسلط الله عليهم عدوهم ، ولا أن يهلكهم بالسّنين ، ولكن بموت حثيث عجلان. قال : فمات في ثلاث ساعات سبعون ألفاً بالطّاعون (٢).

فصل ـ ١٣ ـ

٢٠١ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن عليّ بن إبراهيم ، حدّثنا أبي ، حدّثنا

_________________________________

(١) في البحار وبعض النّسخ : باعور. وفي بعض آخر : باعورا.

(٢) بحار الانوار (١٣ / ٣٧٨ ـ ٣٧٩) ، برقم : (٢) ، والاية : ١٧٥ ، سورة الاعراف.


جدّي ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن خالد ، عن الرّضا ، عن آبائه عليهم السّلام عن رسول الله صلّى الله عليه وآله : لكلّ أمّة صدّيق وفاروق وصدّيق هذه الأمّة وفاروقها عليّ بن أبي طالب ، انّ علياً سفينة نجاتها وباب حطّتها ، وأنّه يوشعها وشمعونها وذو قرنيها. معاشر النّاس إنّ عليّاً خليفة الله وخليفتي عليكم بعدي وأنّه لأمير المؤمنين وخير الوصيّين من نازعه نازعني ، ومن ظلمه ظلمني ، ومن برّه برّني ، ومن جفاه فقد جفاني (١).

٢٠٢ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطّالقاني ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد مولى بني هاشم ، حدّثنا جعفر بن عبد الله بن جعفر بن محمّد ، حدّثنا كثير بن عيّاش القطّان ، عن زياد بن المنذر ، عن الباقر عليه السلام قال في قوله تعالى : « وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا » : إنّ ذلك حين فصل موسى من أرض التّيه فدخلوا العمران ، وكان بنو إسرائيل أخطؤا خطيئةً ، فأحبّ الله أن ينقذهم منها إن تابوا ، فقال لهم : إذا انتهيتم إلى باب القرية فاسجدوا وقولوا : حطةٌ ، تنحط عنكم خطاياكم ، فأمّا المحسنون ففعلوا ما اُمروا به ، وأمّا الّذين ظلموا فزعموا حنطة حمراء ، فبدّلوا فأنزل الله تعالى عليهم (٢) رجزاً (٣).

فصل ـ ١٤ ـ

( في وفاة هارون وموسى صلوات الله عليهما )

٢٠٣ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال قال موسى لهارون عليهما السلام : امض بنا إلى جبل طور سيناء ، ثمّ خرجا فاذا بيت على بابه شجرة عليها ثوبان (٤) ، فقال موسى لهارون : اطرح ثيابك وادخل هذا البيت وَالبس هاتين الحلّتين ونم

_________________________________

(١) بحار الانوار (٣٨ / ١١٢) ، برقم : (٤٧) عن العيون ، وراجع العيون (٢ / ١٣) ، رواه بأسانيد عديدة مع زيادة. واثبات الهداة (٢ / ١٣٠) ، برقم : (٥٦٣) ، والاية : ٥٨ ، سورة البقرة.

(٢) كذا في ق ٣ ، وفي غيره من النّسخ : فبدّلوا ما أنزل الله تعالى رجزاً. وفي البحار : فبدّلوا فأنزل الله تعالى رجزاً.

(٣) بحار الانوار (١٣ / ١٧٨) ، برقم : (٨).

(٤) كذا في البحار وهو الصّحيح ، وفي جميع النّسخ المخطوطة : كثبان. وهو جمع الكثب وأتى بمعنى : طائفة من طعام. فيمكن تصحيح : كثبان ، بهذا المعنى من بين معانيه.


على السرّير ، ففعل هارون ، فلمّا أن نام على السّرير قبضه الله إليه وارتفع البيت والشّجرة.

ورجع موسى إلى بني إسرائيل ، فأعلمهم أنّ الله قبض هارون ورفعه إليه ، فقالوا : كذبت أنت قتلته ، فشكى موسى عليه السلام ذلك إلى ربّه ، فأمر الله تعالى الملائكة فأنزلته على سرير بين السّماء والأرض حتّى رأته بنو إسرائيل ، فعلموا أنّه مات (١).

٢٠٤ ـ وباسناده ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّ ملك الموت أتى موسى عليه السّلام فسلّم عليه ، فقال : من أنت ؟ فقال : انا ملك الموت ، قال : فما جاء بك ؟ قال : جئت لأقبض روحك وإنّي أُمرت أن أتركك حتّى يكون الّذي تريد ، وخرج ملك الموت فمكث موسى ما شاء الله ، ثّم دعا يوشع بن نون ، فأوصى إليه وأمره بكتمان أمره ، وبأن يوصي بعده إلى من يقوم بالأمر وغاب موسى عليه السلام عن قومه ، فمرّ في غيبته فرآى ملائكة يحفرون قبراً ، قال : لمن تحفرون هذا القبر ؟ قالوا : نحفره والله لعبد (٢) كريم على الله تعالى ، فقال : إنّ لهذا العبد من الله لمنزلةً ، فانّي ما رأيت مضجعاً ولا مدخلاً أحسن منه ، فقالت الملآئكة : يا صفيّ الله أتحبّ أن تكون ذلك ؟ قال : وددت ، قالوا : فادخل واضطجع فيه ثمّ توجّه إلى ربّك ، فاضطجع فيه موسى عليه السّلام لينظر كيف هو فكشف له عن (٣) الغطاء فرآى مكانه في الجنّة فقال يا ربّ : اقبضني إليك فقبضه ملك الموت ودفنه وكانت الملآئكة صلّت عليه فصاح صائح من السّماء مٰات موسى كليم الله وأيّ نفس لا تموت. فكان بنو إسرائيل لا يعرفون مكان قبره ، فسئل رسول الله صلّى الله عليه وآله عن قبره قال : عند الطّريق الأعظم عند الكثيب الأحمر (٤).

فصل ـ ١٥ ـ

( في خروج صفراء على يوشع بن نون بعد وفاة موسى عليهما السّلام )

٢٠٥ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبي ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار عن الحسين بن

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ٣٦٨) ، برقم : (١٣).

(٢) في ق ٢ : فقالوا لعبد كريم.

(٣) في ق ٢ وق ٤ وق ٥ والبحار : من.

(٤) بحار الانوار (١٣ / ٣٦٨ ـ ٣٦٩) ، برقم : (١٢) ورواه الصّدوق في الامالي المجلس (٤١) ، برقم : (٢).


الحسن بن أبان ، عن ابن أورمة باسناده إلى أبي جعفر عليه السلام قال : إنّ امرأة موسى عليه السلام خرجت على يوشع بن نون راكبة زرّافة فكان لها أوّل النّهار وله آخر النّهار ، فظفر بها فأشار عليه بعض من حضرة بمٰا لا ينبغي فيها فقال : أبعد مضاجعة موسى لها ؟ ولكن أحفظه فيها (١).

٢٠٦ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن الحسن العطّار (٢) ، حدّثنا الحسن بن عليّ السّكري ، حدّثنا محمّد بن زكريّا البصري ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن عمارة ، عن أبيه قال : قال الصّادق عليه السلام : إنّ يوشع بن نون قام بالأمر بعد موسى صابراً من الطّواغيت على اللّأواء (٣) والضّراء والجهد والبلاء ، حتّى مضى منهم ثلاث طواغيت ، فقوى بعدهم أمره ، فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى بصفراء امرأة موسى في مائة ألف رجل فقاتلوا يوشع ، فغلبهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وهرب الباقون بإِذن الله وأسر صفراء (٤) ، وقال : قد عفوت عنك في الدّنيا الى أن ألقي نبيّ الله موسى فأشكو إليه ما لقيت منك (٥) ، فقالت صفراء : واويلاه والله لو اُبيحت لي الجنّة لاستحييت أن أرى رسول الله وقد هتكت حجابه على وصيّه بعده (٦).



_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ٣٦٩) ، برقم : (١٥) وروي نحوه مع زيادة : المسعودي في إثبات الوصيّة ص (٥٢).

(٢) وفي البحار : القطّان. ولكن الوارد في مشايخ الصّدوق : أحمد بن الحسن العطّار.

(٣) كذا في النّسخ : فما عن بعض من أنّها « على الأذى » فهو تصحيف. واللّأواء كما في نهاية ابن الاثير ـ آخذا للكلمة من : لأوّ ـ بمعنى الشّدة وضيق المعيشة الجزء (٤ / ٢٢١) وفي أقرب الموارد بمعنى الشّدة والمحنة ، وهي فعلاء من اللّاي.

(٤) في البحار : وأسر صفراء بنت شعيب. والنّسخ الخطيّة خالية من قوله : بنت شعيب.

(٥) في البحار : الى أن نلقي نبي الله موسى فاشكو ما لقيت منك ومن قومك.

(٦) بحار الانوار (١٣ / ٣٦٦).


الباب التاسع

( في بني إسرائيل )

٢٠٧ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي ، عن أبي جميلة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان في بني إسرائيل عابد يقال له : جريح وكان يعبد الله في صومعة ، فجاءته أمّه وهو يصلّي ، فدعته فلم يجبها ولم يكلّمها ، فانصرفت وهي تقول (١) : أسأل إله بني إسرائيل أن يخذلك ، فلمّا كان من الغد جاءت فاجرة وقعدت عند صومعته قد أخذها الطّلق ، فادّعت أنّ الولد من جريح ، ففشا في بني إسرائيل أنّ من كان يلوم النّاس على الزّنا زنى ، وأمر الملك بصلبه ، فأقبلت أمّه إليه تلطم وجهها ، فقال لها : اسكتي إنّما هذا لدعوتك ، فقال النّاس لمّا سمعوا منه ذلك : وكيف لنا بذلك ؟ قال : هاتوا الصّبيّ ، فجاؤوا به فأخذته ، فقال : من أبوك ؟ فقال : فلان الرّاعي لبني فلان ، فأكذب الله الّذين قالوا ما قالوا في جريح ، فحلف جريح أن لا يفارق أمّه يخدمها (٢).

٢٠٨ ـ وباسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ ، عن فضل بن محمّد الأشعري ، عن مسمع ، عن أبي الحسن ، عن أبيه عليهما السّلام قال : كان رجل ظالم ، فكان يصل الرّحم ويحسن على رعيّته ويعدل في الحكم ، فحضر أجله فقال : ربّ حضر أجلي وابني صغير فمدّد لي في عمري ، فأرسل الله إليه انّي قد أنشأت لك في عمرك

_________________________________

(١) في البحار : فانصرفت ثم أتته ودعته ، فلم يلتفت اليها فانصرفت ، ثم أتته ودعته فلم يجبها ولم يكلمها. فانصرفت وهي تقول ....

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٤٨٧) ، برقم : (١). و (٧٤ / ٧٥ ـ ٧٦) ، برقم : (٦٨).


اثنتي عشرة سنة ، وقيل له : الى هذا يشبّ (١) ابنك ويعلم من كان جاهلاً ويستحكم على من لا يعلم (٢).

٢٠٩ ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن الحسن ، حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن الحكم بن مسكين ، عن النّعمان بن يحيى الأزرق ، عن أبي حمزة الثّمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّ ملكاً من بني إسرائيل قال : لأبنينّ مدينةً لا يعيبها أحدٌ ، فلمّا فرغ من بنائها اجتمع رأيهم على أنّهم لم يروا مثلها قطّ ، فقال له رجل : لو آمنتني على نفسي أخبرتك بعيبها فقال : لك الأمان. قال : لها عيبان أحدهما : أنك تهلك عنها ، والثّاني : انّها تخرب من بعدك فقال الملك : وأيّ عيب أعيب من هذا ثمّ قال : فما نصنع قال : تبني ما يبقى ولا يفنى ، وتكون شابّاً لا تهرم أبداً فقال الملك لابنته ذلك فقالت : ما صدقك أحد غيره من أهل مملكتك (٣).

٢١٠ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن بكير ، عن عبد الملك بن أعين ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان في بني إسرائيل رجل وكان له بنتان ، فزوّجهما من رجلين ، واحد زرّاع وآخر يعمل الفخار ، ثمّ إنّه زارهما ، فبدأ بامرأة الزرّاع ، فقال لها : كيف حالك ؟ قالت : قد زَرَعَ زوجي زرعاً كثيراً ، فإِن جاء الله بالسّماء فنحن أحسن بني اسرائيل حالاً ، ثمّ ذهب إلى أخرى ، فسألها عن حالها ، فقال : قد عمل زوجي فخاراً كثيراً ، فإن أمسك الله السّماء عنّا ، فنحن أحسن بني إسرائيل حالاً ، فانصرف وهو يقول : « أللّهمّ أنت لهما » (٤).

٢١١ ـ وبإسناده عن ابن أبي عمير رفعه ، فقال : التقى ملكان فقال أحدهما لصاحبه : أين تريد ؟ قال : بعثني ربّي أحبس السّمك ، فإِنّ فلان الملك اشتهى سمكة ، فأمرني أن أحبسه له ليؤخذ له الّذي يشتهي منه ، فأنت أين تريد ؟ قال : بعثني ربّي إلى

_________________________________

(١) هكذا في البحار. وفي ق ١ : وقيل له : ما يشبّ ... وفي بقيّة النّسخ : إلى هذا ما يشبّ ... وعلى وجود كلمة : ما فهي ليست للنّفي.

(٢) بحار الانوار (٧٥ / ٣٤٦) ، برقم : (٤٧).

(٣) بحار الانوار (١٤ / ٤٨٧ ـ ٤٨٨) ، برقم : (٢) و (٧٥ / ٣٤٦) ، برقم : (٤٨).

(٤) بحار الانوار (١٤ / ٤٨٨) ، برقم : (٣).


فلان العابد ، فانّه قد طبخ قدراً وهو صائم فأرسلني ربّي أن اُكفئها (١).

فصل ـ ١ ـ

٢١٢ ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن علي ماجيلويه ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن علي الكوفي ، عن محمّد بن سنان ، عن النّضر بن قرواش ، عن إسحاق بن عمّار ، عمّن سمع أبا عبد الله عليه السلام يحدّث قال : مرّ عالم بعابد وهو يصلّي ، فقال : يا هذا كيف صلاتك ؟ قال : مثلي يسأل عن هذا ؟ قال : ثمّ بكى قال : وكيف بكاؤك ؟ فقال : إنّي لأبكي حتّى تجري دموعي ، فضحك العالم وقال : تضحك وأنت خائف من ربّك أفضل من بكائك وأنت مدلّ بعملك ، إنّ المدلّ بعمله ما يصعد منه شيء وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج (٢).

٢١٣ ـ وباسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ ، عن الحسن بن جهم ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان في بني إسرائيل رجل يكثر أن يقول : الحمد لله ربّ العالمين والعاقبة للمتّقين. فغاظ إبليس ذلك ، فبعث إليه شيطاناً ، فقال : قل : العاقبة للأغنياء فجاءه فقال ذلك ، فتحاكما إلى أوّل من يطّلع عليهما على قطع يد الّذي يحكم عليه ، فلقيا شخصاً فاخبراه بحالهما فقال : العاقبة للأغنياء ، فرجع (٣) وهو يحمد الله ويقول : العاقبة للمتّقين ، فقال له : تعود أيضاً فقال : نعم على اليد الاخرى فخرجا فطلع الآخر فحكم عليه أيضاً فقطعت يده الأخرى ، وعاد أيضاً يحمد الله ويقول : العاقبة للمتّقين فقال له : تحاكمني على ضرب العنق ؟ فقال : نعم فخرجا فرأيا مثالاً فوقفا عليه ، فقال : إنّي كنت حاكمت هذا وقصّا عليه قصّتهما قال : فمسح يديه فعادتا ثمّ

_________________________________

(١) بحار الانوار (٦٧ / ٢٣١) ، برقم : (٤٤). فيه وفي سائر النّسخ : ربّي أكفاؤها ، غير أنّ في نسخة ق ١ : أن اكفائها.

(٢) بحار الانوار (٧٢ / ٣١٧ ـ ٣١٨) ، برقم : (٢٩). أقول : ألفاظ الخبر في النّسخ مشوّشة والمتن الحاضر مستفاد من مجموعها وإطلاق ذيله : حدّثوا ... مقيّدٌ بالخبر الآتي المرقم (٢٣٤ م).

(٣) كذا في النّسخ. والظّاهر سقوط جملةٍ قبل قوله : فرجع. وهي إمّا : فقطعت إحدى يديه ـ أو ـ فحكم عليه وقطعت منه يد واحدة. وفي ذيل البحار (١٤ / ٤٨٨) عن قصص الأنبياء للجزائري : قطع يده فرجع.


ضرب عنق ذلك الخبيث ، وقال : هكذا العاقبة للمتّقين (١).

٢١٤ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتّوكل ، حدّثنا عبدالله بن جعفر ، حدّثنا أحمد بن محمّد ، عن الثّمالي (٢) ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان قاضٍ في بني إسرائيل رجلاً وكان يقضي فيهم بالحق ، فلمّا حضرته الوفاة قال لامرأته : إذا متّ فاغسليني وكفّنيني وغطّي وجهي وضعيني على سريري ، فانّك لا ترين سوءاً إن شاء الله تعالى ، فلمّا مات فعلت ما كان أمرها به ، ثمّ مكثت بعد ذلك حيناً ، ثمّ إنّها كشفت عن وجهه فاذا دودة تقرض من منخره ، ففزعت من ذلك ، فلمّا كان باللّيل أتاها في منامها ـ يعني رأته في النّوم ـ فقال لها : فزعتِ ممّا رأيت ؟ قالت : أجل قال : والله ما هو إلّا في أخيك ، وذلك أنّه أتاني ومعه خصم له فلمّا جلسا قلت : اللّهمّ اجعل الحق له ، فلمّا اختصما كان الحق له ففرحتُ ، فأصابني ما رأيت لموضع هواي مع موافقة الحق له (٣).

٢١٥ ـ وعن ابن بابويه ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه حدّثنا ابوأحمد : محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي العباس ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إنّ قوماً في الزّمان الأوّل أصابوا ذنباً ، فخافوا منه فجاءهم قوم آخرون ، فقالوا : ما بالكم ؟ قالوا : أصبنا ذنوباً فخفنا منها وأشفقنا ، فقالوا : لا تخافوا نحن نحملها. فقال الله تعالى : لا تخافون وتجترئون عليّ ؟ فأنزل الله بهم العذاب (٤).

٢١٦ ـ وبهذا الاسناد عن أبي أحمد ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٤٨٨ ـ ٤٨٩) ، برقم : (٤) و (٧٠ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤) ، برقم : (٣٦).

(٢) كذا في النّسخ. والظّاهر سقوط الحسن بن محبوب من السّند قبل الثّمالي لأنّ المراد بأحمد بن محمّد هنا إمّا أحمد بن محمد بن عيسى ـ أو ـ أحمد بن محمّد بن خالد البرقي وهما لا يرويان عن الثّمالي أبي حمزة ثابت بن دينار المتوفّي (١٥٠) بلا واسطة وهي هنا من ذكرناه لا محالة كما يظهر ذلك من فهرستي الشّيخ والنّجاشي في تراجمهم إن قلت : يأتي في الحديث المرقم (٢٠٢) رواية ابن محبوب عنه بواسطة مالك بن عطيّة. قلت : المستفاد من الفن أنّ ابن محبوب كان يروي كان يروي كتاب الثّمالي ولم يذكر هذا في شأن ابن عطيّة وإنّما الثابت روايته عنه أما الذي نحن فيه خارج عن مثل ذلك.

(٣) بحار الانوار (١٤ / ٤٨٩) ، برقم : (٥). و (١٠٤ / ٢٧٦) ، برقم : (٥) وليس فيه : يعني رأته في النوم و التّفسير من الرّاوندي.

(٤) بحار الانوار (١٤ / ٥٠٩) روي نحوه عن الكافي ذيل الحديث برقم (٣٥).


السلام : إنّ قوماً من بني إسرائيل قالوا لِنبيٍّ لهم : ادع لنا ربّك يمطر علينا السّماء إذا أردنا ، فسأل ربّه ذلك ، فوعده أن يفعل فأمطر السّماء عليهم كلّما أرادوا فزرعوا فنمت زروعهم وخصبت (١) فلمّا حصدوا لم يجدوا شيئاً فقالوا : إنّما سألنا المطر للمنفعة ، فأوحى الله تعالى إليه : أنّهم لم يرضوا بتدبيري لهم أو نحو هذا (٢).

٢١٧ ـ وقال : قال ابوعبد الله عليه السلام : كان ورشان يفرخ في شجرة ، وكان رجل يأتيه إذا أدرك الفرخان فيأخذ الفرخين ، فشكى ذلك الورشان إلى الله تعالى فقال : إنّي سأكفيكه قال : فأفرخ الورشان وجاء الرّجل ومعه رغيفان فصعد الشّجرة وعرض له سائل ، فأعطاه أحد الرّغيفين ، ثمّ صعد فأخذ الفرخين ونزل بهما ، فسلّمه الله لما تصدّق به (٣).

فصل ـ ٢ ـ

٢١٨ ـ وباسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّ رجلاً كان في بني إسرائيل قد دعا الله أن يرزقه غلاماً ، يدعو ثلاثاً وثلاثين سنة ، فلمّا رآى أنّ الله تعالى لا يجيبُه قال : يا رب أبعيد أنا منك فلا تسمع منّي أم قريبٌ أنت فلا تجيبني ؟ فأتاه آت في منامه ، فقال له : إنّك تدعو الله بلسان بذيّ وقلب غلق (٤) غير نقيّ وبنيّة غير صادقة ، فاقلع من بذائك وليتّق الله قلبك ولتحسن نيّتك ، قال : ففعل الرّجل ذلك (٥) فدعا الله عزّ وجلّ فولد له غلام (٦).

٢١٩ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن عليّ الكوفي ، عن محمّد بن سنان ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كنت عنده فتلا قول الله تعالى : « ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ

_________________________________

(١) في البحار : وحسنت.

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٤٨٩) ، برقم : (٦) و (٥٩ / ٣٧٨) ، برقم : (١٥).

(٣) بحار الانوار (١٤ / ٤٩٠) ، برقم : (٧) و (٦٥ / ٢٨٦) ، برقم : (٤٠) وفيه : قال ابوعبد الله عليه السلام .. وهكذا في الجزء (٩٦ / ١٢٦) ، برقم : (٤٠).

(٤) في البحار : عات.

(٥) في ق ١ : ذلك عاماً.

(٦) بحار الانوار (١٤ / ٤٩٠) ، برقم : (٨) و (٩٣ / ٣٧٠) ، برقم : (٦).


بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ » (١) فقال : أما والله ما ضربوهم بأيديهم ولا قتلوهم بأسيافهم ، ولكن سمعوا أحاديثهم فأذاعوها عليهم فأخذوا وقتلوا فصار اعتداءاً ومعصيةً (٢).

٢٢٠ ـ وباسناده عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن الثّمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان في بني إسرائيل رجلٌ عاقلٌ كثير المال ، وكان له ابن يشبهه في الشّمائل من زوجة عفيفة ، وكان له ابنان من زوجة غير عفيفة ، فلمّا حضرته الوفاة قال لهم : هذا مالي لواحد ، فلمّا توفّي قال الكبير : أنا ذلك الواحد ، وقال الاوسط : أنا ذلك ، وقال الأصغر : أنا ذلك ، فاختصموا إلى قاضيهم قال : ليس عندي في أمركم شيء ، انطلقوا إلى بني غنام الإِخوة الثّلاث ، فانتهوا إلى واحد منهم فرأوا شيخاً كبيراً ، فقال لهم : اُدخلوا إلى أخي فلان أكبر منّي فاسألوه. فدخلوا عليه ، فخرج شيخ كهل ، فقال : اسالوا أخي الأكبر منّي ، فدخلوا على الثّالث فاذا هو في المنظر أصغر ، فسألوه أوّلاً عن حالهم ثمّ سألهم.

فقال : أمّا أخي الّذي رأيتموه أوّلاً فهو الأصغر وانّ له امرأة سوء تسوؤه وقد صبر عليها مخافة أن يبتلي ببلاء لا صبر له عليه فهرمته ، وأمّا أخي الثّاني فانّ عنده زوجةً تسوؤه وتسرّه فهو متماسك الشّباب ، وأمّا أنا فزوجتي تسرّني ولا تسوؤني ولم يلزمني منها مكروه قطّ منذ صحبتني ، فشبابي معها متماسك ، وأمّا حديثكم الّذي هو حديث أبيكم ، فانطلقوا أوّلاً وبعثروا قبره واستخرجوا عظامه وأحرقوها ثمّ عودوا لأقضي بينكم ، فانصرفوا فأخذ الصّبيّ سيف أبيه ، وأخذ الأخوان المعاول ، فلمّا أن همّا بذلك قال لهم الصّغير : لا تبعثروا قبر أبي وأنا أدع لكما حصّتي فانصرفوا إلى القاضي ، فقال : يقنعكما هذا ائتوني بالمال ، فقال للصّغير : خذ المال ، فلو كانا ابنيه لدخلهما من الرّقة كما دخل على الصّغير (٣).

٢٢١ ـ وباسناده عن ابن محبوب ، حدّثنا عبد الرّحمن بن الحجاج ، عن أبي الحسن موسى عليه الصّلاة والسّلام ، قال : كان في بني إسرائيل رجلٌ صالح ، وكانت له امرأة

_________________________________

(١) سورة البقرة : (٦١).

(٢) بحار الانوار (٧٥ / ٤٢٠) ، برقم : (٧٦).

(٣) بحار الانوار (١٤ / ٤٩٠ ـ ٤٩١) ، برقم : (٩) و (١٠٣ / ٢٣٣) ، برقم : (١٤) و (١٠٤ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧) ، برقم : (١).


صالحة ، فرآى في النّوم أنّ الله تعالى قد وقّت لك من العمر كذا وكذا سنة ، وجعل نصف عمرك في سعة ، وجعل النّصف الآخر في ضيق ، فاختر لنفسك إمّا النّصف الأوّل وإمّا النّصف الأخير ، فقال الرّجل : إنّ لي زوجةً صالحةً وهي شريكتي في المعاش ، فأُشاورها في ذلك وتعود إليّ فأُخبرك ، فلمّا أصبح الرّجل قال لزوجته : رأيت في النّوم كذا وكذا ، فقالت يا فلان : اختر النّصف الأوّل وتعجّل العافية لعلّ الله سيرحمنا ويتمّ لنا النّعمة.

فلمّا كان في اللّيلة الثّانية أتى الآتي ، فقال : ما اخترتَ ؟ فقال : اخترت النّصف الأوّل ، فقال : ذلك لك ، فأقبلت الدّنيا عليه من كلّ وجه ، ولمّا ظهرت نعمته قالت له زوجته : قرابتك والمحتاجون فصلهم وبرّهم وجارك وأخوك فلان فهبهم ، فلمّا مضى نصف العمر وجاز حدّ الوقت رآى الرّجل الّذي رآه أوّلاً في النّوم ، فقال : إنّ الله تعالى قد شكر لك ذلك ولك تمام عمرك سعة مثل ما مضى (١).

فصل ـ ٣ ـ

٢٢٢ ـ وباسناده عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : خرجت امرأة بغيّ على شباب من بني إسرائيل فأفتنتهم ، فقال بعضهم : لو كان العابد فلاناً لو رآها أفتنته (٢) ، وسمعت مقالتهم فقالت والله : لا أنصرف الى منزلي حتّى أفتنه ، فمضت نحوه في اللّيل فدقّت عليه ، فقالت : آوي عندك ، فأبى عليها ، فقالت : إنّ بعض شباب بني إسرائيل راودوني عن نفسي ، فإن أدخلتني وإلّا لحقوني وفضحوني ، فلمّا سمع مقالتها فتح لهٰا ، فلمّا دخلت عليه رمت بثيابها ، فلمّا رآى جمالهٰا وهيأتها وقعت في نفسه ، فضرب يده عليها ثمّ رجعت إليه نفسه وقد كان يوقد تحت قدر له ، فأقبل حتّى وضع يده على النّار ، فقالت : أيّ شيءٍ تصنع ؟ فقال : أحرقها لأنّها عملت العمل فخرجت حتّى أتت جماعة بني إسرائيل ، فقالت : ألحقوا فلاناً فقد وضع يده على النّار ، فأقبلوا فلحقوه وقد احترقت يده(٣).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٤٩١ ـ ٤٩٢) ، برقم : (١٠) و (٩٦ / ١٦٢) ، برقم : (٦).

(٢) كذا في النّسخ والظّاهر أنّ في العبارة تصحيفاً وهذا تمامها : فقال بعضهم : إنّ العابد الفلاني لو رآها أفتنته. ـ أو ـ إنّ العابد الفلان لو رأته لأفتنته. والله العالم.

(٣) بحار الانوار (١٤ / ٤٩٢) ، برقم : (١١). و (٧٠ / ٣٨٧ ـ ٣٨٨) ، برقم : (٥٢).


٢٢٣ ـ وعن هارون بن خارجة ، عن أبي عبد الله عليه السلام إنّ عابداً كان في بني إسرائيل ، فأضاف امرأة من بني إسرائيل ، فهمّ بها فأقبل كلّما همّ بها قرّب إصبعاً من أصابعه إلى النّار ، فلم يزل ذلك دأبه حتّى أصبح ، فقال لها : اُخرجي لبئس الضّيف كنتِ لي (١).

٢٢٤ ـ وعن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان في بني إسرائيل رجل عابد وكان محتاجاً ، فاُلحت عليه امرأته في طلب الرّزق ، فابتهل إلى الله في الرّزق ، فرأى في النّوم ، أيّما أحبّ إليك : درهمان من حلٍّ أو الفان من حرام ؟ فقال : درهمان من حلٍّ ، فقال : تحت رأسك ، فانتبه فرآى الدّرهمين تحت رأسه ، فأخذهما واشترى بدرهم سمكة ، فأقبل إلى منزله ، فلمّا رأته المرأة أقبلت عليه كالّلائمة وأقسمت أن لا تمسّها ، فقام الرّجل فلمّا شقّ بطنها إذا بدُرَّتين فباعهما بأربعين ألف درهم (٢).

٢٢٥ ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن عليّ ماجيلويه ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن عليّ ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن حمران ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان في بني إسرائيل جبّار ، وأنّه أقعد في قبره وردّ إليه روحه ، فقيل له : انّا جالدوك مائة جلدة من عذاب الله ، قال : لا اُطيقها ، فلم يزالوا ينقصونه (٣) من الجلد وهو يقول : لا اُطيق ، حتّى صاروا إلى واحدة قال : لا اُطيقها قالوا : لن نصرفها عنك ، قال : فلماذا تجلدونني ؟ قالوا : مررت يوماً بعبد لله ضعيف مسكين مقهور فاستغاث بك ، فلم تغثه ولم تدفع عنه ، قال : فجلدوه جلدةً واحدةً ، فامتلأ قبره ناراً (٤).

فصل ـ ٤ ـ

٢٢٦ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن الحسن ، حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن عليّ بن أسباط ، عن أبي اسحاق الخراساني ،

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٤٩٢ ـ ٤٩٣) ، برقم : (١٢) و (٧٠ / ٣٨٨) ، برقم : (٥٣).

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٤٩٣) ، برقم : (١٣).

(٣) في ق ٢ : ينقصون.

(٤) بحار الانوار (١٤ / ٤٩٣) ، برقم : (١٤).


عن وهب بن منبّه ، قال : رووا أنّ رجلاً من بني إسرائيل بنى قصراً ، فجوّده وشيّده ، ثمّ صنع طعاماً ، فدعا الأغنياء وترك الفقراء ، فكان إذا جٰاء الفقير قيل لكلّ واحد منهم : إنّ هذا طعام لم يصنع لك ولأشباهك قال : فبعث الله ملكين في زيّ الفقراء فقيل لهما مثل ذلك. ثمّ أمرهما الله تعالى بأن يأتيا في زيّ الأغنياء ، فأُدخلا وأُكرما وأُجلسٰا في الصّدر ، فأمرهم الله تعالى أن يخسفا المدينة ومن فيها (١).

٢٢٧ ـ وباسناده عن أحبار بني إسرائيل ، الصّغير منهم والكبير كانوا يمشون بالعصٰا مخافة أن يختال أحد في مشيته (٢).

٢٢٨ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن عليّ ، عن عيسى بن عبد الله العلويّ ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : المائدة الّتي نزلت على بني إسرائيل كانت مدلاة بسلاسل من ذهب عليها تسعة أحوات وتسعة أرغُفٍ (٣) فحسب (٤).

٢٢٩ ـ وبهذا الاسناد ، عن محمّد بن عليّ ، عن محمّد بن عبد الله بن زرارة ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان في بني إسرائيل عابد وكان محارفاً (٥) تنفق عليه امرأته فجاءها يوماً فدفعت إليه غَزْلاً فذهب فلا يشترى بشيءٍ فجاء إلى البحر فاذا هو بصيّاد قد اصطاد سمكاً كثيراً فأعطاه الغزل وقال : انتفع في شبكتك ، فدفع إليه سمكةً فأخذها وخرج بها إلى زوجته فلمّا شقّها بدت من جوفها لؤلؤة فباعها بعشرين ألف درهم (٦).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٤٩٣) ، برقم : (١٥) و (٧٥ / ١٧٥ ـ ١٧٦) ، برقم : (١٠).

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٤٩٤) ، برقم : (١٦) ، وفيه : بأسناده أن بني إسرائيل.. و (٧٦ / ٢٣٠) ، برقم : (٥) وفيه : وهب قال : كان أحبار.

(٣) في ق ٢ وق ٣ وق ٤ والبحار : أرغفة.

(٤) بحار الانوار (١٤ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩) ، برقم : (٣٦).

(٥) في البحار : عارفاً. والصّحيح ـ كما في جميع النّسخ والكافي على ما نقل عنه البحار ـ ما أثبتناه في المتن وفسّره العلامة المجلسي بقوله : رجل محارف أي محدود محروم. والصّحيح في تفسيره ما في متن الخبر عن الكافي : لا يتوجه في شيءٍ فيصيب فيه شيئاً.

(٦) بحار الانوار (١٤ / ٤٩٤) ، برقم : (١٧) و (١٠٣ / ٣٠) ، برقم : (٥٣) ، وراجع (١٤ / ٤٩٧) ، برقم : (٢١) عن الكافي.


٢٣٠ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن علي بن أسباط ، عن الحسين بن أحمد المنقري ، عن أبي إبراهيم الموصلي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنّ نفسي تنازعني (١) مصر فقال : مالك ومصر ؟ أما علمت أنّها مصر الحتوف ؟ ولا أحسبه إلّا قال : يسٰاق إليها أقصر النّاس أعماراً (٢).

٢٣١ ـ وعن علي بن أسباط ، عن أحمد بن محمد الحضرمي ، عن يحيى بن عبد الله بن الحسن رفعه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : انتحوا مصر ولا تطلبوا المكث فيها ولا أحسبه إلّا قال : وهو يورث الدياثة (٣).

٢٣٢ ـ وبهذا الاسناد عن علي بن أسباط ، عن أبي الحسن صلوات الله عليه قال : لا تأكلوا في فخارها (٤) ولا تغسلوا رؤوسكم بطينها ، فإِنّها تورث الذلّة وتذهب بالغيرة (٥).

٢٣٣ ـ وعن ابن محبوب ، عن داود الرّقي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان أبوجعفر صلوات الله عليه يقول : نعم الأرض الشّام ، وبئس القوم أهلهٰا اليوم وبئس البلاد مصر أما إنّها سجن من سخط الله عليه من بني إسرائيل ولم يكن دخل بنو إسرائيل مصر إلّا من سخطةٍ ومعصيةٍ منهم لله ، لأنّ الله عزّ وجلّ قال : « ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ » يعني الشّام فأبوا أن يدخلوها وعصوا فتاهوا في الأرض أربعين سنة قال : ومٰا كان خروجهم من مصر بدخولهم الشّام إلّا من بعد توبتهم ورضى الله عنهم.

ثمّ قال ابوجعفر عليه السلام : إنّي اكره أن آكل شيئاً طبخ في فخار مصر وما أُحبّ أن أغسل رأسي من طينها مخافة أن تورّثني تربتها الذّل وتذهب (٦) بغيرتي (٧).

_________________________________

(١) في ق ١ والبحار : ان بني ينازعني. وفي ق ٣ وهامش البحار : ابني ينازعني وكلاهما تصحيف والصّحيح ما في المتن اعتباراً وأخذاً من نسختي ق : ٢ و ٤.

(٢) بحار الانوار (٦٠ / ٢١٠ ـ ٢١١) ، برقم : (١٤).

(٣) بحار الانوار (٦٠ / ٢١١) ، برقم : (١٥).

(٤) في البحار : في فخار مصر.

(٥) بحار الانوار (٦٠ / ٢١١) ، برقم : (١٦) و (٦٦ / ٥٢٩) ، برقم : (٨) و (٧٦ / ٧٤).

(٦) في ق ٣ : بعزّتي.

(٧) بحار الانوار (١٤ / ٤٩٤) ، برقم : (١٨) و (٦٠ / ٢١٠) ، برقم : (١٣) ومن قوله : إنّي اكره الى قوله : في فخار مصر ، في (٦٦ / ٥٢٩) ، برقم : (٧) و (٧٦ / ٧٤ ـ ٧٥) ، برقم : (١٦) من قوله : ما أحبّ أن اغسل ، والآية ، ٢١ ، سورة المائده.


فصل ـ ٥ ـ

٢٣٤ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سيف بن عميرة ، عن أخيه عليّ ، عن أبيه ، عن محمد بن مارد ، عن عبد الأعلى بن أعين ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : حديث يرويه النّاس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : حدّثوا (١) عن بني إسرائيل ولا حرج ؟ قال : نعم ، قلت : فنحدّث بما سمعنا عن بني إسرائيل ولا حرج علينا ؟ قال : أما سمعت ما قال : كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكلّما سمع ، قلت : كيف هذا ؟ قال : ما كان في الكتاب أنّه كان في بني إسرائيل فحدّث أنّه كان في هذه الامّة ولا حرج (٢).



_________________________________

(١) في البحار : حدّث.

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٤٩٤ ـ ٤٩٥) ، برقم : (١٩) و (٢ / ١٥٩) ، برقم : (٥) عن معاني الاخبار بنفس السّند وهذا الحديث بمنطوقه الخاص مقيّد لا طلاق ما تقدّم في الخبر المرقم (٢١٢) وسبق منّا هناك في التعليق الأشارة على هذا.


الباب العاشر

( في نبوّة إسماعيل وحديث لقمان عليهما السلام )

٢٣٥ ـ أخبرنا جماعة منهم الإِخوان الشّيخ محمّد وعلي ابنا علي بن عبد الصّمد ، عن أبيهما ، عن السيّد أبي البركات عليّ بن الحسين الحسيني ، عن الشّيخ أبي جعفر ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن عليّ الكوفي ، عن شريف بن سابق التّفليسي ، عن الفضل ابن أبي قرّة السّمندي (١) عن الصّادق ، عن آبائه صلوات الله عليهم قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّ أفضل الصّدقة صدقة اللّسان ، تحقن به الدّماء وتدفع به الكريهة وتجرّ المنفعة إلى أخيك المسلم.

ثمّ قال صلّى الله عليه وآله : إنّ عابد بني إسرائيل الّذي كان أعبدهم كان يسعى في حوائج النّاس عند الملك ، وأنّه لقي إسماعيل بن حزقيل ، فقال : لا تبرح حتّى أرجع إليك يا إسماعيل ، فسها عنه عند الملك ، فبقي إسماعيل إلى الحول هناك ، فأنبت الله لإِسماعيل عشباً فكان يأكل منه ، وأجرى له عيناً وأظلّه بغمام ، فخرج الملك بعد ذلك إلى التّنزه ومعه العابد فرآى إسماعيل ، فقال : إنّك لهٰا هنا يا إسماعيل ؟ فقال له : قلت : لا تبرح فلم أبرح ، فسُمِّي « صادق الوعد ».

قال : وكان جبّار مع الملك فقال : ايّها الملك ، كذب هذا العبد قد مررت بهذه البريّة فلم أره ها هنا فقال له إسماعيل : إن كنت كاذباً فنزع الله صالح ما أعطاك ، قال :

_________________________________

(١) وفي النّسخ والبحار في الموردين : الفضل بن قرّة وهو إشتباه والصّحيح ما أثبتناه في المتن وهو موافق مع ما في فهرستي الشّيخ الطّوسي والنّجاشي والبرقي ومشيخة الفقيه وغير ذلك.


فتناثرت أسنان الجبّار ، فقال الجبّار : إنّي كذبت على هذا العبد الصّالح فَاطلُب : يدعو الله ان يردّ عليَّ أسناني فانّي شيخ كبير ، فطلب إليه الملك ، فقال : إنّي أفعل قال : السّاعة ؟ قال : لأُأَخّره إلى السّحر ثمّ دعا ، قال يا فَضل : انّ أفضل ما دعوتم الله بالأسحار قال الله تعالى : « وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ » (١).

٢٣٦ ـ وبهذا الإِسناد عن ابن ماجيلويه ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، حدّثنا محمّد بن أورمة ، عن محمّد بن سعدان (٢) ، عن عبد الله بن القاسم ، عن شعيب العقرقوفي ، قال : قال ابوعبد الله عليه السلام : إنّ إسماعيل نبيّ الله وعد رجلاً بالصّفاح ، فمكث به سنة مقيماً وأهل مكّة يطلبونه لا يدرون أين هو ؟ حتّى وقع عليه رجل فقال : يا نبيّ الله ضُعّفنا بعدك وهلكنا ، فقال : إنّ فلان الظّاهر (٣) وعدني أن أكون ها هنا ولم أبرح حتّى يجيء قال : فخرجوا إليه حتّى قالوا لَهُ : يا عدوّ الله وعدت النّبي فأخلفته فجاء وهو يقول لإِسماعيل عليه السلام : يا نبيّ الله ما ذكرت ولقد نسيت ميعادك ، فقال : أما والله لو لم تجئني لكان منه المحشر فانزل الله : « وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ » (٤).

٢٣٧ ـ وباسناده في رواية أخرى قال : إنّ إسماعيل الّذي سُمّي صادق الوعد ليس هو إسماعيل بن ابراهيم خليل الله عليه السلام أخذه قومه فسلخوا جلده ، فبعث الله إليه ملكاً فقال له : قد اُمرت بالسّمع والطّاعة لك فمر فيهم بما أحببت ، فقال : لا ، يكون لي بالحسين عليه السلام أُسوة (٥).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ٣٨٩) ، برقم : (٤) و (٧٥ / ٣٧٣ ـ ٣٧٤) ، برقم : (٢٤) و (٨٧ / ١٦٥) ، برقم : (٧) من قوله : يا فضل إنّ ... وفيه : الفضل بن ابي قرّة والآية في سورة الذاريات : (١٨).

(٢) في البحار : موسى بن سعدان.

(٣) في ق ٢ وق ٣ : ألطّاهي ، وفي البحار : ألطّائفي.

(٤) بحار الانوار (١٣ / ٣٩٠) ، برقم : (٥) و (٧٥ / ٩٥) ، برقم : (١٤). والآية في سورة مريم : (٥٤).

(٥) بحار الانوار (١٣ / ٣٨٨) عن العلل بسندين ومتنين متقاربين وفي باب قصص إسماعيل الّذي سمّاه الله صادق الوعد ما يشكّل عنوان الباب ، عن كامل الزّيارة وأمالي المفيد.


فصل ـ ١ ـ

( في حديث لقمان عليه السلام )

٢٣٨ ـ وبالاسناد المذكور عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أبيه ، عن درست ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : كان لقمان عليه السلام يقول لابنه : يا بنيّ إنّ الدّنيا بحر وقد غرق فيها جيل كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله تعالى ، وليكن جسرك إيماناً بالله ، وليكن شراعها التّوكّل ، لعلّك يا بُنيّ تنجو وما أظنّك ناجياً يا بنيّ ، كيف لا يخاف النّاس ما يوعدون ؟ وهم ينتقصون في كلّ يوم وكيف لا يُعِدّ لما يُوعد من كان له أجل ينفد ، يا بنيّ خذ من الدّنيا بلغة ولا تدخل فيها دخولاً يضرّ بآخرتك ولا ترفضها ، فتكون عيالاً على النّاس ، وصم صياماً يقطع شهوتك ، ولا تصم صياماً يمنعك من الصّلاة ، فانّ الصّلاة أعظم عند الله من الصّوم.

يا بنيّ لا تتعلّم العلم لتباهي به العلماء وتماري به السّفهاء أو ترائي به في المجالس ، ولا تترك العلم زهادة فيه ورغبة في الجهالة ، يا بنيّ اختر المجالس على عينك ، فإن رأيت قوماً يذكرون الله فاجلس إليهم ، فانّك إن تكن عالماً ينفعك علمك ويزيدوك علماً ، وإن تكن جاهلاً يعلّموك ، ولعلّ الله تعالى أن يظلّهم برحمة فتعمّك معهم.

وقال : قيل للقمان عليه السلام ما يجمع من حكمتك ؟ قال : لا أسأل عمّا كُفيتُه ولا أتكلّف ما لا يعنيني (١).

٢٣٩ ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سيف بن عميرة النّخعي ، عن أخيه عليّ ، عن أبيهما ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان فيما وعظ به لقمان عليه السلام ابنه أن قال : يا بنيّ إن تك في شكٍّ من الموت ، فارفع عن نفسك النّوم ولن تسطيع ذلك. وان كنت في شكّ من البعث ، فادفع عن نفسك

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ٤١٦ ـ ٤١٧) ، ومن قوله : يا بنيّ إختر ... إلى قوله : فتعمّك معهم ، في الجزء (٧٥ / ٤٦٦) ، برقم : (٩).


الانتباه ولن تستطيع ذلك ، فانّك إذا فكّرتَ علمت أنّ نفسك بيد غيرك ، وإنّما النّوم بمنزلة الموت وإنّما اليقظة بعد النّوم بمنزلة البعث بعد الموت.

وقال : قال لقمان عليه السلام : يا بنيّ لا تقترب فيكون أبعد لك ولا تبعد فتهان ، كلّ دابّة تحبّ مثلها وابن آدم يحبّ مثله ؟ لا تنشر برّك (١) إلّا عند باغيه ، وكما ليس بين الكبش والذئب خلّة ، كذلك ليس بين البارّ والفاجر خلّة ، من يقترب من الرّفث (٢) يعلق به بعضه كذلك من يشارك الفاجر يتعلّم من طرقه ، من يحبّ المرآء يشتم ومن يدخل مدخل السّوء يتّهم ومن يقارن قرين السّوء لا يسلم ومن لا يملك لسانه يندم وقال : يا بنيّ صٰاحب مائة ولا تعاد واحداً ، يا بنيّ إنّما هو خلاقك وخلقك فخلاقك دينك وخلقك بينك وبين النّاس فلا ينقصنّ. تعلّم (٣) محاسن الأخلاق ، ويا بنيّ كن عبداً للأخيار ولا تكن ولداً للأشرار ، يا بنيّ عليك بأداء الأمانة تسلم دنياك وآخرتك ، وكن أميناً فانّ الله تعالى لا يحبّ الخائنين ، يا بنيّ لا تُر النّاس إنّك تخشى الله وقلبك فاجر (٤).

فصل ـ ٢ ـ

٢٤٠ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن الحارث ، عن المغيرة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام أصلحك الله ما كان في وصيّة لقمان ؟ قال : كان فيها الأعاجيب ، ومن أعاجيب ما كان فيها أنّه قال : يا بنيّ : خف الله خيفة لو جئته ببرّ الثّقلين لعذَّبك ، وارج الله رجاء لو جئته بذنوب الثّقلين لرحمك (٥).

٢٤١ ـ وبالإِسناد المتقدّم عن سعد بن عبد الله ، عن القاسم بن محمّد الاصفهاني ، عن

_________________________________

(١) في البحار : بزّك. أي المتاع.

(٢) أي : الفحش. وفي البحار : الرّفت.

(٣) في البحار : فلا تبغضنّ إليهم وتعلّم.

(٤) بحار الانوار (١٣ / ٤١٧ ـ ٤١٨) ، برقم : (١١) وصدره ، إلى قوله : بعد الموت في الجزء (٧ / ٤٢) ، برقم : (١٣).

(٥) بحار الانوار (١٣ / ٤١٢) عن تفسير القمي ومن (٤١٣) عن أمالي الصدوق. برقم (٣).


سليمان بن داود المنقري ، حدّثنا حماد بن عيسى قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لقمان وحكمته ، فقال : أما والله ما أُوْتِي الحكمة لحسب (١) ولا أهل ولا مال ولا بسطة في الجسم ولا جمال ، ولكنّه كان رجلاً قويّاً في أمر الله ، متورّعاً في دينه ، ساكتاً سكيناً ، عميق النّظر ، طويل التّفكر ، حديد البصر ، لم ينم نهاراً قطّ ، ولم ينم في محفل قوم قطّ ، ولم ينقل (٢) في مجلس قطّ ولم يعب أحداً بشيء قطّ ، ولم يره أحد من النّاس على بول ولا غائط قطّ ، ولا اغتسال ، لشدّة تستّره وعمق نظره وتحفّظٍ لذنوبه ، ولم يضحك من شيء قطّ ، ولم يغضب قطّ مخافة الإِثم في دينه ، ولم يمازح إنساناً قطّ ، ولم يفرح لشيءٍ أُوتيه من الدّنيا ، ولا حزن على ما فاته منها قطّ ، وقد نكح النّساء وولد له الاولاد الكثيرة وقدّم أكثرهم إفراطاً له ، فما بكى عند موت واحد منهم ، ولم يمرّ برجلين يختصمان أو يقتتلان إلّا أصلح بينهما ، ولم يسمع قولاً من أحد استحسنه إلّا سأل عن تفسيره وخبره عمن أخذه.

وكان يكثر مجالسة الحكماء (٣) والاختلاف إلى أهلها ، ويتواضع لهم ويغشي القضاة والملوك والسّلاطين ، فيرثي للقضاة بما ابتلوا به ، ويرحم الملوك والسّلاطين لعدّتهم واغترارهم بالله وطمأنينتهم (٤) إلى الدّنيا وميلهم إليها وإلى زهرتها ، فيتفكّر في ذلك ويعتبر به ويتسلّم (٥) ما يغلب به نفسه ويجاهد به هواه ويحترز به من الشّيطان ، وكان يداري نفسه بالعبر وكان لا يظعن إلّا فيما ينفعه ، ولا ينطق إلّا فيما يعنيه فبذلك أُوتي الحكمة ومنح العصمة.

وأنّ الله تعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النّهار وهدأت العيون بالقائلة (٦) ، فنادوا لقمان من حيث يسمع كلامهم ولا يراهم ، فقالوا : يا لقمان هل لك أن يجعلك الله

_________________________________

(١) في البحار : ما أوتي لقمان الحكمة بحسب.

(٢) أي : لم يتحول من مكان الى مكان آخر في المجلس الواحد ، وفي ق ١ : ولم يثقل. أي : أنّه لا يستبان منه وجود ثقل من حمل ما في بطنه وجوفه. والظّاهر : ولم يتفل.

(٣) في البحار : وعمن أخذه وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء. وليس قوله « والاختلاف الى أهلها » في البحار ، وهو الاوجه.

(٤) في البحار : والسلاطين لغرّتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك.

(٥) في البحار : ويتعلم. وهو الأوفق.

(٦) أي : النّوم عند نصف النّهار.


خليفة تحكم بين النّاس ؟ فقال لقمان : إن أمرني ربي بذلك فسمعاً وطاعةً ، لأنّه إن فعل ذلك بي أعانني وأغاثني وعلّمني وعصمني وإن هو عزّ وجلّ خيّرني قبلت العافية فقالت الملائكة : ولِمَ يا لقمان ؟ قال : لأنّ الحكم بين النّاس أشدّ المنازل من الدّين وأكثر فتناً وبلاءاً ، يخذل صاحبه ولا يعان ويغشاه الظّلم من كلّ مكان وصاحبه منه بين أمرين إن أصاب فيه الحقّ فبالحري أن يسلم وإن أخطأ أخطأ طريق الجنّة ومن يكن في الدّنيا ذليلاً وضيعاً (١) بين الناس لا يعرف كان أهون عليه في المعاد وأقرب من الرّشاد من أن يكون (٢) فيها حاكماً سريّاً جليلاً ، ومن اختار الدّنيا على الآخرة يخسرهما كلتيهما تزول عنه هذه ولا يدرك تلك ، قال : فعجبت الملائكة ذلك من حكمته واستحسن الرّحمن منطقه ، فلمّا أمسى وأخذ مضجعه من اللّيل أنزل الله عليه الحكمة فغشّاه بها ، فاستيقظ وهو أحكم أهل الأرض في زمانه يخرج (٣) على النّاس ، ينطق بالحكمة ويبثّها فيهم ، وأمر الملائكة فنادت داوُدَ بالخلافة في الأرض فقبلها ، وكان لقمان يكثر زيارة داود عليهما السّلام وكان داود يقول : يا لقمان أُوْتيت الحكمة وصرفت عنك البليّة (٤).

فصل ـ ٣ ـ

٢٤٢ ـ وبالاسناد المذكور عن جعفر بن محمّد الصّادق عليهما السّلام أنّه قال : لمّا وعظ لقمان ابنه ، فقال : أنا منذ سقطت إلى الدّنيا استدبرت واستقبلت الآخرة ، فدارٌ أنت إليها تسير أقرب من دار أنت منها متباعد ، يا بنيّ لا تطلب من الأمر مدبراً ولا ترفض منه مقبلاً ، فانّ ذلك يضلّ الرّأي ويزري بالعقل ، يا بنيّ لِيَكُن ما تستظهر به على عدوّك : الورع عن المحارم ، والفضل في دينك ، والصّيانة لمروّتك ، والاكرام لنفسك أن لا تدنّسها (٥) بمعاصي الرّحمن ومساوئ الاخلاق وقبيح الافعال ، واكتم سرّك ، واحسن سريرتك ، فانّك

_________________________________

(١) في ق ٣ والبحار : وضعيفاً.

(٢) في ق ١ و ٥ : وأقرب من أن يكون.

(٣) الزّيادة من ق ٣ والبحار.

(٤) بحار الانوار (١٣ / ٤٠٩ ـ ٤١١) عن تفسير القمي ، وراجع الوافي (٣ / ٨٤ ـ ٨٥) أبواب المواعظ.

(٥) كذا في ق ١ وفي غيره من النّسخ والبحار : أن تدنّسها وما في المتن أسرع إلى الفهم العرفي.


إذا فعلت ذلك آمنت بستر الله أن يصيب عدوّك منكم عورة أو يقدر منك على زلّة ، ولا تأمننّ مكره فيصيب منك غرّة في بعض حالاتك ، فإذا استمكن منك وثب عليك ولم يقلك عثرة. وليكن ممّا تتسلّح به على عدوّك إعلان الرّضا عنه واستصغر الكثير في طلب المنفعة واستعظم الصّغير في ركوب المضرّة.

يا بنيّ : لا تجالس النّاس بغير طريقتهم ، ولا تحملنّ عليهم فوق طاقتهم ، فلا يزال جليسك عنك نافراً والمحمول عليه فوق طاقته مجانباً لك ، فاذا أنت فرد لا صاحب لك يؤنسك ولا أخ لك يعضدك ، فاذا بقيت وحيداً كنت مخذولاً وصرت ذليلاً ، ولا تعتذر إلى من لا يحبّ أن يقبل منك عذراً ولا يرى لك حقاً ، ولا تستعن في أُمورك إلّا بمن يحبّ (١) أن يتّخذ في قضاء حاجتك أجراً ، فانّه إذا كان كذلك طلب قضاء حاجتك لك كطلبه لنفسه ، لانّه بعد نجاحها لك كان ربحاً في الدّنيا الفانية وحظّاً وذخراً له في الدّار الباقية فيجتهد في قضائها لك ، وليكن إِخوانك وأصحابك الّذين تستخلصهم وتستعين بهم على أُمورك أهل المروّة والكفاف والثّروة ، والعقل والعفاف الّذين إن نفعتهم شكروك ، وأن غبت عن جيرتهم ذكروك (٢).

فصل ـ ٤ ـ

٢٤٣ ـ وبالاسناد المتقدّم عن الصّادق عليه السلام قال : قال لقمان لابنه : إن تأدّبت صغيراً انتفعت به كبيراً ، ومن عنى بالأدب اهتمّ ، ومن اهتمّ به تكلّف علمه ، ومن تكلف علمه اشتدّ له طلبه ، ومن اشتد له طلبه أدرك به منفعة فاتخذه عادةً. وإيّاك والكسل منه والطّلب بعيره ، وإن غلبت على الدّنيا فلا تغلبنّ على الآخرة ، وانّه إن فاتك طلب العلم فانّك لن تجد تضييعاً أشدّ من تركه ، يا بنيّ استصلح الأهلين والأخوان من أهل العلم إن استقاموا لك على الوفاء ، واحذرهم عند انصراف الحال بهم عنك ، فانّ عداوتهم أشدّ مضرّة من عداوة الأباعد بتصديق (٣) النّاس ايّاهم لاطّلاعهم عليك.

_________________________________

(١) في ق ٣ : تحبّ.

(٢) بحار الانوار (١٣ / ٤١٨ ـ ٤١٩) ، برقم : (١٢).

(٣) في ق ٣ والبحار : لتصديق.


وإذا سافرت مع قوم فاكثر استشارتهم ، وأكثر التّبسّم في وجوههم ، فاذا دعوك فأجبهم ، فاذا استعانوك فأعنهم ، واغلبهم بطول الصّمت وكثرة البرّ والصّلاة وسخاء النّفس بما معك من دابّة أو مال أو زاد ، وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم ، وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم ، واسمع ممن هو أكبر منك سنّاً وإن تحيّرتم في طريقكم فانزلوا ، وإن شككتم في القصد فقفوا وتآمروا ، اذا قربت من المنزل عن دابّتك ، ثمّ ابدأ بعلفها قبل نفسك فانّها نفسك ، وان استطعت أن لا تأكل من الطّعام حتّى تتصدق منه فافعل ، وعليك بقراءة كتاب الله ما دمت راكباً ، والتّسبيح ما دمت عاملاً ، وبالدّعاء ما دمت خالياً (١).

فصل ـ ٥ ـ

٢٤٤ ـ وباسناده قال : قال ابوعبد الله عليه السلام : قال لقمان لابنه : يا بنيّ إيّاك والضّجر وسوء الخلق وقلّة الصّبر ، فلا يستقيم على هذه الخصال صاحب ، والزم نفسك التّؤدة في أُمورك ، وصبّر على مؤنات الإِخوان نفسك ، وحسّن مع جميع النّاس خلقك ، يا بنيّ إن عَدِمَكَ ما تصل به قرابتك وتتفضّل به على إخوتك ، فلا يعدمنّك حسن الخلق وبسط البشر ، فانّه من أحسن خلقه أحبّه الأخيار وجانبه الفجّار ، واقنع بقسم الله لك يصفُ عيشك ، فإِن أدرت أن تجمع عزّ الدّنيا ، فاقطع طمعك ممّا في أيدي النّاس ، فانّما بلغ الأنبياء والصّدّيقون ما بلغوا بقطع طمعهم (٢).

٢٤٥ ـ وقال الصّادق عليه السلام : قال لقمان لابنه : يا بنيّ إن احتجت إلى السّلطان فلا تكثر الإِلحاح عليه ، ولا تطلب حاجتك منه إلّا في مواضع الطّلب ، وذلك حين الرّضا وطيب النّفس ، ولا تضجرنّ بطلب حاجة ، فانّ قضاءها بيد الله ولها أوقات ، ولكن ارغب إلى الله وسله وحرّك أصابعك إليه.

يا بنيّ إنّ الدّنيا قليل وعمرك قصير. يا بنيّ احذر الحسد ، فلا يكوننّ من شأنك ،

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ٤١٩) ، برقم : (١٣) إلى قوله « لاطلاعهم عليك » وروي بعده عن الكافي ص (٤٢٢ ـ ٤٢٣) ، برقم : (١٨).

(٢) بحار الانوار (١٣ / ٤١٩ ـ ٤٢٠) ، برقم : (١٤).


واجتنب سوءَ الخلق ، فلا يكوننّ من طبعك ، فانّك لا تضرّ بهما إلّا نفسك ، وإذا كنت أنت الضّار لنفسك كفيت عدوّك أمرك ، لأنّ عداوتك لنفسك أضرّ عليك من عداوة غيرك.

يا بُنيّ اجعل معروفك في أهله ، وكن فيه طالباً لثواب الله ، وكن مقتصداً ولا تمسكه تقتيراً ولا تعطه تبذيراً. يا بنيّ سيّد أخلاق الحكمة دين الله تعالى ، ومثل الدّين كمثل الشّجرة الثّابتة ، فالايمان بالله ماؤها ، والصّلاة عروقها ، والزّكاة جذعها ، والتّآخي في الله شعبها ، والاخلاق الحسنة ورقها ، والخروج عن معاصي الله ثمرها ، ولا تكمل الشّجرة إلّا بثمرة طيّبة ، كذلك الدّين لا يكمل إلّا بالخروج عن المحارم. يا بنيّ لكلّ شيء علامة يعرف بها وأنّ للدّين ثلاث علامات : العفّة والعلم والحلم (١).

فصل ـ ٦ ـ

٢٤٦ ـ وبالاسناد المتقدّم عن سليمان بن داود المنقري ، عن ابن عُيينة (٢) ، عن الزّهري ، عن عليّ بن الحسين صلوات الله عليهم ، قال : قال لقمان لابنه : يا بنيّ إنّ أشدّ العدم عدم القلب وأنّ أعظم المصائب مصيبة الدّين وأسنى المرزئة مرزئته وأنفع الغنى غنى القلب ، فتلبث في كلّ ذلك والزم القناعة والرّضا بما قسّم الله ، وأنّ السّارق إذا سرق حبسه الله من رزقه وكان عليه اثمه ، ولو صبر لنال ذلك وجاءه من وجهه.

يا بنيّ اخلص طاعة الله حتّى لا يخالطها شيء من المعاصي ثمّ زيّن الطّاعة باتّباع أهل الحق ، فانّ طاعتهم متصلة بطاعة الله ، وزيّن ذلك بالعلم وحصّن علمك بحلم لا يخالطه حمق واخزنه بلين لا يخالطه جهل ، وشدّده بحزم لا يخالطه الضّياع وامزج حزمك برفق لا يخالطه العنف (٣).

٢٤٧ ـ وعن سليمان بن داود ، حدّثنا يحيى بن سعيد القطّان ، قال : سمعت الصّادق عليه السلام يقول : قال لقمان : حملت الجندل والحديد وكلّ حمل ثقيل ، فلم أحمل شيئاً أثقل من جار السّوء ، وذقت المرارات كلّها ، فما ذقت شيئاً أمرّ من الفقر ، يا بنيّ لا تتخذ الجاهل

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ٤٢٠) ، برقم : (١٤) من أثناء الحديث.

(٢) كذا في البحار وفي ق ٣ : محمد بن عيينة وفي سائر النّسخ : نصر بن عيينة والصّحيح سفيان بن عيينة.

(٣) بحار الانوار (١٣ / ٤٢٠ ـ ٤٢١) ، برقم : (١٥).


رسولاً ، فان لم تصب عاقلاً حكيماً يكون رسولك ، فكن أنت رسول نفسك. يا بنيّ اعتزل الشّرّ ، يعتزلك (١).

٢٤٨ ـ وقال الصّادق عليه السلام : قال أمير المؤمنين عليه السلام قيل للعبد الصّالح لقمان : أيّ النّاس أفضل ؟ قال : المؤمن الغنيّ ، قيل : الغنيّ من المال ؟ فقال : لا ولكن الغنيّ من العلم الّذي إن احتيج إليه انتفع بعلمه وان استغنى عنه اكتفى وقيل : فأيّ النّاس أشرّ ؟ قال : الّذي لا يبالي أن يراه النّاس مسيئاً (٢).

٢٤٩ ـ قال : فقال أمير المؤمنين عليه السلام : كان فيما وعظ لقمان ابنه أنّه قال : يا بنيّ ليعتبر من قصر يقينه وضعف تعبه في طلب الرّزق أنّ الله تعالى خلقه في ثلاثة أحوال من أمره ، وأتاه رزقه ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة ، أنّ الله سيرزقه في الحالة الرابعة. أمّا أوّل ذلك ، فانّه كان في رحم أُمّه يرزقه هناك في قرار مكين ، حيث لا برد يؤذيه ولا حرّ ، ثمّ أخرجه من ذلك ، وأجرى له من لبن أُمّه يربّيه من غير حول به ولا قوة ، ثمّ فطم من ذلك فأجرى له من كسب أبويه برأفة ورحمة من قلوبهما (٣) ، حتّى إذا كبر وعقل واكتسب لنفسه ضاق به أمره ، فظنّ الظّنون بربّه وجحد الحقوق في ماله وقتّر على نفسه وعياله مخافة الفقر (٤).



_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ٤٢١) ، برقم : (١٦).

(٢) نفس المصدر يعني : ذيل ما تقدّم.

(٣) في المورد الأوّل من البحار : ورحمة من تلويهما ، وفي الآخر : ورحمة له من قلوبهما. وكذا في الخصال.

(٤) بحار الانوار (١٠٣ / ٣٠) ، برقم : (٥٤) و (١٣ / ٤١٤) ، برقم : (٥) مرسلاً وعن الخصال مسنداً وراجع الخصال ص (١٢٢) ، برقم : (١١٤).


الباب الحادي عشر

( في نبوّة داود عليه السلام )

٢٥٠ ـ وبالاسناد المتقدّم عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام أنّ العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأبيحه بها جنّتي ، قال داود : يا ربّ وما تلك الحسنة ؟ فقال الله عزّ وجلّ : يدخل على قلب عبدي المؤمن سروراً ولو بتمرة يطعمها إيّاه ، قال داود عليه السلام : حقّ على من عرفك أن لا يقطع رجاءه منك (١).

٢٥١ ـ وباسناده عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن ابي حمزة الثّمالي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : أن بلّغ قومك أنّه ليس من عبد منهم آمره بطاعتي ، فيطيعني الّا كان حقّاً عليَّ أن اعينه على طاعتي فان سألني أعطيته وإن دعاني أجبته وان اعتصم بي عصمته وإن استكفاني كفيته ، وإن توكّل عليَّ حفظته وإن كاده جميع خلقي كدت (٢) دونه (٣).

٢٥٢ ـ وبالاسناد المذكور عن محمّد بن أورمة ، عن الحسن بن علي (٤) رفعه ، قال : أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : اُذكرني في ايّام سرّائك حتّى استجيب لك

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٣٤ ـ ٣٥) ، برقم : (٥) عن أمالي الصّدوق وعن القصص على نحو الاشارة.

(٢) في ق ١ : كنت.

(٣) بحار الانوار (١٤ / ٣٧) ، برقم : (١٣) و (٧١ / ١٨٢) ، برقم : (٤٠).

(٤) هذا الرّجل بقرينة رواية محمّد بن أورمة عنه هو : ابن عليّ بن أبي حمزة البطائني وقد صنعت رسالة في اعتبار الأب والابن.


في أيّام ضرّائك (١).

٢٥٣ ـ وعن ابن أورمة ، حدّثنا علي بن أحمد (٢) ، حدّثنا محمّد بن هارون الصّيرفي ، عن أبي بكر عبيد الله بن موسى ، حدّثنا محمّد بن الحسين الخشّاب ، حدّثنا محمّد بن محصن ، عن يونس بن ظبيان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : مالي أراك منفرداً ؟ قال : إي ربّ عاداني الخلق فيك قال : فماذا تريد ؟ قال : محبّتك ، قال : فإِنّ محبّتي التّجاوز عن عبادي (٣).

٢٥٤ ـ وبهذا الإِسناد (٤) قال : أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : بي فافرحْ وبذكري فتلذّذ ، وبمناجاتي فتنعّم ، فعن قليل أُخلّي الدّار من الفاسقين. وأوحى الله إليه : مالي أراك وحداناً ؟ قال : هجرت النّاس فيك ، وهجروني فيك ، قال : فمالي أراك ساكتاً ؟ قال : خشيتك أسكتتني ، قال : فمالي أراك نصباً ؟ قال : حبّك أنصبني ، قال : فمالي أراك مقتراً وقد أفدتك ؟ قال : القيام بحقك أفقرني ، قال : فمالي أراك متذلّلاً ؟ قال : عظم جلالك الّذي لا يوصف ذلّلني ، قال : فابشر بالفضل منّي فيما تحبّ يوم لقائي : خالط النّاس وخالقهم بأخلاقهم وزائلهم في أعمالهم بدينك تنل ما تريد منّي يوم القيامة (٥).

٢٥٥ ـ وبهذا الإِسناد قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : انّ العباد تحابّوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب وأظهروا العمل للدّنيا وأبطنوا الغشّ والدّغل (٦).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٣٧) ، برقم : (١٥).

(٢) كذا في النّسخ ، وهو غلط إذ : عليّ بن أحمد هو الدّقاق من مشائخ الصّدوق بقرينة الرّجال الّذين بعده في السّند والصّحيح : وعن ابن بابويه حدّثنا عليّ بن أحمد عن محمّد بن هارون الصّوفي (لا الصّيرفي فانّه غير معهود) عن أبي بكر ... ويقبل الانطباق على ذلك بعض الاسانيد المذكورة. في الكتاب من قبيل السّند المرقّم (٢٣٦) والمرقّم (٢٠٥) والمرقّم (٢٥٢) وعن عليّ بن أحمد عن محمّد بن هارون عن عبيد الله بن موسى ... وأيضاً يرشدك إلى هذا ، سبك السّند على النّحو المزبور ، في البحار الجزء (١٤ / ٣٤ و ٣٧) ، برقم : (٣ و ١٤).

(٣) غير موجود في البحار.

(٤) هذا الإِسناد وما بعده جاء مفصّلاً ومبيّناً في البحار (١٤ / ٣٤) ، برقم : (٣) و (٣٧) ، برقم : (١٤).

(٥) بحار الانوار (١٤ / ٣٤) ، برقم : (٣) عن الأمالي للصّدوق بتقديم وتأخير وزيادة ونقصان.

(٦) بحار الانوار (١٤ / ٣٧) ، برقم : (١٤).


فصل ـ ١ ـ

٢٥٦ ـ وباسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد البرقي ، عن إسماعيل بن إبراهيم ، عن أبي بكر ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : انّ داود عليه السلام كان يدعو أن يسلّمه (١) الله القضاء بين النّاس بما هو عنده ـ تعالى ـ الحقّ ، فأوحى الله إليه : يا داود إنّ النّاس لا يحتملون ذلك وإنّي سأفعل وارتفع إليه رجلان فاستعداه أحدهما على الآخر ، فأمر المستعدى عليه أن يقوم إلى المستعدي فيضرب عنقه ، ففعل فاستعظمت بنو إسرائيل ذلك ، وقالت : رجل جاء يتظلّم من رجل ، فأمر الظّالم أن يضرب عنقه ، فقال عليه السلام : ربّ أنقذني من هذه الورطة.

قال : فأوحى الله تعالى إليه يا داود سألتني أن ألهمك القضاء بين عبادي بما هو عندي الحقّ ، وأنّ هذا المستعدي قتل أبا هذا المستعدى عليه ، فأمرت بضرب عنقه قوداً بأبيه ، وهو مدفون في حائط كذا وكذا تحت صخرة كذا ، فأته فناده باسمه فانّه سيجيبك فسله ، قال : فخرج داود عليه السلام وقد فرح فرحاً شديداً لم يفرح مثله ، فقال لبني إسرائيل : قد فرج الله فمشى ومشوا معه ، فانتهى إلى الشّجرة فنادى يا فلان فقال : لبّيك يا نبيّ الله قال : من قتلك ؟ قال : فلان ، فقالت بنو إسرائيل : لسمعناه يقول : يا نبيّ الله فنحن نقول كما قال ، فأوحى الله إليه يا داود : إنّ العباد لا يطيقون الحكم بما هو الحقّ فسل المدّعي البيّنة وأضف المدّعى عليه إلى اسمي (٢).

٢٥٧ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، وحدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثّمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّ داود عليه السلام سأل ربّه أن يريه قضيّة من قضايا الآخرة ، فأتاه جبرئيل (٣) عليه السلام فقال : لقد سألت ربّك شيئاً ما سأله قبلك نبيّ من

_________________________________

(١) في ق ٣ : كان يدعو الله أن يعلّمه ، وفي البحار : أن يلهمه الله.

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٥ ـ ٦) ، برقم : (١٣).

(٣) في البحار بعد قوله « من قضايا الآخرة » زيادة وهي : فأوحى الله اليه يا داود ان الذي سألتني لم أطلع عليه أحداً من خلقي ، ولا ينبغي لاحد أن يقضي به غيري ، قال : فلم يمنعه ذلك أن عاد ، فسأل الله أن يريه قضية من


أنبيائه صلوات الله عليهم ، يا داود إنّ الّذي سألت لم يطلع الله عليه أحداً من خلقه ولا ينبغي لأحد أن يقضي به غيره فقد أجاب الله دعوتك وأعطاك ما سألت ، إنّ أوّل خصمين يردان عليك غداً القضيّة فيهما من قضايا الآخرة ، فلمّا أصبح داود وجلس في مجلس القضاء أتى شيخ متعلّق بشاب ، ومع الشّاب عنقود من عنب ، فقال الشّيخ : يا نبي الله إنّ هذا الشّاب دخل بستاني ، وخرّب كرمي ، وأكل منه بغير أذني ، قال : فقال داود للشّاب : ما تقول ؟ قال : فأقرّ الشّاب بانّه قد فعل ذلك.

فأوحى الله تعالى إليه يا داود إن كشفت لك من قضايا الآخرة ، فقضيت بها بين الشّيخ والغلام لم يحتملها قلبك ولا يرضى بها قومك ، يا داود إنّ هذا الشّيخ اقتحم على والد هذا الشّاب في بستانه ، فقتله وغصبه بستانه وأخذ منه أربعين ألف درهم ، فدفنها في جانب بستانه ، فادفع إلى الشّاب سيفاً ومره أن يضرب عنق الشّيخ ، وادفع اليه البستان ، ومره أن يحفر في موضع كذا من البستان ويأخذ ماله ، قال : ففزع داود عليه السلام من ذلك وجمع علماء أصحابه وأخبرهم بالخبر وأمضى القضيّة على ما أوحى الله إليه (١).

٢٥٨ ـ وباسناده عن محمّد بن أورمة ، عن فضالة بن أيّوب ، عن داود بن فرقد ، عن إسماعيل بن جعفر ، قال : اختصم رجلان إلى داود عليه السلام في بقرة فجاء هذا ببيّنة وجاء هذا ببيّنة على أنّها له ، فدخل داود المحراب ، فقال : يا ربّ قد أعياني أن أحكم بين هذين ، فكن أنت الّذي تحكم بينهما ، فأوحى الله تعالى إليه : اخرج فخذ البقرة من الّذي هي في يده وادفعها إلى الآخر واضرب عنقه ، قال : فضجت بنو إسرائيل وقالوا : جاء هذا ببيّنة وجاء هذا ببيّنة مثل بيّنة هذا ، وكان أحقّهما باعطائها الّذي هي في يده ، فأخذها منه وضرب عنقه وأعطاها الآخر ، فدخل داود المحراب ، فقال : يا ربّ قد ضجّت بنو اسرائيل بما حكمت ، فأوحى الله تعالى إليه : إنّ الّذي كانت البقرة في يده لقى أبا الآخر فقتله وأخذ البقرة منه ، فاذا جاءك مثل هذا فاحكم بما ترى بينهم ، ولا تسألني أن احكم بينهم حتّى الحساب (٢).

_________________________________

قضايا الآخرة ، قال : فأتاه جبرائيل عليه السّلام ....

(١) بحار الانوار (١٤ / ٦ ـ ٧) ، برقم : (١٤).

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٧ ـ ٨) ، برقم : (١٥).


فصل ـ ٢ ـ

٢٥٩ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبي ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبي الحسن عليه السلام في قوله تعالى لداود : « وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ » (١) قال : هي الدّرع. والسّرد : تقدير الحلقة بعد الحلقة (٢).

٢٦٠ ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن الحسن ، حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى : « وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ » (٣) قال : ذا القوّة (٤).

٢٦١ ـ وباسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان على عهد داود عليه السلام سلسلة تتحاكم النّاس إليها ، وإنّ رجلاً أودع رجلاً جوهراً ، فجحده إيّاه فدعاه إلى السّلسلة ، فذهب معه إليها وقد أدخل الجوهر في قناةٍ ، فلمّا أراد أن يتناول السّلسلة قال له : امسك هذه القناة حتّى آخذ السّلسلة ، فأمسكها ودنا الرّجل من السّلسلة فتناولها وأخذها وصارت في يده ، فأوحى الله إلى داود عليه السلام : أن احكم بينهم بالبيّنات وأضفهم إلى اسمي يحلفون به. ورفعت السّلسلة (٥).

٢٦٢ ـ وعن ابن بابويه ، عن عليّ بن أحمد ، عن محمّد بن أبي عبد الله الكوفي ، حدّثنا موسى بن عمران النّخعي ، عن الحسين بن أبي سعيد ، عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول فيما يقول النّاس في داود وامرأة أوريا ؟ فقال : ذلك شيءٌ تقوله العامّة (٦).

_________________________________

(١) سورة سبأ : (١٠).

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٥) ، برقم : (١٠).

(٣) سورة ص : (١٧).

(٤) بحار الانوار (١٤ / ٥) ، برقم : (١١).

(٥) بحار الانوار (١٤ / ٨) ، برقم : (١٦) و (١٠٤ / ٢٩٧) ، برقم : (٢).

(٦) بحار الانوار (١٤ / ٢٦) ، برقم : (٥).


٢٦٣ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن زيد الشّحام ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لو أخذت أحداً يزعم أنّ داود وضع يده عليها لحددته حدّين : حدّاً للنّبوة ، وحدّاً لما رماه به (١).

٢٦٤ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النّيشابوري ، حدّثنا علي بن محمّد بن قتيبة ، حدّثنا حمدان بن سليمان ، عن نوح بن شعيب ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن علقمة (٢) قال : قال الصّادق عليه السلام وقد قلت له : يا بن رسول الله : أخبرني عمّن تقبل شهادته ومن لا تقبل شهادته فقال : يا علقمة كلّ من كان على فطرة الاسلام جازت شهادته ، قلت له : تقبل شهادته مقترفاً للذّنوب ؟ قال : لو لم تقبل شهادة المقترفين لما قبلت إلّا شهادة الأنبياء والأوصياء ، لأنّهم معصومون دون سائر الخلق فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو أهل العدالة والسّتر وشهادته مقبولة ، ومن اغتابه بما فيه فهو خارج من ولاية الله.

ولقد حدّثني أبي عن آبائه عليهم السّلام عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال : من اغتاب مؤمناً بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنّة ، ومن اغتاب مؤمناً بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما وكان المغتاب في النّار.

قال علقمة : فقلت : إنّ النّاس ينسبوننا الى عظائم من الامور.

فقال : إنّ رضا النّاس لا يملك وألسنتهم لا تضبط وكيف تسلمون ممّا لم يسلم منه أنبياء الله ورسل الله وحجج الله ، ألم ينسبوا يوسف إلى أنّه همّ بالزّنا ؟ ألم ينسبوا أيّوب إلى أنّه أبتلي بذنوبه ؟ ألم ينسبوا داود الى أنّه نظر إلى امرأة أوريا ؟ فهمّ بها ، وأنّه قدّم زوجها أمام التّابوت حتّى قتل وتزوّج بها ، ألم ينسبوا موسى عليه السلام إلى أنّه عنّين ؟ وآذوه حتّى برّأه الله ممّا قالوا ، ألم ينسبوا مريم بنت عمران إلى الزّنا ؟ ألم ينسبوا نبيّنا صلوات الله عليه إلى أنّه شاعر مجنون ؟ ألم ينسبوه إلى أنّه هوى امرأة زيد بن حارثة ولم يزل بها حتّى استخلصها لنفسه « اسْتَعِينُوا بِاللَّـهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّـهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٢٦) ، برقم : (٦).

(٢) كذا في البحار والوسائل وهو الصّحيح ، وفي جميع النّسخ : عن صالح بن علقمة ، وهو غلط جزماً خصوصاً بلحاظ مخاطبة الامام في الخبر لعلقمة مكرّراً.


وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » (١).

فصل ـ ٣ ـ

٢٦٥ ـ وباسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ ، عن عليّ بن سوقه ، عن عيسى الفراء ، وأبي عليّ العطّار ، عن رجل ، عن الثّمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال : بينا داود عليه السلام جالس وعنده شاب رثّ الهيئة يكثر الجلوس عنده ويطيل الصّمت اذا أتاه ملك الموت ، فسلّم عليه وأَحَدَّ ملك الموت النّظر إلى الشّابّ ، فقال داود عليه السلام : نظرت إلى هذا ؟ فقال : نعم إنّي أُمرت بقبض روحه إلى سبعة أيّام في هذا الموضع ، فرحمه داود ، فقال : يا شابّ هل لك امرأة ؟ قال : لا وما تزوّجت قطّ ، قال داود : فأت فلاناً ـ رجلاً كان عظيم القدر في بني إسرائيل ـ فقل له : إنّ داود يأمرك أن تزوّجني ابنتك ، وتدخلها اللّيلة عليّ ، وخذ من النّفقة ما يحتاج إليه وكن عندها ، فاذا مضت سبعة أيّام فوافني في هذا الموضع.

فمضى الشّابّ برسالة داود عليه السلام ، فزوّجه الرّجل ابنته ، وأدخلها عليه وأقام عندها سبعة أيّام ، ثمّ وافى داود اليوم الثّامن ، فقال له داود : يا شابّ كيف رأيت ما كنت فيه ؟ قال : ما كنت في نعمة ولا سرور قط أعظم ممّا كنت فيه ، قال داود : اجلس فجلس داود ينتظر أن تقبض روحه ، فلمّا طال قال : انصرف إلى منزلك فكن مع أهلك ، فاذا كان اليوم الثّامن فوافني ها هنا.

فمضى الشّابّ ، ثمّ وافاه اليوم الثّامن وجلس عنده ، ثمّ انصرف أسبوعاً آخر ، ثمّ أتاه وجلس فجاء ملك الموت إلى داود ، فقال داود : ألست حدّثتني بأنّك أُمرت بقبض روح

_________________________________

(١) بحار الانوار (٧٥ / ٢٤٧) ، برقم : (١٢) و (١٠٤ / ٣١٤) ، برقم : (١) عن أمالي الصدوق إلى قوله : وبئس المصير. ونقل تمامه عنه مع زيادة في الجزء (٧٠ / ٢ ـ ٤) وروي صدره في الوسائل في كتاب الحج ، الباب (٤١) من أبواب الشّهادات ، برقم : (١٣) وذيله في الباب (١٥٢) من أبواب أحكام العشرة ، برقم : (٢٠) عن أمالي الصّدوق وفات العلامة المجلسي نقله عن القصص وكذا الشّيخ النّوري في مستدركه. والآية : قال موسى لقومه إستعينوا بالله .. في سورة الأعراف : (١٢٨). والخبر ضعيف سنداً ومتناً لو لم يكن تقييد قبول شهادة المقترف بصورة ما اذا أحرزت عدالته بالتّوبة.


هذا الشّاب إلى سبعة أيّام فقد مضت ثمانية وثمانية ؟ قال يا داود : إنّ الله تعالى رحمه برحمتك له ، فأخّر في أجله ثلاثين سنة (١).

فصل ـ ٤ ـ

٢٦٦ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن النّضر ، عن إسرائيل ، رفعه إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : قال الله عزّ وجلّ لداود عليه السلام : أحببني وحبّبني إلى خلقي ، قال : يا ربّ نعم أنا أحبّك ، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال : اذكر أياديّ عندهم ، فانّك إذا ذكرت لهم ذلك أحبّوني (٢).

٢٦٧ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن أورمة ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن حنّان بن سدير ، حدّثنا أبو الخطاب ، عن العبد الصّالح عليه السلام ، قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : أن استخلف سليمان على قومك ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : إنّ الله أوحى إليّ ان أستخلف سليمان عليكم فضجّت رؤوس أسباط بني إسرائيل من ذلك ، وقالوا : غلام حدث يستخلف علينا وفينا من هو أعلم منه فقال لهم داود عليه السلام : أروني عصيّكم فأيُّ عصاً أثمرت لأحد فهو ولي الأمر من بعدي فقالوا : قد رضينا ، فجاؤا بعصيّهم فقال داود : ليكتب كلّ رأس منكم اسمه على عصاه فكتبوا ثمّ جاء سليمان بعصاه فكتب عليها اسمه ثمّ أُدخلت بيتاً وأُغلق الباب وشدّ بالأقفال وحرسه رؤوس أسباط بني إسرائيل ، فلمّا أصبح صلّى بهم الغداة ، ثمّ أقبل ففتح الباب ، فأخرج عصيّهم قد أورقت وعصا سليمان قد أثمرت ، قال : فسلّموا ذلك لداود ، ولمّا أراد أن يعلم حكمة سليمان قال : يا بنيّ أيّ شيءٍ أبرد ؟ قال : عفو الله عن النّاس وعفو بعضهم عن بعض ، فقال : يا بنيّ أيّ شيء أحلى ؟ قال : المحبّة وهو روح الله في عباده فافتر داود (٣) ضاحكاً (٤).

_________________________________

(١) بحار الانوار (٤ / ١١١ ـ ١١٢) ، برقم : (٣١) و (١٤ / ٣٨) ، برقم : (١٧).

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٣٧ ـ ٣٨) ، برقم : (١٦) و (٧٠ / ٢٢) ، برقم : (١٩).

(٣) الزّيادة من البحار.

(٤) بحار الانوار (١٤ / ٦٩) عن كمال الدين ص (٦٧ ـ ٦٨) ، برقم : (٢).


٢٦٨ ـ وبإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام أنّ خلادة بنت أوس بشّرها بالجنّة واعلمها أنّها قرينتك في الجنّة ، فانطلق إليها فقرع الباب عليها ، فخرجت وقالت : هل نزل فيّ شيء ؟ قال : نعم ، قالت : وما هو ؟ قال : إنّ الله تعالى أوحى إليّ وأخبرني أنّك قرينتي في الجنّة ، وأن أُبشّرك بالجنّة ، قالت : أو يكون اسم وافق اسمي ؟ قال : إنّك لأنت هي ، قالت : يا نبيّ الله ما أكذّبك ولا والله ما أعرف من نفسي ما وصفتني به ، قال داود : أخبريني عن ضميرك وسريرتك ما هو ؟ قالت : أمّا هذا فسأخبرك به. أُخبرك أنّه لم يصبني وجع قطّ نزل بي كائناً ما كان ، ولا نزل بي ضُرّ وحاجة (١) وجوع كائناً ما كان إلّا صبرت عليه ، ولم أسأل الله كشفه عنّي حتّى يحوّله الله عنّي إلى العافية والسّعة ، ولم أطلب بدلاً وشكرت الله عليها وحمدته ، فقال : داود عليه السلام فبهذا بلغت ما بلغت ، ثمّ قال ابوعبد الله عليه السلام : وهذا دين الله الّذي ارتضاه للصّالحين (٢).

فصل ـ ٥ ـ

٢٦٩ ـ وبإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله جلّ ذكره : « لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ » (٣) فقال : الخنازير على لسان داود عليه السلام والقردة على لسان عيسى عليه السلام ، وقال : انّ اليهود أُمروا بالامساك يوم الجمعة ، فتركوا وأمسكوا يوم السّبت ، فحرم عليهم الصّيد يوم السّبت ، فعمد رجال من سفهاء القرية فأخذوا من الحيتان ليلة السّبت وباعوا ، ولم تنزل بهم عقوبة فاستبشروا

_________________________________

(١) في البحار : وما نزل ضرّ بي حاجة ، وفي ق ٢ وق ٤ وق ٥ : ولا نزل ضر ّبي حاجة وكذا في قصص الانبياء للجزائري ص (٣٥٠) وفي ذيل المورد الثّاني من البحار عن مشكاة الانوار : ولا نزل بي مرض وجوع. وهذا أقرب إلى الاعتبار.

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٣٩) ، برقم : (١٨) و (٧١ / ٨٩) ، برقم : (٤٢).

(٣) سورة المائدة : (٧٨).


وفعلوا ذلك سنين ، فوعظهم الله طوائف ، فلم يسمعوا وقالوا : « لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّـهُ مُهْلِكُهُمْ » فاصبحوا « قِرَدَةً خَاسِئِينَ » (١).



_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٥٤ ـ ٥٥) ، برقم : (٧) والآيتان في سورة الاعراف : (١٦٤ و ١٦٦).


الباب الثاني عشر

( في نبوّة سليمان عليه السّلام وملكه )

٢٧٠ ـ وبإسناده عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة الثّمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : كان ملك سليمان ما بين الشّامات إلى بلاد إصطخّر (١).

٢٧١ ـ وبإسناده عن زيد الشّحام ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى : « اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا » قال : كانوا ثمانين رجلاً وسبعين امرأة ما أغبّ (٢) المحراب رجلٌ واحدٌ منهم يصلّي فيه ، وكانوا آل داود. فلمّا قبض داود ولّى سليمان عليهما السلام قال : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ » سخّر الله له الجنّ والإِنس وكان لا يسمع بملك في ناحية الأرض إلّا أتاه حتّى يذلّه ويدخله في دينه وسخّر الرّيح له ، فكان إذا خرج إلى مجلسه عكف عليه الطّير وقام الجنّ والانس ، وكان إذا أراد أن يغزو أمر بمعسكره فضرب له من الخشب ، ثمّ جعل عليه النّاس والدّواب وآلة الحرب كلّها حتّى إذا حمل معه ما يريد ، أمر العاصف من الرّيح ، فدخلت تحت الخشب ، فحملته حتّى ينتهي به الى حيث يريد ، وكان غدوّها شهراً ورواحها شهراً (٣).

٢٧٢ ـ وعن أبي حمزة ، عن الأصبغ ، قال : خرج سليمان بن داود عليهما السلام من بيت المقدس مع ثلاثمائة ألف كرسيّ عن يمينه عليها الإِنس ، وثلاثمائة ألف كرسيّ عن

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٧٠) ، برقم : (٧).

(٢) كذا في البحار وقال فيه : بيان ـ ما أغبّ المحراب أي لم يكونوا يأتون المحراب ، بل كان كل منهم يواظبه وفي جميع النّسخ : قال : كانوا ثمانين رجلاً أو سبعين فأغبّ.

(٣) بحار الانوار (١٤ / ٧١) ، برقم : (١٠) ، والآية : ١٦ سورة النمل.


يساره عليها الجنّ ، وأمر الطير فأظلّتهم ، وأمر الرّيح فحملتهم ، حتّى وردت بهم المدائن ، ثمّ رجل وبات في إصطخر ، ثمّ غدا فانتهى إلى جزيرة بركادان (١) ، ثمّ أمر الرّيح فخفضتهم (٢) حتّى كادت أقدامهم أن يصيبها الماء ، فقال بعضهم لبعض : هل رأيتم ملكاً أعظم من هذا ؟ فنادى ملك (٣) : لثواب تسبيحة واحدة أعظم مما رأيتم (٤).

فصل ـ ١ ـ

٢٧٣ ـ وبالإسناد المتقدّم ، عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن الوليد بن صبيح ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى سليمان إنّ آية موتك أنّ شجرة تخرج في بيت المقدس ، يقال لها : الخرنوبة ، قال : فنظر سليمان يوماً إلى شجرة قد طلعت في بيت المقدس ، فقال لها سليمان : ما اسمك ؟ فقالت : الخرنوبة ، فولّى مدبراً (٥) إلى محرابه حتّى قام فيه متكئاً على عصاه فقبضه الله من ساعته فجعلت الانس والجنّ يخدمونه كما كانوا من قبل وهم يظنّون أنّه حيّ ، حتّى دبّت الارضة في عصاه فأكلت منسأته ووقع سليمان إلى الأرض (٦).

٢٧٤ ـ وعن ابن محبوب ، عن أبي ولّاد ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان لسليمان العطر وفرض النّكاح في حصن بناه (٧) الشّياطين له ، فيه ألف بيت ، في كلّ بيت طروقة منهنّ سبعمائة أمة قبطيّة وثلاثمائة حرة مهيرة ، فاعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلاً في مباضعة النّساء ، وكان يطوف بهنّ جميعاً ويسعفهنّ ، قال : وكان سليمان يأمر الشّياطين فتحمل له الحجارة من موضع إلى موضع ، فقال لهم ابليس : كيف أنتم ؟

_________________________________

(١) في البحار : بركاوان ، وفي إثبات الوصية ص (٦١) : جزيرة كاوان ، ثم أمر الريح أن تحفظهم حتى كادت أقدامهم تلحق الماء.

(٢) في ق ٣ : فحفظتهم.

(٣) في البحار : فنادى ملك من السّماء.

(٤) بحار الانوار (١٤ / ٧٢) ، برقم : (١١) وفيه : بالاسناد إلى الصّدوق باسناده عن أبي حمزة.

(٥) في ق ١ : هارباً.

(٦) بحار الانوار (١٤ / ١٤٠) ، برقم : (٧).

(٧) في البحار : قال : كان لسليمان عليه السلام : حصن بناه.


قالوا : مالنا طاقة بما نحن فيه ، فقال ابليس : أليس تذهبون بالحجارة وترجعون فراغاً ؟ قالوا : نعم ، قال : فأنتم في راحة.

فأبلغت الرّيح سليمان ما قال ابليس للشّياطين فأمرهم أن يحملوا الحجارة ذاهبين ويحملوا الطّين راجعين إلى موضعها ، فتراءى لهم إبليس ، فقال : كيف أنتم ؟ فشكوا إليه ، فقال : ألستم تنامون باللّيل ؟ قالوا : بلى ، قال : فأنتم في راحة ، فأبلغت الرّيح سليمان ما قالت الشّياطين وإبليس ، فأمرهم أن يعملوا باللّيل والنّهار ، فما لبثوا إلّا يسيراً حتى مات سليمان عليه السلام.

وقال : خرج سليمان يستسقي ومعه الجنّ والإِنس ، فمرّ بنملة عرجاء ناشرة جناحها رافعة يدها ، وتقول : اللّهم إنّا خلق من خلقك لا غنىً بنا عن رزقك ، فلا تؤاخذنا بذنوب بني آدم واسقنا ، فقال سليمان لمن كان معه : ارجعوا فقد شفع فيكم غيركم. وفي خبر : قد كفيتم بغيركم (١).

فصل ـ ٢ ـ

٢٧٥ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن يحيى المكتّب ، حدّثنا أحمد بن محمّد الورّاق أبو الطّيب ، حدّثنا عليّ بن هارون الحميري ، حدّثنا عليّ بن محمّد بن سليمان النّوفلي ، عن أبيه ، عن عليّ بن يقطين ، قال : قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام أيجوز أن يكون نبيّ الله بخيلاً ؟ فقال : لا ، قلت : فقول سليمان : « هَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي » (٢) ما وجهه ؟ قال : إنّ الملك ملكان :

ملك مأخوذ بالغلبة والقهر والجور.

وملك مأخوذ من قبل الله تعالى فقال سليمان : هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي أن يقول : إنّه مأخوذ بالقهر والغلبة فقلت : قول رسول الله صلّى الله عليه وآله : رحم الله أخي سليمان ما كان أبخله فقال : لقوله صلى الله عليه وآله وجهان :

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٧٢ ـ ٧٣) ، برقم : (١٢). ومن قوله : قال : كان سليمان يأمر ... إلى قوله : حتّى مات سليمان عليه السلام في الجزء (٦٣ / ١٩٥) ، برقم : (٢).

(٢) سورة ص : (٣٥).


احدهما : ما كان أبخله بعرضه وسوء القول فيه.

والآخر : ما كان أبخله ان أراد ما يذهب إليه الجهّال.

ثمّ قال عليه السلام : قد أُوتينا ما أُوتي سليمان وما لم يؤت أحدٌ من العالمين ، قال الله تعالى في قصّة سليمان : « هَـٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ » (١) وقال عزّ وجلّ في قصّة محمد صلّى الله عليه وآله : « وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا » (٢) (٣).

وقصّة بلقيس معه معروفة وهي في القرآن (٤).



_________________________________

(١) سورة ص : (٣٩).

(٢) سورة الحشر : (٧).

(٣) بحار الانوار (١٤ / ٨٥ ـ ٨٦) عن العلل (١ / ٧١) ومعاني الاخبار (٣٥٣) مع فرق مّا في السّند وزيادة مّا في المتن وقد عدّلنا السّند عن بعض أسانيد العيون (١ / ٧٩).

(٤) ذكرها في البحار (١٤ / ١٠٩) وهي أربع وعشرون آية. ثمّ أسدل بعدها في ذلك (١٤) رواية.


الباب الثالث عشر

( في أحوال ذي الكفل وعمران عليهما السلام )

٢٧٦ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابوالعباس محمّد بن إبراهيم بن اسحاق الطّالقاني ، حدّثنا ابوبكر أحمد بن قيس بن عبد الله المفسّر ، حدثنا أحمد بن أبي البهلول المروزي ، عن الفضل بن نفيس بن عاد الطّبري ، حدّثنا ابوعلي الحسن بن شجاع البلخي ، حدّثنا سليمان بن الرّبيع ، عن رباح بن أحمد ، عن مقاتل بن سليمان ، عن عبد الله بن سعد ، عن عبد الله بن عمر ، قال : سئل رسول الله صلّى الله عليه وآله فقيل له : ما كان ذو الكفل ؟ فقال : كان رجلاً من حضرموت واسمه عويديا بن ادريم (١) [ وكان في زمن نبيّ من الانبياء ] وقال : من يلي أمر النّاس بعدي على أن لا يغضب ؟ قال : فقام إليه فتى فقال : أنا فلم يلتفت إليه ثمّ قال كذلك فقام الفتى فمات ذلك النّبي وبقي ذلك الفتى وجعله الله نبيّاً ، وكان الفتى يقضي أوّل النّهار ، فقال إبليس لأتباعه : من له ؟ فقال : واحد منهم يقال له : الأبيض أنا ، فقال إبليس : فاذهب إليه لعلّك تغضبه ، فلمّا انتصف النّهار رجاء الأبيض إلى ذي الكفل وقد أخذ مضجعه ، فصاح وقال : إنّي مظلوم فقال : قل له تعال ، فقال : لا أنصرف فأعطاه خاتمه ، فقال : اذهب وأتني بصاحبك ، فذهب حتّى إذا كان من الغد جاء تلك السّاعة الّتي أخذ هو مضجعه ، فصاح إنّي مظلوم وأنّ خصمي لم يلتفت إلى

_________________________________

(١) كذا في النّسخ والمورد الأوّل من البحار وفي المورد الثاني (٦٣ / ١٩٦) : واسمه عويد بن أديم وكان في زمن نبيّ من الانبياء قال : من يلي .. وما في المتن هو الصّحيح بالاضافة الى اسم ذي الكفل كما يدل عليه الخبر الآتي من التّصريح باسمه. فلم يثبت : عويد بن أديم وأمّا بالنّسبة إلى قوله : وكان في زمن نبيّ ... فهو الصّحيح ولذا جعلناه في المتن بين [ ] وبتتمّ الرّواية وتتخلّص من توهّم سقط فيها كما عليه المجلسي في الموردين من البحار.


خاتمك ، فقال له الحاجب : ويحك دعه ينم ، فانّه لم ينم البارحة ولا أمس قال : لا أدعه ينام وأنا مظلوم ، فدخل الحاجب وأعلمه ، فكتب له كتاباً وختمه ودفعه إليه ، فذهب حتّى إذا كان من الغد حين أخذ مضجعه جاء ، فصاح فقال : ما التفت إلى شيء من أمرك ولم يزل يصيح حتّى قام وأخذ بيده في يوم شديد الحرّ لو وضعت فيه بضعة لحم على الشّمس لنضجت ، فلمّا رأى الأبيض ذلك انتزع يده من يده ويئس منه أن يغضب ، فأنزل الله تعالى جلّ شأنه قصّته على نبيّه ليصبر على الأذى ، كما صبر الأنبياء عليهم السّلام على البلاء (١).

٢٧٧ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدّقاق ، حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي ، حدّثنا سهل بن زياد الآدمي ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، قال : كتبت إلى أبي جعفر أعني محمّد بن علي بن موسى عليهم السّلام أسأله عن ذي الكفل ما اسمه ؟ وهل كان من المرسلين ؟ فكتب صلوات الله عليه :

بعث الله تعالى جلّ ذكره مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبيّ ، المرسلون منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، وأنّ ذا الكفل منهم صلوات الله عليهم ، وكان بعد سليمان بن داود ، وكان يقضي بين النّاس كما كان يقضي داود ولم يغضب إلّا الله عزّ وجلّ وكان اسمه : عويديا وهو الّذي ذكره الله تعالى جلّت عظمته في كتابه حيث قال : « وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ (٢) » (٣).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ٤٠٤ ـ ٤٠٥) ، برقم : (١) وفيه كان رجل وهو غلط والصّحيح : رجلاً و (٦٣ / ١٩٥ ـ ١٩٦) ، برقم : (٥). وفيه : واسمه عويد بن أديم وكان. والصّحيح : واسمه : عويديا بن إدريم وكان في زمن ... والضمير في كان يرجع إلى ذي الكفل.

(٢) سورة ص : (٤٨).

(٣) بحار الانوار (١٣ / ٤٠٥) ، برقم : (٢) أقول : أختلف في ذا الكفل هل هو متّحد مع يوشع بن نون ـ أو ـ مع زكريّا على قول وإلياس على قول وبشر بن أيّوب الصابر على قول ، ـ أو ـ مع اليسع ؟ دلّ على الاوّل ما في البحار (١١ / ٣٦) ، برقم : (٣٢) وهو ضعيف السّند وعلى الثّاني ما فيه أيضاً (١٣ / ٤٠٦) وهو ليس بمعتبر أيضاً وعلى الثّالث ما فيه أي البحار (١٣ / ٤٠٦) عن مجمع البيان : وقيل : هو اليسع بن خطوب الّذي كان مع الياس وليس اليسع الّذي ذكره الله في القرآن. وتعسّف ابواسحاق ابراهيم بن خلف في قصص الأنبياء ص (٢٤٠) فذهب إلى أنّ يوشع بالعربي هو اليسع في القرآن ، سورة ص : (٤٨) والانعام : (٨٦) ويردّ كلّ ذلك عدم الدليل الصّحيح عليه وفي الكافي الجزء (٦ / ٣٦٦) ما يدل على تغايرهما وهو خبر فضل الكرفس : عن رسول الله صلّى الله عليه وآله : عليكم بالكرفس فانه


فصل ـ ١ ـ

٢٧٨ ـ وباسناده عن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل ، حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، حدّثنا الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن عمران أكان نبيّاً ؟ فقال : نعم كان نبيّاً مرسلاً إلى قومه ، وكان حنّة امرأة عمران وحنانة امرأة زكريّا أختين فولد لعمران من حنّة مريم وولد لزكريّا من حنانة يحيى عليه السلام وولدت مريم عيسى عليه السلام وكان عيسى ابن بنت خالته وكان يحيى عليه السلام ابن خالة مريم وخالة الأمّ بمنزلة الخالة (١).

٢٧٩ ـ وبهذا الاسناد عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّ الله تعالى جلّ جلاله أوحى إلى عمران : أنّي واهب لك ذكراً مباركاً يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى باذن الله ، وإنّي جاعله رسولاً إلى بني إسرائيل ، قال : فحدّث عمران امرأته حنة بذلك وهي أمّ مريم ، فلمّا حملت حملها عند نفسها غلاماً ، فقال : « رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا » (٢) فوضعت أُنثى فقالت : « وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ » (٣) انّ البنت لا يكون رسولاً ، فلمّا أن وهب الله لمريم عيسى بعد ذلك كان هو الّذي بشّر الله به عمران عليه السّلام (٤).

٢٨٠ ـ وباسناده عن ابن أورمة ، عن محمّد بن أبي صالح ، عن الحسن بن محمّد بن أبي طلحة ، قال : قلت للّرضا عليه السلام أيأتي الرّسل (٥) عن الله بشيءٍ ثمّ تأتي بخلافه ؟

_________________________________

طعام الياس واليسع ويوشع بن نون. ولكنّه ضعيف السّند والعمدة في الردّ قوله تعالى : « وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ... » بناءً على كون اليسع هو يوشع.

(١) بحار الانوار (١٤ / ٢٠٢) ، برقم : (١٤). أي كان ينبغي أن يقال : إنّ يحيى ابن خالة أمّ عيسى والحال أنّه مجازاً يقال : إنّ يحيى ابن خالة عيسى ، من باب التّنزيل.

(٢) سورة آل عمران : (٣٥).

(٣) سورة آل عمران : (٣٦).

(٤) بحار الأنوار (١٤ / ٢٠٣) ، برقم : (١٥).

(٥) في ق ٣ : الرّسول ... تمّ يأتي.


قال : نعم ، إن شئت حدّثتك وإن شئت أتيتك به من كتاب الله قال الله تعالى جلّت عظمته : « ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ » (١) الآية فما دخلوها ودخل أبناء أبنائهم ، وقال عمران : إنّ الله وعدني أن يهب لي غلاماً نبيّاً في سنتي هذه وشهري هذا ، ثمّ غاب وولدت امرأته مريم وكفّلها زكريّا ، فقال طائفة : صدق نبيّ الله وقالت الآخرون : كذب ، فلمّا ولدت مريم عيسى عليه السلام قالت الطّائفة الّتي أقامت على صدق عمران : هذا الّذي وعدنا الله (٢).



_________________________________

(١) سورة المائدة : (٢١).

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٢٠٣) ، برقم : (١٦) و (٢٦ / ٢٢٥) ، برقم : (٥).


الباب الرابع عشر

( في حديث زكريا ويحيى عليهما السلام )

٢٨١ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبي ، حدّثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير عن رجل (١) ، عن أبي عبد الله قال : دعا زكريّا ربّه ، فقال : « هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ » (٢) فبشّره الله تعالى بيحيى ، فلم يعلم أنّ ذلك الكلام من عند الله تعالى جلّ ذكره وخاف أن يكون من الشّيطان ، فقال : أنّي يكون لي ولد وقال : « رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً » فأُسكت (٣) فعلم أنّه من الله تعالى (٤).

٢٨٢ ـ وبهذا الاسناد عن أبان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لمّا ولد يحيى عليه السلام رفع إلى السّماء فغذّي بأنهار (٥) الجنّة حتّى فطم ، ثمّ نزل إلى أبيه وكان يضيء البيت بنوره (٦).

٢٨٣ ـ وبإسناده عن سعد بن عبد الله رفعه ، قال : كان يحيى بن زكريّا يصلّي ويبكي حتّى ذهب لحم خدّه ، وجعل لبداً وألزقه بخدّه حتّى تجري الدّموع عليه ، وكان لا ينام ، فقال أبوه : يا بُنيَّ إنّي سألت الله أن يرزقنيك لأفرح بك وتقرّ عيني ، قم فصلّ ،

_________________________________

(١) الزيادة من البحار.

(٢) سورة مريم : (٥) ، والصّحيح : فهب لي.

(٣) اشارة الى قوله تعالى : « قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا » سورة آل عمران : (٤١). « ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا » سورة مريم : (١٠).

(٤) بحار الانوار (١٤ / ١٨٠) ، برقم : (١٨).

(٥) في ق ١ : بأثمار. وهو الأوفق بقوله : فغذّي.

(٦) بحار الانوار (١٤ / ١٨٠) ، برقم : (١٧).


قال : فقال له يحيى : إنّ جبرئيل حدّثني أنّ أمام النّار مفازة لا يجوزها إلّا البكّاؤون ، فقال : يا بنيَّ فابك وحقّ لك أن تبكي(١).

فصل ـ ١ ـ

٢٨٤ ـ وباسناده عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن هشام بن سالم (٢) ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنّ زكريّا كان خائفاً ، فهرب فالتجأ إلى شجرة ، فانفرجت له وقالت : يا زكريّا ادخل فيَّ فجاء حتّى دخل فيها ، فطلبوه فلم يجدوه وأتاهم إبليس وكان رآه فدلّهم عليه فقال لهم : هو في هذه الشّجرة فاقطعوها وقد كانوا يعبدون تلك الشّجرة فقالوا : لا نقطعها ، فلم يزل بهم حتى شقّوها وشقّوا زكريّا عليه السلام (٣).

٢٨٥ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، حدّثنا محمّد بن عليّ ، عن عبد الله بن محمّد الحجّال ، عن أبي إسحاق (٤) ، عن عبد الله بن هلال ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إنّ ملكاً كان على عهد يحيى ابن زكريّا لم يكفه ما كان عليه من الطّروقة حتّى تناول امرأةً بغيّاً ، فكانت تأتيه حتّى أسنّت ، فلمّا أسنّت هيّأت ابنتها ، ثمّ قالت لها : إنّي أريد أن آتي بك الملك فاذا واقعك فيسألك ما حاجتك فقولي : حاجتي أن تقتل يحيى بن زكريّا عليه السلام فلمّا واقعها سألها عن حاجتها فقالت : قتل يحيى بن زكريا عليه السلام.

[ فقال : ما أنت وهذا الهي عن هذا ، قالت : ما لي حاجة إلّا قتل يحيى ] (٥) فلمّا كان في اللّيلة الثّالثة بعث إلى يحيى فجاء به ، فدعا بطشت ذهب فذبحه فيها وصبّوه على الأرض

_________________________________

(١) بحار الانوار (٧٠ / ٣٨٨) ، برقم : (٥٤).

(٢) كذا في جميع النّسخ والبحار. وهو غلط لأنّ رواية ابن هاشم عن هشام بن سالم غير ممكن لاختلاف الطّبقة فبينهما سقط والسّاقط هنا إمّا ابن أبي عمير أو الحسن بن محبوب لكثرة روايته عنهما وكثرة روايتهما عن هشام بن سالم. والشّكّ يلحق المشكوك بالاعم الاغلب.

(٣) بحار الانوار (١٤ / ١٨١) ، برقم : (٢٢).

(٤) هو ثعلبة بن ميمون يروي عنه عبد الله بن محمّد الحجّال ، لا عليّ بن عبد الله بن محمّد الحجّال ، كما في أكثر نسخ القصص. فانّه غلط على ما هو الظّاهر على الممارس.

(٥) ما بين المعقوفتين من ق ٣ فقط.


فيرتفع الدّم ويعلو وأقبل النّاس يطرحون عليه التّراب فيعلو عليه الدّم حتّى صار تلّاً عظيماً ومضى ذلك القرن ، فلمّا كان من أمر بخت نصّر ما كان رآى ذلك الدّم ، فسأل عنه فلم يجد أحداً يعرفه حتّى دُلّ على شيخ كبير فسأله ، فقال : أخبرني أبي عن جدّي أنّه كان من قصّة يحيى بن زكريّا كذا وكذا ، وقصّ عليه القصّة والدّم دمه فقال بخت نصّر : لا جرم لأقتلنّ عليه حتّى يسكن. فقتل عليه سبعين ألفاً ، فلمّا وفي عليه سكن الدّم.

وفي خبرٍ آخر : إنّ هذه البغيّ كانت زوجة ملك جبّار قبل هذا الملك وتزوّجها هذا بعده ، فلمّا أسنّت وكانت لها ابنة من الملك الأوّل قالت لهذا الملك : تزوّج أنت بها ، فقال : لا حتّى أسأل يحيى بن زكريّا عن ذلك فان أذن فعلت ، فسأله عنه فقال : لا يجوز فهيّأت بنتها وزيّنتها في حال سكره وعرضتها عليه ، فكان من حال قتل يحيى ما ذكر وكان ما كان (١).

فصل ـ ٢ ـ

٢٨٦ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه (٢) ، حدّثنا محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن علي الكوفي ، عن أبي عبد الله الخيّاط ، عن عبد الله بن القاسم ، عن عبد الله بن سنان ، قال : قال ابوعبد الله عليه السلام : إنّ الله عزّ وجلّ إذا أراد أن ينتصر لأوليائه انتصر لهم بشرار خلقه ، وإذا أراد أن ينتصر لنفسه انتصر بأوليائه ، ولقد انتصر ليحيى بن زكريّا عليهما السلام ببخت نصّر (٣).

٢٨٧ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، حدّثنا محمّد بن سعيد بن أبي شحمة ، حدّثنا ابومحمّد عبد الله بن سعيد بن هاشم القناني البغدادي ، حدّثنا أحمد بن صالح ، حدّثنا أبي صالح ، حدّثنا حسّان (٤) بن عبد الله الواسطي ، حدّثنا عبد الله بن لهيعة ، عن أبي قبيل ، عن عبد الله بن عمر قال : قال النّبيّ صلى الله عليه وآله : كان من

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ١٨٠ ـ ١٨١) ، برقم : (٢٠ و ٢١).

(٢) الزّيادة من البحار ، وهو الصّحيح.

(٣) بحار الانوار (٤٥ / ٣٣٩) ، برقم : (٤) و (١٤ / ١٨١) ، برقم : (٢٣).

(٤) في البحار والامالي : أحمد بن صالح عن حسان.


زهد يحيى بن زكريّا عليهما السّلام أنّه أتى بيت المقدس ، فنظر إلى المجتهدين من الاحبار والرّهبان عليهم مدارع الشّعر ، فلمّا رآهم أتى أمّه ، فقال : انسجي لي مدرعة من صوف حتّى آتي بيت المقدس فأعبد الله مع الأحبار ، فأخبرت زكريّا بذلك ، فقال زكريّا : يا بنيّ ما يدعوك إلى هذا ؟ وإنما أنت صبيّ صغير ، فقال : يا أبت أما رأيت من هو أصغر منّي قد ذاق الموت ؟ قال : بلى ، وقال لأمّه : انسجي له المدرعة ، فأتى بيت المقدس وأخذ يعبد الله تعالى حتّى أكلت مدرعة الشّعر لحمه وجعل يبكي ، وكان زكريّا إذا أراد أن يعظ يلتفت يميناً وشمالاً ، فان رأى يحيى لم يذكر جنّةً ولا ناراً (١).

٢٨٨ ـ وفي خبرٍ آخر : أنّ عيسى بن مريم عليه السلام بعث يحيى بن زكريّا في اثني عشر من الحواريّين يعلّمون النّاس وينهاهم عن نكاح ابنة الأُخت ، قال : وكان لملكهم بنت أخت تعجبه ، وكان يريد أن يتزوّجها ، فلمّا بلغ أمّها أنّ يحيى نهى عن مثل هذا النّكاح أدخلت بنتها على الملك بزينة ، فلمّا رآها سألها عن حاجتها ، قالت حاجتي أن تذبح يحيى بن زكريّا ، فقال : سلي غير هذا ، فقالت : لا أسألك غير هذا ، فلمّا أبت عليه دعا بطشت ودعا يحيى عليه السلام فذبحه ، فبدرت قطرة من دمه فوقعت على الأرض ، فلم تزل تعلو حتّى بعث الله بخت نصّر عليهم ، فجاءته عجوز من بني إسرائيل فدلّته على ذلك الدّم ، فاُلقي في نفسه أن يقتل على ذلك الدّم منهم حتّى يسكن ، فقتل عليها سبعين ألفاً في سنة واحدة ثمّ سكن (٢).

فصل ـ ٣ ـ

٢٨٩ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابومحمّد الحسن بن محمد بن يحيى العلوي ، حدّثنا جدّي يحيى بن الحسن ، حدّثنا محمّد بن إبراهيم التّميمي ، حدّثنا محمّد بن يزيد ، حدّثنا الفضل بن دكين ، حدّثنا عبد الله بن حبيب بن أبي كاتب ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنه ، قال : أوحى الله إلى نبيّه صلّى الله عليه وآله إنّي قتلت بدم يحيى بن

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ١٦٥ ـ ١٦٦) ، برقم : (٤) عن أمالي الصّدوق مع اختلاف في السّند وزيادة في المتن وراجع الامالي المجلس الثّامن ، برقم : (٣).

(٢) بحار الانوار (١٤ / ١٨٢) ، برقم : (٢٤).


زكريّا سبعين ألفاً ، وسأقتل بالحسين (١) عليه السلام سبعين ألفاً وسبعين ألفاً (٢).

٢٩٠ ـ وباسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، حدّثنا عثمان بن عيسى ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي عبد الله (٣) عليه السلام قال : لا يقتل النّبيّين ولا أولادهم إلّا أولاد الزّنا (٤).

٢٩١ ـ وعن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّ عاقر ناقة صالح كان أزرق ابن بغيّ ، وكانت ثمود تقول : ما نعرف (٥) له فينا أباً ولا نسباً ، وأنّ قاتل الحسين بن علي صلوات الله عليهما ابن بغيّ ، وأنّه لم يقتل الأنبياء ولا أولاد الأنبياء إلّا أولاد البغايا ، وقال في قوله تعالى جلّ ذكره : « لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا » (٦) قال : يحيى بن زكريّا لم يكن له سميٌّ قبله ، والحسين بن علي لم يكن له سميٌّ قبله ، وبكت السّماء عليهما أربعين صباحاً ، وكذلك بكت الشّمس عليهما ، وبكاؤها أن تطلع حمراء وتغيب حمراء.

وقيل : أي بكى أهل السّماء وهم الملائكة (٧).

٢٩٢ ـ وعن أبي عبد الله عليه السلام انّ الحسين بن علي صلوات الله عليهما بكى لقتله السّماء والأرض واحمرّتا ، ولم تبكيا على أحد قطّ (٨) إلّا على يحيى بن زكريّا عليهما السلام (٩).

٢٩٣ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن

_________________________________

(١) في البحار : وأقتل بابن بنتك.

(٢) بحار الانوار (٤٥ / ٢٩٨) ، برقم : (١٠) عن مناقب ابن شهر آشوب بأسانيد مختلفة عن ابن عباس وراجع المناقب (٤ / ٨١) وتاريخ بغداد (١ / ١٤٢).

(٣) في البحار : عن أبي جعفر عليه السلام. وهو المناسب لاحاديث جابر.

(٤) بحار الانوار (٢٧ / ٢٤٠) ، برقم : (٣).

(٥) في البحار : أزرق ابن بغي وأنّ قاتل علي صلوات الله عليه ابن بغي وكانت مراد تقول : ما نعرف.

(٦) سورة مريم : (٧).

(٧) بحار الانوار (١٤ / ١٨٢) ، برقم : (٢٥) وأورد صدره الى قوله : أولاد البغايا في الجزء (٢٧ / ٢٤٠) ، برقم : (٤). وفي (٤٢ / ٣٠٣) ، برقم : (٣). وأورد ذيله من قوله تعالى في الجزء (٤٥ / ٢١٨) ، برقم : (٤٥).

(٨) في ق ١ : قبله.

(٩) بحار الانوار (١٤ / ١٨٣) ، برقم : (٢٦). و (٤٥ / ٢١٩) ، برقم : (٤٦).


فضّال ، عن أبي جميلة ، عن محمّد بن عليّ الحلبي ، عن أبي عبد الله في قوله تعالى : « فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ » (١) قال : لم تبك السّماء على أحدٍ قبل قتل يحيى بن زكريّا حتّى قتل الحسين عليه السلام فبكت عليه (٢).

_________________________________

(١) سورة الدخان : (٢٩).

(٢) بحار الانوار (١٤ / ١٨٣) ، برقم : (٢٧). و (٤٥ / ٢١٠) ، برقم : (٢٠).


الباب الخامس عشر

( في نبوّة إرميا ودانيال عليهما السّلام )

٢٩٤ ـ وبالإِسناد المتقدّم ، عن سعد بن عبد الله ، حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن النّضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إنّ الله تعالى جلّ ذكره أوحى إلى نبيّ من الأنبياء يقال له : إرميا : أن قل لهم : ما بلد تنقّيته من كرائم البلدان وغرست فيه من كرائم الغرس ونقّته من كلّ غريبة فأنبت خرنوباً ؟ فضحكوا منه فأوحى الله إليه : قل لهم : إنّ البلد بيت المقدس والغرس بنو إسرائيل ، نحّيت عنه كلّ جبّار فأخلفوا فعملوا بمعاصيّ فلاُسلّطن عليهم في بلادهم من يسفك دماءهم ويأخذ أموالهم فان بكوا لم أرحم بكاءهم ، وإن دعوني لم أستجب دعاءهم ثمّ لأخرّبنّها مائة عام ثمّ لأعمّرنّها.

فلمّا حدّثهم جزع العلماء فقالوا : يا رسول الله ما ذنبنا ولم نعمل بعملهم ؟ فقال : إنّك رأيتم المنكر فلم تنكروه ، فسلّط الله عليهم بخت نصّر ، وسمّي به لأنّه رضع بلبن كلبة ، وكان اسم الكلب بخت واسم صاحبه نصّر ، وكان مجوسيّاً أغلف ، أغار على بيت المقدس ، ودخله في ستّمائة ألف علم ، ثم بعث بخت نصّر إلى النبيّ ، فقال : إنّك نبئت عن ربّك وخبّرتهم بما أصنع بهم ، فإِن شئت فأقم عندي ، وإن شئت فاخرج. قال : بل أخرج ، فتزوّد عصيراً ولبناً وخرج. فلمّا كان مدّ البصر التفت إلى البلدة فقال : « أَنَّىٰ يُحْيِي هَـٰذِهِ اللَّـهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّـهُ مِائَةَ عَامٍ » (١).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٣٧٤) ، برقم : (١٥) إلى قوله : وخرج وبعده إلى آخره موجود في أثناء المنقول عن تفسير العيّاشي ص (٣٧٣) والآية في سورة البقرة : (٢٥٩).


٢٩٥ ـ وبالاسناد المتقدّم ، عن وهب بن منبّه ، قال : كان بخت نصّر منذ ملك يتوقّع فساد بني إسرائيل ، ويعلم أنّه لا يطيقهم إلّا بمعصيتهم ، فلم يزل يأتيه العيون بأخبارهم ، حتّى تغيّرت حالهم وفشت فيهم المعاصي ، وقتلوا أنبياءهم ، وذلك قوله تعالى جلّ ذكره : « وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ » إلى قوله : « فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا » (١) يعني بخت نصّر وجنوده أقبلوا فنزلوا بساحتهم ، فلمّا رأوا ذلك ، فزعوا إلى ربّهم وتابوا وثابروا (٢) على الخير ، وأخذوا على أيدي سفهائهم ، وأنكروا المنكر ، وأظهروا المعروف ، فردّ الله لهم الكرّة على بخت نصّر ، وانصرفوا بعدما فتحوا المدينة ، وكان سبب انصرافهم أنّ سهماً وقع في جبين فرس بخت نصّر ، فجمح به حتّى أخرجه من باب المدينة.

ثمّ إنّ بني إسرائيل تغيّروا ، فما برحوا حتّى كرّ عليهم ، وذلك قوله تعالى : « فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ » (٣) فأخبرهم إرميا عليه السلام وأنّ بخت نصّر يتهيّأ للسير إليكم وقد غضب الله عليكم ، وأنّ الله تعالى جلّت عظمته يستتيبكم لصلاح آبائكم ويقول : هل وجدتم أحداً عصاني فسعد بمعصيتي أم هل علمتم أحداً أطاعني فشقي بطاعتي ؟ وأمّا أحباركم ورهبانكم فاتّخذوا عبادي خولاً يحكمون فيهم بغير كتابي حتّى أنسوهم ذكري ، وأمّا ملوككم وأمراؤكم فبطروا نعمتي وغرّتهم الدّنيا ، وأمّا قرّاؤكم وفقهاؤكم فهم منقادون للملوك ، يبايعونهم على البدع ، ويطيعونهم في معصيتي وأمّا الأولاد فيخوضون مع الخائضين وفي كلّ ذلك اُلبسهم العافية ، فلأبدلنّهم بالعزّ ذلّاً وبالأمن خوفاً ، إن دعوني لم أجبهم وإن بكوا لم أرحمهم.

فلمّا بلّغهم ذلك نبيّهم فكذّبوه وقالوا : لقد أعظمت الفرية على الله تزعم أنّ الله يعطّل ( معطل ) مساجده من عبادته فقيّدوه وسجنوه فأقبل بخت نصّر وحاصرهم سبعة أشهر حتّى أكلوا خلاهم (٤) وشربوا أبوالهم ، ثمّ بطش بهم بطش الجبّارين بالقتل ، والصّلب ، والاحراق ، وجذع الأنوف ، ونزع الألسن والأنياب ، ووقف النّساء.

_________________________________

(١) سورة الاسراء : (٤ ـ ٥).

(٢) ثابر على الأمر : داوم عليه وواظبه. وفي ق ١ : وثاروا.

(٣) سورة الاسراء : (٧).

(٤) في ق ١ : حتّى أكلوا خراهم.


فقيل له : إنّ لهم صاحباً كان يحذّرهم بما أصابهم ، فاتّهموه وسجنوه ، فأمر بخت نصّر فأُخرج من السّجن ، فقال له : أكنت تحذّر هؤلاء ؟ قال : نعم. قال : وأنّى أُعلمت ذلك ؟ (١) قال : أرسلني الله به إليهم قال : فكذبوك وضربوك ؟ قال : نعم. قال : لبئس القوم قوم ضربوا نبيّهم ، وكذّبوا رسالة ربّهم ، فهل لك أن تلحق بي فأُكرمك ؟ وإن أحببت أن تقيم في بلادك أمنتك ، قال إرميا عليه السلام : إنّي لم أزل في أمان الله منذ كنت لم أخرج منه ، ولو أنّ بني إسرائيل لم يخرجوا من أمانه لم يخافوك.

فأقام إرميا مكانه بأرض إيليا ، وهي حينئذٍ خراب قد هدم بعضها ، فلمّا سمع به من بقي من بني إسرائيل اجتمعوا إليه ، وقالوا : عرفنا أنّك نبيّنا فانصح لنا ، فأمرهم أن يقيموا معهم ، فقالوا : ننطلق إلى ملك مصر نستجير ، فقال إرميا عليه السّلام : إنّ ذمة الله أوفى الذّمم ، فانطلقوا إلى مصر وتركوا إرميا ، فقال لهم الملك : أنتم في ذمّتي ، فسمع ذلك بخت نصّر ، فأرسل إلى ملك مصر ابعث بهم إليّ مصفّدين وإلّا آذنتك بالحرب.

فلمّا سمع إرميا بذلك أدركته الرّحمة لهم ، فبادر إليهم لينقذهم فورد عليهم ، وقال : إنّ الله تعالى أوحى إليّ أنّي مظهر بخت نصّر على هذا الملك ، وآية ذلك أنّه تعالى أراني موضع سرير بخت نصّر الّذي يجلس عليه بعدما يظفر بمصر ، ثمّ عمد فدفن أربعة أحجار في ناحية من الأرض ، فسار إليهم بخت نصّر وظفر بهم وأسرهم ، فلمّا أراد أن يقسّم الفيء ويقتل الأسارى ويعتق منهم كان فيهم إرميا.

فقال له بخت نصّر : أراك مع أعدائي بعدما عرضتك من الكرامة ، فقال له إرميا عليه السّلام : إنّي جئتهم مخوِّفاً أخبرهم خبرك ، وقد وضعت لهم علامة تحت سريرك هذا وأنت بأرض بابل ، ارفع سريرك فانّ تحت كلّ قائمة من قوائمه حجراً دفنته بيدي وهم ينظرون ، فلمّا رفع بخت نصّر سريره وجد مصداق ما قال ، فقال لأرميا : إنّي لأقتلهم إذ كذبوك ولم يصدّقوك ، فقتلهم ولحق بأرض بابل.

فأقام إرميا بمصر مدّةً ، فأوحى الله تعالى اليه : ألحق بأيليا. فانطلق حتّى إذا رفع له شخص بيت المقدس ورآى خراباً عظيماً ، قال : « أنّى يحيى هذه الله » فنزل في ناحية

_________________________________

(١) في البحار : وأنّي علمت ذلك.


واتّخذ مضجعاً ، ثمّ نزع الله روحه وأخفى مكانه على جميع الخلائق مائة عام ، وكان قد وعده الله أنّه سيعيد فيها الملك والعمران ، فلمّا مضى سبعون عاماً أذن الله في عمارة إيليا ، فأرسل الله ملكاً إلى ملك من ملوك فارس يقال له : كوشك ، فقال : إنّ الله يأمرك أن تنفر بقوّتك ورجالك حتّى تنزل إيليا فتعمرها ، فندب الفارسي كذلك ثلاثين ألف قهرمان ، ودفع إلى كلّ قهرمان ألف عامل بما يصلح لذلك من الآلة والنّفقة فسار بهم ، فلمّا تمّت عمارتها بعد ثلاثين سنة أمر عظام إرميا أن تحيى ، فقام حيّاً كما ذكر الله في كتابه (١).

فصل ـ ١ ـ

٢٩٦ ـ وبالاسناد المذكور ، عن وهب بن منبّه أنّه لما انطلق بخت نصّر بالسّبي والأسارى من بني إسرائيل وفيهم دانيال وعزير عليهما السّلام وورد أرض بابل اتّخذ بني إسرائيل خولاً ، فلبث (٢) سبع سنين ثمّ إنّه رآى رؤيا عظيماً امتلأ منها رعباً ونسيها ، فجمع قومه وقال : تخبروني بتأويل رؤياي المنسيّة إلى ثلاثة أيّام وإلّا لأصلّبنّكم وبلغ دانيال ذلك من شأن الرّؤيا وكان في السّجن فقال لصاحب السّجن : إنّك أحسنت صحبتي ، فهل لك أن تخبر الملك أنّ عندي علم رؤياه وتأويله ؟ فخرج صاحب السّجن ، وذكر لبخت نصّر فدعٰا به.

وكان لا يقف بين يديه أحد إلّا سجد له ، فلمّا طال قيام دانيال وهو لا يسجد له ، قال للحرس : اخرجوا واتركوه ، فخرجوا فقال : يا دانيال ما منعك أن تسجد لي ؟ فقال : إنّ لي ربّاً آتاني هذا العلم على أنّي لا أسجد لغيره ، فلو سجدت لك انسلخ عنّي العلم فلم ينتفع بي ، فتركت السّجود نظراً إلى ذلك.

قال بخت نصّر : وفيت لإِلٰهك فصرت آمناً منّي فهل لك علم بهذه الرّؤيا ؟ قال : نعم رأيت صنماً عظيماً رجلاه في الأرض ، ورأسه في السّماء ، أعلاه من ذهب ووسطه من فضّة وأسفله من نحاس وساقاه من حديد ورجلاه من فخار ، فبينا أنت تنظر إليه وقد أعجبك

_________________________________

(١) بحارالأنوار (١٤ / ٣٦٤ ـ ٣٦٦) ، برقم : (٦) وفيه : كما ذكره الله في كتابه. أقول : ورد ذكره في الذّكر الحكيم في سورتين : البقرة : (٢٥٩) والاسراء : (٤ ـ ٧).

(٢) في البحار : ولبث.


حسنه وعظمه واحكام صنعته وأصناف الّتي ركّبت فيها ، إذ قذفه بحجر من السّماء ، فوقع على رأسه ، فدقّه حتّى طحنه فاختلط ذهبه وفضّته ونحاسه وحديده وفخاره ، حتّى خيّل لك أنّه لو اجتمع الجنّ والإِنس على أن يميّزوا بعضه من بعض لم يقدروا ، حتّى خيّل لك أنّه لو هبّت أدنى ريح لذرّته لشدّة ما انطحن ، ثمّ نظرت إلى الحجر الّذي قذف به يعظم فينتشر (١) حتّى ملأ الأرض كلّها فصرت لا ترى الّا السّماء والحجر.

قال بخت نصّر : صدقت ، هذه الرّؤيا الّتي رأيتها ، فما تأويلها.

قال دانيال عليه السّلام : أمّا الصّنم الّذي رأيت ، فانّها أمم تكون في أوّل الزّمان وأوسطه وآخره ، وأمّا الذّهب فهو هذا الزّمان ، وهذه الأمّة الّتي أنت فيها وأنت ملكها ، وأمّا الفضّة فانّه يكون ابنك يليها من بعدك ، وأمّا النّحاس فاُمّة الرّوم ، وأمّا الحديد فأمّة فارس ، وأمّا الفخار فأمّتان تملكهما امرأتان : إحداهما في شرقيّ اليمن ، وأخرى في غربيّ الشّام. وأمّا الحجر الّذي قذف به الصّنم ، فدين يفقده (٢) الله به في هذه الامّة آخر الزّمان ليظهره عليها ، يبعث الله نبيّاً اُمّيّاً من العرب فيذلّ الله له الأمم والأديان ، كما رأيت الحجر ظهر على الأرض فانتشر فيها (٣).

فقال بخت نصّر : ما لأحد عندي يد أعظم من يدك ، وأنا أريد أن أجزيك. إن أحببت أن أردّك إلى بلادك وأعمرها لك ، وإن أحببت أن تقيم معي فأكرمك. فقال دانيال عليه السلام : أمّا بلادي أرض كتب الله عليها الخراب إلى وقت والإِقامة معك أوثق لي.

فجمع بخت نصّر ولده وأهل بيته وخدمه وقال لهم : هذا رجل حكيم قد فرّج الله به عنّي كربة قد عجزتم عنها ، وقد ولّيته أمركم وأمري ، يا بنيَّ خذوا من علمه ، وإن جاءكم رسولان أحدهما لي والآخر له ، فأجيبوا دانيال قبلي ، فكان لا يقطع أمراً دونه.

ولمّا رآى (٤) قوم بخت نصّر ذلك حسدوا دانيال ، ثمّ اجتمعوا إليه وقالوا : كانت لك

_________________________________

(١) في البحار : فينتثر.

(٢) هكذا في جميع النّسخ ، ولكن في إثبات الهداة : يعقده.

(٣) فانتثر فيها : المصدر. ولكنّه وما قبله : فينتثر ، من غلط النّاسخ أو المصحّح والصّحيح ما في المتن عن النّسخ المخطوطة.

(٤) في عدّة من النّسخ منها نسخة البحار : ولمّا رأوا ... وهو كما ترى غلط.


الأرض ويزعم عدوّنا أنّك أنكرت عقلك ، قال : إنّي أستعين برأي هذا الإِسرائيلي لإِصلاح أمرك ، فإِنّ ربّه يطلعه عليه قالوا : نتّخذ إلهاً يكفيك ما أهمّك وتستغني عن دانيال فقال : أنتم وذاك ، فعملوا صنماً عظيماً وصنعوا عيداً وذبحوا له ، وأوقدوا ناراً عظيمة كنار نمرود ، ودعوا النّاس بالسّجود لذلك الصّنم ، فمن لمن يسجد له أُلقي فيها.

وكان مع دانيال عليه السلام أربعة فتية من بني إسرائيل : يوشال ، ويوحين ، وعيصوا ومريوس. وكانوا مخلصين موحّدين ، فأُتي بهم ليسجدوا للصّنم ، فقالت الفتية : هذا ليس بإِلهٍ ، ولكن خشبة ممّا عملها الرّجال ، فإِن شئتم أن نسجد للّذي خلقها فعلنا ، فكتّفوهم ثمّ رموا بهم في النّار.

فلمّا أصبحوا طلع عليهم بخت نصّر فوق قصر ، فاذا معهم خامس وإذا بالنّار قد عادت جليداً فامتلأ رعباً فدعاٰ دانيال عليه السلام فسأله عنهم فقال : أمّا الفتية فعلى ديني يعبدون إلهي ولذلك أجارهم ، والخامس بحر البرد أرسله الله تعالى جلّت عظمته إلى هؤلاء نصرة لهم ، فأمر بخت نصّر فأُخرجوا ، فقال لهم : كيف بتّم ؟ قالوا : بتنا بأفضل ليلة منذ خلقنا ، فالحقهم بدانيال ، وأكرمهم بكرامته حتّى مرّت بهم ثلاثون سنة (١).

فصل ـ ٢ ـ

٢٧٠ ـ وعن وهب بن منبّه ، قال : ثمّ إنّ بخت نصّر رآى رؤيا أهول من الرّؤيا الأولى ونسيها أيضاً ، فدعا علماء قومه قال : رأيت رؤيا أخشى أن يكون فيها هلاككم وهلاكي ، فما تأويلها فعجزوا وجعلوا علّة عجزهم دانيال عليه السلام ، فأخرجهم ودعا دانيال عليه السلام فسأله ؟

فقال : رأيت شجرة عظيمة شديدة الخضرة فرعها في السّماء عليها طير السّماء ، وفي ظلّها وحوش الأرض وسباعها ، فبينما أنت تنظر إليها قد أعجبك بهجتها ، إذ أقبل ملك يحمل حديدة كالفاس على عنقه ، وصرخ بملك آخر في باب من أبواب السّماء يقول له :

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٣٦٧ ـ ٣٦٨) ، برقم : (٧). وإثبات الهداة (١ / ١٩٧) من الباب (٧) الفصل (١٧) برقم : (١١٠).


كيف أمرك الله أن تفعل بالشّجرة أمرك أن تجتثّها من أصلها ؟ أم أمرك أن تأخذ بعضها ؟ فناداه الملك الأعلى إنّ الله تعالى يقول : خذ منها وأبق ، فنظرت إلى الملك حتّى ضرب رأسها بفاسه ، فانقطع وتفرّق ما كان عليها من الطّير ، وما كان تحتها من السّباع والوحوش ، وبقي الجذع لا هيئة له ولا حسن.

فقال بخت نصّر : فهذه الرؤيا رأيتها ، فما تأويلها ؟

قال : أنت الشّجرة ، وما رأيت في رأسها من الطّيور فولدك وأهلك ، وأمّا ما رأيت في ظلّها من السّباع والوحوش فخولك ورعيّتك وكنت قد أغضبت الله فيما تابعت قومك من عمل الصّنم ، فقال بخت نصّر : كيف يفعل ربّك بي ؟ قال : يبتليك ببدنك ، فيمسخك سبع سنين ، فإِذا مضت رجعت إنساناً كما كنت أوّل مرّة.

فقعد بخت نصّر يبكي سبعة أيّام ، فلمّا فرغ من البكاء ظهر فوق بيته ، فمسخه الله عقاباً فطار ، وكان دانيال عليه السلام يأمر ولده وأهل مملكته أن لا يغيّروا من أمره شيئاً حتّى يرجع إليهم ، ثمّ مسخه الله في آخر عمره بعوضة ، فأقبل يطير حتّى دخل بيته ، فحوّله الله إنساناً فاغتسل بالماء ولبس المسوخ.

ثمّ أمر بالنّاس ، فجمعوا ، فقال : إنّي وايّاكم كنّا نعبد من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرّنا ، وأنّه قد تبيّن لي من قدرة الله تعالى جلّ وعلا في نفسي أنّه لا إله إلّا الله إله بني إسرائيل ، فمن تبعني فإِنّه منّي وأنا وهو في الحقّ سواء ، ومن خالفني ضربته بسيفي حتّى يحكم الله بيني وبينكم ، وإنّي قد أجّلتكم إلى اللّيلة ، فإِذا أصبحتم فأجيبوني ، ثمّ انصرف ودخل بيته وقعد على فراشه ، فقبض الله تعالى روحه.

وقصّ وهب قصّته هذه عن ابن عباسّ ثمّ قال : ما أشبه إيمانه بإيمان السّحرة (١).

فصل ـ ٣ ـ

٢٧١ ـ ولمّا توفيّ بخت نصّر تابع النّاس ابنه ، وكانت الأواني الّتي عملت الشّياطين

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠) ، برقم : (٨). وللعلّامة المجلسي هنا بيان يشجب فيه هذه القصص المنقولة عن وهب. إن شئت فراجعه.


لسليمان بن داود عليهما السلام من اللّؤلؤ والياقوت غاص عليها الشّياطين ، حتّى استخرجوها من قعور الأبحر الصّم الّتي لا تعبر فيها السّفن ، وكان بخت نصّر غنم كلّ ذلك من بيت المقدس ، وأوردها أرض بابل واستأمر فيها دانيال ، فقال : انّ هذه الآنية طاهرة مقدّسة صُنعها للنبيّ ابن النبيّ الّذي يسجد (١) لربّه عزّ وعلا ، فلا تدنّسها بلحم الخنازير وغيرها ، فإنّ لها ربّاً سيعيدها حيث كانت ، فأطاعه واعتزل دانيال وأقصاه وجفاه.

وكانت له امرأة حكيمة نشأت في تأديب دانيال تعظه وتقول : إنّ أباك كان يستغيث بدانيال فأبى ذلك ، فعمل في كلّ عمل سوءً حتّى عجّب الأرض منه إلى الله تعالى جلّت عظمته فبينا هو في عيد إذا بكفّ ملك يكتب على الجدار ثلاثة أحرف ، ثمّ غابت الكفّ والقلم وبهتوا ، فسألوا دانيال بحقّ تأويل ذلك المكتوب ، وكان كتب : وُزن فخفّ ، ووعدنا نجز ، جمع فتفرّق. فقال :

أمّا الأوّل ـ فانّه عقلك وزن فخفّ ، فكان خفيفاً في الميزان.

والثّاني ـ وعد أن يملك ، فأنجزه اليوم.

والثّالث ـ فانّ الله تعالى كان قد جمع لك ولوالدك من قبلك ملكاً عظيماً ثمّ تفرّق اليوم ، فلا يجتمع إلى يوم القيامة.

فقال له : ثمّ ماذا ؟ قال : يعذّبك الله ، فأقبلت بعوضة تطير حتّى دخلت في إحدى منخريه فوصلت إلى دماغه وتؤذيه ، فأحبّ النّاس عنده من حمل مرزبةً فيضرب بها رأسه ، ويزداد كلّ يوم ألماً إلى أربعين ليلة حتّى مات وصار إلى النّار (٢).

٢٧٢ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، حدّثنا الحسن بن عليّ السّكري (٣) ، حدّثنا ابوعبد الله محمد بن زكريّا الجوهري ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن عمارة ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن الباقر عليه السلام سألته عن تعبير الرّؤيا عن دانيال

_________________________________

(١) كذا في ق ١ وفي بقيّة النّسخ : صنعها لنبيّ ابن النّبيّ يسجد. وفي البحار : صنعها النّبيّ ابن النّبيّ ليسجد.

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٣٧٠) ، برقم : (٩).

(٣) في البحار في الموردين : الصّدوق عن السّكري ، وهو غلط والصّحيح : عن القطّان عن السّكري ، كما في النّص الحاضر.


عليه السلام أهو صحيح ؟ قال : نعم كان يوحى إليه ، وكان نبيّاً ، وكان ممّن علّمه الله تأويل الأحاديث ، وكان صدّيقاً حكيماً ، وكان والله يدين بمحبّتنا أهل البيت قال جابر : بمحبّتكم أهل البيت ؟ قال : إي والله وما من نبيّ ولا ملك إلّا وكان يدين بمحبّتنا (١).

فصل ـ ٤ ـ

٢٧٣ ـ وعن ابن بابويه ، عن محمّد بن الحسن ، حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفار ، عن عليّ بن محمّد القاساني ، عن القاسم بن محمّد الإِصفهاني ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص ، بن غياث النّخعي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من اهتمّ لرزقه كتب عليه خطيئة ، إنّ دانيال عليه السلام كان في زمن ملك جبّار (٢) ، فأخذه فطرحه في الجبّ ، وطرح معه السّباع لتأكله ، فلم تدن إليه.

فأوحى الله تعالى جلّت عظمته إلى نبيّ من أنبيائه عليهم السلام : أن ائت دانيال بطعام ، قال : يا ربّ وأين دانيال ؟ قال : تخرج من القرية فيستقبلك ضبع فيدلّك عليه ، فخرج فانتهى به الضّبع إلى ذلك الجبّ ، فإِذا بدانيال عليه السلام فيه ، فأدلى إليه الطّعام ، فقال دانيال : الحمد لله الّذي لا ينسى من ذكره ، والحمد لله الّذي لا يخيب من دعاه ، والحمد لله الّذي يجزي بالإِحسان إحساناً وبالصّبر نجاةً.

ثمّ قال ابوعبد الله عليه السلام : أبى الله أن يجعل أرزاق المتّقين إلّا من حيث لا يحتسبون ، وأبى الله أن يقبل شهادة لأوليائه في دولة الظّالمين (٣).

٢٧٤ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، حدّثنا السيّاري ، عن اسحاق بن إبراهيم ، عن الرّضا عليه السلام قال : إنّ الملك قال لدانيال : أشتهي أن يكون لي ابن مثلك فقال : ما محلّي من قلبك ؟ قال : أجلّ محلّ وأعظمه ، قال دانيال : فإِذا جامعت فاجعل همّتك فيَّ ، قال : ففعل

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٣٧١) ، برقم : (١٠) و (٢٦ / ٢٨٤) ، برقم : (٤١).

(٢) في البحار : جبّار عات.

(٣) بحار الانوار (١٤ / ٣٦٢ ـ ٣٦٣) ، برقم : (٤) و (٩٥ / ١٨٧ ـ ١٨٨) ، برقم : (١١) و (١٠٣ / ٢٨) ، برقم : (٤٦).


الملك ذلك ، فولد له ابن أشبه خلق الله بدانيال (١).

٢٧٥ ـ ثمّ قال ابوعبد الله عليه السلام : إنّ شعيباً جعل لموسى عليه السلام في بعض السّنين الّذي كان عنده كلّ بلقاء تضعه غنمه في تلك السّنة فوضعت كلّها بلق (٢).

وفي هذا الخبر ما يحتاج إلى تأويل ، وهو : أنّه لا تأثير لشيء ممّا ذكر في الحقيقة في تغيّر هيئة الجنين ، وأمّا الأنبياء فدعواتهم مستجابة وأمورهم عجابة ، وإذا كان شيء ممّا يتعجّب منه من قبل الله تعالى فلا يستنكر وتعالى على كلّ شيءٍ قدير (٣).

فصل ـ ٥ ـ

٢٧٦ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، حدّثنا الحسن بن عليّ السّكري ، حدّثنا محمّد بن زكريّا البصري ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن عمارة ، عن أبيه ، عن

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٣٧١) ، برقم : (١١) و (٦٠ / ٣٦٦ ـ ٣٦٧) ، برقم : (٦٥).

(٢) بحار الانوار (١٣ / ٢٩) عن التّفسير المنسوب الى القمي. أقول : قوله : ثمّ قال ابوعبد الله عليه السلام ، غير مناسب مع المنقول عن الامام الرّضا عليه السلام آنفاً ويظهر من مقطع الكلام هنا سقوط شيء سنداً ومتناً ، وعلى تقدير كونه مرتبطاً بما سبقه ، فالمناسب أن يقال : ثم قال الرّضا عليه السلام. ويأتي في التّعليق الآتي ما يحلّ الإِشكال.

(٣) نعم إنّ الله على كلّ شيءٍ قدير وإنّه عزيز رحيم وحكيم ما يريد وما ذلك عليه بعزيز ولذا ذكر العلّامة المجلسي في البحار الجزء (٦٠ / ٣٦٧) ذيل الحديث السّابق ما يقرّب وقوع الحقيقة وإن شئت فراجع والغرض من التعليق الاشارة إلى أنّ كلام الشيخ الراوندي هنا يناقض صدره ذيله فأنّ الاعتقاد بالاقتدار المطلق لله سبحانه لا يجامع الجزم بتأويل عمليّة موسى عليه السلام من غرزه عصاه في وسط مربض الاغنام لشعيب عليه السلام تلك الاغنام الّتي قال عنها شعيب لموسى عليهما السلام : ما وضعت في هذه السّنة من غنم بلق فهو لك بعد ما قال له موسى لمّا قضى أجله : لا بدّ لي أن أرجع إلى وطني وأمّي وأهل بيتي فمالي عندك ؟ ... فاحتال حينئذٍ موسى فعمد إلى كساءٍ أبلق والقاه على عصاه المغروز وسط المربض ثمّ أرسل الفحل على الغنم فلم تضع الغنم في تلك السّنة إلّا بلقاً فايّ بعدٍ في إعطاء الله سبحانه تأثيراً للعمليّة المزبورة على تحوّل نطف الاغنام وصيرورتها عل صورة لون واحد وهو الابلق حسب نطاق هذه الحكاية التي جاءت في البحار عن تفسير القمي برواية مفصّلة صدرها عن أبي جعفر عليه السلام وقد روي الرّاوي ذيلا هذا المقدار الذي نقلناه عن ابي عبد الله عليه السلام والظّاهر أنّ الشّيخ الرّاوندي أراد أن يشير إلى صدر الرّواية عن ابي جعفر عليه السلام ثمّ ينقل المورد المناسب للكلام المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام فذهل عن الصّدر وكتب ما هو المقصود ذيلاً على نحو الاختصار والاقتباس عنه عليه السلام بتعبير : ثم قال ابوعبد الله عليه السلام وبهذا الجرى أصبح ما ادعيناه في التّعليق المتقدم من وقوع سقط وارتباك في الكلام والنّقل صادقاً وصحيحاً.


الصّادق عليه السلام قال : لمّا حضر سليمان بن داود عليهما السلام الوفاة أوصى إلى آصف بن برخيا بأمر الله تعالى ، فلم يزل في بني إسرائيل يأخذون منه معالم دينهم ، ثمّ غيّب الله آصف غيبةً طال أمدها ، ثمّ ظهر لهم ، فبقي بين قومه ما شاء الله ، ثمّ إنّه ودّعهم وغاب عنهم ، فاشتدّت البلوى على بني إسرائيل بغيبته وتسلّط عليهم بخت نصّر ، فجعل يقتل من يظفر به منهم ، ويسبي ذراريهم ، واصطفى من أهل بيت يهودا دانيال عليه السلام ومن ولد هارون عزيراً عليه السلام ، وجعل دانيال في جبّ.

فلما تناهى (١) البلوى به رآى بخت نصّر في المنام كأن ملائكة السّماء هبطت إلى الأرض أفواجاً إلى الجبّ الّذي فيه دانيال عليه السلام مسلّمين عليه ويبشّرونه بالفرج ، والله تعالى جلّت عظمته كان يبعث برزقه إليه على يد نبيّ عليه السلام.

فلمّا أصبح بخت نصّر ندم على ما فعل ، فأتى دانيال فأخرجه واعتذر إليه ثمَّ فوّض إليه الأمر في ممالكه وأفضى الأمر بعده إلى ابنه واشتدّت البلوى على بني إسرائيل ووعدهم الله تعالى بقيام المسيح بعد نيّف وعشرين سنة (٢).

فصل ـ ٦ ـ

( في العلامات )

٢٧٧ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابوعبد الله الحسين بن علي الصّوفي ، حدّثنا حمزة بن القاسم العبّاسي ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري ، حدّثنا محمّد بن الحسين بن زيد الزّيّات ، حدّثنا عمرو بن عثمان الحرّاز ، حدّثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي ، عن الصّادق عليه السلام قال : كان في كتاب دانيال عليه السلام أنّه :

إذا كان أوّل يوم من المحرّم يوم السّبت فانّه يكون الشّتاء شديد البرد ، كثير الرّيح ، يكثر فيه الجليد وتغلو فيه الحنطة ويقع فيه الوباء وموت الصّبيان وتكثر الحمى في تلك السّنة ويقلّ العسل وتكثر الكماة ويسلم الزّرع من الآفات ويصيب بعض الأشجار آفة وبعض

_________________________________

(١) تناهت : ق ١.

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٣٦٣ ـ ٣٦٤) ، برقم : (٥) و (١٣ / ٤٤٨ ـ ٤٤٩) عن كمال الدّين مثله ، وعلى نحو الاقتباس.


الكروم وتخصب السّنة ويقع بالرّوم الموتان ويغزوهم العرب ويكثر فيهم السّبي والغنائم في أيدي العرب ويكون الغلبة في جميع المواضع للسّلطان بمشيّة الله.

وإذا كان يوم الأحد أوّل المحرّم فانّه يكون الشّتاء صالحاً ويكثر المطر وتصيب بعض الأشجار والزّرع آفة ، وتكون أوجاع مختلفة ، وموت شديد ، ويقلّ العسل ، ويكثر في الهوى الوباء والموتان ، ويكون في آخر السّنة بعض الغلاء في الطّعام ، ويكون الغلبة للسّلطان في آخره.

وإذا كان يوم الأثنين أوّل المحرّم ، فانّه يكون الشّتاء صالحاً ، ويكون في الصّيف حرّ شديد ويكثر المطر في أيّامه (١) ويكثر البقر والغنم ويكثر العسل ويرخّص الطّعام والأسعار في بلدان الجبال وتكثر الفواكه فيها ويكون موت في النساء وفي آخر السّنة يخرج خارجي على السّلطان بنواحي المشرق ويصيب بعض فارس غمّ ، ويكثر الزّكام في أرض الجبل.

وإذا كان يوم الثلاثاء أوّل المحرّم فانّه يكون الشّتاء شديد البرد ويكثر الثّلج والجمد بأرض الجبل وناحية المشرق ، ويكثر الغنم والعسل ويصيب بعض الأشجار والكروم آفة ويكون بناحية المغرب والشّام آفة من حدث يحدث في السّماء يموت فيه خلق ، ويخرج على السّلطان خارجي قويّ ، ويكون الغلبة للسّلطان ، ويكون في أرض فارس في بعض الغلّات آفة ، وتغلو الاسعار بها في آخر السّنة.

وإذا كان يوم الأربعاء أوّل المحرم ، فإِنّ الشّتاء يكون وسطاً ، ويكون المطر في القيض صالحاً نافعاً مباركاً ، وتكثر الثّمار والغلّات بالجبال كلّها وناحية جميع المشرق ، إلّا أنّه يقع الموت في الرّجال في آخر السّنة ، ويصيب النّاس بأرض بابل وبالجبل آفة ، وترخص الاسعار ، وتسكن مملكة العرب في تلك السّنة ، ويكون الغلبة للسّلطان.

وإذا كان يوم الخميس أوّل المحرّم ، فانّه يكون الشّتاء ليّناً ، ويكثر القمح والفواكه والعسل بجميع نواحي المشرق ، وتكثر الحُمّى في أوّل السّنة وفي آخرها وبجميع أرض بابل في آخر السّنة ، ويكون للرّوم على المسلمين غلبة ثمّ تظهر العرب عليهم بناحية المغرب ويقع بأرض السّند حروب والظّفر لملوك العرب.

_________________________________

(١) في ق ١ وق ٣ : في إبّانه.


وإذا كان يوم الجمعة أوّل المحرّم ، فإِنّه يكون الشّتاء بلا بردٍ ، ويقل المطر والأودية والمياه ، وتقلّ الغلّات بناحية الجبال مائة فرسخ في مائة فرسخ ، ويكثر الموت في جميع النّاس ، ويغلو الاسعار بناحية المغرب ، وتصيب بعض الأشجار آفة ، ويكون للرّوم على الفرس كرّة شديدة (١).

فصل ـ ٧ ـ

( في علامات كسوف الشّمس في الإِثني عشر شهراً )

٢٧٨ ـ إذا انكسفت الشّمس في المحرّم ، فانّ السّنة تكون خصيبة إلّا أنّه يصيب النّاس أوجاع في آخرها وأمراض ، ويكون من السّلطان ظفر ، وتكون زلزلة بعدها سلامة.

وإذا انكسفت في صفر ، فانّه يكون فزع وجوع في ناحية المغرب ، ويكون قتال في المغرب كثير ، ثم تقع الصّلح في ربيع والظّفر للسّلطان.

وإذا انكسفت في ربيع الأوّل ، فانّه يكون بين النّاس صلح ، ويقل الاختلاف ، والظّفر للسّلطان بالمغرب ، ويضرّ البقر والغنم ، ويتّسع في آخر السّنة ، ويقع الوباء في الإِبل بالبدو.

واذا انكسفت في شهر ربيع الآخر ، فإنّه يكون بين الناس اختلاف كثير ، ويقتل منهم خلق عظيم ، ويخرج خارجيّ على الملك ، ويكون فزع وقتال ، ويكثر الموت في النّاس.

واذا انكسفت في جمادي الأولى ، فانّه يكون السّعة في جميع النّاس بناحية المشرق والمغرب ، ويكون للسّلطان إلى الرّعيّة نظر ، ويحسن السّلطان إلى أهل مملكته ويراعي جانبهم.

واذا انكسفت في جمادي الآخر ، فإنّه يموت رجل عظيم بالمغرب ، ويقع ببلاد مصر قتال وحروب شديدة ، ويكون ببلاد المغرب غلاء في آخر السّنة.

وإذا انكسفت في رجب ، فإنّه تعمر الأرض ، وتكون أمطار كثيرة بالجبال وبناحية

_________________________________

(١) بحار الانوار (٥٨ / ٣٣٠ ـ ٣٣٢) ، برقم : (١).


المشرق ، ويكون جراد بناحية فارس ولا يضرّهم ذلك.

وإذا انكسفت في شعبان ، يكون سلامة في جميع النّاس من السّلطان ، ويكون للسّلطان ظفر على أعدائه بالمغرب ، ويقع وباء في الجبال في آخر السّنة ، ويكون عاقبته إلى سلامة.

وإذا انكسفت في شهر رمضان كان جملة النّاس يطيعون عظيم فارس ، وتكون للرّوم على العرب كرّة شديدة ، ثمّ تكون على الرّوم ويسبي منهم ويغنم.

وإذا انكسفت في شوّال ، فانّه يكون في أرض الهند والزّنج قتال شديد ، ويكثر نبات الأرض بالمشرق.

وإذا انكسفت في ذي القعدة ، فانّه يكون مطر كثير متواتر ، ويقع خراب بناحية فارس.

وإذا انكسفت في ذي الحجّة ، فانّه يكون فيه رياح كثيرة ، وتنقص الأشجار ، ويقع بالأرض من المغرب سبع وخراب في كلّ أرض من ناحية المغرب ، وينقص الطّعام ويغلو عليهم ، ويخرج خارجي على الملك ويصيبه منه شدّة ، ويقلّ طعام أهل فارس ثمّ يرخص في العام الثّاني (١).

فصل ـ ٨ ـ

( في علامات خسوف القمر طول السّنة )

٢٧٩ ـ إذا انكسف القمر في المحرّم ، فانّه يموت رجل عظيم ، وتنقص الفاكهة بالجبال ، ويقع في النّاس حكّة ، ويكثر الرّمد بأرض بابل ، ويقع الموت ، وتغلو أسعارها ، ويخرج خارجيّ على السّلطان والظّفر للسّلطان ويقتلهم.

وإذا انكسف في صفر ، فانّه يكون جوع ومرض ببابل وبلادها حتّى يتخوّف على النّاس ، ثمّ تكون أمطار كثيرة ، ويحسن نبات الأرض وحال النّاس ، ويكون بالجبال فاكهة كثيرة.

وإذا انكسف في شهر ربيع الأوّل ، فانّه يقع بالمغرب قتال ، ويصيب النّاس يرقان ،

_________________________________

(١) بحار الانوار (٥٨ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣) ، برقم : (١).


وتكثر فاكهة البلاد بناحية ماه ، ويقع الدّود في البقول بالجبل ، ويقع خراب كثير بماه.

وإذا انكسف في شهر ربيع الآخر ، فانّه يكثر الأنداء بالجبال ، ويكثر الخصب والمياه ، وتكون السّنة مباركة ، ويكون للسّلطان الظّفر بالمغرب.

وإذا انكسف في جمادي الأولى ، فانّه تهراق دماء كثيرة بالبدو ، ويصيب عظيم الشّام بليّة شديدة ، يخرج خارجيّ على السّلطان والظّفر للسّلطان.

وإذا انكسف في جمادي الآخرة ، فانّه تقل الأمطار والمياه بنينوى ، ويقع فيها جزع شديد وغلاء ، ويصيب ملك بابل إلى المغرب بلاء عظيم.

وإذا انكسف في رجب ، فانّه يكون بالمغرب موت وجوع ، ويكون بأرض بابل أمطار ، ويكثر وجع العين في الأمصار.

وإذا انكسف في شعبان ، فإنّ الملك يقتل أو يموت ويملك ابنه ، وتغلو الاسعار ، ويكثر جوع النّاس.

وإذا انكسف في شهر رمضان ، يكون بالجبل برد شديد وثلج ومطر وكثرة المياه ، ويقع بأرض فارس سباع كثيرة ، ويقع بأرض ماه موت كثير بالصّبيان والنّساء.

وإذا انكسف في شوّال ، فانّ الملك يغلب على أعدائه ، ويكون في النّاس شرّ وبليّة.

وإذا انكسف في ذي القعدة ، فانّه تنفتح المدائن الشّداد ، وتظهر الكنوز في بعض الأرضين والجبال.

وإذا انكسف في ذي الحجّة ، فانّه يموت رجل عظيم بالمغرب ، ويدّعي فاجرٌ الملك (١).

وجميع ذلك إن صحّت الرّوايات عن دانيال النّبي عليه السلام يجري مجرى الملاحم والحوادث في الدّنيا وعلاماتها (٢).

وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وآله : إذا أراد الله بقوم خيراً أمطرهم باللّيل وشمّسهم بالنّهار (٣).

_________________________________

(١) بحار الانوار (٥٨ / ٣٣٣ ـ ٣٣٤) وكان الأولى أن يؤتى في جميع المقاطع الاثني عشر هنا بلفظ : وإذا انخسف ... لكن قد يطلق الكسوف على الخسوف عند أهل اللّسان ولا عكس.

(٢) هذا الكلام إلى آخر الباب من بيان الشّيخ الرّاوندي كما صرّح بمعناه في البحار الجزء (٥٨ / ٣٣٤).

(٣) ما وجدناه لا في أحاديث الشّيعة ولا العامّة.


وقال صلّى الله عليه وآله : إذا غضب الله على أمّة ولم ينزل بها العذاب ، غلت أسعارها ، وقصرت أعمارها ، ولم تربح تجّارها ، ولم تزك ثمارها ، ولم تغزر أنهارها ، وحبس عنها أمطارها ، وسلّط عليها شرارها (١).

وقال صلّى الله عليه وآله : إذا منعت الزّكاة هلكت الماشية (٢) وإذا جار الحكّام أمسك القطر من السّماء ، وإذا خفرت الذّمة نصر المشركون على المسلمين ، وأمثلة ذلك كثيرة ، والله أعلم بحقيقة ذلك (٣).



_________________________________

(١) تحف العقول في مواعظ النّبي صلّى الله عليه وآله ص (٣٦) من طبع النّجف ، والوسائل (٥ / ١٦٨) ، والمستدرك (١ / ٤٤٠).

(٢) ورد ما هو بمضمونه في وسائل الشّيعة (٧ / ١٧) كتاب الزّكاة الباب (٣) الحديث المرقم (٢٩).

(٣) بحار الانوار (٥٨ / ٣٣٤).


الباب السّادس عشر

( في حديث جرجيس وعزير وحزقيل وإليا عليهم السلام )

٢٨٠ ـ عن ابن بابويه ، حدّثنا الحاكم ابومحمّد جعفر بن محمّد بن شاذان النّيسابوري ، حدّثنا أبي ابوعبد الله محمّد بن شاذان ، عن الفضل بن شاذان ، عن محمّد بن زياد أبي أحمد الأزدي (١) ، عن أبان بن عثمان الأحمر ، عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال : بعث الله تعالى جرجيس عليه السلام إلى ملك بالشّام يقال له : دازانة (٢) يعبد صنماً ، فقال له : أيّها الملك اقبل نصيحتي : لا ينبغي للخلق أن يعبدوا غير الله تعالى ولا يرغبوا إلّا إليه ، فقال له الملك : من أيّ أرض أنت ؟ قال : من الرّوم قاطنين بفلسطين.

فأمر بحبسه ، ثمّ مشط جسده بامشاط من حديد حتّى تساقط لحمه وفضح جسده ، ولمّا لم يقتل أمر بأوتاد من حديد ، فضربها في فخذيه وركبتيه وتحت قدميه ، فمّا رآى أنّ ذلك لم يقتله أمر بأوتاد طوال من حديد ، فوتّدت في رأسه فسال منها دماغه ، وأمر بالرّصاص فأُذيب وصبّ على أثر ذلك ، ثمّ أمر بسارية من حجارة كانت في السّجن لم ينقلها إلّا ثمانية عشر رجلاً فوضعت على بطنه ، فلمّا أظلم اللّيل وتفرّق عنه النّاس رآه أهل السّجن وقد جاءه ملك ، فقال له : يا جرجيس إنّ الله تعالى يقول : اصبر وابشر ولا تخف ، إنّ الله معك يخلّصك ، وأنّهم يقتلونك أربع مرّات في كلّ ذلك أدفع عنك الألم والأذى.

_________________________________

(١) هو محمد بن أبي عمير الازدي الثقة المعروف. وقد بيّنا قرائن الاتّحاد في كتابنا : مشايخ الثّقات ـ الحلقة الاولى.

(٢) في بعض النّسخ وعن بعض المصادر : راذانة. وفي البحار : داذانة.


فلمّا أصبح الملك دعاه فجلده بالسّياط على الظّهر والبطن ، ثمّ ردّه إلى السّجن ، ثم كتب إلى أهل مملكته أن يبعثوا إليه بكلّ ساحر فبعثوا بساحر استعمل كلّما قدر عليه من السّحر فلم يعمل فيه ، ثمّ عمد إلى سمّ فسقاه ، فقال جرجيس : « بسم الله الّذي يضلّ عند صدقه كذب الفجرة وسحر السّحرة » فلم يضرّه.

فقال السّاحر : لو أنّي سقيت بهذا السّم أهل الأرض لنزعت قواهم ، وشوّهت خلقهم ، وعميت أبصارهم ، وأنت يا جرجيس النّور المضيء والسّراج المنير والحقّ اليقين ، أشهد أنّ إلهك حقّ وما دونه باطل ، آمنت به وصدّقت رسله وإليه أتوب ممّا فعلت فقتله الملك.

ثمّ أعاد جرجيس عليه السلام إلى السّجن ، وعذّبه بألوان العذاب ، ثمّ قطّعة أقطاعاً وألقاها في جبّ ، ثم خلا الملك الملعون وأصحابه على طعام له وشراب ، فأمر الله تعالى أعصاراً أنشأب سحابة سوداء وجاءت بالصّواعق ورجفت الأرض ، وتزلزلت الجبال حتّى أشفقوا أن يكون هلاكهم ، وأمر الله ميكائيل فقام على رأس الجبّ وقال : قم يا جرجيس بقوة الله الّذي خلقك فسوّاك ، فقام جرجيس عليه السلام حيّاً سويّاً ، وأخرجه من الجبّ وقال : اصبر وابشر.

فانطلق جرجيس حتّى قام بين يدي الملك ، وقال : بعثني الله ليحتجّ بي عليكم ، فقام صاحب الشّرطة وقال : آمنت بإِلهك الّذي بعثك بعد موتك ، وشهدت أنّه الحقّ ، وجميع الآلهة دونه باطل ، وأتبعه أربعة آلاف آمنوا وصدّقوا جرجيس عليه السلام فقتلهم الملك جميعاً بالسّيف.

ثم أمر بلوح من نحاس أوقد عليه النّار حتّى احمرّ ، فبسط عليه جرجيس عليه السلام وأمر بالرّصاص فأُذيب وصبّ في فيه ، ثمّ ضرب الأوتاد في عينيه ورأسه ، ثمّ ينزع ويفرغ الرّصاص مكانه ، فلمّا رآى أنّ ذلك لم يقتله أوقد عليه النّار حتّى مات وأمر برماده فذرّ في الرّياح ، فأمر الله تعالى رياح الأرضين في اللّيلة ، فجمعت رماده في مكان ، فأمر ميكائيل فنادى جرجيس ، فقام حيّاً سويّاً بإِذن الله.

فانطلق جرجيس عليه السلام إلى الملك وهو في أصحابه ، فقام رجل وقال : إن تحتنا أربعة عشر منبراً ومائدةً بين أيدينا ، وهي من عيدان شتّى ، منها ما يثمر ، ومنها ما لا يثمر ، فسل ربّك أن يلبس كلّ شجرة منها لحالها ، وينبت فيها ورقها وثمرها ، فإِن فعل ذلك فإنّي أصدّقك ، فوضع جرجيس عليه السلام ركبتيه على الأرض ودعا ربّه تعالى ، فما برح


مكانه حتّى أثمر كلّ عود فيه ثمرة.

فأمر به الملك ، فمدّ بين الخشبتين ووضع المنشار على رأسه ، فنشر حتّى سقط المنشار من تحت رجليه ، ثمّ أمر بقدرٍ عظيمة ، فأُلقي فيها زفت وكبريت ورصاص ، فأُلقي فيها جسد جرجيس عليه السلام فطبخ حتّى اختلط ذلك كلّه جميعاً ، فاظلمت الأرض لذلك ، وبعث الله إسرافيل عليه السلام فصاح صيحة خرّ منها النّاس لوجوههم ، ثمّ قلب إسرافيل القدر ، فقال : قم يا جرجيس بإذن الله تعالى ، فقام حيّاً سويّاً بقدرة الله.

وانطلق جرجيس إلى الملك ، فلمّا رآه النّاس عجبوا منه ، فجاءته امرأة وقالت : أيّها العبد الصّالح كان لنا ثور نعيش به فمات ، فقال جرجيس عليه السلام : خذي عصاي هذه فضعيها على ثورك وقولي : إنّ جرجيس يقول : قم باذن الله تعالى ، ففعلت فقام حيّاً ، فآمنت بالله.

فقال الملك : إن تركت هذا السّاحر أهلك قومي ، فاجتمعوا كلّهم أن يقتلوه ، فأمر به أن يخرج ويقتل بالسّيف ، فقال جرجيس عليه السلام ـ لمّا أُخرج ـ : لا تعجلوا عليّ فقال : « اللّهمّ أهلكت (١) أنت عبدة الأوثان أسألك أن تجعل اسمي وذكري صبراً لمن يتقرّب إليك عند كلّ هول وبلاءِ » ثمّ ضربوا عنقه فمات ، ثمّ أسرعوا إلى القرية ، فهلكوا كلّهم (٢).

فصل ـ ١ ـ

٢٨١ ـ وبالاسناد المذكور ، عن ابن عباس (رض) قال : قال عزير : يا ربّ إنّي نظرت في جميع أُمورك وأحكامها ، فعرفت عدلك بعقلي ، وبقي باب لم أعرفه : إنّك تسخط على أهل البليّة فتعمّهم بعذابك وفيهم الأطفال ، فأمره الله تعالى أن يخرج إلى البريّة ، وكان الحرّ شديداً ، فرآى شجرةً فاستظلّ بها ونام ، فجاءت نملة فقرصته ، فدلك الأرض برجله فقتل من النّمل كثيراً ، فعرف انّه مثل ضرب فقيل له يا عزير : إنّ القوم إذا استحقّوا عذابي قدرت نزوله عند انقضاء آجال الأطفال ، فمات أولئك بآجالهم ، وهلك هؤلاء بعذابي (٣).

_________________________________

(١) في البحار : اللّهم إن أهلكت.

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٤٤٥ ـ ٤٤٧) ، برقم : (١).

(٣) بحار الانوار (٥ / ٢٨٦) ، برقم : (٨) وفيه : فماتوا أولئك ... وفيه على هذا الخبر بيان جميل الميزان ، راجعه. وكرّره في الجزء (١٤ / ٣٧١) ، برقم : (١٢).


فصل ـ ٢ ـ

٢٨٢ ـ وبالاسناد المذكور ، عن أبي حمزة ، عن الباقر عليه السلام قال : لمّا خرج ملك القبط يريد هدم بيت المقدس اجتمع النّاس إلى حزقيل النّبي ، فشكوا إليه ، فقال : إنّي أُناجي ربّي اللّيلة فناجى ربّه ، فأوحى الله إليه : قد كفيتم وكانوا قد مضوا ، فأوحى الله تعالى إلى ملك الهواء أن امسك عليهم أنفاسهم ، فماتوا كلّهم وأصبح حزقيل عليه السلام فأخبر قومه ، فخرجوا فوجدوهم قد ماتوا (١).

٢٨٣ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، قال : سأل عبد الأعلى مولى بني سام الصّادق عليه السلام وأنا عنده : حديث يرويه النّاس ، فقال : وما هو ؟ قال : يروون أنّ الله تعالى أوحى إلى حزقيل النّبيّ عليه السلام أن أخبر فلان الملك أنّي متوفيك يوم كذا ، فأتى حزقيل عليه السلام إلى الملك فأخبره بذلك ، قال : فدعا الله وهو على سريره حتّى سقط ما بين الحائط والسّرير ، وقال : يا ربّ أخّرني حتّى يشبّ طفلي وأقضي أمري ، فأوحى الله إلى ذلك النّبيّ أن ائت فلاناً وقل له : إنّي أنسأت في عمره خمس عشرة سنة ، فقال النّبيّ : يا ربّ وعزّتك إنّك تعلم أنّي لم أكذب كذبة قطّ ، فأوحى الله إليه : إنّما أنت عبد مأمور فأبلغه (٢).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ٣٨٣) ، برقم : (٥) مثلاً عن المحاسن. وفيه بعد قوله ، ربّي اللّيلة : فلمّا جنّه اللّيل ناجى ربّه ... مع فرق جزئيّ آخر إلى قوله : قد ماتوا. وبعده زيادة للخبر عن المحاسن وهي : ودخل حزقيل النّبي العجب فقال في نفسه : ما فضل سليمان النّبي عليّ وقد أُعطيت مثل هذا. قال : فخرجت قرحة على كبده فآذته. فخشع لله وتذلّل وقعد على الرّماد فأوحى الله إليه : أن خذ لبن التّين فحكّه على صدرك من خارج ففعل فسكن عنه ذلك.

(٢) البحار ، الجزء (٣ / ١١٤ ـ ١١٣) ، برقم : (٣٣) والجزء (١٣ / ٣٨٢) ، برقم : (٣). وانت ترى أنّ الحديث من حيث جواب الامام عليه السلام عن سؤال عبد الاعلى مبتور والعجب من العلّامة المجلسي حيث مرّ عليه هذا كالحديث التّالي فنبّه بسقوط ظاهر فيه ولم ينبّه عليه هنا ، اللّهم إلّا أن يجعل سكوت الإِمام تقريراً لكلام السّائل وهذا لا يمكن فانّه سلام الله عليه لا يقرّر الباطل فانّ النّبي ما هو نبيّ لا يردّ الرّسالة أو لا يتوقف فيها بخشية تخلّف الوعد من قبل الله سبحانه فيقول : يا ربّ بعزّتك أنّك تعلم أنّي لم أكذب ألخ إذ هذا كلام من يخاف صدق الانساء المذكور وتحققه ويعلم من سياق الخبر أنّه عاميّ ومفاده كذب والمطمئن به أنّه لو جاء تماماً كاملاً لكان جواب الامام عليه السلام نفي صحته ويأتي في الباب الآتي أنّ شعيا أُمر بابلاغ الإزادة إلى ملك بني إسرائيل في عمره بمدة خمس عشرة سنة بعد إخباره عن الله سبحانه بحلول أجله وأنّه قابضه عن قريب فشعيا ـ على ما نطق به الخبر ـ لم يتوقف في أداء


٢٤٨ ـ وبالإِسناد المذكور ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمر بن يزيد عنهما صلوات الله عليهما في قوله تعالى : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّـهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ » (١) قال : إنّ هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشّام من بني إسرائيل ، وكانوا سبعين ألف بيت ، وكان الطّاعون يقع فيهم في كلّ أوان ، وكانوا إذا أحسّوا به خرج من المدينة الأغنياء وبقي فيها الفقراء لضعفهم ، وكان الموت يكثر في الّذين أقاموا ، ويقلّ في الّذين خرجوا (قال : فأجمعوا على أن يخرجوا جميعاً من ديارهم إذا كان وقت الطّاعون ، فخرجوا بأجمعهم ، فنزلوا على شطّ بحر ، فلمّا وضعوا رحالهم ناداهم الله : موتوا فماتوا جميعاً ، فكنستهم المارّة عن الطّريق فبقوا بذلك ما شاء الله) فصاروا رميماً عظاماً ، فمرّ بهم نبيٌّ من الأنبياء يقال له : حزقيل فرآهم وبكى وقال : يا ربّ لو شئت أحييتهم السّاعة ، فأحياهم الله.

وفي رواية : أنّه تعالى أوحى إليه أن رشّ الماء عليهم ، ففعل فأحياهم الله (٢).

فصل ـ ٣ ـ

٢٨٥ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال ، عن عمرو بن سعيد المدائني ، عن مصدّق بن صدقة ، عن عمّار بن موسى ، عن الصّادق عليه السلام قال : كان في زمان بني إسرائيل رجل يسمّى إليا رئيس على أربعمائة من بني إسرائيل ، وكان ملك بني إسرائيل هوى امرأة من قوم يعبدون الأصنام من غير بني إسرائيل فخطبها فقال : على أن أحمل الصّنم فأعبده في بلدتك ، فأبى عليها ، ثمّ عاودها مرّة بعد

_________________________________

الرّسالة خوفاً من أن يُكذّب.

(١) البقرة : ٢٤٣.

(٢) بحار الانوار (١٣ / ٣٨٢) ، برقم : (٤). أقول : قوله : « فصاروا رميماً عظاماً » فيه تقديم وتأخير والأصل فيه : عظاماً رميماً. قال العلّامة المجلسي في ذيل هذا الخبر : بيان : السّقط ظاهر في هذا الخبر ، كما سيظهر من رواية الكافي مع توافق آخر سنديهما. ثم بعد فصل أورد رواية الكافي (ص ٣٨٥ برقم : ٦) وأنت ترى أنّه لا توافق مع آخر سنديهما والمتنان طولاً وقصراً متقابلان (راجع روضة الكافي الخبر المرقم (٢٣٧) ص ١٩٨ ـ ١٩٩) وأمّا دعوى السّقوط فنعم ، ولكن عن أكثر النّسخ ففي نسخة ، ق ٣ جاء المتن تماماً فأخذنا منها المقدار السّاقط عن الأكثر ووضعناه بين الهلالين في المتن الحاضر.


مرّة ، حتّى صار إلى ما أرادت ، فحوّلها إليه ومعها صنم ، وجاء معها ثمانمائة رجل يعبدونه.

فجاء إليا إلى الملك ، فقال ملّكك الله ومدّ لك في العمر فطغيت وبغيت. فلم يلتفت إليه ، فدعا الله إليا أن لا يسقيهم قطرةً ، فنالهم قحط شديد ثلاث سنين ، حتّى ذبحوا دوابّهم ، فلم يبق لهم من الدّوابّ إلّا برذون يركبه الملك ، وآخر يركبه الوزير ، وكان قد استتر عند الوزير أصحاب إليا يطعمهم في سرب.

فأوحى الله تعالى جلّ ذكره إلى إليا : تعرّض للملك ، فإنّي أريد أن أتوب عليه ، فأتاه فقال : يا إليا ، ما صنعت بنا قتلت بني إسرائيل ، فقال إليا : تطيعني فيما آمرك به ؟ فأخذ عليه العهد ، فأخرج أصحابه وتقرّبوا إلى الله تعالى بثورين ، ثمّ دعا بالمرأة فذبحها وأحرق الصّنم ، وتاب الملك توبة حسنة حتّى لبس الشّعر وأرسل إليه المطر والخصب (١).



_________________________________

(١) بحار الانوار (١٣ / ٣٩٩ ـ ٤٠٠) ، برقم : (٦). والسّرب : الحفرة تحت الأرض.


الباب السّابع عشر

( في ذكر شعيٰا وأصحاب الأخدود وإلياس واليسع ويونس وأصحاب الكهف والرّقيم )

٢٨٦ ـ وباسناده عن جابر ، عن الباقر عليه السلام قال : قال عليّ عليه السلام أوحى الله تعالى جلّت قدرته إلى شعيا عليه السلام أنّي مهلك من قومك مائة ألف ، أربعين ألفاً من شرارهم ، وستّين ألفاً من خيارهم ، فقال عليه السلام : هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار ؟ فقال : داهنوا أهل المعاصي ، فلم يغضبوا لغضبي (١).

٢٨٧ ـ وبالاسناد المذكور عن وهب بن منبّه ، قال : كان في بني إسرائيل ملك في زمان شعيا وهم متابعون مطيعون لله ، ثمّ إنّهم ابتدعوا البدع ، فأتاهم ملك بابل ، وكان نبيّهم يخبرهم بغضب الله عليهم ، فلمّا نظروا إلى ما لا قبل لهم به من الجنود تابوا وتضرّعوا.

فأوحى الله تعالى إلى شعيا عليه السلام : إنّي قبلت توبتهم لصلاح آبائهم وملكهم كان قرحة بساقه ، وكان عبداً صالحاً ، فأوحى الله تعالى إلى شعيا أن مر ملك بني إسرائيل فليوص وصيّه وليستخلف على بني إسرائيل من أهل بيته ، فإِنّي قابضه يوم كذا فليعهد عهده ، فأخبر شعيا عليه السلام برسالته عزّ وجل.

فلمّا قال له ذلك ، أقبل على التّضرع والدّعاء والبكاء ، فقال : اللّهم ابتدأتني بالخير من أوّل أمري وسبّبته لي وأنت فيما أستقبل رجائي وثقتي ، فلك الحمد بلا عمل صالح سلف منّي وأنت أعلم منّي بنفسي وأسألك أن تؤخّر عنّي الموت ، وتنسأ لي في عمري ، وتستعملني بما تحبّ وترضى.

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ١٦١) ، برقم : (١).


فأوحى الله تعالى إلى شعيا عليه السلام : إنّي رحمت تضرّعه ، واستجبت دعوته ، وقد زدت في عمره خمس عشرة سنة ، فمره فليداوِ قرحته بماء التّين ، فإنّي قد جعلته شفاءً ممّا هو فيه ، وإنّي قد كفيته وبني إسرائيل مؤونة عدوّهم.

فلمّا أصبحوا وجودا جنود ملك بابل مصروعين في عسكرهم موتى لم يفلت منهم أحد إلّا ملكهم وخمسة نفر ، فلمّا نظروا إلى أصحابهم وما أصابهم كرّوا منهزمين إلى أرض بابل ، وثبت بنو إسرائيل متوازرين على الخير ، فلمّا مات ملكهم ابتدعوا البدع ودعا كلٌّ إلى نفسه وشعيا عليه السلام يأمرهم وينهاهم ، فلا يقبلون حتّى أهلكهم الله (١).

٢٨٨ ـ وعن أنس أنّ عبد الله بن سلام سأل النّبي صلّى الله عليه وآله عن شعيا عليه السلام فقال : هو الّذي بشّر بي وبأخي عيسى بن مريم عليه السلام (٢).

فصل ـ ١ ـ

٢٨٩ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن معروف بن خربوذ ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : أخبرنا أبي عليّ بن الحسين عليهما السلام حدّثني جابر بن عبد الله ، قال : سمعت سلمان الفارسي رضي الله عنه يحدّث أنّه كان في ملوك فارس ملك يقال له : روذين جبّار عنيد عات ، فلمّا اشتدّ في ملكه فساده في الأرض ، ابتلاه الله بالصّداع في شقّ رأسه الأيمن حتّى منعه من المطعم والمشرب ، فاستغاث وذلّ ودعا وزراءه ، فشكى إليهم ذلك فأسقوه الأدوية وآيس من سكونه.

فعند ذلك بعث الله نبيّاً فقال له : اذهب إلى روذين عبدي الجبّار في هيئة الأطبّاء وابتدئه بالتّعظيم له والرّفق به ، ومَنَّه سرعة الشّفاء بلا دواءٍ تسقيه ولا كيٍّ تكويه ، وإذا رأيته قد أقبل وجهه إليك ، فقل : إنّ شفاء دائك في دم صبيّ رضيع بين أبويه يذبحانه لك طائعين غير مكرهين ، فتأخذ من دمة ثلاث قطرات فتسعط به في منخرك الأيمن تبرأ من ساعتك ،

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ١٦١ ـ ١٦٢) ، برقم : (٢).

(٢) نفس المصدر ص (١٦٢).


ففعل النّبي ذلك فقال الملك : ما أعرف في النّاس هذا ، فقال : إن بذلت العطيّة وجدت البغية قال : فبعث الملك بالرّسل في ذلك ، فوجدوا جنيناً بين أبويه محتاجين ، فأرغبهما في العطيّة ، فانطلقا بالصّبي إلى الملك ، فدعا بطاس فضّة وشفرة ، وقال لأمه : امسكي ابنك في حجرك.

فانطق الله الصّبيّ وقال : أيّها الملك كفّهما عن ذبحي فبئس الوالدان هما ، أيّها الملك : إنّ الصّبي الضّعيف إذا ضيم (١) كان أبواه يدفعان عنه ، وأنّ أبويّ ظلماني ، فايّاك أن تعينهما على ظلمي. ففزع الملك فزعاً شديداً ، أذهب عنه الدّاء ، ونام روذين في تلك الحالة ، فرآى في النّوم من يقول له : الإِله الأعظم أنطق الصّبيّ ، ومنعك ومنع أبويه من ذبحه ، وهو ابتلاك الشّقيقة لنزعك من سوء السّيرة في البلاد ، وهو الّذي ردّك إلى الصّحة ، وقد وعظك بما أسمعك. فانتبه ولم يجد وجعاً ، وعلم أنّ كلّه من الله تعالى ، فسار في البلاد بالعدل (٢).

فصل ـ ٢ ـ

٢٩٠ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه ، عن عمّه محمّد بن القاسم ، حدّثنا محمد بن عليّ الكوفي ، عن أبي جميلة ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّ أسقف نجران دخل على أمير المؤمنين عليه السلام فجرى ذكر أصحاب الأخدود ، فقال عليه السلام : بعث الله نبيّاً حبشيّاً إلى قومه وهم حبشة ، فدعاهم إلى الله تعالى ، فكذّبوه وحاربوه وظفروا به وخدّوا أخدوداً ، وجعلوا فيها الحطب والنّار.

فلمّا كان حَرّاً قالوا لمن كان على دين ذلك النّبي عليه السلام : اعتزلوا وإلّا طرحناكم فيها ، فاعتزل قوم كثير ، وقذف فيها خلق كثير ، حتّى وقعت (٣) امرأة ومعها ابن لها من شهرين ، فقيل لها : إمّا أن ترجعي وإمّا أن تقذفي في النّار ، فهمّت أن تطرح نفسها في النّار ، فلمّا رأت ابنها رحمته ، فأنطق الله تعالى الصّبي ، وقال : يا اماه أُلق نفسك وإيّاي في النّار ، فانّ هذا في الله قليل (٤)

_________________________________

(١) في ق ٣ : أضيم. والضّيم بمعنى الظّلم.

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٥١٤ ـ ٥١٥) ، برقم : (٣).

(٣) في ق ٣ : أوقعت.

(٤) بحار الانوار (١٤ / ٤٣٩) ، برقم : (٢).


٢٩١ ـ وتلا عند الصّادق عليه السلام رجل « قتل أصحاب الأخدود » فقال : قتل أصحاب الأخدود.

وسئل أمير المؤمنين عليه اسلام عن المجوس أيّ أحكام تجري فيهم ؟ قال : هم أهل الكتاب كان لهم كتاب ، وكان لهم ملك سكر يوماً ، فوقع على أخته وأمّه ، فلمّا أفاق ندم وشقّ ذلك عليه ، فقال للنّاس : هذا حلال فامتنعوا عليه ، فجعل يقتلهم وحفر لهم الأخدود ويلقيهم فيها (١).

٢٩٢ ـ وعن ابن ماجيلويه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن أورمة ، عن عليّ بن هلال الصّيقل ، عن شريك بن عبد الله ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن الباقر عليه السلام قال : ولّى عمر رجلاً كورة من الشّام ، فافتتحها وإذا أهلها أسلموا ، فبنى لهم مسجداً فسقط ثمّ بنى لهم فسقط ثمّ بناه فسقط.

فكتب إلى عمر بذلك ، فلمّا قرأ الكتاب سأل أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله هل عندكم في هذا علم ؟ قالوا : لا ، فبعث إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأقرأه الكتاب فقال : هذا نبيّ كذّبه قومه ، فقتلوه ودفنوه في هذا المسجد ، وهو متشحّط في دمه ، فاكتب إلى صاحبك فلينبشه ، فانّه سيجده طريّاً ليصلّ عليه وليدفنه في موضع كذا ، ثمّ ليبن مسجداً ، فانّه سيقوم ، ففعل ذلك ، ثمّ بنى المسجد فثبت.

وفي رواية : اكتب إلى صاحبك أن يحفر ميمنة أساس المسجد ، فانّه سيصيب فيها رجلاً قاعداً يده على أنفه ووجهه ، فقال عمر : من هو ؟ قال عليّ عليه السلام : فاكتب إلى صاحبك فليعمل ما أمرته ، فان وجده كما وصفت لك أعلمتك إنشاء الله ، فلم يلبث إذ كتب العامل أصبت الرّجل على ما وصفت ، فصنعت الّذي أمرت فثبت البناء ، فقال عمر لعليّ عليه السلام : ما حال هذا الرّجل ؟ فقال : هذا نبيّ أصحاب الأخدود (٢).

_________________________________

(١) نفس المصدر. قال في البحار هنا : بيان : لعلّ الصّادق عليه السلام قرأ « قتل » على بناء المعلوم. فالمراد بأصحاب الأخدود الكفّار كما هو أحد احتمالي القراءة المشهورة ولم ينقل في الشّواذ. أقول : يحتمل عكس ما احتمله كما يحتمل التّأكيد وهذا أقوى فانّ الآية في البروج : (٤) في مقام الدّعاء عليهم.

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٤٤٠) ، برقم : (٣ و ٤). واثبات الهداة (٢ / ٣٦٤) ، برقم : (٢١٤) من الباب (١١) الفصل (٢١).


وقصّتهم معروفة في تفسير القرآن (١).

فصل ـ ٣ ـ

٢٩٣ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابوعبد الله محمّد بن شاذان بن أحمد بن عثمان البرواذي ، حدّثنا ابوعلي محمّد بن محمّد بن الحارث بن سفيان الحافظ السّمرقندي ، حدّثنا صالح بن سعيد التّرمذي ، عن منعم بن إدريس ، عن وهب بن منبّه ، عن ابن عباس (رض) قال : إنّ يوشع بن نون بوّأ بني إسرائيل الشّام بعد موسى عليه السلام وقسّمها بينهم ، فصار منهم سبط ببعلبك بأرضها ، وهو السّبط الّذي منه إلياس النّبي عليه السلام فبعثه الله إليهم وعليهم يومئذ ملك فتنهم بعبادة صنم يقال له : بعل ، وذلك قوله تعالى : « وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ * اللَّـهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * فَكَذَّبُوهُ » (٢) وكان للملك زوجة فاجرة يستخلفها إذا غاب فتقضي بين النّاس ، وكان لها كاتب حكيم قد خلص من يدها ثلاثمائة مؤمن كانت تريد قتلهم ، ولم يعلم على وجه الأرض أنثى أزنا منها ، وقد تزوّجت سبعة ملوك من بني إسرائيل حتّى ولدت تسعين ولداً سوى ولد ولدها.

وكان لزوجها جار صالح من بني إسرائيل وكان له بستان يعيش به إلى جانب قصر الملك ، وكان الملك يكرمه ، فسافر مرّة ، فاغتنمت امرأته وقتلت العبد الصّالح ، وأخذت بستانه غصباً من أهله وولده وكان ذلك سبب سخط الله عليهم ، فلمّا قدم زوجها أخبرته الخبر ، فقال لها : ما أصبت.

فبعث الله إلياس النّبي عليه السلام يدعوهم إلى عبادة الله ، فكذّبوه وطردوه وأهانوه وأخافوه ، وصبر عليهم واحتمل أذاهم ، ودعاهم إلى الله تعالى فلم يزدهم إلّا طغياناً ، فآلى الله على نفسه أن يهلك الملك والزّانية إن لم يتوبوا إليه ، وأخبرهما بذلك ، فاشتدّ غضبهم (٣)

_________________________________

(١) هذا من كلام الشّيخ الرّاوندي فإن كان مراده الارجاع إلى تفسير نفسه فلم يصل إلينا ومن الأحسن الارجاع إلى مجمع البيان (١٠ / ٤٦٤ ـ ٤٦٦).

(٢) سورة الصّافات : (١٢٣ ـ ١٢٧).

(٣) في ق ١ : غضبهما.


عليه وهمّوا بتعذيبه وقتله ، فهرب منهم ، فلحق بأصعب جبل ، فبقي فيه وحده سبع سنين ، يأكل من نبات الأرض وثمار الشّجر ، والله يخفي مكانه.

فأمرض الله ابنا للملك مرضاً شديداً حتّى يئس منه ، وكان أعزّ ولده عليه ، فاستشفعوا إلى عبدة الصّنم ليستشفعوا له فلم ينفع ، فبعثوا النّاس إلى حدّ الجبل الّذي فيه إلياس عليه السلام وكانوا يقولون : اهبط إلينا واشفع لنا ، فنزل إلياس من الجبل.

وقال : إنّ الله أرسلني إليكم وإلى من وراءكم ، فاسمعوا رسالة ربّكم يقول الله : ارجعوا الى الملك ، فقولوا له : إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا إله بني إسرائيل الّذي خلقهم ، وأنا الذي أرزقهم وأُحييهم وأُميتهم وأضرّهم وأنفعهم ، وتطلب الشّفاء لابنك من غيري ، فلمّا صاروا إلى الملك وقصّوا عليه القصّة امتلأ غيظاً.

فقال : ما الّذي منعكم أن تبطشوا به ؟ حين لقيتموه وتوثقوه وتأتوني به فانّه عدوّي ، قالوا : لمّا صار معنا قذف في قلوبنا الرّعب عنه ، فندب خمسين من قومه من ذوي البطش وأوصاهم بالاحتيال له وإطماعه في أنّهم آمنوا به ليفترّ بهم فيمكّنهم من نفسه.

فانطلقوا حتّى ارتقوا ذلك الجبل الّذي فيه إلياس عليه السلام ثمّ تفرّقوا فيه ، وهم ينادونه بأعلى صوتهم ، ويقولون : يا نبيّ الله ابرز لنا ، فانّا آمنّا بك ، فلمّا سمع إلياس مقالتهم طمع في إيمانهم وكان (١) في مغار ، فقال : اللّهمّ إن كانوا صادقين فيما يقولون فأذن لي في النّزول إليهم ، وان كانوا كاذبين فاكفنيهم وارمهم بنار تحرقهم ، فما استتمّ قوله حتّى حصبوا بالنّار من فوقهم فاحترقوا.

فبلغ الملك خبرهم ، فاشتدّ غيظه ، فانتدب كاتب امرأته المؤمن وبعث معه جماعة إلى الجبل ، وقال له : قد آن أن أتوب ، فانطلق لنا إليه حتّى يرجع إلينا يأمرنا وينهانا بما يرضى ربّنا وأمر قومه فاعتزلوا الأصنام.

فانطلق كاتبها والفئة الّذين أنفذهم معه حتّى علا إلى الجبل الّذي فيه إلياس ، ثمّ ناداه فعرف إلياس صوته ، فأوحى الله تعالى إليه أن ابرز إلى أخيك الصّالح وصافحه وحيّه ، فقال المؤمن : بعثني إليك هذا الطّاغي وقومه وقصّ عليه ما قالوا.

_________________________________

(١) كذا في ق ١ ، وفي بقيّة النّسخ : فكان.


ثمّ قال : وإنّي لخائف إن رجعت إليه ولست معي أن يقتلني ، فأوحى الله تعالى إلى إلياس عليه السلام : أنّ كلّ شيء جاءك منهم خداع ليظفروا بك وأنّي أشغله عن هذا المؤمن بأن اُميت ابنه فلمّا قدموا عليه شدّد الله الوجع على ابنه ، وأخذ الموت يكظمه (١) ، ورجع إلياس سالماً إلى مكانه فلمّا ذهب الجزع عن الملك بعد مدّة سأل الكاتب عن الّذي جاء به فقال : ليس لي به علم.

ثمّ إنّ إلياس عليه السلام نزل واستخفي عند أمّ يونس بن متى ستّة أشهر ويونس عليه السلام مولود ثمّ عاد إلى مكانه فلم يلبث إلّا يسيراً حتّى مات ابنها حين فطمته فعظمت مصيبتها فخرجت في طلب إلياس ورقت الجبال حتّى وجدت إلياس فقالت : إنّي فجعت بموت ابني وألهمني الله تعالى عزّ وجلّ الاستشفاع بك إليه ليحيي لي ابني ، فانّي تركته بحاله ولم أدفنه وأخفيت مكانه فقال لها : ومتى مات ابنكِ قالت : اليوم سبعة أيّام.

فانطلق إلياس وصار سبعة أيّام أخرى حتّى انتهى إلى منزلها ، فرفع يديه بالدّعاء واجتهد حتّى أحيى الله تعالى جلّت عظمته بقدرته يونس عليه السلام ، فلمّا عاش انصرف إلياس ، ولمّا صار ابن أربعين سنة أرسله الله تعالى إلى قومه ، كما قال : « وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ » (٢).

ثم أوحى الله تعالى إلى إلياس بعد سبع سنين من يوم أحيى الله يونس عليه السلام : سلني أعطك ، فقال : تميتني فتلحقني بآبائي ، فانّي قد مللت بني إسرائيل وأبغضتهم فيك ، فقال تعالى جلّت قدرته : ما هذا باليوم الّذي أعري منك الأرض وأهلها ، وإنّما قوامها بك ، ولكن سلني أعطك ، فقال الياس : فأعطني ثاري من الّذين أبغضوني فيك ، فلا تمطر عليهم سبع سنين قطرةً إلّا بشفاعتي ، فاشتدّ على بني إسرائيل الجوع ، وألحّ عليهم البلاء ، وأسرع الموت فيهم ، وعلموا أنّ ذلك من دعوة إلياس ، ففزعوا إليه وقالوا : نحن طوع يدك ، فهبط إلياس معهم ومعه تلميذ له اليسع وجاء إلى الملك فقال : أفنيت بني إسرائيل بالقحط ، فقال : قتلهم الّذي أغواهم ، فقال : ادع ربّك يسقهم.

_________________________________

(١) أي : يأخذ مخرج نفسه.

(٢) سورة الصّافات : (١٤٧).


فلمّا جنّ اللّيل قام إلياس عليه السلام ودعا الله ، ثمّ قال لليسع : انظر في أكناف السّماء ماذا ترى ؟ فنظر ، فقال : أرى سحابةً ، فقال : أبشروا بالسّقاء ، فيحرزوا أنفسهم وأمتعتهم من الغرق ، فأمطر الله عليهم السّماء وأنبت لهم الأرض ، فقام إلياس بين أظهرهم وهم صالحون.

ثمّ أدركهم الطّغيان والبطر ، فحجدوا حقّه وتمرّدوا ، فسلّط الله تعالى عليهم عدوّاً قصدهم ولم يشعروا به حتّى رهقهم (١) فقتل الملك وزوجته وألقاهما في بستان الّذي قتلته زوجة الملك ، ثمّ وصّى إلياس إلى اليسع وأنبت الله لإِلياس الرّيش (٢) وألبسه النّور ورفعه إلى السّماء وقذف بكسائه من الجّو على اليسع ، فنبّاه الله على بني إسرائيل ، وأوحى إليه وأيّده ، فكان بنو إسرائيل يعظّمونه ويهتدون بِهُداه (٣).

فصل ـ ٤ ـ

٢٩٤ ـ وبالاسناد المتقدّم عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن أبي عبيدة الحذّاء ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : وجدنا في بعض كتب عليّ عليه السلام أنّه قال : حدّثني رسول الله صلى الله عليه وآله أنّ جبرئيل عليه السلام حدّثه أنّ يونس بن متى بعثه الله تعالى إلى قومه ، وهو ابن ثلاثين سنة ، وأنّه أقام فيهم يدعوهم إلى الله تعالى فلم يؤمن به إلّا رجلان.

أحدهما روبيل وكان من أهل بيت العلم والحلم ، وكان قديم الصّحبة ليونس عليه السلام قبل أن يبعثه الله بالنّبوة ، وكان صاحب غنم يرعاها ويتقوّت منها.

والثّاني ـ تنوخا : رجلٌ عابد زاهد ليس له علم ولا حكمة ، وكان يحتطب ويأكل من كسبه ، فلمّا رآى يونس أنّ قومه لا يجيبونه ، وخاف أن يقتلوه ، شكى ذلك إلى ربّه تعالى.

فأوصى الله تعالى إليه : أنّ فيهم الحبلى والجنين والطّفل الصّغير والشّيخ الكبير والمرأة الضّعيفة ، أحبّ أن أرفق بهم وأنتظر توبتهم ، كهيئة الطّبيب المداوي العالم بمداواة الدّاء ، فانّي أنزل العذاب يوم الأربعاء في وسط شوّال بعد طلوع الشّمس.

_________________________________

(١) أي : حملهم على مالا يطيقون.

(٢) أي : اللّباس الفاخر.

(٣) بحار الانوار (١٣ / ٣٩٣ ـ ٣٩٦) ، برقم : (٢).


فأخبر يونس عليه السلام تنوخا العابد به وروبيل ليعلماهم ، فقال تنوخا : أرى لكم أن تعزلوا الأطفال عن الأمّهات في أسفل الجبل في طريق الأدوية ، فاذا رأيتم ريحاً صفراء أقبلت من المشرق ، فعجّوا بالصّراخ والتّوبة إلى الله تعالى جلّت قدرته بالاستغفار ، وارفعوا رؤوسكم إلى السّماء ، وقولوا : ربّنا ظلمنا أنفسنا فاقبل توبتنا.

ولا تَمُلُّن (١) من التّضرّع إلى الله جلّت عظمته والبكاء حتّى تتوارى الشّمس بالحجاب ويكشف الله عنكم العذاب ، ففعلوا ذلك فتاب عليهم ولم يكن الله اشترط على يونس أنّه يهلكهم بالعذاب إذا أنزله.

فأوحى الله جلّ جلاله إلى إسرافيل : أن اصرف عنهم ما قد نزل بهم من العذاب ، فهبط إسرافيل عليهم ، فنشر أجنحته فاستاق (٢) بها العذاب حتّى ضرب بها الجبال الّتي بناحية الموصل ، فصارت حديداً إلى يوم القيامة ، فلمّا رآى قوم يونس أنّ العذاب صرف عنهم حمدوا الله وهبطوا إلى منازلهم وضمّوا إليهم نساءهم وأولادهم.

وغاب يونس عليه السلام عن قومه ثمانية وعشرين يوماً ، سبعة في ذهابه ، وسبعة في بطن الحوت ، وسبعة بالعراء ، وسبعة في رجوعه إلى قومه ، فأتاهم فآمنوا به وصدّقوه واتّبعوه عليه السلام (٣).

فصل ـ ٥ ـ

٢٩٥ ـ وباسناده عن ابن أرومة ، عن الحسن بن عليّ بن محمّد ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : خرج يونس عليه السلام مغاضباً من قومه لما رأى من معاصيهم ، حتّى ركب مع قوم في سفينة في اليمّ ، فعرض لهم حوت ليغرقهم ، فساهموا ثلاث مرّات ، فقال يونس : إيّاي أراد ، فاقذفوني ، فلمّا أخذت السّمكة يونس عليه السلام أوحى الله تعالى إليها : إنّي لم أجعله لك رزقاً ، فلا تكسري له عظماً ولا تأكلي له لحماً.

_________________________________

(١) ولا تملّوا : البحار وق ١.

(٢) وفي النّسخ الخطيّة : فاستلقى. وهو غلطٌ والصّحيح ما وضعناه في المتن عن البحار. أي دفع باجنحته العذاب إلى الخلف. عكس : جرّه بها.

(٣) بحار الانوار (١٤ / ٣٩٩) مثله باختصار عن تفسير العيّاشي مطوّلاً ومفصّلاً.


قال : فطافت به البحار : « فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ » (١) وقال : لمّا صارت السّمكة في البحر الّذي فيه قارون سمع قارون صوتاً لم يسمعه ، فقال للملك الموكّل به : ما هذا الصّوت قال : هو يونس النّبي عليه السلام في بطن الحوت ، قال : فتأذن لي أن أكلّمه ، قال : نعم ، قال : يا يونس ما فعل هارون ؟ قال : مات فبكى قارون ، قال : ما فعل موسى ؟ قال : مات فبكى قارون ، فأوحى الله جلّت عظمته إلى الملك الموكّل به أن خفّف العذاب عن قارون لرقّته على قرابته.

وفي خبر آخر : ارفع عنه العذاب بقيّة أيّام الدّنيا ، لرقّته على قرابته.

وفي هذا الخبر شيءٌ يحتاج إلى تأويل.

ثم قال ابوعبد الله عليه السلام : إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله يقول : ما ينبغي لأحد أن يقول : أنا خيرٌ من يونس بن متى عليه السلام (٢).

فصل ـ ٦ ـ

٢٩٦ ـ وبالاسناد المذكور عن ابن أورمة ، عن الحسن بن محمّد الحضرمي ، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي ، عن أبي عبد الله عليه السلام وذكر أصحاب الكهف ، فقال : لو كلّفكم قومكم ما كلّفهم قومهم : فافعلوا فعلهم. فقيل له : وما كلّفهم قومهم ؟ قال : كلّفوهم الشّرك بالله ، فأظهروه لهم وأسرّوا الإِيمان حتّى جاءهم الفرج وقال : إنّ أصحاب الكهف كذبوا فآجرهم الله وصدقوا فآجرهم الله. وقال : كانوا صيارفة كلام ولم يكونوا صيارفة الدّارهم.

وقال : خرج أصحاب الكهف على غير ميعاد ، فلمّا صاروا في الصّحراء أخذ هذا على هذا وهذا على هذا العهد والميثاق ، ثمّ قال : إظهروا أمركم فأظهروه ، فاذاهم على أمرٍ واحد.

_________________________________

(١) سورة الانبياء : (٨٧).

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٣٩١ ـ ٣٩٢) ، برقم : (١١). هكذا سياق الخبر وتركيبه في جميع النّسخ ولكنّ الظّاهر أنّ قوله : وفي هذا الخبر شيء يحتاج إلى تأويل ، مربوط بما يعده أي مرتبط بقول النّبي : ما ينبغي لأحد ... فكان موضعه بعد انتهاء الخبر فغيّر عن موضعه من قبل مستنسخ غير مطّلع وكونه من كلام الشّيخ الرّاوندي ايضاً غير معلوم ولذا ضرب عنه صفحاً في البحار وإنّما فسّر كلامه صلّى الله عليه وآله بما يصحّ تفسيره وتأويله به. راجعه واغتنم.


وقال : إنّ أصحاب الكهف أسرّوا الإِيمان وأظهروا الكفر ، فكانوا على إظهارهم الكفر أعظم أجراً منهم على إسرارهم الإِيمان.

وقال : ما بلغت تقيّة أحد ما بلغت تقيّة أصحاب الكهف وإن كانوا ليشدّون الزّنانير ويشهدون الأعياد ، فأعطاهم الله أجرهم مرّتين (١).

٢٩٧ ـ وعن ابن أورمة ، عن الحسن بن عليّ ، عن ابراهيم بن محمّد ، عن محمّد بن مروان ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّ اصحاب الكهف كذبوا الملك فاُجروا ، وصدقوا فأجروا (٢).

٢٩٨ ـ وعن ابن أورمة ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى : « أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا » (٣) قال : هم قوم فقدوا فكتب ملك ذلك الزّمان أسماءهم وأسماء آبائهم وعشايرهم في صحف من رصاص (٤).

فصل ـ ٧ ـ

٢٩٩ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبي ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن راشد ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : صلّى النبيّ صلّى الله عليه وآله ذات ليلة ، ثمّ توجّه إلى البنية (٥) ، فدعا أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً عليه السلام فقال : امضوا حتّى تأتوا أصحاب الكهف وتقرؤهم منّي السّلام ، وتقدّم أنت يا أبا بكر فانّك أسنّ القوم ، ثمّ أنت يا عمر ، ثمّ أنت يا عثمان ، فان أجابوا واحداً منكم ، والّا فتقدّم أنت يا عليّ كن آخرهم ، ثمّ أمر الرّيح فحملتهم حتّى وضعتهم على باب الكهف ، فتقدّم ابوبكر فسلّم فلم يردّوا عليه فتنحّى ، فتقدّم عمر فسلّم

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٤٢٥ ـ ٤٢٦) ، برقم : (٥).

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٤٢٦) ، برقم : (٦).

(٣) سورة الكهف : (٩).

(٤) بحار الانوار (١٤ / ٤٢٦) ، برقم : (٧).

(٥) في البحار : إلى البقيع. وفي إثبات الهداة : إلى الثّنيّة.


فلم يردّوا عليه ، وتقدّم عثمان فسلّم فلم يردّوا عليه.

فتقدّم عليّ عليه السلام وقال : السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل الكهف الّذين آمنوا بربّهم وزادهم هدى وربط على قلوبهم ، أنا رسول رسول الله إليكم فقالوا : مرحباً برسول الله وبرسوله ، وعليك السّلام يا وصيّ رسول الله ورحمة الله وبركاته.

قال : فكيف علمتم أنّي وصيّ النّبي صلّى الله عليه وآله ؟ فقالوا : إنّه ضرب على آذاننا أن لا نكلّم إلّا نبيّاً أو وصيّ نبيّ ، فكيف تركت رسول الله صلّى الله عليه وآله وكيف حشمه وكيف حاله ؟ وبالغوا في السّؤال ، وقالوا : خبّر أصحابك هؤلاء إنّا لا نكلّم إلّا نبيّاً ، أو وصيّ نبيّ ، فقال لهم : أسمعتم ما يقولون ؟ قالوا : نعم ، قال : فاشهدوا ثمّ حوّلوا وجوههم قبل المدينة فحملتهم الرّيح حتّى وضعتهم بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله فأخبروه بالذّي كان.

فقال لهم النبيّ صلّى الله عليه وآله : قد رأيتم وسمعتم فاشهدوا ، قالوا : نعم فانصرف النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى منزله ، وقال لهم : احفظوا شهادتكم (١).

فصل ـ ٨ ـ

٣٠٠ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابوعلي محمّد بن يوسف بن عليّ المذكّر ، حدّثنا ابوعلي الحسن بن علي بن نصر الطّرسوسي ، حدّثنا ابوالحسن بن قرعة القاضي بالبصرة ، حدّثنا زياد بن عبد الله البكّائي ، حدّثنا محمّد بن إسحاق ، حدّثنا إسحاق بن يسار ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس (رض) قال : لمّا كان في عهد خلافة عمر أتاه قوم من أحبار اليهود ، فسألوه عن أقفال السماوات ما هي ؟ وعن مفاتيح السّماوات ما هي ؟ وعن قبر سار بصاحبه ما هو ؟ وعمّن أنذر قومه ليس من الجنّ ولا من الإنس ، وعن خمسة أشياء مشت على وجه الأرض لم يخلقوا في الأرحام ، وما يقول الدّراج في صياحه وما يقول الدّيك والفرس والحمار والضّفدع والقنبر ، فنكس عمر رأسه.

فقال : يا أبا الحسن ما أرى جوابهم إلّا عندك ، فقال لهم عليّ عليه السلام : إنّ لي

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٤٢٠ ـ ٤٢١) ، برقم : (٢) واثبات الهداة (٢ / ١٣٠) ، برقم : (٥٦٤).


عليكم شريطة إذا أنا أخبرتكم بما في التّوراة دخلتم في ديننا ؟ قالوا : نعم.

فقال عليه السلام : أمّا أقفال السماوات فهو الشّرك بالله ، فانّ العبد والأمة إذا كانا مشركين ما يرفع لهما إلى الله سبحانه عملٌ. فقالوا : ما مفاتيحها ؟ فقال عليّ عليه السلام : شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله.

فقالوا : أخبرنا عن قبر سار بصاحبه قال : ذاك الحوت حين ابتلع يونس عليه السلام فدار به في البحار السّبعة.

فقالوا : أخبرنا عمّن أنذر قومه لا من الجنّ ولا من الإنس ، قال : تلك نملة سليمان إذ قالت : « يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ » (١).

قالوا : فأخبرنا عن خمسة أشياء مشت على الأرض ما خلقوا في الأرحام. قال : ذاك آدم وحوّا وناقة صالح وكبش إبراهيم وعصا موسى عليهم السّلام.

قالوا : فأخبرنا ما تقول هذه الحيوانات ؟ قال : الدّراج يقول : « الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ » (٢) والدّيك يقول : اذكروا الله يا غافلين. والفرس يقول : اللّهمّ انصر عبادك المؤمنين على عبادك الكافرين. والحمار يلعن العشّار وينهق في عين الشّيطان. والضّفدع يقول : سبحان ربّي المعبود المسبَّح في لجج البحار. والقنبر يقول : اللّهمّ العن مبغضي محمّد وآل محمّد.

قال : وكانت الأحبار ثلاثة ، فوثب اثنان وقالا : نشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله.

قال : فوقف الحبر الآخر ، وقال يا عليّ لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوب أصحابي ، ولكن بقيت خصلة واحدة أسألك عنها ، فقال عليّ عليه السلام : سل ، قال : أخبرني عن قوم كانوا في أوّل الزّمان ، فماتوا ثلاثمائة وتسع سنين ، ثمّ أحياهم الله ما كان قصّتهم ؟ فابتدأ عليٌّ وأراد أن يقرأ سورة الكهف ، فقال الحبر : ما أكثر ما سمعنا قرآنكم ، فان كنت عالماً فأخبرنا بقصّة هؤلاء وبأسمائهم وعددهم واسم كلبهم واسم كهفهم واسم ملكهم واسم مدينتهم.

_________________________________

(١) سورة النّمل : (١٨).

(٢) سورة طه : (٥).


فقال عليّ عليه السلام : لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، يا أخا اليهود حدّثني محمّد صلّى الله عليه وآله أنّه كان بأرض الرّوم مدينة يقال لها : اُفسوس (١) ، وكان لها ملك صالحٌ ، فمات ملكهم ، فاختلفت كلمتهم ، فسمع ملك من ملوك فارس يقال له : دقيانوس (٢) فسار في مائة ألف حتّى دخل مدينة أفسوس ، فاتّخذها دار مملكته واتّخذ فيها قصراً طوله فرسخ في فرسخ ، واتّخذ في ذلك القصر مجلساً طوله ألف ذراع في عرض مثل ذلك من الزّجاج المًمَرَّد ، واتّخذ في ذلك المجلس أربعة آلاف أسطوانة من ذهب ، واتّخذ ألف قنديل من ذهب لها سلاسل من اللّجين تسرج بأطيب الأدهان ، واتّخذ في شرقي المجلس ثمانين كُوّة ، وكانت الشّمس إذا طلعت طلعت في المجلس كيف ما دارت ، واتّخذ فيه سريراً من ذهب له قوائم من فضّة مرصّعة بالجواهر وعلاه بالنّمارق ، واتّخذ من يمين السّرير ثمانين كرسيّاً من الذّهب مرصّعة بالزّبرجد الأخضر فأجلس عليها بطارقته ، واتّخذ عن يسار السّرير ثمانين كرسيّاً من الفضّة مرصّعة بالياقوت الأحمر فأجلس عليها هراقلته ثمّ قعد على السّرير فوضع التّاج على رأسه.

فوثب اليهوديّ ، فقال يا عليّ : ممّ كان تاجه ؟ قال : من الذّهب المشبّك ، له سبعة أركان ، على كلّ ركن لؤلؤة بيضاء كضوء المصباح في اللّيلة الظّلماء ، واتّخذ خمسين غلاماً من أولاد الهراقلة ، فقرطقهم بقراطق الدّيباج الأحمر ، وسرولهم بسراويلات الحرير الأخضر ، وتوّجهم ، ودملجهم ، وخلخلهم ، وأعطاهم أعمدة من الذّهب ، وأوقفهم على رأسه ، واتّخذ ستّة غلمة وزراءه ، فأقام ثلاثة عن يمينه وثلاثة عن يساره.

فقال اليهودي : ما كان اسم الثّلاثة والثّلاثة ، فقال عليّ عليه السلام : الّذين عن يمينه أسماؤهم : تمليخا ، ومكسلمينا ، ومنشيلينا (٣) ، وأما الّذين عن يساره ، فأسماؤهم : مرنوس ، وديرنوس ، وشاذريوس. وكان يستشريهم في جميع أموره.

وكان يجلس في كلّ يوم في صحن داره والبطارقة عن يمينه والهراقلة عن يساره ، ويدخل ثلاثة غلمة في يد أحدهم جام من ذهب مملوّ من المسك المسحوق ، وفي يد الآخر جام من

_________________________________

(١) في ق ٢ وق ٣ والبحار : أقسوس.

(٢) في ق ٢ و ٣ والبحار عن نسخة : دقيوس.

(٣) في البحار : وميشيلينا.


فضّة مملوّ من ماء الورد ، وفي يد الآخر طائر أبيض له منقار أحمر ، فاذا نظر الملك إلى ذلك الطّائر صفر به ، فيطير الطّائر حتّى يقع في جام ماء الورد فيتمرّغ فيه ، فيحمل ما في الجام بريشه وجناحه ، ثمّ يصفر به الثّانية ، فيطير الطّائر على تاج الملك ، فينفض ما في ريشه على رأس الملك.

فلمّا نظر الملك إلى ذلك عتا وتجبّر فادّعى الرّبوبيّة من دون الله ، ودعا إلى ذلك وجوه قومه ، فكلّ من أطاعه على ذلك أعطاه وحباه وكساه ، وكلّ من لم يبايعه قتله فاستجابوا له رأساً ، واتّخذ لهم عيداً في كلّ سنة مرّة.

فبينما هم ذات يوم في عيد ، والبطارقة عن يمينه ، والهراقلة عن يساره ، إذ أتاه بطريق ، فأخبره أنّ عساكر الفرس قد غشيته فاغتم لذلك حتّى سقط التّاج عن ناصيته (١) ، فنظر إليه أحد الثّلاثة الّذين كانوا عن يمينه يقال له : تمليخا وكان غلاماً ، فقال في نفسه : لو كان دقيوس إلهاً كما يزعم إذاً ما كان يغتم ولا يفزع وما كان يبول ولا يتغوّط وما كان ينام ، وليس هذا من فعل الإِله.

قال : وكان الفتية السّتة كلّ يوم عند أحدهم وكانوا ذلك اليوم عند تمليخا ، فاتّخذ لهم من أطيب الطّعام ، ثمّ قال لهم : يا إخوتاه (٢) قد وقع في قلبي شيءٌ منعني الطّعام والشّراب والمنام ، قالوا : وما ذاك يا تمليخا ؟ قال : أطلت فكري في هذه السّماء ، فقلت : من رفع سقفها محفوظاً بلا عمد ولا علاقة من فوقها ؟ ومن أجرى فيها شمساً وقمراً آيتان مبصرتان ؟ ومن زيّنها بالنّجوم ؟ ثمّ أطلت الفكر في الأرض فقلت : من سطحها على صميم الماء الزّخار ؟ ومن حبسها بالجبال أن تميد على كلّ شيء ؟ وأطلت فكري في نفسي من أخرجني جنيناً من بطن أمّي ؟ ومن غذاني ؟ ومن ربّاني ؟ أنّ لها صانعاً ومدبراً غير دقيوس الملك ، وما هو إلّا ملك الملوك وجبّار السّماوات.

فانكبت الفتية على رجليه يقبّلونهما ، وقالوا : بك هدانا الله من الضّلالة إلى الهدى فأشر علينا ، قال : فوثب تمليخا فباع تمراً من حائط له بثلاثة آلاف درهم وصرّها في ردنه (٣) ،

_________________________________

(١) في البحار : عن رأسه.

(٢) في ق ٣ : يا اخوتي.

(٣) في ق ٢ : في رداء له ، وفي البحار عن نسخة : في ردائه. والرِّدَن أصحّ وأوضح وهو بمعني : الطّرف الواسع من الكم.


وركبوا خيولهم وخرجوا من المدينة ، فلمّا ساروا ثلاثة أميال قال لهم تمليخا : يا إخوتاه (١) جاءت مسكنة الآخرة وذهب ملك الدّنيا ، انزلوا عن خيولكم وامشوا على أرجلكم لعلّ الله أن يجعل لكم من أمركم فرجاً ومخرجاً فنزلوا عن خيولهم ومشوا على أرجلهم سبعة فراسخ في ذلك اليوم ، فجعلت أرجلهم تقطر دماً.

قال : فاستقبلهم راع ، فقالوا : يا أيّها الراعي هل من شربة لبن أو ماء ؟ فقال الرّاعي : عندي ما تحبّون ، ولكن أرى وجوهكم وجوه الملوك ، وما أظنّكم إلّا هراباً من دقيوس الملك ، قالوا : يا أيّها الرّاعي لا يحلّ لنا الكذب ، أفينجينا منك الصّدق ؟ فأخبروه بقصّتهم ، فانكبّ الرّاعي على أرجلهم يقبّلها ، ويقول : يا قوم لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوبكم ، ولكن أمهلوني حتّى أردّ الأغنام على أربابها ، وألحق بكم ، فتوقّفوا له ، فردّ الأغنام وأقبل يسعى فتبعه كلب له.

قال : فوثب اليهوديّ ، فقال يا عليّ : ما كان اسم الكلب ؟ وما لونه ؟ فقال عليّ عليه السلام : لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم أمّا لون الكلب ، فكان أبلق بسواد وأمّا اسم الكلب فقطمير ، فلمّا نظر الفتية إلى الكلب قال بعضهم : إنّا نخاف أن يفضحنا بنباحه فانحوا عليه (٢) بالحجارة فأنطق الله تعالى الكلب : ذروني أحرسكم من عدوّكم.

فلم يزل الرّاعي يسير بهم حتّى علاهم جبلاً ، فانحطّ بهم على كهف يقال له : الوصيد ، فاذا بفناء الكهف عيون وأشجار مثمرة ، فأكلوا من ثمارها وشربوا من الماء وجنّهم اللّيل ، فأووا إلى الكهف.

فأوحى الله عزّ وجلّ إلى ملك الموت بقبض أرواحهم ، ووكّل الله بكلّ رجلين ملكين يقلّبانهما من ذات اليمين إلى ذات الشّمال. وأوحى الله عزّوجلّ إلى خزّان الشّمس ، فكانت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وتقرضهم ذات الشّمال.

فلمّا رجع دقيوس من عيده سأل عن الفتية ، فأُخبر انّهم خرجوا هراباً فركب في ثمانين ألف حصان ، فلم يزل يقفوا أثرهم حتّى علا فانحطّ إلى كهفهم ، فلمّا نظر إليهم إذا هم

_________________________________

(١) في ق ٢ وق ٣ : يا اخوتي.

(٢) في البحار : فألحّوا عليه.


نيام ، فقال الملك : لو أردت أن أعاقبهم بشيءٍ لما عاقبتهم بأكثر ممّا عاقبوا أنفسهم ، ولكن ائتوني بالبنّائين ، فسدّ باب الكهف بالكلس والحجارة ، وقال لأصحابه : قولوا لهم : يقولوا لإلههم الّذي في السّماء لينجيهم ، وأن يخرجهم من هذا الموضع.

قال عليّ عليه السلام : يا أخا اليهود ، فمكثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين ، فلمّا أراد الله أن يحييهم أمر إسرافيل أن ينفخ فيهم الرّوح ، فنفخ ، فقاموا من رقدتهم ، فلمّا بزغت الشّمس ، قال بعضهم : قد غفلنا في هذه اللّيلة عن عبادة إله السّماء ، فقاموا فاذا العين قد غارت واذا الأشجار قد يبست ، فقال بعضهم : إنّ أمورنا لعجب مثل تلك العين الغزيرة قد غارت والأشجار قد يبست في ليلة واحدة ، ومسّهم الجوع فقالوا : « ابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا » (١).

قال تمليخا : لا يذهب في حوائجكم غيري ، ولكن ادفع أيّها الرّاعي ثيابك إليّ ، قال : فدفع الرّاعي ثيابه ومضى يؤمّ المدينة ، فجعل يرى مواضعاً لا يعرفها وطريقاً هو ينكرها حتّى أتى باب المدينة واذا علم أخضر مكتوب عليه : لا إله إلّا الله عيسى رسول الله ، قال : فجعل ينظر إلى العلم وجعل يمسح به عينيه ، ويقول : أراني نائماً ، ثمّ دخل المدينة حتّى أتى السّوق ، فأتى رجلاً خبّازاً فقال : أيّها الخبّاز ما اسم مدينتكم هذه ؟ قال : أفسوس قال : وما اسم ملككم ؟ قال : عبد الرّحمن ، قال ادفع إليّ بهذه الورق طعاماً فجعل الخبّاز يتعجّب من ثقل الدّراهم ومن كبرها.

قال : فوثب اليهوديّ ، وقال يا عليّ : ما كان وزن كلّ درهم منها ؟ قال : وزن كلّ درهم عشرة دراهم وثلثي درهم.

فقال الخبّاز : يا هذا أنت أصبت كنزاً ؟ فقال تمليخا : ما هذا الّا ثمن تمر بعتها منذ ثلاث وخرجت من هذه المدينة ، وتركت النّاس يعبدون دقيوس الملك.

قال : فأخذ الخبّاز بيد تمليخا وأدخله على الملك ، فقال : ما شأن هذا الفتى ؟ قال الخبّاز : إنّ هذا رجل أصاب كنزاً ، فقال الملك : يا فتى لا تخف ، فانّ نبيّنا عيسى عليه السلام أمرنا أن لا نأخذ من الكنز الّا خمسها ، فأعطني خمسها وامض سالماً ، فقال تمليخا :

_________________________________

(١) سورة الكهف : (١٩).


انظر أيّها الملك في أمري ما أصبت كنزاً أنا رجل من أهل هذه المدينة ، فقال الملك : أنت من أهلها ؟ قال : نعم ، قال : فهل تعرف بها أحداً ؟ قال : نعم. قال : ما اسمك ؟ قال اسمي تمليخا قال : وما هذه الأسماء أسماء أهل زماننا.

فقال الملك : هل لك في هذه المدينة دار ؟ قال : نعم اركب أيّها الملك معي ، قال : فركب والنّاس معه فأتى بهم أرفع دار في المدينة قال تمليخا : هذه الدّار لي ، فقرع الباب فخرج إليهم شيخ كبير قد وقع حاجباه على عينيه من الكبر ، فقال : ما شأنكم ؟ فقال الملك : أتانا هذا الغلام بالعجائب يزعم أنّ هذه الدّار داره ، فقال له الشيخ : من أنت ؟ قال : أنا تمليخا بن قسطيكين ، قال : فانكب الشّيخ على رجليه يقبّلها ، ويقول : هو جدّي وربّ الكعبة.

فقال : أيّها الملك هؤلاء السّتة الّذين خرجوا هراباً من دقيوس الملك ، فنزل الملك عن فرسه ، وحمله على عاتقه ، وجعل النّاس يقبّلون يديه ورجليه ، فقال : يا تمليخا ما فعل أصحابك ؟ فأخبر أنّهم في الكهف وكان يومئذ بالمدينة ملك مسلم وملك يهوديّ.

فركبوا في أصحابهم ، فلمّا صاروا قريباً من الكهف قال لهم تمليخا : إنّي أخاف أن تسمع أصحابي أصوات حوافر الخيول ، فيظنّون أنّ دقيوس الملك قد جاء في طلبهم ، ولكن أمهلوني حتّى أتقدم فأخبرهم ، فوقف النّاس.

فأقبل تمليخا حتّى دخل الكهف ، فلمّا نظروا اليه اعتنقوه وقالوا : الحمد لله الّذي نجّاك من دقيوس ، قال تمليخا : دعوني عنكم وعن دقيوسكم كم لبثتم ؟ قالوا : لبثنا يوماً أو بعض يوم قال تمليخا : بل لبثتم ثلاثمائة وتسع سنين ، وقد مات دقيوس وانقرض (١) قرن بعد قرن ، وبعث الله نبيّاً يقال له : المسيح عيسى بن مريم ، ورفعه الله إليه ، وقد أقبل إلينا الملك والنّاس معه.

قالوا : يا تمليخا أتريد أن تجعلنا فتنة للعالمين قال تمليخا : فما تريدون ؟ قالوا : ادع الله جلّ ذكره وندعوه معك حتّى يقبض أرواحنا ، فرفعوا أيديهم ، فأمر الله بقبض أرواحهم ، وطمس الله باب الكهف على النّاس ، فأقبل الملكان يطوفان على باب الكهف سبعة أيّام لا يجدان للكهف باباً.

_________________________________

(١) الزّيادة من البحار.


فقال الملك المسلم : ماتوا على ديننا أبني على باب الكهف مسجداً ، وقال اليهودي : لا بل ماتوا على ديني أبني على باب الكهف كنيسة فاقتتلا ، فغلب المسلم وبنى مسجداً عليه.

يا يهوديّ أيوافق هذا ما في توراتكم قال : ما زدت حرفاً ولا نقصت حرفاً وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمّداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله (١).

فصل ـ ٩ ـ

٣٠١ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن عمرو بن عثمان ، عن المفضل بن صالح ، عن جابر بن يزيد ، عن عبد الرّحمن ابن الحارث البرادي ، عن ابن أبي أوفى ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : خرج ثلاثة نفر يسيحون في الأرض ، فبينما هم يعبدون الله في كهف في قلّة جبل حين بدت صخرة من أعلى الجبل حتّى التقيت باب الكهف ، فقال بعضهم : يا عباد الله والله لا ينجيكم ممّا دهيتم فيه إلّا أن تصدقوا عن الله ، فهلمّوا ما عملتم خالصاً لله.

فقال أحدهم : اللّهمّ إن كنت تعلم أنّي طلبت جيّدة لحسنها وجمالها وأعطيت فيها مالاً ضخماً حتّى إذا قدرت عليها وجلست منها مجلس الرّجل من المرأة ذكرت النّار ، فقمت عنها فرقاً منك ، فارفع عنّا هذه الصّخرة قال : فانصدعت حتّى نظروا إلى الضّوء.

ثم قال الآخر : اللّهم إن كنت تعلم أنّي استأجرت قوماً كلّ رجل منهم بنصف درهم ، فلمّا فرغوا أعطيتهم أُجورهم ، فقال رجل : لقد عملت عمل رجلين ، والله لا اخذ إلّا درهماً ، ثم ذهب وترك ما له عندي ، فبذرت بذلك النّصف الدّرهم في الأرض ، فأخرج الله به رزقاً وجاء صاحب النّصف الدّرهم ، فأراده فدفعت إليه عشرة آلاف درهم حقّه ، فان كنت تعلم أنّي إنّما فعلت ذلك مخافةً منك ، فارفع عنّا هذه الصّخرة ، قال : فانفجرت حتّى نظر بعضهم إلى بعض.

ثمّ قال الآخر : اللّهمّ إن كنت تعلم أنّ أبي وأمّي كانا نائمين ، فأتيتهما بقصعة من

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٤١١ ـ ٤١٩) ، برقم : (١).


لبن ، فخفت أن أضعه فيقع فيه هامّة وكرهت أن أُنبّههما من نومهما ، فيشقّ ذلك عليهما ، فلم أزل بذلك حتّى استيقظا فشربا ، اللّهم إن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاءً لوجهك ، فارفع عنّا الصّخرة ، فانفرجت حتّى سهّل الله لهم المخرج ، ثمّ قال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله : من صدق الله نَجا (١).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٤٢٦ ـ ٤٢٧) ، برقم : (٨). أقول : والسّند فيه هكذا : الصّدوق عن أبيه عن سعد عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه عن أبان بن عثمان عن أبي جميلة ... وفيه سهو فانّ أبان بن عثمان لم يرو عن أبي جميلة المراد به المفضّل بن صالح وأخو إبراهيم بن مهزيار المراد به : عليّ بن مهزيار لم يرو عن أبان بن عثمان لبعد الطّبقة. فالصّحيح ما هنا : علي بن مهزيار عن عمرو بن عثمان ... وأمّا عمرو بن عثمان هذا فينصرف إلى الثّقفيّ الخزّاز الأزدي فقد روى عن الاكابر وروى عنه الاصاغر.


الباب الثّامن عشر

( في نبوةّ عيسى عليه السلام ) ( وما كان في زمانه ومولده ونبوّته )

٣٠٢ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله [ رفعه ] (١) عن الصّادق عليه السلام في قوله تعالى : « وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا » قال : أحصنت فرجها قبل أن تلد عيسى عليه السلام خمسمائة عام قال : فأوّل من سُوهِمَ عليه مريم ابنة عمران نذرت أمّها ما في بطنها محرّراً للكنيسة ، فوضعتها أنثى فشدت (٢) ، فكانت تخدم العبّاد تناولهم حتى بلغت ، وأمر زكريّا أن يتّخذ لها حجاباً دون العبّاد ، فكان زكريّا يدخل عليها فيرى عندها ثمرة الشّتاء في الصّيف وثمرة الصّيف في الشّتاء ، قال يا مريم : أنّى لك هذا ؟ قالت : هو من عند الله ، وقال : عاشت مريم بعد عمران خمسمائة سنة (٣).

٣٠٣ ـ وقال الباقر عليه السلام : أنّها بُشّرت بعيسى عليه السلام فبينا هي في المحراب إذ تمثّل لها الرّوح الأمين بشراً سويّاً : « قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا » (٤).

فتفل في جيبها ، فحملت بعيسى عليه السلام فلم يلبث أن ولدت ، وقال : لم تكن على

_________________________________

(١) الزّيادة من البحار.

(٢) في البحار : فشبت.

(٣) بحار الانوار (١٤ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤) ، برقم : (١٧). قال العلامة المجلسي في ذيله : بيان لا يخفى ما في هذا الخبر من الشذوذ والغرابة والمخالفة لسائر الاخبار والآثار ، أقول : بإضافة ضعف السّند فانّه كما ترى مرفوعة سعد بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام.

(٤) سورة مريم : (١٨ و ١٩).


وجه الأرض شجرة إلّا ينتفع بها ، ولا ثمرة ولا شوك ما حتّى قالت فجرة بني آدم : كلمة السّوء. فاقشعرّت الأرض وشاكت الشّجرة ، وأتى إبليس تلك اللّيلة ، فقيل له : قد ولد اللّيلة ولد لم يبق على وجه الأرض صنم إلّا خرّ لوجهه ، وأتى المشرق والمغرب يطلبه ، فوجده في بيت دير قد حفّت به الملائكة ، فذهب يدنو فصاحت الملائكة : تنحّ ، فقال لهم : من أبوه ؟ فقالت : فمثله كمثل آدم. فقال إبليس : لأضلّن به أربعة أخماس النّاس (١).

٣٠٤ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمّد ، حدّثنا الحسن بن محبوب ، عن أبي أيّوب الخزّاز ، عن زياد بن سوقة ، عن الحكم بن عيينة قال : قال ابوجعفر عليه السلام : لمّا قالت العواتق الفرية ـ وهي سبعون ـ لمريم عليها السلام : لقد جئت شيئاً فريّاً ، أنطق الله تعالى عيسى عليه السلام عند ذلك ، فقال لهنّ : تفترين على أميّ ، أنا عبد الله آتاني الكتاب ، وأقسم بالله لأضربن كلّ امرأة منكنّ حدّاً بافترائكنّ على أميّ ، قال الحكم : فقلت للباقر عليه السلام أفضربهنّ عيسى عليه السلام بعد ذلك ؟ : قال : نعم ، ولله الحمد والمنّة (٢).

فصل ـ ١ ـ

٣٠٥ ـ وباسناده عن الصّفّار ، عن أحمد بن محمّد عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن راشد ، عن يحيى بن عبد الله قال : كنّا بالحيرة. فركبت مع أبي عبد الله عليه السلام فلمّا صرنا حيال قرية فوق المآصر (٣) قال : هي هي حين قرب من الشطّ وصار على شفير الفرات ، ثمّ نزل فصلّى ركعتين ، ثمّ قال : أتدري أين ولد عيسى عليه السلام ؟ قلت : لا ، فقال : في هذا الموضع الّذي أنا جالس فيه ، ثمّ قال : أتدري أين كانت النّخلة ؟ قلت : لا ، فمدّ يده خلفه ، فقال : في هذا المكان ، ثم قال : أتدري ما القرار ؟ وما الماء المعين ؟ فقلت : لا ، قال : هذا هو الفرات. ثمّ قال : أتدري ما الرّبوة ؟ قلت : لا ، فأشار بيده عن يمينه ، فقال : هذا هو الجبل إلى النّجف.

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٢١٥) ، برقم : (١٤).

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٢١٥) ، برقم : (١٥).

(٣) جمع المأصِر كالمجالس جمع المجلس ، أي محابس الماء.


وقال : إنّ مريم عليه السلام ظهر حملها ، وكانت في وادٍ فيه خمسمائة بكر يعبدون ، وقال : حملته سبع ساعات ، فلمّا ضربها الطّلق خرجت من المحراب إلى بيت دير لهم ، فأجاءها المخاض إلى جذع النّخلة ، فوضعته ، فحملته ، فذهبت به الى قومها ، فلمّا رأوها فزعوا ، فاختلف فيه بنو إسرائيل ، فقال بعضهم : هو ابن الله وقال بعضهم : هو عبد الله ونبيُّه ، وقالت اليهود : بل هو ابن الهنة ويقال للنّخلة الّتي أنزلت على مريم : العجوة (١).

٣٠٦ ـ وباسناده عن ابن أورمة ، عن أحمد بن خالد الكرخي ، عن الحسن بن إبراهيم ، عن سليمان الجعفي ، قال : قال ابوالحسن عليه السلام : أتدري بما حملت مريم ؟ قلت : لا ، قال : من تمر صرفان (٢) أتاها به جبرئيل عليه السلام (٣).

٣٠٧ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن يزيد الكناسي ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : كان عيسى حين تكلّم في المهد حجّة الله جلّت عظمته على أهل زمانه ؟.

قال : كان يومئذ نبيّاً حجّةً على زكريّا في تلك الحال وهو في المهد.

وقال : كان في تلك الحال آية للنّاس ورحمة من الله لمريم عليها السلام حين تكلّم وعبّر عنها ونبيّاً وحجّة على من سمع كلامه في تلك الحال ، ثمّ صمت فما تكلّم حتّى مضت له سنتان ، وكان زكريّا عليه السلام الحجّة على النّاس بعد صمت عيسى سنتين.

ثمّ مات زكريّا ، فورثه يحيى عليهما السلام الكتاب والحكمة وهو صبيّ صغير ، فلمّا بلغ عيسى عليه السلام سبع سنين تكلّم بالنّبوّة حين أوحى الله تعالى إليه ، وكان عيسى الحجّة على يحيى وعلى النّاس أجمعين.

وليس تبقى الأرض يا أبا خالد (٤) يوماً واحداً بغير حجّة الله على النّاس منذ خلق الله آدم عليه السلام.

قلت : أو كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام حجّة من الله ورسوله إلى هذه الأمّة في

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٢١٦) ، برقم : (١٧).

(٢) الصّرفان جنس من التّمر ويقال : الصّرفانة ، تمرة حمراء نحو البرنية وهي أرزن التّمر كلّه ـ المصباح المنير.

(٣) بحار الانوار (١٤ / ٢١٦ ـ ٢١٧) ، برقم : (١٨).

(٤) كنية ليزيد الكناسي.


حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله ؟

قال : نعم ، وكانت طاعته واجبة على النّاس في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وبعد وفاته ولكنّه صحت ولم يتكلّم مع النّبيّ صلّى الله عليه وآله وكانت الطّاعة لرسول الله صلّى الله عليه وآله على أمّته وعلى عليّ معهم في حال حياة رسول الله ، وكان عليّ حكيماً عالماً (١).

فصل ـ ٢ ـ

٣٠٨ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطّالقاني ، حدّثنا أحمد بن محمّد الهمداني مولى بن هاشم ، حدّثنا بن عبد الله بن جعفر ، حدّثنا كثير بن عيّاش القطان ، عن أبي الجارود زياد بن المنذر ، عن الباقر عليه السلام قال : لمّا ولد عيسى عليه السلام كان ابن يوم كانّه ابن شهرين ، فلمّا كان ابن سبعة أشهر أخذته والدته وأقعدته عند المعلّم ، فقال المؤدّب : قل : بسم الله الرحمن الرحيم. قال عيسى عليه السلام : بسم الله الرّحمن الرحيم ، فقال المؤدّب : قل أبجد فقال : يا مؤدّب ما أبجد ؟ وان كنت لا تدري فاسألني حتّى أفسّر لك ، قال : فسّره لي.

فقال عيسى عليه السلام : الألف : آلاء الله والباء بهجة الله والجيم جمال الله والدّال دين الله. هوّز : الهاء [ هول ] (٢) جهنّم والواو ويل لأهل النّار والزّاي زفير جهنّم. حطّي : حطّت الخطايا عن المذنبين المستغفرين.

كلمن : كلام الله لا مبدّل لكلماته. سعفص : صاع بصاع والجزاء بالجزاء. قرشت : قرشهم فحشرهم.

فقال المؤدّب : أيتّها المرأة لا حاجة له إلى التّعليم (٣).

٣٠٩ ـ وباسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٢٥٥ ـ ٢٥٦) ، برقم : (٥١) عن الكافي ، ثم أحال إليه القصص مثلاً والحال أنّ المماثلة بينهما في هذا الخبر في بعض عباراتهما وذكره في الجزء (٣٨ / ٣١٨) ، برقم : (٢٦) من قوله : ليس تبقى الأرض ... إلى آخره.

(٢) الزّيادة من البحار.

(٣) بحار الانوار (٢ / ٣١٦ ـ ٣١٧) ، برقم : (١) عن المعاني والتّوحيد والآمالي ، و (١٤ / ٢٨٦) ، برقم : (٨).


أبان بن عثمان ، عن محمّد الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان بين داوُد وعيسى عليهما السلام أربعمائة سنة وثمانون سنة ، وأُنزل على عيسى في الإِنجيل مواعظ وأمثالٌ وحدودٌ ، وليس فيها قصاصٌ ولا أحكام حدود ولا فرض مواريث ، وأُنزل عليه تخفيف ما كان نزل على موسى عليه السلام في التّوراة ، وهو قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام : أنّه قال لبني إسرائيل : « ولاُحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم » وأمر عيسى عليه السلام من معه ممّن تبعه من المؤمنين أن يؤمنوا بشريعة التّوراة وشرايع جميع النّبيين والأنجيل.

قال : ومكث عيسى عليه السلام حتّى بلغ سبع سنين أو ثمانياً ، فجعل يخبرهم بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم ، فأقام بين أظهرهم يحيي الموتى ، ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويعلّمهم التّوراة ، وأنزل الله تعالى عليه الانجيل لمّا أراد أن يتّخذ عليهم حجة.

وكان يبعث إلى الرّوم رجلاً لا يداوي أحداً إلّا برئ من مرضه ، ويبرئ الأكمه والأبرص ، حتّى ذكر ذلك لملكهم ، فأُدخل عليه ، فقال : أتبرئ الأكمه والأبرص ؟ قال : نعم ، قال : فأتى بغلام منخسف الحدقة لم ير شيئاً قطّ ، فأخذ بندقتين فبندقهما ، ثمّ جعلهما في عينيه ودعا فاذا هو بصير ، فأقعده الملك معه وقال : كن معي ولا تخرج من مصري ، وأنزله معه بأفضل المنازل.

ثمّ إنّ المسيح عليه السلام بعث آخر وعلّمه ما به يحيي الموتى ، فدخل الرّوم وقال : أنا أعلم من طبيب الملك ، فقالوا للملك : ذلك ، قال : اقتلوه ، فقال الطّبيب : لا تقتله ادخله ، فإِن عرفت خطأه قتلته ولك الحجّة ، فأُدخل عليه ، فقال : أنا أحيي الموتى ، فركب الملك والنّاس إلى قبر ابن الملك مات (١) في تلك الأيّام ، فدعا رسول المسيح عليه السلام ، وأمّن طبيب الملك الّذي هو رسول المسيح عليه السلام أيضاً الأوّل ، فانشقّ القبر فخرج ابن الملك ، ثمّ جاء يمشي حتّى جلس في حجر أبيه فقال : يا بنيّ من أحياك ؟ قال : فنظر ، فقال : هذا وهذا فقاما وقالا : إنّا رسول (٢) المسيح عليه السلام إليك وانّك كنت لا تسمع من رسله إنّما تأمر بقتلهم إذا أتوك فتابع ، وأعظموا أمر المسيح عليه السلام حتّى قال فيه

_________________________________

(١) في البحار : وكان قد مات.

(٢) في ١ : رسولا.


أعداء الله ما قالوا ، واليهود يكذّبونه ويريدون قتله (١).

٣١٠ ـ وسألوا عيسى عليه السلام أن يُحيي سام بن نوح عليه السلام فأتى إلى قبره ، فقال : قم يا سام باذن الله ، فانشقّ القبر ، ثمّ أعاد الكلام فتحرّك ، ثمّ أعاد الكلام فخرج سام ، فقال عيسى عليه السلام : أيّهما أحبّ إليك تبقى أو تعود ؟ قال : يا روح الله ، بل أعود إنّي لأجد لذعة الموت في جوفي إلى يوم هذا (٢).

فصل ـ ٣ ـ

٣١١ ـ وباسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن عليّ بن عقبة (٣) ، عن يزيد القصرانيّ ، قال : قال لي ابوعبد الله عليه السلام : صعد عيسى عليه السلام على جبل بالشّام يقال له : أريحا ، فأتاه إبليس في صورة ملك فلسطين ، فقال له : يا روح الله أحييت الموتى وأبرأت الأكمه والأبرص ، فاطرح نفسك عن الجبل ، فقال عيسى عليه السلام : إنّ ذلك أذن لي فيه وهذا لم يؤذن لي فيه (٤).

٣١٢ ـ وباسناده عن الصّفار ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن الصّادق عليه السلام قال : جاء إبليس إلى عيسى عليه السلام ، فقال : أليس تزعم أنّك تحيي الموتى ؟ قال عيسى عليه السلام : بلى ، قال إبليس : فاطرح نفسك من فوق الحائط ، فقال عيسى عليه السلام : ويلك إنّ العبد لا يجرّب ربّه وقال إبليس : يا عيسى هل يقدر ربّك على أن يدخل الأرض في بيضة والبيضة كهيئتها ؟ فقال : انّ الله عزّ وجلّ لا يوصف بعجز ، والّذي قلت لا يكون.

يعني (٥) : هو مستحيل في نفسه كجمع الضّدين (٦).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٢٥١ ـ ٢٥٢) ، برقم : (٤٣).

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٢٣٣) ، برقم : (٢).

(٣) كذا في مورد من البحار ، وفي آخر : عتبة ، وفي ق ٣ :عيينة وفي غيره غير ذلك والكلّ مصحّف وما في المتن هو الصّحيح.

(٤) بحار الانوار (١٤ / ٢٧١) ، برقم : (٢) و (٦٣ / ٢٥٢) ، برقم : (١١٥).

(٥) التّفسير ظاهراً من كلام الشّيخ الرّاوندي.

(٦) بحار الانوار (١٤ / ٢٧١) ، برقم : (٣) و (٦٣ / ٢٥٢).


٣١٣ ـ وفي خبر آخر : أنّ إبليس قال لعيسى عليه السلام : أنت بلغ من عظم ربوبيّتك أن تكوّنت من غير أب ؟ قال عيسى عليه السلام : بل العظمة للّذي كوّنني ، وكذلك كوّن آدم وحوّا عليهما السلام ، قال إبليس : أنت الّذي بلغ من عظم ربوبيّتك أنّك تخلق من الطّين كهيئة الطّير ؟ فتنفخ فيه فيكون طيراً ، فقال عيسى عليه السلام : بل العظمة لِلّذي خلقني وخلق ما سخّر لي (١).

٣١٤ ـ وفي رواية : أتت عيسى عليه السلام امرأة من كنعان بابن لها مُزمنٌ (٢) ، فقالت : يا نبيّ الله ابني هذا زمن ادع الله له قال : إنّما أمرت ان أُبرئ زمني بني إسرائيل ، قالت : يا روح الله إنّ الكلاب تنال من فضول موائد أربابها إذا رفعوا موائدهم ، فأنلنا من حكمتك ما ننتفع به ، فاستأذن الله تعالى في الدّعاء فأذن له فأبرأه (٣).

فصل ـ ٤ ـ

٣١٥ ـ وباسناده عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سأل أبي أبا عبد الله عليه السلام هل كان عيسى يصيبه ما يصيب ولد آدم ؟ قال : نعم. ولقد كان يصيبه وجع الكبار في صغره ، ويصيبه وجع الصّغار في كبره ويصيبه المرض ، وكان إذا مسّه وجع الخاصرة في صغره وهو من علل الكبار قال لأمّه : ابغي لي عسلاً وشونيزاً وزيتاً فتعجني به ثمّ ائتيني به فأتته به فكرهه فتقول : لم تكرهه وقد طلبته فقال : هٰاتيه ، نعتّه لكِ بعلم النبوّة وأكرهته لجزع الصّبا ويشمّ الدّواء ثم يشربه بعد ذلك (٤).

٣١٦ ـ وفي رواية إسماعيل بن جابر ، قال ابوعبد الله عليه السلام : إنّ عيسى بن مريم عليه السلام كان يبكي بكاءاً شديداً ، فلمّا أعيت مريم عليها السلام كثرة بكائه قال لها : خذي من لحٰا هذه الشّجرة فاجعلي وجورا ثمّ اسقينيه ، فاذا سقي بكى بكاءاً شديداً فتقول مريم عليها السلام : ماذا أمرتني ؟ فيقول : يا أمّاه علم النّبوّة وضعف الصّبا (٥).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٢٧٠) ، برقم : (١) ، عن أمالي الصّدوق مسنداً ومبسوطاً.

(٢) في ق ١ : مرض.

(٣) بحار الانوار (١٤ / ٢٥٣) ، برقم : (٤٥).

(٤) بحار الانوار (١٤ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤) ، برقم : (٤٦) و (٦٢ / ١٧٠) ، برقم : (٤).

(٥) بحار الانوار (١٤ / ٢٥٤) ، برقم : (٤٧).


٣١٧ ـ وباسناده عن ابن سنان ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبي بصير ، عن الصّادق عليه السلام قال : إنّ عيسى عليه السلام مرّ بقوم مجلبين ، فسأل عنهم ، فقيل : بنت فلان تهدى إلى بيت فلان ، فقال : صاحبتهم ميتة من ليلتهم ، فلمّا كان من الغد قيل : إنّها حيّة يخرج بها النّاس إلى دارها فخرج زوجها ، فقال له : سل زوجتك ما فعلت البارحة من الخير ؟ فقالت : ما فعلت شيئاً إلّا أنّ سائلاً كان يأتيني كلّ ليلة جمعة فيما مضى وأنّه جاءنا ليلتنا فهتف فلم يجب ، فقال : عزّ عليّ أنّها لا تسمع صوتي وعيالي يبقون اللّيلة جياعاً ، فقمت مستنكرة فأنلته مقدار ما كنت أنيله فيما مضى ، قال عيسى عليه السلام : تنحّي من مجلسك فتنحّت ، فاذا تحت ثيابها أفعى عاض على ذنبه ، فقال : بما تصدّقت صرف عنك هذا (١).

فصل ـ ٥ ـ

٣١٨ ـ وباسناده عن ابن أورمة ، عن عيسى بن العبّاس ، عن محمّد بن عبد الكريم التّفليسي ، عن عبد المؤمن بن محمّد رفعه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أوحى الله جلّت عظمته إلى عيسى عليه السلام جدّ في أمري ولا تترك (٢) إنّي خلقتك من غير فحل آيةً للعالمين ، أخبرهم آمنوا بي وبرسولي النّبي الأُمّي نسله من مباركة ، وهي مع أمّك في الجنّة ، طوبى لمن سمع كلامه وأدرك زمانه وشهد أيّامه.

قال عيسى عليه السلام : يا ربّ وما طوبى ؟ قال : شجرة في الجنّة ، تحتها عين من شرب منها شربة لم يظمأ بعدها أبداً ، قال عيسى عليه السلام : يا ربّ اسقني منها شربة ، قال : كلّا يا عيسى إنّ تلك العين محرّمة على الأنبياء حتّى يشربها ذلك النبيّ ، وتلك الجنّة محرّمة على الأُمم حتّى تدخلها أمّة ذلك النبيّ (٣).

٣١٩ ـ وباسناده عن ابن سنان ، قال : قال الصّادق عليه السلام : قال عيسى بن مريم عليهما السلام لجبرئيل عليه السلام : متى قيام السّاعة ؟ فانتفض جبرئيل انتفاضة

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٣٢٤) ، برقم : (٣٧).

(٢) في إثبات الهداة : في أمرك ولا تهزل.

(٣) بحار الانوار (١٤ / ٣٢٣) ، برقم : (٣٤) و (١٥ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧). واثبات الهداة (١ / ١٩٧) ، برقم : (١١١).


أُغمي عليه منها ، فلمّا أفاق قال : يا روح الله ما المسؤول أعلم بها من السّائل وله من في السّمٰاوات والأرض لا تأتيكم إلّا بغتة (١).

٣٢٠ ـ وعن ابن سنان قال : قال الصّادق عليه السلام : كان فيها أوحى الله تعالى جلّ ذكره إلى عيسى عليه السلام : هب لي من عينيك الدّموع ، ومن قلبك الخشية ، واكحل عينيك بميل الحزن إذا ضحك البطّالون ، وقم على قبور الأموات ونادهم بالصّوت الرّفيع ، لعلّك تأخذ موعظتك منهم ، وقل : إنّي لاحق (٢) في اللّاحقين (٣).

٣٢١ ـ وقال الحواريّون لعيسى عليه السلام : يا معلّم الخير علّمنا أيّ الأشياء أشدّ ؟ قال : أشدّ الأشياء غضب الله ، قالوا : فبما يُتّقى غضب الله ؟ قال : بأن لا تغضبوا ، قالوا : وما بدء الغضب ؟ قال : الكبر ، والتّجبر ، ومحقرة النّاس (٤).

٣٢٢ ـ قال ابوجعفر عليه السلام : يقول : ما تدري ما يفجأك ما يمنعك ما تسعد له قبل أن يعيشك (٥).

٣٢٤ ـ قال : وقال الحواريّون لعيسى عليه السلام : علّمنا ، قال : انّ موسى عليه السلام أمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين وأنا آمركم أن لا تحلفوا بالله لا كاذبين ولا صادقين (٦).

٣٢٥ ـ وقال عيسى عليه السلام ليحيى عليه السلام : اذا قيل فيك ما فيك فاعلم أنّه ذنب ذكرتَهُ فاستغفر الله منه ، وإن قيل فيك ما ليس فيك فاعلم أنّها حسنة كتبت لك لم

_________________________________

(١) بحار الانوار (٦ / ٣١٢) و (٧ / ٦١ ـ ٦٢) ، برقم : (١٤) و (١٤ / ٣٢٣) ، برقم : (٣٥) ، ويأتي ما بعده برقم : (٣٢١).

(٢) في ق ٣ والبحار : لاحق بهم في.

(٣) بحار الانوار (١٤ / ٣٢٠) ، برقم : (٢٤) عن أمالي الشّيخ الطّوسي بسنده عن أبي بصير مثله.

(٤) بحار الانوار (١٤ / ٣٢٣) ، برقم : (٣٥) والمصدر ص (٢٨٧) عن الخصال.

(٥) بحار الانوار (١٤ / ٣٣٠) ، برقم : (٦٨) عن الزّهد وص (٣٢٦) نحوه عن تنبيه الخواطر وراجع الكتاب ص (٨٦) و (٧١ / ٢٦٧) ، برقم : (١٥) من كتاب الزهد للأهوازي ، عن فضالة عن اسماعيل عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام قال : كان عيسى بن مريم عليه السلام يقول : هول لا تدري متى يلقاك ما يمنعك أن تستعد له قبل أن يفجاك ، والخبر صحف في جميع النّسخ.

(٦) بحار الانوار (١٤ / ٣٣١) ، برقم : (٧١) عن الكافي و (١٠٤ / ٢٨٠) ، برقم : (١٤).


تتعب فيها (١).

فصل ـ ٦ ـ

٣٢٦ ـ وباسناده عن ابن أورمة ، عن الحسن بن عليّ ، عن الحسن بن الجهم ، عن الرّضا عليه السلام قال : كان عيسى عليه السلام يبكي ويضحك ، وكان يحيى عليه السلام يبكي ولا يضحك ، وكان الّذي يفعل عيسى عليه السلام أفضل (٢).

٣٢٧ ـ وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : مرّ أخي عيسى عليه السلام بمدينة وإذا في أثمارهم (٣) الدّود ، فشكوا إليه ما بهم ، فقال : دواء هذا معكم ، ولستم تعلمون أنتم إذا غرستم الأشجار صببتم التّراب ثمّ الماء ، وليس هكذا انّما ينبغي أن تصبّوا الماء في أصول الشّجر ثمّ التّراب ، فاستأنفوا كما وصف ، فذهب عنهم ذلك (٤).

٣٢٨ ـ وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : مرّ أخي عيسى عليه السلام بمدينة وفيها رجل وامرأة يتصايحان ، فقال : ما شأنكما ؟ قال : يا نبيّ الله هذه امرأتي صالحة وليس بها بأس ، ولكنّي أحبّ فراقها ، فهي خلقة الوجه من غير كبر ، قال عيسى عليه السلام : يا امرأة أتحبيّن أن يعود ماء وجهك طريّاً ؟ قالت : نعم ، قال : إذا أكلتِ إيّاك أن تشبعي لأنّ الطّعام إذا تكاثر على الصّدر زاد في البدن (٥) فذهب ماء الوجه ، ففعلت ذلك فعاد وجهها (٦) طريّاً (٧).

٣٢٩ ـ وباسناده عن ابن سنان ، عن الصّادق عليه السلام قال : لا تمزح فيذهب نورك ولا تكذب فيذهب بهاؤك ، وإيّاك وخصلتين : الضّجر والكسل ، فإنّك إن ضجرت

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٢٨٧) في ذيل خبر عن أمالي الصّدوق مسنداً برقم : (١١) راجع الأمالي المجلس (٧٧) برقم : (٨).

(٢) بحار الانوار (١٤ / ١٨٨) ، برقم : (٤١) وص (٢٤٩) ، برقم : (٣٨) و (٧٦ / ٦٠) ، برقم : (١١).

(٣) في البحار : ثمارها.

(٤) بحار الانوار (١٤ / ٣٢١) ، برقم : (٢٧) عن العلل.

(٥) في البحار : فزاد في القدر.

(٦) في ق ٣ : فعاد ماء وجهها.

(٧) بحار الانوار (١٤ / ٣٢٠) ، برقم : (٢٦) و (٦٦ / ٣٣٤) ، برقم : (١٥) ، عن العلل.


لم تصبر على حقّ ، وإن كسلت لم تؤدّ حقّاً.

قال : وكان المسيح عليه السلام يقول : من كثر همّه سقم بدنه ، ومن ساء خلقه عذّب نفسه ، ومن كثر كلامه كثر سقطه ، ومن كثر كذبه ذهب بهاؤه ، ومن لاحى الرّجال ذهبت مرّوته (١).

٣٣٠ ـ وقال قال النّبي صلّى الله عليه وآله : مرّ أخي عيسى عليه السلام بمدينة ، فاذا وجوههم صفر وعيونهم زرق ، فشكوا إليه ما بهم (٢) من العلل ، فقال : دواؤكم معكم أنتم اذا أكلتم اللّحم طبختموه غير مغسول ، وليس يخرج شيء من الدّنيا إلّا بجنابة ، فغسلوا بعد ذلك لحومهم ، فذهبت أمراضهم (٣).

٣٣١ ـ ومرّ أخي عيسى عليه السلام بمدينة وإذا أهلها أسنانهم منتثرة ووجوههم منتفخة ، فشكوا إليه ، فقال : أنتم إذا نمتم تطبقون أفواهكم ، فتغلي الرّيح في الصّدر (٤) حتّى تبلغ إلى الفم ولا يكون له مخرج ، فيرجع (٥) إلى أصول الأسنان فيفسد الوجه ، فاذا نمتم فافتحوا شفاهكم ، ففعلوا (٦) فذهب ذلك عنهم (٧).

فصل ـ ٧ ـ

٣٣٢ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، عن الصّادق عليه السلام قال : إنّ عيسى عليه السلام لمّا أراد وداع أصحابه جمعهم ، وأمرهم بضعفاء الخلق ، ونهاهم عن الجبابرة ، فوجّه اثنين الى أنطاكية ، فدخلا في يوم عيد لهم ، فوجداهم قد كشفوا عن الأصنام وهم يعبدونها ، فعجّلا عليهم بالتّعنيف ، فشدّا بالحديد وطرحا في السّجن ، فلمّا علم شمعون بذلك أتى أنطاكية حتّى

_________________________________

(١) بحار الانوار (٧٨ / ١٩٩ ـ ٢٠٠) ، برقم : (٢٦).

(٢) في البحار : فصاحوا اليه وشكوا ما بهم.

(٣) بحار الانوار (١٤ / ٣٢١) ، برقم : (٢٨).

(٤) في ق ٣ : في صدوركم ، وفي البحار : في الصدور.

(٥) في البحار : فترد.

(٦) في البحار : شفاهكم وصيروه لكم خلقاً ففعلوا.

(٧) بحار الانوار (١٤ / ٣٢١) ، برقم : (٢٩).


دخل عليهما في السّجن ، وقال : ألم أنهكما عن الجبابرة.

ثمّ خرج من عندهما وجلس مع النّاس مع الضّعفاء ، فأقبل فطرح كلامه الشّيء بعد الشّيء ، فأقبل الضّعيف يدفع كلامه إلى من هو أقوى منه ، وأخفوا كلامه خفاءاً شديداً ، فلم يزل يتراقى الكلام حتّى انتهى إلى الملك ، فقال : منذ متى هذا الرّجال في مملكتي ؟ فقالوا : منذ شهرين ، فقال : عليّ به ، فأتوه ، فلمّا نظر إليه وقعت عليه محبّته ، فقال : لا أجلس إلّا وهو معي.

فرآى في منامه شيئاً أفزعه ، فسأل شمعون عنه ، فأجاب بجواب حسن فرح به ، ثمّ أُلقي عليه في المنام ما أهاله ، فأوَّلها له بما ازداد به سروراً ، فلم يزل يحادثه حتّى استولى عليه.

ثمّ قال : إنّ في حبسك رجلين عابا عليك ؟ قال : نعم ، قال : فعَلَيَّ بهما ، فلمّا أُتي بهما قال : ما إلهكما الّذي تعبدان ؟ قالا : الله ، قال : يسمعكما اذا سألتماه ويجيبكما إذا دعوتماه ؟ قالا : نعم ، قال شمعون : فأنا أريد أن استبرئ ذلك منكما ، قالا : قل : قال : هل يشفي لكما الأبرص ؟ قالا : نعم ، قال : فأُتي بأبرص ، فقال : سلاه أن يشفي هذا ، قال : فمسحاه فبرئ ، قال : وأنا أفعل مثل ما فعلتما ، قال : فأُتي بآخر فمسحه شمعون فبرئ.

قال : بقيت خصلة إن أجبتماني إليها آمنت بالهكما قالا : وما هي ؟ قال : ميّت تحييانه ؟ قالا : نعم ، فأقبل على الملك وقال : ميت يعنيك أمره ؟ قال : نعم ابني قال : اذهب بنا إلى قبره ، فانّهما قد أمكناك من أنفسهما ، فتوجّهوا إلى قبره ، فبسطا أيديهما فبسط شمعون يديه ، فما كان بأسرع من أن صدع القبر وقام الفتى ، فأقبل على أبيه ، فقال أبوه : ما حالك ؟ قال : كنت ميّتاً ففزعت فزعة ، فاذا ثلاثة قيام بين يدي الله باسطوا أيديهم يدعون الله أن يحييني وهما هذان وهذا ، فقال شمعون : أنا لإِلهكما من المؤمنين ، فقال الملك : أنا بالّذي آمنت به يا شمعون من المؤمنين ، وقال وزراء الملك : ونحن بالّذي آمن به سيّدنا من المؤمنين ، فلم يزل الضّعيف يتبع القوى ، فلم يبق بأنطاكية أحد إلّا آمن به (١).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣) ، برقم : (٤٤).


فصل ـ ٨ ـ

٣٣٣ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا حمزة بن محمّد العلوي ، حدّثنا أحمد بن محمّد ، حدّثنا الحسن بن علي بن يوشع ، حدّثنا عليّ بن محمّد الحريري (١) ، حدّثنا حمزة بن يزيد ، عن عمر ، عن جعفر ، عن آبائه عليهم السلام عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : لمّا اجتمعت اليهود إلى عيسى عليه السلام ليقتلوه بزعمهم ، أتاه جبرئيل عليه السلام فغشاه بجناحه ، وطمح عيسى عليه السلام ببصره ، فاذا هو بكتاب في جناح جبرئيل عليه السلام : « اللّهم إنّي أدعوك باسمك الواحد الأعزّ ، وأدعوك اللّهمّ باسمك الصّمد ، وأدعوك اللّهم باسمك العظيم الوتر ، وأدعوك اللّهم باسمك الكبير المتعال الّذي ثبت أركانك كلّها أن تكشف عنّي ما أصبحت وأمسيت فيه » فلمّا دعا به عيسى عليه السلام أوحى الله تعالى إلى جبرئيل عليه السلام ارفعه إلى عندي.

ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : يا بني عبد المطّلب سلوا ربّكم بهؤلاء الكلمات (٢) ، فوالّذي نفسي بيده ما دعا بهنّ عبدٌ بإِخلاص ونيّةٍ إلّا اهتزّ له العرش ، وإلّا قال الله لملائكته : اشهدوا أنّي قد استجبت له بهنّ وأعطيته سؤله في عاجل دنياه وآجل آخرته ، ثمّ قال لاصحابه : سلوا بها ولا تستبطئوا الاجابة (٣).

فصل ـ ٩ ـ

٣٣٤ ـ وباسناده عن الصّفار ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن عليّ بن شجرة ، عن عمّه ، عن بشير النّبال ، عن الصّادق عليه السلام قال : بينا رسول الله صلّى الله عليه وآله جالس إذا امرأة أقبلت تمشي حتّى انتهت إليه ، فقال لها : مرحباً بابنة نبيّ ضيّعه قومه أخي خالد بن سنان العبسي.

_________________________________

(١) في البحار : الجريري.

(٢) في ق ٢ وق ٤ : بهذه الكلمات.

(٣) بحار الانوار (٩٥ / ١٨٩ ـ ١٩٠) ، برقم : (١٧) وص (١٧٥ ـ ١٧٦) عن مهج الدّعوات لابن طاوُس باسناده إلى سعيد بن هبة الله الرّاوندي رحمه الله من كتاب قصص الأنبياء.


ثمّ قال : إنّ خالداً دعا قومه فأبوا أن يجيبوه ، وكانت نارٌ تخرج في كلّ يوم ، فتأكل ما يليها من مواشيهم وما أدركت لهم ، فقال لقومه : أرايتم إن رددتها عنكم أتؤمنون بي وتصدّقوني ؟ قالوا : نعم ، فاستقبلها فردّها بثوبه حتّى أدخلها غاراً وهم ينظرون ، فدخل معها فمكث حتّى طال ذلك عليهم ، فقالوا : إنّا لنراها قد أكلته فخرج منها ، فقال : أتجيبونني وتؤمنون بي ؟ قالوا : نار خرجت ودخلت لوقتٍ ، فأبوا أن يجيبوه ، فقال لهم : إنّي ميّت بعد كذا ، فاذا أنا متّ فادفنوني ، ثمّ دعوني أيّاماً فانبشوني ، ثمّ سلوني أخبركم بما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، قال : فلمّا كان الوقت جاء ما قال : فقال بعضهم لم نصدّقه حيّاً نصدّقه ميّتاً فتركوه ، وأنّه كان بين النّبي وعيسى عليهما السلام ، ولم تكن بينهما فترة (١).

٣٣٥ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطّالقاني ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد ، حدّثنا علي بن الحسن بن علي بن فضّال ، عن أبيه ، عن أبي الحسن [ الرّضا ] (٢) عليه السلام قال : إنما سمّي أولوا العزم [ أولى العزم ] (٣) لأنّهم كانوا أصحاب العزائم والشّرائع ، وذلك أنّ كلّ نبيّ بعد نوح عليه السلام كان على شريعته ومنهاجه وتابعاً لكتابه الى زمن إبراهيم عليه السلام ، فكلّ نبي كان في ايّام إبراهيم عليه السلام وبعده كان على شريعة إبراهيم عليه السلام الى زمن موسى عليه السلام فكلّ نبيّ كان في زمن موسى عليه السلام وبعده كان على شريعة موسى ومنهاجه ، إلى أيّام عيسى عليه السلام وكلّ نبيّ كان في أيّام عيسى عليه السلام وبعده كان على شريعة عيسى عليه السلام ومنهاجه وتابعاً له إلى زمن نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وآله ، فهؤلاء الخمسة أولوا العزم ، وهم أفضل الأنبياء وشريعة محمّد صلّى الله عليه وآله لا تنسخ إلى يوم القيامة ، ولا نبيّ بعده إلى يوم القيامة ، فمن ادّعى بعده نبيّاً فدمه مباح (٤).

٣٣٦ ـ وفي رواية سماعة بن مهران : قلت لأبي عبد الله عليه السلام « فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ » (٥) قال : هم أصحاب الكتب إنّ نوحاً جاء بشريعة إلى آخر الخبر (٦).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٤٥٠) ، برقم : (٢).

(٢ ـ ٣) الزّيادة في الموضعين من البحار.

(٤) بحار الانوار (١١ / ٣٤) ، برقم : (٢٨) عن العيون مع زيادة بعد مباح وهي : لكل من سمع ذلك منه.

(٥) سورة الاحقاف : (٣٥).

(٦) بحار الانوار (١١ / ٣٥) ، برقم : (٢٩).


فصل ـ ١٠ ـ

٣٣٧ ـ وباسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن جماعة ، عن علاء ، عن فضيل بن يسار ، عن الصّادق عليه السلام قال : لم يبعث الله [ نبيّاً ] (١) من العرب إلّا هوداً وصالحاً وشعيباً ومحمّداً صلوات الله عليهم (٢).

٣٣٨ ـ وروي أنّهم خمسة وإسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام منهم وقال : إنّ الوحي ينزل من عند الله عزّ وجلّ بالعربيّة ، فاذا أتى نبيّاً من الأنبياء أتاه بلسان قومه (٣).

٣٣٩ ـ وقال : ما بعث الله تعالى نبيّاً قطّ حتّى يسترعيه الغنم ، يعلّمه بذلك رعاية النّاس وحقوقهم (٤).

٣٣٨ ـ وعن ابن بابويه ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، علي بن أسباط ، قال : سمعت الرّضا عليه السلام يقول عن آبائه عليهم السلام : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لم يبق من أمثال الأنبياء المتقدّمين إلّا قولهم : إذا لم تستحي فاصنع ما شئت (٥).

٣٣٩ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن الصّادق عليه السلام : إنّ أشدّ النّاس بلاءاً الأنبياء ، ثمّ الّذين يلونهم ، ثمّ الأمثل فالأمثل (٦).

٣٤٠ ـ وباسناده عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الله بن سنان ، عن محمّد بن مروان ، عن الباقر عليه السلام قال : إنّ نبيّاً من الأنبياء

_________________________________

(١) الزّيادة من ق ٢.

(٢) بحار الانوار (١١ / ٤٢) ، برقم : (٤٦).

(٣) بحار الانوار (١١ / ٤٢) ، برقم : (٤٧).

(٤) بحار الانوار (١١ / ٦٤ ـ ٦٥) ، برقم : (٧) عن العلل (١ / ٣٢) الباب (٢٩) برقم : (٢) وليس في آخره : حقوقهم.

(٥) بحار الانوار (٧١ / ٣٣٣) ، برقم : (٨) عن العيون والامالي للصّدوق وأحال القصص إليهما مثلاً. وراجع عيون أخبار الرضا عليه السلام (٢ / ٥٦) ، برقم : (٢٠٧).

(٦) بحار الانوار (٦٧ / ٢٣١) ، برقم : (٤٥).


عليهم السلام حمد الله بهذه المحامد ، فأوحى الله جلّت عظمته إليه : لقد شغلت الكاتبين قال : اللّهمّ لك الحمد كثيراً طيّباً مباركاً فيه ، كما ينبغي لك أن تحمد ، وكما ينبغي لكرم وجهك وعزّ جلالك (١).

٣٤١ ـ وباسناده عن محمّد بن سنان ، عن محمّد بن عطيّة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إنّ الله عزّ وجلّ أحبّ لأنبيائه من الأعمال : الحرث والرّعي لئلّا يكرهوا شيئاً من قطر السّماء. ثمّ قال : صلّى بمكّة تسعمائة نبيّ (٢).

٣٤٢ ـ وعن الصّفار ، عن العباس بن معروف ، عن الحسين بن يزيد النّوفلي ، عن السّكوني ، عن الصّادق عليه السلام قال : أوحى الله تعالى إلى نبيّ من أنبيائه ، قل للمؤمنين : لا تلبسوا لباس أعدائي ، ولا تطعموا مطاعم أعدائي ، ولا تسلكوا مسالك أعدائي ، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي (٣).

فصل ـ ١١ ـ

٣٤٣ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابوالحسن أحمد بن محمّد بن عيسى بن أحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، حدّثنا ابوعبد الله محمّد بن إبراهيم بن أسباط ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن زياد القطّان ، حدّثنا ابوالطّيب أحمد بن محمّد بن عبد الله ، حدّثنا عيسى بن جعفر بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام : أنّ النّبي صلّى الله عليه وآله قال : ان نبيّاً من الأنبياء بعث إلى قومه ، فبقي فيهم أربعين سنة ، فلم يؤمنوا به.

وكان لهم عيد في كنيسة لهم ، فأتبعهم النّبي فقال لهم : آمنوا بالله ، قالوا : إن كنت نبيّاً فادع الله عزّ وجلّ أن يجيئنا بطعام على ألوان ثيابنا ، وكانت ثيابهم صفراء ، فجاء بخشبة يابسة ، فدعا الله فاخضرّت وأينعت وجاءت بالمشمش حملاً فأكلوه ، فكلّ من أكل ونوى أن

_________________________________

(١) بحار الانوار (٩٣ / ٢١٢) ، برقم : (١٣).

(٢) بحار الانوار (١١ / ٦٤) ، برقم : (٦) عن العلل (١ / ٣٢) ، برقم : (١) وليس فيه : ثم قال : صلّى إلى آخره.

(٣) وسائل الشّيعة (٣ / ٢٧٩) ، برقم : (٨) ، في الباب (١٩) من أبواب لباس المصلي عن العلل والعيون والفقيه وفي الباب (٦٤) من أبواب جهاد العدوّ من كتاب الجهاد عن التّهذيب ، وفيه : ولا تشاكلوا بما شاكل أعدائي.


يسلم على يد ذلك النبيّ عليه السلام خرج ما في النّوى من فيه حلواً ، وكلّ من نوى أن لا يؤمن خرج ما في جوف النّوى مرّاً (١).

٣٤٤ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى ، حدّثنا محمّد بن هارون الصّوفيّ ، حدّثنا عبيد الله بن موسى الخبّاز الطّبري ، حدّثنا محمّد بن الحسين الخشاب ، حدّثنا محمّد بن محصن ، عن يونس بن ظبيان ، قال : قال الصّادق عليه السلام : إنّ الله أوحى إلى نبيّ من أنبياء بني إسرائيل : إن أحببت أن تلقاني غداً في حظيرة القدس ، فكن في الدّنيا وحيداً غريباً مهموماً محزوناً مستوحشاً من النّاس بمنزلة الطّير الواحد ، فاذا كان اللّيل آوى وحده واستوحش من الطّيور واستأنس بربّه (٢).

والله الموفّق إلى سبيل الرّشاد.



_________________________________

(١) بحار الانوار (١٤ / ٤٥٦) ، برقم : (٨). والرّجل الأوّل في السّند هو من مشايخ الصّدوق وحسب ما سجّل في قائمة مشيخته سقط في سلسلة نسب هذا الرجل هنا من ما بعد عيسى بن أحمد : بن عيسى بن عليّ بن الحسين بن.

(٢) بحار الانوار (١٤ / ٤٥٧ ـ ٤٥٨) ، برقم : (١٠) وفي بعض النسخ : مافيه من النوى.


الباب التّاسع عشر

( في الدّلائل على نبوّة محمّد صلّى الله عليه وآله من المعجزات وغيرها )

٣٤٥ ـ وبالاسناد الصّحيح عن المخزوم بن هلال المخزومي (١) ، عن أبيه ـ وقد أتى عليه مائة وخمسون سنة ـ قال : لمّا كانت اللّيلة الّتي ولد فيها رسول الله صلّى الله عليه وآله ارتجس أيوان كسرى ، فسقطت منه أربعة عشر شرفة ، وخمدت نيران فارس ، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، غاضت بحيرة ساوة ، ورأى المؤبذان في النّوم إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجله فانتشرت بلادها.

فلمّا أصبح كسرى ، راعه (٢) ذلك وأفزعه ، وتصبّر عليه تشجّعاً ، ثمَّ رأى أن لا يدّخر ذلك عن أوليائه ووزرائه ومرازبه ، فجمعهم وأخبرهم بما هاله ، فبينما هم كذلك إذا أتاهم بخمود نار فارس فقال المؤبذان : وأنا رأيت رؤياً ، وقصّ رؤياه في الإبل ، فقال : أيّ شيءٍ يكون هذا يا مؤبذان ؟ قال : حدث يكون من ناحية العرب.

فكتب عند ذلك كسرى إلى النّعمان بن المنذر ملك العرب : أمّا بعد فوجّه إليّ برجل عالم بما اُريد أن أسأله عنه. فوجّه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن نفيلة الغساني (٣) ، فلمّا قدم عليه أخبره ما رآى ، فقال : علم ذلك عند خال (٤) لي يسكن مشارق الشام يقول له : سطيح ، فقال : اذهب إليه ، فاسأله وأتني بتأويل ما عنده ، فنهض عبد المسيح حتّى قدم

_________________________________

(١) في البحار : عن مخزوم بن هاني. وكذا في كمال الدّين الباب (١٧) مع توصيفه بالمخزومي. وهو الصّحيح.

(٢) في ق ٣ : أراعه.

(٣) في البحار : عمرو بن حيّان بن تغلبة الغسّاني وعلى نسخةٍ : نفيلة. وهو على الاصل في كمال الدّين.

(٤) في بعض النسخ : خالي. وفي كمال الدّين : عند خال لي يسكن مشارف الشّام وفي البحار ، على نسخةٍ.


على سطيح وقد أشفى على الموت ، فسلّم عليه فلم يحر جواباً.

ثمَّ قال : عبد المسيح على جمل مشيح (١) أتى إلى سطيح ، وقد أوفى على الضّريح (٢) بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الأيوان وخمود النّيران ورؤيا المؤبذان : رآى إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها.

فقال يا عبد المسيح إذا كثرت التّلاوة ، وظهر صاحب الهراوة ، وفاض وادي السّماوة ، وغاضت (٣) بحيرة ساوة ، وخمدت نار (٤) فارس ، فليس الشّام لسطيح شاماً ، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشّرفات ، وكلّما هو آتٍ آتٍ.

ثمَّ قضى سطيح مكانه ، فنهض عبد المسيح ، وقدم على كسرى وأخبره بما قال سطيح ، فقال : إلى أن يملك منّا أربعة عشر ملكاً كانت أمور ، فملك منهم عشرة في أربع سنين والباقون إلى إمارة عثمان (٥).

٣٤٦ ـ وذكر ابن بابويه في كتاب كمال الدّين : أنّ في الانجيل : إنّي أنا الله لا اله الا أنا الدّائم الّذي لا أزول ، صدّقوا النّبيَّ الاُميَّ صاحب الجمل والمدرعة ، الاكحل العينين ، الواضح الخدّين ، في وجهه نور كاللّؤلُؤ وريح المسك ينفخ منه ، لم ير قبله مثله ولا بعده طيّب الرّيح ، نكّاح النّساء ، ذو النّسل القليل ، إنّما نسله من مباركة ، لها بيت في الجنّة لا صخب فيه ولا نصب ، يكفلها في آخر الزّمان كما كفّل زكريّا اُمّك ، لها فرخان مستشهدان كلامه القرآن ودينه الاسلام وأنا السّلام ، طوبى لمن أدرك زمانه وشهد أيّامه وسَمِعَ كلامه.

فقال عيسى عليه السلام : يا ربّي وما طوبى ؟

قال : شجرة في الجنّة ، أنا غرستها بيدي ، تظلّ الأخيار ، أصلها من رضوان ، ماؤها من تسنيم ، بردها برد الكافور ، وطعمه طعم الزّنجبيل ، من يشرب من تلك العين شربة لم يظمأ بعدها أبداً.

_________________________________

(١) أي : طويل.

(٢) في بعض النسخ : بعثه. والضّريح بمعنى القبر.

(٣) في بعض النسخ : غاصت.

(٤) في بعض النسخ : نيران.

(٥) بحار الانوار (١٥ / ٢٦٣ ـ ٢٦٦) ، برقم : (١٤) عن كمال الدّين مفصّلاً (١ / ١٩١ ـ ١٩٦).


فقال عيسى عليه السلام : اللّهمّ اسقني منها. قال : حرام هي يا عيسى أن يشرب أحدٌ من النّبيّين منها حتّى يشرب النبيّ الاُميّ ، وحرام على الامم أن يشربوا منها حتّى تشرب أمّة ذلك النبيّ ، أرفعك إليَّ ثمّ أهبطك آخر الزّمان ، فترى من أمّة ذلك النّبيّ العجائب ، ولتعينهم على اللّعين الدّجال ، أهبطك في وقت الصّلاة لتصلّي معهم ، إنّهم اُمّة مرحومة (١).

فصل ـ ١ ـ

٣٤٧ ـ وباسناده عن ابن بابويه ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن داود بن علي اليعقوبي ، عن عبد الأعلى مولى آل سام ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : أتى رسول الله صلّى الله عليه وآله يهودي يقال له : سبحت فقال : يا محمّد أسألك عن ربّك ، فان أجبتني عمّا أسألك عنه اتّبعتك وإلّا رجعت ، فقال صلّى الله عليه وآله : سل عمّا شئت فقال : أين ربّك ؟ قال : هو في كلّ مكان ، وليس هو في شيءٍ من المكان بمحدود ، قال : فكيف هو ؟ قال : فكيف أصف ربّي بالكيف والكيف مخلوق والله لا يوصف بخلقه ، قال : فمن أين يعلم أنّك نبيٌّ ؟ قال : ما بقي حجرٌ ولا مدر ولا غير ذلك الّا قال بلسان عربيّ مبين : يا سبحت إنّه رسول الله ، فقال سبحت : تالله ما رأيت كاليوم ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّك رسول الله (٢).

٣٤٨ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابوالحسين محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الفارابي (٣) ، حدّثنا أبوسعيد أحمد بن محمّد بن رميح القسري ، حدّثنا أحمد بن جعفر العسلي بقهستان ، حدّثنا أحمد بن عليّ العلي ، حدّثنا ابوجعفر محمّد بن علي الخزاعي ، حدّثنا عبد الله بن جعفر ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه

_________________________________

(١) كمال الدين (١ / ١٥٩ ـ ١٦٠) ، برقم : (١٨) ، الباب (٨). وتقدّم شبهه برقم : (٣١٨).

(٢) بحار الانوار (٣ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣) عن التّوحيد بإسناد صحيح ، وأمّا ما هنا من السند ففيه سقط. والسّاقط : أبي عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى وابن هاشم عن الحسن بن علي عن داوُد بن علي اليعقوبي عن بعض أصحابنا عن عبد الاعلى.

(٣) في مشيخة الصّدوق : الفارسي. وفي البحار : الطّلقانيّ. وهذا اشتباه فانّ الطّالقاني كنيته : ابوالعباس.


السلام : من الّذي حضر سبحت اليهودي الفارسي ، وهو يكلّم رسول الله صلّى الله عليه وآله ؟ فقال القوم : ما حضر (١) منا أحدٌ.

فقال علي عليه السلام : لكنّي كنت معه صلى الله عليه وآله وقد جاءه سبحت ، وكان رجلاً من ملوك فارس وكان ذرباً (٢) ، فقال : يا محمّد أين الله ؟ قال : هو في كلّ مكان ، وربّنا لا يوصف بمكان ولا يزول ، بل لم يزل بلا مكان ولا يزال ، قال : يا محمّد إنّك لتصف ربّاً عليماً عظيماً بلا كيف فكيف لي أن أعلم أنّه أرسلك ؟ فلم يبق بحضرتنا ذلك اليوم حجر ولا مدر ولا جبل ولا شجر إلّا قال مكانه : أشهد أن لا إلهَ إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وقلت له أيضاً : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً رسوله ، فقال : يا محمّد : من هذا ؟ قال : هو خير أهلي ، وأقرب الخلق منّي ، لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وروحه من روحي ، وهو الوزير منّي في حياتي ، والخليفة بعد وفاتي ، كما كان هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، فاسمع له وأطع ، فانّه على الحقّ ، ثمّ سمّاه عبدالله (٣).

فصل ـ ٢ ـ

٣٤٩ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابومحمّد عبد الله بن حامد ، حدّثنا أحمد بن محمد بن الحسن ، حدّثنا محمّد بن يحيى أبوصالح ، حدّثنا اللّيث ، حدّثنا يونس ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة أنّ جابر بن عبد الله قال : كنّا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله بمرّ الظّهران يرعى الكباش (٤) وأنّ رسول الله قال : عليكم بالأسود منه فانّه أطيبه ، قالوا : نرعي الغنم ؟ قال : نعم ، وهل نبيّ إلّا رعاها (٥).

_________________________________

(١) في البحار : ما حضره.

(٢) في البحار : درباً.

(٣) بحار الانوار (٣٨ / ١٣٣) ، برقم : (٨٦) باختلاف مّا. أقول : هذا الخبر يغاير ما تقدمه سنداً ومتناً ـ وإن كان مشتملاً على زاوية من قصّة سَبُحتِ اليهودي ـ ومع ذلك فقد اتفق للعلّامة المجلسي اشتباه كبير هنا إذ ذكر هذا السّند عن القصص في الجزء (٣ / ٣٣٣) برقم : (٣٧) والجزء (١٧ / ٣٧٤) ، برقم : (٢٩) وحمله على المتن السّابق هنا برقم (٣٤٧).

(٤) في البحار : الغنم.

(٥) بحار الانوار (١٦ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤) ، برقم : (٢٤).


٣٥٠ ـ وعنه ، عن أبيه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، حدّثنا محمّد بن أحمد ، عن أحمد بن محمّد ، عن يوسف بن حاتم ، عن رجل من ولد عمّار يقال له : ابولؤلؤة سمّاه عن آبائه قال : قال عمّار رضي الله عنه : كنت أرعى غنيمة أهلي ، وكان محمّد صلّى الله عليه وآله يرعى أيضاً ، فقلت : يا محمّد هل لك في فخ (١) ؟ فانّي تركتها روضة برق (٢) ، قال : نعم فجئتها من الغد وقد سبقني محمّد صلّى الله عليه وآله وهو قائم يذود غنمه عن الرّوضة ، قال : إنّي كنت واعدتك فكرهت أن أرعى قبلك (٣).

فصل ـ ٣ ـ

٣٥١ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، حدّثنا عليّ بن حمّاد البغدادي ، عن بشر بن عباد المريسي ، حدّثنا يوسف (٤) بن يعقوب بن ابراهيم ، عن أبي حنيفة ، عن عبد الرّحمن السّلماني ، عن حبش (٥) بن المعتمر ، عن علي عليه السلام قال : دعاني رسول الله صلّى الله عليه وآله فوجّهني إلى اليمن لأصلح بينهم ، فقلت : يا رسول الله إنّهم قوم كثير ولهم سنّ وأنا شابّ حدث ، فقال : يا عليّ إذا صرت باعلى عقبة أفيق ، فناد بأعلى صوتك : يا شجر يا مدر يا ثرى محمّد رسول الله يقرئكم السّلام ، قال : فذهبت فلمّا صرت بأعلى العقبة أشرفت على أهل اليمن فاذا هم بأسرهم يقبلون نحوي شاهرون سلاحهم مستوون أسنّتهم متنكّبون قسيّهم فناديت (٦) بأعلى صوتي : يا شجر يا مدر يا ثرى ، محمّدٌ رسولُ الله يقرئكم السّلام قال : فلم يبق شجرٌ ولا مدرٌ ولا ثرى إلّا ارتج بصوتٍ واحد : وعلى محمّدٍ رسول الله السّلام ، فاضطربت قوائم القوم ، وارتعدت ركبهم ، ووقع السّلاح من أيديهم ، وأقبلوا إليَّ مسرعين ،

_________________________________

(١) في البحار : فج. وهو الوادي بين الجبلين.

(٢) البرق محركة : الحمّل ، معرب : برّة.

(٣) بحار الانوار (١٦ / ٢٢٤) ، برقم : (٢٥) و (٧٥ / ٩٦) ، برقم : (١٩).

(٤) في البحار (٤١ / ٢٥٢) : أبويوسف يعقوب.

(٥) في البحار نفسه : حبيش.

(٦) في ق ١ : مسلتون سيوفهم فناديت. وفي البحار : مشرعون رماحهم ، مستوون أسنتهم متنكبون قسيهم شاهرون سلاحهم فناديت.


فاصلحتُ بينهم وانصرفتُ (١).

٣٥٢ ـ وعنه عن عليّ (٢) بن أحمد بن موسى ، حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الوفي ، حدّثنا موسى بن عمران النّخعي ، حدّثنا إبراهيم بن الحكم ، عن عمرو بن جبير ، عن أبيه ، عن الباقر عليه السلام قال : بعث النّبيّ صلّى الله عليه وآله عليّاً إلى اليمن ، فانفلت فرس لرجل من أهل اليمن فنفح رجلاً فقتله ، فأخذه أولياؤه ورفعوه إلى عليّ ، فأقام صاحب الفرس البيّنة أنّ الفرس انفلت من داره فنفح (٣) الرّجل برجله ، فأبطل عليّ عليه السلام دم الرّجل ، فجاءً أولياءُ المقتول من اليمن إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله يشكون علياً فيما حكم عليهم فقالوا : إن عليّاً ظلمنا وأبطل دم صاحبنا فقال : رسول الله صلّى الله عليه وآله إنّ عليّاً عليه السلام ليس بظلّام ولم يُخلق عليٌّ للظّلم ، وإنّ الولاية من بعدي لعليٍّ ، والحكم حكمه ، والقول قوله ، لا يردّ حكمه وقوله وولايته إلّا كافرٌ ، ولا يرضى بحكمه وولايته إلا مؤمن ، فلمّا سمع النّاس قول رسول الله صلّى الله عليه وآله قالوا : يا رسول الله رضينا بقول عليّ عليه السلام وحكمه ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : هو توبتكم ممّا قلتم (٤).

فصل ـ ٤ ـ

٣٥٣ ـ وعنه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبد الله ، حدّثنا محمّد بن عبد الجبار ، حدّثنا جعفر بن محمّد الكوفي ، عن رجل من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لمّا انتهى رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى الرّكن الغربي فجازه فقال له الرّكن : يا رسول الله ألست قعيداً من قواعد بيت ربّك فما بالي لا اُستلم ؟ فدنا منه رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال له : اسكن عليك السّلام غير مهجور ودخل حائطاً ، فنادته العراجين من كلّ جانب :

_________________________________

(١) بحار الانوار (٤١ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣) ، برقم : (١١) عن مختصر البصائر و (٢١ / ٣٦٢) ، برقم : (٦) عن البصائر وراجع البصائر ، الجزء العاشر ص (٥٢١).

(٢) في النّسخ : حدّثنا عبد الرّحمن عن علي ... وهو مخدوش والصّحيح ما صحّحنا به السّند عن البحار والامالي المجلس (٥٥) ، برقم : (٧).

(٣) نفح رجلاً أي ضربه الفرس برجله.

(٤) بحار الانوار (٢١ / ٣٦٢) ، برقم : (٥) ، و (١٠٤ / ٤٠٠) ، برقم : (١) وراجع أمالي الصدوق المجلس (٥٥) ، برقم : (٧).


السّلام عليك يا رسول الله ، وكلّ واحد منها يقول : خذ منّي فأكل ودنا من العجوة فسجدت ، فقال : اللّهمّ بارك عليها وانفع بها ، فمن ثَمَّ روي أنّ العجوة من الجنّة.

وقال صلّى الله عليه وآله : إنّي لأعرف حجراً بمكّة كان يسلّم عليّ قبل أن أُبعث ، إنّي لأعرفه الآن ، ولم يكن صلّى الله عليه وآله [ يمر ] (١) في طريق يتبعه أحد إلّا عرف أنّه سلكه من طيب عرقه (٢) ، ولم يكن يمرّ بحجر ولا شجر إلّا سجد له (٣).

٣٥٤ ـ وقال سعد (٤) : حدّثنا الحسن بن الخشاب ، عن عليّ بن حسان بن عمّه عبد الرّحمن بن كثير الهاشمي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله ذات يوم قاعداً إذ مرّ به بعير فبرك بين يديه ورغا ، فقال عمر : يا رسول الله أيسجد لك هذا الجمل ؟ فان سجد لك فنحن أحقّ أن نفعل فقال : لا بل اسجدوا لله والله أنّ هذا الجمل يشكو أربابه ويزعم أنّهم أنتجوه صغيراً واعتملوه فلمّا كبر وصار أعون (٥) كبيراً ضعيفاً أرادوا نحره ولو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها.

ثمَّ قال ابوعبد الله عليه السلام : ثلاثة من البهائم أنطقهنّ الله تعالى على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وآله : الجمل وكلامه الّذي سمعت.

والذّئب فجاءَ إلى النّبيّ فشكا إليه الجوع فدعا رسول الله صلّى الله عليه وآله أصحاب الغنم فقال : افرضوا للذّئب شيئاً ، فشحّوا فذهب ثمّ عاد إليه الثّانية ، فشكا الجوع فدعاهم ، فشحّوا ثمَّ جاء الثّالثة فشكا الجوع فدعاهم ، فشحّوا فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : اختلس ولو أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله فرض للذّئب شيئاً ما زاد الذّئب عليه شيئاً حتّى تقوم السّاعة.

وأمّا البقرة فانّها آذنت بالنّبي صلّى الله عليه وآله ودلّت عليه ، وكانت في نخل لبني

_________________________________

(١) الزيادة من البحار.

(٢) في البحار : عرفه.

(٣) بحار الانوار (١٧ / ٣٦٧) ، برقم : (١٦) و (١٦ / ١٧٢) ، برقم : (٦) من قوله : لم يمض ....

(٤) في البحار : الصّدوق عن أبيه عن سعد عن الخشّاب عن علي بن حسان بن عمّه عبد الرحمن ... فما في النّسخ الخطيّة : عن عبد الرحمن ، غلط.

(٥) أعون بمعنى انتصف عمره ، كناية من الطّعن والكبر في السّن. وفي ق ١ : أعور.


سالم من الأنصار ، فقالت : يا آل ذريح عمل نجيح صائح يصيح بلسان عربيّ ، فصيح ، بأن لا إله إلّا الله ربّ العالمين ، ومحمّد رسول الله سيّد النّبيّين ، وعليٌّ وصيّه سيّد الوصيّين (١).

٣٥٥ ـ وقال الصّادق عليه السلام : إنّ الذّئاب جاءت إلى النّبيّ تطلب أرزاقها ، فقال لأصحاب الغنم : إن شئتم صالحتها على شيءٍ تخرجوه إليها ، ولا ترزأ (٢) من اموالكم شيئاً ، وإن شئتم تركتموها تعدو وعليكم حفظ أموالكم ، قالوا : بل نتركها كما هي تصيب منّا ما أصابت ونمنعها ما استطعنا (٣).

٣٥٦ ـ وقال سعد : حدّثنا عليّ بن محمّد الحجّال ، حدّثنا الحسن بن الحسين اللّؤلؤي ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن ثابت ، عن جابر (٤) قال : كُنّا عند النّبيّ صلّى الله عليه وآله إذ اقبل بعيرٌ حتّى برك بين يديه ورغا وسالت دموعه ، فقال : لمن هذا البعير ؟ قالوا : لفلان ، قال : هاتوه ، فجاءَ فقال له : إنّ بعيركم هذا زعم أنّه ربّا صغيركم وكدّ على كبيرهم ، ثمَّ أردتم أن تنحروه فقالوا : يا رسول الله لنا وليمة فأردنا أن ننحره ، قال : فدعوه لي فتركوه فأعتقه رسول الله صلّى الله عليه وآله وكان يأتي دور الأنصار مثل السّائل يشرف على الحجر ، وكان العواتق يجبينّ له العلف حتّى يجيء فيقلن عتيق رسول الله صلّى الله عليه وآله فسمن حتّى تضايق فامتلأ جلده (٥).

فصل ـ ٥ ـ

٣٥٧ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن القاسم الاسترآبادي ، حدّثنا يوسف بن محمّد بن زياد ، عن أبيه ، عن الحسن بن عليّ عليهما السلام في قوله تعالى جلّت عظمته : « ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً » (٦) قال : يقول الله يبست من

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٧ / ٣٩٨ ـ ٣٩٩) ، برقم : (١١). وأورد قوله : ولو أمرت أحداً ... إلى قوله : لزوجها. في الجزء (١٠٣ / ٢٤٧) ، برقم : (٢٩).          (٢) أي : لا تصيب.

(٣) بحار الانوار (١٧ / ٣٩٩) ، برقم : (١٢) عن الاختصاص والبصائر.

(٤) في البحار : عن عدي بن ثابت عن جابر بن عبد الله الأنصاري.

(٥) بحار الانوار (١٧ / ٤٠١) ، برقم : (١٥) عن الاختصاص والبصائر.

(٦) سورة البقرة : ٧٤.


الخير قلوبكم معاشر اليهود في زمان موسى صلوات الله عليه ، ومن الآيات والمعجزات الّتي شاهدتموها من محمّد صلّى الله عليه وآله فهي كالحجارة اليابسة لا ترشح برطوبة ، أي : انّكم لا حقّ لله تؤدّون ولا مكروباً تغيثون ولا بشيء من الإِنسانيّة تعاشرون وتعاملون أو أشدّ قسوة أبهم على السّامعين ولم يبيّن لهم ، كما يقول القائل : أكلت خبزاً أو لحماً ، وهو لا يريد به أنّي لا أدري ما أكلت بل يريد به أن يبهم على السّامعين حتّى لا يعلم ماذا أكل وان كان يعلم أنّه قد أكل أيّهما « وإنّ من الحجار لما يتفجّر منه الأنهار » فيجيء بالخير والغياث لبني آدم ، وأنّ منها أي : من الحجارة ما يشقّق فيقطر منه الماء دون الأنهار ، وقلوبكم لا يجيء منها الكثير من الخير ولا القليل ، ومن الحجارة إن أقسم عليها باسم الله تهبط ، وليس في قلوبكم شيء منه.

فقالوا : يا محمّد : زعمت أنّ الحجارة ألين من قلوبنا وهذه الجبال بحضرتنا ، فاستشهدها على تصديقك فان نطقت بتصديقك فأنت المحق ، فخرجوا إلى أوعر جبل ، فقالوا : استشهده. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أسألك بجاه محمّد وآله الطّيّبين الّذين بذكر أسمائهم خفّف الله العرش على كواهل ثمانية من ملائكته بعد أن لم يقدروا على تحريكه ، فتحرّك الجبل وفاض الماء ، ونادى أشهد أنّك رسول ربّ العالمين ، وأنّ هؤلاء اليهود كما وصفت أقسى من الحجارة.

فقالت اليهود : أعلينا تلبّس ؟ أجلست أصحابك خلف هذا الجبل ينطقون بمثل هذا ، فإن كنت صادقاً فتنحّ من موضعك هذا إلى ذلك القرار ، ومر هذا الجبل يسير إليك ، ومره أن يتقطع نصفين ترتفع السّفلى وتنخفض العليا ، فأشار صلّى الله عليه وآله إلى حجر فتدحرج ، ثمّ قال لمخاطبه : خذه وقرّبه ، فسيعيد عليك ما سمعت ، فانّ هذا من ذلك الجبل ، فأخذه الرّجل فأدناه إلى اُذنه فنطق الحجر مثل مانطق به الجبل قال : فأتني بما اقترحت.

فتباعد رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى فضاءٍ واسعٍ. ثمَّ نادى أيّها الجبل بحقّ محمّد وآله الطّيّبين لمّا اقتلعت من مكانك باذن الله تعالى وجئت إلى حضرتي ، فنزل الجبل وصار كالفرس الهملاج (١) ونادى ها أنا سامع ومطيع مرني ، فقال : هؤلاء اقترحوا عليَّ أن آمرك أن تتقطع من أصلك فتصير نصفين ، ثمَّ ينحط أعلاك ويرتفع أسفلك. فتقطع نصفين وارتفع

_________________________________

(١) دابة هملاج : حسنة السّير في سرعة وبخترة ، في المذكّر والمؤنّث سواء.


أسفله وصار فرعه أصله.

ثمَّ نادى الجبل معاشر اليهود أهذا الّذي ترون دون معجزات موسى عليه السلام ؟ الّذي تزعمون أنّكم به تؤمنون ، فقال رجل منهم : هذا رجل مبخوت تتأتي له العجائب ، فنادى الجبل يا أعداء الله أبطلتم بما تقولون نبوّة موسى ، هلّا قلتم لموسى : إنّ وقوف الجبل فوقهم كالظلّة ؟ لأنّ جدّك يأتيك بالعجائب. ولزمتهم الحجّة وما أسلموا (١).

فصل ـ ٦ ـ

٣٥٨ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبوسعيد محمّد بن الفضل ، حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن سفيان ، حدّثنا عليّ بن سلمة اللّيفي ، حدّثنا محمّد بن إسماعيل يعني ابن فديك ، حدّثنا محمّد بن موسى بن أبي عبد الله ، عن عون بن محمّد بن عليّ بن أبي طالب ، عن أُمّه أُمّ جعفر ، عن جدّتها أسماء بنت عميس قالت : كُنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله في غزوة حنين ، فبعث عليّاً عليه السلام في حاجة ، فرجع وقد صلّى رسول الله العصر ولم يصلّ عليّ ، فوضع رأسه في حجر عليّ حتّى غربت الشّمس ، فلمّا استيقظ قال عليّ : إنّي لم أكن صلّيت العصر ، فقال النّبي صلّى الله عليه وآله : اللّهمّ إنّ عبدك عليٌّ حبس نفسه على نبيّك فردّ له الشّمس ، فطلعت الشّمس حتّى ارتفعت على الحيطان والأرض حتّى صلّى أمير المؤمنين عليه السلام ، ثمَّ غربت الشّمس ، فقالت أسماء : وذلك بالصّهباء في غزوة حنين ، وأنّ عليّاً لعلّه صلّى إيماءاً قبل ذلك أيضاً (٢).

فقال حسان بن ثابت :

إنّ علي بن أبـي طـالب

ردّت عليه الشّمس في المغرب

ردّت عليه الشّمس في ضوئها

عصراً كأنّ الشّمس لم تغرب (٣)

٣٥٩ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، حدّثنا موسى بن جعفر البغدادي ، عن عمرو

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٧ / ٣٣٥ ـ ٣٣٩) ، برقم : (١٦) عن التّفسير المنسوب إلى الامام العسكري عليه السلام مع اختلافات.

(٢) بحار الانوار (٤١ / ١٦٧). والصهباء أو الصنهياء موضع بقرب خيبر.

(٣) لو كان هذان البيتان لحسّان لجاء ذكرها في البحار وفي كتب المناقب منها مناقب ابن شهر آشوب عند تعرّضه لتقاريض الشّعر عن الشّعراء المعروفين في حديث ردّ الشّمس ولذكرهما العلّامة الاميني (أمين تراث الكرامات للعترة


بن سعيد ، عن مصدّق بن صدقة ، عن عمّار السّاباطي ، قال : دخلت أنا وأبو عبد الله الصّادق مسجد الفضيح ، فقال لي : يا عمّار ترى هذه الوهدة ؟ قلت : نعم ، قال : كانت امرأة جعفر بن أبي طالب الّتي خلّف عليها أمير المؤمنين عليه السلام قاعدة في هذا الموضع ومعها ابنتها من جعفر ، فبكت فقالت لها ابنتها : ما يبكيك يا اُمّاه ؟ قالت : بكيت لأمير المؤمنين إذ وضع رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال في هذا المسجد رأسه في حجره حتّى خفق فغُطّ ، فانتبه رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال يا عليّ : ما صليت صلاة العصر ، فقال : كرهت أن أُؤذيك فأُحرّك رأسك عن فخذي ، فرفع رسول الله صلّى الله عليه وآله يديه وقال : اللّهمّ ردّ الشّمس إلى وقتها حتّى يصلّي عليٌّ ، فرجعت الشّمس حتّى صلّى العصر ، ثمَّ انقضت انقضاض الكواكب (١).

٣٦٠ ـ وعن اسماء بنت عميس قالت : لمّا ردّت الشّمس على عليٍّ بالصّهباء ، قال النبيّ صلّى الله عليه وآله : أما أنّها ستُردُّ لك بعدي حجةً على أهل خلافك (٢).

_________________________________

الطّاهرة) عند تفرّسه وإعمال باعه لتعرّض هذه الكرامة الباهرة في موسوعته « كتاب الغدير » حيث دافع عن صحّة الواقعة وأثبت وقوعها بكلام جامع مانع قامع في الجزء (٣ / ١٢٦) ـ (١٤١ و ٢٩ و ٧٥) وأورد عند تعرّضه لغديريّة حسّان بن ثابت أبياتاً عن ديوانه الّذي رآه وصفحه في الجزء (٢ / ٣٤ ـ ٦٥) وادّعى تغييره ونقصانه بلعب بعض الايادي اللاعبة فالحدس القوّي يقتضي الذهاب إلى إمكان انّ الشّيخ الراوندي اشتبه عليه النّسبة فكانا للحميري أو ابن حمّاد أو أمثالهما فنسبهما إلى حسّان والّذي يؤكّد ما ذكرناه أنّهما لو كانا له لورد في ديوانه المطبوع اللّهمّ إلا أن يدّعي أنّهما حذفا منه بلعب بعض اللاعبين.

نعم الحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي المتوفي (١٣٩٤) بعد ذكر الواقعة في ينابيع المودّة الباب (٤٧) ص (١٣٨) من طبعة (١٣٨٥) نسب إلى حسّان بيتين آخرين في نفس المعنى فانه قال : فأنشأ حسّان بن ثابت :

ياقوم من مثل عليّ وقد

ردّت عليه الشمس من غائب

أخو رسول الله وصهره

والأخ لا يعدل بالصّاحب

ولكن نسب ابن شهر آشوب المتوفيّ (٥٨٨) البيتين مع فرق ما باضافة بيت آخر إلى صاحب بن عبّاد فذكر في مناقبه الجزء (٢ / ٣١٧) بعد ذكر القضيّة : وسئل الصّاحب أن ينشد في ذلك فانشد :

لا تقبل التّوبة من تائب

إلا بحبّ ابن ابي طالب

اخي رسول الله بل صهره

والصّهر لا يعدل بالصاحب

يا قوم من مثل عليّ وقد

ردّت عليه الشّمس من غائب

(١) بحار الانوار (٤١ / ١٨٣) ، برقم : (٢٠).

(٢) لم يذكر في البحار ولاغيره من المجامع للآثار.


٣٦١ ـ وقال سعد بن عبد الله : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، حدّثنا الحسين بن سعيد ، عن أحمد بن عبد الله القزويني ، عن الحسين بن المختار القلانسي ، عن أبي بصير ، عن عبد الواحد بن المختار الأنصاري ، عن أمّ المقدام الثّقفيّة قالت : قال لي جويريّة بن مسهر : قطعنا مع أمير المؤمنين عليه السلام جسر الفرات في وقت العصر ، فقال : هذه أرض لا ينبغي لنبيّ ولا وصيّ نبيٍّ أن يصلّي فيها ، فمن أرادَ منكم أن يصلّي فليصلّ ، فتقرّق النّاس يُمنةً ويسرةً يصلّون ، وقلت : أنا لا اُصلّي حتّى اُصلّي معه ، فسرنا وجعلت الشّمس تسفل ، وجعل يدخلني من ذلك أمرٌ عظيم حتّى وجبت الشمس وقطعنا الأرض ، فقال : يا جويريّة أذّن ، فقلت : يقول : أذّن وقد غابت الشّمس ، قال : أذّن فأذّنت ، ثمّ قال لي : أقم فأقمت ، فلمّا قلت : قد قامت الصّلاة ، رأيت شفتيه يتحركان وسمعت كلاماً كأنّه كلام العبرانيّة ، فارتفعت الشّمس حتّى صارت في مثل وقتها في العصر فصلّى ، فلمّا انصرفنا هوت إلى مكانها ، قلت : أشهد أنّك وصيّ رسول الله صلّى الله عليه وآله (١).

٣٦٢ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن علي بن موسى الدّقاق ، حدّثنا أحمد بن جعفر ابن نصر الجمّال ، حدّثنا عمر بن خلّاد ، عن الحسين بن علي ، عن أبي قتادة (٢) الحرّاني ، حدّثنا جعفر بن برقان ، عن ميمون بن مهران ، عن زاذان ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : لمّا فتح رسول الله صلّى الله عليه وآله مكة رفع الهجرة وقال : لا هجرة بعد الفتح ، وقال لعليّ عليه السلام : إذا كان غداً فكلّم الشّمس في مطلعها حتى تعرف كرامتك على الله تعالى ، فلمّا أصبحنا قمنا فجاءَ عليٌّ إلى الشّمس حين طلعت ، فقال : السّلام عليك أيّها العبد المطيع لربّه ، قالت الشمس : وعليك السّلام يا أخا رسول الله وصيّه إبشر فانّ ربّ العزّة يقرؤك السّلام ويقول : إبشر فانّ لك ولمحبّيك وشيعتك ما لا عين رأت ولا اُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، فخرّ عليّ عليه السلام ساجداً لله ، فقال رسول الله صلّى الله عليه

_________________________________

(١) بحار الانوار (٤١ / ١٦٧ ـ ١٦٨) ، برقم : (٣) عن علل الشّرايع مع زيادة ، ورواه بأسانيد أُخر عن جويرية (٤١ / ١٧٤ و ١٧٨).

(٢) كذا في النسخ ، وسقط قبله قوله « عن الحسين بن علي » في البحار. وأبو قتادة الحرّاني هو عبد الله بن واقد كما عن التّهذيب والتّقريب لابن حجر قائلاً : مات (٢١٠). وجعفر بن برقان هو الكلابي ابوعبد الله الرّقي كما عن التّقريب ، وفي البحار وفقاً لبعض النّسخ : نوقان يأتي برقم : (٣٦٥) كما أنّه يأتي فيه : والحسن بن علي.


وآله : ارفع رأسك ، فقد باهى الله عزّ وجلّ بك الملائكة (١).

فصل ـ ٧ ـ

٣٦٣ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابومحمّد عبد الله بن حامد ، حدّثنا ابومحمّد الحسن بن محمّد بن إسحاق بن الأزهر ، حدّثنا الحسين بن إسحاق الدّقاق العسري ، حدّثنا عمر بن خالد ، حدّثنا عمر بن راشد ، عن عبد الرّحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيّب ، عن أبي هريرة ، قال : كان رسول الله يوماً جالساً فاطّلع عليه عليّ عليه السلام مع جماعة ، فلمّا رآهم تبسّم ، قال : جئتموني تسألوني عن شيءٍ إن شئتم أعلمتكم بما جئتم وإن شئتم فاسألوني ، فقالوا : بل تخبرنا يا رسول الله قال : جئتم تسألونني عن الصّنايع (٢) لمن تحقَّ ، فلا ينبغي أن يصنع إلّا لذي حسبٍ أو دينٍ ، وجئتم تسألونني عن جهاد المرأة فانّ جهاد المرأة حسن التّبعل لزوجها وجئتم تسألونني عن الأرزاق من أين ، أبى الله أن يرزق عبده إلّا من حيث لا يعلم فانّ العبد اذا لم يعلم وجه رزقه كثر دعاؤه (٣).

٣٦٤ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابومحمّد عبد الله بن حامد (٤) ، حدّثنا ابوبكر محمّد بن جعفر ، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن إبراهيم العبدي ، حدّثنا عمر بن حصين الباهلي ، حدّثنا عمر بن مسلم العبدي ، حدّثنا عبد الرّحمن بن زياد ، عن مسلم بن يسار قال : قال ابو عقبة الأنصاري : كنت في خدمة رسول الله صلّى الله عليه وآله فجاءَ نفر من اليهود ، فقالوا لي : استأذن لنا على محمّد ، فأخبرته فدخلوا عليه ، فقالوا : أخبرنا عمّا جئنا نسألك عنه ، قال : جئتموني تسألوني عن ذي القرنين ، قالوا : نعم ، فقال : كان غلاماً من أهل الرّوم ناصحاً لله عزّوجلّ فأحبّه الله ، وملك الأرض فسار حتّى أتى مغرب الشّمس ، ثمَّ سار إلى مطلعها ، ثمَّ سار إلى جبل (٥) يأجوج ومأجوج ، فبنى فيها السّد ، قالوا : نشهد أنّ هذا

_________________________________

(١) بحار الانوار (٤١ / ١٧٧) ، برقم : (١٢).

(٢) أي العطايا.

(٣) بحار الانوار (١٨ / ١٠٦ ـ ١٠٧) ، برقم : (٤) ، واثبات الهداة (١ / ٣٧٩) ، برقم : (٥٤١) إلى قوله : عن الصّنايع. وأورد قوله : أبى الله ... إلى آخره في البحار (١٠٣ / ٣٠) ، برقم : (٥٥).

(٤) في جميع النّسخ : ابوعبد الله محمّد بن حامد ، وفي البحار : عبد الله بن حامد.

(٥) في البحار : خيل. وفي ق ٣ : جيل.


شأنه ، وأنّه لفي التّوراة (١).

٣٦٥ ـ وباسناده عن ابن عباس رضي الله عنه قال : دخل أبوسفيان على النّبيّ صلّى الله عليه وآله يوماً ، فقال : يا رسول الله أريد أن أسألك عن شيء فقال صلّى الله عليه وآله : إن شئت أخبرتك قبل أن تسألني ؟ قال : افعل ، قال : أردت أن تسأل عن مبلغ عمري فقال : نعم يا رسول الله فقال : إنّي أعيش ثلاثاً وستّين سنَة ، فقال : أشهد أنّك صادق ، فقال صلّى الله عليه وآله : بلسانك دون قلبك (٢).

قال : ابن عبّاس والله ما كان إلّا منافقاً ، قال : ولقد كُنّا في محفل فيه أبوسفيان وقد كفّ بصره وفينا عليّ عليه السلام فأذّن المؤذن ، فلمّا قال : أشهد أنّ محمّداً رسول الله صلّى الله عليه وآله قال ابوسفيان : ها هنا من يحتشم ؟ قال واحد من القوم : لا فقال : لله درّ أخي بني هاشم انظروا أين وضع اسمه ، فقال عليّ عليه السلام : أسخن (٣) الله عينيك يا أبا سفيان ، الله فعل ذلك بقوله عزّ من قائل : « وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ » (٤) فقال ابوسفيان : أسخن الله عين من قال لي : ليس ها هنا من يحتشم (٥).

فصل ـ ٨ ـ

٣٦٦ ـ وباسناده عن ابن عباس رضي الله عنه أنّه سئل عن قوله تعالى : « اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ » قال : انشق القمر على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى صار

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٢ / ١٩٦) ، برقم : (٢٣) و (١٨ / ١٠٧) ، برقم : (٥). وإثبات الهداة (١ / ٣٧٩) ، برقم : (٥٤٢).

(٢) بحار الانوار (٢٢ / ٥٠٤) ، برقم : (٢) مسنداً قائلاً : بإسناده عن أحمد بن موسى الدّقاق عن أحمد بن جعفر بن نصر الجمّال عن عمر بن خلّاد والحسين بن علي عن أبي قتادة الحرّاني عن جعفر بن نوقان عن ميمون بن مهران عن زاذان عن إبن عباس هذا والخبر نفسه مذكور مرسلاً بزيادة في آخره في إثبات الهداة (١ / ٣٧٩) ، برقم : (٥٤٣) وهي : قال إبن عباس : والله ما كان إلّا منافقاً.

(٣) سخّن ـ خ ل.

(٤) سورة الانشراح : (٤).

(٥) بحار الانوار (١٨ / ١٠٧ ـ ١٠٨) ، برقم : (٦) وكتاب الفتن والمحن والمطاعن منه الطّبع القديم الجزء (٨ / ٣٠٨).


بنصفين ونظر إليه النّاس وأعرض أكثرهم ، فأنزل الله تعالى جلّ ذكره : « وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ » (١) فقال المشركون : سحر القمر ، سحر القمر (٢).

٣٦٧ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابومحمّد بن حامد (٣) ، حدّثنا ابوبكر محمّد بن جعفر الطّبراني ، حدّثنا علي بن حرب الموصلي ، حدّثنا محمّد بن حجر ، عن عمّه سعيد ، عن أبيه ، عن اُمّه ، عن وائل بن حجر ، قال : جاءَنا ظهور النبيّ صلّى الله عليه وآله وأنا في ملك عظيم وطاعة من قومي ، فرفضت ذلك وآثرت الله ورسوله ، وقدمت على رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فأخبرني أصحابه أنّه بشرهم قبل قدومي بثلاث ، فقال : هذا وائل بن حجر قد أتاكم من أرض بعيدة من حضرموت راغباً في الاسلام طائعاً بقيّة أبناء الملوك ، فقلت : يا رسول الله أتانا ظهورك وأنا في ملك ، فمنَّ الله عليَّ أن رفضت ذلك وآثرت الله ورسوله ودينه راغباً فيه ، فقال صلّى الله عليه وآله : صدقت اللّهم بارك في وائل وفي ولده وولد ولده (٤).

فصل ـ ٩ ـ

٣٦٨ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعيد ، حدّثنا فرات بن إبراهيم ابن فرات الكوفي ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن سعيد الأحمسي ، حدّثنا نصر بن مزاحم ، عن قطرب بن عليف (٥) ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عبد الرّحمن بن سابط (٦) ، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : كنت ذات يوم عند النّبي صلّى الله عليه وآله إذ أقبل أعرابي على ناقة له فسلّم ، ثمّ قال : أيّكم محمّد ؟ فأومي إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال : يا محمد أخبرني عمّا في بطن ناقتي حتّى أعلم أنّ الّذي جئت به حق وأُؤمن بإِلهك وأتّبعك ، فالتفت النّبيّ صلّى الله عليه وآله فقال : حبيبي عليٌّ يدلّك.

_________________________________

(١) سورة القمر : (١ ـ ٢).

(٢) بحار الانوار (١٧ / ٣٥٤) ، برقم : (٥) وإثبات الهداة (١ / ٣٧٩) ، برقم : (٥٤٤).

(٣) هو عبد الله بن حامد كما في البحار وغيره.

(٤) بحار الانوار (١٨ / ١٠٨) ، برقم : (٧) و (٢٢ / ١١٢) ، برقم : (٧٧) واثبات الهداة (١ / ٣٧٩) ، برقم : (٥٤٥).

(٥) في البحار : عطيف ـ خ ل.

(٦) في ق ١ : سليط.


فأخذ عليٌّ بخطام النّاقة ، ثمَّ مسح يده على نحرها ، ثمّ رفع طرفه إلى السماء وقال اللهمَّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وأهل بيت محمّد ، وبأسمائك الحسنى ، وبكلماتك التّامات لمّا أنطقت هذه النّاقة حتّى تخبرنا بما في بطنها ، فاذا النّاقة قد التفت إلى عليّ عليه السلام وهي تقول : يا أمير المؤمنين انّه ركبني يوماً وهو يريد زيارة ابن عم له ، وواقعني فانا حامل منه ، فقال الاعرابي : ويحكم النّبيّ هذا أم هذا ؟ فقيل : هذا النبيّ وهذا أخوه وابن عمّه فقال الاعرابي : أشهد أن لا إلهَ إلّا الله وأنّك رسول الله وسأل النبيّ صلّى الله عليه وآله أن يسأل الله عزّ وجلّ أن يكفيه ما في بطن ناقته فكفاه ، وحسن إسلامه.

وقال : وليس (١) في العادة أن تحمل النّاقة من الانسان ، ولكن الله جلّ ثناؤه قلب العادة في ذلك دلالةً لنبيّه صلّى الله عليه وآله على أنّه يجوز أن يكون نطفة الرّجل على هيئتها في بطن النّاقة حينئذٍ ولم تصر علقة بعدُ ، وانّما أنطقها الله تعالى ليعلم به صدق رسول الله صلّى الله عليه وآله (٢).

فصل ـ ١٠ ـ

٣٦٩ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبومحمد عبد الله بن حامد ، حدثنا ابونصر محمّد بن حمدوية المطرعي ، حدثنا محمد بن عبد الكريم ، حدّثنا وهب بن جرير ، حدّثنا أبي ، حدّثنا محمّد بن إسحاق ، حدّثنا عبد الله بن عبد الرّحمن بن أبي الحسين ، عن شهر بن حوشب قال : لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وآله المدينة أتاه رهط من اليهود ، فقالوا : إنّا سائلوك عن أربع خصال ، فان أخبرتنا عنها صدقناك وآمنّا بك ، فقال : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ؟ قالوا : نعم ، قال : سلوا عمّا بدا لكم.

قالوا : عن الشّبه كيف يكون من المرأة وانّما النّطفة للرّجل ؟ فقال : أنشدكم بالله أتعلمون أنّ نطفة الرّجل بيضاء غليظة ، وأنّ نطفة المرأة حمراء رقيقة ؟ فأيّتهما غلبت صاحبتها كانت لها الشّبه قالوا : اللّهمّ نعم.

_________________________________

(١) في البحار (٤١) : وقال الرّاوندي : وليس ... ومثله إثبات الهداة.

(٢) بحار الانوار (٤١ / ٢٣٠ ـ ٢٣١) ، برقم : (١). وإلى قوله : وأنّك رسول الله ، في (٩٤ / ٥) ، برقم : (٥) وإثبات الهداة (٢ / ٤٦٤ ـ ٤٦٥) ، برقم : (٢١٦). وفيه : صدقُ رسول الله صلّى الله عليه وآله.


قالوا : فأخبرنا عمّا حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة ، قال : أُنشدكم بالله هل تعلمون أنّ أحبّ الطّعام والشّراب إليه لحوم الابل وألبانها ؟ فاشتكى شكوى ، فلمّا عافاه الله منها حرّمها على نفسه ليشكر الله به ، قالوا : اللّهم نعم.

قالوا : أخبرنا عن نومك كيف هو ؟ قال : أُنشدكم بالله هل تعلمون من صفة هذا الرّجل الّذي تزعمون أنّي لست به تنام عينه وقلبه يقظان ؟ قالوا : اللّهمَّ نعم ، قال : وكذا نومي.

قالوا : فأخبرنا عن الرّوح ، قال : أُنشدكم بالله هل تعلمون أنّه جبرئيل عليه السلام ؟ قالوا : اللّهمّ نعم ، وهو الّذي يأتيك وهو لنا عدوّ ، وهو ملك إنّما يأتي بالغلظة وشدة الأمر ، ولولا ذلك لأتبعناك فأنزل الله تعالى : « قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ (١) إلى قوله أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم » (٢).

فصل ـ ١١ ـ

٣٧٠ ـ وعن ابن حامد ، حدّثنا ابوعلي حامد بن محمّد بن عبد الله ، حدّثنا عليّ بن عبد العزيز ، حدّثنا محمد بن سعيد الإِصفهاني ، حدّثنا شريك ، عن سماك ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : جاء أعرابيٌ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله وقال : بم أعرف أنّك رسول الله ؟ قال : أرأيت أن دعوت هذا العذق من هذه النّخلة فأتاني أتشهد أنّي رسول الله ؟ قال : نعم ، قال : فدعا العذق ينزل من النّخلة حتّى سقط على الأرض ، فجعل يبقر حتّى أتى النّبيّ صلّى الله عليه وآله ، ثمَّ قال : ارجع فرجع حتّى عادَ إلى مكانه ، فقال : أشهد أنّك لرسول الله وآمن فخرج العامري يقول : يا آل عامر بن صعصعة والله لا أكذبه بشيء أبداً.

وكان رجل من بني هاشم يقال له : ركانة ، وكان كافراً من أفتك النّاس يرعى غنماً له بوادٍ يقال له : وادي إضم (٣) : فخرج النّبي صلّى الله عليه وآله إلى ذلك الوادي فلقيه

_________________________________

(١) سورة البقرة : (٩٧ ـ ١٠٠).

(٢) بحار الانوار (٩ / ٣٠٧) ، برقم : (٩) وإلى قوله : كان لها الشّبه ؟ قالوا : اللهمّ نعم ، في (٦٠ / ٣٦٦) ، برقم : (٦٤).

(٣) اضم كحلب ـ أو ـ كعنب : اسم ماء ، أو واد في الحجاز ـ أو ـ جبل في المدينة.


ركانة ، فقال : لولا رحم بيني وبينك ما كلّمتك حتّى قتلتك أنت الّذي تشتم آلهتنا ادع إلهك ينجيك منّي ، ثمَّ قال : صارعني فان أنت صرعتني فلك عشرة من غنمي ، فأخذه النّبي صلّى الله عليه وآله وصرعه وجلس على صدره ، فقال ركانة : فلست بي فعلت هذا إنّما فعله إلهك ، ثمَّ قال ركانة : عُد فان أنت صرعتني فلك عشرة اُخرى تختارها ، فصرعه النّبيّ صلّى الله عليه وآله الثّانية فقال : إنّما فعله إلهك عُد ، فإن أنت صرعتني فلك عشرة اُخرى ، فصرعه النّبيّ صلّى الله عليه وآله الثّالثة.

فقال ركانة : خذلت اللّات والعزّى فدونك ثلاثين شاة فاخترها ، فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله : ما اُريد ذلك ، ولكني أدعوك إلى الاسلام يا ركانة وانفس ركانة تصير الى النّار إن تُسلِم تَسلَم ، فقال ركانة : لا إلّا أن تُريني آيةً ، فقال نبيُّ الله صلّى الله عليه وآله : الله شهيد عليك الآن إن دعوت ربِّي فأريتك آية لتجيبني إلى ما أدعوك ؟ قال : نعم وقريب منه شجرةٌ مثمرةٌ قال : أقبلي بإِذن الله فانشقت باثنين وأقبلت على نصف ساقها حتى كانت بين يدي نبيّ الله ، فقال ركانة : أريتني شيئاً عظيماً ، فمرها فلترجع ، فقال له النبيُّ صلّى الله عليه وآله : الله شهيد إن أنا دعوت ربّي يأمرها فرجعت لتجيبني إلى ما أدعوك إليه ؟ قال : نعم فأمرها فرجعت حتّى التأمت بشقّها فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله : تسلم ؟ فقال ركانة : أكره تتحدّث نساء مدينةٍ أنّي إنّما أجبتك لرعب دخل في قلبي منك ، ولكن فاختر غنمك ، فقال صلّى الله عليه وآله : ليس لي حاجة إلى غنمك إذا أبيت أن تسلم (١).

فصل ـ ١٢ ـ

٣٧١ ـ وعنه عن ابن حامد ، حدّثنا محمّد بن يعقوب ، حدّثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدّثنا يونس ، عن ابن إسحاق ، حدّثنا عاصم بن عمرو بن قتادة ، عن محمود بن أسد ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : حدّثني سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : كنت رجلاً من أهل إصفهان من قريةٍ يقال لها : جي وكان أبي دهقان أرضه ، وكان يحبّني حبّاً شديداً

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٧ / ٣٦٨ ـ ٣٦٩) ، برقم : (١٧) وإثبات الهداة (١ / ٣٨٠) ، برقم : (٥٤٦ و ٥٤٧) اختصاراً.


يحبسني في البيت كما تحبس الجارية ، وكنت صبيّاً لا أعلم من أمر النّاس إلا ما أرى من المجوسيّة حتّى أنَّ أبي بنى بنياناً وكان له ضيعة ، فقال : يا بنيّ شغلني من اطّلاع الضّيعة ما ترى ، فانطلق إليها ومرهم بكذا وكذا ولا تحبس (١) عنّى ، فخرجت أريد الضّيعة ، فمررت بكنيسة النّصارى فسمعت أصواتهم ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : هؤلاء النّصارى يصلّون ، فدخلت أنظر فأعجبني ما رأيت من حالهم ، فوالله ما زلت جالساً عندهم حتّى غربت الشّمس ، وبعث أبي في طلبي في كلّ وجه حتّى جئته حين أمسيت ولم أذهب إلى ضيعته ، فقال : أبي أين كنت ؟ قلت : مررت بالنّصارى فأعجبني صلاتهم ودعاؤهم ، فقال : أي بنيَّ إنّ دين آبائك خيرٌ من دينهم ، فقلت : لا والله ما هذا بخير من دينهم هؤلاء قوم يعبدون الله ويدعونه ويصلّون له وأنت إنّما تعبد ناراً أوقدتها بيدك إذا تركتها ماتت ، فجعل في رجلي حديداً وحبسني في بيت عنده.

فبعثت إلى النّصارى فقلت : أين أصل هذا الدّين ؟ قالوا : بالشّام ، قلت : إذا قوم عليكم من هناك ناس فأذنوني ، قالوا : نفعل فبعثوا بعدُ أنّه قدم تجّار(٢) فبعثت : إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الخروج فأذنوني به ، قالوا : نفعل ، ثمّ بعثوا اليّ بذلك ، فطرحت الحديد من رجلي وانطلقت معهم ، فلمّا قدمت الشّام قلت : من أفضل هذا الدين ؟ قالوا : الأسقف صاحب الكنيسة ، فجئت فقلت : إنّي أحببت أن اكون معك وأتعلّم منك ، قال : فكن معي فكنت معه.

وكان رجل سوء يأمرهم بالصّدقة ، فاذا جمعوها اكتنزها ولم يعطها المساكين منها ولا بعضها ، فلم يلبث أن مات ، فلمّا جاؤا أن يدفنوه ، قلت : هذا رجل سوءٍ ونبّهتهم على كنزه ، فأخرجوا سبع قِلال (٣) مملوة ذَهَباً ، فصلبوه على خشبة ورموه بالحجارة ، وجاؤا برجل آخر فجعلوه مكانه.

فلا والله يا ابن عباس ما رأيت رجلاً قطّ أفضل منه وأزهد في الدّنيا وأشد اجتهاداً منه ، فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة وكنت أحبّه ، فقلت : يا فلان قد حضرك ما ترى من أمر الله

_________________________________

(١) في ق ١ : ولا تحتبس.

(٢) في ق ٣ : علينا تجّار.

(٣) قلال ، كرجال : جمع القلّة بمعنى الإِناء من أواني العرب شبه الحب.


فالى من توصي بي قال : أي بُنيّ ما أعلم إلّا رجلاً بالموصل فأتِه فانّك ستجده على مثل حالي ، فلمّا مات وغيّب لحقت بالموصل ، فأتيته فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزّهادة ، فقلت له : إنّ فلاناً أوصى بي إليك ، فقال : يا بنيّ كن معي.

فأقمت عنده حتّى حضرته الوفاة قلت : إلى من توصي بي ، قال : الآن يا بنيّ لا أعلم إلّا رجلاً بنصيبين فالحق به ، فلما دفنّاه لحقت به ، فقلت له : إنّ فلاناً أوصى بي إليك ، فقال : يا بنيّ أقم معي ، فأقمت عنده فوجدته على مثل حالهم حتّى حضرته الوفاة ، فقلت : إلى من توصي بي قال : ما أعلم إلّا رجلاً بعمورية من أرض الرّوم ، فأته فانّك ستجده على مثل ما كنّا عليه ، فلمّا واريته خرجت إلى العمورية ، فأقمت عنده فوجدته على مثل حالهم ، واكتسبت غنيمة وبقرات إلى أن حضرته الوفاة ، فقلت إلى من توصي بي.

قال : لا أعلم أحداً على مثل ما كُنّا عليه ولكن قد أظلّك زمان نبيّ يُبعث من الحرام مهاجره بين حرّتين (١) إلى أرض ذات سبخة ذات نخل ، وأنّ فيه علامات لا تخفي بين كتفيه خاتم النبوّة ، يأكل الهديّة ولا يأكل الصّدقة ، فان استطعت أن تمضي الى تلك البلاد فافعل.

قال : فلمّا واريناه أقمت حتّى مرّ رجال من تجّار العرب من كلب ، فقلت لهم : تحملوني معكم حتّى تقدموني أرض العرب وأعطيكم غنيمتي هذه وبقراتي ؟ قالوا : نعم فأعطيتهم إيّاها وحملوني حتّى إذا جاءوُا بي وادي القرى ظلموني ، فباعوني عبداً من رجل يهودي ، فوالله لقد رأيت النّخل وطمعت أن يكون البلد الّذي نعت لي فيه صاحبي حتّى قدم رجلٌ من بني قريظة من يهود وادي القرى ، فابتاعني من صاحبي الّذي كنت عنده ، فخرج حتّى قدم بي المدينة ، فوالله ما هو إلّا أن رأيتها وعرفت نعتها ، فأقمت مع صاحبي. وبعث الله رسوله بمكّة لا يذكر لي شيء من أمره مع ما أنا فيه من الرّق حتّى قدم رسول الله صلّى الله عليه وآله قبا وأنا أعمل لصاحبي في نخل له ، فوالله إنّي [ لكذلك اذ ] قد جاءَ ابن عمّ له فقال : قاتل الله بني قيلة (٢) ، والله إنّهم لفي قبا يجمعون على رجل جاءَ من مكّة يزعمون أنّه نبيٌّ ،

_________________________________

(١) الحرّتان : حرّة ليلى وحرّة واقم بقرب المدينة.

(٢) بنو قيلة : الأوس والخزرج ومابين المعقوفين اثبتناه من ق : (٢).


فوالله ما هو إلّا قد سمعتها ، فأخذتني الرّعدة حتّى ظننت لأسقطنّ على صاحبي ونزلت أقول : ما هذا الخبر فرفع مولاي يده فلكمني (١) ، فقال : ما لك ولهذا ، أقبل على عملك.

فلمّا أمسيت وكان عندي شيء من طعام فحملته وذهبت إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله بقبا ، فقلت : إنّك رجل صالح وإن معك أصحاباً ، وكان عندي شيء من الصّدقة فها هو ذا فكل منه فأمسك رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال لأصحابه : كلوا ولم يأكل ، فقلت في نفسي : هذه خصلة ممّا وصف لي صاحبي ، ثمَّ رجعت وتحوّل رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى المدينة ، فجمعت شيئاً كان عندي ثمَّ جئته به فقلت : إنّي قد رأيتك لا تأكل الصّدقة وهذه هديّةٌ وكرامة ليست بالصّدقة : فأكل رسول الله صلّى الله عليه وآله وأكل أصحابه فقلت هاتان خُلَّتان.

ثمَّ جئت رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو يتبع جنازة وعليه شملتان وهو في أصحابه فاستدبَرتُهُ لأنظر إلى الخاتم في ظهره ، فلمّا رآني رسول الله صلّى الله عليه وآله استدبرته عرف أنّي أستثبت شيئاً قد وصف لي فرفع لي ورداءَه ، عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصف لي صاحبي ، فأكببت عليه أُقبّله وأبكي فقال : تحوّل يا سلمان هنا ، فتحوّلتُ وجلست بين يديه وأحبّ أن يسمع أصحابه حديثي عنه فحدّثته يا ابن عباس كما حدثتك.

فلمّا فرغت قال رسول الله : كاتب يا سلمان ، فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة اُحييها له وأربعين أوقيّة ، فأعانني أصحاب رسول الله بالنّخل ثلاثين وديّة (٢) وعشرين وديّة كلّ رجل على قدر ما عنده ، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله : أنا أضعها بيدي ، فحفرت لها حيث توضع ، ثمَّ جئت رسول الله صلّى الله عليه وآله فقلت : قد فرغت منها ، فخرج معي حتّى جاءَها ، فكُنّا نحمل إليه الوديّ ، فيضعه بيده فيسوّي عليها ، فوالّذي بعثه بالحقّ نبيّاً ما مات منها وديّة واحدة وبقيت عليّ الدّراهم ، فأتاه رجل من بعض المعادن بثمل البيضة من الذّهب ، فقال رسول الله : أين الفارسي المكاتب المسلم ؟

_________________________________

(١) اللّكم : الضّرب بتمام الكفّ.

(٢) الوديّة والوديّ : النّخل الصّغير.


فدعيت له فقال : خذ هذه يا سلمان فأدّها عمّا عليك ، فقلت يا رسول الله : أين تقع هذه ممّا عليّ ؟ فقال : إنّ الله عزّوجلّ سيوفي بها عنك ، فهو الّذي نفس سلمان بيده لو زنت لهم منها أربعين أوقيّة فأدّيتها إليهم وعتق سلمان وكان الرقّ قد حبسني حتّى فاتني مع رسول الله بدرٌ واُحُدٌ ثمَّ عتقت ، فشهدت الخندق ولم يفتني معه مشهد (١).

٣٧٢ ـ وفي رواية : عن سلمان رضي الله عنه إنَّ صاحب عمورية لمّا حضرته الوفاة قال : ائت غيضتين (٢) من أرض الشّام ، فانّ رجلاً يخرج من إحديهما إلى الاُخرى في كلّ سنةٍ ليلةً يعترضه ذووا الأسقام ، فلا يدعو لأحدٍ مَرِضَ إلّا شُفِيَ ، فاسأله عن هذا الدّين الّذي تسألني عنه عن الحنيفيّة دين إبراهيم عليه السلام فخرجت حتّى أقمت بها سنة حتّى خرج تلك اللّيلة من إحدى الغيضتين إلى الأخرى ، وكان فيها حتى ما بقي إلّا منكبيه فأخذت به ، فقلت : رحمك الله الحنيفيّة دين إبراهيم ؟ قال : إنّك تسأل عن شيء ما سأل عنه النّاس اليوم ، قد أظلّك نبيٌّ يخرج عند هذا البيت بهذا الحرم يبعث بذلك الدين ، فقال الراوي : يا سلمان لئن كان كذلك لقد رأيت عيسى بن مريم (٣).

٣٧٣ ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن محمّد ابن عيسى ، عن محمّد بن عليّ بن مهزيار ، عن أبيه ، عمّن ذكره ، عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام إنَّ سلمان قال : كنت رجلاً من أهل شيراز ، فبينا أنا سائر مع أبي في عيد لهم إذا برجل من صومعة ينادي : أشهد أن لا إله الا الله ، وأنّ عيسى روح الله ، وأنّ محمّداً حبيب الله. فوقع ذكر محمّد في لحمي ودمي ، فلم يهنّئني طعام ولا شراب ، فلمّا انصرفت إلى منزلي فاذا أنا بكتاب من السّقف معلّق ، فقلت لاُمّي : ما هذا الكتاب ؟ فقالت يا روزبه : إنّ هذا الكتاب لمّا رجعنا من عيدنا رأيناه معلّقاً ، فلا تقربه يقتلك أبوك.

قال : فجاهدتها حتّى جنّ الّليل ونام أبي وأمّي ، فقمت فأخذت الكتاب وإذا فيه : بسم الله الرّحمن الرّحيم هذا عهد من الله إلى آدم إنّي خالق من صلبه نبيّاً يقال له : محمّد ،

_________________________________

(١) بحار الانوار (٢٢ / ٣٦٢ ـ ٣٦٥) ، برقم : (٥).

(٢) الغيضتان تثنية الغيضة وهي الاجمة أي مغيض الماء ومجمعه ينبت فيه النّبات والشّجر والقصب.

(٣) بحار الانوار (٢٢ / ٣٦٥ ـ ٣٦٦).


يأمر بمكارم الأخلاق ، وينهى عن عبادة الأوثان ، يا روزبه : ائت وصيّ وصيّ عيسى وآمن واترك المجوسيّة.

قال : فصعقت صعقة ، فعلمت اُمّي وأبي بذلك ، فجعلوني في بئرٍ عميقة ، فقالوا : إن رجعت وإلّا قتلناك ، قال : ما كنت أعرف العربيّة قبل قراءتي الكتاب ، ولقد فهّمني الله تعالى العربيّة من ذلك اليوم ، قال : فبقيت في البئر ينزلون إليّ قرصاً ، فلمّا طال أمري رفعت يديّ إلى السّماء ، فقلت : يا ربّ إنّك حبّبت محمّداً إليَّ فبحقّ وسيلته عجلّ فرجي.

فأتاني آتٍ عليه ثياب بيض ، فقال : يا روزبه قم ، وأخذ بيدي وأتى بي الصّومعة ، فأشرف عليَّ الدّيراني ، فقال : أنت روزبه ؟ فقلت : نعم فأصعدني وخدمته حولين فقال لمّا حضرته الوفاة : إنّي ميّت ولا أعرف أحداً يقول بمقالتي إلّا راهباً بانطاكيّة ، فاذا لقيته فاقرأه منّي السّلام وادفع إليه هذا اللّوح وناولني لوحاً ، فلمّا مات غسّلته وكفّنته ، وأخذت اللّوح ، وأتيت الصّومعة ، وأنشأت أقول : أشهدُ أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ عيسى روح الله وأنّ محمّداً حبيب الله.

فأشرف عليّ الدّيراني فقال : أنت روزبه ؟ قلت : نعم فصعدت إليه ، فخدمته حولين ، فلمّا حضرته الوفاة ، قال : لا أعرف أحداً يقول بمثل مقالتي في الدّنيا ، وأنّ محمّد بن عبد الله حانت ولادته ، فاذا لقيته فاقرأه منّي السّلام ، وادفع إليه هذا الّلوح ، فلمّا دفنته صحبت قوماً ، فقلت لهم : يا قوم أكفيكم الخدمة في الطّريق وخرجت معهم فنزلوا.

فلما أرادوا أن يأكلوا شدّوا على شاة فقتلوها بالضّرب وشووها ، فقالوا : كل فامتنعت ، فضربوني فأتوا بالخمر فشربوه ، فقالوا : اشرب فقلت : إنّي غلام ديراني لا أشرب الخمر ، فأرادوا قتلي ، فقلت : لا تقتلوني أقرّ لكم بالعبوديّة ، فأخرجني واحد وباعني بثلاثمائة درهم من يهوديّ.

قال : فسألني عن قصتي ، فأخبرته وقلت : ليس لي ذنب إلّا أنّني أحببت محمّداً ، فقال اليهودي : وإنّي لأبغضك وأبغض محمّداً ، وكان على بابه رمل كثير فقال : يا روزبه لإن أصبحت ولم تنقل هذا الرّمل من هذا الموضع إلى هذا الموضع لأقتلنّك قال : فجعلت أحمل طول ليلتي ، فلمّا أجهدني التّعب رفعت يدي إلى السّماء وقلت : يا ربّ ، حبّبت إليّ محمّداً ، فبحقّ وسيلته عجّل فرجي ، قال : فبعث الله تعالى ريحاً فقلعت ذلك الرّمل من مكانه


إلى المكان الّذي قال اليهودي ، فلمّا أصبح قال : يا روزبه أنت ساحر فلأخرجنّك من هذه القرية.

فأخرجني وباعني من امرأة سلميّة ، فأحبتني حبّاً شديداً ، وكان لها حائط ، فقالت : هذا الحائط كل ما شئت وهب وتصدّق ، فبقيت في ذلك ما شاء الله ، فاذا أنا ذات يوم في ذلك البستان إذا أنا بسبعة رهط قد أقبلوا تظلّهم غمامة ، فقلت في نفسي : ما هؤلاء كلّهم أنبياء ، فانّ فيهم نبيّاً ، فدخلوا الحائط والغمامة تسير معهم وفيهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وعليٌّ وأبوذر وعمّار والمقداد وعقيل وحمزة وزيد بن حارثة ، وجعلوا يتناولون من حشف النّخل ورسول الله صلّى الله عليه وآله يقول لهم : كلوا الحشف ولا تفسدوا على القوم شيئاً.

فدخلت إلى مولاتي ، فقلت هبي لي طبقاً فوهبته فأخذته فوضعته بين يديه ، فقلت : هذه صدقة ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : كلوا وأمسك رسول الله وأمير المؤمنين وحمزة وعقيل ، وقال لزيد بن حارثة ، مد يدك وكل ، فأكلوا فقلت في نفسي : هذه علامة ، فحملت طبقاً آخر وقلت : هذه هديّة فمدّ يده وقال : بسم الله كلوا ، فقلت في نفسي هذه علامة أيضاً.

فبينا أنا ، أدور خلفه ، فقال : يا روزبه ادخل إلى هذه المرأة وقل لها : يقول لك محمّد بن عبد الله : تبيعيننا هذا الغلام ، فدخلت وقلت لها : ما قال فقالت : لا أبيعكه إلّا بأربعمائة نخلة مائتي ونخلة منها صفراء ومائتي نخلة منها حمراء ، فأخبرت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال : ما أهون ما سألت ، ثمَّ قال : قم يا عليّ فاجمع هذا النّوى فجمعه وأخذه وغرسه ، ثم قال : اسقه فسقاه أمير المؤمنين وما بلغ آخره حتّى خرج النّخل ولحق بعضه بعضاً ، فخرجت ونظرت إلى النّخل ، فقالت : لا أبيعكه إلّا بأربعمائة نخلة كلّها صفراء ، فمسح جبرئيل جناحه على النّخل فصار كلّه أصفر ، فدفعتني إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فأعتقني (١).

فصل ـ ١٣ ـ

٣٧٤ ـ وعن ابن بابويه ، حدثنا جعفر بن محمّد بن مسرور ، حدّثنا الحسين بن محمّد

_________________________________

(١) بحار الانوار (٢٢ / ٣٥٥ ـ ٣٥٩) ، برقم : (٢) عن كمال الدّين ، مع اختلافات. وفي آخره : وسمّاني سلماناً.


ابن عامر ، عمِّه عبد الله ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن مرازم ، عن أبي بصير ، قال ابو عبد الله عليه السلام لرجل : ألا اُخبرك كيف كان سبب إسلام سلمان وأبي ذر ؟ فقال الرّجل وأحظا (١) : أمّا إسلام سلمان ، فقد علمت فأخبرني بالآخر ، فقال : انّ اباذر كان ببطن مرٍّ يرعى غنماً له إذ جاءَ ذئبٌ عن يمين غنمه فطرده فجاءَ عن يسار غنمه فصرفه ثمَّ قال : ما رأيت ذئباً أخبث منك ، فقال الذئب : شرّ منّي أهل مكّة ، بعث الله إليهم نبيّاً فكذّبوه.

فوقع كلام الذّئب في أذن أبي ذر ، فقال لاُخته هلمّي مزودي وإداوتي (٢) ثمَّ خرج يركض حتّى دخل مكّة ، فاذا هو بحلقة مجتمعين وإذا هم يشتمون النبيّ صلّى الله عليه وآله كما قال الذئب ، إذ أقبل ابوطالب ، فقال بعضهم : كفّوا فقد جاءَ عمّه ، فلمّا دنا منهم عظّموه ثمَّ خرج فتبعته ، فقال : ما حاجتك ؟ فقلت : هذا النّبيّ المبعوث فيكم ؟ قال : وما حاجتك إليه قلت : أُؤمن به وأصدّقه فرفعني إلى بيت فيه : جعفر بن أبي طالب ، فلمّا دخلت سلّمت ، فردّ علي السّلام وقال : ما حاجتك ؟ قلت هذا النّبي المبعوث أؤمن به وأصدقه ، فرفعني إلى بيت حمزة ، فرفعني إلى بيت فيه عليّ بن ابي طالب ، فرفعني إلى بيتٍ فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله فدخلت إليه ، فاذا هو نور في نور ، قال : أنا رسول الله يا اباذر انطلق إلى بلادك ، فانّك تجد ابن عم لك قد مات ، فخذ ماله وكن بها حتّى يظهر أمري ، فانصرفت واحتويت على مالِهِ وبقيت حتّى ظهر أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله فأتيته.

فلمّا انصرفت إلى قومي أخبرتهم بذلك ، فأسلم بعضهم ، وقال بعضهم : إذا دخل

_________________________________

(١) في البحار : وأخطأ. ولكنّه خطأ والصّحيح ما أثبتناه في المتن عن أمالي الصّدوق ، المجلس الثّالث والسّبعون الحديث الاوّل. وعليه عدّة من النّسخ الخطّيّة أعني ق ٢ و ٣ و ٥ وهو : أحظأ أي أسعد وبلّغ المرام ومن كلام الكليني أو الرّاوي في آخر الخبر (روضة الكافي برقم ٤٥٧ ص ٢٩٩) : ولم يحدّثه لسوء أدبه ، يظهر أنّه دراه : أخطأ (بالخاء المعجمة) ولكن الخبر بلفظه المذكور في الامالي « للصّدوق » المتّحد مع الموجود في الرّوضة غير مذيّل بالذّيل المذكور في رواية الرّوضة. وسنده في الامالي معتبر.

(٢) في روضة الكافي : فقال لامرأته : هلمّي مزودي وأدواتي وعصاي. والخبر في الامالي والكافي واحد مضموناً حاوٍ لقصّتة إسلام أبي ذُر وما هنا مختصره مع فرق في آخره.


رسول الله صلّى الله عليه وآله أسلمنا ، فلمّا قدم أسلم بقيّتهم وجاءَت أسماء مع رجال فقالوا : نسلم على الّذي أسلم له إخواننا فقال رسول الله : غفاراً غفر الله لها وأسلم سلّمها الله (١).

٣٧٥ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله تعالى : « وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ » (٢) دخل أبوذر عليلاً متوكياً على عصاه على عثمان وعنده مائة ألف درهم حملت إليه من بعض النّواحي ، فقال : انّي أريد أن أضم إليها مثلها ، ثمّ أرى فيها رأيي ، فقال أبوذر : أتذكر إذ رأينا رسول الله صلّى الله عليه وآله حزيناً عشاءً ؟ فقال : بقي عندي من فيء المسلمين أربعة دراهم لم أكن قسّمتها ثمَّ قسّمها ، فقال : الآن استرحت.

فقال عثمان لكعب الاحبار (٣) : ما تقول في رجل أدّى زكاة ماله هل يجب عليه بعد ذلك شيء ؟ قال : لا لو اتّخذ لبنة من ذهبٍ ولبنة من فضة ، فقال أبوذر رضي الله عنه : يا ابن اليهوديّة ما أنت والنّظر في أحكام المسلمين ، فقال عثمان : لولا صحبتك لقتلتك ، ثمَّ سيّره إلى الرّبذة (٤).

٣٧٦ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابومحمّد الحسين بن محمّد بن القاسم المفسّر ، حدّثنا يوسف بن محمد بن زياد ، عن أبيه ، عن الحسن العسكري ، عن آبائه صلوات الله عليهم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لأبي ذر : ما فعلت غنيماتك ، قال : إنَّ لها قصةً عجيبةً ، قال : بينا أنا في صلواتي إذ عدا الذّئب على غنمي ، فقلت : لا أقطع الصلاة ، فأخذ حَمَلاً

_________________________________

(١) بحار الانوار (٢٢ / ٤٢١ ـ ٤٢٣) ، برقم : (٣٢) عن أمالي الصدوق وروضة الكافي مع اختلاف في بعض الالفاظ ووحدة المحتوى.

(٢) سورة البقرة : (٨٤).

(٣) في بعض النّسخ : كعب الاخبار. وكذا على لسان بعضٍ ولكنّ الصّحيح : الاحبار ، جمع الحبر وهو عالم اليهود والمعروف عند الخاصّة في رجالهم ذمّة وأنّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السّلام كذّبه وأنّه كان يعادي عليّاً عليه السلام وتجانبه.

(٤) بحار الانوار (٢٢ / ٤٣٢) ، برقم : (٤٢).


وذهب به وأنا أحس به ، إذ أقبل على الذّئب أسدٌ فاستنقذ الحمل وردّه في القطيع ، ثمّ ناداني : يا أبا ذر ، أقبل على صلاتك ، فانّ الله قد وكلني بغنمك ، فلمّا فرغت قال لي الأسد : امض الى محمّد صلّى الله عليه وآله فأخبره أنّ الله أكرم صاحبك الحافظ لشريعتك وكلّ أسداً بغنمه ، فعجب من كان حول رسول الله صلّى الله عليه وآله (١).

الفصل ـ ١٤ ـ

٣٧٧ ـ وعن ابن عبّاس رضي الله عنه بينا رسول الله صلّى الله عليه وآله بفناء بيته بمكة جالس ، إذ مرّ به عثمان بن مظعون ، فجلس ورسول الله صلّى الله عليه وآله يحدّثه ، إذ شخص بصره صلّى الله عليه وآله إلى السماء ، فنظر ساعة ثمّ انحرف ، فقال عثمان : تركتني وأخذت تنفض رأسك كأنّك تشفه شيئاً ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أو فطنت إلى ذلك ؟ قال : نعم ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أتاني جبرئيل عليه السلام فقال : قال عثمان : فما قال ؟ قال : « إنّ الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي » (٢) قال عثمان : فأحببت محمّداً واستقرّ الايمان في قلبي (٣).

٣٧٨ ـ وعنه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، حدّثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أتى النبيّ صلّى الله عليه وآله بأسارى : فأمر بقتلهم ما خلا رجلاً من بينهم ، فقال الرّجل : كيف أطلقت عنّي من بينهم ؟ فقال : أخبرني جبرئيل عليه السلام عن الله تعالى جلّ ذكره أنّ فيك خمس خصال يحبّها الله ورسوله : الغيرة الشّديدة على حرمك ، والسّخاء ، وحسن الخلق ، وصدق اللّسان ، والشّجاعة ، فأسلم الرّجل وحسن إسلامه (٤).

_________________________________

(١) بحار الانوار (٢٢ / ٣٩٣ ـ ٣٩٤) عن التفسير المنسوب الى الامام العسكري عليه السلام اقتباساً واختصاراً.

(٢) سورة النّحل : (٩٠).

(٣) بحار الانوار (٢٢ / ١١٢ ـ ١١٣) ، برقم : (٧٨).

(٤) بحار الانوار (١٨ / ١٠٨) ، برقم : (٨) وفيه : عن الله تعالى ذكره وراجع الخصال ص (٢٨٢) ففيه وزيادة متناً وتفاوت سنداً.


٣٧٩ ـ وعنه ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن أحمد بن هارون الشّحام ، حدّثنا ابومحمّد عبد الرّحمن بن أبي حاتم ، حدّثنا عمر الأودي ، حدّثنا ورفع عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي البختري قال : قال عمّار (رض) يوم صفين : ائتوني بشربة لبن فأُتي فشرب ، ثمّ قال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : إنّ آخر شربة تشربها من الدّنيا شربة لبن ، ثمّ تقدّم فقتل ، فلمّا قتل أخذ خزيمة بن ثابت بسيفه ، فقاتل وقال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : تقتل عماراً الفئة الباغية وقاتله في النّار ، فقال معاوية : ما نحن قتلناه إنّما قتله من جاء به.

ويلزم معاوية على هذا أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله هو قاتل حمزة (رض) (١).

فصل ـ ١٥ ـ

٣٨٠ ـ وباسناده عن سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه ، علي ، عن الحسن بن سعيد ، عن النّضر بن سويد ، عن موسى بن بكير (٢) ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ضلّت ناقة رسول الله صلّى الله عليه وآله في غزوة تبوك ، فقال المنافقون : يحدّثنا عن الغيب ولا يعلم مكان ناقته ، فأتاه جبرئيل عليه السلام فأخبره بما قالوا وقال : إنّ ناقتك في شعب كذا متعلق زمامها بشجرة بحر (٣) ، فنادى رسول الله صلّى الله عليه وآله : الصلاة جامعة ، قال : فاجتمع النّاس ، فقال : أيّها النّاس إنّ ناقتي بشعب كذا ، فبادروا إليها حتّى أتوها (٤).

٣٨١ ـ وبهذا الأسناد قال بعض أصحابنا لأبي عبد الله عليه السلام : علم رسول الله صلّى الله عليه وآله أسماء المنافقين ؟ فقال : لا ، ولكن رسول الله لمّا كان في غزوة تبوك كان يسير على ناقته والنّاس أمامه ، فلمّا انتهى إلى العقبة وقد جلس عليها أربعة عشر

_________________________________

(١) بحار الانوار (٨ / ٥٢٢ ط ح).والظّاهر أنّ قوله « ويلزم » إلى آخره من كلام الشّيخ الرّاوندي ولذا لم يذكره العلّامة المجلسي.

(٢) في البحار : موسى بن بكر. وهو الأصحّ.

(٣) في البحار : بشجرة كذا.

(٤) بحار الانوار (١٨ / ١٠٩) ، برقم : (٩) و (٢١ / ٢٣٤) ، برقم : (١٢) مختصراً عن الخرائج.


رجلاً : ستة من قريش ، وثمانية من أفناء النّاس ، أو على عكس هذا ، فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال : إنّ فلاناً وفلاناً وفلاناً وفلاناً قد قعدوا لك على العقبة لينفروا ناقتك ، فناداهم رسول الله صلّى الله عليه وآله : يا فلان ويا فلان ويا فلان أنتم القعود لتنفروا ناقتي ، وكان حذيفة خلفه فلحق بهم (١) ، فقال : يا حذيفة سمعت ، قال : نعم ، قال : اكتم (٢).

٣٨٢ ـ وعنه حدّثنا محمّد بن أحمد الشّيباني ، حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي ، حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي ، حدّثنا جعفر بن سليمان ، عن عبد الله بن يحيى المدائني ، حدّثنا الاعمش ، عن عبادة (٣) ، عن ابن عبّاس (رض) قال : دخلت فاطمة عليها السلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله في مرضه الّذي توفي فيه ، فقال : نعيت إليّ نفسي ، فبكت فاطمة عليها السلام ، فقال لها : لا تبكين فانك لا تمكثين بعدي إلّا اثنين وسبعين ونصف يوم حتّى تلحقي بي ، ولا تلحقي بي حتّى تنحفي بثمار الجنّة ، فضحكت فاطمة عليها السلام (٤).

٣٨٣ ـ وعن ابن عباس قال : جاء أعرابيّ من بني سليم ومعه ضبّ اصطاده في البريّة في كمّه ، فقال : لا اُؤمن بك يا محمّد حتّى ينطق هذا الضّبّ ، فقال النّبي صلّى الله عليه وآله : يا ضبّ من أنا ؟ فقال : إنت محمّد بن عبدالله اصطفاك الله حبيباً ، فأسلم السّلمي (٥).

فصل ـ ١٦ ـ

٣٨٤ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا الحسن بن حمزة العلوي ، حدّثنا محمّد بن داود ، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن محمّد الكوفي ، حدّثنا ابوسعيد سهل بن صالح العباسي ، حدّثنا ابراهيم بن عبد الاعلى (٦) ، حدّثنا موسى بن جعفر ، عن آبائه عليهم السلام قال : إنّ أصحاب

_________________________________

(١) في البحار : فلحق به ، على نسخة.

(٢) بحار الانوار (٢١ / ٢٣٣) ، برقم : (١٠).

(٣) في البحار : عن عباية.

(٤) بحار الانوار (٤٣ / ١٥٦) ، برقم : (٣).

(٥) بحار الانوار (١٧ / ٤٠١) ، برقم : (١٧) وليس فيه : يا محمّد.

(٦) هكذا في المورد الثّاني من البحار وفي المورد الاوّل : إبراهيم بن عبد الرّحمن وفي النّسخ الخطّية : إبراهيم بن عبد الرّحمن الاعلى. والظّاهر أنّه : إبراهيم بن أبي المثنى عبد الاعلى ، كما يدل عليه ما في رجال الشّيخ حيث عده من أصحاب الصّادق ص (١٤٥) ، برقم : (٥٤).


رسول الله صلّى الله عليه وآله كانوا جلوساً يتذاكرون وفيهم أمير المؤمنين عليه السلام إذ أتاهم يهوديّ ، فقال : يا اُمّة محمّد ما تركتم للأنبياء درجة إلّا نحلتموها لنبيّكم ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إن كنتم تزعمون أنّ موسى عليه السلام كلّمه ربّه على طور سيناء ، فانّ الله تعالى كلّم محمّداً صلّى الله عليه وآله في السّماء السّابعة.

وإن زعمت النّصارى أنّ عيسى عليه السلام أبرأ الأكمه وأحيى الموتى ، فانّ محمّداً صلّى الله عليه وآله سألته قريش إحياء ميّتٍ ، فدعاني وبعثني معهم إلى المقابر ، فدعوت الله عزّوجلّ فقاموا من قبورهم ينفضون التّراب عن رؤوسهم باذن الله عزّوجلّ ، وأنّ أبا قتادة بن ربعي الانصاري شهد وقعة ، فأصابته طعنة في عينه فبدت حدقته ، فأخذها بيده ثمّ أتى بها رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال : امرأتي الآن تبغضني ، فأخذها رسول الله صلّى الله عليه وآله من يده ثمّ وضعها مكانها ، فلم يك يعرف إلّا بفضل حسنها (١) وضوئها على العين الاخرى ، ولقد بادر عبد الله بن عتيك فأبين يده ، فجاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ليلاً ومعه اليد المقطوعة ، فمسح عليها فاستوت يده (٢).

فصل ـ ١٧ ـ

٣٨٥ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابومحمّد عبد الله بن حامد ، حدّثنا إسماعيل (٣) بن سعيد ، حدّثنا ابوالعباس أحمد بن عبد الله بن نصر القاضي ، حدّثنا إبراهيم بن سهل ، حدّثنا حسان بن أغلب بن تميم ، عن أبيه ، عن هشام بن حسّان ، عن الحسن بن ظبية بن محصن ، عن أمّ سلمة رضي الله عنها قالت : كان النّبي صلّى الله عليه وآله يمشي في الصّحراء فناداه منادٍ يا رسول الله مرّتين ، فالتفت فلم ير أحداً ، ثمّ ناداه فالتفت فاذا هو بظبية موثّقة ، فقالت : إنّ هذا الأعرابي صادني ولي خشفان في ذلك الجبل ، أطلقني حتّى أذهب وأرضعهما وأرجع ، فقال : وتفعلين ؟ قالت : نعم إن لم أفعل عذّبني الله عذاب العشّار ،

_________________________________

(١) في البحار (٢٠) : حسنها على العين الاخرى.

(٢) بحار الانوار (١٧ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠) ، برقم : (٣) و (٢٠ / ١١٣) ، برقم : (٤٢).

(٣) هذا ما في البحار وفي الخطّيّة : ابوإسماعيل.


فأطلقها فذهب فأرضعت خشفيها ثمّ رجعت فأوثقها ، فجاء الاعرابي (١) فقال يا رسول الله أطلقها فأطلقها فخرجت تعدو ، وتقول : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّك رسول الله (٢).

فصل ـ ١٨ ـ

٣٨٦ ـ وعن ابن حامد ، عن ابن سعدان الشّيرازي (٣) ، حدّثنا ابوالخير بن بندار بن يعقوب المالكي ، حدّثنا جعفر بن درستويه ، حدّثنا اليمان بن سعيد المصيصي ، حدثنا يحيى بن عبد الله البصري ، حدّثنا عبد الرزّاق ، حدّثنا معمر ، عن الزّهري ، عن سالم بن عبد الله ، عن ابن عمر قال : كنّا جلوساً عند رسول الله صلّى الله عليه وآله إذ دخل أعرابيٌ على ناقة حمراء ، فسلّم ثمّ قعد ، فقال بعضهم : أنّ النّاقة الّتي تحت الأعرابيّ سرقها ، قال : أقم (٤) بيّنة ، فقالت النّاقة الّتي تحت الأعرابي : والّذي بعثك بالكرامة يا رسول الله إنّ هذا ما سرقني ولا ملكني أحد سواه ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : يا اعرابي ما الّذي قلت حتّى أنطقها الله بعذرك.

قال : قلت : « اللّهمّ إنّك لست بإِله (٥) استحدثناك ، ولا معك إله أعانك على خلقنا ، ولا معك ربّ فيشركك في ربوبيّتك ، أنت ربّنا كما تقول وفوق ما يقول القائلون ، أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تبرئني ببرآءتي. فقال النّبي صلّى الله عليه وآله : والّذي بعثني بالكرامة [ يا أعرابي ] (٦) لقد رأيت الملائكة يكتبون مقالتك ، ألا ومن نزل به مثل ما نزل بك فليقل مثل مقالتك وليكثر الصلاة عليَّ (٧).

_________________________________

(١) في البحار : فأتاه الاعرابي.

(٢) بحار الانوار (١٧ / ٤٠٢ ـ ٤٠٣) ، برقم : (١٩) ومرسلاً في : (٧٥ / ٣٤٨) ، برقم : (٥٠) إلى قوله : العشّار. فاطلقها.

(٣) في ق ٢ وق ٣ : عن سعدان الشّيرازي.

(٤) في ق ١ وق ٥ : أقيم.

(٥) في البحار : بربّ.

(٦) الزّيادة من البحار.

(٧) بحار الانوار (١٧ / ٤٠٣ ـ ٤٠٤) ، برقم : (٢٠) و (٩٥ / ١٩٠) ، برقم : (١٨).


فصل ـ ١٩ ـ

٣٨٧ ـ وعن ابن حامد ، حدّثنا ابوالحسن أحمد بن حمدان الشّجري ، حدّثنا عمرو بن محمّد ، حدّثنا ابوجعفر محمّد بن مؤيّد ، حدّثنا عبد الله بن محمّد بن عقبة بن أبي الصّهباء ، حدّثنا ابوحذيفة ، عن عبد الله بن حبيب الهذلي ، عن أبي عبد الرّحمن السّلمي ، عن أبي منصور ، قال : لمّا فتح الله على نبيّه خيبر أصابه حمار أسود ، فكلّم النبيّ الحمار فكلّمه.

وقال : أخرج الله من نسل جدّي ستّين حماراً لم يركبها إلّا نبيّ ، ولم يبق من نسل جدّي غيري ولا من الأنبياء غيرك وقد كنت أتوقّعك ، كنت قبلك ليهوديّ أعثر به عمداً ، فكان يضرب بطني ويضرب ظهري.

فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله : سمّيتك يعفوراً ، ثمّ قال : تشتهي الاناث يا يعفور ؟ قال : لا وكلّما قيل أجب رسول الله خرج إليه ، فلمّا قبض رسول الله صلّى الله عليه وآله جاء إلى بئر فتردّى فيها ، فصارت قبره جزعاً (١).

٣٨٨ ـ وعن ابن حامد ، حدّثنا ابوبكر محمّد بن الحسين ، حدّثنا أحمد بن منصور ، حدّثنا عمرو بن يونس بن القاسم اليماني ، عن عكرمة بن عمّار ، حدّثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، حدّثنا أنس ، قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يقوم فيسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد يوم الجمعة فيخطب بالنّاس ، فجاءه رومي فقال : يا رسول الله أصنع لك شيئاً تقعد عليه ، فصنع له منبراً له درجتان ويقعد على الثّالثة ، فلمّا صعد رسول الله صلّى الله عليه وآله خار الجذع كخور الثّور ، فنزل إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله فسكت ، فقال : والّذي نفسي بيده لو لم التزمه لما زال كذا إلى يوم القيامة ، ثمّ أمر بها فاقتلعت ، فدفنت تحت منبره (٢).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٦ / ١٠٠ ـ ١٠١) ، برقم : (٣٨) و (١٧ / ٤٠٤) ، برقم : (٢١). قوله : « فتردى » أشرب فيه معنى أردى : أي جاء إلى البئر فأسقط نفسه فيها جزعاً حزناً على النّبي ووفاته صلّى الله عليه وآله.

(٢) بحار الانوار (١٧ / ٣٧٠) ، برقم : (١٩).


فصل ـ ٢٠ ـ

٣٨٩ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبي ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن الحسن بن ظريف ، عن معمّر ، عن الرّضا ، عن أبيه عليهما السلام قال : كنت عند أبي عليه السلام يوماً وأنا طفل خماسي ، إذ دخل عليه نفر من اليهود ، فسألوه عن دلائل رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال لهم : سلوا هذا.

فقال أحدهم : ما أعطي نبيكم من الآيات نفت الشّك ، قلت : آيات كثيرة اسمعوا وعوا أنتم تدرون أنّ الجن كانت تسترق السّمع قبل مبعث نبيّ الله ، ثمّ بعث في أوّل رسالته بالرجوم وبطلان الكهنة والسحرة ، فانّ أبا جهل أتاه وهو نائم خلف جدار ومعه حجر يريد أن يرميه فالتصق بكفّه.

ومن ذلك كلام الذئب ، وكلام البعير ، وأنّ امرأة عبد الله بن مسلم أتته بشاة مسمومة ومع النّبي بشر من البراء بن عازب ، فتناول النّبي صلّى الله عليه وآله الذراع وتناول بشر الكراع ، فأمّا النبيّ فلاكها ولفظها ، وقال إنّها لتخبرني أنّها مسمومة ، وأما بشر فلاكها وابتلعها ، فمات فأرسل إليها فأقرّت قال : فما حملك على ما فعلت ، قالت : قتلت زوجي واشراف قومي قلت : إن كان ملكاً قتلته ، وإن كان نبيّاً ، فسيطلعه الله على ذلك ، وأشياء كثيرة عددها على اليهود ، فأسلم اليهودي ومن معه من اليهود ، فكساهم ابوعبد الله عليه السلام ووهب لهم (١).

٣٩٠ ـ وعنه ، عن أبيه ، حدّثنا حبيب بن الحسن الكوفي ، عن محمّد بن عبد الحميد العطّار ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر ، عن الصّادق ، عن آبائه ، عن عليّ عليهم السّلام قال : خرجنا مع النبيّ صلّى الله عليه وآله في غزاة ، فعطش النّاس ولم يكن في المنزل ماء ، وكان في إناءٍ قليلُ ماءٍ ، فوضع أصابعه فيه ، فتحلب منها الماء حتّى روّي النّاس والابل والخيل وتزوّد النّاس ، وكان في العسكر اثنا عشر ألف بعير ومن الخيل اثنا عشر ألف فرس ، ومن النّاس ثلاثون ألفاً (٢).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٧ / ٢٢٥ ـ ٢٣٥) مُخرّجاً عن قرب الاسناد ص (١٣٢ ـ ١٤٠) اقتباساً واختصارا.

(٢) بحار الانوار (١٨ / ٢٥) ، برقم : (٣).


٣٩١ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا ابوالحسين محمّد بن هارون الزّنجاني ، حدّثنا موسى بن هارون بن عبد الله ، حدّثنا لوين ، حدّثنا حمّاد (١) بن زيد(٢) ، حدّثنا هشام ، عن محمّد ، عن أنس قال : أرسلتني أمّ سليم ، يعني : أمّه على شيءٍ صنعته ، وهو مدّ من شعير طحنته وعصرت عليه من عكّة كان فيها سمن ، فقام النبيّ صلّى الله عليه وآله ومن معه فدخل عليها ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله : ادخل عليَّ عشرة عشرة ، فدخلوا فأكلوا وشبعوا ، حتّى أتى عليهم ، قال : فقلت لأنس : كم كانوا ؟ قال : أربعين (٣).

فصل ـ ٢١ ـ

٣٩٢ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن الحسين ، حدّثنا ابوعبد الله جعفر بن شاذان ، حدّثنا جعفر بن علي بن نجيح ، حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن ميمون ، حدّثنا مصعب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا أراد الحاجة أبعد في المشي ، فأتى يوماً وادياً لحاجة ، فنزع خفّه وقضى حاجته ، ثمّ توضّأ وأراد لبس خفّه ، فجاء طائر أخضر ، فحمل الخف وارتفع به ثمّ طرحه ، فخرج منه أسود ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : هذه كرامة أكرمني الله بها : « الّلهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ من يمشي على بطنه ، ومن شرّ من يمشي على رجلين ، ومن شرّ من يمشي على أربع ، ومن شرّ كلّ ذي شرّ ، ومن شرّ كلّ دابةٍ أنت آخذ بناصيتها إنّ ربّي على صراطٍ مستقيم » (٤).

واعلم أنّ لكلّ عضو من أعضاء محمّد صلّى الله عليه وآله معجزة واحدة :

فمعجزة الرأس ، هو أنّ الغمامة ظلّت على رأسه.

ومعجزة عينيه ، هو أنّه كان يرى من خلفه كما يرى من أمامه.

ومعجزة أذنيه أنّه كان يسمع الأصوات في النّوم ، كما يسمع في اليقظة.

ومعجزة لسانه هي أنّه قال للضّب : من أنا ؟ قالت : أنت رسول الله.

_________________________________

(١) كذا في ق ١ وق ٤ وق ٥ ، وفي البحار : موسى بن هارون عن حماد.

(٢) في ق ٢ وق ٤ : يزيد.

(٣) بحار الانوار (١٨ / ٢٦) ، برقم : (٤).

(٤) بحار الانوار (١٧ / ٤٠٥) ، برقم : (٢٤) و (٩٥ / ١٤١ ـ ١٤٢) ، برقم : (٤).


ومعجزة يديه أنّه خرج من بين أصابعه الماء.

ومعجزة رجليه أنّه كان لجابر بئر [ ماؤها ] (١) زعاق ، فشكا إلى النّبي صلّى الله عليه وآله العطش ، فدعا النّبيّ صلّى الله عليه وآله بطشت وغسل رجليه وأمر باهراق مائه فيها ، فصار ماؤها عذباً.

ومعجزة عورته أنّه ولد مختوناً.

ومعجزة بدنه هي أنّه لم يقع ظلّه على الأرض ، لأنّه كان نوراً ، ولا يكون من النّور ظلّ كالسّراج.

ومعجزة ظهره ختم النّبوة ، وهي : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله مكتوب عليها ، وغير ذلك (٢).

_________________________________

(١) الزّيادة من البحار. وزعاق أي مرّ.

(٢) بحار الانوار (١٧ / ٢٩٩) ، برقم : (١٠) مخرّجاً عن الخرائج. وإثبات الهداة ، الجزء (١ / ٣٧٥) عنه أيضاً. أقول : والعمدة في معجزة عورته صلّى الله عليه وآله أنّه اُعطي لها أربعون قوّة وأنّه خرج منها اللؤلؤ والمرجان فقد تحيّر من كوثره الإِنس والجان. وكلّ الاصقاع متزيّن ومتبرك بوجود نسله الشّريف ومفتخر بذوات ذريته المباركة.


الباب العشرون

( في أحوال محمّد صلّى الله عليه وآله )

٣٩٣ ـ روي أنّه صلّى الله عليه وآله ولد في السّابع عشر من شهر ربيع الاوّل عام الفيل يوم الإِثنين ، وقيل : يوم الجمعة ، وقال صلّى الله عليه وآله : ولدت في زمن الملك العادل يعني أنوشيروان بن قباد قاتل مزدك والزّنادقة ، وهو محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم (١).

٣٩٤ ـ وروي عنه صلّى الله عليه وآله : إذا بلغ نسبي إلى عدنان فامسكوا ، ثمّ قرأ : « وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا » (٢) لا يعلمهم إلّا الله تعالى جلّ ذكره.

وإنّ أباه توفّي وأمّه حبلى ، وقدمت أمّه آمنة بنت وهب على أخواله من بني عديّ من النّجار بالمدينة ، ثمّ رجعت به حتّى إذا كانت بالأبوآء ماتت ، وأرضعته صلّى الله عليه وآله حتّى شبّ : حليمة بنت عبد الله السّعدية ، وتزوّج بخديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة ،

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٥ / ٢٥٤) ، برقم : (٦) وص (١٠٤) ، برقم : (٤٩) عن مناقب ابن شهر آشوب. وص (١٠٧) ، برقم : (٥٠) عن كتاب العدد القويّة للشيخ علي بن يوسف بن المطهّر أخي العلّامة الحلّي رحمه الله.

أقول : قوله « الملك العادل » لم يقصد صلّى الله عليه وآله به مفهومه العرفي الاسلامي الذي صدع به في لغة مكتبه ، وإنّما أراد به ما عرف من مسلك بن قباد حيث أباد الزّنادقة الّتي منهم مزدك فمفهوم العادل هنا اضافي وانتسابي الى مصطلح الملوك الساسانيين الكياسرة الذين أجروا اصلاحات داخليّة من قبيل مسح الاراضي وإصلاح نظام الضّرائب ونحوها. فما صدر عن بعض الاعلام والأعيان من الشّجب والشّحن على تلك الجملة بمعناها الشّرعي صحيح وفي مورده.

(٢) سورة الفرقان : (٣٨).


وتوفّي عنه ابوطالب وله ستّ واربعون سنّة وثمانية أشهر وأربعة وعشرون يوماً.

والصحيح أنّ أبا طالب رضي الله عنه توفّي عنه في آخر السنّة العاشرة من مبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ثمّ توفّيت خديجة بعد أبي طالب بثلاثة أيّام ، فسمّي رسول الله صلّى الله عليه وآله ذلك العام عام الحزن ، فقال : ما زالت قريش قاعدة عنّي حتّى مات ابوطالب.

وأقام بعد البعثة بمكّة ثلاث عشرة سنة ، ثمّ هاجر منها إلى المدينة بعد أن استتر في الغار ثلاثة أيّام ، ودخل المدينة يوم الإِثنين الحادي عشر من شهر ربيع الاول ، وبقي بها عشر سنين ، ثمّ قبض (ص) يوم الإِثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة (١).

فصل ـ ١ ـ

٣٩٥ ـ ذكر عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، وهو من أجلّ رواة أصحابنا : أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله لمّا أتى له سبع وثلاثون سنة كان يرى في نومه كأنّ آتياً أتاه فيقول : يا رسول الله ـ وكان بين الجبال يرعي غنماً ـ فنظر إلى شخص يقول له : يا رسول الله ، فقال : من أنت ؟ قال : أنا جبرئيل أرسلني الله إليك ليتخذك رسولاً ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يكتم ذلك.

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٥ / ١٠٥) ، إلى قوله تعالى : كثيراً ، مقدّماً ومؤخراً بعين ما في مناقب ابن شهر آشوب (١ / ١٥١ ـ ١٥٢) وليس فيه : لايعلمهم إلّا الله تعالى جلّ ذكره ، نعم يفهم من طيّ الكلام ومفاده.

ومن قوله : وأنّ أباه توفّي إلى قوله : السّعديّة ، أورده في نفس الجزء ص (١١١) برقم : (٥٦) عن القصص. وعند هذا المقدار أيضاً في مرآة العقول (٥ / ١٧٨).

ومن قوله : وتزوّج إلى قوله : وعشرين سنة. ومن قوله : وتوفّيت خديجة ، إلى قوله : بثلاثة أيّام ، مذكورٌ في البحار (١٦ / ٣) ، برقم : (٧) عن القصص أيضاً.

ومن قوله : وتوفّي عنه ابوطالب ، إلى قوله : عام الحزن ، مذكور في البحار (٣٥ / ٨٢) ، برقم : (٢٤) عنه أيضاً.

وقوله : إنّ أبا طالب رضي الله عنه ، إلى قوله : عام الحزن كرّر في (١٩ / ٢٥) عن نفس المصدر ، برقم (١٤). مع ما بعده إلى قوله : حتّى مات ابوطالب ، كما أنّ ما بعد هذا إلى قوله : عشر سنين ، جاء في نفس الجزء ص (٦٩) ، برقم : (١٩) عن نفس المصدر وما بعده إلى قوله : من الهجرة ذكر في البحار (٢٢ / ٥١٤) ، برقم : (١٦) عن المصدر نفسه.


فأنزل جبرئيل بماءٍ من السّماء ، فقال : يا محمّد صلّى الله عليه وآله قم فتوضّ ، فعلّمه جبرئيل الوضوء على الوجه واليدين من المرفق ومسح الرّأس والرّجلين إلى الكعبين ، وعلّمه الرّكوع والسّجود ، فدخل عليّ عليه السلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو يصلّي ـ هذا لمّا تمّ له صلّى الله عليه وآله أربعون سنة ـ فلمّا نظر إليه يصلّي قال : يا أبا القاسم ما هذا ؟ قال : هذه الصّلاة الّتي أمرني الله بها ، فدعاه إلى الاسلام ، فأسلم وصلّى معه ، وأسلمت خديجة ، فكان لا يصلي إلّا رسول الله وعليّ صلوات الله عليهما وخديجة خلفه.

فلما أتي كذلك أيّام دخل ابوطالب إلى منزل رسول الله صلّى الله عليه وآله ومعه جعفر ، فنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وعليّ عليه السلام بجنبه يصلّيان فقال لجعفر : يا جعفر صِل جناح ابن عمّك ، فوقف جعفر بن أبي طالب من الجانب الآخر ، ثمّ خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى بعض أسواق العرب فرآى زيداً ، فاشتراه لخديجة ووجده غلاماً كيّساً ، فلمّا تزوّجها وهبته له ، فلمّا نُبِئ رسول الله صلّى الله عليه وآله أسلم زيد أيضاً ، فكان يصلّي خلف رسول الله صلّى الله عليه وآله عليّ وجعفر وزيد وخديجة (١).

فصل ـ ٢ ـ

٣٩٦ ـ قال عليّ بن إبراهيم : ولمّا أتى على رسول الله صلّى الله عليه وآله زمان عند ذلك أنزل الله عليه : « فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ » (٢) فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وقام على الحجر وقال : يا معشر قريش يا معشر العرب ، أدعوكم إلى عبادة الله وخلع الانداد والأصنام ، وأدعوكم إلى شهادة إن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله ، فأجيبوني تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم وتكونون ملوكاً ، فاستهزوا منه وضحكوا وقالوا : جُنّ محمّد بن عبد الله وآذوه بألسنتهم.

وكان من يسمع من خبره ما سمع من أهل الكتب يُسلمون ، فلمّا رأت قريش من يدخل في الاسلام جزعوا من ذلك ، ومشوا إلى أبي طالب وقالوا : كفّ عنّا ابن أخيك ، فانّه

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٨ / ١٨٤) ، برقم : (١٤).

(٢) سورة الحجر : (٩٤).


قد سفّه أحلامنا وسبّ آلهتنا وأفسد شبابنا وفرّق جماعتنا ، وقالوا : يا محمّد إلى ما تدعو ؟ قال : إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وخلع الانداد كلّها ، قالوا : ندع ثلاث مائة وستين إلهاً ونعبد إلهاً واحداً وحكى الله تعالى قولهم : « وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ » إلى قوله : « بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ » (١).

ثمّ قالوا لأبي طالب : إن كان ابن أخيك يحمله على هذا : العدم جمعنا له مالاً ، فيكون أكثر قريش مالاً ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ما لي حاجة في المال ، فأجيبوني تكونوا ملوكاً في الدّنيا وملوكاً في الآخرة ، فتفرقوا ثمّ جاؤوا إلى أبي طالب ، فقالوا : أنت سيّد من ساداتنا وابن أخيك قد فرّق جماعتنا ، فهلمّ ندفع إليك أبهى فتى من قريش وأجملهم وأشرفهم : عمارة بن الوليد يكون لك ابناً وتدفع إلينا محمّداً لنقتله ، فقال ابوطالب : ما أنصفتموني تسألوني أن أدفع إليكم ابني لتقتلوه ، وتدفعون إليّ ابنكم لأربّيه لكم ، فلمّا آيسوا منه كفّوا (٢).

فصل ـ ٣ ـ

٣٩٧ ـ وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله لا يكفّ عن عيب آلهة المشركين ، ويقرأ عليهم القرآن ، وكان الوليد بن المغيرة من حكّام العرب يتحاكمون إليه في الامور ، وكان له عبيد عشرة عند كلّ عبد ألف دينار يتّجر بها وملك القنطار وكان عمّ أبي جهل ، فقالوا له : يا عبد شمس ما هذا الّذي يقول محمّداً أسحر أم كهانة أم خطب ؟ فقال : دعوني أسمع كلامه ، فدنا من رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو جالس في الحجر ، فقال : يا محمّد أنشدني شعرك ، فقال : ما هو بشعر ولكنّه كلام الله الّذي بعث أنبياءه ورسله ، فقال : اتل ، فقرأ : بسم الله الرّحمن الرّحيم ، فلمّا سمع الرّحمن استهزأ منه ، وقال : تدعوا إلى رجل باليمامة بسم (٣) الرّحمن ؟ قال : لا ولكنّي أدعوا إلى الله وهو الرّحمن الرّحيم.

_________________________________

(١) سورة ص : (٤ ـ ٨).

(٢) بحار الانوار (١٨ / ١٨٥) ، برقم : (١٥).

(٣) في ق ١ : يسمّى : الرّحمن.


ثمّ افتتح حم السّجدة ، فلمّا بلغ إلى قوله : « فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ » (١) وسمعه اقشعرّ جلده ، وقامت كلّ شعرة في بدنه ، وقام ومشي إلى بيته ، ولم يرجع إلى قريش ، فقالوا : صبا ابوعبد الشّمس إلى دين محمّد.

فاغتمّت قريش وغدا عليه ابوجهل ، فقال : فضحتنا يا عمّ ، قال : يا ابن أخي ما ذاك وإنّي على دين قومي ، ولكنّي سمعت كلاماً صعباً تقشعر منه الجلود ، قال : أفشعر هو ؟ قال : ما هو بشعر ، قال : فخطب ؟ قال : لا إنّ الخطب كلام متصل ، وهذا كلام منثور لا يشبه بعضه بعضاً له طلاوة ، قال : فكهانة هو ؟ قال : لا قال : فما هو ؟ قال : دعني أفكر فيه ، فلمّا كان من الغد ، قالوا : يا عبد شمس ما تقول ؟ قال : قولوا : هو سحر ، فانّه آخذٌ بقول النّاس ، فأنزل الله تعالى فيه : « ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا » إلى قوله : « تِسْعَةَ عَشَرَ » (٢).

٣٩٨ ـ وفي حديث حمّاد بن زيد ، عن أيّوب ، عن عكرمة قال : جاء الوليد بن المغيرة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال : اقرأ عليّ ، فقال : « إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » (٣) فقال : أعد فأعاد ، فقال : والله إنّ له لحلاوةً وطلاوةً ، وإنّ أعلاه لمثمرٌ ، وإنّ أسفله لمغدق (٤) ، وما هذا بقول بشر (٥).

فصل ـ ٤ ـ

٣٩٩ ـ وكان قريش يُجدّون في أذى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وكان أشدّ النّاس عليه عمّه ابولهب ، وكان صلّى الله عليه وآله ذات يوم جالساً في الحجر ، فبعثوا إلى سلي (٦)

_________________________________

(١) سورة فصلت : (١٣).

(٢) بحار الانوار (١٨ / ١٨٦) ، برقم : (١٦). الآيات في سورة المدثر : (١١ ـ ٣٠).

(٣) سورة النّحل : (٩٠).

(٤) أي : خصب وعذب ومتسع ، وفي البحار : لمعذق.

(٥) بحار الانوار (١٨ / ١٨٦ ـ ١٨٧).

(٦) السّلي أي المشيمة جلدة فيها الولد في بطن أمّه.


الشّاة فألقوه على رسول الله صلّى الله عليه وآله فاغتم من ذلك ، فجاءَ إلى أبي طالب ، فقال : يا عمّ كيف حسبي فيكم ؟ قال : وما ذاك يا ابن أخ ؟ قال : إنّ قريشاً ألقوا عليَّ السّلى ، فقال لحمزة : خذ السّيف ، وكانت قريش جالسة في المسجد ، فجاء ابوطالب ومعه السّيف وحمزة ومعه السّيف ، فقال : أمِرّ السّلي على سبالهم ، ثمّ التفت إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال : يا ابن أخ هذا حسبك منّا وفينا (١).

٤٠٠ ـ وفي صحيح البخاري ، عن عبد الله قال : بينما رسول الله صلّى الله عليه وآله ساجدٌ وحوله النّاس (٢) من قريش ومعهم سلى بعيرٍ ، فقالوا : من يأخذ هذا فيقذفه (٣) على ظهره ، فجاء عقبة بن أبي معيط ، فقذفه على ظهر النّبيّ صلّى الله عليه وآله وجاءت فاطمة عليها السلام ، فأخذته من ظهره ودعت على من صنع ذلك ، قال عبد الله : فما رأيت رسول الله دعا عليهم إلّا يومئذٍ ، قال : اللّهمّ عليك الملأ من قريش ، قال عبد الله : ولقد رأيتهم قُتلوا يوم بدر واُلقوا في القليب (٤).

٤٠١ ـ وكان ابوجهل تعرّض لرسول الله صلّى الله عليه وآله وأذّاه بالكلام ، فقالت امرأة من بعض السّطوح لحمزة : يا أبا يعلى إنّ عمرو بن هشام تعرّض لمحمّد وأذّاه ، فغضب حمزة ومرّ نحو أبي جهل ، وأخذ قوسه فضرب بها رأسه ، ثمّ احتمله فجلد به الأرض ، واجتمع النّاس وكاد يقع فيهم شرّ ، فقالوا : يا أبا يعلى صبوت إلى دين محمّد ؟ قال : نعم أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله. ثمّ غدا إلى رسول الله فقال : يا ابن أخ أحق (٥) ما تقول ؟ فقرأ عليه رسول الله صلّى الله عليه وآله من القرآن ، فاستبصر حمزة فثبت على دين الإِسلام ، وفرح رسول الله ، وسُرّ ابوطالب بإسلامه وقال :

فصبراً أبا يعلى على دين أحمد

وكن مظهراً للدّين وفّقت صابراً

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٨ / ١٨٧) ، برقم : (٧) وص (٢٠٩) ، برقم : (٣٨).

(٢) في البحار : ناس.

(٣) كذا في إعلام الورى ، وفي البحار : فيفرقه.

(٤) صحيح البخاري (٥ / ١٢٢) ، برقم : (١٩٣) ، والبحار (١٨ / ٢٠٩ ـ ٢١٠) ، برقم : (٣٨) عن إعلام الورى ص (٤٧).

(٥) في ق ٣ والبحار : أحقّاً.


وحُطّ (١) من أتى بالدين من عند ربه

بصدق وحقٍ لا تكن حمزُ كافراً

فقد سرّنـي إن قلـت أنّك مؤمن

فكن لرسول الله في الله ناصراً

ونـاد قريشاً بالّذي قد أتيـته

جهاراً وقل : ما كان أحمد ساحراً (٢)

فصل ـ ٥ ـ

٤٠٢ ـ ولمّا اشتدّت قريش في أذى رسول الله صلّى الله عليه وآله وأذى أصحابه ، أمرهم أن يخرجوا إلى الحبشة ، وأمر جعفراً أن يخرج بهم ، فخرج جعفر ومعه سبعون رجلاً حتّى ركبوا البحر ، فلمّا بلغ قريشاً خروجهم بعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد إلى النّجاشي أن يردّهم إليهم ، فوردوا على النّجاشي وحملوا إليه هدايا ، فقال عمرو : أيّها الملك إنّ قوماً منّا خالفونا في ديننا وصاروا اليك ، فردّهم إلينا.

فبعث النّجاشي إلى جعفر وأحضره ، فقال : يا جعفر إنّ هؤلاء يسألونني أن أردّكم إليهم ، فقال : أيّها الملك سلهم أنحن عبيد لهم ؟ قال عمرو : لا بل أحرار كرام ، قال : فسلهم ألهم علينا ديون يطالبوننا بها ؟ قال : لا ما لنا عليهم ديون ، قال : فلهم في أعناقنا دماء ؟ قال عمرو : ما لنا في أعناقنا دماء ولا نطالبهم بدخُول قال : فما يريدون منّا ؟ قال عمرو : خالفونا في ديننا وفرّقوا جماعتنا ، فردّهم إلينا.

فقال جعفر : أيّها الملك خالفناهم لنبيّ بعثه الله فينا ، أمرنا بخلع الأنداد ، وترك الاستقسام بالأزلام ، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة ، وحرّم الظّلم والجور وسفك الدّماء بغير حلّها والزّنا والرّبا والدّم والميتة ، وأمرنا بالعدل والإِحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي فقال النّجاشي : بهذا بعث الله تعالى عيسى عليه السلام ، ثمّ قال : أتحفظ يا جعفر ممّا أنزل الله على نبيّك شيئاً ؟ قال : نعم ، قال : اقرأ ، فقرأ عليه سورة مريم ، فلمّا بلغ إلى قوله : « وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا » (٣) قال : هذا

_________________________________

(١) في ق ٣ : محمّد أتى بالدّين من عند ربّه ، وفي إعلام الورى : وخط من أتى بالدّين. أي امش موضع قدمه. وعلى نسخة المهملة فالمعنى : احفظه وتعهّده. ومنه قولهم : حط حط أي تعهّد بصلة الرّحم وأحدق به من جوانبه.

(٢) بحار الانوار (١٨ / ٢١٠ ـ ٢١١) ، برقم : (٣٨) وراجع إعلام الورى ص (٤٨).

(٣) سورة مريم : ٢٥.


هو الحق ، فقال عمرو : أيّها الملك إنّ هذا ترك ديننا ، فردّه إلينا وإلى بلادنا ، فرفع النّجاشي يده فضرب بها وجهه ، ثمّ قال : لئن ذكرته بسوءٍ لأقتلنّك ، فخرج عمرو والدّم يسفك على ثيابه.

قال : وكان عمارة حسن الوجه وعمرو كان أخرج أهله معه ، فلمّا كانوا في السّفينة شربوا الخمر ، قال عمارة لعمرو : قل لأهلك : تقبّلني ، فقال عمرو : أيجوز هذا ؟ فلمّا تنشّى عمارة ألقى عمرواً في البحر (١) ، فتشبّث بصدر السّفينة فأخرجوه.

ثمّ إنّهم لمّا كانوا عند النّجاشي كانت وصيفة على رأسه تذبّ عنه وتنظر إلى عمارة وكان فتى جميلاً ، فلمّا رجع عمرو إلى منزله قال لعمارة : لو راسلت جارية الملك ففعل فأجابته ، قال عمرو : قل لها : تحمل إليك من طيب الملك شيئاً ، فحملت إليه فأخذه عمرو ، وكان الّذي فعله عمارة في قلبه حيث ألقاه في البحر ، فأدخل الطّيب على النّجاشي وقال : إنّ صاحبي الّذي معي راسل حرمتك وخدعها وهذا طيبها ، فغضب النّجاشي وهمّ أن يقتل عمارة ثمّ قال : لا يجوز قتله لأنّهم دخلوا بلادي بأمان ، فأمر أن يفعلوا به شيئاً أشدّ من القتل ، فأخذوه ونفخوا في إحليله بالزّيبق فصار مع الوحش.

فرجع عمرو إلى قريش وأخبرهم بخبره ، وبقي جعفر بأرض الحبشة في أكرم كرامة ، فما زال بها حتّى بلغه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قد هادن قريشاً وقد وقع بينهم صلح ، فقدم بجميع من معه ووافى رسول الله صلّى الله عليه وآله وقد فتح خيبر ، وقد ولد لجعفر من أسماء بنت عميس بالحبشة عبد الله بن جعفر (٢).

٤٠٣ ـ وقال ابوطالب : يخصّ النّجاشي على نصرة النّبيّ وأتباعه وأشياعه :

تعلّم مليك الحبش أنّ محـمداً

نبيٌّ كموسى والمسيح بن مريم

أتى بالهدى مثل الّذي أتيا بـه

وكلّ بحمد الله يهدي ويعصم

وأنّـكم تتلونه في كتابـكم

بصدق حديث لا حديث المرجَّم

فلا تجعـلوا لله ندّاً وأسـلمـوا

فانّ طريق الحق ليس بمظلم (٣)

٤٠٤ ـ وفيما روي محمّد بن اسحاق أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله بعث عمرو بن

_________________________________

(١) في البحار : فلمّا انتشى عمرو ... فدفعه عمارة في البحر.

(٢) بحار الانوار (١٨ / ٤١٤ ـ ٤١٦) ، برقم : (٧) عن التّفسير للقمي اقتباساً وإيجازاً.

(٣) بحار الانوار (١٨ / ٤١٨) ، برقم : (٤) عن اعلام الورى والقصص.


أميّة الضّميري إلى النّجاشي في شأن جعفر بن أبي طالب وأصحابه ، وكتب معه كتاباً :

بسم الله الرّحمن الرّحيم من محمّد رسول الله إلى النّجاشي الأضحم (١) صاحب الحبشة سلام عليك ، أني أحمد إليك الله الملك القدّوس المؤمن المهيمن ، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطّيبة الحصينة ، فحملت بعيسى ، فخلقه من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه فيه ، وإنّي أدعوك إلى الله وحده لا شريك له ، والموالاة على طاعته ، وأنّ تتّبعني وتؤمن بي وبالّذي جاءني ، فإنّي رسول الله قد بعث إليكم ابن عمّي جعفر بن أبي طالب ، معه نفر من المسلمين ، فاذا جاؤوك فأقرهم وَدَع التّجبّر فإِنّي أدعوك وجيرتك إلى الله تعالى ، وقد بلّغت ونصحت ، فاقبلوا نصيحتي والسّلام على من اتبع الهدى.

فكتب إليه النّجاشي : بسم الله الرّحمن الرّحيم إلى محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله من النّجاشي الأضحم بن أبحر سلام عليك يا نبيّ الله من الله ورحمة الله وبركاته ، لا إله إلّا هو الّذي هداني (٢) إلى الاسلام ، وقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى ، فو ربّ السّماء والأرض أنّ عيسى ما يزيد على ما ذكرت ، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا ، وقد قرينا ابن عمّك وأصحابه ، وأشهد أنّك رسول الله صادقاً مصدّقاً ، وقد بايعتك وبايعت ابن عمّك ، وأسلمت على يديه لله ربّ العالمين ، وقد بعثت إليك يا رسول الله أريحا ابن الأضحم بن أبحر ، فانّي لا أملك إلّا نفسي إن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله ، إنّي أشهد أنّ ما تقول حق.

ثمّ بعث إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله هدايا ، وبعث إليه بمارية القبطيّة أمّ إبراهيم عليه السلام ، وبعث إليه بثياب وطيب كثير وفرس ، وبعث إليه بثلاثين رجلاً من القسيسين لينظروا إلى كلامه ومعقده ومشربه فوافوا المدينة ، ودعاهم رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى الإِسلام ، فآمنوا ورجعوا إلى النّجاشي (٣).

_________________________________

(١) في ق ٢ وق ٣ : الاضخم ، وفي البحار : الأصحم.

(٢) في ق ١ وق ٥ : هدانا.

(٣) بحار الانوار (١٨ / ٤١٨ ـ ٤٢٠).


فصل ـ ٦ ـ

(وقصّة المعراج معروفة في قوله جلّت عظمته : « سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى »)

٤٠٥ ـ وبالإِسناد المذكور ، عن ابن بكير ، عن الصّادق عليه السلام قال : لمّا أُسري برسول الله صلّى الله عليه وآله إلى سماء الدّنيا لم يمرّ بأحدٍ من الملائكة إلّا استبشروا به ، قال : ثمّ مرّ بملك كئيب حزين فلم يستبشر به ، فقال : يا جبرئيل ما مررت بأحد من الملائكة إلّا استبشر بي إلّا هذا الملك ، فمن هذا ؟ قال : هذا مالك خازن جهنّم ، وهكذا جعله الله ، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وآله : يا جبرئيل سله أن يرينيها ، قال : فقال جبرئيل : يا مالك هذا محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وقد شكا إليّ وقال : ما مررت بأحدٍ من الملائكة إلّا استبشروا بي إلّا هذا الملك ، فأخبرته أن هكذا جعله الله حيث شاء ، وقد سألني أن أسألك أن تريه جهنّم ، قال : فكشف له عن طبق من أطباقها ، فما رؤي رسول الله صلّى الله عليه وآله ضاحكاً حتّى قبض (١).

٤٠٦ ـ وعن أبي بصير قال : سمعته يقول : إنّ جبرئيل احتمل رسول الله حتّى انتهى به إلى مكان من السّماء ، ثمّ تركه وقال : ما وطأ نبيٌّ قطّ مكانك.

وقال النّبيّ صلّى الله عليه وآله : أتاني جبرئيل عليه السلام وأنا بمكّة ، فقال : قم يا محمّد ، فقمت معه وخرجت إلى الباب ، فاذا جبرئيل ومعه ميكائيل وإسرافيل ، فأتى جبرئيل بالبراق ، فكان فوق الحمار ودون البغل ، خدّه كخدّ الإِنسان ، وذنبه كذنب البقر ، وعرفه كعرف الفرس ، وقوائمه كقوائم الإِبل ، عليه رحل من الجنّة ، وله جناحان من فخذيه ، خطوه منتهى طرفه (٢).

فقال : اركب ، فركبت ومضيت ، حتّى انتهيت إلى بيت المقدس ، ولمّا انتهيت إليه إذا الملائكة نزلت من السّماء بالبشارة والكرامة من عند ربّ العزّة ، وصلّيت في بيت

_________________________________

(١) تفسير العيّاشي (٢ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨) ، برقم : (٨) مع اختلاف يسير. والبحار (١٨ / ٣٤١) عن أمالي الصّدوق بسند معتبر عن ابن بكير عن زرارة بن أبي جعفر الباقر عليه السلام ، نفس المضمون.

(٢) أي : كان سريعاً بحيث يضع كلّ خطوة منه على منتهى مدّ بصره.


المقدس ، وفي بعضها بشّر لي إبراهيم في رهط من الأنبياء ، ثم وصف موسى وعيسى صلوات الله عليهم ، ثمّ أخذ جبرئيل بيدي إلى الصّخرة فأقعدني عليها ، فاذا معراج إلى السّماء لم أر مثلها حسناً وجمالاً.

فصعدت إلى السّماء الدّنيا ، ورأيت عجائبها وملكوتها ، وملائكها يسلّمون عليَّ. ثمّ صعد بي إلى السّماء الثّالثة ، فرأيت بها يوسف عليه السلام ، ثمّ صعدت إلى السّماء الرّابعة ، فرأيت فيها إدريس عليه السلام ، ثمّ صعد بي إلى السّماء الخامسة ، فرأيت فيها هارون عليه السلام ، ثمّ صعد بي إلى السّماء السّادسة ، فاذا فيها خلق كثير يموج بعضهم في بعض وفيها الكرّوبيّون قال :ثمّ صعد بي إلى السّماء السّابعة فأبصرت فيها خلقاً وملائكة (١).

٤٠٧ ـ وفي حديث آخر قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله : رأيت في السّماء السّادسة موسى عليه السلام ، ورأيت في السّابعة إبراهيم عليه السلام ثمّ قال : جاوزنا متصاعدين إلى أعلى عليّين ، ووصف ذلك إلى أن قال : ثمّ كلّمني ربّي وكلّمته ، ورأيت الجنّة والنّار ، ورأيت العرش وسدرة المنتهى.

قال : ثمّ رجعت إلى مكّة ، فلمّا أصبحت حدّثت فيه النّاس ، فأكذبني ابوجهل والمشركون ، وقال مطعم بن عدي : أتزعم أنّك سرت مسيرة شهرين في ساعة ؟ أشهد أنّك كاذب ، ثمّ قالت قريش : أخبرنا عمّا رأيت.

فقال : مررت بعير بني فلان ، وقد أضلّوا بعيراً لهم هم في طلبه ، وفي رحلهم قعب من ماءٍ مملوّ ، فشرب الماء فغطّيته كما كان ، فاسألوهم هل وجدوا الماء في القدح ؟ قالوا : هذه آية واحدة ، فقال صلّى الله عليه وآله : مررت بعير بني فلان ، فنفر بعير فلان فانكسرت يده ، فاسألوهم عن ذلك ، فقالوا : هذه آية أخرى ، قالوا : فأخبرنا عن عيرنا قال : مررت بها بالتّنعيم ، وبيّن لهم أحوالها وهيئاتها ، قالوا : هذه آية اُخرى (٢).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٨ / ٣٧٥ ـ ٣٧٦) ، برقم : (٨١) وروي صدره (أعني حديث المعراج) عن العيّاشي مرسلاً عن أبي بصير عن ابي عبد الله عليه السلام في ص (٤٠٣ ـ ٤٠٤) ، برقم : (١٠٧) وأيضاً عنه عنه عليه السلام في ص (٣٨٥ ـ ٣٨٦) ورواه مسنداً عنه عنه عليه السلام في ص (٣٨٨) عن أمالي الشّيخ الطوسي ولا يبعد إرجاع مراسليه عن أبي بصير إلى هذا المسند بسبك فنّي يعرفه أهله.

(٢) بحار الانوار (١٨ / ٣٧٦).


٤٠٨ ـ وفي رواية أخرى قال ابوجهل : قد أمكنتكم الفرصة منه ، فاسألوه كم فيها من الاساطين والقناديل ؟ فقالوا : يا محمّد إنّ ها هنا من دخل بيت المقدس فصف لنا أساطينه وقناديله ، فجاء جبرئيل عليه السلام فعلّق صورة بيت المقدس تجاه (١) وجهه فجعل يخبرهم بما سألوه عنه فلمّا أخبرهم قالوا : حتّى تجيء العير ونسألهم عمّا قلت ، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وآله : تصديق ذلك أنّ العير تطلع عليكم عند طلوع الشّمس يقدمها جمل أحمر (٢) عليه غِرارتان ، فلمّا كان من الغد أقبلوا ينظرون إلى العقبة والقرص ، فاذا العير يقدمها جمل أحمر ، فسألوهم عمّا قال رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالوا : لقد كان هذا فلم يزدهم إلّا عتوّاً (٣).

٤٠٩ ـ فاجتمعوا في دار النّدوة وكتبوا صحيفة بينهم : أن لا يواكلوا بني هاشم ، ولا يكلّموهم ، ولا يبايعوهم ، ولا يزوّجوهم ، ولا يتزوّجوا إليهم حتّى يدفعوا إليهم محمّداً فيقتلونه ، وأنّهم يد واحدة على محمّد يقتلونه غيلة أو صراحاً ، فلمّا بلغ ذلك أبا طالب جمع بني هاشم ودخلوا الشّعب ، وكانوا أربعين رجلاً ، فحلف لهم ابوطالب بالكعبة والحرم : إنّ شاكت محمّداً شوكة لاُتينَّ (٤) عليكم يا بني هاشم ، وحصّن الشِّعب ، وكان يحرسه باللّيل والنّهار ، فاذا جاء اللّيل يقوم بالسّيف عليه ورسول الله صلّى الله عليه وآله مضطجع ، ثمّ يقيمه ويضجعه في موضع آخر ، فلا يزال اللّيل كلّه هكذا ، ويوكّل ولده وولد أخيه به

_________________________________

(١) في ق ٢ : تلقاء.

(٢) في البحار : أورق. والغرارة بمعنى الجوالق.

(٣) بحار الانوار (١٨ / ٣٣٦ ـ ٣٣٧) ، برقم : (٣٧) عن أمالي الشّيخ الصّدوق مسنداً والسّند معتبر وللحديث صدر له ربط تامّ بقوله : فاسألوه كم الاساطين فيها إلخ. وهذا هو الصّدر أبي عن علي عن أبيه ... عن أبي عبد الله عليه السلام جعفر بن محمّد الصّادق عليه السلام قال : لمّا اسرى برسول الله صلّى الله عليه وآله إلى بيت المقدس حمله جبرئيل على البراق فاتيا بيت المقدس وعرض عليه محاريب الأنبياء وصلى بها وردّه فمرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله في رجوعه بعير لقريش وإذا لهم ماء في آنية وقد أضلوا بعيراً لهم وكانوا يطلبونه فشرب رسول الله من ذلك الماء وأهرق باقيه فلمّا أصبح رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لقريش : إنّ الله جلّ جلاله قد أسرى بي إلى بيت المقدس وأراني آثار الانبياء ومنازلهم وإنّي مررت بعير لقريش في موضع كذا وكذا وقد أضلوا بعيراً لهم فشربت من مائهم وأهرقت باقي ذلك فقال ابوجهل قد ... وبالجملة هذا المقدار من الطلب المرتبط ببقيّة الحديث كان ذكره أوّلاً ضروريّاً ولعلّه سقط من قلم الشّيخ الرّاوندي أو من غفلة النّاسخ والله العالم.

(٤) أصله : لاُتي ، ماض مجهول ، اُكّد باللّام والنّون المثقّلة ، أي لجاءكم الهلكة.


يحرسونه بالنّهار فأصابهم الجهد.

وكان من دخل مكّة من العرب لا يجسر أن يبيع من بني هاشم شيئاً ، ومن باع بني هاشم شيئاً انتهبوا ماله ، وكان ابوجهل والعاص بن وائل السّهمي والنّضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط يخرجون إلى الطّرقات الّتي تدخل مكّة ، فمن رأوه معه ميرة نهوه أن يبيع من بني هاشم شيئاً ، ويحذّرونه إن باع شيئاً منهم انتهبوا ماله ، وكانت خديجة لها مال كثير وأنفقته على رسول الله صلّى الله عليه وآله في الشّعب ، ولم يدخل في حلف الصّحيفة مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد المطلب (١) بن عبد مناف ، وقال : هذا ظلم ، وختموا الصّحيفة بأربعين خاتماً كلّ رجل من رؤساء قريش بخاتمه ، وعلّقوها في الكعبة ، وتابعهم على ذلك ابولهب.

وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يخرج في كلّ يوم موسم ، فيدور على قبائل العرب ، فيقول لهم : تمنعون لي جانبي حتّى أتلو عليكم كتاب ربّكم وثوابكم الجنّة على الله ، وأبو لهب في إثره فيقول : لا تقبلوا منه ، فانّه ابن أخي وهو كذّاب ساحر ، فلم يزل هذا حالهم.

وبقوا في الشّعب أربع سنين لا يأمنون إلّا من موسم إلى موسم ، ولا يشترون ولا يبيعون إلّا في الموسم ، وكان يقوم بمكّة موسمان في كلّ سنة : موسم العمرة في رجب ، وموسم الحج في ذي الحجّة ، فكان إذا اجتمعت المواسم يخرج بنو هاشم من الشّعب ، فيشترون ويبيعون ، ثمّ لا يجسر أحد منهم أن يخرج الى الموسم الثّاني ، وأصابهم الجهد وجاعوا ، وبعث قريش إلى أبي طالب : ادفع إلينا محمّداً نقتله ونملّكك علينا ، وقال ابوطالب رضي الله عنه : قصيدته أللّاميّة يقول فيها :

ولمّا رأيت القوم لا ودّ منهم (٢)

وقد قطعوا كلّ العرى والوسائل

وأبيض يستسـقي الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

_________________________________

(١) والظّاهر أنّ ذكر عبد المطلب في سلسلة النّسب من غلط النّساخ ، كما يظهر من مراجعة كتب التّواريخ والانساب والرّجال فانّه : مطعم بن عدّي بن نوفل بن عبد مناف. وقد ترجم الشّيخ في رجال ص (١٤) ، برقم : (٢٣) ابنه جبير بنفس النّسب.

(٢) في البحار : فيهم.


كذبتم وبيت الله يبـزى محمّدٌ

ولمّا نطاعن دونه ونقاتل

لعمري لقد كلّفت وجداً بأحمد

وأحببته حبّ الحبيب المواصل

وجُدت بنـفسي دونه وحميته

ودارأت عنه بالذّرى والكواهل

فأيّده ربّ العبـاد بنـصره

وأظهر ديناً حقّه غير باطل

فلما سمعوا هذا القصيدة آيسوا منه ، وكان ابوالعاص ابن الرّبيع وهو ختن رسول الله صلّى الله عليه وآله يأتي بالعير باللّيل عليها البرّ والتّمر إلى باب الشّعب ، ثمّ يصح بها فتدخل الشّعب فيأكله بنو هاشم ، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لقد صاهرنا أبو العباس فأحمدنا صِهره.

ولمّا أتى أربع سنين بعث الله على صحيفتهم القاطعة دابة الأرض ، فلحست جميع ما فيها من قطيعة وظلم ، وتركت : باسمك اللّهم ، ونزل جبرئيل على رسول الله صلّى الله عليه وآله فأخبره بذلك ، فأخبر رسول الله أبا طالب ، فقام ابوطالب ولبس ثيابه ثمّ مشى حتّى دخل المسجد على قريش وهم مجتمعون فيه ، فلمّا أبصروه قالوا : قد ضجر ابوطالب وجاءَ الآن ليسلّم ابن أخيه ، فدنا منهم وسلّم عليهم ، فقاموا إليه وعظّموه ، وقالوا : قد علمنا يا أبا طالب أنّك أردت مواصلتنا والرّجوع إلى جماعتنا ، وأن تسلّم ابن أخيك إلينا.

قال : والله ما جئت لهذا ، ولكن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني أنّ الله تعالى أخبره أنّه بعث على صحيفتكم القاطعة دابة الأرض ، فلحست جميع ما فيها من قطيعة رحم وظلم وجور تركت اسم الله ، فابعثوا إلى صحيفتكم ، فان كان حقّاً فاتّقوا الله وارجعوا عما أنتم عليه من الظّلم والجور وقطيعة الرّحم ، وإن كان باطلاً دفعته إليكم ، فان شئتم قتلتموه ، وإن شئتم أسجنتموه.

فبعثوا إلى الصّحيفة وأنزلوها من الكعبة ، فاذا ليس فيها إلّا باسمك اللّهم ، فقال لهم أبو طالب : يا قوم اتّقوا الله وكفّوا عمّا أنتم عليه ، فتفرّق القوم ولم يتكلّم أحد ، ورجع أبو طالب إلى الشّعب (١).

٤١٠ ـ وقال عند ذلك نفر من بني عبد مناف وبني قصيّ ورجال من قريش ولدتهم

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٩ / ١ ـ ٤) ، برقم : (١).


نساء بني هاشم منهم : مطعم بن عديّ ، وعامر بن لؤيّ ـ وكان شيخاً كبيراً كثير المال له أولاد ـ وأبوالبختري بن هاشم ، وزهير بن اُميّة المخزومي في رجال من أشرافهم : نحن برآءٌ ممّا في هذه الصّحيفة ، فقال أبوجهل : هذا أمر قضي بليل ، وخرج النّبيّ صلّى الله عليه وآله ورهطه من الشّعب وخالطوا النّاس ومات أبوطالب بعد ذلك بشهرين ، وماتت خديجة رضي الله عنها بعد ذلك ، وورد على رسول الله صلّى الله عليه وآله أمران عظيمان جزع جزعاً شديداً ، ودخل علي أبي طالب وهو يجود بنفسه ، فقال يا عمّ : ربّيت صغيراً ، ونصرت كبيراً ، وكفّلت يتيماً ، فجزاك الله عنّي خير الجزاء أعطني كلمة أشفع لك بها عند ربّي (١).

قال ابن عباس : فلمّا ثقل ابوطالب رُئِيَ يحرّك شفتيه ، فأصغى إليه العبّاس يسمع قوله ، فرفع العبّاس عنه (٢) وقال : يا رسول الله والله قد قال الكلمة الّتي سألته إيّاها.

وعن ابن عبّاس قال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله عارض جنازة أبي طالب ، فقال : وصلتك رحم (٣) وجزيت خيراً ياعمّ (٤).

فصل ـ ٧ ـ

٤١١ ـ وعن الزّهري كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يعرض نفسه على قبائل العرب في كلّ موسم ، ويكلّم كلّ شريف قوم لا يسأله منهم أحد (٥) ، فلمّا توفّي أبوطالب اشتدّ

_________________________________

(١) لا دلالة في هذا القول على عدم إيمان أبي طالب ، وبوجه كي يؤوّلّ بكتمانه إيمانه اتقاءً من القوم ـ كما أوّل في هامش البحار (١٩ / ٥) ـ كيف ؟ وهم يتّقونه ومادام حيّاً لم ينل قريش من رسول الله شيئاً. ولمّا سمعوا منه قصيدته اللّاميّة في شأن نبوّته ورسالته يقول فيها :

ألم تعلموا أنّ ابننا لا مكذَّب

لدينا ولا يعنى بقول الأباطل

وجدت بنفسي دونه وحميته

ودارأت عنه بالذرى والكواهل

(أي دافعت عنه بالرأس والرّقبة)

فايّده ربّ العباد بنصره

وأظهر ديناً حقّه غير باطل

آيسوا منه وتفرّقوا عنه لما رأوا أنّ تصرفاته وحركاته الدّفاعيّة دليل على تصلّبه وإيمانه الجدّي بما جاء به ابن أخيه من شريعة الاسلام. والكلمة المرادة منه عند ارتحاله إنّما كانت كلمة الشهادتين تلقيناً وتجديداً لخاطرة التّوحيد والرّسالة من باب السّنة والطّريقة فانّ إيمان أبي طالب بالاسلام أظهر من الضّوء على الكون والعالم.

(٢) في البحار : عنه رأسه.

(٣) في البحار : وصلت رحماً.

(٤) بحار الانوار (١٩ / ٤ ـ ٥) ، برقم : (٣).

(٥) في البحار (١٩ / ٦) : لا يسألهم مع ذلك إلّا أن يؤووه.


البلاء على رسول الله صلّى الله عليه وآله فعمد لثقيف بالطّائف رجاء أن يؤووه ، فرضخوه بالحجارة ، فخلص منهم ورجلاه يسيلان الدّماء ، واستظلّ في ظلّ نخلة فيه وهو مكروب موُجع ، فاذا في الحائط عتبة وشيبة ابنا ربيعة فلمّا رآهما كره مكانه (١) لما يعلم من عداوتهما ، فلمّا رأياه أرسلا إليه غلاماً ـ يدعى عداس وهو نصرانيٌّ ـ ومعه عنب ، فلمّا جاءه عداس ، قال له رسول الله : من أيّ أرض أنت ؟ قال : أنا من نينوى ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من مدينة الرّجل الصّالح : يونس بن متى ، فقال عداس : وما يدريك من يونس بن متى ؟ فقال له رسول الله : لا تحقّر أحداً (٢) أن يبلّغ رسالة ربّه ، أنا رسول الله ، والله تعالى أخبرني خبر يونس بن متى ، فجعل عداس يقبّل قدميه ، ولمّا رجع عليه السلام من الطّائف وأشرف على مكّة وهو معتبر ، كره أن يدخل مكّة وليس له فيها مجير ، فنظر إلى رجل من أهل مكّة من قريش ـ قد كان أسلم سرّاً ـ فقال له : ائت مطعم بن عدي ، فسله أن يجيرني حتّى أطوف وأسعى ، فقال له : ائته وقل له : انّي قد أجرتك ، فتعال وطف واسع ما شئت ، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال مطعم لولده وأختانه وأخيه طعيمة : خذوا سلاحكم ، فانّي قد أجرت محمّداً ، وكانوا حول الكعبة حتّى يطوف ويسعى ـ وكانوا عشرة ـ فأخذوا السّلاح.

وأقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى دخل المسجد ورآه أبوجهل ، فقال : يا معشر قريش هذا محمّد وحده ، وقد مات ناصره فشأنكم به ، فقال طعيمة : يا عمّ لا تتكلّم ، فانّ أبا وهب قد أجار محمّداً ، فقال أبوجهل : أبا وهب أمجير أم صابىء ؟ قال : بل مجيرٌ ، قال : إذاً لا نخفر جوارك.

فلمّا فرغ رسول الله من طوافه وسعيه جاء إلى مطعم وقال : يا أبا وهب قد أجرت وأحسنت ، فردّ عليّ جواري ، فقال : وما عليك أن تقيم في جواري ، فقال : لا أقيم في جوار مشرك أكثر من يوم ، فقال مطعم : يا معشر قريش قد خرج محمّد من جواري (٣).

_________________________________

(١) في البحار : مكانهما.

(٢) في البحار : وكان لا يحقر أحداً.

(٣) بحار الانوار (١٩ / ٥ ـ ٨) برقم : (٥) عن أعلام الورى ص (٥٣ ـ ٥٥) وفيهما تفاصيل الواقعة بصورتها وزواياها وما هنا اختصار ومقتبس من تلك الحادثة الحزينة.


فصل ـ ٨ ـ

٤١٢ ـ ذكر عليّ بن إبراهيم أنّ سعد بن زرارة وذكوان خرجا إلى عمرة رجب ، وكان أسعد صديقاً لعتبة بن ربيعة ، فنزل عليه ، فقال له : إنّه كان بيننا وبين قومنا حروب ، وقد جئناك نطلب الحلف عليهم ، فقال عتبة : بعدت دارنا من داركم ولنا شغل لا نتفرّغ لشيء قال : وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم ؟ فقال عتبة : خرج فينا رجلٌ يدّعي أنّه رسول الله سفّه أحلامنا (١) ، فقال أسعد ومن هو منكم ؟ قال : محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب من أوسطنا شرفاً وأعظمنا بيتاً.

وكان أسعد وذكوان وجيمع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الّذين كانوا بينهم النّضير وقريظة وقينقاع أنّ هذا أوان نبيّ يخرج من مكّة يكون مهاجره بالمدينة ، فلمّا سمع أسعد وقع في قلبه ما كان سمع من اليهود ، قال : أين هو ؟ قال : هو جالس في الحجر ، فلا تكلّمه فانّه ساحرٌ يسحرك بكلامه ، قال أسعد : كيف أصنع وأنا معتبر لا بدّ لي أن أطوف بالبيت ؟ قال : ضع أُذنك القطن.

فدخل أسعد المسجد وقد حشا أُذنيه القطن ، فطاف بالبيت ورسول الله صلّى الله عليه وآله في الحجر مع بني هاشم ، فنظر إليه نظرةً وجازه ، فلمّا كان في الشّوط الثّاني رمى القطن وقال في نفسه : لا أحد أجهل منّي ، فقال : أنعم صباحاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : قد أبدلنا الله أحسن (٢) من هذا ، تحية أهل الجنّة : سلامٌ عليكم ، فقال : أشهد أن لا اله إلّا الله ، وأنّك رسول الله ، أنا من أهل يثرب من الخزرج ، وبيننا وبين إخوتنا من الأوس حبال مقطوعة ، فإن وصلها الله بك ، فلا أحد أعزّ منك ، ومعي رجل من قومي فان دخل في هذا الامر أرجو أن يتم الله لنا أُمورنا فيك ، لقد كنّا نسمع من اليهود خبرك وصفتك ، وأرجو أن تكون دارنا دار هجرتك ، فقد أعلمنا اليهود ذلك ، فالحمد لله الّذي ساقني إليك.

ثمّ أقبل ذكوان ، فقال له أسعد : هذا رسول الله الّذي كانت اليهود تبشّرنا به تخبرنا

_________________________________

(١) في البحار : سفه أحلامنا ، وسبّ آلهتنا ، وأفسد شبابنا ، وفرّق جماعتنا.

(٢) في البحار : قد أبدلنا الله به ما هو أحسن.


بصفته ، فأسلم ذكوان وقالا : يا رسول الله ابعث معنا رجلاً يعلّمنا القرآن كثيراً ، فبعث معهما مصعب ، فنزل على أسعد ، وأجاب من كلّ بطن الرّجل والرّجلان لمّا أخبروهم بخير رسول الله وأمره.

وكان مصعب يخرج في كلّ يوم ، فيطوف على مجالس الخزرج يدعوهم إلى الاسلام فيجيبه الأحدث ، وقال سعد لمصعب : إنّ خالي سعد بن معاذ من رؤساء الأوس ، فإن دخل في هذا الأمر تمّ لنا أمرنا ، فجاء مصعب مع أسعد إلى محلة سعد بن معاذ ، وقعد على بئر من آبارهم ، واجتمع إليه قوم من أحداثهم ، وهو يقرأ عليهم القرآن ، فبلغ ذلك سعد بن معاذ ، فقال لأسيد بن حصين ـ وكان من أشرافهم ـ : بلغني أنّ أسعد أتى محلّتنا مع هذا القرشي يفسد شبابنا ائته وانهه عن ذلك ، فأتى أسيد وقال لأسعد : يا أبا أمامة يقول لك خالك : لا تأتينا في نادينا ولا تفسد شبابنا.

فقال مصعب : أو تجلس فنعرض عليك أمراً ؟ فإن أحببته دخلت فيه ، وإن كرهته نحّينا عنك ما تكره ، فجلس فقرأ عليه سورةً ، فأسلم أسيد ، ثمّ رجع إلى سعد بن معاذ ، فلمّا نظر إليه سعد قال : أقسم انّ أسيداً رجع إلينا بغير الوجه الّذي ذهب من عندنا ، وأتاهم سعد فقرأ عليه أسعد : « حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ » فلمّا سمع بعث إلى منزله وأتى بثوبين طاهرين ، واغتسل وشهد الشّهادتين ، وصلّى ركعتين ، ثمّ قام وأخذ بيد مصعب وحوّله إليه وقال : أظهر أمرك ولا تهابنّ أحداً.

ثمّ صاح لايبقيّن رجل ولا امرأة إلّا خرج ، فليس هذا يوم ستر ولا حجاب ، فلمّا اجتمعوا قال : كيف حالي عندكم ؟ قالوا : أنت سيّدنا والمطاع فينا ، ولا نردّ لك أمراً ، فقال : كلام رجالكم ونساؤكم علي حرام حتّى تشهدوا أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، والحمد لله الّذي أكرمنا بذلك ، وهو الّذي كانت اليهود تخبرنا به ، وشاع الاسلام بالمدينة ودخل فيه من البطنين أشرافهم.

وكتب مصعب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله بذلك فكلّ من دخل في الاسلام من قريش ضربه قومه وعذّبوه ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يأمرهم أن يخرجوا إلى المدينة ، فيصيرون إليها فينزلهم الأوس والخزرج عليهم ويواسونهم (١).

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٩ / ٨ ـ ١٢) عن إعلام الورى مع إختلاف في بعض الالفاظ.


٤١٣ ـ ثمّ إنّ الاوس والخزرج قدموا مكّة ، فجاءهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال : تمنعون جانبي حتّى أتلوا عليكم كتاب ربّكم وثوابكم على الله الجنّة ؟ قالوا : نعم قال : موعدكم العقبة في اللّيلة الوسطى من ليالي التّشريق ، فلمّا حجّوا رجعوا إلى منى ، فلمّا اجتمعوا قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وآله : تمنعوني بما تمنعون به أنفسكم ؟ قالوا : فما لنا على ذلك ؟ قال : الجنّة ، قالوا : رضينا دماؤنا بدمك وأنفسنا بنفسك ، فاشترط لربّك ولنفسك ما شئت.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أخرجوا إليّ منكم اثنى عشر نقيباً يكونون عليكم بذلك ، كما أخذ موسى من بني إسرائيل اثنى عشر نقيباً ، فقالوا : اختر من شئت ، فأشار جبرئيل إليهم فقال : هذا نقيب وهذا نقيب (١) حتّى اختار تسعةً من الخزرج ، وهم : أسعد بن زرارة ، والبراء بن معرور ، وعبد الله بن حرام (٢) ـ أبوجابر (٣) بن عبد الله ـ ورافع بن مالك ، وسعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو ، وعبد الله بن رواحة ، وسعد بن الرّبيع ، وعبادة بن الصّامت.

وثلاثة من الأوس ، وهم : أبوالهيثم بن التّيهان (وكان رجلاً من اليمن حليفاً في بني عمرة بن عوف) وأسيد بن حصين ، وسعد بن خيثمة.

فلمّا اجتمعوا وبايعوا رسول الله صلّى الله عليه وآله صاح إبليس : يا معشر قريش والعرب هذا محمّد والصّباة من الأوس والخزرج على جمرة العقبة يبايعونه على حربكم ، فأسمع أهل منى ، فهاجت قريش وأقبلوا بالسّلاح وسمع رسول الله صلّى الله عليه وآله النّداء ، فقال للأنصار : تفرّقوا ، فقالوا : يا رسول الله صلّى الله عليه وآله إن أمرتنا أن نميل إليهم بأسيافنا فعلنا ؟ فقال الرّسول صلّى الله عليه وآله : لم أؤمر بذلك ، ولم يأذن الله لي في

_________________________________

(١) وكذا في ق ١ وق ٣ وتفسير القمي وموضع من البحار ، وفي موضع آخر منه وقع التكرار ثلاثاً ، وفي ق ١ وق ٥ وقع مرة واحدة بدون التكرار.

(٢) في ق ١ : خزام ، وفي ق ٢ وق ٣ وق ٥ : حزام ، والصحيح ما أثبتناه في المتن.

(٣) في ق ١ وق ٢ وق ٣ وق ٥ : وأبوجابر ، وهو غلط ، اذ لو اعتبر العاطف بين كلمتي حرام وأبو لبلغ عدد ما اختاره صلى الله عليه وآله من الخزرج عشرة. وهذا ينافي ما اختار تسعة من الخزرج والصّحيح في اسمه : عبد الله بن عمرو عن حرام ، كما يظهر من الرّجال.


محاربتهم ، فقالوا : يا رسول الله صلّى الله عليه وآله تخرج معنا ؟ قال : أنتظر أمر الله تعالى.

فجاءت قريش قد أخذوا السّلاح وخرج حمزة ومعه السّيف ومعه عليّ عليه السلام فوقفا على العقبة ، فقالوا : ما هذا الّذي اجتمعتم عليه ؟ قال حمزة : ما ها هنا أحد وما اجتمعنا ، والله لا يجوز أحد هذه العقبة إلّا ضربت عنقه بسيفي ، فرجعوا وغدوا إلى عبد الله بن اُبيّ وقالوا : بلغنا أنّ قومك بايعوا محمّداً على حربنا ، فحلف لهم عبد الله أنّهم لم يفعلوا ولا علم له بذلك ، فإنّهم لم يطّلعوه على أمرهم فصدّقوه ، وتفرّقت الأنصار ، ورجع رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى مكة (١).

فصل ـ ٩ ـ

٤١٤ ـ ثمّ اجتمعت قريش في دار النّدوة ، فجاءهم إبليس لمّا أخذوا مجلسهم ، فقال أبوجهل : لم يكن أحد من العرب أعزّ منّا حتّى نشأ فينا محمّد ، وكنّا نسمّيه الأمين لصلاحه وأمانته ، فزعم أنّه رسول ربّ العالمين وسبّ آلهتنا ، وقد رأيت فيه رأياً ، وهو : أن ندسّ اليه رجلاً فيقتله ، وإن طلبت بنوهاشم بدمه أعطيناهم عشر ديات ، فقال إبليس : هذا رأي خبيث ، فانّ بني هاشم لا يرضون أن يمشي قاتل محمّد على الأرض أبداً ، ويقع بينكم الحروب في الحرم ، فقال آخر : الرّأي أن نأخذه فنحبسه في بيت ونثبته فيه ، ونلقي إليه قوته حتّى يموت ، كما مات زهير والنّابغة. قال إبليس : إنّ بني هاشم لا ترضى بذلك ، فاذا جاء مواسم العرب اجتمعوا عليكم ، فأخرجوه فيخدعهم بسحره. فقال آخر : الرّأي أن نخرجه من بلادنا ونطرده ونتفرغ لآلهتنا ، فقال ابليس : هذا أخبث منهما ، فانّه إذا خرج يفجأكم وقد ملأها خيلاً ورَجِلاً فبقوا حيارى ، قالوا : ما الرّأي عندك ؟

قال : ما فيه إلّا رأي واحد ، وهو أن يجتمع من كلّ بطن من بطون قريش رجل شريف ، ويكون معكم من بني هاشم أحد ، فيأخذون سيفاً ويدخلون عليه ، فيضربه كلّهم ضربة واحدة ، فيتفرق دمه في قريش كلّهم ، فلا يستطيع بنو هاشم أن يطلبوا بدمه

_________________________________

(١) بحار الانوار (١٩ / ١٣ ـ ١٤) وص (٤٧ ـ ٤٨) ، برقم : (٦) ، وراجع تفسير القمي (١ / ٢٧٣).


وقد شاركوا فيه ، فحماداهم أن تعطوا الدّية (١).

فقالوا : الرّأي رأي الشّيخ النّجدي ، فاختاروا خمسة عشر رجلاً فيهم أبولهب على أن يدخلوا على رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فأنزل الله تعالى جلّ ذكره : « يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّـهُ وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ » (٢) وأجمعوا أن يدخلوا عليه ليلاً وكتموا أمره ، فقال أبولهب : بل نحرسه ، فاذا أصبحنا دخلنا عليه ، فقاموا حول حجرة رسول الله صلّى الله عليه وآله.

وأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يفرش له ، وقال لعليّ بن أبي طالب عليه السلام : أفدني نفسك ، فقال : نعم يا رسول الله قال : نم على فراشي والتحف ببردتي ، فقام وجاء جبرئيل عليه السلام فقال : اخرج والقوم يشرفون على الحجرة (٣) فيرون فراشه وعليّ عليه السلام نائم عليه ، فيتوهّمون أنّه رسول الله.

فخرج رسول الله وهو يقرأ : يس إلى قوله : « فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ » (٤) أخذ تراباً بكفّه ونثره عليهم وهم نيام ومضى ، فقال جبرئيل عليه السلام : يا محمّد خذ ناحية ثور ، وهو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثّور ، فمرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وتلقاه أبو بكر في الطّريق ، فأخذ بيده ومرّ به ، فلمّا انتهى إلى ثور دخل الغار.

فلمّا أصبحت قريش وأضاء الصّبح ، وثبوا في الحجرة وقصدوا الفراش ، فوثب عليّ عليه السلام إليهم وقام في وجوههم ، فقال لهم : ما لكم ؟ قالوا : أين ابن عمّك ؟ قال عليّ عليه السلام جعلتموني عليه رقيباً ؟ ألستم قلتم له : اخرج عنّا ؟ فقد خرج عنكم فما تريدون ؟

_________________________________

(١) عبارت النّسخ هنا مختلفة ففي ق ٣ : وقد شاركوا فيه ولا يسوغ لهم أن يعطوا الدّية. وفي إعلام الورى ص (٦٢) : فأبقي لهم أن تعطوهم الدّية فأعطوهم ثلاث ديات بل لو أرادوا عشر ديات. وفي التّفسير المنسوب إلى علي بن إبراهيم ، الجزء (١ / ٢٧٥) : فان سألوكم أن تعطوا الدّية فاعطوهم ثلاث ديات فقالوا : نعم وعشر ديات ... ونحوه عبارة البحار ، الجزء (١٩ / ٥٠). وما احسن عبارة المتن عن ق ١ و ٢ و ٥ ولا يدرى أنّ العلامة المجلسي لماذا ضرب عن هذا التّعبير المختصر الجميل فقوله : فحماداهم ، أي قُصاراهم وغاية ما يُحمد منهم أن تعطوهم الدّية. اُنظر : حمد ، في كتب اللّغة.

(٢) سورة الانفال : (٣٠).

(٣) في ق ٣ : يهرعون على الحجرة ، أي يمشون إليها بسرعة واضطراب.

(٤) سورة يس : (٩).


فأقبلوا عليه يضربونه ، فمنعهم أبولهب وقالوا : أنت كنت تخدعنا منذ اللّيلة ، فلمّا أصبحوا تفرّقوا في الجبال.

وكان فيهم رجل من خزاعة يقال له : أبوكرز يقفو الآثار ، فقالوا له : يا أبا كرز اليوم ، اليوم (١) فما زالوا يقفون أثر رسول الله حتّى وقف على باب الغار ، فقال : هذه قدم محمّد هي والله أخت القدم الّتي في المقام ، فلم يزل بهم حتّى وقفهم على باب الغار ، وقال : ما جاوزوا هذا المكان : إمّا أن يكونوا صعدوا إلى السّماء ، أو دخلوا الأرض ، فبعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار وجاء فارس من الملائكة في صورة الانس ، فوقف على باب الغار وهو يقول لهم : اطلبوا في هذه الشّعاب ، فليس ها هنا فأقبلوا يدورون في الشّعاب (٢).

٤١٥ ـ وبقي رسول الله صلّى الله عليه وآله في الغار ثلاثة أيّام ، ثمّ أذن الله له في الهجرة وقال : اخرج عن مكّة يا محمّد ، فليس لك بها ناصر بعد أبي طالب ، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وأقبل راع لبعض قريش يقال له : ابن أُريقط ، فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال له : ائتمنك على دمي ، فقال : إذاً والله أحرسك ولا اُدِلّ عليك ، فأين تريد يا محمّد ؟ قال : يثرب ، قال : لأسلكنّ بك مسلكاً لا يهتدي فيها (٣) أحد فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله : ائت عليّاً وبشّره بانّ الله تعالى قد أذن لي في الهجرة ، فهيّىء لي زاداً وراحلة وقال أبوبكر : أعلم عامر بن فهيرة أمرنا وقل له : ائتنا بالزّاد والرّاحلة (٤) وخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله من الغار ، فلم يرجعوا إلى الطّريق إلّا بقديد ، وقد كانت الأنصار بلغهم خروج رسول الله صلّى الله عليه وآله اليهم ، وكانوا يتوقعون قدومه إلى أن وافى مسجد قبا.

ونزل على كلثوم بن الهدم شيخ صالح مكفوف ، واجتمعت ، إليه بطون الأوس ، ولم تجسر الخزرج أن يأتوا رسول الله لما كان بينهم وبين الاوس من العداوة ، فلمّا أمسى أتاه

_________________________________

(١) في ق ٣ : اليوم يومك.

(٢) بحار الانوار (١٩ / ٤٧ ـ ٥١) ، برقم : (٨) عن إعلام الورى والقصص وتفسير القمي.

(٣) في البحار : إليها.

(٤) في ق ٢ : بالزّاد والرّاحلة وكذلك بني فهيرة ، وفي ق ١ وق ٥ : ابن فهيرة والظّاهر زيادتهما.


أسعد بن زرارة مقنّعاً ، فسلّم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وفرح بقدومه فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله للأوس : من يجيره ؟ فأجاره عويمر بن ساعدة وسعد بن خيثمة.

فبقي رسول الله صلّى الله عليه وآله خمسة عشر يوماً فقال أبوبكر : ندخل المدينة فالقوم متشوّقون إلى نزولك ، فقال : لأديم في هذا المكان حتّى يوافيني أخي علي بن أبي طالب عليه السلام وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله قد بعث إليه أن احمل العيال واقدم ، فقال أبوبكر : ما أحسب عليّاً يوافي ، قال : بلى ما أسرعه.

فلمّا قدم عليٌّ ركب رسول الله صلّى الله عليه وآله راحلته ، واجتمعت اليه (١) بنو عمرو وابن عوف ، فقالوا : يا رسول الله أقم عندنا ، قال : خلّوا عنها فإنّها مأمورة وبلغ الأوس والخزرج خروج رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فلبسوا السّلاح وأقبلوا يَعدوُن حول ناقته ، وأخذ كلّ حيّ بزمام ناقته ، ويقول : خلّوا سبيلها فإنّها مأمورة ، فبركت النّاقة على باب أبي أيّوب ، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وآله.

وجاءته اليهود ، فقالوا : يا محمّد إلى ما تدعو (٢) ؟ قال : إلى شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأنّي رسول الله ، وأنا الّذي تجدونني مكتوباً في التّوراة ، والّذي أخبركم به علماؤكم ، فحرمي بمكّة ومهاجري في هذه البحيرة (٣) ، فقالوا : قد سمعنا ما تقول وقد جئناك لنطلب منك الهدنة على أن لا نكون لك ولا عليك ، فأجابهم رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى ذلك ، وكتب بينهم كتاباً.

وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يصلّي في المربد بأصحابه ، ثمّ اشتراه وجعله المسجد ، وكان يصلّي إلى بيت المقدس ، حتّى أتى له سبعة أشهر ، فأمر أن يصلّي إلى الكعبة ، فصلّى بهم الظّهر ركعتين إلى ها هنا وركعتين إلى ها هنا (٤).

_________________________________

(١) في ق ٥ : عليه.

(٢) في ق ١ : الى م تدعو ؟

(٣) في البحار : الحرة. أي : أرض ذات حجارة.

(٤) بحار الانوار (١٩ / ٦٩ ـ ٧٠) عن أعلام الورى والقصص ، برقم : (٢٠) إلى قوله : مسجد قبا. والبقيّة تجدها في ص (١٠٤ ـ ١١٤) من نفس الجزء مقدّماً ومؤخّراً زيادة نقيصةً بوحدة المضمون.


فصل ـ ١٠ ـ

(في مغازيه)

٤١٦ ـ « قال المفسّرون وأهل السِّيَر : إنّ جميع ما غزى رسول الله صلّى الله عليه وآله بنفسه ستّ وعشرون غزوةً ، وأنّ جميع سراياه الّتي بعثها ولم يخرج معها ستّ وثلاثون سريّة ، وقاتل صلّى الله عليه وآله في تسع غزوات منها ، وهي : بدر ، وأحد ، والخندق ، وبنو قريظة ، والمصطلق ، وخيبر ، والفتح ، وحنين ، والطائف » ونذكر بعضها :

٤١٦ ـ فمنها أنّه بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله عبد الله (١) بن جحش إلى نخلة ، وقال : كن بها حتّى تأتينا بخير من أخبار قريش ، ولم يأمره بقتال ، وذلك في الشّهر الحرام ، وكتب له كتاباً وقال له : اخرج أنت وأصحابك حتّى إذا سريت يومين ، فافتح كتابك وانظر فيه ، وامض لما أمرتك ، فلمّا سار يومين وفتح الكتاب فاذا فيه : امض حتّى تنزل نخلة ، فأتنا من أخبار قريش بما يصل إليك منهم.

فقال لأصحابه : سمعاً وطاعةً لما قرأ الكتاب : من له رغبة في الشّهادة فلينطلق معي ، فمضى معه القوم حتّى إذا نزلوا نخلة مرّ بهم عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان وعثمان والمغيرة ابنا عبد الله معهم تجارة قدموا بها من الطّائف أُدم وزبيب (٢) ، فلمّا رآهم القوم أشرف لهم واقد (٣) بن عبد الله ، وكان قد حلق رأسه فقالوا : عمّار ليس عليكم منهم بأس وائتمر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو آخر يوم من رجب فقالوا : لئن قتلتموهم انكم لتقتلوهم في الشّهر الحرام ، ولئن تركتموهم ليدخلوا هذه اللّيلة مكة ، فاجتمع القوم على قتلهم ، فرمى واقد بن عبد الله التّميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله ، واستأمن عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان وهرب المغيرة بن عبد الله ، فأعجزهم فاستاقوا العير ، فقدموا بها على رسول الله صلّى الله عليه وآله.

_________________________________

(١) كذا في ق ٢ والمناقب لابن شهر آشوب والبحار والمغازي للواقدي (١ / ١٣ و ١٦ و ١٧ و ١٩) وفي ق ١ وق ٣ وق ٤ وق ٥ : عبد الرحمن.

(٢) في ق ٢ : وزيت.

(٣) كذا في المصادر ، وفي جميع النسخ : وافد.


فقال : والله ما أمرتكم بالقتال في الشّهر الحرام ، وأوقف الأسيرين والعير ولم يأخذ منها شيئاً ، وسُقط في أيدي القوم ، فظنّوا أنّهم قد هلكوا وقالت قريش : استحلّ محمّد الشّهر الحرام ، فأنزل الله تعالى جل ذكره : « يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ » (١) الآية فلمّا نزل ذلك أخذ رسول الله العير وَفَدَأ الأسيرين وقال المسلمون : أيطمع لنا أن نكون غزاة ، فأنزل الله تعالى فيهم : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أُولَـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّـهِ » (٢) وكانت هذه قبل بدر بشهرين (٣).

٤١٧ ـ ثمّ كانت غزوة بدر الكبرى ، وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وآله سمع بأبي سفيان بن حرب في أربعين راكباً من قريش تُجّاراً قافلين من الشّام ، فخرج رسول الله في ثلاثمائة راكب ونيف وأصحابه أكثرهم مشاة ، معهم ثمانون بعيراً وفرسٌ ، وذلك في شهر رمضان ، فبلغ أبا سفيان الخبر ، فأخذ العير على السّاحل ، وأرسل إلى أهل مكّة يستصرخ بهم ، فخرج منهم ألف رجل ، معهم مائتا فرس ومعهم القيان (٤) يضربن الدّفوف ، فلمّا بلغ النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى بدر وهي بئر وقد علم بفوات العير ومجييء قريش شاور أصحابه في لقائهم أو الرّجوع ، فقالوا : الأمر إليك وكان لواء رسول الله أبيض مع مصعب بن عمير ورايته مع عليّ ، وأمدّهم الله بخمسة آلاف من الملائكة ، وكثر الله المسلمين في أعين الكفّار ، وقلّل المشركين في أعين المؤمنين كيلا يفشلوا ، فأخذ كفّاً من تراب فرماه إليهم ، وقال : شاهت الوجوه فلم يبق منهم أحدٌ إلّا اشتغل بفرك عينيه وقتل الله من المشركين سبعين رجلاً واُسر سبعون منهم : العباس ، وعقيل ، ونوفل بن الحارث ـ فأسلموا وكانوا مكرهين ـ وعقبة بن أبي معيط ، والنّضر بن الحارث قتلهما رسول الله صلّى الله عليه وآله بالصّفراء.

وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله للعباس : افد نفسك وابني أخويك عقيلاً ونوفلاً ،

_________________________________

(١ ـ ٢) سورة البقرة : (٢١٧ ـ ٢١٨).

(٣) بحار الانوار (١٩ / ١٦٩ ـ ١٧٠ ١٧٠ و ١٧٢ ـ ١٧٣ و ١٨٦ و ١٨٨ ـ ١٩٠) ، والمناقب لابن شهر آشوب (١ / ١٨٧).

(٤) في ق ١ وق ٥ : القينات ، وفي ق ٢ وق ٤ : القينان ، وفي ق ٣ : الغنيات والقيان جمع القينة وهي المرأة المغنية.


فقال : إنّ القوم استكرهوني وإنّي كنت مسلماً ، فقال صلّى الله عليه وآله : الله أعلم بإسلامك إن يكن حقاً ، فانّ الله يجزيك به وأمّا ظاهر أمرك فقد كان علينا ، قال : ليس لي مال ، قال صلّى الله عليه وآله : فأين المال الّذي وضعته عند أمّ الفضل بمكة وليس معكما أحد ؟ فقلت لها : إن اُصبتُ في سفري هذا فهذا المال لبنيَّ الفضل وعبد الله وقثم ، فقال : والله يا رسول الله إنّي لأعلم أنك لرسول الله إنّ هذا شيء ما علمه غيري وغير اُمّ الفضل ، فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم منّي من مال كان معي عشرون أوقية ، فقال رسول الله : لا ، ذلك شيء أعطانا الله منك ففدى نفسه بمائة أوقية ، وذلك قوله تعالى : « يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ » (١) الآية وعامة من قتل من الكفّار قتلهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلاً (٢).

٤١٨ ـ ثمّ كانت غزاة اُحد على رأس سنة ، ورئيس المشركين يومئذ أبوسفيان بن حرب ، وكان أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله سبعمائة والمشركون ألفين ، وخرج رسول الله بعد أن استشار أصحابه ، وكان رأيه أن يقاتل الرّجال على أفواه السّكك ، ويرمي الضّعفاء من فوق البيوت ، فأبوا إلّا الخروج إليهم ، فلّما صار على الطّريق ، قالوا : نرجع ، فقال : ما كان لنبيّ إذا قصد قوماً أن يرجع عنهم ، وكانوا ألف رجل ، فلمّا كانوا في بعض الطّريق انخذل عنهم عبد الله بن اُبيّ بثلث النّاس ، وقال : والله ما ندري على ما نقتل أنفسنا والقوم قومه ، فهمّت بنو حارثة وبنو سلمة بالرّجوع فعصمهم الله ، وهو قوله تعالى جلّ ذكره : « إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّـهُ وَلِيُّهُمَا » (٣).

وأصبح رسول الله صلّى الله عليه وآله متهيّئاً للقتال ، وجعل على راية المهاجرين عليّاً عليه السلام وعلى راية الأنصار سعد بن معاذ (٤) ، وقعد رسول الله صلّى الله عليه وآله في راية الأنصار ، ثمّ مرّ على الرّماة وكانوا خمسين رجلاً وعليهم عبد الله بن جبير ، فوعظهم وذكّرهم وقال : اتّقوا الله واصبروا وإن رأيتمونا يخطفنا الطّير ، فلا تبرحوا مكانكم حتّى أرسل إليكم ،

_________________________________

(١) سورة الانفال : (٧٠).

(٢) بحار الانوار (١٩ / ٢٤٠) ، وراجع أعلام الورى ص (٧٥ ـ ٧٦).

(٣) سورة آل عمران : (١٢٢).

(٤) كذا في النّسخ ، وفي البحار : عبادة.


فأقامهم عبد الله بن جبير على الشّعب ، وكانت الهزيمة على المشركين ، فاشتغل بالغنيمة المقاتلة ، فقال الرّماة : نخرج للغنيمة قال عبد الله : أمّا أنا فلا أبرح ، فخرجوا وخرج كمين المشركين عليهم خالد بن الوليد ، فقتل عبد الله ثمّ أتى النّاس من أدبارهم ووضع في المسلمين السّلاح فانهزموا وصاح إبليس : قتل محمّد. ورسول الله يدعوهم في اُخراهم : أيّها النّاس إنّي رسول الله إنّ الله قد وعدني النّصر فإلى أين الفرار ؟.

قال الصّادق عليه السلام : انهزم النّاس عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فغضب غضباً شديداً ، وكان إذا غضب انحدر من وجهه وجبهته مثل اللّؤلؤ من العرق ، فنظر فاذا عليّ إلى جنبه ، فقال : ما لك لم تلحق ببني أبيك ؟ فقال عليّ عليه السلام : يا رسول الله أكفر بعد إيمان ؟ إنّ لي بك أُسوة فقال : أما فاكفني (١) هؤلاء ، فحمل عليّ فضرب اوّل من لقي منهم ، فقال جبرئيل عليه السلام : إنّ هذه لهي المواساة يا محمّد ، فقال : إنّه منّي وأنا منه ، قال جبرئيل عليه السلام : وأنا منكما.

وثاب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله جماعة من أصحابه ، وأُصيب من المسلمين رجال (٢) منهم حمزة وثلاث آخر من المهاجرين ، وقام أبوسفيان ونادى أحيّ ابن أبي كبشة ، فامّا ابن أبي طالب فقد رأيناه مكانه ، فقال عليّ عليه السلام : أي والّذي بعثه ، وأنه ليسمع كلامك فقال أبوسفيان لعليّ : إنّ ابن قميئة أخبرني أنّه قتل محمداً وأنت أصدق ، ثمّ ولّى إلى أصحابه وقال : اتّخذوا اللّيل جملاً وانصَرِفُوْا.

ثمّ عاد رسول الله صلّى الله عليه وآله ونادى عليّاً عليه السلام فقال : اتبعهم فانظر أين يريدون ؟ فإن كانوا ركبوا الخيل وساقوا الأبل ، فانّهم يريدون المدينة ، وإن كانوا ركبوا الأبل وساقوا الخيل ، فهم متوجّهون إلى مكّة ، وقال : رأيت خيلهم تضرب بأذنابها مجنوبة مدبرة ، فطابت أنفس المسلمين بذهاب العدوّ.

وقال : أبان بن عثمان فلمّا كان من الغد من يوم أحد نادى رسول الله صلّى الله عليه وآله في المسلمين ، فأجابوه فخرجوا على ما أصابهم من الفزع ، وقدّم عليّاً عليه السلام بين

_________________________________

(١) في البحار : أمّا لا فاكفني.

(٢) في البحار : سبعون رجلاً ... إلى غير ذلك من اختلافات جمّة في نهايات الحكاية.


يديه براية المهاجرين حتّى انتهى إلى حمراء الأسد ، وكان أبوسفيان أقام بالرّوحاء وهمّ بالرّجعة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال : قد قتلنا صناديد القوم ، فلو رجعنا استأصلناهم ، فلقى معبد الخزاعي ، فقال : ما وراك قال : والله تركت محمّداً وأصحابه وهم يحرقون عليكم ، وهذا عليّ بن أبي طالب عليه السلام قد أقبل على مقدمته في النّاس فثنى (١) ذلك أبا سفيان ومن معه ، ثمّ رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله الى المدينة (٢).

٤١٩ ـ ثمّ كانت غزاة (٣) بني النّضير ، وذلك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله مشى إلى كعب بن الأشرف يستقرضه ، فقال : مرحباً بك يا أبا القاسم ، فجلس رسول الله صلّى الله عليه وآله وأصحابه ، فقام كعب كأنّه يصنع لهم طعاماً وحدّث نفسه أن يقتل رسول الله ، فنزل جبرئيل فأخبر (٤) بما همّ به القوم من الغدر ، فقام صلّى الله عليه وآله كأنّه يقضي حاجته وعرف أصحابه وهو حيّ (٥) ، فاخذ الطّريق نحو المدينة ، فاستقبله بعض أصحاب كعب الّذين أرسل إليهم يستعين بهم على رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فأخبر كعباً بذلك فسار المسلمون راجعين.

فقال عبد الله بن صوريا (وكان أعلم اليهود) : والله إنّ ربّه اطّلعه على ما أردتموه من الغدر ، ولا يأتيكم أوّل ما يأتيكم والله إلّا رسول محمّد (٦) يأمركم عنه بالجلاء ، فأطيعوني في خصلتين لا خير في الثّالث : أن تُسلموا فتأمنوا على دياركم وأموالكم وإلّا إنّه يأتيكم من يقول لكم : اخرجوا من دياركم ، فقالوا : هذه أحبّ إلينا قال : أما إنّ الأولى خير لكم ، ولولا أن أفضحكم لأسلمت ، ثمّ بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله محمّد بن مسلمة إليهم يأمرهم بالرّحيل ، وأمره أن يؤجّلهم في الجلاء ثلاث ليال (٧).

_________________________________

(١) أي كفّه وصرفه عن قصده.

(٢) بحار الانوار (٢٠ / ٩٣) عن اعلام الورى ص (٨٠) مع اختلاف كثير في الالفاظ والمعاني.

(٣) في البحار : غزوة.

(٤) في ق ٥ : فأخبرهم ، وفي البحار : فأخبره.

(٥) كذا في جميع النّسخ إلّا نسخة ق ٢ فانها خالية عن قوله « وهو حيّ » وفي البحار : وعرف أنّهم لا يقتلون أصحابه وهو حيّ.

(٦) كذا في ق ٣ وق ٤ والاعلام والبحار ، وفي ق ١ وق ٢ وق ٥ : إلّا رسول الله محمّد.

(٧) بحار الانوار (٢٠ / ١٦٣ ـ ١٦٤) عن أعلام الورى.


٤٢٠ ـ ثمّ كانت غزوة الخندق وهي الأحزاب ، في شوّال سنة أربع (١) من الهجرة. أقبل حُييّ بن أخطب ، وكنانة بن الرّبيع ، وسلامة (٢) بن أبي الحقيق ، وجماعة من اليهود يقدمون مكّة ، فصاروا إلى أبي سفيان وقريش ، فدعوهم إلى حرب رسول الله ، وقالوا : أيدينا مع أيديكم ونحن معكم حتّى نستأصله ، ثمّ خرجوا إلى غطفان يدعوهم إلى حرب رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وأخبروهم باتّباع قريش إيّاهم فاجتمعوا معهم ، وخرجت قريش.

وسمع بهم رسول الله صلّى الله عليه وآله فخرج إليهم ، وبعد أن أشار سلمان الفارسي أن يصنع خندقاً ، قال : ضربت في ناحية من الخندق ، فعطف عليَّ رسول الله وهو قريب منّي ، فلمّا رآى شدّة المكان نزل ، فأخذ المعول من يدي ، فضرب ضربةً (٣) ، فلمعت تحت المعول لمعة برق ، ثمّ ضرب ضربة اخرى ، فلمعت تحت المعول برقة أخرى ، ثمّ ضرب به الثّالثة فلمعت برقة أخرى.

فقلت يا رسول الله : ما هذا ؟ فقال : أمّا الأولى ـ فانّ الله فتح بها عليّ اليمن ، وأمّا الثّانية ـ فانّ الله فتح عليّ بها الشّام والمغرب ، وأمّا الثالثة فانّ الله فتح عليّ بها المشرق.

وأقبلت الأحزاب إلى النّبي صلّى الله عليه وآله فهال المسلمون أمرهم ، فنزلوا ناحية من الخندق ، وأقاموا بمكانهم بضعاً وعشرين ليلة لم يكن بينهم حرب إلّا الرّمي بالنّبل والحصا ، ثمّ انتدب فوارس قريش للبراز منهم : عمرو بن عبدود ، وعكرمة بن أبي جهل ، وهبيرة بن أبي وهب ، وضرار بن الخطّاب ، وتلبّبوا للقتال (٤) وأقبلوا على خيولهم حتّى وقفوا على الخندق ، وقالوا : هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها ، ثمّ تيمّموا مكاناً من الخندق فيه ضيق ، فضربوا خيولهم فاقتحمت وجاءت بهم إلى السّبخة بين الخندق وسلع ، وخرج عليّ ابن أبي طالب عليه السلام في نفر معه حتّى أخذوا عليهم الثّغرة الّتي اقتحموها فتقدّم عمرو بن عبدود وطلب البراز وقتله (٥) عليّ عليه السلام على ما نذكره.

_________________________________

(١) كذا في الاعلام وفي البحار : خمس.

(٢) في الاعلام والبحار : سلّام.

(٣) في الاعلام : فضرب به ضربة.

(٤) في ق ٣ : وتلبوا القتال ، وفي البحار : قد تلبسوا للقتال وفي مورد آخر : فلبسوا للقتال ، وفي الاعلام : وتهيّؤا للقتال.

(٥) في الاعلام : وطلب البراز فبرز اليه علي عليه السلام فقتله.


ولمّا رآى هبيرة وعكرمة عمرواً مقتولاً انهزموا ، ورمى ابن الغرقة (١) بسهم ، فأصاب أكحل سعد (٢) بن معاذ ، فقال : خذها وأنا ابن غرقة قال : غرق الله وجهك في النّار ، اللّهمّ إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقنى لحربهم ، فإنّه لا قوم أحبّ إليَّ قتالاً من قوم كذّبوا رسولك وأخرجوه من حرمك فأنامه رسول الله صلّى الله عليه وآله على فراشه وبات على الأرض ونادى رسول الله صلّى الله عليه وآله بأشجى صوت : « يا صريخ المكروبين ، ويا مجيب دعوة المضطرّين ، اكشف همّي وكربي ، فقد ترى حالي وحال من معي ».

فنزل جبرئيل عليه السلام وقال : يا محمّد إنّ الله عزّوجلّ استجاب دعوتك ، فجثا رسول الله صلّى الله عليه وآله على ركبتيه وبسط يديه وأرسل بالدّموع عينيه ، ثمّ نادى : شكراً شكراً كما آويتني وآويت من معي ثمّ قال جبرئيل : يا رسول الله إنّ الله قد نصرك وبعث عليهم ريحاً من السّماء فيها الحصا وريحاً من السّماء الرّابعة فيها الجنادل.

قال : حذيفة : فبعثني رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى آتيه بخبرهم ، فخرجت فاذا أنا بنيران القوم قد طفئت وخمدت ، وأقبل جند الله الأوّل وبريح شديدة فيها الحصا ، فما تركت ناراً لهم إلّا أخمدتها ولا خباء إلّا طرحتها ، حتّى جعلوا يتترّسون من الحصا ، وكنت أسمع وقع الحصا في التّرسة ، وأقبل جند الله الأعظم ، فقام أبوسفيان إلى راحلته ، ثمّ صاح في قريش : النّجا النّجا ، ثمّ فعل عيينة بن حصين رأس بني فزارة مثل ذلك ، وفعل الحارث بن عوف سيّد بني مرّة مثلها وذهب الأحزاب.

ورجع حذيفة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وأخبره الخبر ، فأنزل الله تعالى جلّت عظمته على رسوله : « اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا » (٣) وأصبح رسول الله صلّى الله عليه وآله بالمسلمين حتّى دخل المدينة فقرّبت له ابنته فاطمة عليها السلام غسولاً فهي تغسل رأسه ، إذ أتاه جبرئيل على بغلة معتجراً بعمامة بيضاء عليه قطيفة من استبرق معلّق عليها الدّر والياقوت عليه الغبار ، فقام رسول الله صلّى

_________________________________

(١) كذا في ق ١ وق ٤ ، وفي ق ٥ والبحار والاعلام : ابن عرقة ، وفي ق ٢ وق ٣ : ابن المعرقة والارجح بقرينة الدعاء على هذا الشخص : غرق الله وجهك في النّار ، ما في المتن.

(٢) في الاعلام فأصاب الاكحل من سعد. والاكحل : عرق في الذراع يفصد. وقيل : هو عرق الحياة ويدعي نهر البدن.                                                                          (٣) سورة الاحزاب : ٩.


الله عليه وآله فمسح الغبار من وجهه ، فقال له جبرئيل : رحمك ربّك وضعت السّلاح ولم تضعه أهل السّماء ، وما زلت أتبعهم حتّى بلغت الرّوحاء.

ثمّ قال جبرئيل : انهض إلى إخوانهم من أهل الكتاب ، فوالله لادقنّهم دقّ البيضة على الصّخرة ، فحاصرهم رسول الله خمساً وعشرين ليلة ، حتّى نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فحكم فيهم بقتل الرّجال وسبي الذّراريّ والنّساء وقسمة الاموال ، وأن يجعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار ، فقال النّبي صلّى الله عليه وآله : لقد حكمت فيهم بحكم الله ، فلمّا جيء بالاُسارى حبسوا في دارهم (١) وأمر بعشرة فأخرجوا ، فضرب علي عليه السلام أعناقهم ، ثمّ انفجرت رمية سعد والدّم ينفجر حتّى قضي (٢).

٤٢١ ـ ثمّ كانت غزوة الحديبيّة في ذي القعدة خرج في اُناس كثير من أصحابه يريد العمرة وساق معه سبعين بدنة ، وبلغ ذلك المشركين ، فبعثوا خيلاً ليصدوه عن المسجد الحرام ، وكان صلّى الله عليه وآله يرى أنّهم لا يقاتلونه (٣) ، لأنّه خرج في الشّهر الحرام وأتى : بديل بن ورقا إلى قريش ، وقال : خفّضوا عليكم ، فإنّه لم يأت يريد قتالكم ، وإنّما يريد زيارة هذا البيت ، فقالوا : والله لا نسمع منك ولا تحدّث العرب أنّه دخلها عنوة ولا يقبل منه إلّا أن يرجع عنّا ، ثمّ بعثوا اليه مكرز بن حفص وخالد بن الوليد وصدّوا الهدى.

ثمّ انّهم بعثوا سهيل (٤) بن عمرو ، فقال : يا أبا القاسم إنّ مكة حرمنا وقد تسامعت العرب أنّك غزوتنا ، ومتى تدخل علينا مكة عنوة يطمع فينا فنتخطف ، وإنّا نذكّرك الرّحم (٥) ، فإنّ مكّة بيضتك الّتي تفلّقت عن رأسك ، قال : فما تريد ؟ قال : أريد أن تكتب بيني وبينك هدنة على أن أخليها لك في قابل ولا تدخلها بحرب وسلاح إلّا سلاح الرّاكب السّيف في القراب والقوس.

_________________________________

(١) حبسهم في داره.

(٢) أعلام الورى ص (٩٠ ـ ٩٤) مع اختلاف في آخر الخبر : وراجع البحار (٢٠ / ٢٠٢ و ٢٥٣ و ٢٧١) ومناقب ابن شهر آشوب (١ / ١٩٧).

(٣) في ق ٣ : أنهم يقاتلونه.

(٤) كذا في مواضع من البحار : وفي ق ٣ : سهل.

(٥) في ق ٢ وق ٣ وق ٤ وق ٥ : الرّحمن.


فكتب رسول الله صلّى الله عليه وآله ذلك ، ورجع إلى المدينة ، فأنزل الله تعالى في الطّريق : « إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً » فما انقضت تلك المدّة حتّى كاد الاسلام يستولي على أهل مكّة (١).

٤٢٢ ـ ثمّ كانت غزوة خيبر في ذي الحجّة سنة ستّ ، وحاصرهم رسول الله بضعاً وعشرين ليلة ، وبخيبر أربعة عشر ألف يهوديّ في حصونهم ، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وآله يفتحها حصناً حصناً ، وكان من أشدّها القموص ، فأخذ أبوبكر رآية المهاجرين ، فقاتلهم بها فرجع منهزماً ، ثمّ أخذها عمر فرجع منهزماً.

فساء رسول الله ذلك ، فقال : لأعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كرّار غير فرّار ، فقال عليّ عليه السلام لمّا سمع (٢) : « اللّهمّ لا معطي لما منعت ، ولا مانع لما أعطيت » فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال : ادعوا لي عليّاً ، فقالوا : إنّه أرمد ، فقال : أرسلوا إليه وادعوه فاُتي به يقاد ، فتفل في عينيه فقام وكأنّ عينيه جزعتان ، وأعطاه الرّاية ودعا له فأقبل حتّى ركّزها قريباً من الحصن ، فخرج إليه مرحب ، فبارزه فضرب رجله فقطعها ، وحمل عليّ والجماعة على اليهود فانهزموا (٣).

٤٢٣ ـ قال الباقر عليه السلام : انتهى إلى باب الحصن وقد أُغلق ، فاجتذبه اجتذاباً شديداً وتترّس به ، ثمّ حمله على ظهره واقتحم الحصن اقتحاماً ، ثمّ رمي الباب بعدما اقتحم المسلمون ، وخرج البشير إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّ عليّاً دخل الحصن وأتاه البشير بقدوم جعفر بن أبي طالب من الحبشة وأصحابه إلى المدينة ، فقال : ما أدري بأيّهما أنا أسرّ بفتح خيبر أو بقدوم جعفر. وتلقّاه رسول الله فلمّا نظر جعفر النبيّ (٤) صلّى الله عليه وآله مشى على رجل واحدة إعظاماً لرسول الله ، وأخذ علي عليه السلام فيمن أخذ صفيّة بنت حُييّ (٥) بن أخطب ، فدعا بلالاً فدفعها إليه ، وقال : لا تضعها إلّا في يدي رسول الله ،

_________________________________

(١) بحار الانوار (٢٠ / ٣٦١ ـ ٣٦٣) عن اعلام الورى ص (٩٧).

(٢) في ق ١ والبحار والاعلام : لما سمع مقالة رسول الله.

(٣) بحار الانوار (٢١ / ٢٢) عن أعلام الورى ص (٩٩ / ١٠٠).

(٤) في البحار : جعفر الى النبي.

(٥) في ق ٣ : حيّ.


فاصطفاها رسول الله واعتقها وتزوّجها.

ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لعليّ : قم إلى حوائط فدك ، فخرج يصالحهم على أن يحقن دماءهم وحوائط فدك لرسول الله خاصاً خالصاً ، فنزل جبرئيل فقال : إنّ الله يأمرك أن تُؤتي ذا القربى حقّه قال : يا جبرئيل ومن قرباي وما حقها ؟ قال : أعط فاطمة حوائط فدك واكتب لها كتاباً (١).

٤٢٤ ـ ثمّ كانت غزوة الفتح في شهر رمضان من سنة ثمان ، وذلك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لمّا صالح قريشاً عام الحديبيّة ، دخلت خزاعة في حلف النبيّ ودخلت كنانة في حلف قريش ، ولمّا مضت سنتان قعد كنانيّ يروي هجاء رسول الله ، فقال خزاعي : لا تذكر هذا ، قال : ما أنت وذاك ؟ قال : إن عدت لأكسرنّ فاك ، فأعادها فضربه الخزاعيّ ، فاقتتلا ثمّ قبيلتاهما ، وأعان قريش كنانة ، فكرب عمرو (٢) بن سالم إلى رسول الله فأخبره الخبر ، فقال عليه السلام : لا نُصِرت إن لم أنصر بني كعب.

ثمّ أجمع رسول الله على المسير إلى مكّة ، فكتب حاطب بن أبي بلتعة مع سارة مولاة أبي لهب لعنه الله إلى قريش أنّ رسول الله خارج إليكم فخرجت ، فنزل جبرئيل عليه السلام فأخبره ، فدعا عليّاً عليه السلام والزّبير ، فقال : أدركاها وخذا منها الكتاب (٣) ، فخرجا وأخذا الكتاب ورجعا إلى رسول الله ، فقال حاطب : يا رسول الله ما شككت ولكن أهلي بمكة ، فأردت أن تحفظني قريش فيهم ، ثمّ أخرجه عن المسجد فجعل النّاس يدفعون في ظهره وهو يلتفت إلى رسول الله ، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بردّه وقال : عفوت عنك ، فاستغفر ربّك ولا تعد لمثله ، فأنزل الله تعالى جلّ ذكره : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ » (٤).

ثمّ خرج رسول الله ، فاستخلف أبا لبابة على المدينة ، وصام النّاس حتّى نزل على كراع الغميم ، فأمر بالإِفطار فأفطر النّاس ، وصام قوم فسمّوا العصاة ، ثمّ سار حتّى نزل بمرّ

_________________________________

(١) بحار الانوار (٢١ / ٢١ ـ ٢٣) عن أعلام الورى ص (٩٩ ـ ١٠٠).

(٢) في ق ١ : عمرة.

(٣) في البحار والاعلام : فادركاها فأخذ علي عليه السلام منها الكتاب.

(٤) سورة الممتحنة : (١).


الظّهران ومعه نحو عشرة آلاف رجل ، وقد عميت الأخبار عن قريش ، فخرج أبوسفيان في تلك اللّيلة وحكيم بن حزام وبديل بن ورقا هل يسمعون خبراً ؟

وقد كان العباس خرج يلتقي رسول الله وقد تلقّاه بثنيّة العقاب ، وقال العباس في نفسه هذا هلاك قريش إن دخلها رسول الله عنوةً ، قال : فركبتُ بغلة رسول الله صلّى الله عليه وآله البيضاء وخرجتُ أطلب الحطّابة أو صاحب لبن لعليّ آمره أن يأتي قريشاً ، فيركبوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ليستأمنوا اليه ، إذ لقيت أبا سفيان [ وبديل بن ورقا وحكيم بن حزام. وأبو سفيان ] يقول [ لبديل : ما ] (١) هذه النّيران ؟ قال : هذه خزاعة قال : خزاعة أقل من هذا ، ولكن لعلّ هذا تميم أو ربيعة ، قال العبّاس : فعرفت صوت أبي سفيان ، فقلت : أبا حنظلة. قال : لبّيك فمن أنت ؟ قلت : أنا العباس. قال : فما هذه النّيران ؟ قلت : هذه رسول الله في عشرة آلاف من المسلمين ، قال : فما الحيلة ؟ قلت : تركب في عجز هذه البغلة ، فأستأمن لك رسول الله.

فأردفته خلفي ثمّ جئت به ، فقام بين يدي رسول الله ، فقال : ويحك ما آن لك أن تشهد أن لا اله الّا الله ، وأنّي رسول الله ؟ فقال أبوسفيان : ما أكرمك وأوصلك وأجلّك ، أما والله لو كان معه إله لأغنى يوم بدر ويوم اُحد ، وأمّا أنّك رسول الله فإنّ في نفسي منها شيئاً ، قال العباس : يضرب والله عنقك السّاعة أو تشهد أنّه رسول الله ، فقال : فإنّي أشهد إن لا إله إلّا الله ، وأنّك لرسول الله ، فلجلج بها فوه.

ثمّ قال رسول الله : يا أبا الفضل أبِتْهُ عندك اللّيلة واغد به عليّ ، ثمّ غدا به إلى رسول الله ، فقال : يا رسول الله إنّي اُحبّ أن تأذن لي وآتي قومك فأُنذرهم وأدعوهم إلى الله وإلى رسول الله ، ثمّ قال للعباس : كيف أقول لهم ؟ قال : تقول لهم : من قال : أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله وكفّ يده فهو آمن.

قال العباس : يا رسول الله إنّ أبا سفيان رجل يحبّ الفخر ، فان خصّصته بمعروف. فقال صلّى الله عليه وآله : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قال أبوسفيان : داري ؟ قال : دارك ، ثمّ قال : ومن أغلق بابه فهو آمن.

_________________________________

(١) هنا عبارات النّسخ المخطوطة كلّها فيها نحو ارتباك وركاك فلأجل خروجها عن ذلك أكملتها عن البحار والإِعلام جاعلاً للمكمّل بين المعقوفتين.


وأتى رسول الله صلّى الله عليه وآله البيت ، وأخذ بعضادتي الباب ثمّ قال : « لا إله إلّا الله ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وغلب الأحزاب وحده ». ثمّ قال : ما تظُنّون ؟ وما أنتم قائلون ؟ قال سهل : نقول خيراً ونظنّ خيراً ، أخ كريم وابن عمّ ، قال : فإِنّي أقول كما قال أخي يوسف : « لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّـهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ » (١).

٤٢٥ ـ ثمّ كانت غزوة حنين ، وهو : أنّ هوازن جمعت له جمعاً كثيراً ، فذكر لرسول الله أنّ صفوان بن أميّة عنده مائة درع فسأله ذلك ، فقال : أغصباً يا محمّد ؟ قال : لا ولكن عارية مضمونة ، قال : لا بأس بهذا ، فأعطاه فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله في ألفين من مكّة (٢) ، فأنزل الله : « وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ » (٣).

قال جابر : فسرنا حتّى إذا استقبلنا وادي حنين ، وكان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضايقه ، فما راعنا إلّا كتائب الرّجال بأيديهم السّيوف والقنا ، فشدّوا علينا شدّه رجل واحد ، فانهزم النّاس كلّهم لا يلوي أحد على أحد ، وأخذ رسول الله ذات اليمين ، وأحدق ببغلته تسعة من بني عبد المطّلب ، فأقبل مالك بن عوف يقول : أروني محمّداً ، فأروه فحمل على رسول الله فأبى فرسه أن يقدم نحو رسول الله ، ونادى رسول الله أصحابه وذمّرهم (٤) ، فاقبل أصحابه سريعاً وقال : « الآن حمي الوطيس » (٥).

أنـا النّبـيّ لا كـذب

أنا ابن عبد المطّلب

ونزل وقبض قبضة من تراب ثمّ إستقبل به وجوههم ، وقال : شاهت الوجوه ، فولّوا مدبرين وأتبعهم المسملون ، فقتلوهم وغنمهم الله نساءهم وذراريهم وشاءهم وأموالهم ، وفرّ مالك بن عوف ودخل حصن الطّائف مع أشراف قومه ، وأسلم عند ذلك كثير من أهل مكّة حين رأوا

_________________________________

(١) بحار الانوار (٢١ / ١٢٤ ـ ١٢٩) عن أعلام الورى ص (١٠٦ ـ ١٠٩) اختصاراً ، والآية في سورة يوسف : (٩٢).

(٢) في البحار : في ألفين من مكة وعشرة آلاف كانوا معه ، قال أحد أصحابه : لن نغلب اليوم من قلة.

(٣) سورة التوبة : (٢٥).

(٤) أي : حثهم وشجعهم.

(٥) الوطيس : التّنور كما في نهاية ابن الاثير عند الكلام في : حما ، (١ / ٤٤٧) وقال : هو كناية عن شدّة الامر واضطرام الحرب. ويقال : إنّ هذه الكلمة أول من قالها : النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لمّا اشتد البأس يومئذٍ « يوم حنين » ولم تسمع قبله وهو من أحسن الاستعارات. وقال في حرف الطاء (٥ / ٢٠٤) : الوطيس شبه التّنور .. ولم تسمع هذا الكلام من أحد قبل النّبي صلّى الله عليه وآله وسلم وهو من فصيح الكلام عبّر به عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق.


نصر الله (١).

٤٢٦ ـ قال الصّادق عليه السلام : سبي رسول الله صلّى الله عليه وآله أربعة آلاف رأس واثنتي عشرة (٢) ألف ناقة سوى ما لا يُعلم من الغنايم ، وخلّف رسول الله الأنفال في الجعرانة ، وافترق المشركون فرقتين فأخذت الأعراب أوطاس وثقيف الطّائف ، وبعث إلى أوطاس من فتح عليه ، وسار إلى الطّائف فحاصرهم بضعة عشر يوماً ، ثمّ انصرف عنهم ، ثمّ جاءه وفدهم في شهر رمضان فأسلموا.

ثمّ رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى الجعرانة وقسّم الغنائم ، وكان فيمن سبي أُخته بنت حليمة فلمّا قامت على رأسه ، قال : يا محمّد أُختك شيما بنت حليمة ، فنزع رسول الله صلّى الله عليه وآله بُردته وبسطها لها فأجلسها عليها ، ثمّ أكبّ عليها يسألها.

وأدرك وفد هوازن رسول الله صلّى الله عليه وآله بالجعرانة وقد أسلموا ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من أمسك منكم بحقّه ، فله بكلّ إنسان ستّ فرائض من أوّل فيء نصيبه ، فردّوا إلى النّاس نساءهم وأولادهم ، وكلمته أُخته في مالك بن عوف ، فقال : إن جاءني فهو آمن ، فاتاه فردّ عليه ما له وأعطاه مائة من الابل (٣).

_________________________________

(١) بحار الانوار (٢١ / ١٦٤ ـ ١٦٧) عن إعلام الورى ص (١١٣ ـ ١١٦) ملخّصاً.

(٢) في ق ٣ : رأس غنم.

(٣) بحار الانوار (٢١ / ١٦٨ ـ ١٧٣) ما جاء هنا من ذكر الفتح والاغتنام وإطلاق الاسارى والاشارة الى تقسيم الغنائم في غزوة الطّائف بايجاز واختصار تجده وتقرأ في ضمن ستّ صحائف من البحار بقطع الوزيري بصورة مشروحة واضحة وكذا في إعلام الورى ص (١١٦ ـ ١٢١). ولا ينقضي عجبي من الشيخ القطب الرّاوندي حيث نقل هذه الغزوات مرسلا وأوجزها غاية الايجاز في عناوين بعض فصولها ورواياتها على نحو الايجاز المخلّ (كما أشرنا الى ذلك في بعض تعاليقنا السّالفة) وهي مذكورة في إعلام الورى كتاب شيخه الفضل بن الحسن الطّبرسي وهو نقلها عن كتاب : ابان بن عثمان (بصورة يصحّ السكوت عليها) فقد صرّح في مواضع من الاعلام بذلك منها ـ في غزوة احد. ومنها ـ في غزوة خيبر. ومنها ـ في غزوة تبوك. فيستفاد من هذا أنّ كتاب المغازي الّذي هو جزءٌ من الكتاب الجامع الكبير لابان بن عثمان (على ما تعرّض له النّجاشي والشيخ في فهرستيهما طرّقاه عنه إليهما باسانيد عديدة الّتي بعضها معتبر) كان لدى الشيخ الطّبرسي عند تأليف كتابه (الاعلام) كما كانت لديه جملة من كتب معتبرة عنده من الخاصة والعامة كدلائل النبوّة للبيهقي وكتاب المعرفة لابن مندة وشرف المصطفى للخركوشي والكافي للكليني وعيون أخبار الرّضا واكمال الدين للصّدوق وارشاد المفيد وغير ذلك فيا ليت لم ينقلها الشّيخ القطب هنا مرسلة وكان ينقلها كما نقلها شيخه عن تلك المصادر.


٤٢٧ ـ ثمّ كانت غزوة تبوك ، فتهيّأ في رجب لغزوة الرّوم ، وكتب إلى قبائل العرب ممّن دخل في الاسلام ، فرغّبهم في الجهاد وضرب عسكره فوق ثنيّة الوداع ، واستعمل عليّاً عليه السلام على المدينة ، وقال : لا بدّ للمدينة منّي أو منك ، فلمّا نزل الجرف لحقه عليٌّ ، وقال : يا رسول الله زعمت قريش إنّما خلّفتني استثقالاً لي ، فقال : طالما آذت الاُمم الأنبياء ، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى عليهما السلام قال : قد رضيت.

ثمّ رجع إلى المدينة وأتاه وهو بتبوك يُحنة بن روبة صاحب إيلة فأعطاه الجزية ، وبعث خالداً إلى الأكيدر صاحب دومة الجندل ، قال : لعلّ الله يكفيكه بصيد البقر فتأخذه ، فبينا خالد في ليلة إضحيانة (١) مع أصحابه إذ أقبلت البقرة تنطح على باب حصن أكيدر وهو مع امرأتين له ، فقام فركب في ناس من أهله ، فطلبوه فكمن خالد وأصحابه فأخذوه وقتلوا أخاه وأفلت أصحابه ، فأغلقوا الباب فأقبل خالد بأكيدر فسألهم أن يفتحوا فأبوا ، فقال : أرسلني فإنّي أفتح الباب ، فأخذ عليه موثّقاً وأرسله فدخل وفتح الباب حتّي دخل خالد وأصحابه ، فأعطاه ثمانمائة رأس (٢) وألفي بعير وأربعمائة درع وخمسائة سيف وصالح (٣) على الجزية (٤).

وكانت تبوك آخر غزوات رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وكانت غزوات كثيرة في خلال ما ذكرناه (٥).

_________________________________

(١) كذا في ق ٢ وق ٤ وق ٥ ، وفي ق ١ والبحار : اضحيان. وليلة اضحيانة أي مضيئة لا غيم فيها.

(٢) الظاهر سقوط كلمة « غنم » عن جميع النسخ حتى عن البحار والاعلام.

(٣) في البحار والاعلام : وأربعمائة درع وأربعمائة رمح وخمسمائة سيف وصالحه.

(٤) بحار الانوار (٢١ / ٢٤٤ ـ ٢٤٧) عن أعلام الورى ص (١٢٢ ـ ١٢٣) مبسوطاً.

(٥) غزوات رسول الله صلّى الله عليه وآله على ما قاله المسعودي في مروج الذّهب ، (٢ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨) : ستّ وعشرون ومنهم ما رآى أنّها : سبع وعشرون. ثمّ وجّه هذا الرّأي بقوله : والّذين جعلوها سبعاً وعشرين جعلوا غزوة خيبر مفردة ووادي القرى منصرفة إليها غزوة اخرى غير خيبر انتهى. وهذا يعني وقوع الاختلاف لأجل أن غزوة خيبر عند بعضهم غير غزوة وادي القرى وهما واحد عند بعض آخر بلحاظ أنّ الله لمّا فتح خيبر بيد رسوله فانصرف صلوات الله عليه منها إلى وادي القرى من غير أن يأتي المدينة حتّى منها يتجهّز للحرب إلى وادي القرى. هذا ومن العجيب أنّ المسعودي في المروج عدّدها بسبع وعشرين مع حذفه غزوة وادي القرى من الحساب وهو ممّن ذهب الى الرّأي الاوّل وأنا أنقل عبارته استبصاراً للنّاظرين واستدراكاً لما فات ذكره عن الشّيخ العلامة الرّاوندي وإخراجاً لما أجمله إلى بعض التّفصيل.

قال : وكان أوّل غزواته صلّى الله عليه وآله وسلّم من المدينة بنفسه إلى ودّان هي المعروفة بغزوة الأبواء. ثمّ غزوة


فصل ـ ١١ ـ

٤٢٨ ـ ثمّ نزلت سورة براءة في سنة تسع ، فدفعها إلى أبي بكر ، فسار بها ، فنزل

_________________________________

بواط إلى ناحية رضوى. ثمّ غزوة العشيرة من بطن ينبع. ثمّ غزوة بدر الاولى وكان خروجه طلباً لكرز بن جابر. ثمّ غزوة بدر الكبرى وهي بدر الثّانية الّتي قتل فيها صناديد قريش وأشرافها وأسر من أسر من زعمائهم. ثمّ غزوة بني سليم حتّى بلغ الموضع المعروف بالكدر (بالكديد) ماء لبني سليم. ثمّ غزوة السّويق طلباً لأبي سفيان بن حرب فبلغ فيها الموضع المعروف بقرقرة الكدر. ثمّ غزوة غطفان إلى نجد وتعرف هذه الغزوة بغزوة ذي أمّر. ثّم غزوة بحران وهو موضع بالحجاز من فوق الفرع. ثمّ غزوة احد. ثمّ غزوة حمراء الأسد. ثمّ غزوة بني النّضير. ثمّ غزوة ذات الرّقاع من نجد. ثمّ غزوة بدر الأخيرة. ثمّ غزوة دومة الجندل [ ثمّ غزوة المريسيع ]. ثمّ غزوة الخندق. ثمّ غزوة بني قريظة. ثمّ غزوة بني لحيان بن هذيل بن مدركة. ثمّ غزوة ذي قرد. ثمّ غزوة بني المصطلق من خزاعة. ثمّ غزوة الحديبيّة لا يريد قتالاً فصدّه المشركون. ثمّ غزوة خيبر. ثمّ اعتمر عليه السلام عمرة القضاء. ثمّ فتح مكّة. ثمّ غزوة حنين. ثمّ غزوة الطّائف. ثمّ غزوة تبوك.

قاتل منها في تسع غزوات : بدر. واحد. والخندق. وقريظة. وخيبر. والفتح. وحنين. والطّائف. وتبوك.

ثمّ أشار إلى عمل الواقدي حيث أنّه رآى أنّه صلّى الله عليه وآله قاتل في إحدى عشرة غزوة باضافة غزوتي وادي القرى والغابة الى التّسع الّتي منها غزوة المريسيع بزعم الواقدي وبدّلها المسعودي (على ما رأيت) بغزوة تبوك. وعوّض عنهما الشّيخ الراوندي بغزوة بني المصطلق تبعاً لشيخه الطّبرسي في إعلام الورى ص (٧٢). إلّا أنّ غزوة بني المصطلق والمريسيع واحدة كما في الاعلام ص (٩٤).

ثمّ أشار المسعودي (مروج الذّهب ٢ / ٢٨٩) إلى الاختلاف في عدد السّرايا والبعوث بين : خمس وثلاثين وثمان وأربعين ناقلاً للأخير عن تاريخ الطّبري بسنده إلى الواقدي : وقيل : إنّ سراياه صلّى الله عليه وآله وسلّم وبعوثه كانت ستّة وستّين.

ثمّ إذا ننظر إلى كتاب الواقدي (المغازي ، ١ / ٢ ـ ٧) نرى ارتفاع الغزوات إلى أربعين والسّرايا إلى ثمان وثلاثين. وقال مجملاً بعد التّفصيل : فكانت مغازي النّبي صلّى الله عليه وسلّم الّتي غزا بنفسه سبعاً وعشرين غزوة وكان ما قاتل فيها تسعاً ... وكانت السّرايا سبعاً وأربعين سرية. انتهى. فيا ترى هل هناك انسجام بين التّفاصيل هذه ومجملاتها.

وفي أعيان الشّيعة للسيّد محسن الأمين (١ / ٢٤٢ ـ ٢٨٨ من طبعة دار التّعارف في بيروت ١٤٠٣ هـ ق) تفصيل في ذلك لا بأس به وإن شئت فراجعه.

وكان من المناسب جدّاً أن يذكر الشّيخ الرّاوندي بعد واقعة تبوك قصّة العقبة كما فعل الطبرسي في إعلام الورى ص (١٢٣ ـ ١٢٤) أو يشير إليها حسبما ورد في الخبر المتقدّم برقم (٣٨١) وبه ينفي احتمال وقوعها من قبل المنافقين بعد مراجعته صلّى الله عليه وآله عن حجّة الوداع كما في منتهى الآمال ص (٦٨) بخط الطّاهر.


جبرئيل عليه السلام فقال : إنّه لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك ، فبعث عليّاً عليه السلام على ناقته العضباء ، فلحقه وأخذ منه الكتاب ، فقال له أبوبكر : أنزل فيّ شيء ؟ فقال : لا ولكن لا يؤدّي عن رسول الله إلّا هو أو أنا ، فسار بها عليّ عليه السلام حتّى أدّى بمكّة يوم النّحر.

وكان في عهده : أن ينبذ إلى المشركين عهدهم ، وأن لا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل المسجد مشرك ، ومن كان له عهد فإِلى مدته ، ومن لم يكن له عهد فله أربعة أشهر ، فان أخذناه بعد أربعة أشهر قتلناه ، وذلك قوله تعالى : « فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ » الآية ولمّا دخل مكّة قال : والله لا يطوف بالبيت عريان إلّا ضربته بالسّيف ، فطافوا وعليهم الثّياب (١).

٤٢٩ ـ ثمّ قدم على رسول الله عروة بن مسعود الثّقفي مسلماً ، واستأذن في الخروج إلى قومه ، فقال : أخاف أن يقتلوك قال : إن وجدوني نائماً ما أيقظوني (٢) ، فأذن له رسول الله ، فرجع إلى الطّائف ودعاهم إلى الاسلام فعصوه ، ثمّ أذّن في داره فرماه رجل بسهم فقتله ، وأقبل بعد قتله من ثقيف بضعة عشر رجلاً من أشراف ثقيف فأسلموا ، فأكرمهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمّر عليهم عثمان بن العاص بن بشير ، وقال يا رسول الله : إنّ الشّيطان قد حال بين صلاتي وقراءتي قال : تعوّذ بالله منه وَاتْفُل عن يسارك ، قال : ففعلت فأذهب الله عنّي ، فلمّا أسلمت ثقيف ضربت إلى رسول الله وفود العرب ، فدخلوا في دين الله تعالى أفواجاً (٣).

٤٣٠ ـ ثمّ قدم وفد نجران بضعة عشر رجلاً ، العاقب أميرهم واسمه عبد المسيح ، وأبو حارثة علقمة الأسقف وهو حبرهم وإمامهم ، فقال الأسقف : ما تقول يا محمّد في السيّد المسيح ؟ قال : هو عبد الله ورسوله [ قال : بل هو كذا وكذا فقال صلّى الله عليه وآله : بل هو كذا وكذا ] فترادّا فنزل : « إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّـهِ كَمَثَلِ آدَمَ » فقالوا : نباهلك غداً فلمّا كان من الغد ، قال أبوحارثة لأصحابه : إن كان غدا بولده فاحذروا مباهلته ، وإن غدا

_________________________________

(١) بحار الانوار (٢١ / ٢٧٤ ـ ٢٧٥) ، برقم : (٩) عن أعلام الورى ص (١٢٥).

(٢) في ق ٣ : نائماً أيقظوني.

(٣) بحار الانوار (٢١ / ٣٦٤) عن أعلام الورى ص (١٢٥ ـ ١٢٦).


بأصحابه فباهلوه ، فغذا رسول الله صلّى الله عليه وآله آخذاً بيد الحسن والحسين تتبعه فاطمة وبين يديه عليّ عليهم السلام ، فجثا رسول الله صلّى الله عليه وآله على ركبتيه ، فقال أبوحارثة : جثا كما جثا الأنبياء للمباهلة ، فكعّ ولم يقدم للمباهلة ، فقالوا : يا أبا القاسم إنّا لا نباهلك ولكن نصالحك (١).

ثمّ بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله عليّاً إلى اليمن ليدعوهم إلى الإِسلام.

فصل ـ ١٢ ـ

٤٣١ ـ وخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله من المدينة متوجهاً إلى الحجّ في السّنة العاشرة ، فلمّا انتهى إلى ذي الحليفة ولدت أسماء بنت عميس محمّد بن أبي بكر ، فأقام تلك اللّيلة من أجلها ، وأحرم من ذي الحليفة وأحرم النّاس معه ، وكان قارناً للحجّ بسياق الهدى ، وقد ساق معه ستّاً وستين بدنة ، وحجّ عليٌّ عليه السلام من اليمن وساق معه أربعاً وثلاثين بدنة ، خرج من معه من العسكر.

ولمّا قدم النّبي صلّى الله عليه وآله مكّة وطاف وسعى نزل جبرئيل وهو على المروة بقوله : « وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّـهِ » فخطب النّاس ، وقال : دخلت العمرة في الحجّ هكذا إلى يوم القيامة ، وشبّك بين أصابعه ، ثمّ قال : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت (٢) ما سقت الهدى ، ثمّ أمر مناديه ، فنادى من لم يَسُق منكم هدياً ، فليحمل وليجعلها عمرة ، ومن ساق منكم هدياً فليقم على إحرامه ».

ولمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وآله نسكه وقفل إلى المدينة وانتهى إلى الموضع المعروف بغدير خم ، نزل عليه جبرئيل بقوله تعالى : « يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن

_________________________________

(١) تجد قضيّة المباهلة هذه بهذه الصّورة المختصرة اقتباساً عن إعلام الورى ص (١٢٨ ـ ١٢٩) في البحار (٢١ / ٣٣٦ ـ ٣٣٨) قوله في الذّيل : ثم بعث .. أجنبيّ عمّا قبله ووجه ذكر الشّيخ الرّاوندي إيّاه هنا المتابعة لعبارة إعلام الورى ولمّا تنبه الشّيخ أنّ قصّة بعث رسول الله عليّاً عليهما السلام إلى اليمن تعرّض لها بسنده عن الصّدوق فيما سبق برقم (٢٥١ و ٣٥٢) في الفصل الثّالث من الباب (١٩) مكث عن إدامتها فدخل في فصل آخر ونسي أن يضرب القلم على الزّيادة. وكان المستنسخون الجاهلون أيضاً غافلين (وما بين المعقوفتين في المتن مأخوذ من البحار أخذاً من الإِعلام لاكمال المتن) والآية في سورة آل عمران : (٥٩).

(٢) في البحار والاعلام : ما استدبرته والآية : ١٩٦ ـ سورة البقرة.


رَّبِّكَ » (١) وكان يوماً شديد الحرّ ، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمر بدوحات هناك فقمّ ما تحتها ، وأمر بجمع الرّحال في ذلك المكان ، ووضع بعضها على بعض ، ثمّ أمر مناديه ، فنادى في النّاس بالصّلاة ، فاجتمعوا إليه ، وأنّ أكثرهم ليلف رداءه على قدميه من شدّة الرّمضاء ، فصعد على تلك الرّحال حتّى صار في ذروتها ، ودعا عليّاً عليه السلام فرقى معه حتّى قام عن يمينه.

ثمّ خطب فحمد الله وأثنى عليه ووعظ ، ونعى إلى الامّة نفسه ، فقال : « إنّي دعيت ويوشك أن اُجيب ، فقد حان (٢) منّي خفوق من بين أظهركم ، وإنّي مخلّف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ».

ثمّ نادى بأعلى صوته : « ألست أولى بكم منكم بأنفسكم ؟ قالوا : بلى ، فقال لهم ـ على النّسق وقد أخذ بضبعي عليٍّ حتّى رُئي بياض أبطيهما ـ : « من كنت مولاه فعليّ مولاه اللّهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ».

ثمّ نزل وأمر عليّاً عليه السلام أن يجلس في خيمة ، ثمّ أمر النّاس أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً ويهنّئوه بالامامة ، ويسلّموا عليه بإِمرة المؤمنين.

وأنشأ حسّان يقول :

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ وَأسمع بالرّسول منادياً

الابيات (٣).

_________________________________

(١) سورة المائدة : (٦٧).

(٢) في بعض النسخ : آن.

(٣) :

وقال : ومن مولاكم ووليّكم ؟

فقالوا ولم يبدوا هنـاك التّعاديا

: إلهـك مولانا وأنـت وليّـنا

ولـن تجدن منّا لك اليوم عاصيا

فقال لـه : قـم يا عليّ فانّـ‍ني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنـت مولاه فهذا وليّه

وكـن للّذي عادى عليّاً معاديا

وفي إعلام الورى ص (١٣٣) :

فمن كنت مولاه فهـذا وليّه

فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا اللّهم وال وليـّه

وكن للّذي عـادى عليّاً معاديا


ولم يبرح رسول الله صلّى الله عليه وآله من المكان حتّى نزل : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا » (١) فقال : الحمد لله على كمال الدّين وتمام النّعمة ورضا الرّب برسالتي والولاية لعليّ عليه السلام من بعدي (٢).

٤٣٢ ـ ولمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وآله المدينة من حجّة الوداع بعث اُسامة بن زيد ، وأمره أن يقصد إلى حيث قتل أبوه ، وأمّره على وجوه المهاجرين والأنصار وفيهم أبوبكر وعمر وابو عبيدة وعسكر اُسامة بالجرف ، واشتكى رسول الله صلّى الله عليه وآله شكايته الّتي توفّي فيها ، وكان صلّى الله عليه وآله يقول : نفّذوا جيش أُسامة ويكرّر ذلك ، وإنّما فعل صلّى الله عليه وآله لئلّا يبقى بالمدينة عند وفاته من يختلف في الامامة ويطمع في الامارة ، ويستوثق الأمر لأهل بيته لعليٍّ ومن بعده (٣).

فصل ـ١٣ ـ

٤٣٣ ـ ولمّا أحسّ النبيّ صلّى الله عليه وآله بالمرض الّذي اعتراه (٤) أخذ بيد عليّ عليه السلام وقال : أقبلت الفتن كقطع اللّ‍يل المظلم ، وأنّ جبرئيل كان يعرض القرآن عَلَيَّ كلّ سنة مرّة ، وقد عرض عليَّ العام مرّتين ، ولا أراه إلّا لحضور أجلي.

ثمّ قال : إنّي خُيّرت يا عليّ بين خزائن الدّنيا والخلود فيها أو الجنّة ، فاخترت لقاء ربّي والجنّة ، فاذا أنا متّ فاغسلني ، واستر عورتي فإنّه لا يراها أحد إلّا أكمه ، فمكث ثلاثة أيّام موعوكاً (٥) ، ثمّ خرج إلى المسجد معصوب الرّأس متكئاً على عليّ عليه السلام بيمينه وعلى الفضل بن العباس باليد الاُخرى ، فجلس على المنبر وخطب.

ثمّ قال : أيها النّاس إنّه ليس بين الله وبين أحد شيء يعطيه به خيراً ويصرف عنه شرّاً إلّا العمل (الصّاح) (٦) أيّها الناس لا يدّع مدّع ولا يتمنّ (٧) متمنّ ، والّذي بعثني بالحق نبيّاً

_________________________________

(١) سورة المائدة : (٣).

(٢) بحار الانوار (٢١ / ٣٨٩ ـ ٣٩٠) ، برقم : (١٢) عن أعلام الورى.

(٣) إعلام الورى ص (١٣٣) واثبات الهداة (١ / ٦١٥) ، برقم : (٦٣٦).

(٤) في البحار والارشاد : عراه ، وفي جميع النّسخ الخطيّة : اعتاره.

(٥) أي المحموم الذي اشتدت عليه الحمى وآذته.

(٦) الزّيادة من أعلام الورى.

(٧) في البحار والارشاد : لا يدّعى مدّع ولا يتمنّى.


لا ينجي إلّا عمل مع وجه الله (١) ولو عصيت لهويت.

ثمّ نزل ودخل بيته ، وكان في بيت أمّ سلمة ، فجاءت عائشة تسأله أن ينتقل إليها لتتولى تعليله ، فأذن لها وانتقل إلى البيت الّذي أسكنه عائشة ، فاستمرّ المرض به أيّاماً وثقل ، فجاء بلال عند الصلاة الصّبح ، فنادى : الصّلاة ، فقال : يصلّي بالنّاس بعضهم ، فقالت عائشة : مروا أبا بكر ، وقالت حفصة : مروا عمر ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : اُكففن فانّكنّ كصويحبات يوسف ، ثمّ قال : وهو لا يستقل على الأرض من الضّعف ، وقد كان عنده أنّهما خرجا إلى اُسامة ، فأخذ بيد عليّ بن أبي طالب عليه السلام والفضل فاعتمدهما (٢) ورجلاه يخطّان الأرض من الضّعف ، فلمّا خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب ، فأومى بيده إليه ، فتأخّر أبوبكر وقام رسول الله صلّى الله عليه وآله وكبّر وابتدأ بالصّلاة.

فلمّا سلّم وانصرف إلى بيته استدعى أبا بكر وعمر وجماعة ممّن حضر المسجد ، قال : ألم آمركم أن تنفّذوا جيش اُسامة ؟ فقال أبوبكر : إنّي كنت خرجت ، ثمّ عدت لاحدث (٣) بك عهداً ، وقال عمر : إنّي لم أخرج لانّي لم اُحبّ أن أسأل عنك الرّكب ، فقال صلّى الله عليه وآله : نفّذوا جيش أُسامة يكرّرها ثلاث مرّات ، ثمّ أغمي عليه من التّعب الذي لحقه.

ثمّ أفاق وقال : ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً ، فقال عمر ، لمن قام يلتمس الدّواة والكتف : ارجع فإِنّه يهجر. فلمّا أفاق ، قال بعضهم : ألا نأتيك يا رسول الله بدواة وكتف ؟ قال : « بعد الّذي قلتم ؟ لا. ولكن احفظوني في أهل بيتي (٤) ، وأطعموا المساكين ، وحافظوا على الصّلاة ، وما ملكت أيمانكم » فلم يزل يردّد ذلك ، ثمّ أعرض بوجهه عن القوم ، فنهضوا وبقي عنده عليٌّ والعباس والفضل وأهل بيته فقال العباس : يا رسول الله إن يكن هذا الأمر مستمرّاً فينا من بعدك (٥) فبشّرنا وإن كنت

_________________________________

(١) في البحار والارشاد : مع رحمة.

(٢) في البحار والارشاد : فاعتمد عليهما.

(٣) في البحار والارشاد : لاجدد.

(٤) في البحار والارشاد : ولكنّي أوصيكم بأهل بيتي خيراً.

(٥) في البحار والاعلام والارشاد : الامر فينا مستقراً من بعدك.


تعلم أنّا نغلب عليه فأوص بنا فقال صلّى الله عليه وآله : أنتم المستضعفون من بعدي وأصمت (١) ونهض القوم وهم يبكون.

فلمّا خرجوا من عنده ، قال : ردّوا عليَّ أخي عليّ بن أبي طالب وعمّي ، فلمّا استقرّ بهما المجلس ، قال : يا عمّ تقبل وصيّتي وتنجز وعدي وتقضي ديني ؟ فقال : يا رسول الله عمّك شيخ كبير ذو عيال وأنت تباري الرّيح سخاءً ، ثمّ قال لعليّ عليه السلام : يا عليُّ تقبل وصيّتي وتنجز عدتي وتقضي ديني ؟ فقال : نعم يا رسول الله فقال : ادن منّي ، فدنا منه ، فضمّه إليه ونزع خاتمه من يده ، وقال له : خذ هذا فضعه في يدك ودعا بسيفه ودرعه وجميع لامته ، فدفع ذلك إليه ، والتمس عصابةً كان يشدّها على بطنه إذا لبس درعه نزل بها جبرئيل ، فجيء بها فدفعها إليه ، وقال : اقبض هذا في حياتي ، ودفع إليه بغلته وسرجها ، وقال : امض على خيرة الله تعالى إلى منزلك.

فلمّا كان من الغد حجب النّاس عنه وثقل في مرضه ، وكان عليٌّ عليه السلام لا يفارقه إلّا لضرورة ، فلمّا قرب خروج نفسه صلّى الله عليه وآله قال : ضع رأسي يا عليّ في حجرك ، فقد جاء أمر الله ، فاذا فاضت روحي فتناولها بيدك وأمسح بها وجهك ، ثمّ وجّهني إلى القبلة وتولّ أمري ، وصلّ عليَّ أوّل النّاس ، ولا تفارقني حتّى تواريني في رمسي (٢).

٤٣٤ ـ وتوفّى صلّى الله عليه وآله لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر (٣) من الهجرة ولمّا أراد عليّ عليه السلام غسله استدعى بالفضل بن عباس ، فأمره أن يناوله الماء بعد أن عصب عينيه ، فشقّ قميصه من قبل جيبه حتّى بلغ إلى سرته ، وتولّى غسله وتحنيطه وتكفينه والفضل يناوله الماء.

_________________________________

(١) في الاعلام : وصمت.

(٢) بحار الانوار (٢٢ / ٤٦٦ ـ ٤٧٠) وأعلام الورى ص (١٣٣ ـ ١٣٦) ، والارشاد ص (٩٧) في عنوان : إخبار النّبيّ بموته.

(٣) في البحار (٢٢ / ٤١٥) : قبض النبيّ صلّى الله عليه وآله يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة احدى عشرة من الهجرة ، ثم قال بيان : هذا هو الموافق لما ذكره أكثر الامامية ، ثم نقل عن التّهذيب وبفصل (١٤) صفحة عن إعلام الورى أنه قبض سنة عشر من الهجرة ، ثم قال بعد فصل قليل : بيان : لعلّ قوله « سنة عشر » مبنيّ على اعتبار سنة الهجرة من أول ربيع الاول حيث وقع الهجرة فيه ، والّذين قالوا : سنة احدى عشرة بنوه على المحرم وهو أشهر وفي مرآة العقول (٥ / ١٧٤) نصّ على ذلك أيضاً.


فلمّا فرغ تقدّم فصلّى عليه. ثمّ قال النّاس : كيف الصلاة عليه ؟ فقال عليّ عليه السلام : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله إمامنا حيّاً وميّتاً ، فدخل عشرة عشرة فصلّوا عليه ، ثمّ خاضوا في موضع دفنه (١) ، فقال عليّ عليه السلام : إن الله تعالى لم يقبض نبيّه في مكان إلّا ورضيه لمضجعه ، فرضى النّاس أن يدفن في الحجرة الّتي توفّي فيها ، وحفر أبوطلحة وكان عليٌّ والعباس والفضل وأُسامة يتولّون دفنه ، وأدخل عليٌّ من الأنصار أوس بن خولي من بني عوف ابن الخزرج وكان بدريّاً ، فقال له عليٌّ عليه السلام : انزل القبر ، فنزل ووضع عليّ عليه السلام رسول الله صلّى الله عليه وآله على يديه ، ثمّ دلّاه في حفرته ، ثمّ قال له : اخرج فخرج ونزل عليّ عليه السلام فكشف عن وجه رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ووضع خدّه على الأرض موجّهاً إلى القبلة على يمينه ، ثمّ وضع عليه اللّبن وهال عليه التّراب وانتهزت الجماعة الفرصة لاشتغال بني هاشم برسول الله صلّى الله عليه وآله وجلوس عليّ عليه السلام للمصيبة (٢).

فصل ـ ١٤ ـ

٤٣٥ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، حدّثنا ابن أبي عمير ، عن غياث بن إبراهيم ، عن الصّادق عن آبائه عليهم السلام قال : سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن معنى قول رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّي مخلّف فيكم الثّقلين كتاب الله وعترتي. من العترة ؟ فقال : أنا والحسن والحسين والائمّة التّسعة من ولد الحسين ، تاسعهم مهديّهم وقائمهم ، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتّى يردوا على رسول الله حوضه (٣).

٤٣٦ ـ قال : وحدّثنا غير واحد من أصحابنا ، عن محمّد بن همّام ، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن أحمد بن الحارث ، عن المفضل بن عمر ، عن يونس بن ظبيان ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، قال : سمعت جابر بن

_________________________________

(١) في ق ٣ : في موضع قبره ودفنه.

(٢) بحار الانوار (٢٢ / ٥١٤) و (٢٢ / ٥٢٩ ـ ٥٣٠) عن أعلام الورى ص (١٣٧ ـ ١٣٨).

(٣) بحار الانوار (٢٣ / ١٤٧) عن كمال الدين وعيون أخبار الرضا عليه السلام ومعاني الاخبار.


عبد الله (رض) يقول : لمّا أنزل الله على نبيّه صلّى الله عليه وآله : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ » قلت : يا رسول الله فمن اُولوا الامر ؟ الّذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ، فقال : هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين بعدي أوّلهم : عليّ بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التّوراة بالباقر وستدركه يا جابر ، فاذا لقيته فاقرأه منّي السّلام ، ثمّ الصّادق جعفر بن محمّد ، ثمّ موسي بن جعفر ، ثمّ عليّ بن موسى ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ علي بن محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ ، ثمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه وبقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ ، ذلك الّذي يفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، وذلك الّذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبةً لا يثبت فيها على القول بامامته إلّا من امتحن الله قلبه بالايمان.

قال جابر : فقلت : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ قال : إي والّذي بعثني بالنبوّة أنّهم ليستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع النّاس بالشّمس وإن تجلّاها سحاب (١).

٤٣٧ ـ قال : وحدّثنا أبوالحسن أحمد بن ثابت الدّواليبي ، حدّثنا محمّد بن الفضل النّحوي ، حدّثنا محمّد بن عليّ بن عبد الصّمد الكوفي ، حدّثنا عليّ بن عاصم ، عن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، عن آبائه عن الحسين عليهم السلام قال : دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله وعنده اُبيّ بن كعب ، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله : مرحباً بك يا أبا عبد الله زين السّماوات والأرض قال اُبيّ : فكيف يكون زين السّماوات والأرض (٢) غيرك ؟ قال يا اُبيّ : والّذي بعثني بالحقّ نبيّاً أنّ الحسين بن علي ذكره في السّماء أكثر ممّا في الأرض وأنّه لمكتوب على يمين عرش الله ، فإنّ الله تعالى ركّب في صلبه نطفة طيّبة مباركة ، ولقد لقّن دعوات ما يدعو بهنّ مخلوق إلّا حشره الله معه وفرّج عنه كربه فقال له : ما هذه الدّعوات يا رسول الله ؟

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إذا فرغت من صلاتك وأنت قاعد ، فقل : « اللّهمّ

_________________________________

(١) بحار الانوار (٣٦ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠) و (٥٢ / ٩٢ ـ ٩٣) وفيهما في آخره : وان جلّلها السّحاب ، ورواه أيضاً مرسلاً في (٢٣ / ٢٨٩) عن إعلام الورى والمناقب.

(٢) في بعض النّسخ : والارضين ، في الموردين.


إنّي أسألك بمكانك ومعاقد عزّك وسكان سماواتك وأنبيائك ورسلك قد رهقني من أمري عسر ، فأسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تجعل من عسري يسراً » فإنّ الله تعالى يسهّل أمرك ، ويشرح صدرك ، ويلقّنك شهادة أن لا إله إلّا الله عند خروج نفسك.

قال اُبيّ : فما هذه النّطفة الّتي في صلب الحسين وما اسمه ؟ قال : اسمه علي ، ودعاؤه : « يا دائم يا ديموم يا حيّ يا قيّوم ، يا كاشف الغم ، يا فارج الهمّ ، ويا باعث الرّسل ، يا صادق الوعد » من دعا بهذا الدّعاء حشره الله مع علي بن الحسين عليهما السلام وكان قائده إلى الجنّة.

قال اُبيّ : وهل له من خلف ووصيّ ؟ قال : نعم ، له ميراث السّماوات والأرض ، قال : وما معنى ذلك ؟ قال : القضاء بالحقّ ، وتأويل الأحكام ، وبيان ما يكون ، قال : فما اسمه ؟ قال : اسمه محمّد ودعاؤه : « اللّهمّ إن كان لي عندك رضوان وودّ ، فاغفر لي ولمن اتّبعني من إخواني وشيعتي وطيّب ما في صلبي » فركّب الله في صلبه نطفة مباركة زاكية اسمه جعفر ودعاؤه : « يا ديّان غير متوان (١) يا أرحم الرّاحمين ، اجعل لشيعتي وقاءً (٢) ولهم عندك رضا ، واغفر ذنوبهم واستر عوراتهم ، وهب لهم الكباير الّتي بينك وبينهم ، يا من لا يخاف الضّيم ولا تأخذه سنة ولا نوم اجعل لي من كلّ غمّ فرجاً ».

من دعا بهذا الدّعاء حشره الله أبيض الوجه مع جعفر بن محمّد في الجنّة.

يا اُبيّ إنّ الله ركّب على هذه النّطفة نطفة زكيّة سمّاها موسى ، فقال له يا رسول الله : كأنّهم يتناسلون ويتوارثون ويصف بعضهم بعضاً ، قال : وصفهم لي جبرئيل عن ربّ العالمين ، قال : فهل لموسى من دعوة يدعو بها ؟ قال : نعم دعاؤه : « يا خالق الخلق ، ويا باسط الرّزق ، ويا فالق الحبّ ، وبارىء النّسم ، ومحيي الموتى ، ومميت الأحياء ، ودائم الثّبات ، ومخرج النّبات ، وافعل بي ما أنت أهله ».

من دعا بهذا الدّعاء قضى الله حوائجه ، وأنّ الله تعالى ركّب في صلبه نطفة مباركة مرضيّة وسمّاها عليّاً ، ودعاؤه : « اللّهمّ أعطني الهدى ، وثبتني عليه ، واحشرني عليه آمناً

_________________________________

(١) غير منّان ـ خ ل.

(٢) في البحار : لشيعتي من النّار وقاءاً.


أمن من لا خوف عليه ولا حزن ولا جزع ، إنّك أهل التّقوى وأهل المغفرة ». وأنّ الله ركّب في صلبه نطفة مباركة ، وسمّاها محمّد بن علي ، فهو شفيع شيعته إذا ولد يقول : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ودعاؤه : « يا من لا شبيه له ولا مثال أنت الله لا اله إلّا أنت ولا خالق إلّا أنت ، تفني المخلوقين وتبقى أنت حلمت عمّن عصاك وفي المغفرة رضاك ».

من دعا بهذا الدّعاء كان محمّد بن علي شفيعه يوم القيامة ، وأنّ الله ركّب في صلبه نطفة لا باغية ولا طاغية بارّة طاهرة ، سمّاها عنده عليّ بن محمد ، فألبسه السّكينة والوقار ، وأودعها العلوم وكلّ سرّ مكنون.

ودعاؤه : « يا نور يا برهان ، يا مبين يا منير ، يا ربّ اكفني شرّ الشّرور وآفات الدّهور ، وأسألك النّجاة يوم ينفخ في الصّور ».

من دعا بهذا الدّعاء كان عليّ بن محمّد شفيعه وقائده إلى الجنّة.

وأنّ الله ركّب في صلبه نطفةً ، وسمّاها عنده الحسن ، فجعله نوراً في بلاده.

ودعاؤه : « يا عزيز العزّ في عزّه يا أعزّ (١) عزيز العزّ في عزّه يا عزيز أعزّني بعزّك ، وأيّدني بنصرك ، وابعد عنّي همزات الشّياطين ، وادفع عنّي بدفعك ، وامنع عنّي بصُنعك ، واجعلني من خيار خلقك ، يا واحد يا أحد يا صمد ». من دعا بهذا الدّعاء نجّاه الله من النّار ولو وجبت عليه.

وأنّ الله ركّب في صلبه نطفة مباركة زكية يرضى بها كلّ مؤمن يحكم بالعدل ويأمر به ، يخرج من تهامة حين تظهر الدّلائل والعلامات ، وله بالطّالقان (٢) كنوز لا ذهب ولا فضة إلّا خيول مطهمة ورجال مسوّمة ، يجمع الله له من أقصى البلاد على عدد أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم وبلدانهم وكلامهم وكناهم كدّادون مجدّون في طاعته.

فقال له اُبيَّ : وما علاماته ودلائله يا رسول الله ؟ قال : له عَلَم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه ، فناداه العلم اخرج يا وليّ الله فاقتل أعداء الله ، فهما رايتان

_________________________________

(١) كذا في ق ١ وق ٢ وق ٥ ، وفي ق ٣ والبحار والعيون : ما أعزّ. ولكن هذه الجملة في البحار (٣٦ / ٢٧٠) وكمال الدّين (١ / ٢٦٧) غير موجودة.

(٢) في ق ٢ : بالطّائف.


وعلامتان ، وله سيف مغمد ، فاذا حان وقت خروجه قال : يا وليّ الله ، لا يحلّ لك أن تقعد عن أعداء الله ، فيخرج ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم ويقيم حدود الله ويحكم بحكم الله ، يخرج جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، وشعيب بن صالح على مقدمته ، سوف تذكرون ما أقول لكم ، وأفوّض أمري إلى الله ولو بعد حين. يا اُبيَّ طوبى لمن لقيه ، وطوبى لمن أحبّه ، وطوبى لمن قال به ، وبه ينجّيهم الله من الهلكة وبالاقرار به وبرسول الله وبجميع الأئمّة يفتح لهم الجنّة ، مثلهم في الارض كمثل المسك الّذي يسطع ريحاً ولا يتغيّر أبداً ، ومثلهم في السّماء كمثل القمر المنير الّذي لا يطفأ نوره أبداً.

قال اُبيّ : يا رسول الله كيف حال بيان هذه الأئمة عن الله ؟ قال : إنّ الله تعالى أنزل عليَّ اثنتي عشرة صحيفة واثني عشر خاتماً ، اسم كلّ إمام على خاتمه وصفته في صحيفته (١).

_________________________________

(١) بحار الانوار (٣٦ / ٢٠٤ ـ ٢٠٩) عن إكمال الدّين وعيون أخبار الرّضا عليه السلام وفيه : أحمد بن ثابت الدّواليبي عن محمّد بن الفضل النّحوي عن محمّد بن عليّ بن عبد الصّمد الكوفي ... وفي كمال الدين ( طبع قم ١٤٠٥) الجزء (١ / ٢٦٤) برقم (١١) : حدّثنا أبوالحسن أحمد بن ثابت الدّواليبي بمدينة السّلام قال : حدثنا محمّد بن الفضل النّحوي ... ونفس الرّواية وردت في العيون الجزء (١ / ٥٩) برقم (٢٩) من الباب (٦) : حدّثنا أبوالحسن علي بن ثابت الدّواليني رضي الله عنه بمدينة السّلام سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة قال : حدّثنا محمّد بن علي بن عبد الصّمد الكوفي والسّند بهذا العنوان فيه إشكالان :

١ ـ انّه معارض مع المذكور في كمال الدّين في موضعين : الأوّل ـ في الباب (٧) منه ص (١٥٦) والثّاني ـ هذا المورد نفسه الّذي أخذ منه العلّامة المجلسي وتطابق معه نسخ البحار المطبوعة القديمة مع أنّ علماء التّراجم لم يذكروا في مشايخ الصّدوق عن كتبه علي بن ثابت إلّا بعضهم عن هذا المورد من العيون فقط. وهو وإن نقل عن أكثر النّسخ الخطّيّة ونسخة مطبوعة منه إلّا أنّ نسخته المطبوعة القديمة وبعض النّسخ الخطّيّة منه (على ما ذكره في ذيل هذا المورد من العيون) توافق المذكور في البحار عنه مرّتين : الاولى ما تقدّم والثّانية في الجزء (٩٤ / ١٨٤ ـ ١٨٧) هكذا ـ ن : أحمد بن ثابت الدّواليبي عن محمّد بن علي بن عبد الصّمد ....

والنّسخ الخطيّة من القصص أيضاً تطابق نقل البحار وإن كانت في خصوصيّات اخرى مخالفة معه منها ـ خصوصيّة الكنية فانّ فيها جمعاء : أبوالحسين وفي البحار : أبوالحسن. ومنها ـ حذف : محمّد بن الفضل النّحوي ، عن السّند قبل : محمّد بن علي بن عبد الصّمد ، في المورد الثّاني من البحار. ومنها ـ أمر جزئيّ من قبيل تبديل الدّواليبي بالدّواني أو الدّواليني.

وعلى ذلك كلّه فالصّحيح : أحمد بن ثابت ، لاتّفاق النّسخ عليه لا : عليِّ بن ثابت لانفراد نسخة من العيون به بعضاً وابتلاء نسخة بالمعارضة الدّاخليّة طُرّاً.


ودعاؤه : « اللّهمّ عظم البلاء ، وبرح الخفاء ، وانقطع الرّجاء ، وانكشف الغطاء ، وضاقت الأرض ومنعت السّماء ، وأنت المستعان وإليك المشتكى ، وعليك التّوكل في الشدّة والرّخاء ، فصلّ على محمّد وآل محمّد وعلى أولي الأمر الّذين فرضت طاعتهم وعرّفتنا بذلك منزلتهم ، ففرّج عنّا بحقّهم فرجاً عاجلاً قريباً كلمح البصر أو هو أقرب » (١).

ومن دعائه : « يا من اذا تضايقت الأمور فتح لنا باباً لم تذهب اليه الأوهام ، فصلّ على محمّد وآل محمّد وافتح لأموري المتضايقة باباً لم يذهب إليه وهم يا أرحم الرّاحمين »

فصل ـ ١٥ ـ

٤٣٨ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا عليّ بن عبد الله الوارق ، حدّثنا محمّد بن هارون الصّوفي ، عن عبد الله بن موسى ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، قال : حدّثني صفوان بن يحيى ، عن إبراهيم بن أبي زياد ، عن أبي حمزة الثّمالي ، عن أبي خالد الكابلي ، قال : دخلت على سيّدي عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام فقلت له يا ابن رسول الله أخبرني عن الّذين فرض الله طاعتهم ومودّتهم وأوجب على عباده الاقتداء بهم بعد رسول الله ، فقال : يا كنكر إنّ أولي الأمر الّذين جعلهم الله أئمة للنّاس وأوجب طاعتهم ، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ انتهى الأمر إلينا ، ثمّ سكت.

فقلت : يا سيّدي قد روي لنا عن أمير المؤمنين إنّ الأرض لا تخلو من حّجة على عباده ، فمن الحجّة والامام بعدك ؟ قال : ابني محمّد واسمه في التّوارة باقر يبقر العلم بقراً ، هو الحجّة

_________________________________

٢ ـ إنّ الصّدوق بنصّ النجاشي ورد بغداد في سنة (٣٥٥) فكيف حدّثه فيه هذا الرّجل سنة (٣٥٢) ؟ على ما في عبارة العيون وكذا لا يجتمع (على ما قيل أيضاً) مع ما ورد في سند آخر فيه أيضاً (الجزء ١ / ١٢٩ الباب ١١) : حدّثنا محمّد بكران النقّاش رضي الله عنه بالكوفة سنة (٣٥٤).

ويمكن الجواب عن الأوّل ـ بأنّ الصّدوق على ما هو المعروف كان رحّالةً جوّالةً فبالامكان أنّ وروده ببغداد كان متكرراً وعليه بعض الكتبة.

وعن الثّاني ـ أيضاً بامكان أخذه الحديث في الكوفة عن ابن بكران في التّاريخ المذكور بعد رجوعه عن إيران ومروره عن همدان لدى مسيره إلى الحج من طريق الكوفة.

(١) بحار الانوار (١٠٢ / ١١٩) مع اختلاف في بعض الالفاظ.


والامام بعدي ، ومن بعد محمّد ابنه جعفر واسمه عند أهل السّماء الصّادق عليه السلام ، فقلت له : يا سيّدي فكيف صار اسمه الصّادق ؟ وكلّكم صادقون.

قال : حدّثني أبي ، عن أبيه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب فسمّوه الصّادق ، فإنّ للخامس من ولده ولداً اسمه جعفر يدّعي الإِمامة اجتراءً على الله وكذباً عليه ، فهو عند الله جعفر الكذّاب المفتري على الله والمدّعي لما ليس له بأهل ، المخالف على الله الحاسد على أخيه ذلك الّذي يروم كشف (١) سرّ الله عند غيبة ولي الله.

ثمّ بكى عليّ بن الحسين بكاءاً شديداً ، ثمّ قال : كأنّي بجعفر الكذّاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله والمغيب في حفظ الله والتّوكيل بحرمة الله جهلاً (٢) منه لولادته وحرصاً على قتله إن ظفر به طمعاً في ميراث أبيه حتّى يأخذ بغير حقّه.

قال أبوخالد : فقلت له : يا ابن رسول الله فإنّ ذلك لكائن ؟ قال : إي وربّي إنّ ذلك لمكتوب عندنا في الصّحيفة الّتي فيها ذكر المحن الّتي تجري علينا بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقلت : يا ابن رسول الله ثمّ ماذا يكون ؟ قال : ثمّ تمتد الغيبة بوليّ الله الثّاني عشر من أوصياء رسول الله صلّى الله عليه وآله والأئمّة من بعده.

يا أبا خالد إنّ أهل زمان الغيبة القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل كلّ زمان ، لأنّ الله أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، وجعلهم في ذلك الزّمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسوله بالسّيف ، اُولئك هم المخلصون حقّاً ، وشيعتنا صدقاً ، والدّعاة إلى دين الله سرّاً وجهراً (٣).

فصل ـ ١٦ ـ

٤٣٩ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله

_________________________________

(١) في البحار : الذي يكشف.

(٢) في البحار : بحرم أبيه جهلاً منه بولادته.

(٣) بحار الانوار (٣٦ / ٣٨٦ ـ ٣٨٧) عن كمال الدين (١ / ٣١٩ ـ ٣٢٠) وكتاب الاحتجاج باب احتجاجات الامام السّجاد عليه السلام وقال عليه السلام في آخره : انتظار الفرج من أعظم الفرج.


البرقي ، عن أبيه ، عن جدّه أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه محمّد بن خالد ، عن محمّد بن داود ، عن محمّد بن الجارود العبدي ، عن الأصبغ بن نباته ، قال : خرج علينا عليّ بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم ويده في يد ابنه الحسن ، وهو يقول : خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وآله ذات يوم ويده في يد هذا ، وهو يقول : خير الخلق بعدي وسيّدهم هذا ، هو إمام كلّ مسلم ، وأمير كلّ مؤمن بعد وفاتي ، ألا وإنّي أقول : إنّ خير الخلق بعدي وسيّدهم ابني هذا ، وهو إمام كلّ مسلم ومولى كلّ مؤمن بعد وفاتي ، ألا وإنّه سيظلم بعدي كما ظلمت بعد رسول الله.

وخير الخلق وسيّدهم بعد الحسن ابني أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه ، المقتول في أرض كرب وبلاء أما إنّه وأصحابه سادة الشّهداء يوم القيامة ، ومن بعد الحسين تسعة من صلبه خلفاء الله في أرضه وحججه على عباده واُمناؤه على وحيه ، أئمّة المسلمين وقادة المعتصمين وسادة المُتّقين ، تاسعهم القائم الّذي يملأ الله به الأرض نوراً بعد ظلمة وعدلاً بعد جور وعلماً بعد جهل والّذي بعث أخي محمّداً بالنّبوة واختصّني بالإِمامة لقد نزل بذلك الوحي من السّماء على لسان روح الأمين جبرئيل.

ولقد سئل رسول الله صلّى الله عليه وآله وأنا عنده عن الأئمّة بعده فقال للسّائل : « وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ » (١) إنّ عددهم كعدد البروج ، وربِّ الّليالي والأيّام والشّهور إنّ عدّتهم كعدّة الشّهور.

قال السّائل : فمن هم ؟ فوضع رسول الله صلّى الله عليه وآله يده على رأسي ، وقال : أوّلهم هذا وآخرهم المهدي ، من والاهم فقد والاني ومن عاداهم فقد عاداني ، ومن أحبّهم فقد أحبّني ومن أبغضهم فقد أبغضني ، ومن أنكرهم فقد أنكرني ومن عرفهم فقد عرفني ، بهم يحفظ الله دينه وبهم يعمر بلاده وبهم يرزق عباده ، وبهم ينزل القطر من السّماء ، وبهم تخرج بركات الأرض ، هؤلاء أوصيائي وخلفائي وأئمّة المسلمين وموالي المؤمنين (٢).

_________________________________

(١) سورة البروج : (١).

(٢) بحار الانوار (٣٦ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤) عن كمال الدين (١ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠).


فصل ـ ١٧ ـ

٤٤٠ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن موسى المتوكّل ، حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي ، حدّثنا موسى بن عمران النّخعي ، حدّثنا عمّي الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن الصّادق ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : حدّثني جبرئيل عليه السلام عن ربّ العزّة جلّ جلاله أنّه قال : من علم أن لا إله إلّا أنا وحدي وأنّ محمّداً عبدي ورسولي ، وأنّ علي بن أبي طالب خليفتي وأنّ الأئمّة من ولده حججي ، اُدخله الجنّة برحمتي ونجّيته من النّار بعفوي ، وأبحت له جواري ، وأوجبت له كرامتي ، وأتممت عليه نعمتي ، وجعلته من خاصّتي وخالصتي ، إن ناداني لبّيته ، وإن دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته ، وإن سكت ابتدأته ، وإن أساء رحمته ، وإن فرّ منّي دعوته ، وإن شهد بذلك ولم يشهد أنّ محمّداً عبدي ورسولي ، أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ عليّ بن أبي طالب خليفتي ، أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ الأئمّة من ولده حججي ، فقد جحد نعمتي ، وصغّر عظمتي ، وكفر بآياتي وكتبي ، إن قصدني حجبته ، وإن سألني حرمته ، وإن ناداني لم أسمع نداءه ، وإن دعاني لم أستجب دعاءه ، وإن رجاني خيّبته ، وذلك جزاؤه منّي ، وما أنا بظلّام للعبيد.

فقام جابر بن عبد الله ، فقال : يا رسول الله ومن الأئمة بعد عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؟ فقال : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، ثمّ سيّد العابدين في زمانه عليّ بن الحسين ، ثمّ الباقر محمّد بن علي ـ وستدركه يا جابر ، فاذا أدركته فاقرأه منّي السّلام ـ ثمّ الصّادق جعفر بن محمّد ، ثمّ الكاظم موسى بن جعفر ، ثمّ الرّضا عليّ بن موسى ، ثمّ التّقي محمّد بن عليّ ، ثمّ النّقي عليّ بن محمّد ، ثمّ الحسن بن علي الزّكيّ ، ثمّ ابنه القائم بالحقّ مهديّ اُمّتي الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي ، من أطاعهم فقد أطاعني ، ومن عصاهم فقد عصاني ، ومن أنكرهم أو أنكر واحداً منهم فقد أنكرني ، بهم يمسك الله السّماء أن تقع على الأرض إلّا باذنه ، وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها (١).

_________________________________

(١) بحار الانوار (٣٦ / ٢٥١ ـ ٢٥٢) ، برقم : (٦٨) عن كمال الدين مع اختلاف يسير.


فصل ـ ١٨ ـ

٤٤١ ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن وهبان (١) ، حدّثنا أبوبشر أحمد بن إبراهيم بن أحمد العميّ ، حدّثنا محمّد بن زكريّا بن دينار الغلابي (٢) ، حدّثنا سليمان بن إسحاق بن سليمان (٣) بن عليّ بن عبد الله بن العباس ، قال : حدّثني أبي قال : كنت يوماً عند الرّشيد ، فذكر المهديّ وعدله فأطنب في ذلك ، ثمّ قال : أخبرني أبي المهدي ، حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن ابن عباس ، عن أبيه العباس بن عبد المطّلب أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال : يا عمّ يملك من ولدي اثنا عشر خليفة ثمّ تكون أمور كريهة وشدة عظيمة ، ثمّ يخرج المهديّ من ولدي يصلح الله أمره في ليلة يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، ويمكث في الأرض ما شاء الله ، ثمّ يخرج الدّجال (٤).

٤٤٢ ـ وروى أبوبكر بن خيثمة (٥) ، عن عليّ بن جعد ، عن زهير بن معاوية ، عن زياد بن خيثمة ، عن الأسود بن سعيد الهمداني ، قال : سمعت جابر بن سمرة يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش ، فقالوا : ثمّ ماذا يكون ؟ قال : ثمّ يكون الهرج (٦).

٤٤٣ ـ وفي صحيح مسلم ، عن ابن سمرة العدوي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : لا يزال الدّين قائماً حتّى يكون اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش ، ثمّ يخرج

_________________________________

(١) في البحار والاعلام : قال (أي محمّد بن أحمد الدّوريستي) : وأخبرني أبو عبد الله محمّد بن وهبان ... وعليه فما في النّسخ المخطوطة إثبات الهداة : وعن ابن بابويه حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن دهقان ـ أو ـ وهبان ، يحكم بصحّته فيما إذا قيل برواية الرّاوندي الرّواية بسند فيه ابن بابويه عن محمّد بن وهبان واشتبه الامر على تلميذه الطّبرسي فنقل الرواية في الاعلام عن الدّوريستي عن محمّد بن وهبان. هذا والصّحيح : محمّد بن وهبان. تعرّض له النّجاشي ووثّقه ويستفاد منه ومن رجال الشّيخ ص (٥٠٥) معاصرة الصّدوق له وليس في المصادر ومشيخة الصّدوق روايته عنه ولو في مورد واحد.

(٢) في المناقب : محمّد بن زكريّا العلاني.

(٣) كذا في البحار ، وهو الصّحيح كما يظهر من تاريخ البغدادي (٦ / ٣٢٩) ، وفي جميع النّسخ : أحمد بن سليمان.

(٤) بحار الانوار (٣٦ / ٣٠٠ ـ ٣٠١) ، برقم : (١٣٦) عن إعلام الورى ص (٣٨٥ ـ ٣٨٦) وعن المناقب لابن شهر آشوب (١ / ٢٩٢ ـ ٢٩٣) ، وراجع اثبات الهداة (١ / ٦١٥) ، برقم : (٦٣٧).

(٥) في ق ٣ : أبوبكر بن خيثمة ، وفي المصادر المطبوعة : أبوبكر بن أبي خيثمة.

(٦) بحار الانوار (٣٦ / ٢٦٨) ، برقم : (٨٨) عن المناقب (١ / ٢٩٠) وإعلام الورى ص (٣٨٤) وأومأ إليه في إثبات الهداة (١ / ٦١٥) ، برقم : (٦٣٨) عن القصص باختصار وفي المصدر ص (٦٨٤) عن الخرائج نحوه.


كذّابون بين يدي السّاعة ، وأنا الفرط على الحوض (١).

٤٤٤ ـ وعن الشّعبي ، عن مسروق : كنّا عند عبد الله بن مسعود فقال له رجل : أحدّثكم نبيّكم كم يكون بعده من الخلفاء ؟ قال : نعم وما سألني عنها أحدٌ قبلك وإنّك لأحدث القوم سنّاً. سمعته يقول صلّى الله عليه وآله : يكون بعدي من الخلفاء عدد نقباء بني إسرائيل اثنا عشر كلّهم من قريش (٢).

٤٤٥ ـ ورواه حماد بن زيد ، عن مجالد ، عن الشّعبي ، عن مسروق ، عن عبد الله وزاد فيه قال : كنّا جلوساً إلى عبد الله يقرؤنا القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرّحمن هل سألتم رسول الله كم يملك أمر هذه الأمّة من خليفة بعده ؟ فقال له عبد الله : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق ، نعم سألنا رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال : اثنا عشر عدد نقباء بني اسرائيل (٣).

٤٤٦ ـ وروى عبد الله بن أبي أميّة ، عن يزيد الرّقاشي (٤) ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لن يزال هذا الدّين قائماً إلى اثني عشر من قريش ، فاذا مضوا ماجت الأرض بأهلها (٥).

٤٤٧ ـ وعن ابن مثنى ، عن أبيه ، عن عائشة أنّه سألها كم خليفة يكون لرسول الله صلّى الله عليه وآله ؟ قلت : أخبرني رسول الله صلّى الله عليه وآله : يكون بعدي اثنا عشر خليفة ، فقلت لها من هم ؟ فقالت : أسماؤهم في الوصيّة من لدن آدم عليه السلام (٦).

_________________________________

(١) صحيح مسلم (٦ / ٤) وألفاظه أكثر وبهذا المضمون في نفس المورد قبل هذا الحديث وبعده روى روايات مستفيضة. والشّيخ الحرّ نقله في إثبات الهداة (١ / ٦٨٤) عن الخرائج عن صحيح مسلم ، وذكره البحار (٣٦ / ٢٩٧) برقم (١٢٧) عن إعلام الورى بسندين ثانيهما عن مسلم. وأورده الحرّ في إثبات الهداة (١ / ٦٨٤) عن الخرائج عن صحيح مسلم ... برقم : (٢٥).

(٢) بحار الانوار (٣٦ / ٢٩٨) عن إعلام الورى برقم : (١٣٢) وأورده الحرّ في إثبات الهداة (١ / ٦٨٤) عن الخرائج برقم : (٢٦).

(٣) بحار الانوار (٣٦ / ٢٩٩) عن إعلام الورى وفي ص (٢٦٧) عن مناقب ابن شهر آشوب ، ورواه في اثبات الهداة (١ / ٦٨٤) ، برقم : (٢٧) عن الخرائج.                                     (٤) في جميع النّسخ المخطوطة : عن زيد الرّقاشي.

(٥) بحار الانوار (٣٦ / ٢٦٧) عن المناقب ، واثبات الهداة (١ / ٦١٥) ، برقم : (٦٣٩) وص (٦٨٤) ، برقم : (٢٨) عن الخرائج.

(٦) بحار الانوار (٣٦ / ٣٠٠) ، برقم : (١٣٧) عن الاعلام ، واثبات الهداة (١ / ٦١٥) ، برقم : (٦٤٠) ، وفي


٤٤٨ ـ وروي لنا بالاسناد المتقدم ، عن الحسن بن محبوب ، مقاتل بن سليمان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أنا سيّد النّبيّين ووصيّي سيّد الوصيّين وأوصياؤه سادات الأوصياء ، إنّ آدم عليه السلام سأل الله أن يجعل له وصيّاً صالحاً ، فأوحى الله تعالى إليه أنّي أكرمت الأنبياء بالنّبوة ، ثمّ اخترت خلقي ، وجعلت خيارهم الأوصياء.

وأوحى الله إلى آدم أوص إلى شيث ، فأوصى آدم عليه السلام إلى شيث ، وهو هبة الله بن آدم ، وأوصى شيث إلى ابنه شبّان ، وهو ابن نزلة الحوراء الّتي أنزلها الله على آدم من الجنّة ، فزوّجها شيثاً ابنه ، وأوصى شبّان إلى محلث ، وأوصى محلث إلى مخوق ، وأوصى مخوق إلى عتميثا ، وأوصى عتميثا إلى أخنوخ وهو إدريس النبيّ ، وأوصى إدريس إلى ناخور ، وأوصى ناخور إلى نوح.

وأوصى نوح إلى سام ، وأوصى سام إلى عنام ، وأوصى عنام إلى عنيشاشا ، وأوصى عنيشاشا إلى يافث ، وأوصى يافث إلى بره ، وأوصى بره إلى جعشيه ، وأوصى جعشيه إلى عمران ، ودفعها عمران إلى إبراهيم الخليل.

وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل ، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق ، وأوصى إسحاق إلى يعقوب ، وأوصى يعقوب إلى يوسف ، وأوصى يوسف إلى مثريا ، وأوصى مثريا إلى شعيب ، ودفعها شعيب إلى موسى بن عمران.

وأوصى موسى بن عمران إلى يوشع بن نون ، وأوصى يوشع إلى داود ، وأوصى داود إلى سليمان ، وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا ، وأوصى آصف إلى زكريا ، ودفعها زكريّا إلى عيسى بن مريم.

وأوصى عيسى إلى شمعون بن حمون الصّفا ، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريّا ، وأوصى يحيى إلى منذر ، وأوصى منذر إلى سليمة ، وأوصى سليمة إلى بردة.

ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ودفعها بردة إليّ وأنا أدفعها إليك يا عليّ ، وأنت تدفع إلى وصيّك ، ويدفع وصيّك إلى أوصيائك من ولدك واحداً بعد واحد ، حتّى تدفع إلى خير أهل الأرض بعدك ، ولتكفرن بك الامّة ، ولتختلفن عليك اختلافاً شديداً ، الثّابت

_________________________________

البحار زيادة وهي : فقالت : أسماؤهم عندي مكتوبة باملاء رسول الله صلّى الله عليه وآله فقلت لها : فاعرضيه ، فأبت.


عليك كالمقيم معي ، والشاذّ عنك في النّار ، والنّار مثوى الكافرين (١).

٤٤٩ ـ ووردت الأخبار الصّحيحة بالأسانيد القويّة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أوصى بأمر الله إلى عليّ بن أبي طالب ، وأوصى عليّ بن أبي طالب إلى ابنه الحسن ، وأوصى الحسن إلى أخيه الحسين ، وأوصى الحسين إلى ولده علي ، وأوصى عليّ بن الحسين إلى ابنه محمّد ، وأوصى محمّد بن علي إلى ابنه جعفر ، وأوصى جعفر إلى ابنه موسى ، وأوصى موسى بن جعفر إلى ابنه علي الرّضا ، وأوصى الرّضا إلى ولده محمّد ، وأوصى محمّد إلى ولده عليّ ، وأوصى عليّ بن محمّد إلى ولده الحسن ، وأوصى الحسن إلى ابنه الحجّة القائم بالحقّ الذي لو لم يبق من الدّنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج ، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً (٢).

٤٥٠ ـ وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أنّ لله تبارك وتعالى مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبي ، أنا سيدهم وأفضلهم وأكرمهم على الله ، ولكلّ نبيّ وصيٌّ أوصى إليه من الله ، وأنّ وصيّي عليّ بن أبي طالب لسيّدهم وأفضلهم وأكرمهم على الله سبحانه وتعالى ، جلّ ذكره (٣).

_________________________________

(١) أورده الشّيخ الطّوسي في أماليه ، المجلد (٢ / ٥٨) في أواخر الجزء (١٥) بالفاظ أكثرها متوافقة مع ألفاظ الرّواية هنا شذّ الاختلاف. ورواه الشّيخ الحرّ في إثبات الهداة الباب (٩) الفصل (٢) من الجزء (١ / ٤٦٤) عن جملة من المصادر منها كمال الدّين وكفاية الأثر وأمالي الصّدوق وأمالي الشّيخ الطّوسي مسنداً وعن الفقيه بسنده عن ابن محبوب والسّند إليه معتبر وإنّما الكلام في مقاتل بن سليمان والأمر فيه هيّن بعد كون الرّاوي عنه : الحسن بن محبوب الّذي أمرنا بتصديقه عموماً وخصوصاً وكون المقاتل مرميّا من قبل جمهور العامّة (الرّجاليين منهم) ومبغوضاً عندهم ويؤيّد وثاقته بل يؤكّد عدّه في أصحاب الامام الصّادق عليه السلام الذين إرتأى الشيخ المفيد في إرشاده (باب ذكر تاريخ الامام الصّادق عليه السلام) وثاقتهم على اختلافهم في الآراء والمقالات.

والحديث مذكور في الفقيه الجزء (٤) باب الوصيّة من لدن آدم عليه السلام ، وذكره في البحار (٢٣ / ٥٧) عن أمالي الصّدوق.

(٢) أخرجه الشّيخ الحرّ في إثبات الهداة الجزء (١ / ٤٦٥ ـ ٤٦٦) عن الفقيه ثمّ قال : ورواه الرّاوندي في قصص الأنبياء مرسلاً.

(٣) بحار الانوار (١١ / ٣٠) عن الخصال والامالي للصّدوق ما هو بنفس المفاد باختلاف في بعض الألفاظ لا يضر بالوحدة. والحمد لله على بدء التّحقيق والتّطبيق والتّعليق على هذا الكتاب الشّريف المنيف واختتامها ، وكان الفراغ من ذلك في غرّة رجب المرجّب لعام (١٤٠٧) الموافق ليوم الاثنين (١١ / ١٢ / ١٣٦٥). وأنا العبد الضّعيف الفقير إلى ربّي الغنيّ : ميرزا غلامرضا عرفانيان اليزدي الخراساني.

قصص الأنبياء

المؤلف: قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]
الصفحات: 372