
كلمة
المكتبة
بسم
الله الرحمن الرحيم
كان سيدي
الوالد المرحوم آية الله العظمى المرعشي النجفي ، شديد الاهتمام بالنسبة إلى ثلاثة
أمور :
١ ـ حفظ التراث
الثقافي الإسلامي وخاصة تراث أهل البيت عليهمالسلام ومذهب التشيع.
٢ ـ تهيئة جو
مناسب يساعد على استفادة محققي الحوزة والجامعة من هذا التراث العلمي والثقافي
الغزير.
٣ ـ تصحيح
وتحقيق ونشر آثار أهل البيت عليهمالسلام ، وفقهاء المذهب الشيعي.
وكان ـ رضوان
الله عليه ـ حليف التوفيق في تلكم الإبعاد الثلاثة ، حيث تمكن في حياته المباركة
من جمع وحفظ خمس وعشرين ألف نسخة خطية نفيسة ، مضافا إلى آلاف الكتب المطبوعة.
وأما في القسم
الثاني فقد اهتم بتأسيس مكتبة عامرة لمساعدة المحققين والباحثين في هذا المجال.
وأما في القسم
الثالث فقد وفق رضوان الله عليه ـ وتحت إشرافي ـ على طبع ونشر عشرات الكتب من
الآثار القيمة لعلماء الشيعة العظام ، وتم توزيع أكثرها على المكتبات الإسلامية
وغيرها في جميع أنحاء العالم ، وتحت متناول أيدي العلماء.
وإليك أسماء
بعض الكتب الفقهية منها
١ ـ التنقيح
الرائع ـ للفاضل المقداد.
٢ ـ نضد
القواعد الفقهية ـ للفاضل المقداد.
٣ ـ تلخيص
الخلاف ـ للشيخ مفلح الصيمري.
٤ ـ الاثنا
عشرية ـ للشيخ البهائي.
٥ ـ إيضاح
ترددات الشرائع ـ لنجم الدين الزهدري الحلي.
٦ ـ الوسيلة ـ لابن
حمزة الطوسي.
٧ ـ الرسائل
العشر ـ لابن فهد الحلي.
٨ ـ رسائل
المحقق الكركي.
٩ ـ الشرح
الصغير ـ للسيد علي طباطبائي.
١٠ ـ الأقطاب
الفقهية ـ لابن أبي جمهور الأحسائي.
وبعد ارتحال
السيد الوالد رحمه الله تعالى ، ترى مديرية المكتبة وظيفتها وبقدر الإمكان إنجاز
ما يلي :
١ ـ جمع الكتب
المطبوعة والخطية خاصة النسخ النفيسة القيمة.
٢ ـ توسعة
المكتبة والسعي على إيجاد جو مناسب لاستفادة أكبر عدد ممكن من المحققين والباحثين
والمطالعين.
٣ ـ نشر آثار
أهل البيت عليهمالسلام.
وبحمد الله
كانت ولا زالت المكتبة موفقة في هذا المجال ، ومصممة على
السير في هذا
الشوط من دون انقطاع وتوقف.
ومن هذا المنطق
، طلبت من سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ رضا استادي ، أن تكون الرسائل
الفقهية للمحقق الحلي ـ التي اعتنى بتصحيحها وتحقيقها وهيأها للطبع ـ أن يجعلها من
منشورات المكتبة ، فتفضل بالقبول.
وفق الله
الجميع لنشر وترويج معارف أهل البيت عليهمالسلام.
|
قم
١٥ / ٢ / ١٣٧١ ه ش
الدكتور
السيد محمود المرعشي
مدير
مكتبة
آية
الله العظمى المرعشي النجفي
|
حياة
المحقّق الحلّي ره
ولادته
:
ولد في سنة
٦٠٢. قال جعفر بن الفضل بن الحسين بن مهدويه ـ وكان من تلامذته ـ : اجتمعت في سنة
إحدى وخمسين وستمائة في الحلّة السيفيّة بشيخ أكابر أصحابنا الإماميّة وفضلائها ، وهو
نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن ابن سعيد ، ذكر لي أنّ مولده سنة اثني وستمائة
... .
اسمه
وكنيته ولقبه ونسبه :
جعفر بن الحسن
بن يحيى بن حسن بن سعيد الهذلي الحلّي ، أبو القاسم ، نجم الدين ، المشهور
بالمحقّق الحلّي والمحقّق الأوّل.
وما أخذ هذا
اللقب إلّا بجدارة واستحقاق كما قال السيّد الأمين في أعيان الشيعة.
__________________
أبوه
وجدّه :
كان والده
الشيخ حسن فاضلا عظيم الشأن ، يروي عنه ولده. قاله الشيخ الحرّ العاملي في أمل
الآمل.
وكذلك جدّه
الشيخ يحيى كان عالما محقّقا ، من فقهاء عصره ، ولذا عدّه الشهيد الأوّل ره في
كتابه « غاية المراد في شرح نكت الإرشاد » ـ عند ذكره القائلين بالتوسعة في قضاء
الصلوات الفائتة ـ في عداد الفقهاء وقال : ومن المتأخرين القائلين بالتوسعة قطب
الدين الراوندي ، وابن حمزة الطوسي ، وسديد الدين محمود الحمصي والشيخ يحيى بن
سعيد جدّ الشيخ نجم الدين .
الثناء
عليه :
١ ـ قال معاصره
الفاضل الآبي في مقدّمة كتابه « كشف الرموز » :
فاتفق توجّهي
إلى الحلّة السيفيّة حماها الله من النوائب وجنّبها من الشوائب فقرأت عند الوصول ـ
أي الوصول إلى الحلّة ـ ( بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ
وَرَبٌّ غَفُورٌ ) ، فكم بها من أعيان العلماء بهم التقيت ، والمعارف
الفقهاء بأيّهم اقتديت اهتديت ، وكان صدر جريدتها وبيت قصيدتها ، جمال كمالها
وكمال جمالها ، الشيخ الفاضل الكامل ، عين أعيان العلماء ، ورأس رؤساء الفضلاء ، نجم
الدين حجّة الإسلام والمسلمين أبا القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد عظّم الله قدره
وطوّل عمره.
٢ ـ وقال تقيّ
الدين الحسن بن عليّ بن داود الحلّي في رجاله الذي فرغ من تأليفه سنة ٧٠٧ :
__________________
جعفر بن الحسن
بن يحيى بن سعيد الحلّي شيخنا نجم الدين أبو القاسم المحقّق المدقّق الإمام
العلّامة ، واحد عصره ، كان ألسن أهل زمانه وأقومهم بالحجّة ، وأسرعهم استحضارا ، قرأت
عليه وربّاني صغيرا ، وكان له عليّ إحسان عظيم والتفات وأجاز لي جميع ما صنّفه
وقرأه ورواه وكلّ ما تصحّ روايته عنه ، توفّي سنة ستّة وسبعين وستّمائة. له تصانيف
حسنة محقّقة محرّرة عذبة ، فمنها شرائع الإسلام مجلّدان ، كتاب النافع في مختصره
مجلّد ، كتاب المعتبر في شرح المختصر لم يتمّ ، مجلّدان ، كتاب نكت النهاية مجلّد
، كتاب المسائل العزّية مجلّد ، كتاب المسائل المصريّة مجلّد ، كتاب المسلك في
أصول الدين مجلّد ، كتاب النكهة ( الكهنة ) في المنطق مجلّد ، وله غير ذلك ليس هذا
موضع استيفائها ، فأمرها ظاهر ، وله تلاميذ فقهاء فضلاء رحمهالله .
٣ ـ قال
العلّامة الحلّي في إجازته لبعض تلامذته في سنة ٧٠٨.
قرأ عليّ أكثر
كتاب شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام من مصنّفات شيخنا العالم الأعظم
السعيد ، نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن ابن سعيد قدّس الله روحه.
٤ ـ وقال في
إجازته الكبيرة لبني زهرة :
ومن ذلك جميع
ما صنّفه الشيخ السعيد نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد وقرأه ورواه ، وأجيز
له روايته عنّي عنه ، وهذا الشيخ كان أفضل أهل عصره في الفقه .
٥ ـ قال الشيخ
حسن ابن الشهيد ، الثاني في إجازته الكبيرة للسيد نجم الدين :
__________________
قلت : لو ترك (
أي العلّامة الحلّي ) التقييد بأهل زمانه لكان أصوب إذ لا أرى في فقهائنا مثله على
الإطلاق رضي الدين عنه .
وقال الشيخ أبو
عليّ في رجاله المسمّى بمنتهى المقال :
٦ ـ قلت : ولو
ترك التخصيص بالفقه كان أصوب .
٧ ـ وقال عليّ
بن يوسف بن مطهّر في إجازته لبعض تلاميذه في سنة ٧٠٣ :
قرأ عليّ ..
جميع كتاب شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام ، تصنيف شيخنا الإمام المعظّم ، والفقيه
الأعظم ، نجم الدين والدنيا أبي القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد قدّس الله روحه
ونوّر ضريحه .
٨ ـ وقال فخر
المحقّقين ابن العلّامة الحلّي في بعض إجازاته :
قرأ عليّ الشيخ
المعظّم والفاضل المكرّم الفقيه المحقّق المتكلّم المدقّق ، الإمام العلّامة زين
الدين عليّ بن الفقيه العالم السيد المرحوم عزّ الدين حسن بن أحمد ابن مظاهر أدام
الله أيامه جميع كتاب قواعد الأحكام ..
وأجزت له جميع
ما صنّفه الشيخ الإمام ، شيخ مشايخ الإسلام ، أبو القاسم جعفر بن سعيد قدّس الله
سرّه ، فمن ذلك كتاب الشرائع ، فإنّي سمعته على والدي سماعا وقرئ عليه بحضوري
وأجاز لي رأيته ، وكذا النافع في مختصر الشرائع ، وباقي كتبه. أجاز لي والدي إليها
عنه عن المصنّف.
٩ ـ قال الشهيد
الأوّل في إجازته لابن نجدة :
__________________
وكان من جملة
ما قرأه علي العبد الضعيف عدّة كتب فمنها .. وكتاب شرائع الإسلام ومختصرها للإمام
السعيد ، فخر المذهب ، محقّق الحقائق نجم الدين أبي القاسم جعفر بن سعيد شرّف الله
في الملإ الأعلى قدره ، وأطاب في الدارين ذكره .
١٠ ـ قال ابن
فهد الحلّي في المهذّب البارع :
المولى الأكرم
، والفقيه الأعظم ، عين الأعيان ، ونادرة الزمان ، قدوة المحقّقين ، وأعظم الفقهاء
المتبحّرين ، نجم الملّة والحقّ والدين ، أبو القاسم جعفر ابن سعيد الحلّي ، قدّس
الله نفسه الزكيّة ، وأفاض على تربته المراحم الربّانيّة .
١١ ـ قال
الفاضل المقداد في مقدّمة التنقيح : كتاب النافع مختصر الشرائع ، لشيخنا الأعظم ، ورئيسنا
الأكرم ، العلّامة المحقّق ، والأفضل المدقّق ، نجم الملّة والدين أبي القاسم جعفر
بن سعيد قدّس الله روحه ونوّر ضريحه ، لم يسبقه أحد إلى مثله في تهذيبه ، ولم يلحق
لاحق في وضعه وترتيبه.
١٢ ـ وقال
الشيخ إبراهيم القطيفي في إجازته للشيخ شمس الدين بن ـ ترك في سنة ٩١٥ :
وأجزت له أن
يروي بالطريق .. جميع مصنّفات الإمام العالم العامل الفاضل الكامل المحقّق المدقّق
الكامل ، الشيخ أبي القاسم نجم الدين بن سعيد في العلوم العقليّة والنقليّة ، الفروعيّة
والأصوليّة ، عنه قدّس الله سرّه .
١٣ ـ وقال
الشيخ عليّ الكركي المتوفّى (٩٤٠) في إجازته لولده الشيخ إبراهيم والشيخ على بن عبد
العالي الميسي :
__________________
ومن ذلك
مصنّفات ومرويّات الشيخ الإمام ، شيخ الإسلام ، فقيه أهل البيت في زمانه ، ناهج
سبل التحقيق والتدقيق في العلوم الشرعيّة ، نجم الملّة والحقّ والدين ، أبي القاسم
جعفر بن سعيد الحلّي ، سقى الله ضريحه صوب الغوادي .
١٤ ـ وقال في
إجازته للمولى حسين الأسترآبادي :
وأجزت له أيضا
جميع مصنّفات الشيخ السعيد العلّامة المحقّق عضد الطائفة ، رئيس الجماعة ، نجم
الدين أبي القاسم جعفر بن سعيد الحلّي نوّر الله وجهه ، وشرّف قدره .
١٥ ـ وقال في
إجازته للشيخ حسين العاملي :
وبهذا الإسناد
جميع مصنّفات الشيخ الإمام ، أوحد الفضلاء المحقّقين ، نجم الملّة والدين ، أبي
القاسم جعفر بن سعيد الحلّي جعله الله تعالى في الرفيق الأعلى .
١٦ ـ وقال في
موضع آخر :
وانتشار أشياخ
هذا الشيخ ( أي العلّامة الحلّي ) وتعدّد الذين روى عنهم وبلوغهم حدّا ينبو عن
الحصر أمر واضح كالشمس في رائعة النهار ، إلّا أن أوحدهم وأعلمهم بفقه أهل البيت ،
الشيخ الأجلّ ، الإمام ، شيخ الإسلام ، فقيه أهل عصره ، ووحيد أوانه ، نجم الملّة
والدين أبي القاسم جعفر بن سعيد قدّس الله روحه الطاهرة .
١٧ ـ وقال في
إجازته للقاضي صفّي الدين :
__________________
ومنها جميع
مصنّفات ومرويّات الشيخ الإمام ، شيخ الإسلام ، فقيه أهل البيت ، رئيس الإماميّة
في زمانه ، محقّق المطالب الفقهيّة ، منقّح الدلائل الشرعيّة ، نجم الملّة والدين
، أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلّي ، صاحب كتاب الشرائع والمعتبر
وغيرهما ، قدّس الله روحه الطاهرة ، ورفع قدره في درجات الآخرة .
١٨ ـ وقال في
إجازته لمولى عبد العلي الأسترآبادي :
وسمع أيضا
بقراءة غيره الجزء الأوّل من كتاب الشرائع في معرفة الحلال والحرام ، من مصنّفات
الشيخ الإمام ، شيخ الإسلام ، محقّق المسائل ، مهذّب الدلائل ، فقيه أهل البيت في
زمانه ، نجم الملّة والحقّ والدين ، أبي القاسم جعفر ابن سعيد الحلّي قدّس الله
سرّه ، ورفع في الدارين قدره وأعلى ذكره .
١٩ ـ وقال في
إجازته للسيّد شمس الدين محمّد الرضوي المشهدي :
وقرأ عليّ أيضا
من أوّل كتاب النافع مختصر الشرائع من مصنّفات مولانا وسيّدنا الشيخ الإمام السعيد
المحقّق ، شيخ الإسلام ، فقيه أهل البيت عليهمالسلام في زمانه إلى كتاب الحجّ ، قراءة شهدت بفضله وكمال
استعداده .
٢٠ ـ قال
الشهيد الثاني في إجازته للسيّد عليّ بن الصائغ : ..
عن جماعة ، أجلّهم
الإمام الفاضل ، فخر الملّة والحقّ والدين ، محمّد ابن شيخ الإسلام ومفتي فرق
الأنام ، الفاروق بالحقّ للحقّ ، جمال الإسلام والمسلمين ، ولسان الحكماء والفقهاء
والمتكلّمين ، جمال الدين ، الحسن بن الشيخ السعيد السديد يوسف بن عليّ بن المطهر
الحلّي قدس الله روحه الطاهرة ، وجمع بينه وبين أئمّته الأطهار في الآخرة ، عن
والده المذكور ، عن جمّ غفير من مشايخه ،
__________________
أفضلهم وأكملهم الإمام المحقّق ، نجم الدين ، جعفر بن الحسن بن سعيد الحلّي
تغّمده الله تعالى بالرحمة والرضوان ، وأسكنه أعلى فراديس الجنان .. .
٢١ ـ وقال
الشهيد الثاني في إجازته لوالد شيخنا البهائي الشيخ حسين ابن عبد الصمد :
وعنه ( ابن
داود ) قدّس الله روحه ، جميع مصنّفات ومرويّات الشيخ المحقّق ، شيخ الطائفة في
وقته إلى زماننا هذا ، نجم الدين أبي القاسم جعفر بن سعيد .. .
٢٢ ـ قال الشيخ
البهائي : في ٢٣ جمادى الآخرة ( كذا ) توفّى الشيخ المدقّق ، سلطان العلماء في
زمانه ، نجم الدين جعفر بن سعيد الحلّي ، قدّس الله روحه ، وذلك سنة ٦٧٦ ، واليه
انتهت رئاسة الشيعة الإماميّة ، ومن مصنّفاته كتاب المعتبر وكتاب الشرائع والمختصر
، وحضر مجلس درسه بالحلّة سلطان الحكماء والمتألّهين ، خواجه نصير الدين محمّد
الطوسي أنار الله برهانه ، وسأله نقض بعض المتكلّمين .
٢٣ ـ قال صاحب
الرياض ره :
كان محقّق
الفقهاء ، ومدقّق العلماء ، وحاله في الفضل والنبالة والعلم والثقة والفصاحة
والجلالة والشعر والأدب والإنشاء والبلاغة ، أشهر من أن يذكر ، وأكثر من أن يسطر .
٢٤ ـ قال الشيخ
الحرّ العاملي ره :
كان عظيم الشأن
، جليل القدر ، رفيع المنزلة ، لا نظير له في زمانه ، وله شعر
__________________
جيّد وإنشاء حسن بليغ ، وكان مرجع أهل زمانه في الفقه وغيره .
٢٥ ـ قال مؤلّف
صحيفة أهل الصفا :
كان فقيها ثقة
، له كتب منها كتاب المعتبر ..
٢٦ ـ وقال
المحقّق التستري في المقابيس :
الشيخ الأعظم الرفيع
الشأن ، اللامع البرهان ، كشّاف حقائق الشريعة بطرائف من البيان ، لم يطمثهنّ قبله
إنس ولا جانّ. رئيس العلماء ، حكيم الفقهاء ، شمس الفضلاء ، بدر العرفاء .. الوارث
لعلوم الأئمّة المعصومين ، وحجّتهم في العالمين ، الشيخ أبو القاسم نجم الدين جعفر
بن الحسن بن يحيى ابن سعيد الهذلي الحلّي ، أفاض الله على روضته شآبيب لطفه الخفيّ
والجلي ، وأحلّه في الجنان المقام السنيّ والمكان العلي. وله تلاميذ كثيرة فضلاء.
وكتب فائقة غرّاء ، منها الشرائع والنافع والمعتبر ونكت النهاية والمسائل العزّية
والمصريّة والبغداديّة وغيرها .
٢٧ ـ قال صاحب
الروضات :
اتّفقت كلمة من
علمناه من العصابة على كونه الأفقه الأفضل إلى الان من جملة من كان قد تأخّر
الأئمّة والصحابة .
٢٨ ـ قال السيد
محسن الأمين في أعيان الشيعة :
وكفاه جلالة
قدر اشتهاره بالمحقّق ، فلم يشتهر من علماء الإماميّة على كثرتهم في كلّ عصر بهذا
اللقب غيره وغير الشيخ عليّ بن عبد العالي الكركي ،
__________________
وما أخذ هذا اللقب إلّا بجدارة واستحقاق ، وقد رزق في مؤلّفاته حظّا عظيما
.. .
٢٩ ـ قال
العلّامة التستري في قاموس الرجال :
هو أوّل من جعل
الكتب الفقهية بترتيب المتأخّرين ، فجمع في شرائعه لبّ ما في نهاية الشيخ الذي كان
مضامين الأخبار ، وما في مبسوطة وخلافه اللذين كانا على حذو كتب العامّة في جمع
الفروع ، وقبله كان بعضهم يكتب كالنهاية كسرائر الحلّي ، وبعضهم كالمبسوط والخلاف
كمهذّب القاضي. وله تحقيقات أنيقة .
٣٠ ـ قال
الزركلي في إعلامه :
فقيه إماميّ
مقدّم ، من أهل الحلّة في العراق ، كان مرجع الشيعة الإماميّة في عصره ، له علم
بالأدب ، وشعر جيّد .. .
بعض
مشايخه :
١ ـ والده
الشيخ حسن بن يحيى رحمهالله .
٢ ـ محمّد بن
عبد الله بن زهرة الحسيني ، صاحب كتاب « الأربعين في حقوق الإخوان » .
٣ ـ نجيب الدين
محمّد بن جعفر بن أبي البقاء ( ابن نما الحلّي ) ، وهو كما قيل
: أعلم مشايخه بفقه أهل البيت عليهمالسلام. توفّي في سنة ٦٤٥.
__________________
٤ ـ شمس الدين
فخّار بن معد الموسوي ، صاحب كتاب « الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب » توفّي
سنة ٦٣٠ .
٥ ـ سديد الدين
سالم بن محفوظ . قال في مستدرك الوسائل : وهو من مشايخ رضيّ الدين عليّ
بن طاوس رحمهالله أيضا.
بعض
تلامذته :
١ ـ الحسن بن
يوسف المطهّر ( العلّامة الحلّي ) المتوفّى سنة ٧٢٦.
٢ ـ الحسن بن
داود صاحب كتاب الرجال الذي فرغ من تأليفه سنة ٧٠٧.
٣ ـ السيد غياث
الدين عبد الكريم أحمد بن طاوس ، صاحب كتاب « فرحة الغريّ ».
٤ ـ الشيخ عزّ
الدين الحسن بن أبي طالب اليوسفي الآبي ، صاحب كتاب « كشف الرموز في شرح المختصر
النافع ».
٥ ـ نجيب الدين
يحيى بن أحمد بن سعيد الحلّي ، صاحب كتاب « الجامع للشرائع » وهو ابن عمّ المحقّق
الحلّي.
٦ ـ جمال الدين
يوسف بن حاتم الشامي ، صاحب كتاب « الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة ».
٧ ـ رضيّ الدين
عليّ بن يوسف الحلّي ، صاحب كتاب « العدد القويّة » وأخ العلّامة الحلّي ره.
__________________
تأليفاته
:
١ ـ شرائع
الإسلام. وله شروح كثيرة ، من أشهرها : جواهر الكلام للشيخ محمّد حسن النجفي ، ومسالك
الإفهام للشهيد الثاني ، والمدارك للسيّد محمّد العاملي.
٢ ـ المختصر
النافع. وله شروح عديدة ، من أهمّها : المهذب البارع لابن فهد الحلّي ، التنقيح
الرائع للفاضل المقداد ، ورياض المسائل المشهور بالشرح الكبير ، للسيّد علي
الطباطبائي ، والشرح الصغير له أيضا ، وجامع المدارك للسيّد أحمد الخوانساري ره.
٣ ـ المعتبر.
وهو كشرح على المختصر النافع له. طبع ثلاث مرات ، كلّ لا حق أحسن من سابقه ، ومع
ذلك يحتاج إلى تحقيق ونشر جديد.
٤ ـ نكت
النهاية هي حاشية على نهاية الشيخ الطوسي رحمهالله وقد طبع مع النهاية بصورة حسنة.
٥ ـ معارج
الأصول ـ أصول الفقه ـ طبع مرّتين.
٦ ـ المسلك في
أصول الدين. سيطبع بتحقيق منّا إن شاء الله.
٧ ـ الماتعية.
رسالة موجزة في أصول الدين والاعتقادات ستطبع. ضميمة المسلك المذكور.
٨ ـ مختصر
المراسم لسلّار. لم نر نسخته إلى الان. ولكن قال العلّامة الطهراني : نسخته موجودة
في مكتبة السماوي. بالنجف.
٩ ـ تلخيص
فهرست الشيخ الطوسي. قيل نسخته موجودة في بعض المكتبات ، ولكن لم نزرها إلى الآن.
١٠ ـ رسالة في
عدم كفر من اعتقد بإثبات المعدوم. نسخة منها موجودة في مكتبة حجّة الإسلام
والمسلمين السيّد محمّد عليّ الروضاتي دامت إفاداته
بأصبهان.
١١ ـ الكهنة (
أو النكهة ) في المنطق. ذكرت في فهرست تأليفاته في كتاب رجال ابن داود ، وقد رآها
بعض الأساتيذ من المعاصرين في طهران كما قيل ولم نرها.
١٢ ـ رسالة
تياسر القبلة. طبعت أوّلا في حاشية روض الجنان للشهيد الثاني الطبع الحجري ، وثانيا
في المهذب البارع لابن فهد الحلّي الطبع الحديث ، وثالثا في كتاب دروس معرفة الوقت
والقبلة للأستاذ العلامة حسنزاده آملي دامت إفاداته.
١٣ ـ المقصود
من الجمل والعقود. وهو مختصر الجمل والعقود للشيخ الطوسي ره.
١٤ ـ المسائل
الخمسة عشر.
وحيث لم نقف
على اسم هذه الرسالة عرّفناها بهذا العنوان فلا تغفل.
١٥ ـ المسائل
الكمالية ، وهي جوابات عشر مسائل.
١٦ ـ المسائل
الطبريّة ، وهي جوابات ٢٢ مسألة ويطلق عليها المسائل الخواريات أيضا.
١٧ ـ المسائل
البغداديّة ، وهي جوابات ٤٢ مسألة.
١٨ ـ المسائل
المصريّة ، وهي جوابات خمسة مسائل.
١٩ ـ المسائل
العزّية ، وهي جوابات تسعة مسائل. وقد يطلق عليها :
المسائل التسع.
٢٠ ـ المسائل
العزّية ، الثانية وهي جوابات سبعة مسائل.
وهذه الرسائل
التسع ( ١٢ ـ ٢٠ ) كلّها فقهية وهي التي قمنا بتحقيقها ونشرها ، وهي بين يديك.
وفاته
:
قال ابن داود
في رجاله : أجاز لي جميع ما صنّفه وقرأه ورواه وكلّ ما تصحّ روايته عنه. ثمّ قال :
توفّي ـ رحمهالله ـ في ربيع الآخر سنة ٦٧٦.
رحمهالله وحشره مع محمّد وآله الطاهرين عليهمالسلام.
النسخ
التي وقفنا عليها ومن هذه الرسائل التسع :
١ ـ توجد من «
المسائل العزّية » ثمانية نسخ في هذه المكتبات : الملك بطهران ، مجلس شوراى إسلامي
بطهران ، جامعة طهران ، المرعشي بقم ، مدرسة البروجردي بالنجف ومدينة العلم ب ..
وأقدمها نسخة
مكتبة الملك ، وتاريخها ٦٧٤.
٢ ـ ومن المسائل
العزّية الثانية نسخة واحدة فقط في المكتبة الرضويّة ( آستان قدس رضوي ) بمشهد
الرضا عليهالسلام ، وتاريخها يرجع إلى القرن الثامن.
٣ ـ ومن
المسائل المصريّة ثمانية نسخ : في المرعشي والرضويّة ، وجامعة طهران ، ومجلس شوراى
إسلامي ، والمسجد الأعظم بقم ، ومكتبة حجّة الإسلام والمسلمين السيّد محمّد عليّ
الروضاتي بأصبهان.
وأقدمها نسخة
ناقصة تاريخها يرجع إلى القرن الثامن ، ونسخة تامّة كتبت في ٩٨٧.
٤ ـ ومن
المسائل البغداديّة ستّة نسخ : في الرضويّة ومجلس شوراى إسلامي وجامعة طهران
ومكتبة السيّد الروضاتي دامت إفاداته. وأقدمها نسخة تاريخها ٩٨٧.
٥ ـ ومن
المسائل الخمسة عشر نسخة واحدة ناقصة في المكتبة الرضويّة ، تاريخها يرجع إلى
القرن الثامن.
٦ ـ ومن
المسائل الكمالية نسختان في الملك والرضويّة ، كلاهما من القرن الحادي عشر.
٧ ـ ومن
المسائل الطبريّة ستّة نسخ في جامعة طهران ، والرضويّة
ومكتبة ملّي بطهران ومكتبة جستر بيتي بايرلند.
وأقدمها نسخة
ايرلند ، يرجع تاريخها إلى القرن السابع أو الثامن.
٨ ـ ومن رسالة
تياسر القبلة نسخ كثيرة جدّا ، رأينا عدّة منها وحصّلنا بعضها.
٩ ـ ومن
المقصود من الجمل والعقود نسختان إحداهما في المكتبة الرضوية تاريخها يرجع إلى
القرن الثامن وثانيتهما في مكتبة سيّدنا الروضاتي بأصبهان وهذه النسخة حديثة.
نماذج
من النسخ التي كانت عندنا
حين
التحقيق من الرسائل التسع
الرسائل
التسع :
١ ـ المسائل
العزّية.
٢ ـ المسائل
العزّية الثانية.
٣ ـ المسائل
المصريّة.
٤ ـ المسائل
البغداديّة.
٥ ـ المسائل
الخمسة عشر.
٦ ـ المسائل
الكماليّة.
٧ ـ المسائل
الطبريّة.
٨ ـ رسالة
تياسر القبلة.
٩ ـ المقصود من
الجمل والعقود.
كلّها
للمحقق الحلّي رضوان الله تعالى عليه.






















١
المسائل
العزّيّة
وهي
تشتمل على تسع مسائل
تأليف المحقق
الحلّي ره
بسم
الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رافع
الدين ومظهره ، وقامع الشرك ومدمّره ، وناصر الحقّ وجابرة ، وقاهر الباطل وكاسره ،
وصلّى الله على سيّدنا محمّد المخترع من أطيب نسب وأطهره ، المنتزع من أعجب حسب
وأفخره ، وعلى آله المستخرجين من عنصره ، النامين إلى شرف جوهره.
أمّا بعد فإن
الأمير الكبير عزّ الدين عبد العزيز أعزّ الله أولياءه بدوام بقائه وامتداد عمره ، وأمدّه
برعايته وحسن نظهره ، رسم الاستدلال على مسائل دلّ اختيارها على تحقيقه وجودة
تخيّره ، ونبّه اهتمامه باعتبارها على تدقيقه وشدّة تبحّره ، فأحببت إجابته
لاشتهار فواضله وانتشار مآثره ، وتمسّكه من الدين بأمتن مرائره وأحسن أواصره ، وها أنا
شارع في امتثال أوامره ، طامع أن يقع ذلك موافقا لإربه ، مطابقا لوطره ، إن شاء
الله تعالى.
__________________
المسألة الأولى :
الماءآن
النجسان إذا لم يتغيّرا بالنجاسة وجمعا فبلغا كرّا فصاعدا ، لم يزل عنهما حكم
التنجيس ، وتحقيق موضع النزاع ، أنّ بلوغ الماء الطاهر كرّا مشتمل على قوّة دافعة
لتأثير النجاسة الواردة ، فإذا كان مفرّقا منفعلا بالنجاسة ، ثمّ اجتمع كرّا ، هل
يكون بلوغه رافعا للانفعال؟ قال بعض الأصحاب : نعم والمعتمد
بقاؤه على النجاسة ، ولنا في الاستدلال على ذلك مسالك :
الأول
:
أن نقول : ما
محكوم بنجاسته منفردا ، فيجب أن يستدام ذلك الحكم مجتمعا.
أمّا الأولى ، فلانّا
نتكلّم على هذا التقدير ، وأمّا الثانية فلوجوه : الأول : أنّ الثابت
__________________
غنيّ في وجوده عن المؤثّر ، ومفتقر في زواله إلى المؤثّر ، فمع الفحص وعدم
الوقوف على الدليل الرافع يجب الحكم ببقاء الثابت ، وإلّا لزم الحكم بانتفاء
الثابت لا لمؤثّر. الثاني : أنّ المقتضي للتنجيس موجود فيجب الحكم ببقائه عملا
بالمقتضي السالم عن المصادم. الثالث : الألفاظ الدالّة على ثبوت التنجيس عند
ملاقاة النجاسة مطلقة ، فيجب الحكم بالنجاسة عملا بالإطلاق.
ويؤيّد الحكم
ببقاء الثابت الحكم ببقاء الطهارة ما لم يعلم الحدث ، وببقاء الديون ما لم يعلم
السقوط ، وببقاء نجاسة الأواني والثياب ما لم تعلم الطهارة ، وليس الحكم بذلك
مستندا إلى مورد الشرع ، بل تعليلا بتيقّن الواقع وعدم العلم بالرافع.
فإن قيل : متى
يكون الثابت غنيّا عن المؤثّر إذا كانت ذاته قابلة للبقاء ، أم إذا لم يكن؟ الأوّل
مسلّم ، والثاني ممنوع ، ونحن لا نسلّم أنّ نجاسة الماء باقية ، فما المانع أن
يكون كالصوت الذي لا يبقى ، فلا يفتقر زوالها إلى المؤثّر ، ويفتقر تجدّدها.
سلّمنا أنّ النجاسة قابلة للبقاء ، لكن مع قبولها لا تخرج عن كونها ممكنة ، والممكن
الخاصّ في قبوله للوجود والعدم على السواء ، فلو افتقر في عدمه إلى المؤثّر لافتقر
في بقائه. سلّمنا أنّ الثابت غنيّ في وجوده عن المؤثّر ، لكن لا نسلّم أنّ حصوله
في الزمان الثاني غنيّ عن المؤثّر ، فإنّ هذا الحكم زائد على المعقول من ذاته ، وهو
أمر متجدّد ، فيفتقر فيه إلى المؤثّر.
ثمّ نقول : حاصل
ما ذكرته يرجع إلى التسوية بين موضع الخلاف وموضع الوفاق ، وهو خطأ من وجوه : أحدها
: أنّ ذلك قياس ، وهو متروك عندنا. الثاني : لا بدّ من اشتمال محلّ الخلاف على وصف
ليس بحاصل في محلّ الوفاق أو بالعكس ، والّا لما تحقّق الاختلاف ، ومع التفاوت لا
تجب المساواة. أو نقول : إمّا أن يكون بين الصورتين تفاوت وإمّا أن لا يكون ، فان
لم يكن فهو استدلال بالشيء على نفسه ، وإن كان فهو قياس مع ثبوت الفارق. والثالث
: الحكم
بنجاسة القليل مستند إلى النصّ أو الوفاق ، فلا يجب إثبات الحكم في موضع
الخلاف ، لتجرّده عن المستند.
قوله في الوجه
الثاني : المقتضي للتنجيس موجود. قلنا : لا نسلّم ، فإن قال : ملاقاة النجاسة سبب
في الحكم بتنجيس الماء القليل وهي موجودة ، قلنا : هي موجبة للتنجيس مع بقاء الماء
على القلّة ، فلا يثبت الحكم مع بلوغه الكثرة.
قوله في الوجه
الثالث : اللفظ قاض بالتنجيس مطلقا. قلنا : لا نسلّم ، فان قال : ذلك كثير كقول
أبي عبد الله ( عليهالسلام ) في سؤر الطير : وإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضّأ
منه . وقوله في الكلب : رجس نجس لا تتوضّأ بفضله . وقوله في الجرّة
يقع فيها أوقية من دم أشرب منه وأتوضأ؟ فقال : لا . وغير ذلك
__________________
من الأحاديث ، قلنا : المناهي الشرعية تشتمل على المطلق والمقيد ، فالمنع
هنا كما يحتمل الإطلاق ، يحتمل التقييد بقيد القلّة ، فلا يثبت الحكم مع الكثرة.
والجواب
:
قوله : متى
يكون الثابت غنيّا عن المؤثّر إذا كانت ذاته باقية أو إذا لم تكن؟ قلنا : إذا كانت
ذاته باقية ، قوله : لا نسلّم أنّ نجاسة الماء باقية ، قلنا : الدليل على ذلك
وجهان : أحدهما أنّ ملاقاة النجاسة لو لم تكن سببا لاستقرار النجاسة ، لما حكم
بالنجاسة إلّا حال الملاقاة ، ومعلوم أنّه ليس كذلك. الثاني أنّ الاتّفاق حاصل
أنّه مهما بقي الماء على حاله كان التنجيس باقيا.
قوله : نجاسة
الماء ممكنة فتفتقر إلى المؤثّر. قلنا : متى؟ عند حدوثها أو مع بقائها؟ الأوّل
مسلّم ، والثاني ممنوع ، ولهذا لم يكن المعدوم الممكن مفتقرا في استمرار عدمه إلى
المؤثّر وكذا البناء لا يفتقر بعد تقرّره إلى الباني.
قوله : حصوله
في الثاني زائد على حقيقته ، وهو متجدّد فيفتقر إلى المؤثّر. قلنا : حصوله في
الثاني هو المعني باستمرار وجوده ، واستمرار الوجود ليس زائدا على الوجود ، وإلّا
لكان استمرار ذلك الاستمرار زائد ويتسلسل.
قوله : حاصل
الكلام يرجع إلى تسوية موضع الخلاف بموضع الوفاق وهو قياس. قلنا : إذا ثبت أن
الشرع لا ينقلنا من حكم إلى غيره إلا بدليل معلوم ، لا يكون ذلك قياسا تمثيليّا ، بل
برهانا قطعيّا.
قوله : وقوع
الخلاف بعد البلوغ يدلّ على مخالفته لموضع الوفاق ، وحينئذ يجوز الاستناد في
المخالفة بين الصورتين إلى الفارق. قلنا : الجواز مسلّم ، لكن لا يجوز المصير إليه
ما لم يحصل العلم بكون تلك المخالفة رافعة للحكم الثابت.
قوله : الحكم
بنجاسة القليل مستند إلى النصّ ، أو الاتّفاق فلا يثبت في
موضع الخلاف ، لتجرّده عن المستند. قلنا : واستناد الحكم بالتنجيس في موضع
الخلاف ، للعلم بثبوت المقتضي وانتفاء العلم بالرافع ، فإنّ العقل يجزم ببقاء الثابت
ما لم يحصل الرافع ، ويجزم بانتفاء الرافع مع استفراغ الوسع في تحصيله ، وتعذّر
الاطّلاع عليه ، فيعلم أنّه لو كان واقعا لظفر به ، أو لسقط اعتباره بالنظر إلى
الباحث ، إذ لو لا هذان لزم التكليف بما لا يطاق.
قوله في الوجه
الثاني : لا نسلّم أنّ المقتضي للتنجيس موجود. قلنا : نحن نعني بالمقتضي ملاقاة
النجاسة للماء القليل ، ونتكلّم على تقدير بقائها.
قوله : ذلك
مشروط ببقائه على القلّة. قلنا : الاشتراط منفيّ بالأصل.
قوله : على
الوجه الثالث : لا نسلّم أنّ هنا ألفاظا قاضية بالتنجيس مطلقا. قلنا : قد ذكرنا
طرفا منها.
قوله : مناهي
الشرع قد ترد مطلقة ومقيّدة. قلنا : الإطلاق هو الأصل فلا يصار إلى التقييد إلّا
مع الدليل.
المسلك
الثاني :
طهارة هذا
الماء مع القول بنجاسة مستنقع الحمّام ممّا لا يجتمعان ، فتثبت النجاسة هنا. أمّا
أنّهما لا يجتمعان ، فلانّ اجتماع الكرّ من النجاسات إمّا أن يكون رافعا للنجاسة
وإمّا أن لا يكون ، فإن كان لزم في الموضعين ، وإن لم يكن لزم في الموضعين ، فيثبت
أنّ طهارة أحدهما مع نجاسة الأخر ممّا لا يجتمعان. وأمّا أن الثابت نجاسة مستنقع
الحمّام فلما روي عن أبي الحسن ( عليهالسلام ) : ولا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام ، فإنّه
يسيل فيها ما يغتسل به الجنب
__________________
وولد الزنا والناصب .
فان قيل : لا
نسلّم تساويهما قوله : بلوغ الماء النجس كرّا إمّا أن يكون مطهّرا وإمّا أن لا
يكون. قلنا : يكون. قوله : يلزم طهارة مستنقع الحمّام. قلنا : متى إذا اختصّ
الحمّام بمزيد استقذار ليس بموجود في غيره ، أم إذا لم يختصّ؟ أمّا على تقدير
التساوي فمسلّم ، وأمّا على تقدير التفاوت في اجتماع الأقذار فممنوع. والحمّام
مختصّ بهذه المزيّة. وبيانه تعليل المنع من مائه باجتماعه من غسالة الجنب وولد
الزنا والناصب ، وحينئذ إمّا أن يكون التمسّك في نجاسته بالإجماع أو بالحديث ، فإن
كان الأوّل فلا يلزم من الإجماع على نجاسة ماء الحمّام الإجماع على نجاسة غيره ، فإن
كان الثاني فالرواية تتضمّن تعليل نجاسته باجتماع هذه الثلاث فلا تكون متعدّية إلى
غيرها.
فإن قال : التعليل
قاض بالتساوي. قلنا : مع التعليل لا يلزم تعديته عن محلّه ، لجواز اختصاص موضع
التعليل بحكمة مقتضية للاختصاص. سلّمنا أنّه يجب تساويهما ، لكن لا نسلّم نجاسة
مستنقع الحمّام. فان استدلّ بالرواية المذكورة ، كان الاعتراض من وجوه : أحدها : منع
سندها ، فإنّ الراوي محمّد بن الحميد عن حمزة بن أحمد ولم يتحقّق حالهما فهي في قوّة
المرسل. الثاني : مع تسليمها هي قليلة الورود ، فتكون في حيّز الشذوذ. الثالث : تعارضها
بما روي عن أبي الحسن
__________________
( عليهالسلام ) وقد سئل عن مجتمع الماء في الحمّام من غسالة الناس
يصيب الثوب. فقال : لا بأس . فإن قال : هذا مطلق وذاك مقيّد. قلنا : لفظة الناس
تعمّ فهي تتناول كلّ مغتسل ، فتتحقّق المعارضة بطريق العموم.
قوله : ما
المانع أن يختصّ الحمّام بما ليس موجودا في غيره. قلنا : البناء على الاحتمال فتح
لأبواب الجهالات وتطريق إلى سدّ باب الاستدلال بالألفاظ. فإن قال : الفارق موجود ،
وهو تعليل مستنقع الحمّام باجتماعه من الغسالات الثلاث. قلنا : فحوى اللفظ يدلّ
على حكمه بالتنجيس لأجل اجتماعه من النجاسات لا نظرا إلى خصوصية النجاسات المذكورة
، فالتعدية حينئذ تفهم من فحوى اللفظ لا من منطوقه ، فانّ من نجس الماء لاجتماعه
من غسالة الجنب والناصب أولى أن ينجسه من غسالة الحربيّ وممازجة البول والغائط.
قوله : لا
نسلّم نجاسة مستنقع الحمّام قلنا : قد بينّا ذلك.
قوله : خبر
واحد. قلنا : نكتفي به حيث متمسّك الخصم مثله.
قوله : إمّا أن
يستند التنجيس إلى الرواية أو إلى الإجماع. قلنا : الإجماع مفقود في الطرفين عند
المصنّف بل إلى الرواية.
قوله : نمنع
سندها. قلنا : هي موجودة في كتب الأصحاب ، دائرة بينهم ، ولا نعلم لها رادّا ، ويكفي في التمسّك
في مثل هذا المقام بمثلها.
قوله : هي
معارضة بالرواية التي ذكرها. قلنا : عن ذلك أجوبة : أحدها
__________________
ترجيح هذا بطريق السند ، فانّ تلك مرسلة والرجحان
لجانب المسند. الثاني أنّها عامّة في الناس وهو يحتمل الطاهر والنجس فيكون الترجيح
لروايتنا لما عرف من وجوب تقديم الخاصّ على العام. فإن قال : لو لا النجاسة لما
كان للسؤال معنى. قلنا : قد يسأل عن الأوساخ هل تجتنب أم لا لمكان الجهالة بذلك ، فلعلّ
السائل ممّن يشتبه عنده ذلك. الثالث أنها لا تنافي ما رويناه لأنها تتضمّن رفع
اليأس عن إصابة الثوب ولا تتضمّن الاذن في الاغتسال به.
المسلك
الثالث.
لو تحقّقت
الطهارة في صورة النزاع لكانت إمّا مستندة إلى استهلاك الماءين للنجاسة ، وإمّا
إلى بلوغهما كرّا ، والقسمان منتفيان. أمّا الحصر فلأنّه لو لا أحد القسمين كانت
النجاسة باقية عملا بالمقتضي الصافي عن المصادم. وأمّا بطلان الاستهلاك ، فلأنّه
هنا عبارة عن مكاثرته حتّى تذهب عين النجاسة أو حكمها ، وكلاهما منتف ، لأنّا
نتكلّم على تقدير ثبوت الحكم والعين في الماءين قبل البلوغ وبعده ، فعند الاجتماع
لم يزد قدر الماء عمّا كان عليه ، فلا يتحقّق الاستهلاك بالكثرة ، ولا بالخاصيّة
القاهرة للنجاسة ، لأنّا نتكلّم على تقدير الانقهار السابق على البلوغ. وأمّا
بطلان استناد الطهارة إلى بلوغ الكرّ فلأنّه عبارة عن اجتماع الماءين ، فلو حصلت
الطهارة لكان إمّا لسبب ، أو لا لسبب ، والثاني باطل والّا لحصل الحادث لا عن
مؤثّر وإمّا أن يحصل من كلّ واحد من الماءين للآخر ، ويلزم منه الدور ، أو تطهير
النجس بالنجس ، أو من أحدهما ، وهو ترجيح من غير مرجّح ، وأمّا أن تحصل الطهارة من
سبب غير الماء ، وهو باطل بقول الصادق ( عليهالسلام ) الماء يطهّر ولا يطهّر .
__________________
فان قيل : لا
نسلّم الحصر فما المانع أن تكون الطهارة مستندة إلى القسمين جميعا ، أو إلى الثالث
أو إليهما مع ثالث ، أو إلى أحدهما مع ثالث. سلّمنا الحصر لكن لا نسلّم انتفاء
الاستهلاك.
قوله : قبل
الاجتماع كلّ واحد منهما نجس ، ومع الاجتماع لم يزد مقدارهما. قلنا : صحيح لكن لم
لا يجوز أن تكون خاصية الماء في دفع الخبث مستكملة عند الاجتماع ، وقاصرة عند
الانفراد ، فيتحقّق الاستهلاك وإن لم يزد المقدار ، بحصول الشرط الذي باعتباره
يستهلك الخبث.
قوله : ولا
يجوز استناد الطهارة إلى البلوغ. قلنا : ما المانع منه؟.
قوله : إمّا أن
يكون حصولهما لسبب أو لا لسبب. قلنا : لسبب.
قوله : إمّا من
كلّ واحد منهما لصاحبه وهو دور ، أو يطهر النجس بالنجس. قلنا : متى يكون دورا إذا
وقفت طهارة كلّ منهما على الآخر. أم إذا حصلتا في الوقت الواحد؟ فما المانع أن
تحصل طهارتهما بسبب البلوغ في وقت واحد فلا يلزم الدور.
قوله : في
الوجه الأخر : يلزم تطهير النجس بالنجس. قلنا : متى يلزم ذلك إذا كان أحد الماءين
مطهّرا للآخر أم إذا ارتفعت النجاسة بمضادّة البلوغ؟ ونحن نقول : إنّ البلوغ يرفع
حكم التنجيس ، لا أنّ أحدهما يطهّر بالآخر ولا يطهّر نفسه. سلّمنا ذلك ، لكن لم لا يجوز أن تكون
الطهارة مستندة إلى غير البلوغ.
قوله : يلزم
طهارة الماء بغير الماء ، وهو منفيّ بقوله ( عليهالسلام ) : الماء
__________________
يطهّر ولا يطهّر. قلنا : الرواية ضعيفة ، فإنّ الراوي لها السكوني وهو عامي
ولو صحّت روايته لكانت منافية لمسائل كثيرة اتّفق عليها فيجب إطراحها أو
تخصيصها ، ومع تطرّق التخصيص يسوغ لنا أيضا التخصيص. وبيان ذلك بصور :
الأولى : الماء
القليل إذا اتّصل بالجاري فاستهلكه طهر. الثانية : الماء القليل إذا القي عليه كرّ
من ماء طهر. الثالثة : مياه الآبار تطهر بالنزح.
ثمّ نقول : الرواية
متناقضة ، لأنّه يلزم من كون الماء مطهّرا أن يطهّر نفسه ومن كونه لا يطهّر أن لا
يطهّر.
ثمّ نقول : ما
ذكرتموه من الحجج يرجع حاصلها إلى التمسّك باستصحاب الواقع ما لم يثبت المعارض ، والمعارض
موجود ، وبيانه بالإجماع والنصّ والأثر والمعقول.
أما الإجماع
فتقريره من وجهين :
أحدهما استقراء
كتب الأصحاب ، فإنّهم بين مفت بالطهارة ، وساكت ومتردد ، وعلى
الأحوال تسلم دعوى المطهّر من المخالف ، إذ المتردّد لا فتوى
__________________
له ، والقول في طرف الساكت أظهر.
وربما قرّر
بعضهم الإجماع بحكاية كلام السيّد ونقل كلام ابن البرّاج وإيراد كلام سلّار ، ثمّ
يقول : وهؤلاء فضلاء الأصحاب ، ومن خالف معروف فيكون الحقّ في خلافه .
التقرير الثاني
: أن نقول : الأمة بين قائلين : قائل يقدّر الماء بحدّ لا ينجس معه وقائل ينفي
التقدير ، وكلّ مقدّر له بحدّ لا يفرق بين سبق النجاسة وتأخرها ، فيكون الفرق على
خلاف الإجماع.
وأمّا النصّ
فقوله تعالى ( وَيُنَزِّلُ
عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) . وقوله ( عليهالسلام ) : خلق الماء طهورا لا ينجّسه شيء إلا ما غيّر لونه
أو طعمه أو رائحته . وقوله ( عليهالسلام ) : إذا بلغ الماء كرّا لم يحمل خبثا . وهذا الخبر
متواتر متلقّى بالقبول ، والاستدلال به من وجهين : أحدهما : أنّ الماء جنس معرّف
باللام وليس هنا معهودا فهو إذا لاستغراق الجنس لما عرف. الثاني : الماء المذكور
إمّا أن يراد به الطاهر والنجس ، أو الماء لا باعتبار أحد القسمين ، لأنّ كلّ واحد
من القسمين لا إشعار في المطلق به ، وأيّهما كان لزم تناوله لصورة النزاع ، أمّا
بتقدير إرادة الأمرين فظاهر ، وأمّا بتقدير إرادة الماء من حيث هو ، فلانّ معناه
موجود في النجس فيجب ثبوت الحكم معه. لا يقال : الظاهر أنّ
__________________
البلوغ شرط لنفي الحمل ، والمشروط موقوف على الشرط ، فإذا حصل البلوغ انتفي
أن يحمل فلا يتناول نفي ما حمل ، لأنّا نقول : لا ريب أنّ البلوغ شرط لنفي الحمل ،
ويلزم انتفاء السابق والّا لكان الحمل ثابتا.
واما الأثر فما
روي عن أبي عبد الله ( عليهالسلام ) من طرق عدّة : إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء .
واما المعقول
فوجوه : الأول : لو لم تكن الكثرة رافعة للخبث السابق لما جاز استعمال الراكد مع
وجود عين النجاسة فيه حتّى يعلم سبق الطهارة ، لكن هذا اللازم باطل بالإجماع.
الثاني : لو لم
يكن الكرّ المجتمع من المياه النجسة طاهرا عند البلوغ لزم تخصيص شرط آية التيمّم ، والتخصيص
على خلاف الأصل. الثالث : لو لم يكن طاهرا عند البلوغ لكانت الكثرة غير ناهضة بدفع
الخبث الوارد ، فلا تكون الطهارة معلّقة على البلوغ ، بل وعلى ذلك السبب ، وهو
خلاف مدلول الأحاديث. الرابع : الحكم بنجاسة هذا الماء عسر ، والحكم بطهارته يسر ،
فيترجّح جانب اليسر لقوله تعالى ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ
الْيُسْرَ ) .
والجواب : قوله
: لا نسلّم الحصر ، فانّ هنا أقساما أخر. قلنا : قد بيّنا انتفاء تلك الأقسام ، فإنّه
لو لا أحد الأمرين لزم بقاء النجاسة عملا بالمقتضى السالم عن مصادمة المعارض.
فإن قال : المعارض
ممكن. قلنا : لا يجوز الوقوف مع الاحتمال ، وإلّا لزم نفي الحكم الثابت بالفرض
الموهوم. أو نقول : هذا الاحتمال منفيّ ، أمّا عندنا
__________________
فلتحقّق النجاسة ، وأمّا عند الخصم ، فلأنّ الطهارة معلّلة بأحدهما ، فيكون
ثبوته لا بأحدهما منفيا بالإجماع.
قوله : لا نسلّم
انتفاء الاستهلاك. قلنا : قد بيّنّاه.
قوله : لم لا
يجوز أن تكون قوّة الماء على دفع الخبث مشروطة بالبلوغ فالحكم يثبت معه لا قبله.
قلنا : الغرض يتمّ ، فإنّه إذا لم يكن الشرط حاصلا فقد قويت النجاسة على الماء ، فلم
يتحقّق الاستهلاك هناك وإذا كان الاستهلاك بالمكاثرة ولم يحصل بعد الاجتماع لم
تحصل الغلبة.
قوله : ما
المانع أن تحصل الطهارة هنا منهما. قلنا : قد بيّنّا ذلك.
قوله : متى
يلزم الدور إذا حصلت طهارتهما في وقت واحد أم إذا سبقت إحداها؟ قلنا : كيف كان ، فإنّ
المؤثّر متقدّم على الأثر تقدّما ذاتيّا ، فلو كانت طهارتهما منهما وقف حصول كلّ
واحد منهما على الأخرى ، أو يقال : أحدهما يطهّر الآخر وهو نجس ، لكن هذا باطل.
قوله : ما
المانع أن تكون الطهارة بالبلوغ. قلنا : البلوغ إمّا أن يكون شيئا زائدا على الماء
وإمّا أن يكون أمرا إضافيّا عرض له. ويلزم من الأوّل طهارة الماء بغير الماء. ومن
الثاني طهارة كلّ واحد من الماءين بالآخر ، أو طهارة أحدهما بالآخر وقد بيّنّا
بطلانه.
قوله : الرواية
مستندة إلى السكوني ، وهو عامّي. قلنا : هو وان كان عاميّا فهو من ثقات الرواة.
وقال شيخنا أبو جعفر رحمهالله في مواضع من كتبه : إنّ
__________________
الإماميّة مجمعة على العمل بما يرويه السكوني وعمّار ومن ماثلهما من الثقات
، ولم يقدح بالمذهب في الرواية مع اشتهار الصدق ، وكتب جماعتنا مملوّة من الفتاوى
المستندة إلى نقله ، فلتكن هذه كذلك. ثمّ الخصم يحتجّ بما هو أضعف منها.
قوله : هي
منافية لمسائل كثيرة. قلنا : لا نسلّم فإنّه لا شيء من تلك المسائل إلّا ولها وجه
تخرج به عن معارضة الرواية.
أمّا طهارة
القليل بالجاري ، فلأنّ الاستهلاك يجري مجرى الإعدام ، فلا نقول إنه يطهّر ، ولكن
إذا استهلك في الطاهر لم يبق له حكم ، فكان كالبول الذي يستهلكه الماء الجاري.
وأمّا الراكد ،
فيقع عليه كرّ ، فإنّ الكرّ الواقع لا ينجس بملاقاة النجاسة فإذا لم يتغيّر بما
يقع عليه لم ينجس. والقليل إن بقي ممتازا فهو نجس ، وإذا استهلكه الطاهر كان الحكم
للطاهر دونه.
وأمّا ماء
البئر قلنا عنه جوابان : أحدهما : أنّا لا نسلّم نجاسته ، فإنّ من الأصحاب من يوجب نزحه
تعبّدا لا تطهيرا ، فعلى هذا لا يلزم تطهير النجس. الثاني : أنّا نلزم التنجس ، ونقول
: ما المانع أن يكون تنجسه لشبهه بالراكد ، فإذا نزح ، خرج بالنزح إلى حيّز الجاري
، فاستهلك النجاسة بجريته ، فإن قال : لو كان كذلك لما اختلف مقادير النزح. قلنا :
لمّا كان المراد قوّة الجرية على النجاسة ، وكانت الأذهان تقصر عن تحقيق ذلك قرّر
الشرع من النزح ما يعلم حصول الغرض به بحسب اختلاف تأثير النجاسات.
قوله : الرواية
متناقضة. قلنا : لا نسلّم.
__________________
قوله : عموم
كونه مطهّرا يقتضي أن يطهّر نفسه ، ولا يطهّر. قلنا : يفهم من هذا كونه مطهّرا
لغيره ، كما فهم ذلك من قوله تعالى ( خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ
) في أنه لا يتناول ذاته تعالى.
والجواب عن
المعارضات : قوله : الأصحاب بين مفت بالتطهير ، وساكت ، ومتردّد ، قلنا : لا نسلّم
الحصر ، فما المانع أن يكون من الأصحاب مانع لم نقف على قوله ، فإن قال : عدم
الوقوف بعد الفحص يدلّ على عدم المخالف. قلنا : قد ثبت في العقل أنّ عدم الوجدان
لا يدلّ على عدم الوجود.
قوله : ويلزم
من انقسام الأصحاب هذا الانقسام سلامة قول المفتي عن المعارض. قلنا : لا نسلّم بل
المتردّد مانع في أحد قوليه.
قوله : المتردّد
لا فتوى له. قلنا : صحيح لكن كما ليس له فتوى بالمخالفة ليس له فتوى بالموافقة.
قوله : مع
سلامة قول المفتي عن المانع يكون إجماعا. قلنا : لا نسلّم ، وانّما يتحقّق الإجماع
حيث يعلم اتّفاق من الإمام في جملتهم ، فمن أين أن الإمام مفت بالتطهير ، أو في
أحد الأقسام الثلاثة . وربما يقول : المخالف معروف باسمه ، وهو هوس لا يستحق
الجواب. فليس الوقوف على قول المخالف والجهل بقول الباقين دليلا على المخالفة أو
الموافقة. وأمّا تعداد الفتاوى فتمسّك الضعيف ، إذ الحجّة ليست في قول الواحد
والعشرة ، بل في قول من يعلم دخول الإمام في جملتهم ، وذاك لا يتحقّق بالواحد ولا
الخمسة ولا الخمسين ، بل يكون التعداد أضرّ إذ ينقلب أنّ هؤلاء هم
القائلون دون غيرهم ، أو يحتمل ، وعلى التقديرين
__________________
لا يكون إجماعا.
قوله في
التقرير الثاني : الأمّة بين قائلين ، وكلّ من قال بالتحديد لم يفرّق بين سبق
النجاسة وتأخّرها عن البلوغ. قلنا : هذا غفول ، فإنّ كثيرا من الجمهور يفرّق بين
الحالين كأحمد بن حنبل ومن تابعه ، وكذا اختلاف فرقتنا ، وإلّا فالمناظرة على ما
ذا؟ وان ادّعى ذلك علينا فهو إذن غنيّ بهذا الإجماع عن هذا النزاع.
وأمّا
الاستدلال بالآية فالاعتراض من وجوه : أحدها : أنّ لفظة « ما » نكرة في سياق
الإثبات ، فلا تعمّ فهي تصدق ولو بصورة واحدة. الثاني : لو سلّمنا عمومها لدلّت
على الغرض بإنزال الماء ، أمّا على انقلاب ما حكم بنجاسته إلى الطهارة فلا. الثالث
: أنّ العموم معارض بالعمومات المانعة من استعمال الماء ، الذي لاقته النجاسة ، كقول
الصادق ( عليهالسلام ) في سؤر الكلب : لا تتوضّأ بفضله ، وكنهيه عن
سؤر اليهوديّ والنصرانيّ ، وعن الجرّة التي وقع فيها الدم ، وغير ذلك من
الأحاديث التي اتّفق الفقهاء على قبولها.
وأمّا الرواية المتضمّنة
لكون الماء طهورا لا ينجّسه إلا ما غيّر لونه أو طعمه أو رائحته ، فغير دالّة على
موضع النزاع ، لأنّا نتكلم على تقدير كون
__________________
الماء ينجس بملاقاة النجاسة إذا كان قليلا ولو لم يتغيّر أحد أوصافه. ثمّ
نبحث هل يطهر بالبلوغ أم لا؟ وليس بحثنا في هل هو طاهر على الأصل أم لا. فإن قال :
فمع تعارض العمومين يكون الترجيح لجانب الطهارة. قلنا : إذا حكم بتحقّق النجاسة
كفانا تطريق الاحتمال إلى الأدلّة المدّعي زوالها.
وأمّا الخبر
الذي ادّعاه عن النبي ( عليهالسلام ) فنمنعه ، لأنّا لا نعرف له أصلا ولا وقف عليه في كتاب
من كتبنا مسندا ، وغايته أن يرويه الشيخ مرسلا فتارة يقول : لقوله ( عليهالسلام ) ، وتارة : لقولهم عليهمالسلام ، وتارة لم يحمل خبثا ، وأخرى لم يحمل نجاسة ، فلا يدّعي
تواتره مع هذا الاختلاف إلّا غبيّ. والجمهور معرضون عنه لا يعمل منهم به إلّا شاذّ
، ومعتمد أكثرهم على خبر القلّتين .
قوله : هو
مقبول. قلنا : لم نعرف من أصحابنا من احتجّ به إلّا الشيخ رحمهالله والمرتضى قدّس الله روحه وبعض من تأخر عنه ، فإن كان هو
يعرف قبوله فشأنه وما يعرفه ، وأمّا نحن فلا ، ثمّ نقول : لا نسلّم دلالته على
موضع النزاع.
قوله : اللام
فيه لاستغراق الجنس. قلنا : نمنع ذلك كما هو مذهب كثير من أهل الأدب وأصحاب
الأصول. ثمّ نقول : ما المانع أن يكون معرّفا للجنس
__________________
الذي يحتمل إرادة الكلّ وإرادة البعض ، فإن تمسّك بحسن الاستفهام
والاستثناء ، لم يكن فيه دلالة على ارتفاع الاحتمال فإنّ الاستثناء قد يكفي فيه
احتمال التناول فمن أين وجوب التناول.
ولو سلّمنا أنّ
الاستثناء يدلّ على وجوب التناول ، لما كان دالا على وجوب التناول ، وإن تجرّد عن
الاستثناء ، وهذا لأنّ الجنس يحتمل أن يراد به كلّ أنواعه والمعظم والأقل. فإن
انضمّ الاستثناء دلّ على إرادة ما يجب دخول الاستثناء تحته ، وكذا إذا وصف بالجمع
، ولو وصف بالواحد دلّ على إرادة الفرد ، فيكون في كلّ واحدة من الحالتين حقيقة ، فإذا
جرّده بقي دالا على الجنسية المحضة المجرّدة عن الإشعار بالقلّة أو الكثرة.
سلّمنا أنّ
المراد به استغراق الجنس ، لكن لفظ الجنس إذا استغرق استوعب الأفراد التي يقوّمها
الجنس ، ولا يدلّ على العوارض ، والتنجيس مستندا إلى سببه الخارج عن حقيقة الماء ،
فلفظة « الماء » حينئذ تتناوله باعتبار كونه ماء لا باعتبار كونه نجسا ، والدليل
المانع يتناوله باعتبار كونه نجسا ، فيكون الدليل المانع من استعماله دالّا على
المنع باعتبار ذلك القيد ، والعموم الدالّ على عدم احتمال النجاسة دالّا عليه
مطلقا ، فيكون الترجيح لجانب الدليل المقيّد أو تساوي الاحتمالان فتبطل دلالة
الحديث.
وأما الأثر فهو
غير دالّ على موضع النزاع لأنّ مضمونه منع التنجيس ، وهو جعله نجسا ، والحكم
المستدام ليس تنجيسا ، لأنّ « فعّل » هذا فائدته هنا ، كقولك عمّمت زيدا أي جعلته
معتمّا ، وكذا سقّفت البيت ، فلو حلف لا سقّفت بيتا إن قدم زيد ، لم يحنث لو سقّفه
قبل قدومه واستبقاه بعد قدومه. وينبغي أن يكون البحث عن مدلول هذه الرواية ، فإن
دلّت على رفع النجاسة السابقة جزما كانت حجّة كافية ، وإلّا وجب البقاء على أصل
النجاسة ، لكنّها غير دالّة ، إذ أحسن أحوالها أن تكون محتملة لا قاطعة.
وأمّا المعقول
فنقول قوله : لو كانت النجاسة المتقدّمة مانعة من الاستعمال لم يجز استعمال ما
يشاهد فيه نجاسة ولو كان كثيرا إلّا بعد العلم بسبق الطهارة على ورودها عليه. قلنا
: لا نسلّم الملازمة ، وهذا لأنّ الماء في الأصل على الطهارة فلا يعدل عن الأصل
إلّا مع يقين النجاسة بناء على اليقين السابق. ولمّا كان وقوعها سابقا ولا حقا
محتملا ، كان التنجيس غير متيقّن وسبق الطهارة متيقّنا.
وأما قوله : لو
لم يطهّر الكرّ المجتمع من النجاسات لما كانت الكرّية مطهّرة. قلنا : والأمر كذلك.
قوله : فلا
تكون مانعة للنجاسة مع تقدّم الطهارة. قلنا : لا نسلّم وهذا لأنّ الشرط في دفعه
للنجاسة بقاء قوّته سليمة عن الانقهار بالنجاسة ، ولعلّ ذلك مملوح في قوله ( عليهالسلام ) : إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء .
قوله : الحكم
بالطهارة يسر ، وبالنجاسة عسر. قلنا : هو مخصوص بالعموم المتّفق عليه الدالّ على
وجوب الامتناع من الماء النجس ، ونحن نتكلّم على تقدير كونه نجسا. ثمّ نقول : هذا
العموم معارض بقوله ( عليهالسلام ) : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك .
__________________
المسألة الثانية في اعتبار النيّة في الطهارة.
لم أقف على قول
لقدماء الأصحاب ، ولا على نصّ من الأئمة عليهمالسلام دالّ بالتعيين على اعتبار النيّة في صحّة الطهارة ، لكن
السيّد المرتضى وشيخنا أبو جعفر ومن تابعهما رضوان الله عليهم اعتبروا ذلك وعليه
أعمل .
ويدلّ على ذلك
النصّ والأثر والمعقول.
أما النصّ
فوجهان :
الأول : قوله
تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى
الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) . وتقدير الكلام : فاغسلوا هذه الأعضاء للصلاة ، لأنّ
هذا هو المعروف من قولك : إذا لقيت العدوّ فخذ سلاحك ، وإذا لقيت الأمير فخذ أهبتك
، بمعنى خذ السلاح للعدوّ والأهبة للأمير ، فيكون حقيقة في هذا المعنى دفعا
للاشتراك والتجوّز.
الثاني : قوله
تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلّا
لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) . والطهارة من الدين ، أمّا أوّلا : فلقوله ( عليهالسلام ) : الوضوء شرط الإيمان ، وقوله ( عليهالسلام ) : وضوءك من صلاتك فلا تشرك فيه أحدا غيرك. وأما ثانيا
:
__________________
فلأنّ الدين هو إمّا من الشأن والعادة. ولا ريب أنّ الوضوء ليس من عادة
العرف ، بل هو من عادة الشرع وشأنه ، وإمّا من دانه يدينه أي أذلّه وأستعبده ، والوضوء
بهذه الصفة فيكون داخلا في الاسم.
وأمّا الأثر
فما روي عن أمير المؤمنين ( عليهالسلام ) : أنّه سئل عن رجل اغتسل للجنابة ولم ينو ، قال : يعيد
الغسل .
وأما المعقول
فوجهان :
الأول : أن
الوضوء عبادة لا يتعيّن للمقصود بها بنفسها ، فوجب تعينها بالنيّة. أمّا أنه عبادة
فلوجهين : أحدهما : ما رواه الوشاء قال : دنوت لأصبّ على يد الرضا ( عليهالسلام ) فنهاني وقال ها أنا ذا أتوضأ للصلاة وهي العبادة
واكره أن يشركني فيها أحد . والثاني : أنّ العبادة مشتقّة من التعبّد وهو التذلّل
، لوجود هذا المعنى في جملة موارد استعمال هذه اللفظة ، والطهارة
كذلك فتجعل حقيقة فيها. وأمّا أنّها لا تتعيّن للمقصود بنفسها ، فلأنّ المقصود بها
الصلاة والقربة ، وصورة الطهارة كما تحمل إرادة ذلك تحمل إرادة التبرّد وإزالة
الخبث وأماله الدرن ، فلا تختصّ بإزالة الحدث إلّا بالنيّة.
والوجه الثاني
: أن نقول : لو صحّ الوضوء من غير نيّة لزم أحد الأمرين :
__________________
إمّا تخصيص العموم أو حصول الأجر من غير نيّة والقسمان باطلان.
أمّا الملازمة
فلأنّ بتقدير أن لا ينوي فإمّا أن يؤجر وإمّا أن لا يؤجر ، فإن أجر لزم حصول الأجر
من غير نيّة. وإن لم يؤجر ، لزم تخصيص قوله ( عليهالسلام ) : من توضّأ مرّة آتاه الله الأجر مرّة ، ومن توضّأ
مرّتين آتاه الله الأجر مرّتين ، وقوله ( عليهالسلام ) : أمّتي الغرّ المحجّلون من آثار الوضوء .
وأما بطلان
القسمين ، فلأنّ الأجر من غير نيّة منفيّ بالاتّفاق ، ولقوله ( عليهالسلام ) : إنما الأعمال بالنيّات ، وأمّا
التخصيص فلأنّه خلاف الأصل ، وأنّ ارتكابه تكثير لمخالفة الدليل.
فإن قيل : لا
نسلّم أنّ المراد افعلوا هذه الأفعال للصلاة. بل لم لا يجوز أن يكون المعنى : افعلوا
هذه الأفعال على وجه يصحّ الدخول في الصلاة ، كما أنّ التأهّب للعدوّ أن يفعل ما
يصحّ معه لقاء العدوّ ولا يلزم أن يقصد إلى فعله لذلك.
سلّمنا أنّه
يدلّ على الأمر بفعل هذه الأفعال للصلاة ، لكن لا نسلّم أنّ ذلك يقتضي إحضار
النيّة عند فعلها ، ويجري ذلك مجرى أن يقول : أعط الحاجب درهما ليأذن لك ، فإنّه
يكفي إعطاؤه في التوسّل إلى الإذن ، ولا يشترط إحضار النيّة وقت العطيّة ، فما
المانع أن تكون الطهارة كذلك.
قوله في تقرير النصّ
: الثاني : الطهارة من الدين. قلنا : لا نسلّم ،
__________________
واستدلاله بالرواية ضعيف ، إذ ليست أزيد من كونها خبر واحد ، وهو غير مفيد
لليقين. ولو سلّمناه لكان غايته أنّ الطهارة جزء من الإيمان ، ولا يلزم أن يكون
جزء الدين دينا. سلّمنا أنّ الطهارة من الدين ، ولكن الإخلاص يلزم في الدين كلّه
بما هو دين ، أو في كلّ جزء؟. الأوّل مسلّم ، والثاني ممنوع فما الدليل عليه؟ سلّمنا
أنّ الإخلاص واجب في كلّ جزء ، لكنّ الإخلاص ضدّ الإشراك ، والشرك هو أن توجّه
العبادة إلى اثنين بحيث تشركهما فيها ، فيكون الأمر بالإخلاص أمرا بإطراح الشرك ، فيكفي
أن لا يشرك غيره سبحانه في فعلها. سلّمنا أنّه يجب توجيه الطهارة إلى الله سبحانه
، لكن لا نسلّم وجوب نيّة فعلها للصلاة ، فإنّ الإخلاص يتحقّق من دون ذلك. سلّمنا
أنّ الإخلاص واجب في الطهارة ، لكن لا نسلّم أنّ الإخلال به مبطل لها ، فلا بد
لهذا من دليل.
وأما الأثر
فنحن ننكر ثبوت هذه الرواية ، غاية ما في الباب أن يوردها بعض الأصحاب مرسلة ، والخبر
المسند غير حجّة فما ظنّك بالمرسل.
وأمّا الاعتراض
على الوجه الأوّل من المعقول فهو أن نقول : لا نسلّم أنّ الوضوء عبادة بمعنى أنّه
لا يقع إلّا عبادة ، أمّا بمعنى أنّه يصحّ أن يقع عبادة إذا نوى التقرّب وغير
عبادة إذا لم ينو فمسلّم ، لكن هذا لا ينفع المستدلّ. والرواية التي ذكرها يحتمل
رجوع الضمير فيها إلى الصلاة ، لأنّه أقرب المذكورين.
قوله : العبادة
مشتقّة من التعبّد وهو التذلّل ، والوضوء كذلك. قلنا : لا نسلّم إذا الوضوء قد
يكون تذلّلا كما إذا نوى التقرّب ، وقد لا يكون كذلك إذا فعل للتبرّد أو اتفاقا أو
لا لنيّة الامتثال ، ونحن نتكلّم على هذا التقدير.
قوله : لا تتعيّن
الطهارة للمقصود بنفسها. قلنا : لا نسلّم ، فإنّ القصد بها جواز الدخول في الصلاة
وكيف وقعت حصل الجواز ، فإن منع فهو أوّل المسألة.
قوله في الوجه
الثاني : بتقدير أن لا ينوي فإمّا أن يؤجر وإمّا أن لا يؤجر.
قلنا : ما المانع أن يؤجر.
قوله : منفيّ
بالاتّفاق. قلنا : نحن نمنع ، لأنّ الأجر أعمّ من الثواب ، فلئن امتنع حصول الثواب
مع التجرّد عن النيّة ، فإنّا لا نمنع حصول عوض ومجازاة مجرّدة عن التعظيم ، يسمّى أجرا
، فما المانع منه؟.
وأما الاستدلال
بقوله : إنّما الأعمال بالنيّات ، فجوابه المطالبة بتصحيح الرواية ، فإنّا لم نقف
عليها إلّا مرسلة أو مسندة إلى مخالف في العقيدة
ولو سلّمناها
فإنّا نمنع دلالتها ، فإن قال : « إنّما » حاصرة ، فلا يثبت عمل من دون نيّة ، لأنّ
الصحابة عرفت معناها من قوله ( عليهالسلام ) : إنّما الماء من الماء وعرفه ابن
عبّاس من قوله ( عليهالسلام ) : إنّما الربا في النسيئة . قلنا : هذا
معارض بقوله تعالى ( إِنَّما يَخْشَى
اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) . وبقول العرف : إنّما السخاء لحاتم ، وليس مجازا ، لأنّ
الأصل عدم التجوّز ، فيكون حقيقة. سلّمنا أنّها للحصر ، ولكن لا نسلّم دلالتها على
موضع النزاع ، لأنّه غاية ما يدلّ
__________________
على انحصار الأعمال في النيّات ، بحيث لو تجرّدت لم يكن عملا ، لكن هذا
محال ، وإذا لم يكن الظاهر مرادا والمجاز متعدّد ، فليس بعضه بالإرادة أولى من بعض
، فيصير في حيّز المجمل. سلّمنا أنّه يدلّ على وجوب النيّة ، لكن ليس في الحديث ما
يدلّ على النيّة المطلوبة ، فما المانع أن ينوي التبرّد فيقع له ، وتستباح به
الصلاة ، فلا يكون دالا على النيّة المطلوبة لكم ثمّ هو منقوض بغسل الثياب
والأبدان من الأخباث وتطهير الأواني ، فإنّها أعمال ويحصل المراد مع غسلها وإن
تجرّدت عن النيّة. ثمّ نقول : لو افتقرت الأعمال إلى النيّة لافتقرت النيّة إلى
مثلها ، ضرورة كونها عملا. سلّمنا أنّه لا يؤجر ، قوله : يلزم تخصيص قوله ( عليهالسلام ) : من توضّأ مرّة آتاه الله الأجر مرّة. قلنا : هذا
حقّ ، لكن يلزم من عدم التخصيص إدخال النيّة في مسمّى الوضوء ، وهو غير معروف من
اللغة ، فيكون أيضا تخصيصا أو نقلا.
ثمّ ما ذكرتموه
من الحجج معارض باستقبال القبلة وستر العورة ، فإنّ حججكم تستمرّ ، ولا يشترط فيه (
فيهما ظ ) النيّة.
والجواب
:
قوله : فلم لا
يجوز أن يكون المعنى : افعلوا هذه الأفعال للصلاة ، بمعنى : افعلوها على وجه يصحّ
الدخول في الصلاة ، لا بمعنى القصد بها للصلاة ، قلنا : لو صحّ ذلك من دون القصد
اكتفاء بالصحّة ، لصحّ أن يقال : أكل للمرض ، وسافر للخسارة ، لأنّ كلّ ذلك صالح
لكن لا يقال ذلك مع انفراد الصلاحيّة عن القصد.
قوله : سلّمنا
أنّه أمر بالطهارة للصلاة ، لكن لا نسلّم أنّ ذلك يقتضي إحضار النيّة كقوله : أعط
الحاجب ليدخلك ، فإنّ العطيّة تحصل كيف كان. قلنا : نمنع حصول الامتثال هنا مع
تجرّد العطيّة عن النيّة.
قوله على الوجه
الثاني : لا نسلّم الوضوء من الدين. قلنا : قد بيّنا ذلك.
قوله : الرواية
خبر واحد. قلنا : حقّ ، لكنّا نكتفي بمثله في الفتاوى الفقهيّة ، على أنّا قد
بيّنا ذلك بوجه آخر.
قوله : لو صحّ
الخبر دلّ على أنّ الوضوء من الإيمان ، ولا يلزم من كون الإيمان دينا أن يكون جزؤه
دينا. قلنا : الإيمان جنس معناه التصديق ، فإذا كانت جملته دينا لما فيه من معنى
التذلّل ، أو لكونه عادة للشرع وشأنا فالوضوء كذلك ، فجرى مجرى الماء والتراب في
وقوعه على الجملة والجزء.
قوله : الإخلاص
يلزم في كلّ الدين أو بعضه. قلنا : في كلّه وبعضه ، وذلك لأنّ الدين مجموع أجزاء ،
فلا بدّ في قصد الإخلاص به من نيّة لمجموعه أو لكلّ جزء منه. وكيف ما كان افتقر
الجزء إلى نيّة أمّا بانفراده أو بانضيافه.
قوله : الإخلاص
ضدّ الإشراك ، فيكون الأمر به أمرا باطراح الإشراك. قلنا : لا نسلّم ، وهذا لأنّ
بين الإخلاص والإشراك واسطة ، وهو التخلّي من كلّ واحد منهما ، فلا يكون مطرح
الإخلاص مشركا.
قوله : سلّمنا
وجوب توجيه الطهارة إلى الله تعالى ، فلم قلتم بوجوب فعلها للصلاة؟ قلنا : لأنّ
المتقرّب بها إنّما يتقرّب بالوجه الذي لأجله وجبت ، وهو كون الطهارة وسيلة إلى
الصلاة ، فالآتي بنيّة القرب لا ينفكّ عن نيّة الصلاة.
قوله : سلّمنا
أنّ الإخلاص واجب ، لكن لا نسلّم أنّ الإخلاص به مبطل للطهارة. قلنا : يبرهن ذلك
بالإجماع ، إذ لا قائل بالفرق.
قوله : في
الاعتراض على الأثر : نحن ننكر ثبوت هذه الرواية. قلنا : قد رواها المرتضى والشيخ
وجماعة من فقهائنا ، ونحن نحسن الظنّ بنقلهم ، لما عرف من أمانتهم وفضلهم ، خصوصا
ولم نجد له منكرا من الأصحاب.
قوله : لا
نسلّم أنّ الوضوء عبادة. بمعنى أن لا يقع إلّا عبادة ، بل يصحّ أن يقع عبادة وغير
عبادة. قلنا : قد بيّنا ذلك بالرواية.
قوله : الرواية
يحتمل رجوع الضمير فيها إلى الصلاة ، لأنّه أقرب المذكورين. قلنا : منعه
أن يصبّ الماء وتعليله ذلك بكراهته أن يشركه في العبادة أحد ينفي هذا الاحتمال.
وإنّما كنّي عن الوضوء بكناية التأنيث ، لأنّه سمّاه عبادة ، أو لأنّه في معنى
الطهارة.
قوله : لا نسلّم
كون الوضوء تذلّلا بتقدير أن لا ينوي التقرّب. قلنا : قصدنا أن نبيّن أنّ الشرع
وضعه للتذلّل والامتثال ، والفاعل له يقصد ذلك ، وهذا يكفي في تسميته تذلّلا
وعبادة.
قوله : لا
نسلّم أن لا يتعيّن للمقصود به إلّا بالنيّة. قلنا : هذا معلوم فإنّ صورة الوضوء
عبادة مساو لصورته غير عبادة ، فلا يتعيّن عبادة إلّا بالنيّة.
قوله : ما
المانع أن يؤجر. قلنا : قد بيّناه.
قوله : نحن
نمنع ذلك ، فإنّ الأجر أعمّ من الثواب ، والمتّفق عليه منع الثواب لا غيره من
الأجور. قلنا : هذا منفيّ بالإجماع ، فإنّ من قرنه بالنيّة جعل أجره الثواب ، ومن
جرّده لم يجعل له أجرا ، أمّا عندنا فلعدم الصحّة ، وأمّا عندهم فلعدم النيّة.
قوله : لم تثبت
رواية « إنّما الأعمال بالنيّات ». قلنا : قد ذكرها جماعة من أصحابنا ، ولم أعرف من
فقهائنا من ردّها ولا طعن فيها ، فجرت مجرى
__________________
الأخبار المقبولة. على أنّه يمكننا الاستغناء عنها بالاتّفاق على عدم
الثواب مع عدم النيّة.
قوله : لا
نسلّم كون « إنّما » للحصر. قلنا : قد بيّنا ذلك.
قوله : ما
ذكرتموه معارض بقوله تعالى ( إِنَّما يَخْشَى
اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) وقول العرب : « إنّما السخاء لحاتم ». قلنا : هذا
مبالغة وتجوّز ، لعدم الاطّراد في استعماله كذلك. ولكون معناه لا يفهم إلّا
بالقرينة.
قوله : لو صحّت
الرواية لدلّت على ارتفاع العمل ، ولم يرتفع ، فيكون المراد مجملا. قلنا : إذا
تناول اللفظ رفع الذات ، ولم يرتفع ، ارتفع حكمها ، لأنّه أقرب المجازات.
قوله : ليس
تقدير شيء أولى من شيء. قلنا : نمنع التساوي ، ونقول : الأولويّة ظاهرة ، وهو
حمله على المجاز القريب ، وهو رفع الحكم أو القبول دفعا للإجمال.
قوله : لا
نسلّم دلالته على النيّة المطلوبة. قلنا : إذا ثبت وجوب النيّة أوجبنا النيّة
المتّفق عليها ، وهي نيّة القربة.
قوله : ما
ذكرتموه من الحج منقوض بإزالة النجاسات عن الثياب والبدن وغسل الأواني ، فإنّه
يحصل بدون النيّة. قلنا : عنه جوابان : أحدهما : التزام التسوية كما هو مذهب أبي
الصلاح رحمهالله . والثاني : إبداء الفارق ، وهو إنّ
__________________
إزالة النجاسات الحسّية يكفي في طهارة محلّها إزالتها ، والإزالة تحصل مع
النيّة وعدمها ، والطهارات الحكمية يتوقّف رفعها على تدبير الشرع كما توقّف ثبوتها
على تقريره.
قوله : لو
افتقرت الأعمال إلى النيّة ، افتقرت النيّة إلى نيّة. قلنا : الظاهر في استعمال
لفظة « الأعمال » إرادة الأفعال البدنيّة ، ولهذا فرّق النبيّ ( عليهالسلام ) في قوله : نيّة المؤمن خير من عمله .
قوله : ما
المانع أن لا يؤجر. قلنا : لعموم قوله ( عليهالسلام ) : من توضّأ مرّة آتاه الله الأجر مرّة .
قوله : لو
اعتبرنا النيّة لزم التخصيص أيضا ، إذ هو في اللغة للوضاءة فلو اشترطنا النيّة لزم
التخصيص أو النقل. قلنا : أمّا تخصيصه عن الإطلاق اللغوي بعرف الشرع فلا محيد عنه
، فإنّه كان لمطلق الوضاءة واختصّ بعرف الشرع بأفعال مخصوصة ، فقد حصل التخصيص بالوضع
الشرعي اتّفاقا ، فليتوقّ التخصيص الآخر.
قوله : ما
ذكرتموه منقوض باستقبال القبلة وستر العورة ، فإنّ الشرع أمر بهما لأجل الصلاة ، ولم
يعتبر فيهما النيّة. قلنا : لا نسلّم ، بل لا بدّ فيهما من النيّة ، لكن لمّا كانا
من أفعال الصلاة المقارنة كفت فيهما نيّة الصلاة ، إذ كانا كجزء منها.
__________________
المسألة الثالثة في وجوب المسح على الرجلين.
وهو متعيّن في
الوضوء ، وقد كان في الصحابة من يقول به كابن عباس وأنس ، وفي التابعين مثل عكرمة
والشعبي ، وفي الجمهور من خيّر كالحسن البصري وابن جرير الطبري والجبائي .
لنا النصّ
والأثر والمعقول.
أمّا النصّ
فوجوه : الأول قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى
الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا
بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) . وعطف اليدين على الوجه موجب لاشتراكهما في الغسل ، فيكون
عطف الرجلين على الرأس كذلك عملا بمقتضى العطف. أو نقول لو كان المراد في الآية
الغسل ، لزم إمّا الإضمار أو الإبهام ، وهما على خلاف الأصل. أمّا الملازمة ، فلأنّ
العامل في نصب الرجلين إمّا ظاهر وإمّا مقدّر ، والثاني إضمار ، والظاهر إمّا لفظة
: اغسلوا أو امسحوا فإذا لم يكن الإعمال لامسحوا ، لزم احتمال إعمال العاملين ، إذ
ليس الأبعد أولى من الأقرب ، وهو إبهام. فثبت أنّه يلزم من إرادة الغسل أحد
الأمرين ، وكلاهما منفيّ بالأصل.
النصّ الثاني
ما روي عن علي [ عليهالسلام ] وعن ابن عباس رضياللهعنه أنّه [ صلىاللهعليهوآله ] توضّأ ومسح قدميه ونعليه . وفي رواية
وفيها
__________________
النعل .
الثالث ما رواه
زرارة عن الباقر ( عليهالسلام ) ، إنّه وصف وضوء رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : ثمّ مسح برأسه وقدميه .
وأمّا الأثر
فما روي عن علي ( عليهالسلام ) إنّه قال : كتاب الله المسح ، ويأبى الناس إلّا الغسل
.
ومثله عن ابن
عباس : أنّه مسحتان وغسلتان .
والمرويّ عن
أهل البيت عليهمالسلام كثير. فمنه ما رواه أبو غالب ابن هذيل عن أبي جعفر ( عليهالسلام ) قال : سألته عن المسح على الرجلين فقال :
هو الذي نزل به
جبرئيل ( عليهالسلام ) .
وعن جعفر بن
محمّد عليهماالسلام قال : يأتي على الرجل الستّون والسبعون ما قبل الله منه
صلاة واحدة ، قلت : كيف ذلك؟ قال : لأنّه يغسل ما أمر الله بمسحه .
وروى الحلبي
عنه ( عليهالسلام ) إنّه قال : امسح على مقدّم رأسك وعلى القدمين .
__________________
وعن أحمد بن
محمّد بن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن المسح على القدمين ، فوضع كفّيه على الأصابع ثمّ
مسحهما إلى الكعبين .
وعنه ( عليهالسلام ) إنّه قال : الوضوء المسح ولا يجب فيه إلّا ذاك .
وعنه ( عليهالسلام ) : في كتاب الله في وضوء الفريضة المسح ، والغسل
للتنظيف .
وأمّا المعقول
فنقول : فريضة عامّة ، فلو تعيّن فيها الغسل لما خفي عن أعيان الصحابة ، والمخالفة
ثابتة كخلاف ابن عبّاس وأنس وعليّ عليهالسلام ، فالتعيين منتف.
لا يقال : هذه
النكتة مقلوبة ، إذ لو تعيّن فيه المسح لما خالف بعض الصحابة.
قلنا : عنه
جوابان : أحدهما أنّ المخالف ربما يكون قد اعتقد أنّ الغسل أسبغ وأنّ المسح يدخل
فيه ، فاستعمله ندبا واستمرّ فاشتبه المقصود ، وهذا غير بعيد ، ولهذا ذهب جماعة
إلى التخيير. أو يكون النبيّ صلىاللهعليهوآله غسل رجليه تطهيرا من نجاسة عينيّة عقيب الوضوء ، فظنّ
بعض الصحابة ذلك لرفع الحدث ، وقوي ذلك في ظنّه فاجتزأ به عن السؤال ، واستمرّت
حاله فيه. وليس
__________________
كذلك المسح ، لأنّه لا يحصل فيه الاحتمال المذكور. الثاني أن نسلّم تساوي
الاحتمالين ، ونقول : إذا اشتبه على الصحابة ما فعله النبيّ عليهالسلام حتّى اختلفوا فيه طائفتين ، فلأن يستمرّ الاشتباه على
غيرهم أولى ، فتكون دلالة الآية حينئذ سليمة عن معارضة فعل النبيّ صلىاللهعليهوآله.
فان قيل : لا
نسلّم أنّ خفض الأرجل بالعطف على الرءوس ، ولم لا يجوز أن يكون بالمجاورة وإن كان
معطوفا على الأيدي ، كما قيل « جحر ضبّ خرب » وهو صفة الجحر ، وكقوله : « كبير
أناس في بجاد مزمل » وهو صفة الكبير ، فلا يلزم مساواته لحكم الرأس. سلّمنا
أنّه معطوف على الرءوس فلم لا يجوز أن يراد بالمسح الغسل ، لأنّه قد يستعمل في
إرادة الغسل الخفيف ، ولهذا يقال : تمسّحت للصلاة ، وكذا قيل في تفسير قوله تعالى ( فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ ) . سلّمنا أن قراءة الخفض تقتضي المسح لكن قراءة النصب
تقتضي الغسل ، فيلزم إمّا التخيير أو العمل بالغسل توفيقا بين القراءة ونقل
الكيفيّة. ثمّ نقول : ما المانع أن ننزّل قراءة الخفض على مسح الخفّين وقراءة
النصب على غسل الرجلين.
فإن قلت : قراءة
النصب تدلّ أيضا على المسح ، لأنّ العطف قد يكون على الموضع كما يكون على اللفظ
كقوله : « فلسنا بالجبال ولا الحديدا » .
__________________
قلنا : ذلك
مجاز فلا يصار إليه. ولو سلّمنا أنّه حقيقة ، لكن كما يحتمل حمله على الموضع ، يحتمل
حمله على اللفظ ، فليس حمله على أحدهما أولى من الآخر ، فيعود في حيّز المجمل ، فلا
يكون دالّا على موضع النزاع.
فإن قال : عطفه
على الموضع أولى ، لأنّ فيه إعمالا لأقرب المذكورين وهو أقيس ، كقوله تعالى ( وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ
لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً ) ، وكقوله تعالى ( آتُونِي أُفْرِغْ
عَلَيْهِ قِطْراً ) ، وكقول الشاعر : قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه .
قلنا : كما
اعمل الثاني اعمل الأوّل ، فلا نسلّم أنّ إعمال الأخير أولى ، وإن اصطلح عليه نحاة
البصرة ، لوجوده في شعر الفحول من العرب كقول امرئ القيس : « كفاني ولم أطلب قليل
من المال » فاعمل الأوّل.
ثمّ نقول : عطف
الرجلين على اليدين أرجح لأنّ اليدين لهما حدّ في الغسل ، فإذا عطف عليهما الرجلان
كان عطفا لمحدود على محدود نظرا إلى التماثل أو نقول : لمّا كانت الاحتمالات
متساوية كان الترجيح لجانب الغسل ، لأنّ يدخل فيه المسح فيكون الآتي به جامعا بين
الاحتمالين.
ثمّ ما ذكرتموه
من الحجج معارض بالمنقول والإجماع والمعقول. أمّا المنقول فما روي عن عائشة وأبي
هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : ويل للأعقاب من النار . وقوله عليهالسلام وقد سئل عن الوضوء فقال : أسبغ
__________________
الوضوء وخلّل الأصابع . وما روي عنه عليهالسلام إنّه توضّأ مرّة مرّة وغسل رجليه .
وأمّا الإجماع
فإنّ أئمة الجمهور الأربعة يفتون بوجوبه.
وأمّا المعقول
فنقول : لو كان الفرض غير الغسل لكان النبيّ صلىاللهعليهوآله يفعله دائما ، ولو كان كذلك لما اختصت الشيعة به ، ولكان
إمّا متّفقا عليه أو مختلفا فيه اختلافا ظاهرا بين الصحابة ، لاستحالة اتّفاق
الصحابة على المعاندة خصوصا فيما لا غرض فيه.
والجواب
:
قوله : لا
نسلّم أنّ الخفض بالعطف على الرءوس ، ولم لا يكون بالمجاورة وإن كان حقّه النصب
عطفا على الأيدي ، كقولهم : جحر ضبّ خرب. قلنا : الإعراب بالمجاورة نادر ، قصره
أهل الأدب على موارده ، فلا يقاس عليه. على أنّ فضلاء النحاة أنكروا الإعراب
بالمجاورة أصلا ، وتأوّلوا المواضع التي توهّم ذلك فيها بما اقتضى ردّه إلى وجوب
من الإعراب مطابقة لأصولهم. ولو سلّمنا إعراب المجاورة وجواز القياس ، لوجوب
اشتراط زوال اللبس ، وهنا يحصل الالتباس ، فلا يستعمل المجاورة لفوات شرط
استعمالها. ثمّ يجب اشتراط تجرّدها
__________________
عن العطف كما تجرّد المقيس عليه في الصور المنقولة.
لا يقال : هذا
القول باطل لقوله تعالى ( يَطُوفُ عَلَيْهِمْ
وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ ) ـ إلى قوله ـ ( وَحُورٌ عِينٌ ) بالخفض في قراءة حمزة والكسائي ، ولا وجه له إلّا
المجاورة ، لأنّ الحور يطفن ولا يطاف بهنّ. ولقول الشاعر : « لم يبق إلّا أسير غير
منفلت وموثق » فخفض بالمجاورة مع واو العطف.
قلنا : لا
نسلّم خفض حور بالمجاورة ، بل ما المانع أن يكون عطفا على قوله ( فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ ) على تقدير حذف المضاف ، وهو مقارنة حور عين. وأمّا البيت
، فمن الجائز أن يكون موثق معطوفا على موضع أسير ، بأن يقدّر « إلّا » بمعنى « غير
» فكأنّه قال : غير أسير. ومع هذا الاحتمال لا يثبت ما ادّعوه.
قوله : لم لا
يجوز أن يراد بالمسح الغسل. قلنا : العرف الشرعي فارق بينهما ، ضرورة أنّه تعالى
فرّق في الأعضاء فجعل بعضها مغسولا ، وبعضها ممسوحا. على أنّا نجعل حكم الأرجل حكم
الرأس في اختصاصه بالمسح ، وأحد لا يوجب غسل الرأس.
ولو قالوا : الغسل
يشمل على المسح ، لأنّه مسح وزيادة. قلنا : لا نسلّم أنّ كلّ مشتمل على شيء يسمّى
باسم ما هو داخل تحته. فانّ السكنجبين مشتمل على السكّر والخلّ ، ولا يسمّى
بأحدهما. فأمّا قوله : تمسّحت للصلاة ، فلأنّ في الطهارة مسحا فكنّى عنها ببعض
أفعالها كما يقال : تغسّلت لها ، وكأنّه يريد الاختصار كي لا يطول بذكر المسح
والغسل.
__________________
وأما الآية . قلنا أن نمنع
ذلك التفسير ، لأنّ فيها احتمالا لغيره. ولو سلّم لكان مجازا.
قوله : قراءة
النصب تقتضي الغسل. قلنا : لا نسلّم ، فإنّ العطف على الموضع مستمرّ في الاستعمال
، معروف بين أهل اللسان.
قوله : ننزّل
الخفض على مسح الخفّين. قلنا : المسح في الآية متناول للأرجل ، والخفّ لا يسمّى
رجلا حقيقة.
قوله : إذا لم
يكن بين عطفه على اللفظ وعطفه على الموضع أولويّة صار الدليل محتملا. قلنا : ما
ذكرناه أرجح ، لأنّ قراءة الخفض لا تحتمل إلّا المسح ، وقراءة النصب تحتمل الأمرين
، فيكون المصير إلى ما دلّ عليه الخفض أولى تحصيلا لفائدتي القراءتين ، ولأنّ فيه
إعمالا لأقرب المذكورين ، وهو أولى باتّفاق أهل الأدب.
قوله في
الاعتراض : قد جاء إعمال الأوّل. قلنا : غير مستحسن ولا مطّرد فإنّك لو قلت : أكرمت
زيدا وأهنت عمرا وخالدا ، سبق إلى الأذهان دخول خالد في الإهانة ، وسبق أذهان أهل
اللسان إلى الشيء دليل على رجحان فائدته.
قوله : ومع
التساوي يكون ما ذكرناه أرجح. قلنا : قد بيّنا عدم التساوي.
قوله : إذا عطف
الأرجل على الأيدي كان عطف محدود على محدود ، فيكون أنسب ببلاغة الكلام. قلنا : هذا
ليس بمعتبر ، لأنّ الأيدي معطوفة على الوجوه مع عدم التحديد اللفظي.
ثمّ نقول : ولو
عطفت الأرجل على الرءوس وأحدهما غير محدود ، كما عطفت الأيدي على الوجوه وأحدهما
غير محدود ، كانت المناسبة ثابتة ، بل أتمّ ،
__________________
إذ تحصل فيها مناسبتان.
قوله : الغسل
يدخل فيه المسح ، فيكون أولى. قلنا : قد بيّنا أنّ كلّ واحد منهما حقيقة منفردة ، فلا
يدخل أحدهما في الآخر.
أمّا الجواب : عن
المعارضة فنقول : أمّا خبر عائشة فغايته الإخبار بحصول الويل للأعقاب ، وليس السبب
بمعلوم ، فالمراد غير مفهوم. ولو سلّمنا العلم بالسبب المقتضي للتوعّد ، لكنّا لا
نعلم ممّا ذا يحصل الأمان لها ، فلعلّ ذلك بغير الغسل. ومن المحتمل أن يريد
الأعقاب التي تلاقى بها النجاسات ثمّ لا تغسل.
وأمّا الأمر
بإسباغ الوضوء ، فالمراد إكماله وإتمامه ، من قولهم : « درع سابغ » ، فلا دلالة
فيه على غسل الأرجل ولا على مسحها ، والإسباغ يتحقّق في مسح الرأس وإن لم يكن غسلا
، فما المانع أن يكون الحال كذلك في الأرجل.
وأمّا كونه عليهالسلام توضّأ وغسل رجليه فلا نسلّم أنّ الغسل المذكور من جملة
الوضوء. وظاهر أنّه ليس من جملته ، لأنّه ذكر غسل الأرجل معطوفا على الوضوء ، فيقتضي
إكمال الوضوء. والغسل للتنظيف عندنا جائز ، ولو لم يكن ذلك معلوما كان محتملا ، ومع
الاحتمال تسقط الدلالة.
ولو قيل : لم
يذكر مسح الرجلين ، فتكون الإشارة بالغسل دالّة على أنّه من الوضوء. قلنا : لا
نسلّم لزوم ذلك ، فلعلّ الإخلال بذكر مسح الرجلين هنا كالإخلال بذكر مسح الرأس.
وأمّا الأمر
بتخليل الأصابع فضعيف جدّا لأنّه يحتمل إرادة أصابع اليدين. ولو سلّمنا أنّه أراد
الرجلين ، فلعلّ التخليل بها مسحا لا غسلا. على أنّه ليس البحث في تخليل الأصابع ،
بل في الغسل ، فمن أين يدلّ التخليل عليه.
قوله : لو كان
مسح الرجلين متعيّنا لكان مشهورا بين الصحابة ، أو لكان عليه الأكثر ، ولم تختصّ
به الشيعة ، قلنا : والأمر كذلك ، فانّ المشهور عن ابن
عبّاس وهو أحد علماء الصحابة أنّه قال : لم أجد في كتاب الله إلّا المسح . وهذا من صحيح
أخبارهم. وكذا نقل عن أنس . وعن عليّ عليهالسلام بنقل الشيعة الذي ملأ الآفاق. وقد روى ذلك حيث وصف وضوء
رسول الله صلىاللهعليهوآله. ذكر ذلك الخطابي في معالم السنن .
قوله : فيستحيل
اتّفاق الصحابة على المعاندة في ما لا غرض فيه ، قلنا : قد بيّنا أنّ الاتّفاق لم
يحصل إذ كثير من الصحابة قالوا بالمسح والباقون منهم من اشتبه عليه ومنهم من
اعتمده استظهارا ، ومنهم من يخيّره اجتهادا ، وكلّ هذا وإن لم يتيقّن فهو محتمل ، ومع
الاحتمال يزول الاستدلال به.
على أنّه قد
كان في الصحابة من يجب اتّباع مذاهبه ، ويخشى الأكثر مجاهرته ، فيعمل هو
لشبهة وآخرون للمتابعة ، ثمّ يشاهدون ذلك الطبقة الثانية ، فيحسنون الظنّ بالأولى
فينتشر حتّى يظنّ إجماعا.
وقوله : الفقهاء
الأربعة قائلون به. قلنا : لا حجّة في اتّفاقهم إذا خلا من الدليل.
__________________
المسألة الرابعة في غسل الجنابة.
الذي عليه فتوى
الأصحاب ، أنّ الطهارة وجبت لكونها شرط في غيرها ، فوجوبها موقوف على وجوب ذلك
المشروط وضوءا كانت الطهارة أو غسلا. ومن متأخّري الأصحاب من أوجب غسل الجنابة
خاصّة وإن لم يكن وصلة إلى غيره ، حتّى أوقعه بنيّة الوجوب أيّ وقت كان. وربما سقط
هذا البحث على ما نختاره من الأجزاء بنيّة القربة في الطهارة.
وينبغي هنا أن
يستدلّ لما عليه متقدّموا الأصحاب ، وهو أنّ الطهارات بأجمعها لا تجب إلّا وصلة
إلى ما هي شرط فيه ، وقبل وجوب المشروط تكون مندوبة.
ويدلّ على ذلك
النصّ والمعقول.
أمّا النصّ
فقوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ
جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) . ووجه الاستدلال بالآية ، أنّ الأمر بالغسل مشروط
بإرادة القيام إلى الصلاة ، فينعدم عند عدمه. أمّا أنّه مشروط فلوجوه : الأول : النقل
عن أئمّة التفسير . الثاني : أنّ الجملة الثانية الشرطيّة معطوفة على
الجملة الأولى بالواو المقتضية للتشريك. الثالث : لو لم يكن وجوب الغسل من الجنابة
مشروطا بإرادة القيام إلى الصلاة ، لم يكن التيمّم كذلك ، لأنّ وجوب اشتراط ذلك
مفهوم من العطف ، فيكون في الغسل كذلك. أو نقول : إرادة الصلاة شرط في وجوب ما
تضمّنته الجملة الأولى والأخيرة ، فتكون شرطا في ما تضمّنته الوسطى وإلّا لزم مع
تساوي الجمل اختلافها في الحكم. أو نقول : إذا قال : إذا جلس الأمير وأردت الدخول
عليه
__________________
فتأهب له وضع سلاحك ، يفهم منه اشتراط إرادة الدخول في الموضعين ، وليس ذلك
مجازا فهو حقيقة ، فيكون في موضع النزاع كذلك دفعا للاشتراك.
وأما المعقول
فنقول : لازم وجوب الغسل على تقدير عدم وجوب ما هو وصلة إليه منتف فينتفي الملزوم.
وإنّما قلنا إنّ اللازم منتف ، لأن من لوازم الوجوب إمّا استحقاق الذمّ بالترك
منضمّا إلى العقاب أو منفردا ، لأنّه لو لا حصول أحد الأمرين انتفى الوجوب. أمّا
أوّلا فلأنّا لا نعني بالواجب إلّا ما يكون تركه ملزوما لأحد الأمرين. وامّا ثانيا
فلأنّ بتقدير انتفائهما عن الترك يكون الترك جائزا ، ولا يتحقّق الوجوب مع جواز
الترك دائما ، وإنّما قلنا انّ كلّ واحد من الأمرين منتف على تقدير عدم وجوب
المشروط ، أمّا أوّلا فبالإجماع ، وأمّا ثانيا فلأنّ أحد الأمرين لا يحصل إلّا مع
التضيّق ، ولا تضيّق على تقدير عدم وجوب ما هو مشروط بالطهارة.
ويؤيّد توقّف
الوجوب على وجوب المشروط رواية عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله عليهالسلام في المرأة فيجامعها الرجل فتحيض وهي في المغتسل هل
تغتسل أم لا؟ قال : قد جاءها ما يفسد الصلاة فلا تغتسل .
فان قيل : لا
نسلّم أنّ وجوب الغسل مشروط بإرادة القيام إلى الصلاة.
قوله : الوضوء
مشروط بذلك فيجب اشتراطه في الغسل. قلنا : هذا موضع المنع فما الدليل عليه؟.
قوله : بالنقل
عن أئمّة التفسير. قلنا : ليس الكلّ قال ذاك ، وقول البعض ليس حجّة.
قوله : الجملة
الشرطية معطوفة على الأولى بالواو المقتضية للتشريك في الحكم. قلنا : لا نسلّم أنّ
الواو مقتضية كذلك ، فإنّ الذي ثبت أنّ الواو تقتضي الجمع المطلق الذي يصدق مع
الشركة في الحكم ومع عدمه. ويدلّ على ذلك أنّك
__________________
تقول : قام زيد ولم
يقم عمرو ، فتعطف بالواو ولا شركة في الحكم ، بل كأنّه قال : اجتمع لزيد أن قام ولعمرو أنّه لم يقم مع أنّها
حقيقة ، فلا يكون حقيقة في الشركة في الحكم دفعا للاشتراك. ثمّ نقول : متى تكون
الواو مقتضية للاشتراك إذا عطفت مفردا على مفرد أو جملة على جملة؟ الأوّل مسلّم ، والثاني
ممنوع وهاهنا هي عاطفة جملة على جملة.
قوله في الوجه
الثاني : لو لم يكن وجوب الغسل من الجنابة مشروط بإرادة الصلاة لم يكن التيمّم
كذلك. قلنا : لا نسلّم.
قوله : لأنّ
اشتراط ذلك فهم من العطف ، وهو حاصل في الأمر بالغسل. قلنا : لا نسلّم أنّ ذلك
معروف من العطف ، بل الذي ندّعيه أنّ العطف غير دالّ على ذلك ، فاشتراطه في
التيمّم حينئذ مستفاد من غير العطف.
قوله : إرادة
القيام إلى الصلاة مشروطة في الجملة التي تضمّنت الوضوء ، وفي الجملة التي تضمّنت
التيمّم فيكون في الغسل كذلك ، وإلّا لزم اختلاف الأحكام مع التساوي في العطف.
قلنا : نحن نلتزم ذلك ، فما الدليل على بطلانه؟ وهذا لأنّا قد بيّنا في الأصول أنّ
تعلّق الشرط بالجمل المعطوفة ليس بمجرّد العطف ، بل رجوعه موقوف على الدلالة ، فيتعلّق
منهما بما دلّ الدليل عليه. والمثال الذي ذكره في جلوس الأمير نمنع الدعوى فيه كما
نمنعه في صورة النزاع. ثمّ نقول : سلّمنا أنّ مع إرادة الصلاة يجب الاغتسال ، لكن
ليس ذلك موضع النزاع فإنّا نوجبه للصلاة من حيث هو شرط فيها ونوجبه مع عدمها من
حيث أمر به. لا يقال : لو وجبت لا باعتبار غيره لم يكن لتعلّقه على إرادة الصلاة
فائدة. لأنّا نقول : لم لا يكفي في الفائدة كون الغسل شرطا في صحة الصلاة لا كون
وجوبه موقوفا على وجوب الصلاة دائما ويكون ذلك كالإسلام الذي لا تصحّ الصلاة من
دونه وان كان واجبا لا لها. ثمّ لا يلزم من كون الشيء ، مشروطا بشيء أن لا يكون
ذلك الشرط واجبا من دون ذلك الشيء ، لأنّ اللازم توقّف المشروط على
الشرط ولا ينعكس.
قوله في الوجه
المعقول : من لوازم الوجوب استحقاق أحد الأمرين بالترك. قلنا : لا نسلّم ، بل لم
لا يكفي في الوجوب حصول وجه الوجوب وان فرض سقوط الأمرين ، أمّا العقاب فلأنّه حقّ
لله تعالى فجاز إسقاطه ، وأمّا الذمّ فلأنّه تابع للقبيح ، فلو وقف العلم بالقبح
عليه لزم الدور.
قوله : لا نعني
بالواجب إلّا ما يكون تركه ملزوما لأحد الأمرين أو لهما. قلنا : لا تنفعك العناية
مع إمكان تحقّق الوجوب من دون الأمرين.
قوله : لو
انتفيا عن الترك كان سائغا ، فإذا لم يكن لجواز تركه حدّ لم يتحقّق الوجوب.
قلنا : ما
المانع أن لا يكون الترك سائغا لا بمعنى استحقاق الذمّ ، بل بمعنى وجوب الإتيان
بالفعل تحصيلا للوجه المقتضي للوجوب. سلّمنا ذلك ، لكن لا نسلّم انتفاء الأمرين.
قوله : استحقاقهما
أو أحدهما مع عدم المشروط منفيّ بالإجماع. قلنا : نمنع هذه الدعوى ونطالب بالدليل
عليها. فان قال : كان النبيّ عليهالسلام يؤخّر الغسل حتّى تجب الفريضة ، وكذا إجماع المسلمين
على أنّه لا يذمّ تارك الغسل ما لم يحصل ما يجب لأجله. قلنا : هذا يدلّ على أنّه
ليس بمضيّق ، ولا يدلّ على أنّه ليس بموسّع ، فما المانع من جواز تأخيره وإن كان
واجبا كالكفّارات والنذور المطلقة.
ثمّ ما ذكرتموه
منقوض بالواجبات الموسّعة ، فإنّ الفعل واجب ، ولا يستحق بتركه الذمّ منضمّا ولا
منفردا. ثم نقول لا نسلّم أنّه لا يجوز تأخيره مطلقا ، فما المانع من تأخيره حتّى
يغلب على الظنّ التلف ، فيتضيّق إذا بقي مقدار فعله تغليبا وإن لم يجب ما هو مشروط
بالطهارة.
ثمّ ما ذكرتموه
من الحج معارض بقوله عليهالسلام : إذا التقى الختانان
وجب الغسل . وبقوله عليهالسلام : إذا جلس بين شعبها وجب الغسل . وبقول الصادق
عليهالسلام : إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم . وبما روي عن
موسى عليهالسلام : إذا وضع الختان على الختان فقد وجب الغسل .
والجواب
:
قوله : لا
نسلّم أنّ وجوب الغسل مشروط بإرادة الصلاة. قلنا : قد بيّنا ذلك بوجهين : أحدهما
النقل عن فضلاء المفسّرين ، فإنهم قالوا : المراد : إن كنتم جنبا وأردتم القيام
إلى الصلاة. والثاني أنّه معطوف بالواو المقتضية للتشريك.
قوله على الوجه
الأوّل : ليس الكلّ قال ذاك ، وليس قول البعض حجّة. قلنا : البعض قال ، ولم نعرف
مخالفا فيجب العمل بقول فضلاء الفنّ السالم عن المخالف.
قوله على الوجه
الثاني : لا نسلّم أنّ الواو مقتضية للتشريك في الحكم ، إذ الثابت اقتضاها الجمع
المطلق الذي يصدق مع التشريك في الحكم وعدمه. قلنا : الدليل على ذلك النقل
والاستعمال. أمّا النقل فنصّ أهل العربيّة أنّ العطف اشتراك اللفظ في حكم اللفظ
حتّى قال بعضهم : هو اتّباع اللفظ غيره حكما. لا يقال : لعلّ المراد المشاركة في
الإعراب. لأنّا نقول : قد أزال هذا الاحتمال جماعة. قال ابن درستويه : الحروف
الثلاثة تجمع اللفظ والمعنى. وكذا قال طاهر
__________________
في « شرح الجمل » حكاية عن أهل الفنّ.
قوله : لو كانت
الواو تقتضي الاشتراك في الحكم لكان قوله : قام زيد ولم يقم عمرو مجازا ، لأنّه
هنا ليست مشتركة في المعنى. قلنا : ما المانع أن تكون مقتضية للتشريك في اللفظ
والمعنى ما لم يمنع مانع ، ولا يلزم أن يكون مجازا ، بل تكون موضوعة للجمع الممكن
، فحيث يمكن في اللفظ والمعنى يجب ، وحيث لا يمكن يقتصر على الممكن منهما.
قوله : متى
يدلّ على الجمع في الحكم إذا عطفت مفردا أو جملة؟ قلنا : فيهما ما لم يقم المانع ،
فإنّك إذا قلت : إن قدم زيد فاضرب عمرا وأهن خالدا ، اقتضت الواو اشتراط القدوم في
الصورتين ، لأنّ هذا هو الذي سبق إلى الأذهان عند تجرّد اللفظ ، ولا كذلك إذا قلت
: إن قدم زيد فأعطه درهما وإن قدم عمرو فأعطه دينارا ، فإنّه لا يمكن الاشتراك في
المعطى ولا في القدوم ، فاقتصرنا على الجمع المطلق هنا.
قوله : لا
نسلّم أنّ اشتراط إرادة الصلاة في التيمّم من العطف. قلنا : العلم بالاشتراط ثابت
، ولا يعلم إلّا بالعطف ، فلو كان مستفادا من غيره لكان العلم به موقوفا على ذلك
السبب. لا يقال : لم لا يكون ذلك علم من الإجماع. لأنّا نقول : قد يعلم ذلك من لا
يعلم صحّة الإجماع ، فضلا عن تحقّقه في هذه الصورة ، ولئن منع فالحكم معلوم.
قوله : سلّمنا
أنّ مع إرادة القيام إلى الصلاة يجب الاغتسال ، لكن ليس ذلك موضع النزاع ، فإنّه
يجب الاغتسال للصلاة من حيث لا يتمّ إلّا به ، فما المانع أن يجب لا لهما من حيث أمر
به. قلنا : الجواب من وجهين : الأوّل : أنّ الوجوب
__________________
المعلوم في الآية وقع جوابا لإذا ، وهي تدلّ على معنى الشرط ، فيكون الوجوب
معلّقا على أداة الشرط. والحكم المعلّق على الشرط عدم عند عدمه. الثاني : أنّه إذا
وجب في الآية للصلاة ، فبتقدير عدم وجوب الصلاة ينتفي وجوبه عملا بالنافي السالم
عن المعارض.
قوله : لا يلزم
من كون الشيء شرطا لواجب أن لا يكون واجبا من دون ذلك الشرط ، لأنّ اللازم توقّف
المشروط على الشرط ، لا العكس. قلنا : هذا حقّ لكنّا لم نستدلّ على عدم الوجوب قبل
الصلاة بكونه شرطا ، بل بكون الأمر به مشروطا بإرادة القيام إلى الصلاة فينعدم الوجوب بتقدير
عدم الشرط.
قوله في الوجه
المعقول : لم لا يكفي في الوجوب حصول وجه الوجوب وإن سقط استحقاق الذمّ منضمّا أو
منفردا. قلنا : لا ريب أنّ الوجوب يحصل مع وجه الوجوب ، لكن مع حصوله يلزم مع
الإخلال به الذمّ.
قوله : لا
نسلّم أنّ مع سقوطهما يكون الإخلال سائغا. قلنا : لا نعني بالسائغ إلّا ما لا يلزم
به ذمّ.
قوله : لا
نسلّم أن ذلك من لوازم ترك الواجب. قلنا : قد بيّناه ، ويؤيّده النقل عن فضلاء
أئمّة الاصطلاح الكلاميّ والفقهي. ثمّ لا يتحقّق الفرق بين الواجب والمندوب إلّا بذلك.
ثمّ الاستعمال دالّ عليه ، فانّ ذلك حاصل في جملة موارد استعمال لفظ الواجب.
قوله : العقاب
حقّ لله فجاز إسقاطه. قلنا : الإسقاط لا يدلّ على عدم الاستحقاق ، بل لا يسقط إلّا
ما كان ثابتا.
قوله : لزوم
الذّم بالترك إنّما يثبت بعد العلم بالوجوب ، فلا يكون عدمه دالّا على عدم العلم
بالوجوب ، وإلا لدار. قلنا : لم يستدلّ على الوجوب بالذّم
__________________
على الترك ، بل الذي ادّعيناه أنّ ترك الواجب يستلزم الذّم ، ويلزم من
العلم بانتفاء اللازم انتفاء الملزوم.
قوله : لا
نسلّم انتفاء الأمرين عن الترك. قلنا : قد بيّنا أنّ ذلك معلوم بالإجماع.
قوله : نمنع
هذا فانّ المجمع عليه عدم الذّم على الترك المعجّل ، لا على الترك دائما. قلنا : قد
ثبت جواز الترك غير موقّت إلّا في وقت الصلاة ، وإيقاعه هناك دلّ على عدم الذمّ
دائما ، لأنّه حيث أوقعه هناك لم يوقعه إلّا وصلة إلى الصلاة ، والوجوب الأوّل ليس
لأنّه وصلة إلى الصلاة ، فيكون ذلك الوجوب الأوّل غير واقع أصلا.
ثمّ نقول : تركه
النبيّ صلىاللهعليهوآله ولم يبيّن مدّة الترك ، ولم يحافظ عليه إلّا للصلاة أو
ما دلّ الدليل على اشتراطه به ، فكان تركه سائغا إلّا عند وجوب ما يكون الغسل وصلة
إليه.
قوله : هذا
منقوض بالواجب الموسّع ، فإنّه لا يذمّ تاركه وهو موصوف بالوجوب في الحال. قلنا : الواجب
الموسّع تتساوى الأوقات في وجوبه ، ويتحقّق الذمّ بإخلائها من فعله ، وليس كذلك ما
نحن فيه ، فإنّه لم يثبت له ما يحصل الذمّ بالإخلال به بتقدير عدم وجوب ما هو وصلة
إليه.
قوله : لم لا
يجوز أن يكون كالكفّارات التي لا وقت لها مع تحقّق وجوبها في كلّ وقت. قلنا : وجوب
الكفّارات منبسط على الأوقات حتّى يغلب على الظنّ التلف. علم ذلك باتّفاق الفقهاء
وفتاواهم ، لأنّه لو لا ذلك لسقط الوجوب المستسلف لها ، ولا كذلك الغسل ، لأنّ
وجوبه قد ينزّل على فعله في وقت الصلاة لها اقتصارا لتنزيل الأمر على المرّة
الواحدة ، إذ لو وجب قبل وجوب ما هو وصلة إليه وبعد وجوب الصلاة لكان الأمر مقتضيا
للتكرار.
فإن قيل : لم
لا يجزي فعله للصلاة عن الوجوب الأصلي الذي ندّعيه؟.
لأنّا نقول : وجوبه للصلاة تكليف غير التكليف الأوّل ، فلو كان
واجبا لغير الصلاة ، لزم وجوبه مرّتين ، إذ الوجه في وجوبه في وقت الصلاة كونه
وصلة إلى فعلها ، فيكون ذلك هو المقتضي لوجوبه ، فلا يتحقّق ذلك الوجوب قبله ، لانتفاء
الوجه المقتضي للوجوب ، فلو وجب قبل ذلك لوجب لا للصلاة ، بل لاشتماله على مصلحة
أخرى اقتضت وجوبه قبل ذلك ، ولو كان كذلك لما جاز الاقتصار على فعله للصلاة حسب ، لأنّه
كان يلزم الإخلال بتلك المصلحة وهو مناف لعناية الشرع.
وأمّا
المعارضات بالأحاديث ، فالجواب : أن نقول : إطلاق الوجوب يقتضي التعجيل ، فإذا دلّ
الدليل على عدم إرادته ، بقي الوجوب المطلق الذي يصدق بالدوام والاشتراط ، فإذا
علم وجوبه في موضع من المواضع كفى ذلك في العمل بمقتضى الأمر ، واقتصر على تنزيله
عليه ، وقد علم أنّ وجوب الغسل ليس معجّلا وعلم وجوبه إذا كان وصلة إلى واجب لا
يصحّ إلّا به فيكفي ذلك في تنزيل الوجوب عليه.
لا يقال : تنزيل
الوجوب على فعله بشرط إرادة الصلاة يقتضي أن لا يكون واجبا قبل ذلك. قلنا : صحيح ، ولكن
إطلاق الوجوب أعمّ من الوجوب في الحال ، إذ الوجوب قد يطلق مع كلّ واحد منهما ، لأنّا
قد نقسّم الوجوب إلى المطلق والمشروط ، ومورد التقسيم مشترك بين قسمية ، فالواجب
المشروط وإن لم يكن واجبا في الحال فإنّه يطلق عليه الوجوب نظرا إلى وجود سببه ، كما
يقال : غسل الحيض واجب عند الانقطاع ، وكذا قوله عليهالسلام : إذا نامت العين والسمع وجب الوضوء ، وليس الوضوء
واجبا ولا غسل الحائض باتّفاق الكلّ
__________________
إلّا مع وجوب ما هو وصلة إليه. لا يقال : إطلاق الوجوب يقتضي تحقّقه في
الحال ، فإطلاقه على المشروط قبل حصول شرطه مجاز. قلنا : هو وإن كان
مجازا لغة ، لكنّه مستعمل شرعا استعمالا عامّا ، لأنّ التصانيف مملوءة أنّ الطهارة
من البول واجبة ، وكذا من الغائط والريح ، وكذا غسل الثياب من النجاسة واجبة وغسل
الأواني ، فيطلق عليها الوجوب إمّا بحسب إرادة الاستعمال أو بحسب إرادة الدخول
في الصلاة ، فصار ذلك حقيقة عرفيّة ، فإخراج غسل الجنابة من ذلك كلّه تحكّم بارد.
فإن : قيل ذلك
مجاز. قلنا : الأصل عدم التجوّز. فإن قال : والأصل عدم الاشتراك. قلنا : فتجعل
حقيقة في القدر المشترك ، وهو الوجوب المطلق الذي يصدق مع الحاليّ والاستقباليّ ، دفعا
للاشتراك والمجاز.
__________________
المسألة الخامسة في المواقيت
وقت الظهر
ممتدّ للمختار من زوال الشمس إلى قبل غروبها بمقدار أداء العصر. والحجة أن نقول : لو
لم يمتد وقتها للمختار لزم إمّا عدم تحقّق الوجوب أو عدم الإجزاء ، والقسمان
باطلان. بيان الملازمة هو أنّ الوجوب إمّا أن يكون متحقّقا بعد مضيّ أربعة أقدام
أو لا ، فإن لم يكن ، لزم القسم الأول ، وإن كان ، فإمّا أن تبرأ مع الإتيان به
العهدة أو لا تبرأ ، فإن برأت لزم امتداد الوقت ، إذ لا نعني به إلّا مجموع
الأمرين ، وإن لم تبرأ لزم عدم الإجزاء ، لأنّا لا نعني بعدم الإجزاء إلّا ذاك ، فثبت
أنّه لو لم يمتدّ لزم إمّا عدم تحقّق الوجوب أو عدم الإجزاء ، والقسمان باطلان.
أمّا الأول
فبقوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) . والغسق : الظلمة بالنقل عن أئمة اللغة أو انتصاف الليل
بما روي في بعض الأحاديث . والمنبسط من الدلوك إلى الغسق إمّا الفعل أو الوجوب ، والأوّل
باطل ، فتعيّن الثاني.
وأمّا بطلان
الثاني فلأنّ تحقّق الوجوب مع عدم الإجزاء ممّا لا يجتمعان لما
__________________
عرف.
فإن قيل : ما
الذي تريد بامتداد الوقت؟ فإن قلت : نعني به أنّ ما بين الغايتين من الأوقات متساو
في جواز الإتيان بالصلاة للمختار. قلت : فحينئذ لا نسلّم الحصر على هذا التقدير ، وهذا
لأنّ عدم الامتداد على هذا التفسير قد يكون مع براءة الذمّة وامتداد الوجوب كما
نقول في الحجّ وسائر العبادات التي لم يضرب لها وقت. سلّمنا الحصر ، لكن لا نسلّم
بطلان القسمين. والاستدلال بالآية غير لازم لأنّ الدلوك مشترك بين الغروب والزوال
، وكذلك الغسق مشترك بين الغروب وانتصاف الليل وإذا كان محتملا وجب التوقّف بما
عرف. سلّمنا أنّ المراد بالدلوك الزوال ، لكن لا نسلّم أنّ الغاية لصلاة واحدة ، ولم
لا يكون لصلاتين؟ وظاهر أنّه كذلك وإلّا لم يبق للعصر وقت يختصّ به ، وعلى هذا لا
يكون وجوب الصلاة الأولى هو القدر الذي له الغاية والبداية. يحقّقه انعقاد الإجماع
على عدم امتداد وقت الظهر أداء إلى الغروب. سلّمنا أنّ وجوب الأوّل ممتدّ ولكن لا
نسلّم بطلان عدم الإجزاء مع تحقّق الوجوب ، فإنّ الصلاة مع الشكّ في الحدث واجبة
مع أنّ العهدة لا تخلص بها مع الذكر ، والحجّ الذي حصل إفساده بالوطء يجب المضيّ
فيه مع عدم الإجزاء. سلّمنا أنّ ما ذكرته يدلّ على صورة النزاع ، لكن معنا ما
يعارضه ، وبيانه بالمنقول والمعقول.
أمّا المنقول
فوجوه : الأول : رواية الفضل بن يونس عن أبي الحسن عليهالسلام في الحائض إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس
أربعة أقدام. قال : لا تصلّي إلّا العصر ، لأنّ وقت الظهر دخل وهي في الدم ، وخرج
عنها الوقت وهي في الدم .
__________________
الثاني : ما
رواه الفضيل وزرارة وبكير ومحمّد بن مسلم قالوا : قال أبو جعفر عليهالسلام وأبو عبد الله عليهالسلام : وقت الظهر بعد الزوال قدمان . وما روي من
طرق أنّ جبرئيل عليهالسلام أمره أن يصلّي الظهر حين زالت الشمس ، وفي اليوم الثاني
حين زاد الظلّ قامة ، ثمّ قال : ما بينهما وقت .
الثالث : ما
رواه الكرخي عن أبي الحسن عليهالسلام في الظهر متى يخرج وقتها؟ قال : من بعد ما يمضي من
زوالها أربعة أقدام .
وأمّا المعقول
فنقول : لو امتدّ الوقت للمختار لكان إمّا مع جواز التأخير أو مع تحقّق الاجزاء ، والقسمان
باطلان ، أمّا الملازمة فظاهرة ، وأمّا بطلان الأوّل فبوجوه : الأوّل قوله تعالى ( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ) قال : ما تركوها جملة ولكن أخّروها عن أوّل أوقاتها . الثاني : رواية
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام : وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلّا في علّة.
__________________
الثالث : رواية الكرخي عن أبي الحسن عليهالسلام قلت : فلو أنّ رجلا صلّى الظهر من بعد ما يمضي أربعة
أقدام لكان عندك غير مؤدّ لها؟ فقال : إن كان تعمّد ذلك ليخالف السنّة والوقت لم
تقبل منه .
وأمّا انتفاء
الإجزاء ، فلأنّ عدم امتداد الوقت مع تحقّق الإجزاء ممّا لا يجتمعان.
والجواب
: قوله : ما تريد
بامتداد الوقت؟. قلنا : نعني به أنّ ما بين البداية والنهاية من الأوقات متساو في
براءة العهدة بإيقاع الفعل بنيّة الأداء ، وما فسّره من العناية لا نرتضيه ، لأنّا
لا نتعرّض للفورية كما هو مذهب المفيد ، وعند ظهور هذه العناية يتّضح بيان الحصر.
قوله : الدلوك
هو الزوال والغروب أيضا. قلنا : الظاهر أنّ المراد به ها هنا الزوال بالنقل عن
أئمة أهل البيت عليهمالسلام ، وروى ذلك عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام ، ويدلّ عليه من حيث النظر أن نقول : لمّا كان الدلوك
هو الغروب والزوال وجب جعله حقيقة في القدر المشترك بينهما وهو الزوال المطلق ، وذلك
حاصل في الزوال عن وسط السماء.
قوله : الغسق
هو انتصاف الليل كما أنّه الغروب. قلنا : حقّ لكن أيّ الأمرين كان مرادا حصل
المبتني وهو امتداد وجوب الصلاة من الزوال إلى الليل ، وذلك كاف في تحقّق وجوبها
قبل الغروب.
قوله : لا
نسلّم أنّ الغاية واحدة. قلنا : الظاهر أنّه كذلك.
قوله : الإجماع
منعقد على عدم امتداد وجود الظهر أداء إلى الغروب.
__________________
قلنا : فلنخرج القدر المجمع عليه ، وهو ما بيّنه داود بن فرقد عن بعض
أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام من اشتراك الوقتين إلى أن يبقى لغروب الشمس مقدار أداء
العصر .
فان قلت : إن
ساغ التأويل فلنا أن نحمل الغاية على صلاة العصر. قلت : ما ذكرته أرجح ، لأن ظاهر
الآية قاض بأنّ الصلاة التي وجبت عند الأداء هي التي ضربت لها الغاية ، فإذا خرج
منها قدر متّفق عليه كان أقرب إلى ظاهرها.
قوله : لا
نسلّم بطلان عدم الإجزاء مع تحقّق الوجوب. قلنا : قد بيّنا في أصول الفقه أنّ
الإتيان بالواجب يقتضي الإجزاء ونزيده بيانا أنّ العهدة لو كانت مشتغلة بعد
الإتيان بالواجب لكان إمّا بذلك الواجب أو بغيره ، ويلزم من الأوّل تحصيل الحاصل ،
ومن الثاني عدم الإتيان بالواجب. وأمّا المثال فغير ما نحن فيه ، لأنّا لا نعني
بامتداد الوقت سقوط العقاب بالتفريط السابق ، بل الخروج عن العهدة بإيقاع الواجب ،
وفي مسألة الحجّ كذلك ، فإنّه خرج عن عهدة الحجّ بإيقاعه في العام الثّاني. وهذا
هو الجواب عمّا فرض ويفرض من العبادات المضيّقة التي لم يضرب لها وقت.
والجواب : عن
المعارضة ، أمّا خبر ابن يونس ، فالجواب عنه من وجوه : الأوّل في سنده ، فانّ ابن
يونس ضعيف عند أهل الحديث. ذكر الطوسي رحمهالله ـ وهو الثقة في النقل ـ أنّه واقفي . الثاني : أنّه
تضمّن ما أجمع الفقهاء على
__________________
خلافه ، فانّ الحيض عذر يمتدّ معه الوقت كما في حقّ النائم والمغمى عليه. الثالث
: أنّه معارض بروايات ، منها رواية أبي الصباح عن أبي عبد الله عليهالسلام في الحائض إن طهرت قبل مغيب الشمس صلّت الظهر والعصر .
وعن ابن سنان
عن أبي عبد الله عليهالسلام مثله . وعن داود عن أبي جعفر عليهالسلام مثله لفظا بلفظ . ولا يمكن أن يحمل قوله قبل أن تغيب الشمس على ما قبل
الأربعة الأقدام ، ولا على الاستحباب ، لأنّ ذلك إنّما يكون مع تساوي الرواة ، وأمّا
مع تفاوتهم في الجرح والتعديل فلا ، لكن الأخبار التي رويناها مسندة عن الثقات
الذين عددناهم.
وأمّا الأخبار
التي رواها عن أبي جعفر عليهالسلام وأبي عبد الله عليهالسلام ودلالتها على امتداد الوقت إلى القامة والقامتين وإلى
ثلثي القامة ، فمعارض بروايات : منها خبر زرارة قال : إذا صار مثلك فصلّ الظهر . وظلّ مثله
سبعة أقدام. ورواية عبيد بن زرارة لا تفوت صلاة النهار حتّى تغيب
__________________
الشمس . ووجه الجمع أن نقول : لك تأخير الفريضة وتقديم النافلة
إلى هذه الغاية وهي القدمان والذراع وثلثا القامة فعند ذلك يتعيّن وقت الفريضة.
يدلّ على هذا التأويل ما رواه ابن مسكان عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت : لم؟ قال : لمكان
الفريضة. لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يبلغ الفيء ذراعا ، فإذا بلغ ذراعا
بدأت بالفريضة وتركت النافلة. قال ابن مسكان : أخبرني بالذراع والذراعين من لا
أحصيهم . ولو كان الذراع آخر وقتها لما جعل البدأة بالفريضة بعد
استكمال الوقت ذراعا.
و. أمّا خبر
إبراهيم الكرخي فوجه ضعفه تضمّنه ما أجمعنا على خلافه ، وهو أنّ أوّل وقت العصر
بعد مضيّ أربعة أقدام ، وقد أجمعنا على وقت العصر عند الفراغ من فريضة الظهر ، وقد
جاء عن أبي عبد الله عليهالسلام : إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين . وعن العبد
الصالح مثله من طرق. ويعارضه أيضا ما تلوتم وتلوناه من الأخبار
الكثيرة عن الثقات أنّ وقت العصر بعد مضيّ قامة من الفيء والقامة ذراع ، والذراع
قدمان ، بدليل الأحاديث المبيّنة لهذا التفسير . وبتقدير أن يكون الحديث متضمّنا ما أجمعت الطائفة على
خلافه يكون غير وارد عن الأئمّة عليهمالسلام. وإلّا لكانت فتياهم على خلاف الإجماع.
__________________
وأيضا فهذا
الحديث معارض بأحاديث كثيرة : منها رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر إلّا أن هذه
قبل هذه ، ثمّ أنت في وقت منهما جميعا حتّى تغيب الشمس . ورواية زرارة
عن أبي جعفر عليهالسلام : أحبّ الوقت إلى الله أوّله حين يدخل وقت الصلاة فصلّ
الفريضة فإن لم تفعل فإنّك في وقت منهما حتى تغيب الشمس . وخبر داود بن فرقد الذي تلوناه.
وعلى هذا
التقدير فما ذكرناه أرجح. أمّا أوّلا فلكثرة الرواية. وأمّا ثانيا فلاشتهار
عدالتهم وضبطهم. ووجه التأويل أن يحمل ما تضمّنته رواية الكرخي على وقت الفضل ، ويكون
قوله : « إن كان تعمّد ذلك ليخالف الوقت والسنّة لم يقبل منه » أي قبولا تامّا.
ويدل عليه اشتراطه في عدم القبول تعمّد المخالفة للسنّة. ولو خرج الوقت بمضيّ
أربعة أقدام لم يكن ذلك شرطا.
وعلى هذا
التأويل وإن اختلفت الروايات فهي ترجع إلى معنى واحد ، وهو أنّ وقت الفضيلة تارة
يكون قدمين ، وتارة يزيد على ذلك ، وتكون الزيادة بحسب الأوقات ، لأنّ المعوّل على
الظلّ الزائد على الظلّ الأوّل ، وهو يختلف بحسب الأزمان.
يشهد لذلك ما
رواه يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عما جاء في الحديث : أن صلّ الظهر إذا كانت
الشمس قامة وقامتين ، وذراعا وذراعين ، وقدما وقدمين ، من هذا ومن هذا. [ فمتى هذا
] وكيف هذا؟ وقد
__________________
يكون الظلّ في بعض الأوقات نصف قدم قال : إنّ ظلّ القامة يختلف مرّة يكثر
ومرّة يقلّ قال : وتفسير القامة والقامتين في الزمان الذي يكون فيه ظلّ القامة
ذراعا .
وهذا التأويل جمع
الشيخ رحمهالله بين اختلاف ألفاظ الأحاديث .
فإن قلت : هذا
تحكّم على الأحاديث ، والحديث الذي تلوتموه لا يفتي به ، لأنّ ابن بابويه رحمهالله ذكر أنّه لا يعمل بمراسيل يونس .
قلت : التحكّم
إنّما يتحقّق إذا عريت الدعوى من دلالة. قوله : حديث يونس مرسل. قلنا : نحن نعمل
بالأحاديث المرسلة في باب الترجيح والجمع ، لأنّها لا تضعف عن أمارة توجب الظنّ ، وعند الأمارة
يكون ما عضدته راجحا ، فيكون العمل بالدليل الراجح لا بمجرّد الأمارة المرجّحة.
لا يقال : إن
ساغ التأويل فلنا أن نتأوّل ونقول : حديث الكرخي يدلّ على وقت الاختيار ، وأخباركم
محمولة على الأعذار. يؤكّد هذا التأويل رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلّا عند عذر . ورواية ربعي
عن أبي عبد الله عليهالسلام : أنّ
__________________
الرخصة للناسي والمريض والمدنف والمسافر والنائم في تأخيره .
لأنّا نجيب من
وجوه :
الأوّل أنّ ما
ذكرته من الروايتين يدلّ على تضييق الفريضة بحيث لا يجوز تأخيرها عن أوّل
الوقت ، وليس بحثنا في التضييق. فإن قلت : الوقت الأوّل هو ما بين الزوال إلى أربعة
أقدام. قلت : بل الوقت الأوّل هو عند الزوال وتأخيرها عن الزوال سائغ بالاتفاق.
يدلّ أنّ الوقت
الأوّل هو زوال الشمس ما روي من طرق عدّة. منها ما روي عن أبي جعفر ( عليهالسلام ) : أوّل الوقت زوال الشمس وهو وقت الله الأوّل وهو
أفضلها . ويدلّ على أنّ التأخير سائغ عن هذا الوقت ما رواه عبيد
بن زرارة : قلت : يكون أصحابنا في المكان مجتمعين فيقوم بعضهم يصلّي الظهر وبعضهم
يصلّي العصر ، قال : كلّ واسع . وما روي عن أبي عبد الله عليهالسلام : الرجلان يصلّيان أحدهما يعجّل العصر ، والآخر يصلّي
الظهر فقال : لا بأس . وإذا كان الحثّ على الوقت الأوّل والإذن في التأخير
متوجّها إليه أيضا وجب أن يحمل الحثّ على الفضل توفيقا بين الأحاديث.
الوجه الثاني
في الجواب أن نقول :
سلّمنا أنّه لا
يجوز له التأخير إلّا لعذر ، وأنّ الفريضة مضيّقة ، ولكن لا
__________________
نسلّم أنّ التضيّق مناف لامتداد الوقت ، وما المانع أن يمتدّ الوقت مع
التضيّق بامتداد الوجوب كما صوّرتموه في الحجّ والواجبات المضيّقة التي ليس لها
وقت مضروب؟
ونحن فلا ننازع
وجوبها على الفور ، بل ندّعي امتداد الوقت من غير تعرّض لتضيّق ولا لعدمه.
والجواب : عن
الملازمة أن نقول : بل يجوز التأخير ولتحقّق الإجزاء ، وما تلاه من
الأحاديث غاية تتضمّن الوجوب على الفور من أوّل الوقت. على أنّا نمنع من ذلك
ونحمله على الاستحباب بدلالة ما ذكرناه من الأحاديث الدالّة على التوسعة.
وأمّا الآية ، فلا
نعمل بظاهرها لأنّه تتضمّن المؤاخذة على السهو ، ولو عدل إلى التأويل ساغ لنا أيضا
تنزيله على إخلاء الوقت من الفعل. ولو سلّمناه فإنّا لا نسلّم أنّ الويل مستحقّ
لأجل التأخير إن صحّ التأويل ، بل لضميمة أنّهم يراءون ، بدليل قوله ( وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ ) ، لأنّ الماعون متاع البيت ومنعه ليس بمحرّم.
__________________
المسألة السادسة في أنّ الفوائت ليست مرتبة على الحاضرة
وتحرير موضع
النزاع أن نقول : صلاة كلّ يوم مرتّبة بعضها على بعض حاضرا كان أو فائتا ، فلا
تقدّم صلاة الظهر من يوم على صبحه ، ولا عصره على ظهره ، ولا مغربه على عصره ، ولا
عشاؤه على مغربه إلّا مع تضيّق الحاضرة ، وأمّا إذا فاته صلوات من يوم ثمّ ذكرها
في وقت حاضرة من آخر هل يجب البدأة بالفوائت ما لم يتضيّق الحاضرة؟ قال أكثر
الأصحاب : نعم. وقال آخرون : لا يجب. وقال آخرون : ترتّب الفوائت في الوقت
الاختياري ثمّ يقدّم الحاضرة.
والذي يظهر
وجوب تقديم الصلاة الواحدة واستحباب تقديم الفوائت ، ولو أتى بالحاضرة قبل تضيّق
وقتها والحال هذه جاز ، ويدلّ على الأخير النصّ والأثر والمعقول.
أمّا النصّ ، فقوله
تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) وقوله تعالى ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ
طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ) .
والاستدلال
بذلك يستدعي بيان مقدّمتين :
الأولى : في
أنّ هذا الحكم متناول للأمّة كما هو متناول للنبيّ صلىاللهعليهوآله ، وتدلّ عليه وجوه ثلاثة : الأوّل : اتّفاق المفسرين
أنّ الخطاب المذكور يراد به النبيّ صلىاللهعليهوآله وأمّته. الوجه الثاني : أنّه عليهالسلام فعل ذلك على وجه الوجوب ، وإذا عرف الوجه الذي فعل صلىاللهعليهوآله فعله عليه وجبت المتابعة ، بما عرف في أصول الفقه.
الثالث : أنّه يجب متابعته هنا بقوله صلىاللهعليهوآله « صلّوا كما رأيتموني
__________________
أصلّي ». .
المقدمة
الثانية : في أن المراد بهذه الأوامر صلوات الوقت الحاضر ، وتدلّ عليه وجوه : الأول
: النقل عن علماء التفسير أنّ المراد بالصلاة عند الدلوك هي الظهر أو المغرب ، وبالطرف
الأوّل من النهار صلاة الفجر. الثاني : ما نقل عن أهل البيت عليهمالسلام في تفسير الآية الأولى أنّ المراد صلاة الظهر والعصر
وصلاة المغرب والعشاء . الثالث : روى معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : أتى جبريل وعليهالسلام حين زالت الشمس فأمر النبيّ صلىاللهعليهوآله فصلّى الظهر ، وأمره حين زاد الظلّ قامة فصلّى العصر ، ثمّ
أمره حين غربت الشمس فصلّى المغرب ، ثمّ أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلّى العشاء ، ثمّ
قال : ما بينهما وقت . ورواية ذريح عن أبي عبد الله عليهالسلام مثله. وذكر أنه أمره بصلاة الظهر في الوقت الذي يصلّي
فيه العصر ، ثمّ قال : ما بين هذين الوقتين وقت . وما رواه
جماعة من الأصحاب عن أبي جعفر عليهالسلام وعن جعفر بن محمّد عليهماالسلام : إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر ، وإذا غربت دخل
الوقتان المغرب والعشاء .
فنقول : هذه الصلوات
هي المختصّة بهذه الأوقات ، فالأمر بالصلاة في هذه الأوقات ينصرف إليها ، لأنها هي
المعهودة بقرينة الحال.
__________________
إذا ثبت ذلك ، فالاستدلال
بالآية من وجهين : الأوّل : أن نقول : ثبت وجوب هذه الصلوات ، وثبت وجوب قضاء
الفوائت في كلّ وقت ما لم يتضيّق الحاضرة ، ولا ترجيح في الوجوب ، فوجب الاشتراك ،
الوجه الثاني : لو لم تجب الحاضرة في أوّل وقتها لزم أحد الأمرين : إمّا التخصيص
أو النسخ ، والقسمان باطلان ، أمّا الملازمة فلأنّ صورة النزاع إمّا أن تكون مرادة
وقت الخطاب وإمّا أن لا تكون ، ويلزم من الأوّل النسخ ومن الثاني التخصيص ، وأمّا
بطلان كلّ واحد من القسمين أمّا أوّلا : فلأنّا سنبطل ما يدّعي الخصم كونه حجّة له
، فيكون كلّ واحد من النسخ والتخصيص على تقدير بطلان حجّته منفيا بالإجماع. وأمّا
ثانيا : فلأنّ مستند الخصم خبر الواحد وبمثله لا ينسخ القرآن ولا يخصّص ، مع أنّا
سنبطل دلالة ذلك الخبر على موضع النزاع.
فإن قيل : لا
نسلّم أنّ الحكم المذكور متناول للأمّة.
قوله « اتّفاق
أهل التفسير على ذلك » قلنا : أوّلا نمنع ذلك ، غايته أن يوجد في كتاب أو عشرة فمن
أين أنّ الباقين قائلون بذلك؟ سلّمنا أنّ كلّ مصنّف منهم قال ذلك فمن أين أنّ
إطباق المصنّفين منهم حجّة؟.
قوله في الوجه
الثاني « فعله النبيّ صلىاللهعليهوآله واجبا فيجب التأسّي به » قلنا : أوّلا نمنع وجوب
التأسّي وإن علم الوجه الذي أوقعه عليه فما الدليل على وجوب ذلك؟ سلّمنا لكن
النبيّ صلىاللهعليهوآله لا يقدّر في حقّه فوات الفرائض لا عمدا ولا سهوا ، فيكون
وجوب الإتيان بالحاضرة في حقّه لخلوه من قضاء الفوائت فلا يتناول من يلزمه قضاء
الفوائت.
وأمّا الاحتجاج
بقوله صلىاللهعليهوآله : « صلّوا كما رأيتموني أصلّي » كما يحتمل من وجوب
المماثلة في الكيفيّة ، يحتمل وجوب المماثلة في وجوب الصلاة حسب ، كما إذا قلت
لإنسان : « افعل كما أفعل » أي كما أنّني فاعل. أو
يكون المراد المماثلة في الوضوح ، ويؤيّد هذا أنّ معنى الكلام : صلّوا
كرؤيتكم صلاتي ، أي أوقعوا الصلاة قطعا كمشاهدتكم صلاتي. وهذه الوجوه وإن لم تكن
متيقنة فهي محتملة ، ومع الاحتمال لا يبقى الدليل يقينيا. سلّمنا أنّ الخطاب عامّ
في النبيّ صلىاللهعليهوآله وغيره ، وأنّه دالّ على إيجاب إقامة الصلاة ، ولكن لا
نسلّم أنّ المراد بهذا الأمر الصلاة الحاضرة ، لأنّ الصلاة جنس والجنس لا إشعار
فيه بأحد أنواعه ولا أشخاص أنواعه ، فكما يحتمل إرادة الحاضرة يحتمل إرادة
الفائتة. سلّمنا أنّ المراد الحاضرة ، لكن العموم مخصوص بصورة التيمّم وإذا تطرّق
إليه التخصيص صار مجازا فجاز أن لا يراد منه موضع النزاع ، أو نقول : كما جاز
تخصيصه لدلالة فليجز تخصيصه لأخرى لتساويهما فيما يقتضي التخصيص ، ثمّ العموم
معارض بقوله تعالى ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ
لِذِكْرِي ) ، والمراد بالصلاة هنا الفائتة ، يدلّ عليه استدلال
الباقر عليهالسلام في رواية زرارة عنه في قوله : « أبدا بالّتي فاتتك ، فإنّ
الله تعالى يقول ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ
لِذِكْرِي ) ».
قوله في
الاستدلال بالوجه الأوّل : « ثبت وجوب الحاضرة ووجوب قضاء الفوائت ولا ترجيح في
الوجوب فثبت التخيير ». قلنا : لا نسلّم التساوي ، بل الرجحان في طرف الفوائت حاصل
، وبيانه من وجهين : أحدهما أنّ الفائتة مضيّقة ، والحاضرة موسّعة ، فيكون الترجيح
لجانب المضيّق ، وإنّما قلنا : إنّ الفائتة مضيّقة ، لأنّ الأمر بالقضاء مطلق ، والأوامر
المطلقة مقتضية للتعجيل بما عرف في الأصول ، الثاني : الأحاديث الدالة على ترتيب
الفوائت على الحاضرة متناولة لموضع النزاع. وما ذكره المستدلّ من وجوب الحاضرة
مطلق والترجيح لجانب التقييد.
__________________
قوله في الوجه
الثاني : « لو لم تجب الحاضرة في أوّل وقتها لزم إمّا التخصيص أو النسخ ». قلنا : مسلّم.
قوله : « وكلّ
منهما باطل ». قلنا : أمّا النسخ فمسلّم ، فما المانع من التخصيص؟ قوله : « سنبطل
معتمدكم في التخصيص ». قلنا : وسنجيب عنه. قوله : « خبر الواحد لا يخصّ القرآن ».
قلنا : لا نسلّم ذلك فما الدليل عليه؟ سلّمناه لكن لا نسلّم أن التخصيص بخبر
الواحد بل بأخبار مقبولة تجري مجرى المتواتر في وجوب العمل ، ثمّ ما ذكرته من
الدلالة ينتقض بما سلّمت ترتّبه على الحاضرة من فرائض اليوم والفريضة الواحدة.
والجواب
: قوله : « لا
نسلّم عموم الحكم ». قلنا : لا ندّعي أنّ الحكم مستفاد من الصيغة بل نقول : دلّ
الدليل على إرادة العموم ، وقد يجوز أن يراد العموم ممّا صيغته الخصوص ، وقد بيّنا
الوجوه الدّالة عليه.
قوله على الوجه
الأوّل : « بعض المفسّرين ذكر ذلك ». قلنا : لم نجد من المفسّرين إلّا ذاكرا له ، ولم
نجد منهم من زعم أنّ الحكم مخصوص به صلىاللهعليهوآله ، والواجب في كلّ فنّ الرجوع إلى أهله ، ثمّ نقول : المعلوم
بين المسلمين كافّة أنّ حكم الأمّة في ذلك حكم النبيّ صلىاللهعليهوآله.
قوله على الوجه
الثاني : « لا نسلّم وجوب التأسّي للنبيّ ». قلنا : يدل على ذلك قوله تعالى ( وَاتَّبِعُوهُ ) وقوله عليهالسلام : « فاتبعوني » وقوله تعالى : ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ
فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) . ولو قيل : هذا الأخير لا يدلّ على الوجوب. قلنا : يدلّ
على حسن التأسّي وهو يكفي في هذا المقام ، إذ المراد
__________________
جواز أن يفعل مثل فعله.
قوله : «
النبيّ صلىاللهعليهوآله لا يترك الصلاة عمدا ولا سهوا ، فلا يكون وجوب التأسّي
دالا على صورة النزاع ». قلنا : هو صلىاللهعليهوآله وإن لم يفرض في حقّه الفوات ، لكن فرض في حقّه وجوب
الإتيان بالفريضة في أوّل الوقت فتكون الأمة كذلك ، وهذا هو المراد من التأسّي به صلىاللهعليهوآله ، ثمّ بعد ذلك نقول : هذا التشريع المتناول للأمّة ، لا
ينسخ ولا يخص إلّا بدليل قطعيّ ، فيتمّ ما نحاوله.
قوله في الوجه
الثالث : « كما يحتمل أمره صلىاللهعليهوآله الإتيان بمثل كيفية صلاته يحتمل أحد الوجهين الآخرين ».
قلنا : هذا الاحتمال ضعيف ، والأسبق إلى الأذهان إذا قيل : « اشرب كما شرب فلان
وكل كما أكل » أن يراد التمثيل في الفعل والكيفيّة ، فيكون في كلّ موضع كذلك دفعا
للاشتراك والمجاز.
قوله : « لا
نسلّم أنّ المراد من هذا الأمر الحاضرة ، لأنّ الصلاة جنس فكما يحتمل إرادة
الحاضرة يحتمل إرادة الفائتة ». قلنا : قد بيّنا أنّ المراد من هذا الخطاب الحاضرة
بالنقل عن أئمة التفسير وما روي عن الأئمّة عليهمالسلام ، ونزيد هنا ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام في قوله ( أَقِمِ الصَّلاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) قال : « إنّ الله تعالى افترض أربع صلوات ، أوّل وقتها
من زوال الشمس الى انتصاف الليل منها صلاتان أوّل وقتهما من زوال الشمس إلى غروبها
إلّا أنّ هذه قبل هذه ، ومنها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل
إلّا أنّ هذه قبل هذه » .
قوله : « هذا
العموم مخصوص فيكون مجازا فلا نعلم تناوله لموضع النزاع ». قلنا : قد بيّنا في
الأصول أنّ عروض التخصيص للعامّ لا يمنع من استعماله في
__________________
الباقي.
قوله : « كما
جاز تخصيصه هناك جاز هنا ». قلنا : الجواز لا عبرة به ، أمّا الوقوع فمفتقر إلى
وجود الدلالة وسندلّ على ارتفاعها هنا إذا الموجود هنا خبر واحد أو خبران وهما لا
ينهضان لتخصيص الدليل القطعيّ خصوصا مع وجود المعارض لهما.
قوله : « هذا
العموم معارض بقوله تعالى ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ
لِذِكْرِي ) ». قلنا : لا نسلّم أنّ المراد بها الفوائت ، وتعويله
على الرواية ضعيف ، لأنّه استناد في التفسير إلى خبر واحد ، ولو عمل به لزم تخصيص
القرآن بخبر الواحد ، ثمّ لو صحّ لم يكن دالا عليه ، لأنّه عليهالسلام استدلّ على وجوب الفائتة به وكما يدلّ على الفائتة يدلّ
على الحاضرة ، إذ الصلاة يصحّ أن يراد بها كلا القسمين ، ثمّ نقول : غاية مدلول
هذه الآية وجوب إقامة الصلاة عند الذكر ، ونحن فلا ننازع فيه بل إجماع الناس على
وجوب قضاء الفائتة عند الذكر ، لكن البحث في هل هو وجوب يمنع من الحاضرة أم لا؟
وذلك ليس في الآية.
قوله ـ على
الوجه الأوّل من الاستدلال ـ : « الترجيح حاصل من وجهين : أحدهما : أنّ الفائتة
مضيّقة ، لأن الأمر بها مطلق والأمر المطلق للفور ». قلنا : أوّلا لا نسلّم ذلك ، فإنّ
الذي نختاره أنّ الأمر لا إشعار فيه بفور ولا تراخ ، وإنّما يعلم أحدهما بدلالة
غير الأمر ، سلّمنا أنّه بمجرّده يدلّ على التعجيل. لكن لا نسلّم تجرّده هنا وهذا
لأنّ في الحاضرة تنصيصا على التوسعة وتعيين الوقت الأوّل والأخير ، فلا يكون الأمر
المطلق دالًّا على الفورية هنا وإلّا لزم إبطال التنصيص على التوسعة ويجري ذلك
مجرى أن نقول : « افعل كذا أيّ وقت شئت من هذا النهار وأعط زيدا درهما » ، فإنّه
لا يجب تقديم العطيّة على الفعل الآخر وإلّا
__________________
بطلت المشيّة المذكورة نطقا.
قوله : « إذا
اجتمع الموسّع والمضيّق كان الترجيح لجانب المضيّق » قلنا : هذا كلام غير محصّل ، فإنّه
لا يمكن اجتماع الأمرين إلّا إذا لم يكن أحدهما منافيا للآخر ، وإلّا فمع فرض
تضيّق أحد الفعلين يستحيل سعة الآخر ، فلا يكون ما فرض موسّعا موسّعا ، لكن لو قال
: « إذا نصّ الشرع على فعل بالتوسعة وأمر بآخر مطلقا ، كان المطلق مقدّما على ما
نطق بتقدير التوسعة فيه ». منعنا نحن وبيّنّا أنّ ذلك نقض لكونه موسّعا ، وكذا
نقول : في صورة النزاع ، فإنّ الحاضرة منصوص على الأمر بها عند الزوال إلى الغسق ،
فلو حمل الأمر المطلق على الفورية المانعة من الإتيان بالحاضرة كان ذلك نسخا
لمدلول الآية أو تخصيصا بالخبر ، وكلاهما غير جائز.
ثمّ نقول : الظاهر
أنّ الفوائت غير مضيّقة ، ويدلّ على ذلك أمران الأوّل : ما رواه زرارة عن أبي جعفر
عليهالسلام ـ إنّه « إذا ذكرت المغرب والعشاء وقد تضيّق وقت الصبح
ابدأ بالصبح ـ ثمّ قال : ـ فأيّهما ذكرت فلا تصلّهما إلّا بعد شعاع الشمس ، قلت : لم
ذلك؟ قال : لأنّك لست تخاف فوته » . ولو كانتا مضيّقتين لما جاز تأخيرهما إلى بعد الشعاع.
والثاني : لو كانت الفوائت مضيّقة لما جاز تأخير القضاء مع التمكّن لحظة واحدة
وكان يقتصر على ما يمسك الرمق من مأكول ومشروب ويتشاغل بالقضاء ، ولو التزم ذلك
كان عمل الناس على خلافه ، إذ لم نر أحدا من فقهاء الإسلام من يفسّق من يصلّي في
كل يوم شهرين قضاء وهو قادر على زيادة الصبح ، والتزام ذلك مكابرة.
قوله : « لا
نسلّم أنّ العموم القرآني لا يختصّ بخبر الواحد ». قلنا : الدليل على ذلك مذكور في
كتب الأصول ، ونزيد هنا وجهين : أحدهما : أنّ الأصحاب بين
__________________
مانع من العمل بخبر الواحد ومجيز ، والمجيز لا يختصّ به ، ويلزم انتفاء
التخصيص على التقديرين. الثاني : إنّا نعارض ذلك الخبر بمثله مما يوجب تنزيله إمّا
على التخيير أو الاستحباب.
قوله : « ما
ذكرته من الدلالة منقوض بما سلّمت ترتّبه ». قلنا : لنا عن ذلك جوابان : أحدهما : أنّا
إنّما سلّمنا ذلك بناء على دلالة قطعيّة توجب التخصيص فإن صحّت وإلّا منعنا الحكم.
الثاني : أنّا نفرّق بسلامة دلالة الترتيب على ما أشرنا إليه عن معارض ، ولا يكون
كذلك ما ادّعوه.
وأمّا الأثر : فما
رواه ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا نام رجل ونسي أن يصلّي المغرب والعشاء ، فان
استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، فإن خاف أن يفوته إحداهما
فليبدأ بالعشاء ، فإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء قبل
طلوع الشمس » . وما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إن نام رجل ولم يصلّ المغرب والعشاء أو نسي ، فإن
استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، فإن خشي أن يفوته إحداهما
فليبدأ بالعشاء ، فإن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصلّ الفجر ثمّ المغرب ثمّ العشاء
قبل طلوع الشمس » .
فإن قيل : هذان
الخبران يدلّان على أن العشاء تمتدّ إلى الفجر ، وهو قول متروك ، وإذا تضمن الخبر
ما لا يعمل به دلّ على ضعفه ، ثمّ هما شاذّان لقلّة ورودهما وبعد العمل بهما.
فالجواب : لا نسلّم
أن القول بذلك متروك ، بل هو مذهب جماعة من فقهائنا المتقدّمين والمتأخّرين ، منهم
الفقيه أبو جعفر بن بابويه وهو أحد
__________________
الأعيان ، وقد ذكر ذلك أيضا الشيخ أبو جعفر الطوسي في « مسائل الخلاف » وحكاه عن بعض
أصحابنا حكاية مشهورة كغيره من المسائل ، وقالوا : « هو وقت لمن نام أو نسي ».
ثمّ نقول : ولو
سلّمنا أنّ الوقت ليس بممتدّ فما المانع أن يكون ذلك كيفية في القضاء؟ ، فإنّ خبر
زرارة الذي هو حجّة في ترتيب الصلوات يتضمّن تأخير المغرب والعشاء حتى يذهب
الشعاع ، ومن المعلوم أنّ الحاضرة لا يتربّص بها ذلك ، فكيف ما يدّعي أنّه يقدّم
على الحاضرة ، وإذا جاز أن يتضمّن هذا الخبر ما يطرحه المحتجّ به جاز مثله في ذلك
الخبر.
وقوله : « هما
شاذّان ». قلنا : لا نسلّم شذوذهما ، وكيف يقال ذلك وقد ذكرهما الحسين بن سعيد والكليني
والطوسي رحمهالله في « التهذيب » و « الاستبصار » . والشيخ أبو
جعفر محمد بن بابويه في كتابه « من لا يحضره الفقيه » وهو الكتاب
الذي أودعه ما يعتقد أنّه حجّة بينه وبين ربّه. ويؤكد امتداد وقت العشاء إلى الفجر
ما رواه أبو الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا طهرت المرأة قبل الفجر صلّت المغرب والعشاء
» . وعن عبد
__________________
الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام « وإن طهرت آخر الليل صلّت المغرب والعشاء » . وعن عمر بن
حنظلة عن الشيخ قال : « إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء » .
وأمّا المعقول
: فنقول : مقتضى الدليل عدم وجوب الترتيب ، ترك العمل به في ترتيب صلاة اليوم
حاضرا أو فائتا ، فيبقى معمولا به فيما عداه. أمّا أنّ مقتضى الدليل عدم الترتيب
فلوجوه : الأوّل : أنّ الترتيب تكليف والأصل عدمه. والثاني : أنّه يتضمن ضررا
بالتزامه وهو منفيّ بقوله صلىاللهعليهوآله : « لا ضرر ولا ضرار » والثالث : أنّه
عسر وليس بيسر وهو منفيّ بقوله تعالى : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ
الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) .
فإن قيل : لا
نسلّم أنّ مقتضى الدليل عدم الترتيب ، قوله : « الأصل عدم التكليف به ». قلنا : لا
نسلّم ، وهذا لأنّ الترتيب هو الأصل ، إذ صلاة اليوم الحاضر مرتّبة فاليوم الذي
بعده كذلك ، فيكون الترتيب باقيا لوجوب قضاء الفائتة كما فاتت. قوله : « يتضمّن الترتيب
ضرر الكلفة وهو منفيّ بقوله : لا ضرر ولا إضرار » قلنا : « هو معارض بقوله صلىاللهعليهوآله : « أفضل العبادات أحمزها » . قوله : هو
عسر وليس بيسر ». قلنا : واطراحه أيضا عسر ، إذ هو تعريض الذمّة لما لا يؤمن معه
اشتغالها فيكون ضرر الآخرة أشدّ بل أعظم
__________________
العسر والضرر ، والإتيان بالترتيب سبب البراءة المفضية إلى السلامة من خطر
العقاب وهو أعظم اليسر ، ثمّ نقول : البراءة الأصلية لا تعارض الحديث وإلّا بطل
الاستدلال بالأحاديث.
والجواب : قوله
: « لا نسلّم أن مقتضى الدليل عدم الترتيب ». قلنا : قد بيّنا ذلك.
قوله : «
الترتيب هو الأصل » قلنا : لا نسلّم ، فإنّا نعني بذلك أنّه لو ثبت لكان مخالفا للبراءة
الأصلية فيثبت في موضع الدلالة.
قوله : « فات
مترتّبا فيقضى كذلك ». قلنا : أمّا الفوات فمسلّم ، فمن أين وجوب قضائه كذلك؟.
قوله ـ على
الوجه الثاني ـ : « هو معارض بقوله صلىاللهعليهوآله : أفضل العبادات أحمزها ». قلنا : هذا يتناول ما دلّ
الدليل على كونه عبادة ، أمّا ما لم تقم الدلالة عليه فلا.
قوله : « ضرر
الآخرة عسر والأمن منه يسر ». قلنا : حق لكن لا نسلّم أنّ هاهنا خوفا وإنّما
يتحقّق ذلك مع وجود الدلالة على المخوّف أمّا مع عدمها فلا ونحن نتكلّم على هذا
التقدير.
قوله : «
البراءة الأصليّة لا تعارض الحديث ». قلنا : سنبيّن أنّ الحديث الّذي أشرت إليه
غير دالّ على موضع النزاع.
احتجّ
الخصم بالنصّ والإجماع والأثر والمعقول
أمّا النصّ ، فقوله تعالى ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ
لِذِكْرِي ) . وقول النبيّ صلىاللهعليهوآله : « لا صلاة لمن عليه صلاة » وقوله صلىاللهعليهوآله : « من نام
__________________
عن صلاة أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها فإنّ ذلك وقتها » .
وأمّا
الإجماع ، فتقريره
بطريقين : الأوّل : أن تعدّد المفتين بها ، ثمّ نقول : ومع اتّفاق الأعيان فيكون
الحقّ في جهتهم. الطريق الثاني : أن يقال : المخالف في هذه المسألة قوم معروفون
فيكون الحقّ في خلافهم وثوقا بأنّ الإمام في المجهول.
وأمّا
الأثر ، فروايات ستّ
: الأولى : رواية سهل بن زياد عن محمّد بن سنان عن ابن مسكان عن
أبي بصير عن أبي عبد الله قال : سألته عن رجل نسي الظهر حتّى دخل وقت العصر قال : «
يبدأ بالظهر وكذلك الصلوات ويبدأ بالتي نسيت » .
والثانية
: رواية عبيد بن
زرارة عن أبيه عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « إذا فاتتك الصلاة فذكرتها في وقت أخرى ، فإن
كنت تعلم أنّك إذا صلّيت الاولى كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي هي فاتتك ، فإنّ
الله تعالى يقول ( أَقِمِ الصَّلاةَ
لِذِكْرِي ) ». .
الثالثة
: رواية عبد
الرحمن بن أبي عبد الله قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت اخرى فقال : « إذا نسي
الصلاة أو نام عنها صلّى حين ذكرها ، فإن ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي ، فإن
ذكرها مع إمام في المغرب أتمّها بركعة ثمّ صلّى المغرب ثلاث ركعات ثمّ يصلّي
العتمة بعد
__________________
ذلك » .
الرابعة : روى عمرو بن يحيى ومعمر بن يحيى عن أبي عبد الله عليهالسلام عن الرجل يصلّي إلى غير القبلة ، ثمّ تبيّنت القبلة وقد
دخل وقت صلاة أخرى ، قال : « يعيدها قبل أن يصلّي هذه التي دخل وقتها ».
الخامسة
: رواية زرارة
عن أبي جعفر عليهالسلام ، سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلّها أو
نام عنها ، فقال : يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار ، فإن دخل
وقت صلاة ولم يتمّ ما قد فاته فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه .
السادسة
: رواية زرارة عن
أبي جعفر عليهالسلام قال : « إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء أو كان
عليك صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها وأقم ثمّ صلّ ما بعدها إقامة إقامة لكلّ صلاة
ـ وقال : قال أبو جعفر عليهالسلام : ـ وإن كنت قد صلّيت الظهر وقد فاتتك الغداة فذكرتها
فصلّ أيّ ساعة ذكرتها ولو بعد العصر ، ومتى ذكرت صلاة فاتتك صلّها. و ـ قال : ـ إن
نسيت الظهر حتى صلّيت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى
ثمّ صلّ العصر ، فإنّما هي أربع ركعات مكان أربع ، وإن ذكرت أنّك لم تصلّ الأولى
وأنت في صلاة العصر وقد صلّيت منها ركعتين فصلّ الركعتين الباقيتين وقم فصلّ العصر
، وإن كنت ذكرت أنّك لم تصلّ العصر حتّى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصلّ العصر
ثمّ صلّ المغرب ، ولو كنت قد صلّيت [ المغرب فقم فصلّ العصر وان كنت قد صليت ] من
المغرب ركعتين ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر ثمّ سلّم ثمّ صلّ
__________________
المغرب ، ولو كنت صلّيت العشاء وقد نسيت المغرب فصلّ المغرب ، وإن ذكرتها
وقد صلّيت من العشاء ركعتين أو أنت في الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلّم ثمّ قم فصلّ
العشاء ، وإن نسيت العشاء الآخرة حتّى صليت الفجر فصلّ العشاء الآخرة ، وإن ذكرتها
وأنت في ركعة أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمّ قم فصلّ الغداة وأذّن
وأقم ، وإن كانت المغرب والعشاء الآخرة فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلّي
الغداة ابدأ بالمغرب ثمّ بالعشاء الآخرة ، فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب
فصلّ الغداة ثمّ صلّ المغرب والعشاء ابدأ بأولهما لأنّهما جميعا قضاء أيّهما ذكرت
فلا تصلّها إلّا بعد شعاع الشمس. قال : قلت : لم ذلك؟ قال : لأنّك لست تخاف فوته »
.
وأمّا
المعقول ، فوجهان : أحدهما
: أنّ الفوائت مضيّقة والحاضرة موسّعة ، فيجب البدأة بالفوائت ، فأمّا أن الفوائت
مضيّقة فلأنّها مأمور بها أمرا مطلقا ، والأمر يقتضي الفورية ، وأمّا أنّ الحاضرة
موسّعة فلأنّا نتكلم على هذا التقدير ، وأمّا أنّه يجب البدأة على هذا التقدير ، فلأنّ
المضيّق يجري مجرى أن يقال فيه : « افعل الآن ولا تؤخّر » ولو صرّح بذلك لوجب
التقديم فكذا ما يؤدّي معناه.
الوجه
الثاني : ترتيب
الفوائت على الحاضرة أحوط فيجب اعتماده ، أمّا أنه أحوط فلحصول براءة الذمّة به
يقينا على المذهبين ، وبتقدير المخالفة لا يحصل اليقين بالبراءة ، وأمّا انّ ما
كان كذلك يجب اعتماده فلوجهين : أمّا أوّلا : فلأنّه دفع لضرر مخوف ودفع الضرر
واجب. وأمّا ثانيا : فلقوله عليهالسلام : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » وقوله عليهالسلام : « اتركوا ما لا بأس به حذار
__________________
ما به البأس » . وبقول الصادق عليهالسلام : « الوقوف عند الشبهة خير من الارتطام في الهلكة » .
والجواب
: عن الاحتجاج
بالآية : أن نقول : سلّمنا وجوب إقامة الصلاة للذكر ، لكن كما يحتمل أن يكون
المراد لوقت الذكر يحتمل أن يكون لطلب الذكر ، سلّمنا أنّ المراد لوقت الذكر ، لكن
كما يتناول الفوائت بهذا المعنى يتناول الحاضرة ، سلّمنا أنّ المراد الفائتة على
الخصوص لكن غايته أن تدل على وجوب الفائتة ، أمّا أنّها مرتبة على الحاضرة فلا. لا
يقال : يلزم من إيجابها وقت الذكر تقديمها على الفائتة. لأنّا نقول : لا نسلّم ، فإنّا
نذهب إلى وجوب الحاضرة والفائتة وجوبا مخيّرا ، أمّا ما لم يتضيّق الحاضرة فحينئذ
تختصّ الحاضرة بوقتها فالوجوب حاصل على كلا التقديرين والخلاف في الترتيب.
والجواب
عن الخبر الأول من وجوه : أحدها : أنّا نمنعه ونطالب المستدلّ بتصحيحه ، فإنّا لم نروه
من طريق أصحابنا ، ولو قال : هذا مقبول بين الأصحاب أعرضنا عن قوله : فإنّه محض
الدعوى. الوجه الثاني : أن نسلّمه مساهلة ثمّ نقول : أحد الأمرين لازم ، وهو إمّا
أن يكون المراد به العموم أو الخصوص ، والأوّل باطل وإلّا لما صحّت له صلاة فائتة
ولا حاضرة ، وإن أراد الخصوص وليس في اللفظ دلالة عليه بقي مجملا ، فإن قال : ظاهره
العموم فيخرج ما وقع عليه الاتفاق وهو الصلاة الفائتة ، قلنا : فحينئذ يكون دلالته
على تقديم الفائتة بطريق العموم فتصادمه العمومات الدالّة على تقديم الحاضرة من
قوله ( أَقِمِ الصَّلاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ) وقوله : « إذا زالت الشمس فصلّ
__________________
الظهر » وقوله : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين » . فلو قيل : ما
ذكرتم عامّ فيحمل على من ليس عليه فوائت. قلنا : والرواية التي أشرت إليها عامّة
فهي تتناول المنع من الحاضرة بطريق العموم فيحمل على المنع من الندب. الثالث : أن
نقول : « على » تقتضي الإيجاب فكأنّه قال : لا صلاة لمن وجبت عليه صلاة. ولم يرد
نفي الواجب فيلزم نفي ما ليس بواجب ، والحاضرة واجبة. ولو قال : الحاضرة ليست
واجبة ، منعنا ذلك ، فإنه في هذا الباب مستدلّ على المنع من الحاضرة ونحن متمسّكون
بأصل الوجوب ، فلو استدلّ بهذه الرواية على سقوط الوجوب في أوّل الوقت لزم الدور.
وامّا
الرواية الثانية فالجواب عنها من وجوه : أحدها : أنّا لا نعرفها والجمهور قد أنكرها أكثرهم ، قال صاحب
كتاب « البحر » : لا أصل لهذه الرواية. الثاني : لو سلّمنا الرواية لكن لا نسلّم دلالتها على
موضع النزاع ، فإنّها تدلّ على وجوب قضاء الفائتة وقت الذكر ، والإجماع عليه ، وكما
يجب عند الذكر فالحاضرة تجب عند دخول الوقت عملا بظواهر الآي والأحاديث. ثمّ نقول
: هي دالّة على وجوب الصلاة وقت الذكر ، فمن أين يجب وجوبا مانعا من أداء الحاضرة.
فإنّ استدلّ بالعموم عارضنا نحن بالعموم الدالّ على وجوب الحاضرة. ولو قال : فقد
روي فذلك وقتها. قلنا : لا نمنع أن يكون وقتها وقتا للحاضرة كما يقال : وقت الظهر
يمتد إلى وقت الغروب بمقدار العصر ، فيقال :
__________________
وقت العصر عند الفراغ من الظهر ، أو إذا صار ظلّ كلّ شيء مثله. فيضاف إلى
العصر وإن كان الظهر شريكا له حتّى يتضيّق الوقت.
وأمّا
دعوى الإجماع فنمنع حصوله ، وتعداده
للمفتين غير حجّة ، إذ الحجّة في قول المعصوم ونحن فلا نعلم دخوله فيهم ، فإن
ادّعى هو للعلم بذلك منعناه ورددناه إلى علمه. ثمّ يقال : إمّا أن تعلم أنّ
الباقين من الإمامية قائلون بمثل قول هؤلاء وإمّا أن لا تعلم. فإن علمت فنحن لا
نعلم وإن لم تعلم لم يكن حجّة لعدم اليقين بموافقة الباقين ولو كفى الاحتمال في
طرفه كفى في طرفنا ، لأنّا نعدّد له جماعة ممن أفتى بما ذهبنا إليه كأبي جعفر
محمّد بن بابويه والحسين بن سعيد والراوندي والعماد الطوسي ، ثمّ لو وجدت
المخالفة من واحد لم تكن كثرة الباقين حجّة ما لم يعضدها البرهان ، أو يتحقّق أنّ
الإمام معهم ، وأمّا تعيينه من خالف وبناؤه على أنّ الحقّ في خلافهم فإنّما يصحّ
لو تيقّن أنّه لا قائل سواهم ، أمّا مع الاحتمال فلا ، فإن ادّعى أنّه يعلم ذلك
أعرض عنه لأنه عين المكابرة. ولو قال : المرتضى يحتجّ بالإجماع. قلنا : المرتضى
أعلم بدعواه ، ونحن الآن لا نعلم بذلك فلا يجوز تقليده فيه ، على أنّ الإجماع قد
يشتبه فيمكن أن يكون الحال كذلك. الثالث أن نعارضه بما رواه الجمهور عن ابن عبّاس عن رسول صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « من نسي صلاة فذكرها وهو في صلاة مكتوبة
فليبدأ بالتي هو فيها ، فإذا فرغ منها فليقض التي ذكرها » .
وأما الآثار : فالأولى
رواية سهل بن زياد عن محمد بن سنان ، وهما ضعيفان جدا فهي إذا ساقطة.
__________________
وأمّا
الثانية ـ وهي رواية
عبيد بن زرارة عن أبيه عن أبي جعفر عليهالسلام ـ فهي دالّة على الصلاة الواحدة ونحن نسلّم هذا في
الصلاة الواحدة خاصّة. لا يقال : الصلاة جنس فهي تستغرق. لأنّا نقول : الجنس ليس
موضوعا لاستغراق الأنواع ، فليس من قال : « خلق الله ماء » كمن قال : « خلق الله
المياه ». بل الأوّل يدلّ على إرادة الجنس المحض المحتمل لإرادة الكلّ أو البعض.
ولهذا إذا قلت : « ماء » صحّ أن تقول واحد وأن تقول كثير وهو في الحالين حقيقة
فعند الإطلاق كما يحتمل إرادة الأنواع والأشخاص يحتمل إرادة القدر الذي يحصل معه
الجنس وهو إمّا الواحد أو الجمع والمتيقّن هو الواحد فينزّل عليه ، فإذا كان
الدليل دالّا على وجوب صلاة الحاضرة كان هذا الحديث معترضا على ذلك الدليل فلا
يخصّ منه إلّا ما يكون متيقّن الإرادة ، كما لو أوصى بحجّ ولم يبيّن أو صلاة ولم
يبيّن ، فإنّه يقتصر على الواحد تمسكا بالأصل في حظر مال الغير. ولا يقال : إذا
كان محتملا نزّل على أتمّ محتملاته ، لأنّا نقول : الدليل العام في إيجاب الصلوات
الحاضرة مانع من التهجّم على تخصيصه بالأمر المحتمل.
وهذا الجواب هو
الجواب عن الرواية الثالثة ، ويزيد في الجواب عنها أن نقول : هذه الرواية خاصّة
تقتضي إرادة الصلاة الواحدة من وجهين : أحدهما : قوله : « من نسي صلاة حتّى تدخل
أخرى » ويبعد عادة أن ينسى الإنسان صلاة يوم أو يومين. وقوله : « حتّى تدخل وقت
أخرى » يؤذن بأنّ الفائتة صلاة مثل الحاضرة . الثاني : قوله : « وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب
أتمها بركعة ثمّ صلّى المغرب » فإنّه يدلّ على أن الفائتة هي واحدة رباعيّة قطعا.
أمّا رواية
معمّر بن يحيى وعمرو بن يحيى ، فظاهرها يدلّ على الصلاة الواحدة ، ولو نازع الخصم
كان ذلك محتملا لأنّه سؤال عن الرجل صلّى ، وصيغة
__________________
الفعل تشتمل على المصدر المنكّر ، ضرورة أنّه يصحّ تفسيره بالواحدة والاثنين
والأكثر ، فلا يكون دالّا على الأكثر بمجرّده.
وأما الرواية
الخامسة ، فلا دلالة فيها على ما نحن بصدده ، بل غايتها إيجاب القضاء مع دخول
الحاضرة ونحن لا ننكر ذلك. ولا يلزم من وجوب قضاء الفائتة سقوط وجوب الأخرى ، فقد
يشترك الفرضان في الوقت الواحد كما يشترك الظهر والعصر في الوقت الأوسط ، والمغرب
والعشاء.
وأمّا الرواية
السادسة ـ وهي رواية زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام ـ فإنّها تتضمّن ثلاثة أحكام : الأوّل : ترتيب الفوائت
بعضها على بعض ونحن نقول به. الثاني : ترتيب صلاة الظهر على العصر وترتيبهما على
المغرب وترتيب المغرب على العشاء ونحن نقول به أيضا لسلامته عن المعارض ، وأمّا
تقديم المغرب والعشاء على الفجر فيحمل على الاستحباب بدلالة ما رويناه عن ابن سنان
عن أبي عبد الله عليهالسلام وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام من البدأة بالفجر ثمّ بالمغرب ثمّ بالعشاء قبل أن تطلع
الشمس .
وامّا
المعقول ، فالجواب عن
الوجه الأوّل أن نقول : لا نسلّم أنّ الفوائت مضيّقة. قوله : « مأمور بها والأمر
المجرّد يقتضي الفور ». قلنا : لا نسلّم أنّ الأوامر المطلقة تقتضي الفور ، فإن
قال : حسن الذمّ مع التأخير دلالة الفورية. قلنا : لا نسلّم حسن المبادرة بالذمّ
إلّا مع ما يدلّ على إرادة التعجيل فإنّ كلّ أحد يصحّ أن يؤخّر ما يؤمر به ساعة
إذا لم يكن ثمّ أمارة لإرادة التعجيل ويعتذر ويقبل عذره غالبا. فإن قال : فقد
ادّعى المرتضى الإجماع على ذلك. قلنا : لم نعرف نحن من الإجماع في هذا ما عرفه السيد
، وفرضنا أن نتوقّف عما لا نعلمه حتّى نعلمه. سلّمنا أنّ الأوامر المطلقة تقتضي
الفورية لكن لا نسلّم أنّ الأمر هنا
__________________
مطلق بل معه دلالة تمنع من الفورية وهي الدلالة الناصّة على وجوب الحاضرة
وأنّ أوّل وقت وجوبها دخول الوقت ، ودلالة المنطوق أولى ، فلو كان أصل الفورية
رافعا لدلالة النصّ لكان ناسخا أو مخصّصا وهما على خلاف الأصل.
والجواب عن
الثاني أن نقول : قوله : « الترتيب أحوط » قلنا : مسلّم. قوله :
« فيجب اعتماده
» قلنا : لا نسلّم. قوله : « أنّه دافع للضرر » قلنا : لا نسلّم أن هنا ضررا ، ثمّ
نقول : متى يجب دفع الضرر إذا كان معلوما أو مظنونا ، أو إذا لم يكن؟ الأوّل مسلّم
وليس هاهنا ظنّ ولا علم. ثمّ نقول : الراجح أنّه لا ضرر هنا ، إذ الضرر مخالفة
المشروع ، والمشروع لا بدّ من استناده إلى دلالة وإذا لم تكن على ذلك دلالة فلا
ضرر بالتفريط فيه. وأمّا استدلاله على الاحتياط بالخبر فنقول : هو معارض بقوله صلىاللهعليهوآله : « الناس في سعة ما لم يعلموا » . وبقوله صلىاللهعليهوآله : « لا ضرر في الإسلام » وبقوله تعالى ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ
حَرَجٍ ) والترتيب حرج والتخيير يسر وهو مراد الله تعالى. وأمّا
قوله عليهالسلام : « اتركوا ما لا بأس به حذار ما بأس به » فلا نسلّم
دلالته على موضع النزاع ، إذ لا يتحقّق هنا بأس بحيث ترك ما لا بأس به لأجله. ثمّ
نقول : لو كان ترك ما لا بأس به واجبا ، لكان بالفعل بأس ، وقد وصف أنّه لا بأس به
، فيكون الأمر المذكور حينئذ ندبا.
وأمّا قوله عليهالسلام : الوقوف عند الشبهة خير من التورّط في الهلكة ، فالتورّط
هو التفعّل من الورطة ، وهي الهلاك ، فظاهر هذا القول يقتضي أنّ الإقدام هلكة بحيث
يجب الوقوف عنه ، ولا يتحقّق ذلك إلّا مع اليقين. ثمّ نقول :
__________________
الموصوف بالخير هو الوقوف عند الشبهة ، ولا نسلّم أنّ هنا شبهة. ثمّ لو
سلّمنا ذلك لكانت دلالة الحديث على أنّ الوقوف عند الشبهة خير ، أمّا أنّ كلّ خير
ففعله واجب فلا ، فيحمل على الاستحباب ، ونحن فقد قلنا : إنّ تقديم الفوائت أفضل
ليتخلص به من الخلاف.
المسألة السابعة في جرّ النفع بالقرض :
من أقرض غيره
مالا ليجرّ به نفعا فيه روايتان : أحدهما الجواز ، والأخرى المنع ، وهذه الترجمة
قد تظهر في صور ، فلنذكر صورة ممّا وقع التجاذب فيه ليتناولها البحث محرّرا فنقول
:
من أقرض غيره
مالا ليبتاع منه شيئا بأكثر من ثمنه لا على وجه التبرّع من المقترض ، بل على وجه
لو قيل للمقرض : لم أقرضت؟ قال : لأكتسب بسبب القرض ، وبحيث لو لم يحابه المقترض
لما أقرضه ، هل يجوز ذلك؟ فيه تردّد. ولنذكر ما يحتجّ به لكل واحد من الوجهين.
أمّا الإباحة
فيمكن أن يحتجّ لها بوجوه :
الأوّل العقد المذكور بيع ، فيجب أن يكون حلالا لقوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) ، واللفظ عام إذ لا معهود هناك.
الثاني وجد في كتب جماعة من الأصحاب ما صورته : ولا بأس أن
يبتاع الإنسان من غيره متاعا أو حيوانا أو غير ذلك بالنقد والنسيئة ويشترط أن
يسلّفه البائع شيئا في بيع أو يقرضه شيئا معلوما إلى أجل أو يستقرض منه. وتوارد
على هذا اللفظ أو معناه الشيخ المفيد والسيّد المرتضى وأبو جعفر الطوسي وكثير ممّن
تابعهم رحمهمالله ، فيجب أن يكون حجّة ، إمّا لأنّه إجماع ، أو لأنّه
__________________
قول مشهور لم يوجد له مخالف.
الثالث قوله تعالى ( لا تَأْكُلُوا
أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ
مِنْكُمْ ) . ونحن نتكلّم على تقدير التراضي.
الرابع ما رواه محمّد بن مسلم عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام : أو ليس خير القرض ما جرّ المنفعة . ومثله ما
رواه ابن بكير عن محمّد بن عبده . ومثله روى الحسن بن علي بن فضّال عن رجاله عن الصادق عليهالسلام . وما رواه الصفّار عن محمّد بن عيسى عن علي بن محمّد
وقد سمعه من علي قال : كتب إليه : القرض يجرّ المنفعة هل يجوز؟ فكتب : يجوز ذلك .
الخامس ما رواه عبد الملك بن عتبة قال : سألته عن الرجل يكون
لي عليه المال قبل ذلك فيطلب مني مالا أزيده على مالي الذي لي عليه أيستقيم أن
أزيده مالا وأبيعه لؤلؤة تساوي مائة درهم بألف درهم ، فأقول له : أبيعك هذه
اللؤلؤة بألف درهم على أن أؤخرك بثمنها وبما لي عليك كذا وكذا شهرا؟ قال : لا بأس . وما رواه
محمّد بن إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليهالسلام قلت : يكون لي على الرجل دراهم فيقول لي : أخّرني بها
وأنا أربحك فأبيعه جبّة تقوّم عليّ بألف درهم بعشرة آلاف درهم أو قال بعشرين ألفا
أؤخره بالمال قال : لا بأس .
__________________
السادس هذا شرط لا يخالف الكتاب والسنّة ، فيجب أن يكون سائغا
، لقوله عليهالسلام : المؤمنون عند شروطهم .
السابع أن يقول : مقتضى الدليل الحلّ ، ولا معارض ، فيجب العمل
بالمقتضي. أمّا أنّ مقتضى الدليل الحلّ فلوجهين : أحدهما : أن الأصل في الأشياء
الإباحة. الثاني أنّ المال لهما ولهما ولاية الالتزام وقد التزما فيجب أن يلزم.
والاعتراض على
الاستدلال بالآية من وجوه ثلاثة : الأول بمنع العموم فإنّه إمّا أن يدّعى العموم
لصيغة الجنس وإن كانت منكّرة ، وإمّا الألف واللام وإمّا لصيغة الجنس المحلّاة
بالألف واللام. وكلّ واحد منها ممنوع. أمّا الجنس المجرّد عن الألف واللام فدعوى
العموم في صيغته محال ، لأنّه نكرة تدلّ على الجنسيّة المحضة التي لا إشعار فيها
بعموم ولا خصوص ، فدعوى الاستغراق فيها بمجرّدها محال ، فإنّا نعلم اضطرارا أنّ
قولنا : « خلق الله ماء » لا يدلّ على ما يدلّ عليه قولنا : « خلق الله كلّ ماء »
إذ يفهم من الأوّل معرفة الجنسيّة المحضة ، ومن الثاني إرادة الإخبار عن جميع
الأفراد.
لا يقال : نصّ
أهل العربيّة على أنّ المصدر جنس الأفعال وأنّه مستغرق لكثرة لا نهاية لها ، فلذلك
لا يثنّي ولا يجمع ، لأنّ الجمع والتثنية ضمّ شيء إلى غيره ، ولا يفرض ذلك في
الجنس.
أنّا نجيب من
وجوه :
الأوّل أنّا نمنع الاحتجاج بقول النحاة ، لأنّهم لا ينقلون ذلك
نقلا ، وإنّما يدّعون حصوله اجتهادا وهم أهل قياس واستقراء ، فنحن نطالبهم بالدليل
كما نطالب الأصولي.
__________________
الثاني أنا ننزل على اقتراحه في تقليد النحاة ، ثمّ نقول : لا
نسلّم أنّهم قصدوا الاستغراق الاصطلاحيّ ، لأنّ العموم الأصوليّ عبارة عن اللفظ
المتناول لكلّ ما يصلح له بحسب وضع واحد ، فإذا قال النحوي : الجنس مستغرق لا يريد
هذا المعنى ، بل يريد أنّ موضوع هذا اللفظ مستغرق لأنواعه وأشخاصه ، بمعنى أنّ ذلك
المعنى الذي هو الجنس نفسه موجود مع الأنواع والأشخاص ، ثمّ لا حصر لتلك الأشخاص
فلا نهاية لكثرته بالقوّة إذ المعقول في الماء موجود في أيّ ماء فرضت ، لأنّ
لفظة « ماء » إذا أطلقت دلّت على أنّ المتكلم أراد بها جميع أشخاص ما يندرج تحت
موضوعها ، فالغلط من هذا الحاكي نشأ من حيث سمع النحوي يقول : الجنس مستغرق فظنّ
أنّ المراد كون اللفظ الدالّ على الجنس عند التلفّظ به يدلّ على كلّ شخص من أشخاص
أنواعه ، لكن النحوي لو أراد ذلك لكان غالطا ، إذ ليس قولك : ضرب وقتل وشتم دالا على ما يدلّ عليه
قولنا : كلّ قتل ولا كلّ شتم ، وفرق بين عموم الجنس وبين عموم اللفظ الموضوع للجنس
، فعموم الجنس عموم معنوي ، والأصولي لا يطلق العموم بالحقيقة إلّا على الألفاظ
دون المعاني. وقد قال المرتضى ( قدّس الله روحه ) في الذريعة : وأمّا اسم الجنس
كقولنا : الذهب والفضّة ، فإنّه لا يجوز أن يراد بهما عموم ولا خصوص ، ولا
يتصوّران في مثله ، وإنّما يراد محض الجنسيّة التي تميّزت عن غيرها ، وكذا العين
والرقيق. وقال : لفظ الناس والنساء قد يراد بهما في بعض المواضع المعنى الذي ذكرنا
من الجنسيّة من غير عموم ولا خصوص ، وقد يكون في مواضع محتملة للعموم والخصوص . ففرّق هذا
الفاضل بين الجنسيّة وبين العموم والخصوص ، فإذا الجنس عبارة عن الماهية المشتركة
بين الأنواع
__________________
المقوّمة لها ، واسم الجنس هو اللفظ الدالّ على ذلك المشترك. والاستغراق
اللفظي عبارة عن استغراق أجزاء كلّ ما يصلح له ، والاستغراق الجنسي عبارة عن حصول
ذلك الجنس لكلّ نوع منه وشخص من أنواعه. فقد بان غلط من توهّم على النحاة أنّ اسم
الجنس المنكّر عامّ بالعموم الاصطلاحي.
ثمّ يدلّك على
استحالة أن يكون اسم الجنس المنكّر عامّا بالعموم المستغرق وجوه ثلاثة :
أحدها
: أنّ أقعد
المصادر في الجنسيّة المصدر الذي يذكر مع فعله مؤكّدا ، فإنّ ما يذكر لا مع فعله
أو مشابهة يكون بحكم بقيّة الأسماء في أنّه قد لا يقصد به بيان الجنسيّة ، وكذا ما
يذكر مع فعله لبيان نوعه أو عدد مرّاته ، ولا يذكر لبيان الجنسيّة المحضة إلّا
المؤكّد ، ومع ذلك لا يدلّ لفظه على العموم فإنّك إذا قلت : ضرب ضربا احتمل أن
يكون قليلا أو كثيرا ضرورة أنّه يجوز أن يقرن بالكثرة أو القلّة ، ولا يكون ذلك
نقضا ولا تكريرا.
الوجه
الثاني : أنّك تقول :
ضرب زيد ضربا ، ومن المعلوم أنّ الحدث الذي دلّ عليه ضرب خاص ، والضرب الذي أكّد
به لا يزيد عن المؤكّد ، وإنّما يزيده تحقيقا ، وإذ لم يكن لفظ المؤكّد مستغرقا
فاللفظ المؤكّد به كذلك.
الثالث : أجمع النحاة أنّ النكرة كلّ اسم يصلح لكلّ واحد من
جنسه على البدل ، كرجل وامرأة وفرس وشجرة وأكل وشرب ونوم ويقظة وحياة وموت ، فلو
كان المصدر مستوعبا لأنواعه وأشخاصه بمعنى أنّه إذا نطلق به دلّ على الكلّ لكونه
جنسا لزم أن تكون أسماء الأجناس كلّها كذلك ، لمشاركتها في الجنسيّة ، فكان يلزم
إذ قال : خلق الله موتا أو حياة أن يكون إخبارا أنّه فعل كلّ ما يقع عليه ذلك
الاسم ، حتّى يكون كقوله : خلق الله كلّ موت وكلّ حياة ، لكن ذلك باطل. وقد نصّ
النحاة على أنّ المصدر إذا كان مختلف الأنواع فعند إطلاقه لا يعلم المراد من
أنواعه حتّى يبيّن ، والبيع مختلف الأنواع فإذا ذكر مجرّدا عن
البيان كان محتملا.
وأمّا كون
اللام موضوعة للاستغراق فممنوع أيضا من وجهين :
أحدهما : أنّه قد ثبت أنّها موضوعة للتعريف ، إمّا لمعهود أو
لحاضر أو لتعريف الجنس ، وقد يكون بمعنى الذي وللتفخيم وزائدة ، فيجب نفي
الاستغراق صونا للّفظ عن كثرة الاشتراك ، لأنّ الأصل عدمه.
الثاني : أن وضع الحروف للدلالة على شيء مستفاد من الوضع
المستفاد من النقل ، وحيث لا نقل فلا وضع ، إمّا في نفس الأمر أو بالنسبة إلى
المباحث.
وربما توهّم
غالط أنّ المراد بتعريف الجنس هو المراد بالاستغراق وهو خطأ ، لأنّا قد بيّنا أنّ
الجنس هو المشترك المقوّم لكثيرين مختلفين بالحقائق وأنّ اسم ذلك ليس عامّا
مستغرقا ، فالتعريف إذا تعريف لذلك القدر المسمّى جنسا.
لا يقال : فما
الفائدة بدخول الألف واللام بتقدير عدم إرادة الاستغراق. لأنّا نقول : ما المانع
أن يكون المنكّر من أسماء الجنس يحتمل الواحد ويحتمل النوع ويحتمل الجنس ، بل
إرادة الشخص منه أقرب في قولك : أباح الله ضربا ، فإذا أدخلت اللام ولم يكن معهودا
أفادت الجنس من حيث هو ، أي دلّت على إرادة الجنسيّة المحضة لا غير.
وأمّا كون
العموم للصيغة المحلّاة بالألف واللام فباطل أيضا ، لأنّه ما لم يثبت كون أحدهما
موضوعا للعموم ، فمجموعهما كذلك لعين ما ذكرناه من التمسّك بالأصل السالم عن
المعارض.
لا يقال : المعارض
موجود ، وهو جواز الاستثناء من الجنس المعرّف ، فإنّه يصحّ أن يقول : أحلّ الله
البيع إلّا البيع الفلاني ، والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله تحت
المستثنى منه. أمّا أوّلا ، فلأنّه مشتقّ من الثني ، وهو المنع والصرف ، وأمّا
ثانيا ، فلأنّ الاستثناء من الأعداد يخرج ما لولاه لوجب دخوله ، فيكون حقيقة
موضوعة لذلك دفعا للاشتراك.
لأنّا نقول : لا
نسلّم أنّ الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل تحته وجوبا ، بل لم لا تكفي الصلاحية؟
قوله : إنّ الاستثناء مشتقّ من الثني وهو المنع والصرف. قلنا : سلّمنا ذلك ، لكن
كما يتحقّق المنع والصرف مع الوجوب يتحقّق مع إخراجه من الصلاحية.
قوله : الاستثناء
في الأعداد يخرج ما لولاه لوجب دخوله. قلنا : نسلّم ، لكن لم لا يجوز أن يكون
الاستثناء هناك لعموم الصلاحيّة لا لخصوص الوجوب ، إذ الوجوب لا ينفكّ عن الصحة.
لا يقال : لو
كفت الصلاحية لجاز الاستثناء من الجمع المنكّر ، بل من النكرة الواحدة ، فإنّها
تعمّ بدلا.
لأنّا نقول : أمّا
الجمع المنكّر فيجوز الاستثناء منه إذا كان المستثنى معرفة كقولك : رأيت رجالا
إلّا زيدا على ما حكاه ابن السّراج في الأصول فأمّا المنكّر ، فإنّه لا يجوز لا لعدم وجوب التناول ، بل
لعدم الفائدة. وكذا الاستثناء من النكرة الواحدة ، فإنّه لا فائدة فيه ، أو لأنّ
الاستثناء إخراج بعض من كلّ ، ولا يتحقّق في الاستثناء من النكرة الواحدة.
ثمّ نقول : لو
كان وجوب التناول معتبرا في المستثنى منه لما جاز أن يقال : لقيت جماعة من العلماء
إلّا زيدا لأنّه استثناء من نكرة لا تعمّ.
لا يقال : نصّ
النحاة على أنّ اللام إذا دخلت على اسم الجنس أفادت الاستغراق.
__________________
لأنّا نقول : ليس
كلّهم قال ذلك ، وقول البعض ليس حجّة ، إذا لم يحتجّ بالنقل وعوّل على الاستخراج ،
فصار قوله كقول غيره من أرباب الأصول الذاهبين إلى ذلك ، وحينئذ نطالبه بالدليل.
وقد استدلّ على
أنّ الألف واللام إذا دخلت على اسم الجنس أفادت الاستغراق : لجواز وصفها بالجمع
كما قيل أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض وهي العين العور.
والجواب من
وجهين :
أحدهما أنّ ذلك مجاز ، وفهم العموم منه بقرينة الوصف بالجمع ، ويدلّك
على المجاز عدم الاطّراد ، فإنّك لا تقول : المرأة الحسان ، ولا الفقيه العلماء ، ولا
النحوي الأدباء ، ولو كانت حقيقة فيه لاطّرد ولعذب كما يعذب سماع الفقيه العالم
والنحوي الأديب. وتفاوت ذوق الاستعمال دليل على التفاوت في الوضع ، وقد يستعمل
الخاصّ في العموم كما يقال : يا غافلا والمنايا تسير إليه ، وكقوله تعالى ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها
) .
والثاني أن نقول : ما ذكرته يرد بتقدير أن نقول هو حقيقة في
الخصوص ، أمّا إذا كنّا نقول هو دالّ على الجنس المحض فلا إشعار له بخصوص ولا عموم
، وإنّما يستفاد كلّ واحد منهما بما ينضم إليه من الضمائم ، فإنّ ما ذكرته غير
وارد ، بل يكون وصفه بالجمع دليلا على إرادة الجمع ، ووصفه بالواحد دليلا على
إرادة الواحد.
ثمّ نقول : لو
كان وصفه بالعموم دليلا على كونه حقيقة في الاستغراق مع ندرته ، لكان وصفه بالمفرد
دليلا على كونه حقيقة في الواحد مع اطّراد استعماله
__________________
وكثرته ، لكن ليس حقيقة في أحدهما فيكون حقيقة في القدر المشترك ، وهو
الجنسيّة المحضة.
لا يقال : هذا
اللفظ وإن لم يكن حقيقة في العموم فهو دالّ على الماهيّة المسمّاة جنسا ، فإذا
علّق الحكم بها ثبت حيث ثبتت.
قلنا : هذا حقّ
لكن يدلّ على ثبوت ذلك الحكم باعتبار تلك الماهيّة من حيث هي ، ولا يدلّ على ثبوته
مع العوارض المشخّصة ، إذ من الجائز أن تكون تلك المشخّصات منافية ، كما أنّك تقول
: الفرس خير من الحمار ، فهو حكم على الماهيّة الفرسيّة بأنّها خير من الحمار ، ولا
يلزم من ذلك أن تكون تلك الخيريّة ثابتة في كلّ شخص ، حتّى لو وجد فرس ضاوي لكان خيرا من
حمار تامّ سويّ. إلّا أن يقال : الأصل عدم كون العوارض مانعة من التحاق ذلك الحكم
بالجنس ، وحينئذ نقول : هذا تمسّك بالأصل ، لا تمسّك باللفظ ، فإذا وجد المنافي
كان مصادما للأصل ، لا مصادما للفظ.
الوجه
الثاني من الاعتراض
على الاستدلال بالآية : أن نقول : متى تكون الألف واللام دالّة على الاستغراق؟ إذا
كان هناك معهود أو إذا لم يكن ، وهاهنا معهود.
وبيانه من
وجهين :
أحدهما أن المشركين قالوا ( إِنَّمَا الْبَيْعُ
مِثْلُ الرِّبا ) ثم قال ( وَأَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) فحينئذ يكون البيع الثاني إشارة إلى الأوّل المعهود
لأنّ الثاني وقع جوابا عن الاعتراض.
الثاني جاء في التفسير أنّهم مثّلوا البيع بثمن زائد مؤجّل
بالزيادة على الدين الحالّ طلبا للتأخير ، وهو بيع خاصّ فيكون اللام تعريفا له ، وقد
__________________
يجري في المعهود بالقرينة لفظيّة كانت أو حاليّة أو عقليّة.
ولو قيل : ما
المانع أن يكونوا شبّهوا جنس البيع بجنس الربا وإن لم يكن حقا ، فيكون التحليل
لجنس البيع لا لبيع خاصّ ، قلنا : الذي يظهر أنّ العاقل لا يشبّه البياض بالسواد
وإنّما يشبّهه بما يمكن اشتباهه به.
لا يقال : هذا
محتمل فلا يصار إليه ، لأنّا نقول : بل هذا مقطوع به أو مظنون. ثمّ نقول : لو لم
يكن مشبّها لما كان الجواب كذلك ، ولكان الجواب ببيان عدم التماثل.
ولو قال : كما
يجوز الجواب ببيان عدم التماثل يجوز بمثل الجواب الذي في الآية. قلنا : كان يكون
ذلك الجواب أتمّ ، والحكيم لا يعدل عن الأتمّ إلى غيره وهو يصلح جوابا.
هذا كلّه على
الأغلب ، فلو قال : العامّ لا يخصّ بالاحتمال ، قلنا : هذا ليس من ذاك ، لأنّ العموم لا يتحقّق هنا
إلّا بشرط عدم المعهود ، ومع الأمارة الدالّة على المعهود لا يكون عامّا وليس كذلك
ما تقرّر عمومه إذا ورد على السبب الخاصّ.
الاعتراض
الثالث : أن نمنع
تناول الآية لموضع النزاع ، لأنّها دالّة على تحليل البيع الذي هو المصدر ، فلا
يلزم تحليل المبيع ، كما أنّ النهي عن البيع لا يلزم منه النهي عن المبيع ، أو
نقول : إمّا أن يريد تحليل صيغة البيع أو المبيع ، وأيّهما كان لا يدلّ على موضع
النزاع. أمّا إن كان المراد المصدر فحينئذ لا يدلّ
__________________
على إرادة المبيع. وإن أراد الثاني فيكون حينئذ مشتقًّا والمشتقّ المعرّف
لا يعمّ. ثمّ نقول : ولو دلّ على موضع النزاع ، لدلّ على تحليل البيع بما هو بيع ،
وليس بحثنا في حلّ البيع من حيث هو ، بل في جواز اشتراط المحاباة في القرض ، وذلك
لا تدلّ عليه الآية بالخصوصية.
وأمّا الاستدلال بما يوجد في كتب الأصحاب ، فالجواب عنه من
وجوه :
الأوّل : إمّا أن يدّعي أنّ إجماع الخمسة أو الستة من
الإماميّة حجّة ، وإمّا أن يدّعي أنّ إجماع العدّة المذكورة دليل على دخول من قوله
حجّة فيه. وكيف ما قال طالبناه بالدليل. بل الذي نقوله نحن أنّ فتوى الألف ليس
حجّة ما لم يعلم دخول المعصوم فيه ، فكان عليه بيان ذلك.
فإن قال : الجماعة
من المتقدّمين يستدلّون بالإجماع ، ولا يذكرون ما شرطته. قلنا : إنّما يستدلّون
بما علموا دخول المعصوم فيه ، أو ما يدّعون دخوله فيه ، إمّا لعلم أو شبهة ، ويصرّحون
بأنّ كلّ ما لا يعلم دخول المعصوم فيه فليس إجماعا.
ولو قال : لو
لم يكتف في الإجماع بفتوى الأصحاب لما وجد الإجماع. قلنا : إن أردت بالأصحاب الكلّ
أو من يعلم دخول المعصوم في جملتهم فحقّ ، وإن أردت الاقتصار على فتوى الخمسة
والعشرة طالبناك بالدلالة.
ولو قال : اتّفاق
الجماعة وعدم المخالف دليل على دخول المعصوم ، منعنا هذه الدعوى حتّى يقيم
برهانها.
ثمّ نقول : التعداد
دليل على انحصار المعدودين ، وكلّ واحد منهم ليس معصوما فلا يكون قولهم حجّة.
الوجه
الثاني : لو سلّمنا
الاتّفاق على اللفظ المشار إليه ، لما كان إجماعا على صورة النزاع. فإن قال : اللفظ
بإطلاقه يتناول موضع النزاع. قلنا : المذهب لا يصار إليه من إطلاق اللفظ ما لم يكن
معلوما من القصد ، لأنّ الإجماع مأخوذ
من قولهم : أجمع على كذا إذا عزم عليه ، فلا يدخل في الإجماع على الحكم
إلّا من علم منه القصد إليه كما أنّا لا نعلم مذهب غيرنا من الفقهاء الذين لم ينقل
مذاهبهم لدلالة عموم القرآن وإن كانوا تالين له.
لا يقال : العامّ
حقيقة في الاستغراق ، وعند إيراده مجرّدا لو لم يعلم القصد لكان المسمع له ملغزا.
قلنا : الذي ثبت في الأصول أنّه يجوز إسماع العامّ من لم يسمع الخاصّ ، وإذا جاز
أن يسمع غيره عموما ويكون له خصوص لم يسمعه. لم يتيقّن إرادة العموم إلّا بعد
العلم بعدم المخصّص ، ولهذا نسمع نحن عمومات القرآن المجيد ، ولا نحكم بإرادة
العموم على الجزم إلّا بعد العلم بعدم المخصّص. نعم نحكم بالعموم بعد الاجتهاد
وعدم المخصّص بظاهر العموم حكما ظاهرا لا قاطعا.
هذا كلّه مع
تقدير عدم الظفر بما يمكن أن يكون مخصّصا ، فكيف وفي الأحاديث والفتاوى ما يدلّ
على التخصيص أو يحتمل.
الوجه
الثالث : أن نسلّم
أنّهم إنّما أجازوا اشتراط القرض في البيع ، لكن لم ينصّوا على أنّ المقرض توصّل
بالقرض إلى البيع ، وقد وجد من الأحاديث ما يدلّ على المنع من ذلك ، فيحمل ذلك
اللفظ على الجواز ما لم يكن المقرض توصّل به ، توفيقا بين اللفظين ، كما أن كثيرا
يطلقون جواز العارية والهبة ولا يلزم من إطلاق ذلك جواز اشتراط أحدهما في عقد
القرض.
وأمّا
الاستدلال بقوله تعالى ( إِلّا أَنْ تَكُونَ
تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) ، فنقول : هذه ليست من ألفاظ العموم ، فهي إذا تصدق
بالصورة الواحدة ثمّ نقول : الجواز مشروط بكونه ليس باطلا فلا يثبت الحلّ ما لم
ينتف الباطل ويثبت التراضي. ولو قال : الأصل عدم كونه باطلا. قلنا : والأصل بقاء
المال على
مالكه ثمّ نقول : التجارة مشروطة بالتراضي ، ونحن نفرض امتناع
المقترض من التسليم وقت المطالبة ، فلا يتحقّق الرضا هناك.
وأمّا
الاستدلال بالآثار الدالة على جواز جرّ النفع بالقرض ، ففيها رواية ابن بكر وهو
ضعيف ، ورواية في طريقها ابن فضّال وهو فطحي ، ورواية
موقوفة ، فلم يبق إلّا رواية محمّد بن مسلم ، وهي معارضة
بالروايات التي يرويها الخصم . وأمّا رواية عبد الملك فإنّها عريّة من بيان المسئول ، فلعلّ
المجيب ممّن لا يجب تقليده فهي إذا ساقطة.
وما رواه محمّد
بن إسحاق بن عمّار فيحتمل وجوها : أحدها أن يكون التأخير لثمن اللؤلؤة لا الدين
ويكون عينة الثاني أن يقال : لو سلمت لما
__________________
تناولت موضع النزاع ، لأنّ البحث في من أقرض ليجرّ نفعا لا متطوّعا به لا
في من باع ليؤخّر دينا حالّا.
ولو قال : فإنّ
محمّد بن إسحاق بن عمّار روى ما يدلّ على صورة النزاع ، وهي قصة سلسل فإنّه أجاز
أن يقرضها مائة ألف ويبيعها ثوبا وشيئا معه بتسعة آلاف درهم ويسمّي سنة أو شهرا ، فلنا عن ذلك
أجوبة : أحدها أنّ الرواية لم تثبت إذ لم تنقل في غير كتاب محمّد المذكور. والثاني
أنّها قضيّة في واقعة مخصوصة فلا عموم لها. الثالث أنّ مثل هذه يجوز أن يؤخذ منها
الزيادة لوجوه لا تخفى.
الثالث أن يعارضه بما رواه يعقوب بن شعيب ، وهو قوله : فان كان
يفعل ذلك معروفا فلا بأس ، وإن كان إنّما يقرضه من أجل أنّه يصبّ عليه فلا يصلح .
وأمّا
الاستدلال بكونه شرطا لا يمنع منه الكتاب والسنّة. قلنا : لا نسلّم ، بل الكتاب
مانع منه ، والسنّة أيضا ، وسيذكر ذلك.
وأمّا
الاستدلال بالأصل فنقول : كما أنّ الأصل الحلّ ، فالأصل حرمة مال الغير ، فبتقدير
الامتناع من الإقامة على ذلك الشرط يلزم الحرمة. ولأنّ التمسّك بالأصل مشروط بعدم
المعارض الشرعي ، وقد وجد المعارض ، وهو ما يستدلّ به الخصم.
قوله : لهما
ولاية الالتزام. قلنا : لا نسلّم ، فإنّ الإنسان لو ألزم نفسه ما لم يدلّ الشرع
على لزومه لما لزم.
__________________
وأمّا
التحريم فيمكن أن
يحتجّ له بوجوه :
الأوّل البيع بالمحاباة نفع وهو مشترط في القرض ، فيجب أن يكون حراما. أمّا أنّه
نفع ، فلانّ النفع هو ما يؤدّي إلى سرور أو فائدة مقصودة ، ونحن نتكلّم على هذا
التقدير. وأمّا أنّها مشترطة في القرض ، فلانّ الشرط هو العلامة من قولهم : أشراط
الساعة ، وكلّ علامة بين الإنسان وغيره فهي شرط ، وإذا كان التقدير إنّه يقرضه
ليربحه لا تبرّعا من المقرض ، بل لأنّ الربح في مقابل القرض فقد صار
علامة بينهما على القرض ، فيكون شرطا ولا يظن أنّ الشرط عبارة عن التلفّظ بقولك : بشرط كذا ، فإنّ
هذا الظنّ فاسد.
وإنّما قلنا : إنّه
إذا كان كذلك كان حراما لقوله ( وَحَرَّمَ الرِّبا ) والربا هو الزيادة التي لا عوض لها ، ومعلوم أنّ اشتراط
المحاباة نفع لا عوض له.
يؤيّد ذلك ما
رواه محمّد بن قيس ، قال : من أقرض غيره مالا فلا يشترط إلّا مثل وزنه وقوله عليهالسلام : إذا جرّ القرض نفعا فهو ربا .
لا يقال : لفظة
الربا يرد عليها ما يرد على لفظة البيع ، لأنّا نجيب من وجهين :
أحدهما
أنّا نقول : علّة
التحريم في كلّ صورة فرضت من الربا كونها ربا ، فيكون التحريم عامّا ، كما أنّ
قوله ( الزّانِيَةُ
وَالزّانِي ) يفهم منه العموم من
__________________
حيث عرف أنّ العلّة في الحدّ كونه زانيا ، وقد يفهم التعميم بالقرينة كما
قرّرناه أوّلا.
الثاني : أن نقول : أجمع المسلمون أنّ كلّ ما صدق عليه أنّه
ربا يجب أن يكون حراما ، وقد صدق على هذا كونه ربا ، فيجب أن يكون حراما.
ولا يقال : الربا
اسم شرعي فيرجع بيانه إلى الشرع ، وقد روي أنّ الربا بيع الدرهم بدرهمين ، وفي رواية
بيع المكيل والموزون متفاضلا . لأنّا نمنع ذلك ، بل هو اسم للزيادة من غير عوض لغة
وشرعا ، فإنّ الأصل عدم النقل. والتفسير الأوّل متروك إجماعا إذ لا يشترط في
التحريم بيع المثل بمثليه. والتفسير الثاني يختصّ البيع ، لأنّ القرض يحرم فيه
اشتراط الزيادة وإن لم يكن مكيلا ولا موزونا ، كبيضة ببيضتين ، أو ثوب بثوبين ، وتحريم
الزيادة لا يشترط فيه أن يكون من جنس المزيد.
الوجه
الثاني : ما رواه
يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن الرجل يسلّم في مبيع عشرين دينارا ويقرض
صاحب السلم عشرة دنانير أو عشرين دينارا قال : لا يصحّ إذا كان قرضا يجرّ المنفعة .
لا يقال : إذا
تبايعا على المنفعة لم تكن المنفعة مجرورة بالقرض. قلنا : البيع مجرور بالقرض
الجارّ للمنفعة ، فيكون القرض جارّا لهما ، أحدهما بالأصل ،
__________________
والآخر بالتبع. على أنّ البيع نفسه يعدّ نفعا وهو
مجرور بالقرض.
وروى يعقوب بن
شعيب أيضا قال : سألته عن الرجل يأتي حريفه وخليطه فيستقرضه الدنانير فيقرضه ، ولو
لا أن يخالطه ويحارفه ويصبّ عليه لم يقرضه. فقال : إن كان معروفا بينهما فلا بأس ،
وإن كان إنّما يقرضه من أجل أنّه يصبّ عليه فلا يصحّ .
الثالث : ما رواه محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام : ولا يأخذ أحدكم ركوب دابّة ولا عارية متاع يشترط من
أجل قرض ورقه . والمنع عامّ فهو يتناول منع التوصّل بالقرض إلى
الفائدة ، سواء كان باشتراط محاباة أو مطلقا ، عملا بإطلاق اللفظ.
الرابع : رواية خالد بن الحجّاج قال : جاء الربا من قبل الشرط
، وإنّما تفسده الشروط . لا يقال : هذا ليس بمشروط ، لأنّا نقول : كلّ ما لم
يتبرع المقترض فهو مشروط قطعا.
الخامس : رواية الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : الذهب بالذهب والفضّة بالفضّة ، والفضل بينهما هو
المنكر . لا يقال هذا مختصّ بالبيع ، لأنّا نمنع ذلك ، إذ الفضل
هو الزيادة من جنسه أو غير جنسه.
السادس : أن يقال : لو جاز اشتراط بيع المحاباة في القرض لجاز
اشتراط الهبة والعارية ، لأنّ كلّ واحد منهما عقد لو انفرد لأفاد الحلّ ومع
اشتراطه في
__________________
القرض يحرّم ، فاللفظ الدالّ على تحريمه كما يتناول هذين الموضعين ، يتناول
موضع النزاع.
السابع
: أن يقال : اختلفت
الروايات في المنع والجواز ، فيجب الاحتياط دفعا للضرر المظنون المستفاد من
الأحاديث المانعة.
ولنذكر ما يمكن الاعتراض به :
أمّا الاستدلال
بالآية فنقول : لا نسلّم أن اشتراط المحاباة في القرض ربا.
قوله : هي
زيادة. قلنا : مسلّم لكنّها زيادة غير ماليّة ولا متقوّمة بالمال ، فلا تؤثر في
التحريم. ولو قال : هي وإن لم تكن ماليّة لكنّها نفع زائد على القرض. قلنا : مسلّم
لكن لا نسلّم أنّ كلّ نفع ربا.
واستدلاله
برواية محمّد بن قيس ضعيف من حيث جهالة محمد بن قيس فإنّ من أصحابنا من هو بهذه
السمة وهو ضعيف ، ونحن فلا ندري لعلّ المشار إليه هو الضعيف .
وما روي من أنّ
القرض إذا جرّ نفعا فهو ربا ، هي رواية أبي الجارود ، وهو ضعيف
أيضا. ولو ادّعى اشتهارها عارضناه برواية محمّد بن مسلم .
وأمّا رواية
يعقوب بن شعيب فمعارضة برواية محمّد بن مسلم.
وأمّا الرواية
المتضمّنة لقوله : ولا يأخذ أحدكم ركوب دابّة ولا عارية متاع
__________________
لأجل قرض يقرضه ، قلنا : روى ذلك محمّد بن قيس وقد بينّا وجه التوقف فيه .
وأمّا رواية
خالد بن الحجّاج فانّا نجهل حال الراوي ، مع أنّها محتملة .
وأمّا رواية
الوليد بن صبيح فإنّها صريحة في المعارضة ، ولو احتمل القرض لكان احتمالا ضعيفا.
وأمّا قوله : لو
ساغ اشتراط المحاباة لساغ اشتراط الهبة والعارية. قلنا : نسلّم الملازمة ، فما
الدليل على بطلان اللازم.
فإن احتجّ
بالروايات المانعة من اشتراط ركوب الدابّة وعارية المتاع لأجل القرض ، أجبناه بما
أجبنا أوّلا من جهالة الراوي. وإن ادّعى الإجماع منعناه ، وبتقدير تسليمه لا يلزم
من تحريمه في موضع الإجماع ، تحريمه في غيره.
وأمّا
الاستدلال بالاحتياط فضعيف جدّا ، لأنّه يلزم اعتقاد تحريم ما لا يعلم تحريمه.
ولأنّه منع للمسلم من مال يحتمل أن يكون ملكا له. ونقول : الاحتياط يلزم مع عدم
الدليل الدالّ على التحليل ، أو مع وجوده؟ والدليل موجود ، وهو أمّا أصل الحلّ ، أو
أحد الأدلّة السابقة.
وإذا عرفت هذا
، فالحقّ أنّ أدلّة الفريقين غير ناهضة بالمقصود ، لما يتطرّق إليها من الاحتمال.
وينبغي أن يكون البحث حينئذ في الأخبار المتعارضة على صورة النزاع ، وهو ما إذا
أقرض الإنسان غيره ما لا ليربح عليه المقترض لا ربحا متطوّعا به. بل ربحا يبني
عليه القرض ، سواء كان ما بنى عليه القرض من النفع بواسطة عقد أو مجرّدا عنه ، فإنّه
في كلا الحالين نفع مشترط ، وقد عرفت أنّ بإباحة ذلك روايات مطلقة ، لكنّها ضعيفة
الدلالة ، عدا رواية يعقوب بن
__________________
شعيب التي مضمونها : أنّ الرجل يأتي حريفه وخليطه يستقرضه ولو لا أنّه
يخالطه ويحارفه ويصبّ عليه لم يقرضه. فقال : إن كان معروفا بينهما فلا بأس ، وإن
كان إنّما يقرضه من أجل أنّه يصبّ عليه لم يصلح .
وعند هذا يجب
أن يلتزم أحد أمرين : إمّا تنزيل رواية محمّد بن مسلم على الجواز ورواية يعقوب بن
شعيب على الكراهة ، توفيقا بين الروايتين ، وإمّا تنزيل رواية الجواز على النفع
المتبرّع به دون الملتزم به في عقد القرض ، بناء على التفصيل الذي رواه يعقوب بن
شعيب ، وهو أقرب إلى الجمع من الأوّل ، لأنّ الأوّل تقييد لإطلاق كلّ واحدة من
الروايتين ، والأخير عمل بإحدى الروايتين على وجهها وتفصيلها ، والعمل بالمفصّل
أولى .
__________________
المسألة الثامنة في نكاح المتعة
النكاح بالعقود
قسمان : دائم ومنقطع. والأوّل لا خلاف فيه ، والثاني فيه الخلاف. والذي عليه فقهاء
الإمامية القول بإباحته ، ونحن نذكر ما يحتجّ به كلّ واحد من الفريقين.
أمّا القائلون
بالإباحة فلهم مسالك :
الأوّل
: قوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ
تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ
بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) . والاستدلال بالآية من وجهين :
أحدهما أنّ المتعة في الشرع اسم للنكاح المنقطع فيجب صرف الآية
إليه مراعاة لجانب الحقيقة الشرعيّة. وإنّما إنّ قلنا إنّ المتعة في الشرع كذلك
أمّا أوّلا : فلأنّ هذا المعنى هو الذي سبق إلى أذهان أهل الشرع عند قول القائل : تمتّعت
بامرأة.
وأمّا
ثانيا : فبالاستعمال
: لأنّ المانع روى عن عليّ عليهالسلام عن رسول الله صلىاللهعليهوآله « أنّه عن المتعة » . وعن [ ربيع بن ] سبرة عن أبيه عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « استمتعوا من هذه النساء » . وعن عمر أنّه
قال : « أذن لنا رسول الله صلىاللهعليهوآله في المتعة ثلاثا » .
__________________
وعرف المراد من إطلاق اللفظ ، وهو دلالة الحقيقة.
الوجه
الثاني في الاستدلال
بالآية أن نقول : لو لم يرد المتعة لزم إمّا إرادة الحقيقة اللغويّة وإمّا العقد
الدائم. أمّا انحصار اللزوم في القسمين : أمّا أوّلا فبالثاني السالم عن
المعارض ، وأمّا ثانيا فباتّفاق الخصمين ، ولأنّه لو لم يردهما ولا أحدهما على
تقدير عدم إرادة المتعة لزم إمّا خلوّ اللفظ من فائدة أو إرادة ما لا يجوز إرادته
من اللفظ وكلاهما محالان.
وأمّا بطلان
كلّ واحد من القسمين فلأنّ إرادة الحقيقة اللغويّة يلزم منه تأخير إيتاء المهر إلى
وقت الاستمتاع ، وهو باطل بالاتفاق. وإرادة العقد الدائم حمل اللفظ على مجازه ، إذ
لا يسمّى العقد الدائم نفسه متعة ، والأصل عدم المجاز. ويؤيّد إرادة المتعة قراءة
ابن عبّاس وأبيّ بن كعب وسعيد بن جبير « ( فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ) ـ إلى
أجل مسمّى ـ » وهو صريح في المتعة.
فإن قيل لا
نسلّم أنّ المتعة في الشرع اسم للعقد المنقطع. وظاهر أنّه ليس كذلك ، فإنّه في
اللغة الانتفاع ، والأصل عدم النقل ، وإذا ثبت ذلك فالعقد الدائم يحصل به الانتفاع
لأنّه مراد للعاقد وكلّ محصّل لمراده يحصل له بحصوله التذاذ وكلّ لذّة نفع ، وحينئذ
يصحّ إطلاق المتعة على الدائم بهذا الاعتبار. وبالجملة نمنع اختصاص هذا اللفظ بالعقد
المنقطع ، فلا بدّ للخصم من دليل. سلّمنا أنّ المتعة اسم للمنقطع شرعا لكن لا
نسلّم أنّ المراد بالاستمتاع المتعة ، فمن أين أنّ الشرع وضع الاستمتاع لما وضع له
المتعة.
قوله في الوجه
الثاني : لو لم يرد العقد المسمّى متعة لزم إمّا ارادة الموضوع
__________________
اللغوي أو العقد الدائم.
قلنا : لا
نسلّم الحصر ، فلم لا يجوز إرادة الأمرين أو غيرهما أو أحدهما مع ثالث إذ
الاحتمالات متعدّدة سلّمنا الحصر فلم لا يجوز ارادة الموضوع اللغوي.
قوله : يلزم
توقّف إيتاء المهر على الانتفاع ـ وهو منفيّ بالإجماع ـ قلنا : الإجماع على أنّ
المهر لا يستقرّ إلّا بالدخول فيكون تعليقه على الالتذاذ إحالة على محلّ الاستقرار
، أو نقول لم لا يجوز أن يضمر إرادة الاستمتاع كقوله : ( فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ
بِاللهِ ) وكقوله ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى
الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) سلّمنا أنّه لا يريد الموضوع اللغوي فلم لا يراد مجازه؟
فإن قال : كان يلزم عدم فهم المراد على تقدير عدم القرينة إذ لو فهم المراد من دون
القرينة لكان حقيقة لا مجازا. قلنا : إنّما يفهم بالقرينة ، والقرينة موجودة ، لأنّه
إذا ثبت أنّ الحقيقة غير مرادة وجب حمل اللفظ على المجاز صونا له عن الإلغاء ، ومن
جملة مجازاته إرادة العقد الدائم لأنّه سبب لحلّ الوطء الذي يقع به الاستمتاع
حقيقة ، وقد يطلق اسم الشيء على سببه. سلّمنا أنّه لا يريد الحقيقة اللغويّة ولا
مجازها فلم لا يجوز إرادة العقد الدائم.
قوله : لا يفهم
ذلك من إطلاق اللفظ إذ لا يقال تمتّعت بفلانة وهو يريد إيقاع العقد الدائم من غير
دخول ولا انتفاع ، قلنا : نمنع ذلك بل كما سمّي المنقطع متعة لما يحصل به من
الالتذاذ فكذا الدائم.
وما ذكره من
قراءة جماعة من القرّاء ، قلنا : كما قرأه تلك الجماعة فقد أنكره الأكثرون ، ولو
كان ما ذكروه حقّا لقرأه الفضلاء والمختبرون من القرّاء ،
__________________
وإطراح الناس له دليل على شذوذه. ثمّ نقول : رواية المذكورين لا يثبت
بمثلها القرآن ، إذ لا يثبت إلّا تواترا فلا يثبت به حكم. ثمّ نقول : تنزيله على
العقد الدائم أولى لأنّ صدر الآية دالّ على ابتغاء الإحصان والمتعة لا تحصن.
أجابوا عن ذلك
بأن قالوا : قوله : لا نسلّم أنّ المتعة في الشرع اسم للعقد المؤجّل قلنا : الدليل
على ذلك النقل والاستعمال. أمّا النقل فظاهر ، فإنّ الفريقين يذكرون تحريم المتعة
أو تحليلها ، ويقتصرون على اللفظة ، بناء على فهم المراد منها مجردة ولا معنى
للحقيقة إلّا ذلك. وأمّا الاستعمال فلانّ هذا المعنى موجود في موارد استعمال لفظة
المتعة ، فيكون حقيقة دفعا للاشتراك والمجاز.
قوله : العقد
الدائم يحصل به الانتفاع فيسمّى متعة بذلك الاعتبار. قلنا : قد بينّا أنّ هذه
اللفظة عند الإطلاق يفهم منها المتعة ، وهو النكاح المنقطع. فلو كانت دالّة على
القدر المشترك بينهما لم يفهم أحدهما على الخصوصية إلّا بقرينة ، وقد بينّا انتفاء
ذلك. ثمّ نقول : لو صحّ إرادة الدائم لأنّه يؤول إلى الانتفاع ، لصحّ إرادة
المنقطع أيضا بهذا الاعتبار ، لأنّ الكلّي مقوّم للجزئي ، فهو يوجد معه ، فإذا وقع
اسم الكلّي على أحد نوعيه بإطلاقه لزم وقوعه على الآخر ، وإلّا لزم الترجيح من غير
مرجّح.
قوله : سلّمنا
أنّ المتعة اسم للنكاح المؤجّل ، لكن لا نسلّم أنّ الاستمتاع كذلك ، قلنا : الدليل
عليه أنّ الاستمتاع استفعال من استمتعت المرادف لتمتّعت ، والاسم المتعة ، ثبت هذا
بالنقل ، فإذا ثبت أنّ المتعة اسم للمؤجّل كان الاستمتاع كذلك.
قوله : لا
نسلّم الحصر. قلنا : قد بينّا ذلك.
قوله : لم لا
يجوز إرادة الموضوع اللغوي. قلنا : كان يلزم تأخير إيتاء
__________________
المهر وهو منفيّ اتّفاقا.
قوله : لم لا
يكون ذكر الاستمتاع لبيان استقرار المهر. قلنا : لم تتعرّض الآية للاستقرار بل
لوجوب الإيتاء.
قوله : ما
المانع أن يريد به العقد الدائم ويكون مجازا لغويّا لكونه سبب الاستباحة المقارنة
للذة. قلنا : المجاز على خلاف الأصل.
قوله : القرينة
موجودة وهي عدم إرادة الحقيقة. قلنا : قد بينّا أنّ القرينة المذكورة ساقطة حيث
بينّا أنّه ينزل على الحقيقة الشرعيّة فلم يكن ضرورة إلى المجاز اللغوي ، وإذا دار
اللفظ بين حقيقتين ودلّ الدليل على انتفاء إحديهما تعيّن للأخرى دون المجاز.
قوله : كما قرأ
ذلك جماعة فقد أنكره آخرون. قلنا : رواية المثبت أرجح ، إذ قد يخفى على إنسان ما
يظهر لغيره ، ولأنّه صيانة للمسلم الظاهر العدالة عن التكذيب.
قوله : لو ثبت
لكان قرآنا ، والقرآن لا يثبت بالآحاد. قلنا : لا يثبت به قرآن ، فما المانع أن
يثبت به حكم ، ونحن نقنع بخبر الواحد في هذه الصورة ، لأنّ الخصم يحتجّ بأضعف من
رواية هؤلاء ، بل منهم من ينسخ به الحكم الثابت.
قوله : تنزيله
على الدائم أولى. قلنا : لا نسلّم.
قوله : صدر
الآية تضمّن ابتغاء الإحصان ، وهو لا يتحقّق في المتعة. قلنا : الجواب من وجهين : أحدهما
: منع هذه الدعوى ، فانّ بعض الأصحاب يرى أنّها تحصن. قلنا : التزام ذلك على هذا
التقدير.
والوجه
الثاني : أن نقول : لا
نسلّم أنّ المراد من الإحصان هاهنا ما يثبت معه الرجم ، بل المراد التعفّف ، والمحصن
العفيف ، يشهد
لذلك قوله ( غَيْرَ مُسافِحِينَ ) أي غير زانين. ولو لم يكن هذا التأويل متحقّقا كان محتملا
، فلا يبقى فيه حجّة للخصم.
المسلك
الثاني لهم : الأحاديث المنقولة عن النبيّ والأئمّة من أهل البيت عليهمالسلام :
من ذلك : ما
رواه البلخي عن وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس ابن أبي حازم عن عبد الله بن
مسعود عن رسول الله صلىاللهعليهوآله « أنّه رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل » .
وما رواه أبو
بصير عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام قال : سألته عن المتعة. قال : نزلت في القرآن ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) .
وعن ابن مسكان
عن أبي عبد الله عليهالسلام عن أبيه عليهالسلام قال : سمعته يقول : كان علي عليهالسلام يقول : لو لا ما سبقني إليه بني الخطاب ما زنى إلّا شقي
.
وعن زرارة قال
: جاء عبد الله بن عمير الليثي إلى أبي جعفر عليهالسلام فقال : ما تقول في متعة النساء؟ فقال : أحلّها الله في
كتابه وعلى لسان نبيّه فهي حلال إلى يوم القيامة .
__________________
وعن أبي مريم
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : المتعة نزل بها القرآن وجرت بها السنّة من رسول
الله صلىاللهعليهوآله .
وعن ابن محبوب
عن علي السائي قال : قلت لأبي الحسن عليهالسلام :
إنّي كنت
أتزوّج المتعة فكرهتها وتشأّمت بها فأعطيت الله عهدا بين الركن والمقام فجعلت عليّ
صياما ونذرا أن لا أتزوجها فقال : إنّك عاهدت الله أن لا تطيعه والله لئن لم تطعه
لتعصينّه .
وعن أبي سارة
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن المتعة قال لي : حلال ولا تتزوج إلّا
عفيفة .
وأحاديث أهل
البيت في ذلك كثيرة جدّا ولا يظنّ بمثل أبي جعفر الباقر وجعفر بن محمّد الصادق
وموسى الكاظم عليهمالسلام أن يذهبوا إلى ما يعلم من مذهب علي عليهالسلام خلافه ، بل لا يظنّ ذلك بأضعف أتباعهم. ووراء هذه
الأحاديث من الأحاديث الصريحة في أحكام المتعة وفروعها عن أهل البيت عليهمالسلام ما يفيد اليقين بذهابهم إلى ذلك.
المسلك
الثالث لهم : قالوا : ثبت بالنقل المتواتر : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أباح النكاح المذكور ولم يثبت النسخ فوجب الحكم
باستمرار الإباحة عملا بالاستصحاب الواقع.
فان
قيل : لا نسلّم
أنّه عليهالسلام أذن فيها ، قوله : ثبت ذلك بالنقل المتواتر. قلنا : نمنع
ذلك بل لم ينقله إلّا من نقل نسخه ، فإن كان قوله حجّة في
__________________
التشريع كان حجّة في النسخ أو نقول : الناس طائفتان : إحداهما لا يرى أنه
نسخ وهم لم يبلغوا حدّ التواتر ولا أن يكون إجماعهم حجّة ، والأخرى كما نقلت
الإباحة نقلت النسخ ، سلّمنا : أنّه عليهالسلام أباحها لكنّ النقل المشهور تضمّن النسخ وكان أولى.
والجواب قوله : الناقلون لم يبلغوا حدّ التواتر. قلنا : لا
نسلّم بل الذي نعلمه أنّ الشيعة مع كثرتهم وانتشارهم في الآفاق ينقلون ذلك عن
أئمّة أهل البيت عليهمالسلام والناقلون أضعاف عدد التواتر.
قوله : فريق
يبيح وفريق ينقل الإباحة والنسخ. قلنا : هذا صحيح لكن يقوم من مجموع قول الفريقين
الإجماع [ على ] أنّه كان مشروعا ثمّ ينفرد البعض بالنسخ فيحصل من الإجماع ثبوت
التشريع دون النسخ ، ولأنّ الجمهور يدّعون النسخ وهو لا يتحقّق إلّا مع التشريع
السابق.
قوله : النقل
المشهور دلّ على النسخ. قلنا : سنبيّن ضعف ذلك النقل فإنّه لا يثمر الظنّ فكيف
اليقين الموجب لنسخ المتيقّن.
المسلك
الرابع لهم : قالوا : المتعة منفعة تتوق إليها النفس ولا نعلم فيها ضررا عاجلا ولا
آجلا. فيجب أن تكون مباحبة أمّا كونها منفعة فظاهر ، وأمّا عدم العلم بالضرر
فلوجهين : أمّا أوّلا فلأنّا نتكلّم على هذا التقدير ، وأمّا ثانيا فلأنّه لو كان
هناك ضررا لكان إمّا عقليّا وإمّا شرعيّا ، أمّا العقلي فمنتف ، أمّا أوّلا
فبالاتّفاق ، وأمّا ثانيا فبالسبر ، وأمّا الشرعي فلو ثبت لكان أحد متمسّك الخصم
واستدل على ضعفه ، وأنّه غير دالّ على مرادهم. وأمّا إن كان
كذلك كان مباحا فلوجهين : أمّا أوّلا فلما ثبت من أنّ الأصل الإباحة ، وأمّا ثانيا
فبالإجماع لأنّ
__________________
المانع إنّما منع استنادا إلى ما يتمسّك به في النسخ فلو لم يستسلف صحّته
لقال بما قلنا وسنبطله فيتحقّق الاتفاق أمّا عندنا فعلى كلّ حال وأمّا عند الخصم
فعلى ذلك التقدير.
المسلك
الخامس لهم : قالوا : المقتضي لملك البضع في صورة الدوام موجودة في صورة النزاع ، والعارض
لا يصلح مانعا فيثبت ملك البضع في صورة النزاع ، وإنّما قلنا إنّ المقتضي لملك
البضع في صورة الدوام موجود هنا ، لأنّ المقتضي لملك البضع هناك هو العقد المشتمل
على الإيجاب والقبول الصادر من أهله في محله ، وإنّما قلنا إنّ الواقع عقد فلأنّ
العقد مشتقّ من عقدت الحبل ، أو من عقد الضمير وكلاهما ثابت فيه ، والإيجاب والقبول والأهليّة
والمحليّة ثابتة أيضا ، لأنّا نتكلّم على هذا التقدير ، وإنّما قلنا إنّ ذلك هو
المقتضي لملك البضع أمّا أوّلا فلقوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما
وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ ) فيجب أن يكون ابتغاء الإحصان ممكنا ، والإحصان هو
التزوّج أحصن الرجل زوجته فهو محصن ، فلا يتحقّق إلّا مع ملك البضع. وأمّا ثانيا
فلأنّ ملك البضع في صورة الدوام حادث فلا بدّ له من سبب ، ولا سبب ظاهر سوى
الإيجاب والقبول الواقعين على الوصف المذكور فيجب إضافته إليهما ، وإلّا لزم تجدّد
الحادث لا عن مؤثّر ، لا يقال لم لا يجوز أن يكون له سبب غير معلوم لنا. لأنّا
نقول : هذا يسدّ باب العلم بالأسباب والمسبّبات ، إذ لا طريق إلى العلم بإسناد أثر
إلى مؤثّر إلّا تجدّده عند تجدّده ووقوعه
__________________
بحسبه فلو لم يكن مفيدا هنا لما كان مفيدا هناك. وأمّا ثالثا
فلأنّ ملك البضع يثبت تبعا لثبوت العقد وينتفي على تقدير انتفائه والمدار علّة
الدائر أو ملزوم له وإلّا لما علمت العلل ولا تحقّقت التجربة إذ مستندها الدوران
وإذا ثبت أنّ المقتضي موجود فالعارض هنا لا يصلح رافعا لحكم المقتضي ، لأنّ العارض
إنّما هو شرط للأجل وهو غير مناف لوجهين : أحدهما : أنّ اشتراط الأجل إمّا أن يكون
لازما وإمّا لا يكون. وكيف كان لا يكون رافعا أمّا بتقدير أن يكون لازما فظاهر ، وأمّا
بتقدير أن لا يكون لازما فحينئذ لا يكون مؤثّرا في العقد كما تقول في اشتراط
الخيار في الدائم وكاشتراط أن لا تتزوّج عليها ولا يتسرى فيخلص المقتضي صافيا عن مصادمة
المعارض. ثمّ نقول : ثمرة النكاح حلّ الوطء فهو عقد معاوضة على منفعة وتلك المنفعة
غير مقدّرة في كمّيتها ففيها إذا نوع جهالة فتقديرها بالأجل أنفي للجهالة المنافية
لعقود المعاوضات ، فلا يكون ما يرفع الجهالة عن ثمرة العقد رافعا لثمرته.
فان
قيل : لا نسلّم
أنّ المقتضي لملك البضع في صورة الدوام موجود في صورة النزاع. قوله : المقتضي هو
العقد المشتمل على الإيجاب والقبول الصادر من أهله في محلّه. قلنا سلّمنا الأهليّة
والمحليّة لكن لا نسلّم وجود العقد في صورة النزاع. فان قال : العقد هو اسم
للإيجاب والقبول منعنا ذلك وظاهر أنّه ليس عبارة عنهما لأنّه لو كان اسما لهما لزم
تخصيص العموم إذ الإيجاب والقبول يوجدان ولا يفيدان الملك كنكاح الشغار فلا بدّ أن
يكون اسما لشيء آخر أولهما مع زيادة وحينئذ لا نسلّم حصول ذلك المعنى في صورة
النزاع ، سلّمنا أنّ العقد عبارة عن الإيجاب والقبول لكن لا نسلّم كونه مقتضيا
لملك البضع.
قوله العقد
وسيلة إلى ابتغاء الإحصان. قلنا : حقّ لكن لا يلزم من إباحة
__________________
ابتغاء الإحصان عموم الابتغاء وهذا لأنّه لفظ مطلق يصدق بالجزء والكلّ.
قوله في الوجه
الثاني : تجدّد ملك البضع عند تجدّد العقد فيلزم أن يكون مقتضيا له. قلنا : سلّمنا
تجدّده عنده فلم يجب أن يحكم بتجدّده به وما المانع أن يكون لعلّه يعلمها الله
سبحانه من مصلحة أو وجه يختصّ به ذلك العقد أو نقول : كما تجدّد عند تجدّد العقد
تجدّد مع قصد الدوام فلم لا يكون ذلك هو المقتضي أو جزء منه.
قوله في الوجه
الثالث : دار ملك البضع مع العقد وجودا أو عدما والمدار علّة الدائر. قلنا : لا
نسلّم وما المانع أن يكون ذلك اتّفاقا بمعنى أنّ الشرع حكم بهما لا لكون أحدهما
علّة فلا يلزم من وجود أحدهما في صورة أخرى وجود الآخر.
قوله : لو لا
وجوب الحكم بكون المدار علّة للدائر لما علمت العلل ولا تحقّقت المجرّبات. قلنا : لا
نسلّم أنّ المعوّل هناك على مجرّد الدوران ، بل على الدوران المتكرّر المفيد
لليقين وللتكرار أثر في إفادة اليقين ولم يحصل ذلك هنا. ثمّ. الدليل على أن المدار
ليس علّة ، وجود الأبوّة مع النبوّة وانتفاؤها معها وليس أحدهما علّة للآخر وكذا
القرب والبعد. سلّمنا أنّ المقتضي لملك البضع في صورة الدوام هو العقد لكن بلفظ
التزويج أو الإنكاح لا بلفظ المتعة فلا يتحقّق ما فرض في صورة الوفاق في صورة
النزاع. ثمّ نقول : المقتضي هو العقد مطلقا أو العقد المطلق ، الأوّل ممنوع وإلّا
لزم مخالفة المقتضي في موضع التخلّف ، والثاني مسلّم لكن الإطلاق قيد فلا يلزم من
ثبوت الحكم مع ذلك القيد ثبوته مع تجرّده. أو نقول : كما ثبت ملك البضع تبعا لوجود
العقد ثبت مع تجرّده عن ذكر الأجل فيكون الحكم منوطا به كما كان منوطا بالعقد فيكون
إمّا جزء العلّة أو شرطا. وكيف كان يلزم عدم الحكم عند عدمه. سلّمنا أنّ المقتضي
لملك البضع في صورة الدوام موجود في النزاع لكن لم لا يجوز أن يكون ذكر الأجل
منافيا. وظاهر أنّه
مناف لأنّ فائدة الزوجية السكون إلى الزوجية والطمأنينة إلى صحبتها ولا
يتحقّق ذلك مع الأجل إذ لا طمأنينة.
قوله : إمّا أن
يلزم الشرط وإمّا أن لا يلزم. قلنا : لا يلزم.
قوله : يخلص
المقتضي صافيا عن المنافي. قلنا : متى يكون كذلك إذا سقط الشرط بانفراده أم إذا
كان سقوطه تبعا لبطلان العقد فلا يثبت المقتضي؟ الأول مسلّم والثاني ممنوع ، ونحن
فلا نرى سقوطه الّا تبعا لبطلان العقد ولا يثبت المقتضي ، ثمّ نقول : شرط الأجل
إمّا أن يكون لازما وإمّا أن لا يكون ، وكيف كان لزم أن يكون منافيا أمّا بتقدير
أن يلزم فلأنّه يكون مزيلا للعقد بالانقضاء وهو دليل المنافاة ، وإن لم يلزم بطل
العقد لعدم رضى الزوجين به.
قوله : عقد
النكاح ثمرته ملك المنفعة ، فيكون ذكر الأجل أنفى للجهالة. قلنا : لا نسلّم أنّ
تجريد العقد من الأجل يتضمّن جهالة ، وهذا لأنّ المهر في مقابلة ملك البضع ويستقر
بوطء واحد ، وملك البضع هو ثمرة العقد ولا جهالة فيه ، والانتفاع بعد ذلك إنّما هو
بالعقد المقتضي لذلك الاستمتاع كالانتفاع بالمبيع.
والجواب : قوله : لا نسلّم وجود العقد في صورة النزاع. قلنا : قد
بينّا أنّ العقد مشتقّ من عقدت الحبل أو عقدت الضمير . وكلّ واحد من
الاشتقاقين موجود في صورة النزاع فيلزم وجود المشتقّ فيهما.
قوله : لو كان
العقد اسما للإيجاب والقبول الواقعين من الأهل في المحلّ لزم التخصيص حيث ذكر.
قلنا : لا بدّ من أحد أمور : إمّا كون العقد عبارة عن الصيغة أو عن تمليك البضع أو
عن لازم لهما أو لأحدهما ، لأنّه لو انتفت الأقسام لما تحقّق للعقد معقول ، وأيّها
كان في صورة الدوام لزم ثبوت حكمه في صورة
__________________
النزاع لأنّا نتكلّم على تقدير وجود ذلك المفروض في الصورتين.
قوله : لو كان
العقد اسما للصيغة لزم التخصيص. قلنا : ولو لم يكن اسما لزم النقل أو الاشتراك
وهما على خلاف الأصل.
قوله : لا
نسلّم كون العقد مقتضيا لملك البضع. قلنا : قد بيّنا ذلك بالوجوه الثلاثة.
قوله على الوجه
الأول : ابتغاء الإحصان لا عموم له فلا نعلم تناوله لموضع على اليقين. قلنا : هو
وإن لم يكن عامّا فهو مطلق ، إذ الفعل مع أنّ في تأويل المصدر والحكم المعلّق على
المصدر المطلق ثبت حيث يثبت فيكون التحليل ثابتا أين قصد الابتغاء.
قوله على الوجه
الثاني : سلّمنا أنّ ملك البضع تجدّد عند العقد لكن لا يلزم من تجدّده عنده أن
يكون به. قلنا : لمّا ثبت افتقار كلّ حادث إلى مؤثّر ولم يعلم حادثا سوى العقد وجب
إضافته اليه وإلّا لزم منه تعليق الحكم المعلوم الحدوث على ما ليس بمعلوم.
قوله : لم لا
يكون معلّلا بمصلحة أو وجها يختصّ به عقد الدوام فلا يثبت في موضع آخر ما لم يعلم
تلك المصلحة أو ذلك الوجه ، عن ذلك جوابان : أحدهما : أنّ ذلك استناد إلى ما لا يعلم والأصل عدمه ، ولأنّ
التمسّك به يسدّ أبواب العلم بالأسباب. الثاني : أنّ الشرع حثّ على النكاح ، والحثّ على الفعل يستدعي
إمكان الوسيلة إليه ، والنكاح المحلّل لا تكفي فيه الإباحة فلو لم تكن الوسيلة
معلومة لزم التكليف بما لم يعلم بطريق الوصول إليه.
قوله على الوجه
الثالث : لا نسلّم أنّ المدار علّة الدائر. قلنا : قد بيّنا ذلك.
قوله : ما
المانع أن يكون الشرع حكم بملك البضع عند إيقاع العقد في صورة الوفاق لا لكون
العقد مقتضيا فلا يثبت في صورة النزاع ما لم يتحقّق مثل ذلك الحكم ، قلنا : لو لم
يكن العقد وسيلة لكان الأمر بإيقاعه عبثا. لا يقال : لم
لا يكون له فائدة وإن لم يعلمها المكلّف ، لأنّا نقول : نحن نعلم من مقاصد
الشرع أنّ العقود وسائل إلى ثمراتها وأنّه لا وجه لها إلّا كونها وسيلة فسقط
الاحتمال.
قوله على
الاستدلال على كون المدار علّة للدائر ، لا نسلّم أنّا علمنا التعليل في أبواب
التجربة بمجرّد الدوران بل الدوران المتكرّر المفيد لليقين. قلنا : يحصل العلم
فيما لا يتكرّر كالعلم بكون الجرح علّة للموت إذا وقع عقيبه ، وكالعلم بأن الريّ
حدث عن شرب الماء إذا وقع عقيبه ، ولا طريق إلى ذلك العلم إلّا تجدّده عند تجدّده
مطّردا.
قوله : الأبوّة
توجد مع النبوّة وليس أحدهما علّة في الأخرى ، وكذا القرب والبعد. قلنا : هما وإن
لم يكونا من باب العلّة والمعلول فهما من باب المتلازمين ونحن نكتفي في الاستدلال
بمثل ذلك ، وهو الحكم بوجود حلّ البضع مع إيقاع العقد سواء كان أحدهما علّة أو
مقتضيا أو ملازما.
قوله : سلّمنا
أنّ المقتضي هو العقد لكن بلفظ التزويج أو الإنكاح لا بلفظ المتعة. قلنا عن ذلك
جوابان : أحدهما إنّا نفرض وقوع العقد في الصورتين بلفظ الإنكاح
والتزويج ، فإن المحقّق من المذهب أنّ لفظ المتعة ليس شرطا. والثاني أن نقول : أحد الأمرين لازم وهو إمّا أن تصحّ الكناية عن
الدوام بالمتعة ، وإمّا أن لا تصحّ. وكيف كان وجب الحكم بصحة العقد أمّا بتقدير أن
يكنّى به شرعا فحينئذ يصحّ العقد بلفظه كما صحّ بلفظ التزويج لوروده في القرآن
المجيد ، وإن لم يصحّ أن يكنّى به عن الدوام حينئذ تكون دلالة قاطعة على جواز نكاح
المتعة بالآية.
قوله : المقتضي
في صورة الدوام هو العقد مطلقا أو العقد المطلق؟ قلنا :
__________________
العقد المطلق.
قوله : الإطلاق
قيد. قلنا : القيد العدمي لا أثر له إذ العدم لا يكون علّة ولا جزء العلّة ولا
شرطا ، لأنّ العدم لا يؤثّر في الأشياء الحادثة.
قوله : لم لا
يجوز أن يكون ذكر الأجل منافيا وظاهر أنّه مناف لأنّ فائدة الزوجيّة السكون إلى
الزوجة والطمأنينة ، فلا يتحقّق ذلك مع التأجيل. قلنا : لا نسلّم أنّ المراد
بالزوجية منحصرة في السكون بل لم لا يكون المراد هو الاستمتاع وظاهر أنّ الأمر
كذلك إمّا مستمرا أو في الغالب. ولو سلّمنا أنّ المراد هو السكون لما سلّمنا أنّه
لا يتحقّق مع الأجل خصوصا إذا كان متطاولا. قوله : لا نسلّم أنّ ذكر الأجل غير
مناف. قلنا : قد بيّنا ذلك بأنّه إن لم يلزم خلص المقتضي صافيا.
قوله : متى
يكون كذلك إذا سقط الشرط تبعا لسقوط العقد أم إذا سقط منفردا؟ قلنا : إذا لم يكن
بينهما منافاة يلزم من وجوده بطلان العقد.
قوله : لو سقط
لبطل العقد. قلنا : لا نسلّم ، لأنّ مع سقوطه بقي العقد سليما عن المنافي ، والمقتضي
إذا كان موجودا لزم الحكم بمقتضاه إلّا مع العلم بالمنافاة والتقدير تقدير عدم
العلم بالمنافاة المقتضية للسقوط.
قوله : في
المعارضة : الشرط إمّا أن يكون لازما وإمّا أن لا يكون؟ قلنا :
يكون.
قوله : يلزم
المنافاة. قلنا : لا نسلّم وهذا لأنّ زوال العقد عند انقضاء الأجل نشأ من مقتضى
العقد لا من منافاة الاشتراط.
قوله على الوجه
الثاني : ثمرة النكاح ملك البضع فلا يكون عدم الأجل مجملا لثمرته. قلنا : المعلوم
أنّ ملك البضع معناه حلّ الوطء فالمراد من النكاح ملك منفعة. قوله : المعاوضة على
ملك البضع ووطء واحد. قلنا : لا نسلّم بل الذي يظهر أنّ استباحة الوطء هي ثمرة
العقد والمهر في مقابلها وإن استقر بالوطء
الواحد شرعا.
وأمّا
القائلون بالتحريم فإنّهم
احتجّوا بالنصّ والأثر والإجماع.
أمّا النصّ
فوجوه : الأوّل قوله تعالى ( وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ
فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ
العادُونَ ) والمتمتّع بها ليست زوجة ولا ملكا. الثاني ما رواه عبد
الله والحسن ابنا محمّد بن علي عن أبيهما عن أبيه عن علي عليهالسلام أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن الحمر الإنسية وما رواه
الربيع بن سبرة عن أبيه قال : شكونا العزبة في حجّة الوداع فقال : فاستمتعوا من
هذه النساء ، فأبين الّا نجعل بيننا وبينهنّ أجلا فقال عليهالسلام : اجعلوا بينكم وبينهنّ أجلا ، فزوّجت امرأة فمكثت
عندها تلك الليلة ثمّ غدوت ورسول الله صلىاللهعليهوآله قائم بين الركن والباب ويقول : إنّي قد أذنت لكم في
الاستمتاع الا وانّ الله حرّمها إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهنّ فليخلّ سبيلها
ولا تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئا .
وأمّا
الأثر فما روي عن
عمر بن الخطاب أنّه قال : أذن لنا رسول الله صلىاللهعليهوآله في المتعة ثلاثا ثمّ حرّمها ، والله لا أعلم رجلا تمتّع وهو محصن إلّا
رجمته بالحجارة إلّا أن يأتي بأربعة يشهدون أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أحلّها بعد ان حرّمها .
وأمّا
الإجماع فلأنّه فتوى
الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار على
__________________
اختلاف الأعصار ، لا يقال : نقلت المخالفة عن ابن عبّاس وابن مسعود ، لأنّا
نقول : أمّا ابن عباس فنقل عنه أنّه تاب عن ذلك عند احتضاره وأمّا ابن
مسعود فلم تثبت الرواية عنه فلا يقدح في الإجماع بالاحتمال.
أجاب
الأوّلون بأن قالوا : أمّا الآية فلا نسلّم دلالتها على موضع
النزاع.
قوله : المتمتّع
بها ليست زوجة. قلنا : لا نسلّم ، بل هي زوجة أمّا عندنا فبالإجماع ، وأمّا عند
الجمهور فبالرواية التي استدلوا بها على التحريم عن سبرة فإنّه قال : فتزوّجت
امراة ومكثت عندها ثلاثا . لا يقال : لو كانت زوجة لحصل بها الإحصان المشترط في
ثبوت الرجم ولثبتت لها النفقة والميراث ولحقها حكم اللعان والإيلاء والظهار ، والّا
لزم تخصيص الأدلّة الدالّة على تعلّق هذه الأحكام بالزوجات ، لأنّا نقول : عن ذلك
جوابان : أحدهما التزام هذه الأحكام تمسّكا بالعموم وهو محكيّ عن بعض الأصحاب . الثاني أن
نقول : إنّما صار من منع هذه الأحكام إلى ما يعتقد كونه دلالة على التخصيص فإن ثبت
ذلك وإلّا كانت تلك الأحكام ثابتة. ثمّ نقول : كل واحد من تلك الأحكام قد سقط مع
الزوجيّة الدائمة ، ولا يقدح في تسميتها زوجة ، فإنّ الميراث قد يسقط مع الرقّ
والقتل والكفر مع ثبوت الزوجيّة ، وكذا لا يثبت الإحصان قبل الدخول بالزوجة ، وتسقط
النفقة بالنشوز ، وكذا لا يثبت اللعان بين الحرّ والأمة ، والمسلم والكافرة على
مذهب كثير من الجمهور ، وكما خصّ الجمهور تلك العمومات لوجود الدلالة فكذا هنا.
وأمّا سقوط حكم الطلاق في النكاح المنقطع فلأنّ الفرقة تحصل
__________________
بانقضاء الأجل أو هبة الزوج بقيّة المدّة فلا ضرورة إلى شرعه فيها.
وأمّا الخبر
المروي عن علي عليهالسلام فأجابوا عنه من وجوه : الأول إنّا نعلم من علي عليهالسلام بالنقل المتواتر بطرق أهل البيت عليهمالسلام تحليل المتعة ومن المتيقّن أنّه عليهالسلام لا يروي عن النبي صلىاللهعليهوآله ما يخالفه هو وفضلاء أهل بيته مثل الصادق والباقر
والكاظم والرضا عليهمالسلام. الوجه
الثاني لو سلّمنا
الرواية احتمل أن يكون النهي مختصّا بذلك اليوم لاقتضاء مصلحة اقتضت المنع ويكون
ذلك المنع على وجه الكراهية لا التحريم. الثالث خبر سبرة دلّ على الإذن وهو في حجّة الوداع والخبر
المنسوب إلى علي عليهالسلام في يوم خيبر ، وحجّة الوداع متأخّرة عن عام خيبر ، فلو
كان النهي الذي نقله علي عليهالسلام على التحريم لزم نسخها مرّتين ، ولا قائل بذلك.
وبالجملة فإنّ خبر سبرة يدفع النهي الذي تضمّنه خبر علي عليهالسلام فسقط الاحتجاج به.
واما خبر سبرة
، فالجواب عنه من وجوه : الأوّل الطعن في السند . الثاني أنّ ألفاظه مختلفة فتارة يقول : فمكثت عندها يوما ، وتارة
يقول : ثلاثا ، وتارة يقتصر على أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : فمن كان عنده فليخلهنّ ، وفي أخرى يقول : إنّه
محرّمة إلى يوم القيامة ، واختلاف الرواية الواحدة دليل على اضطراب نقلها. الثالث أنّه معارض بالأحاديث المرويّة عن الأئمّة عليهمالسلام عن النبيّ صلىاللهعليهوآله بالإباحة. الرابع أنّه خبر واحد في أمر تعمّ به البلوى ومن شأنه الظهور
لو وقع ، فاختصاص واحد من الصحابة بروايته
__________________
تطرق إليه التهمة. الخامس أنّه مخصص لعموم القرآن المجيد وهو قوله ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ) وهذا العقد ممّا يحصل به الاستمتاع سواء كان الاسم
مختصّا به أو لم يكن ، ولأنّه عقد لابتغاء التحصين ، فيجب الوفاء به ، فالرواية
مخصّصة لهذه الظواهر ، فتكون مطروحة لما تقرّر في الأصول من أنّ خبر الواحد لا
يخصّص عموم الكتاب العزيز .
وأمّا فتوى عمر
فلا حجّة فيها. فإنّ خلافه كخلاف المناظر لنا ، ولو صحّ لكان رجوعا إلى فتوى
صحابيّ ، وهو معارض بمذهب ابن عبّاس وابن مسعود.
وأمّا دعوى
الإجماع فلا تتحقّق مع مخالفة الشيعة بأجمعها وفيهم فضلاء أهل البيت عليهمالسلام.
__________________
المسألة التاسعة في
وطء الحلائل في الدبر.
في وطء الحلائل
في الدبر.
ولنا في ذلك
روايتان : إحداهما الإباحة ، وهو اختيار المفيد رحمهالله والشيخ أبي جعفر رحمهالله ، والأخرى التحريم.
احتج المبيح بالنصّ والأثر والمعقول.
أمّا
النصّ فوجوه :
الأوّل
قوله تعالى ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ
أَنّى شِئْتُمْ ) .
وأنّى بمعنى
كيف ومن أين. لا يقال : إنّ الحرث اسم لموضع النسل. لأنّا نقول :
كنّى بالنساء
عن الحرث ، فيجب أن يكون التحليل عائدا إليهنّ. وفي الاستدلال بهذا إشكال.
الوجه
الثاني : احتجّوا
بقوله تعالى ( هؤُلاءِ بَناتِي
هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) .
وقد علم رغبتهم
فيكون الإذن مصروفا إلى تلك الرغبة. ويمكن أن يقال : ما المانع أن يكون أمرهم
بالاستغناء بالنساء؟ لأنّ قضاء الوطر يحصل بهنّ وإن لم يكن مماثلا ، كما يقال : استغن
بالحلال عن الحرام وإن اختلفا. ثمّ لو سلّمناه لكان ذلك مشروعا في غير ملّتنا ، فلا
يلزم وجوده في شرعنا.
واستدلّوا أيضا
بقوله ( أَتَأْتُونَ
الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ
أَزْواجِكُمْ ) وليس لازما ، لأنّ الاحتمال فيه قائم.
والوجه
الاستدلال بقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلّا عَلى
__________________
أَزْواجِهِمْ
أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) . وجه الاستدلال أنّه أمر بحفظ الفروج مطلقا ، ثمّ
استثنى الأزواج ، فيسقط التحفظ في طرفهنّ مطلقا.
وأمّا
الأثر فما روي عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليهالسلام عن الرجل يأتي المرأة في دبرها فقال : لا بأس به .
وعن علي بن
الحكم قال : سمعت صفوان يقول : قلت للرضا عليهالسلام : إن رجلا من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة فيها بك
ويستحيي منك أن يسألك. قال : ما هي؟ قلت : الرجل يأتي المرأة في دبرها. قال : نعم
ذلك له .
وعن حمّاد بن
عثمان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن الرجل يأتي المرأة في ذلك الموضع. قال :
لا بأس به .
وعن علي بن
يقطين وموسى بن عبد الملك عن رجل عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام عن الرجل يأتي المرأة من خلفها. فقال : أحلته آية من
كتاب الله : قول لوط ( هؤُلاءِ بَناتِي
هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) ، وقد عرف أنّهم لا يريدون الفرج .
وأمّا
المعقول فوجوه :
الأوّل منفعة تتوق النفس إليها سليمة عن مانع عقلي أو شرعي ، فتكون
مباحة. أمّا عدم المانع العقلي فبالاتفاق. وأمّا عدم المانع الشرعي ، فلأنّه لو
كان ثابتا لكان مستند الخصم ، وسنبطله. وأمّا إذا كان كذلك كان مباحا ،
__________________
فبقوله تعالى ( أُحِلَّ لَكُمُ
الطَّيِّباتُ ) ، ولأنّه دفع لمضرة التتوّق.
الوجه
الثاني : هو مباح قبل
الشرع ، فيجب أن يكون مباحا بعده عملا باستصحاب الأصل.
الثالث تحريم الوطء المشار إليه مع إباحة الوطء فيما عدا القبل
مثل السرّة والفخذين ممّا لا يجتمعان ، والثابت الإباحة هنا فتثبت هناك. وانّما
قلنا : إنّهما لا يجتمعان ، لأنّ الاستماع بالزوجة فيما عدا القبل إمّا أن يكون
سائغا وإما أن لا يكون ، وأيّهما كان لزم في الموضعين.
فان قيل : لا
نسلّم أنّهما لا يجتمعان. قوله : إمّا أن يكون الاستمتاع بما عدا القبل سائغا
وإمّا أن لا يكون؟ قلنا : يكون. قوله : فيلزم في الموضعين. قلنا : متى يلزم إذا
ساغ لكونه استمتاعا ، أم لكونه استمتاعا فيما عدا الدبر؟ الأوّل ممنوع ، والثاني
مسلّم ، وحينئذ لا يلزم من جواز الاستمتاع هناك جواز الاستمتاع هنا.
ثمّ نقول : ما
المانع أن لا يكون الاستمتاع بما عدا القبل سائغا. قوله : يلزم أن لا يكون الوطء
في السرة مثلا سائغا. قلنا : لا نسلّم ، وهذا لأن التحليل هنا ليس معلّلا بكونه
استمتاعا ، بل لوجود الدلالة الدالّة على جوازه ولا يلزم من وجود الدلالة في
الموضع المعيّن وجود حكمها في الآخر.
ثمّ نقول : الفرق
بين الصورتين ظاهر ، وهذا وطء الدبر يشتمل على تفاحش ليس موجودا في غيره ، فكما
يجوز أن يكون الحكم مستندا إلى الاستمتاع يحتمل أن يكون الحكم مستندا إلى
الاستمتاع الخالي من ذلك التفاحش فلا يلزم من ثبوت الحكم ثمّ ثبوته هنا.
ثمّ نقول : ما
ذكرتموه من الأدلّة العقليّة حاصلها يرجع إلى التمسّك
__________________
بالأصل وهو لا يتمّ إلّا مع سلامته عن المعارض ، والمعارض موجود ، وهو
النصّ والأثر.
أمّا النصّ
فوجهان : الأوّل قوله تعالى ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ
فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) ، والمراد به القبل لوجهين : أحدهما أنّ الوطء في الدبر
مكروه أو محرم وكلاهما غير مأمور به. الثاني ما روي عن أبي عبد الله عليهالسلام في تأويل الآية أنّ المراد به في طلب الولد .
النصّ الثاني :
ما رواه أبو هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : لا ينظر الله الى رجل جامع امرأته في دبرها . وما رواه
خزيمة بن ثابت عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : إنّ الله لا يستحيي من الحقّ ثلاث مرّات لا تأتوا
النساء في أدبارهن .
وأمّا الأثر
فما رواه سدير عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله محاش النساء على أمّتي حرام .
أجاب القائلون
بالإباحة بأن قالوا : قوله : لا نسلّم أنّهما لا يجتمعان. قلنا : قد بينّا ذلك.
قوله : لا يكون سائغا لمجرّد كونه استمتاعا ، بل لكونه في ما عدا الدبر. قلنا : التحليل
مستفاد من الإذن في الاستمتاع ، إذ لا ينقل على الخصوص جواز وطء المرأة في سرّتها
، ولو نقل أمكن أن يفرض من مواطن الاستمتاع ما لم ينقل فيه على الخصوص إباحة. قوله
: بين الصورتين فرق. قلنا : نحن لم نقس
__________________
إحدى الصورتين على الأخرى فينقض بوجود الفارق ، بل معنى ما نقوله إنّ
الدليل الدالّ على جواز الاستمتاع يتناول الاستمتاع بما عدا القبل [ و ] كما
يتناول هذه المواطن ، يتناول موضع النزاع.
ثمّ نقول : الفرق
المذكور غير وارد ، أمّا أوّلا فلأنّا نمنع التفاحش ، بل نقول : ربما كانت الرغبة
إليه أتمّ من الوطء في الأماكن المذكورة ، فيكون الإذن في جانب موضع النزاع أولى ،
تحصيلا لغرض الزوج ، وعصمة له من المنازعة إلى وطء الذكران.
والجواب عن
المعارضات ، أمّا الآية ، فلا نسلّم دلالتها على موضع النزاع.
قوله : لا يأمر
بالمكروه. قلنا : حقّ ، لكن لا نسلّم أنّ مضمون الآية الأمر ، بل المراد بها
الإباحة ، والمكروه مباح ، فيكون التقدير : من حيث أباحكم الله تعالى.
فإن تمسّك في
كونها أمرا بالتزام الظاهر. قلنا : حينئذ يكون المأمور به القبل ولا يدلّ على
المنع من إباحة الآخر.
ثمّ نقول هذا
الظاهر متروك بالإجماع ، فإنّه لا يجب على الإنسان أن يطأ عقيب الطهارة ، ولا
يستحبّ أيضا ، بل هو مباح صرف ، وليس لذلك الوقت على غيره مزيّة.
وما روي عن
الصادق عليهالسلام من قوله : ذلك في طلب الولد إن صحّ النقل
لا يمنع من جواز الوطء في غير القبل.
وأمّا في خبر
أبي هريرة ، فالجواب عنه من وجهين : أحدهما أنّ الراوي مطعون فيه حتى أنّ كثيرا
منهم نسبه إلى وضع الحديث والزيادة فيه ، ويروى أنّ
__________________
عمر ضربه بالدرة ، وقال : أراك كذّابا . الثاني يحتمل أن يريد بعدم النظر إليه كونه تعالى يعرض
عنه وقت الجماع لما فيه من الكراهية. ولا يلزم من عدم النظر التحريم.
وأمّا خبر
خزيمة ، فالجواب عنه من وجهين : الأوّل أنّه خبر واحد فيما يعمّ به البلوى ، فيغلب أنّه لو كان
محرّما لما اختصّ بروايته واحد ولا اثنان. الثاني أنه معارض بالأحاديث المنقولة عن أهل البيت عليهمالسلام.
وأمّا الأثر
المنقول عن أبي جعفر عليهالسلام ، فالراوي له سدير ، وقيل أنّه واقفي . ثمّ هو معارض
بأحاديث كثيرة عن أهل البيت عليهمالسلام ، والكثرة أمارة الرجحان .
تمت المسائل
والحمد لله ربّ العالمين وصلّى
الله على محمد
وآله الطاهرين.
__________________
٢
المسائل
العزّيّة الثّانية
وهي تشتمل على سبع مسائل
تأليف المحقق الحلّي ره
بسم
الله الرحمن الرحيم
سأل السيد
الأجلّ الفقيه العالم عزّ الدين أدام الله تأييده مسائل مهمّة في الدين صدّ الوقت عن
المبادرة بالجواب عنها لأكداره وعوارضه ، ثمّ رأيت أنّ ذلك إخلال بحقوقه ودخول في
مخالفته وعقوقه ، فأخذت فيما رسمه مقتصرا على نصّ الجواب غير متطاول للتطويل
والإسهاب ، جامعا بين ذلك وبين الإشارة إلى الدلالة والأمارة ، والمسائل المشار
إليها سبع مسائل.
المسألة الأولى :
ما المعنيّ
بقول المتكلّمين : أن القدرة لا تتعلّق في الوقت الواحد ـ إلى آخر ما ذكروه من
الشروط ـ إلّا بجزء واحد؟ ثمّ نقول : أهو معين أم لا؟ فإن
__________________
كان معيّنا فالإنسان يجد من نفسه أنّه مخيّر بين حركته يمنة ويسرة وإن كان
غير معيّن فما وجه قولهم : إنّ مقدور القدر لا يجوز عليه التقديم والتأخير.
الجواب
:
هذا سؤال
يتوقّف وضوحه على شيئين :
أحدهما معنى
قولهم : أنّ القدرة لا تتعلّق في الوقت الواحد والمحلّ الواحد من الجنس الواحد
إلّا بمقدور واحد وبيان معنى التعلّق.
والثاني جواب
الإشكال الذي أورده.
أمّا بيان
الأوّل فهو أنّه قد تقرّر في مذهبهم أنّ القدرة علّة في كون القادر قادرا ، وأنّ
معنى تعلّقها أنّ لها مع المقدور حكما وهو صحّة إيجاده بها عند استعمال محلّها
فيه. إذا عرف هذا المعنى فقولهم : إنّها لا تتعلّق على ما ذكروه من الشروط إلّا
بجزء واحد ، أي لا يصحّ أن يفعل بها مع تلك الشروط إلّا جزء واحد. واستدلّوا على
ذلك بوجوه أقواها عندهم : أنّها لو تعدّت الواحد لتعلّقت بما لا يتناهى ، ولو
تعلّقت بما لا يتناهى للزم نفي التفاضل بين القادرين حتّى يتساوى القويّ والضعيف
وللزم صحّة ممانعة القادر لنفسه فلا يكون مراد الله تعالى بالوقوع أولى من مراد الواحد
منّا.
وأمّا الإشكال
الذي أورده فالجواب عنه أن نقول : نعم هو معيّن.
__________________
قوله : الإنسان
يجد من نفسه كونه مخيّرا بين الحركة يمنة ويسرة. قلنا : نعم هو كذلك وإنّما ساغ
ذلك لاختلاف المحالّ ، فإنّ القدرة الواحدة قدرة على الضدّين وليست قدرة في الزمان
الواحد والمحلّ الواحد على المثلين ، وإذا وضح هذا لم نعدّ السؤال عن وجه التقديم
والتأخير واردا لأنّا نقول : إنّهم بنوا ذلك على أصول لهم ، وهي أنّ القدرة لا
تتعلّق في المحلّ الواحد والوقت الواحد من الجنس الواحد إلّا بجزء واحد ، وأنّ
حكمها في حال البقاء كحكمها في حال الحدوث ، وأنّ ما لا يبقى لا يوجد إلّا في حال
واحدة ، فلزم عن هذه العقائد استحالة الإعادة على مقدور القدرة واستحالة التقديم
والتأخير. أمّا ما لا يبقى من الأفعال فلاستحالة فعله إلّا في وقت واحد ، وأمّا ما
يبقى فلو صحّ ذلك فيه لأدّى إلى جواز أن يفعل بالقدرة الواحدة على جهة التأخير
أفعالا وفي الوقت أفعالا فلزم أن يفعل بها أكثر من جزء واحد في الوقت والمحلّ لأنّ
القدرة متى تعلّقت بالمثلين صحّ فعلهما بها على الجمع بخلاف الضدين وقد استسلموا
بطلان ذلك فلذلك امتنعوا من جواز التقديم والتأخير والإعادة ، والله الموفق
للصواب.
المسألة الثانية :
ما المطلوب
بالتكليف أهو مجرّد الفعل أو وجهه أو هما ، فان كان الأوّل فالتكليف مختلف ، والفعل
من حيث هو لا يختلف ، وإنّ كان الثاني فالوجه ليس من أثر القدرة ، وإن كان الثالث
فما قيل في القسمان وارد عليه.
الجواب
:
المطلوب
بالتكليف هو الفعل الواقع على الوجه المؤثّر في وجوبه أو ندبه أو قبحه ، واشتماله
على الوجه قد يكون من أثر القادر وقد يكون لما هو عليه ذاته ، مثال الأول لطمة
اليتيم وقبح الكذب ، فإنّ لطمة اليتيم إنّما تقبح وتحسن بحسب القصد ، وكذلك الكذب
إنّما يقبح لإرادة المخبر بالإخبار به على خلاف المخبر عنه ، ومثال الثاني وجوب
قضاء الدين وقبح الجهل ، ففي الحقيقة المطلوب بالتكليف هو الفعل ، واختصاصه
بالتكليف إنّما هو لوقوعه على ذلك الوجه والله الموفق للصواب.
المسألة الثالثة :
ما الذي يختار
في الإرادة أهي الداعي أم أمر زائد عليه ، وهل ذلك الأمر الزائد في الشاهد فقط أم
فيه وفي الغائب ، وإن كانت هي الداعي فهل تنتهي الدواعي إلى داع يخلقه الله تعالى
أم لا؟ وهل إن انتهب إليه يجب الفعل عنده أم لا؟ وهل الوجوب إذا قيل به هو الذي
يذهب الخصم إليه أم أمر سواه؟.
الجواب
:
أمّا السؤالان
الأولان فلم يتّضح لي دلالة تدلّ فيهما على نفي ولا إثبات وجميع ما ذكره الشيوخ رحمهمالله من الاستدلال على ما ذهبوا إليه معترض باعتراضات لازمة
مقتضية للقدح ونحن نشير إلى الخلاف الواقع من فضلاء الكلام ونشير إلى قوى معتمدهم
ونومي إلى الجواب عنه لتلوح صحّة العذر فيما اخترناه ، فنقول :
اختلف الشيوخ
في ذلك فذهب الجبائيان ومن تابعهما في أنّ الإرادة أمر زائد على الداعي الخالص
شاهدا وغائبا ، وذهب آخرون إلى العكس ، وفرّق أبو الحسين فجعل كون
الواحد منّا مريدا زائدا على مجرّد الداعي في الشاهد خاصة ولم يثبت الإرادة ولا
غيرها من الأعراض.
قال : إنّ
الشكّ في كون الواحد منّا مريدا زائدا على مجرّد الداعي ظاهر الفساد ، لأنّ
الإنسان عندنا يعلم في الشيء نفعا خالصا من كلّ صارف فيجد
__________________
نفسه كالطالبة لذلك النفع ويجد ذلك المطلب كالصادر عن هذا العلم والتابع
له. قال : ولا شيء أظهر ممّا يجده الإنسان من نفسه.
ويمكن أن يقال
: لا نسلّم أنّ ذلك المطلب زائدا على الداعي الصافي عن معارضة الصارف ، وهذا لأنّ
الداعي إلى الفعل طلب له فإذا بقي على الداعي إلى وقت الفعل أمكن أن يجد نفسه
كالطالبة له فدعوى تجديد أمر زائد على الداعي الخالص في موضع المنع.
واستدلّ من رجع
بها إلى الداعي الخالص شاهدا وغائبا بوجوه أقواها عندهم : أنّه لا مقتضى لإثباتها
، وما لا مقتضى له يجب نفيه ، أمّا الأولى فتظهر باستقراء أدلّة المثبتين لها ، وأمّا
الثانية فلأنّه لو جاز إثبات ما لا دليل على ثبوته للزم إثبات كلّ جهالة.
ويمكن أن يقال
: لا نسلّم أنّه لا مقتضى لإثباتها. قوله : يظهر بالاستقراء ، قلنا : الاستقراء
يفيد الإحاطة فكم من باحث لم يظفر ثمّ ظفر ، قوله : ما لا مقتضى له يجب نفيه. قلنا
: متى إذا لم يكن له مقتض في نفس الأمر أم بالنسبة إلى الباحث؟ الأوّل مسلّم ، والثاني
ممنوع ، لكن لا نسلّم هاهنا عدم المقتضي في نفس الأمر.
قوله : لو جاز
إثبات ما لا دليل على ثبوته لزم إثبات كلّ جهالة ، قلنا : الجهالة علم بطلانها فلا
تثبت.
واستدلّ
المثبتون لها شاهدا وغائبا بوجوه أقواها عندهم وجهان : أحدهما أنّ الباري مخبر وآمر وكلّ من كان كذلك فهو مريد ، أمّا
الأولى فسمعيّة ، وأمّا الثانية فلأنّ الأمر لا يكون أمرا إلّا بإرادة الآمر ، وكذلك
النهي والخبر.
الوجه
الثاني أنّه تعالى
فعل أفعالا متميّزة في الحدوث وقد كان يجوز وقوعها على خلاف ذلك فلا بدّ من أمر
اقتضى ترتيبها وليس ذلك إلا الإرادة لبطلان ما عدا ذلك من الفروض.
والجواب عن
الأوّل إنّا لا نسلّم أنّ الأمر لا يكون أمرا إلّا بالإرادة ، وهذا لأنّه كما يجوز
تعليله بالإرادة يمكن تعليله بالداعي الخالص ، فليس بأن يكون دالّا على أحدهما [
أولى ] من الآخر.
وهذا الذي
ذكرناه يمكن أن يكون جوابا عن الوجه الثاني ، على أنّ ما ذكره وارد على الإرادة ، وأيضا
فإنّه يمكن أن يقال : لم أراد تقديم هذا وتأخير الآخر؟ أجابوا بأنّ الداعي يدعو
إلى تقديم المقدّم وتأخير المؤخّر ، صحّ لنا أن نجيب بمثل ذلك. لا يقال : قد يستوي
التقديم بالنسبة إلى الداعي فلا يجوز إسناد أحدهما إليه ، لأنّا نقول : قد تستوي
إرادة التقديم وإرادة التأخير بالنسبة إلى الداعي. ولو قال : الإرادة جنس الفعل كان
تعلّل بالاصطلاح وإلّا فالإرادة المتعلّقة بالشيء على وجه غير الإرادة المتعلّقة
بالآخر.
وإذا كانت
أدلّة هذه الدعاوي مدخولة وجب التوقّف فيها لأنّه ليس قول أولى من قول.
وأمّا قوله في
أصل السؤال : هل تنتهي الدواعي إلى داع يخلقه الله تعالى؟ قلنا : نعم وهو كالعلم
الضروري بأن الشيء مصلحة. قوله : وإذا انتهت إلى ذلك هل يجب الفعل؟ قلنا : لا يجب
، وقد يمكن أن يجب إذا تمحّضت الدواعي صافية عن الصوارف كما في حقّ الفارّ من
الأسد ، وليس ذلك بمشابه لمذهب أهل الجبر ، لأنّ الدواعي يجوز أن تختلف ويثبت
بعضها عوضا عن بعض ، والخصم يوجب الفعل ولا يجوز أن لا يقع ولا أن يختار غيره
عليه. وهذا الوجه ذكره القاضي والله الموفّق.
__________________
المسألة
الرابعة :
ما الوجه الذي قال علم
الهدى قدّس الله روحه بأنّ القدرة لا تبقى وما الوجه الذي لأجله شكّ في بقاء الأكوان.
الجواب
:
الذي أعرفه من
مذهب المرتضى قدّس الله روحه في صحيح النقل الشكّ في بقاء الأعراض كلّها ، والوجه
في ذلك عنده ضعف معتمد الجازم بالبقاء عليها ، ووظيفة من عدم الدلالة على القطع
بالنفي والإثبات التوقّف. والله الموفّق.
__________________
المسألة الخامسة :
ما المعنيّ
بقول السيّد المرتضى رضياللهعنه : وما يدخل فيه معنى النسخ ، وكذا قوله : معنى التخصيص
دون النسخ ودون التخصيص نفسه ، وما هو المختار فيما نقل من التخيير إلى التضييق أو
بالعكس ، أيكون نسخا أم لا؟ وكذلك ما المختار عنده في الزيادة
على النصّ والنقصان منه أهو نسخ أم لا؟ .
الجواب
:
لا بدّ في
إبانة الغرض بهذه الألفاظ من مقدّمة وهي أنّ التخصيص في الحقيقة لا يرد إلّا على
الألفاظ العامّة ، فإن العموم والخصوص من عوارض الألفاظ ومعنى التخصيص يرد على ما
علم عمومه لا باللفظ إذ التخصيص عبارة على ما دلّ على أنّ المراد بالعام بعضه ، فإن
كان العموم مستفادا من منطوق اللفظ كان التخصيص حقيقة ، وإن كان مستفادا لا من
منطوقه كان التخصيص معنويّات ومثاله أنّا نستدلّ بحلّ الوطء في أمّ الولد على بقاء
الملك ، وبثبوت الملك على تحقّق توابعه من بيع ووقف وغيره ، فإذا ورد المنع من
البيع في بعض الصور كان ذلك في معنى التخصيص فيها فهذا يخصّص معنى التخصيص.
وأمّا النسخ
فلا يكون حقيقة إلّا إذا كان الناسخ متراخيا وكانا جميعا مستفادين بالشرع ، أمّا
إذا كان الرافع معلوما بالعقل فإنّه لا يطلق اسم النسخ
__________________
وإن كان معناه موجودا فيه كما إذا أمر إنسان بالقيام في الصلاة ثمّ أقعد
فإنّ القيام ينسخ في حقّه لكن لما كان ذلك معلوما بالعقل لم يسمّ نسخا وإن كان
المعنى موجودا فيه ، وربما كان مثل هذا أشبه بإطلاق اسم الشرط.
وأمّا نقل
الفعل من التخيير إلى التضييق فإنّه ليس بنسخ للفعل المخيّر ، لأنّ وجوب فعله باق
، وربما كان نسخا لجواز تركه إلى غيره ، لأنّ المنافاة متحقّقة هناك. وأمّا نقل
الفعل من التضيّق إلى التخيير فليس بنسخ بالنسبة إلى المضيّق لتحقّق وجوبه ، بل
النسخ وارد على تحريم تركه لتحقّق المنافاة.
وأمّا الزيادة
على النصّ والنقيصة منه فقد اختلف الأصوليّون في ذلك ، والذي اتّضح لي فيه أنّ
الزيادة إن كانت مؤثّرة تغييرا في المزيد عليه كان ذلك القدر من التغيير نسخا لتحقّق
معنى النسخ فيه ، وإلّا فلا يكون نسخا ، فانّ التغريب في حقّ الزاني
البكر لم يؤثّر تغييرا في الحدّ ، وقولهم : إنّ النصّ الأوّل كان يؤذن بالاكتفاء
لا حجّة فيه ، لأنّا نقول : الاكتفاء بما تضمّنه النصّ الأوّل إن كان معلوما من
دلالة لفظيّة شرعيّة كانت الزيادة نسخا لتلك الدلالة وإلّا لم تكن نسخا.
وأمّا النقيصة
فإنّها تكون نسخا لما نقص [ لا ] لما بقي كالاقتصار في عدة الوفاة بأربعة أشهر
وعشرة أيّام بعد الحول ، فإنّه نسخ لما زاد على الأربعة أشهر فإن كان النصّ
الثاني مغيّرا للنصّ الأوّل أي لما دلّ على منطوقه كان نسخا وإلّا فلا. والله الموفّق.
__________________
المسألة السادسة :
قول الشيخ أبي
جعفر رضياللهعنه : عدّة من أصحابنا عن التلّعكبري وكذا قوله : عدّة من
أصحابنا عن أبي المفضّل ، وقوله : عدّة من أصحابنا محمّد بن علي بن بابويه هل العدّة
متّفقة أم مختلفة؟ تعرّفنا ذلك ونذكر أسماءهم.
الجواب
:
الذي وصل إلى
في ذلك ووجدته بخطّ بعض الفضلاء أنّ الجماعة الذين هم طريق الشيخ رحمهالله تعالى إلى أبي المفضّل منهم أبو عبد الله الحسين بن
عبيد الله ، وأبو علي محمد بن إسماعيل بن أشناس ، وأبو طالب
بن غرور ، واسم أبي المفضّل محمّد بن عبد الله بن المطّلب
الشيباني.
وأمّا الجماعة
الذين هم طريقه إلى التلّعكبري منهم الحسين بن عبيد الله المذكور ، وابن صقال ، وابن أشناس
المذكور ، وابن عزور المذكور.
وإلى ابن
بابويه منهم المفيد رحمهالله ، والحسين بن عبيد الله المذكور وأبو
__________________
الحسين جعفر بن الحسين بن حسكة القمّي وأبو زكريا محمد بن سليمان الحمراني . ومظانّ
روايته تختلف فتارة تكون الجماعة المذكورون ، وتارة بعضهم ، واسم التلّعكبري محمّد
بن موسى وكنيته أبو محمّد والله الموفّق للصواب .
__________________
المسألة السابعة :
إذا أوصى إلى
إنسان فقبل الوصيّة وهو يعلم أنّ في مال الموصي الخمس لم يخرجه ، هل يجب على
الوصيّ إخراجه من التركة أم لا؟ وهل يفرق بين أن يكون الوصيّ فقيها أم لا؟ وهل إذا
كن لهذا الميّت دين على إنسان يعلم مثل ما علمه الوصيّ أيجب عليه تسليم ذلك إلى
الورثة أم يخرجه هو؟ وهل إذا كان من المستحقّين يسقط عنه أم لا؟ وهل يجوز لغير
الحاكم أن يخرج ذلك على وجه أنّه أمر بمعروف أم لا؟.
الجواب
:
نعم على الوصيّ
إخراج الخمس من تركته ، ولا فرق بين أن يكون فقيها أو لا يكون في وجوب إخراجه.
ولا يجوز لمن
عليه الدين أن يخرج عن الميّت بل يجب عليه تسليمه إلى الوارث ليتولّى الإخراج فإنّ
ما في الذمّة لا يتعيّن إلّا بقبض صاحبه أو من يقوم مقامه.
ولا تبرأ ذمة
الغريم إن كان من أهل الاستحقاق بمجرّد ثبوت الخمس في مال صاحب الدين وإلّا برأت
ذمّته في حال حياته.
ولا يجوز لغير
الحاكم أو الورثة أن يتولّى تسليم الدين إلى أرباب الخمس ، والله الموفّق.
وهذا حين انتهينا
على أجوبة المسائل معتذرين من الخلل مستغفرين من الخطل وانّا نسأل التوفيق لصالح
العلم إن شاء الله تعالى ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد النبيّ وآله الطاهرين.
٣
المسائل
المصريّة
وهي تشتمل على خمس مسائل
تأليف المحقق الحلي ره
بسم
الله الرحمن الرحيم
أقول : بعد حمد
الله على ما أكرمنا من فضله وألهمنا من محبّة العلم وأهله ، والصلاة على رسوله
الهادي إلى الخير كلّه ، وعلى ذريّته نواميس الدين وأصله ، إنّي مجيب إلى ما سألني
الشريف لمعرفتي برئاسته ونبله ، وتحقّقي نفاسته وسداد عقله ، وأنّ
ذلك يقع منه في موقعه ويحلّ في محلّه ، وهي خمس مسائل :
الأولى
في شرح الباب
الأوّل من النهاية ، فإنّه ذكر أنّه سمع منّي شرحها ولم ينضبط له
إلّا أقلّه.
الثانية
في إزالة
النجاسات بالمائعات وكيف ادّعى علم الهدى والشيخ المفيد رحمهماالله أنّ ذلك هو مذهبنا ولا نصّ فيه.
الثالثة الماء القليل هل ينجس بالملاقاة أم لا؟.
الرابعة
ماء البئر هل
ينجس بالملاقاة أم لا ينجس إلّا بالتغيير؟.
الخامس الماء المستعمل في غسل الجنابة وشبهه هل يرفع به الحدث
أم لا؟.
وها نحن موردون
مسائله ، ومجيبون عنها ، ومشيرون إلى الدلالة على وجه مختصر إن شاء الله.
__________________
المسألة الأولى
يفتقر جوابها
إلى إيراد كلام الشيخ رحمهالله.
قال : باب بيان
ماهيّة الطهارة وكيفيّة ترتيبها .
باب الشيء ما
يدخل به إليه ، ويجوز أن يكون من قولهم : « أبواب مبوّبة » أي « أصناف مصنّفة »
فكأنّ الباب يجمع صنفا من الأصناف.
والمائية مشتقّة من ما
التي يطلب به تارة شرح الاسم ، وتارة شرح الحقيقة ، وقد يسأل عن الشيء بما هو
فيقال منه ماهية ، ويكنّى عنه بهو ويقال هوية.
والكيفيّة من
كيف التي يسأل بها عن الوصف ، فكأنّه قال : باب بيان ما يقال في جواب من يسأل ما
الطهارة وكيف ترتيبها.
وهنا محذوف
تقديره وكيفيّة ترتيب فصولها فحذف المضاف لأنّ الباب لم يشتمل على ترتيب الطهارة
بل على ترتيب فصولها.
وربما قيل : لم
لم يجعل للطهارة هنا كتابا كما جعل في الخلاف؟.
والجواب أنّه
تارة ينظر إلى كون الطهارة وجبت تبعا لغيرها فأشبهت المقدّمات ، وتارة ينظر إلى
كثرة فصولها وتشعّب مسائلها وكونها أهمّ مقدّمات الصلاة في عناية الشرع فيخصّها
بمزيّة الانفراد.
وقال رحمهالله : الطهارة في الشريعة اسم لما يستباح به الدخول في
الصلاة .
__________________
إنّما قال : في
الشريعة احترازا من اللغة ، فإنّها هناك اسم للنزاهة عن الأدناس يقال : رجل طاهر
الثياب أي منزّه ، وقوم يتطهّرون أي يتنزّهون من الدنس فأمّا في الشرع فهي كما
ذكر.
ونقض قوم هذا
التعريف بإزالة النجاسة عن الثياب والبدن فإنّها معتبرة من الاستباحة ولا يطلق
عليها اسم الطهارة.
واحترز القاضي
عبد العزيز بن البرّاج لذلك بأن زاد « ولم يكن ملبوسا وما يجري مجراه » .
وقال بعض
المتأخرين : ينتقض أيضا بوضوء الحائض لجلوسها في مصلّاها ذاكرة
لله فإنّه طهارة وإن لم تحصل به الاستباحة.
والشيخ رحمهالله قال في المبسوط : « الطهارة عبارة عن إيقاع أفعال في
البدن مخصوصة على وجه مخصوص تستباح به الصلاة » وصوّبه ذلك
المتأخّر وأسقط اشتراط الاستباحة ، فقال : نريد بقولنا : « في البدن مخصوصة »
الاحتراز من إزالة النجاسة العينيّة عن الثوب والبدن ، وبقولنا : « على وجه مخصوص
» القربة ، ولا حاجة إلى الاستباحة .
__________________
ويمكن أن يقال :
أمّا نقضه على النهاية بوضوء الحائض في زمان حيضها ، فلا نسلّم أنّ ذلك يسمّى
طهارة ونطالبه من أين عرف تسميته بذلك ، وإنّما يستفاد الوضع من أهل الاصطلاح وهو
مفقود ، وليس تسميته وضوءا مستلزما تسميته طهارة ، لأنّ الطهر في مقابلة الحيض فلا
يجتمعان ، فلو صدق عليه اسم الطهارة لصدق على فاعلته في زمان الحيض الطهر.
وأمّا تصويبه
حدّ المبسوط فوهم فاحش ، لأنّه في غاية الإجمال بحيث لا يفهم منه شيء على التعيين
أصلا ، بل هو منطبق بلفظه على كثير ممّا يفعل في البدن وليس طهارة ولو قال : لم
أرد بالمخصوصية ما أشرت إليه وإنّما أردت الوضوء أو الغسل. قلنا : فالتعريف إذا
باللفظ الثاني لا الأوّل وقد كان متشاغلا بتعريف لفظ واحد فصار متشاغلا بعدّة
ألفاظ لا تدلّ عليها ألفاظ التعريف ومن الشروط في التحديد تجنّب الألفاظ المبهمة.
ثم لو زال الطعن في هذا التعريف بالعناية لأمكن في كلام النهاية.
قوله : المراد
بقوله : « في البدن مخصوصة » الاحتراز من إزالة النجاسات ، إن أراد أنّ نفس اللفظ
دالّ على ذلك فهو مكابرة وإن أراد أنّه يدلّ مع التفسير كان ذكره تطويلا.
قوله : يستغنى
بقولنا : « على وجه مخصوص » عن ذكر الاستباحة وهم أيضا لأنّ اللفظ لا يدلّ على ذلك
وإنّما يدلّ بالعناية ، ولأنّ الشيخ رحمهالله لا يكتفي بالقربة عن الاستباحة فلم تدلّ خصوصيّة
الأفعال على قصد الاستباحة.
على أنّه لو
جاز ذلك لجاز أن يقول : الطهارة أفعال مخصوصة ، ويفسّر المخصوصة بجميع ما يعتبر في
التعريف.
ثمّ نقول : الخطأ
نشأ من ظنّهم أنّ الشيخ رحمهالله قصد تعريف الطهارة نفسها وليس الأمر كذا وإنّما قصد
تفسير اسم الطهارة بما هو أظهر منه وإن كان
أعمّ من موضوعه وهذا جائز في تفسير الاسم كما يقال : « العشرق نبت » وإن كان
التفسير مشتركا وكذا لو قيل : « السكنجبين شراب يقمع الصفراء » لعدّ قائله معرّفا
وإن كان التعريف مشتركا ، لأنّه قصد بيان اللفظ بما هو أظهر منه.
ولو قيل : فرق
بين أن يقول : السكنجبين اسم لشراب يقمع الصفراء وأن يقول : اسم للشراب القامع ، والشيخ
رحمهالله قال : الطهارة اسم لما يستباح ، فجعله واقعا على كلّ ما
تحصل به استباحة الصلاة. قلنا : هذا يمكن لو لم نجعلها نكرة موصوفة ، أمّا لو
جعلناها نكرة جرت مجرى أن يقال : الطهارة اسم لشيء تستباح به الصلاة ، وقد يقتصر
في التعريف اللفظي على مثل هذا وإن لم يكن حاصرا.
قال الراوندي رحمهالله : والاحتراز التامّ أن يقول : الطهارة الشرعية هي
استعمال الماء والصعيد على وجه تستباح به الصلاة وأكثر العبادات .
وما أراه رحمهالله ألمّ بالاحتراز فضلا أنّه أتمّه فإنّ كلّ ما يرد على
ألفاظ النهاية يرد على هذا ثمّ ينتقض بتجديد الوضوء على الوضوء فإنّه طهارة ولا
حظّ له في الاستباحة. وقوله : وأكثر العبادات زيادة لا معنى لها.
والتحقيق أنّ
اللفظ الواقع على المعاني المختلفة بالاشتراك اللفظي لا يمكن إيضاحه بالتعريف
الواحد كلفظ العين مثلا فإنّه لمّا وقع على الباصرة والماء والمال لم يمكن تعريفه
إلّا بذكر موضوعاته ، لكن إذا اتّفق اشتراك تلك
__________________
الموضوعات في لازم خاصّ بها أمكن تعريفه بذلك اللازم ، كما يقال : الذات
اسم لما يعلم بعينه بانفراده ، فالموضوعات مختلفة بالحقائق ووقوعه عليها بالشركة
اللفظية ، لكنّها تشترك في ذلك اللازم فأمكن أن يعرّف الاسم به ، لكن إن جعل الاسم
واقعا عليها عليها بحسب ذلك اللازم خرج الاسم من كونه مشتركا ودخل في كونه متواطئا
لأنّه يعود كالموضوع لما له ذلك اللازم المشترك.
أمّا الطهارة
فإنّها تقع على الوضوء تارة مع إرادة الاستباحة وتارة لا بحسب ذلك الاعتبار كتجديد
الوضوء من غير حدث ، وتارة تقع على الغسل المراد به الاستباحة ، وقد يقع عليه لا
بحسب ذلك كالغسل المندوب مع طهارة البدن من حكم الحدث ، وتارة على التيمّم
لاستباحة الصلاة ، وتارة لا لها.
وهذه حقائق
مختلفة لا يجمعها شيء مشترك فكان تعريف اللفظ الذي يصحّ وقوعه على كلّ واحد واحد
منها بالتعريف الواحد الحاصر متعذّرا.
وقد عرّفنا نحن
الطهارة مرّة بأنّها استعمال أحد الطهورين لإزالة منع الحديث أو لتأكيد الإزالة.
ولو قيل : الطهور
لا يعرّف إلّا بعد معرفة الطهارة فهو دور. قلنا : قد يمكن معرفة كون الماء طهورا
بقوله تعالى ( وَأَنْزَلْنا مِنَ
السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) ، وكون التراب طهورا بقوله صلىاللهعليهوآله : جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا .
ومعنى قولنا : أو
لتأكيد الإزالة احتراز من تجديد الوضوء على الوضوء ،
__________________
فإنّه طهارة وإن لم يزل منعا ، لكنه يؤكد الإزالة ولا ندّعي أنّ ذلك تعريف
ضابط.
قال رحمهالله : وهو ينقسم قسمين وضوء وتيمّم .
قيل : في هذا
التقسيم إخلال بالغسل وهو حقّ ، لكنّ الشيخ رحمهالله استدرك ذلك في موضع آخر فقال : الطهارة تنقسم إلى
مائيّة وترابيّة فالمائيّة إلى ما يختصّ الأعضاء الأربعة فتسمّى وضوءا وإلى ما
يعمّ البدن فتسمّى غسلا .
واعتذر بعض
الأصحاب له بأنّ الوضوء قد يراد به الغسل كما في قوله عليهالسلام : الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم . والمراد غسل
اليدين ، وبأنّ بعض العامّة لا يستبيحون الصلاة بغسل الجنابة بانفراده ، فراعى
إجماعهم وخصّ الطهارة بالوضوء لما فسّرها بما تستباح به الصلاة.
وفي العذر ضعف
، أمّا الأوّل فلاختصاص لفظ الوضوء في الشرع بغسل الأعضاء المخصوصة وعند إطلاق
اللفظ لا يجوز صرفه إلى غيره ، وأمّا الثاني فلأنّ الإماميّة وأكثر الجمهور
يستبيحون الصلاة بالغسل المنفرد فكان مراعاة قولهم أولى أو مساويا.
وبعض
المتأخّرين ناقض شيخنا أبا جعفر رحمهالله على قوله في المبسوط : فما يخصّ الأعضاء الأربعة فيسمّى
وضوءا بأن قال : هنا تجاوز وإلّا فالاعضاء ستّة ثلاثة مغسولة وثلاثة ممسوحة.
__________________
والمناقشة
لفظية ولعلّ الشيخ رحمهالله نظر إلى ألفاظ الكتاب العزيز فإنّه تضمّن أمرا بمغسول
وعطف الأيدي عليه وأمرا بممسوح وعطف الأرجل عليه ، واليدان متشابهتان ، وكذا
الرجلان فقاما مقام الواحد. ويقال : إنّ عليا عليهالسلام وعبد الله قالا : غسلتان ومسحتان . فحصرا ذلك في
أربع وهو يقتض تعداد الأعضاء بحسبها.
قال رحمهالله : ومدارهما على أربعة أشياء : أحدها وجوب الطهارة ، وثانيها
ما به تكون الطهارة ، وثالثها كيفيّة الطهارة ، ورابعها ما ينقض الطهارة .
يقال : المدار
موضع الشيء الذي يدير غيره ، ولمّا كانت هذه الأقسام مقتسمة مسائل الطهارة
وكانت المسائل راجعة إلى الطهارة جرت هذه الأقسام مجرى المدار بالطهارة وهو
استعارة وتجوّز.
ولمّا أوضح
الشيخ رحمهالله اسم الطهارة وأقسامها أراد بعد ذلك حصر فصولها فقدّم
الوجوب ليكون الشروع بحسبه وثنّى بما به يكون لأنّه كالآلة للصناعة ، ثمّ بالكيفية
لأنّها هيئة لا تنفرد عن الحقيقة ، وأخّر الناقض لأنّه رافع لثمرة الطهارة
المتأخّر عنها.
وربما خطر
لبعضهم زيادة في الأقسام وهي من تجب عليه ولما ذا تجب ومتى تجب؟
ويمكن أن يقال
: إنّ الطهارة تجب تبعا فعند بيان الوجوب يتبيّن الذي تجب عليه وما تجب له والوقت.
وربما قيل : لم
قال ومدارهما ثمّ قال : وجوب الطهارة وما به يكون ، فأتى
__________________
أوّلا بلفظ التثنية وأخيرا بلفظ الطهارة وهو واحد.
وجوابه لمّا
كانت الطهارة عبارة عن القسمين جاز أن يعبّر تارة عنهما وتارة عن الطهارة.
قال رحمهالله : أمّا العلم بوجوبها فحاصل لكلّ أحد خالط أهل الشرع
ولا يرتاب أحد منهم فيه .
قال الراوندي :
هذا بمنزلة أن لو قال : يدلّ على وجوب الطهارة الإجماع .
وليس الأمر كما
قاله بل كأنّه يقول : إنّه غني بظهوره بين أهل الشرع عن الشروع في بيانه ، ويؤيّد
ذلك قوله : أمّا العلم بوجوب الطهارة فقد بينّا حصوله لا محالة فلذلك لم نشرع فيه.
ولنا على وجوب
الطهارة الإجماع والقرآن والسنّة. أمّا الإجماع فاتّفاق فتاوى فقهاء الأمصار على
وجوبها في الجملة وإن اختلفوا تفصيلا ، وأمّا القرآن فقوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) ، وقوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى
الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) ـ الآية ـ . وأما السنّة فقوله عليهالسلام : الطهارة شطر الإيمان . وقول الباقر عليهالسلام : لا صلاة إلّا بطهور .
قال رحمهالله : والعلم بما به تكون الطهارة ينقسم قسمين : أحدهما
العلم
__________________
بالمياه وأحكامها وما تجوز الطهارة به منها وما لا تجوز. والثاني العلم بما
يجوز التيمّم به وما لا يجوز. وأمّا العلم بكيفيّة الطهارة فينقسم قسمين : أحدهما
العلم بالطهارة الصغرى وكيفيّتها. والثاني العلم بالطهارة الكبرى من الأغسال
وأحكامها .
هنا
سؤالات :
الأوّل لم ذكر في المدار وجوب الطهارة وما به تكون وكيفيّتها ،
وفي التفصيل عدل إلى العلم بالوجوب والعلم بما به يكون والعلم بالكيفيّة وأحد
الأمرين غير الآخر.
الجواب : إنّه أراد أوّلا تعداد لوازم الطهارة ، وثانيا تعليم
تلك اللوازم.
السؤال
الثاني : لم عوّل في
بيان الوجوب على الاستدلال واقتصر في الباقي على تعداد الأقسام.
جوابه
: أنّ الوجوب
لا يتحقّق العلم به إلّا مع الاستدلال ولا كذلك البواقي لأنّ العلم قد يطلق على
فهم ماهيّة كلّ قسم منها فلذلك اقتصر عليه.
الثالث
: ذكر العلم في
الأقسام الثلاثة ولم يذكره في النواقض.
وجوابه : أنّ المراد من العلم في تلك الأقسام بيان ماهيّة كلّ
قسم منها ، وذلك موجود في شرح النواقص.
الرابع
: لم بدأ بذكر
كيفيّة الصغرى وعقّب الكبرى.
وجوابه
: أنّ الصغرى
أهمّ لعموم البلوى بها وتكرار أسبابها زيادة عن تكرار أسباب الغسل.
الخامس : لم قال في بيان الكيفيّة : العلم بالطهارة الصغرى
وكيفيتها ثمّ
__________________
قال : العلم بالطهارة الكبرى وأحكامها ولم يذكر كيفيّتها.
وجوابه : أنّه لمّا كانت الكيفيّة عارضة للمتكيّف لم يمكن
العلم بها مجرّدة ، وقوله : العلم بالطهارة الكبرى يكفي عن ذكر كيفيّتها لما
ذكرناه من توقّف الكيفيّة على الماهيّة المتكيّفة بها ، وذكر الأحكام زيادة يستتبع
الفصل وتدخل تحته الكيفيّة أيضا.
وقوله : من الأغسال
يقتضي الإخلال بكيفيّة التيمّم بدلا من الغسل. ويمكن أن يقال : إنّها تدخل في
أحكام الكبرى.
قال رحمهالله : وأمّا القسم الرابع وهو ما ينقض الطهارة فهو أيضا على
ضربين : أحدهما ينقض الطهارة الصغرى ولا يوجب الكبرى ، والثاني ينقضها ويوجب
الطهارة الكبرى .
كلّ الأحداث
تشترك في نقض الطهارة بمعنى أنّ تجدّدها يمنع من الصلاة ، فإنّ المغتسل من الجنابة
إذا أحدث ولو حدثا يوجب الوضوء نقض طهارته الكبرى بمعنى أنّه يمنع الأخذ في الصلاة
وغيرها ممّا تشترط فيه الطهارة حتّى يتوضأ ، وإذا تبيّن هذا ظهر أنّ قوله رحمهالله : أحدهما ينقض الطهارة زيادة لا معنى لها ولو اقتصر على
قوله : ينقض الطهارة كان أعمّ بيانا.
وفي
هذا المقام سؤالان :
الأوّل : لم قال : ولا يوجب الكبرى وألّا قال : ينقض الطهارة
ويوجب الصغرى لأنّه لا يدلّ عدم وجوب الكبرى على وجوب الصغرى.
وجوابه : لو قال ذلك لاحتمل أن يوجب الكبرى لأنّه لا يلزم من
إيجاب
__________________
الصغرى عدم إيجاب الكبرى ، فكان قوله : ينقض الصغرى دليلا على وجوب إحدى
الطهارتين ، لأنّه لا يصحّ الدخول في الصلاة مع عدمهما ، ولمّا قال : لا يوجب
الكبرى ، دلّ بالمطابقة على عدم وجوب الكبرى وبالملازمة على وجوب الصغرى.
والسؤال
الثاني : أن يقال : لم
جعل النواقض قسمين وألّا يجعلها ثلاثا أو أربعا فإنّ منها ما يوجب الطهارتين ومنها
يوجب الصغرى تارة وكليهما اخرى.
وجوابه
أن ذلك جائز ، لكن
الذي ذكره أخصر ، فإنّ إيجاب الكبرى لا يمنع إيجاب الصغرى وأمّا الرابع فدخل مع ما
يوجب الوضوء تارة ومع ما يوجب الغسل اخرى فلا يخرج القسمان الأخيران عن الأوّلين.
قال رحمهالله : والذي يتبع الطهارة ممّا يحتاج إلى العلم به للدخول
في الصلاة وإن لم يقع عليه اسم الطهارة العلم بإزالة النجاسات من البدن والثياب ، لأنّه
لا يجوز الدخول في الصلاة مع نجاسة على البدن أو الثوب كما لا يجوز الدخول فيها مع
عدم الطهارة ، ونحن نرتّب ذلك على حسب ما تقتضيه الحاجة إليه إن شاء الله .
هنا
إيرادات :
الأوّل : ظاهر
كلامه يؤذن أنّ العلم بإزالة النجاسات شرط ، وهو في موضع المنع ، لأنّ خلوّ البدن
والثوب من النجاسة يكفي في جواز الدخول في الصلاة وإن لم تعلم كيفيّة الإزالة.
يؤيده قوله : لأنّه لا يجوز الدخول في الصلاة مع نجاسة على الثوب والبدن ولم يعتبر
عدم العلم.
الثاني قوله : ولا
يجوز الدخول في الصلاة مع نجاسة على البدن أو الثوب
__________________
وهو غير مستمرّ ، إمّا للضرورة ، كدم القرح الذي لا يرقأ والنجاسة التي
لا يقدر معها على الماء لإزالتها وإمّا لا مع ذلك كالدم القليل من دم الفصاد
وشبهه.
الثالث قوله : حسب
ما تقتضيه الحاجة إليه فيه إعمال الفعل في المفعول الواحد من وجهين :
وجواب الأوّل :
لا نسلّم أنّ الشرط هو العلم بالإزالة بل لمّا كان لا يجوز الدخول في الصلاة مع
نجاسة على الثوب والبدن وكان التفصّي من ذلك يستلزم العلم بإزالة النجاسات صار
لازما لشرط الصلاة لا أنّه شرط.
وأمّا الإيراد
الثاني فلازم.
وأمّا الثالث
فالجواب : أنّ الضمير في تقضيه يحتمل أن يكون عائدا إلى الاقتضاء لا إلى ما يرجع
إليه الضمير المتّصل بحرف الصلة.
قال رحمهالله : أمّا العلم بوجوب الطهارة فقد بينّا حصوله لا محالة
فلذلك لم نشرع فيه ، وأمّا ما به تقع الطهارة من المياه وغيرها فيجب أن يكون العلم
به مقدّما على العلم بكيفيّة إيقاعها ، فلأجل ذلك بدأنا به أوّل الكتاب ثمّ نذكر
ما وعدنا به من الأقسام الأخر إن شاء الله تعالى .
لمّا حصر رحمهالله فصول الطهارة وقسّمها مرتّبا على ما وعد في ترجمة
الكتاب أراد أن يبدأ بالأولى : فالأولى : فقدّم الوجوب وبيّن أنّه غنيّ عن الدلالة
، ثمّ رأى الكيفيّة عارضة للماهيّة وإيقاع الماهيّة متأخّر عن الآلة فقدّم ذكر ما
به يكون وأخّر الناقض.
قال الراوندي :
الوجوب أوّل والناقض متأخّر ويبقى الآخران وأنت مخيّر في تقديم أيّهما شئت وما
ذكره الشيخ أولى.
__________________
والمفيد رحمهالله قدّم ذكر الأحداث في المقنعة على فصول الطهارة ولعلّ ذلك
لتسميته لها موجبات ، وتأخير الشيخ إيّاها لتسميتها نواقض ، ولا ثمرة للخلاف
فتستقصى كميّته.
وقوله رحمهالله : يجب أن يكون العلم به مقدّما يريد الوجوب المعتبر بين
أهل التصنيف في التزام تقديم الاولى.
__________________
المسألة الثانية : في إزالة النجاسة بالمائعات.
والجواب : الحقّ
أنّه لا يجوز إزالة النجاسة بغير الماء المطلق وإن كان مزيلا للعين قالعا للأثر ، وهو
اختيار شيخنا أبي جعفر رحمهالله في كتبه كلّها. وذكر في الخلاف أنّ ذلك مذهب
أكثر أصحابنا ، وخالف علم الهدى في ذلك وكذا الشيخ المفيد رحمهماالله .
لنا وجوه : الأوّل : قوله عليهالسلام لأسماء : حتّيه ثمّ اقرصيه ثمّ اغسليه بالماء . وما روي عن
أبي عبد الله عليهالسلام عن البول يصيب الجسد قال : تصبّ عليه الماء مرّتين . وما رواه
الحلبي عنه عليهالسلام في بول الصبيّ قال : يصبّ عليه الماء .
ولو جاز إزالته
بغير الماء كان تعيينه للإزالة تضييقا وهو غير جائز ، لما فيه من الحرج والضرر ، ثمّ
التعيين ينافي التخيير.
لا يقال : الحديث
مختصّ بنجاسة معيّنة ، والخبث مطلق. لأنّا نقول : لا
__________________
قائل منّا بالفرق.
الوجه الثاني : ملاقاة المائع للنجاسة توجب نجاسته ، والنجس لا تزال
به النجاسة.
لا يقال : هذا
يرد على الماء القليل. لأنّا نجيب من وجهين : أحدهما ما اختاره المرتضى في
الناصريّات : أنّ الماء ينجس لورود النجاسة عليه ، ولا ينجس بوروده
عليها. والثاني مقتضى الدليل التسوية ، لكنّ التطهير في الماء حصل لضرورة الحاجة
إلى الإزالة ، والضرورة تندفع به ، فتسوية غيره به تكثير لمخالفة الدليل وهو غير
جائز.
الوجه الثالث : منع الشرع من استصحاب الثوب النجس في الصلاة قبل غسله
بالمائع ثابت فيثبت بعد غسله بغير الماء عملا بالاستصحاب. وإن قيل : لا نسلّم
العمل بالاستصحاب ، لأنّ فائدته قياس إحدى الحالتين على الأخرى ، والعمل بالتسوية
من غير دلالة. ولو سلّمناه لكان معارضا بما أنّ الأصل جواز الإزالة له بكلّ مزيل
للعين قالع للأثر فيجب العمل به تمسكا بالأصل.
وتعارض ما
ذكرتموه بالآية والخبر. أمّا الآية فقوله تعالى ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ
) والطهارة في اللغة التنزّه عن الأدناس فيكون ذلك مرادا
، لأنّ الأصل عدم النقل. وأمّا الخبر فما رواه الجمهور عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال لخولة بنت بشار : « حتّيه ثمّ اقرصيه ثمّ
اغسليه » ولم يذكر الماء. وكذا ما رواه
__________________
ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليهالسلام عن المنيّ يصيب الثوب قال : إن عرفت مكانه فاغسله ، وإن
خفي فاغسله كلّه . وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إذا أصاب الثوب منّي فليغسل الذي أصابه .
لا يقال : أحاديثنا
مقيّدة بذكر الماء ، والعمل بالمقيّد أولى لأنّا نقول : بل التمسّك بما ذكرناه
أولى لأنّه لو عمل بالمقيّد لزم الإضمار ، والإضمار على خلاف الأصل ، ولأنّا لو
عملنا بالمطلق أمكن الجمع بأن ينزّل خبر الماء على الاستحباب ، فيبقى المطلق على
إطلاقه ، ولأنّ الخبر تضمّن الحت والقرص ، وكلاهما مستحبّان ، فيكون الماء كذلك ، لأنّه أشبه
بسياقة اللفظ.
ويؤيد جواز
إزالة النجاسة بغير الماء ما رواه حكم بن حكيم الصيرفي عن الصادق عليهالسلام قال : قلت : لا أصيب الماء وقد أصاب يدي البول فأمسحه
بالحائط أو التراب ثمّ تعرق يدي فأمسح وجهي أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي قال : لا بأس
. وعن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليهالسلام عن أبيه عن علي عليه الصلاة والسّلام قال : لا بأس أن
يغسل الدم بالبصاق .
والجواب قوله :
لا نسلّم وجوب العمل بالاستصحاب ، قلنا : لأنّه لو لا ذلك
__________________
لزم طرح العمل بالدليل الثابت ، وليس ذلك قياسا.
قوله : هو عمل
بغير دلالة ، قلنا : قد بيّنا الدلالة.
قوله : ما
ذكرتموه معارض بما أنّ الأصل جواز إزالة النجاسة بكلّ مائع ، قلنا : لم نعلم
النجاسة بالأصل حتى يعلم زوالها به ، غايته أن نعلم أنّ العرب كانت تستخبث شيئا
فطهارته التنزّه منه وليس ذلك ممّا نحن فيه.
والجواب عن
الآية أنّا لا نسلّم دلالتها على موضع النزاع ، لأنّها دالّة على وجوب التطهير ، والبحث
ليس فيه ، بل في كيفية الإزالة. لا يقال : الطهارة إزالة النجاسة كيف كان ، لأنّا
نقول : هذا هو أوّل المسألة.
قوله : الغسل
بغير الماء يزيل عين الدنس فيكون طهارة. قلنا : أوّلا نمنع ذلك ، فإنّ النجاسة إذا
مازجت المائع شاعت فيه فالباقي في الثوب منه تعلّق به حصّة من النجاسة ، ولأنّ
النجاسة ربما سرت في الثوب فسدّت مسامه فمنع الماء من الولوج حيث هي وتبقى مرتبكة في محلّها.
وثانيا نسلّم
زوال عين النجاسة ، لكن لا نسلّم زوال النجاسة بخلعها ، فإنّ المائع
بملاقاة النجاسة يصير عين نجاسة فالبلّة المتخلّفة منه في الثوب بعض المنفصل النجس
فيكون نجسا. أو نقول : النجاسة الرطبة أثّر في تعدّي حكمها إلى المحلّ ، كما أنّ
النجاسة عند ملاقاة المائع تتعدّى نجاستها إليه ، فعند وقوع النجاسة الرطبة ينفعل
الثوب بحكمها كما ينفعل المائع عند ملاقاة النجاسة اليابسة فتعود أجزاء الثوب
الملاقية لها نجسة شرعا وتلك العين المنفعلة لا تزول الّا بالغسل.
وأمّا الخبر
فنقول : الاقتصار على الأمر بالغسل يكفي في دلالته على الماء لأنّ الماء هو
المعروف للإزالة ، فيسبق الذهن إلى إرادته ، كما تقتصر في أمر
__________________
العطشان بقولك : اشرب ، ولم تحتج إلى تقييده بالماء.
وقوله : ينزّل
خبر الماء على الاستحباب ، قلنا : ظاهر الأمر الوجوب ، فلو نزّلناه على الاستحباب
كان تركا للظاهر.
قوله : ليسلم
المطلق من إرادة التقييد ومن الإضمار ، قلنا : مراعاة جانب الحقيقة أولى من مراعاة
عدم الإضمار.
قوله : خبر
الماء يتضمّن الحتّ والقرص وكلاهما مستحبّان ، قلنا : نطالب بوجه الملازمة ، فإن
تمسّك بالسياقة لزمه أن يقوله : الغسل مستحبّ أو يقول : كما أنّ القرص مستحبّ تبعا
لاستحباب القرص فليكن الماء واجبا تبعا لوجوب الغسل.
وأمّا رواية
حكم بن حكيم فإنّها مطرحة بين الأصحاب ، ولو صحّت نزلت على حال عدم الماء فإنّ المصلي يجتزي
بإزالة عين النجاسة بالأرض أو التراب ما دام العذر باقيا.
وأمّا رواية
غياث فإنّها في غاية الشذوذ ، فلا يعترض بمثلها على الأصل. على أنّا لا نسلّم
دلالتها على طهارة المحلّ بالبصاق حسب ، فإنّه لا يبعد أن يسأل عن جواز حكّ الدم
والتوصّل إلى إزالة عينه بالبصاق منضمّا إلى تطهيره بالماء ، ويجري ذلك مجرى قولهم
: يغسل الإناء من ولوغ الكلب بالتراب أوّل مرّة وإن لم يكن بمجرّد التراب. على أنّ
الروايتين تتضمّنان رفع البأس ولا تتضمّنان طهارة المحلّ ولا جواز الدخول به في
الصلاة فسقطت دلالتهما على الطهارة.
وأمّا قول
القائل : كيف أضاف السيّد والمفيد ذلك إلى مذهبنا ولا نصّ فيه.
__________________
فالجواب : أمّا
علم الهدى فإنّه ذكر في الخلاف أنّه إنّما أضاف ذلك إلى مذهبنا ، لأنّ من الأصل
العمل بدليل الأصل ما لم يثبت الناقل .
قال : وليس في
الشرع ما يمنع من استعمال المائعات في الإزالة ولا ما يوجبها ، ونحن نعلم أنّه لا
فرق بين الماء والخلّ في الإزالة ، بل ربما كان غير الماء أبلغ فحكمنا حينئذ بدليل
العقل.
وأمّا المفيد
فإنّه ادّعى في مسائل الخلاف أنّ ذلك مرويّ عن الأئمة عليهمالسلام ، وأمّا نحن فقد فرّقنا بين الماء وغيره فلم يرد علينا
ما ذكره علم الهدى ، وأمّا المفيد فنمنع دعواه ونطالبه بنقل ما ادّعاه.
__________________
المسألة الثالثة
الماء القليل
هل ينجس بالملاقاة وكيف ادّعى ابن أبي عقيل أنّه باق على طهارته؟
الجواب
:
نعم ينجس
بالملاقاة وإن لم يتغيّر أحد أوصافه. لنا قوله عليهالسلام : خمّروا أوانيكم . وقول الصادق عليهالسلام : إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء ولا تتحقق
فائدة الشرط إلّا مع إمكان نجاسة ما دون الكرّ. وما رواه الفضل عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن سؤر الكلب فقال : رجس نجس لا تتوضّأ.
بفضله واصبب ذلك الماء . وما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام عن الدجاجة والحمامة تطأ العذرة ثمّ تدخل الماء أيتوضّأ
منه للصلاة؟ قال : لا إلّا أن يكون الماء قدر كرّ . وما رواه علي
بن جعفر أيضا عن أخيه موسى عليهالسلام عن النصراني يدخل يده في إناء المسلم أيتوضّأ منه
للصلاة؟ فقال : لا إلّا أن يضطرّ إليه . وما رواه أيضا عنه في الرجل يمتخط فصار صغارا فأصاب
أناة إن كان شيئا بيّنا فلا تتوضّأ منه . وما رواه عمّار عن
__________________
أبي عبد الله عليهالسلام قال : كلّ شيء من الطيور تتوضّأ بما شرب منه إلّا أن
ترى في منقاره دما فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضّأ منه ولا تشرب ، وعن أبي
بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال سألته عن الجنب يجعل الركوة أو التور ويدخل إصبعه
فيه قال : إن كانت قذرة فأهرقه . وعن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليهالسلام عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة قال : يكفئ
الإناء . وعن حفص بن غياث عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام قال : لا يفسد الماء إلّا ما كانت له نفس سائلة . وعن سماعة
وعمّار عنه عليهالسلام في إناءين فيهما ماء ووقع في أحدهما قذر ولا يدرى أيّهما
هو ولا يقدر على ماء غيرهما قال : يهريقهما جميعا .
وتمسّك ابن أبي
عقيل بقوله عليهالسلام : الماء طاهر لا ينجّسه إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو
ريحه . وبما روي عن الصادق عليهالسلام وقد استقى غلامه من بئر فخرج في الدلو فأرة فقال : أرقه
وفي الثاني فأرة فقال : أرقه ولم يخرج في الثالث فقال : صبّه في الإناء . وعن الباقر عليهالسلام في القربة أو الجرّة من الماء يسقط فيهما فأرة أو جرد
فيموت : إن غلب ريحه على الماء فأرقه وإن لم يغلب
__________________
فاشرب منه وتوضأ . وذكر أنّ بعض الشيعة كان في طريقه ماء فيه العذرة
والجيف وكان يأمر غلامه أن يحمل معه كوزا يغسل رجليه قال فأبصرني أبو جعفر عليهالسلام فقال : هذا لا يصيب شيئا إلا طهّره فلا تعد منه غسلا .
والجواب عن
الأوّل منع الرواية فإنّها مروية من طريق الجمهور ، وأكثرهم طعن في سندها ، وهو
ادّعى تواترها عن الأئمة عليهمالسلام ، ونحن فما رأينا لها سندا في كتب الأصحاب آحادا فكيف
تواترا ، والذي رويناه عنهم : الماء كلّه طاهر حتى يعلم أنّه قذر فلو استدلّ
بهذه الرواية أجبناه بأنّا قد علمنا قذارته بما تلوناه من الروايات. ثمّ لو صحّ ما
ذكره من الرواية لكانت عامّة وأخبارنا خاصّة والخاص يقدّم على العامّ. ولو قال : إنّما
يقدّم مع العلم بالتاريخ ، قلنا : هذا يصحّ في أخبار النبيّ صلىاللهعليهوآله ، أمّا اخبار الأئمة عليهمالسلام فلا ، لأنّه لا يتطرق إليها النسخ ، على أنّ الصحيح
وجوب تقديم الخاصّ على العامّ عرف التاريخ أو جهل .
والجواب عن خبر
البئر ، المطالبة بصحّة سنده ، فإنّا لا نعرف طريقه إلّا
__________________
عن علي بن حديد عن بعض أصحابنا ، وعلي بن حديد ضعيف جدّا ، والرواية
مرسلة ، ويحتمل أن يكون البئر مصنعا لا ينبعا. ثمّ الحديث لم يتضمّن استعماله ، وأمره
بصبّه في الإناء لا يدلّ على جواز استعماله ، فلا يطرح الصحيح للمحتمل ، ولو
قال : فقد روينا « فتوضّأ واشرب » قلنا : هذا لم يشتهر نقله ، بل القدر المشهور ما ذكرناه
، فيكون ما ذكره لو كان منقولا شاذّا.
والجواب عن خبر
القربة كذلك ، فإنّ في طريقة ابن حديد ، وقد بيّنا ضعفه ، مع أنّه يتضمّن « إذا
تفسّخ فلا تشرب من مائها » وهو خلاف ما يحاوله الخصم ، ثمّ لو صحّت أخباره لكان ما
ذكرناه أرجح لأنّها أشهر وأصحّ سندا.
وأمّا ما ذكره
عن بعض الشيعة ، فإنّا لا نعرف ذلك القائل ، ولعلّه ممّن لا يعمل بروايته ، ولو
سلّمناه لكان ذلك إشارة إلى ماء معيّن يحتمل أن يكون كثيرا لا تؤثّر فيه النجاسة ،
ولهذا أشار إليه عليهالسلام بقوله : هذا لا يصيب شيئا إلّا طهّره ، وذلك يدلّ على
أنّه لم يحكم على الماء مطلقا بل على ذلك بعينه فلا يتعدّى إلى غيره.
__________________
المسألة الرابعة :
ماء البئر هل
ينجس بالملاقاة أم لا ينجس إلّا بالتغيّر.
الجواب
:
لأصحابنا في
هذه قولان :
أحدهما النجاسة
ووجوب النزح للتطهير ، وهو اختيار المفيد رحمهالله والشيخ أبي جعفر رحمهالله في النهاية وعلم الهدى ومن تابعهم.
الثاني أنّها
لا تنجس إلّا بالتغيّر ولا يجب النزح إلّا معه ، وهو اختيار قوم من القدماء .
وخرّج الشيخ رحمهالله في التهذيب والاستبصار وجها ثالثا
وهو أنّها لا يغسل منها الثوب ، ولا تعاد منها الصلاة ، لكن لا يجوز استعمالها
إلّا بعد النزح.
والمختار هو
الأوّل ويدلّ عليه وجوه :
الأوّل لو لم ينجس ماؤها لكان باقيا على التطهير إذ لو لم يكن
باقيا لكان إمّا لارتفاع اسم الماء عنه أو لنجاسته ، وكلّ واحد منتف على هذا
التقدير ، فثبت
__________________
جواز التطهير من دون النزح لكن هذا اللازم محال بالأحاديث المتواترة
الدالّة على وجوب النزح.
الثاني هي قبل النزح غير طاهرة ، فيجب أن تكون نجسة ، أما
الأوّل فتدلّ عليه روايات.
منها رواية
محمد بن بزيع عن الرضا عليهالسلام في البئر يقطر فيها قطرات من بول أو دم ما الذي يطهّرها
قال : ينزح منها دلاء .
ومنها رواية
علي بن يقطين عن موسى عليهالسلام قال : سألته عن الحمل والدجاجة أو الفأرة أو الكلب أو
الهرّة قال يجزيك أن تنزح منها دلاء فإنّ ذلك يطهّرها .
ومنها رواية
عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام قال : سألته عن شاة ذبحت فوقعت في بئر وأوداجها تشخب
دما أيتوضّأ من ذلك البئر؟ قال : نزح منها ما بين الثلاثين إلى الأربعين ثمّ
يتوضّأ منها .
وإذا ثبت أنّ
النزح يطهّرها ثبت أنّها غير طاهرة قبله ، لأنّه ليس وراء الطهارة إلّا النجاسة
الوجه
الثالث : ما رواه ابن
أبي يعفور عن الصادق عليهالسلام قال : إذا أتيت البئر وأنت جنب ولم تجد شيئا تغترف به
فتيمّم بالصعيد فإنّ ربّ الماء وربّ الصعيد واحد ، ولا تقع في البئر ولا تفسد على
القوم ماءهم .
فإن قيل : لا
نسلّم أنّ الإفساد عبارة عن التنجيس ، لأنّه ضدّ الإصلاح ،
__________________
وكما يحتمل التنجس يحتمل غيره من تكدير الماء أو ممازجة الحمأة المنفرة
وغير ذلك ، فإن كلّ واحد من ذلك ضدّ الإصلاح فيقع عليه اسم الإفساد. سلّمنا أنّ
المراد بالإفساد هنا التنجيس ، ولكنّه عليهالسلام عطف الإفساد على النزول ، والعطف لا يستلزم كون المعطوف
عليه علّة في المعطوف ، بل يقتضي ظاهر اللفظ النهي عن الأمرين فكأنّه قال : لا
تنزل إلى البئر ولا تفسد ماءهم بأمر آخر ، ولم يبيّنه فلعلّه بنجاسة تغيّرها ، وبالجملة
أنّه محتمل ، ولو سلّمنا ما ذكرته لكان معنا ما ينافيه وبيانه الحديث والاعتبار.
أمّا الحديث فما رواه حمّاد عن معاوية عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة ممّا يقع في البئر
إلّا أن ينتن فإذا أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر . وما رواه ابن
بزيع عن الرضا عليهالسلام قال : ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلّا أن يتغيّر
ريحه أو طعمه فينزح حتّى يذهب الريح وتطيب طعمه لأنّ له مادّة .
وأمّا الاعتبار
فوجهان :
أحدهما أنّ للبئر اتصالا يمنع من ظهور النجاسة عليه فلا ينجس
ما يتّصل به كالماء المحقون إذا كان متّصلا بالماء الجاري أو الكثير.
الثاني أنّ كثرة الماء لو لم تكن موجبا لانقهار النجاسة
الملاقية ، لما كان في الكثير المحقون ، لأنّ أحد الأمرين لازم ، وهو إمّا أن تكون
الكثرة قاهرة للنجاسة وإمّا أن لا تكون ، فإن كانت لزم في الموضعين ، لكنّها قاهرة
في المحقون فيكون هنا ، لقيام الدلالة على عدم الفرق.
والجواب
:
قوله : لا
نسلّم أنّ الإفساد هنا عبارة عن التنجيس ، قلنا الدليل على أنّه
__________________
هو المراد ، أنّ الإفساد ضدّ الإصلاح فعند إطلاقه يقتضي زوال الصلاح
المقصود مما أطلق عليه ، والمصلحة الظاهرة من الآبار هي الاستعمال فيصرف الإفساد
إلى إزالته.
قوله : عطف
النهي عن الإفساد على النهي عن الوقوع ، فيكون الإفساد غيره ، ولم يذكر علّته
فلعلّه بما يغيّر أحد الأوصاف من النجاسات.
قلنا : الظاهر
أنّ الاغتسال هو المفسد للماء ، لأنّ السؤال عن وقوع الجنب فيكون الحكم مختصّا به
، ولا يتحقّق الاختصاص إلا إذا كان هو السبب.
قوله : معنا من
الأحاديث ما يدلّ على ما قلناه ، منها رواية حمّاد عن معاوية ورواية ابن بزيع.
قلنا : الجواب عن رواية معاوية من وجوه.
أحدهما الطعن في السند فانّ حمّادا لم يذكر أيّ معاوية روى ، ومن
أصحاب الصادق عليهالسلام جماعة بهذه السمة ، منهم الثقة ، ومنهم المجهول ، فلعلّه
أحد المجاهل .
الثاني أنّ البئر في اللغة الحفيرة ، وقد يكون ماؤها محقونا ، كما
يمكن أن يكون نابعا ، وإذا احتمل الأمرين نزّل على المحقون لتسليم الأحاديث
القاضية بالنجاسة.
الثالث أنّه معارض بالأحاديث الموجبة للنزح ، وهي بالغة حدّ
التواتر فلا يترك بخبر الواحد.
وأمّا خبر ابن
بزيع فالمرويّ أنّه قال : كتبت إلى رجل يسأل الرضا عليهالسلام ، والمكاتبة ضعيفة ، والرجل مجهول . وقوله : لا
يفسده شيء : لعلّه يريد فسادا يخرجه عن الانتفاع بل ينتفع به مع إخراج بعضه ، وهذا
وإن لم يكن
__________________
معلوما من اللفظ فإنّه محتمل ، لأنّ بقاءه على التطهير نوع من إصلاح فلم
يتمكّن من الإفساد.
قوله في الوجه
الاعتباري : للبئر اتّصال يمنع تأثير النجاسة في المجتمع كالمحقون المتّصل
بالجاري. قلنا : هذا الاتّصال لم يتحقّق كيفيّته فلعلّه رشحان يتخلّل مسامة الأرض
فلا يكون كالجاري المتّصل بالواقف ، ولا يكفي مشاهدته في البئر جاريا لأنّ
المتخلّل في الأرض لا يعلم أنّه كذلك ، فلعلّه يجتمع عند فم المخرج ، على أنّه إذا
حاذى المجاري وقف الجميع ، فتؤثّر فيه النجاسة. ولو قال : نّما يؤثّر النجاسة لو
كان قليلا ، قلنا : إن حكم بنجاسته مع قلّته حكم مع الكثرة لأنّه لا قائل هنا بالفرق في
البئر.
قوله في الوجه
الثاني : الماء الكثير يقهر النجاسة كما في المحقون ، قلنا :
مقتضى الدليل
نجاسة الموضعين عملا بالدليل الدالّ على نجاسة الماء إذا لاقته النجاسة ، فاستثناء
الكرّ المحقون يكون على خلاف مقتضى الدليل ، فلا يلحق به غيره ، لأنّه تكثير لمخالفة
الدليل.
ويؤيّد نجاسة
البئر نقل الفريقين من الجمهور والإماميّة الفتوى عن السلف بوجوب نزح البئر
النابعة.
وأمّا ما خرّجه
الشيخ رحمهالله فإنّه قصد الجمع بين الحديثين المذكورين والأحاديث
الدالّة على وجوب النزح ، ونحن فقد بيّنا ضعف الحديثين ، وقصور دلالتها فبقيت
الأحاديث الموجبة للنزح سليمة عمّا يدلّ على خلافها.
ولو استدلّ
الخصم بما روي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه كان يتطهّر من بئر بضاعة وفيها العذرة
والنجاسات ، لكان ضعيفا ، فان ذلك مما لا يثبت
__________________
صحّته ، وقد أنكره أحد الأئمّة عليهمالسلام ولأن عادته صلىاللهعليهوآله التنزّه عن النجاسات ، والتباعد عن المكروهات ، فلا
يظنّ به صلوات الله عليه المسامحة باستعمال المياه المستخبثة مع وجود غيرها من
الطاهرة ، فكيف بما سواها.
المسألة الخامسة
الماء المستعمل
في غسل الجنابة هل يرفع به الحدث؟.
الجواب
:
للأصحاب في هذه
قولان وإن اتّفقوا على طهارته ، أحدهما المنع من رفع الحدث به وهو اختيار الشيخين وأكثر
الأصحاب ، والآخر الجواز وهو اختيار علم الهدى ومن تابعه ، وهو الاولى .
لنا أنّ
الاستعمال لم يسلبه إطلاق الاسم لغة ولا شرعا ولم يلاق نجاسة فيلزم بقاؤه على
التطهير.
أمّا أنّه لم
يسلبه الإطلاق فلوجهين : أحدهما أنّه يحنث شاربه لو حلف لا يشرب ماء. الثاني ما
باعتباره مسمّاه اللغوي « ماء » باق عليه إذ الواضع لم يشترط فيه عدم التطهير ، والأصل
عدم النقل فتبقى التسمية.
وأمّا أنّه لم
يلاق نجاسة فإنّه لم يلاق إلّا جسد الجنب وهو غير نجس العين ، ويدلّ عليه وجهان : أحدهما أنّه لا ينجس المائع بملاقاته ، والثاني ما روي عن الأئمة عليهمالسلام من طرق أنّه يجوز إدخال يده في الإناء إذا لم تكن قذرة .
وأمّا أنّه مع
تحقّق الوصفين يجوز التطهير به فلقوله تعالى ( وَيُنَزِّلُ
عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) وقوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنا مِنَ
السَّماءِ ماءً
__________________
طَهُوراً
) . وقوله عليهالسلام : الماء طهور . وقول الصادق عليهالسلام وقد سئل عن الوضوء باللبن : فقال إنّما هو الماء أو
الصعيد .
الوجه
الثاني : لو لم يجز
استعماله في الطهارة لجاز التيمّم مع وجوده ، لكن هذا محال ، لأنّه يلزم فيه تخصيص
عموم قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً
فَتَيَمَّمُوا ) .
لا يقال : يخرج
بالاستعمال عن الإطلاق إلى الإضافة ، لأنّا نقول : هذا باطل باستعماله للتبرّد
واستعماله في غير الطهارة.
ولو قال : ما
أزيل به حدث فلا يزال به ثانيا ، قلنا : هذا موضع المنع فما وجهه؟ ولو قال : يخرج
بإزالته الحديث عن كونه مطلقا طالبناه بالحجّة على الفرق بين استعماله في إزالة
الحدث واستعماله لا فيه.
والخيال الذي
يعرض أنّه انتقل إليه المنع غير مستند إلى حجّة.
ولو قال : للماء
قوّة التطهير ، وقد استفيدت في الطهارة فلم تبق له قوّة ، طالبناه بالوجه ، فانّ
موضع النزاع أنّ القوّة باقية أم لا ، ونحن نقول : هي باقية ما دام طاهرا واسم
الماء واقع عليه بالإطلاق.
وأمّا المانع
من الأصحاب فيمكن أن يحتجّوا بما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من
الجنابة لا يجوز أن يتوضّأ به . وشبهه ما رواه بكر بن كرب عن أبي
__________________
عبد الله عليهالسلام في الرجل يغتسل من الجنابة : إن كان يغتسل في موضع
تستنقع رجلاه في الماء فليغسلهما . وما رواه محمّد بن مسلم عن أحدهما في ماء الحمام ، لا
تغتسل من ماء آخر إلّا أن يكون فيه جنب أو يكثر أهله فلا يدرى فيه جنب أم لا . وما رواه
حمزة بن أحمد عن أبي الحسن عليهالسلام : ولا تغتسل من البئر التي فيها ماء الحمام فإنّه يسيل
فيها ماء يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب .
ولانّه لو اغتسل
من البئر وجب نزحها سبعا ، ولو لم يكن الاغتسال يحدث في الماء منعا لما وجب ، إذ
غسل الجسد الطاهر الذي لا يتعلّق به منع لا يؤثّر في بئر وغيرها كما لو توضّأ
للصلاة. وقد روى أبو بصير عن الصادق عليهالسلام عن لجنب يدخل البئر فيغتسل منها قال : ينزح منها سبع دلاء
.
وبعض المتأخرين
خصّ النزح بالارتماس حتّى لو اغتسل لا مرتمسا لم يتعلّق به حكم عنده
وادّعى الإجماع والأخبار على ذلك ، ولعلّه وقف على كلام المفيد رحمهالله في المقنعة وكلام شيخنا أبي جعفر رحمهالله فظنّه إجماعا من الباقين ، وهو قلّة تطلّع ، فإنّ من
عدا الشيخين لم يورد لفظ الارتماس ، والأخبار التي وصلت خالية عن ذكر الارتماس ، بل
مقصورة على لفظ الاغتسال أو النزول أو الوقوع ، فنحن نطالب بهذا الإجماع الذي أشار
إليه والأخبار التي
__________________
عوّل عليها.
وهذا المتأخّر
أيضا ناقش شيخنا أبا جعفر رحمهالله في الفرق بين ماء الغسل وماء الوضوء ، وقال : إن كان
هذا مضافا فماء الوضوء كذلك ، وإن كان مستعملا فماء الوضوء مستعمل وإن كان ماء
الوضوء منزّلا فماء الغسل كذلك .
والمناقشة لا
ترد ، فإنّ الشيخ رحمهالله لم يمنع من الجنابة بشيء من العلل التي ذكرها فيلزمه
التسوية ، بل منع تبعا للرواية المشهورة المقرونة بعمل جماعة من الفضلاء ، فالفرق
نشأ من الفتوى والرواية لا من حيث ذكر ، كما فرّق هو والجماعة بين استيطان الجنب
في المسجد والمحدث ، وكما فرّق هو بين الارتماس في البئر ووضوء المحدث.
ثمّ نقول لم
أوجب النزح سبعا ، فإن ادّعى الإجماع عرفناه أنّ كلّ من قال بالنزح من فضلائنا
رأيناه يمنع من استعمال ماء الجنب كالشيخين وابن بابويه ، أمّا علم الهدى رحمهالله فإنّه لما رفع به الحدث لم يذكره في المنزوحات ، فإن
كان ذلك إجماعا فهذا مثله. وإن استدلّ بالرواية على وجوب النزح وادّعى تواترها
أريناه أنّها عن اثنين أو ثلاثة ومثلها لا يكون متواترا ، وهو يمنع العمل بخبر
الواحد ، فما حجّته في النزح ، مع القول بجواز استعماله في غير البئر.
رجعنا إلى
الجواب فنقول : الجواب عن خبر ابن سنان ، الطعن في سنده ، فإنّ في طريقه ابن فضّال
عن أحمد بن هلال وهما ضعيفان ، فلا يرجع إلى خبرهما عمّا دلّت عليه الظواهر القطعيّة
من الآيات والأحاديث الصحيحة الصريحة ، وأمّا بقيّة الأخبار فغير دالّة على موضع
النزاع بل فيها احتمال لغيره.
__________________
وأمّا الاحتجاج
بنزح البئر فقويّ ، غير أنّه يمكن اختصاص هذا الحكم بالبئر لضرب من التعبّد غير
معلوم العلّة ، ويصار إليه تبعا للروايات الموجبة للنزح ، فإن صحّت تلك الروايات
فقد تحقّق الفرق وإلّا منعنا الحكم بالنزح.
ولو قال : نحن
نعلم من الشرع أنّه لا يوجب نزحا بملاقاة لا يؤثّر في الماء منعا ، قلنا : نمنع
هذه الدعوى ونطالب بحجّتها.
وقد استدلّ
شيخنا أبو جعفر رحمهالله على المنع من استعمال ماء الغسل في الخلاف بأنّه ماء لا
يقطع بجواز استعماله في الطهارة فلا يتيقّن معه رفع الحدث.
والجواب لا
نسلّم أنّه لا يقطع بطهارته ، لأنّ كلّ دليل على جواز استعماله قبل الاغتسال دالّ
بعمومه أو إطلاقه على جوازه بعده ، لدخوله تحت اسم الماء المطلق بما بينّاه ، وتخصيص
ذلك بخبر الواحد القويّ السند غير جائز فكيف بضعيفه.
وهذا القدر
الذي ذكرناه هو ما اتّفق على الخاطر من غير إغراق في البحث ، ولا تأنّ في النظر ، بحيث
يشعب الاعتراضات ويستقصي الإيرادات ، وفيه مقنع للمستبصر إن شاء الله وحسبنا الله
ونعم الوكيل.
__________________
٤
المسائل
البغداديّة
وهي تشتمل على ٤٢ مسألة
تأليف المحقق الحلّي ره.
بسم
الله الرحمن الرحيم
أمّا بعد حمد
الله الذي أرشدنا لدينه وحفظ حدوده ، وسدّدنا لبيانه وحلّ معقودة ، والصلاة على
سيّدنا محمّد المبعوث لإظهار الإسلام ورفع عموده ، وعلى آله القائمين بنشره
وتشييده.
فانّا مجيبون
عمّا تضمّنته هذه الأوراق من المسائل. لدلالتها على فضلية موردها ومعرفة ممهّدها فهو حقيق أن
نحقّق أمله ونجيبه إلى ما سأله ، وبالله التوفيق.
المسألة الأولى
إذا أتلف
الإنسان على غيره دابّة أو جارية هل يلزمه المثل أو القيمة وما الحكم في ذلك؟.
__________________
الجواب
يلزمه القيمة
لا المثل ، لأنّ المثل متعذّر ، وإلزامه حرج وضيق وهما منفيّان.
ولو أمكن وجود
المثل من كلّ وجه وإن كان نادرا ودفعه المتلف لزم صاحب التالف أخذه ، وظاهر كلام الأصحاب
أنّ المستقر في الذّمة القيمة لا غير ، ويلزم على هذا جواز امتناع صاحبه بعن قبض
مثله لو اتّفق.
المسألة الثانية
في امرأة دخل
إليها صبيّ دون البلوغ فأمرته بالصعود إلى سطحها ليكشف كنيسة الدار وعليها لحاف
فصعد الصبيّ ليكشف اللحاف عن الكنيسة فوقع إلى وسط الدار فمات في الحال ، فهل على
المرأة دية الصبيّ وما الحكم في ذلك شرعا؟.
الجواب
لا نصّ
لأصحابنا في هذه ، والذي يقتضيه النظر إن كان الصبيّ غير مميّز ضمنت ديته لأنّه
غير قادر على التحفّظ فهي مسبّبة إتلافه. وكذا إن كان مميّزا وكانت الكنيسة مغشاة
غشاء يخفى عن الصبيّ مواضع الخطر منه لتحقّق الغرور. أمّا لو كان بصيرا مميّزا ولم
يكن هناك غرور فلا ضمان لأنّ وقوعه يكون بتفريط منه في التحفّظ ويصفو فعلها عن
السببيّة والمباشرة. ولا يقال : تصرّف في الصبيّ المولّى عليه من غير ولاية فيضمن.
لأنّا نقول : ذلك التصرّف ليس إتلافا ولا سببا فلا يرتّب عليه ضمان.
المسألة الثالثة
في الرجل اشترى
من شخص حيوانا فوجد فيه عيبا سابقا على العقد وقد
__________________
انقضت الثلاثة الأيّام ولم يتصرف فهل له الردّ بعد انقضاء الأيام؟ وهل إن
حصل فيه عيب بعد العقد وقبل التصرّف وانضاف إلى العيب السابق ما الحكم في الجميع؟.
الجواب
نعم له الردّ
وإن انقضت الأيّام. ولو حصل العيب بعد العقد وقبل القبض لم يمنع الردّ. وكذا لو
حدث بعد القبض في أيّام الخيار الثلاثة ، أمّا لو حدث بعد الثلاثة يمنع من الردّ
بالعيب السابق .
المسألة الرابعة
ما يصطفيه
الإمام عليهالسلام من الغنيمة التي توجد في دار الحرب هل فيها خمس أم لا؟
وكذا ما يجب له من رءوس الجبال وبطون الأودية والآجام إذا كانت في الأرض التي تملك
رقبتها هل يكون فيها خمس أم لا؟ وهل الأرض التي تملك رقبتها تصير له عليهالسلام أم لا؟.
الجواب
نعم يجب إخراج
الخمس ممّا يصطفيه الإمام لأنّه من جملة ما غنم. أمّا رءوس الجبال والأدوية من
الأرض المملوكة فلا سبيل له عليها. بل يختصّ بها أربابها ، وأمّا ما كانت ملكا
للمسلمين أو كانت لغير مالك فهي للإمام وليس فيها خمس لخروجها عن الأقسام التي
يتعلّق بها الخمس. وإن كانت من أرض أهل الحرب التي فتحت عنوة فهي له وفيها الخمس.
المسألة الخامسة
في شخص ادّعي
عليه أنّه قتل رجلا وتعذّرت البيّنة وثبت اللوث وأحلف
__________________
المدّعي خمسين يمينا فلّما تكمّلت الأيمان أقرّ شخص آخر بأنّه الذي قتله.
فما الحكم في ذلك؟.
الجواب
وليّ الدم بالخيار
إن شاء أقام على مطالبة المدّعي عليه ، وإن شاء طالب المقرّ ، لثبوت الحقّ على كلّ
واحد منهما هذا بالأيمان والآخر بالإقرار .
المسألة السادسة
في رجل قتله
خمسة أنفس عمدا فاختار وليّ الدم قتل ثلاثة أنفس منهم فكيف حكم الردّ على ورثة
المقتولين وما الحكم فيه؟.
الجواب
يردّ الأولياء
دية اثنين إذا كانوا متكافئين ويردّ الباقيان خمسي الدية ، لأنّ على كلّ واحد خمس دية
المقتول أوّلا فيقسم أولياء المقتولين ذلك بينهم لورثة كلّ مقتول ثمانمائة دينار .
المسألة السابعة
في رجل له على
رجل دين إلى أجل معلوم فجاء شخص وضمن ما عليه لربّ الدين بإذن من عليه المال ، فهل
يكون للمضمون له مطالبة الضامن بالمال قبل حلول الأجل أم لا؟ وهل إذا صانع المضمون
له بأقلّ ممّا ضمن يكون له الرجوع على المضمون عنه بما ضمنه أم لا أو بما صانع
المضمون له.
__________________
الجواب
ليس لصاحب
المال مطالبة الضامن قبل حلول الأجل لأنّه ضمن المال الثابت في ذمّة المضمون عنه
والتأجيل صفة للمال المضمون فثبت في ذمّة الضامن مؤجّلا كما كان في ذمّة المضمون
عنه. وإذا صانع الضامن المضمون له بأقل ممّا ضمن لم يرجع على المضمون عنه بأزيد
مما أدّاه لأنّ الضمان إرفاق ومساعدة والرجوع بالزيادة مناف له.
المسألة الثامنة
قوله في
النهاية : « ولا يجوز أن يبيع الإنسان متاعا مرابحة بالنسبة إلى أصل المال بأن
يقول : أبيعك هذا المتاع بربح عشرة واحدا أو اثنين بل يقول بدلا من ذلك : هذا
المتاع عليّ بكذا وأبيعك إيّاه بكذا بما أراد » فما الفرق؟
وهل قوله : « لا يجوز » على التحريم أو الكراهية وما العلّة في كراهية ذلك إن كان
مكروها أو محرّما؟.
الجواب
منع الشيخ من
ذلك على الكراهية لا التحريم وقد بيّن ذلك في غير هذا الكتاب والفرق بين
نسبة الربح إلى المال ونسبته إلى السلعة أنّ في نسبته إلى المال شبه الربا كأنّه
باع عشرة باثني عشر ، ولا كذا لو نسبه إلى السلعة بأنّه يبعد عن شبه الربا. وإنّما
كره ليعظم حال الربا في النفس عند تحقّق النهي عمّا يشابهه وإن لم يكن هو. ودلّ
على الكراهية ما روي من طرق عن الصادق عليهالسلام منها رواية جرّاح المدائني أنّه قال : أكره ده يازده
وده ودوازده ولكن أبيعك
__________________
بكذا وكذا .
المسألة التاسعة
ما ذكره الشيخ
سلّار رحمهالله لمّا ذكر المحرّمات في النكاح قال : « وأن لا تكون صمّاء ولا خرساء وقد
قذفها في عقد أوّل » ما معنى عقد أوّل؟.
الجواب
أراد بالعقد
الأوّل العقد الذي وقع فيه القذف ، وجعل العقد الذي تناوله النهي هو العقد
الثاني وهو وإن لم يكن واقعا لكن لما جعله منهيا عنه فرضه ثانيا ، أو أنّ العقد
الذي وقع القذف فيه كان سابقا فسمّاه أوّلا بمعنى أنّه سابق ولا يلزم من سبقه على
العقد المحرّم أن يكون المحرّم عقدا واقعا.
المسألة العاشرة
قوله في
النهاية : « وإذا ذبح شاة أو غيرها ثمّ وجد في بطنها جنين فإن كان قد أشعر أو أوبر
ولم تلجه الروح فذكاته ذكاة امه ، وأن لم يكن تاما لم يجز أكله على حال ، وإن كان
فيه روح وجبت تذكيته ، وإلّا فلا يجوز أكله » فما الفرق بينهما وما العلّة في تحريم أحدهما وإباحة
الآخر؟
الجواب
لا ريب أنّ في
كلام الشيخ رحمهالله إشكالا لأنّ العادة قاضية بأن ولوج
__________________
الروح سابق على الإشعار والذي دلّت عليه الروايات انّه إن لم يكن أشعر وتمّ
خلقه لم يحلّ وإن أشعر وأوبر فذكاته ذكاة امّه أمّا أنّه يشعر ولم تلجه الروح فهو
مستبعد جدّا.
ودلّ على ما
قلنا رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام وعبد الله بن مسكان عن أبي جعفر عليهالسلام ومحمّد بن مسلم عن أحدهما وجراح المدائني ويعقوب بن
شعيب عن أبي عبد الله عليهالسلام وفي حديث ابن مسلم عن قول الله سبحانه ( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ ) فقال : الجنين في بطن امّه إذا أشعر وأوبر فذكاته ذكاة
أمّه فذلك الذي عنى الله عزوجل . ولم يشترطوا عدم الولوج ورووا جميعا إن لم يكن تامّا
فلا يأكله ، وبعد هذا التقدير فلا ضرورة لبيان الفرق الذي ذكره الشيخ في النهاية
وينزّل الحكم على ظواهر هذه النصوص.
المسألة الحادية عشرة
في امرأة وكّلت
رجلا على أن يزوّجها برجل وشرطت عليه أن يعقد العقد
__________________
على خمس مائة دينار فعقد لها الوكيل على ثلاثمائة دينار فهل يكون العقد
صحيحا ويلزم الوكيل تمام المهر أو يكون فاسدا وهل إذا دخل بها ولم تعلم يكون لها
فسخ النكاح وتطالب بما شرط على الوكيل أو تطالب الزوج بما انعقد عليه العقد أو
يكون لها مهر المثل؟
الجواب
الذي يقتضيه
النظر أنّ العقد المذكور غير مأذون فيه فيكون لها الخيار في الفسخ والإمضاء ، فإن
دخلت وقد علمت قبل الدخول فهو إجازة العقد والمهر ، وإن دخلت ظنا أنّ المهر كما
أمرت فخيارها باق ، فإن أجازت فلها المسمّى ، وإن فسخت فلها مهر المثل بما استحلّ
منها.
المسألة الثانية عشرة
في رجل عقد على
امراة وعيّن في العقد أن يكون المهر أحد عشر رأسا بقرا وثلاث جوار وأحدا وعشرين
رأسا غنما ولم يذكر أجناسها ولا وصفها ودخل بها فهل يكون لها من البقر والغنم
والجواري أوسطها كما لو عقد على دار أو خادم أو يكون مهر المثل؟
الجواب
الذي يومئ إليه
شيخنا الطوسي رحمهالله أنّ المسمّى مجهول فيسقط ويجب مهر المثل .
ومثله قول
الشافعي ، لكنّ الشافعي يشترط كون المهر معلوما قياسا على
__________________
البيع ، وليس ذلك عندنا حجّة.
وأبو حنيفة
يجيز العقد على ما علم جنسه وجهل وصفه كالصورة المذكورة في السؤال فلو عقد على ثوب
أوجب مهر المثل لأنّه مجهول الجنس ولو عقد على عبد أو رأس غنم قال بصحّته لانّه
ليس بأعظم جهالة من مهر المثل وهو أيضا احتجاج ضعيف. ثمّ مع ذلك يسقط في هذه
المواضع الأعلى والأدون ويلزمه الوسط لتكافؤ الطرفين .
أمّا الشيخ فقد
روى في الخادم والبيت لزوم الأوسط عملا برواية علي بن أبي حمزة وهو واقفي
ضعيف.
وروى أيضا في
الدار أنّه يلزم الأوسط برواية ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وهذه الرواية مرسلة ، فهما ضعيفان
فلا تكون إحداهما حجّة.
لكنّ الشيخ رحمهالله قال في المبسوط : وبذلك افتي .
وحيث لا نصّ
لأصحابنا في ذلك على التعيين فالذي يقتضيه النظر لزوم المسمّى وإن كان مجهول الوصف
لقوله عليهالسلام : المهر ما تراضى به
__________________
الأهلون ، وقول الصادق عليهالسلام : المهر ما تراضى عليه الناس وإذا تقرر
جوازه كان تعيينه موكولا إلى الزوج بما يقع عليه من ذلك الجنس كالأوامر الشرعيّة ،
فإنّ الدية من مسانّ الإبل ولا وصف لها بأزيد من السنّ . وفي أذى حلق
الرأس شاة ، وفي كفّارة الظهار عتق رقبة ، وكما جاز أن
يرد الأوامر الشرعيّة لما لم يقيّد بالوصف وكذا يجوز في المهر وليس ذلك بأبلغ
جهالة من تفويض تقدير المهر إلى الزوج بأن يفرض دينارا أو مائة وقد أجمع أصحابنا
على جوازه .
فهذا ما أدّى
إليه نظري ، ولكنّ الشيخ الطوسي رحمهالله وأتباعه على ما حكينا عنه من إيجاب مهر المثل إلّا في الخادم
والبيت والدار فإنّه يوجب الوسط تبعا للرواية .
المسألة الثالثة عشرة
قوله في
النهاية : ولا يجوز أن يستأمن على طبخ العصير من يستحلّ شربه على أقلّ من الثلث
وإن ذكر أنّه على الثلث ، ويقبل قول من لا يشربه إلّا على
__________________
الثلث إذا ذكر أنّه كذلك وإن كان على أقلّه ويكون ذلك في رقبته . قوله : على
أقلّ من الثلث لكان ينبغي أن يقول : على أكثر أم كيف القول فيه؟
الجواب
لا ريب أنّ في
كلام الشيخ رحمهالله اضطرابا ولم يستقم إلّا أن يجعل موضع « أقل » « أكثر »
، والظاهر أنّه من زوغ القلم ، وتدلّ عليه رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قلت : الرجل من أهل المعرفة يأتي بالبختج يقول : هو
على الثلث وأنا أعرف أنّه يشرب على النصف ، فقال : خمر لا تشربه ، قلت : فرجل من
غير أهل المعرفة يشربه على الثلث ولا يستحلّ شربه على النصف يخبر أنّه على الثلث
نشرب منه؟ قال : نعم .
المسألة الرابعة عشرة
في رجل في
جواره ذمّي هل له أن يعلو بنيانه على المسلم؟
الجواب
أفتى الشيخ
الطوسي ومن تابعه على المنع من ذلك وهو مذهب العلماء ممّن ذكر ذلك ولم أعلم فيه
مخالفا . واستدلّ المفتون بذلك بقوله عليهالسلام : الإسلام يعلو ولا يعلى [ عليه ] ولأنّ فيه
تسليطا عن المسلم وظهورا عليه.
وهذا إنّما
يكون في ما يستجدّه من الأبنية ويعلو به على جاره ، لا على من بعد عنه ، ولا [ ما
] ينتقل إليه من مسلم ، ولا ما كان عاليا واستقلّ جاره عنه ، ولو
استهدم جاز رمّه وإن كان أشرف ، أمّا لو انهدم حاذى به إن شاء ولم يعل.
__________________
المسألة الخامسة عشرة
في رجل صلّى
العصر في وقت الظهر ساهيا هل تصحّ صلاة العصر أم لا؟ وهل يصحّ أن يستدلّ على صحتها
بقوله عليهالسلام : « إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين إلّا أنّ هذه قبل
هذه » وعلى تقدير الصحّة يصلّي الظهر أداء أم قضاءا.
وكذا إذا صلّى
الظهر في الوقت المختصّ بالعصر ساهيا أيضا ، ما الحكم في ذلك؟.
الجواب
الذي استقرّ في
المذهب أنّ الظهر مختصّ من أوّل الوقت بقدر أدائها والعصر من آخر الوقت بقدرها ، وما
بينهما مشترك ، فإن كان صلّى العصر في الوقت المشترك فصلاته صحيحة ، لكنه أخلّ
بالترتيب سهوا غير مبطل ويؤدي الظهر بعد ذلك أداء لا قضاءا.
أمّا لو صلّى
العصر في أول الوقت الذي هو للظهر خاصّة ولم يزد عنه بقدر ما يدخل في وقت العصر
وهو متلبّس بها كانت العصر باطلة ثمّ يستأنف.
وكذا البحث في
العصر.
ولا يمكن أن
يستدلّ على صحّة العصر بقوله : « إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين » لأنّه لا يريد
بذلك تساويهما في الوقت ، بل لمّا لم يكن للظهر مقدّر سوى قدر أدائها ، وذلك غير
مضبوط ، أطلق اللفظ بذلك ثمّ قيّده بقوله : « إلّا أنّ هذه قبل هذه » وفي رواية
أخرى : « إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر فإذا
__________________
مضى قدر أربع ركعات دخل وقت العصر » وهذا التقدير يزيل ما ذكره.
المسألة السادسة عشرة
في رجل عقد على
امرأة وهو محرم وهي محرمة ودخل بها جاهلا بالتحريم هل تحرم عليه أو ينفسخ النكاح
وتحلّ بعقد مستأنف. وكذا لو عقد عليها عالما بالتحريم ولم يدخل بها هل تحلّ له إذا
انقضى الإحرام؟
الجواب
الذي ظهر من
فتوى الأصحاب أنّه إذا عقد عالما بالتحريم حرمت عليه أبدا سواء دخل أم لم يدخل لما
روى زرارة وداود بن سرحان وأديم بن بياع الهروي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : المحرم إذا تزوّج وهو يعلم أنّه حرام لا تحلّ له
أبدا .
ولو عقد جاهلا
بالتحريم فسد العقد ولم تحرم ثمّ يستأنف عقدا إن شاء ، وقد روي ذلك عن علي عليهالسلام ، سئل عن محرم ملك بضع امرأة وهو محرم قال يخلّي سبيلها
حتى تحلّ فإذا أحلّ خطبها إن شاء . أمّا لو دخل مع جهالته بالتحريم فقد قال الشيخ في
مسائل الخلاف : تحرم أبدا ولست أعرف لما ذكره مستندا.
المسألة السابعة عشرة
في رجل أحرم
بعمرة متمتّعا وضاق عليه الوقت عن إتمامها فهل يجوز أن
__________________
يجعل عمرته حجّا ويعتمر بعد قضاء المناسك كأهل مكّة؟
الجواب
نعم يجعل عمرته
حجّا ويأتي بعمرة مفردة بعد إكمال حجّه ولست أعرف فيه خلافا .
المسألة الثامنة عشرة
في رجل عليه
دين فلّما حضرته الوفاة أحضر جماعة يقبل قولهم وأشهدهم أنّ الدين الذي عليه لفلان
باق في ذمّته ، ثم أحضر المقرّ له شهودا غير الذين شهدوا عند الموت ، فشهدوا بأنّ
الدين على المقرّ في ذمّته في حال صحّته لا في حال المرض فهل بقي على المقرّ له
يمين أم لا وإن أحلفه أحد الورثة يكون بفعله مخطئا؟
الجواب
ليس على المقرّ
له يمين والحال هذه ، لأنّ اليمين على دين الميّت ليس لإثبات الدين ، لأنّ البيّنة
كافية في إثباته في ذمّته ، بل لمّا كان يمكن أن يكون قضاه احتاط الشرع للميّت
بإحلاف صاحب الدين أنّ الدين باق في ذمّة الميّت لم يقضه ولا شيئا منه ، فإذا كان
الميّت مقرّا بذلك عند موته ولم يمض بعد ذلك زمان يمكن أن يكون صاحبه قد قبض منه
شيئا لم يكن لليمين وجه ، ولو أحلفه الوارث بعد ذلك كان بفعله مخطئا إذ ألزمه اليمين
قهرا.
المسألة التاسعة عشرة
في رجل عقد على
امرأة بمهر مبلغه مائتا دينار ثمّ كرهته وامتنعت من
__________________
الدخول به وبذلت الصداق بأجمعه فطلّق على ما بذلت ، فهل يكون
للزوج إلزامها بنصف الصداق أم لا؟ وكذا إذا وهبته الصداق قبل الدخول ثم طلّقها هل
له مطالبتها بشيء أم لا؟.
الجواب
نعم يرجع عليها
بنصف الصداق في الحالين لأنّ ذلك يجري مجرى القبض ، وهو مذهب الأصحاب ، ورواه
جماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام منهم شهاب بن عبد ربّه في رجل تزوّج امرأة على ألف
فوهبتها له فقبل ، ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها قال : لا شيء لها وتردّ عليه
خمسمائة دينار .
المسألة العشرون
في دار بين
جماعة فباع أحدهم على امرأة جميع الدار وأشهد عليه جماعة وتصرّفت المرأة ولم تعلم
أنّ لأحد فيها شيئا غير البائع ، ثمّ حضر بقيّة الشركاء وانتزعوها وألزموها بأجرة
الدار عن المدّة التي تصرّفت فيها ، فربما بلغت الأجرة بقدر الثمن ، وألزموها بأرش
ما تشعث من الدار ، فهل لهم ذلك ، وإذا كان لهم ذلك هل يرجع على من غرّها وباعها
بالأجرة وبما اغترمه من النقيصة؟ وما وجه ذلك أفتنا مثابا؟.
الجواب
يمضي البيع في
حصّة البائع ، وللباقين انتزاع الحصص المختصّة بهم ، والمطالبة بأجرة حصصهم
ونصيبهم من أرش ما تشعث ، وترجع على البائع بما دفعته من الثمن في مقابلة حصصهم ، وبما
غرمته من الأرش إن لم تكن هي المتلفة ، وأمّا السكنى فلا يرجع بها ، لأنّ السكن
منفعة متقوّمة شرعا فلا يسقط
__________________
بإباحة البائع.
وبهذا يفتي
الشيخ أبو جعفر رحمهالله في المبسوط وأتباعه .
المسألة الحادية والعشرون
في رجل كان
عليه صيام شهرين متتابعين فصام من الشهر الأوّل أيّاما ومرض ثمّ برأ من مرضه بعد
الإفطار فهل يلزمه أن يصوم ما بقي من الشهر متتابعا حتّى يصوم من الشهر الثاني ما
يدخل به في التتابع أم لا؟.
الجواب
نعم يجب أن
يصوم متتابعا ما بقي عليه من الشهرين لكنّه إذا أكمل شهرا ومن الثاني شيئا ثم فرّق
الباقي صحّ التتابع ويكون مخطئا في ترك التتابع وإن صحّ له البناء .
المسألة الثانية والعشرون
في رجل عليه
صوم شهرين متتابعين هل يجوز أن يصوم شعبان وتحصل الموالاة بصوم شهر رمضان أو يصوم
بعد العيد من شوّال ما يدخل به في التتابع بينه وبين شعبان؟.
الجواب
لا يجزيه صوم
شعبان متّصلا برمضان بل لا يتحقّق التتابع إلّا بصوم
__________________
شهرين أو صوم شهر ومن الثاني شيئا عن الكفّارة الواجبة لا واجب غيره ولو صام يوم
العيد لم يجزه في التتابع عن الكفّارة وافتقر مع شوّال إلى صيام يومين فصاعدا من
ذي القعدة حتّى يكون متتابعا بالقدر الذي يصحّ معه البناء ويسقط صوم شعبان أصلا
بالنظر إلى الكفّارة.
المسألة الثالثة والعشرون
من شك بين
الأربع والخمس وهو قائم بعد رفع رأسه من الركوع ، هل تكون صلاته صحيحة أو فاسدة؟.
وكذا إذا شكّ
قبل الركوع يبني على الأربع ويصلّي ركعة من قيام ويكون حكمه حكم من شكّ بين الثلاث
والأربع؟.
وكذا إذا شك
بين الأربع والخمس وهو جالس ما العلّة في وجوب سجدتي السهو؟.
ولم لا يبني
على الأربع ويطرح السجدتين؟.
الجواب
نعم صلاته
صحيحة ويتمّ السجدتين ، ولا تبطل صلاته بشكّه قبل الإتيان بالسجدتين ، لأنّ الركعة
واحدة الركوع وعند إيقاع الركوع تسمّى ركعة وليس تسميتها ركعة مشروط بالإتيان
بالسجدتين ، لأنّ الركعة الواحدة ، والركوع جنس ، كالسجدة والسجود والركبة
والركوب.
وإذا شكّ قبل
الركوع لم يتحقّق شكّه بين الركعة الرابعة والخامسة ، بل يكون كالشاك بين الثلاث
والأربع ، فيبني على الأربع ويجبر صلاته بركعة بعد التسليم.
__________________
ولو شكّ بين
الأربع والخمس وهو جالس ، سلّم وسجد سجدتي السهو لاحتمال الزيادة.
ولا يجوز أن
يطرح السجدتين لتلبّسه بالركوع الذي يصدق عليه مسمّى الركعة وهي ممّا يحتمل أن
تكون خامسة ورابعة وترك السجدتين من ركعة إبطال للصلاة.
المسألة الرابعة والعشرون
ما روي عن
النبي صلىاللهعليهوآله : « من صام رمضان وستّة أيّام من شوّال كان له ثواب من
صام الدهر » كيف يستقيم هذا الكلام وصيام الدهر من جملة هذه المدّة
إذ لا يسمّى صائم الدهر إلّا مع هذه المدّة وإذا كان له مثل أجر صائم الدهر فلا
حاجة إلى صيام زيادة عنها حيث حصل بثواب المدّة المعينة وكذا قولهم عليهمالسلام : « صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر يعدل صوم الدهر » فما وجه ذلك
أفتنا مأجورا؟.
الجواب
يحتمل ذلك
وجوها :
أحدها أن يكون
ذكر ذلك للمبالغة في الحثّ على صيام الأيّام ، وأطلق ذلك المقاربة ثوابه ، كقوله
تعالى ( فَإِذا بَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) والمراد قاربي البلوغ لأنّ مع البلوغ الحقيقي لا يبقى
إمساك ، فكأنّه يقول يقارب صوم الدهر.
__________________
ومنها أن يكون
للدهر منفردا عنها أجر ولها أجر بقدر ذلك ، ويكون إطلاق الدهر على ما عدا الأيّام
المعيّنة إطلاق بحسب الأغلب فإنّ أكثر الشيء ومعظمه يطلق عليه اسمه.
ومنها أن يكون
لهذه الأيّام ثوابان ثواب باعتبار كونها متمّمة لمسمّى الدهر ، وثواب بخصوصيّتها
فإن صمت في جملة الدهر حصل ثوابان ثواب الدهر باعتبارها وثواب لها أيضا بقدره ، وإن
صمت منفردة حصل بها الثواب المختصّ بها ويكون بقدر ثواب صوم الدهر أيضا.
المسألة الخامسة والعشرون
في رجل مات
وخلف تركة وأولادا وفيهم أكبر بما ذا يحبى؟ وهل إذا كان فاسد العقل يستحقّ ذلك أم
لا؟ وكذا لو كان صحيح العقل فاسد التدبير مبذرا ما الحكم فيه؟.
الجواب
اختلفت
الروايات في ذلك ومحصّلها أنّه يحبى بسيفه وخاتمه ومصحفه وثياب جسده إن خلف الميّت
تركة غير ذلك ، أمّا إذا كان سفيها أو فاسد الرأي فقد قال في النهاية : لا يحبى ولست أعرف
مستند هذا الاشتراط والأخبار مطلقة فينبغي العمل بإطلاقها.
المسألة السادسة والعشرون
في رجل توفّي
وعليه ديون كثيرة ، والتركة تفضل عمّا عليه من ديون ، وله ولّي ثابت الوصيّة فباع
من أملاكه شيئا بدون قيمتها حتّى أنّه يبيع ما قيمته خمسمائة دينار بمائتي دينار ،
واعتمد على أملاك كثيرة من أملاك الموصي باعها على
__________________
بعض الورثة وأقرّ بأنّ جميع ما فيها من بذور وقوة للمشتري المذكور ، وصدّقه
الورثة فهل يكون البيع صحيحا أم لا؟ وكذلك الإقرار يحكم بصحّته لمن اشترى الملك
وأقرّ له بقية الورثة مع العلم بأنّه كان الذي في الملك من البذور والقوة للميّت فاستوعب
الوصيّ أكثر أملاكه وكذا الورثة بالمشتري والإقرار ، ما الحكم فيه؟.
الجواب
لا يجوز للوصيّ
أن يبيع شيئا بدون قيمة مثله في حال البيع ، ولا يصحّ إقراره بشيء من التركة ، فإن
كان الورّاث بالغين غير مولّى عليهم وصدّقوه صحّ ذلك إذا كان في الباقي وفاء للديون
، أو قضيت الديون من غيره ، فإن عجز الباقي عن الديون ولم يقضها الوارث ولا غيره ،
كان لأرباب الديون إبطال البيوع والأقارير لاستيفاء ديونهم ، ولو قضيت الديون ثمّ
باع أو أقر وأجازه الوارث الجائز التصرّف وصدّقه صحّ ذلك كلّه في ظاهر الشرع.
المسألة السابعة والعشرون
في شخص له على
آخر دين وتعذّر عليه إثبات ذلك عند الحاكم لعدم البيّنة ولمن عليه الدين مال فهل
يجوز لمن له الدين أن يأخذ من المال والعروض بقيمة ما يستحقّ في ذمّة الجاحد ويكون
هو المقوّم على نفسه كما له أن يأخذ غير ذلك ممّا لا نماء له من مال الجاحد؟
أفتنا مأجورا.
الجواب
نعم يجوز لصاحب
الدين مع تعذّر إثباته عند الحاكم أو لعدم البيّنة أن يأخذ من مال المدين من جنس
ماله ومن غير جنسه عينا كان أو عروضا إذا
__________________
قوّمه بالقيمة العدل وإن انفرد بالتقويم مالا كان أو غيره ،
ويملك ذلك ملكا صحيحا وبرئ ذمّته عند الله تعالى وإن كان لا يتخلّص في الظاهر لو
جحد غريمه ما به استحقّ المقاصّة.
المسألة الثامنة والعشرون
في رجل عقد على
امرأة نكاح المتعة مثلا عشرة أيام غير متتالية مثل أن يقول : يوم الخميس ويوم
السبت ويوم الاثنين ويوم الأربعاء هكذا حتّى تكمل المدّة ، فهل يصحّ هذا النكاح أم
لا؟ ويكون الحجّة في جوازه أنّه يجوز أن يعقد على مدّة قبل ابتداء وقتها ، فهل
يجوز مثل هذا ، أفتنا مأجورا.
الجواب
الوجه أنّه لا
يصحّ العقد إلّا على مدّة متصلة بالعقد ، كما لا يجوز أن يعقد المستمتع على مدّة
زائدة عن مدّته حتّى يهب لها ما بقي ويستأنف مدّة متصلة بعقده ، لئلّا يجتمع على
الواحدة عقدان ، ولأنّه لو جاز العقد لمدّة متأخّرة عن العقد جاز لغيره أن يعقد
عليها المدّة المتقدّمة لخلوّ بضعها فيها عن ملك الأوّل لكنّه باطل .
المسألة التاسعة والعشرون
في شخص نذر أن
يعتكف ثلاثة أيّام ولم يذكر أن يكون فيها صائما ، بل ذكر مجرّد الاعتكاف ، فهل يجب
الصوم بمجرّد الاعتكاف أو يجوز أن يصوم تطوّعا ويصحّ به الاعتكاف. وكذا إذا نذر
الاعتكاف ولم يذكر الصوم ، فإن قلت يجب الصوم بنفس الاعتكاف فما تقول لو نذر
اعتكافا مطلقا هل يجوز أن
__________________
يعتكف في شهر رمضان حيث قد وجب عليه صوم الاعتكاف ويتداخل الفرضان؟ وكذا
إذا نذر أن يعتكف في مسجد من المساجد عدا المساجد المعيّنة للاعتكاف هل يصحّ النذر
أم لا وما وجهه؟ أفتنا مثابا.
الجواب
نعم يجب الصوم
بمجرّد نذر الاعتكاف لأنّه لا يصحّ الاعتكاف إلّا مع الصوم وهو إجماع منّا ويوافق
عليه أبو حنيفة من الجمهور وما لا يتمّ الواجب إلّا به يجب كوجوبه. ولو اعتكف في
رمضان أجزأ عن نذره المطلق لحصول شرطه كمن نذر الصلاة فإنّه تجب لها الطهارة ولو
اتّفق متطهّرا أو تطهّر لغير الصلاة كالطواف جاز الدخول به في الصلاة لحصول الشرط
المعتبر.
ولو اعتكف في
رمضان كان جائزا وبرئ ذمته وليس هذا تداخلا ، لأنّ الصوم شرط في النذر وقد تحقّق.
أمّا إذا نذر
الاعتكاف في غير مساجد الاعتكاف لم ينعقد النذر ، لأنّ من شرطه أن يكون مشروعا
وإذا كان صحّة الاعتكاف مشروطا بشرط لا ينعقد النذر به مع عدمه.
وأمّا الاعتكاف
في غير المساجد الأربعة فقد أجازه بعض الأصحاب في مساجد الجوامع دون غيرها
واختصاصه بالأربعة فيه توقّف. فتلخص أنّه لا يصحّ في كلّ مسجد بل إمّا في المساجد
الأربعة كما هو اختيار الشيخ أبي جعفر والمرتضى ومن تابعهما
أو في مساجد الجوامع كما هو مذهب المفيد وجماعة
__________________
من الأصحاب. وقد روي من طرق عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إنّ عليا عليهالسلام كان يقول : لا اعتكاف إلّا في المسجد الحرام أو مسجد
الرسول أو مسجد الجامع .
المسألة الثلاثون
قولهم إنّه
يردّ بالجنون والجذام والبرص ما بينه وبين السنة ، هل يكون هذا جائزا مع التصرّف
أو يبطل الردّ بمجرّد التصرّف مراعاة لقولهم عليهمالسلام : التصرّف يبطل الرّد بالعيب ، وما الحكم
في ذلك؟ وعلى تقدير الرّد ينعتق العبد بالجذام فإن كان قد جذم هل يجب على المشتري
ردّ أجرة الخدمة أم يكون له خاصة؟ أفتنا مثابا.
الجواب
لا نعرف
التصرّف في شيء من الأحاديث ، ولكن إذا أحدث المشتري حدثا منع الرّد وهو مطّرد.
وينعتق بالجذام وتكون الأجرة للغلام من حين ظهر مرضه ، ويجري ذلك مجرى من باع حرّا
واستخدمه المشتري ، وفي الرجوع على البائع تردّد كما سلف .
المسألة الحادية والثلاثون
في الوقوف إذا
آجرها ظالم هل تجوز لمن استأجرها الصلاة فيها؟ وإذا أخذت الأجرة منه وسلّمت إلى من
أجرها برئ ذمّته من ذلك أم لا [ بل ] تكون باقية في ذمّته؟ أفتنا مأجورا.
__________________
الجواب
لا يصحّ أن
يؤجر الوقف إلّا من إليه النظر فيه ، ومع فقده يؤجره الحاكم الجائز الحكم أو أمينه
فإن آجره حاكم جائر أو من لا ولاية له شرعا كانت الإجارة باطلة ، ولا يحلّ
للمستأجر السكني فيه ولا الصلاة ولا التصرّف بوجه من وجوه الانتفاع وإن انتفع لزمه
اجرة المثل ، ولا تبرأ ذمّته بما يدفعه إلى الظالم ، وكان للموقوف عليهم أو لوليّ
الوقف المطالبة بالأجرة .
المسألة الثانية والثلاثون
في شخص مات
وعليه صيام وصلاة مدّة عمره وله ولد كبير ، فهل يقضي ما فاته من عمره من الصيام
والصلاة أو ما فات في حال المرض؟ وهل يجوز للولد الأكبر أن يستأجر عن والده ما وجب
عليه قضاؤه عنه من صلاة وصيام أم لا؟
أفتنا مأجورا.
الجواب
الذي ظهر أنّ
الولد يلزمه قضاء ما فات الميّت من صيام وصلاة لعذر كالمرض والسفر والحيض لا ما
تركه الميّت عمدا مع قدرته عليه ، ولا أرى جواز الاستيجار عنه ، لأنّها عبادة لزمت
الولد وهو قادر عليها ، إلّا أن يوصي الميّت بالاستيجار عنه فلا أمنع منه .
__________________
المسألة الثالثة والثلاثون
في قولهم : إذا
اختلف البائع والمشتري في الثمن فالقول قول البائع إذا كان المبيع قائما بعينه ، وقول
المشتري إذا كان تالفا ، هل يكون كذلك وإن كثر الثمن ، أو قوله فيما يناسب قيمة
المبيع ، أم يكون القول قول المشتري على كلّ حال لإقراره بالبيع وكونه مدّعيا
زيادة عمّا يقرّ به المشتري؟ أفتنا مثابا.
الجواب
اضطربت الفتوى
في ذلك بين الأصحاب والذي وضح أنّ القول قول البائع مع بقاء السلعة وقول المشتري
مع تلفها ، ولا يلتفت إلى قيمتها ، نعم لو ادّعى ما تشهد العادة بكذب دعواه سقطت
دعواه ، وأمّا قوله : أقرّ البائع بالبيع فيحكم به ولا تقبل دعواه في الثمن لإنكار
المشتري فهو قول جيّد يقتضيه الأصل لكن ترك العمل به للرواية المشهورة .
المسألة الرابعة والثلاثون
فيمن وقف وقفا
على من لا ينقرض مثلهم غالبا ، ثمّ اتّفق انقراضهم فإلى من ينتقل الوقف بعد انقراض
الموقوف عليهم؟ أفتنا مأجورا.
الجواب
يرجع إلى ورثة
الواقف ، وفيه قول آخر للمفيد رحمهالله : يرجع إلى
__________________
ورثة الموقوف عليهم. الأوّل مرويّ وعليه أعمل.
المسألة الخامسة والثلاثون
في المصلّي إذا
شكّ بين الاثنين والأربع وبنى على الأربع وسلّم ، هل إذا أحدث قبل إكمال الصلاة
بالاحتياط تبطل صلاته؟ وإذا صلّى صلاة أخرى قبل الإتيان بالاحتياط يصحّ ذلك؟ وهل
يكون حكم من ترك التشهّد حتّى ركع أو السجدة الواحدة مثل ذلك؟ وكذا سجدتا السهو ، وما
وجه ذلك؟.
الجواب
الذي يقتضيه
النظر أنّ الاولى لا تبطل لأنّه خرج منها بالتسليم خروجا مشروعا ، والاحتياط فرض
مستأنف ، ولو أهمل الاحتياط وصلّى صلوات لم تبطل الاولى وأتى بالاحتياط ولو تطاول
الأمد .
وكذا من ترك
التشهّد أو السجدة أو سجدتا السهو ، فإنّه يأتي بذلك ولا تبطل الصلاة الأولى
بالتأخير.
ولأنّ ذلك فرض
لزم ذمّة المصلّي غير محصور في زمان معيّن ، فلا تبطل بتأخره الصلاة.
__________________
المسألة السادسة والثلاثون
في المصلّي إذا
شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ، وكذا بين الاثنتين والأربع ، وكذا بين
الاثنتين والثلاث وهو قائم ، ما الحكم في ذلك؟ هل يكون كمن شكّ وهو جالس؟ أو بينه
وبين ذلك فرق؟ فهل في ذلك خلاف؟ أفتنا مأجورا.
الجواب
إذا شكّ وهو
قائم قبل الوكوع لم تحصل له الأوّلتان يقينا فيجب ان يحكم ببطلان صلاته ، أمّا لو
كان جالسا وقال : لا أعلم جلوسي بعد ثانية أو ثالثة ، أو ثانية أو رابعة ، أو بعد
ثانية أو ثالثة أو رابعة ، فإنّه يكون محصّلا لاثنتين على يقين وشاكّا فيما زاد ، فلا
تبطل صلاته.
وليس هذه
الفروع مما تعرّض لها أوائلنا فيذكر عنهم فيهم خلاف ، بل هو من التفاريع المحدثة ، وعلى الباحث
استفراغ وسعة في إصابة الحقّ.
المسألة السابعة والثلاثون
في رجل أوصى
بوصايا لأولاده ذكور وإناث ، وذكر في وصاياه أنّ وصيّه يوقف ما أوصى به لمن أوصى
به وعلى أولاده ، فإذا انقرضوا كان الوقف للموضع الفلاني ، وعيّن مصير الوقف إلى
أماكن لا ينقرض مثلها ، فهل تصحّ هذه الوصايا وثبت الوقف؟ وما الحكم في ذلك؟ أفتنا
أطال الله بقاك.
الجواب
نعم تصحّ هذه
الوصية ويحكم بصحّة الوقف إذا خرج من ثلث تركة الميّت ، أو أجازه الورثة وإن لم
يخرج من الثلث ، ويجب على الوصيّ أن يعمل بموجب ما أمره الموصي في ذلك ويحكم بصحّته
شرعا ، وإذا وقفه سلّمه إلى الموقوف عليهم أو إلى من عيّنه الموصي للنظر فيه.
__________________
المسألة الثامنة والثلاثون
الموصي الأوّل
إذا قال : الموضع الفلاني من ملكي يكون لأمّهات أولادي فلانة وفلانة وفلانة إذا
توفّيت يحبسها وصيّ فلان عليهنّ ومن تزوّج منهنّ يرجع ما حبس عليها إلى ولدها فهل
يصحّ ذلك وما الحكم؟.
الجواب
نعم يصحّ ذلك
ويجب على الوصي ان يحبس ذلك على من عيّنه الموصي ويشترط في الحبس ذلك الشرط الذي
ذكره الموصي ، بشرط أن يكون ذلك ممّا يحتمله ثلث تركة الميّت أو تجيزه الورثة.
المسألة التاسعة والثلاثون
في قولهم : يكره
أن يصلّى على جنازة مرّتين ، وقد روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله صلّى على جنازة بقوم ثمّ جاء آخرون فصلّى بهم مرارا ، فهل تكون
هذه الكراهية متوجّهة إلى غير المأموم أو تكون الكراهية مطلقة وتخص النبي صلىاللهعليهوآله بذلك؟
الجواب
الذاهب إلى
كراهية ذلك الشيخ أبو جعفر رحمهالله محتجّا بروايات ضعيفة الاسناد وبإزائها
روايات أخر صحيحة دالّة على الجواز.
منها رواية
الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّ عليّا عليهالسلام صلّى على سهل بن حنيف خمسة وعشرين تكبيرة كلّما جاء قوم
قالوا لم ندرك الصلاة
__________________
فكبّر وصلّى بهم .
وروي أيضا عن
أبي عبد الله عليهالسلام أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كبّر على حمزة سبعين تكبيرة . وينبغي أن
يكون العمل على الجواز اتّباعا لما فعله النبيّ صلىاللهعليهوآله وعلي عليهالسلام بعده ، ولا عبرة بالأخبار الضعيفة مع وجود الأخبار
الصحيحة. والشيخ رحمهالله التزم الجمع بين الاخبار فلم ير وجها في المنع إلّا
تنزيله على الكراهية توفيقا بين الاخبار ونحن قد بيّنا أنّه لا حاجة إلى التوفيق بينها مع ضعف
الأخبار المانعة من الصلاة ، وعلمنا بالأخبار السليمة الصافية عن الكراهية.
المسألة الأربعون
في المسافر إذا
اجتاز ببلد فيه مسكن قد استوطنه ستّة أشهر متفرّقة في أوقات متعدّدة هل لزمه ذلك الحكم أو
يعتبر التوالي؟
الجواب
لا يعتبر
التوالي بل يجب الإتمام ولو كان الاستيطان متفرقا عملا بإطلاق رواية محمّد بن بزيع
عن الرضا عليهالسلام .
__________________
المسألة الحادية والأربعون
في رجل له
أولاد جماعة أوصي لهم بجميع أملاكه وعيّن لكلّ واحد منهم شيئا بخاصّة وقال في
وصيّته : ومن أوصيت له بشيء فهو له وإن فضلت وصيّته عن الثلث فله في ذمّتي أضعاف
الفاضل عن الوصيّة فهل يثبت ذلك أم لا؟
الجواب
لا يثبت في
ذمّته شيء من ذلك في ظاهر الحكم مع موته ولا تمضي وصيّته فيما زاد عن الثلث إلّا
أن يجيزه الورثة فإن لم يجيزوا لم تمض فيما زاد عن ثلث تركته ويبدأ بعطيّة الأوّل
فالأوّل حتّى يستوفي الثلث.
المسألة الثانية والأربعون
في الموصي
المذكور إذا كان لزوجته ملك وأشهدت له بالملك جميعه وأوصى لها بما أشهدت له بعد
إشهادها له ، وقال في جملة وصيّته : قد جعلت لها أن ترجع فيما أشهدت لي به ، وهذا
إن كان له وصايا جمّة تزيد عن ثلثه ثمّ مات فعمدت الزوجة إلى كتاب الإقرار اعدمته
وكانت الوصيّة مكتوبة في ظهر الإقرار.
الجواب
إذا أشهدت له
به إقرارا حكم بانتقاله إليه فإذا أوصى لها به صحّت الوصيّة فيما يحتمله ثلث تركته
ممّا أقرّت به. وإذا كانت وصايا تزيد عن الثلث بدأ بالأوّل فالأوّل حتّى يستوفي
الثلث. وكذا إذا قال في جملة وصيته : قد جعلت لها أن ترجع فيما أشهدت لي به فإنّ
جميع ذلك يردّ إلى ما يحتمله ثلث تركته. والله الهادي بفضله.
__________________
تمّت المسائل
البغداديّة والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على أكرم المرسلين محمّد وآله الطاهرين.
٥
المسائل
الخمسة عشر
تأليف
المحقق الحلّي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
قال الشيخ نجم
الدين أبو القاسم بن جعفر بن الحسن بن سعيد صاحب هذه الأجوبة رحمهالله : وقفت على هذه الأوراق الكريمة الدالّة على فضل موردها
وغزارة علمه واهتمامه بتحقيق الحق فيها وسألت له زيادة التوفيق وإحسان العاقبة ، وقد
أجبت عن ذلك بما اعتقد وجوب العمل به ، والله الموفّق للصواب .
المسألة
الخامسة ..
الجواب
[ عن المسألة
الخامسة ] : الصلوات الخمس التي أشار إليها الشيخ الطوسي رحمهالله هي : صلاة الجنازة والطواف والكسوف والزلزلة والفريضة
الفائتة ، كلّ ذلك يجوز أن يصلّى ما لم تتضيّق الحاضرة ، وخالف جماعة في قضاء
الفوائت من الفرائض وأوجب تقديمها على الحاضرة ما لم يتضيّق الوقت ، والحقّ
__________________
جواز فعل الحاضرة كما يجوز قضاء الفائتة إلّا مع التضيّق ، ويدلّ عليه قوله
تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) ، وهو خطاب للنبيّ وغيره ممّن كلّف الصلاة. وقوله عليهالسلام : إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاة ، وقول الصادق
عليهالسلام : إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين إلا أنّ هذه قبل هذه
.
ولو قيل : هذا الإطلاق
بما روي عن الصادق عليهالسلام : من فاتته صلاة فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت
الحاضرة .
قلنا : وجوب
القضاء لا يستلزم المنع من الحاضرة لأنّ الواجب على التخيير مأمور به كالواجب
المضيّق. ثمّ يعارض ذلك بما رواه أبو بصير وغيره عن الصادق عليهالسلام في من فاتته المغرب والعشاء حتّى طلع الفجر قال : يصلّي
الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء قبل أن تطلع الشمس ، وما ينافي ذلك نحمله على الاستحباب توفيقا بين
الأخبار.
المسألة السادسة :
في دم البراغيث
والخنافس وبنات وردان والقراد والحلم
__________________
والطبّوع والسمك وكلّ ما ليس له نفس سائلة إذا حصل في ثوب
الإنسان أو في بدنه فما الحكم في ذلك شرعا؟ حتّى أنّ الإنسان في أكثر الأوقات يجد
جلده حاويه ثمّ يمصّ من دم الإنسان عيانا حتّى يمتلئ فإذا فركه الإنسان يحصل
منه على ثوبه أو بدنه من ذلك الدم ما يعلمه يقينا فهل ـ والحال هذه ـ يحكم الشرع
بطهارته أو نجاسته؟ وكذا حكم المنيّ إذا كان من حيوان ليس له نفس سائلة يكون نجسا
أو طاهرا؟.
الجواب
لا بأس بدم
البقّ والبراغيث وإن كثر لأنّه طاهر ، بل يكره إذا تفاحش في الثوب كراهة لا حظرا
وإذا كان العفو عنه مطلقا فلا فرق بين أن نشاهد دم الآدمي أو
غيره أو لم نشاهد تمسّكا بظاهر الأخبار الدالّة على العفو عنه ودفعا للحرج ، لعموم
البلوى.
وأمّا منّي ما
لا نفس له كالذباب والجراد والخنافس والبقّ فالظاهر أنّه طاهر ، وكذا ذرقه لأنّ فضلاته
تجري مجرى عصارة الثياب ، ولأنّ ميتته ليست نجسة فرطوباته كذلك ، والإشارة بنجاسة
المنيّ ليس إلّا ماله نفس سائلة كذا يظهر.
المسألة السابعة :
الماء الذي
يتطهّر به الإنسان أو يرفع به الحدث يشربه الإنسان في وقت
__________________
أو يتطهّر به مدّة أيّام ثمّ حصل عند الإنسان من شهد بنجاسته فهل تقبل
شهادته أم لا؟ وعلى تقدير القبول يقضي جميع ما صلّى من الصلوات ويشطف ثيابه وبدنه
أم لا؟ وهل إذا شرب الإنسان ماء نجسا للضرورة أو عمدا .. .
الجواب
:
لا تقبل شهادة
الواحد في ذلك ، وتقبل شهادة العدلين ، وعلى تقدير القبول يقضي كلّ صلاة صلّاها
بالوضوء من ذلك الماء أو الغسل ، وأمّا ما غسل به ثوبه أو بدنه من النجاسة
العينيّة فلا تجب إعادة ما صلّاه في ذلك اليوم إذا كان حدثه مرتفعا لأنّ طهارة
الثوب والبدن من النجاسة العينيّة شرط مع العلم بالنجاسة لا مع الجهل بها بخلاف
رفع الحدث.
المسألة الثامنة :
سجدات العزائم
الأربع هل تصحّ بغير طهارة أم لا ، وكذا إذا أخل الإنسان بسجدة من سجدات الصلاة أو
بالتشهد سهوا فهل يصحّ بغير طهارة أم لا؟ .
الجواب
:
نعم يصحّ سجود
التلاوة بغير طهارة ، لأنّ الأمر بالسجود مطلق فيتناول مسمّى السجود ، وما عداه
منفيّ بالأصل ، وقياس سجود التلاوة على سجود الصلاة ليس حجّة ، أمّا سجود جبران
الصلاة كما لو أخلّ بسجدة أو التشهد حتّى ركع فإنّ قضاء ذلك محتاج إلى الطهارة ، وكذا
سجود السهو أيضا يفتقر إلى الطهارة لأنّه جزء من الصلاة وجبر لها فيشترط فيه
الطهارة.
__________________
المسألة التاسعة :
هل الأذان
والإقامة للصلوات التي عليها الجمهور في الأوقات المخصوصة الآن كانت على عهد
النبيّ صلىاللهعليهوآله ويصلّونها معه كما يعملون الآن أو على غير ذلك؟ ونرى
مشايخنا رضياللهعنهم قد جعلوا في كتبهم لكلّ صلاة أوّلا وآخرا مثل قولهم : إذا
زالت الشمس أوّل وقت الظهر ، وآخر وقتها إذا صار ظلّ كلّ شيء مثله ، والعصر مثليه
، والمغرب غيبوبة الشمس ، وآخرها غيبوبة الشفق من ناحية المغرب ، وهو أوّل وقت
العشاء الآخرة ، وآخرها الثلث أو النصف من الليل على خلاف فيه ، وأرى الفتيا من
الأصحاب رضياللهعنهم والعمل من المشايخ والجماعة بأسرهم يصلّون الظهر ثمّ
العصر ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة وكان ينبغي على أصل التقسيم أن يصلّي العصر بعد صيرورة
ظلّ كلّ شيء مثله والعشاء الآخرة بعد غيبوبة الشفق ، وكان يلزم إذا خرج
وقت ظلّ كلّ شيء مثله أن يصلّي الظهر قضاءا وكذلك المغرب إذا غاب الشفق من
المغرب يصلّي قضاءا لأنّه آخر وقتها.
وأمّا على رأي
الجمهور فلا يرد شيء ممّا قلناه عليهم لأنهم يصلّون الصلوات في أوقات الأذان
المقدّم ذكره.
وما الفائدة في
تأخير الأذان إلى وقت العصر إذا كان الأصحاب يصلّون الظهر والعصر بعد أذان الظهر ،
وهل كان في زمان النبيّ عليهالسلام تؤخر العصر إلى وقت أذانها أو تصلّي عقيب الظهر ، لأنّ
أصحابنا بأجمعهم يقولون : إنّ الفعل في أوّل الوقت أفضل من تأخيره ، حتّى أنّهم
نصّوا في تصانيفهم وأفتوا بأنّ
__________________
من أخّر العصر إلى آخر الوقت من غير بدل كان آثما فاسقا فهل ما ذكروه في
ذلك حقّ أم لا؟.
الجواب
لا ريب أنّ
لكلّ صلاة وقتا يختصّ به وأنّه ينبغي أن تصلّى كلّ صلاة في وقتها المضروبة لها ، لكن
عندنا الجمع جائز سفرا وحضرا لعذر وغيره رخصة ، وقد روى الجمهور وأصحابنا جميعا
أنّ النبيّ عليهالسلام صلّى الظهر والعصر في وقت الظهر في الحضر من غير مرض وكذا روى
أصحابنا والجمهور في المغرب والعشاء أنّه صلاهما في وقت المغرب من غير مرض ولا سفر
وقال كثير من الأصحاب : ينبغي التفريق بين الصلوات إذا صلّى النوافل
والتعجيل إذا لم يتنفّل.
والذي أراه [
أنّ ] الجمع جائز والتفريق في الأوقات أفضل ، وقد بيّن ذلك الأصحاب حيث ذكروا
المستحاضة وكونها تجمع بين الظهر والعصر بغسل ، تقدّم العصر وتؤخّر الظهر ، وكذا
المغرب والعشاء ، هذا دليل اختصاص كلّ صلاة بوقتها لكنّه ليس بلازم ، وما
روي من كراهية تأخير العصر فمحمول على تأخيرها عن وقت الاختيار إلى وقت
الاضطرار إذ المبادرة بها إذا صار ظلّ كلّ شيء مثليه أفضل.
__________________
المسألة العاشرة
إذا شهد شاهد
واحد عدل على شخص بالطلاق في مجلس واحد ثمّ شهد عليه شاهد واحد بالافتراق هل يحكم
بصحّة الطلاق أم لا؟.
وكذا إذا تلفّظ
بالطلاق عند شاهد واحد ثمّ تلفّظ به عند شاهد آخر على افتراق الشاهدين لا على
اجتماعهما يقع الطلاق أم لا؟.
وكذا إذا حضر
عدلين في مجلس واحد وكانا أخر سين فهل يقع الطلاق أم لا وما الدليل على أنّ شهادة
الشاهدين شرط في صحّة الطلاق؟
وكذا كون
المرأة طاهرة طاهرا لم يقربها فيه بجماع ، وكذا كونها طاهرا من الحيض والنفاس.
وهل الحامل
المستبين حملها يصحّ طلاقها مخالعة أم لا؟ وهل إذا طلّق الإنسان طلقتين للعدّة ثمّ
تزوّجت بزوج ثمّ طلّقها ثمّ تزوّج بها الأوّل تنهدم الطلقتان أم لا؟ وكذا الطلقة
الواحدة هل تنهدم بالزوج أم لا؟.
وهل النيّة شرط
في جميع ذلك أم لا؟.
وهل من لها دون
تسع سنين يصحّ طلاقها مخالعة إذا بذل الوصيّ أو الحاكم بعض صداقها يصحّ طلاقها أم
لا؟ وهل إذا طلق من لها دون تسع سنين قد دخل بها تكون عليها عدّة أم لا؟ وكذا
المرأة إذا بلغت خمسين أو الستين طلّقت تكون عليها عدّة أم لا؟ فيتصدّق مولانا
بالجواب.
الجواب
لا يصحّ الطلاق
إذا شهد الشاهدان متفرقين بل لا بدّ من اجتماعهما على سماع اللفظ الواحد ولو شهدا
منفردين لم يقع الطلاق.
وأمّا الشاهدان
الأخرسان فإن كانا يسمعان صحّ الطلاق بشهادتهما وإن كانا أصمّين لم يقع الطلاق ، لعدم
العلم بنطق المطلّق ، والنطق به شرط في وقوعه ، لكن لو أشار إليهما بما يعلمان
إقراره بطلاق سابق قبلت شهادتهما
بالإقرار لا بالإنشاء.
والدليل على
أنّ الشهادة شرط في الطلاق قوله تعالى ( أَوْ فارِقُوهُنَّ
بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) فجمع بين الفراق والشهادة بالواو المقتضية للجمع وعليه
اتّفاق علمائنا.
وأمّا اشتراط
الطهر فلانّ الطلاق في الحيض محرّم منهيّ عنه باتّفاق علماء الإسلام وهو بدعة
عندنا وعند الجمهور ، لكن عندهم يقع مع كونه منهيّا عنه وعندنا لا يقع ، لأنّ النهي
يمنع وقوعه شرعيّا لقوله عليهالسلام : من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو ردّ ، ولأنّ
النكاح عصمة مستفادة من الشرع فيقف زوالها على إذنه فلا يزول مع نهيه.
وأمّا طلاق
المستبين حملها فجائز إجماعا وتصحّ مخالعة وغير مخالعة.
والزوج عندنا
يهدم الطلقة والطلقتين كما يهدم الثلاث فلو طلّقها مرّة ثمّ تزوّجت بعد العدّة ثمّ
طلّقها الثاني جاز للأول العقد عليها بعد الاعتداد من الثاني وكذا لو طلّقها
اثنين.
والنيّة شرط في
الطلاق لقوله تعالى ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ) .
ويصحّ طلاق من
لها تسع سنين مخالعة إذا بذل الوليّ ورأى ذلك لها صلاحا.
ولو دخل بمن
لها دون تسع سنين فالأكثر من الأصحاب لا يوجبون عليها العدّة لو طلّقت وكذا
اليائسة ، وقال علم الهدى : تلزمها العدّة ، والأوّل أكثر
__________________
في الرواية والعمل ، وقول المرتضى رحمهالله حسن .
المسألة الحادية عشرة
هل ذبائح من
أظهر الشهادتين وإن اختلفوا في الآراء والمذاهب يحلّ أن تؤكل أم لا؟ وكذا الناصبي
والمشبهة هل تحلّ ذبائحهم ومائعاتهم أم لا؟ ومعنى قول الصادق عليهالسلام : الناصبي من قدّم علينا أهل البيت فقد نصب لنا العداوة
فهل يحمل هذا الحديث على عمومه أو يقيّد بإظهار الاستنقاص بأهل البيت عليهمالسلام؟.
وكذا الإنسان
إذا كان في بلد أكثره يهود ونصارى ومجوس وغيرهم من فرق الكفّار ويكون بينهم مسلمون
مظهرون الشهادتين فهل تحلّ أن يشتري الشخص من أسواقهم من غير سؤال أو يسأل عن
المسلم حتّى يشتري منه؟.
وكذا هل يجوز
أن يشتري منهم الجلود إذا وجدت في الأسواق أم لا؟ وكذا المائعات إذا وجدت في سوق
فيه مسلمون مع أنّ كلّا منهم يعتقد طهارة الآخر وإن اختلفوا في العقائد والملل ، فهل
يصحّ الاشتراء والحال هذه أم لا؟.
الجواب
ذبائح المسلمين
كلّهم حلال وإن اختلفوا في الآراء عدا الخوارج والغلاة والمجسّمة بالحقيقة ، فإنّهم
خارجون عن الإسلام وإن انتحلوه.
__________________
وما روي أنّ
الناصب من قدّم علينا لا يعمل به ، وليس الناصب إلّا من نصب العداوة لأئمة الدين
كالخوارج حسب.
وما يشتريه
الإنسان من أسواق المسلمين يحكم بطهارته إذا لم يعلم أنّ البائع خارج عن الإسلام
سواء كثر الكفّار فيه أو قلّوا إذا كان البلد للإسلام لقوله عليهالسلام : سوق المسلمين مطهّرة ، ولأنّ المنع
من ذلك يستلزم الحرج.
وليس من اللازم
سؤال البائع عن دينه ولا سؤال غيره عنه.
ويشتري الجلود
على هذا الوجه ، لكن لو علم أنّ البائع كافر أو خارج عن الإسلام لم يجز شراؤه منه
لأنّه لا يؤمن على الذبائح ولا على الإخبار بها وكذا شراء المائعات.
المسألة الثانية عشرة
في معنى قول
شيخنا الطوسي رضياللهعنه في نهايته : ومن شكّ في الركوع أو السجود في الركعتين
الأوّلتين أعاد الصلاة ، فإن كان شكّ في الثالثة أو الرابعة وهو قائم فليركع ، فإن
ذكر في حال ركوعه أنّه قد كان ركع أرسل نفسه إلى السجود من غير أن يرفع رأسه ، فإن
ذكر بعد رفع رأسه من الركوع أنّه كان ركع أعاد الصلاة ، وإن شكّ في حال السجود في
الركوع مضى في صلاته وليس عليه شيء
وهلّا أجرى
الشيخ الحكم في الركوع في الركعتين الأوّلتين مجرى بقيّة الأحكام لأنّ الأصحاب رضياللهعنهم قالوا : إذا شكّ في شيء وهو في محلّه أتى به وإن كان
قد انتقل إلى حالة اخرى فلا يلتفت إلى شكّه لما قرّر قدّس الله
__________________
روحه في أكثر تصانيفه .
الجواب
:
اختار الشيخ
الطوسي قدّس الله روحه أنّ كلّ شكّ يلحق في الأوّلتين يبطلهما كمن شكّ في الركوع
أو السجدتين منهما. ولم يثبت ذلك عندي بل حكم الأوّلتين في ذلك حكم الآخرتين.
وأمّا قول
الشيخ من شكّ في الركوع وهو قائم في الثالثة أو الثانية فليركع فهو كلام حسن ، لأنّ
الأصل عدم الإتيان به ومحلّه باق قبل الإتيان به.
وقوله : إن كان
ذكر أنّه كان ركع أرسل نفسه ولا يرفع رأسه فشيء ذكره المرتضى رحمهالله في المصباح ونقله الشيخ الطوسي رحمهالله ولا أتحقّق وجهه ، بل الأوجه عندي أنّ الصلاة تبطل ، لأنّ
الركوع يتحقّق بنفس الانحناء والطمأنينة فيه ، وزيادة الركوع مبطلة سهوا وعمدا ، وقد
وافق على أنّه لو رفع رأسه وذكر أنّه كان ركع أعاد ، ورفع الرأس ليس جزءا من
الركوع بل هو مفارقة للركوع فلا يكون جزءا منه.
وقول السائل
إلّا يسوّي الشيخ بين الركوع والسجدتين في الأوّلتين قلنا : كذا فتواه فإنّه لو
شكّ في السجدتين في الأوّلتين أبطل الصلاة وفي الآخرتين يأتي بهما ، ويحمل الشيخ
ما روى من التلافي مع الشكّ إذا كان في الآخرتين لا في الأوّلتين.
__________________
المسألة الثالثة عشرة
إذا صلّى إنسان
وفي إصبعه خاتم مغصوب أو على رأسه قلنسوة مغصوبة أو ما لا تتمّ الصلاة فيه منفردا
وطولب بذلك ولا يمكن ردّ ما ذكرنا إلّا بقطع الصلاة أو الانحراف عن القبلة فهل
يبطل الصلاة ويردّ ما غصبه ، أو يمضي في صلاته ، أو يقال : إن كان الوقت باقيا
أبطل وردّ وإن كان مضيّقا يمضي في صلاته ، فإن قيل : إنّ الصلاة تبطل مطلقا من حيث
الأمر برّد ما غصبه ، قيل : إنّ الصلاة مأمور بها بمقتضى عمومات القرآن مطلقا.
الجواب
:
لا تجب عليه
الإعادة وإن لم يردّ الوديعة ولا الشيء المغصوب نعم لو قطعها وأدّاه جاز ، لأنّ
إتمام الصلاة واجب ، وقطعها إبطال للعمل وهو غير جائز ، وردّ المغصوب واجب والمنع
منه غير جائز ، وقد تساوى الأمران في الوجوب والمنع ، فيكون المكلّف مخيّرا في
المضيّ والقطع لعدم الرجحان.
المسألة الرابعة عشرة
إذا فقد
الإنسان ما يتطهّر به من الماء والتراب ووجد ترابا نجسا فهل يصحّ التيمّم به أم لا؟
وهل إذا خرج الوقت يقضي ما فاته من الصلوات أم لا؟ وكذا إذا صلّى الإنسان وعلى
ثوبه أو بدنه شيء من النجاسات ولا يتمكّن من إزالتها فهل إذا صلّى والحال هذه
يعيد الصلاة أم لا؟ وعلى تقدير الإعادة على مذهب من يوجب ذلك يكون على سبيل الوجوب
أو على سبيل الاستحباب ، وعلى تقدير أحدهما ما الدليل؟.
الجواب
:
لا يجوز
التيمّم بالتراب النجس لقوله تعالى ( فَتَيَمَّمُوا
صَعِيداً
طَيِّباً
) والنجس ليس كذلك وإذا لم يجد ماء يتطهّر به ولا ترابا
طاهرا لم يصلّ ولو خرج الوقت ، وفي القضاء قولان قال المرتضى والشيخ أبو جعفر رحمهماالله : يقضي ذلك ، وقال المفيد في رسالته إلى ولده : لا يقضي وهو
أشبه بالمذهب.
أمّا إذا صلّى
وعلى ثوبه أو بدنه نجاسة لا يتمكّن من إزالتها فالأولى الإجزاء بها ، لأنّها صلاة
مأمور بها شرعا فتكون مجزية.
المسألة الخامسة عشرة
إذا أودع
الإنسان غيره شيئا من المال وأمره أن يسلّمه إلى شخص ، فلما حضر المودع سأله هل
نقد فلان معك شيئا أم لا؟ فقال : ما نقد لك شيئا ولا أو دعني شيئا من
الأشياء ، فأحضر من قال له سلّم إليه شهودا يشهدون عليه بذلك فقال : لا شكّ أنّ
فلانا أودعني ولكن أخذت وأخذت ما كان معي من الوديعة ، فهل يقبل قوله في التلف أو
يلزم بها مع الإنكار على كلّ حال؟
الجواب
إذا أنكر
الوديعة ثمّ اعترف بها أو شهد عليه شاهدان عدلان فإن ادّعى التلف زمان الإنكار
وأقام بذلك بيّنة لم يضمن ، وإن لم يقم بيّنة أو أقام بيّنة بالتلف بعد الإنكار
ضمن ، لأنّ الإنكار منع من الوديعة فيكون عدوانا مقتضيا للضمان ، والله أعلم.
قال الشيخ نجم
الدين أبو القاسم بن جعفر بن الحسن بن سعيد
__________________
صاحب هذه الأجوبة رحمهالله : وقفت على هذه الأوراق الكريمة الدالّة على فضل موردها
وغزارة علمه واهتمامه بتحقيق الحقّ فيها وسألت له زيادة التوفيق وإحسان العاقبة
وقد أجبت عن ذلك بما أعتقد وجوب العمل به ، والله الموفق للصواب.
٦
المسائل
الكماليّة
وهي تشتمل على عشر مسائل
تأليف
المحقق الحلي ره
بسم
الله الرحمن الرحيم
أمّا بعد حمد
الله الذي صغر كلّ عظيم في جلال عظمته ، وقصر كلّ قديم عن كمال أزليّته ، وخضع كلّ
رفيع لقاهر عزّته ، وخشع كلّ منيع لباهر سطوته. والصلاة على أعظم من اختاره
لرسالته وأكرم من اصطفاه لنشر دعوته ، سيّدنا محمد ، وعلى خلفائه في أمّته وأمنائه
على سنّته ، وخلصائه من عترته وسلّم تسليما.
فإنّا مجيبون
إلى ما سأل عنه الشيخ الفاضل الكامل المحقّق المتقن كمال الدين محمّد بن محمّد بن
سهل الآبي أمدّه الله بتوفيقه وعصمته ، من المسائل الدالّة على
معرفته القاضية بفهمه وإحاطته ، مقتصرون على إرادته ، غير متجاوزين حدّ إشارته ، وهي
مسائل عشر.
المسألة الاولى
في الجوهر
الفرد والدلالة على ثبوته.
الجواب
:
لمّا كان
التصديق مسبوقا بالتصوّر تعيّن بيان المراد بالجوهر.
__________________
فنقول : لا ريب
في وجود الجسم ذي الأبعاد الثلاثة. ثمّ هذا لمعلوم حسّا يقبل الانفكاك قطعا ، لكن
هل ينتهي تفكيكه إلى حدّ لا تقبل أجزاؤه الانفكاك حتّى يكون ما منه تألّف الجسم
أجزاء متناهية كلّ واحد منها غير قابل للانفكاك ، أم يقبل انقسامات لا نهاية لها
بالفعل ، أو بالقوّة.
قال المتكلّمون
بالأول وسمّوا ما لا يقبل التجزئة جوهرا.
وقال النظّام بالثاني.
وأكثر الفلاسفة
على الثالث. وزعم هؤلاء أنّ كلّ جسم مفروض فهو واحد بالفعل كما هو في الحسّ لا
تجزئة فيه بالفعل مع قبوله بالقوّة ما لا نهاية له من التجزئة. وليس عندهم حجم
إلّا جسم ، لأنّه لا ينفكّ من المقدار والأبعاد المتقاطعة على قائمتين.
واعلم أنّ
إثبات ما ذهب إليه كلّ واحد من الفريقين عسر ، لكنّا نقول قبل الشروع في تحقيق
الاختيار :
زعم الفلاسفة
أنّ كل حجم مركّب من مادّة وصورة ، وأنّ الصورة بها تصير المادّة محسوسة ، ثمّ
الصورة ليست داخلة في حدّ ذات المادّة. فهي تقبل الصورة الجسميّة وإن تعاظمت
الصور.
والمتكلّمون
يزعمون أنّ كلّ جوهر له قدر من الحجميّة لازمة لجوهريّته عند وجوده لزوما ذاتيّا ،
وتلك الحجميّة لا أصغر منها ، وأنّ التعاظم ليس إلّا بانضمام الأجزاء لا لمقدار
يقوم بالجسم.
وزعم الفلاسفة
أنّ الاتّصال ارتفاع المفاصل بين المتلاقيات بحيث تعود نهاية كلّ واحد بداية
للآخر.
__________________
وقال
المتكلّمون باستحالة ذلك ، بل قد يعرض للمتلاقيين تضابط فإن اختلفا بعارض يدركه
الحسّ وإلّا أدرك العقل بقاء المفاصل ، وإلّا كان تداخلا لا التحاما .
وإذا عرفت هذا
فنقول : الأقرب ما اختاره المتكلّمون من كون الجوهر في صغر المقدار إلى حدّ لا
يكون أصغر منه فلا يقبل أصغر من ذلك القدر ، والدليل عليه أنّه لو قبلت المادّة
الجوهريّة حجميّة زائدة عن حجمها لم يكن قدر أولى من أعظم ولا حادّ ، ويلزم منه
وجود صورة الأرض في مادّة ذرّة منها ، وكذا لو قبلت أصغر لقبلت مادّة الأرض صورة
الذرّة حتّى تعود مادّة البحار والجبال والأودية والأشجار مصوّرة بصورة ذرّة من
الذّر ، لكنّ العقل يأبى ذلك إباء ظاهرا ، فمرتكبه معاند عقله.
وإذا أوجب لكلّ
مادّة صورة هي أصغر الصور لذاتها ، كان ذلك هو الجوهر الفرد ، ولزم أن يكون
التعاظم بانضياف الجواهر وتكثّرها ، لا لمقدار يقوم بها. وأنّ الاتّصال ليس إلّا
التماسّ على وجه الالتحام لا لمعنى أنّه يصير بينهما جزء مشترك ، بل لمعنى اقتضى
الالتحام ، وهو المسمّى بالتأليف.
وقولهم : الجسم
واحد بالفعل كما هو في الحسّ مشكل ، فإن عنوا أن الحسّ لا يدرك مفاصله وإن كانت
متحقّقة في نفس الأمر فهذا معقول ، وإن كانوا يزعمون أنّه في نفس الأمر واحد فهو
يشكل بما لو قام به عرضا متضادّان ، فإنّ محل واحد منهما غير محلّ الآخر ، وأنّه
ينقسم عند ذلك بالفعل ، فذلك المحلّ قبل ورود العرض إن لم يكن متحقّقا كان تحقّقه
بقيام العرض به ، لكن قيام العرض موقوف على تحقّقه ، وإلّا لكان العرض مقوما محلّه
، وهو محال. وإذا كان متحقّقا قبل قيام العرض به كان منقسما.
__________________
ولا يلتفت إلى
قولهم : هذه هي القسمة الوهميّة ونحن لا نمنعها ، لأنّه يقال : الوهم قد يصدق وقد
يكذب ، لكن هنا العقل يجزم بتغاير المحلّين ، ولا نعني بالقسمة إلّا هذا ، فيلزم
أن يكون منقسما حسّا وعقلا ، وإن كان متّصلا ، فان الاتّصال لا يمنع القسمة ، كالخطّين
الملتقيين على زاوية ، فإنّهما منقسمان فعلا ، وإن كانا متصلين.
ونحتج أيضا على
عدم الانقسام بأنّه لو انقسم كلّ حجم بالقوّة انقساما لا نهاية له لزم انقسامه
كذلك بالفعل ، لكن التالي باطل.
أمّا الملازمة
فلأنّه لو اكتنف الجوهر اثنان ، لكان الأوسط أمّا ملاقيا كلّ واحد منهما بعين ما
لاقى الآخر ، أو بغيره ، ويلزم من الأوّل عدم الانقسام ومن الثاني انقسام الأوسط
بالفعل ، وكلّ قسمين غيران ، فالوسط مركّب من غيرين. ثمّ هما متلاقيان بالتماسّ
لتحقق التغاير بالفعل ، ويلزم منه انقسام كلّ واحد من قسميه وكذا البحث في كلّ قسم
فإن لم تقف عند حدّ لزم انقسامات لا نهاية لها بالفعل وإن وقف فهناك الجوهر الفرد.
فإن قيل لا
نسلّم انقسام الأوسط ، لأنّ الملاقاة بسطحيه ، ولا يلزم من اختلاف العوارض انقسام
المعروض. سلّمنا تغاير موضعي الملاقاة ، لكنّهما متّصلان بنهايتيهما ، والانقسام
بالفعل يترتّب على المماسّة لا على الاتّصال ، إذ اتّصال المقادير صيرورة أطرافها
واحدة ، وعلى هذا التقدير لا يلزم الانقسام وإن تغاير موضع التماسّ.
الجواب
قوله : الملاقاة
بسطحيه ، قلنا : السطحان إن كانا من نفس الملاقي فقد انقسما ، وإن كانا عرضين فقد
قام بالأوسط عرضان ، ويلزم الانقسام أيضا
بالفعل. ولو قال : لا يلزم من اختلاف حالات الشيء ونسبه انقسامه ، لم
يكن واردا وكان تخلّصا بالعبارة التي لا تثمر.
قوله : هما
متّصلان ، فلا يتحقّق الانقسام ، قلنا : إن عنيت بالاتّصال التماسّ الالتحامي على
وجه يقصر الحسّ عن إدراك المفاصل وإن كان لكل واحد منها نهاية غير نهاية الآخر فهو
مسلّم ، وهذا هو التماسّ الذي يتحقّق معه الانقسام. وإن عنيت به شيئا يصير به
الجسمان واحدا فذاك غير محصّل.
أمّا أوّلا
فلأنّ الانقسام يتحقّق مع الاتصال كما لو قام بالمتّصل عرضان متضادّان وإذا صحّ
اجتماع الاتّصال مع الانقسام بالفعل لم يكن رافعا له.
وأمّا ثانيا فلأنّ
المتّصلين كانا اثنين ، فلو صارا واحدا لكانا مع ذلك إمّا أن يبقيا على حقيقتهما ،
بمعنى أنّ مادّتهما المعيّنة وصورتهما الجسميّة المعيّنة باقيتان فهما اثنان لا
واحد ، وإن لم يبقيا فحينئذ يلزم عدم ذينك الجسمين ووجود جسم غيرهما ، لكن هذا
يأباه العقل والحسّ ، لأنّا نعلم عند التقاء الماءين أنّ عين كلّ واحد منهما باقية
على حالها ، ولم تتجدّد إلّا الملاقاة بينهما. نعم قد يطلق عليهما اسم الواحد بحسب
الاجتماع ، كما يقال : إنسان واحد.
ثمّ يلزم على
قولهم أن يعدم البحر بشرب العصفور منه ، وأن يحدث بحر بزيادة قطرة على الأوّل ، ولا
يلتزم هذا ذو تحصيل.
والرجوع بعد
ذلك في دفع هذا الإيراد إلى ما يألفونه من الاصطلاحات اللفظيّة لا يكفي المنصف.
وأمّا استحالة
الانقسام إلى غير النهاية بالفعل ، فلأنّه يلزم منه استحالة قطع المسافة اليسيرة
بالزمان المتطاول ، لأنّ قطعها عبارة عن محاذاة كلّ جزء منها
__________________
ومحاذاة ما لا نهاية له بالفعل محال ، والتخلّص بالظفر قد تبيّن
ضعفه.
واستدل
المتكلّمون أيضا بأنّ الكرة المحقّقة إذا لاقت خطّا مستقيما فإن لاقته بمنقسم فهو
خطّ ، لكنّه محال ، وإلّا أمكن أن يخرج من طرفيه خطّان إلى مركز الكرة ، فيكونان
مع ذلك الخطّ مثلثا ، فلو خرج له قطر لكان القطر وترا للحادّتين ، وكان العمودان
وترا للقائمتين ، ووتر القائمة أعظم من وتر الحادّة فلا تكون الخطوط الخارجة عن
مركزها إلى محيطها متساوية ، فلا تكون الكرة محقّقة ، وقد فرضناها كذلك. وإذا بطل
كون الملاقي من الكرة منقسما ثبت أنّه غير منقسم. لا يقال : الكرة لا تتحقّق مع
القول بالجوهر الفرد ، لأنّا نمنع ذلك ، ثمّ نقول : الكرة موجود قطعا ، وقد بيّنا
أنّه يلزمها عدم الانقسام.
المسألة الثانية
ما الدليل على
أنّ الحوادث متناهية؟
الجواب
لو كانت
الحوادث مترامية إلى غير النهاية لزم اجتماع النقيضين ، لكنّه محال. أمّا الملازمة
فلأنّ كلّ حادث مسبوق بعدم لا أوّل له ، لأنّه لو انقطع عند أوّل لكان مسبوقا
بوجود ، فلا يكون حادثا مرّة بل مرارا ، فمجموع العدمات إذا أزليّة مقارنة وجود
الواجب لذاته ، فإن لم يوجد من الحوادث شيء مقارنا وجود الواجب كانت منقطعة عند
أوّل ، وإن وجد لزم كون المقارن موجودا باعتبار مقارنة الواجب ، معدوما باعتبار
حدوثه.
فإن قيل : لا
نسلّم جواز وصف العدم بالأزليّة لأنّ ذلك من عوارض الموجود. ثمّ ما الذي يعنى
بالمقارنة؟ إن عنيت حالا تكون العدمات مجتمعة فيها فهو ممنوع ، وإن عنيت أنّ
العدمات لم تزل مترامية كما أنّ الحوادث لم تزل
__________________
مترامية ، وأنّه لا حال إلّا ويفرض فيها وجود حوادث سابقة وإعدام الحوادث
لاحقة فهذا مسلّم ، ودليلكم لم يتناول إبطال ذلك ، ونحن فلا نعني بقدم الحوادث
قدمها بالذات ، ولا أنّها قارّة كالأفلاك بحيث يلزم تحقّقها أو تحقق شيء منها
مقارنا للأوّل ، بل نعني بالقدم كون كلّ حادث مسبوقا بالآخر لا إلى بداية.
والجواب
قوله : لا
نسلّم جواز وصف الاعدام بالأزليّة والمقارنة.
قلنا : لا نعني
بالأزليّة إلّا عدم البداية ، وهي عنده كذلك ، ولا بالمقارنة إلّا مساواة الواجب
في عدم البداية وهذا معلوم التحقيق فالمحاجز عنه غير مسموعة.
قوله : العدمات
لم تزل مترامية ، وكذلك الحوادث. قلنا : قد بينّا استحالة الجمع بين الأمرين ، وتحقيقه
أنّ كلّ موصوف بعدم البداية ولم يكن واجبا فإنّه مستند إلى الواجب ، وذلك الواجب
لا بدّ من وجود معلوله معه ، وحينئذ إن وجد مقارنا ذلك المعلول شيء من الحركات
كانت تلك بعينها قديمة ، وإن لم يوجد شيء منها ووجد بعد ذلك ، كان ما وجد هو
الأوّل فإذا فرض الترامي إلى غير النهاية مع رفع القدم عن كلّ واحد من أشخاصها جمع
بين النقيضين.
ولو قال : ليس
العدمات كذلك ، لم يسمع لأنّ كلّ ما يفرض له آحاد نفرض له كلّ متناهية كانت آحاده
أو لم تكن.
ويمكن أن يقال
أيضا : لو أمكن فرض حوادث لا أوّل لها منقضية لأمكن فرض حوادث لا أوّل لها قارّة.
أمّا الملازمة فلأنّ الحركات المنقضية قد شملها الوجود ، فلو فرض مع كلّ حادث قارّ
لزم وجود ما لا نهاية له من الحوادث ، لكنّه محال ، لاستحالة اشتمال الوجود على ما
لا نهاية له. ولا عبرة بعد ذلك بحكاية مذهب القوم والتخلص بعباراتهم.
المسألة الثالثة
ما الدليل على
إبطال التسلسل؟.
الجواب
اتّفق الجميع
على بطلان التسلسل في العلل والمعلولات ، وإن أجازه الفلاسفة فيما له ترتب عرضي
كالحوادث. واستدل الجميع بأنّه لو تسلسلت العلل والمعلولات لزم وجود ما لا نهاية
له من العلل بالفعل ، لأنّ العلل التامة يوجد معها المعلول التّام الاستعداد ، فلو
كانت بغير نهاية لزم وجود ما لا نهاية له دفعة وهو محال. وبأنّه لو لم تنته
الممكنات عند واجب مع كونها بأجمعها ممكنة لزم وجودها لا لمؤثر أو الدور وهما
محالان.
المسألة الرابعة
هل يجب على
المكلف معرفة العقائد بالدليل أو لا؟ فإن كان الأوّل لزم تعطيل الأمور الدنيوية
الضروريّة ، لأنّ تحصيل المعارف لا يحصل في الزمان اليسير ، ولأنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يقنع بإظهار كلمة الإسلام ويحكم له بالعدالة ، وإن
كان الثاني لزم أن يكون الإنسان جازما بما لا يعلم صحّته ، والعقل يقبح ذلك. ولو
أخل بالنظر هل يكون فاسقا أو كافرا؟
الجواب
لمّا كانت
العقائد مختلفة وخطر الخطأ فيها عظيما وجب دفع ضرر الخوف باستعمال النظر لتحصيل
الوثوق بالسلامة : فالمخلّ بتحقيق ما يبني عليه عقيدته عاص. وإن قدح الشكّ في
عقيدة فهو كافر ما لم يدفعه بإنعام النظر. ويكفي في المعرفة أوائل الأدلّة وقدر يناله كلّ
مبتلى بالتكليف في الزمان اليسير ، ولا
__________________
يلزم على ذلك تعطيل المصالح الدنيويّة ، ولا نسلّم أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يقنع بمجرد الإقرار ، وإن قنع بذلك في أول وهلة
فلقصد التسليك بالأرفق ، كما قال صلىاللهعليهوآله : علّموا ويسّروا ولا تعسّروا .
وبالجملة
المراد الاستناد في العقائد الدينية إلى ما يثلج به صدر المعتقد من مستندها أمّا
التدقيق والمبالغة في دفع الشبهة المستوعبة للأوقات المتطاولة فذلك إلى أئمة
العرفان. نعم كلّ من عرض له شكّ في عقيدة من الإيمان فالواجب عليه
الاجتهاد في النظر والتوصّل بغاية الوسع في إزالته ، وإن أهمل مع تمسّكه باعتقاد
الحقّ فهو عاص ، وإن أزال الشكّ عقيدته فهو كافر.
المسألة الخامسة
هل إيجاد
العالم لغرض أو لا لغرض حكمي ، فإن كان لغرض كان الباري مستكملا بذلك الغرض ، وإن
كان لغير غرض فهو عبث فكيف التخلّص؟.
الجواب
إيجاد العالم
لغرض حكمي ، وهو كون الإيجاد حسنا والباري يفعل الحسن لحسنه ، وهو الباعث على فعله
لأنّه لو خلا الفعل من حكمة باعثة لكان عبثا ،
__________________
وكان فاعله ناقصا. ولا يلزم من فعل الحسن لحسنه من حيث هو حسن ، لا لإحراز
نفع ، ولا لاستدفاع ضرر ، أن يكون فاعله ناقصا ، لأنّ النقص يستعمل إمّا لناقص في
ذاته أو صفاته أو شرفه أو منزلته ، وكلّ ذلك مرتفع في حقّه. ولا يفعل الحسن لحسنه
إلّا كامل في ذاته وصفته باعث حكمته على فعل ما يطابقها لا لاستفادة كمال لم يكن.
لا يقال : هذا
الفعل إن أفاد كمالا كان الفاعل ناقصا من دونه ، وإن لم يفد كمالا كان وجوده كعدمه.
لأنّا نقول : لا نسلّم أنّه لو لم يفد كمالا كان وجوده كعدمه. وهذا لأنّ الفعل قد
يطلب به الاستكمال ، وقد يبعث عليه الكمال ، فالأوّل يفيد كمالا ، والثاني يدلّ
على الكمال ، وفعل الله سبحانه من القبيل الثاني. وبالجملة فمقدمة الكمال والنقص
خطابيّة يتعلّق بها الضعيف من الأشاعرة والمتفلسفة ، ويدلّ على
كون هذه المقدّمة خطابيّة ، لا بل شعريّة ، زوال استنكارها عند إبدال لفظها بما
يرادفه ، فإنّك لو قلت : الباري يفعل الفعل لحسنه لا ليستفيد به نفعا ولا يدفع به
ضررا لم ينكره العقل.
ثمّ ولو نزلنا
عن ذلك لم نسلّم أنّ الذات يوصف بالنقص ، وهذا لأنّ الحسن حسن لذاته ، وهو سبحانه
عالم بحسنه فإذا خلا من المفاسد فعله ، وإلّا تركه ، فهو كامل في الحالين ، لأنّ
الفعل أو الترك لازم لعلمه ، ولا يقال : بالنظر إلى ذاته لا يكون كاملا وبالنظر
إلى ذلك اللازم يكون كاملا ، لأنّا نقول وما الدليل على استحالة ذلك ، فإنّ للباري
صفات وإضافات باعتبارها يفعل الكمال ، لكن لمّا لم يكن مستفادا من غير ذاته ، ولا
متأخرا عن ذاته لم يزل كاملا ، ولم يجز وصفه بالنقص لمّا لم يكن تلك العوارض
متلقاة عن الغير.
__________________
المسألة السادسة في القبلة
قال : ما ذكر
من التياسر في الاستقبال في كتاب الشرائع الخبر به ضعيف فكيف صار إليه؟ وما معنى التياسر؟ وهل هو
على الاستحباب أو على الوجوب؟
الجواب
لا ريب أنّ
الأخبار الدالّة على ما ذكره ضعيفة لكنّ الشيخ الطوسي رحمهالله ذهب إليه في كتبه واستدلّ عليه في مسائل الخلاف بإجماع الفرقة
وأخبارهم ولعلّ اعتماده على الأخبار مع ضعفها للإجماع عنده عليها أو على مضمونها ،
وصرنا نحن في الكتاب المشار إليه إلى ما اختاره الشيخ رحمهالله لمكان دعواه الإجماع.
وأمّا التياسر
فظاهر كلام الشيخ في كتبه الإيجاب ، لكن الأولى مع القول بأنّ الاستقبال إلى الحرم
أن يقال على الاستحباب.
وأمّا وجه
الحكمة فما رواه المفضّل بن عمر عن أبي عبد الله عليهالسلام حين سأله عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة وعن
السبب فيه ، فقال : إنّ الحجر الأسود لمّا نزل من الجنّة وضع في موضعه وجعلت أنصاب
الحرم حيث يلحقه النور ، وهو عن يمين الكعبة أربعة أميال ، وعن يسارها ثمانية
أميال ، فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حدّ القبلة لقلّة أنصاب الحرم ، وإذا
انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حدّ القبلة لقلّة .
__________________
وهذه الرواية
ضعيفة السند لأنّ المفضّل بن عمر مطعون فيه ، ذكر ذلك النجاشي في كتاب الرجال وغيره فإذا
المعوّل على أنّ الاستقبال إلى جهة الكعبة.
المسألة السابعة
ما تقول في
القراءة هل متابعة الإعراب فيها واجب أم لا ، والنطق فيها بالتشديد في مواضعه هل
هو لازم أو لا؟
الجواب
لما وجبت
القراءة وجبت كيفيّتها ومتابعة التنزيل فيها ، فالإخلال بالإعراب كالإخلال
بالحروف. ويلزم من وجوب تتبّع الإعراب والحروف النطق بالتشديد في مواضعه ، لأنّه
قائم مقام حرف آخر ، فالإخلال به إخلال بحرف من نفس المقرو. وكذلك النطق بالحروف
من مخارجها ، لأنّ نقل مخارجها مستفيض عن علماء العربيّة ، والقرآن عربيّ. وإذا
تعيّن الوجوب لزم بالإخلال عمدا وجهلا مع التمكّن من التعلّم الإعادة ، لأنّه لم
يأت بالقدر المتعلّق بالذمّة ، فيبقى الشغل ، وقضاؤه بانفراده لا يصحّ ، فوجوب
إعادة الصلاة من رأس .
المسألة الثامنة
هل يحل لهاشميّ
أخذ الزكاة من غيرهم وإن حلّ ففي أيّ حال يحلّ.؟
الجواب
لا يحلّ
لهاشميّ أخذ الزكاة الواجبة من غير هاشميّ إلّا مع الضرورة.
وفي تلك
الضرورة خلاف. قال بعض الأصحاب : هي عدم التمكّن من الاكتفاء
__________________
بالأخماس . وقال آخرون : ما يحفظ به الرمق ، وهو الأولى.
ودلّك على ذلك
رواية زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام : لو كان عدل ما احتاج هاشميّ ولا مطّلبي إلى صدقة ، إنّ
الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم. ثمّ قال : إنّ الرجل إذا لم يجد شيئا
حلّت له الميتة ، ولا يحلّ لأحد منهم الصدقة ، إلّا أن لا يجد شيئا ويكون ممّن تحل
له الميتة .
ويقوي هذا أنّ
الزكاة مال لغيرهم ، فلا يتناول منها إلّا كما يتناول من مال الغير عند الضرورة.
ويدلّ على
تحريمها مطلقا ما روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام قالا : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنّ الصدقة أوساخ أيدي الناس وأنّ الله حرم عليّ منها
ومن غيرها ما حرمه ، وإنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلب .
وروي إسماعيل
بن الفضل الهاشميّ عن أبي عبد الله عليهالسلام سألته عن الصدقة التي حرّمت علي بني هاشم ما هي؟ فقال :
هي الزكاة. قلت : فيحلّ صدقة بعضهم على بعض؟ قال : نعم وهذه الأدلّة
تدلّ على التحريم المطلق.
المسألة التاسعة
هل تبرأ ذمّة
الميّت بما يؤدّى عنه من الصلاة والحقوق أم لا؟ ولو مات هل يخرج من أصل التركة أم
لا؟.
__________________
الجواب
نعم تبرأ ذمّة
الميّت بما يؤدّى عنه من الحقوق الماليّة والعباديّة صلاة كانت العبادة أو غيرها ،
لكن لا يخرج من أصل التركة إلّا الدين الماليّ واجرة الحجّ الواجب ، وأمّا الصلاة
فلا يجب إخراجها من أصل التركة ، بل لو أوصى بها الميّت أخرجت من ثلثه. ولو تبرّع
بالقضاء عنه متبرّع قريبا أو بعيدا أو استؤجر عنه صحّ وبرئت ذمّته بالصلاة عنه.
ويدلّ على ذلك
ما رواه الطوسي رحمهالله في كتاب التهذيب عن رجاله عن عمر بن يزيد عن أبي عبد
الله عليهالسلام قلت : يصلّى عن الميت؟ قال : نعم حتّى أنّه يكون في ضيق
فيوسّع الله عليه ، ويقال له : خفّف عنك لصلاة أخيك عنك .
وقال عليهالسلام : من عمل من المسلمين عن الميّت عملا صالحا أضعف له
أجره ونفع الله به الميّت. ذكر ذلك ابن بابويه .
المسألة العاشرة
هل يشترط في
عقد النكاح التلفّظ بالعربيّة بأحد الألفاظ الثلاثة أم يكفي ترجمتها بأيّ لغة
اتّفق؟.
الجواب
التلفّظ بأحد
الألفاظ الثلاثة شرط في صحّة العقد. والألفاظ : زوّجتك وأنكحتك ومتّعتك ، ولا يصحّ
الكناية عنها ولا الترجمة بغير العربيّة إلّا مع التعذّر
__________________
لأنّ النكاح عصمة مستفادة بالشرع فتقف صحتها على ما دلّ الشرع على الانعقاد
به ، وقد عبّر الله سبحانه عن العقد بهذه العبارات الثلاث فيقتصر عليها.
أمّا مع العجز عن النطق بها فيجوز العدول إلى ما يدلّ على معناها وينعقد النكاح
ولو كان إشارة كما في حقّ الأخرس.
والله العاصم
من الزلل ، الهادي إلى أحمد السبل ، والحمد لله وحده وصلاته على سيّدنا محمّد وآله
الطاهرين.
__________________
٧
المسائل
الطّبريّة
وهي تشتمل على ٢٢ مسألة
تأليف
المحقق الحلّي ره
بسم
الله الرحمن الرحيم
أمّا بعد حمد
الله على ما أجزل من عطائه واسبل من غطائه ، والصلاة على سيّدنا محمّد أكرم
أصفيائه وأعظم أنبيائه ، وعلى أفضل خلفائه وأكمل أوصيائه ، وعلى الطاهرين من عترته
وأبنائه.
فإني مجيب عمّا
سأل الإمام الفاضل الكامل ، سديد الدين محمود بن الإمام الكامل زين الدين علي
الخواري أسبغ الله عليه شمول آلائه وعموم نعمائه ، وأمتعنا بطول
بقائه وانتظام علائه ، تابع ترتيبه في إيراد المسائل ، مقتصرا على ألفاظه ، فإنّها
عقائل الفضائل.
المسألة الأولى
__________________
ما قوله في من
باع عقارا من آخر إلى أجل مسمّى وشرط أن يؤدّي الثمن في اليوم الذي ينقضي به الأجل
المضروب وكان عليه أن يردّ ذلك العقار إلى البائع ، فلو أتى البائع بالثمن قبل
حلول الأجل أيجب على المشتري أن يأخذ الثمن ويردّ العقار أم لا؟ وهل هذه الصورة هي
بيع الوفاء الذي هو في الكتب مسطور؟ وهل بينه وبين بيع الخيار فرق؟ وإن شرط
المشتري على البائع أن لا يردّ العقار إلى آخر يوم من الأجل المضروب أيصحّ هذا
الشرط ويجب على البائع أن يصبر إلى ذلك اليوم أم لا؟ فالمسؤول أن يبيّن ذلك بيانا
شافيا غير مقتصرين على مجرّد لا ونعم.
الجواب
يجوز ان يشترط
البائع مدّة لخيار الفسخ وإعادة الثمن بحيث تكون تلك المدّة ظرفا للخيار. ويجوز أن
يعيّن لردّ الثمن واستعادة المبيع وقتا بعينه بحيث يختصّ الخيار بذلك الوقت حسب.
ويدلّ على جواز
الأوّل أنّه بيع يتعلّق به مصلحة المتبائعين ولم يمنع الشرع منه فيجب العمل به
تحصيلا لتلك المصلحة.
وما رواه سعيد
بن يسار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قلت : نبيع على أهل السواد ونؤخّر المال إلى سنة
ونحوها ويكتب لنا الرجل كتابا على داره أو أرضه ونعده إن جاء الثمن إلى وقت بينا
وبينه أن نردّ عليه الشراء ، فإن جاء الوقت ولم يأتنا بالدراهم فهو لنا؟ فقال : أرى
أنّه لك إن لم يفعل ، وإن جاء بالمال للوقت فردّ عليه .
ورواية إسحاق
بن عمّار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : لا بأس بهذا
__________________
إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه .
وهذا يدلّ على
أنّه جعل السنة ظرفا للخيار ، لأنّه جعل نهاية السنة غاية لانقضاء الخيار.
أمّا الصورة
الثانية فهو أن يشترط ردّ الثمن وإعادة الملك في آخر يوم من السنة أو الشهر أو في
العاشر مثلا بحيث لا يكون له ردّ إلّا في ذلك اليوم ، فهو أيضا جائز لأنّه شرط
مباح ليس بمناف لمقتضى الدليل ، فيثبت عملا بقوله صلىاللهعليهوآله : المؤمنون عند شروطهم .
وفي الصورة
الأولى إذا أتى البائع بالثمن في أيّ وقت كان من المدّة وجب على المشتري قبضه منه
وإعادة المبيع ، وفي الثانية لا يجب قبض الثمن ولا الإعادة إلّا في ذلك الوقت
بعينه.
والظاهر أنّ
الصورة الأولى هي المشار إليها في كتب الأصحاب.
المسألة الثانية
ما قولهم في من
سعى بآخر إلى حاكم جائر بأنّ له مالا أو عنده وديعة فأخذها الظالم بسعايته ولم
يتمكّن المظلوم من مطالبة الظالم ، أله إلزام الساعي بماله أم لا؟ وإن تمكّن من
مطالبة الظالم أيكون مخيّرا في مطالبة أيّهما شاء؟ وهل بين كون الظالم كافرا أو مسلما
فرق؟
الجواب
لا يضمن الساعي
المال ، بل ضمانه مختصّ بالظالم القابض له ، لأنّه مباشر غصبه وعلى اليد ما أخذت ولا فرق في
ذلك بين كون الظالم كافرا أو مسلما ، لأنّ سبب الضمان فيهما واحد ، وهو القبض
عدوانا.
__________________
المسألة الثالثة
إذا اشترك
اثنان في إتلاف بهيمة لثالث ، أو في التصرّف فيها بغير إذنه فتلفت ، ألصاحبها أن
يطالب كلّ واحد منهما بنصف الثمن أو يطالب أحدهما بزيادة عن الآخر ، أو يطالب
أيّهما شاء بتمام الثمن؟.
الجواب
أمّا إذا
أتلفاها فالضمان عليهما بالسويّة ، وليس له مطالبة أحدهما بالثمن تامّا ، ولا مطالبة
أحدهما بزيادة عن الآخر ، لأنّ الإتلاف سبب الضمان ، وقد اتّفقا فيه ، فيلزم
التساوي في لازمة. أمّا لو تصرّفا فيها من غير إذن المالك فتلفت في يدهما
بجنايتهما أو بجناية ثالث أو بسبب من قبل الله سبحانه ، فللمالك إلزامهما بثمن
واحد ، وله إلزام كلّ واحد منهما. أمّا إلزامهما فلتساويهما في سبب الضمان ، وأمّا
إلزام من شاء منهما بجملة الثمن فلأنّ الغصبية سبب في الضمان وهي متحقّقة من كلّ
واحد منهما ، فيتعلّق به الضمان. ثمّ إن أخذ منهما فلا بحث ، وإن أخذ من أحدهما
جملة الثمن رجع المأخوذ منه على الآخر بالنصف ، كما لو انفرد أحدهما بالغصب ، ثمّ
غصبه الآخر وأتلف ، فإنّ الأوّل لو غرم لصاحبها رجع على الآخر.
المسألة الرابعة
إذا اشترى
المغصوب مع علمه بذلك فقد أورد الأصحاب في الكتب إذا أخذ المغصوب لم يرجع المشتري
على الغاصب ، فهل يحلّ للغاصب ما أخذ أم يجب ردّه على المشتري؟.
الجواب
لا يحلّ للغاصب
التصرّف فيه ولا يملكه ويجب ردّه على المشتري. أمّا أنّه لا يحلّ فلقوله تعالى ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْباطِلِ ) ولما رواه سليمان
__________________
ابن قيس الهلالي عن علي عليهالسلام : من تناول الدنيا من غير حلّها هلك ولقول العسكري
عليهالسلام : لا خير في شيء أصله حرام ولا يحلّ استعماله .
وأمّا أنّه يجب
ردّه مع بقاء عينه إذا استعاد المغصوب منهن العين المغصوبة والتمس المشتري ، فلأنّ
العقد لم يفد الملك ، لأنّه فاسد فيبقى على ملك المشتري ، فيكون له انتزاعه ، لقوله
عليهالسلام : الناس مسلّطون على أموالهم ، ولقوله عليهالسلام : لا يحلّ مال امرء مسلم إلّا عن طيب نفس منه ، ولقوله عليهالسلام : المسلم حرام كلّه ماله ودمه وعرضه .
لا يقال : علم
المشتري بالغصبيّة مع ابتياعه له إباحة لثمنه ، لأنّا نمنع الملازمة بأن نقول : التسليم
ليس على الإطلاق ، بل في مقابلة العوض المحرم. لأنّ مشتري الخمر مع معرفته
بالتحريم لا يكون مبيحا للثمن ، وكذا لك كلّ محرّم مع علم المشتري بتحريمه.
ولو قيل : لو
كان تصرّف البائع في الثمن حراما لكان للمشتري الرجوع فيه لأجبنا من وجهين :
أحدهما وهو
الحقّ : التزام ذلك ، فإنّ الدلالة على المنع من استعادة الثمن مفقودة. والذي ينكر
هذا من الأصحاب اثنان أو ثلاثة مجرّدين ما ذكروه من حجّة عقليّة أو نقليّة ، ومع
خلوّ ذلك من الحجّة من النقل عن الأئمة يكون التمسّك به مجازفة ، فالتمسك بما
يقتضيه الأصل أولى من اتّباع الواحد أو الخمسة من
__________________
الأصحاب من غير وقوف على الحجّة.
الثاني لو
سلّمنا جدلا أنّه لا يرتجع ، لم يلزم الإباحة ، لاحتمال أن يكون المنع من استعادة
الثمن عقوبة للمشتري ، وهذا إن ثبتت حجّة بالمنع من الاستعادة.
ثمّ نقول : المنع
من استعادة الثمن التالف في يد البائع الغاصب بعد استعادة العين المغصوبة ، لا
يقتضي المنع من استعادته مع بقائه ، فلعلّ المنع مع تلفه بمعنى أنّ المالك إذا
ارتجع العين المغصوبة من المشتري ، لم يلزم البائع إعادة العوض عن الثمن بعد تلفه
، لأنّه قبضه عن إذن المالك ، أمّا إن كانت العين قائمة فللمشتري انتزاعها ، لأنّها
عين ماله.
المسألة الخامسة
للمرأة أن نمنع
عن الزوج قبل الدخول حتّى تقبض مهرها كملا ، فإذا انقضت مدّة في الامتناع أيجب على
الزوج النفقة لها في تلك المدّة أم لا؟.
الجواب
في هذه المسألة
خلاف فأكثر الأصحاب على أنّ لها أن تمنع حتّى تقبض مهرها. وقال الشيخ أبو جعفر
الطوسي رحمهالله في المبسوط : ينصب عدل ويؤمر الزوج بتسليم المهر إليه
فإذا سلّمه أمرها بتسليم نفسها . والقول الأول أظهر .
فعلى الأوّل إن
كان الزوج موسرا لم تسقط نفقتها لأنّ دفع المهر واجب
__________________
عليه وهو مليء فتكون هي ممكّنة من نفسها ، لأنّها علّقت التسليم على
أداء ما هو واجب عليه وهو متمكّن منه ، فيكون الإخلال بالاستمتاع من طرفه لا من
طرفها ، فلا تسقط نفقتها. وإن كان عاجزا عن المهر فلا نفقة لأنّها غير ممكّنة
ووجوب النفقة مشروط بالتمكين.
وعلى القول
الثاني إن امتنع من تسليمه الى العدل مع القدرة فلها النفقة لأنّ منع الاستمتاع
منه ، وإن سلّم فامتنعت حتّى تقبض فلا نفقة لها لأنّها ناشز.
المسألة السادسة
أورد الأصحاب
أنّه يجب لكلّ طواف ركعتان ، ثمّ قالوا : إن فعل الطائف أشواط ثمانية ، ثمّ ذكر
أضاف إليها ستّة اخرى ، ليكون له طوفان. فكيف هذا؟ وعليه لكلّ طواف ركعتان أيصلّي
بعد ذلك أربع ركعات أم ركعتين أم يسقط عنه .
الجواب
العمل على أنّ
الزيادة في الطواف الواجب عمدا يبطله وسهوا لا يبطله ، فإذا طاف ثمانية أشواط سهوا
أتمّها بستّة فإذا أكمل أربعة عشر فهو بالخيار ، إن شاء صلّى أربع ركعات ، لكلّ
طواف ركعتان ، وإن شاء صلّى ركعتين للطواف الأوّل ، ثمّ يسعى ، فإذا أكمل سعيه رجع
إلى المقام ، فصلّى فيه ركعتين للطواف الثاني.
يدلّ على
الأوّل رواية أبي كهمس قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط ، قال : إن ذكر قبل أن
يأتي الركن فليقطعه وقد أجزأ عنه ، وإن لم يذكر حتّى يبلغه فليتمّ أربعة عشر شوطا
، وليصلّ أربع
__________________
ركعات . ومثله روى معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إنّ عليّا طاف ثمانية فزاد ستّة ثمّ ركع أربع
ركعات .
ويدلّ على
الثاني رواية زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : إنّ عليّا عليهالسلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة وبنى على واحد ، وأضاف
إليه ستّة ، ثمّ صلّى ركعتين خلف المقام ، ثمّ خرج إلى الصفا والمروة ، فلمّا فرغ
من السعي بينهما رجع فصلّى ركعتين . والعمل على الأخيرة أولى لأنّ فيها تفصيلا.
المسألة السابعة
إذا كانت
الزكاة إنّما تجب بعد إخراج المئونات ، فأيّ فرق بين ما يسقى بالقرب والدوالي وما
يسقى بالسيح؟ ولم قيل هناك نصف العشر وهنا العشر؟ مع أنّهما بعد إخراج مؤن القروب
والدوالي متساويان. هل لنا إلى الفرق سبيل سوى النصّ الظاهر؟.
الجواب
لا ريب أنّ
مستند الفرق النصوص الشرعيّة لكنّ الحكمة فيه أنّ التخفيف يلزم مواضع الكلفة ، فإنّ
إخراج مئونة النواضح لا يزيل كلفة ما يبذل لإصلاحها وما يتعلّق بها ، وذلك مشقّة
ينفرد بها صاحب الناضح ، فيكون التخفيف في قدر الواجب في النصاب لما يتحمّله صاحب
الناضح من كلفة البذل وتولّي الإصلاح والاحتياج إلى المساعدين الذين لا يحتاج
إليهم في السائح
__________________
وشبهه.
المسألة الثامنة
هل يحرم على
الجنب والحائض قراءة السور الأربع التي فيها العزائم ، أو يحرم عليهما قراءة موضع
السجود؟ فإنّ كلام المرتضى رحمهالله يفوح منه أنّ المحرّم عليهما قراءة موضع السجدات ، وكلام
غيره على الإطلاق.
الجواب
أمّا فتوى
الأصحاب فصريحة بتحريم قراءة السور بأجمعها.
قال المفيد رحمهالله في المقنعة : لا بأس أن يقرأ من القرآن ما شاء بينه
وبين سبع آيات إلّا أربع سور منه فإنّه لا يقرؤها حتّى يتطهّر .
وقال في كتاب
الإعلام فيما يحلّ للحائض والنفساء والجنب : اتّفقت الإماميّة على أنّ لمن ذكرنا
أن يقرأ من القرآن ما شاء بينه وبين سبع آيات سوى أربع سور ، فإنّه لا يجوز أن
يقرأ منها شيئا إلّا وهو على خلاف حاله من الحدث وانتقاله إلى الطهارة ، وهي سورة
لقمان وحم السجدة والنجم واقرأ باسم ربك .
وقال المرتضى
في المصباح : وله أن يقرأ من القرآن ما شاء إلّا السور
__________________
الأربع التي تتضمّن عزائم السجود .
وهذا صريح
بالمنع من السور أجمع. وكلّ موضع يكون لفظه محتملا يحمل على هذا.
المسألة التاسعة
إذا ألجأه ظالم
إلى الخروج إلى السفر بأن قيّده أو أسره أو هدّده بالقتل فخرج معه ، هل عليه قصر
الصلاة والصيام أم لا؟ وهل فرق بين ذلك وبين ما أمره بالخروج إلى البلد الفلاني
لقضاء حاجة له ، والمسافة مسافة التقصير ، فإنّه قد قيل : هذا يجب عليه التقصير ، لوجوب
الخروج دفعا للمضرّة ، أمّا هناك فإنّه غير مختار للسفر ، أعليه التقصير في ذلك أم
لا؟.
الجواب
نعم يجب عليه
التقصير في كلّ واحد من الفريضين وليس بينهما فرق في وجوب القصر. لكن يشترط في
الأوّل أن يعلم أو يغلب في ظنّه أنّ المقيّد له قاصد مسافة وأنّه لا يمكّنه من
المفارقة ، ولو لم يحصل ذلك في نفسه وجوّز إطلاقه من دون المسافة أو أمّل هو
الفرار فإنّه لا يجوز القصر على هذا التقدير ولو تطاول به السفر ، لأنّ من شرط
التقصير نيّة المسافة ، وكانت حاله مع الشكّ جارية مجرى من تبع عبدا آبقا أو بعيرا
شاردا.
المسألة العاشرة
إذا كان الطريق
مخوفا وخروج إلى بعض مشاهدة الأئمة عليهمالسلام أو الحجّ هل عليه الإتمام أو القصر؟ وهل يسمّى ذلك سفر
معصية أم يعتبر ذلك بعزم المسافر وقصده ، فإنّه إن قصد الطاعة في ذلك السفر كان
سفر طاعة ، وإن كان قصد المعصية كان سفر معصية ، أم يعتبر كلا الأمرين يعني أن
يقصد الطاعة وأن
__________________
يكون الطريق غير مخوف حتّى يكون السفر طاعة؟
الجواب
لا يجوز السفر
مع ظهور أمارة الخوف مثل الخوف من القتل أو الجراح أو نهب الأموال والأزواد التي
يخشى بتلفها العطب. ولو سافر والحال هذه كان عاصيا وكان السفر معصية ولم يجز له
الترخص بالتقصير وإن قصد الطاعة ، بل يخرج السفر بذلك عن كونه طاعة ولا يصحّ قصد
التطوّع به.
والتحرز من
الضرر المظنون واجب فكيف ما يعلم ، فإذا لا يخلص السفر من كونه معصية إلّا مع غلبة
الظنّ بالأمن أو تجويزه تجويزا غير مرجوح.
أمّا كونه طاعة
فليس شرطا في التقصير ، بل يكفي بكونه مباحا ليس بقبيح.
المسألة الحادية عشرة
الفقراء الشيعة
والعلويّين عند مساس حاجتهم أن يأخذوا من سهم الامام قدر حاجتهم؟ أفتونا في ذلك
مشبعين الكلام فيه.
الجواب
مقتضى الدليل
تحريم ذلك لأنّه تصرّف في مال الغير وهو منهيّ عقلا وشرعا.
وروى أبو بصير
عن أبي جعفر عليهالسلام قال : سمعته يقول : من اشترى شيئا من الخمس لم يعذره
الله اشترى ما لا يحلّ له .
لكن ترك العمل
بالظواهر المانعة من التصرّف في مال الغير بما روي من إباحة المناكح والمتاجر
والميراث . ومعنى المناكح أن يشتري الإنسان أمة أو
__________________
يتزوّجها وفيها الخمس أو هي للإمام بتقدير أن يغنمها الغازون بغير إذنه على
ما روي ، فإنّه يحلّ للمؤمن وطؤها وإن لم يؤدّ خمسها لتطيب
مناكحهم. أمّا أوّلا فباتّفاق الأصحاب. وأمّا ثانيا فبما روى أبو خديجة عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : سأله رجل عن الفروج فقلت : إنّما يسألك خادما
يشتريها أو امرأة يتزوّجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة فقال : هذا لشيعتنا حلال
الشاهد منهم والغائب الميّت والحيّ ومن لم يولد منهم إلى يوم القيامة ، فهو لهم
حلال. أما والله لا يحلّ إلّا لمن أحللنا له . لا يقال : قد ورد ما يعارض ذلك مثل قوله : ما أنصفناكم
إن كلّفناكم ذلك اليوم .
والجواب
:
الترجيح بجانب
الحظر عملا بالأدلّة القاطعة القرآنية والعقليّة المانعة من التصرّف في مال الغير
إلّا برضا منه.
أو يحمل الإذن
على ما وقع الاتّفاق عليه وهي المناكح والمتاجر والميراث.
ولو ضويقنا قلنا
: الإذن في الأخبار التي تشيرون إليها مختصّ بإذن ذلك الإمام في ذلك الوقت
تمسّكا بظاهرها.
وأما فقراء
الهاشميّين المستحقين للخمس فإذا لم يحصل لهم قدر الكفاية من مستحقّهم جاز أن يتمّ
لهم. وهذا اختيار الشيخ المفيد رحمهالله في الرسالة
__________________
العزيّة وأمّا الأكثرون فقالوا بالمنع.
ويدلّ على ما
اخترناه رواية حمّاد بن عيسى قال : رواه لي بعض أصحابنا ذكره عن العبد الصالح ـ وساق
الحديث إلى قوله ـ : يقسم الوالي بينهم على الكفاية والسعة ما يستغنون به في سنتهم
، فإن فضل منهم شيء فهو للوالي ، وإن عجز كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما
يستغنون به ، وإنّما صار عليه أن يمونهم لأنّ له ما فضل عنهم .
وعند هذا أقول
: إذا ثبت وجوب الإتمام على الوالي فعند عدمه يتولّاه الحاكم عنه بطريق النيابة ، لأنّه
حقّ واجب في ماله فصحّت النيابة في إخراجه.
المسألة الثانية عشرة
لا يجوز لنا أن
نشتري سبي الظلمة ، فلو وقع في أيدينا من ذراري مستحقّ السبي إمّا بأن ألجأتنا
الظلمة إلى الخروج معهم إلى إغارة على من يستحقّ السبي ومحاربتهم أو حاربناهم على وجه الدفع
عنّا ، أنملكهم حينئذ ، وهل لنا أن نسبيهم وننتفع بهم وبأموالهم؟
الجواب
نعم يجوز
الانتفاع بأموال أهل الحرب وسبي ذراريهم وتملّكهم كيف أمكن وصول ذلك إلينا إلّا في
زمان المهادنة ، لأنّهم في الحقيقة فيء لنا ، فتوصّل المسلم إلى تملّكهم كتوصّله
إلى الأشياء المباحة في الأصل مثل الكلإ والماء.
المسألة الثالثة عشرة
إذا كان على
الإنسان دين وليس له ما يقضي به ذلك الدين أيجب عليه
__________________
كسب ما يقضي به ذلك الدين أم لا؟.
الجواب
لا يجب عليه
اكتساب ما يقضي به الدين ، بل يستحب.
أمّا أنّه لا
يجب فلأنّ وجوب قضاء الدين مشروط بالتمكّن منه ، فلا يجب عليه تحصيل شرط الوجوب
كما لا يجب عليه اكتساب النصاب للزكاة ولا اكتساب الزاد والراحلة للحجّ وإنّما يجب
عليه تحصيل ما لا يتمّ الواجب الذي استقرّ وجوبه ووقف إيقاعه على ذلك الشرط
كالطهارة للصلاة.
وأمّا أنّه
يستحب فلأنّه سعى لتفريغ الذمّة من الاشتغال بمال الغير .
المسألة الرابعة عشرة
إذا جرحه مكلّف
بحيث أشرف بذلك على الهلاكة ، إله أن يهب حقّ الدية والقصاص منه أم لا؟ وإن وهب
ومات بذلك الجرح هل للورثة المطالبة بذلك أم لا؟ وكذا لو أوصى أن لا يطالب بالدية
أو القصاص للورثة مطالبة ذلك القاتل أم لا؟ وإن لم يكن لهم ذلك أتعتبر الدية من
الثلث أم لا؟.
الجواب
نعم تصحّ هبة
القصاص ودية الجرح والنفس ويكون ذلك إبراء ، لأنّه حقّ ثابت للمجنيّ عليه. ولو مات
من الجرح بعد هبة دية الجرح أو قصاصه كان للوارث إن كان عمدا أن
يقبض في النفس خاصّة بعد أن يدفع إلى الجارح دية الجرح الذي أبرأه الميّت منه ، وليس
للورثة المطالبة بقصاص الجرح ولابديته مع إبراء المجروح للجارح. ولو أوصى له بذلك
صحّت الوصيّة واعتبرت الدية
__________________
من الثلث ، ولم يكن للوارث في ذلك اعتراض.
المسألة الخامسة عشرة
إذا لم يعلم
أنّ عليه قضاء صلاة واجبة وتوضّأ قبل الوقت بنيّة الوجوب ، جاهلا بأنّ ذلك لا يجوز
، وخرج الوقت ، فعلم أنّه كان عليه القضاء وعلم أنّ الوضوء قبل الوقت بدون أن يكون
عليه القضاء لا يصحّ ، أيجب عليه إعادة تلك الصلاة ولو كان عليه القضاء لكنّه لم
يعلم ذلك ، كان فرضه أن يتوضأ بعد دخول الوقت بنيّة الوجوب لا قبله ، أم
لا يجب عليه قضاء ذلك. وإن استمرّت عادته عشر سنين بأنّه كان يتوضّأ للصلاة
الواجبة الموقّتة قبل وقتها وينوي الوجوب ولم يكن عليه في الظاهر قضاء جاهلا بأنّ
ذلك لا يجوز مع أنّه كان قادرا على أن يعرف ذلك فنبّه عليه أيجب عليه قضاء تلك
الصلوات كلّها أم لا يجب إلّا قضاء أوّل صلاة صلّاها ويصح الباقي؟
الجواب
الذي ظهر لي أن
نيّة الوجوب أو الندب ليست شرطا في صحّة الطهارة ، وإنّما يفتقر الوضوء إلى نيّة
التقرّب وهو اختيار الشيخ أبي جعفر الطوسي رحمهالله في النهاية ونية الدخول به في الصلاة وهو اختيار السيّد المرتضى . وأنّ الإخلال
بنيّة الوجوب ليس مؤثّرا في بطلان ، ولا إضافتها مضرّة ولو كانت غير مطابقة لحال
الوضوء في وجوبه وندبه. وما يقوله المتكلّمون من أنّ الإرادة تؤثّر في حسن الفعل
وقبحه ، وإذا نوى الوجوب والوضوء مندوب فقد قصد إيقاع الفعل على غير وجهه كلام شعري
ولو كان له حقيقة لكان الناوي مخطئا في نيّته ،
__________________
ولم تكن النيّة مخرجة للوضوء عن التقرّب به ، ولا عن القصد به للاستباحة ، فإذا
تسقط تلك الفروع كلّها ، وتصحّ الصلوات بتلك الطهارات على التقديرات.
المسألة السادسة عشرة
لو احتلم ضحوة
نهار في رمضان ولم يغتسل من جنابته الى الليل هل يجب عليه قضاء ذلك اليوم أم لا؟
الجواب
لا يجب عليه
القضاء ، لأنّ الاحتلام غير مقصود فلم يؤثر في الصوم ، والبقاء على الجنابة بعد
انعقاد الصوم غير مؤثر فيه ، عملا بالأصل.
المسألة السابعة عشرة
هل تجوز هبة أم
الولد أم لا؟
الجواب
لا تجوز هبة
أمّ الولد ولا الوصيّة بها ولا غير ذلك من وجوه الانتقالات ما دام ولدها باقيا
إلّا كما قبل في ثمن رقبتها إذا لم يكن له وفاء إلّا منها. ووجه
المنع إجماع المسلمين أنّه لا خلاف فيهم فيه. ولو جاز هبتها لجاز للمستوهب
بيعها وهو منفيّ بالاتّفاق.
المسألة الثامنة عشرة
كيف حكم الشكّ
في صلاة الآيات؟ وهل هي عشرة ركعات أم ركعتان؟
__________________
الجواب
اعلم أنّ
الركعة مقولة بالاشتراك على المرّة الواحدة من الركوع كالجلسة لواحدة الجلوس
والركبة لواحدة الركوب ، وعلى مجموع الركوع والسجود ، وليس من البعيد أن يقع الشيء
الواحد بالاشتراك على المركّب وعلى بعض أجزائه. ويدلّك على أنّ الركوع في صلاة
الآيات والكسوف يسمّى ركعة وجود ذلك في كتب فقهائنا عدا بعض
المتأخّرين ، ولا عبرة بانفراده.
ويدلّ أيضا على
تسمية الركوع من صلاة الكسوف والآيات ركعة رواية زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر
عليهالسلام قالا : سألناه عن صلاة الكسوف كم هي ركعة؟ فقال : عشر
ركعات .
وعن أبي بصير
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : صلاة الكسوف عشر ركعات بأربع سجدات .
ومثله روى ابن
أذينة عن رهط عنهما عليهماالسلام قالا : الكسوف عشر ركعات بأربع سجدات .
وقال المرتضى رضياللهعنه : وقد قال الناصر : صلاة الكسوف عشر ركوعات وقال
المرتضى رضياللهعنه : عندنا أنّها عشر ركعات . فخالفه
__________________
في العبارة ، وهذا يدلّك على تسمية الركوع الواحد ركعة.
أمّا الشكّ فإن
كان بين الركعة الأولى المشتملة على خمس ركوعات وبين الثانية المشتملة على الأربع بطلت الصلاة ،
لأنّ الركعتين لا تحتملان السهو كصلاة الصبح والسفر ، أمّا لو كان الشكّ في الركوع
الواحد وإن سمّي ركعة فإن كان شكه في محلّه لم ينتقل إلى القراءة أتى به ، وإن كان
انتقل ولو إلى القراءة وشكّ بنى على أنّه أتى به ، ولم يؤثّر الشكّ كما قلنا في
الشكّ كما قلنا في الركوع في الفرائض الخمس .
المسألة التاسعة عشرة
إذا كان على
الموروث دين وكان بعض الورثة حاضرا أو كانوا حاضرين ، وتصدّى بعضهم لجواب الغريم ،
فصالحه على عقار يساوي الدين ، وحكم القاضي بذلك وأثبت صحّته ومضت على ذلك مدّة
بعد علم باقي الورثة بذلك ، وسكوتهم تلك المدّة ، ألهم أن يقولوا نحن ننقد الدين
من أموالنا ولا نرضى تلك الصلحة وهل لهم أن يطالبوا بالعقار والارتفاعات من حاصله؟
الجواب
نعم إذا كان
العقار ممّا لباقي الورثة فيه حصّة كان لكلّ منهم أن يطالب بحصّته منه عدا المصالح
، وأن يطالبوا بالنماء الحاصل منه ، لأنّ الصلح لا يمضي على الساكت وإن حضر ، ولا
يمضي حكم القاضي عليهم ولو تطاولت المدّة ، إلّا أن يكونوا امتنعوا من تسليم الدين
فقضى القاضي للغريم فإنّه يمضي عليهم باعتبار حكم الحاكم لا باعتبار صلح المصالح.
__________________
المسألة العشرون
المعتبر في
النيّة استحضار صورة الألفاظ المذكورة في الكتب في الذهن أم استحضار العلم
بمعانيها والقصد إلى ذلك؟ مثلا يعتبر استحضار أمور أربعة : تعيين تلك الصلاة ، والوجوب
، والأداء ، والقربة ، سواء تقدّمت تلك المعاني أو تأخّرت في الاستحضار في الذهن
أم المعتبر استحضار صورة تلك الألفاظ مرتّبة؟ ولو ذكر الألفاظ المذكورة في الكتب
باللسان مع استحضار معانيها في الذهن قاصدا إلى ذلك أيصحّ أم لا؟
الجواب
المعتبر
استحضار المعاني الأربعة لا الألفاظ ، وهو أن تقصد الصلاة المعيّنة وتستحضر كونها
واجبة وكذا الباقي. ولا عبرة باللفظ. ولا بدّ أن يكون ذلك الاستحضار حاصلا بالفعل
عند النطق بتكبيرة الإحرام. ولو ذكر الألفاظ بلسانه وكانت معانيها حاضرة في ذهنه
جاز ، بشرط أن تكون تلك المعاني مستمرّة الحضور في الذهن عند التلفظ بتكبيرة
الإحرام لم يذهل عنها .
المسألة الحادية والعشرون
قولهم : إذا
بعدت المسافة بين بلدين في رؤية الهلال فلكلّ بلد حكم نفسه. فنقول : إذا رئي
الهلال في البلد الشرقي الشاسع من بلدك القريب منه عرضا بحيث يكون غروب الشمس في بلدك
بعد ساعة من غروبها في ذلك البلد الشرقي فبالضرورة أنّ القمر يبعد عن الشمس تلك
الساعة ثلاثين دقيقة أو أقلّ أو أكثر ، فإذا رئي الهلال في البلد الشرقي فبالضرورة
يجب أن يرى في بلدتك إذا لم يكن ثمّ مانع. فكيف أطلقوا القول بأنّ لكلّ بلد حكم
نفسه؟
__________________
الجواب
لا نقول إنّ
لكلّ بلد حكم نفسه مطلقا ، وكيف؟ والمرويّ عن الأئمة عليهمالسلام أنّه يجب الصوم إذا شهد عدلان يدخلان ويخرجان من مصر .
لكن قد يقال : إذا
كانت البلدان التي رئي فيها متقاربة بحيث لو كانت السماء مصحية والموانع مرتفعة
لرئي في ذلك البلد أيضا لاتّفاق عروضها وتقاربها مثل بغداد وواسط والكوفة وتكريت
والموصل. هكذا ذكر شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمهالله في المبسوط .
وهذا يدلّك على
أنّ مع العلم بأنّه متى أهلّ في بلد يعلم أنّه مع ارتفاع المانع يجب أن يرى في
الآخر كانت الرؤية فيه رؤية لذلك الآخر.
أمّا إذا
تباعدت البلدان تباعدا يزول معه هذا العلم فإنّه لا يجب أن يحكم لها بحكم واحد في
الأهلّة ، لأنّ تساوي عروضها لا يعلم إلّا من أصحاب الإرصاد وأرباب النجوم ، وهو
طريق غير معلوم ، ولا يحصل به الوثوق فلهذا لا يعمل به.
المسألة الثانية والعشرون
الكافر إذا باشر
الخمر بجسمه ثمّ صار خلّا أيكون طاهرا أم لا؟ وإذا مزجت الخمر بالخلّ ما حكمه؟ وما
ذكره ابن إدريس أعليه معوّل أم لا؟
الجواب
الأقرب أنّه لا
تطهر بالاتّفاق والحال هذه ، لأنّ نجاسة الكافر أغلظ في الحكم من نجاسة الخمر ، لأنّ
العصير إذا نجس بأن صار خمرا ثمّ انقلب خلا
__________________
طهر ، ولا كذا لو نجس العصير بملاقاة الكافر ثمّ صار خلّا ، فإنّه ، لا
يطهر. فعرف أنّ الانقلاب يطهّر النجاسة الخمريّة ولا يطهّر النجاسة الحاصلة
بمباشرة الكافر. وقد ثبت بالدليل أنّ الانقلاب إلى الخلّية مطهّر من النجاسة
الخمريّة إجماعا فيكون ما عدا النجاسة الخمريّة باقية. والخمر إذا مزج بالخلّ لم
يطهر وهو قول علم الهدى ذكره في الانتصار لأنّ عند ملاقاة الخمر الخلّ ينجس الخلّ قبل انقلاب ما
لاقاه من الخمر فتستقرّ فيه النجاسة ، لأنّه لم تعرض له حالة مطهّرة.
وقال الشيخ أبو
جعفر الطوسي رحمهالله في النهاية والتهذيب : إذا وقع شيء من الخمر في الخلّ
لم يحلّ ذلك الخلّ حتى يعزل من تلك الخمرة شيء وإذا صارت خلّا طهر حينئذ ذلك
الخلّ .
وهو ضعيف
للعلّة التي ذكرناها ، ولأنّه إذا حكم بنجاسة الخلّ بالملاقاة ولم يطهّره باستحالة
ما وقع فيه إلى الخلّية ، لم يكن لتطهيره بانقلاب الخمر الخارجة عنه وجه.
وفي رواية عبد
العزيز بن المهتدي عن الرضا عليهالسلام قال : كتبت إليه : جعلت فداك العصير يصير خمرا فيصبّ
عليه الخلّ أو شيء منه يغيره حتّى يتميّز خلّا قال : لا بأس به .
فتناولها الشيخ
رحمهالله وأمثالها بالتأويل الذي ذكره .
__________________
والرواية ضعيفة
السند ، وهي مكاتبة ، ولا تعطي الوثوق. ثمّ إنّا نطالبه بصحّة التأويل فإنّه لم
يذكر على ذلك شاهدا بل ذكره مجرّدا عن مستند ، فإذا العمل بما ذكره عليم الهدى رحمهالله أولى.
وحسبنا الله
ونعم الوكيل.
__________________
٨
رسالة تياسر
القبلة
تأليف
المحقق الحلّي ره
بسم
الله الرحمن الرحيم
جرى في أثناء
فوائد المولى الأعظم أفضل علماء الإسلام وأكمل فضلاء الأنام نصير الدنيا والدين
محمّد بن محمّد بن الحسن الطوسي ـ أيّد الله بهمّته العالية قواعد الدين ووطّد أركانه
ومهّد بمباحثه السامية عقائد الايمان وشيد بنيانه ـ إشكال على التياسر ،
وحكايته :
إنّ الأمر
بالتياسر لأهل العراق لا يتحقّق معناه ، لأنّ التياسر أمر إضافي لا يتحقق إلّا
بإضافته إلى صاحب يسار متوجّه إلى جهة ، وحينئذ إمّا أن تكون الجهة المحصّلة وإمّا
أن لا تكون ، ويلزم من الأوّل التياسر عمّا وجب التوجّه إليه ، وهو خلاف مدلول
الآية ومن الثاني عدم إمكان التياسر ، إذ تحقّقه موقوف على تحقّق الجهة التي
يتياسر عنها.
ثمّ يلزم مع
تحقّق هذا الاشكال تنزيل التياسر على التأويل أو التوقّف فيه حتّى يوضحه الدليل.
__________________
وهذا الإشكال
ممّا لم تقع عليه الخواطر ولا تنبّه له الأوائل ولا الأواخر ولا كشف عن مكنونه
الغطاء ، لكنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.
وفرض من يقف
على فوائد هذا المولى الأعظم من علماء الأنام أن يبسطوا له يد الانقياد والاستسلام
وأن يكون قصاراهم التقاط ما يصدر عنه من جواهر الكلام ، فإنّها شفاء الأنفس وجلاء
الأفهام ، غير أنه ظاهر الله جلاله ولا أعدم أولياءه فضله وإفضاله سوّغ لي الدخول
في هذا الباب وأذن لي أن أورد ما يخطر في الجواب ما يكون صوابا أو مقاربا للصواب ، فأقول ممتثلا
لأمره مشتملا ملابس صفحة وعفوه : إنّه ينبغي أن تتقدّم ذلك مقدمة تشتمل على بحثين
:
الأول لفقهائنا
قولان : أحدهما أنّ الكعبة قبلة لمن كان في الحرم ومن خرج عنه ، والتوجه إليها متعيّن
على التقديرات فعلى هذا لا يتياسر أصلا.
والثاني أنّها
قبلة لمن كان في المسجد ، والمسجد قبلة لمن كان في الحرم ، والحرم قبلة لمن خرج
عنه. وتوجّه المصلّي على قول هذا القائل من الآفاق ليس إلى الكعبة حتّى أنّ
استقبال الكعبة في الصف المستقيم المتطاول متعذر عنده لأنّ عنده جهة كلّ واحد من
المصلّين غير جهة الآخر ، إذ لو خرج من وجه كلّ واحد منهم خطّ مواز للخطّ الخارج
من وجه الآخر لخرج بعض تلك الخطوط عن ملاقاة الكعبة فحينئذ يسقط اعتبار الكعبة
بانفرادها في الاستقبال ويعود الاستقبال مختصّا باستقبال ما اتّفق من الحرم.
لا يقال : هذا
باطل بقوله تعالى ( فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ )
__________________
وبأنّه لو كان كذا لجاز لمن وقف على طرف الحرم في جهة الحلّ أن يعدل عن
الكعبة إلى استقبال بعض الحرم.
لأنّا نجيب عن
الأوّل بأنّ المسجد قد يطلق على الحرم كما روي في تأويل قوله تعالى ( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً
مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) وقد ورد أنّه كان في بيت أمّ هاني بنت أبي طالب وهو
خارج عن المسجد .
ولأنّا نتكلّم
على التياسر المبنيّ على قول من يقول بذلك.
ونجيب عن
الثاني بأنّ استقبال جهة الكعبة متعيّن لمن تيقّنها ، وإنّما يقتصر على الحرم من
تعذّر عليه التيقن بجهتها ، ثمّ لو ضويقنا جاز أن نلتزم ذلك تمسكا بظاهر الرواية .
البحث الثاني :
من شاهد الكعبة استقبل ما شاء منها ولا تياسر عليه وكذا من تيقّن جهتها على
التعيين ، أمّا من فقد القسمين فعليه البناء على العلامات المنصوبة للقبلة ، لكن
محاذاة كلّ علامة من العلامات بالعضو المختص بها من المصلّي ليس يوجب محاذاة
القبلة بوجهه تحقيقا ، إذ قد يتوهّم المحاذاة ويكون منحرفا عن السمت انحرافا خفيفا
، خصوصا عند مقابلة الشيء الصغير.
إذا تقرّر ذلك
رجعنا إلى جواب الإشكال ، أمّا كون التياسر أمرا إضافيّا لا يتحقّق إلّا بالمضاف
إليه فلا ريب فيه ، وأمّا كون الجهة أمّا محصّلة أو غير محصّلة
__________________
فالوجه أنّها محصّلة ، وبيان ذلك أنّ الشرع نصب علامات أوجب محاذاة كلّ
واحدة منها بشيء من أعضاء المصلّي ، بحيث تكون الجهة المقابلة لوجهه حال محاذاة
تلك العلامة هي جهة الاستقبال ، فالتياسر حينئذ يكون عن تلك الجهة المقابلة لوجه
المصلّي.
وأمّا أنّه إذا
كانت محصّلة كانت هي جهة الكعبة والانحراف عنها يزيل التوجّه إليها فالجواب عنه
أنّا قد بيّنا أنّ الفرض هو استقبال الحرم لا نفس الكعبة فإنّ العلائم قد يحصل
الخلل في مسامتها فالتياسر حينئذ استظهار في مقابلة الحرم الذي يجب التوجّه إليه
وفي كلا من حالتي الاستقبال والتياسر يكون متوجّها إلى القبلة المأمور بها ، أمّا
في حال الاستقبال فلأنّها جهة الإجزاء من حيث هو محاذ لجهة من جهات الحرم تغليبا
مستندا إلى الشرع ، وأمّا في حال التياسر فلتحقّقه ( فيلحقه خ ل ) محاذاة جهة
الحرم ، ولهذا تحقّق الاستحباب في طرفه لحصول الاستظهار به.
إن قيل هنا
إيرادات ثلاثة :
الأوّل النصوص
خالية عن هذا التعيين فمن أين صرتم إليه؟.
الثاني ما
الحكمة في التياسر عن الجهة التي نصب العلائم عليها؟ فإن قلتم لأجل تفاوت مقدار
الحرم عن يمين الكعبة ويسارها قلنا : إن أريد بالتياسر توسّط ( وسط خ ل ) الحرم
فحينئذ يخرج المصلّي عن جهة الكعبة يقينا ، وإن أريد تياسر لا يخرج به عن سمت
الكعبة ، فحينئذ يكون ذلك قبلة حقيقة ثمّ لا يكون بينه وبين التيامن اليسير فرق.
الثالث : الجهة
المشار إليها إن كان استقبالها واجبا لم يجز العدول عنها والتياسر عدول فلا يكون
مأمورا به.
قلنا : اما
الجواب عن الأوّل فإنّه وان كانت النصوص خالية عن تعيين الجهة نطقا فإنّها غير
خالية من التنبيه عليها إذ لمّا يثبت وجوب استقبال الجهة
التي دلّت عليها العلائم وثبت الأمر بالتياسر تعيّن أنّه عن السمت المدلول
عليه.
وعن الثاني بالتفصّي
عن إبانة الحكمة في التياسر فإنّه غير لازم في كلّ موضع ، بل غير ممكن في كل تكليف
، ومن شأن الفقيه تلقّي الحكم مهما صحّ المستند.
أو نقول : إمّا
أن يكون الأمر بالتياسر ثابتا وإمّا أن لا يكون ، فان كان لزم الامتثال تلقّيا عن
صاحب الشرع ، وإن لم يؤت العلّة الموجبة للتشريع ، وان لم يكن ثابتا فلا حكم ولا
حكمة.
ويمكن أن
نتكلّف إبانة الحكمة بأن نقول : لمّا كانت الحكمة متعلّقة باستقبال الحرم ، وكان
المستقبل من أهل الآفاق قد يخرج مع الاستناد إلى العلامات عن سمته بأن يكون منحرفا
إلى اليمين ، وقدر الحرم يسير عن يمين الكعبة ، فلو اقتصر على ما يظنّ أنّه جهة
الاستقبال أمكن أن يكون مائلا إلى جهة اليمين ، فيخرج عن الحرم وهو يظنّ استقباله
، إذ محاذاة العلائم على الوجه المحرّر قد يخفى على المهندس الماهر ، فيكون
التياسر يسيرا عن سمت العلائم مفضيا إلى تيقّن المحاذاة ويشهد لهذا التأويل ما روي
عن أبي عبد الله عليهالسلام وقد سئل عن سبب التحريف عن القبلة ذات اليسار فقال : إنّ
الحرم عن يسار الكعبة ثمانية أميال وعن يمينها أربعة أميال فإذا انحرف ذات اليمين
خرج عن حدّ القبلة وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حدّ القبلة وهذا الحديث
يؤذن بأنّ المقابلة قد يحصل معها احتمال الانحراف.
وأمّا الجواب
عن الثالث فقد مرّ في أثناء البحث.
وهذا كلّه مبني
على أنّ استقبال أهل العراق إلى الحرم لا إلى الكعبة ، وليس ذلك بمعتمد ، بل الوجه
الاستقبال إلى جهة الكعبة إذا علمت أو غلب
__________________
الظنّ مع عدم الطريق إلى العلم ، سواء كان في المسجد أو خارجه ، فيسقط
حينئذ اعتبار التياسر. والتعويل في استقبال الحرم إنّما هو على اخبار آحاد ضعيفة ،
وبتقدير أن يجمع جامع بين هذا المذهب وبين التياسر يكون ورود الإشكال عليه أتمّ.
وبالله العصمة والتوفيق إنّه وليّ الإجابة .
__________________
٩
المقصود من
الجمل والعقود
تأليف
المحقق الحلّي ره
وهو
مختصر الجمل والعقود للشيخ الطوسي ره
بسم
الله الرحمن الرحيم
أمّا بعد حمد
الله الذي وفّقنا للقيام بأوامره ، وألحقنا بالباحثين عن غوامض الدين وسرائره ، وأرشدنا
لوجيز القول ومختصره ، ومهّد لنا طريق عيونه وغرره ، والصلاة على سيّدنا محمّد
محقّ الحقّ ومظهره ، وما حق الباطل ومطفئ شرره ، وعلى آله التابعين لأثره ، القامعين
أعداءه بسلطان ظفره.
فهذا مختصر
قصدنا به التسهيل على ذوي التحصيل ، مقتصرين من الأصل على المقصود
من كلّ فصل ، مستعينين بالله ، فإنّه معط كلّ سؤل ، ومانح كلّ فضل.
كتاب الطهارة
يجب بخروج كلّ
واحد من الحدثين غسل مخرجه بالماء ، وتجزي الجمار للنجو. ما لم يتعدّ ، والماء
أفضل ، والجمع أكمل.
وسنّ تغطية
رأسه داخلا ، وتقديم يسراه ، والدعاء عنده ، وعند الاستعمال ، والفراغ ، وتقديم
يمناه خارجا ، والدعاء بعده.
__________________
ويحرم استقبال
القبلة واستدبارها اختيارا.
ويكره استقبال
الريح ، والقمرين بالبول ، والطموح به ، والبول في الماء ، والجحرة ، والحدث في
الأفنية ، والأفئية المنتابة ، والطرق ، والمشارع ، ومساقط الثمرة ، والكلام حاله ، والاستياك
، والأكل ، والشرب.
وفرض الوضوء
غسل ما دارت عليه الإبهام والوسطى من أعلى الوجه إلى الذقن ، ومن المرفقين إلى
أطراف الأصابع ، ومسح مقدّم الرأس ، وظاهر القدمين إلى الكعبين غير مستأنف ماء ، ناويا
مستديما حكمها ، مرتّبا ، مواليا بما لم يجفّ المقدّم.
ومستحبه وضع
الإناء يمينا ، والاغتراف بها ، والتسمية ، وغسل اليدين مرّة من البول والنوم ، واثنتين
من الغائط ، والمضمضة والاستنشاق ثلاثا ، والدعاء معهما ، وتثنية الوجه واليدين ، مبتدئا
بالظاهر مثنيّا بالباطن ، وتعكس المرأة ، ومسح الرأس عرضا ثلاث أصابع ، والقدمين
بالكفّين والدعاء عند كلّ غسل ومسح.
ويكره التمندل.
وموجبات الوضوء
البول والغائط والريح والنوم الغالب على الحاسّتين وما أزال العقل.
وموجبات الغسل
الجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس ومسّ الإنسان بعد برده بالموت وقبل تطهيره.
والجنابة
بالإمناء والجماع في الفرج. وعنده يحرم قراءة العزائم ، ومسّ كتابة القرآن واسم
الله والأنبياء والأئمّة والمساجد دخولا ووضعا لا اجتيازا.
ويكره الأكل
والشرب إلّا بعد المضمضة والاستنشاق ، والنوم إلّا مع الوضوء ، والخضاب.
__________________
وعليه استيعاب
بدنه غسلا ناويا مستديما حكمها.
وسنّ غسل يديه
مقدّما ثلاثا ، والمضمضة ، والاستنشاق ، والاغتسال بصاع فصاعدا.
والحيض دم أسود
حارّ تحرم معه الصلاة والصوم والطواف ودخول المساجد إلّا اجتيازا والاعتكاف وقراءة
العزائم ومسّ كتابة القرآن والوطء قبلا والطلاق ، ويكفّر واطؤها ويعزّر ، ولا يصحّ
منها رفع الحدث.
ويكره قراءة
عدا العزائم ومسّ المصحف وحمله.
وأقلّه ثلاثة
وأكثره عشرة ، وعند انتهائه يجب الغسل وقضاء الصوم لا الصلاة.
وغسلها كالجنب
وتزيد وضوءا.
وإن استمرّ
فالمبتدئة تميّز ، وإن أبهم تحيّضت بنسائها ، وإن اختلفت فبأقرانها ، وإن اختلفوا
فبالروايات . وذات العادة تعمل بها. والمضطربة بالتمييز ، فإن اشتبه
فبالروايات.
ودم الاستحاضة
أصفر بارد فإن لم يغمس القطنة توضّأت لكلّ صلاة بعد تغيير الحشو ، وإن غمس اغتسلت
مع ذلك للصبح مع تغيير الخرقة ، وإن سال اغتسلت لكلّ صلاتي وقت ، ومعه تصير
كالطاهر.
والنفاس دم
يتعقّب الولادة ، ولا حدّ لا قلّة ، وهو كالحيض في الكثرة والمحرّمات
والمكروهات والغسل.
__________________
ويغسل الميّت
بماء السدر ، ثمّ بماء الكافور ، ثمّ بالقراح كغسل الجنب مستور العورة.
وسنّ تغسيله
موجّها تحت سقف والغاسل على يمينه ذاكرا مستغفرا ويغمز بطنه في الأوّلتين .
ويكفّن في قميص
ومئزر وإزار ، ويمسح مساجده بالكافور وإن قلّ.
وسنّ حبرة
وخرقة لفخذيه. ويعمّم محنّطا ، وللمرأة لفّافة أخرى ، وخرقة لثدييها.
وأفضل الكافور
ثلاثة عشرة درهما وثلث ، أو أربع ، وأقلّه درهم.
وتجعل معه
جريدتان.
ويجب ستره دفنا
موجّها على يمينه.
وسنّ اتّباع
الجنازة أو مع جنبها ، وحفر القبر ترقوة أو قامة ، وملحّدا قعدة الجالس ، ووضع
الرجل عند رجل القبر ، ويسبق برأسه والمرأة أمامه وتنزل عرضا ، وحلّ عقدتي الأكفان
، ووضع خدّه على التراب ، ومعه تربة ، وتلقينه ، وشرح اللبن وطمّ القبر ، مرفوعا
قدر أربع أصابع ، وتربيعه مسوّى ، ورش الماء من رأسه ويدار عليه ، ووضع اليد ، والترحّم
، وتلقين الوليّ بعد انصراف الناس عنه.
وسنّ الغسل يوم
الجمعة والعيدين والمبعث والغدير والمباهلة وليلة النصف من شعبان ومن رجب ومن شهر
رمضان وأوّل ليلة منه وليالي الإفراد وليلة الفطر ولدخول الحرم ومكّة والكعبة
والمدينة ومسجدها ولزيارة النبيّ والأئمة والمولود والتوبة والإحرام والحاجة
والاستخارة ، ولقضاء الكسوف مع تعمّد الترك واحتراق
__________________
القرص.
والتيمّم واجب
مع الطلب وضيق الوقت وعدم الماء وما يتوصّل به ، أو الخوف من استعماله. ولا يصحّ
بغير الأرض. يضرب واحدة بباطن يديه ويمسح بهما جبهته إلى طرف أنفه ، وببطن يسراه
ظاهر يمناه وبالعكس ، وللغسل ضربتان. ويستباح به ما يستباح بالمائية ، وينقضه
زيادة عن نواقضها التمكّن منها.
والماء النجس
لا يستعمل إلّا لحفظ الرمق.
والمضاف يستعمل
إلّا في إزالة الحدث والخبث.
والمطلق مطهّر
لا ينجس جارية وكثيرة إلّا بالتغيّر.
والكرّ ثلاث
أشبار ونصف طولا في عرض في عمق ، أو ألف ومائتا رطل بالعراقي. والقليل ينجس بوقوع
النجاسة ، وكذا ماء البئر ، ويطهر بنزح مائها للمسكر والفقّاع والمنيّ والدماء
الثلاثة وموت البعير وغلبة النجاسة أحد أوصافها ، ولما عداه تقديرات.
والنجاسات هي
الميتة ممّا له نفس سائلة ودمه وبول ما لا يؤكل وغائطه وذرق الدجاج والمنيّ وكلّ
مسكر والفقّاع.
ودم ما لا نفس
له سائلة طاهر وإن كثر ، ودم الجرح والقرح عفو حتّى ترقأ ، والدماء الثلاث يزال
قليلها وكثيرها وما عداه عفو ما لم يبلغ درهما.
ويغسل الإناء
من النجاسات ثلاثا وفي الأولى بالتراب من الولوغ ، ومن الخمر سبعا ، ومثله روي في الفأرة
.
__________________
كتاب الصلاة
واليومية خمس
الظهر أربع ، في السفر ركعتان ، وكذا العصر والعشاء ، والمغرب ثلاث ، والصبح
اثنتان ، ونافلة الظهر ثمان قبلها ، وكذا العصر ، وتسقطان سفرا ، وللمغرب أربع
بعدها ، وبعد العشاء ركعتان حضرا ، وصلاة الليل إحدى عشرة ركعة ، وللفجر اثنتان.
ولا صلاة قبل
الوقت ، وفيه تكون أداء وبعده قضاء. ولكلّ صلاة وقتان ، والأخير للمعذور ، فوقت
الظهر من الزوال حتّى يصير في الشخص مثله ، وللعصر حتّى يصير مثليه ، ووقت المغرب
من زوال الحمرة شرقا إلى زوالها غربا ، وللعشاء إلى ثلث الليل ، وفي رواية إلى انتصافه ،
ووقت الغداة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وصلاة الليل بعد انتصافه ، وركعتا
الفجر بعد صلاة الليل إلى طلوع الحمرة.
وتصلّى الفائتة
ما لم يتضيّق الحاضرة ، وكذا صلاة الجنازة والكسوف والإحرام والطواف ، وتقضى
النوافل ما لم تدخل الفريضة.
ويكره النافلة
ابتداء عند طلوع الشمس وغروبها وقيامها إلّا يوم الجمعة وبعد الغداة والعصر.
والكعبة قبلة
أهل المسجد ، وهو قبلة أهل الحرم ، وهو قبلة الآفاق. والعراقي يجعل الجدي خلف منكبه
الأيمن والشفق محاذيه والفجر محاذي
__________________
الأيسر والشمس زائلة على طرف الحاجب الأيمن . ويستقبل
المتنفّل على الراحلة بتكبيرة الإحرام ، وكذا المطارد وراكب السفينة.
وستر العورة
شرط الصلاة ، وهي في الرجل سوأتاه ، والحرّة بدنها عدا الوجه والكفّين ، وكشف
الرأس رخصة للأمة.
وسنّ للرجل ما
بين السرة والركبة ، وفي ثوب صفيق ورداء أفضل.
ويصلّى في كلّ
لباس عدا جلد الميتة ولو دبغ ، وما لا يؤكل لحمه ولو ذبح ، وصوفه وشعره إلّا الخزّ
، والحرير للرجل إلّا لضرورة أو حرب.
ويشترط جواز
التصرف ، والخلو من نجاسة غير عفو إلّا ما لا يصلّى فيه منفردا كالتكّة والجورب
والخفّ والقلنسوة والنعل ، واجتنابه أفضل.
والأمكنة مسجد
عدا المغصوب.
ويشترط طهارة
موضع الجبهة.
وتكره في وادي
ضجنان ، ووادي الشقرة ، والبيداء ، وذات الصلاصل ، وبين المقابر
، وأرض الرمل ، والسبخة ، وبمعاطن الإبل ، وقرى النمل ، وجوف
__________________
الوادي ، وجوادّ الطرق إلّا مع ساتر ولو عنزة ، وفي الحمامات ، والفريضة في
الكعبة.
ولا يسجد إلّا
على الأرض أو ما أنبتته غير مأكول ولا ملبوس ، ويشترط جواز التصرّف وخلوّه من
نجاسة.
ولا يشترط
طهارة الموقف إذا كان جافًّا وطهارته أفضل.
والأذان
والإقامة سنتان في الخمس ، ويتأكدان في صلاة الجهر ، وهما شرط في الجماعة وفصول الأذان
ثمانية عشر فصلا والإقامة سبعة عشر ، ويجب فيهما الترتيب.
وسنّ طهارة
المؤذّن ، واستقبال القبلة ، والقيام لا راكبا ، مرتلا أذانه ، حادرا إقامته ، غير
معرب مقاطعة ، ولا متكلّم خلاله ، فاصلا بجلسة أو خطوة أو سجدة إلّا في المغرب ، وكلّه
يتأكد في الإقامة ، ويشترط فيهما الوقت .
وواجبات الصلاة
القيام أو بدله مع العجز ، والنية مقارنة الإحرام واستدامتها حكما ، والتلفظ بالله
أكبر ، وقراءة الحمد وسورة في الأولين من الخمس مع القدرة والاختيار ، ويتخيّر في
الباقي بين الحمد وعشر تسبيحات ، والجهر في مواضعه والإخفات ، والركوع ، والطمأنينة
فيه ، والتسبيح ، والرفع منه ، والطمأنينة ، والسجود على الجبهة وباطن الكفّين
والركبتين وأصابع والرجلين ، والطمأنينة ، والتسبيح فيه ، والطمأنينة ، والرفع
، والطمأنينة ، ومعاودة السجود كذلك ، والجلوس للتشهّد ، والطمأنينة ، والشهادتان
، والصلاة على النبيّ وآله ، وفي التسليم
__________________
قولان .
والمسنونات : التوجّه
بسبع تكبيرات منها الواجبة ، وثلاثة أدعية ، والتكبير خمسا في كلّ ركعة ، ورفع اليدين مع التكبير
إلى شحمتي الأذنين ، والترتيل في القراءة والدعاء ، وتعمّد الإعراب ، والجهر
بالبسملة في الإخفات في الموضعين ، وتسوية ظهره راكعا ، ومدّ عنقه ، وردّ ركبتيه ،
والهوي سابقا بيديه ، ومتخويّا ، والسجود متجافيا ، والنهوض معتمدا يديه ، وما زاد
على التسبيحة الواحدة راكعا وساجدا والإرغام بالأنف ، والدعاء بين السجدتين ، والجلسة
قبل القيام إلى الثانية والرابعة ، والتورّك ، والزائد على التشهد ، والتسليم
واحدة إن كان إماما أو منفردا وإلى يمينه إن كان مأموما ويساره إن كان غيره ، والنظر
قائما موضع سجوده وراكعا بين رجليه وساجدا طرف أنفه وجالسا حجره ، ووضع يديه على
فخديه محاذيا ركبتيه قائما ، وعلى عيني ركبتيه راكعا ، وبحذاء أذنيه ساجدا ، وعلى
فخذيه جالسا ، والقنوت في كلّ ثانية أمام ركوعه.
والمحرّمات : وضع
اليمين على الشمال وقول آمين آخر الحمد ، والالتفات وراءه ، والكلام بما ليس منها
، والفعل الكثير ، وإحداث ما ينقض ، الطهارة والقهقهة ، والكلام بحرفين ، والأنين
والتأفّف كذلك.
والمكروهات : الالتفات
يمينا وشمالا والتثاؤب ، والتمطي ، وفرقعة الأصابع ، والعبث ، والإقعاء بين
السجدتين ، والتنخّم ، والبصاق ، والنفخ ، والتأوّه ، ومدافعة الأخبثين.
وأحكام الخلل
خمسة : منها ما يوجب الإعادة وهو الصلاة على الحدث ،
__________________
وقبل الوقت ، وإلى دبر القبلة مطلقا ، وإلى يمينها أو شمالها مع الوقت ، وفي
ثوب نجس أو مغصوب ، وفي مكان كذلك مختارا ، والسجود على النجس ، وترك النيّة ، وتكبيرة
الإحرام ، أو سجدتين من ركعة حتّى يركع ، أو الركوع حتّى يسجد ، وزيادة ركوع أو
سجدتين في ركعة ، والشكّ في الأوّلتين ، والمغرب ، والغداة ، وصلاة السفر ، وعدم
ضبط ما صلّى ، والتسليم قبل الإكمال ولمّا يذكر حتّى يتكلّم أو يستدبر القبلة.
ومنها ما لا
حكم له وهو كثرة السهو ، والشكّ بعد الانتقال في الركن وغيره ، والسهو في السهو ، وفي
النافلة ، والسهو عن تسبيح الركوع أو السجود وقد رفع ، وترك الركوع حتّى يسجد في
الآخرتين ، وكذا السجدتين حتّى يركع ، فإنّه يحذف الزائد ويأتي بما ترك.
ومنها ما يوجب
التلافي وهو من قرأ سورة ونسي الحمد قرأها وسورة ، وكذا لو ذكر قبل أن يركع أنّه
لم يقرأ قرأ ما نسي ، ومن شكّ في شيء وهو في محلّه أتى به ، ولو أتى بالركوع
لشكّه فيه ثمّ ذكر ركوعه أهوى ولم يرفع رأسه ، ولو ذكر السجود أو التشهّد ولمّا
يركع بعده أتى بما قد فاته ، ولو كان بعد ركوعه أتمّ وسلّم ثمّ قضاه ، ومن نسي
التشهّد الأخير وذكر بعد التسليم أتى به.
ومنها ما يوجب
الاحتياط وهو الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ، أو الاثنين والأربع ، أو
الاثنين والثلاث ، والثلاث والأربع ، ففي الكلّ يبني على الأكثر فإذا سلّم أتى بما
شكّ فيه مستأنفا ولو شكّ في النافلة تخيّر ، والبناء على الأقل أفضل.
ومنها ما يوجب
سجدتي السهو وهو الكلام ناسيا ، والتسليم على الأوّلتين ، كذلك ، وترك سجدة أو
التشهّد الأوّل ثمّ لا يذكر حتّى يركع ، والشكّ بين الأربع والخمس ، وألحق به من
قام في حال قعود أو قعد في حال قيام فتلافاه.
في الجمعة
ويشترط في
وجوبها الذكورة ، والتكليف ، والحرّية ، والسلامة من المرض والعمى والعرج ، وألّا
يكون همّا ، ولا مسافرا ، ولا على أكثر من فرسخين ، ووجود الإمام أو من يأمره ، وسبعة
فما زاد وجوبا ، وخمسة استحبابا ، والخطبتان تشتمل كلّ واحدة ذكر الله والثناء
عليه والصلاة على النبيّ وآله والوعظ وقراءة سورة خفيفة. ولا تنعقد جمعتان وبينهما
أقلّ من فرسخ.
والجماعة تنعقد
باثنين فصاعدا ، ويشترط في الإمام الإيمان ، والعدالة ، وأن لا يكون لزنية ويقدّم
الأقرأ فالأفقه فالأقدم هجرة فالأسنّ فالأصبح ، ولا يؤمّ الأمّي قارئا ، ولا
القاعد قائما ، ولا المقيّد مطلقا ، ولا المفلوج صحيحا.
ويكره الأبرص
والأجذم والمحدود بعد توبته.
ويقصّر صلاة
الخوف حضرا وسفرا ، فإذا كان العدوّ في خلاف القبلة وأمكن الانقسام والمقاومة صلّى
بطائفة ركعة وعليها السلاح وأطال في الثانية ليتمّوا ويركع بالأخرى ويطيل تشهده
ليتمّوا ثمّ يسلّم بها ، ولو كانت المغرب فبالأولى ركعة وبالثانية ركعتين ، ولو
عكس جازه فإن خافوا مع ذلك صلّوا فرادى ولو إيماء. ولو خافوا أجزأهم عن كلّ ركعة
تسبيحة هي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر.
وصلاة العيدين
تجب بشروط الجمعة ، وتستحب للمنفرد ، ولا يقضى فائته ووقتها بعد طلوع الشمس ، وهي
ركعتان بتسليمة ، ويزاد في الأولى خمس تكبيرات ، وفي الثانية أربع ، بين كلّ
تكبيرتين دعاء وموضعها بعد القراءة ، وخطبتاها بعدها ولا يجب استماعهما.
وصلاة
الاستسقاء كصلاة العيد في الكيفيّة ، وهي سنّة ، ويستحبّ فيها تحويل الرداء من
الميامن الى المياسر وبالعكس.
وصلاة كسوف
الشمس وخسوف القمر والزلازل والرياح المظلمة فرض ،
ووقتهما من ابتداء الاحتراق إلى ابتداء الانجلاء ، وهي عشر ركعات بأربع
سجدات ، ويقرأ ويركع ثمّ يرفع ويكبّر ويقرأ ، فإذا أكمل خمسا رفع قائلا : سمع الله
لمن حمده ، ثمّ يسجد اثنتين ثمّ يقوم معتمدا ترتيبه الأوّل ويقول عند الرفع من
العاشرة ما قال بعد الخامسة.
ويستحب قراءة
الطوال ، وأن يكون ركوعه وسجوده بقدر قراءته ، ويقضي مع الإخلال وجوبا ، وتعاد لو
فرغ قبل الانجلاء استحبابا.
وصلاة الأموات
فرض كفاية على كلّ مظهر للشهادتين وأطفالهم ممّن بلغ ستا فصاعدا ، وأولى الناس به
أولاهم بميراثه ، والزوج أولى من الأقارب ، والهاشمي إذا كان أهلا أو قدّمه
الوليّ. وهي تكبيرات خمس ، يعقب الاولى بالشهادتين ، والثانية بالصلاة على النبيّ
وآله ، والثالثة بالدعاء للمؤمنين ، والرابعة بالدعاء للمؤمن وعلى المنافق وبالآية
إن كان مستضعفا وأن يحشره مع من يتولّاه ، وأن يجعله لأبويه فرطا إن كان
طفلا. ولا تشترط الطهارة بل هي أفضل.
__________________
كتاب الزكاة
ولا تجب إلّا
في الإبل والبقر والغنم والذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب ويشترط
النصاب والحرّيّة في الجميع ، والبلوغ وكمال العقل في الأثمان دون الغلّات
والحيوان ، والحول في الأثمان والحيوان دون الغلّات ، ولا يضمن إلّا المسلم
المتمكّن من الأداء ، وليس في مال المجنون والطفل ضمان.
ويستحب في عروض
التجارة إذا لم ينقض أثمانها ، وفيما تخرجه الأرض من الحبوب عدا الخضر ، وفي إناث
الخيل السائمة ، عن العتيق ديناران ، والبرذون دينار ، وسبائك الذهب والفضة ، والحلّي
المحرّم ، ولو قصد الفرار وجبت ، وكل مال غاب عن صاحبه سنين وعاد زكاته لسنة ولا
زكاة فيما عداه ، والدين إن أخّره صاحبه فعليه زكاته ، وإلّا فعلى المدين.
ويشترط في
الإبل الملك والنصاب والسوم والحول. والنصاب ما فيه الفريضة والشنق ما ليس فيه.
ونصبها ثلاثة عشر : خمس ، عشر ، خمس عشر ، عشرون ، خمس وعشرون ، ففي كلّ واحد شاة
، ثمّ ستّة وعشرون ، وفيه بنت مخاض ، ستّ وثلاثون ، وفيه بنت لبون ، ستّ وأربعون
وفيه حقّة ، إحدى وستون ، وفيه جذعة ، ست وسبعون وفيه بنتا لبون ، احدى وتسعون
وفيه حقّتان ، فإذا
__________________
بلغت مائة وإحدى وعشرين ففي كلّ خمسين حقّة. وفي كلّ أربعين بنت لبون ، والأشناق
بعدد النصب.
ويشترط في
البقر شروط الإبل ، وما فيه الفريضة نصاب وما ليس فيه وقص ففي كل ثلاثين
تبيع أو لا تبعية ، وفي كل أربعين مسنّة.
وشروط الغنم
شروط الإبل والبقر ، وما تجب فيه الفريضة نصاب وما لا تجب فيه عفو ونصبه خمس : أربعون
، مائة وإحدى وعشرون ، ومائتان وواحدة وثلاثمائة وواحدة ، وأربعمائة ، وفي كلّ
نصاب منها شاة ، وما زاد ففي كلّ مائة شاة.
ويشترط في
الذهب والفضة الملك والنصاب والحول وكونهما مضروبين دراهم ودنانير ، ولا زكاة حتّى
تبلغ العين عشرين ، والفضة مائتي درهم ، والزائد أربعة مثاقيل ، وفي
الفضة أربعون درهما ، وما نقص عفو. والفريضة في كلّ نصاب ربع عشرة ، ولا يجبر نصاب
بغير جنسه إلّا إذا نقصها فرارا.
ويشترط في
الغلّات الملك والنصاب ، وهو خمسة أوسق ، هو ستّون صاعا ، والصاع أربعة أمداد ، والمدّ
رطلان وربع ، وما نقص عفو ، ويجب في الزائد وإن قلّ. والواجب فيه العشر إن سقي
سيحا أو بعلا أو عذيا ، ونصف إن سقي بالناضح.
__________________
أحكام الأرضين
ما أسلم أهلها
طوعا فهي لهم ، وليس عليهم سوى الزكاة. وما صولح أهلها فللمقاتلة مال الصلح. ولو
أسلموا سقط. وما فتح عنوة فللمسلمين ، والنظر فيها إلى الإمام. وحصة الرقية
لمصالحهم. وعلى المتقبّل في حصّة الزكاة مع الشرائط.
ومستحقّ الزكاة
ثمانية : الفقراء ، والمساكين وحالهم أحسن ، والمؤلّفة وإن كانوا كفّارا ، والعبيد
في الشدّة ، والغارمون في غير معصية ، وفي سبيل الجهاد ، والسعاة لجبايتها ، وابن
السبيل المنقطع بهم وإن كان لهم يسار.
ويشترط فيهم
إلّا المؤلفة الإيمان ، والعدالة ، وأن لا يكونوا من بني هاشم مع تمكّنهم من الخمس
، ولا ممّن تجب نفقته كالوالدين والولد والزوجة والمملوك.
ويجوز وضع
الزكاة في صنف ، وبسطها أفضل. ولا يعطى المستحقّ أقل من خمسة دراهم ، ثمّ درهم أو
عشر دينار.
ويجب الخمس
فيما يغنم بالحرب ، وكنوز الذهب والفضّة ، والمعادن ، وفيما يفضل عن أرباح
التجارات والصناعات والزراعات عن مؤون السنة ، وفيما يخلط من الحلال بالحرام ولا
يتميّز ، وأرض الذمّي إذا اشتراها من مسلم. ويراعي في الكنوز نصاب الزكاة وفي
الغوص دينار.
والأنفال
للإمام. وهي كلّ خربة باد أهلها ، وكلّ أرض سلّمها أهلها بغير حرب ، أو انجلوا
عنها ، ورءوس الجبال ، وبطون الأودية ، والموات ، والآجام ، وصوافي الجبال لا المغصوبة ،
وميراث من لا وارث له ، وصفايا الغنائم ، وغنيمة السريّة
__________________
بغير إذنه .
زكاة الفطرة
الفطرة وهي تجب
على كلّ حرّ بالغ مالك لنصاب المال. يخرجها عن نفسه وعياله وضيفه صغير وكبير مسلم
وكافر.
ويستحب لمن لم
يجد النصاب.
وتجب بهلال
شوّال ، وتتضيّق قبل صلاة العيد ، وهي صاع من أحد الأقوات ، ويجزي من اللبن أربعة
أرطال . ويجزي القيمة.
ومستحقّها
مستحقّ زكاة المال ، ولا يعطي الفقير دون صاع ، ولا حدّ للزيادة.
__________________
كتاب الصوم
وهو في الشرع
إمساك عن المفطّرات. والنيّة شرط ، والمتعيّن يجزي فيه نيّة القربة ، وما ليس
متعينا أو جاز أن لا يكون يفتقر إلى التعيين. ويجوز تقديم نيّة رمضان ، وما عداه
لا بدّ من مقارنتها. وتجدّد إلى الزوال لو نسيها إن كان متعيّنا كرمضان والنذر
المعيّن ، ولو زالت ولم ينو قضاه. ولو صام تطوّعا فبان من رمضان أجزأ.
ومن المفطرات
ما يوجب القضاء والكفّارة ، وهو الأكل والشرب ، والجماع في الفرج ، وإنزال الماء ،
والكذب على الله ورسوله والأئمّة ، والارتماس في الماء ، وابتلاع الغبار الغليظ ، والبقاء
على الجنابة الى الفجر ، ومعاودة النوم بعد انتباهتين ، والكفّارة عتق رقبة أو
صيام شهرين ، أو إطعام ستّين مسكينا.
ومنها ما يوجب
القضاء ، وهو تناول المفطّر مطرحا مراعاة الفجر مع القدرة ويتّفق طالعا ، وكذا لو
أخبر بطلوعه فأفطر لظنّ الكذب ، والإفطار تقليدا في بقاء الليل مع إمكان المراعاة
، وكذا التقليد في دخول الليل والإفطار لظلمة تعرض ثمّ يتبين بقاء النهار ، ونوم
الجنب ثانيا إلى الفجر ناويا للغسل ، وتعدّي الماء حلق المتمضمض تبرّدا لا للصلاة
والحقنة بالمائع.
ولا يبطل الصوم
بما يفعل سهوا واجبا كان الصوم أو ندبا.
ويكره السعط ، والاكتحال
بما فيه صبر أو مسك ، وإخراج الدم ودخول الحمام المضعفين ، وشمّ الرياحين ، ويتأكّد
في النرجس ، والاحتقان بالجامد ، والتقطير في الاذن ، وبلّ الثوب عليه ، وملاعبة
النساء ومباشرتهن للذّة.
والواجب من
الصوم المطلق شهر رمضان. وشرط وجوبه التكليف والصحّة
والإقامة أو حكمها ، والخلوّ من الحيض والنفاس. ويجب برؤية الهلال أو قيام
البيّنة بها دون العدد. وبالسبب صوم القضاء والنذر والكفّارات ودم المتعة
والاعتكاف ، وشرط القضاء الإسلام والبلوغ وكمال العقل .
والمضيّق منه
رمضان والنذر والاعتكاف والقضاء.
والمخيّر صوم
كفّارة حلق الرأس ، ومن أفطر في رمضان ، وفي قضائه بعد الزوال وجزاء الصيد.
والمرتّب صوم
كفّارة اليمين ، وقتل الخطأ ، والظهارة ودم المتعة.
ولا تتعلق
الكفّارة بغير رمضان ، وقضائه بعد الزوال ، والنذر المعيّن والاعتكاف.
وكلّه يجب فيه
التتابع إلّا السبعة لبدل دم المتعة ، والنذر ما لم يشترطه ، وجزاء الصيد ، وقضاء
شهر رمضان.
ومن وجب عليه
شهران متتابعان فصام الأول ومن الثاني ولو يوما بني ، ولو أفطر قبل ذلك أعاد إلّا
لعذر كالمرض والحيض ، ولو وجب عليه شهر في كفّارة قتل الخطأ أو الظهار لكونه
مملوكا أو بالنذر المتتابع كفى في التتابع خمسة عشر يوما. ومن صام لبدل المتعة يوم
عرفة ويوما قبله أفطر العيد وأتمّ بعد انقضاء أيّام التشريق.
ويحرم صوم
العيد ، وأيام التشريق بمنى ، ويوم الشكّ بنيّة الوجوب ، ونذر المعصية ، والصمت
والوصال ، والدهر لدخول المحرّمة فيه ، ولا تصوم المرأة تطوعا إلّا بإذن زوجها ، ولا
المملوك إلّا بإذن مولاه ، ولا الضيف إلّا بإذن مضيفه. ومن
__________________
أفطر لعذر ثمّ زال أمسك تأديبا كالمريض والمسافر والحائض والكافر والصبيّ.
ويستحبّ من
الصوم ثلاثة من كلّ شهر ، ومولد النبيّ ومبعثه [ صلىاللهعليهوآله ] والغدير ، ودحو الأرض ، وعاشوراء حزنا ، وعرفة إذا لم
يضعف ، وأوّل ذي الحجّة أو عشرها ورجب ، وشعبان ، وأيام البيض.
ومن عجز عن
رمضان لمرض أفطر ثمّ إن مات فيه لم يقض واستحبّ ، وإن برئ وتمكّن ولم يقض لزم أكبر
ولده القضاء ، ولو كانوا جماعة في سنّ قضوا بالحصص أو تبرّع بعض ، وكذا كلّ صوم
وجب عليه ، وأهمل قضاه الوليّ أو تصدّق عنه ، ولو استمرّ المرض من رمضان إلى آخر
سقط القضاء وتصدّق عن كلّ يوم بمدّين أو مدّ ، وإن صحّ ولم يقض تهاونا قضى وكفّر ،
وإلّا قضى.
ومن عجز عن شهر
رمضان لكبر أفطر وتصدّق عن كل يوم بمدّ ، ولا قضاء. وكذا من به عطاش إذا لم يبرأ ،
ولو برئ قضى.
وتفطر
المتخوّفة على حملها والمرضع لقلّة لبنها ويكفّران ويقضيان.
والمسافر لا
يصحّ صومه إلّا أيّام المتعة الثلاث ، والنذر المقيّد بالسفر ، ولو صام رمضان
عالما بالتقصير قضاه ، ولو جهل أجزأه. ويشترط في قصره المسافة ، وهي ثمانية فراسخ
وأن لا يكون عاصيا بسفره ، ولا سفره أكثر من حضره كالملّاح والمكاري الذي لا يقيم
في بلده عشرة ومن يدور في إمارته وتجارته ورعايته والبريد ولا يقصّر حتّى يتوارى
الجداران أو يخفى الأذان.
ويشترط في
الإفطار تبييت النيّة. ولو خرج بعد الزوال أتمّ وقضى ، ولو لم يبيت أتمّ ولا قضاء.
__________________
في الاعتكاف
ويشترط المكان
وهو أحد المساجد الأربعة ، ولا يكون أقلّ من ثلاثة ، صائما وتحرم فيه النساء ، والطيب
، والمماراة ، والجدال ، والبيع ، والشراء ، والخروج عن المسجد إلّا لضرورة ، والصلاة
في غير المسجد إلّا بمكّة ، وكذا القعود ، وكذا المشي تحت الضلال مختارا. وإذا
جامع نهارا لزمته كفارتان وليلا كفارة واحدة كشهر رمضان ولو مرض أو حاضت خرجا
وأعادا الاعتكاف.
كتاب الحج
تجب حجّة
الإسلام بشرط التكليف والحرّيّة والصحّة والزاد والراحلة وخلو السرب وإمكان المسير
والرجوع إلى كفاية ، ولو فات شرط استحبّ. ولا يصحّ إلّا من مسلم. ويجب في العمر
مرة على الفور ، ويستحبّ ما أمكن. والمرأة تخالف الزوج في الواجب دون التطوع. ويجب
بالنذر واليمين ولا ينعقدان إلّا من كامل حرّ ، ولا تجزي المنذورة عن حجّة الإسلام
، وروي الاجزاء .
ومن كان بينه
وبين البيت اثنا عشر ميلا ففرضه القران أو الافراد ، ومن نأى ففرضه التمتع.
وأركان المفرد
ستّة : النيّة والإحرام والوقوفان والطواف والسعي.
وأركان العمرة
أربعة : النيّة والإحرام والطواف والسعي.
ويجتمعان
للتمتّع ويتميّز القارن بسياق الهدي.
ويشترط في
إحرام الحجّ وقوعه في أشهر الحج ، وهي شوال وذو القعدة وتسعة من ذي الحجّة ، وفي ميقاته
، وهو العقيق للعراق ، والشجرة للمدينة ، والجحفة للشام اختيارا وللمدينة اضطرارا
، وقرن للطائف وألملم لليمن ، ومن منزله أدنى إلى مكّة فهو ميقاته.
وأفعاله
الواجبة النيّة ، واستدامة حكمها ، ولبس ثوبيه ، ومع الضرورة
__________________
ثوب ممّا يصلّى فيه ، وأفضله القطن ، والتلبيات الأربع ، ومع
العجز الإيماء بها ، ويجزي في القران الإشعار أو التقليد.
ويستحبّ توفير
شعر الرأس ، وتنظيف البدن ، وقص الأظفار ، والشارب ، والإحرام عقيب الظهر أو غيرها
أو ستّ ركعات ، وأقلّه ركعتان ، والدعاء ، وذكر ما يحرم به والاشتراط ، والجهر
بالتلبية وتكرارها حتّى يشاهد مكّة ، والحاجّ إلى الزوال من عرفة
، وفي المبتولة إذا دخل الحرم.
ومع الانعقاد
يحرم المخيط والنساء عقدا وشهادة ووطئا وتقبيلا وملامسة ، والصيد دلالة واصطيادا
وقتلا وأكلا وفرخه وبيضه ، وتغطية رأس الرجل ومحمله ، ووجه المرأة ، وارتماسه ، وقلع
الشجر إلّا الفواكه والإذخر ، والحشيش إلّا من ملكه ، والمسك ، والعنبر
، والكافور ، والزعفران ، والعود ، والأدهان إلّا لضرورة ، والتختم ، إلّا للسنّة
، ولبس ما يستر القدم ، والحلف ، وتنحية القمّل ، وقبض الأنف من الكرية ، وقصّ الشعر ،
والظفر ، ولبس السلاح إلّا لضرورة.
ويكره في
المصبغة لبسا ونوما ، والمعلمة والحلي ما لم يكن معتادا ، وشم ما عدا الأطياب
الخمسة ، والخضاب للزينة ، والسواك وحك الجسد المدميان ، ودخول
الحمام ، واستعمال الأدهان الطيّبة قبل الإحرام إذا عرف بقاؤها حتى يحرم.
__________________
ويلزم المحرم
في الحلّ فداء الصيد ، والمحلّ في الحرم قيمته ، والمحرم في الحرم الأمران. وما
يلزم في الحجّ ينحر بمنى ، وفي العمرة بمكّة عند الحزورة .
ولو جامع قبل
الوقوف أتمّه وحجّ من قابل وكفّر ببدنة ، وفي العمرة يتمّها ويكفّر ويأتي بعمرة في
الداخل .
والمستمني بيده
كالمجامع.
ولو نسي
الإحرام رجع وأحرم من الميقات ، فإن لم يمكنه أحرم من موضعه.
والطواف فريضة
، وسنّ أمامه تطييب الفم بالإذخر أو غيره ، ودخول مكة من أعلاها ماشيا على سكينة ،
والمسجد من باب بني شيبة ، والصلاة على النبيّ وآله ، والدعاء عندها.
وواجباته
البدأة بالحجر ، والطواف سبعا متطهّرا ، وصلاة ركعتين في المقام.
ويستحبّ الدعاء
عند الحجر ، والإيماء إليه ، والتسليم ، والتزام المستجار ، وإلصاق الخدّ عليه ، والبطن
، واستلام اليماني والأركان كلّها ، والدعاء عندها.
ومن زاد على
سبعة عمدا في الفريضة أو شكّ في العدد أو بين الستة والسبعة والثمانية أعاد. ولو
نقص عن سبعة ثمّ ذكر أتمّ ، ولو خرج طيف عنه. ومن شكّ بين السبعة والثمانية قطع
وفي النافلة لو شكّ في العدد فالأفضل البناء على الأقل ، ولو زاد فيهما سهوا أتمّ
سبعين .
ويكره القران
في النافلة ، ويستحبّ الانصراف على وتر.
والسنّة لمن
أراد السعي استلام الحجر ، والشرب من زمزم ، ومن الدلو
__________________
المحاذي للحجر ، والخروج من باب الصفا.
وواجباته
النيّة ، والبدأة بالصفا ، والختم بالمروة ، والسعي سبعا.
ومستحبّاته
الإسراع للرجال في موضعه ولو راكبا ، والمشي أفضل ، والدعاء على الصفا وعلى المروة
وبينهما ، والطهارة.
ولو زاد
متعمّدا أو بدأ بالمروة ، ولو ناسيا أو لم يحصّل العدد أعاد ، ولو زاد ناسيا طرح
الزيادة ، وإن شاء أتمّ سعيين ، ومن نقص ثمّ ذكر تمّمه.
ثمّ يقصّر
المعتمر ، وأدناه قصّ أظفاره أو شعره ، والمتمتّع لا يحلق ، ولو فعل فعليه دم ، ويمرّ
الموسى على رأسه يوم النحر.
ولو نسي
التقصير وأحرم بالحجّ جبر بدم ، ويحلّ إلّا من الصيد وتشبّهه بالمحرمين أفضل.
ويحرم المتمتّع
بالحج يوم التروية استحبابا ، ويتضيّق إذا بقي قدر إدراك الوقوف ، ولو لم يذكره
حتّى قضى مناسكه لم يعد. ويصلّي الإمام الظهرين بمنى ، وغيره بمكّة ، ويبيت الجميع
بها ويخرج منها بعد الشمس ، وغيره بعد الفجر داعين ، ورخّص للعليل والكبير قبل ذلك
، ثمّ يصلّي الظهرين بعرفات جمعا بأذان واحد وإقامتين ، ثمّ يقف لا تحت الأراك إلى
الغروب.
ولو أفاض قبله
عامدا جبره ببدنة.
ويصلّي
العشاءين بالمزدلفة ، ولو صار إلى ربع الليل استحبابا.
والوقوف
بالمشعر بعد الفجر فرض ، ولو خرج قبله عامدا جبره بشاة عدا النساء والخائف
المضطرّ.
ويستحب وطء
المشعر للصرورة ، والتقاط سبعين حصاة منه برشا كحلية
__________________
منقّطة غير مكسّرة.
ويكره للإمام
الخروج قبل طلوع الشمس لا لغيره. ويستحب السعي في وادي محسّر ، وتكره مجاوزته قبل
طلوع الشمس.
ويرمي جمرة
العقبة يوم النحر بسبع حصيات ، على طهر ، من قبل وجهها ، خذفا ، داعيا ، غير
متباعد بما يزيد عن خمسة عشر ذراعا.
ثمّ يذبح هدية
إن كان متمتعا فرضا ، ولو عجز صام ثلاثة في الحجّ آخرها عرفة ، أو ثلاثة بعد
التشريق ، وسبعة إذا رجع. ويشترط كونه من النعم ثنيا من الإبل والبقر والمعز ، ويجزي
الجذع من الضأن تامّا غير مهزول.
ويستحبّ الإناث
إلّا من الغنم ، ممّا عرّف به ، وجعل يده مع يد الذابح داعيا ، ولو كان نائبا ذكر
صاحبه ولو بقلبه ، ويقسمه أثلاثا للأكل والهديّة والصدقة. ويجزي الواحد عن سبعة
وعن سبعين مع الضرورة ، ويجوز إخراج اللحم من منى وادّخاره.
الأضحية
مستحبّة ، وشروطها شروط الهدي ، وأيّامها بمنى أربعة أوّلها النحر وفي الأمصار
الثلاثة.
ولا يؤكل من
هدي الكفّارات والنذور والجزاء ، ولا يخرج من منى ولا يدّخر إلّا ما يتصدق بثمنه.
ثمّ يقصّر ، والحلق
أفضل يبدأ بناصيته إلى الأذنين ، ويتأكد في الصرورة ،
__________________
وتقصّر المرأة لا غير ، ولو نسي رجع له ، وإن تعذّر قصّر أو حلق حيث ذكر ، وبعث
شعره ليدفن بمنى.
ثمّ يمضي ليومه
أو لغده إلى مكّة إن كان متمتّعا ، وإلّا جاز تأخيره.
ثمّ يطوف للحجّ
، ويسعى له ، ثمّ يطوف طواف النساء ، ويأتي بركعتيه رجلا كان أو امرأة ، ولا تحلّ
له النساء إلّا معه.
ثمّ يبيت بمنى
واجبا ليالي التشريق ولو أخلّ لزمه عن كل ليلة شاة.
ويرمي الجمار
الثلاث في كلّ يوم ، كلّ جمرة بسبع حصيات مرتّبا آخرها جمرة العقبة ، ولو نكس أعاد
الوسطى وجمرة العقبة.
ويستحبّ رمي
الجمار من يسارها مكبّرا داعيا.
وينفر في
الثاني عشر إن شاء بعد الزوال ، ويدفن ما بقي ، ولو نفر في الثاني جاز قبلة .
ولو نسي رمي
يوم قضاه من الغد بكرة وما ليومه عند الزوال. ولو نسي الرمي عاد له ، ولو استمرّ
نسيانه لم يأثم.
ويستحبّ أن
يكون ماشيا متطهّرا.
ويرمي عن
الصبيّ والعليل والمغمى.
والتكبير بمنى
واجب عقيب خمس عشرة صلاة أوّلها ظهر يوم النحر ، وفي الأمصار عقيب عشر.
ويستحبّ دخول مسجد
الخيف ، والحصبة ، والاستلقاء فيه ، والصلاة ، والعود إلى مكّة ، ودخول
الكعبة للصرورة ، والصلاة في زواياها ، وعلى الرخامة
__________________
الحمراء بين الأسطوانتين ، ووداع البيت ، والخروج من باب الحنّاطين ، والسجود
باب المسجد ، والدعاء ، والصدقة بتمر يشتريه بدرهم.
ويكره البصاق
في البيت ، والامتخاط فيه.
والمرأة كالرجل
في وجوب الحجّ وشرائطه. وتحرم الحائض وتقضي المناسك عدا الطواف ، فلو حاضت قبله
متمتّعة نقلت متعتها حجّا لو خافت مع التربّص وقضت العمرة. ولو فجأها فيه وقد
تجاوزت النصف سعت وقصّرت وقضت ما بقي بعد طهرها ، ولو كان أقلّ فهي كمن لم يطف.
ويجوز تقديم الطوافين إذا خافت الحيض ، والمستحاضة كالطاهر والحائض تودع من باب
المسجد.
والمبتولة
فريضة على الرجال والنساء بالشرائط ، وتسقط بالتمتع ، والقارن والمفرد بإتيان بها
بعد الحجّ ، ويجوز في كلّ شهر وأقلّه عشرة أيام.
__________________
كتاب الجهاد
وهو فرض كفاية
على الذكر البالغ العاقل الصحيح الحرّ غير الهمّ ، بشرط وجود الإمام أو نائبه.
والمرابطة
مستحبّة من ثلاثة إلى أربعين ، والزيادة كالجهاد. وتجب بالنذر.
وتقبل الجزية
من اليهود والنصارى والمجوس ، وتقديرها إلى الإمام يضعها على رءوسهم أو أرضهم ولا
يجمع ، ويزيد وينقص ، ولا يؤخذ من المجانين والنساء والصبيان والبله ، وإذا أسلموا
سقطت.
وشروط الذمّة
قبول الجزية وأن لا يتظاهروا بأكل الخنزير وشرب الخمر والزنا ونكاح
المحرّمات ، ولا تقبل من غيرهم إلّا الإسلام.
ويقاتلون بكلّ
وصلة عدا السمّ.
ومن أسلم في
دار الحرب حقن دمه وعصم ولده وماله الذي ينقل.
ويسبي من لم
يبلغ أو اشتبه بلوغه ، ومن أنبت الحق بالرجال.
وتقسم الغنيمة
بعد إخراج الخمس بين المقاتلة ومن حضر القتال ومن يولد ومن لحق للمعونة ، للفارس
سهمان وللراجل سهم ، ولذي الفرسين فصاعدا ثلاثة ، وكذا ما يغنم في المركب. وما لا
ينقل من الغنيمة للمسلمين ، ومن يؤخذ منهم ومن يوسر ـ والحرب قائمة ـ تضرب عنقه أو
تقطع يداه ورجلاه ، ويترك حتّى ينزف . وبعد انقضائها يمنّ عليه أو يسترقّ أو يفادي.
__________________
ويجب قتال من
خرج على إمام عادل حتّى يفيء ، فإن كان لهم فئة أجهز على جريحهم وتبع مدبرهم وقتل
أسيرهم ، وإلّا لم يجز. ولا تسبى ذراري الفريقين.
ومن أظهر
السلاح في برّ أو بحر للإخافة جاز قتاله دفعا عن النفس والمال وإن أدّى إلى قتله.
والأمر بالواجب
واجب ، وبالمندوب مندوب ، والنهي عن المنكر واجب. وهو فرض عين. ومن شرط الوجوب
العلم بصفته وتجويز تأثيره وأمن الضرر. ويجب باللسان واليد والقلب ، فإن أمكن
الجميع وإلّا اقتصر على الممكن.
تمّ والحمد لله
ربّ العالمين وصلاته على محمّد وآله أجمعين.
الفهارس
العامّة
١_ الرسائل
التسع
٢ ـ مصادر
التحقيق
٣ ـ الآيات
الكريمة
٤ ـ الأحاديث
الشريفة
٥ ـ الأشعار
٦ ـ الأعلام
الواردة في متن الرسائل
٧ ـ الكتب
الورادة في متن الرسائل
٨ ـ فهرس
مقدّمة التحقيق
٩ ـ الموضوعات
_________________
فهرس عناوين الرسائل
١ ـ جواب المسائل
العزّية............................................. ٤٩
ـ ١٧٨
٢ ـ جواب المسائل العزّية أيضاً...................................... ١٧٩
ـ ١٩٤
٣ ـ جواب المسائل المصرية.......................................... ١٩٥
ـ ٢٣٢
٤ ـ جواب المسائل البغدادية......................................... ٢٣٣
ـ ٢٦٦
٥ ـ جواب المسائل الخمسة عشر..................................... ٢٦٧
ـ ٢٨٢
٦ ـ جواب المسائل الكمالية......................................... ٢٨٣
ـ ٣٠٠
٧ ـ جواب المسائل الطبرية.......................................... ٣٠١
ـ ٣٢٤
٨ ـ رسالة حول استحباب التياسر لأهل العراق
كتبها في جواب سؤال الخواجة نصير الدين الطوسي ـ ره ـ ٣٢٥ ـ ٣٣٢
٩ ـ المقصود من الجمل والعقود : وهو مختصر
الجمل والعقود للشيخ الطوسي ـ ره ـ ، مطابقاً لفتاوى المحقّق الحلّي ـ ره ـ................................................................... ٣٣٣
ـ ٣٦٤
فهرس
مصادر التحقيق
١ ـ القرآن
الكريم.
٢ ـ أبو هريرة.
للسيّد شرف الدين العاملي.
٣ ـ الاستبصار.
للشيخ الطوسي. طبع النجف.
٤ ـ الإصابة في
تمييز الصحابة. لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. طبع دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
٥ ـ الأعلام
للزركلي. طبع دار العلم للملايين ـ بيروت ـ لبنان ـ الطبعة السادسة.
٦ ـ أعلام
الشيعة للعلّامة الطهراني ـ ره. الطبعة الأولى.
٧ ـ أعيان
الشيعة للسيد محسن الأمين العاملي. طبع سنة ١٤٠٣ ه. ق في ١١ جزءا.
٨ ـ أمل الآمل.
للشيخ الحرّ العاملي. تحقيق السيّد أحمد الحسيني.
٩ ـ الانتصار.
للسيّد المرتضى. الطبع الحجري وطبع النجف.
١٠ ـ أنوار
الملكوت في شرح الياقوت. للعلّامة الحلّي. من منشورات جامعة طهران سنة ١٣٣٨ ه. ش.
١١ ـ بحار
الأنوار للعلّامة المجلسي ـ ره. الطبع الحديث.
١٢ ـ تاج
العروس في شرح القاموس. للزبيدي.
١٣ ـ التاج
الجامع للأصول.
١٤ ـ البيان
للشيخ الطوسي. طبع النجف في عشر مجلّدات.
١٥ ـ تفسير أبي
الفتوح الرازي. طبع المكتبة الإسلامية بطهران في ١٢ مجلّدا.
١٦ ـ تفسير علي
بن إبراهيم القمي. الطبع الحجري والطبع الحديث.
١٧ ـ تمهيد
الأصول في علم الكلام. للشيخ الطوسي. من منشورات جامعة طهران. سنة ١٣٦٢ ه. ش.
١٨ ـ التنقيح
الرائع في شرح المختصر النافع. للفاضل المقداد. طبع قم.
١٩ ـ تنقيح
المقال للشيخ عبد الله المامقاني. الطبع الحجري.
٢٠ ـ توضيح
المقاصد للشيخ البهائي. الطبع الحجري وطبع قم.
٢١ ـ تهذيب
الأحكام للشيخ الطوسي. طبع النجف في عشر مجلّدات.
٢٢ ـ جامع
أحاديث الشيعة. للسيد البروجردي ـ ره. طبع قم.
٢٣ ـ جامع
البيان تفسير القرآن. لمحمد بن جرير الطبري.
٢٤ ـ جامع
الرواة للأردبيلي. الطبعة الاولى.
٢٥ ـ جامع
الشرائع. لابن سعيد الحلّي. الطبع الأوّل.
٢٦ ـ جامع
الشواهد. الطبع الحجري.
٢٧ ـ الجامع
الصغير لجلال الدين السيوطي. المطبوع مع شرحه.
٢٨ ـ الجمل
والعقود للشيخ الطوسي. طبع مشهد الرضا ـ عليهالسلام. وطبع قم.
٢٩ ـ جواب
المسائل الرسيّة رسائل الشريف المرتضى.
٣٠ ـ جوامع
الجامع للشيخ الطبرسي. طبع تبريز وطهران.
٣١ ـ جواهر
الفقه. المطبوع مع عدّة رسائل أخر بعنوان الجوامع الفقهية. الطبع الحجري.
٣٢ ـ جواهر
الكلام. للشيخ محمد حسن النجفي. الطبع الحديث في ٤٣ مجلّدا.
٣٣ ـ خاتمة
المستدرك للحاج ميرزا حسين النوري. الطبع الحجري والافست.
٣٤ ـ خلاصة
الأقوال للعلّامة الحلّي. طبع النجف والطبع الحجري.
٣٥ ـ الخلاف
للشيخ الطوسي. طبع كوشانبور. وطبع جماعة المدرسين بقم.
٣٦ ـ دروس
معرفة الوقت والقبلة. للشيخ حسن حسنزاده آملي. طبع قم.
٣٧ ـ دعائم
الإسلام للقاضي نعمان المصري. طبع مصر سنة ١٣٧٩ ه. ق.
٣٨ ـ الذخيرة
في علم الكلام. للسيّد المرتضى. طبع جماعة المدرسين بقم.
٣٩ ـ الذريعة
إلى أصول الشريعة. للسيّد المرتضى. من منشورات جامعة طهران سنة ١٣٤٦ ه. ش.
٤٠ ـ الذريعة
إلى تصانيف الشيعة. للعلامة الطهراني.
٤١ ـ رجال ابن
داود. طبع النجف. وطبع طهران.
٤٢ ـ رجال
الشيخ الطوسي. طبع النجف.
٤٣ ـ رجال
الكشّي. طبع مشهد الرضا ـ عليهالسلام ـ وطبع قم.
٤٤ ـ رجال
النجاشي. طبع جماعة المدرسين بقم.
٤٥ ـ رسائل
الشريف المرتضى. تحقيق السيد أحمد الحسيني في أربع مجلّدات.
٤٦ ـ الرسائل
العشر للشيخ الطوسي. طبع جماعة المدرسين بقم.
٤٧ ـ رسالتان
مجموعتان من فتاوى العلمين علي بن بابويه القمي وابن أبي عقيل. تأليف الشيخ عبد
الرحيم البروجردي. طبع قم.
٤٨ ـ روضات
الجنات. الطبعة الثانية.
٤٩ ـ رياض
العلماء. طبع قم في ستّة مجلّدات.
٥٠ ـ السجود
على الأرض. للشيخ علي الأحمدي الميانجي. طبع قم مؤسّسة في طريق الحق.
٥١ ـ السرائر.
لابن إدريس. الطبع الحجري والطبع الحديث.
٥٢ ـ سنن ابن
ماجة. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. مجلدان. طبع دار الفكر.
٥٣ ـ سنن أبي
داود السجستاني.
٥٤ ـ السنن
الكبرى. للبيهقي.
٥٥ ـ سنن
الترمذي.
٥٦ ـ سنن الدار
قطني. لعلي بن عمر الدار قطني.
٥٧ ـ سنن
الدارمي. طبع دمشق. مجلّدان.
٥٨ ـ سنن
النسائي مع شرحه لجلال الدين السيوطي. طبع بيروت في أربع مجلّدات.
٥٩ ـ الشرائع
للمحقّق الحلّي. الطبع الحجري وغيره.
٦٠ ـ شرح
البداية في علم الدراية. للشهيد الثاني. الطبع الحديث.
٦١ ـ صحيح
البخاري. لأبي عبد الله محمّد بن إسماعيل البخاري.
٦٢ ـ صحيح
مسلم. لمسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري.
٦٣ ـ صحيفة أهل
الصفا. لميرزا محمد الأخباري. مخطوط.
٦٤ ـ عدّة
الأصول للشيخ الطوسي. طبع قم. وطبع بمبئى.
٦٥ ـ علل
الشرائع للشيخ الصدوق. طبع قم.
٦٦ ـ عوالي
اللئالي. لابن أبي جمهور الأحسائي. طبع قم. أربع مجلّدات.
٦٧ ـ غياث
سلطان الورى. لابن طاوس. طبع قم.
٦٨ ـ فرائد
الأصول للشيخ الأنصاري. طبع رحمة الله وغيره.
٦٩ ـ الفقه على
المذاهب الأربعة. طبع مصر خمس مجلّدات.
٧٠ ـ فهرست
مكتبة جامعة طهران.
٧١ ـ فهرست
المكتبة الرضوية بمشهد الرضا ـ عليهالسلام.
٧٢ ـ فهرست
مكتبة « مجلس شوراى إسلامي » بطهران.
٧٣ ـ فهرست
مكتبة آية الله المرعشي بقم.
٧٤ ـ فهرست
مكتبة المسجد الأعظم بقم.
٧٥ ـ فهرست
مكتبة الملك بطهران.
٧٦ ـ فهرست
المكتبة الملّي بطهران.
٧٧ ـ فيض
القدير في شرح جامع الصغير. لمحمد عبد الرءوف المناوي.
٧٨ ـ قاموس
الرجال للمحقّق التستري. الطبع الأوّل والثاني.
٧٩ ـ قواعد
الأحكام للعلّامة الحلّي. الطبع الحجري المحشّي.
٨٠ ـ الكافي
للشيخ الكليني ـ ره ـ طبع الآخوندي في ثمانية مجلّدات.
٨١ ـ كتاب من
لا يحضره الفقيه. طبع مكتبة الصدوق بطهران وطبع النجف.
٨٢ ـ كشف
الرموز. طبع جماعة المدرسين بقم.
٨٣ ـ كشف
الظنون للحاج خليفة. أربع مجلّدات.
٨٤ ـ كنز
الفوائد. للشيخ الكراجكي. الطبع الحجري والطبع الحديث.
٨٥ ـ كنز
العمال في سنن الأقوال والأفعال. لعلاء الدين على المتقي الهندي.
٨٦ ـ الكنى
والألقاب. للشيخ عباس القمّي. طبع النجف. ثلاث مجلّدات.
٨٧ ـ لسان العرب
لجمال الدين محمد بن مكرم بن منظور المصري.
٨٨ ـ المبسوط
للشيخ الطوسي. طبع المكتبة المرتضوية بطهران.
٨٩ ـ مجمع
البيان. للشيخ الطبرسي. طبع المكتبة الإسلامية بطهران.
٩٠ ـ مجمع
الرجال. للقهپائي. الطبع الأوّل في سبعة مجلّدات.
٩١ ـ مجمع
الفائدة شرح إرشاد العلّامة. للمحقّق الأردبيلي. الطبع الحجري والطبع
الحديث.
٩٢ ـ المحاسن.
للبرقي. تحقيق المحدّث الارموي ، طبع طهران.
٩٣ ـ مختلف
الشيعة. للعلّامة الحلّي. الطبع الحجري.
٩٤ ـ المراسم
للسلار. الطبع الحديث تحقيق الدكتور محمود البستاني.
٩٥ ـ مسائل علي
بن جعفر. المطبوع في البحار. والطبع الحديث.
٩٦ ـ مستدرك
الوسائل. للحاج ميرزا حسين النوري. الطبع الحجري والافست.
٩٧ ـ مستطرفات
السرائر. طبع قم.
٩٨ ـ مسند
أحمد. لأحمد بن محمد بن حنبل. طبع مصر في ستّة مجلّدات.
٩٩ ـ مصباح
الفقيه. للحاج آقا رضا الهمداني.
١٠٠ ـ المصباح
المنير. للفيّومي.
١٠١ ـ معارج
الأصول. للمحقّق الحلّي. طبع قم.
١٠٢ ـ معاني
الأخبار. للشيخ الصدوق. طبع مكتبة الصدوق بطهران.
١٠٣ ـ المعتبر
للمحقق الحلّي الطبعة الثانية والثالثة.
١٠٤ ـ معجم
البلدان. لياقوت بن عبد الله الرومي الحموي. في خمسة مجلّدات.
١٠٥ ـ معجم
رجال الحديث لآية الله الخوئي دامت بركاته.
١٠٦ ـ المعجم
المفهرس لألفاظ الحديث النبوي.
١٠٧ ـ المعجم
المفهرس لألفاظ وسائل الشيعة. للسيّد الطبيبى سلمه الله.
١٠٨ ـ المعجم
المفهرس لألفاظ آيات القرآن الكريم.
١٠٩ ـ معجم
الوسائل. للسيّد المصطفوي رحمهالله.
١١٠ ـ المغني.
لابن قدامة.
١١١ ـ مفتاح
الفلاح. للشيخ البهائي. الطبع الحجري وغيره.
١١٢ ـ مفتاح
الكرامة. للسيّد الجواد العاملي. وعشر مجلّدات.
١١٣ ـ المقابيس.
للشيخ أسد الله التستري. الطبع الحجري.
١١٤ ـ مقدّمة
الارجوزة لجعفر بن الفضل بن الحسين بن مهدويه. مخطوط.
١١٥ ـ المقنعة
للشيخ المفيد. طبع جماعة المدرسين بقم. والطبع الحجري.
١١٦ ـ مكارم
الأخلاق. لأبي نصر رضي الدين الحسن بن الفضل الطبرسي.
١١٧ ـ ملاذ
الأخبار للعلّامة المجلسي. طبع مكتبة آية الله المرعشي ـ ره ـ بقم.
١١٨ ـ منتهى
المقال في علم الرجال. لأبي علي الحائري. الطبع الحجري.
١١٩ ـ موطإ
مالك.
١٢٠ ـ المهذّب
البارع في شرح مختصر الشرائع. لابن فهد الحلّي. طبع قم.
١٢١ ـ المهذّب.
لابن البراج. طبع قم. مجلّدان.
١٢٢ ـ الناصريات.
المطبوع في ضمن الجوامع الفقهية. الطبع الحجري.
١٢٣ ـ نكت
النهاية. للمحقّق الحلّي. الطبع الحجري والطبع الحديث.
١٢٤ ـ النهاية
في غريب الحديث والأثر. للمبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير.
١٢٥ ـ النهاية
للشيخ الطوسي. من منشورات جامعة طهران ثلاث مجلّدات.
١٢٦ ـ نيل
الأوطار. للشوكاني. تسعة أجزاء في أربع مجلّدات.
١٢٧ ـ الوافي.
للفيض الكاشاني. الطبع الحجري والطبع الحديث.
١٢٨ ـ وسائل
الشيعة. للشيخ الحرّ العاملي. طبع المكتبة الإسلامية بطهران.
١٢٩ ـ وسيلة
النجاة للسيّد أبي الحسن الأصبهاني.
١٣٠ ـ هداية
المحدّثين المشتركات للكاظمي. من منشورات مكتبة آية الله المرعشي بقم.
١٣١ ـ هداية
الأحباب للمحدّث القمي. الطبع الحجري وغيره.
فهرس آيات
القرآن الكريم
البقرة (٢)
( فولّ وجهك شطر المسجد
الحرام)...................... ٤٤ و ١٥٠ / ٣٢٧,٣٢٨
(فولّوا وجهكم شطره).................................. ٤ و ١٥٠
/ ٣٢٧ ، ٣٢٨
(يريد الله بكم اليسر
ولا يريد بكم العسر)........................ ٨٥ / ٦٣ ، ١٢٢
(ولا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل).................................... ٨٨ /
٣٠٦
(فإذا تطهّرن فآتوهنّ
من حيث أمركم الله).............................. ٢٢ / ١٧٦
(نساؤكم حرث لكم فأتوا
حرثكم أنّى شئتم)........................... ٢٣ / ١٧٣
(قالوا إِنّما البيع
مثل الربا وأحلّ الله البيع وحرّم الربا).... ٧٥ / ١٣٤ ، ١٤٢ ، ١٤٨
آل عمران (٣)
(قل إن كنتم تحبّون
الله فاتّبعوني)....................................... ٣١
/ ١١٦
النساء (٤)
(واُحلّ لكم ما وراءَ
ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ
اُجورهنّ فريضة) ٢٤ / ١٥٤ ، ١٥٩ ، ١٦٢ ، ١٧٢
(لا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل إلّا أن تكون تجارة عن تراض منكم)... ٢٩ / ١٣٥ ، ١٤٥
(فلم تجدوا ماءً
فتيمّموا صعيداً طيّبا ً)..................... ٤٣ / ٦٣ ، ٢٢٨ ، ٢٨٠
المائدة (٥)
(اُحلّت لكم بهيمة
الأنعام).............................................. ١
/ ٢٤١
(اُحل لكم الطيّبات)............................................... ٤
و ٥ / ١٧٥
(يا أيّها الذين آمنوا
قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءُوسكم وأرجلكم إلى
الكعبين وإن كنتم جنباً فاطّهروا)........................................................................ ٦ / ٦٣ ، ٧١ ، ٨١ ، ٩١ ، ١٥٦ ، ٢٠٥ ، ٢٢٨ ،
٢٨٠
الأنعام (٦)
(خالق كلّ شيء)..................................................... ١٠٢
/ ٦٦
الأعراف (٧)
(واتّبعوه لعلّكم
تهتدون)............................................. ١٥٨
/ ١١٦
الأنفعال (٨)
(وينزّل عليكم من
السماء ماء ليطهركم به)....................... ١١ / ٦٢ ، ٢٢٧
هود (١١)
(هؤلاء بناتي هنّ أطهر
لكم)........................................... ٧٨
/ ١٧٣
(وأقم الصلاة طرفي
النهار وزلفاً من اليل)............................. ١١٤ / ١١٢
الرعد (١٣)
(خالق كلّ شيء)...................................................... ١٦
/ ٦٦
إبراهيم (١٤)
(وإن تعدّوا نعمة الله
لا تحصوها)....................................... ٣٤
/ ١٤١
النحل (١٦)
(فإذا قرأت القرآن
فاستعذ بالله)....................................... ٩٨
/ ١٥٦
الاسراء (١٧)
(سبحان الذي أسرى بعبده
ليلا من المسجد الحرام)........................ ١ / ٣٢٩
(أقم الصلاة لدلوك الشمس
إلى غسق الّيل) ٢٧٠ ، ١٢٧ ، ٧٨ / ١٠١ ، ١١٢ ، ١١٧
الكهف (١٨)
(آتوني اُفرغ عليه
قطراً)................................................ ٩٦
/ ٨٥
طه (٢٠)
(وأقم الصلاة لذكري)................................ ١٤ / ١١٥
، ١١٨ ، ١٢٣
الحجّ (٢٢)
(وما جعل عليكم في
الدين من حرج).................................. ٧٨ / ١٣٢
المؤمنون (٢٣)
(والذين هم لفرجهم
حافظون * إلّا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء
ذلك فاولئك هم العادون)....................................................... ٥
و ٦ و ٧ / ١٦٩ ، ١٧٣
النور (٢٤)
(الزانية والزاني
فاجلدوا كل واحد منهما)................................ ٢ / ١٤٨
الفرقان (٢٥)
( وأنزلنا من السماء
ماء طهوراً)................................ ٤٨ / ٢٠٢
، ٢٢٨
الشعراء (٢٦)
(أتأتون الذكران من
العالمين * وتذرون ما خلق لكم من أزواجكم)...................
................................................................................. ١٦٥ و ١٦٦ / ١٧٣
الأحزاب (٣٣)
(وليس عليكم جناح فيما
أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم).............. ٥ / ٢٧٦
(لقد كان لكم في رسول
الله اُسوة حسنة).............................. ٢١ / ١١٦
فاطر (٣٥)
(إنّما يخشى الله من
عباده العلماء)................................. ٢٨ / ٧٥
، ٧٩
ص (٣٨)
(فطفق مسحاً باسوق والأعناق)................................... ٣٣ / ٨٤
، ٨٨
الزمر (٣٩)
(خالق كلّ شيء)...................................................... ٦٢
/ ٦٦
غافر (٤٠)
(فاغفر للذين تابوا واتّبعوا
سبيلك ...)................................... ٧ / ٣٤٦
(خالق كلّ شيء)...................................................... ٦٢
/ ٦٦
الواقعة (٥٦)
(في جنّات النعيم)...................................................... ١٢
/ ٨٧
(يطوف عليهم ولدان
مخلّدون بأكواب ... وحور عين).............. ١٧ ـ ٢٢ / ٨٧
المجادلة (٥٨)
(فتحرير رقبة)......................................................... ٣
/ ٢٤٤
الطلاق (٦٥)
(فإذا بلغن أجلهنّ
فأمسكوهنّ بمعروف أو فارقوهنّ بمعروف وأشهدوا ذوى عدل منكم) ٢ / ٢٥٢ ، ٢٧٦
الجنّ (٧٢)
( وأنّهم ظنّوا كما
ظننتم أن لن يبعث الله أحداً)............................. ٧ / ٨٥
المدّثر (٧٤)
(وثيابك فطهر)........................................................ ٤
/ ٢١٢
البيّنة (٩٨)
(و ما اُمروا إلّا
ليعبدوا الله مخلصين له الدين)................................ ٥ / ٧١
الماعون (١٠٧)
(الذين هم عن صلاتهم
ساهون).......................................... ٤
/ ١٠٣
(و يمنعون الماعون)..................................................... ٧
/ ١١١
فهرس
بعض الأحاديث الواردة في هذه الرسائل
اتركوا
ما لا بأس به حذار ما به البأس................................... ١٢٧
، ١٣٢
إذا
بلغ الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء.............................................. ٧٠
إذا
بلغ الماء كرّاً يحمل نجاسة..................................................... ٦٨
إذا
بلغ الماء كرّاً لم يحمل خبثاً.............................................. ٦٢
، ٦٨
إذا
بلغ الماء قدر قلّتين لم ينجسه شيء............................................ ٦٨
إذا
زالت الشمس دخل وقت الصلاة........................................... ٢٧٠
إذا
التقي الختانان وجب الغسل.................................................. ٩٤
إذا
وضع الختان على الختان فقد وجب الغسل..................................... ٩٥
إذا
أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم........................................ ٩٥
إذا
جلس بين شعبها وجب الغسل................................................ ٩٥
إذا
نامت العين والسمع وجب الوضوء........................................... ٩٩
إذا
جرّ القرض نفعاً فهو ربا............................................ ١٤٨
، ١٥١
أذن
لنا رسول الله صلىاللهعليهوآله
في المتعة ثلاثاً .................................. ١٥٤
، ١٦٩
أسبغ
الوضوء وخلّل الأصابع..................................................... ٨٦
استمتعوا
من هذه النساء .............................................. ١٥٤
، ١٦٩
أفضل
العبادات أحمزها........................................................ ١٢٢
اُمّتي
الغرّ المحجّلون من آثار الوضوء............................................... ٧٣
إنّما
الأعمال بالنيّات..................................................... ٧٣
، ٧٨
إنمّا
الربا في النسيئة............................................................. ٧٥
إنما
الماء من الماء................................................................ ٧٥
إنه
سئل عن رجل اغتسل للجنابة ولم ينو. قال : يعيد الغسل........................ ٧٢
إنّه
(التمتّع) محرّمة إلى يوم القيامة............................................... ١٧١
إنّه
رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل.................................... ١٥٩
إنّه
توضّأ ومسح على قدميه ونعليه............................................... ٨١
إنّه
توضّأ ومسح على قدميه وفيها النعل........................................... ٨١
إنّه
توضّأ مرّة مرّة وغسل رجليه.................................................. ٨٦
إنّه
نهى عن المتعة............................................................. ١٥٤
التصرّف
يبطل الرّد بالعيب.................................................... ٢٥٧
جعلت
لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً......................................... ٢٠٢
حتّيه
ثمّ اقرصيه ثمّ اغسليه بالماء......................................... ٢١١
، ٢١٢
خلق
الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو رائحته............... ٦٢
خمرّوا
أوانيكم................................................................ ٢١٧
دع
ما يريبك إلى ما با يريبك............................................ ٧٠
، ١٢٦
سوق
المسلمين مطهرة......................................................... ٢٧٨
صلّى
على جنازة بقوم ثمّ جاء آخرون فصلّى بهم مراراً............................ ٢٦٣
صلّوا
كما رأيتموني اُصلّي.............................................. ١١٢
، ١١٤
الطاهرة
شطر الإيمان.......................................................... ٢٠٥
على
اليدما أخذت............................................................ ٣٠٥
علّموا
ويسّروا ولا تعسّروا..................................................... ٢٩٣
قال
إنّ الله لا يستحي من الحقّ ـ ثلاث مرات ـ لا تأتةا النساء في أدبارهنّ........ ١٧٦
كان
يتطهّر من بئر بضاعة..................................................... ٢٢٥
لا
ضرر ولا إضرار........................................................... ١٢٢
لا
ضرر في الإسلام........................................................... ١٣٢
لا
صلاة لمن عليه صلاة................................................ ١٢٣
، ١٢٨
لا
ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها...................................... ١٧٦
لا
صلاة إلّا بطهور............................................................ ٢٠٥
من
توضّأ مرّة آتاه الله الأجر مرّة ، ومن توضّأ مرّتين آتاه الله الأجر مرّتين. ٧٣ ، ٧٦ ، ٨٠
المؤمنون
عند شروطهم........................................................ ١٣٦
من
نام عن صلاة أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها فإنّ ذلك وقتها..................... ١٢٤
من
نسى صلاة فذكرها وهو في صلاة مكتوبة فليبدأ بالتي هو فيها فإذا فرغ منها فليقض
التي ذكرها ١٢٩
من
كان عنده فليخلّهن........................................................ ١٧١
الماء
طهور................................................................... ٢٢٨
المهر
ما تراضى به الأهلون..................................................... ٢٤٣
من
صام رمضان وستّة أيّام من شوّال كان له ثواب من صام الدهر................. ٢٥٢
من
أدخل في ديننا ما ليس منه فهو ردّ........................................... ٢٧٦
المسلم
حرام كلّه ، ماله ودمه وعرضه........................................... ٣٠٧
الناس
مسلّطون على أموالهم.................................................... ٣٠٧
الناصبي
من قدم علينا أهل البيت فقد نصب لنا العداوة............................ ٢٧٧
نهى
عن متعة النساء يون خيبر وعن الحمر الإنسية................................ ١٦٩
الناس
في سعة ما لم يعلموا..................................................... ١٣٢
نيّة
المؤمن خير من عمله......................................................... ٨٠
الوضوء
قبل الطعام ينفي الفقر ، وبعده ينفي اللمم................................ ٢٠٣
الوقوف
عند الشبهة خير من الارتطام في الهلكة........................... ١٢٧
، ١٣٢
ويل
للأعقاب من النار.......................................................... ٨٥
فهرس الأشعار
معاوى إنّنا بشر فاسجح
|
|
فلسنا بالجبال ولا الحديدا ٨٤
|
كأنّ بشيراً في عرافين وبله
|
|
كبير اُناس في بجاد مزمّل ٨٤
|
ولو أنّما أسعى لأدنى معيشة
|
|
كفاني ولم أطلب قليل من المال ٨٥
|
لم يبق إلّا أسير غير منفلت
|
|
أو موثق في عقال الأسر مكبول ٨٧
|
فهرس
الأعلام الواردة في المتن
ابن
إدريس [صاحب السرائر]................................................. ٣٢٢
ابن
اُذينة..................................................................... ٣١٩
ابن
أبي عقيل......................................................... ٢١٨
، ٢١٧
ابن
أبي عمير................................................................. ٢٤٣
ابن
أبي يعفور................................................. ٢٢٢
، ٢١٣ ، ١٧٤
ابن
البرّاج..................................................................... ٦٢
ابن
بكير............................................................. ١٤٦
، ١٣٥
ابن
جرير الطبري [صاحب التفسير].............................................. ٨١
ابن
درستويه................................................................... ٩٥
ابن
سرّاج................................................................... ١٤٠
ابن
سنان............................................. ٢٣٠
، ١٣١ ، ١٢٠ ، ١٠٦
ابن
صقال................................................................... ١٩١
ابن
عبّاس............. ٢٠٤ ، ١٧٢ ، ١٧٠
، ١٥٥ ، ١٢٩ ، ٩٠ ، ٨٣ ، ٨٢ ، ٨١
ابن
فضّال................................................................... ٢٣٠
ابن
محبوب................................................................... ١٦٠
ابن
مسعود................................................... ١٧٢
، ١٧٠ ، ١٥٩
ابن
مسكان........................................... ٢٤١
، ١٥٩ ، ١٢٤ ، ١٠٧
أبو
بصير......... ٣١٩ ، ٣١٣ ، ٢٧٠ ، ٢٢٩
، ٢١٨ ، ١٥٩ ، ١٣١ ، ١٢٤ ، ٢٠
أبو
الجارود.................................................................. ١٥١
أبو
الحسين [البصري]........................................................ ١٨٥
أبو
حنيفة............................................................ ٢٥٦
، ٢٤٣
أبو
خديجة................................................................... ٣١٤
أبو
سارة.................................................................... ١٦٠
أبو
سهل.........................................................................
أبو
الصباح الكناني.................................................... ١٢١
، ١٠٢
أبو
الصلاح................................................................... ٧٩
أبو
طالب بن غرور........................................................... ١٩١
أبو
غالب بن هذيل............................................................. ٨٢
أبو
كهمس.................................................................. ٣٠٩
أبو
مريم..................................................................... ١٦٠
أبو
المفضّل................................................................... ١٩١
أبو
هريرة...................................................... ١٧٧
، ١٧٦ ، ٨٥
إبراهيم
الكرخي............................... ١٠٩
، ١٠٨ ، ١٠٧ ، ١٠٤ ، ١٠٣
اُبيّ
بن كعب................................................................. ١٥٥
أحمد
بن محمد بن أبي نصر............................................... ٢١٨
، ٨٣
أحمد
بن هلال............................................................... ٢٣٠
أديم
بن بيّاع الهروي.......................................................... ٢٤٧
إسحاق
بن عمّار............................................................. ٣٠٤
إسماعيل
بن أبي خالد.......................................................... ١٥٩
إسماعيل
بن أبي زياد السكوني.............................................. ٦٤
، ٦١
إسماعيل
بن فضل الهاشمي...................................................... ٢٩٧
امرؤ
القيس.................................................................... ٨٥
أنس
بن مالك........................................................... ٩٠
، ٨٣
بكر
بن كرب................................................................ ٢٢٨
بكير........................................................................ ١٠٣
البلخي...................................................................... ١٥٩
التلّعكبري
أبو محمد محمد بن موسى..................................... ١٩٢
، ١٩١
الجبائي
= الجبائيان...................................................... ١٨٥
، ٨١
جرّاح
المدائني......................................................... ٢٤١
، ٢٣٩
جعفر
بن الحسين بن حسكة القمي. أبو الحسين.................................. ١٩٢
الحسن
البصري................................................................ ٨١
الحسن
بن على بن فضال = ابن فضال.................................. ١٤٦
، ١٣٥
الحسن
بن محمد بن علي....................................................... ١٦٩
الحسين
بن سعيد...................................................... ١٢٩
، ١٢١
الحسين
بن عبيدالله. أبو عبدالله................................................. ١٩١
حفص
بن غياث.............................................................. ٢١٨
حكم
بن حكيم الصيرفي............................................... ٢١٥
، ٢١٣
الحلببي................................................. ٢٦٢
، ٢٤١ ، ٢١١ ، ٨٢
حمّاد................................................................ ٢٢٤
، ٢٢٣
حمّاد
بن عثمان............................................................... ١٧٤
حمّاد
بن عيسى............................................................... ٣١٥
حمزة
[القارئ]................................................................. ٨٧
حمزة
بن أحمد.......................................................... ٢٢٩
، ٥٧
حمزة
بن عبد المطّلب.......................................................... ٢٦٣
خالد
بن الحجّاج............................................................. ١٥٠
خزيمة
بن ثابت....................................................... ١٧٨
، ١٧٦
الخطابي....................................................................... ٩٠
خولة
بنت بشار.............................................................. ٢١٢
داود
بن فرقد......................................... ٢٤٧
، ١٠٨ ، ١٠٦ ، ١٠٥
ذريح....................................................................... ١١٣
الراوندي............................................. ٢٠٩
، ٢٠٥ ، ٢٠١ ، ١٢٩
الربعي...................................................................... ١٠٩
ربيع
بن سبرة................................................................ ١٦٩
زرارة............................................................................ ٣١٩ ، ٣١٠ ، ٢٩٧ ، ٢٤٧ ، ١٥٩ ، ١٣١ ، ١٣٠ ،
١٢٥ ، ١٢٤ ، ١٢١ ، ١١٩ ، ١١٥ ، ١٠٨ ، ١٠٧ ، ١٠٦ ، ١٠٣ ، ٨٦
سبرة................................................................ ١٧١
، ١٧٠
سدير....................................................................... ١٧٨
سعيد
بن جبير................................................................ ١٥٥
سعيد
بن يسار............................................................... ٣٠٤
السلّار................................................................. ٢٤٠
، ٦٢
سليمان
بن قيس الهلالي........................................................ ٣٠٦
سماعة....................................................................... ٢١٨
سهل
بن زياد......................................................... ١٢٩
، ١٢٤
الشافعي..................................................................... ٢٤٢
الشريف=
السيّد الشريف..................................................... ١٩٧
شهاب
بن عبدربّه............................................................ ٢٤٩
الصفّار...................................................................... ١٣٥
صفوان...................................................................... ١٧٤
الطاهر
[صاحب شرح الجمل]................................................... ٩٥
عائشة.................................................................. ٨٩
، ٨٥
عبدالله
بن سنان....................................... ٢٢٨
، ١٢٢ ، ١٠٩ ، ١٠٣
عبدالله
بن عمير الليثي..............................................................
عبدالله
بن محمد بن علي....................................................... ١٦٩
عبدالله
بن يحيى الكاهلي......................................................... ٩٢
عبدالرحمن
بن أبي عبدالله...................................................... ١٢٤
عبد
العزيز بن البرّاج.................................................... ١٩٩
، ٦٢
عبد
العزيز بن المهتدي........................................................ ٣٢٣
عبدالملك بن عتبة ١٤٦ ، ١٣٥
عبيد
بن زرارة................. ١٣٠ ، ١٢٤
، ١١٧ ، ١١٠ ، ١٠٨ ، ١٠٦ ، ١٠٤
عزّالدين
عبد العزيز............................................................ ٥١
عزّالدين
[الفقيه]............................................................. ١٨١
علي
بن الحديد............................................................... ٢٢٠
علي
بن الحكم............................................................... ١٧٤
علي
بن جعفر........................................................ ٢٢٢
، ٢١٧
علي
السائي.................................................................. ١٦٠
علي
بن محمد................................................................ ١٣٥
علي
بن يقطين........................................................ ٢٢٢
، ١٧٤
عماد
الطوسي................................................................ ١٢٩
عمر
بن حنظلة............................................................... ١٢٢
عمر
بن الخطّاب.............................................. ١٧٢
، ١٦٩ ، ١٥٤
عمّار.......................................................... ٢١٨
، ٢١٧ ، ٦٥
عمرو
بن يحيى........................................................ ١٣٠
، ١٢٥
غياث
بن إبراهيم..................................................... ٢١٥
، ٢١٣
الفضل...................................................................... ٢١٧
فضل
بن يونس....................................................... ١٠٥
، ١٠٢
الفضيل...................................................................... ١٠٣
[الفقهاء
الأربعة = أئمّة الجمهور الأربعة................................... ٩٥
، ٨٦]
القاضي...................................................................... ١٨٧
قيس
بن أبي حازم.................................................................
الكسائي...................................................................... ٨٧
الكليني...................................................................... ١٢١
محمد
بن إسحاق بن عمّار............................................. ١٤٦
، ١٣٥
محمد
بن إسماعيل بن أشناس. أبو علي........................................... ١٩١
محمد
بن بزيع......................................... ٢٦٣
، ٢٢٤ ، ٢٢٣ ، ٢٢٢
محمد
بن الحسن = الشيخ الطوسي...................................................
١٧٣
، ١٢١ ، ١٠٩ ، ١٠٥ ، ٧٧ ، ٧١ ، ٦٨ ، ٦٤ ، ٢٠٤ ، ٢٠٣ ، ٢٠١ ، ٢٠٠ ، ١٩٩ ، ١٩١ ، ٢٢٩
٢٢٧ ، ٢٢٥ ، ٢٢١ ، ٢١١ ، ٢٠٩ ، ٢٤٣ ، ٢٤٢ ، ٢٤١ ، ٢٤٠ ، ٢٣١ ، ٢٣٠ ، ٢٦٢ ، ٢٥٦ ، ٢٥٠
، ٢٤٧ ، ٢٤٥ ، ٢٤٤ ، ٢٩٥ ، ٢٨١ ، ٢٧٩ ، ٢٧٨ ، ٢٦٩ ، ٢٦٣ ، ٣٢٣ ، ٣٢٢ ، ٣١٧ ، ٢٩٨
محمد
بن الحميد................................................................ ٥٧
محمد
بن سليمان الحمراني= أبو زكريا.......................................... ١٩٢
محمد
بن سنان........................................................ ١٢٩
، ١٢٤
محمد
بن محمد بن الحسن الطوسي [الخواجة]..................................... ٣٢٧
محمد
بن محمد بن سهل الآبي= كمال الدين..................................... ٢٨٥
محمد
بن عبده................................................................ ١٣٥
محمد
بن علي بن بابويه= الشيخ الصدوق......... ٢٣٠
، ١٩١ ، ١٢٩ ، ١٢٠ ، ١٠٩
محمد
بن عيسى.............................................................. ١٣٥
محمد
بن قيس......................................... ١٥٢
، ١٥١ ، ١٥٠ ، ١٤٨
محمد
بن محمد بن النعمان= الشيخ المفيد............................................. ٣١٤ ، ٣١١ ، ٢٨١ ، ٢٥٩ ، ٢٥٦ ، ٢٣٠ ، ٢٢٩ ،
٢٢٧ ، ٢٢١ ، ٢١٦ ، ٢١٥ ، ٢١١ ، ٢١٠ ، ١٩١ ، ١٧٣ ، ١٠٤
محمد
بن مسلم......... ١٠٣ ، ١٣٥ ، ١٤٦ ، ١٥١
، ١٥٣ ، ٢٢٩ ، ٢٤١ ، ٣١٩
محمود
بن زين الدين الخواري= سديد الدين..................................... ٣٠٣
المرتضى=علم
الهدى = السّيد المرتضى............................................... ٣٢٤ ، ٣١٩ ، ٣١٧ ، ٣١١ ، ٢٨١ ، ٢٧٩ ، ٢٧٧ ،
٢٧٦ ، ٢٥٦ ، ٢٣٠ ، ٢٢١ ، ٢١٦ ، ٢١٥ ، ٢١٢ ، ٢١١ ، ١٨٩ ، ١٨٨ ، ١٣٧ ، ١٣١ ، ١٢٩ ، ٧٧
، ٧١ ، ٦٨ ، ٦٢
معاوية
بن............................................................ ٢٢٤
، ٢٢٣
معاوية
بن عمّار.............................................................. ٢٤٥
معاوية
بن وهب...................................................... ٣١٠
، ١١٣
معمر
بن يحيى......................................................... ١٣٠
، ١٢٥
مفضّل
بن عمر....................................................... ٢٩٦
، ٢٩٥
موسى
بن عبد الملك.......................................................... ١٧٤
النجاشي
[صاحب الرجال].................................................... ٢٩٦
النظّام....................................................................... ٢٨٦
الوشّاء........................................................................ ٧٢
وكيع....................................................................... ١٥٩
وليد
بن صبيح............................................................... ١٥٠
يعقوب
بن شعيب.............. ٢٤٠ ، ١٥٣ ، ١٥٢
، ١٥١ ، ١٥٠ ، ١٤٩ ، ١٤٧
يونس............................................................... ١٠٩
، ١٠٨
فهرست الكتب الواردة في متن هذه الرسائل
الاستبصار
للشيخ الطوسي............................................. ٢٢١
، ١٢١
اصول
ابن سرّاج............................................................. ١٤٠
الاعلام
للشيخ المفيد.......................................................... ٣١١
كتاب
البحر................................................................. ١٢٨
تهذيب
الأحكام للشيخ الطوسي................................. ٣٢٣
، ٢٢١ ، ١٢١
الخلاف=
مسائل الخلاف للشيخ الطوسي................ ٢٩٥
، ٢٤٧ ، ٢١١ ، ١٢١
الخلاف=
مسائل الخلاف للسيّد المرتضى........................................ ٢١٦
الخلاف=
مسائل الخلاف للشيخ المفيد.......................................... ٢١٦
الذريعة
للسيّد المرتضى........................................................ ١٣٧
رجال
النجاشي............................................................... ٢٩٦
رسالة
المفيد إلى ولده.......................................................... ٢٨١
الشرائع
للمحقق الحلّي........................................................ ٢٩٥
شرح
الجمل للطاهر............................................................ ٩٦
العزّية=
الرسالة العزّية للشيخ المفيد............................................. ٣١٥
كتاب
من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق...................................... ١٢١
المبسوط
للشيخ الطوسي................ ٣٢٢ ، ٢٥٠
، ٢٤٣ ، ٢٠٣ ، ٢٠٠ ، ١٩٩
مسألة
منفردة حول طهارة الماء النجس بالقاء.........................................
الكرّ
عليه لابن إدريس.......................................................... ٥٢
المصباح
للسيّد المرتضى................................................ ٣١١
، ٢٧٩
معالم
السنن للخطابي............................................................ ٩٠
المقنعة
للشيخ المفيد............................................ ٣١١
، ٢٢٩ ، ٢١٠
الناصريات........................................................... ٣١٩
، ٢١٢
النهاية
للشيخ الطوسي ٢٤٠ ، ٢٣٩ ، ٢٢١ ، ٢٠٠
، ١٩٧ ، ٣٢٣ ، ٣١٧ ، ٢٧٨ ، ٢٥٣ ، ٢٤٤ ، ٢٤١
فهرس مقدّمة التحقيق
كلمة
الناشر= مكتبة آية الله المرعشي ـ ره ـ بقم............................ ٣
ـ ٧
حياة
المؤلف.............................................................. ٩
ـ ٢٢
ولادة
المؤلف.................................................................... ٩
اسمه
وكنيته ولقبه ونسبه.......................................................... ٩
أبوه
وجدّه..................................................................... ١٠
الثناء
عليه.............................................................. ١٠
ـ ١٨
بعض
مشايخه........................................................... ١٨
ـ ١٩
بعض
تلامذته.................................................................. ١٩
تأليفاته................................................................ ٢٠
ـ ٢١
وفاته......................................................................... ٢٢
النسخ
التي وقفنا عليها من الرسائل التسع.................................. ٢٣
ـ ٢٤
نماذج
من النسخ التي كانت عندنا حين التحقيق من الرسائل التسع........... ٢٥ ـ ٤٦
فهرس مسائل الرسائل
١ ـ المسائل العزّيّة وهي تشتمل على تسع مسائل..................... ٤٩
ـ ١٧٨
المسألة الأولى : في
أنّ الماءان النجسان إذا لم يتغيّرا بالنجاسة وجمعا فبلغا كرّاً فصاعداً لم يزل
عنهما حكم التنجيس ٥٢ ـ ٧٠
المسألة الثانية : في
اعتبار النيّة في الطهارة............................... ٧١
ـ ٨٠
المسألة الثالثة : في
وجوب المسح على الرجلين.......................... ٨١
ـ ٩٠
المسألة الرابعة : في
أنّ وجوب غسل الجنابة موقوف على وجوب المشروط به......... ٩١ ـ ١٠٠
المسألة الخامسة : في
المواقيت الصلوات............................. ١٠١
ـ ١١١
المسألة السادسة : في
أنّ الفوائت ليست مرتبة على الحاضرة.......... ١١٢
ـ ١٣٣
المسألة السابعة : في
جرّ النفع بالقرض.............................. ١٣٤
ـ ١٥٣
المسألة الثامنة : في
نكاح المتعة..................................... ١٥٤
ـ ١٧٢
المسألة التاسعة : في
وطء الحلائل في الدبر.......................... ١٧٣
ـ ١٧٨
٢ ـ المسائل العزّيّة الثّانية وهي تشتمل على سبع مسائل................ ١٧٩ ـ ١٩٣
المسألة الأولى : في
معنى قول المتكلّمين أنّ القدرة لا تتعلّق في الوقت الواحد ... إلّا بجزء واحد ١٨١ ـ ١٨٣
المسألة الثانية : في
أنّ المطلوب بالتكليف أهو مجرّد الفعل أو وجهه أو هما........ ١٨٤
المسألة الثالثة : في
أنّ الإرادة هي الداعي أم أمر زائد عليه............ ١٨٥
ـ ١٨٧
المسألة الرابعة : في معنى قول السيّد المرتضى : إنّ القدرة لا تبقى............... ١٨٨
المسألة الخامسة : في
معنى قول السيّد المرتضى : وما يدخل فيه معنى النسخ ١٨٩ ـ ١٩٠
المسألة السادسة : في
بيان المقصود من (عدّة من أصحابنا) في كلام الشيخ الطوسي ١٩١
المسألة السابعة : في
أن الوصيّ يجب عليه إخراج الخمس من تركة الموصى إذا علم أنّ في ماله الخمس ١٩٣
٣ ـ المسائل المصريّة وهي
تشتمل على خمس مسائل.................. ١٩٥
ـ ٢٣١
المسألة الأولى : في
شرح الباب الأوّل من النهاية للشيخ الطوسي....... ١٩٨
ـ ٢١٠
المسألة الثانية : في
إزالة النجاسة بالمائعات........................... ٢١١
ـ ٢١٦
المسألة الثالثة : في
أنّ الماء القليل ينجس بالملاقاة..................... ٢١٧
ـ ٢٢٠
المسألة الرابعة : في
أنّ ماء البئر ينجس بالملاقاة...................... ٢٢١
ـ ٢٢٦
المسألة الخامسة : في
أنّ الماء المستعمل في غسل الجنابة يرفع به الحدث.. ٢٢٧
ـ ٢٣١
٤ ـ المسائل البغداديّة وهي تشتمل على ٤٢ مسألة.................. ٢٣٣
ـ ٢٦٥
المسألة الأولى : إذا
أتلف الإنسان على غيره دابّة أو جارية هل يلزمة المثل أو القيمة ... ٢٣٥
المسألة الثانية : إذا
أمرت امرأة صبيّاً بالصعود إلى سطحها ... هل عليها ديته.... ٢٣٦
المسألة الثالثة : في
أنّ العيب في الحيوان السابق على العقد يوجب جواز الفسخ حتىّ بعد الثلاثة ٢٣٦
المسألة الرابعة : في
وجوب الخمس فيما يصطفيه الإمام........................ ٢٣٧
المسألة الخامسة : في
ما إذا أقرّ رجل بالقتل بعد ما ثبت بالقسامة كون شخص آخر قاتلاً ٢٣٧
المسألة السادسة : في
رجل قتله خمسة أنفس عمداً فاختار وليّ الدم قتل ثلاثة منهم ٢٣٨
المسألة السابعة : في
أنّ المضمون له ليس له مطالبة الضامن قبل حلول أجل الدين ٢٣٨
المسألة الثامنة : في
كراهية بيع المرابحة....................................... ٢٣٩
المسألة التاسعة : في
شرح عبارة من المراسم للسلّار........................... ٢٤٠
المسألة العاشرة : في
شرح مسألة من النهاية للشيخ الطوسي................... ٢٤٠
المسألة الحادية عشرة
: في أنّ وكيل المرأة ليس له العقد بأقل ممّا عيّنته المرأة للمهر ٢٤١
المسألة الثانية عشرة
: في أنّ المهر إذا كان كلّياً وأفراده مختلفة......... ٢٤٢
ـ ٢٤٤
المسألة الثالثة عشرة
: في شرح كلام من الشيخ في النهاية............ ٢٤٤
ـ ٢٤٥
المسألة الرابعة عشرة
: في عدم جواز علوّ بناء الذمّي على بناء جاره المسلم....... ٢٤٥
المسألة الخامسة عشرة
: في حكم إتيان صلاة العصر في وقت الظهر ساهياً...... ٢٤٦
المسألة السادسة عشرة
: في عقد المحرم على محرمة والدخول بها جاهلاً.......... ٢٤٧
المسألة السابعة عشرة
: في جواز جعل العمرة حجّاً إن ضاق الوقت............ ٢٤٧
المسألة الثامنة عشرة
: في أنّه ليس على المقرّ له يمين........................... ٢٤٨
المسألة التاسعة عشرة
: في أنّه إذا وهبت المرأة مهرها لزوجها ثمّ طلّقها قبل الدخول هل له مطالبة نصف
المهر أيضاً ٢٤٨
المسألة العشرون : في
دار كانت لجماعة فباع أحدهم جميع الدار.............. ٢٤٩
المسألة الحادية
والعشرون : في رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فصام من الشهر الأوّل أيّاماً ومرض ٢٥٠
المسألة الثانية
والعشرون : من كان عليه صوم شهرين متتابعين هل يجوز أن يصوم شعبان ٢٥٠
المسألة الثالثة
والعشرون : حكم الشكّ بين الأربع والخمس.................... ٢٥١
المسألة الرابعة
والعشرون : بيان الوجوه المحتملة في الحديث النبوي من صام رمضان وستّة أيّام من
شوّال ٢٥٢
المسألة الخامسة
والعشرون : في الحبوة....................................... ٢٥٣
المسألة السادسة
والعشرون : في أنّه لا يجوز للوصيّ أن يبيع شيئاً من التركة بدون قيمته ٢٥٣
المسألة السابعة
والعشرون : في جواز التقاصّ................................. ٢٥٤
المسألة الثامنة
والعشرون : في أنّه لا يصحّ عقد النكاح إلّا على مدّة متّصلة بالعقد ٢٥٥
المسألة التاسعة
والعشرون : في وجوب الصوم ثلاثة أيّام في الاعتكاف المنذور ولو لم يذكر الناذر أن
يكون فيها صائماً ٢٥٥
المسألة الثلاثون : في
أنّ التصرّف يبطل الردّ بالعيب أم لا..................... ٢٥٧
المسألة الحادية
والثلاثون : في أنّ إجارة الوقوف من الظالم باطلة............... ٢٥٧
المسألة الثانية
والثلاثون : في وجوب ما فات عن الميّت من صلاة أو صيام على الولد الأكبر وعدم جواز
استيجاره عنه إلّا أن يوصي بذلك................................................................... ٢٥٨
المسألة الثالثة
والثلاثون : في أنّ القول قول البائع مع بقاء السلعة وقول المشتري مع تلفها ٢٥٩
المسألة الرابعة
والثلاثون : في أنّ الوقف مع انقراض الموقوف عليهم يرجع إلى ورثة الواقف أو
الموقوف عليهم ٢٥٩
المسألة الخامسة
والثلاثون : في أنّ الحدث قبل صلاة الاحتياط لا يبطل الصلاة... ٢٦٠
المسألة السادسة
والثلاثون : في حكم الشك بين الاثنين والثلاث والأربع وكذا بين الاثنين والأربع وهو
قائم ٢٦١
المسألة السابعة
والثلاثون : في صحّة الوصيّة بالوقف.......................... ٢٦١
المسألة الثامنة
والثلاثون : في الوصيّة للزوجة ما لم تتزوّج...................... ٢٦٢
المسألة التاسعة
والثلاثون : في الصلاة على الجنازة مرّتين...................... ٢٦٢
المسألة الأربعون : في
أنّ الاستيطان ستة أشهر يوجب إتمام الصلاة ولو كان في أوقات متعدّدة ومتفرّقة ٢٦٣
المسألة الحادية
والأربعون : في عدم نفوذ الوصيّة للولد زائدة على الثلث......... ٢٦٤
المسألة الثانية
والأربعون : في عدم نفوذ الوصيّة للزوجة زائدة على الثلث ولو كان مورد الوصيّة في
ملك الزوّجة فأقرّت بأنّه لزوجها........................................................................ ٢٦٤
٥ ـ المسائل الخمسة عشر
والموجود منها تسعة مسائل............... ٢٦٧
ـ ٢٨٢
المسألة السادسة : في
طهارة دم البراغيث والخنافس و................ ٢٧٠
ـ ٢٧١
المسألة السابعة : في
عدم إثبات النجاسة بقول العدل الواحد.......... ٢٧١
ـ ٢٧٢
المسألة الثامنة : في
عدم اشتراط الطهارة في سجدة التلاوة..................... ٢٧٢
المسألة التاسعة : في
الجمع بين صلاة الظهر والعصر وكذا بين المغرب والعشاء ٢٧٣ ـ ٢٧٤
المسألة العاشرة : في
عدم صحة الطلاق إذا شهد الشاهدان متفرّقين.... ٢٧٥
ـ ٢٧٦
المسألة الحادية عشرة
: في حلّية ذبائح المسلمين عدا الخوارج والغلاة والمجسّمة.... ٢٧٧
المسألة الثانية عشرة
: في شرح عبارة من نهاية الشيخ الطوسي ـ ره ـ ٢٧٨
ـ ٢٧٩
المسألة الثالثة عشرة
: إذا صلى انسان وفي إصبعه خاتم مغصوب................ ٢٨٠
المسألة الرابعة عشرة
: في عدم جواز التيمّم بالتراب النجس لفاقد الطهورين..... ٢٨٠
المسألة الخامسة عشرة
: إذا أنكر الوديعة ثم اعترف بها أو شهد عليه شاهدان عدلان فادّعي التلف ٢٨١
٦ ـ المسائل الكماليّة وهي تشتمل على عشر مسائل................. ٢٨٣
ـ ٢٩٩
المسألة الاولى : في
الجوهر الفرد والدلالة على ثبوته.................. ٢٨٥
ـ ٢٩٠
المسألة الثانية : في
أنّ الحوادث متناهية............................. ٢٩٠
ـ ٢٩٢
المسألة الثالثة : في
الاستدلال على بطلان التسلسل........................... ٢٩٢
المسألة الرابعة : في
لزوم معرفة العقائد بالدليل............................... ٢٩٢
المسألة الخامسة : في
أنّ إيجاد العالم لغرض.......................... ٢٩٣
ـ ٢٩٤
المسألة السادسة في
القبلة : حول التياسر في القبلة............................ ٢٩٥
المسألة السابعة : في
وجوب مراعاة الإعراب في القراءة........................ ٢٩٦
المسألة الثامنة : في
عدم جواز أخذ الزكاة للهاشمي من غيرهم.................. ٢٩٦
المسألة التاسعة : في
أنّ ذمّة الميّت تبرأ بما يؤدّى عنه من الحقوق................ ٢٩٧
المسألة العاشرة : في
وجوب كون صيغة عقد النكاح بالعربية بأحد الألفاظ الثلاثة ٢٩٨
٧ ـ المسائل الطّبريّة وهي تشتمل على ٢٢ مسألة................... ٣٠١
ـ ٣٢٤
المسألة الأولى : في
جواز اشتراط البائع مدّة لخيار الفسخ...................... ٣٠٣
المسألة الثانية : في
عدم ضمان الساعي واختصاص الضمان بالظالم القابض...... ٣٠٥
المسألة الثالثة : في
حكم اشتراك اثنين في إتلاف بهيمة لثلاث.................. ٣٠٦
المسألة الرابعة : في
عدم جواز التصرّف للغاصب.................... ٣٠٦
ـ ٣٠٨
المسألة الخامسة : في
أنّ للمرأة أن تمنع عن الزوج قبل الدخول حتى تقبض مهرها ٣٠٨
المسألة السادسة : في
أنّ الزيادة في الطواق الواجب عمداً يبطله................ ٣٠٩
المسألة السابعة : في
بيان الفرق بين ما يسقى بالقرب والدوالي وما يسقى بالسيح ٣١٠
المسألة الثامنة : في
حرمة قراءة السور الأربع على الجنب والحائض............. ٣١١
المسألة التاسعة : في
وجوب التقصير على المسافر ولو ألجأه ظالم إلى السفر....... ٣١٢
المسألة العاشرة : في
عدم جواز السفر مع ظهور أمارة الخوف.................. ٣١٢
المسألة الحادية عشرة
: في عدم جواز أخذ سهم الإمام لفقراء الشيعة والعلويّين... ٣١٣
المسألة الثانية عشرة
: في جواز الانتفاع بأموال أهل الحرب.................... ٣١٥
المسألة الثالثة عشرة
: في عدم وجوب الاكتساب لأداء الدين.................. ٣١٥
المسألة الرابعة عشرة
: في صحّة هبة القصاص والدية......................... ٣١٦
المسألة الخامسة عشرة
: في عدم اشتراط نيّة الوجوب أو الندب في صحّة الطهارة ٣١٧
المسألة السادسة عشرة
: في عدم إبطال الاحتلام في نهار رمضان الصوم وإن لم يغتسل إلى اليل ٣١٨
المسألة السابعة عشرة
: في عدم جواز هبة أم الولد والوصية بها................. ٣١٨
المسألة الثامنة عشرة
: في حكم الشك في صلاة الآيات............... ٣١٨
ـ ٣٢٠
المسألة التاسعة عشرة
: ذا كان على الموروث دين وكان بعض الورثة حاضرا أو كانوا حاضرين وتصدى بعضهم
لجواب الغريم فصالحه على عقار يساوي الدين................................................... ٣٢٠
المسألة العشرون : في
أن المعتبر استحضار معنى تعيين الصلاة والوجوب والأداء والقربة ، لا استحضار صورة
الألفاظ المذكورة في الكتب في الذهن......................................................... ٣٢١
المسألة الحادية
والعشرون : في أن رؤية الهلال في بلد لا تنفع لبلد آخر بعيد عنه ٣٢١ ـ ٣٢٢
المسألة الثانية
والعشرون : في أن الكافر إذا باشر الخمر بجسمه ثم صار خلالا يكون الخل طاهرا ٣٢٢ ـ ٣٢٤
٨ ـ رسالة تياسر القبلة............................................ ٣٢٥
ـ ٣٣٢
مقدمة تشتمل على بحثين.................................................. ٣٢٨
البحث الأول في أن
لفقهائنا قولان......................................... ٣٢٨
البحث الثاني في أن من
شاهد الكعبة لا تياسر عليه........................... ٣٢٩
إيرادات ثلاثة............................................................ ٣٣٠
جواب الايراد الأول...................................................... ٣٣٠
جواب الايراد الثاني....................................................... ٣٣١
جواب الايراد الثالث...................................................... ٣٣١
٩ ـ المقصود من الجمل والعقود.................................... ٣٣٣
ـ ٣٦٣
كتاب الطهارة................................................... ٣٣٥
ـ ٣٣٩
كتاب الصلاة................................................... ٣٤٠
ـ ٣٤٤
صلاة الجمعة والعيدين
وغيرها..................................... ٣٤٥
ـ ٣٤٦
كتاب الزكاة.................................................... ٣٤٧
ـ ٣٤٨
أحكام الأرضين.......................................................... ٣٤٩
زكاة الفطرة............................................................. ٣٥٠
كتاب الصوم.................................................... ٣٥١
ـ ٣٥٣
الاعتكاف............................................................... ٣٥٤
كتاب الحج..................................................... ٣٥٥
ـ ٣٦١
الأضحية................................................................. ٣٥٩
كتاب الجهاد............................................................. ٣٦٢
الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر........................................... ٣٦٣
الفهارس العامّة..................................................... ٣٦٧
ـ ٤٠٠
١ ـ عناوين الرسائل
التسع............................................... ٣٦٧
٢ ـ مصادر التحقيق..................................................... ٣٦٨
٣ ـ الآيات الكريمة...................................................... ٣٧٤
٤ ـ الأحاديث الشريفة.................................................. ٣٧٩
٥ ـ الأشعار............................................................ ٣٨٢
٦ ـ الأعلام الواردة
في المتن هذه الرسائل................................... ٣٨٣
٧ ـ الكتب الواردة في
متن هذه الرسائل................................... ٣٩٠
٨ ـ فهرس مقدّمة
التحقيق................................................ ٣٩١
٩ ـ الموضوعات ومسائل الرسائل التسع.................................... ٣٩٢
|