بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تقديم :

جعفر السبحاني

العقيدة والشريعة

أو

الفقه الأكبر والفقه الأصغر

يعتمد الإسلام في دعوته العالمية ، على العقيدة والشريعة من دون تفريق وفصل بينهما.

فبالدعوة إلى الأولى يغذي العقل والفكر ، ويرفع الإنسان إلى سماء الكمال ، ويصونه عن السقوط في مهاوي الشرك والوثنية ، وعبادة غير الله سبحانه ، ويلفت نظره إلى مبدئه ومصيره ، وانه من أين جاء ولما ذا جاء ، وإلى أين يذهب.

وبالدعوة إلى الثانية يعبد طريق الحياة له ويضيى‌ء دروبها الموصلة إلى سعادته الفردية والاجتماعية ، الدنيوية والأخروية.


أن المهم الجدير بالذكر هو أن الإسلام لا يفرق بين التركيز على العقيدة والشريعة ، ويندد بالذين يفكرون في العقيدة دون الشريعة ، ويختصرون الدين في الإيمان المجرد عن العمل ، بل يرى أن ترك العمل قد يؤدي إلى زوال العقيدة ، ويقول سبحانه ( ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ ) ( الروم ـ ١٠ ) وفي نفس الوقت يندد بالذين يهونون من شأن العقيدة ويعكفون على العمل والعبادة من دون تدبر في غاياتها ، ومقاصدها ، والتفكير في الآمر بها ، ويرون العبادة في السجود والركوع فقط ويغفلون عن قوله سبحانه ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ ) ( آل عمران ـ ١٩١ ).

وتأكيدا لهذه الصلة بين العلمين ، قام لفيف من علمائنا القدامى والمتأخرين بالجمع بينهما حتى في التأليف فكان الفقه الأكبر ( العقائد ) إلى جانب الفقه الأصغر ( الأحكام ). نذكر من ذلك على سبيل المثال لا الحصر :

١ ـ السيد الشريف المرتضى ( ٣٥٥ ـ ٤٣٦ ه‍ ) صاحب الآثار الجليلة. فقد جمع بين العلمين في كتابه المسمى بـ « جمل العلم والعمل ».

وقد تولى شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه‍ ) شرح القسم الكلامي منه وأسماه : « تمهيد الأصول » وقد طبع ونشر.

كما تولى تلميذه الآخر القاضي ابن البراج ( ٤٠١ ـ ٤٨١ ه‍ ) شرح القسم الفقهي منه وأسماه : « شرح جمل العلم والعمل » وقد طبع أخيرا.

٢ ـ الشيخ أبو الصلاح تقي الدين الحلبي ( ٣٧٤ ـ ٤٤٧ ه‍ ) فقد ألف كتابا


باسم : « تقريب المعارف في العقائد والأحكام » وقد طبع ونشر.

٣ ـ أبو المكارم عز الدين حمزة بن علي بن زهرة الحلبي ( ٥١١ ـ ٥٨٥ ه‍ ) مؤلف : « غنية النزوع » فقد أدرج في كتابه العقائد وأصول الفقه والأحكام.

إلى غير ذلك من تآليف على هذا النمط يطول الكلام بذكرها.

ونذكر من المتأخرين مثالا واحدا وهو كتاب « كشف الغطاء » لمؤلفه المحقق فقيه عصره الشيخ جعفر النجفي المعروف بكاشف الغطاء ( ١١٥٦ ـ ١٢٢٨ ه‍ ) حيث ضم إلى جانب الفقه مباحث هامة كلامية وأصولية لا يستغني عنها الباحث ، وبذلك أثبت أن العمل ثمرة العقيدة ، وقرينها تكوينا وتشريعا.

وممن سلك هذا المسلك مؤلف هذا الكتاب الذي يزفه الطبع إلى القراء الكرام ، وهو علاء الدين أبو الحسن علي بن الحسن بن أبي المجد الحلبي من أعلام القرن السادس الهجري.

فقد ألف كتابه هذا المسمى بـ « إشارة السبق إلى معرفة الحق » على هذا المنوال ، وقد طبع الكتاب في ضمن « الجوامع الفقهية » عام ١٢٧٦ ه‍ بالطبعة الحجرية ، ويعاد الآن طبعه بصورة محققة مصححة بهية.


ترجمة المؤلف :

إن التأريخ قد بخس المؤلف حقه حيث لم يذكر عنه شيئا جديرا بشخصيته العلمية الممتازة ، ولم يكن المؤلف هو الوحيد الذي أصابه هذا البخس ، فكم له من نظير في تاريخ علمائنا.

هذا هو الفقيه الطائر الصيت عز الدين الحسن بن أبي طالب اليوسفي الآبي مؤلف « كشف الرموز » (١) شرحا على كتاب « النافع » للمحقق ، فلا تجد لذلك الفقيه الكبير الذي يعرف كتابه عن تضلعه في الفقه ، ترجمة ضافية لائقة بشخصيته ، إلا جملا عابرة فلا عتب علينا إذا لم نوفق لأداء حق مؤلفنا ـ صاحب الكتاب الحاضر ـ فلنذكر ما وقفنا عليه من جمل الإطراء وعبارات الثناء عليه :

١ ـ قال المحقق الشيخ أسد الله التستري ( م ١٢٣٤ ه‍ ) صاحب المقابس :

ومنها ابن أبي المجد الشيخ الفقيه المتكلم النبيه علاء الدين أبو الحسن علي ابن أبي الفضل بن الحسن بن أبي المجد الحلبي ـ نور الله مرقده ـ وهو صاحب كتاب « إشارة السبق إلى معرفة الحق » في أصول الدين وفروعه إلى الآمر بالمعروف ، وتاريخ كتابة نسخته الموجودة عندي سنة ثمان وسبعمائة ، ويظهر من الأمارات أنها كانت عند صاحب « كشف اللثام » وأن هذا الكتاب هو الذي يعبر عنه فيه

__________________

(١) فرغ عن تأليف كتابه عام ٦٧٢ ه‍. ولا نعلم من ترجمته غير أنه تلميذ المحقق المتوفى عام ٦٧٦ ه‍.


بالإشارة (١).

٢ ـ وقال الخوانساري : أن « إشارة السبق إلى معرفة الحق » الذي يعبر عنه المتأخرون بالإشارة ، هو مختصر في أصول الدين وفروعه إلى باب الأمر بالمعروف فهو بنص الفاضل الهندي ، وصاحب الرياض وغير هما تصنيف الشيخ علاء الدين أبي الحسن بن أبي الفضل الحسن بن أبي المجد الحلبي ، ثم نقل عبارة صاحب « مقابس الأنوار » التي تقدمت (٢).

٣ ـ وقال الشيخ حبيب الله الكاشاني : منهم علاء الدين وهو علي بن أبي الفضل بن الحسن بن أبي المجد الحلبي ، كان متكلما ومن مصنفاته كتاب « إشارة السبق » (٣).

٤ ـ قال شيخنا الطهراني : علي بن الحسن ابن أبي المجد الحلبي علاء الدين أبو الحسن مؤلف كتاب « إشارة السبق إلى معرفة الحق » المطبوع في مجموعة « الجوامع الفقهية » في ١٢٧٦ ه‍. قال صاحب المقابس : إن تاريخ كتابة النسخة الموجودة عنده ٧٠٨ ه‍ وكنية والده أبو الفضل بن أبي المجد (٤).

٥ ـ وقال في الذريعة : « إشارة السبق إلى معرفة الحق » في أصول الدين وفروعه العبادية من الطهارة إلى آخر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، للشيخ

__________________

(١) مقابس الأنوار : ص ١٢ مؤسسة آل البيت ، قم.

(٢) روضات الجنات : ج ٢ ص ١١٤ ، وأوعزت إليه أيضا في ج ٤ ص ٣٥٦.

(٣) لباب الألقاب في ألقاب الأطياب : ٢١.

(٤) طبقات أعلام الشيعة النابس في القرن الخامس : ص ١١٩. وكان اللازم أن يذكره في قسم سادس القرون لا خامسها.


علاء الدين أبي الحسن علي بن أبي الفضل الحسن بن أبي المجد الحلبي. ترجمه سيدنا الحسن صدر الدين في التكملة (١) وذكر صاحب الروضات تصريح الفاضل الهندي ، وصاحب رياض العلماء بنسبة الكتاب إليه ، وذكر أن نسبته إلى الشيخ تقي الدين بن نجم الدين الحلبي كما وقعت عن بعض نشأت من الاشتراك في النسبة إلى حلب ، وقال الشيخ أسد الله في المقابس : إن النسخة الموجودة عندي من هذا الكتاب تاريخ كتابتها سنة ٧٠٨ ، وطبع ضمن مجموعة تسمى « الجوامع الفقهية » سنة ١٢٧٦ ه‍ (٢).

والإمعان في الكتاب يورث الاطمئنان بأنه كان من فقهاء القرن السادس الذين نجموا بعد الشيخ الطوسي وعاصروا الشيخ الطبرسي ( م ٥٤٨ ه‍ ) وعماد الدين محمد بن علي بن حمزة الطوسي المتوفى بعد سنة ٥٦٦ ه‍ ، وقطب الدين الراوندي المتوفى عام ٥٧٣ ه‍ ـ مؤلف « فقه القرآن » ، وقطب الدين محمد بن الحسن الكيدري البيهقي الذي كان حيا إلى سنة ٥٧٦ ه‍ ، مؤلف كتاب « الإصباح » ، ورشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب المتوفى عام ٥٨٨ ه‍. إلى غير ذلك من نوابغ القرن السادس الذي احتفل التأريخ ، وكتب التراجم بأسمائهم وأسماء كتبهم وتآليفهم.

والمؤلف من مدينة حلب الشهباء أكبر مدينة سورية بعد دمشق التي تبعد عن الحدود التركية قرابة خمسين كيلومترا ، وقد فتحها المسلمون سنة ١٦ ه‍ ، وقد أنشأ سيف الدين الحمداني الدولة الحمدانية فيها وجعل عاصمتها حلب ودخلت مدينة حلب آنذاك في عهد جديد وهو عهد أمجادها التي لم تشهد لها مثيلا ،

__________________

(١) وهذا القسم من التكملة بعد مخطوط وأما المطبوع فيرجع إلى علماء جبل عامل.

(٢) الذريعة إلى تصانيف الشيعة : ج ٢ ص ٩٩.


وأصبحت مركزا ثقافيا وشعريا وعسكريا من أعظم المراكز التي عرفها الإسلام ، وقد وفد كبار الشعراء والعلماء على بلاط سيف الدولة فصار ملتقى رجال العلم والفكر الذين وجدوا في العاصمة حاميا لهم.

وينسب إلى حلب من رواة الشيعة الأقدمين آل أبي شعبة ، في أوساط المائة الثانية ، وهذا البيت بيت كبير نبغ فيه محدثون كبار ، منهم الحسن بن علي ( المعروف بابن شعبة ) من علماء القرن الرابع مؤلف « تحف العقول ».

وكان في حلب سادات آل زهرة وكانوا نقباء ، وخرج منهم جملة من العلماء منهم السيد أبو المكارم : صاحب « الغنية » وقبره بسفح جبل « جوشن » إلى اليوم ، وذرية بني زهرة موجودة إلى الآن في قرية الفوعة من قرى حلب (١).

وقد طلع من تلك المدينة في القرنين الرابع والخامس فحول من فقهاء الشيعة نذكر أسماء بعضهم :

١ ـ علي بن الحسن بن شعبة ، من أعلام القرن الرابع ، مؤلف « تحف العقول ».

٢ ـ أبو الصلاح تقي الدين ، مؤلف كتاب « الكافي » ( ٣٧٤ ـ ٤٤٧ ه‍ ).

٣ ـ حمزة بن علي بن زهرة ( ٥١١ ـ ٥٨٥ ه‍ ) صاحب غنية الزوع.

٤ ـ السيد جمال الدين أبو القاسم عبد الله بن علي بن حمزة ( ٥٣١ ـ ٥٨٠ ) أخو أبي المكارم حمزة بن علي.

إلى غيرهم من الفطاحل الأعلام الذين أنجبتهم تلك التربة الخصبة بالفكر والفضيلة.

__________________

(١) دائرة المعارف الشيعية : ج ٣ ص ١٧ ـ ٣٦.


الماع إلى كتاب إشارة السبق :

الكتاب مجموعة من المعارف والأحكام وقد بسط الكلام في الأول واختصر في الثاني ، فحرر أحكام الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وختم الكلام مشعرا بأنه قد فرغ عما قصده ، ويعرب أن الكتاب كان رسالة علمية للمؤلف وقد كتبه بصورة واضحة وإن كانت براهينه في المعارف مشرقة عالية لا يتحملها إلا الأمثل فالأمثل.

وقد بذل الشيخ الفاضل المحقق إبراهيم البهادري المراغي ( حفظه الله ورعاه ) جهودا في تحقيق نص الكتاب وعرضه على النسخ المختلفة وعلق عليه في موارد إما إيضاحا للمطلب ، أو إيعازا إلى المصدر.

وأما النسخ التي تم عمل التطبيق عليها فإليك بيانها :

١ ـ النسخة المطبوعة ضمن « الجوامع الفقهية » عام ١٢٧٦ ه‍ ـ وجعلها الأصل الذي جرت عليها عملية التطبيق يرمز إليها بـ « ج ».

٢ ـ صورة فتوغرافية من نسخة المكتبة الرضوية في مشهد يرمز إليها بـ « أ ».

٣ ـ نسخة ناقصة من أولها وآخرها توجد في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي ضمن مجموعة برقم ١٢٧٢ يرمز إليها بـ « م ».

٤ ـ سلسلة الينابيع الفقهية يرمز إليها بـ « س ».

٥ ـ نسخة خامسة توجد في مكتبة جامعة طهران أشار إليها في فهرس المكتبة ، الجزء الخامس الصفحة ١٧٧٦ برقم ٩٢٠ ولم يتوفق المحقق للاستفادة منها.


وختاما ، نرجو من الله سبحانه أن يتغمد المؤلف الفقيه برحمته الواسعة ويوفق المحقق للأعمال الصالحة الأخرى.

كما نرجو منه سبحانه أن يوفق المسلمين للعودة إلى إحضان الفقه الإسلامي ، والأخذ بأحكام الشريعة في جميع المجالات ، ونبذ القوانين الوضعية الكافرة المستوردة.

وقد تم تحقيق الكتاب في مؤسسة الإمام الصادق ـ عليه‌السلام ـ وقامت بنشره مؤسسة النشر الإسلامي المعروفة بكثرة الإنتاج العلمي والخدمات الفكرية.

حيا الله رجال العلم والفقه ، وأبطال الاجتهاد في أمتنا الإسلامية المجيدة.

قم ـ مؤسسة الإمام الصادق ـ عليه‌السلام ـ

جعفر السبحاني

تحريرا في ٨ جمادى الأولى من شهور عام ١٤١٤



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما عم من نعمه ، وخص من عوارف جوده وكرمه ، وصلاته على سيدنا محمد نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المؤيد بإعجاز وحيه (١) وكلمه ، النافذ أمره في عروب الوجود وعجمه ، وعلى أهل بيته خزان علمه وحكمه ، وحفاظ عهده وذممه.

وبعد ، فقد أشرت إلى تحرير ما يجب اعتقاده عقلا ، والعمل به شرعا ، إشارة تعم باشتمالها (٢) على أركان كل واحد من التكليفين (٣) نفعا ، وتفيد من وعاها وآثرها ضبطا وجمعا.

ومن الله أستمد المعونة على ما يرضيه ، والمثوبة على ما أعبده من الحق وأيد به (٤).

إن الذي يجب اعتقاده من الأركان الأربعة التي هي : التوحيد والعدل والنبوة والإمامة ، هو ما يعم تكليفه ولا يسمع جهله ، مما جملته كافية أهل الجمل

__________________

(١) كذا في « أ » ولكن في « ج » « وصيه ».

(٢) في « ا » : تعم لها باشتمالها.

(٣) في « أ » : من المتكلفين.

(٤) كذا في « أ » ولكن في « ج » : على ما أعده وأيده به.


دون النظار وأهل التفاصيل. وذلك مما (١) لا يتم ثبوت كل واحد من هذه الأركان إلا بثبوته وما زاد على ذلك مما يتنوع من المباحث العقلية ، ويتفرع من الدقائق الكلامية لا يلزم أصحاب علم الجملة ، ولا هو من تكليفهم ، بل هو من تكاليف النظار المفصلين ولوازمهم ، وربما أن فيه ما ليس بلازم لهم ، بل هو مما قد تلزموا به ، إما ديانة وتحقيقا ، وإما فضيلة وتدقيقا.

ولما كانت جملة هذا التكليف التي لا بد منها ولا غنى عنها ، يقل (٢) رسمها ، لسهولتها وتفاصيلها التي تكلفها النظار يكثر رقمها ، ويطول شرحها لصعوبتها ، كانت الإشارة إلى ذلك ، بحيث لا تفريط في إيراد ما يفيد علمه ، ويعود نفعه وفهمه ، ولا إفراط فيما يتسع نظمه ، ويكشف حجمه أجود ما عول عليه المستفيد ، وأجرى (٣) ما نحاه واستزاد به المستزيد ، فخير الأمور أوسطها ، وهو ما سلكته في هذه الإشارة.

أما الكلام في ركن التوحيد

فهو في إثبات صانع العالم سبحانه ، وما يستحقه من الصفات نفيا وإثباتا ، وذلك يترتب على حدوث العالم.

وبرهانه : لو كان قديما لوجب وجوده فيما لم يزل ، وذلك يحيد صحة (٤) تنقل جواهره الآن ، وهو محال ، ولو لم يكن محدثا لم تكن أجسامه مختصة بالحوادث التي

__________________

(١) في « أ » : وذلك ما.

(٢) في « أ » : « بعد » بدل « يقل ».

(٣) في « ج » : أجدى.

(٤) في « أ » : وذلك يحيل صحة.


هي ملازمة لها غير منفكة عنها ، واختصاصها على الوجه الذي لا يصح حلوها في وجودها منها حاصل ، وكلما لا يخلو من المحدث ولا يسبقه في وجوده ، فهو محدث.

ولو صح خلو جسم من تعاقب الصفات الموجبة عن الأكوان اللازمة له في وجوده عليه ، لم يكن معقولا فضلا عن أن يكون موجودا ، لأنه قلب لجنسه المقطوع على استحالته ، وإذا لم يعقل (١) خلو الأجسام من الحوادث الملازمة لها في وجودها فلا بد من كونها محدثة مثلها ، وتناهي الحوادث مقطوع عليه بأنه إذا ثبتت لآحادها الأولية فلا بد من ثبوتها لمجموعها ، وإلا فإثباتها حوادث مع نفي تناهيها متناقض ، وثبوت حدوثه دال على إثبات محدثه ، لكونه ترجيحا لوجوده على عدمه ، وترجيح أحد الجائزين على الآخر لا بد له من مرجح.

وعلى كونه فاعلا مختارا لأن الموجب يستحيل تخلف معلوله عنه ، فإن كان قديما أدى إلى التباس الأثر بالمؤثر ، واحتياج كل واحد منهما إلى الآخر في نفس ما احتاج الآخر إليه فيه ، وإن كان محدثا احتاج إلى محدث ، ويلزم على كليهما الدور والتسلسل.

وإذا ثبت كونه تعالى فاعلا مختارا ، وجب كونه قادرا ، لأنه قد صح منه الفعل المتعذر على غيره ، وكل من صح منه ذلك ، لا بد أن يكون قادرا.

وعالما ، لأنه أحكم أفعاله وأتقنها ، أحكاما يتعذر على غيره ، وذلك لا يتأتى إلا من عالم.

وحيا ، لأنه قد صح كونه قادرا عالما ، لا بل قد وجب (٢) ، وصحته فضلا عن

__________________

(١) في « أ » : لم تعقل.

(٢) أي قد وجب كونه قادرا عالما.


وجوبه لا يثبت إلا لحي (١).

وموجودا ، لأنه أثر ما لا يعقل (٢) كونه أثر المعدوم ، ولأن له تعلقا بمقدوراته ومعلوماته يرجع إلى ذاته وثبوته مع انتفاء الوجود محال.

وقديما لما ثبت ، من انتهاء الحوادث إليه ومن تأثيره ما يتعذر على كل مؤثر سواه.

وسميعا بصيرا ، بمعنى أنه حي لا آفة به ، لما ثبت من كونه كذلك.

وهذه صفات ذاته الثبوتية التي يستحقها أزلا وأبدا ، لأنها واجبة له لا لموجب (٣) لأنه لو صح إسنادها إلى موجب زائد على ما هو عليه في ذاته ، لكان إما قديما ، فتلزم المماثلة ، وقد ثبت أنه لا مثل له تعالى من حيث إنه لا ثاني له في القدم ، وإما محدثا فيتوقف إحداثه على كونه محدثه أولا ، ويلزم الدور ، فكانت واجبة لما هو عليه في ذاته فيما لم يزل ، واستحال بذلك خروجه عنها فيما لا يزال.

وهو تعالى مدرك للمدركات إذا وجدت ، لاقتضاء كونه حيا لا آفة به ذلك ، وإدراك المعدوم (٤) لا بمعنى كونه معلوما ، بل بمعنى كونه مسموعا مبصرا محال.

وهذه الصفات (٥) المقتضاة عن صفة الذات فيه سبحانه وعن صفة المعنى في غيره ، واجبة له ، لا على الإطلاق بل بشرط منفصل.

ومريد وكاره ، لجواز تقديمه من أفعاله أو تأخيره ما لا خفاء في جواز

__________________

(١) هذا ما أثبتناه وفهمناه من سياق العبارة ، وأما النسخ التي بأيدينا فهنا مختلفة ففي « ج » : لا يثبت إلى الحي ، وفي : « أ » : لا بل قد وجب عن وجوبه لا يثبت لحي.

(٢) في « أ » : « لا يعتقد ».

(٣) في « أ » : لا الموجب.

(٤) في « ج » : وأدرك المعدوم.

(٥) في « ج » : وهذه الصفة.


العكس فيه ، فلو لا المخصص لم يكن لتقديم ما قدم وتأخير ما أخر وجه ، ولأن العالم بفعله وغرضه به يخصه مع خلوة من السهو والغفلة ، وكونه مخلا بينه وبين الإرادة يجب كونه مريدا.

وهذه حاله سبحانه ، فهو مريد على الحقيقة ، ولأنه أمر بالطاعة ونهى عن المعصية ، فلو لا أنه مريد لما أمر به كاره لما نهى عنه ، لم يتميز الأمر ولا النهي من غير هما ، ولا كان لكونه آمرا وناهيا وجه ، ويستحيل استحقاقهما لذاته وإلا لزم قدم المرادات واجتماع المتضادات للذات ولمعنى قديم ، لأنه لا قديم سواه ، ولمعنى محدث حاله فيه ، لاستحالة كونه محلا للحوادث وفي غيره ، لوجوب رجوع حكمه إليه إن كان حيا واستحالته في الجماد ، فلا بد من وجود هما لا في محل.

وما (١) لا يجوز عليه تعالى مما يجب نفيه عنه ، فمنه ما لفظه ومعناه يفيد السلب ، وهو نفي المائية (٢) المحكية عن ضرار بن عمرو (٣) لأنه لا حكم يدل على ثبوتها ولا طريق إلى صحتها ، والأصح إثبات الكيفية والكمية ، وهو جهالة ، ونفي الجسمية والجوهرية والعرضية ، لما ثبت من قدمه وحدوث ذلك أجمع ، فلو لا استحالة كونه بصفة شي‌ء منها لوجب حدوثه أو قدمها ، لثبوت المشاركة في الحقيقة ، ولأنه فاعل ما فعل من ذلك اختراعا ، فلو كان مثلها تعذر عليه إنشاؤها واختراعها ، كما تعذر على غيره.

__________________

(١) في « ج » : ومما.

(٢) ويحتمل أن يكون المقصود « الماهية » والمآل واحد.

(٣) هو صاحب مذهب الضرارية من فرق الجبرية ، كان في بدء أمره تلميذا لواصل بن عطاء المعتزلي ثم خالفه في خلق الأعمال وإنكار عذاب القبر. وذهب إلى أن لله تعالى ماهية لا يعرفها غيره يراها المؤمنون بحاسة سادسة. الفرق بين الفرق ص ٢١٤ تأليف عبد القاهر البغدادي.


ونفي الرؤية بالأبصار والإدراك بسائر الحواس ، لأنه لو صحت رؤيته آجلا لوجبت عاجلا ، لأن الرؤية إذا صحت وجبت ، وإذا لم تجب استحالت وفي استحالتها الآن وجوب استحالتها هناك ، ولأنه ليس بمقابل ولا حال فيه ولا في حكمه ، فلا يعقل كونه مرئيا ولا محسوسا ، وقد تمدح بنفي الرؤية عنه تمدحا عاما ، فإثباتها نقص لتمدحه ، لا طراد ذلك في كلما تمدح بنفسه ، كالسنة والنوم وغيرهما.

ونفي الاتحاد ، لأنه إن أريد به الحلول ، فهو من خصائص الأعراض ، أو المجاورة ، فهو من لوازم الأجسام ، وكلاهما مستحيل عليه ، وإن أريد به غير هما لم يكن معقولا. ونفي الاختصاص بالجهات والحلول في المحال بمثل ما ذكرناه.

ومنه ما لفظه ثبوتي ومعناه سلبي ، وهو كونه غنيا ، لأنه حي يستحيل عليه (١) الحاجة التي لا وجه لثبوتها إلا اجتلاب المنافع ودفع المضار المترتبين على ثبوت الملاذ والآلام المصححة للشهوة والنفار المختصين بالأجسام. فلما استحال ذلك عليه مع كونه حيا ، استحال كونه محتاجا ، وثبت أنه غني.

وكونه واحدا لا ثاني له في القدم ، لأنه لو كان له ثان ، لجاز وجود أحدهما مع عدم الآخر ، أما في الزمان أو المكان أو المحال ، لثبت لهما ما به تتميز الذاتان من الذات الواحدة ، وتأتي ذلك في القديم غير معقول ، ولأنه لا طريق إلى إثبات الثاني من نفس الفعل ولا من واسطته (٢) ، وإثبات ما لا طريق إلى إثباته جهالة ، ولأن إثباته مكاف لإثبات ما زاد عليه ، وفيه ارتفاع الفرق وإمكانه بين الحق والباطل ، وهو محال ، فإذا انتفى عنه الثاني ـ شريكا كان أو نظيرا ـ ثبتت وحدانيته ، والسمع كاف في الدلالة على ذلك.

__________________

(١) في « ج » : مستحيل عليه.

(٢) في « أ » : من واسط.


أما الكلام في ركن العدل

فإنه يترتب على أصلين : أحد هما إثبات التحسين والتقبيح العقليين ، لأنه قد ثبت عموم العلم بمحسنات ومقبحات ، ولا يقف العلم بحسنها وقبحها على ما وراء كمال العقل ، ولا يمكن الخروج عنه معه ، فلو لا أنه من جملة علومه ، لم يكن لجميع (١) ذلك وجه ، ولا تأثير لأمر ولا نهي ، في حسن مأمور ولا قبح منهي ، لأنهما لو أثرا لتوقف العلم بحسن ما حسنته العقول ، وقبح ما قبحته على ورود هما فيستحيل الجميع (٢) ، لما فيه من الدور ، وكان لا يقبح منه تعالى تصديق الكذابين ، الذي لو جاز عليه لم يبق طريق إلى العلم بصدق الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ ولا بصحة الشرائع ، وما بصحة مدلوله فساد دليله إلا غير خاف الفساد (٣).

وثانيهما : إثبات اقتداره تعالى على ما له صفة القبيح (٤) ، لأن استناد كونه قادرا إلى ما هو عليه في ذاته ، يقتضي عموم تعلق قادريته بكل مقدور على الوجه الذي لا يتناهى.

ومن جملة المقدورات القبيح ، فيجب كونه قادرا عليه ، ولأن القبيح مقدور لنا ، لصحة وقوعه منا ، وهو آكد حالا منا في كونه قادرا ، فلا وجه لكونه غير قادر عليه ، كما لا وجه لاختصاص قادريته بمقدور دون غيره. وحينئذ يجب كونه متنزها عن فعل القبيح ، لأنه عالم لا يجهل ، وغني لا يحتاج ، فهو عالم بقبحه ، واستغنائه

__________________

(١) في « ا » : بجميع.

(٢) في « ا » : فيستحيل الجمع.

(٣) هكذا في النسخ التي بأيدينا والظاهر أن لفظة « إلا » زائدة.

(٤) في « ا » : صفة القبح. وكذا فيما يأتي.


عنه ، ومع ثبوت ذلك لا يجوز أن يختار فعله ، لأنه لا يكون إلا لداع ، وهو أما جهل بقبحه ، أو حاجة إليه (١) ، ومع استحالتهما وثبوت داعي الحكمة الذي لا يتقدر له داع سواه (٢) ، لا بد من كونه متعاليا عنه ( ولأن وجه حسن الفعل داع إليه ووجه قبحه صارف عنه ) (٣) ، إذ المخبر فيهما مع علمه بهما لغرض مستوفي كليهما لا يختار إلا الحسن الذي وجه حسنه داع له إلى فعله ، وإن جاز عليه خلافه ، فأولى بذلك من لا يجوز عليه ما ينافي داع الحكمة ولا ما يخالفه.

ولأنه لو جاز منه وقوع القبيح لسمي بأسمائه التي إطلاقها تابع لوقوعه ، فكما استحال أن يسمى بشي‌ء منها (٤) يكون وقوع القبيح منه أولى بالاستحالة وعن إرادته ، لأنها تابعة المراد ، فمتى كان قبيحا كانت هي أيضا قبيحة ، فلما لم يجز عليه فعله لم يجز منه إرادته ، ولأنه لا فاعل لإرادته سبحانه سواه ، فلو جاز أن يريد القبيح ، كان على الحقيقة فاعلا له ، وذلك مناف لحكمته التي يستحيل منافاتها ولأنه ناه عنه ، لكونه كارها له ، فلو أراده كان على الشي‌ء وحده وعن الأمر به لقبحه ولمنافاته لما ثبت من حكمته ، ولاستحالة كونه آمرا بما ثبت كونه عنه ناهيا ، مع اتحاد الوقت والمأمور ، فإنه لا يأمر إلا بما يريد ، كما لا ينهى إلا عما يكره.

وقد ثبت بذلك تنزهه عن كلما يتبع إرادة القبيح من مشيته ومحبته والرضى به ، إذ كل واحد من ذلك إرادة مخصوصة ، وعن قضائه وقدره ، لوجوب الرضى بهما ، والصبر عليهما ، مع قبح الرضى والصبر مما ليس بحسن (٥) ، ولأنه لو جاز أن

__________________

(١) في « ج » : أو حاجته إليه.

(٢) كذا في « ج » ولكن في « أ » : وثبوت داعي الحكمة الذي لا يتعذر له سواه.

(٣) ما بين القوسين موجود في « أ ».

(٤) في « ا » : شيئا منها.

(٥) في « ا » : أو الصبر بما ليس بحسن.


يقضي ويقدر شيئا من القبيح كان العبد بذلك معذورا غير ملوم ، كما لا ملامة عليه في كل ما قضاه وقدره من أفعاله سبحانه وكانت حجة العباد عليه (١) ، لاستحالة خروجهم عن قضائه وقدره ، فلا يبقى له في كل ما احتج به عليهم حجة ، ولا وجه مع ذلك لبعثة نبي ولا إنزال كتاب ولا نصب دلالة ولا أمر ولا نهي.

والوجه في جميع ذلك ظاهر ، وأفعاله سبحانه كلها مقتضية مقدرة (٢) لكونها حكمة وصوابا وصلاحا ، سواء ظهر الوجه فيها مفصلا أو مجملا أو لم يظهر ، فإنه يجب إلحاق ما خفي وجهه منها بما ظهر ذلك فيه ، وحمل الجميع على الأصل المقرر بأدلته ، لاستحالة تنافي مدلول الأدلة.

ومن جملة صفاته الفعلية كونه تعالى متكلما ، لاستحالة أن يكون الكلام ذاتيا أو معنويا ، لأنه لا حكم لذلك ، فلا طريق إليه ، ولو كان كذلك وجب شياع كلامه في كل ما يصح أن يسمى كلاما ، من كذب وغيره ، فلا يوثق مع ذلك بخطابه ، لانسداد طريق العلم القطعي بصدقه وصدق أنبيائه ، فلا معنى لكونه متكلما إلا ما هو معقول من كونه فاعلا.

وقد تبين بذلك حدوث كلامه كحدوث جميع أفعاله. ويزيده بيانا أنه مؤلف من الحروف والكلمات التي لا فائدة فيها إلا باختلافها وترتيبها في تقديم بعضها على بعض ، وباشتماله على البداية والنهاية والتجزئ والانقسام الذي هو من خصائص الحدوث ، لاستحالة جميع ذلك على القديم ، وكل ما يقع من العباد

__________________

(١) في « أ » : وكانت حجة لعباد عليه.

(٢) في « ا » : مقتضية مقدورة.


من فعلهم باطنا وظاهرا منسوب إليهم لا إليه لوجوب (١) وقوعه بحسب الداعي والإرادة ، وانتفائه بحسب الصارف والكراهة ، فلو لم يكن فعلا ممن وقع منه لم يجب ذلك ، وجاز خلافه ، كما لا يجب في كل ما ليس من فعلهم ذلك ، لظهور الفرق بينهما ، ولأن وجوب استحقاقهم المدح على فعل ، والذم على آخر كاشف عن كونهم فاعلين وإلا لم يكن لهذا الاستحقاق وجه ، كما لا وجه له في كل ما لا تعلق لهم بفعله ، ولأنهم مأمورون ومنهيون ، مرغبون بالمثوبة على امتثال ما أمروا به ، مرهبون بالعقوبة على مخالفتهم ، فلو لا أنهم ممكنون من ذلك ، لم يكن لجميعه وجه ، ولأن نفي كونهم فاعلين يسد طريق العلم بإثبات الفاعل مطلقا ، وثبوت الفعل مع انتفاء الفاعل مما لا يعقل ، لكونه جهالة.

وقد ظهر بذلك أن أفعالهم ليست مخلوقة فيهم ، ويزيده ظهورا أنه يستحيل وقوع الفعل الواحد بفاعلين ، كما يستحيل وقوع مقدور الواحد بقدرتين ، لاستحالة كون الشي‌ء الواحد موجودا معدوما ، واقعا مرتفعا ، في حالة واحدة ، فيتحقق بذلك بطلان الكتب ، وإن كان غير معقول ، لكون العلم بكل واحد من صحته وحقيقته موقوفا بالعلم على الآخر ، مع أنه إن كان نفس الفعل فهو واقع بفاعله ، وإن كان وجهه الذي يقع عليه فهو تابع لاختيار الفالع وقصده ، لاستحالة تجرده عن ذات الفعل وماهيته ، فلا معنى لكونه العبد مكتسبا إلا كونه فاعلا ، وليس في العقلاء ، من يسند الفعل الواحد إلى فاعلين : أحدهما محمود ، وهو الخالق ، والآخر مذموم ، وهو العبد المكتسب ، إلا المجبرة والمجوس.

وإذا ثبت كون العباد فاعلين ثبت كونهم قادرين ، لاستحالة وقوع المقدور

__________________

(١) في « ج » : بوجوب.


لا بقادر ، ولأن لهم بصحة وقوعه مزية على تعذره لولاها لم يكونوا بأحد هما أولى من الآخر ، وهي مستندة إلى القدرة المحدثة ، لاستحالة كونها ذاتية أو فاعلية ، ولأن جواز حصول القدرة وإن لا تحصل ، وثبوت التفاضل بين القادرين في كونهم كذلك مع استمرار (١) ما هم عليه من حال وشرط دلالة على ثبوت القدرة إذ لا وجه لشي‌ء من ذلك إلا باعتبارها وقدرهم متعلقة (٢) بحدوث أفعالهم ، لاتباع تعلقها صحة الحدوث ، وهي متقدمة على الفعل ، فيصح (٣) كونها مؤثرة فيه ومخرجة له من العدم إلى الوجود ، لأن تأخرها يستحيل منه ذلك (٤) فكيف يكون به ، ومقارنتها تنافي الاختيار ، ويقتضي كونها (٥) علة في أثرها ، وهو ظاهر الفساد ، لمنافاته ما دلت عليه الأدلة ، فصح كونها متقدمة ومتعلقة بالضدين لصحة التصرف في الجهات المختلفة مع تضادها ، ولأنها ليست بأحدهما أولى من الآخر ، فلو لم تكن متعلقة بهما للزم اجتماعهما عند حدوث الفعل ، فلا يخفى فساده (٦) ، وإيجابها الصفة وتعلقها بمتعلقها لما هي عليه في نفسها لكونها لا تعلم إلا كذلك ، وهي مختلفة لا متضاد ولا متماثل فيها لتعلق كل جزء منها بجزء من المقدور مع اتحاد الوقت (٧) والجنس والمحل ، ولاستحالة أن يصح بكل جزء منها غير ما يصح بالآخر ، لكونه إيجاد موجود.

__________________

(١) في « ج » : مع استتار.

(٢) في « ا » : إلا باعتبار قدرهم متعلقة.

(٣) في « ج » : ليصح.

(٤) في « ا » : يستحيل معه ذلك.

(٥) في « ج » : كونهما.

(٦) في « أ » : ولا يخفى فساده.

(٧) في « ج » : ومع اتحاد الوقت.


فأما مع اختلاف ما ذكرناه فلا انحصار لتعلقها ، وهي متفقة فيه ( وإن اختلف ، لأنه لا وجه لاختلافها فيه ) (١) وشرط مقدورها أن يكون ممكنا في نفسه ، لاستحالة تعلقها بما ليس كذلك.

فعلى هذا يكون تكليف الكافر بالإيمان ممكنا ، لكونه مقدورا له وحسنا ، لكونه إرادة حكيم منزه عن كل قبيح.

وقد يكون واجبا في الحكمة لتكامل شروطه ، ولا تأثير لتعلق العالمية بأنه لا يختاره ، إذ ليست مؤثرة في معلومها ولا مضادة لوقوعه منه ، فكان ممكن الوقوع باعتبار تمكنه واقتداره محالا بسوء اختياره ، ولو أوجب تعلق العالمية كفر الكافر ، لأوجب إيمان المؤمن ، فيقبح التكليف ، ويسقط ما يترتب عليه ، وقد كلف الله سبحانه كل من أكمل له شروطه التي هي الحياة والعقل والاقتدار والتمكين ونصب الأدلة وإزاحة العلة وشهوة القبيح والنفار عن الحسن والألطاف المعلومة له ، لأنه مع إكمالها إذا لم يغن (٢) بالحسن عن القبيح ، بل جعل ما أمر به شاقا ، لكونه مؤلما منفورا عنه وما نهى عنه كذلك ، لكونه ملذا مشتهى ، فلو لا كونه مكلفا كل من أكمل له فعل المشاق وترك الملذ كان عابثا أو مغريا له بالقبيح ويتعالى الله عنهما ولا وجه لكونه باعتبارها غير مكلف ، لأنه على الصفات المعتبرة في ثبوت كونه كذلك ، وحسن هذا التكليف معلوم ، لاستناده إلى مكلف حكيم ، ولتضمنه التعريض إلى استحقاق المنافع العظيمة التي لا تستحق إلا به ، لقبح الابتداء بمثلها ، وذلك هو الغرض به ، والتعريض للشي‌ء في حكم إيصاله ، والمخاطب به

__________________

(١) ما بين القوسين موجود في « أ ».

(٢) في « أ » : لم يعن.


من تكاملت له شروطه المشار إليها ، وهو من جملة المشاهدة المسماة إنسانا ما لا يتم (١) كونه حيا إلا به ، ولا اعتبار بما سوى ذلك ، كما لا اعتبار بالسمن بعد الهزال ، ولا بالزيادة بعد النقصان ، لأن الحياة ، حالة في الجملة. والأفعال صادرة عنها ، والأحكام متعلقة بها ، والإدراك واقع ببعض أعضائه (٢) فلو لا أن التكليف منها (٣) ما بيناه لم يكن لجميع ما ذكرناه وجه ، كما لا وجه له بالنسبة إلى الشعر منها والظفر.

وما به يتعلق التكليف إما إلزام بفعل ، فإيجاب ، أو ما هو أولى ، فندب ، أو ما منع من فعل ، فحظر ، أو ما الامتناع (٤) منه أولى ، فكراهة ومكروه.

وذاك إما عقلي أو سمعي ، من أفعال القلوب أو الجوارح الظاهرة ، داخل تحت الطاقة والاستطاعة ، لكونه مقدورا للمكلف ، بشهادة (٥) العقول بقبح تكليف ما لا يطاق ، سواء كان بفقد (٦) قدرة أو آلة أو شرط من شروطه التي لا يحسن إلا معها ، ولكونه مستحيلا بأن لا يكون مقدورا ، ولا وجه لقبحه إلا لكونه تكليفا بما لا يطاق ، لثبوت حسنه بثبوت الطاقة ، ولانتفائه بانتفائها ، ولا يتعلق بما لا حكم له ولا استحقاق به كالمباح.

ويعتبر في قيام المكلف به ، معرفته بمكلفه سبحانه على صفاته جملة

__________________

(١) في « ج » : لم يتم.

(٢) في « ج » : أعضائها.

(٣) في « ج » : فلو لا أن المكلف منها.

(٤) في « ج » : وأما منع من فعل فخطر وما الامتناع.

(٥) في « ا » : لشهادة.

(٦) في « ا » : لفقد.


وتفصيلا ، وبالتكليف على صفته وبكيفية ترتيبه وإيقاعه ، وإلا لم يفد قيامه به ، ولا بد من فاصل بين التكليف وبين ما يستحق عليه ، لأنه لو اتصل به ممازجا أو معاقبا لزم الإلجاء المنافي له ، وحصول المستحق على الوجه المنافي لما به يستحق محال ، فكان انقطاعه واجبا لذلك ، وهو إما بالفناء (١) أو بغيره مما تتعلق به المصلحة ، وتقتضيه الحكمة ، ولا ضد للجواهر إلا الفناء وبوجوده إلا في محل (٢) ينتفي وجودها جملة ، ووجود ما يتبعها ويختص بها تبعا لانتفائها ، وطريق إثباته السمع ، وهو إجماع الأمة وظواهر الآيات وما هو معلوم من الملة الإسلامية والشريعة النبوية ، فيكون عدم الجواهر به حقيقيا لا مجازيا ، وإعادتها بأعيانها لإيفائها ، والاستيفاء منها مقدور له سبحانه ، ليتميزها (٣) بما لا تعلم إلا عليه ، ولا يصح خروجها عنه ، لاستحالة خروج المعلوم عن كونه معلوما ، ولا تجب إعادة ما زاد من الجملة على ما به يكون المكلف مكلفا ، بل ذلك راجع إلى اختيار الحكيم ولا إعادة من لا مستحق له أو عليه.

وما علم تعالى أنه يقرب المكلف إلى ما كلف فعلا واجتنابا ، أو يكون معه أقرب باختياره هو المسمى باللطف والصلاح ، وهو إما عام أو خاص ، أو ما هو أخص منهما ، إما من فعله تعالى (٤) أو من فعل المكلف لنفسه أو من فعل غيره له إذا كان في المعلوم فعله أو ما يقوم مقامه ، والحكمة تقتضي فعله لوجوبه ، لأنه جار مجرى التمكين والأقدار ، وقبح منعه كقبح منعهما ، ولأن منعه مناقض للغرض

__________________

(١) في « ا » : بالغناء ، وكذا فيما يأتي.

(٢) كذا في « ج » : وفي غيرها : لا في محل.

(٣) في « ج » : لتميزها.

(٤) في « ا » : أو من فعله تعالى.


المجري بالتكليف إليه ، والحكم لا يناقض غرضه ، لكونه منافيا لحكمته ، وشروطه تقدمه على ما هو لطف فيه ، وثبوت مناسبته بينهما وخلوة من كل مفسدة ، وهو فيما لا يتعلق بالدين غير واجب ، إذ لا وجه لوجوب الأصلح الدنياوي ، ولا طريق إليه ، لاستحالة كونه تعالى في كل حال غير منفك من الإخلال بالواجب ، وتقتضيه المفسدة ، ولا يجب المنع منها بل الأعلام بها والتمكين من دفعها ، لإزاحة العلة ، واستتمام الغرض بذلك.

ولا وجه في اللطف إذا كان مصلحة في أمر أو لمكلف مفسدة في غيره ولآخر ، كما لا وجه لكل مصلحة لا تتم إلا بمفسدة.

ومعرفة الله تعالى واجبة ، لكونها أصلا لجميع التكاليف المكتسبة ، عقلا وشرعا ، لكون اللطف الذي هو العلم باستحقاق الثواب والعقاب على الطاعة مشروطا بثبوتها ، ومتوقفا على حصولها ، ولكونها شرطا في شكر نعمه سبحانه تعالى وعبادته ، التي هي كيفية في شكره الذي لا يصح إلا بعد صحتها ، ولا يثبت حقيقته إلا بعد ثبوتها.

وكلما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ولا وصلة إليها في دار التكليف إلا بالنظر الحاصل على شروطه ، لاستحالة كونها ضرورية أو حاصلة عن طريق يرجع إلى الضرورة ، لثبوت الخلاف فيها ، وارتفاعه في كل ضروري.

ولسنا في تكليف العلم بالمكلف مضطرا إلى العلم به ، أو سمعه (١) ، لتوقف العلم بصحة السمعيات على تقدمها ، وأن السمع (٢) مؤكد لوجوبها ، فكانت

__________________

(١) في « ج » : أو سمعية.

(٢) في « أ » : وإنما السمع.


باعتبار ما ذكرناه نظرية واستدلالية ، وكان النظر واجبا لوجوبها ، وهي على التحقيق أول الواجبات ، فيكون ما هو وصلة إليها وسبب فيها كذلك (١) لأن ما عدا النظر من جميع الواجبات العقلية والسمعية قد يخلو المكلف منها إما وجوبا أو جوازا ، أو لا يخلو من وجوبه عليه ، فكان أول الواجبات وصلة وترتيبا.

وإنما يجب عند حصول الخوف والرجاء ، وقد يحصل خوف المكلف بسبب لا يتعدى عنه ، لتدبره ما هو عليه من أحواله ، وما هو فيه من النعم ظاهرا وباطنا ، وبسبب خارج عنه ، لسماعة اختلاف العقلاء في المذاهب والآراء ، مع فقد هما وفقد ما به يحصل كل واحد منهما ، لا بد من ورد الخاطر عليه ، وأولى ما كان كلاما داخل سمعه متضمنا إخافته من إهمال النظر وحثه على استعماله (٢) وتجويز الضرر يقتضي وجوب الاحتراز منه ، معلوما كان أو مظنونا ، وذلك باعث على النظر ومؤكد لوجوبه ، وهو مولد للعلم مع تكامل شروطه ، لكونه واقعا بحسبه وتابعا له ، يقل بقلته ويكثر بكثرته ، فكان مسببا عنه ومتولدا من جهته ، ومن لم يولد نظره العلم فلتقصير منه ، أما في النظر أو في المنظور فيه أو لأنه نظر في الشبهة لا في الدليل ، والنظر فيها لا يولد شيئا ولا يفضي بصاحبه إلا إلى الجهل أو الشك ، والجهل ليس مسببا ولا متولدا عن النظر ، لكونه نقيض العلم وضده ، لاستحالة الجمع بين النقيضين.

والمنظور فيه لاكتساب المعرفة الواجبة ما خرج عن مقدور كل قادر بقدرة (٣) مما يختص سبحانه بالاقتدار عليه ، ومن الجائز في أصل العقل أن يخلو

__________________

(١) في « أ » : وسبب إليها فيها كذلك.

(٢) في « أ » : وحقه على استعماله.

(٣) في « ج » : مقدرة.


العاقل من كل تكليف ، لكن ذلك مشروط بأن يغنيه بالحسن عن القبيح ، ولا يثبت ذلك إلا بأن يكون مشتهيا للحسن (١) ، نافرا عن القبيح لا بالعكس من ذلك ، فبتقديره يكون خلوة من التكليف جائزا ، لكونه غير مناف للحكمة ، ويكون كمال عقله مع ما يضامه من أصول النعم الباطنة والظاهرة نعمة منه سبحانه عليه ، وإحسانا إليه ، والعقل يقتضي حسن الابتداء بذلك لا قبحه.

ومما يتفرع على ركن العدل الكلام في الوعد والوعيد ، وهو ما يستحق بالتكليف فعلا وتركا ، والمستحقات ستة :

المدح والذم والثواب والعقاب والشكر والعوض ، فالمدح يتميز بكونه دالا على الارتفاع ، والذم بكونه دالا على الاتضاع ، والثواب بوقوعه مستحقا على وجه التعظيم ، والعقاب بوقوعه مستحقا على وجه الإهانة ، والشكر بوقوعه اعترافا مقصودا به التعظيم ، والعوض بانقطاعه (٢) وتعريه من تعظيم.

ويعتبر في المدح والذم العلم بما به يستحقان ، والقصد إلى كل واحد منهما ، والوضع العرفي فيهما ، ويثبتان بالقول حقيقة وبالفعل مجازا ، ويشتملان على أسماء ودعاء ، ويستعمل كل واحد منهما بحسب الموجب له مطلقا في موضع ، مقيدا في غيره ، ويعلمان عقلا ، لاقتضاء ضرورته (٣) لهما.

فما به يستحق المدح ، إما فعل الواجب لوجه وجوبه ، أو الندب لوجه ندبيته ، أو اجتناب القبيح لوجه قبحه ، أو إسقاط الحقوق لوجهها (٤) لا يستحق

__________________

(١) في « ا » : مشتبها للحسن.

(٢) في « ج » : والعوض انقطاعه.

(٣) في « ا » : باقتضاء ضرورية.

(٤) في « ا » : لوجههما.


على ما سوى ذلك ، وعلى ما به يثبت استحقاقه ثبت استحقاق الثواب بشرط حصول المشقة في الفعل والترك ، أو في سببهما وما به يتوصل إليهما.

وطريق العلم باستحقاقه العقل ، لثبوت إلزام المشاق التي لولا ما في مقابلتها من الاستحقاق لم يحسن إلزامها ، ولا كان له وجه (١) فبوجوهها تعنى اللطف فيها ، وبما يقابلها من الاستحقاق تعين فيها وجه الحكمة ، ولزم احتمالها والصبر عليها.

وبدوامه السمع لحسن تحمل المشاق للمنافع المنقطعة عقلا ، إذ ليس فيه ما يقتضي اشتراط دوامها ، فيكون القطع على دوامه وصفاته سمعا (٢) بإجماع جميع الأمة ، ولا يلزم حمله على المدح ، لاشتراكهما في جهة الاستحقاق ، لأنهما وإن اشتركا في ذلك فقد اختلفا في غيره ، ويثبت (٣) أحد هما في موضع يستحيل ثبوت الآخر فيه.

وما به يستحق الذم (٤) أما فعل القبيح أو الإخلال بالواجب لا يستحق بغير هما ، ومما به يثبت (٥) استحقاقه ثبت استحقاق العقاب بشرط اختيار المكلف ذلك على ما فيه مصلحته.

وطريق العلم به السمع ، لأن العقل وإن أجازه ولم يمتنع منه إلا أنه لا قطع به على ثبوت استحقاقه ، لخلوه من دلالة قطعية على ذلك ، ضرورة واستدلالا ،

__________________

(١) في « أ » : وإلا كان له وجه.

(٢) في « ج » : سعيا. وفي « ا » : سميعا. والظاهر أن ما رقمناه في المتن هو الصحيح.

(٣) في « ج » : وثبت.

(٤) في « أ » : وما به يستحق بالذم.

(٥) في « ج » : وما يثبت.


فالمرجع بإثباته قطعا إلى السمع المقطوع على صحته ، وهو الإجماع والنصوص القرآنية ، ولا يلزم عليه الإغراء (١) لأن تجويزه عقلا ، والقطع عليه سمعا زاجر لا إغراء معه.

وإذا كان الأصل الذي (٢) هو ثبوت استحقاقه لا يعلم إلا سمعا ، فالفرع الذي هو دوامه وانقطاعه أولى بذلك.

وقد أجمعت الأمة (٣) على دوام عقاب من مات من العصاة ، كافرا ، ولا إجماع على دوام عقاب من عداهم من عصاة المؤمنين ، فهم على ما كانوا عليه ، من ثبوت استحقاق الثواب الدائم وإن استحقوا معه بعصيانهم العقاب ، لأن انقطاع عقابهم ممكن بتقديمه ، ودوام ثوابهم المجمع عليه مانع من انقطاعه ، لإمكان حصوله معاقبا للاستيفاء منهم ، ولا مانع من ذلك كما لا مانع من استحقاقهم المدح في حالهم فيها مستحقون الذم ، لوجوب مدحهم بإيمانهم وذمهم بفسقهم ، وما تعذر ذلك من فاعل واحد إلا لفقد الآلة لا لفقد (٤) الاستحقاق ، فإنه لو كان له لسانان لمدح بأحدهما وذم بالآخر ، ولو مدح بلسانه وذم بما يكتب بيده وبالعكس من ذلك لصح (٥) ، وكان جامعا بينهما في حال واحدة ، فكما لا تنافي بين ثبوت استحقاقهما إلا على أمر واحد بل على أمرين مختلفين ، فكذلك لا تنافي أيضا بين ثبوت استحقاق ما يتبعهما من ثواب وعقاب ، وكما أجمعت الأمة على دوام

__________________

(١) في « أ » : ولا يلزم الإغراء.

(٢) في « ج » : وإذا كان الأصل فيه الذي.

(٣) في « أ » : وقد اجتمعت الأمة.

(٤) في « أ » : وما تعذر ذلك من فاعل واحد إلا لفقد.

(٥) في « ج » : يصح.


عقاب الكفار ، أجمعوا أيضا عدا الوعيدية (١) على انقطاع عقاب من وصفنا حالهم.

ولاستحالة الجمع بين دائمي الثواب والعقاب ، وجب كون المنقطع متقدما على الدائم الذي يحصل بدلا منه ومعاقبا له.

الكلام في الإحباط وبطلانه

وقد ثبت بما ذكرناه أن المستحق من الثواب لا ينفيه شي‌ء ولا يسقطه مسقط ، لأن إسقاطه مناف للحكمة (٢) لكونه مستحقا على الله لا على غيره ، فتقدير سقوطه بعد ثبوته مناف لحكمته تعالى.

وإذا صح ذلك بطل التحابط بين الطاعات والمعاصي ، وبين المستحق عليهما. ويبطله أيضا أنه لا تنافي بين ذلك ، لكونه متجانسا ، فإن جنس ما يقع طاعة أو معصية واحد لا تضاد فيه ولا اختلاف بينهما إلا بالوجوه التي يقع عليها وهي تابعة لاختيار الفاعل وقصده ، بل مما يصح تعريها منها. فإن دخول الدار بإذن صاحبها كدخولها بغير إذنه ، وأحد الدخولين (٣) طاعة والآخر معصية ، وجنسهما واحد لا اختلاف فيه إلا بالوجه الواقع عليه ، وكذلك ، جنس ما يقع ثوابا أو عقابا واحد ، لا مضادة فيه ولا انفصال بينهما (٤) إلا بالشهوة لأحد هما والنفار من الآخر ، فإن جنس الألم واللذة واحد. وإدراكهما بطريق واحد ، ولا افتراق بينهما

__________________

(١) هم القائلون بعدم جواز العفو عن الكبائر عقلا كالمعتزلة ومن تبعهم.

(٢) في « ج » : مناف للحكم.

(٣) في « ج » : كدخوله بغير إذنه وأحد المدخولين.

(٤) في « ج » : ولا انفعال بينهما.


إلا بالشهوة والنفار ، ولولا ذلك ما التذ أحدنا بما يتألم به غيره وبالعكس من ذلك ، فإن المبرود يلذ له ما يؤلم المحرور من النار وغيرها من الحرارات.

وإذا كان جنس المستحق واحدا ، وما به يثبت (١) استحقاقه أيضا كذلك لم يعقل دخول التحابط فيه ، لأنه لا معنى له إلا التنافي الذي لا يدخل إلا في المتضادات ولا في المتجانسات (٢) ، على أنه لو صح ـ وهيهات ـ لكان بين الموجودات والمستحق معدوم لم يوجد بعد ، فكيف يدخله الإحباط؟

[ الكلام في بطلان التكفير ] (٣)

ولو جمع جامع بين الطاعة والمعصية على حد واحد ، لم يثبت له على رأي الوعيدية به استحقاق ، وكان بمنزلة من لم يطع ولم يعص ، لا له ولا عليه ، وهو ظاهر الفساد.

وإذا بطل التحابط فالتكفير أيضا باطل ، لأن صغائر الذنوب في استحقاق الذم والعقاب عليها ككبائرها ، وإذن زاد ما يستحق على الكبائر بالنسبة إلى ما يستحق على الصغائر ، ولأن إثبات الصغير مكفر (٤) لا وزر بها مبني على إثبات الكبيرة محبطة لا أجر معها ، فبطلانهما واحد.

ومسقط العقاب على الحقيقة عفو الله أما عند التوبة التي هي تذم التائب

__________________

(١) في « ج » : وما به ثبت.

(٢) في « ج » : « لا في المتجانسات » بدون الواو.

(٣) ما بين المعقوفتين منا.

(٤) هكذا في النسخ التي بأيدينا.


على ما مضى منه من القبيح وعلى أن لا يعود إلى مثله مستقبلا مع الخروج من حق ثبت في الذمة إن كان لله تعالى ، فبتلافيه وأدائه إن كان مما يؤدى ، وقضائه إن كان مما يقضى ، وإن كان لبعض العباد فبتأديته وفعل ما يجب في مثله.

وإذا صحت التوبة كانت مقبولة إجماعا ، وسقوط العقاب عندها تفضل من الله لا وجوبا ، لأنه لو وجب على وجه تكون هي المؤثرة في الإسقاط لم يكن له سبحانه بذلك تكرم ولا تمنن ولا اختيار ولا تمدح ، مع أن ذلك كله له بقبولها ، فيكون الوجوب من حيث استحال خلاف الوعد عليه تعالى لا من حيث كونها مؤثرة في إسقاط ما هو حق له.

وأما عند عفوه ابتداء ، والعقل شاهد بحسنه ، لأنه إذا كان العقاب حقا له لا حق فيه لغيره بل لا يسقط بإسقاطه حق الغير جرى حسن إسقاطه مجرى حسن إسقاط الدين ، وكان في الحسن أبلغ منه ، لكونه محضا ، وأكده أنه سبحانه لا ينتفع باستيفاء ولا يستضر بإسقاط ، ولا يناط بذلك شي‌ء من وجوه القبح (١) ، وحسن الإحسان مما تشهد به أوائل العقول ، والسمع دال على ثبوته ، ولا إغراء بذلك لما يقابله (٢).

وأما عند الشفاعة التي هي قبولها ، لا نزاع فيه ، كثبوتها ولا وجه لحقيقتها (٣) إذا كانت في زيادة المنافع للاستغناء عنها ، ولجواز العكس فيها بأن يعود الشفيع مشفوعا فيه ، فتكون حقيقة في إسقاط المضار ، وهو الذي يقتضيه العقل ، ويؤكده

__________________

(١) في « أ » : من وجوه القبيح.

(٢) في « ج » : لا يقابله.

(٣) في « ج » : فحقيقتها.


السمع ، ومع فقد جميع ذلك ، وخلو المرجئ له منه ، لا بد من انتهائه إلى الثواب الدائم بعد الاقتصاص منه (١) بالعقاب المنقطع كما بيناه.

والإيمان وإن كان في أصل الوضع عبارة عن التصديق إلا أنه يختص شرعا بتصديق ما يجب اعتقاده من وحدانية الله تعالى وعدله ونبوة أنبيائه وإمامة أوليائه ، وما يترتب على ذلك من تحليل حلاله وتحريم حرامه وبعثه ومعاده.

فالمؤمن هو المصدق المعتقد لذلك بقلبه لا المظهر له بلسانه من دون اعتبار اعتقاده ، فإن كانت موافقة باطنه لظاهرة في الصدق والإخلاص معلومة ، أما بكونه معصوما أو مشارا إليه بذلك ممن في إشارته الحجة ، فمدحه مطلق وإلا فهو مقيد ، وإن كان اعتقاده ذلك مستندا إلى معرفة تفصيلية فهو الغاية والإجزاء ما لا بد منه (٢) من علم الجملة ، وإن كان خاليا من الحجة على كل وجه واقعا على وجه المطابقة لمعتقده (٣) لا ببرهان (٤) قطعي وعلم يقيني ، بل بمجرد القبول والتسليم ، فهو الذي يسمى تقليدا إلا أن صاحبه مقلد لأهل الحق في حقهم ، فله بذلك مزية على مقلدي أهل الباطل في باطلهم ، وهو عند بعض علماء الطائفة مصيب في اعتقاده ، مخطى‌ء في تقليده ، فيرتجى له من العفو ما يجرى لغيره من مستضعفي أهل الحق ، بناء على أنه لا وجه لتكفير أحد من الطائفة على أي حال كان.

والكفر وإن كان في الأصل الجحود المأخوذ من الستر والتغطية ، إلا أنه

__________________

(١) في « ج » : بعد الاختصاص.

(٢) في « أ » : ولا اجزائه ما لا بد منه.

(٣) في « أ » : وإن كان خاليا من الحجة على كل وجه المطابقة لمعتقده.

(٤) في « ج » : لا برهان.


اختص شرعا بجحود ما وجب التصديق به ، أو جحود ما لا يتم الإيمان إلا به ، فالجاحد لذلك هو الكافر الذي يجب إطلاق دمه ، وتجري عليه أحكام أهل الكفر والفسق ، وإن كان في الوضع الخروج ، إلا أنه اختص شرعا بالخروج من طاعة إلى معصية ، فالخارج بذلك مع صحة اعتقاده هو المؤمن الفاسق الذي قد بينا أحكامه ، لأنه لا منافاة بين ثبوت الإيمان ووقوع الفسق ، لصحة الجمع بين الطاعة والمعصية والحسنة والسيئة في وقت واحد من فاعل واحد ، كمن تصدق بيمينه وسرق بشماله ، أو سبح بلسانه ورأى محظورا بطرفه قصدا ، وقد أومأنا إلى ذلك متقدما.

وجميع ما أشرنا إليه من أحكام الإيمان والكفر معلومة مقطوع عليها بالسمع خاصة ، وهو إجماع الطائفة المحقة ، لخلو العقل من طريق يقطع به على كل واحد منهما.

[ الكلام في سؤال القبر ]

وسؤال القبر وما يتبعه ـ من نعيم أو عذاب ـ والبعث والنشور والموافقة والحساب والميزان والصراط وتطاير الكتب وشهادة الأعضاء والانتهاء بحسب الاستحقاق إلى جنة يختص نعيمها بالملاذ والمسار ، وإلى نار يختص عذابها بالإيلام والمضار وما يتبع ذلك ويترتب عليه ، حق يجب اعتقاده والقطع عليه ، لأنه مما لا يتم الإيمان إلا به وطريق العلم به إجماع الأمة والنصوص القرآنية والنبوية (١) ولا اعتداد بمخالفة من خالف في شي‌ء منه ، لسبق الإجماع وتقدمه على خلافه.

__________________

(١) في « ج » : والنبوة.


والشكر يستحق على النعم المقصود بها جهات النفع ، فإن كان كمال المنعم بها معلوما وبلغت أعلى المبالغ ، كنعم الله ونعم أنبيائه وأوليائه ، كان شكرها مطلقا ، وإلا فهو مقيد ، وطريق العلم باستحقاقه ضرورة العقل ، لأنه من جملة علومه.

والعوض يستحق على الآلام لا على غيرها ، ويعلم وجوبه بوجوب الانتصاف الذي لا يتم إلا به ، وثبوت الآلام معلوم (١) بوجدانه وإدراكه ، والفرق بين حصوله وارتفاعه ، ولا يكاد يشتبه الأمر فيه على عاقل ، فإن كان من فعل الله تعالى فأما مبتدئ لا عن سبب ، والوجه فيه لطف بعض المكلفين ، أما المفعول به إن كان مكلفا أو غيره وبذلك ثبت الغرض به وانتفى العبث عنه ، ولا بد فيه من عوض زائد موف (٢) عليه ينغمر (٣) بالنسبة إليه في جانبه ، ويحسن لأجله تحمله ، وبذلك ثبت العدل به وانتفى الظلم عنه.

أو مسبب فأما في الدنيا ، وهو ما حصل عن تعريض المعرضين ، وحسنه معلوم بجريان العادة به ، وإن خرقها فيه لا لوجه ممتنع ، والعرض فيه على المعرض ، لأنه فاعل المسبب (٤) وأما في الآخرة فلا وجه له إلا الاستحقاق ، وهو المقتضي حسنه ، وإن كان من فعل غيره سبحانه ، فإما حسن وهو ما كان لاجتناب نفع حسن لا يجتلب إلا به ، أو دفع ضرر عظيم لا يندفع إلا به ، أو لمدافعة متعد (٥) غير مقصود إيلامه ، أو لإتباع أمر مشروع وإذن متبوع ، أو لإقامة

__________________

(١) في « ج » : وثبوت الألم معلوم.

(٢) في « ج » : « موقوف » بدل « موف ».

(٣) في « ا » : يتغمر.

(٤) في « ا » : فاعل السبب.

(٥) في « ج » : أو لمدافعة معتد.


حق وأداء مستحق ، فكل هذه الوجوه يحسن فيها الألم.

وإما قبيح وهو ما عداها مما لم يكن على وجه منها ، وهو الظلم الذي لا بد فيه من الانتصاف ، وعوضه على فاعله (١) جزء بجزء ، لاستحقاقه بمقدار المستحق عليه ، وكلما يصح حدوثه يصح التوقيت به ، لاستحالته بما لا يصح فيه ذلك.

ولا أجل للإنسان إلا واحد ، وهو الوقت الذي يحدث فيه عليه الحادث من موت أو قتل ، فكما أن أجل الموت وقت حصوله ، فكذلك أجل الوقت ، وبقاء المقتول لولا قتله وموته كلاهما بالنسبة إلى قادرية الله تعالى وحسن اختياره جائز ، ولا دلالة على القطع على أحدهما ، لاستحالة تعجيزه سبحانه ، والتعجيز عليه (٢) بقطع ما لا وجه للقطع به ، فيكون الوقف في ذلك مع تجويز (٣) كل واحد منهما كافيا في اعتقاد الحق الذي لا بد منه ، وما يصح انتفاع المنتفع به على وجه لا منع فيه عليه هو المسمى رزقا ، وبذلك خرج الحرام عن كونه كذلك ، ويعين أنه لا رزق إلا الحلال المطلق الذي به المدح ، ولاجتلابه توجه الأمر.

والسعر وإن كان عبارة عن تقدير البدل ، فقد يختلف بالغلاء تارة ، وبالرخص أخرى ، فإن كان من قبل الله سبحانه فهما من قبيل اللطف ، وعوض آلام الغلاء عليه خاصة ، وإن كانا من قبل العباد اما بالإكراه أو بفعل أسبابهما (٤) فعوض ما فيه العوض على من هو بسببه.

__________________

(١) هكذا في « ج » : وفي غيرها : وعرضه على فاعله.

(٢) في « أ » : والعجز عليه.

(٣) في « ج » : مع تجوز.

(٤) في « ج » : اما بالإكراه لا بفعل أسبابهما.


أما الكلام في ركن النبوة

فإن بعثة الأنبياء ممكنة ، لكونها مقدورة وحسنة ، لاستنادها إلى حكيم منزه عن كل قبيح ، لأنه لما بعثهم وصدقهم بإظهار المعجزات مع استحالة تصديقه الكذابين ، وإظهاره المعجزات لغير التصديق ، ثبت القطع على حسنها ، وربما كانت واجبة من حيث وجب الإعلام بالمصالح والمفاسد التي لا يمكن العلم بها والاطلاع على ما وجب منها فعلا وتركا إلا ببعثتهم ، فيكون الوجه فيها ظاهرا ، وهو إرشاد المكلفين إلى ما لا سبيل لهم إلى الاسترشاد إليه إلا بهم.

واللطف في الواجب واجب ، كما أنه في الندب ندب ، وعصمة الأنبياء مطلقة بالنسبة إلى جميع الأوقات ، وجميع ما منه العصمة واجبة ، لأنه لو جاز عليهم شي‌ء من القبائح قدح في أدائهم وتبليغهم المقطوع على صدقهم فيه بظهور المعجز عليهم ، فكان لا يبقى لأحد طريق إلى العلم بصدقهم الذي لولا القطع عليه تعذر الوثوق بهم ، والقبول منهم ، وذلك مناف للغرض في بعثتهم الذي منافاته تنافي الحكمة ، وتناقضها ، فكما وجب تنزيههم عن الكذب في الأداء والتبليغ ليصح الرجوع إليهم والاقتداء بهم ، فكذلك وجب تنزيههم عن كل قبيح لا تسكن مع تجويزه النفوس إليهم ، لنفورها عنهم.

ولا يثبت ذلك التنزيه التام الذي لا يبقى للتنفر معه (١) وجه إلا بعصمتهم على الإطلاق ، وهو ما أردناه.

وبالعلم المعجز الظاهر على يديهم أو نص صادق يثبت القطع على

__________________

(١) في « ا » : للتنفير معه.


صدقهم. وشرط المعجز في دلالته على التصديق أن يكون متعذرا في جنسه أو صفته المخصوصة ، لكونه من فعل الله تعالى ، أو جار مجرى فعله (١) ، لأن الدعوى عليه ، فما تصديها إلا إليه خارقا للعادة الجارية بين المبعوث إليهم ، لأن المعتاد لا إبانة به ولا دلالة فيه مطابقا لدعوى المدعى على وجه التصديق له ، لأن المتراخي لا قطع به على ذلك ، لتجويز (٢) دخول الحيلة فيه.

فإذا حصل على هذه الشروط دل على صدق من ظهر على يديه ، واختص به ، وسمي لذلك معجزا ، لأنه إذا وجب في حكمته سبحانه تصديق المدعى عليه ، من حيث كان صادقا عليه في دعواه ، وكان غاية تصديقه منه بالقول أن يقول : هذا صادق فيما ادعاه علي ، فكذلك إذا فعل له ما ذكرناه مما يقوم (٣) في تصديق ادعائه مقام قوله إنه صادق فيه ، ولا فرق في ذلك بين القول والفعل القائم في إقامة الحجة به مقامه ، كما لا فرق بين أن تكون الدعوى نبوة أو إمامة أو غير هما من مراتب الصلاح ، إذ وجه الحكمة في وجوب تصديق الجميع إذا تعلقت المصلحة به واحد ، فتجويزه في موضع والمنع منه في آخر لا وجه له.

ومشاهدة المعجز لمن يشاهده يقتضي علمه به ، وإلا فالخبر (٤) المتواتر فيه إذ ذاك يفيد العلم ، القطع به مع فقد مشاهدته ، ولا يتميز الخبر بكونه متواترا (٥) مفيدا ما ذكرناه ، إلا بأن يكون على شروطه التي هي كون مخبره في الأصل مشاهدا

__________________

(١) في « ا » : أو جاريا مجرى فعله.

(٢) في « ا » : لتجوز.

(٣) في « ج » : مما يقدم.

(٤) في « أ » : وإلا فالمخبر.

(٥) في « ج » : لكونه متواترا.


محسوسا لا يلتبس الحال في مثله ولا يدخل فيه الاشتباه ، وكون ناقلية بالغين في الكثرة إلى حد لا يجوز على مثلهم في العادة التواطؤ فيه والافتعال له أو ما يجري مجراهما ، مع ارتفاع جميع الأسباب الداعية إلى ذلك ، عنهم واستحالتها منهم وتساوي طبقاتهم في ذلك على الوجه المقطوع به إنه لم يكن مختصا بطبقة دون طبقة ، ولا بفريق دون فريق ، فإذا اختص الخبر بذلك أفاد العلم وأثمر اليقين بمخبره ، وسمي لذلك متواترا وإلا فلا.

وصدق جميع أنبياء الله معلوم بإخبار الصادق عنهم ، وهو نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع ما تضمن الكتاب العزيز من ذكر الأنبياء المعينين فيه.

وصدق نبينا محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معلوم بادعائه النبوة ، وظهور المعجز مطابقا لادعائه مختصا بجميع شرائطه ، فلو لا أنه صادق لم يجز ذلك.

ومعجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كانت كثيرة إلا أن منها :

ما هو باق موجود ، وهو القرآن الكريم ، ووجه الاستدلال به على نبوته ، أنه تحدى العرب وقرعهم بالعجز عن معارضته ، ولو لا التحدي لم يكن لادعائه وجه ، فعجزوا عن المعارضة ، مع توفر الدواعي إليها وقوة البواعث عليها ، ولو لا عجزهم عنها لأتوا بها ، ولو أتوا لنقلت وظهرت ، بل كان نقلها وظهورها أعظم من ظهور القرآن ونقله ، لأنها كانت حجة لهم بمثلها بقاء جميع ما كانوا فيه من ديانة ورئاسة وغيرهما ، فلما لم يعرف لها نقل ولا أشير إلى ذلك بوجه ، مع تطاول المدة التي كانوا فيها بها مهتمين ، وعلى إثباتها مجتهدين متحيلين ، علم بلا شبهة عجزهم عنها ، وثبت أنه عائق لعوائدهم (١) لأنهم مع ما كانوا فيه من الفصاحة والبلاغة عدلوا

__________________

(١) هكذا في « أ » : وفي غيرها : فارق لعوائدهم.


عنها إلى ما لا مناسبة بينه وبينها في كلفة ولا مشقة ، لأن تفاوت ما بين المعارضة بالكلام والحروب المفضية إلى المهلك (١) ، التي لم يخطو فيها ببلوغ غرض ولا مرام ، لا يخفى عن عاقل ، فلو لا أن عجزهم خارق العادة لم ينتهوا إلى ذلك ولا كان لانتهائهم إليه وجه ، لكونه مخالفا لعوائد العقلاء ، وذلك شاهد بصدقه وصحة نبوته من حيث صرفهم الله عن معارضته (٢) بسلبهم العلوم المخصوصة في كل وقت اهتموا فيه بها وتطاولوا إليها ، لأنه لو لا الصرف لم يكن لوقوفهم وخرسهم عند التفرغ لها والطمع بحصولها وجه ، إذ كان الكلام البليغ مقدورا لهم ، وهم عليه مطبوعون ، وبه متطاولون ، فما وجه اخلافه لهم وتعذره عليهم في وقت اضطرارهم وحاجتهم إليه لولا ما ذكرناه ، فإن كانت فصاحة ما تحداهم به أو نظمه أو كلاهما ، وجب الفرق بين أفصح كلامهم (٣) وأرتبه ، وبين أقصر سور المفصل على وجه يشترك في العلم به كل سامع لهما من مبرز ومقصر ، لكونه فرقا بين ممكن ومعجز ، فإن من أمحل المحالات أن يفرق بين المتقاربين من لا يفرق بين المتباعدين.

وإذا كان ظهوره على هذا الوجه أو بلوغه في الظهور إلى هذا الحد غير حاصل ولا واقع ثبت أنه لا وجه لإعجاز القرآن إلا الصرفة ، وهي خارجة عن مقدور كل قادر بقدرة ، لاختصاصه تعالى بالاقتدار عليها على ما بيناه من معناها ، ومن أنه سبحانه لا يجوز عليه تصديق من ليس بصادق وفي ذلك ثبوت صدقه وصحة نبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) في « ا » : لأن تقارب ما بين المعارضة بالكلام والحروب المقتضية إلى المهلك.

(٢) في « أ » : من حيث صرفهم عن معارضته.

(٣) هكذا في « أ » : وفي غيرها : كلامه.


ومنها ما ليس بباق لتقضيه ، وإنما علم بتواتر النقل به ، وهو باقي معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كتسبيح الحصا (١) وانشقاق القمر (٢) ونبع الماء تارة بغرر سهمه (٣) وأخرى بوضع كفه (٤) ، وحنين الجذع (٥) ، وكلام الذراع (٦) ومجي‌ء الشجرة إليه وعودها إلى موضعها عند أمره لها بذلك (٧) وإشباع الجماعة الكثيرة بالطعام القليل (٨) وإخباره بكثير من الغائبات والحوادث المستقبلات (٩). ويقع الخبر مطابقا لما أخبر ، وبابها متسع. فإن ما أشرنا إليه قطرة من بحر ما له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها.

ووجه الاستدلال بها أن فيها ما نطق القرآن به ، وفيها ما علم علما لا مجال للشك فيه ، وباقيها بانضمام بعضه إلى بعض ، واتفاقه في دلالة الإعجاز ، فلحق بالمتواتر ويفيد مفاده ، ولوقوعها على صفة المعجز المعتبر بشرائطه لا يتقدر فيها ما ينافيه ويقدح فيه ، فأكدت ما بيناه من نبوته وصدق دعوته ، وببقاء شريعته إلى انقضاء التكليف وتحقيق ثبوتها وجوب كونها ناسخة لما تقدمها من الشرائع ، لأن العقل لا يمنع من جواز النسخ ، بل يشهد بحسنه ، لكونه طريقا إلى الإعلام بتجدد المصالح التي لا يمكن استعمالها إلا به ، ولأن التعبد بالأحكام الشرعية تابع

__________________

(١) بحار الأنوار ١٧ ـ ٣٧٩.

(٢) نفس المصدر ص ٣٤٧.

(٣) الغرار : حد الرمح والسيف والسهم. لسان العرب.

(٤) بحار الأنوار ١٧ ـ ٢٨٦.

(٥) نفس المصدر ص ٣٦٥.

(٦) نفس المصدر ص ٢٣٢ و ٢٩٥.

(٧) نفس المصدر ٢٩٧.

(٨) نفس المصدر ٢٣١.

(٩) نفس المصدر ١٨ ـ ١٠٥ باب معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إخباره بالمغيبات.


للمصالح الدينية وبحسبها ، وإذا جاز في العقل اختلافها بحسب اختلاف الأزمان والمكلفين ، فما المانع من النسخ ، وهو سبب الإعلام بتجديدها ، وبالوصول (١) إلى العلم بها ، وبما تعلقت به المصلحة منها ، فيكون المنع منه تعويلا على أنه يؤدي إلى البداء باطلا ، لأنه يخالفه حدا وشرطا ، والفرق بينهما ظاهر ، ولو كان نسخ الشرائع (٢) بداء أو مؤديا إليه ، لزم مثله في كل ما تجدد من أفعاله تعالى ، وحصل بعد غيره ، كالموت بعد الحياة ، والسقم بعد الصحة ، والضعف بعد القوة ، والغلاء بعد الرخص ، وهلم جرا.

وإذا لم يكن في شي‌ء من ذلك ما يؤدي إليه ، ولا ما يقتضيه ، فنسخ الشرائع أولى أن لا يلزم عليها ما يؤدي إليه ولا إلى غيره ، لتعلق الجميع بداعي الحكمة التي يستحيل منافاتها ، وإذا ساغ النسخ عقلا فلا مانع منه شرعا (٣) ، لأنه لا حجة لمانعية فيما احتجوا به من النقل ، لكونه من أضعف رواية آحادهم التي لا سبيل لهم إلى تصحيحه ، ولا إلى إثبات كونهم متواترين به ، للعلم الضروري بارتفاع شروط التواتر عنهم بل استحالتها فيهم ، ولو لم يكونوا كذلك كان احتمال ما تشبثوا به من نقلهم للتأويل ولزوم حمله عليه ، لئلا يرجع بالقدح على نبوة نبيهم ، مسقطا للاحتجاج به ومغنيا عن النظر فيه.

__________________

(١) في « أ » : وبالأصول.

(٢) في « ج » : فسخ الشرائع.

(٣) في « ج » : فلا مانع عليه شرعا.


وأما الكلام في ركن الإمامة

فإنها واجبة عقلا بشرطين : أحدهما : بقاء التكليف العقلي ، نظرا إلى أن سقوطه مسقط وجوبها.

وثانيهما : ارتفاع العصمة عن المكلفين ، نظرا إلى غنى المعصوم عن اللطف الذي حاجة من ليس معصوما إليه بالإمامة ماسة لا بد منه ولا بدل إلا باعتبارهما (١) لأن ثبوت اللطف بالرئاسة العقلية على هذين الشرطين ظاهر ، وما ثبت اللطف به لا يكون إلا واجبا ، ولهذا ان وجود الرئيس منبسط اليد مرهوب الجانب نافذ الأمر والنهي ، محقق التمكين في كل ما هو رئيس فيه (٢) ، لا يخفى كونه مقربا إلى الصلاح ، مبعدا عن الفساد ، ولا معنى للطف إلى ذلك وعدمه أو عدم تمكنه بانقباض يده أو جحده جملة ينعكس الأمر معه بفوات ما وجوده وما يتبعه لطف فيه. فيؤول إلى ظهور المفاسد وفوات المصالح ، وهذا معلوم لكل عاقل ، خبر العوائد (٣) الزمانية ، والأحوال البشرية ، فمن أنكره لم يحسن مكالمته بجحده ما لا شبهة في مثله ، ومن عارضة بما وقع عند رئاسة (٤) معينة من فتن ومحن لم تتوجه معارضته عليه ولم يقدح فيه ، لأنه كلام في جنس الرئاسة لا في تعيينها.

وكل واحد منهما منفصل عن الآخر مع أن الواقع عند الاعتبار ليس من

__________________

(١) في « أ » : ولا بدل له باعتبارهما.

(٢) في « أ » : هو رائس فيه.

(٣) في « أ » وفي « ج » : « حر العوائد » والظاهر أنه تصحيف « خبر » كما أثبتناه في المتن و « خبر » بمعنى « جرب ومارس ».

(٤) في « ج » : عند رياضة.


قبل الرئيس بل من مخالفة المرؤوسين له وجهلهم به ، فلا ملامة إلا عليهم ، وإذا ثبت أن في الرئاسة لطفا ، وكان اللطف واجبا بما بيناه متقدما وجبت الإمامة في كل زمان من أزمان التكليف ، لوجوب الألطاف الدينية التي لا يحسن إلا معها ، لكونها شرطا فيه (١) ، ولأن مع استقرار الشريعة واستمرارها إلى قيام الساعة يتعين وجوب إزاحة العلة في حفظها بعد أدائها ، كحفظها بمن به أدائها في حال الأداء ، ولا حافظ لها في الحقيقة إلا من حكمه (٢) في وجوب الاقتداء به ، وإزاحة العلة بوجود (٣) حكم مؤديها ، وهو الرئيس الذي لا يجوز خلو زمان التكليف من وجوده فيه ، لأنها إن لم تكن محفوظة جاز دخول التبديل والتحريف فيها ، وهو مناف لوجوب القطع على صحتها ولإزاحة علة من هو مكلف بها وإن كانت محفوظة ، فأما الكتاب فليس مشتملا على جميع أحكامها ، ولا كل ما اشتمل عليه مبين ، لما فيه من المجمل الذي لا بد له من بيان ، أو السنة ، وحكمها في عدم الإحاطة بجميع الأحكام حكم الكتاب ، ومتواترها قليل بالنسبة إلى الآحاد الذي هو كثير واتصاله به جائز إما بإعراض الناقلين عنه ، أو باختلافهم فيه أو بغير هما من الأسباب ، وليس الآحاد مثمرا علما ولا موجبا عملا ولا طريقا إلى العلم بشي‌ء من الأحكام الشرعية فلا بد لها من ضابط.

والإجماع ولا حجة به إلا بوجود المعصوم وتعيينه فيه ، وإلا مع خلوة منه ، وجواز الخطأ على كل واحد من المجمعين لا حجة في إجماعهم ، ولا فرق بينه وبين انفرادهم ، كما لا حجة في إجماع أهل الكفر على ما أجمعوا عليه من كفر هم الذي

__________________

(١) في « ا » : مشروطا فيه.

(٢) في « أ » : من حكمة.

(٣) في « ج » : بوجوده.


كل واحد منهم عليه بإجماعه أو انفراده.

ولو كان مجرد إجماع أهل الخطاء علة في كونه حجة ، لزم مثله في إجماع كل فرقة من فرق الكفار ، بل لو قامت الحجة بإجماع أهل الزلل والعصيان قياما يفيد ارتفاع ذلك عنهم ، وارتفعت بانفصالهم وانفرادهم ارتفاعا يقتضي عود ذلك إليهم ، لزم مثله في الكفار ، بل في السودان حتى يصح أن يقال :

إن كل واحد من الزنج أسود ، فإذا أجمعوا على أمر ما ، أو اجتمعوا له زالت السوادية عنهم واختصوا بالبياضية بدلا منها ، فإذا انفصلوا وانفرد كل واحد منهم عن الآخر عادت إليهم ، وبسقوط ذلك واستحالته يعلم قطعا أنه لا حجة في الإجماع إلا بتعيين من في قوله بانفراده الحجة ، أو القياس والرأي ، ولا يخفى سقوطهما ، لأن المعول فيهما (١) على الظن الذي يخطئ ويصيب مع خلو هما عن طريق إلى العلم بثبوتهما ، ودليل على جواز التعبد بهما والعمل بأحكام الشرع لا عن علم يقيني وطريق قطعي بصحته فاسد ، فإذا بطل أن يكون الشي‌ء مما ذكرناه حافظا لها ، وكان حفظها واجبا ، لوجوب إزاحة العلة في التعبد بها ، ثبت أنه لا حافظ لها بعد مؤديها إلا الإمام القائم في ذلك مقامه.

وهذه الطريقة وإن كانت دالة على وجوب الإمامة مع بقاء الشريعة ، فإنها دالة أيضا على عصمة الإمام ، لأن خلوة من العصمة مناف لكونه حافظا لما ثبت أنه لا حافظ له سواه ، فلا بد من اختصاصه بها ، لاختصاصه بما لا يثبت إلا بثبوتها ، ولا يتم إلا بوجوبها له ، وكان المحوج إليه جواز الخطأ على غيره (٢) فلو لا

__________________

(١) في « ج » : لأن المقول فيهما.

(٢) هكذا في « أ » : وفي غيرها : ولأن المحوج إليه جاز الخطأ على غيره.


عصمته لكان ما أحوج إليه حاصلا فيه ، فلا مزية له مع ذلك على غيره. بل يكون حكمه في الاحتجاج حكم الغير ، فإن تسلسل إلى غير نهاية كان محالا ، وإن انتهى إلى معصوم مميز بذلك كان هو المراد ، ولأنه لو جاز عليه ما ينافي العصمة ، لحق بكل من جاز عليه الخطأ في دخوله تحت الذم والحد والتعزير وغيره مما يتنزه بعض رعيته عنه ، فكيف يصح وقوع ما يوجب ذلك منه؟

وإذا ثبت عصمته فلا بد من كونه أفضل الرعية باطنا ، أي أكثر هم ثوابا وأعلى منزلة عند الله ، لأنه معصوم مستحق من المدح والتعظيم مطلقهما ، فلو لا تميزه بهذه الفضيلة ، لم يثبت له ذلك ، ولا كان بين المعصوم وغيره ممن ليس كذلك فرق ، ولا بين ثبوتها ونفيها أيضا فرق.

وقد تحقق الفرق بما لا خفاء فيه وظاهرا أي في كل ما هو رئيس فيه ، لأنه متقدم على جميع الأمة ، مفروض الطاعة عليهم. وقبح تقديم المفضول على الفاضل فيما هو أفضل منه فيه معلوم يقتضيه عقل كل عاقل ، لاقتضاء العقول ، وشهادتها أنه لا وجه لقبحه سوى كونه كذلك ، وطاعة من يقبح تقدمه في ما بمثله ثبوت الطاعة قبيحة.

ومن لا تجب طاعته لا تثبت إمامته ، فتقدير كونه مفضولا أو تجويزه ، مناف لكونه إماما ، ولأن ثبوت فضيلته باطنا يقتضي ثبوتها له ظاهرا ، إذ التفرقة بينهما أو إثبات إحداهما دون الأخرى لا وجه له.

وأعلم بالتدبير والسياسة ، لتولية ذلك ولزوم كون المتولي عالما بما تولاه ، وإلا لم تثبت ولايته. وبجميع أحكام الشريعة ، لفتواه وحكمه بها ، والحاكم المفتي إن لم يكن أعلم بالأحكام والفتاوى من المستفتي والمحكوم له أو عليه ، لم يكن


لكونه كذلك وجه ، وكان تقدمه على من هو أعلم منه بالحكم والفتوى قبيحا ، ولا ثبوت لإمامته معه ، فوجب تميزه بما لا يتم كونه إماما إلا به.

وأكرم ، لأنه قائم بضبط الحقوق المالية ، ووضعها في مواضعها.

وأشجع ، وإن كان إليه جوار (١) ، لأنه فتية (٢) فيه ويختص بتدبيره وتوليه.

وأزهد وأعبد ، لأنه قدوة فيهما والداعي إليهما.

وبثبوت عصمته ثبوت هذه الصفات له ، إذ هي أصل صفات الكمال والكاشف عنها لتعيينه وتمييز شخصه (٣) أما المعجز المطابق لادعائه أو نص صادق يخصه ، لأن اختصاصه بها مما لا يشاهد ، بل مما لا يحيط به علما إلا علام الغيوب سبحانه ، لكونه أمرا باطنا لا سبيل إلى العلم به والقطع عليه إلا بما يكشف عنه ، وليس إلا ما أشرنا إليه ، فلو لم يكن منصوصا عليه بالإمامة أو مختصا بمعجز يصدق ادعاه بها تعذر تعيينه ، ولم يكن لأحد ممن كلف ذلك طريق إليه ، وما تكليف ما لا طريق إلى العلم به في القبح بل في التعذر إلا كتكليف ما لا قدرة عليه.

وكلما لا تتم إزاحة علة المكلف في تكليفه إلا به ، فهو واجب لوجوب إزاحتها. وقد بطل بثبوت كون النص أو المعجز طريقي تعيين الإمام ما يدعى من الاختيار. ويبطله زائدا أنه لو ساغ في الإمامة لساغ في النبوة وفي الأمور الدينية ، ولأنه إن خص قوما دون قوم فلا وجه له لكونه تخصيصا لا بمخصص وترجيحا لا بمرجح ، وإن عم جميع الأمة أو سائر علمائها وأهل الرأي والمشورة منها ، فلا خفاء في تعذره واستحالته ، ولو كان ممكنا لم يثبت ، ولا اتفق لأحد ممن ادعيت

__________________

(١) ـ كذا في النسخ التي بأيدينا.

(٢) ـ كذا في النسخ التي بأيدينا.

(٣) في « أ » : وتميز شخصه.


إمامته ، ثم هو مناف لما له وجبت الإمامة ، لأنه يقتضي من اختلاف الآراء وتشتت الأهواء ما أيسره منع المستحق وإعطاء من لا يستحق ، وجواز نصب أئمة شتى في وقت واحد ، فأما أن تفوت جملة المصالح المناطة بالإمام أو أكثرها ، وأما أن تعم بفواتها كل المفاسد أو معظمها ، وذلك ينافي ما قلناه ، وما يدعى أيضا من الميراث بمثل ما أبطلنا به الاختيار ، ولأنه لو تعين للإمامة لتعينت لكل مستحق له ، ويندرج في ذلك النساء والصبيان ، فكان ظاهر البطلان.

وإذا تحققت هذه الخصائص والمزايا للإمام ، وثبت أنه لا يتم ولا يثبت كونه إماما على الحقيقة إلا باختصاصه وامتيازه بها ، فلا شبهة في انتفائها عمن ادعيت إمامتها (١) بطريقي الاختيار والميراث لما بين هذين الطريقين وبين ما قدمناه من التفاوت والتنافي المقطوع بهما على بطلان كل واحد منهما ، لمنافاته مدلول الأدلة.

وحينئذ يجب أن يكون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ إماما بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل لاختصاصه بذلك وامتيازه به ، فإنه إذا تعين قطعا تعدى من سواه ممن ادعت إمامته عنها وخلوة منها ، وكان سقوط إمامته بذلك ظاهرا ، ثبت كونه ـ عليه‌السلام ـ مختصا بها ، لادعائه الإمامة ، أو ادعائها له ، وتحققت بذلك إمامته ، وإلا خرج الحق عن أمة الإسلام (٢) ، أو صح خلو زمان التكليف من الإمام ، أو صحت إمامة العاري من الصفات المعتبرة ، وفي العلم بفساد ذلك ، بل باستحالته دلالة على ثبوت إمامته ، ولأنه ـ عليه‌السلام ـ مختص بالنصوص القرآنية ، وهي آيات كثيرة ، يكفي في الاستدلال.

__________________

(١) في « ج » : إمامتهما.

(٢) في « أ » : عن أمة الإمامة.


منها : آية مدحه لما تصدق بخاتمه في حال ركوعه ، قوله تعالى ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (١).

فأثبت له سبحانه الولاية التي مراده بها فرض الطاعة ما أثبته لنفسه ولرسوله ، مؤكدا ذلك بلفظة ( إِنَّما ) الدالة على تحقيق ما تضمنته وتأكيده ونفي ما لم تتضمنه.

فكان اختصاص هذه ولاية به ، كاختصاصها بهما بثبوت هذا التأكيد ، وباقتضاء وأو العطف إلحاق المعطوف به بالمعطوف عليه.

وبأنها لو كانت عامة لم يكن لهذا التأكيد وجه ، ولا كان بين من له الولاية ومن هي عليه فرق ، ولا كان لما أثبته تعالى له ولرسوله من الاختصاص بها وجه ، مع أن المذكور فيها من إيتاء الزكاة في حال الركوع لم يثبت إلا له ولم يكن إلا منه ، وعليه إجماع المحققين من المفسرين (٢) وبالنصوص النبوية.

منها : الجلية التي لا تحتمل التأويل : لدلالتها بظاهر لفظها على المعنى المراد بها ، وهي كثيرة مع اختلاف ألفاظها واتفاق معانيها كأمره :

أن يسلموا عليه ـ صلوات الله عليه ـ بإمرة المؤمنين (٣) ، وتصريحه بأنه بعده

__________________

(١) المائدة ٥ ـ ٥٥.

(٢) قال الفيض الكاشاني ـ قده ـ في الصافي عند تفسير الآية ما نصه : والأخبار مما روته العامة والخاصة في أن هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ كثيرة جدا ، ونقل في المجمع عن جمهور المفسرين أنها نزلت في أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ حين تصدق بخاتمه في ركوعه.

وقال السيد شرف الدين الأسترآبادي : اتفقت روايات العامة والخاصة على أن المعني بـ ( الَّذِينَ آمَنُوا ) : أنه أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ لأنه لم يتصدق أحد وهو راكع غيره. أنظر « تأويل الآيات الظاهرة في العترة الطاهرة » : ١ ـ ١٥١.

(٣) بحار الأنوار ٣٧ ـ ٢٩٠. وإحقاق الحق ٤ ـ ٢٧٦ ـ ٢٧٧. و ١٥ ـ ٢٢٣.


الإمام والخليفة والوصي (١).

وهذا الضرب من النص وإن لم يظهر بين مخالفي الشيعة ، كظهور غيره من النصوص فلأغراض أوجبت إعراضهم عن التواتر بنقله. ودعتهم إلى كتمانه ، فلذلك جاء (٢) في نقلهم آحادا وفي نقل الشيعة متواترا ، لأنهم مع اختلافهم وتباين آرائهم ، وبلوغهم في الكثرة حدا يستحيل معه حصول التواطؤ وما يجري مجراه ، وتساوي طبقاتهم في ذلك ، وكون المنقول مدركا في الأصل لا شبهة في مثله (٣) قد أطبقوا على نقله وقد بنوا بروايته خلفا عن سلف ، فهو بينهم شائع ذائع لا يرتاب فيه منهم بعيد ولا قريب ، ولا يزال إجماعهم منعقدا عليه من لدن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الآن بل إلى انقضاء التكليف ، فلو لا أنه حق وأنهم صادقون في روايته ونقله لم يكن لشي‌ء من ذلك وجه ، وفيه المراد.

ومنها : الخفية المحتملة للتأويل (٤) :

أولها : نص يوم الغدير : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت مولاه فعلي مولاه » (٥). ولا ريب عند محصل أنه قدم مقدمة تفيد نفاذ الأمر وإيجاب الطاعة ، وصرح فيها بذكر « الأولى » بذلك ، ثم عطف عليها بهذا اللفظ الذي هو في معناها ، فكان مراده بالجملتين واحدا ، إذ المولى بمعنى الأولى ، ولو أراد به غيره لم يكن كلامه مقيدا ، فإن جميع ما تحتمله لفظة « مولى » من الأقسام المعروفة في اللغة لا تصح أن تكون

__________________

(١) أنظر الغدير ١ ـ ٢١٥ ، وبحار الأنوار ٣٧ ـ ١٠٩.

(٢) في « ج » : فلذلك جاز.

(٣) في « ج » : لا لشبهة في مثله.

(٤) في « ا » : المحتملة التأويل.

(٥) بحار الأنوار ٣٧ ـ ١٠٨ ـ ٢٥٣. والغدير ١ ـ ٢١٤. وفرائد السمطين ١ ـ ٦٤. ونهج الحق ص ١٧٣.


شي‌ء منها مرادا ها هنا سوى « الأولى » لأنها كلها ترجع في التحقيق إليه ، فكأنه أصل لها ، ولأن منها ما علم استحالته ، ومنها ما علم ضرورة ثبوته بينهما ، فلا فائدة في إشارته إليه ونصه به ، سيما في ذلك المحفل العظيم والجمع الكثير والوقت الشديد ، مع المشهور من تهنئة من حضر (١) ، وإعلانهم بذلك نثرا ونظما ، ورضاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسروره بكل ما ظهر منهم من ذلك.

فلو لا أنه مراده لم يسغ (٢) له الرضى به ، ولوجب عليه الإعلام بغرضه ، والإبانة عن قصده ، لاستحالة التلبيس والتعمية عليه ، فكأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ـ بعد أن قدر هم على فرض طاعته ، وثبوت ولايته التي هي نفاذ أمره ونهيه فيهم عاطفا على النسق من غير تراخ ـ : « فمن كنت أولى به منه فعلي بعدي أولى وأحق به منه ». ولو أراد ما سوى هذا المعنى لم يكن لكلامه معنى ، ويحل عن ذلك.

ولا معنى للإمام إلا من اختص بهذا الشأن.

وثانيها : نص غزاة تبوك : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » (٣) ، ولا مندوحة عن أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد « بمنزلة » جميع المنازل لانتهاء المنزلتين الاخوة للأبوة ضرورة ، والنبوة استثناء. فلو كان مراده غير ذلك كان مستثنيا أمرا من أمر مع انتفاء أمر آخر ، تبعا لما استثناه. وانتفاء شيئين من شي‌ء

__________________

(١) في فرائد السمطين ١ ـ ٧٧ ، الباب ١٣ في فضل صوم يوم عيد الغدير وما له من الأجر الجزيل والثواب الوافر الكثير بإسناده. إلى أن قال : لما أخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي ـ عليه‌السلام ـ فقال : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره » فقال له : عمر بن الخطاب : بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم!

(٢) في « ج » : لم يسع.

(٣) بحار الأنوار ٣٧ ـ ٢٥٤ ـ ٢٨٩. وفرائد السمطين ١ ـ ١٢٢. ومناقب ابن المغازلي ص ٢٧. وأسد الغابة ٤ ـ ٢٦ ، و ٥ ـ ٨. والغدير ١ ـ ٥١ و ٣٩٧ و ٧ ـ ١٧٦. ونهج الحق ص ٢١٦.


واحد مما لا يعقل. بل ولا واحد من واحد ، لكونه نقضا لحقيقة الاستثناء ولغوا لا فائدة فيه ، ولا معنى لقوله إلا ما بيناه.

وإذا كان من جملة منازل هارون من موسى ـ عليهما‌السلام ـ الخلافة في قومه ، كما أخبر تعالى عنه (١) ، مع ما يضامها (٢) من محبة ، وشد أزر ، وقوة اختصاص ، تحقق أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنى بهذا النص ذلك ، وأراده وهو صريح الإمامة (٣).

ولا يقدح فيما ذكرناه موت هارون في حياة موسى ، لأنه لو بقي بعده لاستمر على ما كان له منه ، لاستحالة عزله عنه.

ولما بقي علي ـ عليه‌السلام ـ بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثبت له ما أثبته ، واختص بما خصه به.

وثالثها : نص القضاء : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أقضاكم علي » ـ عليه‌السلام ـ (٤) وإنما أراد أنه أعلمهم بالقضاء الذي يجمع علوم الدين ويقتضي التقديم في الحكم ، والمقطوع على تميزه بذلك لا يكون إلا معصوما ، ولم يتحقق ذلك بعده بلا فصل إلا لعلي ـ عليه‌السلام.

ورابعها : نص المحبة : المعينة في حديث الطائر (٥) وحديث

__________________

(١) ( وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) الآية ، الأعراف : ٧ ـ ١٤٢.

(٢) من ضم الشي‌ء إلى الشي‌ء.

(٣) في « أ » : وهو الإمامة.

(٤) نهج الحق ص ٢٣٦. والغدير ٣ ـ ٩٦ و ٧ ـ ١٨٣ و ٦ ـ ٦٩. وفرائد السمطين ١ ـ ١٦٦ ونص الحديث فيه : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرحم هذه الأمة. وأقضاهم علي ـ عليه‌السلام.

وشرح النهج لابن أبي الحديد ١ ـ ١٨. وفيه : وقد روت العامة والخاصة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أقضاكم علي ».

(٥) حديث الطير المشوي من الأحاديث المشهورة بين العامة والخاصة وإليك بعض مصادره فانظر التاج الجامع للأصول ٣ ـ ٣٣٦ ، وأسد الغابة ٤ ـ ٣٠ ، والغدير ٩ ـ ٣٩٥ ، وبحار الأنوار ٣٨ ـ ٣٤٨ ، ونهج الحق ص ٢٢٠.


خيبر (١) ونظائر هما. لأن محبة الله ورسوله مفيدة علو المنزلة عندهما ، وهي ما أردناه.

من الفضيلة باطنا وظاهرا ، ولا امتياز بها إلا لمن ثبت كونه معصوما ، وبثبوت عصمته ثبوت إمامته.

وخامسها : نص الفعال : وهو المشهور عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من استخلافه له في حياته ، وإقامته في كثير من الأمور مقام نفسه ، على وجه لم يعزله ولا استبدل به ، ولا خفاء أن الحاجة إليه بعد وفاته آكد منها في حال حياته فكان ذلك مستمرا له وباقيا فيه.

وقد ظهرت له ـ عليه‌السلام ـ مطابقة لادعائه الإمامة فنون المعجزات التي ظهورها واشتهارها مغن عن التطويل بذكرها ، كل صنف منها دال على إمامته ، وشاهد بها ، وما أشرنا إليه من نصوصه (٢) وكراماته معروف أمرها ، مشهور نقلها ، لظهوره وشياعه بين الطائفتين المختلفتين ، والفرقتين المتباينتين ، ولا يكاد يقدح في روايته إلا من طوى العناد (٣) أو منطو على الإلحاد ، فإن الشك فيها كالشك في كل ما ظهر واشتهر من معجزات نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآياته وحروبه وغزواته.

وإذا ثبت إمامته ـ عليه‌السلام ـ فكل ما (٤) يعترض به من أقواله وأفعاله للقدح في كونه منصوصا عليه بها ساقط على رأي الخاصة والعامة ، لأنه من المطهرين المعصومين.

__________________

(١) المشهور بحديث الراية لاحظ الغدير ٧ ـ ٢٠٠ و ٢٠٤ ، ونهج الحق ص ٢١٦ ، وبحار الأنوار ٣٩ ـ ٧ ـ ١٩.

(٢) في « ج » : من خصوصه.

(٣) في « ا » : إلا كل قوي العناد.

(٤) في « ج » : فكان.


فكل ما يقال من أنه بائع من تقدمه ، ورضي بهم ونكح من سبيهم واقتدى بصلاتهم وتناول من عطائهم (١) ولم ينكر عليهم ، ولا غير كثيرا من أحكامهم عند خلافته ، مع انقياده إلى واحد منهم بعد واحد حتى دخل الشورى ، وانتهى إلى تحكيم الحكمين ، وما لا يزال المخالف به متشبثا متعلقا من هذه الأشياء وأمثالها ، لا قدح به ولا تعويل على مثله ، أما عند الخاصة فلما ذكرناه من عصمته وطهارته ، فلا بد لكل ما كان منه من ذلك ، وغيره من وجه حكمة وسبب مصلحة (٢) ، فالطاعن به إن وافق على ثبوت العصمة سقطت مطاعنه ، وتيقن الصواب والمصلحة في ذلك ، فحمله عليهما وصرفه إليهما ، وإلا لم يحسن إجابته عنه ولا مكالمته فيه ، لمخالفته في الأصل الذي يبنى عليه ويرجع إليه.

وأما عند العامة فلأن الاجتهاد يؤدي إلى ما هو أكثر من ذلك ، والمجتهد فيه عندهم مصيب ، وهو ـ عليه‌السلام ـ من أجل المجتهدين ، فلا ملامة عليه في جميع ما أداه اجتهاده إليه على أصولهم ، فكيف يليق مع هذا الأصل الطعن بشي‌ء من ذلك ، على أن المحقق المحرر (٣) أنه ـ عليه‌السلام ـ لم يكن راضيا بشي‌ء مما ادعى رضاه به. بل لا طريق إلى العلم بذلك ، لاحتماله وجوها من التقية والاحتياط وخوف انقلاب الملة وارتداد أكثر الأمة ، وغيرها من الوجوه التي يحتملها إظهار الرضا ، وكذا كل ما اعتمده ـ عليه‌السلام ـ من ذلك لم يكن اختيارا وإيثارا بل تقية واضطرارا.

وقد تظلم من القوم وأنكر عليهم بالقول بحسب إمكان الوقت ولم يأل جهدا في التلويح بذلك بل في التصريح ، ولو لم يكن منه شي‌ء من ذلك كان في

__________________

(١) في « ج » : من إعطائهم.

(٢) في « أ » : من وجه حكمه وسبب مصلحته.

(٣) في « ا » : المحقق المجرد.


إباحة التقية ما لولاها لم يكن مباحا ، وتسويغها ما لولاها لم يكن سائغا كفاية.

وقد وضح بما بيناه أن أحكام ظالميه ومحاربيه والباغين عليه أحكام أهل الارتداد ، وهي الكفر الذي لم يتقدمه إيمان.

ولو لم يشهد بذلك إلا شهادة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن حبهما واحد وبغضهما واحد (١) ، ودعاؤه له بقوله :

« اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » (٢).

وإخباره أن حربه كحربه بقوله : « حربك حربي ، وسلمك سلمي » (٣). لكفى وأغنى عن غيره ، فإن عدو الله ومبغض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو محاربة كافر إجماعا ، وما أراد بالحرب إلا حكمه لا نفسه ، وما يدعى لمحاربيه في تسوية محال ، لكونه عدولا عن معلوم إلى مجهول أو مظنون ، ولفقد أماراتها وأسبابها منهم ، ولأن جميع ما يعول عليه في ذلك ساقط ، لكونه آحادا ومعارضا بما يناقضه.

ولما لم تكن أحكامهم متفقة بل مختلفة ، حسبما قررته الشيعة ، لم يلزم حملهم

__________________

(١) حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أحب عليا فقد أحبني ، ومن أبغض عليا فقد أبغضني ».

لاحظ الغدير ٣ ـ ٢٥ ، و ٩ ـ ٢٦٨. ونهج الحق ص ٢٥٩ وبحار الأنوار ٧ ـ ٢٢١ و ٣٩ ـ ٢٧٥.

(٢) بحار الأنوار ٣٧ ـ ١٠٨ ـ ٢٥٣ ، والغدير ١ ـ ٢١٤. ونهج الحق ص ١٧٣.

(٣) إحقاق الحق ٤ ـ ٢٥٨ والغدير ١٠ ـ ١٢٦ و ٢٧٨ وأمالي الطوسي ١ ـ ٣٧٤ وأمالي الصدوق ـ ره ـ المجلس ٢١ برقم ١. وعوالي اللئالي ٤ ـ ٨٧.

أقول : إن في هذا المضمار للشارح المعتزلي كلاما أحب أن أشير إليه حيث قال :

لنفرض أن النبي ـ عليه‌السلام ـ ما نص عليه بالخلافة بعده ، أليس يعلم معاوية وغيره من الصحابة أنه قال له في ألف مقام : « أنا حرب لمن حاربت وسلم لمن سالمت. وحربك حربي وسلمك سلمي » ... شرح النهج لابن أبي الحديد ١٨ ـ ٢٤. ومناقب ابن المغازلي ص ٥٠.


على من يسبي ويغنم منهم ، وإن حملوا عليهم في لزوم الكفر ودوام عقابه.

والطريق في إثبات إمامة الأئمة الأحد عشر بعد أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ من ابنه الحسن إلى الحجة المهدي محمد بن الحسن ـ صلوات الله عليهم ـ ، واحدة ، لأن كل من ادعيت إمامته سواهم من لدن أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ وإلى المهدي ـ عليه‌السلام ـ لم يكن مقطوعا على عصمته ، ولا ممتازا بما (١) يجب للإمام من مزايا الكمال لأن الأمة بين قائلين (٢) :

قائل باعتبار ذلك ، وأنه لا يثبت كون الإمام إماما به ، وقائل لا باعتباره بل إما بالاختيار (٣) أو الميراث أو القيام بالسيف أو الإشارة إلى حياة من لا شبهة في موته ، لكونه معلوما ضرورة ، أو التعويل في الإمامة على ما لا يعقل إلا في الربوبية أو على ما لا يعقل أصلا ، أو التمويه بادعاء عصمة من ظهر فسقهم وسوء سيرتهم ، مغن عن القدح فيهم ، مع المعلوم المفهوم من رداءة بواطنهم ، وخبث سريرتهم ، فتكافأت هذه الأقوال كلها في فساد أصولها وقواعدها التي هي مبنية عليها ، وكانت نسبتها في البطلان والسقوط نسبة واحدة ، فإن فيها ما قد انقرض القائلون به انقراضا لم يبق منهم سوى الحكاية عنهم ، والحق لا يجوز انقراضه ، وفيها ما ظهور فساده ، وبعده عن الحق يغني عن تكليف الكلام عليه ، فيكون الإجماع الكلي والوفاق القطع والعلم اليقيني مفردا حاصلا أنه لا عصمة ولا مزايا كمال لكل من عدا أئمتنا الاثني عشر ـ عليهم‌السلام ـ من جميع من ادعيت لهم الإمامة على اختلاف طرقها وجهاتها في الادعاء.

__________________

(١) في « أ » : ولا ممتازا مما.

(٢) في « ج » : من مزايا الكلام لأن الأمة هي قائلين.

(٣) في « ا » : بل إماما بالاختيار.


فبطلان الجميع على هذا الأصل ظاهر ، وكان فيه شي‌ء واحد ، وحينئذ لولا ثبوت إمامة أئمتنا ـ عليهم‌السلام ـ والقطع على أنه لا حظ لأحد سواهم في الإمامة ، لامتيازهم بخصائصها ومزاياها التي كون الإمام إماما مشروطا بها (١) ومترتبا على ثبوتها لزم إما خروج الحق عن هذه الأمة ، أو خلو زمان التكليف من الرئيس ، أو إمامة من لا طمع له بمزية (٢) من تلك المزايا ، لاستحالتها فيه ، وبفساد ذلك ، واستحالته ، وقيام الأدلة عقلا وسمعا على خلافه ودلالة واضحة على ما أشرنا إليه ونبهنا عليه ، من إمامة أئمتنا ـ عليهم‌السلام ـ ، ولأنهم مختصون بالنصوص الربانية الدالة على عصمتهم وكمال صفاتهم قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ ) (٣) وهم من لا يجوز عليهم الكذب ، والكون معهم هو الانقياد لهم ، وإطلاق الأمر به يقتضي فرقا بين من يجب معه ومن يجب عليه ، وفيه ما أردناه.

وقوله ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٤) وعموم الأمر وإطلاقه بوجوب طاعة أولى الأمر عطفا على عمومه ، وإطلاقه بوجوب طاعة الرسول ، وطاعة الآمر سبحانه يقتضي كون الحكم في الجميع واحدا.

أو بوجوب الفرق بين من تجب له الطاعة وبين من تجب عليه ، وفيه الغرض.

وقوله ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ) (٥) إخبار عن أنه لا بد لكل زمان

__________________

(١) في « ا » : التي كون الإمام مشروطا بها.

(٢) في « ج » : « مجزية » بدل « بمزية ».

(٣) التوبة ٩ ـ ١١٩.

(٤) النساء ٤ ـ ٥٩.

(٥) النحل ١٦ ـ ٨٤.


تكليف من شهيد على الأمة ، هو الرئيس الذي لا شهيد عليه إلا الله وإلا تسلسل الأمر. وفيه ما قصدناه.

وقوله ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (١) أمر بوجوب المسؤولين لا يجوز كونهم سائلين ، لإحاطتهم علما بكل ما يسألون عنه ، وهو المعول.

وقوله في آخر آية إبراهيم ( قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (٢) نفى استحقاق عهده الذي هو إمامة الأئمة كل من تناوله اسم الظلم وجاز عليه ، وفيه ثبوت عصمة من استحق ذلك واختص به ، وهو المقصد مع كثير من الآيات التي يطول شرحها.

وبالنصوص النبوية المتضمنة أسماء هم وأوصافهم وتعيينهم واحدا بعد واحد ، والتصريح فيها بثبوت إمامتهم ولزوم خلافتهم وفرض طاعتهم وإيجاب ولايتهم ، والتنبيه على عدد هم وغيبة قائمهم (٣) وما يكون لهم ومنهم إلى قيام

__________________

(١) النحل ١٦ ـ ٤٣.

(٢) البقرة ٢ ـ ١٢٤.

(٣) أقول : النصوص التي تدل على إمامة الأئمة الاثني عشر ـ عليهم‌السلام ـ مع التنبيه على أسمائهم وعدد هم ، كثيرة جدا تبلغ فوق التواتر فإليك بعض المصادر : بحار الأنوار ٢٣ ـ ٢٨٩ وج ٣٦ ـ ١٩٢ ، الباب ٤٠ : نصوص الله على الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ وص ٢٢٦ ، الباب ٤١ : نصوص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الأئمة ـ عليهم‌السلام. وكفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر.

وإثبات الهداة ج ١ ، الباب ٩ برقم ٨٦٣. وتأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة ١ ـ ١٣٥ برقم ١٣. وعوالي اللئالي ٤ ـ ٨٩ برقم ١٢٠ ـ ١٢٤. ونور الثقلين ١ ـ ٤٩٩ برقم ٣٣١ ـ ٣٣٢.

وتفسير البرهان ١ ـ ٣٨١ ـ ٣٨٦. وأصول الكافي ١ ـ ٢٨٦ من كتاب الحجة ، وفرائد السمطين ٢ ـ ١٣٤ ، وصحيح مسلم ٣ ـ ١ ، كتاب الإمارة ، باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش.

ولاحظ صحيح البخاري ٩ ـ ٨١ باب الاستخلاف. والمستدرك ٣ ـ ٦١٨.

ومسند أحمد بن حنبل ٥ ـ ٨٨ و ٨٩ و ٩٠ و ٩٢ و ٩٧ و ٩٨ و ١٠٧ ، ونقل المجلسي ـ قده ـ أخبار الأئمة الاثني عشر من كتب العامة المسميات عندهم بالصحاح الستة في روضة المتقين ١٣ ـ ٢٦٧ ـ ٢٧٠.


الساعة ، فإنها أكثر من أن تحصى ، وأعظم من أن تستقصى ، لظهورها وشياعها في نقل كل مؤالف ومخالف ، فتواتر نقلها واتفاق الفريقين على روايتها أشهر من كل مشهور ، وأظهر من كل ظهور ، وليس غرضنا ها هنا ذكر الأحاديث ، كراهية التطويل بإيرادها ، واكتفاء بالإشارة إليها ، رغبة في الاختصار ، وإلا أوردنا منها جملا من الطرفين تحقق ما أشرنا إليه (١) وعولنا عليه ، من أرادها أخذها من مظانها ، وفي كل نص منها ظهور المحجة وقيام الحجة ، لأن مع تضمنها لهذا العدد المخصوص المعين الذي لم يقع ادعاؤه ولا أشير به إلى ما سوى المعنيين فيها ، وتصريحا بأسمائهم وسماتهم ونعوتهم وصفاتهم وأنسابهم وأسبابهم ، ليستحيل (٢) تعلقها بغير هم وأن يكون المراد بها سواهم.

وإذا صحت هذه الجملة فما به ثبتت إمامة أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ من النص الجلي الذي هو من بعض براهينها الكاشف عنها كشفا لا يحتمل سواها ، والمختص به اختصاصا يستحيل تعلقه بغيره به بعينه من جهة النصوص التي أشرنا إليها تثبت إمامة الأئمة الإحدى عشر من ولده ـ عليهم‌السلام ـ لأنها واضحة جلية في تصريحها بثبوت الإمامة التي لا يحتمل شيئا سواه ، وإن كانت إمامتهم ثابتة بغير ذلك ، ويكفي في ثبوتها نص كل واحد منهم على الذي يليه بالإمامة والإشارة إليه بالوصية ، وإيداعه من الذخائر النبوية والعلوم الباهرة الحقية ما لا يقوم به إلا المخصوص بالعصمة ، وتميزه (٣) بالعهد إليه والتعويل عليه عن باقي الأهل والأولاد والذرية.

__________________

(١) في « ا » : محقق ما أشرنا إليه.

(٢) في « ا » : يستحيل.

(٣) في « ج » : وتمييزه.


وهذه وإن كانت حجة قاطعة وطريقة معتمدة في إثبات إمامتهم ـ عليهم‌السلام ـ إلا أنها تختص بنقل الطائفة المحقة ، فهم متدينون بروايتها ، متواترون بنقلها ، مجمعون على صحتها ، وفي بعضهم ما تقوم بنقله الحجة فكيف في جميعهم؟ ولو كان في هذا الضرب من النص ما هو من خبر الآحاد كان بكثرته واتفاق دلالته على المدلول الواحد مع انضمام بعضه إلى بعض ما يبلغ درجة المتواتر ويقتضي مقتضاه.

كيف وإجماع الفرقة الناجية منعقد عليه ، مع كون المعصوم في جملة إجماعهم ، لاستحالة كونه في غيره ، فإن كل من خالفهم موافق لهم على أنه (١) لا معصوم فيمن عداهم من جميع الفرق على اختلافها فلا بد من كونه فيهم ، لاستحالة خلو زمان التكليف ممن هذه صفته.

ومما اختصوا به ـ عليهم‌السلام ـ ظهور المعجزات مطابقة لادعائهم الإمامة ، فلو لا أنهم صادقون في ادعائها لم يكن لظهورها وجه ، لاستحالة منافات الحكمة الإلهية.

وحكم معجزاتهم في ظهور النقل والرواية لها بين الشيعة وبين مخالفيها أيضا حكم نصوصهم ، من أراد الجميع أخذه من مواضعه المختصة بذكره (٢).

وإذا تمهدت هذه الأصول ، وتقررت قواعدها ، علم بثبوتها وجود إمام الزمان القائم المهدي ـ صلوات الله عليه ـ ، وأن زمان التكليف لا يخلو من

__________________

(١) في « ا » : على أنهم.

(٢) مثل مدينة المعاجز ، وإثبات الهداة وبحار الأنوار ـ أبواب معجزاتهم ـ عليهم‌السلام ـ وقد ذكر المحدث الجليل الحر العاملي في إثبات الهداة (٧٢٠) معجزة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و (١٩٠٧) معجزة للأئمة الاثني عشر ـ عليهم‌السلام ـ ، واكتفى السيد هاشم البحراني في كتاب مدينة المعاجز بذكر (٢٠٦٦) معجزة للأئمة الاثني عشر ـ عليهم‌السلام ـ ، فلاحظ.


وجوده ، وكان الكلام في غيبته مترتبا عليها ومتفرعا عنها.

وجملته أن (١) مع ثبوت عصمته لا بد له من وجه حكمة فيها ، للقطع ، اليقيني على حسن جميع أفعال المعصوم واختصاصها بالثواب الذي لا يقدر له سواه ، ولو قدح في العصمة ما لا يظهر فيه وجه المصلحة ، أو يظهر جملة لا تفصيلا ، لقدح مثل ذلك في حكمة الله تعالى.

فكما أن كل ما لا يتبين فيه وجه المصلحة من الأمور التي يكثر عددها (٢) يجب حمله على ما يناسب الحكمة ويطابقها ، ولا يليق القدح بمثله فيها ، لكونه فرعا محتملا يبنى على أصل غير محتمل ، فكذلك يجب حمل الغيبة لاشتمالها على العصمة التي لا مدخل للاحتمال منها ، ويكفي هذا في معرفة الحق واعتقاده.

والزيادة عليه : أن العلم بوجوب التحرز من الضرر ـ ولو كان مظنونا فكيف إذا كان معلوما ـ مركوز في غريزة عقل كل عاقل ، فهو من العلوم الضرورية التي بها كمال العقل ، وإمام الزمان ـ عليه‌السلام ـ لما لم يكن له بدل يقوم مقامه فيما وجوده لطف فيه تعين عليه من فرض الاحتزاز ، دفعا للضرر عن النفس ما لا تعين على آبائه ـ عليهم‌السلام.

ولا غاية في التحرز أبلغ من الغيبة ، فيجب تجويزه ـ صلوات الله عليه ـ الخوف ، أو قطعه عليه إن لم يتوقاه حصل احترازه وتوقيه منه ، فكانت (٣) غيبته أما حسنة ، لحسن ما لا مدفع للضرر إلا به ، أو واجبة لوجوبه.

__________________

(١) في « ا » : انه.

(٢) في « ج » : يكثر عدها.

(٣) في « أ » : وكانت.


ثم إذا لم يكن من قبل الله للقطع على أنه سبحانه قد أزاح العلة بإيجاد الإمام وتمكينه والإعلام والإبانة له عن غيره بالمعجز المطابق ، وبالنص عليه ، وكان تكليفه ـ عليه‌السلام ـ القيام بما فوض إليه (١) إنما هو مع التمكن من ذلك ، لكونه مشروطا به متوقفا عليه ، وكان تمكينه منه موقوفا على طاعته التي هي مشروطة بمعرفة الأمة له وانقيادهم إليه وتعويلهم عليه ، لكونهم مكلفين بذلك ، قادرين عليه ، مرتهنين به ، وكانت الأمة (٢) بين محق أو مبطل ، فالمحق بالنسبة إلى المبطل قليل من كثير ، وجزء من كل ، والمبطل عكسه ، فأي حرج على الإمام في غيبته؟ إذا كان مخافا على نفسه ، مدفوعا عما يجب له من طاعة وغيرها ، ممنوعا من حقه ، ومرتبته لا بأمر من قبل الله أو قبله ، بل بما (٣) هو معلوم ، من جهل أكثر الأمة وعنادها وزيغها عن الحق وتشبثها باتباع أهوائها المضلة وآرائها المزلة وهل هو فيها إلا محتاط لنفسه وشيعته غاية الاحتياط ، مرتبط بما يجب له وعليه أحسن الارتباط.

ففوات اللطف العام بظهوره متمكنا (٤) لا يعدو إثمه من سببها وأحوج إليها ، وإن كان اللطف الخاص بوجوده ومعرفته وترقبه حاصلا لأوليائه.

هذا مع ما ثبت من أنه تعالى كما لا يلجى‌ء إلى طاعة ، لا يمنع من معصية ، إذ الإلجاء والمنع منافيان للتكليف الذي بشرطه الاختيار ، فسبب الغيبة وإن كان قبيحا إلا أن مسببه في غاية الحسن ، وليس المراد بها أكثر من أنه ـ عليه‌السلام ـ لا يميز

__________________

(١) في « ا » : بما فرض إليه.

(٢) في « ا » : فكانت الأمة.

(٣) في « ا » : بل مما.

(٤) في « ا » : بظهوره مسكنا.


عن غيره ولا يعرف بعينه ، مع تجويز كونه مخالط الأولياء والأعداء.

وعلى هذا لا يمتنع ظهوره لكثير من أوليائه إذا دعت المصلحة إلى ذلك ، ومن لا يظهر له منهم لا بد فيه من وجه حكمة تغني (١) جملة القطع عليه عن تفصيل (٢) ولا يعجب ، أو إنكار لطول عمره بعد القطع على إثبات الفاعل المختار سبحانه ، لاستناده إليه ، أو اقتداره عليه ، كما لا معنى للتعجب من ذلك ، مع إنكار الفاعل المختار ، إذ الكلام في الفروع لا مع تسليم الأصل والوفاق عليه لا معنى له ولا فائدة فيه.

ولو كان عمره ـ عليه‌السلام ـ خارقا لا معتادا ، لجاز بالنسبة إلى حسن الاختيار ، ولوجب (٣) بالنسبة إلى ما لا يتم إلا به ، وفاتت (٤) الحدود وما يتبعها من الأحكام والحقوق المعطلة لا إثم في تعطيلها إلا على من أحوج إليه (٥) مع بقائها في ذمم من تعلقت به ، الله ولي التوفيق.

__________________

(١) في « ج » : يغني.

(٢) في « ج » : عن تفصيله.

(٣) في « ج » : ولو وجب.

(٤) هذا ما أثبتناه ولكن في « ج » وفائه ، وفي « ا » : وفايت.

(٥) في « ا » : أحوج عليه.


في التكليف الشرعي

وإذا تقدم الكلام (١) في أركان التكليف العقلي ، فسنشير بعده إلى أركان التكليف الشرعي ، وهي خمسة (٢).

الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والجهاد.

فأما ركن الصلاة : فمن شرائط صحة أدائها الإسلام والبلوغ وكمال العقل ، وهما شرطا وجوبها أيضا (٣) ، ولها مع ذلك شروط وهي مقدماتها ، وهي فرض وسنة على وجه.

فالفرض منها : الطهارة ، وستر العورة ، والوقت ، والقبلة ، وعدد الركعات ، ومكان الصلاة ، وموضع السجود بالجبهة.

أما الطهارة : فهي إما من حدث أو من نجس.

والأولى : إما صغرى أو كبرى ، وكلاهما إما اختيارية أو اضطرارية.

فالطهارة من الحدث الأصغر اختيارا : هي الوضوء ، والموجب له (٤) خاصة إما البول ، أو الغائط ، أو الريح ، أو النوم الغالب ، أو ما به يرتفع التحصيل من سكر أو جنون أو إغماء ، أو الاستحاضة القليلة للنساء.

ومن الحدث الأكبر اختيارا أيضا : هي الغسل ، والموجب له خاصة ـ أي

__________________

(١) في « ج » و « م » : وإذا قد تقدم الكلام.

(٢) في « م » : إلى التكليف الشرعي وهو خمسة.

(٣) في « م » : « فمن شرط صحة أدائها الإسلام والبلوغ وكمال العقل فمن شرط وجوبها أيضا ».

(٤) في « م » : الوضوء الموجب له.


وحده ـ الجنابة ، وهي إما خروج الماء الدافق ، على أي حال كان ، من نوم أو يقظة أو شهوة أو غيرها. وإما التقاء الختانين قبلا كان أحد هما أو دبرا.

ويوجب الطهارتين معا : الحيض ، وهو ما يحدث بالنساء من خروج الدم ابتداء إلى حيث يتميز لهن بصفته المخصوصة ، أو بعادة مألوفة ، وأكثره عشرة أيام وأقله ثلاثة متوالية ، وما بين الثلاثة إلى العشرة بحسب العادة.

فإن نقص عما هو أقله أو زاد على ما هو أكثره ، لم يكن حيضا ، وأكثر أيامه هي أقل أيام الطهر بين الحيضتين ، ولا حد لأكثره ، فتعتبر المبتدئة بين حيضتيها أقل أيام طهرها إن كان خروج الدم مستمرا بها ، وتعمل على أن ما تراه منه فيها ليس حيضا ، سواء استمر بها أو لا ، أكثر أيامه أو أقلها. ومتى تميز لها عملت على التميز إلى أن تستمر عادتها به ، فتعمل عليها.

ومتى تعذر عملت على المروي (١) : أما أن تترك الصلاة كما لزم (٢) الحائض في الشهر الأول ثلاثة أيام ، وفي الثاني عشرة ، أو في كل شهر سبعة أيام إلى حيث يتميز لها أو يستقر لها عادة.

والاستحاضة المخصوصة ، وهي ما تراه من الدم في أيام طهرها من الحيض فإن كانت كثيرة لزمها في كل يوم من أيامها تغيير حشوها وتجديد الوضوء لكل صلاة ، وثلاثة أغسال : للفجر غسل ، وللظهر والعصر مثله ، وكذا للمغرب والعشاء الآخرة (٣) وإن كانت متوسطة لم يلزمها ليومها إلا غسل واحد للفجر مع

__________________

(١) لاحظ وسائل الشيعة ٢ ـ ٥٤٦ ، الباب ٨ من أبواب الحيض.

(٢) في « ا » : « كما يلزم ». وفي « م » : « كما أن يلزم ».

(٣) في « س » : والعشاء الآخر.


تجديد وضوئها وتغيير الحشو ، كما ذكرناه. ومتى فعلت ما يجب عليها من ذلك ، كان حكمها حكم الطاهر وإلا فلا.

والنفاس : وهو ما يحصل من الدم عند الولادة ، وحكمه حكم الحيض إلا في أقله ، فإنه لا حد له.

وكل ما يحرم على الجنب ـ من قراءة العزائم ومس كتابة المصحف أو الأسماء الشريفة ، أو دخول المساجد الخارجين عن المسجدين الشريفين الإلهي والنبوي إلا عابر سبيل (١) وعبور هما مطلقا. أو اللبث فيها ، أو وضع شي‌ء فيها (٢) يحرم أيضا على الحائض والمستحاضة التي لا تحترز بفعل ما يلزمها (٣) والنفساء.

وكل ما يكره له ، من الأكل أو الشرب لا عن مضمضة واستنشاق ، أو نوم وخضاب لا عن وضوء يكره لهن.

ولا يلزم الحائض قضاء صلاتها أيام حيضها ، بل ( يلزم ) (٤) الصوم. ولا يصح طلاقها فيها إلا أن يكون غير مدخول بها ، أو غائبا عنها زوجها شهرا فما زاد. فيحرم وطؤها فيها ، ويلزم فيه الكفارة (٥).

[ غسل مس الميت ] :

ومس الميت من البشر قبل غسله. كل واحد من هذه الأحداث الأربعة يلزم

__________________

(١) كذا في « م » ولكن في « أ » و « ج » و « س » : « لا عابري سبيل ».

(٢) الضميران يرجعان إلى المساجد وفي نسخة « م » تثنية الضمير في الموضعين وهو تصحيف.

(٣) كذا في « م » ولكن في غيرها : لا تحترز ما يلزمها.

(٤) ما بين القوسين موجود في « م ».

(٥) في « م » : « ويلزم فيها الكفارة ».


فيه الوضوء والغسل جميعا.

فالوضوء يتقدمه أمور مفروضة ، وهي السترة عند الخلوة للحاجة ، وتوقي استقبال القبلة واستدبارها بكل واحد من الحدثين ، وعند المجامعة أيضا ، والاستبراء بنتر (١) مخرج البول ثلاثا ، وخرطة كذلك على وجه الاجتهاد فيه تحرزا من البلة ، فإنها إن حصلت مع ما ذكرناه ، لم يكن لها حكم كالمذي والوذي (٢) ، وإلا وجب منها الوضوء إذا لم يتقدمها جنابة ، والغسل إن تقدمتها ، تعبد شرعي.

وغسل المخرج بالماء ومسح مخرج الغائط إذا لم يتعداه بالأحجار الطاهرة أو بما يقوم مقامها من الطهارات عدا المطعومات والعظام ، إما ثلاثة أو واحد مقرن (٣) بحسب غلبة الظن بالنقاء.

ولا يكون الاستجمار بها إلا إذا لم يكن تعد (٤) وإلا متى حصل وجب الاستنجاء بالماء ، ولو جمع بينهما كان أتم فضلا.

ومسنونة وهي : تقديم رجله اليسرى دخولا متعوذا ، واليمنى خروجا داعيا ، مغطى الرأس ، وتجنب (٥) استقبال الشمس والقمر والأفنية والشطوط والشوارع ،

__________________

(١) النتر : جذب الشي‌ء بجفوة ، ومنه نتر الذكر في الاستبراء. مجمع البحرين.

(٢) قال الطريحي في مجمع البحرين : المذي هو الماء الرقيق الخارج عند الملاعبة والتقبيل والنظر بلا دفق وفتور ، وفيه لغات : سكون الذال وكسرها مع التثقيل ، والكسر مع التخفيف. وأشهر لغاته : فتح فسكون ثم كسر ذال وشدة ياء. والوذي : بالذال المعجمة الساكنة والياء المخففة : ماء يخرج عقيب إنزال المني.

(٣) والمراد منه أن الحجر الواحد إذا كانت له ثلاثة قرون يجزي عن ثلاثة أحجار والمسألة اختلافية. أنظر المبسوط ١ ـ ١٧.

(٤) في « م » : إذا لم تعد.

(٥) في « ج » : فتجنب. وفي « أ » و « م » : متجنب.


ومساقط الثمر ، ومواضع اللعن ، وأفناء النزال ، ومساكن الحيوان ، وتلقي الريح بالبول. والأرض الصلبة ، مع الإمساك عن الأكل والشرب والسواك والحديث إلا الدعاء عند الاستنجاء والذكر سرا.

ويقارنه ما فروضه :

النية : وهي القصد إليه لرفع حكم الحدث ، واستباحة ما يستباح به ، من صلاة أو غيرها ، إما لوجوبه أو لوجهه إن كان المتوضئ عارفا بوجه الوجوب أو بكونه مندوبا إذا لم يكن واجبا ، طاعة لله وقربة إليه ، مع مقارنة آخر جزء منها واستصحابها حكما إلى آخره.

وهذا حكم كل نية من نيات العبادات ، تعين العبادة وكونها إما واجبة أو مندوبة ، أداء أو قضاء ، إن كانت مما يحتملها. على الوجه المعتبر من الطاعة والقربة مع مقارنتها واستدامة حكمها.

وغسل الوجه من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن (١) مرة وغسل اليد اليمنى ، وبعدها اليسرى ، مرة مرة ، من المرافق (٢) إلى أطراف الأصابع.

والمسح من مقدم الرأس مقدار ما يقع عليه اسمه ، أقله إصبع واحدة ، ببقية النداوة ، لا بماء مستأنف.

ومسح ظاهر القدمين كذلك من رءوس أصابعهما إلى موضع معقد الشراك

__________________

(١) محادر الشعر الذقن ـ بالدال المهملة ـ : أول انحدار الشعر عن الذقن وهو طرفه. مجمع البحرين وفي « أ » و « م » : إلى محاذي شعر الذقن.

(٢) في « أ » : « من الفرق » وهو تصحيف. وفي « م » : « من المرفق ».


أقله بإصبعين ، اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى.

ولو مسح من الكعبين إلى رءوس الأصابع لجاز ، وترتيبه على الوجه المذكور ، فلو قدم وأخر فيه بطل ، وكذلك إن لم يتابع بعضه ببعض بحيث يجف غسل عضو قبل موالاته بغسل العضو الآخر. وكذا إن شك في شي‌ء من واجباته قبل الفراغ منه.

فأما إن كان شكه بعد استيفاء جملته والقيام عنه ، فلا عبرة به. ومتى كان الشك في الحدث مع تيقن الطهارة كان الحكم لها فلا يحتاج تجددها ، وبالعكس من ذلك ، يجب تجديدها ، وكذا في تيقنهما معا والشك في السابق والمسبوق منهما ، وكذا في استواء الشك فيهما وفقد الترجيح.

وأما سننه : غسل كفيه من نوم أو بول مرة ، ومن غائط مرتين. والمضمضة والاستنشاق ، كل منهما بكف ثلاثا. وتثنية غسل الوجه واليدين ، فإن زاد بطل وضوءه ، ولا يكسر الشعر في غسل ذراعيه.

وبدأة الرجل بظاهر هما والتثنية بباطنهما ، وعكسه المرأة (١) ، وجمع أصابع الكف المتوسطة الثلاثة لمسح الرأس بها ، ومسح الرجلين بجملة الكفين مفرجا أصابعهما. والدعاء في كل موضع من ذلك ، وعند انتهائه.

والتسويك وترك التمندل.

__________________

(١) قال في المدارك ـ بعد نقل كلام المحقق : «. وأن يبدأ الرجل بغسل ظاهر ذراعيه وفي الثانية بباطنهما ، والمرأة بالعكس » ـ ما هذا نصه : ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من الفرق بين الغسلة الأولى والثانية ، لم أقف له على مستند ، ومقتضى كلام أكثر القدماء أن الثانية كالأولى ، وهو خيرة المنتهى ، وعليه العمل. مدارك الأحكام ١ ـ ٢٤٩.


والأغسال المفروضة ، منها الخمسة المذكورة (١) وسادسها تغسيل الميت.

والمسنونة تختص منها بالجمعة غسلان ليومها وليلتها ، وكذا ليوم الفطر وليلته ، وستة لشهر رمضان : أول ليلة منه ، وليلة نصفه ، وليلة سبعة عشر ، وليالي الإفراد الثلاثة : ليلة تسعة عشر وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين.

وسبعة : لإحرامي العمرة والحج ودخول الحرم ومكة ومسجد الحرام وزيارة الكعبة ويوم عرفة وزيارة البيت من منى.

وأربعة : لدخول مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومسجده وزيارة قبره وزيارة قبر كل إمام من ولده.

وخمسة : ليوم المبعث والأضحى والغدير والمباهلة وليلة نصف شعبان.

وثمانية : للاستسقاء والاستخارة والحاجة والشكر والتوبة من كبائر الذنوب والمولود حين وضعه ، ولقضاء صلاة الكسوف مع احتراق القرص وتعمد تركها ، ولقصد رؤية مصلوب مسلم بعد ثلاثة أيام.

جملتها أربعة وثلاثون غسلا.

ويقارن غسل الجنابة ما فروضه : النية (٢) ومقارنتها واستدامتها ، وغسل الرأس إلى أن يبلغ الماء أصول شعره ، وغسل الجانب الأيمن من رأس العنق إلى تحت القدم ، وكذا الجانب الأيسر ، وترتبه. فإن لم يعم الماء صدره وظهره غسلهما ، وإن كان عليه خاتم أو ما لم يدخل الماء تحته حركه ، وتحركه إن اغتسل تحت ميزاب.

__________________

(١) وهي : غسل الجنابة والحيض والنفاس والاستحاضة ومس الميت. التي تقدم ذكرها.

(٢) في « س » : والنية.


وتخلل الشعر. ولا يحتاج إلى ترتيبه إن ارتمس في كر أو ماء جار ، بل يكون ارتماسه بجملته.

وحكم الشك فيه حكمه في الوضوء والحدث الأصغر في أثنائه يتوضأ بعده احتياطا ، وقيل : يتمه ولا شي‌ء عليه (١).

وما سننه متقدما غسل اليدين ثلاثا ، وكذا الاستنشاق والمضمضة ومقارنا صب الماء على الرأس ثلاثا ، وكذا على كل واحد من الجانبين ، والدعاء والموالاة وكونه بصاع من ماء فما زاد.

ولا يحتاج معه إلى وضوء لا قبله ولا بعده ، بل بمجرده تستباح الصلاة. ومما يتقدمه فرضا استبراء الرجل (٢) خاصة بالبول ، وتنظيف ما أصاب البدن من نجاسة يغسلها.

وهل يعتبر في وجوبه دخول وقت فريضة لمن لا قضاء عليه أم لا؟ فيه خلاف.

وكما يعتبر طهارة الماء في ( كل ) (٣) وضوء وغسل يعتبر أيضا أن لا يكون مغصوبا. والتحري (٤) في الأواني غير جائز.

__________________

(١) قال العلامة ـ قده ـ في المختلف ١ ـ ٣٣٨ : إذا اغتسل مرتبا وتخلل الحدث الأصغر قبل إكمال غسله في أثنائه ، أفتى الشيخ ـ ره ـ في النهاية والمبسوط بوجوب الإعادة من رأس ، وهو مذهب ابن بابويه ، وقال ابن البراج : يتم الغسل ولا شي‌ء عليه ، وهو اختيار ابن إدريس.

وقال السيد المرتضى ـ ره ـ : يتم الغسل ويتوضأ إذا أراد الدخول في الصلاة. والحق الأول.

(٢) في « ا » : استبراء الرجال.

(٣) ما بين القوسين من « أ ».

(٤) قال الطريحي : التحري يجزي عند الضرورة أعني طلب ما هو الأحرى في الاستعمال في غالب الظن ، ومنه التحري في الإناءين. مجمع البحرين.


وصفة جميع الأغسال الواجبة والمندوبة كصفة غسل الجنابة إلا في تعينها بالنية.

والطهارة الاضطرارية هي التيمم المستعمل بدلا من كل واحدة منهما ، ولا يكون إلا بتراب طاهر ، مع وجوده ، أو ما ينوب منابه (١) ، من حجر أو مدر أو رمل عند فقده مع تضيق وقت الفرض ، وفقد الماء جملة ، ويندرج فيه عدم ما به يحصل من الآلة والثمن أو الخوف من استعماله ، أو من القصد إلى الموضع الذي هو فيه ، أو لكونه نجسا ، أو لغلبة الظن بفوت الصلاة قبل إدراكه.

بعد الضرب طلبا له في الجهات الأربع ، رمية سهم في حزن الأرض وسهمين في سهلها في كل جهة ذلك ، فإن كان التيمم بسبب مانع من استعمال الماء ، كمرض وشبهه ، فلا يعتبر فيه الضرب لطلب الماء.

ويجب فيه ضرب كفيه جميعا على ما يتيمم به بعد القصد إليه بنية ، ونفضهما ، ومسح الوجه بهما من قصاص شعر الرأس إلى طراف الأنف مما يلي الحاجب (٢) لا المارن (٣) ومسح ظاهر الكفين من الزند إلى طرف الأصابع اليمنى بباطن الكف الأيسر ، وبالعكس ، وترتيبه. فإن كان حدثه أكبر ضرب لوجهه ضربة ، وليده أخرى.

__________________

(١) في « م » : « ينوب عنه » بدل « ينوب منابه ».

(٢) في « م » : ما يلي الحاجب.

(٣) المارن : ما لان من الأنف منحدرا عن العظم وفضل عن القصبة. والمارنان : المنخران. لسان العرب.


[ الكلام في غسل الميت ]

وغسل الميت يتقدمه استحبابا توجيهه إلى القبلة عند الاحتضار ، والتلاوة عنده ، وتلقينه ، ولا يحضره جنب ولا حائض ، ولا يوضع على صدره حديدة ، ولا يمتد على شي‌ء من أعضائه (١) ولا يناح عليه بالباطل ولا بالحق مع رفع الصوت.

ويكون تغسيله تحت ظل ، من سقف أو غيره ، موجها على سرير أو ما يرفعه ، وإعداد حفرة لماء غسله ، ولا يتخطاه (٢) غاسله ، بل يقف على يمينه.

وكل ما يتعلق به ، من غسل وتكفين وصلاة ودفن ، فرض على الكفاية.

ويقارن غسله ما فرضه البداءة ، أولا بالغسل بالسدر الذي لا يسلبه بإضافته إليه (٣) إطلاق اسم الماء عليه ، على هيئة (٤) غسل الجنابة. ثم جانبه الأيمن وهو مدار على الأيسر ، ثم الأيسر وهو مدار على الأيمن. وثانيها بماء الكافور الخالص.

وثالثها بالماء القراح على الهيئة المذكورة.

ويجدد النية (٥) في تغسيلاته الثلاثة ، ويغسله بماء بارد مع الاختيار. مستور (٦) العورة في كل ذلك.

__________________

(١) في « م » : ولا يمسك على شي‌ء من أعضائه.

(٢) من الخطوة ـ بالضم ـ وهي : بعد ما بين القدمين في المشي. مجمع البحرين. وهو كناية عن عدم ركوب الميت حال الغسل.

(٣) في « م » : بالإضافة إليه.

(٤) في « ج » : في هيئة.

(٥) في « ج » : وتجدد النية.

(٦) في « أ » : ومستور.


وما سننه تنجيته بالأشنان (١) والماء ، وتنظيف ما على بدنه بهما ، وتليين أصابعه برفق ، وتوضيته ، ولا يمضمض ولا يستنشق ، ومسح بطنه بلين أولا وثانيا ، وإكثار ذكر العفو ، وصب الماء على رأسه وجانبيه ثلاثا في كل مرة ، وغسل رأسه أولا برغوة السدر (٢) وغسل صدره وظهره بالماء ، وتخليل رأسه وجسده بإدارة اليد عليه في حال تغسيله عليه.

ومتى خرج من بعض منافذه شي‌ء غسله. ولا يجوز ختنه ، ولا تقليم أظفاره ولا مشط شعره ولا إزالة شي‌ء منه ، ولا ينبغي ذلك رجليه بالحجر ولا غسله بالصابون ، ولا التدخين عنده ببخور ولا غيره ، ولا تطيبه بما سوى الكافور ، فإن كان محرما فلا به أيضا.

وكل مقتول يغسل (٣) إلا قتيل الجهاد الحق ، فإنه يصلى عليه ويدفن ، ولا ينزع عنه إلا الخف وما لم يصبه شي‌ء من دمه ، كالفروة (٤) والسراويل ولا ينزع إذا أصابه الدم.

ومتى مات بعد حمله عن موضع القتال غسل وكفن. وكل ما وجد من أعضاء الإنسان إذا كان فيه عظم أو كان من صدره يغسل ويكفن ويصلى عليه ، ولا يلزم هذا فيما عدا ذلك ، ولا في السقط أيضا لدون أربعة أشهر أما إن

__________________

(١) من النجو وهو الجزء ، واستنجيت : غسلت موضع النجو أو مسحته.

والأشنان ـ بضم الهمزة والكسر ـ لغة ، معرب ويقال له بالعربية : الحرض ، وتأشن : غسل يده بالأشنان. المصباح المنير.

(٢) الرغوة : الزبد يعلو الشي‌ء عند غليانه. المصباح المنير.

(٣) في « أ » : يغتسل.

(٤) الفروة التي تلبس.


بلغها أو ما زاد عليها (١) فلا بد من تغسيله وتكفينه.

ويجوز أن يتولى الزوج تغسيل الزوجة عند فقد النساء ، وكذا حكمها معه إذا لم يوجد من يغسله من الرجال.

وقد روي جواز ذلك في الأقارب من كل واحد من الرجال وكل واحدة من النساء (٢).

وقيل : إذا لم يوجد أحد منهم يجوز للأجانب من الرجال إذا لم يوجد سواهم تغسيل الأجنبيات من النساء في ثيابهن ، وعيونهم مغمضة (٣) وكذا النساء في تغسيلهن الرجال (٤).

وقيل : يدفن كل منهم من غير غسل (٥).

ويكفن في أثواب ثلاثة واجبا : إزار ودرع ومئزر ، وأفضله أبيض القطن أو الكتان (٦) ، ويعتبر طهارته ، ولا يعدل مع وجود القطن إلى غيره.

ويزاد فيه ندبا لفافة أخرى وحبرة (٧) وعمامة يحنك بها ، ويرخي طرفاها ، وخرقة تشد فخذيه.

ويكتب على الأزرار والدرع بالتربة الحسينية ما يلقن به ، وتجعل فيه

__________________

(١) هكذا في « م » : وفي « أ » : وفي « ج » : وفي « س » : ولكن يلف وما زاد عليها.

(٢) أنظر الوسائل : ٢ ـ ٧٠٥ باب ٢٠ من أبواب غسل الميت.

(٣) ذهب إليه التقي على ما نقله عنه في مفتاح الكرامة ج ١ ص ٤٢٥.

(٤) وهو خيرة أبي الصلاح الحلبي على ما حكاه عنه في متفاح الكرامة ج ١ ص ٤٢٤.

(٥) ذهب إليه الشيخ في المبسوط ج ١ ص ١٧٥.

(٦) في « ج » : والقطن والكتان.

(٧) والحبرة : وزان عنبة : ثوب يماني من قطن أو كتان مخطط. المصباح المنير.


جريدتا نخل أو غيره من رطب الشجر عند تعذره ، على قدر عظم الذراع ، كل منهما مكتوب عليه ذلك ، ملفوفتان بالقطن.

وتحنط بالكافور مساجده السبعة ، وسائغة ثلاثة عشر درهما وثلث ، وأقله مثقال أو درهم أو ما تيسر منه.

ويدفن على جانبه الأيمن موجها إلى القبلة واجبا. وتشييع الجنازة ندبا ، ولا يفاجأ به القبر بل ينقل إليه في ثلاث مرات.

والرجل يوضع فيه سنة ، من قبل رجليه يسبق برأسه ( إليه ) (١) والمرأة من قبل وسطها بالعرض.

ويكون طويلا إما قامة أو إلى الترقوة ، واسعا قدر جلوس الجالس ، متخذا فيه إما لحدا وشق مهيأ له الصفيح أو اللبن أو ما يقوم مقامهما ، وإذا وضع حلت عقد أكفانه ، وجعل خده على التراب أو التربة الحسينية ، ولقن حينئذ.

وجملة ما يستحب من تلقينه ، الإقرار بشاهدتي الإخلاص الوحدانية والنبوة وبالأئمة والبعث والنشور والجنة والنار ، وينضد ويحثى عليه التراب ، ويرفع قبره من الأرض (٢) مسطحا لا مسنما ، قدر شبر أو دونه ، ويبدأ برش الماء عليه من عند رأسه ، مدارا حتى ينتهى إليه ويلقن برفع الصوت بعد الانصراف عنه.

ومما يزيد إليه في الكفن الذريرة المعروفة بالقمحة (٣) مع وجودها. والصلاة عليه تذكر في موضعها.

__________________

(١) ما بين القوسين موجود في « م ».

(٢) في « أ » : و « ج » و « س » : ويرفع قبره على الأرض.

(٣) في المبسوط : القميحة. قال في مجمع البحرين : وفي حديث التكفين : قدر على كل ثوب شيئا من ذريرة وكافور ، وكان المراد مطلق الطيب المسحوق.


وأما الطهارة من النجس فينبغي معرفة النجاسات ، وهي إما دم الثلاثة المذكورة ، لا فسحة في كثيرها ولا قليلها ، بل هما في الحكم واحد ، وما عداها من باقي الدماء المحكوم بنجاستها معفو عن قليلها ، وهو ما نقص عن سعة الدرهم الوافي المضروب من درهم وثلث ، والنزاهة عنه أفضل.

وفي الدماء ما لا حرج في قليله ولا كثيره ، وهو دم البق والبراغيث والسمك والجروح اللازمة والقروح الدامية ، مع تعذر التحرز منها.

وإما بول وروث (١) فيعتبر فيهما ما لا يؤكل لحمه من الحيوان ، أو ما يؤكل إذا كان جلالا ، والجلل أكل العذرة لا سواها.

ويستبرأ بحبسه عنها (٢) وتغذيته بعلف طاهر ، والمدة للإبل أربعون يوما ، وللبقر عشرون ، وللشاة عشرة أيام ، وروي سبعة (٣) وللبطة خمسة أيام ، وكذا الدجاج وقيل : ثلاثة (٤) وللسمك يوم وليلة ، وغير ذلك بما يزيل حكم الجلل منه.

وإما مني ، وهو سواء بالنسبة إلى كل حيوان.

وإما مشروب ، وهو الخمر والفقاع وكل شراب مسكر.

وإما حيوان ، وهو الكلب والخنزير ، والكافر على اختلاف جهات كفره ، والثعلب والأرنب مختلف فيهما.

وإما ميتة ما ليس له نفس سائلة من الحيوان ، لا ما ليس كذلك ، كالزنابير

__________________

(١) في « م » : وأما البول والروث.

(٢) في « ج » : « بحبسه عينا » وهو تصحيف.

(٣) أنظر مستدرك الوسائل ١٦ ـ ١٨٧ ، باب ١٩ من أبواب الأطعمة المحرمة ح ١ و ٣.

(٤) وهو خيرة الشيخ في المبسوط لاحظ ٦ ـ ٢٨٢ ، وفي الجواهر : إنه المشهور ، بل عن الخلاف : الإجماع عليه ، جواهر الكلام ٣٦ ـ ٢٨٠.


وما أشبهها ، وعرق الإبل الجلالة وعرق الجنب من حرام فيهما خلاف (١).

وكيفية التطهير من هذه النجاسات ، إن كان البدن فيغسل ما عليه حتى تزول عينها (٢) ، والثياب بعصرها مرتين ، والآنية بإدارة الماء فيها وتفريغه منها ثلاثا ، ومن ولوغ الكلب خاصة ، تكون الأولى منهن بالتراب.

والأرض وما في حكمها من حصر أو بوار ، تفرغ الشمس لها حتى تجف.

والنعل بدلكه في التراب حتى لا يبقى لها أثر ، والخمر بانقلابها خلا ، والخزف وما ينقلب عينه بالنار ، والكافر بالإسلام.

والذي يزيل عين النجاسة وحكمها ويبيح الصلاة مع الاختيار الماء. فإن كان نجسا لم يجز استعماله في ذلك ، ويجوز فيما عداه.

وإن كان طاهرا فإما مضاف بالاعتصار أو الاستخراج فكذلك ، أو مما يمازجه مما يضاف إليه من الطاهرات ، فإن لم تسلبه الإضافة إطلاق اسم الماء عليه جاز استعماله وإلا فلا. أو مطلق فأما جار ولا ينجسه ( شي‌ء ) (٣) إلا ما غير من النجاسة لونه أو طعمه أو ريحه.

أو راكد فإما بمجموع كثير ، وهو ما بلغ كرا أو زاد عليه ، وحكمه حكم الجاري.

والكر ألف ومائتا رطل عراقية وزنا ، وثلاثة أشبار ونصف طولا في عرض في عمق مساحة.

__________________

(١) هكذا في « م » ولكن في غيرها : « فيه خلاف ». قال العلامة المجلسي في مرآة العقول ١٣ ـ ١٥٢ :

واختلفوا في نجاسة عرق الجنب عن الحرام ، فذهب ابنا بابويه والشيخان وأتباعهما إلى النجاسة.

والمشهور بين المتأخرين الطهارة.

(٢) في « م » : حتى يزول عنها.

(٣) ما بين القوسين موجود في « م ».


أو قليل ، وهو ما نقص عن الكر فينجس بكل ما أصابه من النجاسة ، ويطهر بزيادته إذا لم يكن أحد أوصافه متغيرة بها إلى أن يبلغه أو يزيد عليه.

أو نبع ، وهو ماء البئر ، فأصله الطهارة إلا أن ينجس بكل نجاسة وقعت فيه ، سواء تغير أو لا ، وسواء كان ماؤه كثيرا أو قليلا ، ولا يطهر إلا بالنزح منه.

فإن كان الواقع فيه خمرا أو فقاعا أو شرابا مسكرا أو منيا أو دم حيض أو استحاضة أو نفاس ، أو مات فيه بعير ، أو غلبته النجاسة (١) التي غيرت أحد أوصافه ، ولم يزل التغيير (٢) إلا بنزح جميع الماء ، أو كانت النجاسة الواقعة فيه غير منصوص على مقدار نزحها (٣) نزح الماء كله ، فإن تعذر تراوح عليه أربعة رجال متناوبين أول النهار إلى آخره (٤).

وإن مات فيه آدمي كبير أو صغير ، مسلم أو كافر نزح سبعون دلوا.

ولموت الفرس أو الحمار أو الفيل (٥) أو ما في حكمهم كر.

ولكثير الدم المعفو عن قليله ، أو العذرة الرطبة أو المنقطعة إذا كانت يابسة خمسون دلوا. ولقليله وما لم ينقطع من العذرة اليابسة عشرة دلاء.

وللكلب أو الخنزير أو الشاة (٦) أو ما في مقدار واحد من ذلك ، مما لا فرق بين الصغير والكبير فيه أربعون دلوا ، وكذا البول البشري البالغ.

__________________

(١) في « م » : أو غلبت عليه النجاسة.

(٢) في « أ » : ولم يزل التغير.

(٣) في « م » : على مقدر نزحها.

(٤) في « م » : متناوبين إلى الليل من أول النهار إلى آخره.

(٥) وفي « أ » : ولموت الفرس والحمار والفيل.

(٦) في « م » : وللكلب والخنزير والشاة.


وللدجاجة أو الحمامة أو ما في مقدار هما من كبار الطير وصغارها ولارتماس الجنب ، وللفأرة المتفسخة أو المنتفخة ، ولبول الطفل الآكل لكل من ذلك سبع دلاء.

ولموت الفأرة والحية ، أو العقرب والوزغة ، أو بول الطفل الرضيع ثلاث دلاء.

وللعصفور أو ما في مقداره دلو واحد.

ومتى تغير ماؤه بنجاسة ونزح المقدار المشروع ولم يزل التغيير وجب النزح إلى أن يزول ، وإن زال قبل تكميل المقدار وجب تكميله.

وإن وقع فيه أجناس مختلفة ، كل جنس منها له نزح مخصوص (١) عمل بالأغلب.

وهل إذا باشره الكافر حيا ، أو حيوان نجس ينزح الماء كله أو بعضه احتياطا؟ فيه خلاف (٢).

__________________

(١) هكذا في « م » : ولكن في غيرها : كل جنس لها نزح مخصوص.

(٢) قال الشيخ في المبسوط ١ ـ ١٢ : ومتى نزل إلى البئر كافر وباشر الماء بجسمه نجس الماء ووجب نزح الجميع ، لأنه لا دليل على مقدر ، فالاحتياط يقتضي ما قلناه.

وقال فيه أيضا : وكل نجاسة تقع في البئر وليس فيها مقدر منصوص ، فالاحتياط يقتضي نزح جميع الماء ، وإن قلنا بجواز أربعين دلوا منها لقولهم ـ عليهم‌السلام ـ : ينزح منها أربعون دلوا وإن صارت مبخرة كان سائغا ، غير أن الأول أحوط. ( انتهى ).

وقال ابن حمزة في الوسيلة : كل نجاسة لم يرد بنزح الماء لها نص ينزح منها أربعون دلوا ( انتهى ).

لاحظ موسوعة سلسلة الينابيع الفقهية ٢ ـ ٤١٥.


[ كتاب الصلاة ]

وأما ستر العورة فواجب مع التمكن.

والمستور إما رجل ، فالواجب عليه ستر قبله ودبره. ومن سرته إلى ركبتيه فضيلة وندب.

أو امرأة ، فإما حرة ، وكلها عورة ، فيجب عليها ستر جميع رأسها وبدنها إلا ما سمح فيه (١) من كشف بعض وجهها ، وصلاتها مخمرة (٢) ، وكذا أطراف يديها وقدميها.

أو أمة ، وحكمها حكم الحرة إلا في جواز كشف رأسها ، فإنه لا بأس على الإماء في ذلك.

وما به الستر هو كل ما أمكن به من قطن أو كتان وخز خالص ، وما نسج معه حرير منها ، وما كان مذكا من جلود ما يؤكل لحمه من الحيوان أو صوفه أو شعره أو وبره.

فأما الحرير المحض ، وجلود الميتة ، أو ما لا يؤكل لحمه وإن ذكي ، وما عمل من وبر ثعلب أو أرنب ، أو غش به ، فلا يجوز اختيارا.

__________________

(١) في نسخة « فسح » ، وفي نسخة « سنح » ، والظاهر أن كليهما تصحيف سمح كما أثبتناه.

(٢) في « أ » : وصلاتها بخمرة.


ويعتبر في ملبوس الصلاة ، الطهارة من كل نجاسة خارجة عما قلنا إنه معفو عنه. وأن لا يكون مغصوبا ، بأن يكون ملكا أو مباحا ، وما لا تتم الصلاة فيه بانفراده منسوج فيه (١) إذا كانت فيه نجاسة ، واجتنابه أفضل.

وهل يجوز للنساء الصلاة في الحرير المحض أم لا؟ فيه رواية ، وكما يستحب صلاة المصلي في الثياب البياض القطن أو الكتان ، كذلك تكره في المصبوغ منها. وتتأكد في السواد والحمر ، وفي الملحم (٢) بذهب أو حرير.

وأما الوقت فمعتبر لكون الصلاة مشروطة به (٣) لا تصح قبل دخوله ، وإنما تصح بعد خروجه قضاء ، كما في وقتها تكون أداء.

فأول زوال الشمس بحيث تصير على الجانب الأيمن (٤) عند استقبال القبلة لرؤيتها ، هو أول وقت صلاة الظهر ، فإذا انقضى من ذلك الوقت بقدر ما تصلي فيه أو صليت فقد تعين أول وقت العصر ، ويمضي بمقدار أدائها. يمتد بعد ذلك الوقت مشتركا بين الصلاتين إلى أن يبقى للغروب مقدار أداء العصر ، فيختص بها لخروج وقت الظهر (٥). ويفوت وقتها جملة بمضيه.

وزوال الحمرة المشرقية علامة غروب الشمس ، وهو أول وقت المغرب إلى أن يمضي منه مقدار أدائها أو أنها تؤدى فيه ، فيدخل أول وقت العشاء الآخرة.

__________________

(١) هكذا في « م » : وفي غيرها : مفسوخ فيه.

(٢) الملحم : جنس من الثياب. لسان العرب.

(٣) في « أ » : وأما الوقت فمعتبر الصلاة مشروطة به.

(٤) هكذا في « م » ولكن في غيرها : الحاجب الأيمن.

(٥) في « ا » : بخروج وقت الظهر.


وبمضي ما قلناه يشترك وقتهما إلى أن يبقى لنصف الليل قدر أداء العتمة فتختص بها ، ويكون آخر وقتها ، لفواتها بخروجه ، وتحلل البياض (١) الشرقي (٢) في أفق السماء ، وهو الفجر الثاني. وهو أول الوقت لصلاته ويمتد إلى أن يبقى لطلوع الشمس مقدار أداء الركعتين فيكون آخر وقت الغداة. لفواتها بطلوعها. وفضيلة أول الوقت عظيمة ، ولا إثم بفواته والإجزاء مجرد من الفضل بآخره.

ونوافل الظهر ووقتها الأول (٣) عند الزوال ، ويتسع إلى أن يبقى مقدار أربع ركعات لصيرورة ظل كل شي‌ء مثله ، ونافلة العصر بعد صلاة الظهر في أول وقتها إلى أن يبقى كذلك لمصير ظل كل شي‌ء مثله ، ما خلا يوم الجمعة ، فإن نوافلها كلها قبل الزوال (٤) ، ونوافل المغرب عقيبها إلى حيث يزول الشفق المغربي. والوتيرة بعد العتمة ، ووقتها متسع.

ونوافل الليل ووقتها بعد انتصافه إلى ابتداء طلوع الفجر ، وبعد الفراغ منها ومن الشفع والوتر ، وقت الدساسة التي هي نافلة الفجر إلى ابتداء طلوع الحمرة المشرقية.

ولا يكره يوم الجمعة نافلة ، وإنما فيما عداه من الأيام يكره ابتدائها لا بسبب ، عند طلوع الشمس واستوائها ، وغروبها ، وبعد صلاتي الغداة والعصر ، فأما إن كان عن سبب كقضائها فلا كراهة.

__________________

(١) كذا في « م » : ولكن في غيرها : « وتخلل البياض ».

(٢) في « ا » : المشرقي.

(٣) في « م » : ونوافل الظهر وقتها الأول.

(٤) في « م » : « بعد الزوال » وهو تصحيف.


وأما القبلة فلوجوب التوجه إليها وجب اعتبارها ، فالمصلي إما داخل المسجد الحرام ، فتوجهه إلى الكعبة من أي جهة كان فيه ، أو خارجه مع كونه في الحرم (١) ، فتوجهه إلى المسجد أولى من توجهه إلى الحرم (٢).

وأهل كل إقليم يتوجهون إلى ركن من الأركان الأربعة ، فالعراقيون إلى العراقي ، واليمانيون إلى اليماني ، والشاميون إلى الشامي ، والغربيون إلى الغربي.

ويلزم المتوجه (٣) إلى القبلة مصليا العلم واليقين بها مع المكنة منه ، فإن تعذر فعليه الظن ، فإن فاتاه جميعا فالحدس ، إلا أن العدول لا بحسب التعذر عن العلم إلى الظن أو عنه إلى الحدس لا يجوز ، فمن صلى لا على ما هو فرضه من كل واحد من هذه الأمور فلا صلاة له ولو أصاب الجهة.

وبفقد جميع ذلك (٤) وتعذر كل أمارة وعلامة يتوجه بالصلاة إلى أربع جهات ، أي الصلاة الواحدة يصليها أربع مرات ، إلى كل جهة مرة ، فإذا أخطأ الجهة ظانا أو حادسا وعلم ذلك والوقت باق أعاد الصلاة ، ولا إعادة عليه إن كان قد خرج إلا مع استدبار القبلة فإنه لا بد من الإعادة على كل حال.

وأما عدد الركعات ، ففرائض اليوم والليلة سبع عشرة ركعة للمقيم ومن هو في حكمه ، الظهر أربع ركعات وكذا العصر ، والمغرب ثلاث ، والعشاء الآخرة أربع ، والفجر ركعتان ، وللمسافر ومن في حكمه إحدى عشرة ركعة ، تسقط عنه

__________________

(١) في « ا » : أو خارجا مع كونه في الحرم.

(٢) هذا ما رقمناه. ولكن في النسخ التي بأيدينا : « فتوجهه إلى المسجد أولى فتوجهه إلى الحرم ».

(٣) في « أ » : ويلزم التوجه.

(٤) هكذا في « م » ولكن في غيرها : « ويعتقد جميع ذلك » وهو تصحيف.


من كل رباعية ركعتان.

والذي يلزمه التقصير كل مسافر كان سفره إما طاعة أو مباحا بلغ بريدين فصاعدا. وهما ثمانية فراسخ ، أربعة وعشرون ميلا ، لأن الفرسخ ثلاثة أميال. والميل ثلاثة ألف ذراع. أو كانت مسافته بريدا ورجع ليومه ، ولا ينوي الإقامة في البلد الذي يأتيه عشرة أيام ، ولا كان حضره أقل من سفره ، فمتى تكملت للمسافر هذه الشروط ، وتمم عن قصد ، وعلم بوجوب التقصير عليه ، فلا صلاة له ، وإن كان عن جهل أو سهو أعاد مع بقاء الوقت تقصيرا ، لا مع خروجه.

ومن عاده من المسافرين ، حكم سفره في الإتمام كحضره ، وهو المسافر في معصية أو لعب أو صيد لا تدعه الحاجة إليه ، أو الذي سفره أزيد من حضره ، كالجمال والبدوي والمكاري والملاح والبريد والعازم على الإقامة عشرا في البلد الذي يدخله ، ومن لا يبلغ سفره تلك المسافة.

وبداية التقصير إذا توارى عن جدران بلده ، وإذا لم يسمع (١) صوت الأذان من مصره.

وعدد نوافل اليوم والليلة للحاضر ومن هو في حكمه أربع وثلاثون ركعة ، وللمسافر سبع عشرة ركعة ، نوافل الظهر ثمان ركعات قبلها ، ونوافل العصر مثلها (٢) ، وكلها ساقطة عن المسافر ، ونوافل المغرب أربع ركعات بعدها في الحضر والسفر ، والوتيرة نافلة العشاء الآخرة ركعتان بعدها من جلوس ، تحسب ركعة حضرا لا سفرا.

__________________

(١) في « م » : أو إذا لم يسمع.

(٢) في « م » : « ثمان مثلها ».


ونوافل الليل وما بعدها من الشفع والوتر المفردة ونافلة الفجر ثلاث عشرة ركعة حضرا وسفرا ، ويزاد على الستة عشر نوافل النهار يوم الجمعة خاصة أربع ركعات ، تمام عشرين ركعة يصلي قبل الزوال أداء ، وبعده قضاء ، فإن أمكن (١) يرتبها بصلاة ، ست منها في أول النهار وست بعد ارتفاعه ، وست قبل الزوال وركعتين في ابتدائه كان الأفضل ، وإلا صليت جملة قبل الزوال.

وأما مكان الصلاة فتعتبر فيه الملكية والإباحة والطهارة من متعدي النجاسة ، لأن يابسها لا بأس بالوقوف عليه ، وإن كان الأفضل خلافه ، غير أن مواضع العبادة يتفاضل بعضها على بعض في المثوبة والاستحباب ، فأفضلها المسجد الحرام ، ومسجد الرسول ، ومشهد كل إمام من الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ ، والمسجد الأقصى ثم المسجد الجامع ومسجد الدرب أو القبيلة ، ثم السوق بعدها ثم صلاة الإنسان في بيته.

وهي في المكان المغصوب باطلة ، ومكروهة في البيع وبيوت النيران (٢) ومعابد الضلال ، والمزابل ، والحمامات ، ومواطن الإبل ، ومرابض البقر والغنم ومرابض الخيل والحمير ، ومذابح الأنعام ، وبين القبور ، وعلى البسط المصورة ، والأرض السبخة ، ومثاوي (٣) النمل ، وجواد الطرق (٤) ، وذات الصلاصل ،

__________________

(١) في « ج » : فإن أمكنها.

(٢) قال في المدارك : المراد ببيوت النيران : ما أعدت لإضرام النار فيها عادة ، كالفرن والآتون وإن لم تكن مواضع عبادتها. والأصلح اختصاص الكراهة بمواضع عبادة النيران لأنها ليست موضع رحمة فلا تصلح لعبادة الله تعالى. مدارك الأحكام ٣ ـ ٢٣٢.

(٣) المثوى : المنزل. والجمع مثاوي. مجمع البحرين.

(٤) قال في المدارك : جواد الطرق : هي العظمى منها ، وهي التي يكثر سلوكها. مدارك الأحكام ٣ ـ ٢٣٣.


والشقرة ، والبيداء ، ووادي ضجنان (١) ورأس الوادي وبطنه.

وأما موضع السجود بالجبهة فشرطه الطهارة من كل نجاسة متعدية ويابسة ، وأن يكون مما لا يؤكل ولا يلبس في العادة ملكا أو مباحا ، فأما ما يؤكل لا معتادا بل نادرا ، أو كان مما يصح استعماله على وجهه ، كالورد والبنفسج فلا بأس بالسجود عليه.

ولا ينبغي السجود على المعادن أو ما كان منها ، ولا على ما قلبته النار ، كالكأس والخزف والجص وشبهه ، وأفضله على التربة الحسينية.

__________________

(١) في الجواهر : قيل : إن ذات الصلاصل اسم الموضع الذي أهلك الله فيه نمرود ، وضجنان واد أهلك الله فيه قوم لوط.

و « البيداء » : وهي التي يأتي إليها جيش السفياني قاصدا مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيخسف الله به تلك الأرض.

وفي خبر ابن المغيرة المروي عن كتاب الخرائج والجرائح : « نزل أبو جعفر ـ عليه‌السلام ـ في ضجنان فسمعناه يقول ثلاث مرات : لا غفر الله لك ، فقال له أبي : لمن تقول جعلت فداك؟ قال :

مر بي الشامي لعنه الله يجر سلسلته التي في عنقه وقد دلع لسانه يسألني أن أستغفر له ، فقلت له :

لا غفر الله لك ».

وعن عبد الملك القمي : سمعت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ يقول : بينا أنا وأبي متوجهان إلى مكة من المدينة فتقدم أبي في موضع يقال له « ضجنان » إذ جاءني رجل في عنقه سلسلة يجرها فأقبل علي فقال : اسقني ، فسمعه أبي فصاح بي وقال : لا تسقه لا سقاه الله تعالى ، فإذا رجل يتبعه حتى جذب سلسلته وطرحه على وجهه في أسفل درك الجحيم ، فقال أبي : هذا الشامي لعنه الله تعالى.

والمراد به على الظاهر معاوية صاحب السلسلة التي ذكرها الله تعالى في سورة الحاقة.

أنظر جواهر الكلام ٨ ـ ٣٤٩. والوسائل ٣ ـ ٤٥٠ ، الباب ٣٣ و ٣٤ من أبواب مكان المصلي.

وقال في مجمع البحرين : في الحديث نهي عن الصلاة في وادي شقرة ـ وهو بضم الشين وسكون القاف. وقيل بفتح الشين وكسر القاف ـ : موضع معروف في طريق مكة. قيل : إنه والبيداء وضجنان وذات الصلاصل مواضع خسف وأنها من المواضع المغضوب عليها.


فأما ما هو سنة من مقدمات الصلاة ، فالأذان وهو ثمانية عشر فصلا ، أربع تكبيرات في أوله ، وشهادة الإخلاص وشهادة النبوة ، والدعاء إلى الصلاة ، ثم إلى الفلاح ، ثم إلى خير العمل مرتان مرتان ، وتكبيرتان وتهليلتان.

وتسقط في الإقامة من ذلك ، تكبيرتان أولا ، وتهليلة آخرا ، ويزاد بعد دعائه : خير العمل : « قد قامت الصلاة » مرتان ، فيكون سبعة عشر فصلا ، جملتها خمسة وثلاثون فصلا ، إلا أنهما سنة للمنفرد لا للمصلي جمعة أو جماعة ، لوجوبهما إذ ذاك وشرطهما الترتيب ودخول الوقت وأن لا يزادا ولا ينقصا عما قلناه.

وفضيلتهما الطهارة والقيام والتوجه إلى القبلة ، وترتيل الأذان وحدر (١) الإقامة ، والوقوف على آخر فصولهما ، والفصل بينهما إما بسجدة ودعاء ، أو جلسة أو خطوة.

وتجنب الكلام في خلالهما ، والإتيان بما لا يجوز مثله في الصلاة ويتأكد ذلك في الإقامة ، لأنها آكد من الأذان ، وهما فيما يجهر بالقراءة فيه آكد منها فيما يخافت فيه.

وما يتعلق بالصلاة من الكيفية ، إما أن يرجع إلى الخمس المرتبة ، أو إلى ما عداها من الصلوات (٢) المفروضة عن سبب.

فما يخص المرتبة إما أن يرجع إلى صلاة المختار ، أو المضطر ، وكلاهما إما أن يرجع إلى المفرد ، أو إلى الجامع. فما يتعلق بالمختار المفرد إما فرض فركن (٣) ، وهو قيامه مع تمكنه ، وتوجهه إلى القبلة مع تيقنه ، والنية بشروطها ، وتكبيرة الإحرام

__________________

(١) حدر الرجل الإقامة ـ من باب قتل ـ : أسرع. المصباح المنير.

(٢) في « ج » : من الصلاة.

(٣) هكذا في « م » : ولكن في غيرها : « وركن ».


بلفظها خاصة ، والركوع تاما أي بانتصابه منه ، والسجود في كل ركعة.

وغير ركن ، وهو قراءة الحمد ، وسورة تامة بعدها ، لأن التبعيض في الفرائض لا يجوز ، وشرط القراءة إعرابها وتصحيحها.

وكذا لا يجوز بالعزائم الأربع المختصة بالسجود الواجب ، ولا بـ « الضحى » إلا ومعها « ألم نشرح » ، و « الفيل » إلا ومعها « الإيلاف ».

والمراد بالركوع : التطأطؤ والانحناء ، بحيث يقوس ، مادا عنقه ، مستويا ظهره إلا في ترفعه ، أو تطأمنه (١) فيه بالخروج عن الحد ، وتسبيحة واحدة فيه ، أفضلها فيه « سبحان ربي العظيم وبحمده » ، والطمأنينة عند الرفع منه بالانتصاب التام.

والسجود أولا وثانيا لا يجزي إلا بحصوله على الأعضاء السبعة :

الجبهة والكفين والركبتين وأطراف أصابع الرجلين ، لا يماس الأرض شي‌ء من الجسد سواها.

وتسبيحة واحدة في كل واحدة منهما ، أفضلها « سبحان ربي الأعلى وبحمده » والطمأنينة فيهما ، وعند الرفع عنهما ، وهذا حكم الركعة الثانية.

والجهر في الغداة وأولتي المغرب والعتمة ، والإخفات في ما عدا ذلك ، والتشهدان في كل رباعية وثلاثية ، وواحد في الثنائية.

واللازم منه : الشهادتان والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقراءة الحمد وحدها أو ما يقوم مقامها من التسبيح في آخرتي الظهر والعصر والعتمة وثالثة المغرب. والتسليم فيه خلاف (٢).

واستدامة كل ما هو شرط في صحة الصلاة ، من طهارة وغيرها.

__________________

(١) في « ا » : أو تطأمنه.

(٢) لاحظ مختلف الشيعة ٢ ـ ١٧٤ من الطبعة الحديثة.


وتجنب وضع اليمنى على الشمال (١) ، والتأمين آخر الحمد ، والالتفات إلى دبر القبلة. والتأفف بحرفين (٢) ، والقهقهة ، والبكاء من غير خشية ، والفعل الكثير المبطل لها وهو ما يتكرر مما ليس من جنس أفعالها ، وإيقاعها وراء امرأة مصلية أو مع أحد جانبيها (٣) كل هذه يجب على المصلي تجنبها.

وأما سننه :

وهو التوجه عقيب الإقامة بست تكبيرات ، بينهن أدعية مخصوصة ، وبعد تكبيرة الإحرام بآية إبراهيم (٤) وتجويد القراءة وترتيلها ، وقراءة ما ندب إليه بعد الحمد من السور المخصوصة في الأوقات المخصوصة.

والجهر بالبسملة في أولتي (٥) الظهر والعصر من الحمد والسورة التي بعدها ، والتكبير مع كل ركعة ، وقول ما يستحب عند الرفع منه وعند الانتصاب منه ، والتكبير مع كل سجدة ومع الرفع أيضا ، وزيادة التسبيح في الركوع والسجود إلى ثلاث وخمس وسبع ، والدعاء معه ، والخشوع في الصلاة ، والاجتهاد في دفع الوساوس (٦) والاعتماد على الكفين عند النهوض إلى الركعة ، والذكر المأثور ، والطمأنينة بين الركعتين ، والقنوت في كل ثنائية بعد القراءة وقبل الركوع ، وأفضله كلمات الفرج ، ورفع اليدين بالتكبير له ، وتلقي الأرض باليدين عند الهوي للسجود

__________________

(١) وبالعكس ، والمراد منه وضع احدى اليدين على الأخرى المسمى بالتكفير المنهي عنه شرعا.

(٢) وهو صوت إذا صوت به الإنسان علم أنه متضجر متكره. قاله ابن الأثير في النهاية ١ ـ ٥٥. وفي « ج » : والتانف.

(٣) كذا في « أ » : ولكن في « ج » و « س » : ومع أحد جانبيها.

(٤) وهي ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي ) الآية. الأنعام ـ ٧٩.

(٥) في « م » : في أوليي.

(٦) في « م » : الوسواس.


والتسمية في أول التشهد الأول ، وزيادة وسطه وآخره مما ندب إليه (١) ، والتحيات في أول الثاني ، واتباع وسطه وآخره بما (٢) يختص به ، والجلوس لهما متوركا بضم الوركين ووضع ظاهر القدم الأيمن على باطن الأيسر ، ويكون نظره في حال القيام إلى موضع السجود ، وحال الركوع إلى ما بين قدميه ، وحال السجود إلى طرف الأنف مرغما به متجنب النفخ ، وحال الجلوس إلى حجره واضعا يديه على فخذيه منفرج الأصابع ، وبحذاء أذنيه وهو ساجد ، وعلى عيني ركبتيه وهو راكع ، وبحذائهما وهو قائم ، ويجافي (٣) بعض أعضائه عن بعض راكعا وساجدا.

ولا يقعي بين السجدتين ، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا ، ويتجنب التنحنح والتثأب والتمطي (٤) والتبسم والتأفف بحرف ، والعبث بالرأس واللحية أو الثياب ، ومدافعة الأخبثين ، ولا يصلي وتجاهه من يشاهده ، أو باب أو نار أو مصباح أو نجاسة أو كتابة أو سلاح مشهور ، ولا معه شي‌ء منه ، ويدخل في ذلك السكين وما فيه صورة ، ولا يداه داخل ثيابه ، ولا يفعل مع الاختيار فعلا قليلا ليس من أفعال الصلاة ويسلم تجاه القبلة ، مومئا بطرف عينه إلى يمينه تسليمة واحدة إن كان منفردا أو إماما لا على يساره أحد ، وإلا إن كان سلم يمينه ويساره.

ويكبر إذا سلم ثلاثا ، ويعقب ( ويسبح ) (٥) تسبيح الزهراء ـ عليها‌السلام ـ ويدعو ويعفر بسجدتي الشكر. وتصلي المرأة كما وصفناه وتختص استحبابا بوضع

__________________

(١) في « م » : بما ندب إليه.

(٢) في « ج » : مما.

(٣) في « ج » : وتجافي.

(٤) التثأب : فترة تعتري الشخص فيفتح عندها فاه. والتمطي : التبختر ومد اليدين في المشي. مجمع البحرين :

(٥) ما بين القوسين موجود في « م ».


يديها قائمة على ثدييها وراكعة على فخذيها ، ولا تطأطئ ولا تنحني ، ولا تسجد منضمة ، وتجلس كذلك بحيث تضع قدميها على الأرض ، وتضم ركبتيها ، وتضع يديها على جنبيها وتقوم جملة واحدة.

وما يتعلق بالمضطر تكليفه فيه على حسب استطاعته ، متى عجز عن الصلاة قائماً أو مستندا إلى حائط ، أو معتمدا على شي‌ء صلى في آخر الوقت جالسا ، فإن لم يستطع الجلوس صلى على جانبه مضطجعا ، فإن عجز عنه صلى على ظهره مومئا بعينه مقيما بفتحهما مقام قيامه وخفضهما مقام ركوعه ، وغمضهما مقام سجوده.

ولو ضاق وقت الصلاة براكب لا يستطيع النزول ، أو ماش لا يجد السبيل إلى الوقوف ، لوجب على كل واحد منهما أن يصلي على حسب استطاعته ، متوجها إلى القبلة إن تمكن ، وإلا بتكبيرة الإحرام.

وهذا حكم كل ذي ضرورة لا اختيار معها ، كسابح ومتوحل ومشرف على الغرق ومقيد ومفترس وممنوع مما لا مدفع له من الموانع المدخلة في حكم الاضطرار.

ويدخل في ذلك راكب السفينة ، فإنه إن تمكن من استقبال (١) القبلة في جميع الصلاة فعل ، وإلا استقبلها في افتتاحها ، ودار إليها مع دورانها ، وصلى إلى صدرها ، ولو تعذر عليه ذلك ، لأجزأه استقبالها (٢) بالنية وتكبيرة الافتتاح ، والصلاة كيف توجهت أو دارت.

وحكم العراة حكم المضطرين ، إن كانوا جماعة (٣) صلوا مؤتمين بأحدهم جلوسا ، يقدمهم بركبتيه من يؤمهم ، وإن كان العاري مفردا لا أحد يراه صلى قائماً ، وإلا جالسا إن كان بين من يراه.

__________________

(١) في « ج » : من استقبال.

(٢) في « ا » : باستقبالها.

(٣) في « أ » : إن كانت جماعة.


وصلاة الخوف

تقصر على كل حال ، فإن كان غير بالغ شدته ، وقف بإزاء العدو فرقة ، وصلت فرقة أخرى متقدمة بإمام يصلي بهم ركعتين : أولا هما تدخل معه فيهما بالنية والتكبير. وثانيتهما يصليها ، وهو قائم ، مطول القراءة فيها ، وتشهد لأنفسها وتسلم وتأتي موقف النزال تقف تلقاء العدو ، ولتأت الفرقة الواقفة فتدرك الصلاة مع الإمام الذي تركع بركوعه وتسجد بسجوده ، وتصلي الركعة الثانية لأنفسها ، وهو جالس في التشهد ، وتركه فيه ، متشهدة معه ، فيسلم بهم ، ليكون للفرقة الأولى فضيلة الافتتاح ، وللثانية فضيلة التسليم.

وهو في صلاة المغرب (١) بالخيار بين أن يصلي بالأولى ركعة أو ركعتين ، وبالثانية ما بقي.

فإن بلغ الخوف أشده سقط هذا الحكم ، ولزمت الصلاة بحسب حصول الإمكان ، إما بركوع وسجود على ظهور المطي (٢) والخيل مع التوجه إلى القبلة في جميعها ، وإما باستقبالها بنيتها وتكبيرة إحرامها ، وإقامة التسبيح مقام ركعاتها ، وختمها بالتشهد والتسليم.

__________________

(١) في « ج » : وهي في صلاة المغرب. وفي « س » : وهو صلاة المغرب. وما أثبتناه من « أ » وهو الصحيح.

(٢) المطا : وزان عسى : الظهر ، ومنه قيل للبعير : مطية ، فعيلة بمعنى مفعولة لأنه يركب مطاه ذكرا كان أو أنثى ، وتجمع على مطي ومطايا ـ مجمع البحرين.


[ صلاة الجماعة وشروطها ] (١)

وفضيلة صلاة الجماعة عظيمة ، ومثوبتها جزيلة ، وأقلها بين اثنين.

ويعتبر في إمامها ، مع كمال عقله ، الإيمان (٢) وطهارة المولد ، ومعرفة أحكام الصلاة وما يتعلق بها من قراءة وغيرها ، وظهور العدالة.

وإذا تساوى الجماعة في هذه الخصال ، قدم أقرأهم ، فإن تساووا فأفقههم ، فإن تساووا أقرب المكان (٣) الذي هم فيه ، فإن كانوا فيه سواء أقرع بينهم ، وعملوا بحكمها.

ولا يؤم الأبرص ( والمجذوم ) (٤) والمحدود والخصي والزمن (٥) والمرأة والصبي إلا بمن هو مثلهم. وكراهة الائتمام بالعبد والأعمى والأغلف والمقصر والمقيم والمسافر لمن ليس مثلهم لا لمن هو كذلك.

وشرط صلاة الجماعة : الأذان والإقامة ، وأن لا يكون بين المؤتمين وبين إمامها حائل ، من بناء أو ما في حكمه ، كنهر لا يمكن قطعه أو غيره.

ويجوز الاقتداء مع اختلاف الفرضين (٦) ويقتدي المؤتم بمن يصح الائتمام به عزما وفعلا ، وتسقط عنه القراءة في الأولتين لا فيما عداهما ، فإن كانت صلاة جهر ، وهو بحيث لا يسمع قراءة الإمام ، قرأ فيهما ، ويدرك الركعة معه متى أدركه ، وبأي شي‌ء سبقه يأتي به بعد تسليمه ، ركعة كان أو ركعتين أو ثلاثا.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين منا.

(٢) في « م » : ويعتبر في إمامها كمال عقله والإيمان.

(٣) كذا في « أ » : ولكن في « س » و « ج » : قرب المكان.

(٤) ما بين القوسين موجود في « أ » : و « م ».

(٥) الزمانة : العاهة والآفة ، يقال : زمن الشخص زمنا وزمانة فهو زمن من باب « تعب » وهو مرض يدوم زمانا طويلا ، مجمع البحرين.

(٦) في « س » : فيجوز الافتداء. وفي « م » مع اختلاف الفريضتين.


[ صلاة الجمعة وشروطها ] (١)

وتجب صلاة الجمعة إذا تكاملت شروطها.

فمنها : ما يخصها ، وهي حضور إمام الأصل ، أو من نصبه ( وناب ) (٢) عنه لأهليته وكمال خصاله المعتبرة.

وحضور ستة نفر معه ، وقيل : ينعقد معه بأربعة (٣).

وتمكنه من الخطبتين ، وقصر هما على حمد الله والثناء عليه بما هو أهله ، والصلاة على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

والمواعظ المرغبة في ثوابه المرهبة من عقابه ، وخلو هما مما سوى ذلك ، والفصل بينهما بجملة وقراءة سورة خفيفة.

ومنها : ما يخص المؤتمين وهو : الذكورية والحرية والبلوغ وكمال العقل والصحة التي لا معها زمانة ، ولا عمى ولا عرج ولا مرض ، أو كبر (٤) يمنعان من الحركة ، والحضور الذي لا سفر معه. وتخلية السرب ، وكون المسافة بين جهة المصلي وموضع الصلاة غير زائد على فرسخين بل فرسخين أو ما دونهما ، لسقوطها متى لم يكن ذلك ومن حضرها ممن (٥) لا يجب حضورها عليه لزمه إن كان مكلفا دخوله فيها.

وتجزيه عن الظهر ، لانعقادها بما عدا النساء من كل من تلزمه إذا حضرها.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين منا.

(٢) ما بين القوسين ليس في « أ ».

(٣) ذهب إليه الشيخ المفيد والسيد المرتضى وابن الجنيد وابن أبي عقيل وأبو الصلاح وابن إدريس وقواه العلامة في المختلف. لاحظ مختلف الشيعة ص ١٠٣.

(٤) في « م » : ولا كبر.

(٥) هكذا في « أ » ولكن في « ج » و « س » و « م » : ومن حضرها مما.


ولا تنعقد جمعتان في موضعين بينهما أقل من أميال ثلاثة ، فإن اتفقتا في حالة واحدة بطلتا ، وإن قدمت إحداهما صحت دون الأخرى.

ومن شرط صحة انعقاد الجمعة الأذان والإقامة ، وتقديم الخطبتين على الصلاة ، لإقامتهما مقام الركعتين المحذوفتين منها. ومن فضيلتها الجهر بالقراءة فيها ، وقراءة الجمعة بعد الحمد في الأولى ، والمنافقين في الثانية ، وصلاة العصر عقيبها بإقامة من غير أذان.

ويجب إنصات المأمومين إلى الخطبتين واجتناب ما يجتنبه المصلي من الكلام وغيره. ولا يسافر يوم الجمعة مع تكامل شروطها حتى يصلي ، ومع فقد تكاملها يكره إلى بعد الزوال.

ولا قضاء لها إذا فات وقتها بمضي مقدار أدائها بعد خطبتها بل يصلي حينئذ ظهرا.

ولا حكم للسهو في الصلاة مع غلبة الظن لقيامها مقام العلم عند فقده ، وإنما الحكم لما يتساوى (١) الظن فيه ، فإن كان السهو عما لا تصح الصلاة إلا به ، كالطهارة وما في حكمها ، أو عن ركن من أركانها ، أو كان في المغرب أو الغداة أو الأولتين من كل رباعية أو صلاة السفر ، أو أنه لا يدري (٢) صلى ولا ما صلى ، أو أنه استدبر القبلة أو أداها في مكان أو لباس نجسين أو مغصوبين ، مع تقدم علمه بهما ، أو تعمد ترك ، ما وجب ( فعله ) (٣) أو فعل ما يجب تركه ، فلا بد من إعادتها.

وإن كان سهوه في الأخيرتين من الرباعيات لزمه الاحتياط ببنائه على

__________________

(١) كذا في « أ » و « م » ولكن في « ج » و « س » : وإنما الحكم بتساوي الظن فيه.

(٢) كذا في « أ » ولكن في « ج » و « س » و « م » : وإنه لا يدري.

(٣) ما بين القوسين موجود في « م ».


الأكثر في كل ما شك فيه من ذلك ، والجبران بصلاة منفصلة : إما ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس إن كان شكه بين الاثنتين والثلاث ، أو بين ثلاث وأربع ، فأما إن كان بين الاثنين وثلاث وأربع فجبرانه بركعتين من قيام وركعتين من جلوس.

وإن كان سهوه عن التشهد الأول ، أو عن سجدة واحدة ، فيتلافى كل منهما إن أمكن بحيث ينتقل من ركعة إلى أخرى ويكون قد ركع وإلا بالقضاء بعد التسليم وسجدتي السهو بعده ، وهذا حكمه لو قام أو قعد في غير موضع كل منهما ، أو سلم أو تكلم بما لا يجوز ناسيا ، أو شك بين أربع وخمس.

وأما أن يكون في ما لم ينتقل عنه إلى غيره ، كتكبيرة الافتتاح وهو في قراءة الحمد ، أو فيها وهو في قراءة السورة ، أو في الركوع وهو قائم ، أو في السجود وهو جالس ، أو في تسبيح كل منهما وهو متطأطى‌ء (١) ، أو ساجد أو في أحد التشهدين وهو قاعد ، فحكمه أن يتلافى ما شك فيه من ذلك.

وأما أن يحصل في ما انتقل عنه وفات تلافيه ، فلا حكم له ولا اعتداد به ، وكذا المتواتر الكثير منه ، وكذا ما حصل في جبران السهو وفي النافلة.

وما يجب من الصلاة عند تسبب صلاة قضاء الفائت هو مثل المقضي وبحسبه ، فما فات من صلاة جهر أو إخفات أو تمام أو قصر قضاه على ما فاته إن علمه محققا له ، وإلا على غالب ظنه ، وإن التبس عليه (٢) ما فاته حضرا بما فاته سفرا ، فما غلب عليه من الزائد منهما أو من تساويهما عمل عليه ، ومع تساويه وفقد الترجيح قيل : يقضي مع كل حضرية سفرية إلى أن يقوى في ظنه الوفاء به.

ولا يلزم القضاء لمن أغمي عليه قبل الوقت بأمر إلهي ولم يفق حتى فات.

__________________

(١) في « ا » : يطأطى‌ء. وفي « م » : وفي تسبيح كل منهما.

(٢) في « م » : وإذا التبس عليه.


فأما إن كان بسبب (١) من تلقاء نفسه فلا بد من القضاء (٢) ويلزم المرتد إذا عاد إلى الإسلام قضاء ما فاته حال ارتداده ، وقبله من العبادات (٣).

وهل يصح الاستيجار في قضاء الصلاة عن الميت (٤) وهل يصح الأداء لمن عليه القضاء في الوقت الموسع أم لا؟ في هاتين خلاف (٥).

__________________

(١) في « أ » : إن كان التسبب ، وفي « م » إن كان سبب.

(٢) وهو خيرة الشهيد في الذكرى أيضا ، قال في الجواهر ١٣ ـ ٥ : لا فرق في سبب الإغماء بين الآفة السماوية وفعل المكلف ، لإطلاق النصوص وبعض الفتاوى ، خلافا للذكرى فأوجب القضاء في الثاني دون الأول.

(٣) هكذا في « م » ولكن في غيرها : وقيل : من العبادات كلها.

(٤) المشهور صحته قال في الحدائق ج ١١ ـ ٤٤ : الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب فيما أعلم في جواز الاستيجار للصلاة والصوم عن الميت ، إلا أن بعض متأخري المتأخرين ناقش في ذلك والظاهر ضعفه.

(٥) أقول : اختلف أقوال علمائنا في ذلك أشد اختلاف ، وقد حكي عن جماعة كالعلامة والشهيد أنها المعركة العظيمة ، وفي مفتاح الكرامة « أن الأصحاب في المسألة على أنحاء عشرة أو أزيد » وانه قد صنف في ذلك رسالة شافية وافية وقد بلغ فيها أبعد الغايات.

لاحظ مفتاح الكرامة ٣ ـ ٣٨٦.

وقال العلامة في المختلف بعد نقل كلمات القوم ما نصه :

وقد تلخص من كلام المتقدمين مذهبان :

أحد هما : المضايقة : وهو القول بوجوب الاشتغال بالفائتة قبل صلاة الحاضرة إلا مع تضيق الحاضرة.

والثاني : المواسعة : وهو القول بجواز فعل الحاضرة في أول وقتها ، لكن الأولى الاشتغال بالفائتة إلى أن تتضيق الحاضرة ، وهو مذهب والدي وأكثر من عاصرناه من المشايخ.

والأقرب عندي التفصيل وهو أن الصلاة الفائتة إن ذكرها في يوم الفوات وجب تقديمها على الحاضرة ما لم تتضيق وقت الحاضرة ، سواء تعددت أو اتحدت ويجب تقديم سابقها على لاحقها.

وإن لم يذكرها حتى يمضي ذلك اليوم ، جاز له فعل الحاضرة في أول وقتها ثم يشتغل بالقضاء ، سواء اتحدت الفائتة أو تعددت ، ويجب الابتداء بسابقها على لاحقها ، والأولى تقديم الفائتة إلى أن تنضيق الحاضرة.

مختلف الشيعة ص ١٤٤.


ويجب الترتيب في القضاء كما في الأداء ، ولو فاتت صلاة من الخمس ولم يتحقق بعينها لوجب قضاء الخمس (١) ، والقصد بكل واحدة منها قضاء ما فات.

وما فات الميت في مرض موته وغيره يقضيه عنه وليه ، وهو أكبر أولاده الذكور ، ويجزيه عنه الصدقة عن كل ركعتين مد إن أمكنه وإلا فعن كل أربع إن وجده ، وإلا فللصلاة النهارية مد وللصلاة الليلة كذلك (٢).

وصلاة النذور والعهد واليمين

وهي بحسبهما إن أطلقا من غير اشتراط بوقت مخصوص أو مكان معين ، فالتخيير في الأوقات والأمكنة المملوكة والمباحة ، وإن علقا بزمان لا مثل له ، أو مكان لا بدل له (٣) فلم تؤد فيهما مع الاختيار لزمت الكفارة : عتق رقبة ، أو صيام

__________________

(١) بل وجب عليه قضاء صلاة الصبح والمغرب والإتيان برباعية واحدة مرددة بين صلاة الظهر والعصر والعشاء ، بنية قضاء ما في الذمة ، مخيرا بين الجهر والإخفات. وهذا هو المشهور بين الأصحاب.

قال في الجواهر ١٣ ـ ١٢١ عند شرح قول الماتن « من فاتته فريضة من الخمس غير معينة قضى صبحا ومغربا وأربعا عما في ذمته » ما نصه : على المشهور بين الأصحاب قديما وحديثا نقلا وتحصيلا.

(٢) واختاره السيد المرتضى وابن الجنيد على ما حكى عنهما في المختلف ـ ١٢٨ وهو خيرة ابن زهرة أيضا. أنظر الحدائق ١١ ـ ٥٧.

وقال في مفتاح الكرامة ٢ ـ ٥٨ : وذهب علم الهدى وأبو المكارم إلى أن هذا القضاء ليس وجوبه على التعيين ، بل يتخير الولي بينه وبين الصدقة عن كل ركعتين بمد ، فإن لم يقدر فعن كل أربع ، فإن لم يقدر فعن صلاة النهار بمد وعن صلاة الليل بمد ، وهو المنقول عن الكاتب والقاضي. كما هو ظاهر الغنية أو صريحها ، وقال في الذكرى : وأما الصدقة فلم نرها في غير النافلة. انتهى كلام صاحب مفتاح الكرامة.

(٣) في « أ » و « ج » : لا بد له.


شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا ، فإن لم يستطع ذلك صام ثمانية عشر يوما (١) فإن عجز عنه فما أمكنه من الصدقة ، ومع الاضطرار لا كفارة عليه بل القضاء وحده.

وصلاة الطواف

وهما ركعتان تصليان عند المقام بعد الفراغ من الطواف ، وسنذكرها (٢) عند ذكر الحج.

وصلاة العيدين

وشرائطهما هي شروط الجمعة ، إلا أن الخطبة ( فيهما ) (٣) بعد الصلاة ، ولا يجب على المأمومين سماعها (٤) وإن كان ذلك هو الأفضل.

وليس في صلاة العيدين أذان ولا إقامة ، وهي ركعتان باثنتي عشرة تكبيرة : سبع في الأولى ، منها (٥) تكبيرتا الإحرام والركوع ، وخمس في الثانية ، منها (٦) تكبيرتا القيام والركوع.

وقيل : يقوم إلى الثانية بغير تكبير ويكبر بعد القراءة خمسا يركع بالخامسة (٧).

ومن فضيلتها الإصحار بها والجهر فيها بالقراءة ، والقنوت بالمأثور وبعد كل

__________________

(١) في « ا » : صيام ثمانية عشر يوما.

(٢) في « م » : وسنذكر هما.

(٣) ما بين القوسين موجود في « م ».

(٤) في « ا » : سماعهما.

(٥) في « ج » و « س » : « منهما ».

(٦) هذا ما أثبتناه ولكن في النسخ التي بأيدينا : « ومنهما ».

(٧) ذهب إليه ابن أبي العقيل وابن الجنيد وابن حمزة وابن إدريس ، أنظر مختلف الشيعة ـ ١١٢.


تكبيرة من التكبيرات الزوائد.

والتنبيه في الخطبة على فضيلة ذلك اليوم ، وما يجب من حق الله فيه.

وإذا لم تتكامل شرائط وجوبها كانت مستحبة ، والتكبير ليلة الفطر عقيب أربع صلوات أولا هن المغرب ويوم الأضحى عقيب عشر صلوات أولا هن الظهر ، وخمس عشرة صلاة لمن كان بمنى سنة مؤكدة.

وصلاة الكسوف والآيات الخارقة ( العادة )

(١) عشر ركعات جملة : فيهن أربع سجدات : سجدتان بعد الخامسة ، وسجدتان بعد العاشرة ، وتشهد وتسليم ، ورفع الرأس من الركوع فيها بالتكبيرة إلا في الخامسة والعاشرة ، فإنه يقول : « سمع الله لمن حمده ».

وأول وقتها حين الابتداء في الاحتراق (٢) إن كان كسوف شمس أو خسوف قمر ، وآخره حين الابتداء في الانجلاء.

ومن سننها الاجتماع فيها وإجهار القراءة وتطويلها ، وجعل مدة الركوع والسجود بمقدار مدة القيام.

والقنوت في كل ثنائية منها ، وتقضى واجبا لمن تركها ناسيا أو عامدا إلا أن متعمد تركها إلى حين الانجلاء (٣) يؤثم ويلزم التوبة ، وما عدا الكسوف والخسوف من الآيات كالزلازل والرياح المظلمة وغيرها يصلى لها هذه الصلاة مع بقاء موجبها مقدار أدائها.

__________________

(١) ما بين القوسين موجود في « م ».

(٢) في « ج » : في الإحراق.

(٣) في « س » : إلا من يتعمد تركها إلى حيث الانجلاء ، وفي « أ » و « م » : إلى حيث الانجلاء.


وصلاة جنائز أهل الإيمان ومن في حكمهم

إن كان للميت ستة سنين فصاعدا صلى عليه فرضا ، وهي على الكفاية ، وإلا سنة ، وليس فيها قراءة ولا ركوع ولا سجود ، بل تكبير ودعاء.

وأولى الناس بالصلاة على الميت أولاهم بميراثه ، أو من يقدمه ، وليس لغيره أن يتقدم (١) إلا بإذنه ، فإن حضر هاشمي كان الأولى تقديمه ، والزوج أولى بالصلاة على الزوجة.

ويقف المتقدم بإزاء وسط الميت إن كان ذكرا ، وصدره إن كان أنثى ، ويكبر خمس تكبيرات بعد عقد النية يأتي بعد الأولى بالشهادتين ، وبعد الثانية بالصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) وبعد الثالثة بالترحم على المؤمنين ، وبعد الرابعة بالترحم على الميت إن كان محقا ، وعليه إن كان مبطلا ، مذكرا ما يذكره من الدعاء إن كان ذكرا ، مؤنثا إن كان أنثى (٣).

فإن كان مستضعفا أو غريبا لا يعرف اعتقاده ، أو طفلا خصه من الدعاء (٤) بما يخص كل واحد من هؤلاء (٥) ، وبعد الخامسة يسأل الله العفو.

ويخرج منها بغير تسليم ، ولا يحتاج إلى رفع يديه بالتكبير فيما عدا الأولى.

وينبغي تحفي الإمام (٦) فيها ، ووقوفه بعد فراغه منها حتى ترفع الجنازة.

والطهارة من فضلها لا من شرطها ، ويكره إعادتها إلا أن تكون الجنازة

__________________

(١) في « ج » و « س » : وليس بغيره أن يتقدم.

(٢) في « ج » و « س » : بالصلوات على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٣) في « س » و « م » : أو مؤنثا إن كان أنثى.

(٤) في « س » و « ج » : خص من الدعاء.

(٥) في « م » : بكل ما يخص كل واحد منهم من هؤلاء.

(٦) حفي الرجل : مشى بغير نعل ولا خف ـ مجمع البحرين.


مقلوبة ، فإنه يجب ذلك ، فإن مضى على الميت يوم وليلة بعد دفنه لم يجز أن يصلى عليه.

[ نوافل ليالي شهر رمضان ] (١)

وما يستحب من الصلاة عند سبب نافلة شهر رمضان ، يزاد فيه على المرتب في اليوم والليلة ألف ركعة ، يبتدئ بعشرين (٢) ركعة من أول ليلة منه ، ثمانية بعد نافلة المغرب ، والباقي بعد العتمة قبل الوتيرة إلى ليلة النصف يزاد على العشرين ثمانين ركعة تمام المائة وهي زائدة على الألف ، وفي ما بعدها من الليالي ترجع إلى ما ابتدأ به أولا إلى أول ليالي الأفراد وهي ليلة تسع عشرة يتمها مائة ركعة ، وكذا في ليلتي احدى وعشرين وثلاث وعشرين ، وليلة عشرين يمضي على ترتيبه الأول وهو عشرون ركعة.

ويزيد ليلة الثاني والعشرين عشر ركعات تمام ثلاثين ، وكذا في ليلة الرابع والعشرين وما بعدها إلى آخر الشهر اثنتا عشرة ركعة بعد نوافل المغرب. وثماني عشرة بعد العشاء الآخرة وقبل نافلتها : وتختم جملة صلاته بالوتيرة.

ومن السنة أن يقرأ في كل ركعة منها بعد الحمد سورة الإخلاص عشر مرات ، ويقرأ ليلة ثلاثة وعشرين سورة القدر ألف مرة ، وسورتي العنكبوت والروم ، ويصلي في كل يوم جمعة منه عشر ركعات صلاة أمير المؤمنين والزهراء وجعفر ، وفي آخر جمعة وآخر سبت منه يصلي كل ليلة منهما عشرين ركعة تمام الألف.

وصلاة ليلة الفطر ركعتان القراءة في الأولى منهما بعد الحمد سورة الإخلاص ألف مرة ، وفي الثانية مرة.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين منا.

(٢) في « س » و « ج » : يبتدئ العشرين.


وصلاة يوم المبعث اثنتا عشرة ركعة ، والقراءة في كل واحدة منهما بعد الفاتحة سورة « يس » لمن يعرفها ، وإلا ما تيسر ( من القرآن ) (١).

وصلاة النصف من شعبان أربع ركعات ، بتشهدين وتسليمين (٢) في كل ركعة منها مع الحمد قراءة الإخلاص مائة مرة.

وصلاة يوم الغدير ركعتان ، ووقتهما قبل الزوال بنصف ساعة ، القراءة ، في كل واحدة منهما بعد الحمد سورة الإخلاص عشرا ، والقدر كذلك ، وآية الكرسي مثلها ، والاجتماع فيها والجهر بالقراءة من كمال فضلها.

ولو ابتدأ قبلها بخطبة مشتملة على الحمد والثناء والصلاة والولاء والإعلام بفضيلة ذلك اليوم وما خص الله به وليه من النص عليه بالإمامة وتشريفه بالولاية المؤكدة عهدها على جميع الأمة ، لكان أتم فضلا وأعظم أجرا.

وصلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أفضل أوقاتها يوم الجمعة ركعتان ، يقرأ في كل واحدة منهما بعد الحمد سورة القدر خمس عشرة مرة ، ويقرأها كذلك راكعا ومنتصبا منه ، وساجدا ورافعا رأسه منه ، وساجدا ثانيا ورافعا منه ، تكون جملة قراءتها في الركعتين مائتي مرة وعشر مرات.

وصلاة أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ أربع ركعات بمائتي مرة ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) : يقرأها خمسين مرة في كل ركعة بعد الحمد.

وصلاة الزهراء ـ عليها‌السلام ـ ركعتان ، في الأولى منهما بعد الفاتحة ( إِنّا أَنْزَلْناهُ ) مائة مرة (٣) وفي الثانية الإخلاص مثلها (٤).

__________________

(١) ما بين القوسين موجود في « م ».

(٢) في « م » : وتسليمتين.

(٣) في « ا » : بمائة مرة.

(٤) في « ا » : بمثلها.


وصلاة التسبيح ، وتسمى الحبوة (١) وهي صلاة جعفر ـ عليه‌السلام ـ أربع ركعات : القراءة فيها مع الحمد سورة الزلزلة في الأولى ، وفي الثانية والعاديات ، وفي الثالثة النصر ، وفي الرابعة الإخلاص.

والتسبيح بعد القراءة « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر » يقوله قائماً خمس عشرة مرة (٢) وراكعا عشرا ، ومنتصبا منه عشرا ، وكذا ساجدا ، أولا وثانيا ، وجالسا بين السجدتين ، وبعد الثانية ، يكون في كل ركعة خمس وسبعون مرة ، جملته فيها ثلاثمائة مرة.

وصلاة الإحرام إما ست ركعات أو ركعتان ، ووقتها عند القصد إليه ، وأفضله عقيب الظهر ، والقراءة فيها مع الحمد سورتا الجحد والتوحيد (٣).

وصلاة زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أحد الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ ركعتان يقرأ فيهما ما يقرأ في صلاة الإحرام ، ويبتدأ بهما قبل الزيارة إذا كانت عن بعد ، وإلا بعدها عند رأس المزار لمن حضره ، فإن كان أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ صلى بعد زيارته ست ركعات له ولآدم ونوح ـ عليهم‌السلام ـ إذ هما مدفونان عنده.

وصلاة الاستسقاء ركعتان ، كصلاة العيدين يبرز الإمام أو من نصبه إلى ظاهر البلد لصلاتها ، ويقرأ فيها (٤) ما تيسر ، ويقنت بعد التكبير بما سنح ، ويخطب بعدها ، منبها على التوبة والإقلاع عن المعاصي معلما أنه سبب المحل.

__________________

(١) وإنما سميت بذلك لأنها حباء من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنحة منه ، وعطية من الله تفضل بها على جعفر بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ أنظر مجمع البحرين مادة « حبا ».

(٢) في « ا » : يفعله قائماً خمس عشرة مرة.

(٣) في « أ » و « م » : « والإخلاص » بدل « والتوحيد ».

(٤) في « ا » : فيهما.


وينبغي له تحويل ما على يمينه من الرداء (١) إلى يساره ، وبالعكس.

وتوجهه بمن خلفه (٢) إلى القبلة والتكبير بهم مائة مرة ، ومواجهة يمينه والتحميد بهم مائة مرة ، وكذا شماله والتسبيح مائة مرة ، ومواجهتهم والاستغفار مائة ، ومراجعة استقبال القبلة ، والإكثار من الدعاء (٣) وطلب المعونة بإنزال الغيث.

وينبغي رفع الأصوات بجميع ذلك ، وكثرة الضجيج ، والتفريق بين الأطفال وآبائهم فيها.

وصلاة الاستخارة ركعتان يقرأ فيهما ما يقرأ في صلاة الزيارة ، ويدعو بعد فراغه بدعائها ، ويعفر في جبهته وخديه ويسأل الخير في ما قصد إليه ، والروايات فيها كثيرة (٤).

وصلاة الحاجة ركعتان ، يصام لها ثلاثة أيام ، أفضلها الأربعاء والخميس الجمعة ، يصحر بها ، أو يرتفع إلى أعلى داره ، وخير أوقاتها قبل زوال الشمس من يوم الجمعة ( والقراءة فيها ما ذكرناه ) والدعاء فيها بالمأثور عن الصادقين ـ عليهم‌السلام ـ (٥).

وصلاة الشكر كذلك عند قضاء ما صلى لأجله من الحاجة ، ويكثر فيها من حمد الله وشكره على قضائها ، وكذا بعد فراغه منها.

وصلاة تحية المسجد حين دخوله ، ركعتان ، تقدم قبل الابتداء في العبادة.

__________________

(١) في « أ » : من البرد.

(٢) في « أ » و « ج » : وتوجهه عن خلفه.

(٣) في « م » : والإكثار في الدعاء.

(٤) لاحظ وسائل الشيعة ٥ ـ ٢٠٤ « أبواب صلاة الاستخارة ».

(٥) نفس المصدر ٥ ـ ٢٥٥ ب ٢٨ من أبواب بقية الصلوات المندوبة الحديث ١٠ و ١٤ ، وما بين القوسين موجود في « م ».


[ كتاب الزكاة ]

وأما الكلام في الحقوق المالية اللازمة للأحرار دون العبيد ، فمنها :

الزكاة : وهي اما فرض ، فمتعلقة بالأموال وبالرؤوس ، فما يجب فيه الزكاة من الأموال (١) تسعة أضعاف :

الذهب والفضة : ويشترط في وجوبهما البلوغ وكمال العقل وبلوغ النصاب وكونه مملوكا مقدورا على التصرف فيه بقبضه ، أو بالإذن فيه مع مضي الحول عليه ، وهو كذلك بكماله لم ينقص ، ولا تبدلت أعيانه بتغيير دنانيره ، ودراهم مضروبة منقوشة ، أو سبائك قصد الفرار من الزكاة بسبكها.

ويعتبر في شروط صحة أدائها (٢) زيادة على ما ذكرناه : الإسلام والنية ودخول وقتها.

فنصاب الذهب أولا عشرون مثقالا ، ففيه نصف مثقال. وثانيا (٣) أربعة مثاقيل ففيها عشر مثقال.

__________________

(١) في « م » : من الأول.

(٢) في « ج » و « س » : ويعتبر في شروطه صحة أدائها.

(٣) في « س » : وثانية أربعة مثاقيل ففيهما. وفي « ج » : وثانية.


والفضة نصابها الأول مائتا درهم ، ففيها خمسة دراهم ، والثاني أربعون درهما ففيها درهم ، بالغا ما بلغ.

والحنطة والشعير والتمر والزبيب : وشرطها الملك ، وحصول النصاب وهو بعد المؤن وحق السلطان خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعا ، الصاع أربعة أمداد عراقية ، جملته بالبغدادي ألفان وسبعمائة رطل ، فببلوغه تجب فيه إن كان سقيه بماء السماء ، أو سيحا (١) العشر ، وإن كان بالنواضح (٢) وما أشبهها مما يحتاج إلى كلفة فنصف العشر ، وإن كان من الجهتين معا فبالأغلب ، وبالتساوي العشر في النصف ، ونصفه من النصف الآخر (٣).

والإبل والبقر والغنم : باشتراط الملك والسوم والحول وتمام النصاب ، فأول نصاب الإبل خمس فيها شاة ، ثم عشر ففيها شاتان ، ثم خمس عشرة ففيها ثلاث شياه ، ثم عشرون ففيها أربع شياه ، ثم خمس وعشرون ففيها خمس شياه ، ثم ست وعشرون ففيها بنت مخاض لحولها بكماله ، ثم ست وثلاثون ففيها بنت لبون لحولها داخلة في الثالثة ، ثم ست وأربعون ففيها حقة لأحوالها الثلاثة داخلة في الرابع ، ثم إحدى وستون ففيها جذعة لأحوالها الأربعة ، داخلة في الخامس ، ثم ست وسبعون ففيها : بنتا لبون (٤) ثم إحدى وتسعون ففيها حقتان إلى مائة وإحدى وعشرين فصاعدا فيسقط هذا الاعتبار ، ويلزم في كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين

__________________

(١) السيح : الماء الجاري ـ مجمع البحرين.

(٢) نضح البعير الماء : حمله من نهر وبئر لسقي الزرع ، فهو ناضح ، والأنثى ناضحة والجمع نواضح. مجمع البحرين.

(٣) في « م » : ونصف من النصف الآخر.

(٤) كذا في « ج » و « س » ولكن في « أ » : بنت لبون.


حقة ، كذا إلى غير حد ، والمأخوذ فريضة ، وما بين النصابين شنق (١) لا شي‌ء فيه.

وأول نصاب البقر ثلاثون ، فيه إما تبيع لحوله أو تبيعة حولية ، ثم أربعون ففيه مسنة : وهي الثنية (٢) فما فوقها ، وما بين النصابين وقص (٣) لا يلزم فيه شي‌ء ، ولا فيما دون النصاب الأول.

وأول نصاب الغنم أربعون ، ففيها شاة ، ثم مائة وإحدى وعشرين فيه شاتان ، ثم مائتان وواحدة ففيه ثلاث شياه ، ثم ثلاثمائة وواحدة ففيه أربع شياه إلى أن يزيد على ذلك فيرتفع هذا الحكم ، ويلزم في كل مائة شاة مهما بلغت ، وما بين النصابين عفو لا شي‌ء فيه ولا فيما لم يبلغ الأربعين (٤).

وسواء في هذا الحكم الضأن والمعز بالفريضة المأخوذة ، من الضأن جذعه لا دونها ، ومن المعز ثنية لا فوقها.

[ زكاة الفطرة ] (٥)

وما يجب على الرؤوس هي الفطرة الواجبة عند هلال شوال ، على كل حر بالغ عاقل مالك أول نصاب تجب فيه الزكاة ، يؤديها عنه (٦) وعن جميع من يعول ، من ذكور وإناث وصغار وكبار وأحرار وعبيد وأقارب وأجانب وذوي إيمان أو كفر ، يجب إخراجها قبل صلاة العيد مع وجود مستحقها ، ومع فقده تعزل من المال

__________________

(١) و (٣) ـ الشنق ـ بالتحريك ـ في الصدفة ما بين الفريضتين وهو مما لا تتعلق به زكاة.

وكذلك الوقص ، وبعض يجعل الوقص في البقر خاصة والشنق في الإبل خاصة. مجمع البحرين.

(٢) في « أ » : وهي التثنية.

(٤) في « م » : لا يبلغ الأربعين.

(٥) ما بين المعقوفتين منا.

(٦) في « م » : يردها عنه.


انتظارا له ، وإلا فتأخرها عن وقتها ، لا لذلك مسقط وجوبها (١) ومجز لها إن صرفت مجرى صدقات التطوع.

والواجب عن كل رأس منها صاع ، أفضله من غالب المؤنة (٢) على اختلافها ، حنطة كانت أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا أو أرزا أو ذرة أو اقطا (٣) أو لبنا أو غير ذلك.

ولو دفع قيمة الصاع بسعر الوقت لجاز.

ومستحقي زكاة المال والرؤوس كل واحد من الأصناف الثمانية :

الفقراء : وهم من لا يملكون الكفاية.

والمساكين : وهم من لا يملكون شيئا.

والعاملون عليها : وهم الساعون في جبايتها.

والمؤلفة قلوبهم : وهم المستعان بهم في الجهاد وإن كانوا كفارا.

( وَفِي الرِّقابِ ) : وهم المكاتبون ومن في حكمهم ، من كل عبد مغرور بالعبودية.

والغارمون : وهم المدينون في غير معصية ولا سبيل لهم إلى قضاء ديونهم.

وفي سبيل الله : وهو الجهاد الحق.

وابن السبيل : وهو المنقطع به ، وإن كان غنيا في بلده.

فما عدا المؤلفة قلوبهم والعاملين من الأصناف الستة يعتبر فيهم الإيمان

__________________

(١) في « م » : وإلا فتأخيرها عن وقتها لا لذلك ، مسقط لوجوبها.

(٢) في « م » : من غالب المؤن.

(٣) الأقط : بفتح الهمزة وكسر القاف ، وقد تسكن للتخفيف مع فتح الهمزة وكسرها : لبن يابس متحجر يتخذ من مخيض الغنم. مجمع البحرين.


والفقر والعدالة (١) والعجز عن قيام الأود (٢) بالاكتساب.

والانفصال عمن تجب نفقته على المزكي ، كالأبوين والجدين والزوجات والأولاد والمماليك ، وعن الهاشميين المتمكنين من أخذ الخمس ، لكونهم مستحقين له ، فأما إن استحقوه ومنعوا منه ومن بلوغ كفايتهم بما يأخذونه (٣) منه ، فلا بأس بأخذ هم منها.

وأقل ما يعطى مستحقها ما يجب في أول نصاب من أنصبتها ، ولو أعطى أكثر من ذلك لجاز.

وأما سننه ففي كل ما يكال ويوزن غير ما بينا وجوبها فيه ، وفي سبائك الذهب والفضة والحلي الذي لم يفر به منها (٤) وفي أموال التجارة المطلوبة برأس المال أو يربح عليه (٥) وفي المال الغائب عن صاحبه ولا يتمكن من التصرف فيه إذا حضره. وتمكن من ذلك بعد مضي حول عليه أو أحوال ، وفي صامت أموال من ليسوا بكاملي العقول إذا تاجر بها الأولياء شفقة عليهم ونظرا لهم ، وفي إناث الخيل عن كل رأس ديناران إن كانت عتاقا ، ودينار إن كانت براذين ، ولا نصاب لها.

ويعتبر في الشروط في مستحقها ما يعتبر في واجبها (٦) وكذا في مقدار المعطى منها.

ومن لا تجب عليه الفطرة يخرجها استحبابا.

__________________

(١) قال في المدارك ٥ ـ ٢٤٣.

القول باعتبار العدالة للشيخ والمرتضى وابن حمزة وابن البراج وغيرهم. والقول باعتبار مجانبة الكبائر خاصة لابن الجنيد على ما نقل عنه ، واقتصر ابنا بابويه وسلار على اعتبار الإيمان ولم يشترطا شيئا من ذلك ، وإليه ذهب المصنف وعامة المتأخرين ، وهو المعتمد.

(٢) الأود : العوج ـ مجمع البحرين.

(٣) في « م » : لما يأخذونه.

(٤) في « أ » : لم يقربه. وفي « م » : لم يفر بها منها.

(٥) في « س » و « م » : أو بربح عليه.

(٦) في « س » معتبر في الشروط في مستحقها ما يعتبر في واجبها. وفي « أ » ويعتبر الشروط في مستحقها ما يعتبر في واجبها. وفي « م » : ويعتبر في مستحقيها.


[ كتاب الخمس ]

ومنها الخمس (١) ويجب في المعادن على كثرتها واختلافها ، وفي الغنائم الحربية ، وفي مال اختلط حلاله بحرامه ولم يتميزا ، وفي كل ما فضل عن مؤنة السنة من كل مستفاد بسائر ضروب الاستفادات ، من تجارة أو صناعة أو غيرهما ، وفي أرض شراها ذمي من المسلم (٢).

وعند حصول ما يجب فيه وتعينه يكون وقت وجوبه ، فإن كان من الكنوز اعتبر فيه بلوغ نصاب المزكاة (٣) ، وفي المستخرج بالغوص بلوغ قيمته دينار مما زاد (٤).

وقسمته على ستة أسهم هي :

سهم الله وسهم رسوله ومنهم ذي القربى ولا يستحقها بعد الرسول سوى الإمام القائم مقامه ، وثلاثة ليتامى آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، ممن جمع مع فقره وإيمانه صحة النسب إلى أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ أو إلى أحد أخويه جعفر وعقيل ، أو إلى عمه العباس ـ رضي‌الله‌عنه ـ يعطى كل فريق منهم مقدار كفايتهم للسنة على الاقتصاد.

__________________

(١) في « ج » و « س » : الخمس منها.

(٢) كذا في « م » ولكن في بقية النسخ : وفي أرض شراها ذمي لمسلم.

(٣) في « م » : نصاب الزكاة.

(٤) في « م » : فما زاد.


[ كتاب الصوم ]

وأما الكلام في ركن الصوم ، فإنه إما واجب فمطلق وهو صوم شهر رمضان.

وشرائط وجوبه : البلوغ وكمال العقل والوقت والخلو من السفر الموجب للتقصير ، والصحة من مرض أو كبر يوجبان الفطر.

ويزاد عليها (١) في شروط صحة أدائه الإسلام والنية والطهارة من الجنابة ومن الحيض والاستحاضة المخصوصة للنساء.

ويثبت العلم بدخول شهر رمضان ولزوم صومه برؤية الهلال أو ما يقوم مقامها ، من قيام البينة أو التواتر بها ، فإن كانت الرؤية له نهارا فهو لمستقبل ليلته لا لماضيها.

وأول ليلة منه هي أول وقت ابتدأ ( فيه ) (٢) نيته ، فإن أخرها إلى النهار جاز تجديدها إلى قبل الزوال (٣) لا إلى بعده ، ولو حصل نية جميعه (٤) في أول ليلة منه لأجزأت ، وإنما الأفضل تجديدها كل ليلة. ولو نوى به القربة خاصة لأجزأ وأغنى عن التعيين ، وإن كان لا بد في غيره من اعتبار الأمرين في النية ، فرضا كان أو نفلا.

أو سبب وهو ما عداه فمنه صوم القضاء والنذر والعهد والاعتكاف ودم

__________________

(١) في « م » : ويزاد عليهما.

(٢) ما بين القوسين موجود في « س ».

(٣) في « م » : إلى ما قبل الزوال.

(٤) في « ج » و « س » : ولو حصل بنية جميعه.


المتعة والكفارات على اختلافها : كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان ، ومن أفطر في يوم يقضيه عن يوم منه ، ومن أفطر في نذر أو عهد تعينا ، وكفارة قتل الخطاء واليمين البر (١) والظهار وحلق الرأس ، وجزاء الصيد وجز المرأة شعرها في مصاب ونتفه ، وإفساد الاعتكاف ، وتفويت صلاة العشاء الآخرة.

والقضاء يتبع المقضي ويلزم على الفور ، ويفتقر إلى نية التعيين ، ومتابعته أفضل من تفريقه.

وهو إما بسفر موجب للقصر ، وقد بيناه أو مرض لا يطاق معه صوم ، أو أنه يريده ويفوته ، أو حيض أو نفاس أو عطش مفرط يرجى زواله ، أو حمل أو رضاع يخشى معهما على الولد ، أو تفويت النية إلى بعد الزوال ، أو استعمال ما يفطر عمدا من أكل أو غيره ، أو لالتباس دخول الليل ولم يكن دخل ، أو ظن بقاءه وكان الفجر قد طلع ، وكذا الحكم في الإقدام على تناول المفطرات تقليدا لإخبار من أخبر أنه لم يطلع (٢) واستبان بعد ذلك طلوعه ، وكذا في الإقدام عليها من غير رصد له مع القدرة عليه ، وترك القبول ممن أخبر بطلوعه.

وتعمد القي‌ء ، وابتلاع ما يحصل منه في الفم غالبا ، وبلع ماء مضمضة التبرد واستنشاقه ، وما احتيج إليه من حقنة أو سعوط (٣) والنوم على الجنابة ليلا بعد الانتباه مرة إلى حيث يطلع الفجر.

فالقضاء لازم بكل واحد من ذلك ، ولا كفارة في شي‌ء منه إلا على ذي المرض إذا لحقه رمضان آخر وفرط في قضاء ما عليه أولا ، فإن كفارته عن كل يوم

__________________

(١) في « ج » و « أ » واليمين والبر. وفي « م » : والبراءة. ولعل الصحيح ويمين البراءة.

(٢) في « م » : من أخبر بطلوعه.

(٣) السعوط : كصبور : الدواء المصب في الأنف. مجمع البحرين.


إطعام مسكين ولا كفارة عليه إذا لم يكن منه تفريط إما باستمرار المرض أو بغيره من الموانع ، وعلى ذي العطاش المرجئ زواله ، فإن كفارته عن كل يوم إطعام مدين أو مد من طعام.

وكذا حكم صوم الحامل المقرب والمرضع مع خوفهما على ولديهما. فأما من به عطاش لا زوال له والشيخ أو المرأة الكبيران فلا قضاء عليهم ، بل ما ذكرناه من الكفارة (١).

وقيل (٢) في الكبير الفاني إنها تلزمه إن استطاع الصوم بمشقة تضر به ضررا زائدا ، وإلا متى عجز عن الاستطاعة ولم يطقه أصلا لم يلزمه شي‌ء.

ومتى وقع شي‌ء مما يلزم منه ( القضاء خاصة أو ) (٣) القضاء والكفارة سهوا أو نسيانا لم يكن له حكم.

وصوم النذر والعهد (٤) بحسبهما إن أطلقا من تعيين الوقت وتخصيص موضع يقعا فيه تساوت الأوقات (٥) التي يصح صومها ، والأماكن في الابتداء بهما ، ولا فسحة مع زوال الأعذار في تأخيرهما.

وإن قيدا بوقت معين لا مثل له وجبا فيه بعينه ، فإن خرج ولم يقعا فيه ، لضرورة محوجة ، لم تلزم كفارة بل القضاء وحده ، وإن كان عن اختيار لزما فيه جميعا ، وإن كان له مثل فالقضاء مع الفوات إن كان اضطرارا ويتبعه الإثم إن كان

__________________

(١) في « س » و « م » : فلا قضاء عليهما مما ذكرناه من الكفارة. وفي « ج » ها هنا حذف وإسقاط.

(٢) القائل هو الشيخ المفيد في المقنعة ، وهو قول السيد المرتضى وسلار وابن إدريس على ما حكاه عنهم في المختلف.

(٣) ما بين القوسين ليس موجود في « ا ».

(٤) كذا في « م » ولكن في غيرها : « أو العهد ».

(٥) في « م » : وتخصيص موضع فيه تساوت الأوقات.


اختيارا. ولا كفارة فيه به.

ومتى شرط فيهما التتابع لم يجز التفريق ، وكذا لو شرط صومهما سفرا وحضرا وجب الوفاء بذلك.

ولزم بتعمد الإخلال به القضاء والكفارة ، ولو اضطر إلى تفرقة صومهما بنى ولم يلزمه استئناف إلا مع الاختيار ، وإذا لم يشترط متابعة ولا ألجأت ضرورة إلى غيرها فلا بناء إلا بعد الإتيان بالنصف وما زاد عليه ، وإلا فالاختيار لإفطاره فيه قبل بلوغه يوجب الاستئناف (١) ولو اتفقا في يوم يكون صومه محرما أو في شهر رمضان لم ينعقدا ولا يلزم بهما شي‌ء.

وصوم الاعتكاف قد يكون واجبا بنذر أو عهد أو كفارة ، وقد يكون ندبا إذا لم يكن بأحدها (٢).

وأقله ثلاثة أيام ، والصوم مشروط فيه لا يصح إلا به ، وكذا مواضعه المختصة به ، وهي المساجد الأربع :

مسجد مكة والمدينة والمسجد الكوفة والبصرة ، ولا ينعقد إلا في أحدها.

ومن شرط صحته ملازمة المسجد فلا خروج منه إلا لما لا مندوحة عنه من الحدث وغيره ، أو لما لا بد منه من أداء فرض معين أو إحياء سنة متبعة ومع ذلك لا يجوز جلوسه اختيارا تحت سقف ، وكذا اجتنابه كل ما يجتنبه المحرم (٣) من النساء شرط فيه.

ويزيد عليه باجتناب البيع والشراء.

__________________

(١) في « س » و « م » : وإلا فلا اختيار لإفطاره فيه قبل بلوغه بوجوب الاستئناف.

(٢) في « م » : إذا لم يكن بأحدهما.

(٣) في « أ » و « ج » : وكذا اجتنابه ما يجتنبه المحرم.


ومتى فسخ اعتكافه بإفطار أو جماع في ليل أو نهار فعليه مع استئنافه الكفارة إلا انها تتضاعف عليه إن كان جماعه نهارا ، وتنتقل كفارة زوجته المعتكفة باكراهها على الجماع ، إليه.

ويلزم بدخوله فيه تطوعا مضية ثلاثة أيام ، فإن أراد الزيادة عليها كان مخيرا فيها إلى مضي يومين بعدها ، فيلزمه تكميلها ثلاثة.

وهل إذا اضطر إلى فسخه بمرض (١) محوج إلى الفطر والخروج عن موضعه وارتفعت الضرورة يبني أو يستأنف؟ فيه خلاف. وصوم دم المتعة لمن لا يجد الهدى ولا موثوقا على ثمنه ليشتريه في العام القابل ويذبحه عنه ، أو يجده ولا يقدر على ثمنه ، ثلاثة أيام في الحج وهي ما قبل يوم النحر وسبعة إذا رجع إلى أهله.

وهذه الثلاثة مما يجب صومها في السفر ولا بد من التتابع فيها وتفريقها اختيارا يستأنف معه (٢) على كل حال ، واضطرارا لا يستأنف إلا إذا لم يصوم غير يوم واحد ، فأما لو صام يومين وأفطر الثالث اضطرارا لبني عليه (٣) بعد خروج أيام التشريق وكذا استينافه أو تأخير صومها إلى بعد يوم النحر لا يكون إلا بعدها ، ولو عجز عن صومها كذلك لجاز له أن يصومها في طريقه أي وقت أمكنه ، فإن تعذر عليه ذلك صامها مع التسعة الباقية وأداها في بلده متوالية ولو صد عن مأمنه أو جاور في أحد الحرمين لصامها بعد مضي مدة يصلى في مثلها إلى أهله.

وصوم الكفارات : إما شهران متتابعان فيلزم مع القضاء من تعمد الإفطار في نهار شهر رمضان بجميع ما يفطر سواء كان بأكل أو بشرب أو ازدراد (٤) أو

__________________

(١) في « م » : لمرض.

(٢) في « م » : معها.

(٣) في « أ » و « م » : البناء عليه.

(٤) ازدرد اللقمة : بلعها. المنجد.


جماع أو استمناء أو حقنة لا حاجة إليها أو ارتماس رجل في ماء أو امرأة إلى وسطها (١) أو استدخال ما غلظ من غبار نفض (٢) أو غيره ، أو تعمد كذب على الله أو على رسوله أو أحد الحجج ـ عليهم‌السلام ـ أو إذا أدرك الفجر للجنب بعد انتباهتين ونومه مع القدرة على الغسل حتى يدركه طلوعه وهو مخير بين العتق والإطعام والصوم.

وهذه كفارة اختيار الفطر في صوم النذر والعهد المعينين بوقت لا مثل له وكفارة (٣) تعمد فسخ الاعتكاف.

وكفارة البتراء وكفارة جز المرأة شعرها في المصاب أو نتفه وهي كفارة جزاء الصيد إن كان نعامة ، وهي كفارة القتل والظهار إلا أنهما على الترتيب ، وأما دون ذلك فكفارة قتل المحرم البقرة أو الحمار الوحشيين ثلاثون يوما إن استطاع وإلا فتسعة أيام ، وله إذا عجز عن صوم الستين يوما في قتل النعامة أن يصوم ثمانية عشر يوما. وفي الظبي وما في حكمه ثلاثة أيام ، وكذا في كل بيضة من بيض النعام لم يتحرك فيها الفرخ (٤) ولمن جنى (٥) بكسرها أو أكلها ، إبل. وما لا مثل له من النعم عن كل نصف صاع من بر من قيمته صيام يوم ، هذا إذا كان في الحل.

وأما في الحرم فعليه من الكفارة (٦) القيمة أو مضاعفتها. وكفارة حلق الرأس أيضا ثلاثة أيام وهي كفارة اليمين في غير البراء. وكفارة من أفطر في يوم

__________________

(١) في « أ » : في وسطها.

(٢) نفضه نفضا ـ من باب قتل ـ : ليزول عنها الغبار. المصباح.

(٣) في « ج » ولا كفارة ، وما في المتن هو الصحيح.

(٤) في « ج » : الفروخ.

(٥) هكذا في « م » ولكن في « أ » وإلا لمن جنى. وفي « ج » : ولا لمن جنى.

(٦) هكذا في « م » ولكن في « أ » : فعليه الكفارة القيمة. وفي « ج » فعليه مع الكفارة.


أراد قضاءه عن يوم من شهر رمضان بعد الزوال ، فأما كفارة مفوت صلاة العتمة فاليوم الذي يلي ليلة فواتها ، وليس في تعمد فطرة إلا التوبة.

وكل صوم وجب متابعا حكمه في وجوب الاستئناف أو البناء ما أشرنا إليه.

أو ندب فجميع أيام السنة (١) عدا ما يحرم صومه منها. وتتفاضل بعضها على بعض في تأكيد الندبية وعظيم المثوبة ، فوجب كله ويتأكد أوله وثالثة وسابع عشرين منه.

وشعبان كله وأوله ويوم النصف منه أشد تأكيدا ، وتسع ذي الحجة وأوله وتاسعه لمن لم يضعفه عن الدعاء ، وثامن عشرة وخامس العشرين من ذي القعدة ، وعاشر المحرم للحزن والمصيبة. وسابع عشر ربيع الأول ، والثلاثة الأيام من كل شهر : أول خميس في عشرة الأول وأول أربعاء في عشرة الثاني ، وآخر خميس في عشرة الأخير ، والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر الأيام البيض منه (٢).

والأيام الثلاثة المختصة بالاستسقاء أو بالحاجة والشكر.

أو أدب فإمساك من اتفق بلوغه أو طهر من حيض أو غيره أو قدومه من سفر أو إسلامه بعد كفره أو برؤه من سقمه في يوم من شهر رمضان (٣) بقيته وقضاء يوم بدله.

أو محظور وهو صوم العيدين ويوم الشك على أنه من رمضان ، وأيام التشريق بمنى ونذر المعصية والوصال بجعل العشاء سحورا أو الصمت بأن لا يتكلم فيه والدهر إذا لم يستثن فيه ما هو محرم.

__________________

(١) هكذا في « م » ولكن في « ا » : أو ندب الجميع أيام السنة ، وفي « ج » : أو ندب الجميع الأيام السنة.

(٢) في « م » : لأيام البيض منه.

(٣) في « أ » : في يوم شهر رمضان.


أو مكروه وهو صوم الزوجة والعبد والضيف تطوعا إلا بإذن الزوج والسيد والمضيف.

فجملة أقسام الصوم على ما ذكرناه خمسة : واجب وندب وأدب ومحظور ومكروه ، فالواجب إما مضيق ، فصوم شهر رمضان والقضاء والنذر والعهد وصوم الاعتكاف. أو مرتب فصوم دم الهدي وكفارة حلق الرأس والظهار والقتل. أو مخير وهو ما عدا ما ذكرناه.

وينبغي للصائم تجنب المسموعات القبيحة والمشمومات الزكية ، وآكدها النرجس والتسوك بالرطب وبل الثوب على الجسد للتبرد والتمضمض والتنشق كذلك.

وقطر الدهن في الأذن وتنقيص الدم (١) ودخول حمام يضعفه دخولها وملاعبة النساء ومباشرتهن بشهوة ، والكحل بما فيه صبر (٢) أو ما أشبهه ، والحقنة بالجوامد مع المكنة ، والنظر إلى كل منهي عنه والخوض في الحديث (٣) في كل ما لا يحل ، فإن ذلك وإن لم يكن مفسدا للصوم إلا أن فيه ما يتأكد خطره ، وفيه ما يتأكد كراهيته ، لحرمة الصوم وينبغي قطع زمانه بالطاعات والقرابات دون غيرها.

__________________

(١) في « أ » : وتنفيض الدم. وفي « م » وتنفيض الدم.

(٢) الصبر : ـ بكسر الباء في الأشهر ، وسكونها للتخفيف لغة قليلة ـ : الدواء المر. المصباح.

(٣) في « ج » : والخوض بالحديث. وفي « أ » : والخوض في حديث.


[ كتاب الحج ]

وأما الكلام في ركن الحج :

فهو إما فرض : فمطلق وهو حجة الإسلام أو عن سبب فبالنذر والعهد والقضاء.

وإما سنة : وهو ما عدا ذلك ، فالمطلق منه لا يجب في العمر أكثر من مرة واحدة بشرط الحرية ، والبلوغ ، وكمال العقل ، والاستطاعة له بالصحة ، وتخلية السرب ، وحصول الزاد ، والراحلة ، والقدرة على الكفاية التامة ذاهبا وجائيا مع العود إليها ، والتمكن منها لمن يخلفه ممن تجب عليه نفقته من زوجة وولد وغيرهما.

ويزاد عليها من شروط صحة أدائه الإسلام والوقت والنية والختنة.

والمسبب منه بحسب سببه إن كان مرة أو أكثر على أي وجه تعلق لزم باعتباره.

والسنة منه متى دخل فيه بها من لا يلزمه ذلك شاركت الفرض بعد الدخول في وجوب المضي فيه إلى آخره ، وفي لزوم ما يلزم بإفساده وإن كانت مفارقة له بأنه


لا يجب الابتداء به لها ولا يتداخل الفرضان فيه.

وحكم المرأة في وجوبه مع تكامل شروطه حكم الرجل ولا يحتاج فيه إلى وجود محرم. ويخرج حجة الإسلام من أصل تركة الميت أوصى بها أم لا ، ومن حج ببذل غيره له ما يحتاج إليه لكونه فاقد الاستطاعة صح حجه ولا يلزمه قضاؤه لو استطاع بعد ذلك.

ثم الحج إما تمتع بالعمرة بتقديمها واستيفاء مناسكها إحراما وطوافا وسعيا ، والإحلال منها تقصيرا ، والإتيان بعدها بمناسك الحج ، فهو فرض كل ناء عن مكة ممن ليس من أهلها (١) ولا حاضرين المسجد.

وأقل نأيه أن يكون بينه وبينها من كل جانب اثنا عشر ميلا فما فوقها جملتها من الجوانب الأربع ثمانية وأربعون ميلا ، فمن هذا حكمهم لا يجزيهم في حجة الإسلام إلا التمتع أو قران بإقران سياق الهدى إلى الإحرام ، واستيفاء مناسك الحج كلها والاعتماد بعدها ، أو إفراد بأفراد الحج من ذلك والإتيان بما يأتي القارن سواء عدا سياق الهدى فكل منهما فرض أهل مكة وحاضريها ممن بينه وبينها ما حددناه فما دونه.

ولا فرق بين مناسك الحج على الوجوه الثلاثة إلا بتقديم عمرة التمتع وإفرادها بعد الحج للقارن والمفرد وبوجوب الهدي على المتمتع ، وعلى القارن بعد التقليد أو الاشعار وسقوطه عن المفرد.

فأول المناسك الإحرام لأنه ركن يبطل الحج بتعمد تركه لا بنسيانه.

__________________

(١) في « س » : من مكة ليس من أهلها.


ومن شرط صحته الزمان : شوال وذو القعدة وثمان من ذي الحجة للمختار وتسع للمضطر (١) إلى أن يبقى من الوقت ما يدرك فيه عرفة ، إذ الإحرام للتمتع بالعمرة أو الحج (٢) في غير هذا الوقت لا ينعقد.

والمكان هو أحد المواقيت المشروعة إما بطن العقيق ويندرج فيه المسلخ وغيره ، وذات عرق ويختص بالعراقيين ومن حج على طريقهم. أو مسجد الشجرة وهو ذات الحليفة ويختص بأهل المدينة ومن سلك مسلكهم. أو الجحفة وهي المهيعة ويختص بالشاميين ومن إلى نهجهم. أو يلملم ويختص باليمنيين (٣) ومن نحا نحو هم. أو قرن المنازل وهي لمن حج على طريق الطائف ومن والاهم في طريقهم.

فتجاوز أحد هذه المواقيت بغير إحرام لا يجوز ويلزم معه الخروج إليه إن كان اختيارا على كل حال وإلا فلا حج له ، وعليه إعادته قابلاً وإن كان اضطرارا أو نسيانا وجب الرجوع إن أمكن وإلا مع تعذره يصح الإحرام في أي موضع ذكره وأمكنه.

ولا ينعقد قبل بلوغ الميقات وينعقد من محاذاته إذا منعت ضرورة خوف أو غيره من إتيانه.

__________________

(١) بمعنى التوسعة ، وهو لغة ، قال النابغة :

تسع البلاد إذا أتيتك زائرا

وإذا هجرتك ضاق عني مقعدي

المصباح.

وفي « س » : « وضع للاضطرار » بدل « وتسع للمضطر ».

(٢) في « س » : إذ الإحرام للمتمتع بالعمرة أو يحج.

(٣) في « م » : باليمانيين.


ولبس ثوبيه (١) بعد تجرده من المخيط يأتزر (٢) بأحد هما ويرتدي بالآخر ، وكل ما تصح الصلاة فيه معها يصح فيه الإحرام ، ومستحبها أو مكروهها فيها مستحبة أو مكروهة فيه ، ويعتبر طهارتهما وملكيتهما أو استباحتهما ، ومع الضرورة يجزي ثوب واحد.

ويجوز عند خوف البرد الاشتمال بما أمكن دفعه به ما لم يكن مخيطا من كساء وغيره والاتشاح (٣) على الظهر بالرداء المخيط كالقباء وشبهه مقلوبا ، وقيل إذا اضطر إلى لبس أجناس الثياب المخيط لضرر لا يمكن دفعه (٤) إلا بها جاز لبسها جملة واحدة لا متفرقة ، وأجزأت عنها كفارة واحدة.

وعقده بالنية والتلبيات الأربع الواجبة : « لبيك اللهم لبيك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك (٥) لا شريك لك لبيك » لا ينعقد إلا بها أو بما حكمه حكمها من إيماء الأخرس. وتقليد القارن هديه وإشعاره.

ومن السنة في الإحرام النظافة بقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبطين وحلق العانة والغسل ، والصلاة كما قدمناه ، وعقده عقيب فريضة أفضلها الظهر والدعاء عقيب صلاته ، وذكر الوجه الذي يحج عليه في الدعاء ان كان التمتع أو غيره والاشتراط فيه ، وإضافة التلبيات المندوبة إلى الواجبة ورفع الصوت بها ، وذكر

__________________

(١) في « م » : ولبس ثوبه.

(٢) في « م » : يتزر.

(٣) اتشح بثوبه وهو أن يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه إلى منكبه الأيسر ، كما يفعله المحرم. المصباح.

(٤) في « ا » : « رفعه » بدل « دفعه ».

(٥) في « م » : « لبيك اللهم لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لبيك » وفي كيفية التلبيات الأربع بين الأصحاب اختلاف ، لاحظ الحدائق ١٥ ـ ٥٤.


جهة الحج فيها إن كانت متعة أو غيرها ، وكذا إن كان نيابة ذكر المحجوج عنه فيها وتكرارها أعقاب الصلوات ، وعند الانتباه من النوم وبالأسحار ، وكلما علا نجدا أو هبط غورا أو رأى راكبا أو أشرف على منزل.

وكون الملبي على طهارة من تمام فضلها ولا يقطعها المتمتع حتى يشاهد بيوت مكة والقارن والمفرد حتى تزول الشمس من يوم عرفة.

وإذا انعقد الإحرام وجب على المحرم اجتناب الصيد أكلا وإطعاما وبيعا وشراء وإمساكا وأخذا وذبحا وطبخا ورميا وحذفا وإشارة ودلالة ، والنساء وما يتعلق بهن من جماع واستمناء وتقبيل وملامسة ونظر بشهوة وعقد نكاح على الإطلاق لنفسه أو لغيره وشهادة به ، والأطياب الخمسة : المسك والعنبر والعود والزعفران والكافور استعمالا وادهانا (١) وما يتبعهما ، ولبس المخيط وتغطية الرأس وتظليل المحمل وستر ظاهر القدم إلا لضرورة ، وستر المرأة وجهها ولبسها القفازين (٢) والمشي تحت الظلال سائرا لا الجلوس تحته نازلا ، وتختم الزينة ، وإزالة ما يرجع إلى الرأس والبدن من شعر أو دم أو لحم أو جلد أو ظفر أو قمل أو غيره ، وحك الجسد حتى يدمي وشد الأنف من رائحة كريهة ، وحمل السلاح وإشهاره لا لحاجة إليه ، وقيل لا مدافعة (٣) والارتماس في الماء وقطع ما ليس في ملكه من شجر الحرم ، وجز ما عدا الإذخر (٤) من حشيشه ، وقتل شي‌ء من الزنابير والجراد

__________________

(١) في « ا » : استعمالها وادهانا.

(٢) القفاز : مثل التفاح : شي‌ء تتخذه نساء الأعراب ، ويحشى بقطن يغطي كفي المرأة وأصابعها. المصباح.

(٣) هكذا في « ج » و « س » ولكن في « م » : وقتل الأسد للمدافعة وفي « أ » : وقتل الأسد لا مدافعة.

(٤) الإذخر ـ بكسر الهمزة والخاء ـ : نبات معروف زكي الريح. المصباح.


اختيارا ، أو إخراج شي‌ء من حمام الحرم منه وغلق باب على شي‌ء منه حتى يهلك ، والجدال وهو قول : لا والله ، وبلى والله ، صادقا وكاذبا ، والفسوق وهو الكذب على الله تعالى أو على أحد حججه ـ عليهم‌السلام ـ.

وما يلزم على ذلك من الكفارات منه ما يستوي فيه العامد والناسي وهو العبد فالحر البالغ العاقل المحرم إذا قتل ما له مثل من الصيد أو ذبحه فعليه فداؤه بمثله من النعم إذا كان في الحل ، وفي الحرم عليه الفداء مضاعفا أو القيمة معه ، والعبد كفارته على سيده ، وكذا من ليس بكامل العقل كفارته على وليه المدخل له في الإحرام ، فإن كرر ذلك ناسيا تكررت الكفارة عليه. وقيل : هذا حكمه إن كرر متعمدا. وقيل : إن تعمد التكرار يكون ممن ينتقم الله منه (١).

ففي النعامة بدنة إن وجدها وإلا فقيمتها ، وفي الحمار الوحشي بقرة وكذا في البقرة الوحشية مع الوجدان وإلا فالقيمة. وفي الظبي وما في حكمه من الصيود شاة لمن وجدها وإلا فقيمتها أو عدلها صياما ، وقد بيناه ، وكذا في الثعلب والأرنب وفي الضب وشبهه حمل (٢) ، وكذا في اليربوع والقنفذ. والأرش في كسر أحد قرني الغزال ، ربع قيمته ، وفي كسر هما معا نصفها ، وفي إتلاف إحدى عينيه نصف قيمته ، وفيهما جميعا جميعها وكذا حكم يديه ، ومثله حكم رجليه ، وفي تنفير كل حمامة من حمام الحرم فلا ترجع أو إخراجها أو ذبحها ، شاة ، وفي فرخها حمل ، وفي كل بيضة لها درهم ، وفي حمامة الحل درهم ونصفه في فرخها وربعه في كل بيضة من بيضها ، وفي كل بيضة نعامة فقيل إن كان الفرخ فيها متحركا وإن لم يكن كذلك (٣)

__________________

(١) في « أ » : يكون ممن ينتقم منه.

(٢) في « ا » : جمل. والصحيح ما في المتن. والحمل بفتحتين : ولد الضائنة في السنة الأولى. المصباح.

(٣) في « ا » : فإن لم يكن كذلك.


فإرسال الفحول من الإبل على إناثها بعدد البيض ويكون نتاجها هديا إن كان لمن لزمه ذلك إبل وإلا فعن كل بيضة شاة وإلا فالصيام المذكور.

وفي بيض الدجاج أو الحجل (١) إرسال فحولة الغنم (٢) في إناثها على العدد فما نتج كان هديا.

وفيما لا مثل له كالعصفور وشبهه إما قيمته أو عدلها صياما ، وفي قتل الأسد ابتداء كبش ، وفي الزنبور أو الجرادة كف من طعام وفيما زاد على ذلك مد وفي كثيره دم شاة.

وإذا رمى المحرم صيدا فأصابه وفاته بغيبته عنه لزمه فداؤه فإن شاهده بعد ذلك كسيرا لزمه ما بين قيمته في حالي صحته وكسره ، والمشارك في ذلك كالمستبد به والدال كالقاتل إذا قتل ما دل عليه ، ولا بأس بصيد البحر ولا بالدجاج الحبشي.

ومنه ما لا يلزم فيه كفارة إلا مع العمد دون السهو وهو إما مفسد للحج فالجماع في الفرج في إحرام العمرة وكذا في إحرام الحج قبل الوقوف بعرفة وكذا بعد وقوفها قبل الوقوف بالمشعر ويلزم إفساد الحج وإن كان فاسدا أو إعادته قابلاً وكفارة بدنة وهي كفارة الوطئ في الدبر ، وإتيان العبد أو البهيمة (٣) وهل يفسد ذلك ويوجب الإعادة إذا كان قبل الموقفين أو أحدهما أم لا؟ فيه تردد.

وإما غير مفسد فالبدنة أيضا كفارة من أمنى بتقبيل الزوجة أو مباشرتها

__________________

(١) الحجل : طائر في حجم الحمام أحمر المنقار والرجلين. المنجد.

(٢) في « ا » : إرساله فحولة الغنم. وفي « م » : وإرسال فحول الغنم.

(٣) في « س » : وإتيان العبد والبهيمة.


بشهوة أو بالنظر إلى غير أهله مع قدرته وإيساره ومع إعساره بقرة فإن عجز عنها فشاة ، فإن لم يجدها فصيام ثلاثة أيام ، وهي أيضا كفارة الوطء بعد وقوف المشعر قبل الإحلال وكفارة عاقد النكاح لغيره إذا كانا محرمين ودخول المعقود له بالمعقود عليها وتحرم عليه أبدا (١) ويفرق بين الرجل وزوجته أو أمته إذا جنى جناية تفسد الحج من موضعها ولا يجتمع بها إلا وبينهما ثالث إلى أن يحجا من قابل ويبلغ الهدي محله ، وكلما تكرر تعمد الوطء تكررت كفارته إن تقدم التكفير عن الأول أولا أو كان (٢) إيقاعه متفرقا أو في مجلس واحد.

والشاة كفارة استعمال شي‌ء من أجناس الطيب المحرم بشم أو أكل أو غير هما أو أكل شي‌ء من الصيد أو بيضة أو تظليل (٣) المحمل أو تغطية رأس الرجل أو وجه المرأة لا عن عذر (٤) عن كل يوم دم ومع العذر الضروري عن جميع الأيام دم ، وهي كفارة لبس المخيط مجموعا جملة لا متفرقا ، فأما إن فرق فعن كل صنف منه دم ، ولا ينزعه إذا اختار ذلك من جهة رأسه بل من قبل رجليه ، وهكذا تقليم أظفار اليدين والرجلين جميعا فإن تفرق تقليمهما في مجلسين ففيهما دمان وفي قص الظفر الواحد مد من طعام وكذا إلى أن يأتي على الجميع فيلزم ما بيناه ، وجدال الصادق ثلاثا فيه ذلك وهو أيضا في جداله مرة كاذبا ، وبقرة في المرتين ، وبدنة في الثلاث فصاعدا وهي كفارة حلق الرأس أو إطعام ستة مساكين أو الصيام ، وكفارة قص الشارب أو نتف الإبطين أو حلق العانة وفي أحد الإبطين

__________________

(١) في « س » : ودخل المعقود له بالمعقود عليها ومحرم عليه أبدا.

(٢) في « ج » و « س » : وكان.

(٣) هكذا في « س » ولكن في غيرها : « التضليل » وهو تصحيف.

(٤) في « م » : إلا عن عذر.


ثلاثة مساكين وكف من طعام لإسقاط ما يمر من شعر الرأس أو اللحية (١) في غير طهارة ، ونتف ريشة طائر ولقتل القمل أو إزالته (٢) أو إدماء الجسد بحكه مد من الطعام.

والشاة لقطع الصغيرة من شجر الحرم المعين ذكره. جثة (٣) من أصلها ، وللكبيرة بقرة ، ولجز الحشيش الموصوف منه أو قم بعض الشجرة صدقة ، أعلاها شاة وأدناها مد من طعام وما عدا ما ذكرناه فيه الإثم ، ويستمر المحرم على ما هو عليه حتى يصل مكة فيدخلها من أعلاها مغتسلا ذاكرا وحينئذ يجب عليه الطواف لأنه ركن تعمد تركه مبطل الحج ، وموجب إعادته ، ومع الاضطرار أو النسيان يقضي بعد الفراغ من المناسك ويمتد للمتمتع من حين دخول مكة إلى زوال الشمس من يوم التروية ويتضيق إلى أن يبقى من التاسع ما يدرك فيه عرفة آخر وقتها ، وللقارن والمفرد من حين دخولهما إلى بعد الموقفين فتقديمه عليهما وتأخيره عنهما جائز لهما.

ومن مقدمات سننه : الغسل والدعاء على باب بني شيبة والدخول منه بوقار وذكر الدعاء عند معاينة الكعبة وعند الحجر وتقبيله واستلامه. ومن فروضه الطهارة من الأحداث والأنجاس وستر العورة.

وابتداؤه بالنية على شروطها قبالة الحجر وجعلها على يسار الطائف والمقام على يمينه طائفا بينهما خارج الحجر يجوز عدده سبعة أشواط ، فإن زاد عامدا أو نقص بطل طوافه ، وناسيا يسقط الزائد ، ويتم الناقص ، ويبطل بشكه في جملته

__________________

(١) في « ج » : واللحية.

(٢) في « س » : وإزالته.

(٣) الجث : القطع.


لا يحرز منه شيئا (١) وفي شكه بين ستة أو سبعة ، ويبني على الأقل إذا شك فيما دون ذلك وقطعه مختارا لا لصلاة فريضة حاضرة يبطله ، وكذا قطعه لضرورة ولم يكن أتى على أكثره ، ولا يلزم استئنافه بالشك بين سبعة وثمانية ، ولو ذكر في أثناء الثامن لقطعه ولم يلزمه شي‌ء فإن لم يذكر حتى أتمه صلى للأول ركعتين وأضاف إلى الشوط الزائد ستة ليصير له طواف آخر.

ومن سننه المقارنة له ، تقبيل الحجر واستلامه في كل شوط واستلام الأركان وتقبيلها وخاصة الركن اليماني ، والدعاء عند كل ركن وعند الباب والميزاب (٢) وقراءة ( إِنّا أَنْزَلْناهُ ) والتزام الملتزم ووضع الجبين والصدر والذراعين وتمريغ الخدين على المستجار (٣) في سابع شوط ، والتضرع وطلب التوبة وذكر ما ورد من الدعاء في كل موضع يختص به ، والتعلق بالأستار والخشية ، والاستغفار.

وإذا فرغ منه صلى عند مقام إبراهيم الخليل ـ عليه‌السلام ـ ركعتين يقرأ سورة الإخلاص في الأولى منهما وفي الثانية سورة الجحد بعد الحمد وكذا لكل طواف يطوفه فرضا أو سنة وبعد صلاته يأتي زمزم استحبابا يغتسل بشي‌ء من مائها أو يصيب على بعض جسده ويشرب منه راعيا بماء ندب مستقيما من الدلو المقابل للحجر خارج بعد ذلك إلى السعي من الباب المقابل له.

والسعي بعد فراغه من الطواف ركن يبطل بتعمد تركه الحج وحكم الاضطرار والنسيان فيه حكمه في الطواف ، وأول وقته بعد الفراغ منه ويمتد بإمداد

__________________

(١) في « س » : لا يجز منه شيئا.

(٢) في « س » : عند الباب في الميزاب.

(٣) المستجار من البيت الحرام هو الحائط المقابل للباب دون الركن اليماني بقليل. مجمع البحرين.


وقته ، وحكم كل منهما في الزيادة والنقصان والسهو والشك ، حكم الآخر سواء.

ومن سننه الطهارة ، وصعود أعلا الصفا والذكر المأثور والدعاء المرسوم مستقبلا به الكعبة ماشيا لا راكبا في جميعه وفروضه ابتداؤه بنيته من أسفل الدرج مبتدئ بالصفا مختتما بالمروة ساعيا بينهما سبعة أشواط محرزا عددها.

وسننه المقارنة المشي من الصفا بدعاء وخشوع إلى حد الميل والهرولة منه بتقديس (١) ودعاء إلى الميل الآخر ثم المشي إلى المروة على ما وصفناه من الدعاء هكذا في كل شوط.

ويتحرى في كل موضع ما يخصه من الدعاء ويقرأ ( إِنّا أَنْزَلْناهُ ) ولو وقف من إعياء أو جلس لا بين الصفا والمروة بل على كل واحد منهما لم يكن به بأس وكذا لو سعى راكبا ، فإن كان متمتعا وجب عليه عند فراغه منه التقصير ، وخير مواضعه المروة يقص بنيته شيئا من أظفاره أو أطراف شعر رأسه أو لحيته داعيا ذاكرا وقد أحل من كل شي‌ء أحرم منه إلا الصيد لكونه في الحرم ، والأفضل التشبه بالمحرمين إلى أن يحرم بالحج ولو لبى به قبل أن يقصر متعمدا لبطلت متعته وصارت حجته مفردة ، ولو فعل ذلك ناسيا لم تبطل بل يلزمه دم شاة.

وإحرام الحج ركن مفروض يبطل بتعمد تركه الحج لا بنسيانه (٢) أو السهو عنه وخير وقته بعد الزوال من يوم التروية ، وأشرف مواضعه في المسجد عند المقام أو تحت الميزاب ، وإن كان عقده في أي موضع كان من مكة جائزا ، ويتقدمه من التنظيف والغسل والصلاة والدعاء المختص بذكره وتعيينه وعقده عقيب فريضة

__________________

(١) في « س » : بنقل يسير.

(٢) في « ج » : إلا بنسيانه.


ما يتقدم إحرام العمرة ، ويجب فيه من لبس ثوبيه وتعيين نيته لعقده بها (١) وبالتلبيات الأربع المذكورة ومن مقارنة النية واستدامة حكمها ما يجب في ذلك وكذا في كل ما يجب اجتنابه من المحرمات المذكورة عليه ، ولا يرفع فيه صوته بالتلبية إلى أن يخرج من مكة مشرفا على الأبطح فحينئذ يرفع صوته بها (٢) جامعا بين الواجبة والمندوبة منها حتى يأتي منى فيدعو بما يخصها ، ويبيت بها ليلة عرفة ويفيض منها بعد صلاة الفجر إلى عرفات ، وإن كان إماما فبعد طلوع الشمس ويدعو عند إفاضته منها بدعائها ويلبي ويقرأ ( إِنّا أَنْزَلْناهُ ) حتى يأتي عرفات فيضرب خباه (٣) بنمرة وهي بطن عرفة ، ويجب الوقوف بها لأنه ركن حكمه حكم باقي الأركان ، ويزيد عليها بأن فواته اضطرارا ولا يحصل الوقوف بالمشعر اختيارا يبطل معه الحج ، وأول وقته من بعد زوال الشمس في اليوم التاسع وآخره للمختار وللمضطر ساعة من ليل العاشر.

والمعتبر في وجوبه أن لا يكون في الجبل مع الاختيار ولا في نمرة ولا ثوية ولا ذي المجاز ولا تحت الأراك وأفضل محالة في ميسرة الجبل ويتأكد الغسل له ، فإذا زالت الشمس قطع التلبية وأتى موضع الوقوف وعقد بنية الواجبة بمعتبراتها مستديما حكمها إلى الغروب ولو أفاض قبل ذلك مع العمد والعلم بأنه لا يجوز وجب عليه بدنة. ومن أكيد السنن قطع مدة الوقوف بالتكبير والتحميد والتهليل والتسبيح والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والدعاء الموظف كذلك بحيث لا يشتغل وقته ولا يقطعه بغير ذلك.

__________________

(١) في « ا » : لعقده بهما.

(٢) في « أ » و « م » : يرفع بها صوته.

(٣) الخباء : ما يعمل من وبر أو صوف أو شعر للسكن. المنجد.


وينبغي أن يكون مشتري (١) الهدي من عرفات ليساق إلى منى ويدعو عند الغروب بدعاء الوداع ويفيض إلى المشعر ذاكرا بحيث لا يصلي العشائين إلا به جامعا بينهما بأذان وإقامتين وكذا في صلاة الظهرين يوم عرفة ويبيت به متهجدا داعيا إلى ابتداء طلوع الفجر فإن ذلك أول وقت الوقوف به.

وحكمه في الوجوب والركنية حكم الوقوف بعرفة ، ويمتد للمختار إلى ابتداء طلوع الشمس وللمضطر الليل كله ، ففواته اختيارا لا حج معه واضطرارا إذا لم يكن حصل وقوف عرفة اختيارا كذلك.

ومن شرط صحته نيته بما يتبعها من مقارنة واستدامة والذكر بأقل ما يسمى المرء ذاكرا.

وأن لا يكون مع الاختيار في الجبل ، ومن أكيد سننه ما أمكن مما ذكرناه (٢) أنه يستحب يوم عرفة من الأذكار والدعاء الموظف له وقطع زمان الوقوف بذلك ، فإذا ابتدأ طلوع الشمس وجب الإفاضة منه إلى منى ، وينبغي قطع وادي محسر (٣) بالهرولة للراجل وتحريك دابة الراكب به ، فإذا أتى منى يوم العيد لزمه فيها ثلاثة مناسك : رمي جمرة العقبة بسبع حصيات وأفضل الحصى ما التقط من المشعر على قدر رأس الأنملة ويجوز من جميع الحرم عدا المسجد الحرام ومسجد الخيف ، والحصى الذي يرمى به يكره مكسرة وسودة ، وأجوده البيض والحمر والبرش وجملته

__________________

(١) في « م » : يشتري.

(٢) في « ج » و « س » و « أ » : ممن ذكرنا.

(٣) وهو بين منى ومزدلفة ، سمي بذلك لأن فيل أبرهة كل فيه وأعيى فخسر أصحابه بفعله وأوقعهم في الحسرات ، المصباح.


سبعون حصاة ، فإذا أراد الرمي أتى الجمرة القصوى (١) وهي العقبة واستقبلها من أسفل مستدبر الكعبة (٢) ونوى مقارنا بآخر نيته الرمي حذفا واحدة بعد أخرى وكبر مع كل حصاة داعيا بما ينبغي هناك.

والذبح وهو بعد الرمي وهو إما فرض فهدي النذر أو لكفارة أو التمتع أو القران بعد التقليد أو الإشعار ، أو سنة وهو الأضحية وهدي القارن قبل أن يقلد أو يشعر فتقليده تعليق نعل أو فراد عليه.

وإشعاره شق سنامه من الجانب الأيمن بحديدة حتى يسيل دمه (٣) وهو سنة لكل سائق هدي فهدي النذر مضمون وهو بحسب ما نذر إن كان معينا بصفة مخصوصة لم يجز غيره ، وإن لم يعين بل كان مطلقا فمن الإبل أو البقر أو الغنم خاصة وهدي الكفارات بحسبها ويساق ما وجب (٤) منها بجناية عن قتل صيد من حيث حصلت إلى أن يبلغ محله ولا يلزم ذلك في غير الصيد.

وينحر أو يذبح ما وجب منها في إحرام المتعة أو العمرة المفردة بمكة قبالة الكعبة بالحزورة وما وجب في إحرام الحج بمنى وهدي التمتع (٥) أعلاه بدنة وأدناه شاة ومحل نحره أو ذبحه بمنى.

ويؤكل منه ومن هدي القران دون النذر والكفارات ، فإن كان من الإبل فلا يجزي إلا الثني وهو الداخل في سادس سنة ، وكذا من البقر والمعز إلا أنه منهما ما

__________________

(١) في « ج » و « أ » : الجمرة القصيا.

(٢) في « ج » و « س » : مستدبر القبلة.

(٣) في « س » : دم.

(٤) في « س » : وشأن ما وجب. وفي « أ » : ولشاق ما وجب.

(٥) في « س » : وهدي المتمتع.


استكمل سنة ودخل في الثانية ، ومن الضأن يجزي الجذع وهو ما لم يدخل في السنة الثانية ، وشرطه أن يكون تام الخلقة سالما من جميع العيوب سمينا ، وأفضل ما تولاه مهدية بنفسه ، فإن لم يتمكن نوى ويده في يد الجزار (١) ولا يعطيه شيئا من لحمه أو جلاله (٢) أجرة فيجوز صدقة ويسمي عند ذلك ، ويتوجه بآية إبراهيم ويدعو ويقسم اللحم أثلاثا لأكله وهديته وصدقته ، وأيام النحر بمنى أربعة : النحر والثلاثة التي تليه وفي باقي الأمصار ثلاثة ، فإن لم يجد الهدي خلف ثمنه عند ثقة يذبحه عنه قابلاً ، فإن تعذر عليه ذلك لفقر أو إعسار صام عنه ما قدمناه والاشتراك في الهدي الواجب اختيارا لا يجوز ، بل اضطرارا ، وفي الأضاحي يجوز على كل حال.

والحلق بعد الذبح وهو نسك فإذا أراده استقبل الكعبة ونوى بعد أمر الحلاق بالبداية من جانب الناصية الأيمن ويدعو بما ورد لذلك ويجمع شعره ، فيدفنه بمنى موضع رجله ، وقيل : يجزي التقصير بدلا عن الحلق ، ويجب عليه دخول مكة من يومه للطواف والسعي ويمتد وقت ذلك إلى آخر أيام التشريق وقيل : إلى آخر ذي الحجة. ويعتمد عند دخولها من الغسل وغيره ما اعتمده أولا ويطوف طواف الحج ويصلي ركعتيه (٣) ويسعى بين الصفا والمروة سعيه كطوافه ، وسعيه أولا ولا امتياز إلا بالنية ، فإنه يعين كل ركن (٤) أو غيره بنيته.

وطواف الزيارة وسعيها وهما ما أشرنا إليه كل منهما ركن يفسد الحج

__________________

(١) جزرت الجزور : نحرتها ، والفاعل جزار.

(٢) جل الدابة كثوب الإنسان يلبسه يقيه البرد ، والجمع جلال وإجلال. المصباح.

(٣) في « س » : ركعتين.

(٤) في « م » : « كل ركعة » بدل « كل ركن ».


بالإخلال به ، ويطوف بعد السعي طواف النساء للتحلة وليس بركن وحكم النساء والخصي في وجوبه حكم الرجال ، ويصلي بعده ركعتيه ، وقد أحل من كل ما أحرم منه ولا يبيت ليالي أيام التشريق إلا بمنى ، فإن بات بغيرها لا للطواف ولا لضرورة محوجة من مرض أو خوف حادث يحدث بالنساء من حيض وغيره ، ليلة لزمه دم وليلتان دمان ، وثالث ليلة لا يلزمه شي‌ء إن نفر في اليوم الثاني من أيام التشريق وهو النفر الأول ولم يقم بمنى إلى غروب الشمس ، فإن أقام وجب عليه مبيتها فإن لم يبت مختارا وجب عليه دم ثالث.

ووقت الرمي في جميع أيام أول النهار ويمتد إلى قبل غروب الشمس (١) فإن أغربت ولم يرم ، قضاه في صدر اليوم المستقبل وإذا فاته جملة الرمي قضاه قابلاً أو استناب من يقضيه عنه. والترتيب واجب فيه البداءة بالعظمى ثم الوسطى ثم العقبة ومخالفته توجب استئنافه ويرمي كل يوم من الأيام الثلاثة الجمرات الثلاث بإحدى وعشرين حصاة كل جمرة منها سبع والنية معتبرة فيه ، ومن فضله رميه حذفا والتكبير مع كل حصاة ، والذكر المخصوص به واستقبال الكعبة في رمي العظمى والوسطى والوقوف بعد الرمي عند كل واحدة منهما (٢) قليلا دون الثالثة ، ومن أصحابنا من ذهب إلى أنه سنة لا فرض (٣) والنفر في الآخر أفضل منه في الأول (٤) ولا ينبغي لمن أصاب النساء أو تعدى بصيد أو غير هما مما يوجب الكفارة

__________________

(١) في « س » و « أ » : إلى قبيل غروب الشمس.

(٢) في « أ » و « م » : منها.

(٣) قال العلامة في المختلف ١ ـ ١٣٢ : « ذهب الشيخ في الجمل إلى أن الرمي مسنون وكذا قال ابن البراج والمشهور الوجوب ».

(٤) في « س » : والنفر الآخر أفضل منه في الأولى.


أن ينفر إلا في الأخير ولا لمن أراد النفر أولا أن ينفر إلا بعد الزوال فأما إذا نفر أخيرا فلا بأس به في صدر النهار متى أراد. وإذا نفر في الأول دفن حصى اليوم الثالث بمنى ، ومن تمام الفضيلة إتيان مسجد الخيف وزيارته والصلاة عند المنارة التي في ، وسطه والذكر والدعاء فيه ، وتوديع منى والالتفات إليها عند النفر منها ، والسؤال أن لا يكون آخر العهد بها ، ودخول مسجد الحصباء والصلاة فيه والدعاء والاستلقاء للاستراحة على الظهر ، فإذا رجع إلى مكة فليكثر من الطواف المندوب فإنه ثوابه عظيم.

ويزور الكعبة على غسل إن كان صرورة (١) ويصلي في زواياها وعلى الرخامة (٢) الحمراء ويجتهد فيها بالدعاء ويودع البيت بالطواف ويدعو بعده بدعاء الوداع ، ويصلي عند المقام ويشرب من ماء زمزم ويصب على بعض أعضائه ويمشي إذا خرج من المسجد بعد وداعه القهقرى مستقبلا بوجهه الكعبة داعيا طالبا أن لا يجعل آخر العهد.

والقارن أو المفرد بعد إحلاله يقضي جميع المناسك يبرز إلى أحد المساجد المعدة للعمرة فيحرم بعمرة مفردة ويأتي مكة يطوف طواف العمرة المفردة (٣) ويسعى سعيها ويطوف بها طواف النساء ويقصر وقد أحل.

والعمرة المبتولة سنة وأفضل أوقاتها رجب ، ويجوز في كل شهر وأحكامها ذكرناها في المفردة ولا يحتاج إلى نقلها لتمتعه بها أولا ، وإنما هي مستحبة له بعد

__________________

(١) الصرورة ـ بالفتح ـ : الذي لم يحج : سمي بذلك لصره على نفقته لأنه لم يخرجها في الحج. المصباح.

(٢) الرخام : حجر معروف ، الواحدة رخامة. المصباح.

(٣) في « س » : يطوف لطواف العمرة المفردة.


استيفائه مناسك عمرته وحجه.

والمصدود بعدو يبعث هديه إن تمكن وإلا ذبحه عند بلوغ محله وفرقه إن وجد مستحقا وإلا تركه مكتوبا عليه وأحل من كل ما أحرم منه ، وأعاد من قابل إن كان حجة فرضا ، والمحصور بمرض يرسل أيضا هديه إلى أن يبلغ محله وهو يوم النحر يحل من كل ما أحرم منه إلا النساء حتى يطوف طوافهن قابلاً أو يطاف عنه فإن لم يقدر كل واحد منهما على إنفاذ هديه وعجز عن ثمنه بقي على إحرامه إلى قابل حتى يحج أو يحج عنه.

والمحرم إذا فاته الحج بقي على إحرامه إلى انقضاء أيام التشريق فيطوف ويسعى ويجعل حجته مفردة ويتحلل مما (١) أحرم منه.

فجملة أركان الحج تسعة : النية في كل واجب ركنا كان أو غير ركن ، وإحراما العمرة والحج وطوافهما وسعياهما ، والموقفان عرفة والمشعر وما عداها من الواجبات ليست بأركان ، وجميع المناسك الواجبة والمندوبة (٢) تصح بغير طهارة إلا الطواف خاصة وكلها تستقبل بها الكعبة إما واجبا كالصلاة وما في حكمها ، أو ندبا كباقيها إلا رمي جمرة العقبة كما أومأنا إليه.

وكل طواف واجب له سعي إلا طواف النساء ، فإنه لا سعي له وتصح جميع المناسك من الحائض والنفساء إلا الطواف فإنها متى طهرت تقضيه ، وقيل : يقضى عنها نيابة ، وقيل : تجعل حجتها مفردة ، وتعتمر بعدها (٣).

__________________

(١) في « أ » و « م » : ويتحلل ما.

(٢) في « س » : وجميع المناسك واجبة.

(٣) لاحظ الحدائق الناضرة ١٤ ـ ٣٤٠.


وهل يصح الاستيجار عن الميت من الميقات مع القدرة على ذلك من بلده أم لا؟ فيه خلاف.

ومن تمام فضيلة الحج (١) قصد المدينة لزيارة الرسول وأهل بيته صلوات الله عليهم وسلامه.

__________________

(١) في « أ » : ومن تمام أفضلية الحج.


وأما الكلام في الجهاد

فهو فرض على الكفاية ، وشرائط وجوبه : والحرية والذكورة والبلوغ وكمال العقل والقدرة عليه بالصحة والآفات المانعة منه والاستطاعة له بالخلو من العجز عنه والتمكن منه وما لا يتم كونه جهاد إلا به من ظهر وآلة وكلفة ونفقة وغير ذلك مع أمر الإمام الأصل به أو من نصبه وجرى مجراه أو ما حكمه حكم ذلك من حصول الخوف الطارئ على كلمة الإسلام (١) أو المفضي إلى احتياج الأنفس أو الأموال فتكاملها يجب وبارتفاعها أو الإخلال بشرط منها يسقط ، فكل من أظهر الكفر أو خالف الإسلام من سائر فرق الكفار يجب مع تكامل ما ذكرناه من الشروط جهادهم ، وكذا حكم من مرق عن طاعة الإمام العادل أو حاربه أو بغى عليه أو أشهر سلاحا في حضر أو سفر أو بر أو بحر أو تخطى إلى نهب مال مسلم أو ذمي. وينبغي قبل وقوع الابتداء به تقديم الاعذار والانذار والتخويف والإرهاب ، والاجتهاد في الدعاء إلى اتباع الحق والدخول فيه ، والتحذير من الإصرار على مخالفته والخروج عنه ، والإمساك مع ذلك عن الحرب حتى يكون العدو هو البادئ بها ، والمسارع إليها ، ليحق عليه بها الحجة ، ويستوجب خذلان الباغي.

وأولى ما قصد إليها بعد الزوال وأداء الصلاتين ، ويقدم الاستخارة عند العزم عليها ، ويرغب في النصر إلى الله سبحانه ، ويعبى‌ء أميرها الصفوف ، ويجعل كل قوم من المحاربين تحت راية أشجعهم وأقواهم مراسا وأبصرهم بها ، مع

__________________

(١) في « ا » : كلمة الإخلاص.


تمييز هم بشعار يتعارفون به ، وتأكيد وصيتهم بتقوى الله وإخلاص الجهاد له والثبات ، ورغبة في ثوابه ورهبة من عقابه ، وتوقي الفرار لما فيه من عاجل العار وآجل النار ، ويأمر بالحملة بعضا ويبقى في بعض آخر ليكون عزما لهم وفيه لمن يتحير إليه منهم ، فإن ترجح العدو وإلا أردف أصحابه ببعض بمن معه وتقدم بهم رجاء زوال صفوفهم عن مواضعها ليحمل عليهم بنفسه وجيشه جملة واحدة ، والمبارزة بغير إذنه لا تجوز ، ولا فرار الواحد من واحد واثنين بل من ثلاثة وما زاد ، وكلما يرجى به الفتح يجوز قتال الأعداء به إلا إلقاء السم في ديارهم ومن يرى من الكفار حرمة الأشهر الحرم إذا لم يبدأ بالقتال ، لا يقاتل فيها ، ومن عدا أهل الكتاب من جميع من يجب جهاده لا يكف عن قتالهم إلا بالرجوع إلى الحق وهؤلاء ، وهم اليهودي والنصارى والمجوس ، يجب الكف عنهم إذا قبلوا الجزية والتزموا بشروطها التي من جملتها : أن لا يتظاهروا بكفرهم ، ولا يعينوا على مسلم ، ولا يرفعوا عليه صوتا ولا كلمة ، ولا يتجاهروا بسببه ولا أذيته ولا باستعمال المحرمات في الملة الإسلامية ، ولا يجددوا كنيسة ، ولا يقيموا ما دثر منها ، ولا يظهروا شعار باطل كصليب وغيره ، فمتى وفوا بذلك لزم الدفع عنهم وإن لا يمكن منهم ، وإلا كانوا مغنما لأهل الإسلام دما ومالا وأهلا وذرية.

وتوضع الجزية على رءوسهم وأراضيهم بحسب ما يراه الإمام وتصرف إلى أهل الجهاد ولا تؤخذ من النساء ، ولا من غير بالغ كامل العقل ، ولا من غير ما ذكرناه من الفرق الثلاث ، وإذا حال الحول على الذمي ولم يؤدها (١) فأسلم أسقطها عنه إسلامه.

__________________

(١) في « أ » : ولم يردها.


ويقاتل الحربيون مقبلين ومدبرين بحيث يتبع مدبرهم ويقتل منهزمهم وأسيرهم ويجاز على جريحهم ، سواء كانوا كفارا ملة أو ردة ، لهم فئة إليها مرجعهم ولا يفعل ببغاة أهل الردة ذلك إذا لم يكن لهم ملة (١) بل يقتصر على قتالهم من غير اتباع ولا إجهاز ولا قتل أسير ، فأما من أظهر الارتداد وإن لم يدخل في حكم البغاة فإنه إن كان في الأصل كافرا فأسلم ثم ارتد بعد إظهاره الإسلام يستتاب ثلاثا ، فإن تاب وإلا قتل ، وإن كان مسلما لا عن شرك بل ممن ولد على الفطرة ونشأ على إظهار كلمة الإسلام ، ثم أظهر الارتداد بتحليله مما حرم الشرع أو تحريمه ما حلله ، فإنه يقتل من غير استتابة.

والمفسدون في الأرض كقطاع الطريق والواثبين على نهب الأموال يقتلون إن قتلوا ، فإن زادوا على القتل بأخذ الأموال صلبوا بعد قتلهم ، ويقطعون من خلاف إذا تفردوا (٢) بالأخذ دون القتل وإن لم يحدث منهم سوى الإخافة والإرجاف نفوا من بلد إلى بلد وأودعوا السجن إلى أن يتوبوا أو يموتوا.

ومن أسر قبل وضع ( الْحَرْبُ أَوْزارَها ) قتل لا محالة وبعدها يكون لولي الأمر حق الاختيار فيه (٣) إما بالقتل أو الاسترقاق أو المفاداة (٤).

ولا يغنم من محاربي البغاة إلا ما حواه الجيش من مال أو متاع وغير هما فيما يخص دار الحرب لا على جهة الغصب ، فأما من عداهم من الكفار والمحاربين فيغنم منهم ذلك وغيره من أهل وذرية ورباع وأرض.

__________________

(١) في « أ » : فئة.

(٢) في « أ » و « ج » : إن انفردوا.

(٣) في « أ » و « م » : حسن الاختيار فيه.

(٤) في « ا » : أو المعاداة.


وتقسم الغنيمة المنقولة بين المجاهدين ، سهمان للفارس ، وسهم للراجل بعد ابتداء سد الخلل اللازم سده في الإسلام وبعد اصطفاء ما للولي أن يصطفيه لنفسه من فرس وجارية ومملوك وآلات حرب وغيرها ، وبعد إخراج الخمس منها و

دفعه إلى مستحقيه ، ويسهم للمولود في دار الجهاد واللاحق للمعونة ، ولا فرق في ذلك بين غنائم البر والبحر ولا بين من معه فرس واحد أو جماعة في أن له بحساب ما معه منها ، وما لا يمكن نقله من العقارات والأرضين في‌ء لجميع المسلمين حاضرهم وغائبهم ومقاتلهم وغيره.

والأرض إما أن تكون مفتحة بالسيف عنوة فلا يصح التصرف فيها ببيع ولا هبة ولا غيرهما ، بل حكمها ما ذكرناه ، وإلى الإمام تقبيلها والحكم فيها بما شاء ويلزم المتقبل بعد أداء ما عليه من الحق القبالة الزكاة إذا بلغ ما بقي له النصاب.

وإما أن تكون خراجية بالصلح عليها ، فيصح التصرف فيها لأنها أرض الجزية المختصة بأهل الكتاب والمأخوذ منها كالمأخوذ من جزية الرؤوس يسقط بالإسلام ، ولا يجوز الجمع بين الأخذ على الجهتين بل متى أخذ من إحديهما سقط عن الأخرى ويسقط خراج هذه الأرض بانتقالها إلى المسلم بالبيع ، وتعود الجزية إلى رأس بائعها.

وإما أن تكون من الأنفال وهي كل أرض خربت أو باد أهلها أو سلموها بغير محاربة أو جلوا عنها أو ماتوا ولا وارث لهم بقرابة ولا عتق ، وقطائع الملوك وصوافيهم من غير جهة غصب وبطون الأودية والآجام ورءوس الجبال فكلها للإمام ـ عليه‌السلام ـ القائم مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تصرف فيها لأحد سواه.

وإما أن تكون أرضا أسلم أهلها وأجابوا إلى الحق طوعا فهي ملك لهم يتصرفون فيها كما يشاؤون.


[ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ] (١)

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كانا فرضين من فرائض الإسلام فهل هما على الكفاية أو التعيين؟ وهل يجبان عقلا أو سمعا؟ الأقوى وجوبهما على الأعيان سمعا إلا ما فيه دفع ضرر على النفس فإن التحرز منه بدفعه يعلم وجوبه بقضية العقل.

ولا بد من العلم بالمعروف وبالمنكر وتمييز كل واحد منهما عن الآخر ، وظهور أمارات استمرار ما يجب إنكاره مستقبلا وثبوت العلم أو الظن بتأثير الأمر والنهي وأن النكير لا يفضي بصاحبه إلى ضرر يدخل عليه ، في نفس أو مال ولا إلى تجدد مفسدة في دين أو دنيا ، فمع تكامل هذه الشروط وحصول الاستطاعة والمكنة يجب باليد واللسان والقلب فإن فقدت القدرة وتعذر الجمع فيه بين ذلك فباللسان والقلب خاصة ، وإن لم يمكن الجمع فيه بينهما لأحد الأسباب المانعة فلا بد منه باللسان الذي لا يسقط الإنكار به شي‌ء.

وكل ما يجب إنكاره لا يكون إلا قبيحا فلذلك لا يكون الإنكار إلا واجبا ، وما يؤمر به قد يكون واجبا إذا كان أمرا بواجب وقد يكون مندوبا إذا كان أمرا بندب (٢) وأي وجه أمكن الإنكار عليه لا يجوز الاقتصار على ما دونه والإخلال به

__________________

(١) ما بين المعقوفتين منا.

(٢) في « م » : إذا كان بمندوب.


جملة من أقبح القبائح لكونه إخلالا بواجب وإضاعة لأمر عظيم من أمور الدين.

وهذا ما قصدنا تحريره وضبطه من مهم الأركان المطلع بتحصيلها على ما يجب معرفته وفهمه من الحق الذي لا فسحة في الجهل به ولا عذر في إهمال اكتسابه وطلبه ونرجو من كرم الله سبحانه أن يجعل ما نحوناه وأثبتناه من ذلك خالصا لمرضاته وسبيلا إلى توفير المثوبة والأجر في جنانه وعونا لكل من استعان به على طاعاته.

إنه ولي من اعتصم به ولجأ إليه وكافي من توكل في جميع أموره عليه وبه توفيق نيل المستنيل وهو حسبي ونعم الوكيل.

والحمد لله رب العالمين

تم الكتاب بعون الله وتوفيقه



فهرس الكتاب


فهرس محتويات الكتاب

تقديم : للعلامة الأستاذ جعفر السبحاني........................................... ٣

العقيدة والشريعة : أو الفقه الأكبر والفقه الأصغر................................. ٣

ترجمة المؤلف................................................................. ٦

إلماع إلى كتاب إشارة السبق.................................................. ١٠

مقدمة الكتاب................................................................ ١٣

الكلام في ركن التوحيد........................................................ ١٤

الكلام في ركن العدل......................................................... ١٩

الكلام في الاحباط وبطلانه................................................... ٣٢

الكلام في بطلان التكفير..................................................... ٣٣

الكلام في سؤال القبر........................................................ ٣٦


الكلام في ركن النبوة.......................................................... ٣٩

الكلام في ركن الإمامة......................................................... ٤٥

الكلام في إمامة أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ....................................... ٥٠

الروايات الجلية التي لا تحتمل التأويل الناصة على إمامته.......................... ٥١

الروايات الخفية المحتملة للتأويل الناصة على إمامته............................... ٥٢

١ ـ نص يوم الغدير........................................................ ٥٢

٢ ـ نص غزاة تبوك........................................................ ٥٣

٣ ـ نص القضاء........................................................... ٥٤

٤ ـ نص المحبة............................................................. ٥٤

٥ ـ نص الفعال............................................................ ٥٥

الكلام في إمامة الأئمة الإحدى عشر بعد أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ................ ٥٨

الكلام في غيبة الإمام الحجة ـ عجل الله فرجه الشريف ـ...................... ٦٢

في التكليف الشرعي........................................................... ٦٦

غسل مس الميت............................................................. ٦٨

الكلام في غسل الميت........................................................ ٧٥

كتاب الصلاة................................................................. ٨٣

صلاة الخوف............................................................... ٩٥

صلاة الجماعة وشروطها...................................................... ٩٦

صلاة الجمعة وشروطها....................................................... ٩٧

صلاة النذور والعهد واليمين................................................ ١٠١


صلاة الطواف............................................................. ١٠٢

صلاة العيدين.............................................................. ١٠٢

صلاة الكسوف والآيات الخارقة............................................. ١٠٣

صلاة جنائز أهل الايمان ومن في حكمهم..................................... ١٠٤

نوافل ليالي شهر رمضان.................................................... ١٠٥

كتاب الزكاة................................................................ ١٠٩

زكاة الفطرة............................................................... ١١١

كتاب الخمس............................................................... ١١٤

كتاب الصوم............................................................... ١١٥

كتاب الحج................................................................. ١٢٣

الكلام في الجهاد............................................................. ١٤٢

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر............................................. ١٤٦

فهرس الكتاب.............................................................. ١٤٩

اشارة السبق

المؤلف:
الصفحات: 152