قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

البحر المحيط في التّفسير [ ج ٩ ]

498/582
*

وقيل : من اليهود والنصارى ، وهذه الأحقية هي في الدنيا. وقيل : أحق بها في علم الله تعالى. وقيل : (وَأَهْلَها) في الآخرة بالثواب. وقيل : الضمير في وكانوا عائد على كفار مكة لأنهم أهل حرم الله ، ومنهم رسوله لو لا ما سلبوا من التوفيق.

(وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) ، إشارة إلى علمه تعالى بالمؤمنين ورفع الكفار عنهم ، وإلى علمه بصلح الكفار في الحديبية ، إذ كان سببا لامتزاج العرب وإسلام كثير منهم ، وعلو كلمة الإسلام ؛ وكانوا عام الحديبية ألفا وأربعمائة ، وبعده بعامين ساروا إلى مكة بعشرة آلاف.

وقال أبو عبد الله الرازي : في هذه الآية لطائف معنوية ، وهو أنه تعالى أبان غاية البون بين الكافر والمؤمن. باين بين الفاعلين ، إذ فاعل جعل هو الكفار ، وفاعل أنزل هو الله تعالى ؛ وبين المفعولين ، إذ تلك حمية ، وهذه سكينة ؛ وبين الإضافتين ، أضاف الحمية إلى الجاهلية ، وأضاف السكينة إلى الله تعالى. وبين الفعل جعل وأنزل ؛ فالحمية مجعولة في الحال في العرض الذي لا يبقى ، والسكينة كالمحفوظة في خزانة الرحمة فأنزلها. والحمية قبيحة مذمومة في نفسها وازدادت قبحا بالإضافة إلى الجاهلية ، والسكينة حسنة في نفسها وازدادت حسنا بإضافتها إلى الله تعالى. والعطف في فأنزل بالفاء لا بالواو يدل على المقابلة ، تقول : أكرمني فأكرمته ، فدلت على المجازاة للمقابلة ، ولذلك جعل فأنزل. ولما كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الذي أجاب أولا إلى الصلح ، وكان المؤمنون عازمين على القتال ، وأن لا يرجعوا إلى أهلهم إلا بعد فتح مكة أو النحر في المنحر ، وأبوا إلا أن يكتبوا محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وباسم الله ، قال تعالى : (عَلى رَسُولِهِ). ولما سكن هو صلى‌الله‌عليه‌وسلم للصلح ، سكن المؤمنون ، فقال : (وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ). ولما كان المؤمنون عند الله تعالى ، ألزموا تلك الكلمة ، قال تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (١) ، وفيه تلخيص ، وهو كلام حسن. قوله عزوجل :

(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ

__________________

(١) سورة الحجرات : ٤٩ / ١٣.