قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

البحر المحيط في التّفسير [ ج ٨ ]

456/572
*

تقديره : عن صدقهم عهده. أو يكون (صِدْقِهِمْ) في معنى : تصديقهم ، ومفعوله محذوف ، أي عن تصديقهم الأنبياء ، لأن من قال للصادق صدقت ، كان صادقا في قوله. أو ليسأل الأنبياء الذي أجابتهم به أممهم ، حكاه علي بن عيسى ؛ أو ليسأل عن الوفاء بالميثاق الذي أخذه عليهم ، حكاه ابن شجرة ؛ أو ليسأل الأنبياء عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم ، قاله مجاهد ، وفي هذا تنبيه ، أي إذا كان الأنبياء يسألون ، فكيف بمن سواهم؟ وقال مجاهد أيضا : (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ) ، أراد المؤدين عن الرسل. انتهى. وسؤال الرسل تبكيت للكافرين بهم ، كما قال تعالى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) (١) ، وقال تعالى : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (٢). (وَأَعَدَّ) : معطوف على (أَخَذْنا) ، لأن المعنى : أن الله أكد على الأنبياء الدعاء إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين. (وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً) ، أو على ما دل عليه : (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ) ، كأنه قال : فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين ، قالهما الزمخشري. ويجوز أن يكون حذف من الأول ما أثيب به الصادقون ، وهم المؤمنون ، وذكرت العلة ؛ وحذف من الثاني العلة ، وذكر ما عوقبوا به. وكان التقدير : ليسأل الصادقين عن صدقهم ، فأثابهم ؛ ويسأل الكافرين عما أجابوا به رسلهم ، كقوله : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ، فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ) (٣) ، و (أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (٤) ، فحذف من الأول ما أثبت مقابله في الثاني ، ومن الثاني ما أثبت مقابله في الأول ، وهذه طريقة بليغة ، وقد تقدم لنا ذكر ذلك في قوله : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) (٥) ، وأمعنا الكلام هناك.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً ، إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ، هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً ، وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ، وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً ، وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً ، وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ / ١١٦.

(٢) سورة الأعراف : ٧ / ٦.

(٣) سورة القصص : ٢٨ / ٦٥ ـ ٦٦.

(٤) سورة الإنسان : ٧٦ / ٣١.

(٥) سورة البقرة : ٢ / ١٧١.