قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

البحر المحيط في التّفسير [ ج ٨ ]

146/572
*

رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ، وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ ، قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ ، قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ، قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ ، قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ، قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ، قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ، قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ، قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ ، قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ، فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ ، وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ).

ويروى أنهما انطلقا إلى باب فرعون ، ولم يؤذن لهما سنة ، حتى قال البواب : إن هنا إنسانا يزعم أنه رسول رب العالمين ، فقال له : ائذن له لعلنا نضحك منه. فأديا إليه الرسالة ، فعرف موسى فقال له : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً؟) وفي الكلام حذف يدل عليه المعنى تقديره : فأتيا فرعون ، فقالا له ذلك. ولما بادهه موسى بأنه رسول رب العالمين ، وأمره بإرسال بني إسرائيل معه ، أخذ يستحقره ويضرب عن المرسل وعما جاء به من عنده ، ويذكره بحالة الصغر والمنّ عليه بالتربية. والوليد الصبي ، وهو فعيل بمعنى مفعول ، أطلق ذلك عليه لقربه من الولادة. وقرأ أبو عمرو في رواية : من عمرك ، بإسكان الميم ، وتقدم ذكر الخلاف في كمية هذه السنين في طه. وقرأ الجمهور : فعلتك ، بفتح الفاء ، إذ كانت وكزة واحدة ، والشعبي : بكسر الفاء ، يريد الهيئة ، لأن الوكزة نوع من القتل. عدد عليه نعمة التربية ومبلغه عنده مبلغ الرجال ، حيث كان يقتل نظراءه من بني إسرائيل ، وذكره ما جرى على يده من قتل القبطي ، وعظم ذلك بقوله : (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) ، لأن هذا الإبهام ، بكونه لم يصرح أنها القتل ، تهويل للواقعة وتعظيم شأن. (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) : يجوز أن يكون حالا ، أي قتلته وأنت إذ ذاك من الكافرين ، فافترى فرعون بنسبة هذه الحال إليه إذ ذاك ، والأنبياء عليهم‌السلام معصومون. ويجوز أن يكون إخبارا مستأنفا من فرعون ، حكم عليه بأنه من الكافرين بالنعمة التي لي عليك من التربية والإحسان ، قاله ابن زيد ؛ أو من الكافرين بي في أنني إلهك ، قاله الحسن ؛ أو من الكافرين بالله لأنك كنت معنا على ديننا هذا الذي تعيبه الآن ، قاله السدي.

(قالَ فَعَلْتُها إِذاً) : إجابة موسى عن كلامه الأخير المتضمن للقتل ، إذ كان الاعتذار فيه أهم من الجواب في ذكر النعمة بالتربية ، لأنه فيه إزهاق النفس. قال ابن عطية : إذن صلة في الكلام وكأنها بمعنى حينئذ. انتهى. وليس بصلة ، بل هي حرف معنى. وقوله وكأنها بمعنى حينئذ ، ينبغي أن يجعل قوله تفسير معنى ، إذ لا يذهب أحد إلى أن إذن