أنا كنت في ضيق لأنني كنت مشتغلا عن العلم بالأحكام. فلما وصل توقيع ابن الخرزي بالقضاء فرح فرحا زائدا. وأنشدني القاضي عماد الدين قاضي سرمين في عزله :
إني وإن فهمت في الدنيا بحبكم |
| وبت من كل واش غير محترز |
فالرب يعلم في سري وفي علني |
| أني عن الدر لا أعتاض بالخرزي |
ومدحه الشيخ خاطر فقال :
يا سيدا نال في العلياء منزلة |
| سمت على فلك العلياء عن زحل |
لا تطلبنّ المعالي يا ابن بجدتها |
| فأنت من قبل تطلاب العلاء علي |
وله فيه :
أقول لأقوام رووا جود حاتم |
| وفضل ابن إدريس وقوم تقدموا |
لئن شرعا للفضل والجود مذهبا |
| فبابن خطيب الناصرية تختم |
وله :
لئن فخرت بالسبق طيء بحاتم |
| وطالت به في الملتين كرامها |
فبابن خطيب الناصرية أصبحت |
| على هامة الجوزاء تبنى خيامها |
وما ضر خير المرسلين جميعهم |
| إذا سبقته الرسل وهو ختامها |
ثم حضر ابن الخرزي إلى حلب بسرعة في أثناء شهر صفر من سنة ثلاث وأربعين ولبس تشريفه وسكن ببيت ابن سلار بالجلّوم ، فبلغ ذلك شيخنا فهم بالسلام عليه وأن يرسل له شيئا من الهدية ، فجاء إليه من أشار عليه أولا بما تقدم ومنعه من ذلك ، فأقام القاضي الجديد بحلب وأقام شيخنا ملازما بيته للأشغال والاشتغال. وكان مكبا على ذلك محبا للعلم وأهله وأذكر لك صفة اشتغاله ، كان يخرج من بيته إلى بيت الكتب من ثلث الليل الأخير فيطالع إلى صلاة الصبح ، ثم يصلي الصبح ثم يشتغل حتى يضحي النهار ، فيفتح عليه الباب للقضاء بين الناس فتدخل عليه الفتاوي والأوراق فيكتب على الفتاوي والأوراق ، فإذا فرغ من ذلك أقبل على المطالعة ، فإن جاء أحد يحدثه يجده يطالع فلا يتكلم معه إلا كلمة أو كلمتين ، ثم يقبل على المطالعة فإذا قرب الظهر أغلق الباب وأقبل على المطالعة حتى يدخل وقت العصر ، فيصلي العصر ثم يجيء إلى المدرسة الشرفية إلى عند